منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   الارشيف (https://www.liilas.com/vb3/f183/)
-   -   بانتظار الأمل بقلم زاهية بنت البحر متوقفه 2008 (https://www.liilas.com/vb3/t88962.html)

dali2000 29-08-08 05:55 PM

بانتظار الأمل (رواية لزاهية بنت البحر) الفصل السادس

في ليلة مقمرة من ليالي أيلول، جلس عادل وزميله أحمد على حافة مؤخرة السفينة يتسامران بين سماءٍ وماء، يؤنس وحدتهما القمرُ بدرًا، وخياله يتراقص تحت سطح البحر بجمالٍ أخاذ على أنغام صوت أم كلثوم من الجانب الآخر للسفينة، كأنه في حفل بين الأحياء البحرية، فتلهب المعاني بالصوت الرخيم والآهاتُ الحارقةُ أشواقـَهما لمن تركوهم في الجزيرة بانتظار عودتهما سالمين على أحر من الجمر، وما استطاعت النسمات العليلة المحملة بأنفاس البحر الباردة أن تخفف من لهيب الحنين في صدريهما، فبدت الحيرة بتهدج صوتيهما بحزن عميق، وهما يبثان شكوى الفراق وهموم الحياة، والنجوم الساهرة تسترق السمع إليهما عن كثب، وتسعد باستنشاق الشذى من حريق القلوب، ونورها يتمايل مع رفات الجفون.
تحدثا طويلا، وأنصتا للست كثيرًا، وطال الليل بهما متأرجحين بين حلم ويقظة، حقيقة وخيال، تلمع في عيونهما بعض دموع يحجرانها رجولة ً بتماسكٍ مؤلم، ماتلبث أن تختطفها النجمات طمعًا بالمزيد من دمع العيون.
هما يعلمان أن الحياة صعبة، متعبة ، مؤرقة، وأن الراحة فيها لاتكون إلا قليلا، ويعلمان أيضًا أنَّ العمل واجب مقدس مهما كان صعبًا ماداما قد اختاراه طواعية فيما قدِّر لهما من حياة أوجدهما الله فيها بظروف بيئية معينة، تفرض عليهما مثل هذا العمل فوق ظهر بحر لايعرف الرحمة في ساعات الغضب الرهيبة، قبلا به لتحسين ظروف الحياة في جزيرة نائية تعيش قلقة بين فصولٍ أربعة أشدها قسوة عليها الخريف والشتاء، تذكرا من سافر ولم يعد إليها، من مات حرقًا أوغرقا، ومن أحضر في تابوت، ومن لم يُحَْضَر منه سوى حقيبة تبكي فقيدها، تذكرا لوعة الأهل على فلذات أكبادهم وهم يشاهدون جنون البحر الأهوج أيام الشتاء، وكيف ينسون أنفسهم باحتلال الخوف قلوبهم، واهتياج مشاعرهم كلما سمعوا عواء الريح يملأ أجواء الجزيرة رعبا، وينشب أنيابه في أفكارهم بأسوء الاحتمالات، تذكرا من قضى نحبه بانتظار رجوع الربيع، فانتقلت الروح إلى ربها والغائب لم يعد والربيع أطال الغياب.
مضى النصف الأول من الليل، وقبل مضي ساعة من النصف الثاني منه، استدعى الربان البحارة ومساعديه على عجلٍ لأمر هام. انشغل الجميع بتحضير نقل المازوت للسفينة الأجنبية التي استنجدت بالربان، كي يزودها بالوقود الذي نفذ منها إثر ثقب حلَّ بخزان الوقود، فلم يعد لديها مايكفي لمتابعة الرحلة في عرض البحر. تمت العملية بنجاح، وقبض الربان ثمن المازوت بأضعاف ثمنه الحقيقي، وعندما ابتعدت سفينته عن السفينة الأخرى، راح يضحك بصوت عال ووزع على البحارة الحلوى مما جعلهم يستغربون أمره هذا، لم تطل مدة الاستغراب كثيرًا بالنسبة لعادل بعد أن أعلمه أحمد بأن الربان قد باع المازوت مغشوشًا بالماء، وقبض سعره غاليًا، وكان أيضًا قد استغفل مالك السفينة التي يعملان فيها، فسرق منه ثمن كميات وهمية من المازوت قبل الإبحار من الجزيرة، وهاهو الآن يفخر بسرقة السرقة.
أحس عادل بانقباضٍ في صدره مما سمع، استغفر الله كثيرًا، خاف أن ينتقم الله من القبطان فيغرق السفينة بمن فيها، ولكن إيمانه جعله يتماسك بعد وقت قليل ، مقررا بينه وبين نفسه أن يترك العمل مع هذ الربان عندما يصل إلى أول ميناء قرب اليابسة، سخر أحمد من سذاجة عادل فقال له: الربان الأمين في هذا الزمن عملة نادرة جدا، ليس هنا فقط ، وإن كانت أكثر ظهورًا عندنا عمن سوانا، إنهم يسرقون بطريقة أو بأخرى سرًا وعلانية، يسرقون ثمن المازوت، وثمن الطعام وحتى أجرة البحارة.

dali2000 29-08-08 05:56 PM

بانتظار الأمل (رواية لزاهية بنت البحر) الفصل السابع

ظل فكر عادل مشغولا بما أخبره به أحمد حتى ساعة متأخرة من الليل، نهض من فراشه، وعندما هم بالخروج من مهجعه استوقفه صوت أحمد: انتظر ني، أنا أيضًا أحس أرقًا.
جلسا هذه المرة في مقدمة السفينة صامتين وكأن على رأسيهما الطير. كان الجو جميلا وانبلاج الفجر يقترب موعد الإعلان عن مولده، بينما كان القمر يتجه إلى البعيد ليحل ضيفًا على مشاهدين له في مكانٍ آخر. نظر أحمد إلى عادل فرأى فيه قلبًا هو الآخر مسافر إلى حيث وليفه ، افتر ثغره عن ابتسامة خفيفة ويده تهوي فوق الجهة اليسرى من صدره، أحس بنبض قلبه يسرع رويدا رويدًا، فامتثل لأمر عقله في وقف تسرعه بمحادثة عادل عله يسترجع اطمئنان فؤاده بعد أن لعب به الشوق لأهله وخطيبته لمى، التي وعدها بإحضار مهرها والمبلغ اللازم لإتمام تجهيز بيتهما ومصاريف حفلة الزفاف . لمى ابنة خالته أجبرته أمه على خطبتها بعد وفاة والدها في الصيف الماضي، عندما كان يغطس في أعماق البحر مرتديًا بدلة الغطس "وهي عبارة عن ثوب كتيم ورأس نحاسي ذو نظارة زجاجية وحذاء رصاصي زنته بحدود 30 كغ , وأنبوب مطاطي يصل الى الآلة التي تزوده الأوكسجين والتي هي بنفس الوقت تعدل الضغط للغواص"لاصطياد الإسفنج، فتعرض لتأثير الضغط المرتفع تحت الماء فاختل ضغط جسده، ومات بعد خروجه من الماء بوقت قصير، كثيرون هم الذين قضوا نحبهم مثله، وقلما يمر صيف اصطياد دون أن يموت غطاس أو أكثر عدا عمن يصابون بشلل نصفي، أو إعاقة دائمة في أحد الأطراف، ورغم ذلك فاصطياد الإسفنج هو أهم وأسرع وسيلة للغنى، وأكثر اجتذابًا لشبان الجزيرة والغرباء أيضًا. لم يكن أحمد يرغب بالزواج من لمى لتعلق قلبه بفتاة رومانية وعدها بالزواج، وكان يصرف عليها الكثير من المال، ولكن والدته خافت أن تفقده بزواجه من الرومانية ، كما حدث مع الكثيرين من الشبان الذين تركوا الجزيرة وعاشو في رومانيا بالقرب من زوجاتهم أو عشيقاتهم، فأقسمت بالله إن لم يتزوج من لمى فلن تراه مدى الحياة. وبعد طويل تحدٍ ومقاومة استسلم رغمًا عنه، وانصاع لرغبتها بينما ظل قلبه يلهج بحب أنيتا. مرت الأيام وبدأ قلب أحمد يحول اتجاه دقاته نحو لمى خاصة عندما علم بأن أنيتا على علاقة بأكثر من واحد من البحارة الذي يرتادون الموانئ الرومانية من مختلف البلدان، ومالبث أن تعلق بلمى كليًا، وأحس بأن سعادته لن تكون إلا مع ابنة خالته العفيفة، النقية المحبة له.
لم يكن انتباه عادل شديدًا لحديث أحمد، سمع منه الكثيرلكنه لم يعِ منه إلا القليل، كأن بينه وبين سيادة وعيه حاجزًا أقامه الليلة ربان السفينة عندما سرق السرقة دون خوف من الله ولاخجل ممن يعرفون الحقيقة، أمور كثيرة ظلت تدق في رأسه بمطرقة تأنيب الضمير لسكوته على ماحدث، كان يعنف نفسه بشدة، فترد عنها اللوم باتهام أحمد أيضًا بالسكوت على ذلك، ولكن سكوت أحمد أكبر ذنبًا من سكوته هو، لأن أحمد كان على دراية بحقيقة الربان، ورغم ذلك لم يبدِ امتعاضًا بل الأنكى من ذلك فقد راح يسخر منه ويتهمه بالسذاجة، ومما زاد الطين بلة قوله بأن معظم القباطنة هم على شاكلة قبطان سفينتهم الغراء التي مازالت تشق طريقها في البحر دون أن تتأثر بما كان، أحس بالغيظ منها لكنه عاد يعذرها فهي أجير مأمور، عليها تلبية تعليمات الربان الموجهة إليها من غرفة القيادة يحركها بها كيفما شاء دون أن تبدي اعتراضًا على مايريد.

♫ معزوفة حنين ♫ 22-04-11 01:47 PM




متوقفة ، تُنقل للآرشيــف ..




الساعة الآن 11:52 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية