منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   الارشيف (https://www.liilas.com/vb3/f183/)
-   -   رحلة على جناح الأمواج (https://www.liilas.com/vb3/t88018.html)

كريستل 20-08-08 11:32 AM

رحلة على جناح الأمواج
 


الفصل الأول : غرباء في قطار



رفع آرثر ياقة معطفه الثقيل و هو يسير بخفة على الرصيف. كان الضباب المعتم فوقه يغطي محطة القطارات، فيما تهدر أصوات المحركات الضخمة نافثة سُحُباً من الدخان الخانق.


نظر آرثر من حوله ببطء، كل شيء يبدوا قذراً ملوثاً بالسخام. مطّ شفتيه و ضاقت عينيه في اشمئزاز : "لندن، يالها من مدينة قذرة .. قذرة! "


لقد تلاشى الآن افتتانه الذي أثارته مدينة لندن في نفسه، ببيوتها الفخمة و محلاتها الراقية و أناقة ساكنيها و روعة جوّها البارد المنعش، و نظر إلى ذلك كله في هذه اللّحظة مثلما ينظر المرء إلى حجرٍ لامع من ألماس زائف رُكّب على خاتمٍ صدىء قذر.



ماذا لو ترك كل شيء وراءه و عاد الآن إلى سوريا؟


أحس بوخزة سريعة من الحنين إلى الوطن. رغم أنه لم يولد على أرضها و لم تكن تجري في عروقه دماء عربية .. إلا أنه قضى أكثر من نصف سنوات عمره الأربعون فيها. هناك حيث دفء نور الشمس و زرقة السماء الصافية و حقول الورد و حدائق الزهر و البيوت الحجرية المتواضعة و الناس البسطاء ذوي اللهجة السلسلة المحببة.


أما هنا- في مسقط رأسه- فلا شيء سوى الجو الملوث و القذارة و الأكوام البشرية التي لا تنتهي، تتحرك و تجري و تتدافع. مملكة نمل مشغولة تكدح و تتزاحم هنا و هناك .. بل في كل مكان!


نظر آرثر إلى المقصورات المزدحمة باستياء: أناس! أناس لا يُعدّون و لا يُحْصَوْن! و كلهم ذو وجوه ... كيف يصفها؟ مملة! وجوه متشابهة بشكل فظيع!


رأى أن وجوه أولئك الناس و هو يثرثرون و يتجادلون تشبه وجوه الأرانب الجائعة، و حتى الفتيات لندن الجميلات بَدَيْنَ متماثلات إلى حدٍ يقبض الصدر.



فكر لحظة مع نفسه قائلاً : "ليتني لم آتِ إلى هنا أبداً"، هزّ رأسه فجأة مُردّداً بصوتٍ مسموع : "كلا! كلا!" ثم أخفض صوته متمتماً بتجهّم : " كلا .. ليس هذا وقت التردّد. لقد عقدت العزم على تنفيذ ما أريده و سأمضي فيه. نعم، لابد أن أمضي فيه حتى النهاية".


أطلق زفرة حارة و فرك يديه بقوة حتى يمدّهما بالدفء ثم حمل أمتعته و ركب القطار.



*********


عثر بعد عناء طويل على مقصورة بها مقاعد شاغرة، فتنهد الصعداء و سار في الممر بحذر حتى دخل حاملاً حقيبته الجلدية بيد واحدة و اتخذ له مقعداً.


كانت تفوح رائحة جو بار فاسد من المقطورات الأخرى، بينما هنا استنشقت رئتيه رائحة عطر باهتة ممزوجة برائحة الكبريت المنبعث من محركات القطار (حيث كانت النافذة مفتوحة).




على المقعد المقابل له حدّقت به عينان كبيرتان فضوليتان.


عينان في لون النحاس الأخضر لصبية في عمر الورود، لا تتجاوز الخامسة أو السادسة عشر.


كانت ترتدي تحت معطفها زياً خفيفاً بالكاد يتجاوز ركبتيها، بسيط جداً في تفصيله و خالٍ من البهرجة.. و في لونه الأصفر الفاتح بهجةُ الصيف.


شعرها ناعم كالمخمل ذا لونٍ أحمر قاني، ترفع مؤخرته و تربطه في شريط أسود خلف رأسها ليبرز كشعلة من نار! بينما تتناثر الخصلات الكثيفة الطليقة منه على جانبيّ وجهها البيضاوي المتورد الوجنتين.


كان آثر رجلاً ثاقب النظر قوي الملاحظة. لم تفته ملاحظة النوعية الفاخرة لقماش معطفها و فخامة قبعتها الصغيرة المزركشة بالورود و لمعان حذائها الأبيض. فتاة ثرية دون أدنى شك!



تأملها للحظات في هدوء دون اهتمام خاص. تبدوا كدمية صغيرة أنيقة الملبس بوجهها الطفولي البريء هذا، و لكنه-على عكس وجوه الدمى الجامدة التي لا تتغير تعابيرها أبداً- كان وجهاً بشوشاً ممتلئ بالحيوية و النشاط، يزينه نمشٌ خفيف و ثغر جميل باسِمْ.


فتاة ظريفة بلا شك، و إن كانت تفتقر تماماً لهالة السحر الأنثوي التي أحاطت بالمرأة التي تجلس بجوارها.


كانت رفيقتها في الجلوس امرأة حسناء ناضجة مكتملة الأنوثة، ترتدي زياً رمادياً أنيقاً يغطيه معطف خفيف من الفرو، و يُكلّل رأسها شعرٌ أشقر ذو خصلات متموجة لها لونُ حبات الذرة الذهبية.


عيناها واسعتان كحبتيّ لَوْز تلمعان كماستين، ذات جفنين ناعسين وتظلّلها أهداب كثيفة حريرية مقوسة. يسبح بؤبؤيها في بحرٍ أزرق فاتح شاحب شديد البرودة. عينان لا يُسبر غَوْرهما، اعتادتا الصمت و أجادتا ببراعة إخفاء أفكارها و حبس أسرارها داخل محجريهما، دون أن يقرأها مخلوق.


وجهها باهر الحُسن، شاحب البياض كأنه مرشوش بالطحين، ناعم و دقيق التقاطيع و كأن ملامحه نُحِتَتْ نحتاً!


وجه بشري هو أقرب – في جموده و جماله البارد- إلى وجوه تماثيل الملائكة المنحوتة في كنيسة ما، كأنها خرجت من إحدى اللوحات الزيتية.


لدرجة خيّل إليه أنها لو رمشتْ بعينها أو حرّكت شفتيها الحمراوتين المكتنزتين لوجد نفسه يفتح فاهُ ذهولاً .. كرجلٍ يصعق عند رؤية تمثال فاتن من الفخار تدبّ فيه الحياة فجأة!



كانت هي وحدها من استحوذت على اهتمامه بين المرأتين، أو بالأحرى لم تكن تلك الصهباء الجالسة عن يسارها – بالنسبة إليه- سوى فتاة حلوة ذات جسد كالعود أقرب لجسد طفلة لم تصل لسن البلوغ!


ما زالت أمامها بضع سنوات لتصبح امرأة بمعنى الكلمة، عندها ربما تفلح في جذب بعض الشبان اللّطفاء.


ترى كيف ستبدو عندها؟


للحظات معدودة سلّى آرثر نفسه بتخيّل هذا المنظر ..


منظر هذه الدمية الحلوة البريئة و قد تفتحت براعمها لتصبح شابة جميلة وديعة لا يعلو صوتها على الهمس، و تُحمر وجنتيها خجلاً فور سماعها عبارات الغزل و الإعجاب.


و الشقراء؟ لا بد أنها تجتذب الرجال –بمختلف أعمارهم- كالمغناطيس!


و لكن ليس لوقت طويل طبعاً، فمجردُ نظرة باردة مهذبة أو إشارة سريعة من كفها الرقيق هي سبب كافٍ لتجعلهم يقفون عند حدهم!


بمقدوره تخيلها بوضوح و هي تصدّ من يدنو منها دون أن تحرك عضلة واحدة، ففي جمالها البارد شيء ملائكي غامض يبعث على الرهبة.


لو أنه يسمع صوتها فقط حتى تكتمل الصورة! فمنذ أن جلس الغرباء الثلاثة معاً في نفس المقصورة حتى عمّ هدوء غريب أرجاءها، و لم ينطق أحدهم بكلمة أو يجامل الآخر بعبارة تحية، كل منهم شارد الذهن سارح الخيال.


فكر آرثر بكل هذا بهدوء و اتزان و قد ارتسمت على شفتيه ظل ابتسامة شاحبة، فهو لم يعد غلاماً غرّاً يخفق قلبه بجنون لصوتِ أو منظرِ امرأة حسناء ذهبية الشعر، لكنه لم ينكر إعجابه الخفي بها.


و تلك الفتاة الصهباء لم تكن-على أية حال- لأن تزيد من دقات قلبه نبضة واحدة .. مهما بلغت حلاوتها و ظرافتها و خفة ظلها، فهي تظل مجرد طفلة.



_ أتمارس التمارين الرياضية؟


انقطع حبل أفكار آرثر فجأة و طرفت عيناه قبل أن يقول : عفواً؟


أعادت الفتاة حمراء الشعر سؤالها : أتمارس التمارين الرياضية؟


ثم أشارت إلى حقيبته المركونة في زاوية بجانبه: "رأيتك و أنت تحملها بيد واحدة! لابد أن لك ذراعاً قوية العضلات، رغم كونك ضعيف البُنية".


انبعث صدى صوتها عبر الأثير منخفضاً حلواً تقطعه بحة مُحببة. فكر آثر في نفسه مبتسماً : "صوت حلو فيه نكهة الربيع، دافىء كليلة صيف".


هزّ كتفيه قائلاً : ليس تماماً. يمكنك القول أنني اعتدت السفر كثيراً لكنني لم أعتد على أن يساعدني أحد في حمل أمتعتي.


بدا الاهتمام يشعّ من عينيها و هي تميل برأسها تجاهه: حقاً؟ هذه المرة الأولى التي أسافر فيها! كنت أحلم بركوب قطار ما منذ أن كنت طفلة صغيرة. أتمانع إن سألتك ما هي أغرب الأماكن التي زرتها؟


لدقيقة أو دقيقتين أخذ يسرد عليها جزءاً من رحلته في جنوب أفريقيا العام الماضي و هي مبهورة تصغي إليه ملء أذنيها. ختم حديثه قائلاً : لم أعتد يوماً على التنقل براً. كان البحر دائماً و أبداً أنيس سفري المفضل.


صفقت بيديها باستماع طفل يستمع لحكاية خيالية شائقة : آه! أ تفضل السفر بحراً إذن؟ جدي كان جنرالاً حربياً في الأسطول الفرنسي. أتعرف؟ لقد اعتاد على أن يسرد لي قصصاً ممتعة عن كيفية أسر و تعذيب المجرمين الهاربين من العدالة عند تسللهم داخل السفن التجارية. يقول أن عصر حبيبات ليمون حامضة فوق جروحهم الناتئة هي أسهل طريقة لسحب اعتراف سريع منهم! رجل فظ صارم كان جدي، لكنني ما زلت أفتقده أحياناً.



لم يملك إلا أن يرفع حاجبيه مستغرباً حديثها عن التعذيب بهذا الشكل العادي اللا مبالي، لكنه سألها متداركاً الموقف : أقلتِ أن جدك فرنسي؟ أنت لست إنجليزية الأصل إذن؟


سيطرت على ضحكتها و قالت بصوت خفيض : "اسمي كلير جريس دوبوا! فرنسية أباً عن جد، هذا يفسر سبب لكنتي الإنجليزية الغريبة.. أليس كذلك؟. خالتي تتقن التحدث بها أفضل بكثير مني".


أشارت بإيماءة سريعة من رأسها للشقراء الجالسة إلى جوارها، فأومأت الأخيرة برأسها ببطء قائلة دون أن تنظر إليهما : "صحيح يا عزيزتي".


خرجت الكلمات الثلاث الوحيدة هذه بصوتٍ فاتر رتيب يوحي بالملل و رغبة بعدم المشاركة في الحديث، إلا أنه كان أكثر سحراً و عذوبة مما تخيله آرثر.


اتسعت ابتسامته و هو يضع يده على ذقنه قائلاً بصوت حالم و عيناه تختلسان النظر بين حينٍ و آخر إلى الحسناء الصامتة : "يُقال أن الفرنسيين شعب لا يعرف الرحمة في السلم أو الحرب. فهل تسامحين أعدائكِ بسهولة يا آنسة كلير؟"


_ ليس لديّ أعداء. ولكن لو كان لديّ...


_ نعم؟


كان يراقبها بهدوء مُمَتِعاً نظره بعينيها الكبيرتين اللتين تلمعان ببريق غريب، و فمها الصغير الوردي الذي تقوسّ طرفيه للأعلى في ابتسامة جميلة لا تخلو من القسوة .


_لو كان لديّ عدو .. أحدٌ يكرهني و أكرهه، لقطعتُ حنجرته .. هكذا!


و تلقائياً قرنت القول بالفعل .. فمرّرت سبابتها على رقبتها في إشارة معبرة توحي بالذبح .


جاءت حركتها الفظة تلك بسرعة خاطفة بحيث فاجأت آرثر و تركته يحدق بها مدهوشاً، ضحكتْ حتى تورّدت وجنتيها فابتسم لها بانشراح و قال: يا لكِ من فتاة عفوية متعطشة للدماء!


_ و ماذا ستفعل أنت بعدوك؟


_ أنا؟!


بهت للحظة ثم ضحك طويلاً و قال: لا أعرف .. لا أعرف!


هزّت إصبعها أمام وجهه و هي تردّد : آه! بل أنت تعرف .. بالطبع تعرف.


أشاح بنظره عنها و أطرق برأسه يفكر، ثم تسلل إلى شفتيه شبح ابتسامة صغيرة باهتة و هو يقول: بلى، أظن أنني أعرف.


كرّر العبارة مع نفسه مرة أخرى بهدوء تام و بوجه خالٍ من التعابير : " أعرف جيداً ".


انطلقت صافرة، و دوى صوت جهوري من مكان ما، فأغلقت المرأة الشقراء نافذة الشباك التي كانت تتأمل خارجها طوال الوقت، و بعد ثوانٍ تحرك القطار مبتعداً عن المحطة و عاد الصمت ليعمّ أرجاء المقطورة من جديد.



نهاية الفصل الأول


*********

mohamed adel 20-08-08 12:05 PM

اهلا بيكي في المنتدي
اسلوبك رائع في الوصف لكن سوال ماهي نوعية الرواية
استمري
ياريت رايك في اعمالي
http://i189.photobucket.com/albums/z...l/flower-2.jpg

كريستل 20-08-08 12:54 PM

اقتباس:

اهلا بيكي في المنتدي
اسلوبك رائع في الوصف لكن سوال ماهي نوعية الرواية
استمري
ياريت رايك في اعمالي


أهلا فيك أخوي (8


ألف شكر لك عالمدح ( ما أدري إن كنت أستحقه أم لأ XD )

بصراحة أنا كنت متخوفة جداً جداً من عرض قصتي، أولاً لأنها أول محاولة جادة لي في كتابة رواية، ثانياً لأني انقطعت عن الكتابة فترة طويييييييييلة فخفت إن أسلوبي تدهور.

أنا متأكدة إنها ما تخلوا من العيوب، فأتمنى لو أي أحد يذكر ملاحظة أو انتقاد لأني في أمس الحاجة لها ^^

نسيت أذكر إن الرواية راح تكون من نوع المغامرات و التشويق، و انتهيت بالأمس من كتابة الفصلين الثاني و الثالث بس قررت أتمهل في عرضها و أنتظر حتى أفسح مجال للأعضاء بقراءة أول فصل و التفاعل معه.

mohamed adel 20-08-08 01:35 PM

طالما الكتابة هي ماتحبين فا استمري في الكتابة واتني ماشاء الله اسلوبك ممتاز
اذا كنت تريدين من الاعضاء الاخرين التفاعل مع كتابتك اعطيهم ردود علي اعمالهم
ومنتظر رايك في اعمالي

jen 20-08-08 06:58 PM

اختى العزيزة كريستل
اهلا بكى فى منتدانا الحبيب ليلاس
http://www.liillas.com/up/uploads/im...bbe97ffe2c.gif
احب ان ارحب بكاتبة مبدعة انضمت حديثا الى زمرة كتاب ليلاس
استغربت كثيرا عندما قلتى انكى خائفة ان يكون اسلوبك تدهور فدعينى اؤكد لكى انه راااااااائع0000ما شاء الله
ابدعتى فى السرد والوصف فاحسست اننى اجلس مع ابطالك الجدد
انا فى انتظار القادم بشوق لاستمتع به كما فعلت مع الفصل الاول
اكملى ونحن متابعين لكى يا عزيزتى

dew 21-08-08 04:19 AM

حسناً ,,دعيني أبدأ بالقول أن العنوان جذبني ولم يسبق أن خانني إحساسي هذا ,,أي أن تعجبني القصة من عنوانها ,,عزيزتي روايتك شدتني منذ السطر الأول ولم أنتهي من استيعاب أن الفصل انتهى إلا عندما قرأت (انتهى الفصل الأول )
أسلوب جميل ووصف أروع للأمكنة ,,وللمشاعر ولأوجه الشخصيات ,,جميلة جدا ,,أعجبني الحوار المتسلسل والذي لايبدو عليه التكلف بل كأنه انساب معك ,,جميل جدا ورائع ,,
استمري عزيزتي نحن بانتظارك ,,

كريستل 21-08-08 02:54 PM



اقتباس:

اختى العزيزة كريستل
اهلا بكى فى منتدانا الحبيب ليلاس



احب ان ارحب بكاتبة مبدعة انضمت حديثا الى زمرة كتاب ليلاس
استغربت كثيرا عندما قلتى انكى خائفة ان يكون اسلوبك تدهور فدعينى اؤكد لكى انه راااااااائع0000ما شاء الله
ابدعتى فى السرد والوصف فاحسست اننى اجلس مع ابطالك الجدد
انا فى انتظار القادم بشوق لاستمتع به كما فعلت مع الفصل الاول
اكملى ونحن متابعين لكى يا عزيزتى

ألف شكر لك أختي على مرورك العطر وردك الرائع .. وألف ألف شكر على قراءتك لقصتي، سعيدة إلى أقصى الحدود أنها نالت على رضاك و استحسانك أيتها الغالية ^__^

و في الواقع هذه ليست أول مشاركة لي في المنتدى.. فقد سبق لي عرض عدة قصص قصيرة لكن لم تسنح لي الفرصة في عرض روايتي إلا الآن بعد غيبة طويلة ^^


لا تلوميني إن كنت خائفة و مترددة في عرض الرواية .. فهذه عقدة المبتدىء دائماً XD

مع أمنياتي أن لا تحرمنيني من ردودك و إطلالتك الحلوة




اقتباس:

حسناً ,,دعيني أبدأ بالقول أن العنوان جذبني ولم يسبق أن خانني إحساسي هذا ,,أي أن تعجبني القصة من عنوانها ,,عزيزتي روايتك شدتني منذ السطر الأول ولم أنتهي من استيعاب أن الفصل انتهى إلا عندما قرأت (انتهى الفصل الأول )
أسلوب جميل ووصف أروع للأمكنة ,,وللمشاعر ولأوجه الشخصيات ,,جميلة جدا ,,أعجبني الحوار المتسلسل والذي لايبدو عليه التكلف بل كأنه انساب معك ,,جميل جدا ورائع ,,
استمري عزيزتي نحن بانتظارك ,,

ليتني أقدر على وصف أثر كلماتكِ في نفسي غاليتي ..

أصدقك القول أنه ليست لدي أدنى فكرة كيف أشكرك على كلماتك العذبة التي أثلجت صدري ... والله أخجلتِ تواضعي بها ... ثم أنني بقدراتي البدائية في عالم الكتابة الرحب لا أدري إن كنت أستحق مديحكِ الرائع ^^


دمتِ بكل
ود

كريستل 21-08-08 02:56 PM



الفصل الثاني : يومٌ كباقي الأيام

" اللّعنة!!" ..


وثبَ الصبي للوراء تحت تأثير لسعة الألم المفاجئة مُطلقاً صرخة استياء حادة.



رفع يده اليمنى لا شعورياً و حدّق للحظات في الشفرة الدامية بنظرة حاقدة مشحونة بالغضب، ثم ما لبث أن رمى الخنجر من يده مشمئزاً ليصدر عن اصطدامه بالأرض الخشبية صدىً معدني رنّان .


" تباً .. تباً .. تباً!! "


طوال عشر ثوانٍ كاملة لم يقذف جوفهُ سوى هذه العبارة، و أتبعها بأن قفز و ضرب الأرض بقدمه عدة مرات في نوبة غيظٍ طفولية ...


و عندما هدأ (أروما كليمنسي) أخيراً لوى فمه و تمتم من بين أسنانه : "حسناً .. هذه أول و آخر مرة أحاول فيها حلاقة ذقني!"


لم تكن عادةُ سبّ الجمادات و تفريغ الغضب عليها أمراً جديداً عليه، و لم يكن مزاجه المتقلّب و نوبة حنقه المضحكة هو ما جعل منظره في تلك اللّحظة شبيهاً بالأطفال ... بل كان وجهه الفتيّ اليافع الذي يقطر براءة و طهارة .



لمس أروما خده و أخذ يمسح بأنامله خط الدم الرفيع الذي انحدر نزولاً إلى ذقنه ..


تحسّس جلده الناعم لبرهة قبل أن يزمّ شفتيه بإمتعاض ..


و أطلق من أعماقه زفرة حارة للمرة الثالثة هذا الصباح، و قد عاوده الشعور بضيقٍ انقبض له صدره و هو يتأمل انعكاس صورته في المرآة ..



انعقد حاجبيه لمرأى قامته الطويلة النحيلة البارزة العِظام التي لا تعطي انطباعاً بأنه على مشارف عامه السادس عشرة .


تنقّل ببصره صعوداً من جسده إلى جلده العاجي و بشرته اللّبنية البياض.


وجد نفسه هذه المرة يطيل النظر في وجهه الطفوليّ ذو القسمات الدقيقة المرسومة ... من أنفٍ مستقيم ، حاجبين رفيعين ، و عينين واسعتين كحيلتين، ثم في خصلات شعره البلاتيني التي تنسدل مرتخية على كتفيه تتخللها شمس الضحى فتحيلها ذهباً وهّاجاً.



لم تكن ملامح الجمال الفرنسي وحدها هي "الكنز" الذي ورثه أروما من والدته الراحلة ...


فلقد تكلّل رأسه البيضاوي بشعرٌ أشقر ثلجي كشعرها، تتدلى غُرّته على جبينه و تنسدل خصلاته الكثيفة لتلامس كتفيه النحيلتين كخيوطٍ حريرية من الذهب..


خصلاتٌ تفتنك و تتركك في حيرة .. فلا تكاد تميّز لها لوناً محدداً .


فتارةً تراها تتلألىء تحت أشعة الشمس حتى تكسوها غلالة دافئة كلون الذرة الصافي، و تارة أخرى يمدّها ضوء القمر ببريقٍ فضي، يبرز من خلاله سحر عينيّ أروما.. عينان منيرتان لونهما خليط من السماوي و الرمادي الفاتح.



لو كان فتاةً لوجد نفسه ينتفخ غروراً و تباهياً بما حباه الله من جمال، لكن كبرياءه الصبياني حوّل نعمة الجمال إلى نقمة لا فكاك منها و نقطة ضعفٍ مزعجة.


فلا يكاد يمر يوم دون أن يسخر أترابه من شكله "البنوتي" أو أن يظنه عابر سبيل ما "فتاة مسترجلة"، مما يجعل أمعائه تتلوى غيظاً في كل مرة.



و لا شيء يكاد يفقده صوابه أكثر من تعليقات (فرانسيس).


يا لتلك الخادمة العجوز! ..


تدلله دلال الأم الحنون لأصغر أطفالها، لكنها لا تستلذ إلا برؤيته يتقلّب قهراً من تعليقاتها الساخرة المحببة .


لحسن حظه أن معظم تعليقاتها تتركّز حول مزاجه المتقلب الشبيه بالأطفال أكثر من مظهره، و إلا لربما ما تحمّل العيش معها تحت سقف واحد أكثر من ساعة.




في تلك اللّحظة سمع آروما صوت خدش حاد متكرر خارج باب غرفته، فتسلّلت ابتسامة صغيرة ببطء على ثغره ..


تثاءب و هو يجيب : "انتظر لحظة، أنا قادم يا بلوتو" ..


كان بلوتو – وهذا هو اسم القط- حيوان أروما المدلل و أنيسه المفضل.


يلاعبه و يطعمه بنفسه، وهو بالمقابل يتمسّح به بمحبة و يلازمه حيثما تحرك في البيت. بل كان أروما يجد صعوبة لمنعه من اللحاق به في الشوارع.


كان قطاً رمادياً جميل الشكل كبير الحجم كثيف الشعر غزيره، وعلى قدر عجيب من الذكاء.


حتى أن فرانسيس- التي لا أثر للمعتقدات الخرافية في تفكيرها- كانت تشير بشيء من السخرية إلى الحكايات الشعبية القديمة (التي تعتبر القطط سحرة متنكرين) حين تتحدث عن ذكاء بلوتو.




خرج آروما من غرفته فقفز بلوتو إلى ركبته يغمرنه بمداعباته، و غرز مخالبه الصغيرة الغير حادة في بنطاله ليتسلق إلى صدره. ربت آروما على رأس القط بمحبة ثم حمله و نزل الدرج حيث صالة الجلوس.


"آه! انظر إلى نفسك، لقد زاد وزنك كثيراً. يا لك من قط كسول مدلل! "



جلس آروما على مقعده المعتاد أمام الطاولة، فتسلل بلوتو تحت مقعده و أخذ يموء و يمدّد ساقيه بكسل.


سمع بعدها صوت صفير خافت منبعث من المطبخ، و بعد دقائق دخلت امرأة بدينة متوسطة الطول، لها عينان صافيتان و وجه مدوّر مليح و وجنتين مكتنزتين، شعرها أملس بني داكن تشدّه دائماً للوراء ليلتف على شكل كرة كبيرة خلف رأسها.


دخلت مترنحة و هي توازن ثلاثة أطباق على ذراعها بمهارة.


ضحك آروما و مدّ يده قائلاً : "على مهلك يا فرانسيس، أتحتاجين لمساعدة؟"


صفعت فرانسيس يده بخفة و هي تنهره ضاحكة : "هراء! أ نسيت أنني عملت كطاهية و مدبرة منزل في خدمة عائلة كليمنسي منذ أن كنتَ طفلاً رضيعاً؟ اجلس بهدوء و تناول غدائك"


نظر آروما إلى الطعام و ضاقت عيناه. لحم مرة أخرى؟ ألم يتناولوه ليلة أمس؟ منذ متى كانت فرانسيس تبذّر المال بهذا الشكل؟ ميزانية المنزل لا تتحمّل شراء اللّحم أكثر من مرة بالأسبوع.


فهمت فرانسيس نظراته فجرّت شعره الطويل بخفة متمتمة : "كفّ عن هذا العبوس! هذا هو آخر ما تبقى من طعام ليلة البارحة. حاول أن تستميل السيد سايمون بالحديث في المرة القادمة كما قلت لك، علّه يزيد من راتبك بضع دراهم".



ارتجفت أوصال آروما رغم دفء جو المنزل.


أي شيء إلا السيد سايمون! كرامته كانت تأبى له أن يتوسّل لذلك الرجل البخيل حتى لو تضوّر جوعاً.


ما لم تعلمه هي أن آروما كان يخشى السيد سايمون، بل كان كل عصب من أعصابه يخشاه و يرهبه، و كانت كل مضغة من لحمٍ على عظامه تنكمش إذا ما هو اقترب منه!


حقيقة رفض دائماً الاعتراف لأحد بها، لكنه كان يدركها جيداً في أعماق أعماقه.


قرصت فرانسيس خده مبتسمة بمكر : " و ماذا هذا الجرح الذي على خدك؟ "


كاد ينتفض من مكانه قائماً : "لا .. لا .. لاشيء! تشاجرت مع أحد الحمقى بالأمس"


هزّت رأسها بعينين نصف مغمضتين متظاهرة بتصديقه : "آه! هكذا إذن .."


تصنّع ضحكة زائفة هو نفسه لم يصدقها : "أ.. أجل، هذا كل ما في الأمر.."


ربتت على كتفه بإبتسامة واسعة :"طبعاً طبعاً، بالتأكيد. لنفترض لو أنني أرسلت "روزماري" بعد قليل لترتيب غرفتك، فإنها لن تجد خنجر أبيك مرمي على الأرض و به آثار دماء؟"


رمقها آروما بنظرة حادة عابسة، من نوع النظرات التي يستحيل ألاّ يلحظها أحد! فهو يضيّق عينيه إلى أقصى حد و يصرّ على أسنانه بقوة.


سدّدتْ ضربة مباغتة براحة يدها على ظهره و هي تقهقه : " صغيري! لا عليك. ستكبر يوماً ما و سينمو على ذقنك شعرٌ تعتز به و تحلقه كالرجال".


ضرب جبينه براحة يده تعبيراً عن يأسه، ثم دفن وجهه على الطاولة و سألها مغيّراً الموضوع : "أين هو أبي؟"


ابتسمت له ابتسامة صغيرة فيها شيء من الحزن قائلة : "والدك لم يستيقظ بعد يا عزيزي، أظنه تناول عشائه في غرفته ليلة أمس"


رفع رأسه قليلاً محدقاً في الفراغ و قد تغير شيء ما في تعابير وجهه:


_ ... كالعادة ؟


افتلّ خصلة طائشة من شعره و راح يلويها حول إصبعه، عادتهُ المألوفة حين يشرد بذهنه ..


_ ما الأمر؟


أجاب بصوت خفيض بعد لحظة صمت طويلة :" لا شيء، سأترك له اللّحم ليتناوله على العشاء".


فتحت فرانسيس فمها لتعترض ثم عادت لتغلقه مدركة مدى عناده. دسّت في جيبه قطعة خبز طازجة و طبعت قبلة حانية على جبينه.


ابتسم لها آروما بامتنان و نهض متكاسلاً من مقعده، فاندفع بلوتو بين قدميه و أوشك أن يوقعه.


نهر آروما القط بينما عجزت فرانسيس عن كتم ضحكتها و هي في طريقها لحمل الأطباق إلى المطبخ.



توجه آروما إلى باب المنزل الرئيسي يتبعه بلوتو، و قبل أن يتجاوزا عتبته صاحت صوت فرانسيس فجأة : "آه! لحظة! انتظر، كدت أنسى.."


_ ماذا هناك؟


_ السيد سايمون بعث قبل ساعة برسالة يقول فيها أنه يريدك في أمر ما.


تجمّدت ساقاه و اتسعت عيناه بذعر : "و .. ولكن! اليوم هو يوم عطلتي! ماذا يريد مني؟"


_ لا أدري، "روزماري" تقول أن الأمر عاجل.


_ حسناً! حسناً! .. أنا ذاهب.


تأفف و تمتم من بين أسنانه متوجهاً إلى حيث متجر السيد سايمون : " و هل سبق أن جاءت "روزماري" بخبرٍ ينشرح له الصدر؟"




********



ذات ليلة ممطرة – قبل خمس سنوات مضت- كان سايمون عائداً إلى بيته و هو يترنح و يتمايل و يصطدم بالجدران من فرط السكر.


وقتها خيّلَ إليه فِكرهُ المريض أن كلبه سبايك يتجنبه و يتجاهل وجوده؛ فقبض على ذيله بعنف، وإذ فزع سبايك بفعل هذه الحركة المفاجئة فجرحه بأسنانه جرحاً طفيفاً.


تملك سايمون غضب الأبالسة وارتعد كل عرق في جسده بفعل حقدٍ شيطاني غذّاه السمّ الذي يسمونه خمراً.


فتناول من جيب سترته سكيناً، وقبض على عنق الحيوان المسكين واقتلع عامداً إحدى عينيه من محجرها!



بعدها بأسابيع أخذ الكلب يتماثل للشفاء تدريجياً. صحيح أن تجويف العين الفارغ كان يشكل منظراً مخيفاً حتى هذا اليوم، لكن لم يبد عليه أنه يتألم، وعاد يتنقل في البيت كسابق عهده.


غير أنه، كما هو متوقع، كان ينطلق هارباً و قد استبد به الرعب كلما لمح طيف سايمون أو سمع خطواته تقترب منه.


تلك الحادثة زرعت الخوف في قلب كل من يتعامل مع سايمون، فتكفي نظرة واحدة لكلبه الوفي ذو العين الواحدة حتى يُدركوا مدى وحشية هذا الرجل الضئيل الهادىء عندما يفقد أعصابه و قدرته على ارتكاب أشنع الفظائع لو استبّد به شيطان الغضب.



هو رجل غريب الأطوار عجيب الطِباع، قليل الكلام و خفيض الصوت. لا يُعرف له عمر محدّد و لا اسم عائلة و لا أي شيء عن ماضيه المجهول سوى أنه بحّار سابق من أصول تركية، تجاوز منتصف عمره و تزوج مرتين دون أن ينعم بأطفال، و هو الآن يقتات كفاح يومه من عمله في متجره الصغير لبيع الأسلحة.


ذو قامة محنيّة متوسطة الطول ضعيفة البُنية، وجهه شاحب نحيل ذو ذقن حادة حليقة الشعر و سحنة مُكفهرّة لا تُشرق بابتسامة أبداً، و له أنف طويل رفيع -تستقر فوقه نظارات صغيرة لامعة- يعرف كيف ينظر من فوقه بحدة لتحقير من يراه إذا أراد ذلك.


كان من نوع الرجال الجادين الذي استعبدتهم أعمالهم، فعندما تتوفر لديهم ساعة فراغ لا يدرون ماذا يفعلون بها. و طبيعته الإنطوائية جعلته منغلقاً على ذاته لا يختلط بالناس لسنوات عديدة.


لحسن حظه أن "هوايته" الوحيدة شغلت جلّ وقت فراغه حتى كاد لا يشعر بالملل معظم أيامه.


هواية تصيب آروما -لسبب ما- بقشعريرة و قرف شديد.




طرق أحدهم الباب بيدٍ مرتعشة ثم دخل المتجر ماشياً بخطى ثقيلة بطيئة و كأنه يجرّ قدميه جّراً.


انتبه سايمون لقدومه فترك ما كان بيديه، ثم نهض ببطء و وضع ذراعيه على الطاولة العتيقة التي تفصل بينهما، و أومىء برأسه تجاه أحد الكراسي.


جلس آروما على الكرسي و هو يلتفت من حوله حائراً و دقات قلبه تتسارع مع كل دقيقة صمت تمر.


تمالك أعصابه و بلع ريقه بصعوبة قبل أن يقول :"هل أرسلت في طلبي يا سيدي؟"


حدجه سايمون بنظرة جامدة لا مغزى لها قبل أن ينقر بسبابته على الطاولة و يقول : "هل تناولت غدائك؟"


طرفت عينا آروما دون أن يستوعب السؤال، ثم هزّ رأسه بالنفي.


تسلّلت يد سايمون نحو سلة بالقرب منه بخفة لم يشعر بها آروما، و ما هي إلا برهة حتى قذفتْ تلك اليد بشيء دائري أحمر فالتقطه آروما قبل أن يصيب جبينه.


_ كُلْ.


نظر آروما إلى التفاحة التي استقرت بيده بدهشة ثم قرّبها من فمه متردّداً، و بقي صوته و هو يقضمها ببطء هو وحده الذي كسر حاجز الصمت لدقيقة كاملة. دقيقة لم يجرأ فيها آروما على أن تقابل عيناه نظرات السيد سايمون.


_ هل انتهيت؟


هزّ آروما رأسه هذه المرة بالإيجاب.


_ جيد، لأنني سأرسلك في مهمة عاجلة لا أريدك أن تفقد وعيك من الإعياء خلالها.


أدار سايمون ظهره و فتح أحد الأدراج مقلبّاً الأغراض بعناية و أخرج منها صورة ما، ثم عاد و التفت إلى آروما متابعاً حديثه :


_ أريدك أن تتوجه بعد قليل إلى محطة القطارات التي تبعد من هنا سبعة أميال لتقلّ رجلاً و ترسله للإقامة في فندق "كوينز" غرفة 23. أسمعتني؟ فندق "كوينز" غرفة 23. لا تقبل بأي غرفة أخرى، و إن أعترض أحدهم قُل لهم إنه مُرسل من طرف السيد سايمون.. هذا سيكفي بإقناعهم.


لم يخطر ببال آروما أدنى شك بأن ذلك بكفيل بإقناعهم حتماً!


أعطاه سايمون الصورة التي كانت لرجل في حوالي الأربعين من العمر، مليح الوجه، أنيق الملبس، ذو عينين رماديتين توحيان بذكاء حاد.


_ اسمه "آرثر استيبان".. تمعّن فيه جيّداً. سيأتي إلى المدينة على متن القطار القادم من لندن بعد ثلاث ساعات. اذهب الآن و نفّذ ما طلبته منك، و لا تطرح عليه أي أسئلة. مفهوم؟


هزّ آروما رأسه للمرة العاشرة ربما، و عندما انتزع سايمون الصورة منه و أعادها إلى حيث كانت استأذن آروما بالإنصراف.


حدجه سايمون بذات النظرة الجامدة الخالية من التعبير و علت طبقة صوته الخفيض قليلاً و هو يقول: "و لا تأتي بقطك إلى هنا مجدّداً، لا أريد أن يطارده سبايك في أنحاء المتجر".


حمل آروما بلوتو و العرق يتصبّب من جبينه و هزّ رأسه من جديد، و ما كاد يقترب من باب المتجر ليتنفس الصعداء حتى انبعث صوت سايمون عبر الأثير هامساً كفحيح أفعى: "في المرة القادمة لا تترك غدائك حتى يبرد".


نظر آروما إلى قطعة الخبز التي تيبّست داخل جيبه، فإرتعش جسده رعشة خفيفة و خرج مسرعاً دون أن ينطق فاه بحرفٍ واحد.



نهاية الفصل الثاني



********

jen 21-08-08 05:47 PM


:55::55::55::55::55:
برافوووووووووووووووووووووووووو
كل فصل اكتشف انكى كاتبة مبدعة وموهوبة
انتى بارعة فى الوصف
لا تتصورين كم استمتعت بقراءة الفصل الثانى
مشاعر شخصية اروما وصلتنى بحذافيرها
وتركت خلفها تساؤلات عديدة 00فالى اين تتجهى بنا بروايتك الجميلة الغامضة؟؟؟؟
انتظر القادم بشوق يا كريستل
لا تتأخرى ياعزيزتى00000

كريستل 21-08-08 07:42 PM


اقتباس:

برافوووووووووووووووووووووووووو
كل فصل اكتشف انكى كاتبة مبدعة وموهوبة
انتى بارعة فى الوصف
لا تتصورين كم استمتعت بقراءة الفصل الثانى
مشاعر شخصية اروما وصلتنى بحذافيرها
وتركت خلفها تساؤلات عديدة 00فالى اين تتجهى بنا بروايتك الجميلة الغامضة؟؟؟؟
انتظر القادم بشوق يا كريستل
لا تتأخرى ياعزيزتى00000
0.0 *وجهها صار طماطة من الإحراج* شكراً شكراً حبيبتي! إطرائك الجميل رفع من معنوياتي للسحاب ^____^

الحمد الله إن آروما عجبج! بما إنه راح يكون الشخصية الرئيسية في هالرواية كنت خايفة إنه يمكن ما يحظى بقبول و يملل الناس من الرواية XD

الفصل الثالث حالياً جاهز و راح أعرضه بعد ساعة بالكثير .. بس إحتمال أتأخر شوي في عرض الفصل الرابع لأنه راح يكون أطول من المعتاد و أحداثه متشابكة أكثر ^^

و مرة ثانية حبيبتي أشكرك من أعمااااااااق قلبي على متابعتج لي..

ما عندج أي فكرة شكثر أفرح من وجود "جمهور" يتابع ما أكتبه و يتفاعل معاي بدل من أن يكتفي بكلمة شكر واحدة فقط ثم لا يعود.

و أتمنى الفصل الثالث ينال إعجابج لأنه حالياً هو الأهم من حيث مسار الأحداث <_<

و إذا عندج أو عند أي أحد ملاحظة سلبية أو انتقاد فلا يتردد أبداً في إعلامي لأني أدري إن كتاباتي مو كاملة و لا تخلوا من العيوب ^^


كريستل 21-08-08 08:24 PM



الفصل الثالث : صفقة



توارى قرص الشمس الملتهب وراء الجبال، مُخلّفاً وراءه ظلاً أحمر قانياً امتد على طول شوارع بلدة (كليفليند)..


تلك البلدة الصغيرة الهادئة التي تقع على ساحل البحر في ايرلندا و يعيش سكانها على صيد الأسماك، و التي لا تعرف شيئاً عما يدور خارج حدودها.


فهي أشبه ببركة ماء راكدة لا يحرك سطحها شيء، و ما يحركها لا يدوم.




الوقت الآن هو وقت المغيب .. و اليوم هو يوم الأحد ...


يومٌ مقدسٌ بالنسبة لكل من ابتلّ بعرقه و تلظى جلده تحت قيظ شمس الصيف الحارقة.


اكتسب هذا اليوم أهميته العظيمة لكونه يوم العطلة الوحيد طوال الأسبوع، حيث ينتظره البحارة بفارغ الصبر حتى ينعموا فيه بلحظات ثمينة من الراحة و الاستجمام .


و مرادف كلمتيّ "راحة" و استجمام" في قاموس (روبرت أولدن) لا يختلف كثيراً عن زملائه من بحارة البلدة .


فقد حان الوقت إذن ليرتاح بعد أسبوع عمل طويل مضني...


و طبعاً لن يغطس في حوض ماء ساخن و هو يعبث بسيجار سميك بين أصابعه!


و لن يشرب النبيذ الفاخر و جسده المترهل ممدّد على فراشٍ من حرير أمام فتيات حسناوات يدلكنَ ظهره!


لا شيء من هذا أو ذاك من ترف الحياة الذي لم و لن يتذوقه أبداً ..


و إنما سيتوجه كعادته إلى مكانه المحبب، المكان الذي يتناول فيه طعامه و ينصت لأفكاره بحرية ليسمح لها بأن تسحبه معها إلى عالم أحلام اليقظة اللّذيذ ..


سيذهب إلى "مقهى العميان"! ...




* * ****




اجتاز "روبرت أولدن" باب المقهى الخشبي المُهلهل، الذي عُلّقت فوقه لوحة مستطيلة آيلة للسقوط، كُتب عليها اسم المقهى السخيف بأحرف كبيرة و خط غريب شبه ممسوح (نتيجة لذرات الغبار المتراكمة التي خلّفتها السنين).


مع مرور السنين نسي الزوار أو تناسوا اسم المقهى الأصلي و أطلقوا عليه لقب "مقهى العميان".


ذلك لكونه مقهىً صغيراً ضيقاً مزدحماً بالكراسي و جوّه معتم لا تنيره سوى إضاءة ضعيفة خافتة، فكان الناس– المغشية عيونهم من ضوء الشمس القوي في الخارج- يترنحون إذا دخوله و يصطدمون بالكراسي متلمسين طريقهم كالعميان!




هنا حيث قعقعة الكؤوس و رائحة الجعة و البُن الممزوجة بدخان السجائر ..


لكم أحب روبرت هذا المكان !



وزّعَ روبرت عبارات التحية و السلام على وجوهٍ عرفها من قريب أو بعيد خلال سنوات خدمته الطويلة في ميناء البلدة ..


ثم توجه إلى نهاية القاعة، حيث اقتعد كرسياً في بقعته المعتادة منذ أن حلّ زبوناً على هذا المقهى لأول مرة .


أشعلَ سيجارته بهدوء تام، و نفثَ من فمه بين الحين و الآخر دخاناً رمادياً ليتصاعد الهوينى و يمتزج بجو المكان.


- يا (وودي)، قدحاً من القهوة كالعادة..


- تحت أمرك يا أستاذ! ..


كان هذا نادل المقهى.. وودي، شاب مرح حلو المعشر عذب اللّسان في أوائل العشرينات من عمره..


لن تغفلَ – و أنت تنظر إليه - عينيه المتقدتين و حركاته الرشيقة البارعة و هو يقدم لك ما طلبتْ في أقصر وقت ممكن.



بعد أن ارتشفَ شيئاً من شرابه، لمحَ روبرت على بُعد أقدامٍ منه ولداً نحيلاً تكسو وجهه المُصفر ذرات الغبار و تتصبّب قطرات العرق من جبينه المَحْنِيّ .


كان الصبيّ يتجول جيئة و ذهاباً بين الموائد، عارضاً على الزبائن ما لديه من جرائد ورقية بعينين خانعتين رقيقتين و ابتسامة صغيرة واهنة تلمح فيها أقصى درجات الرجاء .


تنقلت عينا الصبيّ يميناً و يساراً بين رواد المقهى بحثاً عن زبائن ..


لمحَ أثناء ذلك رجلاً فارع الطول خمريّ البشرة، مربع الوجه ذو شارب كثيف، في الأربعينات من العمر، تبدوا عليه سيماء العسكرية، و يجلس وحيداً في بقعة بعيدة .


فبقيَ للحظات ينظر إليه بفضول ..


لاحظ روبرت نظرات الصبي الموجهة إليه .. فرفعَ يده ملوحاً، مرة و مرتان.. و في الثالثة فهم الصبيّ أنه المقصود فهرع يركض مُسرعاً ناحيته..


– أعطني واحدة يا ولدي..


- حاضر يا سيدي، لحظة.. هاهي ذي واحدة! .. تفضل.


نقدهُ الثمن زائداً بدرهم أو درهمين، و لما دفع له بالباقي امتنعَ روبرت بإشارة من رأسه ثم أشار للصبيّ بالانصراف..


فتهلّلت أساريره و أخذ يردّد بحرارة:


- شكراً يا سيدي.. شكراً جزيلاً لك!


ثم ابتعد و عاد يهتف:


- آخر الأخبار .. من يشتري؟ آخر الأخبار ..




* * *



عاد روبرت ليرتشف جرعات من القدح، ثم أخرج من جيبه نظارة دائرية سميكة و قام بإرخائها على مقدمة أنفه حتى ينهمك بقراءة جريدته، إلا أنه اضطر مرة أو مرتين بتقريبها من عينيه أكثر ..


فخلال العامين الماضيين أصابه ضعف شديد في بصره لدرجة أعاقت عمله في المراقبة اللّيلية في منارة البلدة.


و قد لعبتْ المصادفة وحدها دوراً في أن يتعرّف خلال أحد رحلاته البحرية على تاجر سلعٍ مسروقة أهداهُ نظارة لامعة حديثة الصنع ( كعربون شكر نظيرَ خدمة قدمها له روبرت ) .


لم يكن هذا النوع من النظارات الدائرية السميكة أمراً اعتاد الناس الفقراء رؤيته كل يوم في أوائل القرن الثامن عشر، أو على الأقل بالنسبة لسكان بلدة كليفليند شبه المنعزلة عن العالم الذي يقبع خارج حدودها.


لذلك قوبِلَتْ هدية روبرت بشيء كثير الفضول، و شيء يسير من الحسد من قِبَلِ أشخاص لم يحالفهم نفس الحظ .




تصفّحَ روبرت الجريدة بضجر مقتصراً على العناوين الرئيسية، و بينما كان يتسلى بتحريك السيجارة بين شفته الغليظتين و الحملقة بلا انتباه بين السطور، اجتاحه إحساسٌ غريب!!..




* * *



لا شك أن هذا الإحساس الكريه معروفٌ لدى الجميع في بلدةٍ صغيرة كهذه..


عندما تشعر و كأن حواسكَ قد اهتزّت فجأة و بطريقة غامضة، ذلك الإحساس الذي تتقلب فيه معدتك قلقاً و توتراً ...


الإحساس بأن قفاكَ أصبح هدفاً مباشراً لنظراتِ شخصٍ ما !


و هذا ما عكّر صفو روبرت و اضطربت بسببه أعصابه، فالتفتُّ إلى يساره - بحركة غريزية - و رأى أحدهم يُصوّب نظراته تجاهه من تحت حاجبين كثّين ..


رجلٌ قصير القامة أصلع الرأس و معقوف الأنف، يرتدي معطفاً خفيفاً بالياً قاتم اللّون، يجلس و قد أرخى ظهره في كرسيه في أمثل مشهدٍ للخمول و الكسل.



"ذلك الوقح! ما باله يحدّق بي هكذا ؟!"...


حاول روبرت جاهداً أن يتجاهله و أن يتظاهر بالاسترخاء و اللامبالاة، و لكن مواهبه التمثيلية الضحلة لم تخدع أحداً .


عاد إلى جريدته، و حشر وجهه بين صفحاتها الطويلة العريضة، رغبة منه أن يشغل نفسه بأي شيء ليطرد عنه هذا الإحساس السخيف بالتوتر ...


لكن سرعان ما وجد نفسه عاجزاً على أن يفقه كلمة واحدة مما يقرأ ! ..


فالكلمات المتناثرة بانتظام على صفحات الجريدة بدت له غير مفهومة – في خضم نوبة توتره المتصاعدة- بل و أصبح منظرها في تلك اللّحظة أشبه بخربشات دجاج!


مرت دقائق معدودة قبل أن يختلس نظرة أخرى ساخطة خلفه، ليلمح من جديد ذلك الرجل القصير الأصلع بعينيه الصغيرتين اللاذعتين المركزتان عليه ..


عينان جامدتان لا يُسبر غورهما .. بقيَ يشعر بنظرتهما الباردة تنزلق على ظهره، و تعبر فوق كتفيه حتى تخترق عموده الفقري كإبرتين حادتين!


"سحقاً لذلك اللّعين! .. ألا يزال يحدق بي؟! ماذا يريد مني؟؟ ... و ماذا الذي فعلته طوال حياتي البائسة حتى يتعقبني رجل يبدوا و كأنه من جواسيس البحرية الملكية"!!


تصاعدت موجة مكبوتة من الغضب المُستعر بأعماق روبرت و لعن نفسه في سره. فكيف لرجل عادي غبي المظهر أن يثير بداخله كل هذه الهواجس الحمقاء؟! و هو الرجل المربوع ضخم الجثة الذي عاش نصف عمره على سطح السفن عابراً المحيطات و مخترقاً أهوالها ..


بِيَدِ أن الرجل الأصلع لاحظ انتباه روبرت له فاكتفى بالابتسام و إطالة النظر إليه...


للصبر حدود كما يقولون .. و روبرت ، رغم صلابته و برودة أعصابه، ليس بشاذٍ عن هذه القاعدة المعروفة .


لهذا السبب انتصبَ من مقعده على الفور و أزاح كرسيه بهدوء إلى الخلف كإشارة تحذير متعمدة، ثم خطى نحو خصمه بثبات .



الغريب أن الرجل الأصلع لم تهتز له شعرة أو يرف له جفن، بل لمع بريقٌ ما في عينيه الغائرتين و اتسعت ابتسامته.


و الأغرب أن ابتسامته لم يكن فيها شيء من السخرية المبطنة أو الاستمتاع البغيض، بل بدت ودودة متلهفة كابتسامة ترحيبٍ بضيف انتظر قدومه طويلاً .


و ما أن أصبح "ضيفه" على بُعد خطواتٍ منه حتى أزاح له كرسياً على الطرف المقابل من المائدة ليجلس عليه.



وقف روبرت أمامه منتصباً و قد لمعت عيناه بغضبٍ عظيم مكبوت و انتفخت أوداجه كثورٍ على وشك الانقضاض على فريسته ..


_ هلاّ تفضلت بالجلوس يا سيدي؟


_ هلاّ أخبرتني ما قصتك يا هذا و أنت..


_ اجلس، اجلس من فضلك! أكاد أقسم أنني رأيتك من قبل..



حدجه روبرت بنظرة طويلة متفحّصة و قد خمدت فجأة جذوة غضبه، لعله صوت الرجل الذي بدت لهجته صادقة خالية من التملّق.


حزم أمره سريعاً فجلس على الطرف المقابل للمائدة حذراً دون أن تبرح عيناه وجه خصمه.


لاحظ روبرت فوراً أن الرجل يقبض بيده اليسرى صفحة ملفوفة من الجريدة.



_ الجرائد لا تُباع بكثرة في هذه البلدة، فقليلون من يجيدون القراءة و الكتابة هنا، أليس هذا مؤسفاً؟


حدّق به روبرت بنظرة حادة كشفرة سيف! بينما ابتسم له الرجل الغريب ابتسامة عريضة، فبدت أسنانه النخرة التي تفضح أعواماً قضاها بالتدخين بشراهة و الإدمان على شرب القهوة.


أراح الغريب كوعيه على المائدة و رفع ساعديه عاقداً أنامله تحت ذقنه، و تابع حديثه بعد لحظة صمت: "و لكن أين هو الأدب؟ نسيت أن أعرفك بنفسي، اسمي هو "كلايد" يا سيد.. آه! بماذا أناديك؟"


لفظ كلمته الأخيرة بطريقة غريبة غامضة أثارت التوجس و الريبة بأعماق روبرت، فـ"كلايد" هذا لم يسأله عن اسمه بل قال .. "بماذا أناديك؟"...


_ روبرت .. روبرت أولدن.


رفع كلايد حاجبيه مستغرباً و كأنه توقع اسماً آخر، تسائل روبرت إن كان يظنه شخصاً آخر .. رجلاً آخر شبّهه به، هذا يعني أن جلستهما اللّطيفة هذة ستنتهي قريباً .. لكن حتى هذا لم يبعث نفخة من الإرتياح بصدر روبرت.


لم ينتبه إلا عندما مدّ كلايد عنقه نحوه - حتى كاد وجهه يلتصق بوجه روبرت - ثم همس و عيناه تبرقان مكراً: أ هذا ما تسمي نفسك به الآن؟


جحظت عينا روبرت على اتساعهما و أحسّ بعموده الفقري يتصلّب و كأن ماءاً ثلجيّ البرودة قد صُبَّ على ظهره.


لقد صدق حدسه إذن!


و في لحظات عاد الغضب المُستعر يتصاعد بداخله كموجه عاتية ابتلعت خوفه و اضطرابه.


_ أعد ما قلته أيها اللّعين!



عاد كلايد و اعتدل في جلسته و رشف قهوته بإستمتاع غريب، كأنه يجد لذة ما في شعوره بمدى كراهية روبرت له في هذه اللّحظة.


_ أنصحك أن تخفض صوتك يا سيدي، فنحن في مكان عام مليء بالزوار كما تعلم.


التفت روبرت من حوله و قد فهم ما يرمي إليه كلايد، فهو عاجز عن أذيته الآن بوجود كل هؤلاء الشهود .. مما يمنح كلايد فرصة للحديث كما يحلو له، و ما داما في بقعة بعيدة منعزلة بعض الشيء عن بقية رواد المقهى فليس هناك خوف من أن يختلس أحدهم السمع على حديثهما.


عاد روبرت يحدّق بخصمه مكشّراً عن أنيابه و قد تكوّرت قبضتا يديه و هو يقاوم رغبة جامحة بقلب المائدة على وجه كلايد.


_ قل لي كيف ... بل ما الذي تريده بالضبط؟


لوّح كلايد بصفحة الجريدة التي قبض عليها بيده اليسرى قائلاً :"لنقل أن خبراً تافهاً ها هنا قد أنعش ذكرى قديمة بمخيلتي.."


انتزع روبرت صفحة الجريدة منه بخشونة واضحة ونظر في ما كتب فيها، فوجد تاريخ اليوم الموافق الثالث عشر من شهر مارس مع عدد من الأخبار التجارية العادية و بضعة أخبار محلية..


لم هناك شيء يثير الإهتمام سوى فقرة صغيرة كُتبت في أحد الإعلانات، فقرة حرص كلايد على تخطيطها بقلمه حتى يُمعن روبرت بقراءتها جيداً.


استغرق الأمر من روبرت ثوانٍ معدودة حتى يستوعب ما قرأه، فغر فاهُ و ترك فكّه السفلي يرتخي في ذهول .. و انتفض جسده كما لو أن شحنة كهربائية قد سَرَتْ خلاله!


رفع رأسه ببطء بعد دقيقة و جمع كل ذرة كره و بغض في كيانه و لفظ كلماته كمن يلفظ أحدٌ سمّاً من جوفه :


_ أتحاول ابتزازي أيها القذر؟!



لوّح كلايد براحة يده مبتسماً ابتسامة الأب الذي يستمع للغو طفله المشاغب سليط اللّسان :" لا يهم المصطلح الذي تستخدمه، سمّه ابتزازاً .. سمّه صفقة لقضاء مصالح متبادلة، لكن النتيجة في النهاية واحدة .. إنه عرض لا يمكنك رفضه!"


_ ... صفقة؟ أية صفقة؟!


_ كلانا مقامر بالفطرة يا صديقي! لا تقلق، فليست لي رغبة بإنتزاع المال من مراقب فنار محترم مثلك بالكاد يجمع ما يكفيه قوت يومه! لكن لو زلّ لساني فستخسر ما هو أعظم بكثير من وظيفتك المتواضعة...


_ قل ما عندك يا جبان دون أي تهديد رخيص!


_ تنفذّ لي أمراً واحداً مقابل المعلومات التي أملكها، أمراً واحداً فقط .. و بعدها يعود كل شيء كما كان و لن تراني أبداً .. نهاية سعيدة لكلينا!




******




كانت الدنيا قد خيّم عليها اللّيل بستاره الدامس عندما خرج روبرت من المقهى مترنحاً و كأن الأرض كلها من تحته تدور به.



ما الذي أقحم نفسه فيه؟؟؟



خرج كلايد بعده بلحظات و استدار نحو روبرت برأسه الأصلع الذي يلتمع في ضوء المصباح بمادة زيتية كريهة، غمز بطرف عينه مذّكراً له بإتفاقهما ثم لوّح بيده مودّعاً.


طرفت عينا روبرت في حيرة، كمن يفيق من حلم. و ظلّ يحدّق به حتى اختفى كلايد في حلكة الظلام و استحال خياله إلى نقطة سوداء صغيرة متحركة ابتلعها شارعٌ جانبي.




استفاق عقل روبرت الخَدِرْ من سباته و عادت الحياة إلى حواسه بعد دقائق حين اصطدم به جسم ما و وقع على الأرض.


كان رجلاً كهلاً خطّت التجاعيد نقوشها على جلده و شقّت طريقها بين مسامه، ضئيل الحجم هزيل القوام جاحظ العينين، شعره أشعت كث متسخ بالغبار، أسماله بالية ممزقة قد كلح لونها، و لو أذاب ما عليها من بقع دهنية و قاذورات فسيكفي ذلك لقلي سمكة!!


يرتدي حذاءً مهترئاً قد خرجت من فمه أصابع قدميه النحيفة، و حاملاً بيده فانوساً عتيقاً فظيع اللّون.


إنه الداعية العجوز "آرخام"!


ذلك المعتوه الذي يهيم في الشوارع بلا هدى مردّداً دعوات غريبة و يصبّ جام لعناته على أطفال الحي الذين اعتادوا على رشقه بالحجارة.


عرفه روبرت دون جهد يُذكر فمدّ له يده ليُساعده على النهوض..


أبعد آرخام يده و وقف بنفسه و لعابه يتناثر من فمه صائحاً بصوته الرخيم: "ترقب و ادع الله! ترقب و ادع الله! إن يوم الحساب على الأبواب!".


ثم قبض على يد روبرت بقوة رغم هزاله :" إنني أخاطبك أيها الشاب.. إن يوم الحساب لجد قريب".


ثم حمل فانوسه من الأرض و عاد يركض مبتعداً.



هزّ روبرت رأسه ببطء متأملاً الجهة التي ذهب منها آرخام :" ذلك العجوز المسكين! إنه أقرب مني ليوم الحساب".



و لكنه كان مخطئاً كما أثبتت الأحداث!!





نهاية الفصل الثالث



********

jen 21-08-08 11:36 PM

ماذا سأقول عنكى بعد ايتها المبدعة!

http://www.liillas.com/up/uploads/im...19e3e3002a.jpg

اشكرك على ما خطته اناملك الذهبية
حقا..اسلوبك متميز جدا والوصف انتى ملكة متوجه على عرشه
اعجبتنى تعبيرات كثيرة جدا فى روايتك كما اعجبنى الغموض المنتشر فى قصتك الجميلة
حتى ااان000كل فصل له قصة وظهر به شخصيات مختلفة
يا ترى ما الرابط بين هؤلاء الشخصيات
ما الجديد مع اروما؟ وما حكاية الوافد الجديد ارثر؟
وما هى الصفقة التى تمت بين كلايد وروبرت ؟
احداث مشوقة ستكشفى انتى لنا عنها يا كريستل
على الرغم انن انتظر الفصل الرابع بشوق الا اننى اطلب منكى التمهل حتى يتابع الاعضاء روايتك من بدايتها
لكى منى كل الحب والمودة وبالتوفيق يا اختى العزيزة

http://www.liillas.com/up/uploads/im...c61dfc8936.jpg

بوسي 22-08-08 08:54 PM




ما شاء الله لا قوه الا بالله

اقري علي نفسك....يا كريستل .....ليحسدوكي الناس


ايه الجمال والحلاوه...والأسلوب الرائع ...الي ما لقيتش مثله
حتي الأن......

بجد ....بجد ....قصه ....رائعه....وحبكتها أروع وأروع...

فكرتني بقصص ...رائعه ..لأجاثا كريستي....

ولكتاب عالمين ...كثير قرأت ليهم ...ولكني للأسف
مش متذكره الأسماء الأن....

أنتي عارفه .....انا قريت قصص كثير ...بس أنتي تميزت ..

بهبه ....أجاده الوصف....وخاصا ....ملامح الأشخاص

وتعبيرات وجوههم المتميزه...


قصه جميله جدا ....شدتني كل كلمه منها....كي أتابع تطوراتها

سلمت يمينك....اختي العزيزه.....

وادام الله عليكي نعمه الكتابه

المتميزه

كل التحيه والود

dew 24-08-08 02:39 AM

جميل جدا ,, نفس القوة في السرد والوصف ,,تتميزين بميزة التمهل الجيد في وصف الشخصيات ,,تجعلين القارئ يفهم كما تريدينه أن يفهم الظروف التي يعيش فيها الأبطال لديك شفافية في الوصف ,,خصوصا وصف أروما ومشاعره كانت جميلة وشفافة ,,أنتظر بشوق تشابك الأحداث والشخصيات

كريستل 04-09-08 07:24 PM


اعتذر لكم عن التأخير جميعاً

فللأسف الشديد أجبرتني الظروف على الإبتعاد و قد يطول ابتعادي لفترة >_<


هذه الرواية كانت لي معها ذكريات ممتعة جداً من حيث كيف كنت استوحي الشخصيات و الأحداث والحبكة فيها ...

و قد كانت فرحتي و لا تزال عظيمة و أنا أتلقى منكم عبارات الإطراء و التشجيع، فعلاً لقد ملأتْ كياني بسعادة لا حدود لها و أوقدتْ بداخلي شعلة من الحماس للمضي قدما ً في عالم التأليف و الكتابة ..


لكم مني خالص الود و العرفان بردودكم التي أثلجت صدري و حثتني على مواصلة روايتي ..


أشكركم كل الشكر ... شكراً جزيلاً خالصاً من أعماق القلب والوجدان.



على أمل أن ألقاكم قريباً جداً في فصولٍ قادمة ..


أطيب التبريكات بحلول شهر رمضان المبارك

وتحياتي لكم

كريستل

jen 04-09-08 09:20 PM

غاليتى كريستل 00
حتى فى اعتذارك انتقيت كلمات منمقة
حقا انا استمتع جدا وانا اقرأ كلماتك التى تخفى ورائها كاتبة مبدعة جدااااااااااااااااااااااااا
يجب ان تستشعرى فى كلماتى الملتهفة الصدق
انا فعلا اعشق كتابتك وانتظرها بشوق
وامانة عليكى يا كريستل ما تتأخريش علينا
رمضان كريم
وكل عام وانتى بخير
اختك جين

ارادة الحياة 01-01-10 04:44 PM

متوقفة منذ 2008
ننتظر الكاتبة للتوضيح

dali2000 08-01-10 04:10 PM

السلام عليكم

بقية المحافظة على القصص ،،تم وضع قانون جديد للروايات الغير مكتملة بقسم من وحي قلم الاعضاء

يرجى زيارة هذا الرابط

http://www.liilas.com/vb3/t134089.html

ولفتح القصة لتكملتها يرجى ،،وضع طلب بهذا القسم الخاص

http://www.liilas.com/vb3/f30/

تغلق الرواية من تاريخ وضع الرد

نرجو التعاون ،،موفقة

نوف بنت نايف 08-02-10 07:51 PM

تنقل القصه للارشيف حسب قانون القسم


الساعة الآن 06:29 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية