منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   500 - العشيقة الذهبية - انجيلا ويلس - قلوب عبير دار النحاس ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t86490.html)

ماري-أنطوانيت 31-07-08 09:11 PM

500 - العشيقة الذهبية - انجيلا ويلس - قلوب عبير دار النحاس ( كاملة )
 
~*~*~ العشيقه الذهبيه~*~*~


- انجيلا ويلس -
( روايات عبير)

...:::11فصل :::...


الملخص:
اي شيء اسوأ من الوقوع في حب زوجك بجنون, لتكتشفي فيما بعد انه لا يختلف كثيرا
عن اي رجل غريب؟ فقد علمت كاتيا يوم زواجها ان مشاعر
(( نيكولو كاشياتور)) نحوها
كانت كلها زائفه. ولما كانت قد تورطت معه في زواج من دون حب في
مدينه البندقيه الرائعه الجمال, فقد بدا ان وضعها بالنسبه اليه هو وضع عشيقه اكثر منه زوجه.
ولكن....هل حقا هو تزوجها امتثالا لمشيئه اسرته فقط؟
لقد صممت ((كاتيا)) على ان تكتشف الحقيقه لتنقذ كرامتها على الاقل, اذا لم يمكنها انقاذمنتديات ليلاس



ملاحظه: الروايه لم اكتبها بمفردي بل تشاركنا انا وصديقاتي بمشروع الروايات
بمنتدى مكسات في كتابتها...وسأكتب بدايه كل فصل بأسم صاحبته:friends:

ماري-أنطوانيت 31-07-08 09:19 PM

كتبت هذا الفصل العزيزه ((زهر نوار))

الفصل الاول

لم يكن "نيكولو "يحبها ....وأغرورقت عيناها بالدموع.وتطلعت "كاتيا "من نافذة الطائره البوينغ 727 التي ترتفع فوق أوروبا مسرعه نحو البندقيه حيث تبدأ شهر العسل.
كانصفاء السماء الخاليه من الغيوم.يتناقض مع ما يعتمل في أعماقها من صخب وهياج .وأخذت اصابعها تعبث بتوتر بفصوص الماس والياقوت في الخاتم الذي في اصبعها الثالث من يدها اليسري. شحن جسدها بالتوتر وهي تحس بحرارة وجوده بجانبها , فسمرت أنظارها علي المناظر التي تتعاقب تحتها.ولم تجرؤ علي النظر اليه فتفضحها دموعها .
وتساءلت كيف كان بإمكانها ان تحبس الامها كل هذه المده الطويله؟ هل يكون وداع جدها المخادع قد حشرها في مثل هذا الوضع ؟ مما جعلها تجتاز شكليات السفر في المطار, حين لم يبدر منها أي استغراب والمذيع يعلن تاخر رحلتها الجويه بسبب مشكلات تنظيم الطيران فوق اوروبا.وأغمضت عينيها مدعيه التعب, الذي كان في الواقع قسما من السبب, وهي تريح ظهرها الي مسند المتكأ العام في مطار "هيثرو".
لم تكن متاكده في البدايه من حقيقه عواطفها نحو نيكولو.ولكنها كانت حقيقيه لم تكن الحياه الهادئه التي امضتها في قريتها في "سافولك" مع جدها وعمتها "بيكي" قد اعدتها لحياه اجتماعيه تمنحها فرصه للتعرف علي النخبه من الشبان .واما الفتيان القليلون الذين تعرفت اليهم في سن المراهقه وبعدها ,أثناء السنه الاولي من عملها ممرضه في قسم العلاج الطبيعي في "مستشفي لندن" الكبير , هذه المعرفه يبدو انها لم تبعث في نفسها ايه عاطفه حقيقيه نحو واحد منهم ولكن منذ استقرارها في وظيفتها عند بلوغها سن الثانيه والعشرين, وهي تشعر بالرضا والاستقرار في حياتها ربما لو كانت لها خبره كافيه في الحب لكان في مقدورها ان تتصرف مع "نيكولو كاشياتور" بشكل أفضل ولكنها كانت قد عزمت ان تعيش نوعا من الحياه لا يسبب الكدر للانسانين الذين رعياها واعتنيا بتنشئتها منذ طفولتها .ولم يكن هذا يعني انها لم تتالم من الحرمان من الحريه الحميميه التي تتمتع بها كثيرات من اترابها او يبدو انهن يفعلن ذلك ولقد شاهدت ما يكفي من الماسي العاطفيه لأن يجعل عندها نوعا من الحذر والتساؤل عما اذا كانت هذه المتع المحدوده تستحق كل هذا الالم عند انتهائها.
لقد كان احجامها عن التجربه ,قد اضعف المناعه في قلبها مما سهل معه وقوعها في أسر حب نيكولو منذ حوالي الشهرين
غرزت اظافرها في راحتيها وهي تتذكر المره الاولي التي تقابلا فيها لقد كان جدها يستقبلها عند باب بيته الريفي الذي كان قد احضرها اليه عقب موت والديها الفاجع في ايطالياوقفز قلبها وهي تري ابتسامته بعد ان كان فريسه للكآبه وتور العزم.وفي الحقيقه إن ذلك كان نتيجه القلق علي حالته الصحيه ما استحثها لاستعجال عطلتها السنويه .وازدردت لعابها في محاوله لتمالك نفسها وهي تتذكر احدث ذلك اليوم.
لم تكد تنتهي من تحيه جدها وعمتها "بيكي" حتي فتح باب غرفة الجلوس المشمسه ليقف فيه رجل غريب. وياله من رجل غريب .انها لا تزال حتي الان . تتذكر كيف فغرت فاها وهي تري أمامها رجلا يمثل جمال الرجوله بشكل لم تر له مثيلا. كان فارع القامه رائع التكوين يرتدي بدله خفيفه من "التويد" وقميصا حريريا تدلت من فوقه ربطه للعنق عقدت برقه واناقه . وبدا ي كل جزء منه رجل الأعمال الناجح الذي عرفته فيما بعد.
قدم الجد الواحد منهما الي الاخر وهو يبتسم بسرور قائلا:""نيكولو كاشياتور" حفيدتي كاترينا.
كان نيكولو قد خطا الي الداخل مادا يده مصافحا , وقد بعث سواد عينيه الاحمرار الي وجنتيها. ومن دون اراده منها جذبت انتباهها كثافة اهدابه السوداء بينما كانت يده تصافح يدها.
لقد تعاملت في مهنتها مع كل انواع الرجال سنا ومركزا, ولم تكن ثمة حاجه بها الي ان يخلع هذا الزائر ثيابه لتعلم أنه نموذج مثالي لرجل في أوائل الثلاثين من عمره , تكوينا وعضلا.
شد باصابعه الطويله علي راحتيها وهو يقول:" يسرني جدا ان التقي بك اخيرا يا سنيوريتا.."
كان في الحيويه التي تدفقت من كلماته.وفي انحناء فمه الجميل وهو يرحب بها ,الي لمعان عينيه,كان في كل ذلك , ما جعل خفقات قلبها تتسارع.
قالت له :" لا اذكر ان جدي اتي علي ذكرك مره واحده يا سنيور." وعاد اليها برودها وهي تتحول بنظرة استهجان الي وجه جدها انطونيو لورنس.
قال نيكولو بلطف :" ربما هذه المره الاولي التي نتقابل فيها وجها لوجه , ولكن اسرتينا متعارفتان منذ مده طويله. ولكن تاكدي من ان الحديث عن جمالك وفتنتك قد سبق اجتماعنا هذا . ولمعت عيناه وهو يرد لها التحدي.
لقد اجتذبتها المغناطيسيه المنبعثه منه دافعه حواسها الي الانطلاق بينما كان جدها يقودها الي غرفه الجلوس بملامح هادئه مسترخيه لا تشير الي سنيه السابعه والثمانين , ولا الي الفاجعه التي خطفت منه ولده الوحيد في انفجار قارب في احدي بحيرات ايطاليا منذ عشرين عاما.
قال لها جدها :" ان نيكولو هو ابن صديق قديم من اصدقائي ."
دخلت عمتها في هذه الاثناء تحمل صينيه عليها زجاجه شراب واربع كؤوس بلوريه .وتابع الجد قائلا :" انه هنا حاليا في عمل يقوم به , وقد احب ان يزورني."
تناول انطونيو لورنس الجد زجاجه الشراب ليفتحها. ومد نيكولو يده يتناول الكأس من جدها وهو يقول:" ان اسم شركتي في "ميلانو" هو من اشهر الاسماء في عالم هندسه السيارات. والغرض من زيارتي هو لانشاء علاقات مع القمه من مهندسيكم الميكانيكيين وفى نفس الوقت ما الذي يريده السائقون الانكليز ي سياره حديثه."
راودتها فكره خبيثه في ان تتحدي خيلائه هذه بقولها :" ما يريده السائق الانكليزي هو يناقض تماما ما تظنه انت."
جاءها الرد وهو يجيبها باسف :"ان الاستخاف بذكاء الزبون هو خطا كبير"
دون وعي منها , انفجر من بين شفتيها الرد الحاد قائله :" أو بذكاء الفريسه؟"
لعله عقلها الباطن استمد هذا التعبير من معني اسم "كاشياتور"بالانكليزيه , وهو "الصياد"فيكون التعبير بالاسم هو الصياد بالفعل ..وربما كانت في اعمق اعماقها تعترف بخطورته. ولكنها الان .والان فقط تكتشف كم هو, فعلا خطر أوما هو براسه الداكن الشعر موافقا بقوله :" وهنا الكارثه." ونظر اليها بامعان وهو يرفع الكاس الي شفتيه متابعا :" نخب صداقتنا يا كاترينا."
صداقه ؟ وتساءلت عما اذا كان لكاشياتور اية صديقه منذ احتفل بعيد ميلاده الرابع عشر .ولكن لم يكن الوقت مناسبا الان لمتابعة الخصام, خاصة حين رفع الجد والعمه كاسيهما مبتسمين. وهكذا حسب المعتاد رفعت كأسها تقارع به كاسه قبل ان ترشف الشراب.
كان من المستحيل عليها ان تحدد بالدقه , اللحظه التي وقعت فيها بحب نيكولو . لابد انه كان هناك تغيرات في مشاعرها منذ اللحظه التي جاء ليحشر نفسه في حياتها .ولكن, مثل أزهار "الكروكس" التي تنبت كل ربيع تحت شجرة التفاح في حديقة جدها في "سادينغهام" تبقي مختفيه عن أنظارها الي حين اكتمال نضجها ,في ظلمة مكانها المنعزل حيث غرست ,الي ان ياتي اليوم الذي تتالق فيه بكل مجدها الذهبي , رافضه الانزواء.
إنها تتذكر تماما ذلك اليوم .فقد كان نيكولو قد أبدي رغبته في شراء حصان من وكيل بنك سلالات دم الخيول, الذي كان صديقا وجارا لهم ,"ريتشارد كارفيل" بغرض وضعه تحت التمرين واعداده للسباق في اوروبا.عندما اعلن عن اختياره نهائيا , كان ذلك في بداية الاسبوع الثاني من اجازتها, كان الطقس رائعا وكانت تباشير الربيع تطل مع بزوغ اوراق الاشجار وتفتح ازهار اشجار الكرز.
منتديات ليلاس
عادت الي حظائر ريتشارد بعد شوط عدو هادئ علي ظهر "تريجر" مهرة ريتشارد الكستنائيه الخاصه , وهي تتالق بالسعاده والرضي بعد ذلك الجهد , وقد تفجرت كل خليه في جسدها بالرح والحياه والصحه .
ما ان ترجلت عن ظهر المهرة , وسلمت زمامها الي سائس ريتشارد في الحظيره حتي سمعت صوت نيكولو يحييها ويبعث الرجفه في كيانها .
كان عليهما ان يقضيا وقتا طويلا معا اثناء وجودهما ي "سادينغهام" حيث انه كان ضيف الشرف لجدها . وشيئا شيئا ابتدات تستمتع بصحبته , وبمزيج من السحر اللاتيني والرجوله الطاغيه , استطاع نيكولو أن يتغلب علي طبيعتها الحذره ويتغلل في قلبها وعقلها .قرا هو استسلامها هذا عندما راي نظراتها ..وهكذا أدركها الضياع حين جذبها اليه يعانقها . واسترخت عزيمتها ولم تستطع الخلاص من قبلته المحمومه يوقظ بها احاسيسها الجائعه.
هكذا , بعد دقائق قليله من اطلاقه لها من بين ذراعيه , عرفت ان حب نيكولو قد استقر في قلبها وكل كيانها .
سالها بلطف يغلف عجرفه الفاتح الطاغي :" متي تتزوجين مني ؟" وكان عليها , حينذاك ان تنتبه الي تالق الفوز في ظلمه عينيه السوداوين . ولكن ذلك لم يحدث , ولاحساسها بشبه اغماء مفاجئ , تعلقت بذراعه وهي تشعر بعواطفها تتمزق بين رغبتها الجامحه بنيكولو , وبين ولائها لجدها الذي تدين له بالكثير والذي حاجته اليها مختلفه ولكنها بالتاكيد اقوي من حاجه نيكولو لها.
همست من بين شفتيها الجافتين :" جدي . انه لن يوافق ابدا ."وأخذت تتساءل , وهي تشعر بالصراع بين حبها وواجبها , كيف لها ان تجعل نيكولو يفهم مشاعر جدها نحو موطنه ومسقط راسه ؟ في الوقت الذي لا تفهمه هي نفسها؟
توقعت من نيكولو ان يغضب قائلا انها ناضجه بما فيه الكفايه لأن تقرر مستقبلها ونمط حياتها . وفي الوقت الذي كانت تبحث فيه عن الكلمات المناسبه لتقولها , أدهشها قوله :" ليس هناك أي إشكال" وتخللت اصابعه شعرها الذهبي وهو يمسح وجنتها الدافئه بشفتيه ثم يستطرد قائلا :" ساطلب يدك من جدك سائلا اياه ان يباركنا , ولكن , اذا هو رفض , وكانت هذه هي مشيئتك انت ايضا , فانني ساعود الي ايطاليا من دونك."
فعلا سافر في نهايه الاسبوع من دونها الي ايطاليا ولكن رحيله لم يكن لأن انطونيو لورنسقد رفض طلبه , وانما لأنه باركهما موافقا , وكان علي نيكولو ان يسافر لينظم اعماله قبل ان يعود الي انكلترا ليتزوجا في شهر حزيران / يونيو.
احست بالمرارة . لقد ظنت ذلك الوقت انها تعرف كل شئ عن زوج المستقبل . لقد كان اخبرها ان امه هي الزوجه الثانيه لأبيه الذي يكبرها كثيرا في السن , وأن الزواج الاول الذي ترمل بعده أبوه , لم يثمر أولادا , ولأن اباه كان في الخمسين من عمره عندما ولد هو , كان لمولد نيكولو رنه فرح وبهجه غمرتها العواطف والعطاء المالي من والديه بينما كان يكمل دراسته العليا و اوضح السبب في تاخر زواجه الي اوائل الثلاثينات من عمره أنه أراد ان يري في غرفته امراة يعرف تماما أنها هي زوجه المستقبل التي يتمني .ولأن هذا ما كانت تتمني ان تصدق فقد قبلت هذا التفسير منه , وليس لأنها ارتابت في عدم خبرته بالنسبه للنساء . ولم يكن نيكولو بالجاهل في فنون الحب , وقد سبق وعرفت هذا , وكذلك عليها ان تكتشف خبراته الاخري . ثم ظنت انها تفهم ذوقه في الموسيقي وبقيه الفنون وكذلك في الادب والطعام , وما الذي يضحكه وما الذي يستفزه ويثير سخطه, وادركت ان وراء شخصيتهالطاغيه القويه يكمن قلب محتدم العواطف . ولكنها كانت مخطئه , لو انها فقط كانت ادركت ما تدركه الان , وهو ان ما بدا من اطاعه نيكولو لجدها واحترامه لرغباته , انما هو مؤسس علي ادراك اناني وهو ان الرجل العجوز لن يستطيع الاعتراض علي زواجهما .وذلك رضوخا لظروف خارجه عن ارادته.
لقد كان جدها هو الذي اصر علي ان يتزوجا مدنيا في انكلترا قبل ان يسافرا الي ايطاليا لإجراء الطقوس التقليديه الكامله .وكانت سعيده لهذا اذ كان في استطاعتها دعوه اصدقائها من الجيران والمستشفي الي حفل زفافها . وقد وعد نيكولو في ما بعد بان يقيم ايضا الشعائر الدينيه بحضور اسرته واصدقائه في البندقيه . وبطبيعه الحال , فان جدها وعمتها بيكي سيحضران تلك المناسبه .
الي اللحظه التي وقفت فيها الي جانبه في مكتب تسجيل الزواج , كانت علي اتم اقتناع بان عدم اعتراض جدها علي هذا الزواج انما كان صادرا عن موافقه تامه . ومنذ موت ولده الوحيد , واحضاره لأبنته لتعيش في كنفهما , هو وعمه كنته , منذ ذلك الحين وانطونيو لورنس لم يظهر نحو مسقط راسه وشعبه سوي المراره , وذلك ما ارجعته هي شخصيا الي الصدمه العصبيه التي انتابته إثر تلك الفاجعه , حتي أنه غير اسم اسرته من" لورنزو" الي اللفظ النكليزي لذلك الاسم "لورنس" وهو ما اصبح يعرف به بعد ذلك . وقد غضب جدا عندما اخبرته انها ستتخذ اللغه الايطاليه لغه ثانيه وهو المطلوب منها لشهادتها المهنيه.
عندما سالته متردده عما اذا كانت مشاعره قد تغيرت بالنسبه الي بلده وشعبه , اكد لها ذلك وهو يقول باسما :" حيث انني كبرت في السن , فان رغبتي في رؤيه بلادي تزداد , وابتدات ادرك ان مشاعري واحزاني ربما كانت اكثر من اللازم , ولكنها بطبيعه الحال , ليست من الاهميه بحيث تقف في وجه سعادة حفيدتي الوحيده . ونيكولو كاشياتور رجل غني وسيكون لك زوجا صالحا"
غني ؟ ومتي كان الغني اساس السعاده ؟ ولكنها في غمرة السعاده حينذاك , لم يساورها الشك قط في سبب موافقه جدها غير العاديه تلك , لقد كانت متاكده ان نيكولو يبادلها نفس حبها له , وهل ثمه ما يدفع رجلا الي الزواج من فتاه غير الحب ؟ ولقد ذهبت الي حفله زفافها بنظره زائغة لتظهر لها الحقيقه الساطعه بعد ذلك بساعات .
حتي الان , ليس في استطاعتها استعادة تذكر المشهد الذي استوقفها عندما اقتربت حفله الاستقبال الصغيره التي اقيمت في منزلها , وهو ما سمعته من كلام جدها مع نيكولو من نهايتها , وقد اعدا نفسيهما , هي ونيكولو , لكي يلحقا بالطائرهالمسافره الي البندقيه بعد ساعه , لقد نزلت السلم بخفه بعد اصلاح زينتها وشعرها , عندما سمعت صوت نيكولو اتيا من غرفه جدها .
كانت متجهه للالتحاق به دون تفكير وقد امتص سماكه السجاده صوت خطواتها , وقبل ان تصل الي الباب المفتوح أوقفتها الحاسه السادسه عن التقدم . كانت مشغوفه بجدها , وكانت لهذا تتقبل فكره انه من الطبيعي لرجل في سنه , قد نشأ علي العقليه الايطاليه القديمه التي هي في كونهم , مع اعتبارهم للحياه الزوجيه , يصرون علي الاستمتاع بالصداقات التي تكون بين الرجال . حسنا , ماداما يتبادلان أحاديث الرجال , فما شانها هي بذلك ؟ والاحري ان تتسبب لهما ببعض الارتباك ي ما لو دخلت ...وكانت علي وشك ان تستدير عائده من حيث اتت , عندما اوقفها صوت جدها وهو يقول بصوت خات :"انك تدرك انني لم اكن لاقبل بزواج المصلحه هذا اذا لم اكن متاكدا من ان هذا ما تريده كاتي ." ثم سمعت صوت نيكولو العميق يجيب:" ارح نفسك يا انطونيو انك لم تقم بعمل يشينك. ان كاترينا ستحصل علي الثروة والمركز كزوجه لي وكل شيئ تريدها انت ان تستمتع به ."
قال الجد :" وستقسم لي بانك لن تخبرها ابدا بان هذا الزواج قد حصل سدادا لدين يتعلق بالوفاء بين أسرتينا ." واهتز صوت جدها معبرا عن الاسف والشعور بالذنب معا , ثم لتسمع باذنين غير مصدقتين , نيكولو يقول :" ان هذا لا يهمني كثيرا كما تعلم."
كان في جواب نيكولو رنه سخريه شعرت بها كطعنه في قلبها . لم تستطع السماع اكثر من ذلك . فاستدارت لتركض صاعده الي غرفتها . لقد اصابها ما سمعت في الصميم . " زواج مصلحه؟..."
"سداد دين عائلي يتعلق بالشرف؟...."
كان هذا بعيدا عن التصديق , كلا ...لقد تزوجها نيكولو لأنه احبها ...اليس كذلك ؟ ولكن الكلمات التي سمعتها قد حفرت في ذاكرتها ...ولقد فشلت في العثور علي معانِ اخري لها . لقد جاء نيكولو الي انكلترا لغرض واحد .هو طلب يدها للزواج , لقد باعها جدها الغالي الذي تحبه في سبيل تحصيل شرفه . ولكن لماذا ارادها نيكولو ؟ وما الذي تستطيع ان تقدمه اليه اكثر مما تقدمه اليه نساء بلده ؟ ونظرت الي صورتها في المرآه بذهن شارد دون أن تلاحظ شحوب وجهها والكمد في عينيها الزرقاوين . لكن ما زال هناك وقت للخلاص من هذا الرباط الزوجي الذي ربطت نفسها به دون حذر . انها تستطيع ان تهرب بعيدا. ذلك ان رباطها الزوجي ما زال مدنيا ولم يعقد رسميا بعد .فيمكن اذن حل هذا الزواج الذي لم يكتمل حيث انها ترفض الزواج من نيكولو كاشياتور.
قطع حبل افكارها طرق علي الباب لتدخل منه عمتها بيكي . ومنحتها عمتها التي تصغر جدها بإحدي عشر سنه , ابتسامه حلوه وهي تقول :" هل انت جاهزه يا حبيبتي؟ ان السائق ينتظر خارجا ليأخذك الي المطار ."
مهما كان تصرف جدها مؤلما بالنسبه اليها , كيف لها ان تسبب الالم والكدر لهذين الانسانين اللذين ربياها بالحب والحنان طيله عشرين عاما الماضيه ؟ انها متاكده من انه ليس للعمه بيكي أي دور في زواجها هذا , فما ذنبها لكي تتالم اذا هي اثارت الفضيحه حولها ؟ ثم ماذا عن انطونيو لورنس نفسه وكم يدين لأسره كاشياتور ؟ هل يدين لهم بمبلغ لا يستطيع اعادته؟
كان جدها في السابعه والثمانين وبالتالي مشرفا علي الانهيار , وارتعدت وهي تتذكر الضعف البالغ الذي اصابه حديثا , ربما كان لهربه من موطنه ايطاليا كل تلك السنين , ربما كان لذلك سبب اكثر من مجرد موت ولده , وقد اطبق عليه الماضي الان . اذ انه ما كان يبيع مستقبلها لو لم تكن امور هي في غايه البشاعه , تدفعه الي ذلك .
أمسكت العمه بيكي بيدها البارده تتحسسها وهي تسالها :"عزيزتي كاتيا...هل انت بخير ؟ هل ثمه شئ يزعجك؟"
حاولت كاتيا ان تتصنع ابتسامه وهي تنهض واقفه وتقول :" ليس بي من شئ يا عمتي ."
لا مجال الان للتراجع . ليس ثمه طريقه لأن تخبر جدها أو زوجها بما سمعت ,ذلك انها تخاف , ان هي فعلت ان تنشر التعاسه بين كل هؤلاء الذين تحبهم .
"سيداتي سادتي , سنهبط في مطار ماركو بولو , البندقيه خلال دقائق , ونحن نعتذر عن التاخير ..."
استمر صوت المذيع في الطائرهولكن كاتيا لم تعد تسمع , وهي تري المدينه باكملها تبدو منتشرة تحت الطائره .
ثم غرقت بالمشاعر المتعدده التي تفاعلت في نسها الي جانب الغضب الذي كان مسيطرا عليها. ولم تكد تشعر بيد نيكولو اللتين كانتا تثبتان الحزام الامان حولها بينما الطائره تهبط .
كم حلمت بهذه اللحظه , وهي تتصور البهجه ةوالاثاره اللتين ستحس بهما حين تطا قدماها ارض ايطاليا لأول مره وهي الي جانب الرجل الذي تحب .
ولكنها كانت احلاما . وكانت هي حجر شطرنج في لعبه لا تعرفها . ولكنها ليست من الغباء بحيث تترك نفسها لعبه في ايديهما في مناوره لم تفهمها .
لاول مره منذ تعمدت استراق السمع عند الباب , حل الغضب في نسها محل الياس .ما هو الغرض من قطع نيكولو لكل ذلك الطريق من ايطاليا ليتزوج من امرأه لم يقابلها قط من قبل ..؟ انها ستكتشف ذلك بنفسها .
عزمت بغضب واصرار علي ان تعطي هذا الهدف الاولويه ,اذ انها ما لم تعرف أولا ما الذي يمسكه نيكولو ضد جدها , فانها لن تستطيع ان تتدبر امر خلاصها من هذا الوضع الذي سارت اليه مغمضة العينين. وتساءلت عما كان سيحدث لو انها لم تقع في حب نيكولو . هل كان جدها سيطلعها علي الامر متوسلا اليها ان تقبل ؟
كان السؤال فرضيا , فقد كان نيكولو رجلا جذابا وكذلك صفاته و شخصيته مما ساعده علي التظاهر بالحب لها . وكان ما حدث هو النتيجه لذلك كله , ولأول مرة في حياتها تشعر بالندم لعدم اختلاطها بالرجال مما كان حتما سيعطيها المناعه الكافيه فلا تسقط في حب أول رجل جذاب المظهر يقابلها .
تصلبت في قرارها وهي تفكر في ان نيكولو قد يظن انه كسب اللعبه . كان واضحا انها يجب ان تخطو بحذر . ولكن كبرياءها كانت تدفعها الي مهاجمه شعوره بالنصر . فلنفترض انه يجب ان يكتشف انه بدلا من ان يوقع في شراكه فريسه رقيقه سهلة الانقياد , قد اوقع فريسه شرسه الخلق؟ ربما عند ذلك سيندم علي عمله ويطلق سراحها . كان ذلك املا ضعيفا , ولكنها يجب ان تتعلق به حيث ان ذلك هو الطريق الوحيد للخلاص من حياه زوجيه خاليه من الحب , أخيرا , يجب علي نيكولو كاشياتور ان يدرك ان ثمة شيئا غير البراءه والدماثه في عروسه اكثر مما كان يتصور بكثير.

***انتهــــــــــــــي الفصل الاول ***

ماري-أنطوانيت 01-08-08 10:55 AM

هذا الفصل كتبته العزيزه (( noisy cat ))

الفصل الثاني

في سرعه مدهشه , كانا قد اجتازا الجمارك الايطاليه و أصبحا في الساحة الخارجية للمطار , حيث تجاهل نيكولو العبارة التي تمخر فارغة في مياه القناة الهادئة حيث قصدها الركاب الآخرون .منتديات ليلاس
قاد نيكولو كاتيا إلى حيث كان مركب خاص يرسوفي انتظارهما.
(( أخيرا أقبل السنيور )) و تتقدم منهما رجل أسمر اللون أخذ بيد نيكولو مصافحا و هو يقول بحراره : (( تهاني لك و للسنيوره )).
ناوله نيكولو الحقائب ثم أخذ يساعد كاتيا في النزول إلى المركب , وهو يقول مخاطبا إياه: ((هل أبقيتك في الإنتظار طويلا يا جوفاني ؟))
قال الرجل: (( راجعت المطار قبل أن اترك القصر , و لكنني ظننت أنك لن تصل في الوقت المناسب لتحية ضيوفك. ))
((القصر؟ ضيوف؟ )) و أضيف الفزع إلى مشاعرها المضطربه. كيف بإمكانها أن تتعامل مع الضيوف مع كل ما يتفاعل في نفسها من مشكلات ؟ و غاصت بين الوسائد الناعمه في قمرة المركب الذي كان ينساب مبتعدا عن المرسى. و نفضت بعيدا شيئا علق على بزتها الحريرية المختلطة الألوان التي اختارتها للذهاب بها إلى مكتب تسجيل الزواج.
جاء نيكولو ليجلس إلى جانبها متكئا و هو يقول :
((سيكون لنا شقتنا الخاصه الفاخرة في أحد قصور القرن الثاني عشر التي تتصدر القناة الكبيرة ))
قالت مبتدئة بأولى كلمات الدور الذي فرضته على نفسها , و قد تجلى الإزدراء في صوتها :
((ألم يكن في أستطاعتك اختيار فندق مناسب ؟ ))
و احتد صوتها و هي تضيف :
(( لم أكن أتوقع أن اقضي شهر العسل أخدم في شقه ))
قال نيكولو يطمئنها :
(( ليس عليك أن تقومي بذلك . الشقه مزوده بطاقم كامل من الخدم الذين يقومون بالعمل لمدة اربع و عشرين ساعة. ))
قالت: (( شكرا . لقد ظننت للحظة أنني وقعت في غلطة شنيعة إذا ارتبطت برجل شحيح . هل الشقه غالية ؟))
قطب حاجبيه و هو يرى النظرة الشرهة التي تجلت في عينيها و قال:
((كـــــلا.. في الحقيقة , ان هذا القصر هو ملكي , أو ملك شركتي على الأقل , لقد أنقذناه من التداعي و الأنهيارمنذ عشر سنوات تقريبا بمساعدة المصرف, و أعدناه إلى بعض سالف مجده و تألقه من الداخل و الخارج, حسنـــا مازال علينا أن ندخل إليه بعض التجديدات, و لكن الطابق الأرضي قد حول إلى صالة رقص مما اعطى صورة كبيرة عن ثراء القصرالقديم و مجده. وهو يستعمل الآن كمكاتبللشركة باستثناء الطابق الأول الذي قسم شققا للزائرين و الوكلاء و الزبائن ))
قالت كاتيا بضعف :
(( فهمت ))
دون أن تتأكد من أنها فهمت شيئا. لقد كان نيكولو مملوءا بالمفاجآت, ذلك أنه لم يقنع جدها فقط لكي يضحي بها , و لكنه يبدو الآن أكثر غنى و ثاء مما كانت تظن , على الرغم من تظاهرها بعدم ملاحظتها ذلك و لا شك في أن الشيء التالي الذي سيخبرها به هو أنه من امراء البندقية, كذلك كان قد أخبرها بأن جذور أسرته تعود إلى أقصى الجنوب .
سمعته يتمتم:
(( هذا حسن إنني مسرور اذا لم أخيب توقعاتك و ما زلنا في بداية حياتنا . و لكنني متأكد من أنك قريبا ستدركين أن الأشياء التي تأتي بدون ثمن هي قليلة جدا , و هناك ثمن يدفع للرفاهية التي تنتظرها ))
قال ذلك وهو يشملها بنظراته المعبرة.
تساءلت هي عما اذا كان على وشك ان يضيف بأنه إنما تزوج منها تبعا لاتفاق ما . و أنه سيخبرها السبب! و لكنها أبعدت الفكرة من رأسها حالا اذ تذكرت انها سمعته يقول لجدها إنه لن يهتم بذكر هذا؟
قالت و هي تهز كتفيها :
(( يبدو لي أن هذا شيء ممل و أرجو أن لا يشملني أنا أيضا ))
أجاب :
(( إنه لكذلك لسوء الحظ , و لكنني مــتأكد من أنه لن يكلفك فوق طاقتك ))
كان في لهجته شيء من الغلظه, كما خيل إليها أنها لمحت شيئا من الإنفعال في نظرته إليها .
فكــــرت , و قد قوي عزمها في أن نيكولو يعرف أنها لم تكن بالجاهلة و لا بالغبيه .
قـــــال:
(( إنني سأعقد مؤتمرا صحفيا هذه الليلة للإعلام و لكثيرين من وكلائنا في اوروبا و مناطق اخرى ))
و هذا ما كان يعنيه جوفاني حين تكلم عن الضيوف. كنت أرجو أن أعرفك على القصر في وقت الفراغ فأمضي بذلك بعد الظهر معك ))
لم يوضح معنى قوله هذا و لكن كاتيا لم تكن بحاجه لذلك . فقد كان غرضه واضحا في الرغبة التي بدت في نظراته التي كانت تحوم على وجهها و هي حافلة بالشوق.
هــز كتفيه وهو يقول :
(( لسوء الحظ , ان تأخر الطائرة لم يكن ليبقى لنا الوقت الكافي لاستقبال ضيوفنا. و عليننا الآن ان ننتهي من آخر ضيف لكي نستطيع أن ننفرد بنفسينا. هل تمانعين بذلك ؟ ))
تساءلت كاتيا ما إذا كان انعدام الحب من ناحية لا يعني ان الزواج سيبقى عذريا..و أذهلتها الفكرة كما أفزعتها في الوقت نفسه, كانت كل خلية في جسمها تشعر بقربه و كان قلبها يخفق كجناحي طائر كما كان فمها ظامئا إلى قبلاته, و لكن كان عليها أن تذكر نفسها بأنه لم يكن يحبها,و أنه إنما كان يضع قناعا زائفا لتمثيل دور العريس العاشق. أو على الاقل كان مجرد رجل بالغ العافية قوي الرغبة في الحب وواثقا من نفسه و من قدراته. وشعرت بالراحة لهذا التأخر , إذ أن كل دقيقة تبعدها عنه, تعطيها الفرصة لتسلح نفسها عقليا و شعوريا ضده.
تنفيذا للخطة التي وضعها عقلها المعذب تصنعت الإبتهاج و هي تقول:
(( طبعا لا أمانع , فانا شديدة الولع بالإجتماعات. ))
كانت تقصد أن يعتقد انها تزوجت منه طمعا في ثروته و أنها لا تكن له أية عواطف صادقة, وبذلك , و هي تطعن كبرياء الرجولة فيه, تستطيع إبقاءه بعيدا عن مخدعها, و تحتفظ بذلك البقية الباقية من كرامتها إلى حين تكتشف السبب في خداعه لها, عند ذلك فقط, يكون بإمكانها ان تنقذ نفسها من هذا الوضع الصعب.
قال بخشونة ينبهها إلى هدوئها الظاهر:
(( أهذا نموذج للبرودة الإنجليزية التي تجري في دمك ؟ كان الأفضل من هذا الإذعان لو كنت أبديت شيئا من التمرد أو الإحتجاج على الأقل. ))
عندما أخذها بين ذراعيه, لم تكن قد هيات نفسها لمقاومة ارادته المتسلطة وهو يعتبرها ملكا له, و سرى في جسدها تيار كهربائي بعث فيه رعشة شاملة.
أدركها الفزع و هي تدرك انه إذا كان عقلها قد رفضه فإن كل جزء من جسدها عليه ان يتعلم نفس الدرس. لقد طعنت في الحقيقة رجولته في الصميم, ولكن بدلا من أن تدفعه هذه الطعنة إلى الإنسحاب أصر على ان يأخذ بثأره لهذه الإهانة و ذلك بمهاجمتها تلك حين لم تكن على استعداد لمثل هذا العقاب, مما لم يترك لها ما تفعله سوى التألم بصمت.
تركها فجأة من بين ذراعيه مشيحا بوجهه عنها و هو يتأوه .
على الرغم من مشاعرها المعذبة بعثت تعابير وجهه الجامعة بين الياس و الحزن ابتسامة باهته إلى شفتيها كما بعثت شعورا بالفوز إلى قلبها, لقد عاملها هو وجدها معاملة مرعبة , و إن التسبب في إصابته بالخيبة و الإحباط هو اقل ما يمكن من الانتقام لما فعله بها .
و لكنها كانت تعرف أن هذا الانتقام هو مؤقت, اذ ان رجلا يمتلك كثل جاذبية نيكولو الحميمة لا يمكن أن يقع طويلا فريسة الاحباط و الخيبة . و لكنه, على كل حال سيدرك انه ليس ذلك الشخص الذي لا يمكن لامرأة أن تقاوم تأثيره.
نظر إليها نظره لم تعرف هي ما اذا كانت تحوي ضيقا أم ياسا مبطنا بالسخرية وهو يتخلل شعره بأصابعه قائلا:
(( تـــــــعالي ))
قال ذلك بلهجته المرتفعة التي كانت دوما موجودة تحت قشرة من سحره التي يطبع شخصيته كما عرفتها .
استطرد قائلا:
(( ها قد دخلنا القناة الكبيرة و حالا سنجتاز سان ماركو . إنه مشهد لا ينسى, وخاصة عند مغيب الشمس ))
و بعد ذلك بثلاث ساعات قال نيكولو لهاو هو ينظر إلى وجهها:
((إنك ستكونين مداراهتمام الجميع و سيجعل هذها عينيك الجميلتين تتألقان بالسحر))
قالت و هي تنظر في مرآة بقربها:
(( طبـــــعا ))
و هنأت نفسها لقدرتها على إخفاء مشاعرها المضطربه, عن نظرات نيكولو المتفحصة , كانت تسعى الى رسم صورة للسلوك الذي ستتخذه دون أن تثير شكوكه . و بين الآلآم التي تملأ قلبها كان ثمة توقع لتصرفه عندما يرى كاترينا لورنس الجديدة تبرز بكل شراستها و حدة طباعها. و بقليل من الحظ سيعترف هو بالغلطة الكبيرة التي وقع فيها و من ثم يحاول فك رباطهما المقدس. ذاك, و لكن لا , بل بكثير من الحظ, اذ أنها مالم تكتشف الاسباب الحقيقية التي دفعته الى هذا الارتباط فأنها لن تستطيع الحكم على أهمية الدور الذي عليها أن تقوم به.
قالت كاذبة و هي تنظر لى صورتها في المرآة :
(( إنني أنتظر ذلك بغاية الشوق, إن ذلك سيكون و كانه حفلة ثانية للإستقبال بعد العرس. ما عدا أنه لن يعرف أحد طبعا أنني العروس . ))
قال نيكولو بلطف:
(( هنــــا, أنتي مخطئة يا عزيزتي أن لي بعض الشهرة هنا في البندقية , و الكل يعرف الآن انني تخليت عن عزوبتي في سبيل فتاة أجنبية رائعة الجمال. حتى و لو لم يعرف الناس جنسيتك بعد, و على الرغم من أنني مشهور بتذوقي الجمال, فما أن أقدمك إلى بعض المعارف حتى تنشر الأخبار كالنار في الهشيم. ))
(( أرجو أن لا يخيب أملهم ))
قالت ذلك بشيء من الحــزن و النزق و هي تعبث بثوبها الحريري غير مكترثة لمديحه هذا, و استطردت:
(( لو كنت قد نبهتني هناك,إذن لاشتري بعض الثياب الغالية من لندن قبل حضوري’ بــدلا من أن انتظر شراءها هنا في ايطاليا , شيء يناسب زوجة رجل ثري.))
أجـــــــاب :
(( أحــقا ؟؟ و لكنني أعتقد أنك هناك اخترت ارتداء ثوب خاص لهذه الليلة حيث أنه يحمل ذكريات سعيدة.))
كـــانت قد اشترت ذلك الثوب البرتقالي من الشيفونمن حانوت أزياء أثناء الأوكازيون في لندن. شاعرة بالزهو لامتلاكها مثل هذا الثوب الرائع الطراز بمثل ذلك الثياب البخس, كانت فتحة العنق شبه المستقيمة ذات ثنيات رقيقة بينما كان ينسدل على خصرها النحيف بانسجام و جمال و كانت التنورة ذات ثنيات تستدير حول جسمها بشكل جميل.
كانت قد ارتدت هذا الثوب في حفلة عشاء راقصة أقيمت في منزل ريتشارد كارفيل على شرف وكلاء سباق الخيل و كان ذلك الأسبوع الأول من عودتها إلى سادينغهام و طبعا كـــان نيكولو هناك.
لقد رقصا في تلك الحفلة معا, و كانت تلك هي المرة الأولى التي أخذها فيها بين ذراعيه, إنها لم تذق أي شراب كحولي و لكنها شعرت بنفسها فوق السحاب, و لم تشعر بالخوف كانت مثل الفراشة التي يجذبها نور المصباح الذي سيوردها الهلاك.
لقد ظهر أنها لم تكن تملك الإرادة الكافية التي تمكنها من حماية نفسها من المغناطيسية القوية المنبعثة من هذا الرجل التي سيطرت عليها لقد أدركت الآن أنها كانت تنحدر لتصل حيث استسلامها النهائي ليضحك هو منها عند ذاك ساخرا من ضعفها.
أبدت حركة تنم عم عدم الموافقة, و لقد صممت على تجاهل هذا الطعم ,
ثـــم قـــــالت:
(( و لكنني الآن في البندقية و أنا أريد أن أملأ خزانة ثيابي بالثياب الغالية . ))
أجابها نيكولو بلهجة بان فيها العتاب:
(( لا تحكمي على الشيء من ثمنه يا كاتيا, فإن ذوقك الطبيعي ممتاز, حتى ولو لم يكن كذلك, فإن جمالك كفيل بان يغطي كل نقصفي الثوب و يسبغ عليه التألق مهما كانت حالته مزرية))
تراجع قليلا إلى الخلف و مضى يتفرس فيها من رأسها حتى اخمص قدميها, بعين نقادة ثم قـــال:
((ألا تضعين قرطين في أذنيك لهذه الليلة ))
هزأت رأسها نفيا و قد عجبت لاهتمامه بالأشياء التي تسرها,و كانت هي قد فكرت في أن حليها العادية قد لا تناسب المحيط الثري الذي تعاشر , و لهذا فضلت عدم وضع قرطين في اذنيها , و لكن نيكولو قد وضع أمامها الآن فرصة تستطيع ان تستغلها لتمثيل دور المرأة الجشعة و سرعان ما بادرت قائلة :
(( ليس عندي شيء مناسب , كيف لي أن أضع مجوهرات مزيفة بينما كل النساء حولي يضعن مجوهرات حقيقية؟ ألا يعطي هذا صورة سيئة عنك؟))
لوى نيكولو شفتيه للحظة, و ما لبث أن وضع يده في جيب سترة السهرة التي يرتديها وهو يقول:
(( إنك لن تشعري بخيبة الأمل عندما تضعين هذه,كـــما أظن.))
و مد يده إليها بعلبة الجلد الأسود ضغطت عليها بأصبعها لتنفتح عن قرطين ذهبيين صنعا بشكل حراشف السمك, كانا يتألقان على بطانة العلبة البيضاء اللامعة.و فتحت فاها و قد أذهلها جمال ما ترى من الفن الذي اشتهر به صانعو المجوهرات في البندقية.
لوى نيكولو شفتيه إزاء صمتها الذي ساءه, وهو يقول:
(( ليس من الضروري أن تشكريني الآن , و كما قلت, إن عدم استطاعتك مجاراة غيرك من النساء الثريات, سيعطي صورة سيئة عن سخائي, و إلى جانب هذا فإن استطاعتي الانتظار حتى الليل لكي يكون بإمكانك التعبير عن عرفان الجميل قولا و فعلا))
تناول من يدها العلبة ليضعها على منضدة الزينة الجميلة جدا في غرفة النوم المزدوجة التي أدخلها إليها , ثم أخذ القرطين و ابتدأ يضعهما في أذنيها بينما وقفت هي دون حراك إلى أن سمعت آهة الاستحسان تنطلق من بين شفتيه و ما لبثت أن استدارت إليه تقول بدهشة:
((كيف أمكنك العثور على القرطين بكباسين حيث أن الأقراط الثمينة تصنع فقط للآذان المثقوبة؟
أليس كذلك؟))
قــــــــــــــال:
((هل ظننت أنني لم اكن ألاحظ ان كل جزء من جسمك الجميل البادي للعيان؟ أو أنني لا أطوف على كل محلات المجوهرات في البندقية لأعثر على ما أريد؟ كـــــــــلا يا عزيزتي. لن ترى أمرأة أخرى في القصر هذه الليلة تضع قرطين جميلين كهذه القرطين فلقد صمما خصيصا بهذه الشكل حسب تعليماتي انا))
قـــــــــــــــالت:
(( اتعني أنك أوصيت عليهما عندما عدت من انجلترا إلى البندقية بعد أن اتفقنا على الزواج؟))
و قاومت رعشة اعترتها وهي تفكر, ماالذي يخبئه لها المستقبل إذا كان قد قدم سلفا مثل هذا الثمن لخدمتها؟؟
هــز رأسه, و كأنه ينفي تصوراتها هذه, وهو يقول:
(( إن الحرفيين أمثال ماريو برينسيب يحتاجون إلى الوقت الكافي لتجسيد أجمل فنونهم , لقد أوصيته على هذين القرطين بعد يومين من لقائي بك.))
(( أحـــــــــقــــــا؟؟))
قال كاتيا ذلك و هي ترفع يديها إلى عنقها و بعث ملمس الذهب البارد شبه شعور بالإغماء سرى في جسدها و هي تتساءل هل كان غرضه من القوة و الصلابة إلى هذا الحد؟؟
لقد أفزعتها فكرة وقوعها فريسة لمثل هذه الارادة الفولاذية. و لقد أراد دوما أن يفصلها عن جسمها سواء بالشدة أو باللين. إن كل حركة يقوم بها تؤكد هذا.و الجد المسكين لم يكن له من القوة ما يقاومه بها. هل كان هذا انتقاما؟ هل كان ينتقم بذلك من خطأ كان جدها قد ارتكبه تجاهه ليكفر هذا عن خطأه بتقديم أعز ما عنده وهو حفيدته؟لقد قرأت كثيرا عن مثل هذه الامور و لكنها لم تتصور رجلا يحمل نفسه عبء مرافقة إنسان لا يكن له هو أية عاطفة؟
قطع نيكولو سلسلة أفكارها و كأنما يؤكد تساؤلها بينها و بين نفسها و ذلك بقوله بلهجة مرتفعة:
(( إنني أريد منك أن تضعيه يوم عرسنا, أعني عرسنا الحقيقي و هذا ما يجب أن تفعليه,أعني عرسنا الحقيقي و ليس ذلك التسجيل المضحك الذي أجريناه ذلك الصباح, و غدا ستقابلين مصمم أزياء ليصنع لك ثوبا للزفاف يليق بجمالك الانجليزي و بهديتي لك.))
(( نـــيكـــولو .. ))
لفظت اسمه بلهجة تجلي فيها ما تعنيه من عذاب , كــــان ثمة شيء ما في ملامح وجهه الجانبية و هو يحوله عنها مما زاد في معاناتها , قد يكون ذلك لشعورها بأنه مصمم على أن يزيد من قوة الرباط الذي يجمع بينهما و هذا ما عليها هي أن تقاومه بكل ما تملك من قوة.
و استدار ينظر بعينيه السوداوين الى وجهها الشاحب و هو يقول:
(( نعم .. هل ثمة ما يضايقك؟ ))
قــــالت و هي تهز كتفيها :
(( كـــــــــــلا .. لا شيء في الحقيقة ))
حدثت نفسها بأنه ما زال الوقت مبكرا لتصارحه بكم شيء. ما زال هناك الكثير مما لا تعرفه . و كل ما تستطيع عمله هو أن تقوم بدورها لبعض الوقت آملة أن تجد الفرصة لاكتشاف غرض نيكولو. لابد أن تكون هناك مصلحة تعود عليه من وراء تظاهره هذا ستكتشفها مع الوقت . و اذا كان بامكانها تعطيل هذه المصلحة , فستفعل ذلك. و لكن كان ما يزال ينتظر و قد قطب حاجبيه و هو يراقبها بشيء من الإنزعاج مما حملها على أن تفتش عن سبب لإقافها له.
قــــــــالت تسأله بمرح:
(( كنت أتساءل عما اذا كان اشتراط جدي في إجراء زواج مدني قبل ان نترك انجلترا, هذا الشرط قد أزعجك))
قــــــــال نافيا ظنها هذا:
(( كــــــــــلا, و لو كان عندي , أنا نفسي حفيدة جميلة مثلك لاصررت على اتمام زواجها قبل ارسالها مع رجل مثلي ((زيــــر نســـــاء)) إضافه الى ذلك فقد اردت ان أمنحك الفرصة لدعوة جميع اصدقائك ليشاهدوا سعادتنا و يشاركونا الاحتفال, و انني أشك في أن الكثيرين منهم كان بامكانهم السفر الى البندقية حتى ولو دفعنا لهم أجرة السفر و ذلك لمشاهدة الزواج الرسمي. و إنني اسف لاضطراري لابعادك عن حفلة الاستقبال تلك قبل نهايتها لكي نلحق بالطائرة, و لكنني أظن انهم في الحفلة ,قد استمروا في بهجتهم من دوننا))
لــــم تستطع ان تخفي المراره في صوتها و هي تقول :
(( نـــعم , إنني متأكدة من ذلك ))
ثم اختفى كل اثر للبهجة بالنسبة إليها في لحظة واحدة,لـــقد نطق نيكولو بكلمة واحدة صادقة, على الاقل منذ عرفته, وذلك عندما وصف نفسه بكلمة ((زيــــر نســــاء)) فقد كان الى جانب كل هذا الثراء رجلا ساقطا أخـــلاقيا.
(( هــــل أنتي نادمـــــة على ذلك ؟))
قـــال هذا وقد أصبح أمامها بحركة مفاجئة, و بأصابعه الفولاذية رفع ذقنها ينظر الى ملامحها متحديا يحاول قراءة مشاعرها و كانما هي مكتوبة بوضوح على جبينها.
قــــــالت بتذمر :
(( كــــــــــلا بالـــــــطبع ))
و لــــكن شعورا بالخطر حذرها من ان تكشف اوراقها فقالت مستطردة:
(( و هل يمكنني ان أندم لكوني تزوجت منك يا نيكولو؟ ))
لقد حاولت ان تضمن جوابها نوعا من التأثر و لكن في آخر لحظة تجلى ألمها الخفي لتبدو لهجتها أقرب الى الشجار.
قــــــــال نيكولو:
(( لا أدري يا كاترينا ))
و بعث جواب نيكولو الهادئ موجة من التوتر العصبي في جسدها بالغة الى حد لايمكنها احتماله , و تابع هو قوله:
(( و لكنني أحذرك من مغبة ذلك لانني لن أدعك ترحلين ابدا, لانني شديد التمسك بما املك, و بعد الزواج الرسمي,سيكون ارتباطنا أقوى و أشد من الارتباط التقليدي و حـــده))
أغمضت عينيها كي لا ترى وجهه و قد استبد بها الذعرلشعورها بان تأثيره الجسماني عليها ما زال بنفس القوة التي كان عليها عندما وقعت في حبه,و لكن هذه حماقة بالغة اذ كيف لها ان ترغب في رجل تصرف معها و مع جدها بنفس الدناءة؟؟
أطلقت صرخة قصيرة و هو يترك وجهها ليجذب جسدها إليه يعانقها بكل حرارة العاشق, و لم تستطع ان تتجنب شفتيه, لتقع تحت تأثيره الذي كان قد اعماها عن حقيقته الخداعة.
قــــــــال وهو ما زال قريبا منها:
(( هــــل فهمت ما أعنيه؟ ))
ازداد اقترابا منها لدرجة أنه رأى شرايين عنقها تنبض بعنف, و سمع تنفسها السريع و أحس بخوفها الفجائي.
كــــان لها ان تهنئ نفسها اذ استطاعت ان تخدعه بتغير سلوكها. و كانت تفترض ان تجعله يعرفانها لم تعد تلك العروس الغافلة التي ظفر بها , كانت تفترض أن ذلك لابد ان يستغرق بعض الوقت , و لكن يبدو انها قد قللت من شان حساسيته البالغة, و لقد افسد شعورها بالنصر, ادراكها بأنها إنما تلعب بنار هي أخطر مما كانت تتوقع.
لـــكنها كانت متأكدة من شيء واحد, وهو انها يجب أن تمنع بأي شكل كـــان زواجها رسميا, و قبل ان يحدث هذا ستكون قد وجدت طريقا للهرب, قد لا يكون هذا سهلا, هذا صحيح, و لكـــنه قطعا أكثر سهولة منه بعد أن تكون قد أجبرت على الاتباط الأبدي.
قــــال نيكولو :
(( إنني بانتظار جوابك يا كاترينا ؟))
و كـــان هذا ســــؤالا
في انجلترا رأت منه فقط الجانب الجذاب الرقيق من شخصيته و لكــن,,
هـــنا على تراب وطنه, برز أمامها الجانب الصلب المتعجرف منها, و صعد توترها من ضربات قلبها و هي ترى عينيه القاتمتين تلحان عليها بالجواب .
حملت نفسها على التقليل من شان هذا الوضع بإستحداث رنة حدة و احتجاج في صوتها وهي تتناول منديلا ورقيا تمسح به شفتيها بوقار و عدم اكتراث انعكس تأثيرهما على ملامح نيكولو عبوسا و تجهما ,
قـــــــــــــــــالت:
(( بحق السماء, ألا تظن انني لا بد ان أكون متضايقة نوعا ما بعد ذلك السفر المزعج؟أكان ينبغي لك أن تقوم بكل هذه التصرفات فقط لأنني متعبة و علي مواجهة عدد كبير من الغرباء؟ بينما أعلم أنني أسوأ النساء لباسا هناك؟))
قال و قد التوى فمه بتلك الابتسامة التي اشعلت قلبها يوما ما:
(( أهذا هـــو كل شيء؟ سامحيني يا عزيزتي اذ كنت ظننت قبل لحظة واحدة انني قد أخطأت و تزوجت من شقيقتك التوأم. ذلك أنني لم أر فيك تلك المرأة التي كانت تقف بجانبي هذا الصباح أمام مكتب تسجيل الزواج, مستعدة لأن تكرس حياتها لأجلي, و لكنني اعلم الآن ان جرح خيلائك و غرورك هو الذي بعث الاحمرار الى وجنتيك و الحدة في صوتك, يمكنني ان افهم ذلك. و لكــــــــن, كوني واثقة من أنك تقللين من شأن مظهرك أمام الضيوف . و الآن, هل ننزل الى القاعة لنتأكد من أن كل شيء جاهز للضيوف؟))
بـــدأ قوله هـــذا و كانه سؤال و لــكن الطريقة التي دفعها فيها من يدها جارا إياها معه على السلم إلى أسفل لم تدع لها مجالا للتردد.
نزلت كاتيا معه ليس لانها كانت تريد ذلك, و لــكن بصفتها كاترينا كاشياتور زوجة نيكولو كاشياتور, و هي تستمر في تمثيل هذه الشخصية إلى أن تكشف الغطاء عما يكن خلفها, و من ثم تجد طريقة تهرب بها من كل هذا العذاب.
زودتها الحفلة غير المتوقعة بالوقت الذي أمكنها من أن تفكر في وضعها بأناة وروية, إنها تريد ان تستأصل المشاعر التي ما زالت مليئة بشكل لا يصدق بنيكولو, و ذلك على ضوء الحقيقة التي اكتشفتها.
ثــــم ماذا عن هذه الليلة عندما تنتهي الحفلة و يعودان الى غرفة النوم !!
و لم تكد تصدق انها منذ ساعات فقط كـــانت تنتظر مجيء الليل بفارغ الصبر, و هي متأكدة من أن نيكولو سيجعل من أول تجربة لها في الحب ذكرى لا تنسى.
لو بإمكانها فقط أن تعتقد أن نيكولو ينوي أن يتركها وحدها. و لكن هذا الاعتقاد كان مستحيلا,و ارتجفت.
لابد أن تجد عذرا , عندما يحين الوقت تستعين به على تجنب إكمال الزواج تلك الليلة أو أية ليلة أخرى, و مهما كانت أخطاء نيكولو فهو لا يمكن أن يأخذها دون ارادتها, ذلك أن اكتشافها لشخصيته المزدوجة قد قتل في نفسها كل أثر لحبها له, و لم يبقى سوى أوهام خطرة تحطم الروح.


نهايه الفصل 2

قطرات لامعة 02-08-08 12:38 PM

بالفعل رواية رائعة يعطيكم العافية

أبتسم رغم أحزاني 03-08-08 06:21 AM

راااااااااائعه الرووايه

وشكلهاا خطير


في انتظاااااااااااارك

والله يعطيك العافيه
وووووبعد صحبااتك

ماري-أنطوانيت 03-08-08 12:10 PM

هذا الفصل كتبته العزيزه ((ورده قايين ))

الفصل الثالث

بينما يتحول زورق صغير الى القناة الضيقة التي تجري
بجانب القصر , ليرسو في المرسى الصغير ,
وبينما كانت تفتنها الأشجار المشرفة عليه ومنظر سلال
الزهر المتدلية من حاجز الشرفة , توقعت كاتيا ان تجد مكانا تستطيع
فيه ان تستنشق الهواء النقي , وتنسى مؤقتا حالة اليأس التي تثقل كاهلها . ولكن
الواقع تجاوز كل توقعاتها, فوجدت ضالتها المنشودة اذ ان الأنوار التي وضعت بين
أغصان الأشجار لم تكن تكشف الذي كانت تنشده فقط , بل كشف الزوايا حيث كانت دوالي العنب تزحف
على شبكات العرائش والأشجار المنتصبة حيث يمتزج حفيفها بنسيم
الليل فينعش النفس .
ولفت انتباهها حاجز ابيض من الحجر يشرف على القناة
الكبيرة , وقد التوى بشكل مقعد مغطى بحشية وثيرة . وجالت كاتيا بأنظارها في تلك النجوم التي ترصع ظلمة الليل,
بينما هي راكعة على الحشية الناعمة , وقد ابتعدت بذهنها, مؤقتا
عن كل متاعبها. وكانت الأنوار المنبعثة من الفندق القريب تكشف صف
الزوارق المربوطة الى مركزها المخطط باللونين الأحمر والأسود . وكانت
المصابيح فيها تتألق بينما هي تتأرجح فوق المياة بخفة . وبعيدا على الضفة الأخرى
كان في أستطاعتها ان ترى هياكل سوداء لأقبية تعود الى كنيسة " سانتا ماريا " التي يرجع
تاريخ بنائها الى القرن السابع عشر حين أقيمت , احتفالا بذكرى زوال وباء الطاعون من المدينة.
تثاءبت فجأة . فرفعت يدها تغطي فمها براحتها برغم
عدم وجود من يشاهدها . لقد مضت ثماني عشرة ساعة منذ نهضت من فراشها ,ورده قايين .
في الصباح السابق , وذلك في منزل جدها في قريتها سادينغهام. وفكرت بشئ من
العجب في هذا الوقت القصير الذي أصبحت فيه امرأة متزوجة , لتكشف أنها كانت قد خدعت
بكل قسوة ودناءة , ثم تسافر بالطائرة عابرة أوروبا لتضع على وجهها قناعا باسما يخفي غضبها
وما تشعر به من احباط وهي تستقبل المدعوين في حفلة الأستقبال التي اقيمت في قصر زوجها .
كانت دون شك , تروح وتجئ وتتصرف , كل ذلك على
حساب أعصابها . ولكن الآن أذ تغمرها طمأنينة الهدوء الذي تسبح فيه هذه الحديقة الغناء .يتجمع كل التعب الذي عانته اثناء مرور تلك الساعات , في هجمة شرسة تجتاح كيانها . ولكنها مالبثت أن رحبت بهذا وهي تفكر في أن التعب يشكل لها عذرا معقولا للتخلص من ليلة الحب تلك مع نيكولو . ذلك أنه لن يعجبه ان يأخذ الى مخدعه امرأة مرهقة .
ودعت الله ان يساعدها فلا يجعل نيكولو يصر على استيفاء حقوقه من امرأة شبه نائمه , مهما كانت نوعيته الأخلاقيه.
" أوه , ياللمصادفة الحسنة , ها أنت ذي تستمتعين بنسيم الليل وحدك " يا ماركيزة "..
كان صوتا رجاليا رقيقا انطلق فجأة من خلف كاتيا هبت هذه واقفة على قدميها من قوة المفاجأة وقد قطبت جبينها وهي تستدير على أعقابها وقد استبدت بها الدهشة .
كيف حدث واكتشف هذا مكانها؟

استطرد المتكلم :" أسمحي لي بتقديم نفسي . أنني
" سيزار برونيللي " وفي خدمتك يا ماركيزة ."
كان فتى وسيما في أواخر العشرينات من عمره , لايزيدها كثيرا في الطول , ذا شفتين رقيقتين وعيني قرد تلمعان بسخرية . وكان يبدو حسن الهندام في بذلة السهرة الأنيقة .
حملت كاتيا نفسها على مد يدها الى يده الممدوده اليها وهي تقول :" اني مسرورة بمقابلتك يا سنيور برونيللي "لاح على شفتيها طيف ابتسامة حين رفع يدها الى شفتيه يطبع عليها قبلة بكل تهذيب .

قالت :" أظنك اخطأت في معرفتي . انني زوجة نيكولو كاشياتور ولست ماركيزة ."
هز رأسه موافقا على كلامها دون أن يبدو عليه الأقرار بالخطأ وهو يقول :" كاترينا كاشياتور , ربما كانت الطريقة التي تحدثت بها اليك سابقة لأوانها . ولكن أذا حدث في ما بعد وأسأت اليك في أظهار توقعاتي بالنسبة الى المستقبل
فأنني عند ذاك , أقدم اعتذاري ."
قالت :" انني لست مستاءة ولكنني مستغربة "
كان ذهنها في تلك الأثناء , يعمل جاهدا لفهم ما قد سمعته الآن. قد يبدو اعتذاره بريئا , ولكن كان ثمة شئ ما في تصرفات ذلك الشاب . شئ هو الحذر ممزوج بالرغبة في تداول الحديث . وما لبث التقطب أن عاد الى جبينها وهي تقول " أتريد أن تخبرني أن نيكولو في الطريق الى أن يرث لقب " الماركيز " ؟"

ارتفع حاجبا الشاب بدهشة وهو يقول " كاشياتور ؟ طبعا لا . ان نيكولو كاشياتور هو سليل أسرة من الفلاحين قد عاش أجداده بعرق جبينهم وراء قطعان الماشية فوق تلال " كالابريا" وبدت في صوته نبرة ساخرة بعثت الأحمرار الى وجهها . فقالت بحدة :" أذا كان الامر كذلك فأن انجازات نيكولو تستحق اكثر من مجرد الأستحسان ."ورده __قايين_
وعجبت اذ وجدت نفسها تهب الى الدفاع عن نيكولو.
أجاب لاويا شفتيه :" ربما . من ناحية اخرى , فأن والده هجر تلك الحياة مع الماشية ليستغل أمواله في مشاريع أخرى وسرعان ما بدأت أحوال أسرته في التحسن بشكل لا يصدق...كلا ..." وسكت الشاب وهو يجيل انظاره في السماء المظلمة ثم استطرد:" ان أسرة كاشياتور ليست الآن بحاجة الى المال لشراء أي شئ ولكن ما هم بحاجة اليه هو المركز النبيل الذي يتماشى مع ثرائهم .:
شعرت كاتيا في أعماقها باهتمام مفاجئ دفعها للقول :" أراك تحاول أهانة زوجي في منزله .: وحرصت وهي
تقول ذلك على أن لاتظهر اهتمامها بما تقول الى ان ترى ما وراء ذلك مما قد يفيدها.
استطردت :" أنني لا اعرف من أنت."
انحنى قائلا :" سيزار برونيللي . أنني أسامحك لنسيانك هذا , فقد كان اليوم مليئا بالوجوه والأسماء الجديدة بالنسبة اليك . وعلى الرغم من لقبك الموروث فأن اللغة الأيطالية ليست لغتك الأولى . أليس كذلك ؟ ولكن متى كانت الحقيقة أهانة , يا ماركيزة ؟"
أجابت :" منذ قرنتها بتفسيراتك يا سنييور "
توقفت عن الكلام تنتظر الأعتذار الذي لم يحصل . فتابعت تقول :" أظن ان الوقت قد حان للعودة الى الحفلة "
تحركت تهم بالوقوف آملة أن يحثه عدم أظهارها الأهتمام بالموضوع . على الأنطلاق بحديثه. ولكن قبل أن يتابع . انزلق كعبا حذائيها العاليان على المصطبة المصقولة تحتهما مما حملها على الوقوف وهي تعرج بألم .
منتديات ليلاس
قفز سيزار برونيللي حالا الى أمامها يسألها وهو يحاول مساعدتها :" هل أصابك ضرر يا ماركيزة ؟"
قالت :" كلا . شكرا ." وبرغم ما في كلمتها الصغيرة هذه من رفض له فأنه تقدم يمسك ذراعها يساعدها على التقدم , بينما استطردت هي تقول :" أرجوك ان لاتخاطبني مرة أخرى بهذا اللقب السخيف غير المعقول ." وشعرت بيده تضغط على مرفقها مثبتا أياها وهو يقول بلطف :" وبماذا أخاطب , أذن حفيدة الماركيز ؟"
" ماذا قلت ؟ " ولم تمنع معاناة كاتيا ضحكة قصيرة من أن تنطلق من فمها وهي تلقي عليه هذا السؤال , وتابعت :" جدي ماركيز ,لابد انك مجنون او ثمل ."
قال سيزار برونيللي بلطف " انك لاتعلمين . أظن ان نيكولو كاشياتور يريد أن يبقي الأمر سرا الى أن يربطك برباط الزوجية نهائيا . ولكن , كيف استطاع أن يقنع جدك بكتمان الأمر . ولماذا بقيت أنت جاهلة ذلك ؟
فكرت في انها يجب ان تدعه لتخيلاته هذه التي لن تنفعها في شئ وتعود الى الحفلة . ولكن شعورا خفيا سمرها في مكانها لتقول :" لأن كل القضية هي من نسج خيالك ".

قال : كلا , بل هي الحقيقة , ويمكنني ان اقسم على أن انطونيو لورنزو هو دوق " كاستيلون" لقد استغرقت محاولات المحامين الأيطاليين للعثور عليه وقتا طويلا جدا بعد ان توفي المركيز العجوز دون وريث من صلبه وأنما ابن عمه , جدك الذي كان متواريا في قرية صغيرة في انكلترا "
ابتسم كاشفا عن أسنان مثل قطاع الطرق البيضاء وهو يتابع "انطونيو لورنزو هو وارث أمارة دي كاستيلون المفلسة والغارقة في الديون في ولاية توسكاني , انطونيو الورنزو وحفيدته غير المتزوجة والرائعة الجمال..المستقبل يا ماركيزة..ياجوهرة النبل التي تزين تاج كاشياتور التجاري ..."
لم يكن ثمة مجال لأنكار رنة الصدق في صوته , التي بعثت الرعشة في أنحاء جسمها . وتساءلت ان كان يمكن أن تكون القضية بمثل هذه البساطة والفظاعة معا . يجب أن تتحقق من ذلك لأنها , أذا كانت هذه هي الحقيقة فأنها ستوضح جزء كبيرا من القضية الغامضة .
ابتدأت تقول بحذر :" أذا كان ما تقوله صحيحا يا سنيور برونيللي ." فقاطعها :" ناديني سيزار من فضلك كما يفعل الجميع ."
تابعت كاتيا كلامها متجاهلة مقاطعته :" فأنني أخبرك بشكل قاطع أن جدي لا علم له بالأمر ."
أجاب :" وأنا أقول لك أذا كنت حقا تعتقدين بذلك فأنك مخدوعة . ذلك أن لي اتصالات ممتازة مع رجال القانون الذين قاموا بالتفتيش عن وارث اللقب . وكان ذلك موضوعا صغيرا ذا اهمية . وقد فكرت في أنه قد يسلي قرائي عند اتمامه , وقد حدث هذا فعلا . أذ ان نجاحه النهائي وزعته وكالة الأنباء بقلمي في كل أنحاء ايطاليا ."
وردة__قايين
قالت وقد غمرها شعور غريب بأن الأمورابتدأت تتضح في ذهنها .
"هل انت مخبر صحافي ,مخبر هنا في القصر ؟ " فلوى سيزار برونيللي برأسه وهو يقول : " أفضل أن أدعى صحافيا وليس مخبرا حيث انني لا أسعى وراء الأخبار ولكنني اكتشف وأتابع قصصي الخاصة . وهنا في القصر طبعا , ولم لا ؟ أن أهمية المقال الأجتماعي لاتقل عن أهمية مقال يتعلق بالسيارات التي يعقد زوجك عنها مؤتمرا صحافيا هذه الليلة . وسوا شئت ذلك أم أبيت ياسنيورا فأنا هنا بدعوة رسمية ."
تساءلت كاتيا , لماذا بحق السماء , لم يخبرها جدها بكل هذا , وقفز الجواب حالا الى ذهنها المضطرب . وهو أن ذلك لأن نيكولو منعه من أن يخبرها . لأن نيكولو لم يشأ قط لها أن تكتشف السبب في مطارحته لها للغرام, قبل أن ترتبط به للأبد ولايبقى هناك مجال لها للفرار . ولكن , شكرا لله لأتضاح الحقيقة لها بما سمعته الآن , لقد فشلت خطته , قد يكون بأمكان نيكولو أن يفعل أي شئ ما عدا جرها الى مذبح الكنسية ليربطها به الى الأبد , الا أذا خدرها أولا يكفيها الأرتباط المدني الذي تستطيع الفكاك منه على الأقل بخلاف الأرتباط الديني .

جاءها صوت برونيللي يردها الى الواقع بقوله :" يبدو انك متضايقة يا ماركيزة . سامحيني اذا كنت قد سببت لك الألم عندما قلت أنه يخيل الى أن زوجك أنما كان يسعى وراء اللقب وليس وراءك . لقد كان نيكولو دوما خبيرا جدا بجنس النساء , وأكون مجنونا لو فكرت لحظة في أن ثمة شيئا غير جمالك اجتذبه اليك ."

ابتسم لها ولكن عينيه كانتا تراقبانها وهو يتابع قائلا :" أنني مثلا , لم أصدق أبدأ أنه كان مغرما بجينا كابريني وأنهما اتفقا على الزواج أذا هي أستطاعت أن تتخلص من زوجها قانونيا دون التسبب بفضيحة تهدم أمبراطورية كاشياتور . ذلك لأن كل أنسان كان يدرك أن زوج المرأة جوزيب كابريني لم يكن من الحماقة بحيث يعطيها ما تطلب ."

" جينا كابريني ؟ " انساب هذا الأسم من بين شفتيها الباردتين قبل أن تستطيع ضبط لسانها , وذلك عندما واجهت الجانب الآخر من شخصية نيكولو المخادعة . لم يكن بأمكان سيزار برونيلي أن يعلم باكتشافها انه قد غرر بها لتتزوج نيكولو , وهي تستطيع ان ترى بوضوح تام مالذي كان يفعله , منكرا ما سبق وادعى انها الحقيقة وذلك لجرها الى الخروج عن تحفظها .
فجأة انتبهت الى حركة في القناة الصغيرة بجانب مدخل الزوارق القادمة . كان ثمة أصوات . ها قد ابتدأ الضيوف في الخروج ولا بد لها من أن تكون في القاعة لتقوم بدور الزوجة الى أن ترى متى يتوضح كل شئ .
عاد يقول :" ألم يأت زوجك على ذكر جينا قط ؟ ما هذا الاهمال ؟ ان كل شخص في البندقية يعرف جينا . انها احدى أشهر فتيات المدينة , فهي تملك سلسلة من محلات الأزياء في ايطاليا وفرنسا "وعض على شفتيه وكأنه تذكر أمرا ثم تابع :" ثمة كثيرون سيخبرونك أنها أمضت في أعمالها وقتا أطول مما أمضته مع زوجها , ولهذا فشل زواجها . كما ان آخرين ...."
هز كتفيه " حسنا , سيخبرونك ان جوزيب كابريني اكتشف أن زوجته تخونه كما أنه شك في شخصية عاشقها ولكنه لم يستطع أثبات ذلك .."
تغلب غضب كاتيا لجرأة الشاب , على رغبتها في سماع المزيد فقالت :" أظنك قلت ما فيه الكفاية ."
سبب لها الضيق والتوتر الما مفاجئا في صدرها ضاق معه تنفسها فرفعت راحتها الى صدرها وهي تشعر بتسارع دقات قلبها . فأن الشئ الرئيسي هنا هو أن نيكولو حقق أمرين من وراء الزواج منها , الأول هو جعله من الزواج ستارا يحجبه وعشيقته, وفي نفس الوقت يجعل له من صلة بنبلاء ايطاليا القدماء وهذا هو ما يسعى اليه من كل قلبه .

وأن صوتا معذبا في داخلها :" أوه نيكولو ... كيف يمكنك ان تكون بهذه الدناءة ..."
قالت بصوت ينضح بالألم :" أن زوجي..."
قاطعها قائلا :" زوجك ؟ وهل قلت أنا انه عشيق جينا ؟"
وارتفع حاجباه بدهشه مصطنعه وهو يتابع :" انك اسأت فهمي يا ماركيزه . لو كان ذلك صحيحا لما تزوج منك اليس كذلك ؟الا اذا كان قصده بالطبع , القاء القاء جينا خارجا . وتقول الشائعات ان كلا منهما يسعى الى شاهد اثبات ضد الآخر , وبهذا يتحول الأنفصال الى طلاق .
تصوري الفضيحة . وأذا ظهر أن كاشياتور هو المذنب . فسيكون في ذلك احراجا كبيرا له لأن كابريني . الزوج . هو المدير الممول لشركة زوجك ."

لم تكن كاتيا بحاجة الى كل هذا الشرح للأدلة والأثباتات من برونيللي
في ورطتها هذه. لقد كان كل شئ واضحا .
ليس فقط أن موت الماركيز الكبير قد دل على مكان جدها مما جعل هذا معروفا , وعرضه الى مطالبة أسرة كاشياتور له بما يدين لها به , ولكن كان أن دفع الدين بشخصها هي . ولو كان جدها قد أظهر تمنعا وكراهية لرؤيتها تنقاد الى زواج دون حب , فأن في امكان نيكولو , دون شك , أن يلطف من الأمر بأن يساومه على ذلك بألغاء ديون الماركيز الكبير . لابد أنه فعل ذلك عندما فتح الموضوع مع جدها .
وهذا يوضح ذكر كلمة دين في حديثهما الذي سمعته . أنه ثمن صغير يدفع لمصلحة نيكولو .
حدثت كاتيا نفسها وقد توهجت وجنتاها من الغضب , اللعنة عليه .. كيف يجرؤ على معاملتها بمثل تلك العجرفة
والتعالي ؟ لابد انه سعى جهده لدى جدها لكي يحصل على موافقته . مستخدما لسانه المعسول في اقناعه بأن نصيبها يكمن في أيطاليا موطن أسلافها . أذ ان جدها لم يكن ليوافق أبدأ على زواجها لأجل المال فقط .
بدون أية كلمة , تركت ذلك الأيطالي المبتسم ومضت . لتجعله يظن أن كل قصصه انما وقعت في آذان صماء . فلو علم مقدار عرفان الجميل الذي شعرت به تجاهه لكل ما أخبرها به , لما بدا عليه كل هذا السرور الآن .
كانت قاعة الرقص قد أخليت بسرعة . وكان أعضاء الفرقة الموسيقية يحزمون آلاتهم . ولأنها كانت ما تزال ثقيلة الأنفاس , فقد وقفت على عتبة غرفة رائعة الجمال وهي تتمسك بستارة ثقيلة تستند اليها بينما أنظارها على الأرض التي جددت بشكل حسن . انها تريد أن تكتشف الحقائق . لماذا تشعر بنفسها قد دمرت بهذا الشكل ؟ أيمكن لأنها كانت تدعو الله , طيلة الوقت , أن يحدث معجزة ما تجعلها قد اخطأت في فهم الحديث الذي كانت قد سمعته في غرفة جدها : وأن نيكولو في الحقيقة يحبها قدر ما تحبه او بالأحرى قد أحبها : ولكنها ردت على نفسها بعنف أن المعجزات لم تعد جزءا من القرن العشرين .

جاءها صوت نيكولو يقول بحدة :" كاتيا , أين كنت ؟" وارتفعت نظراتها الى وجه العابس وهو يتابع :" كنت قلقا لأجلك ."
قالت ضاحكة بتوتر :" هل ظننت بأنني هربت منك في ليلة عرسنا ؟ ولماذا أفعل ذلك ؟"
نظر اليها بعينيه السوداوين يتأملها بهدؤ ثم قال :" أنك لست على ما يرام . لقد أصبحت تصرفاتك غريبة منذ اللحظة التي وطأت بها أقدامك أرض ايطاليا . ماذا حدث لك يا عزيزتي ؟"
أجفلت وهي تلمس رنة المحبة غير المخلصة في صوته وقالت له بضعف متجاهلة لهجة القلق في صوته والذي اعتبرته تمثيلا , وقالت :" لقد شعرت بالضجر طوال المساء . لم أكن ادرك كم ستكون عليه من الكآبة " فمد يده يلامس وجنتها قائلا :" يا للصغيرة المسكينة ." فأبعدت وجهها هن يده كمن لسعتها حشرة .


قال لها :" انها ليست الطريقة التي نقضي بها أول ليلة لنا كزوج وزوجة. انك تبدين شاحبة جدا . تعالي فقد قاربت الحفلة على النهاية , وسأصعد بك الى شقتنا , ثم أعود اليك بأسرع وقت ممكن ."
أومأت كاتيا برأسها . لم يكن ثمة فائدة من التحدي , حتى ولو شاءت ذلك . فقد رأت من التعبير الذي بدا على ملامحه أنه لدى ادنى تردد منها , سيأخذها بين ذراعيه بالقوة .
وكان يسندها بذراعه الملتفه حول وسطها صاعدا بها السلم الرخامي , وصلا الى الرواق الذي تطل عليه بقية الشقق وكانت هي تنظر الى السجادة العجمية السميكة تحت قدميها مفكرة في أنها لابد أن تكون ثمينة جدا نظرا لقدمها , لقد سبق وقرأت مرة أن أسوأ ما يمكن ان يفعله انسان هو ان يعرض سجادة عجمية على الجدار. ذلك أن قيمتها الحقيقية تأتي من الرثاثة أذ ان مرور الأقدام عليها تمنح الصلابة والأحكام لألاف العقد فيها مما يرفع من قيمتها .

قال لها وهو يوقفها على عتبة غرفة النوم :" اذهبي الى فراشك ياكاتيا . لقد أمضيت يوما شاقا , وسألحق بك حالما استطيع."
شعرت بالراحة أذ لم يقبلها قبل أن يتركها . ولما أصبحت وحدها في الغرفة , تهالكت على فراشها وقد راح ذهنها يعمل بسرعة بينما عيناها تجولان في ما حولها , تنظران دون تركيز , في السجادة ذات الألوان المماثلة لألوان صدف اللؤلؤ , ثم الجدران المغطاة الى منتصفها بالخشب, عارضة مختلف الرسوم . وكذلك السقف المزخرف. و ر د ه ق ا ي ي ن .
ووضعت يديها بعصبية على غطاء السرير المزدوج.
شعرت بالغثيان وهي تفكر في ما ينتظرها عند عودة نيكولو , حين ترفض مجاراته في رغباته . ونهضت من الفراش بضعف وهي تفكر في أنه قد يرفض ادعاءها التعب .
أثناء خطوبتهما القصيرة , كان يقصر رغباته على فرص قليلة كانا يخرجان فيها معا وذلك اعتبارا لقيم جدها ورغبتها هي في اتباع السلوك الذي نشأت عليه . أو على الأقل , هذا كان رأيها . أما الآن فهي تفسر سكوته ذاك ابتعادها عنه , بمعنى مختلف .
بالنسبة لكل ما ادركته الآن , يمكنها ان تبتهج اذ لم تسمح لها أفكارهاالمثالية , بالوقوع في خطأ السماح له بأن يصبح عشيقها . كما أن رغبتها في أن تحافظ على كرامتها وشرفها وألاتدعه يئثر على نفسها . هذه الرغبة لم تتغير .
وبيدين ترتجفان خلعت القرطين هدية نيكولو ووضعتهما في علبتهما على طاولة الزينة قبل أن تخلع ثيابها كليا وتدخل الحمام آخذه معها قميص نومها آملة أن ينعشها " الدوش" الخفيف الذي ستأخذه ولكن خاب أملها وهي تلمس عدم جدواه.
وضعت عطورها المفضلة التي تلائم بشرتها العسلية اللون في مياة الحوض وهي تغتسل ثم ارتدت أخيرا , قميص نومها الساتان الأزرق بعد أن سوت ثنياته حول وركيها المستديرين برشاقة . لقد كانت حين اشترته, تملؤها البهجة لتوقعها ارتداء ليلة عرسها .

كانت غرفة نومها تنتظرها بصمت , وبنفس الصمت قصدت فراشها . وسحبت الغطاء لتظهر الملاءات الحريرية بألوانها الزرقاء الشاحبة والرمادية وكذلك اكياس الوسائد. ولكنها لم تكد تلحظ هذه الرفاهية وهي تريح جسدها المتعب بينها .


النوم , كانت تنشد النوم , الذي لم تستطع مقاومته وقبل ان تمد يدها لتطفئ النور بجانب فراشها كان آخر ما فكرت فيه هو ان نيكولو سيوقظها عند قدومه ليمارس معها حقوقه الزوجية التي يدعيها دون شك .

عندما أستيقظت , كان ثمة ضوء خفيف . وللحظة ظنت نفسها وحدها في السرير الواسع . ولما جلست في الفراش اكتشفت خطأ ظنها , كان بجانبها , بعيدا عنها مسافة تكفي شخصا آخر , كان ثمة وجه نيكولو مطمئنا بين الوسائد المتعددة الألوان بينما كان جذعه العاري مكشوفا تماما وقد استرخت عضلاته بتأثير النعاس , كل ذلك جعل أنفاس كاتيا تتوقف في بلعومها .
بينما أخذت تعجب لضبطه نفسه , هذه الليلة , عادت بها ذاكرتها الى مقابلتها سيزار برونيللي , لقد أفاد النوم
العميق جسمها وأعاد اليها حدة ذهنها . وعليها الآن أن تتابع التمثيلية التي أخذت على نفسها القيام بها .
وبحذر أنزلت ساقيها من السرير , ثم جمعت ثيابها وحملتها معها الى الحمام . وأخذ منها غسل وجهها وأسنانها وارتداء سروال جينز وقميص , فقط عدة دقائق , لقد كانت بحاجة الى بعض الوقت تقوم فيه بتنفيذ خطتها , ولهذا , أرادت أن تنفرد بنفسها .


من دون ان تزعج نيكولو تركت الغرفة بخفة ونزلت الى أسفل مجتازة قاعة الرقص الخالية , ثم خرجت من احد الأبواب الزجاجية الى الحديقة . كانت في الليلة السابقة قد لاحظت بوابة حديدية قود الى مكان رسو الزوارق بجانب القصر وأستغرق منها ارزاحة رتاج البوابة عدة ثوان لتجتاز , بعد ذلك , الجسر الحجري المزخرف الذي يعبر القناة الصغيرة .

لم يحدث حذاؤها الجلدي الخفيف أي صوت وأسرعت نحو مفترق الطرق المتاشبك الذي رأته أثناء رحلتها في اليوم السابق والذي يقودها الى ساحة سان ماركو تاركة القناة الكبيرة خلفها , وعرفت بقدر ما ان تتذكر أين تكون الساحة وبالنسبة الى الجهة التي توجهت اليها سيكون بأمكانها أن تعود فتقتفي آثار قدميها .

هامت في الشوارع الضيقة الخالية , بأشاراتها الصفراء التي تعين الأتجاهات الى ساحة سانت ماركو , أو الى جسر ريالتو, واجتازت الساحة الصامته حيث كان الحمام يسبح في برك من الماء تجمعت من القطرات النازلة من المضخات , لاتكاد تنتبه الى الشرفات التي تتدلى منها الأزهار أو الدوالي التي تغطي الجدران , كانت البندقية قد بدأت تستيقظ مستجيبة الى فجر جديد . وكانت هي قادرة على أن تنفرد بنفسها لتستعرض ما عرفته في تلك الليلة ....ورده...
اهتزت وهي تفكر في سيزار برونيللي ودوره في كل هذا ..ما أشبهه بواحد من قوارض الطير يقف على السياج منتظرا الجيفة . ليتهافت عليه ليسمن . ولكن ليس عليها أن تحترم أو تحب برونيللي لكي تصدقه . ذلك أن عرضه كان واضحا . انه يريد أن يثير أكبر عدد من الفضائح لكي يكتب عنها , فليس له أية عداوة شخصية نحوها أو نحو نيكولو , كما أن ليس عنده ضمير يتحرك لنتيجة ما يقوم به .
وامتلأت عيناها بالدموع وتوقفت عندما وصلت الى جسر ضيق يعبر قناة صغيرة , ونظرت الى اعماق المياه
التي مازالت تعكس صور المنازل العالية على جانبيه , مما حول المياه الى شبه مرآة داكنه وقد ابتدأت خيوط أشعة الشمس في اختراق ظلمتها . وكان هناك زورق صغير واقفا لايتحرك . وعلى مسافة منه أمكنها رؤية انعكاس كامل رائع في المياة للجسر الذي يليها , بينما يغرق عالمها هي في الحطام المحيط بها .
قبضت على حاجز الجسر بيديها بشدة , أن مصيرها بين يديها الآن , ولكنها يجب ان تكون فطنة . كانت تدرك أن المواجهة المباشرة لن تكون في مصلحتها. ولكن بطريقة أو بأخرى , يمكنها أن ترغم نيكولو على الأعتراف بغلطته التي ارتكبها , ومن ثم تقنعه بأن من الأفضل لهما معا , أن يطلقها .



انتهى الجزء الثالث

ماري-أنطوانيت 03-08-08 12:17 PM

هذا الفصل كتبته العزيزه ((الاميره شوق ))

الفصل الرابع

ضائعة في أفكارها, استدارت كاتيا في طريق العودة لتتوه عن الطريق الصحيح. واقتضاها الأمر وقتا جربت فيه مختلف الطرق قبل أن تكتشف الطريق المؤدي إلى القصر حيث وجدت نفسها وهي تعبر الجسر لتستقر فوق الأرض وجدت نفسها أمام نيكولو الذي كانت الثورة تندلع من عينيه قائلا لها بصوت حاول أن يجعله هادئا دون أن يتمكن من إخفاء الغضب الذي كان يتملكه. قال لها وهو يقبض على ذراعيها بخشونة: " أين كنت؟"
تسارعت دقات قلبها . لقد ابتدأ أخيراً, في الكشف عن وجهه الحقيقي ليبسط سلطته عليها. فجأة شعرت بالجفاف في فمها وهي تجيب: " كنت أتمشى." وألقت نظرة بهدوء مصطنع إلى اليدين اللتين تمنعانها من الحركة وما زالت خفقات قلبها تتسارع.
تابعت: " إنها ليست جريمة بالطبع لقد استيقظت باكرا ولم أستطع متابعة الرقاد فأردت أن أفعل شيئا."
قال: " ألم يخطر ببالك أنه لو كنت أيقظتني لوجدنا نحن الإثنان ما نفعله؟"
لم تخطىء هي فهم المعنى الذي قصده والذي ظهر لمعان عينيه.
كان الجواب البديهي لذلك هو أنها تركت المنزل لأنها كانت تعلم ما الذي كانا سيفعلانه لو أنها كانت قد أيقظته.
أجابت: " كان يبدو عليك الاستغراق في النوم فلم أحب أن أزعجك كما أنه لم تكن لدي فكرة عن الوقت الذي عدت فيه أمس إلى الفراش."
قال بينما أهدابه السوداء تخفي نظراته الحاده : "بعد اوصلتك الغرفة بقليل هل هذه هي المسألة؟ هل لانني لم اوقظك لأقوم بواجباتي كزوج ؟ هل أشعرك هذا بالاهمال ياحبيبتي وحملك على الاعتقاد بانني يجب أن اكفر عن خطأي بأن أضع في قلبي الخوف ؟"
قالت متصنعة دهشة فضحها هدوء نظراتها :" الخوف؟ وماذا هناك ليدعوك إلى الخوف؟ إن البندقية هي من أكثر المدن أمناً."
قال وهو يضغط بيديه على ذراعيها:" نعم. هذا ما أعتقد ولكن الرجل الذي يصدم باختفاء عروسه, لا يمكننا أن نلومه إذا هو تصور الأسوأ."
ضحكت غير مصدومة وهي تقول:" وهل اعتقدت أنني خطفت؟ كل ما أردت عمله هو أن أكتشف قلب البندقية."
قال نيكولو بجفاء:" بينما عندي أنا شيء آخر لتكتشفيه. شيء يجب أن يجري في شقتنا بمعزل عن الأعين الفضولية هنا عند مرسى الزوارق. هيا بنا."
سارت كاتيا مستسلمة باتجاه مدخل الحديقة, إلى حيث تنتظرها مواجهة المعركة في شقتها. كان على نيكولو أن يتعلم أنها ليست متاعا تستعممل لإنجاح عمل الرجل أو تكون ستار لمواراة غرام غير مشورع. كان عليه أن يتعلم أن كرامة أسرة لورنزو تماثل ما عند أسرة كاشياتور, هذا وإن كان تعليمه كل ذلك لا يخلو من خطر.
تمتمت لعدد من الخدم كانوا يقومون بتنظيف أرضية قاعة الرقص تقول:" صباح الخير."
بينما كان هو مازال قابضا على ذراعها يقودها نحو السلم صاعدا بها إلى شقتهما.
قالت بيأس وهو يدفعها برفق لاجتياز العتبة:" نيكولو أريد أن أتحدث إليك..."
قال:" وأنا أيضا... ولكن ليس بمعدة فارغة."
أمسك بالهاتف يأمر بإرسال الفطور إلى شقتهما مشيرا إليها بعد ذلك بأن تذهب إلى غرفة الجلوس الرائعة لتأخذ قسطا من الراحة.
هكذا انحنى فوقها وهي جالسة في غرفة الجلوس ونظر في عينيها بثبات قائلا:" من هو ذلك الرجل الي كنت على موعد معه هذا الصباح؟"
أحمر وجهها من الدهشة وهي تقول:" ماذا تقول؟"
وتسارعت دقات قلبها بينما تحاول امتلاك نفسها. كيف يجرؤ على تحويل التهمة محاولا بذلك تغطية عتاب لا حق له فيه؟
قال معنفا :" إنك لست صماء ولا جاهلة يا عزيزتي كاترينا. كما أنك لست حمقاء. كما أنه لا يبدو أنك تبادلينني نفس المجاملات. لقد بقيت معي لحظة واحدة, في الليلة الماضية لتختفي بعد ذلك. أتظنين أنني لم أبحث عنك؟ أو أنني لم أرك مستغرقة في الحديث مع صديقك؟"
دب في نفسها الخوف وهي تسأله:" هل رأيتني في الحديقة؟ ولكن لم لمتأت إلي؟"
رفع حاجبيه الاسودين قائلا:" أتظنينني من الحماقة بحيث أخلق مشهدا يؤثر على نجاحي العملي؟ لم أكن أعلم أنك تعرفين أحدا في البندقية لو كان الاجتماع بريئا لتوقعت منك أن تقدميني إلى مرافقك هذا. ولقد أعتبرت أنك كنت البارحة متعبة فلم أشأ سؤالك وتركت ذلك إلى أن تستيقظي مرتاحة في الصباح, فماذا وجدت؟ كان فراشك فارغا دون أي ملحوظة تتركينها لي تدلني على مكانك.. ماذا غير ذلك علي أن أتوقع؟ ما دمت لم تتعرضي للاغتصاب فقد كنت دون شك على موعد."كاد الغضب يخنق أنفاس كاتيا كيف يجرؤ على قلب الأشياء عليها؟ لقد سبق وأن ألقى عنه رداء التهذيب الذي ارتداه في انكلترا, لييدي لونه الحقيقي كاشفا عن نفسه كغريب وقح. وشكرا لما هيأها لمثل هذا التغير.
قالت وهي تنهض واقفة:" إنك متعجرف..." ولكنها ما لبثت أن عادت تجلس بعد أن سمعت قرعا على الباب لتدخل خادمة شابة تدفع أمامها عربة عليها صينية الإفطار.
اخفاء لمظهرها الغاضب وارتجاف يديها خفضت كاتيا نظراتها وشبكت يديها في حضنها وابتدأت تعد في ذهنها إلى العشرة.
قال نيكولة وهو يضع كوب قهوة على طاولة بجانبها دون انتظار جوابها:" القهوة." وعندما انسحبت الخادمة تابع: " اتريدين الكعكة؟ يمكنك غدا أن تختاري الفطور بنفسك, إذ لا أظنك عازمة إلى معاودة الخروج باكرا إلى موعدك ذاك. ماذا كنت تقولين؟" ورفع كوبه لى فمه منتظرا جوابها.
فكرت هي أن هناك طريقا واحدا لمواجهة النار, ألا وهي النار نفسها.
أخذت نفسا عميقا تهدئ بذلك أعصابها ثم رفعت نظرها إليه بتحد كمن يستعد للقتال:" إنني أفضل أن تعاملني بالرقة و اللطف اللذين يتناسبان مع مركزي."
نظر إليها بعينين ساخرتين قائلا:" مركزك كزوجة لي ؟ ولكنك حاليا, زوجة بالإسم فقط يا حلوتي وتبعا للمركز الذي تدعينه لنفسك في الدقائق التالية ستكون معاملتي لك لطفا وحرارة."
تزايد خفقان قلبها وهي ترى في وجهه رغبة لا يمكن أن تتجاهلها. وحاولت أن تخفف من هلعها بقولها:" مركزي هو حفيدة ماركيز." وتوقف قلبها عن الخفقان وهي ترى الصدمة في عينيه وتوتر فكه مما حقق لها ما كانت تريد معرفته.
انحنى نيكولو فوقها وقد توتر جسمه منذرا بالخطر وهو يقول:" إذن فقد أخبرك انطونيو بذلك برغم كل شيء."
على الرغم مما فعله جدها معها فقد شعرت حمايته من غضب نيكولو فاندفعت قائلة:" جدي؟ يا للسماء... ليس هو من أخبرني. لقد قرأت بعض الصحف التي وصلته من إيطاليا كانت ملقاة على مكتبه. وفكرت في أنه أكبر سنا من أن يهتم بمثل هذا اللقب ولكنني لست كذلك."
توقفت عن الكلام تجيل بأنظارها في أنحاء الغرفة الرائعة ثم تابعت قائلة:" خاصة وأنا الآن سيدة هذا القصر. لقد كنت أحلم بكل المباهج التي سأستمتع بها وبكل الاستقبالات والحفلات التي سأقيمها لأناس في مثل سني... أعني ليس من أمثال الناس الذين كانوا هنا البارحة..." وتلاشى صوتها في جو الغرفة الهادئ.
قال نيكولو أخيرا:" لقد فهمت. حسنا يا عزيزتي, آمل أن لا تكوني شعرت بخيبة الأمل . إنك تعرفين كما أعرف أنا إن إيطاليا هي جمهورية ولم يبق هناك أي اعتبار للألقاب. حتى ولو كان , فإنني لا أظن أن لقب ماركيز ينتقل إلى الحفيدة بالضرورة فهذه الألقاب القديمة تميل إلى الانتقال إلى الذكور فقط. وهذا هو السبب كما أظن الذي منع جدك من أن يصارحك بهذا, لأنه اعتبر أن لا جدوى من إخبارك بهذا اللقب الذي لا يعني شيء."
رسمت على شفتيها ابتسامة وهي تنظر إلى وجهه قائلة:" أتظن ذلك؟ لقد ظننت أن لقبا كهذا مهما كان هو شيء حسن إذا تصدر رسائل أية شركة طموح خاصة تلك التي تصدر إلى ماوراء البحار والجمهوريات التي ليس لها ملكيات خاصة... ولم يكن جدي يريد أن يزعج نفسه بشركات تريد أن تحقق ارباحا من وراء مثل هذا."
قال وقد ضاقت عيناه وبدا عليه نفاذ الصبر:" إن عنده بالطبع أسبابه الخاصة ولم يشأ أن يشغلنا بمثل هذه الأمر إنني متأكد من ذلك."
ابتسمت في وجهه بلطف بينما تسارعت خفقات قلبها وهي تقول:" ولكنه أخبرك أنت بذلك. أو لعلك عرفت بذلك قبل أن تأتي إلى انكلترا لمتابعة أعمالك؟"
تصلب جسده بشكل مخيف وهو يقول:" ما هذا كاتيا؟ هل وصلنا إلى هذا الحد؟ هل تحسبينني لأنني سبق وعلمت أن جدك ورث لقبا لم يعد له قيمة؟"
قالت وهي تأخذ آخر رشفة من كوبها ليمكنها تمالك نفسها وتستمد القوة لمواجهته:" طبعا لا." لقد كان إذن واثقا منها بحيث لم يكلف نفسه عناء التظاهر بالنزاهة.
منتديات ليلاس
مرة أخرى أحست بنفسها القوة مع أن نيكولو ما زار واقفا مشرفا عليها بينما استدارت هي تنظر إلى القناة الكبيرة من النافذة التي كانت في التو قد زال عنها غشاء الضباب مع ارتفاع الشمس في قبة السماء. كان يمكن أن تشعر بخسارة أقل فيما لو كانت واجهته على نفس المستوى ولكن حتى أعلى كعب حذاء عندها ما كان ليمنحها مثل هذا الشعور بالمساواة.
قالت:" في الحقيقة إنني معجبة بعقلك الفريد في تتبع الفرص لتحسين صورة أعمالك بكل تلك الغيرة والحماس." كانت عيناها لا تزالان مركزتين على الزورق المحمل بسياح يابانين كانوا يستمتعون بصحبة سائق الزورق الذي كان يعزف على الاكورديون رافعا صوته بأغنية حب من البندقية بينما كانت تحس بعيني نيكولو تخترقان رأسها من الخلف وتعكسان في سوادهما شيئا هو غير الرضى تبعا للجو المشحون بينهما.
قال بلهجة أخافتها:" في الحقيقة يبدو أننا نحن الأثنان لسنا غريبين عن الطموح هذا إذا كنت ترين الزواج مجرد طريق إلى جدول لا ينته من الاستقبالات و الحفلات يا عزيزتي."
استدارت تواجهه وهي ترسم على شفتيها ابتسامة مصطنعة لتقول:" أوه... والآن يا نيكولو... المساومةهي المساومة... إن زواجنا ليس الوحيد من نوعه الذي يتزوج فيه الفقير ذو اللقب من الغني الذي هو من دون لقب."
أمام الشرر الذي تصاعد من عينيه تابعت بسرعة:" وإن هذا الأساس للزواج هو أكثر ثباتا من أوهام الحب... ألا توافقني على هذا؟"
أخذت تراقب ملامحه وقد تصلبت بينما انتظرت هي جوابه راجية أن لا يعود من ناحية إلى تكرار القسم على حبه ومن ناحية أخرى إلى ما تتوقعه من تحقق مخاوفها إلى الأسوأ.
عندما بدت شفتي نيكولو ابتسامة قاسية فارقها آخر أمل لها.
نظر هو إليها بعينين ضيقتين وهويقول:" وهكذا لم تنخدعي أبداً بتأكيداتي القوية لحبي الذي لن ينتهي. لقد خاب أملي حقا كنت أظن نفسي أستاذا في فن التودد."
قالت تطمئنه بسرعة:" وإنك لكذلك فعلا فقد أثرت بي معاملتك كثيرا ولكنني لم أكد أصدقها خصوصا عندما ارتبت في تصرفاتك منذ البداية . لقد كانت لعبة جيدة لعبناها معا نستغل بها جدي.ولكننا نحن الإثنان نعلم أن الحب من النظرة الأولى هو وهم المراهقة الذي ينتهي دوما بالخذلان والتعاسة. ولكن الحقيقة في قضيتنا هي مختلفة تماما. فقد وجدت أنت في كوني حفيدة ماركيو طريقا إلى التقدم ماديا بينما وجدت أنا فيه طريقا إلى الخلاص من حياة القرية ومن الوظيفة المملة ولأحصل على شيء من اللهو واشتري الملابس الجملة التي تناسب مركزي الجديد ويكون عندي الخدم... ولكن ليس ثمة حاجة بنا إلى التظاهر ونحن بمفردنا بالاهتمام ببعضنا البعض أليس كذلك؟"
"و الان ليس علينا أبدا أن تراعي شعور جدك بعدا لآن أليس ذلك ما تعنينه؟"
جاءها هذا السؤال بلطف من خلفها... كان من الرقة واللطف بحيث جمد الدم في عروقها.واغتصبت ابتسامة رسمتها على شفتيها الجافتين قائلة:" كنت أعرف أنك ستتفهم الأمر. كان يهمنا نحن الاثنان معا أن أخدع جدي بأنني وقعت في حبك وإلا لما وافق بدا على زواجي منك. ولكنني أخشى أن لا أكون من المهارة في التمثيل بحيث أستمر في تمثيل هذا الدور ونحن بمفردنا. وإنني أتظاهر بذلك ما دمنا أمام الناس ولكن عندما نكون على انفراد يذهب كل منا لشأنه."
قال متصنعا الهدوء ليفضحه بريق عينيه السواداوين:" أتعلمين ؟ أنني عند ذلك ربما ظننت أحيانا أنك تبالغين في التظاهر يا حلوتي."
قالت تعترض وقد كرهت الطريقة التهكمية التي خاطبها فيها بكلمة حلوتي:" كلا بالتأكيد. إنني أعرف أن عندك..." وتوقفت عن الحديث تستجمع شجاعتها حيث أنه لم يحاول إيقافها عند حدها, لتستطرد قائلة:" عندك علاقة غير شرعية ما زالت قائمة." وسكتت فجأة بجفاء.
اشتعلت عيناه وهو ينظر إليها بغضب هائل نضحت به كل خلية في جسمه وهو يقول برقة مخيفة:" ومن هو هذا الأحمق الذي أخبرك بكل هذا؟"
قالت:" بعض الأشخاص... رجل ما..." ولم تجرؤ على التفكير في النطق بأسم سيزار برونيللي برغم ازدرائها له أنها في هذا الظرف لا بد أن تعرضه إلى العقاب. واستطردت:" إنه أحد ضيوف حفلة الليلة الماضية."
قال:" وهل كان من الثرثرة بحيث ذكر اسم تلك الحبيبة؟"
نظرت إليه كاتيا في رعب وقد تجلى الغضب والقسوة على فمه المتوتر. ولكن لم يعد أمامها مجال للتراجع الآن غير أن مشاعرها المتأججة في داخلها دفعتها إلى رؤية رد الفعل عنده عندما يعرف أن علاقته السرية غير الشرعية لم تعد سرا.
قال:" آه... لا بد أنه رفيقك في الحديقة هو الذي أخبرك."
لم تغفل أذناها رنة الاستهزاء في صوته. وقالت:" لقد قال إن ذلك قد أصبح حديث الناس." وهزت كتفيها وهي تتابع:" جينا كابريني... أظن هذا هو اسمها. هل كانت في الحفلة الليلة الماضية يا نيكولو؟ كنت أحب قابلتها. إنني أعرف أنك واياها صديقان حميمان."
قال:" إنك إذن تعرفين ذلك؟"
كان بجانبها في خطوتينيمسك بكتفيها ويجذب جسمها نحوه متابعا:" لقد عرفت جينا منذ كنا مراهقين وهي متزوجة الآن من أخلص شركائي."
رفعت حاجبيها تسأله:" تعني منفصلة بالتأكيد؟ هذا إذا كانت معلوماتي صحيحة."
" كفى ثرثرة!"
ماتت الكلمات على شفتيها حين انحنى رأس نيكولو وهو يلثمها مستغلا آهة الدهشة التي أطلقتها.
رفعت يديها بحركة آلية إلى كتفيه تحمي نفسها من هذا الهجوم قال:" لا حاجة بك إلى الغيرة من جينا."
كان الخطر يبدو في كل مقطع من كلماته العبة التي كان يهمس بها بينما أنفاسه الدافئة تلفح أذنها. واستطرد قائلا:" لو لم تكوني نائمة عندما جئت إلى الفراش لكنت أعطيتك كل برهان أردته. مهما كانت أسباب زواجنا فإنني مصمم على جعله حقيقيا بكل معنى الكلمة."
" كلا..." قالت ذلك بآهة احتجاج منكرة عليه تغيير الموضوع لإخماد مخاوفها مستعملا في سبيل ذلك مهارته الجسدية المتسلطة. إنها لا تريد أن يتلاشى غضبها بالسحر الذي يسلط عليها.
أخذت تدفع عن نفسها جاهدة في التنبه من شبه النعاس الذي اجتاح كيانها. والذي يهددها بغزو روحها كما يغزو جسدها. كلا, ليس هذا ما تريده.. ليس هذا حبا حقيقيا... إنها محاولة من نيكولو ليبسط سلطته عليها ليعاقبها لكشفها خيانته. ليربطها إلى سحر جسده الآسر... للمصير الذي خططه لها. إنها حركة يتوجب عليها إحباطها إذا كانت تريد أن تستبقي ولو الرواسب من استقامتها ونزاهتها الأصلية.
" كفى" وبصرخة قصيرة سحبت نفسها من بين ذراعيه مسرعة نحو الباب لتفتحه وتركض في الممر آملة في الخلاص منه. إنها تريد أن تتوه مرة أخرى في شوارع المدينة الضيقة ريثما تستعيد حواسها وتهدئ من مشاعرها ليمكنها ذلك من مواجهته مرة أخرى مسلحة تجاه أي تقارب جسدي يتطلبه منها.
دون أن تنظر خلفها خرجت من الباب المؤدي إلى الشارع حيث أخذت تركض من شارع إلى آخر بسرعة إلى أن سمحت لنفسها بالوقوف لتسترد أنفاسها اللاهثة بينما كانت ضربات قلبها تتسارع من القلق. واستندت إلى الجدار للحظة أخذت بعدها تنظر إلى ما حولها بحذر لترى الطريق الذي جاءت منه.
كان نيكولو قد تبعها. وكانت الشوراع بالمارة إذ ان البندقية كانت الحرارة تدب فيها منذ الصباح الباكر تحيي نهارا جديدا. واستطاعت كاتيا أن ترى رأس زوجها المنتقم على بعد أمتار قليلة منها وكان اقترابه منها يزداد بسرعة لا تدعو إلى تفاؤلها. ولم يكن هو مسرعا ولكن خطواته الواسعة هي التي كانت تقصر المسافة بينهما.
لم يكن ثمة مهرب من أن يلحق بها إلا إذا استجمعت أفكارها لتضع خطة تسير على هديها ودفعها الهلع إلى زيادة سرعتها مجتازة الشوارع والأزقة. صاعدة فوق الجسور دون معرفة بالاتجاهات وليس في ذهنها إلا شيء واحد وهو أن نيكولو مازال في أثرها إلى أن أثار ذعرها أن وجدت نفسها قد وصلت إلى نهاية الطريق.
كانت تجري أمامها قناة صغيرة على جانبها طريق ضيق ينتهي فجأة حيث جدران البنايات القريبة تغطس فجأة في المياة الساكنة.
تساءلت ما الذي بإمكانها عمله الآن؟ وكان خلفها الزقاق الذي كانت قد اجتازته مسافة عدة أمتار قبل أن تأمل في إمكانية العثور على منعطف تخرج منه. وكان هناك احتمال في أن تركض مباشرة لتجد نفسها بين ذراعي نيكولو. وهذه المنطقة من المدينة كانت معزولة فإذا كان طبعه يماثل سرعته الحيوانية فهو قد يفتك بها ملقيا بجثتها في القناة دون أن يشاهده أحد.
ثم رأته كان زورقا رأسيا بجانب درج هناك. كان داخله مغطى بعناية بغطاء أحمر كبير. فإذا هي استطاعت الاختباء داخلة فإن نيكولو سيظن أنها انعطفت في طريق ما قبل أن تصل إلى نهاية الطريق. ولكن تبعا لمعرفته بالمدينة لابد له من أن يفتش هنا أولا.
نزلت دون تردد إلى الزورق رافعة الغطاء دون أية مشقة لتعيده جره فوق جسمها المرتجف مبقية فتحة صغيرة تتأكد منها ما إذا كان لمخاوفها أساس.
كان لمخاوفها أساس. إذ بعد لحظات من استقرارها التقطت أذناها المرهفتا صوت خطوات تقترب .
توقفت الخطوات ورأت من مكمنها الحذاء الرمادي الذي كان ينتعله نيكولو وكذلك سرواله الفضي. حتى انها استطاعت أن تسمع صوت انفاسه المتلاحقة أو ربما صدى أنفاسها هي في مكانها الذي يعلوه الغبار.
وقف هو دون حراك فترة خالتها دهرا, قبل أن يستدير عائدا من حيث أتى هل خدعته حقا؟ وبقيت في مكمنها قرابه العشر دقائق قبل أن تغامر بالخروج. هذا وما زالت خائفة من أن يكون كامنا ينتظرها. ولكن الأزقة المحيطة كانت خالية. ووقفت وهي لا تستطيع تصديق حظها الحسن وقفت تتدبر الاتجاه الذي ستسلكه وعندما التحقت بالمارة عرفت أنها قريبة من جسر " الريالتو".
كانت في حاجة إلى وقت تفكر فيه دون أي شعور بالخوف من ان نيكولو يتبعها ويحصي عليها أنفاسها. لو انها فقط تستطيع إخفاء شعرها الذهبي وتغير ثيابها ثم تختلط بالسياح الذين يتكاثر عددهم على الدوام.
كانت " بسطات" البضائع المنتشرة قرب جسر الريالتو هي التي أوحت إليها بالفكرة. فدست يدها في جيبها تخرج بضعة جنيهات كانت تنوي أن تبدلها بليرات إيطالية.
بعد عدة دقائق فقط كانت تشتري قميصا مطبوعا على صدره عبارة(أحب البندقية) وقبعة رياضية من القش بشريط أحمر ولتغيير ثيابها دخلت حانوتا صغيرا واشترت أيضا سروالا قصيرا قرمزي اللون ثم استبدلت ثيابها جميعا في ذلك الحانوت.
لن يعرفها نيكولو أبدا الآن وشعرها مرفوع تحت القبعة وساقاها الطويلتان مكشوفتان في السروال القصير. بينما نقوش القميص تغطي صدرها . لقد بدت في هذه المربس سائحة نموذجية مثال المرأة التي كان نيكولو يحتقرها لو رآها حيث أن ملابيها غير المناسبة تسيء لكرامة البندقية. ولكن شوارع الريالتو كانت ضيقة وكان تنكرها مقبولا في ساحة سان ماركو الفسيحة.
باتباعها الإرشادات الواضحة الموضوعة لإرشاد السياح وصلت بعد ربع ساعة إلى هدفها. إذ ظهرت ساحة سا ماركو للرائي من القناة الكبيرة بكل روعتها وتأثيرها في النفس فهي تظهر عند ذاك في نهاية بياتزا. وكان المنظر رائعا بعقودها الكبيرة وأقبيتها وأبراجها التي تتألق في ضوء الشمس بلونيها الأبيض والذهبي.
أمام هذا المنظر احتلت متاعب كاتيا المكان الثاني من الأهمية بعد الابتهاج والسعادة اللتين داخلتاها أمام هذا المنظر كان هذا موطن أبيها... وقسم من ميراثها ولا يمكن لشيء أن ينقص من بهجتها به. وقبل أن تتحول إلى منتصف الساحة وقفت فترة أمام حوايت المجوهرات الغالية مأخذة بدقة وروعة المعروضات.
كانت أفواج السياح في منتصف الساحة يطعمون الحمائم . واقتربت من " الكاتدرائية" نفسها لتقف وتتفرج على زخارفها الرائعة.وقبل أن تعرف ما سيحصل وجدت نفسها محاطة بمجموعة من السياح الذين لابد أنهم دخلوا " الساحة" من جهة القناة الكبيرة.
علا صوت امرأة خلقها تخاطب ذلك الجمهور الصغير بصوت مدو وبانكليزية ممتازة:" إن كنيسة سا ماركو المعروف أيضا باسم " البازيكيا" الذهبية مثال آخر رائع يعلمنا لماذا أطلق على هذه المدينة لقب "المدينة الآمنة" إنما تشير إلى "السيدة الذهبية" وقد انشأت في العصور الوسطى عندما..."
كانت كاتيا مصغية بكل حواسها عندما جاءها صوت رجل من خلفها يقول:" ها... إنني لم أرك في السفينة من قبل." واستدارت هي قليلا لتجد نفسها أمام شاب في مثل سنها.
قالت متلعثمة وهي ترى الفائدة التي تجنبها من كونها واحدة من هذه المجموعة:" كلا .. حسنا.. أعني إنها سفينة كبيرة أليس كذلك؟" وابتدأ عرض آخر ذو أهمية ليتجمع عدد من الناس حول الدليل.
أجاب الشاب وهويشملها بنظرة متفحصة:" نعم بالتأكيد إنني أعرفك ولكنني مللت من هذه الشروح الحضارية التي لا تنتهي. إن باستطاعتي الاطلاع على كل هذا من الدليل السياحي لو شئت ولكنني في غاية الشوق إلى كأس من الجعة. ما قولك في الذهاب و التفتش عن حانة أو مقهى نجلس فيه؟"
حنت كاتيا رأسها موافقة وهي تقول:"لا بأس" وألقت نظرة شاملة إلى ما حولها دون أن ترى أثر ا لنيكولو. ولكن لا بأس من أن ترافق شخصا ما لبعض الوقت وعلى كل حال فقد أصاب التوتر الذي مر عليها فمها وحلقها بجفاف مزعج.
قال:" من هذا الطريق إذن " وأحاط خصرها بذراعه بنوع من الإلفة ثم قادها نحو القناة الكبيرة وهو يقول:"لقد سبق وعاينت صف الحانات بأكمله هنا ويمكننا أن نجلس ونتناول الشراب ونتفرج على المارة ثم نتكلم عن بعضنا البعض."
" لم لا." قالت كاتيا هذا ممتثلة إلى إشارته بالجلوس وهي تشعر بالنشاط والسرور للجلوس على كرسي هزاز مريح تحت مظلة حمراء بينما كان مرافقها يطلب لنفسه كأس جعة وزجاجة كوكا كولا لها.
كان المنظر أمامها رائعا. كانت تعبر أمامها حافلات البندقية المائية نحو الجهات الأخرى من القناة الكبيرة التي تتوسط المدينة بينما الزوارق الصغيرة تتحرك جيئة وذهابا في الشوارع المائية الضيق. وعلى طول الرصيف الذي يفصل الحانة عن القناة كانت مجموعات من المارة لا تنتهي. يسيرون ضاحكين معجبين يقفون هنا وهناك يشترون الهدايا والتذكارت من على العربات التي تعرضها. وفكرت كاتيا في أن هذا هو أفضل مكان يمكنها أن ترتاح فيه حيث لا يمكن لنيكولو أن يجدها مهما حاول.
" أظن يا عزيزتي أن ربما بعد أن استمتعت بالانطلاق و المرح لمدة طويلة ربما قد حان الوقت لأعيدك إلى القصر . أليس كذلك؟"
لم تكن كاتيا لتخطئ في صوت أو شخصية ذلك الذي ألقى إليها هذا السؤال الرقيق.
تمتمت:"نيكولو" بينما تقدم هو من خلفها مارا بين الموائد ليضع يده على كتفيها.
هب رفيق كاتيا واقفا على قدميه قائلا:" انتظر لحظة. إن هذه السيدة هي برفقتي ونحن ركاب سفينة واحدة. لماذا لا تبتعد من هنا لتجرب حظك في مكان آخر؟"
قال نيكولو بلهجة تنذر بالسوء:" ما أسمك؟" وكانت كاتيا تحول عبثا لفت نظر مرافقها إلى أن يتوقف عن ادعائه بما لا يمكنه اثباته.
أجاب مرافقها:" اسمي سيترمان غوردن شيرمان إذا كان هذا يهمك ." ولما كانت لا تنقصه الشجاعة بعد أن أخذ جرعة كبيرة من الجعة قبل أن يقف تابع قائلا:" وأنا انصحك..."
قاطعه نيكولو:" وأنا أنصحك أن تبقى صامتا."
لم يكن المعنى الذي يبطن لهجة نيكولو الباردة بالتي يخطئها السامع وهو يستطرد قائلا:" إن رفيقتك في السفينة كما تزعم هي زوجتي وأنت الآن تقطع علينا شهر العسل."
وقفت كاتيا على قدميها شاعرة بالغثيان من الخوف وهي تقول :" نيكولو.. أرجوك لقد وقع السيد شيرمان في غلطة طبيعية حيث أنني لم أوضح له الأمر." ونظرت إلى وجهه الصارم بضراعه راجية عبثا أن تكتشف فيه لمحة من الرحمة وقالت وهي تشعر بالتعاسة:" لقد كنت ظمأىواما عرض علي أن يشتري لي زجاجة كوكا كولا..."وخفضت نظرها إلى كأسها الذي كان ما يزال ممتلئا.
رفع نيكولو حاجبيه قائلا بازدراء:" اسمح لي أن أعيد إليك ما دفعت كم تريد؟" وبدا الفتى الانكليزي متلاشيا كسمكة علقت بصنارة وهو يقول متلعثما:" لم يكن لدي أية فكرة... ظننت.... إنها لم تقل أي شء.."
هز نيكولو كتفيه العرضتين وهو يقول:" حسنا السكوت من ذهب كما يقال." ووضع يده في جيبه قائلا: " خذ هذا... إنه يكفي ما دفعت وما تحملت من ضيق."
وضع الشاب النقود في جيبه دون أن ينظر إليها وهو يقول:" هذا حسن إنني آسف لسوء التفاهم هذا..." وجرع بقية كأسه ثم شمل كاتيا بنظرة ألم ليترك بعدها الحانة حنيا ظهره وواضعا يديه في جيبي سرواله.
فكرت كاتيا ياللمساء ما الذي سيحدث الآن؟ وتوقعت من نظراته التي كانت تتأملها بعض الشفقة. هل تراه يفكر في جرها في شوارع البندقية عائدا بها الى القصر؟ وعضت على شفتيها شاعرة باعذاب وإذا هو فعل ذلك ماذا سيفعل عندما ينفرد بها في ذلك السجن؟




أنتهى الفصل الرابع

ماري-أنطوانيت 03-08-08 12:25 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قطرات لامعة (المشاركة 1575346)
بالفعل رواية رائعة يعطيكم العافية

مشكور عزيزتي على مرورك...
وان شاء الله تستمتعين بقراءتها



اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبتسم رغم أحزاني (المشاركة 1576938)
راااااااااائعه الرووايه

وشكلهاا خطير


في انتظاااااااااااارك

والله يعطيك العافيه
وووووبعد صحبااتك

هلا والله في عزيزتي....
ومشكوره قلبي على كلامك...:flowers2:
وان شاء الله ما راح اطول عليكم كثير...

ماري-أنطوانيت 03-08-08 10:32 PM

...::: الفصل الخامس :::...

" تفضلي بالجلوس يا مركيزه "
قال نيكولو ذلك بلهجه بالغه البشاشه وهو يقدم اليها كرسيا غاصت هي فيه مره اخرى. وتابع قائلا:
" يبدو بأنك تريدين ان تكملي شرابك..."
بعثت الطريقه التهكميه التي لفظ بها اللقب الذي سبق وازدراه من قبل, الاحمرار الى وجنتيها, ولكنها اطاعته ليس فقط لحاجتها الى شراب بارد, بل لأنها جلوسها معه في مكان عام يمنحها الفرصه لتبادل احاديث مهذبه معه.
منتديات ليلاس
اشار نيكولو بيده نحو النادل الذي كان يحوم حولهما طالبا قهوه سوداء له ثم جلس على كرسي قبالتها متكئا بظهره الى مسند الكرسي, دافعا ساقيه تحت الطاوله وهو يسدد اليها نظرات غامضه وقد ضاقت عيناه:
" حسنا يا ملاكي...لقد جررتني الى مطارده عنيفه "
قالت بجفاء:
" وكيف امكنك العثور علي؟ "
اطلق ضحكه انتصار وهو يقول مسرورا :
" العثور عليك؟ ولكنني لم افقدك ابدا. الصياد الحاذق لا يلحق بفريسته الى مكمنها. علاوه على ذلك فانني شخصيا لا احب ان اتنشق نسيم الصباح العليل في اقل الامكنه نظافه في البندقيه وهذا طبعا هو رأينا نحن الاثنين وهذا ما منعني من محاوله اخراجك بالقوه من مكمنك في ذلك الزورق"
نظرت هي الى ملامحه الضاحكه وهي تشعر بالذل والاحراج. لقد بقيت عشر دقائق مختبئه في ذلك السجن الخانق بينما كان هو يعلم انها هناك. لابد انه قد اختبأ بعد ذلك في مكان يشرف منه عليها الى ان تركت الزورق وابتعدت فلحق بها مره اخرى. وقالت له بتوتر:
" يدهشني بأنك لم تقبض علي قبل الان؟ "
وابتسم بينما بقيت عيناه ترقبانها بجد وهو يقول:
" اتريدينني ان افسد هذه الفرصه المسليه؟ كذلك, يجب ان اقول انك عندما خرجت من ذلك الحانوت الذي غيرت فيه ملابسك كنت تبدين كلعبه كارتونيه مشابهه لبعض السائحات المضحكات. ولقد احتجت الى مقدار كبير من ضبط النفس لكي لا اقبض عليك هناك واخرجك من بين الناس "
ورمقها بنظره اشمئزاز متابعا قوله:
" لا يمكنني ان اخلع عنك هذه الثياب المضحكه الان, والا احدثت ضجه في المكان, كما انني اكشف للناس ما احب ان اراه وحدي. ولكنني اريد ان تقدمي لي معروفا وذلك بخلع تلك القبعه المضحكه "
فكرت هي في ان كل هذا الجهد وكل ذلك العذاب الذي عانته كان عبثا, حيث كان هو طيله الوقت يراقبها ملاعبا اياها كما يلاعب الصياد السمكه, واثقا من انه يمكنه ان يقبض عليها في اي وقت واي مكان. قالت له ببرود:
" وكنت انت تستمتع بذلك "
وارادت ممازحته وذلك بالامتثال الى ما طلبه منها, فخلعت قبعتها تاركه شعرها طليقا حول وجهها. اومأ برأسه قائلا:
" عندما تقررين ااتخاذ صديق, عندئذن اعرف ان الوقت قد حان لان اتدخل "
وبدت في عينيه نظره خطره وهو يراقبها من وراء كوب القهوه, ثم استطرد قائلا:
" انها ليست الطريقه التي كنت اشتهي ان تبدا بها حياتنا الزوجيه. ولكنها لم تكن بدون فائده كليا, ذلك ان الدم يتدفق في عروق الصياد عندما تأتي الفرصه, ومن ثم يقبض على الطريده "
لم تكن هذه الكلمات التي ارادت كاتيا سماعها, ولا هي تعبيرات نيكولو الرقيق الوسيم ذي الوجه الباعث على الاطمئنان. وسرت في جسدها قشعريره لدى ادراكها هذا. واترفت لنفسها بأنها على الرغم من كل ما عرفته فهي لم تحاول ان تفرض عليه رغباتها. بامكانها ان تحارب ضعف هذا الخائن عندما تستطيع ان تكون بعيده عنه. ولكن كيف لها ان تقاوم اغواءه الخدَاع بينما هي تشتهيه جسديا؟ ان رجاءها الوحيد الان هو في ان تحاول ستر ضعفها بمهاجمته شفهيا. قالت وهي ترفع حاجبيها:
" انني اعجب لمعرفتك بكل شيء عن الصيد بينما انت سليل اسره من الفلاحين؟ "
قال:
" ها...اظن هذه المعلومات التي ادلى بها اليك رفيق الليل ذاك. اشكرك لهذه الملاحظه انتي ايضا. وهذا معناه بأني لم اعد لائقا بحفيده ماركيز على كل حال, اليس كذلك يا كاتيا؟ "
كان في السؤال مراره خفيه وهو يتابع:
" لقد كنت متواضعه عندما قبلت الزواج من رجل من العوام, لتكتشفي بعد ذلك انه ثري. ولكنك الان وبعد ان اكتشفت انه سليل الفلاحين تريدين الانسحاب من هذه المساومه "
اطلق حكه قصيره ساخره وهو يقول:
" حسنا اخشى ان اكتشافك هذا قد جاء متأخرا. ولكن اذا كنت تفكرين في تجربه الطبيعه الارستقراطيه التي ادعاها الارستقراطيون القدماء فانني احب ان اذكرك بأن حق الملاكين الاثرياء بأن يطلقوا كلابهم في اثر فلاح فقير كل ذنبه انه تجاوز حدود ارض ذلك الغني لكي يلتقط شيئا من الفاكهة المتساقطه تحت الاشجار, ذلك الحق لم يعد موجودا في ايامنا هذه "
" كلاب؟ "
وبنظره واحده الى ملامح وجهه المتأمله المنفعله, علمت ان نيكولو انما يردد كلمات مدروسه. وتصاعد التشاؤم في نفسها وهي تسأله:
" هل حدث ان اطلق احد كلابه عليك؟ "
اطلق ضحكه خشنه قائلا:
" ليس علي وانما على ابي. كان في الثانية عشره من عمره في ذلك الحين. ولو لم يتدخل صديق له لكانت الكلاب قطعت عنقه "
هتفت:
" ولكن هذا مريع...."
وتفجرت في كلماتها هذه كل شخصيتها الانسانيه التي كانت تسترها خلف قناع من اللامبالاه التي تتبعها.
فقال:
" نعم...اليس كذلك؟ ولكن لا تدعي هذا الامر يسبب لك ازعاجا يل ماركيزه, اذ ان ايا منا لم يكن له يد في اختيار اسلافه "
مضت لحظات قبل ان تدرك ما يشير اليه فقالت بذعر:
" اتقصد ان من اطلق الكلاب على ابيك هو احد اجدادي؟ "
قال:
" انه ليوبولدو غيدو لورنزو, ماركيز دي كاستيلو "
ودفع كرسيه الى الخلف وسحب قدميه من تحت الطاوله ثم وضع قبضه من الليرات على الطاوله دون ان يعدها وهو يقول:
" هل نذهب يا كاتيا لنقوَم كل هذه الاخطاء؟ "
قالت كاتيا:
" ارجوك يا نيكولو........"
تجلى اليأس في عينيها الزرقاويين وهي تحاول قراءه تعبيرات وجهه الوسيم المكفهر. هل يكون هذا هو السبب الثالث وربما الاهم الذي جعله يصطادها في انجيلترا بعد ان علم بوجودها؟ وحاولت عبثا ان ترطب شفتيها الجافتين بلسانها. ان ذلك مريع حقا, ولا يمكن ان تسمح به العداله. اذا كان قصد نيكولو من الزواج منها هو قهرها واذلالها كما سبق واذاق الماركيز الكبير رعيته التي كانت تعمل في ارضه نفس الشيء؟
ازاحت خصله من الشعر من فوق جبينها وهي تفكر...كلا...لا يمكن ان يكون ذلك صحيحا...انه كابوس حقا... ولكنه يوضح كل شيء. ثلاث اسباب يكفي واحد منها ليبحر نيكولو لأجله من ايطاليا الى انجلترا فكيف بها مجتمعه؟ قالت له ببرود:
" هل تريد ان تقول ان ثمة ثأرا بين اسرتينا؟ "
اجاب:
" لم يعد هذا واردا يا حبيبتي "
ولكن جوابه الرقيق لم يفلح في ايقاف ضربات قلبها بينما التوت شفتاه بابتسامه بطيئه وهو يقول:
" ارتاحي يا كاتيا, لا يوجد كلاب في القصر. وسيبقى عنقك الجميل في بأمان في حمايتي "
وامتدت يده الدافئه تلامس عنقها بخفه جناح الفراشه. وتابع قائلا:
" لقد عقدنا انا وانت صفقه ومهما كانت بواعثنا فهناك طرق للخلاص من الكراهيه الماضيه اكثر بهجه. تعالي ان صبري كاد ينفذ نتيجه احجامك عن الوفاء بعهودك الزوجيه "
امامها مجال للاختيار. انها لن تستطيع الهرب منه الى الابد. وعلى الرغم من انه لم يترك لها مجالا للشك في قصده المباشر فقد كانت مفعمه بالامل في ان تتبخر معظم رغبته في عقابها, وذلك بعد ان يجتازا شوارع البندقيه الحاره انما على الاقل يكفيها ان تستطيع اقناعه بالعدول عن ذلك باظهارها تبلد المشاعر نحوه.
" نيكولو!....."
افلتت هذه الكلمه من خلال شرودها. صرخت محتجه اذ جذب يدها فجأه لتجد نفسها بين ذراعيه.
كانت ذراعه تحيط بوسطها بينما ذراعه الاخرى تحت ركبتيها!
صرخت:
" ما الذي تفعله؟ "
واجاب:
" اخذك الى البيت طبعا...ماذا غير ذلك؟ "
واوسع الخطى بحمله نحو الشمس الساطعه. وكان المشاة بينهما وبين القناه الكبيره يفسحون لهما المجال للمرور. وهو يقول لها:
" هل ظننتي بأنيي سأسير في الشوارع بصحبه خيال المزروعات؟ "
حالما رأيتك مستقره في الحانه, اتصلت هاتفيا بالقصر وطلبت من جوفاني ان يوافينا بالمركب "
بابتسامه ارتياح انزلها الى مرسى صغير حيث سلمها الى سائق المركب المنتظر. وصرت كاتيا على اسنانها محرجه من العيون التي تنظر اليهما. ولكنها بقيت صامته وحدثت نفسها, حسنا فاليبتسم نيكولو ابتسامه الفوز... وشعرت بالمراره بينما كان المركب يبتعد ببطء. ان ما كانت تظنه تصرفا كريما منه اذ سمح لها بالجلوس واكمال شرابها, لم يكن الا انتظارا منه لوصول المركب ليأخذهما. انها شاكره على الاقل كون السرعه في القناه محدوده وهذا يمنحها فرصه اضافيه للتفكير في خطواتها المقبله تبعا لخطتها.
حتى مع هذا فقد كانت الرحله اقصر كثيرا مما كانت ترجو.
قال لها وهو يقودها في الممر نحو شقتهما في القصر:
" هل يجب ان اقفل الباب عليك ام انك تعبت من لعبه الاختباء والتفتيش؟ "
ردت عليه بحده:
" انها ليست لعبه. لكل واحد منا نحن الاثنين اسبابه الخاصه التي دفعته للزواج من الاخر. وما دام الحب لم يكن من بين هذه الاسباب فلماذا الادعاء بوجوده؟
اجاب مفكرا بفتور:
" ومن ذكر الحب؟ ان لك وجه ملاك يا كاتيا وجسدا يمكن ان يجذب اي رجل احمر الدم كما يقولون وكما سبق واكتشفت انت, فان دمي هو احمر وليس ازرق كدماء النبلاء. لقد عقدنا في ما بيننا صفقه ضمنيه اليس كذلك, ليساعدنا هذا على تحقيق رغباتنا المتضاده. انني ازودك بفوائد ماديه تلائم قلبك الصغير المأجور, وبالمقابل تمنحينني انت الفوائد التي يوفرها وجودك في منزلي "
وتوقف لحظه قبل ان يضيف:
" واحدى هذه الفوائد هي الاستمتاع بجسدك عندما اشعر بالحاجه الى ذلك "
ردت عليه متألمه من تحليله البارد لعلاقتهما قائله:
" وماذا عن جينا الخائفه الغاضبه؟ "
اجاب وعيناه تلمعان بعجرفه:
" ليس لجينا دخل في اموري الخاصه وليس لك ان تظني ذلك ابدا والا ستندمين وازاء احجامك عن تنفيذ دورك في الصفقه المعقوده بيننا, فانني انصحك بأن تتذكري بأن جدك رجل عجوز وان رده فعله ستكون عنيفه فيما لو عرف انك تزوجتني لغايه هي غير الحب. وانا متأكد من انك لا توين له مزيدا من العذاب مهما كان شعورك بالخيبه "
حبست كاتيا انفاسها غير قادره على اخماد القلق الشديد الذي شعرت به ازاء ما كان واضحا انه تهديد مبطن.
( مزيدا من العذاب؟ ) وما هو العذاب السابق الذي يعني ان جدها الحبيب قد عاناه على يد هذا الفلاح الوقح؟
هزت كتفيها وهي تخفي المها وقد داخلها خوف يائس من انها تحارب في معركه خاسره, ولكنها مصممه على ان تحارب حتى نهايه المره. قالت:
" اذا كنت تريد التنويع في العمليات الحميمه, فأنا متأكده من ان هناك كثيرات يرغبن في ان يؤمن لك هذا "
انهت حديثها بأن ادارت له ظهرها بنفور. قال بصوته العميق:
" بالطبع. ولكنني مللت النساء الراغبات المشتاقات. اتعرفين يا كاتيا بأنني لم اعرف في حياتي فتاه عذراء؟ وانني بشوق لذلك؟ "
استدارت وقد ضاق صدرها من الخوف وقالت بصوت متلعثم وهي ترى التصميم على ملامحه القاسيه:
" ماذا! "
فتابع كلامه بقسوه:
" وانت عذراء...اليس كذلك يا كاتيا؟ لقد اكد لي جدك هذا. ولا اظنه كذب علي "
قالت محتجه بضراوه وهي تشعر بالشبكه تضيق من حولها:
" ليس له الحق في ان يؤكد لك اي شيء من هذا النوع "
لم يكن هناك مهرب فذلك الرجل المتسلط الذي ظنت يوما انها تحبه, لن يسمح لها ان تبقى على استقلالها. انه يريد منها كل شيء. انه لا يرضيه ان يتباهى بها كزوجه امام الناس ليحسن من صورته ويخفي خيانته. فهو يريد ان يذلها فيما بينه وبينها انتقاما من اسلافها. وليس بامكانها هي ان تفعل شيئا بهذا الخصوص.
جاءها صوته يخترق مشاعرها التي يغلفها الألم قائلا:
" ربما ليس له الحق كما تقولين, ولكنه اراد ان يتأكد من اني لا اسبب لك ضررا لجهلي ببراءتك. وانا لن اسبب لك الضرر اذا كان هذا سبب خوفك. او انك ستخبرينني ان جدك كان يتصرف عن سوء فهم؟ "
سألته من بين اسنانها:
" وهل هناك اي فرق؟ "
هز رأسه قائلا:
" كلا. كوني واثقه من انني عاشق عملي متفهم لا اهتم بتجارب رفيقتي, ولهذا سأخفي خيبتي اذا اكتشفت انك كنت تكذبين علي. كما انني اعدك بأن لا اطالبك بتعويض في ما لو اكتشفت خداعك. فهل لنا ان نترك كل هذا التردد والاشمئزاز؟ "
عندما ادارت له ظهرها, لم ينتظر جوابها بل امسك بأطراف قميصها وخلعه عنها راميا اياه بعيدا على الارض. وتوهج وجه كاتيا من الخجل والاحراج. كيف يعاملها بمثل هذه الطريقه المذله وكأن لا كرامه لها؟ كيف يبدأ الحب معها بمثل هذه الخشونه وعدم الاكتراث؟
قالت بيأس وهي تدخل اصابعها في شعرها المتناثر حول وجهها:
" ليس هذا ما اردت... "
قال وهو يمعن النظر في وجهها:
" ما الذي تريدينه اذا؟ ان افتش عن الرجل الذي كان معك في الحديقه تلك الليله؟ او الرجل الذي كان معك هذا الصباح ثم ادعوه الى المبارزه؟ انني لن اقبل منك اي نوع من الحماقات بعد الان... صدقيني انني سأقبل المبارزه بكل سرور. ولكن المبارزه ليست من طباعي اذ انني قد اخسر. ام انك تفضلين ان تكوني ارملتي على ان تكوني زوجتي؟ "
قالت:
" دع عنك هذا المزاح يا نيكولو "
في لحظات تدفقت كل عواطفها المستوره نحوه والتي كانت تخفيها في اعماقها نابذه اياها, مره واحده وبكل تيارها الجارف. وامتلأت ذعرا لذلك وخشية من ان يقرأ عواطفها في عينيها اندفعت تقول بسرعه:
" الى جانب هذا فقد كنت اخبرتك بأنني لم اكن على موعد هذا الصباح. والرجل الذي كان معي في الحديقه الليله الماضيه قدم نفسه الي باسم سيزار برونيللي وهو صحفي قائلا انه احد المدعوين "
لوى نيكولو شفتيه وهو يقول:
" برونيللي؟ اه...نعم ان الاسم مألوف لدي. انه رجل غير جدير بالثقه "
قالت كاتيا بمراره:
" هل هو وحده كذلك؟ "
اجاب:
" وكذلك النساء. وربما اكثرهن في الحقيقه "
مد يده اليها قائلا:
" ليس الظرف الان مناسبا لمثل هذه الاحاديث, فان علي واجب تعريفك الان الى واجباتك الزوجيه "
اضعف كاتيا اليأس من المقاومه وفجأه عرفت انه لن يمكنها الاستمرار في المقاومه بعد الان. لقد سبق واقنعته بأنها انانيه وتبيع نفسها بالمال, وبهذا ابعدته عن اي شعور نحوها بالشهامه التي يمكن ان تكون متستره خلف تصرفاته الحسنه. فالخطأ اذا هو خطأها هي.
بدا ان هذا هو الحل الوحيد لاستعاده كرامتها المهدوره. ولكنها كانت حمقاء اذا ظنت انها بنبذه بهذا الشكل يمكن ان تفقده الرغبه فيها. وفكرت وقد انهكها الضيق والتعب في ان تستغل انتصاره عليها لمصلحتها هي وذلك بالاستمتاع بحبه الى اقصى ما تستطيع. وكان هناك طريقه واحده تساعدها على ذلك وتهيء نفسها ذهنيا, لتقبل وضعها هذا, وهي محاوله تصديق ان نيكولو يحبها حقيقه, وذلك بحمل ذهنها على العوده الى الماضي, مسترجعه ذكريات ذلك الصباح الذي كانت عائده فيه من جوله على ظهر الحصان, في قريتها في انجلترا لتجده واقفا بانتظارها.
كانت هذه الطريقه سهله, اكثر سهوله مما تصورت, واستبد بها الشوق الى حبه الذي اختطف منها بكل قسوه. تنهدت برضى عنما اخذت يدا نيكولو تجمع شعرها الذهبي المتناثر حول عنقها. وعلى كل حال, اليست هي زوجته شاءت ذلك ام ابت؟
ابتدأ جسد كاتيا شيئا فشيئا يعود الى حالته الطبيعيه وعادت دقات قلبها تنتظم مره اخرى. وصفا ذهنها برغم الوهن اللذيذ الذي مازال يكتنفه. وابتدأت ثوره المشاعر العارمه التي اعمت بصيرتها عن كل تساؤل, بالتلاشي ليحل محلها شعور بالعار.
لقد كان نيكولو عاشقا رائعا, ولكن ذكرت نفسها بأن هذا انما هو مظاهر سطحيه لا غير يقوم بها ممثل اعتاد الظهور على خشبه المسرح.
نظرت خفيه الى جانب وجه نيكولو الملقى على الوساده بجانبها مستمتعه بجمال الرجوله الطاغيه المتمثله فيه. لقد علمها ابجديه الحب ومباهجه مستجيبا الى نداء رغباتها, منتظرا ان تفارقها مخاوفها ليقودها الى الفردوس الارضي. ولكن لو انه لم تكن هناك صفاته الاخرى التي تكرهها... كيف بإمكانها ان تشعر بالراحه النفسيه عندما يكون المخدر الذي تحدثه العاطفه المحمومه قصير الامد الى هذا الحد؟
فاجأها صوته يقطع حبل افكارها:
" نعم يا ماركيزه؟ هل استطاع عاشقك الفلاح ان يسعدك؟ "
لأول مره لمحت سواد عينيه من بين اهدابه الكثيفه لتدرك انه كان يبادلها النظر طوال الوقت.
اجتاحت جسدها رعشه دفعتها الى سحب الغطاء عليها والجلوس في فراشها ساتره صدرها بركبتيها وقالت بهدوء:
" لا تناديني بهذا اللقب من فضلك يا نيكولو "
تمتم:
" ظننتك تحبينه. أليس هو طريقك الى الشهره والثروه؟ "
بدا على كاتيا عدم الارتياح اذ عادت تواجه الواقع. قالت:
" انك تحقره عندما تتحدث عنه بمثل هذه السخريه "
قال بوجه جامد القسمات:
" انك تهبين جسدك للفلاح الوضيع, ولكنك تضنين عليه باستعمال لقبك, يا سنيورا "
قالت تنهره:
" لا تكن سخيفا يا نيكولو. انني لا اتصور ثمة شخص يستحق لقب (الوضيع) سواء بالولاده ام بتصرفاته ام بشخصيته, اكثر منك يصرف النظر عن الكدح الذي عاناه اسلافك في سبيل العيش "
قال ساخرا يستفزها:
" وا أسفاه...."
واستوى جالسا في الفراش مادا يده يتخلل شعرها الذهبي بأصابعه, متابعا:
" لأن العالم مليء بقصص النساء الجميلات ذوات الالقاب اللائي يلهثن خلف رجال اقل مستوى. الملكه كاترين كانت تسمح لصغار الجنود بالدخول الى غرفه نومها ما داموا ينلكون القوه والجمال...."
سحب ببطئ وجهها الى الخلف ليطبع على شفتيها قبله محمومه. ولكنها ادركت بغريزتها ان تجاوبها مع قبلته هذه لم تكن الا لتثير النار الخامده تحت الرماد. وحذرها نداء من اعماقها من مثل هذه المحاوله. قال بصوت خشن وانفاسه تلفح وجنتها:
" يا جميلتي كاترينا...."
فأزاحت هي عن وجهه عنها بينما تابع هو:
" وهنالك ايضا الليدي تشاترلي التي وجدت عزاءها بين ذراعي حارس الصيد. اهذا ما كنتي تريدين؟ ان يتحول الصياد الى حارس صيد؟ "
اذ ادركت بألم انه لم يبقى لديها ما تخفيه عن هذا الرجل الذي شاركته اسمه ومخدعه, لجات الى المراوغه فقالت برقه:
" لقد اخطات في تشبيهاتك. انه سارق الصيد الذي تحول الى حارس الصيد وليس الصياد. ولكنني اوافق على انك عاشق قادر ولو انه ليس عندي اسباب تساعدني على المقارنه "
استدار اليها فجأه قائلا:
" ولن تكون عندك تلك الأسباب, ذلك ان مكانك عندي ومعي فقط "
قالت محتجه وهي تستعيد في ذهنها الدور الذي خططت لتنفيذه:
" انك اذا تجعلني سجينه عندك بدلا من زوجه "
هز كتفيه قائلا:
" ان مكانك وطعامك لا يمكن ان يحصل عليهما اي سجين. وانا مرغوب اكثر من اي سجان اخر. قد لا يكون حبنا قياسيا, ولكنه يسير نحو الافضل ما دمنا نبدأ حياتنا معا دون توقعات زائفه وثمة قائده اخرى وهي ان جسدينا متلائمان خلقيا, واذا انت اتبعتي ارشاداتي فانني واثق من اننا سنصل معا الى ما نريده من وراء هذا الزواج. واذا انت لم تنبذيني فانك ستجدينني زوجا حسنا, وبرهانا على ذلك فقد طلبت اليوم غداء رائعا لنا في الشرفه داخل الحديقه, وبعد ذلك لك الخيار في قضاء بقيه النهار. هل هتالك شيء احسن من هذا يمكنني عمله؟ "
قالت موافقه بهدوء:
" كلا "
لم تشعر بالرغبه في الخصام معه في هذه اللحظه. ليس الان, وجسدها كله في حاله استرخاء ووسن. لقد ربح هو المعركه الاولى. وحاليا رضيت هي في ان تسمح له بشعور الفوز هذا. ولكن قبل ان تنتهي هذه الحرب بينهما ستكون هناك معارك اخرى عديده. وفي نفس الوقت عليها ان تنتظر الى ان يتضح لها نوع المسأله التي يأخذها نيكولو ضد جدها ثم تقرر كيفيه الخلاص منه كليا دون ان تسبب ضررا لمستقبل الجد. في ذلك الحين فقط سيكون في امكانها ان تهرب من الرباط الذي يستعبدها.



- نهايه الفصل الخامس -

ماري-أنطوانيت 04-08-08 05:43 PM

هذا الفصل انا والعزيزه ((آن همبسون)) تقاسمنا كتابته

...::: الفصل السادس :::...

على الشرفه في الحديقه تناولا غداءهما المكون من طبق من الارز مخلوطا بالخضر المفرومه, والفطر البري والهليون والسمك والكسترد بالقشدة والحلوى, والبوظه. وكذلك طلب نيكولو المياه المعدنيه على المائده.
رفضت كاتيا المشروبات الروحيه مكتفيه بالقهوه السوداء, تشربها بينما جلسا بعد الطعام على ارجوحه مستطيله تشرف على القناه الكبيره. كانت تجلس بجانبه على الوسائد الناعمه شاعره بانسجام يشمل جسمها وقد تلاشت مشاعر الالم في نفسها مؤقتا بتأثير السعاده العارمه التي اكتنفتها ازاء الهدوء والأمن وجمال الطبيعه الفائق في هذه الحديقه. الجمال الذي تشرف عليها من مجلسها هذا بجانب هذا الرجل الي على الرغم من كل الذي عرفته عنه يمكنه وحده ان يسرَع من خفقات قلبها.
قال وهو يرفعه كأسه الى شفتيه ناظرا الى جسمها المسترخي بجانبه:
" رائع. ان عبير ازهار شجر اللوز يختلط بعبير جسد الحبيبه. يجب ان نذهب غدا الى الكاهن لنتدبر امر الزفاف الكنيسي يا حبيبتي, وذلك في كنيسه سانتا ماريا المعروف بأسم (علبه المجوهرات الذهبيه) "
فقالت تخفي فزعها الداخلي بتظاهرها بالتودد:
" علبه المجوهرات الذهبيه؟ انه اسم جميل "
قال نيكولو موافقا:
" انها اجمل كنيسه في العالم., صغيره ولكنها رائعه الجمال, تشبه تماما علبه المجوهرات التي املكها انا "
ورفع يد يرفع خصلات شعرها الذهبيه الجميله المتناثره على كتفيها, ولكن نظرته هذه لم تخفف من لمعان عينيه السوداوين وتابع:
" وغدا سنضع قائمه بأسماء المدعوين وسنجهز بطاقات الدعوه. ولكن حيث ان مزاجي طيب اليوم فسأترك لك بقيه اليوم تفعلين فيه ما تشائين "
حان الوقت الان لتخبره انها لا تريد ان تحتفل بزواجها في الكنيسه, ولكن هذه الكلمات المعارضه له رفضت ان تخرج من بين شفتيها. لقد رفضت مشاعرها التي استمتعت بامتلاكه لها بالمسارعه الى نجدتها وذلك بمدها بالغضب اللازم لتتحدى عمله هذا. الى جنب ذلك, فهي كلما وجدت فرصه لتسويه الوضع بينهما اذا بتلك الفرصه تضيع, حيث ان شيئا ما في اعماق نفسها يميل الى تمديد امد الهدنه بينهما.
قالت بتردد وهي تشعر بما يشبه الدوار من تأثير اريج الازهار العابقه في الجو, وقد بعث دفئ النهار السكينه الى نفسها:
" هل يمكننا البقاء هنا لتبادل الحديث لفتره؟ "
نظر اليها قائلا وهو يضع شفتيه على وجنتيها:
" ما الذي تريدين ان تحدثيني به؟ "
قالت:
" عن خطتك للمستقبل مثلا, الى متى سنبقى في البندقيه؟ "
قال وهو يلامس ذراعها:
" الى ان ينتهي زفافنا الكنسي "
ابتعدت عن ملامسته في محاوله لابعاد تأثر حواسها به
بينما تابع هو قائلا:
" اظن ان (الماركيزه) يجب ان تكون حفله زفافها متناسبه مع لقبها النبيل. وهي ستنتقل الى الكنيسه في زورق مغطى بالازهار مرتديه ثوبا يتلائم مع جمالها "
قالت:
" أحقا ما تقول؟ "
كانت تسخر في اعماق نفسها من كلامه هذا وسرها انها مازالت قويه في مجابهته. وشعرت ان عليها ان تتحدى جوابه هذا. فهي حتى ولو كانت تتصرف على اعتبار انه يحبها, كان عليها ان تعبر عن استيائها حين جعلها مركز انظار معظم السياح في المدينه.
قال:
" طبعا, وماذا غير ذلك؟ ان في المدينه التي معظم شوارعها الرئيسيه مكونه من الماء ووسائل المواصلات في حفلات الزفاف والجنائز هي القوارب. كذلك ستكون حوك القوارب حيث يعزفون لك الموسيقى الشعبيه في البندقيه. ان اسرتي لا تتوقع مني اكثر من هذا. لقد انتظروا طويلا لكي يروني اتخذ زوجه. حتى ابي اعجبه اصرار جدك على ان يعقد زواجنا قبل ان تتركي انجلترا معي وهو لن يهدأ له قرار قبل ان يرانا متزوجين بصوره صحيحه في الكنيسه تبعا لتقاليدنا "
رفعت كاتيا حاجبيه بسخريه وهي تقول:
" ماذا؟ أليس ثمة اغاني حب من بلدك نابولي تضاف الى هذا الجو الرومانسي؟ "
لم تشأ ان تفسر انتقاده اللاذع للاحتفال الذي جرى لزواجهما في قريتها بانجلترى. ذلك الذي كانت تراه كثيرا على ذلك العقد الذي يسهل فسخه كما كانت تتمنى, ولكن امنيتها لم تتحقق.
قالت:
" انها مظاهر سياحيه لا تعجبني "
هز كتفيه العريضتين قائلا:
" ان للبندقيه ارثها الشعبي الضخم ومن الواجب احترامه "
اذا هو يريد ان يحتفل بعرضها امام الناس كما يعرض الفاتح غنيمته...على من يا ترى يريد ان يؤثر بهذا؟ هل هو زوج جينا كابريني؟ وفكرت بمراره, ربما هذا كان عنده من الاهميه بقدر ما كان لاسرته, في هذا الامر.
استغربت الجفاف الذي شعرت به في فمها, ورفعت عينيها الصافيتين تمعنان النظر في وجهه قائله:
" وبعد ذلك؟ "
قال:
" سنستمتع بعرسنا كما استمتعنا هذا الصباح وكما كان يجب ان نستمتع به الليله الماضيه. ماذا ايضا؟ "
ونظر الى ناحيتها فقالت:
" اعني كم سنبقى في البندقيه بعد انتهاء الاحتفال؟ "
سارعت بهذا الجواب رافضه به اذلاله لها بذكر ما يسميه استمتاعا.
اجاب:
" أسرع وقت ممكن "
ومد ساقيه الطويلتين رافعا وجهه الى السماء وهو يتابع:
" سأقول للبندقيه وداعا وانا اسف لذلك. ولكن هناك اكوام من العمل في ميلانو تنتظر اهتمامي. ولهذا يستحسن ان تقضي اكبر جزء من شهر عسلنا قبل الزفاف. ويجب علينا ان نشكر جدك لجعله يثبت زواجنا من جهة الدوله. وهكذا لن نكون ضحيتي ألسنه الناس بينما نكون في انتظار تنفيذ خططنا الضروريه "
نظرت كاتيا بعيدا عن نيكولو تخفي المها الذي شعرت به لدى ذكره جدها. وفكرت بأسى في جدها....كيف امكنك ان تبارك مثل هذا الرجل؟ كيف امكنك ان تفرض عليَ زواجا دون حب؟
ربما كان عليها ن تكره جدها, ولكن كل ما احست به نحو الرجل العجوز هو الشفقه, اذ كانت تدرك انه كان لابد واقعا تحت ضغط شديد دفعه الى ان يوقع بها بهذا الشكل. قالت ببرود:
" عليَ ان ارسل اليه والى عمتي بيكي بطاقه تحيه بريديه غدا "
وعادت تفكر في ظروفها الحاضره وقد صممت على ان لا تفصح عن شعورها الحقيقي. وسألته:
" حدثني مره اخرى عن شقتك في ميلانو "
في الايام الحلوه الماضيه التي سبقت الزواج في (سادينغهام) قريتها, كان نيكولو قد اخبرها ن شقته الكبيره في ميلانو حيث يمضي معظم ايامه. والان, اذا سألته مره اخرى, اخذ يشرح لها جمال الشقه والاثاث والغرف, مخبرا اياها عن المدينه والحدائق, واضعا لها صورا ملونه عن المحلات التجاريه ومراكز اللهو التي تنتظرها, ومن دور السنيما المحليه الى مسرح (لاسكالا) الفخم.
ما ان مالت الشمس نحو الغروب, ودبت البروده في الهواء الدافئ, ورأت هي ان تسبغ جوا طبيعيا حولهما, وقد ساورها شعور بأنه مهما حمل اليها المستقبل من متاعب فإن هذا اليوم الرائع سيبقى في ذاكرتها الى الابد. وهكذا استمعت بأدب وهدوء وهو يتحدث اليها عن المباهج التي تنتظرها في ميلانو.
لما رأى تشجيعها له على المتابعه ابتدأ يحدثها عن اصدقاءه وزملائه, واكثر من ذلك عن عمله, عن آماله وطموحاته في وضع تصاميم لسيارات ليست جميله وعاليه الكفاءه فقط وانما اكثر امانا. وكان يتكلم بحماس كلي الى حد وجدت نفسها تتجاوب معه في حماسه هذا وتشجعه على شرح نظرياته هذه, وتسأله عن دقائق ميكانيكيه بأهتمام آثار استغرابها هي نفسها, اذ انها لم تكن مصممة على مشاركته حياته مدة اطول مما يجب.
كان المغيب قد حل عندما وقف نيكولو مادا يده يساعدها على الوقوف وهو يسألها متكاسلا:
" اثمة اسئله اخرى يا كاتيا؟ لم اكن اظن بأنك تهتمين بطريقه حياتي وعملي الى هذا الحد "
بسبب هذه اللحظات الثمينه ادركت ان علاقتهما قد توطدت الى حد خالت فيه انهما حقا يهتمان ببعضهما البعض. اعتبرت ان تجاوبها البالغ معه واهتمامها بالمعلومات التي كان يشرحها لها, خيانه لنفسها....وحثت نفسها على ان تضحك ساخره وهي تجيب:
" انني فقط اطمئن نفسي بالنسبه لقدرتك على توفير الحياة التي استحقها...."
قال وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامه باهته:
" صدقيني يا كاتيا, ان بامكاني ان اعطيك كل ما تستحقين "
قالت:
" هذا حسن "
وقد صممت على ان تتجاهل التهديد المبطن الذي تضمنه كلامه. تابعت تقول:
" اخبرني يا نيكولو. ما مبلغ الاهميه بالنسبه اليك في ان ترتبط بالزواج من اسره لورنزو؟ اعني ...افرض انك لم تجدني جميله, هل كان في ذلك ما يجعل الامر مختلفا بالنسبه لخططك؟ "
قطب جبينه قائلا:
" انك تنشين المديح؟ اظنني سبق واخبرتك بأن رأيي في مظهرك ليس لي عليه اعتراض "
قالت باصرار:
" ولكن افرض ان الامر مغاير, هل كان الامر يستحق منك ان تتزوج مني؟ "
نظر اليها ساخرا وهو يقول:
" بالطبع. فالثياب الغاليه والمكياج والكوافير, كل هذا يصنع العجب لأقل النساء جمالا. ولكنه لا يضيف النبل الى اولئك الذين ولدوا بدونه. ان شكلك هو فائده اضافيه وهو ما عزمت على الاستمتاع به لاقصى حد. وانني قد جعلتك غير مرتابه في ذلك "
فاستجمعت افكاره لتقول كاذبه:
" نعم...كلا...المسأله هي, منذ البدايه كنا نحن الاثنان نمثل دورا امام جدي, وعندما رجعنا الى ايطاليا...."
قال ضاحكا:
" كنت سأتركك لتدابيرك, حسنا انك الان ترين الامور بشكل مختلف. الم يخبرك احد قط ان الموجود هو بنفس قيمه الممتنع عند اكثر الرجال؟ وانت بصفتك زوجتي موجوده قطعا. ليس هو القديس بولس الذي قال ان من الافضل لك ان تتزوج من ان تحترق؟ "
بدت في لهجته سخريه بارده وهو يوجه اليها كلاما بليغا:
" في مجتمعاتنا العصريه هذه, فرص الاحتراق اصبحت واقعا. ولو ان ذلك رما كان غير ما عناه القديس الطيب "
وسكت برهة يراقبها بإمعان ليعود فيقول:
" لقد فات اوان الندم. او هل الامر انني لم احقق كعاشق توقعاتك؟ "
اثار اعصابها التعبير الذي بدا في عينيه القاتمتين وقالت محتجه:
" كلا...ليست هذه المسأله "
قال : " هذا حسن . وأنا مسرور لذلك , إذ أن الصفقة هي الصفقة , وأنت لن تصبحي سيدة القصر إلا إذا أديت الخدمة بالمقابل إلى المالك . "
قالت : " زوجة بالاسم فقط لتحقق لك مطالبك الاخرى في المظاهر والنبل ... أليس هذا كافياً لك ؟ "
قالت لك وشعرت بالاهانة لتحقيرة لها .
أطلق إشارة اعتراض من يده وهو يقول : " الزوجة هي خليلة حاضرة على الدوام . "
لم تستطع ان تمنع شهقة دهشة إزاء جوابه القاسي ثم قالت : " هل هذا الوضع هو إجباري ؟ "
نظر إليها وعلى وجهه إبتسامة النمر , قائلاً : " بالطبع , ومن هو أفضل مني ليدربك على مثل هذا النظام ؟ أو لعلك نسيت كم تألم والدي على يدي ليوبولدو , جدك الأكبر , الطاغية . "
كانت قد نسيت للحظة , وعادت تشعر بالضيق الذي أصابها عندما أخبرها للمرة الأولى عن الثأر الذي بين أسرتيهما , ولم تستطع السيطرة على الرجفة التي أعترتها .
قال لها : " أتشعرين بالبرد يا كاتيا ؟ " وظنت هي بأنه تعمد سوء الفهم حين أقترب منها يهم بمعانقتها , ولكنها أسرعت مبتعدة عنه .
واجهته بوقاحة متجاهله سؤاله : " أخبرني شيئاً واحداً يانيكولو . هل كان جدي على علم بكل الأسباب التي جعلتك تتخذني زوجة ؟ "
توقف للحظة , ثم أومأ برأسه قائلاً : " أوه , نعم , ولكن يمكنني القول إنه لم ينخدع ببراعتي تلك . "
تمنت هي لو أستطاعت أن تعتقد بأنه يكذب , لكن قلبها أخبرها بأنه يقول الحقيقة , وقالت :" لقد فهمت . "
قال : " أحقاً يا كاتيا ؟ "
كان لحق بها بسرعة بحيث لم تستطع تجنبه , ليمسك بها من كتفيها ويجرها إليه مواجهاً إياها وهو يقول : " أشك في أنك فهمت . أظن أنك بحاجة إلى أن تعرفي المزيد . ولكن دعيني أعيد عليك أنا السؤال . هل يعرف جدك بالبواعث الرائعه التي حملتك على الزواج مني ؟ هل سبق وأسررت إليه بكراهيتك لمهنتك التي أخترتها وما إذا كان قد تدبر أمرك بتشغيل مبلغ كبير من أمواله الخاصة ؟ وهل هو يعرف انك بركضك وراء الثروه والجاه رضيت أن ترتبطي برجل لا تشعرين نحوه بغير الحسد ؟ " وهزها برفق وهويقول متابعاً : " حسناً يا كاتيا ؟ ماذا تقولين ؟ هل هو يعرف الحقيقة ؟ أم أنك خدعت جدك أيضاً بادعاء الحب لي ؟ "

نظرت ثائرة إلى الوجه الذي ملأ أحلامها من أول مره رأته فيها , وأيقظ رغباتها . ماذا تستطيع أن تقول ؟ هل تغالطه بالادعاء بأن جدها كان مشتركاً معها في غرورها الذي أدعته لتحقيق أنانيتها ؟ ولكن هل عدم قولها ما يسبب الضرر لجدها لعجوز ؟
أخيراً قالت وقد سرها أن أمكنها الابتسام بعد جهد : " طبعاً لقد خدعته . لقد غششته كلياً ؟ "
قال :" إذن فإنني على ثقة من أنك يمكن أن تتابعي ذلك وتخدعي أبي وأمي كذلك , إذ كما تعلمين كانا بانتظار الوقت الذي أستقر فيه وأنشئ أسرة . وأنا لا أريد لهما الشعور بخيبة الأمل في زوجة ابنهما " .
تركها وهو يقول : " حسناً ياعزيزتي , لقد وعدتك بأن أترك لك الخيار في قضاء هذا النهار . يجب أن تخبريني برغباتك " وذكرها لمعان عينية بقدرتهما , هما الاثنين , على الخداع , لتحول هي نظرتها عنه مخفية عنه ألمها الدفين .
منتديات ليلاس
عادت إلى نفسها وقد صممت على متابعة الدور الذي سارت فيه . لتقول : " حسناً , إنني أحب التجول في الشوارع للتفرج على الواجهات إلى أن نصل إلى الريالتو . وبعد ذلك أحب أن نتناول وجبه خفيفة في أحد المطاعم المنتشرة على ضفاف القناة , ثم …. " وتوقفت عن الكلام , فقال يستحثها رافعاً حاجبيه : " تابعي كلامك . "
قالت : " ثم أحب أن نعود الى سان ماركو , حيث نتناول القهوه ونستمع إلى الموسيقي متمتعين بمنظر طلوع القمر . " وسكتت مسرورة .
قال ساخراً بلطف : " إنها رغبات سائحة . "
قالت بهدوء وقد عكست عيناها الزرقوان غصة حزينة داهمت نفسها فجأة : " حسناً , هذا هو ما أريدة . لقد كان والدي ايطالياً حتى أمس . فهل أنا مخطئة إذ أتمثل بأولئاك السياح في إبداء إعجابي والرغبة في الاستمتاع بمناظر البندقية ؟ " ورفعت ذقنها بتحدٍ " لو لم تقطع علي جولتي هذا الصباح لكنت تفرجت على سان ماركو ودوغ بالاس . هل تتوقع مني عدم الإكتراث لكل هذا الجمال ؟ "
قال : " وكيف يمكنني ذلك وأنا نفسي أحب الجمال ؟ لو كنت أعلم في ذلك الحين , أن كل قصدك هو التفرج على الأبنية لكنت سمحت لك ببضع لحضات ترضين فيها فضولك . ولكنني شعرت أن رغبتك ربما كانت فقط منحصرة في مقابلة أحد السفن السابحة في القناة "
قالت بازدراء : " إنك تعرف ان هذا غير معقول . حتى ولو كنت معتادة على التقاط الرجال , فإن نظام أمن السفن يمنع دخول أحد دون تصريح إلى السفينة . "
قال : " إذن دعينا نقول إنني في هذا الصباح كنت مصمماً على أن يكون لي دور في البحث عن اكتشافات جديدة في المدينة , ولكن , بما أن غرضك هذا قد تحقق , فإن لي شرطين . "
قالت كاتيا وهي تهز كتفيها متسائلة عما تراه يخطط لكي ينغص عليها بهجتها : نعم , وما هما ؟ "
قال : " الأول هو أن لاترتدي ملابس تشبة ماترتدية السائحات . "
قالت : " موافقة , مع انك تظلم معظم زوار المدينة برأيك هذا , وماالثاني ؟ "
قال : " ان تتذكري أن النهار ينتهي عند منتصف الليل . "
وبدا لها هذا معقولاً , فوافقت عليه , إذ لم يكن لديها خيار آخر , هذا إذا كانت تريد أن تستمتع بنهارها هذا في البندقية , وكافأتها ابتسامة نيكولو الظافرة .
كان كل ماتريدة هو الترويح عن نفسها قليلاً . وفكرت في ارتداء ثوب وردي دون كمين بفتحة عنق واسعة وتنورة جميلة جداً , ومصنوع من الحرير الهندي الخالص , وقد اشترته من محل في لندن . وكانت محظوظة إذ وجدت في ذلك الحانوت في سان ماركو , شالاً بنفس لون الثوب وهو من النعومة والرقة بحيث يمكنها وضعه في حقيبتة يدها ويمكنها استعماله بوضعه على كتفيها إذا هي شعرت بالبرد مساءاً .
عند دخولهما غرفتهما , تسائلت عما اذا كان نيكولو سيقوم بحركة يطالب فيها بجسدها مره أخرى . وأحست بالارتياح عندما لم يفعل . ويبدو أنه سيحافظ على وعده لها . فهي سترتاح إذن إلى ان تدق الساعة الثانية عشرة .
عندما أصبحت جاهزة للخروج , كان هو بانتظارها في غرفة الجلوس في شقتهما . وكان يرتدي سروالاً فاتح اللون مع قميص بني من الحرير وربطة عنق مناسبة .
نهض واقفاً لذدى رؤيتها ثم أخذت عيناه تتفحصانها ابتداء من شعرها الذهبي المتموج على مكتفيها , إلى خفها الأنيق الذي يبرز رشاقة قدميها . كان يتأملها بعين ناقدة جعلت الدم يتصاعد إلى وجنتيها . فقالت وقد ساءها تباطؤه في التفرس : " حسناً , هل تراني أعجبتك ياسيدي ؟ "
قال : " نعم , تعجبينني ولو أنه من غير المحتمل أن نقابل أحداً ذا أهمية ."
كان ذلك أسعد أيامها حتى وعلى الرغم من تهكم نيكولو في أكثر الأحيان . وتسائلت كاتيا , بعد عدة ساعات . وهي تجلس على مقعد في ساحة سان ماركو خجلى من نظرات المارة , مالذي دفع رساماً هناك ليرسم لها صورة أمام الناس الذين كانو مجتمعين حولهما معجبين .
لقد كان جلوسها إلى الرسام ليأخذ لها رسماً , فكرة نيكولو نفسه وكان هو الذي اختار لها هذا الرسام من بين مجموعة من الرسامين كانو يعرضون بضاعتهم تحت السماء المظلمة المرصعة بالنجوم . وعندما سمعت همهمات الإعجاب من المتفرجين حولهما , علمت بأنه أحسن الاختيار حقاً .
اعترفت بدهشة , في مابينها وبين نفسها , بأن زوجها هو حقاً مرافق ممتاز , فقد كان ينتظر بصبر , وهي تنتقي مختلف أنواع الملابس من المحلات المتعددة المنتشرة في الشوارع بين الريالتو وسان ماركو ولم يبد أي أعتراض وهي تجول بين واجهات المحلات التي تبيع أقنعة " الكرنفال " والمجوهرات الزائفة . سامحاً لها بالتجول بين الأزقة والطرق الضيقة مجتازة المقاهي الصغيرة المنتشرة على الأرصفة إلى جانب المعروضات المختلفة من أغطية الطاولات وأغطية وملاءات الأسرة والشالات الفضفاضة والأكواب الزجاجية التي تتألق تحت مصابيح الشوارع ممايضيف سحراً خاصاً إلى صفات تلك المدينة الرائعة .
بعد تلك الساعات التي طافت فيها في الشوارع . مفعمة حواسها بما تراه وتسمعه وتشمه من روائح العطور , انتهى بهما المطاف إلى الريالتو حيث شعرت بشيئ من خيبة الأمل وهي ترى المطاعم قد أقفلت , وكان يجب أن تدرك أن المراكز التي يكثر فيها السياح , تقفل باكراً .
عندما قادها إلى مطعم في الهواء الطلق يشرف على القناة الكبيرة , سائراً مباشرة إلى مائدة محجوزة , علمت بأنه لابد واغتنم فرصة انشغالها بالشراء , ليتصل هاتفياً ويحجز مائدة لهما .
لهثت قائلة دون أن تتمكن من اخفاء سرورها : " أوه يا نيكولو ... ماأجمل هذا " كانت المصابيح الكهربائية تتدلى من بين الأزهار المعرشة فوقهما لتتأرجح في النسيم .
لم يكن الظلام قد أنتشر تماماً . ومن مكانها كان بإمكانها رؤية المارة يمشون فوق جسر الريالتو , وكذلك مراقبة الزوارق تخرج من مرساها في أسفل المطعم كذلك النظر إلى الأبنية المقابلة بنوافذها الشبيهه بالابهام وشرفتها المزخرفة .
لم تكن جائعة , ولكن بما انه لم يكن هناك ضغط عليها لإنهاء عشائهما وترك المائدة فقد تناولت الطعام والحلوى والفواكه مستمتعه بكل ذلك ببطء.
حدثت نفسها بأن كل ذلك كان حسناً ... وكانت تشرب المياه المعدنية بينما كان نيكولو يرشف الشراب .
عندما تركا المطعم متوجهين الى سان ماركو كانت الساعة قد بلغت الحادية عشرة والنصف , فتناولا القهوه في مقهى " فلوريان " واستمتعا بسماع الموسيقى , بينما كان السياح والبنادقة يطوفون في المكان الذي أطلق عليه نابليون إسم " غرفة جلوس أوروبا " .
بينما كانت كاتيا تعتقد أنهما في طريقهما للقصر , دهشت إذ رأت نيكولو يتجه بها إلى مكان الرسام . واحتجت , لكنه أصر على ذلك بحركة مسيطرة من يده أوقفت اعتراضها .
تعالت صرخات الاستحسان والتهليل من جموع المتفرجين وهم يشيرون محولين انتباهها إلى كرسي الرسام . واستدارت وهي مقتربة لترى صورتها مكتملة بينما اقترب نيكولو من الرسام يدفع له أجرته .
شهقت بدهشة بالغة وهي ترى نفسها تتطلع إلى صورة أمرأة غريبة عنها . هذه المخلوقة الرائعة ذات العينين البريئتين كعيني طفل وابتسامة الجيوكندا الغامضة في وجه بيضاوي عالي الوجنتين " وغمازة " في الذقن ..
كيف أمكن لهذا الرسام أن يراها بهذه الصورة ؟ ونظرت بطرف عينيها إلى نيكولو متوقعه عدم موافقته على الرسم الذي يشبه رسم غطاء علبة الشوكولاته ... ولكن , هاهوذا يدفع الأجرة للرسام ويلف الصورة بالورق الملون ثم يحملها شاكراً .
قالت بينما نيكولو يأخذ بيدها يقودها ليخرجا من سان ماركو : " لاعجب أن يجمع كل هذا المال من عمله هذا . مادام في استطاعته أن يجعل أي امرأه نجمة سينمائية " .
ضحك نيكولو لقولها هذا وقال : " إنه ككل الرجال الإيطاليين عندما تفتنه امرأه ما , يضفي ملامحها بالغريزة على وجوه كل النساء الأخريات , فهو ينظر إليهن بعين العاشق , إلى جانب عين الرسام , وهكذا تخرج الصورة من بين يديه بحيث لاتكاد تميزها صاحبة الصورة نفسها " .
مد نيكولو ذراعه حول خصرها يجذبها إليه مقصراً خطواته الواسعة لتناسب خطواتها وبهذا أخذت سيقانهما تحتك بعضها ببعض , ثم قال : " هل تعترضين على ما وجد الرسام في طبيعتك ؟ "
أجابت مسرعة : " كلا في الحقيقة فلقد جاملني كثيراً فيها "
لكنها في أعماقها لم تكن راضية . لقد اكتشف الرسام حقيقتها البريئة المطلة من عينيها وهذا مالم تكن تريد لنيكولو أن يعرفه . كانت تريد أن تخفيه عنه بأي ثمن مادامت تسعى إلى أن يطلق سراحها من الشرك الذي أوقعها فيه .
فجأة دقت الساعة منتصف اليل . وعندما تلاشت آخر دقاتها , توقف نيكولو عن السير ومد ذراعيه يأخذها بينهما ليطبع قبلة على وجنتيها . وحاولت في البداية المقاومة ولكن سرورها البالغ من هذه الأمسية كان مازال مسيطراً عليها , وذكريتهما معاً مازالت حية في نفسها , وهذا مامنعها من أن تخلص نفسها من عناقة المسيطر . وهكذا وقفت على رؤوس أصابعها تحيط عنقة بذراعيها مستسلمة لعناقة .
عندما تركها من بين ذراعيه كان يتنفس بصعوبة , وقال لها وهو يمر بإبهمه على شفتيها بينما كانت عيناه تتألقان : " إنك تتعلمين بسرعة ياماركيزة , على الرغم من امتناعك في البداية , عن تأدية واجباتك وإنني متأكد من أنك ستؤدينها في النهاية بشكل حسن جداً " .
عندما قادها نيكولو نحو مرسى القناة الكبيرة , أدركت كاتيا أنه مره أخرى سبق وأتصل هاتفياً بجوفاني ليوافيهما بالمركب . وسمحت بأن ينزلاها إلى قمرة المركب في الوقت الذي كان فيه جسمها مازال يرتجف لهذا التجاوب المفاجئ منها نحو نيكولو , ولقت الشال حول كتفيها اللتين كانتا ترتجفان من البرد , بينما كانت تدرك في أعماقها أن هذه الرجفة لم تكن إلا من توقع ما ينتظرها وليس من برودة الليل .
إنها تعرف أن نيكولو لا يحبها ولكنه يرغب فيها ولكن لماذا تراها لم تعد تشعر بالإذلال إذ يطلب منها أن تتصرف كامرأه تؤدي واجب الولاء لرجل أرتبطت به ؟
وإذا كان ماقاله لها سيزار بيرونيللي صحيحاً . أن نيكولو قد تزوج ليجعل منها ستاراً يختفي وراءة لكي تتمكن جينا من الحصول على الطلاق من دون فضيحة تصيب رفيقها , في هذه ايضاً , لم تعد تشعر بالمذلة أو الغضب ! لماذا ؟ هل هو تأثير سحر البندقية أم لعله رواسب حبها السابق لنيكولو أم يكون ذكريات مشاعرها نحوه عندما كانت تعتقد انه يحبها ؟ ولكن , لماذا ترى الغضب الذي هي بحاجة إليه لتثور في وجهه , هذا الغضب يرفض أن يشتعل ؟
على الرغم من هذا الحل الذي توصلت إليه فإنها عندما عادا إلى غرفتهما في القصر , لم تجد نفسها دفاعاً أمام رغبته المتسلطة لتجد نفسها تنهار لدى أول لمسة منه .
عندما استيقظت وضوء الفجر يتسلل من بين الستائر ليستقر على وجهها نظرت إلى جانبها لترى فراشة خالياً ومدت يدها إلى حيث كان يرقد لتلامس يدها برودة الملاءات الحريرية وجلست في الفراش لتنتبه إلى باب الحمام المغلق يتسلل النور من أسفلة . ومضت لحظات قبل أن يخرج نيكولو منه عائداً إلى الغرفة وأدهشها أن ارتدى بدلة عمل رمادية وقد علت القميص الفاتح ربطة عنق داكنة الزرقة .
هتفت ومازال النعاس يثقل جفنيها : " نيكولو " .
اقترب منها ثم جلس على حافة السرير وهو يقول " علي أن أذهب إلى ميلانو دون إبطاء . لقد تلقيت مخابرة هاتفية هذا الصباح ويظهر انها أتت ليلة أمس ولكن جوفاني كان معنا في المركب بينما الخدم كانو قد ذهبوا . لقد تركوا ملاحظة في آلة الجواب في الهاتف ولكن يمضي بعض الوقت قبل أن أصل لأسمع ماتقول . "
قالت وهي تخفي خيبة أملها : " ولكن إلى متى سيطول غيابك ؟ "
أجاب : " يوماً أو يومين هذا يعود إلى طبيعة ماسأجد بانتظاري ".
ماذا كانت تتوقع ؟ لقد أمضيا ليلة ممتعة البارحة وفكرت بمرارة في أنها قد تقبلت وضعها كمحضية تملك من الجاذبية مايكفي لارضاء سيدها .
سألته وهي تعلم جوابه مقدماً : " هل يمكنني الحضور معك ؟ "
قال رافضاً باقتضاب : " ليس ثمة وقت . سيوصلني جوفاني بعد دقائق الى حيث تنتظرني سيارة تأخذني رأساً إلى ميلانو كل الخدم سيكونون في خدمتك تستدعيهم متى شئت فتتسلين معهم كما تريدين , فإنك ستكونين بين أيد أمينة وقد تركت لك مبلغاً كافياً على الطاولة في غرفة الجلوس لكي تنفقي منه " .
شكرته وهي تحمل نفسها على الابتام برغم شعورها بالرغبة في البكاء للجفاء الذي ظهر منه ثم سألته : " هل ثمة شيئ سيئ ؟ "
قال ساخراً من نفسه وهو ينظر إلى وجهها الشاحب : " لاشيئ لا يمكن اصلاحه . لقد تصرفت أنا كصبي في عيد الميلاد ناسياً كل شيئ أمام لعبته الجديدة والآن علي أن أدفع ثمن عدم أنتباهي لشؤوني
الأكثر أهمية " .
عندما أدركها الفزع من قسوة كلامه إنحنى هو ليقبلها .
كانت قبلة محمومة قاسية متوحشة تقريباً هي قبلة المحارب عند الوداع ثم قال : " إلى اللقاء انتبهي إلى نفسك في غيابي وسأسألك عن أي تهور يبدر منك عند عودتي " .
كانت هذه كلمات رئيس في العمل أكثر منها كلمات زوج . ولكن ماذا كانت تتوقع ؟أن تستخلص نيكولو من جينا فقط لأنها مكنته من الحصول عليها ؟ إن الحب هو شيئ آخر أكبر بكثير من التوافق الحميم .
عندما تركها وحدها في غرفة النوم الرائعة ابتدأت تفكر في مستقبلها الموحش مع قصر مدته مع الشعور المدمر بالحرمان . وشعرت بإزدراء للذل الملازم للدور الذي تقوم بتمثيله ليس لأنها لاتعرف كيف تشغل نفسها . فإن البندقية بكل سحرها هي عند عتبة بيتها وإذا هي تعبت من التفرج على الكنائس فهناك البحيرات والجزر الاخرى وكلها تستحق الزيارة .
تأوهت بعمق . لقد أشار إليها نيكولومره بلقب خليلة .
وقد كان هذا تشبيهاً قريباً من الحقيقة فقد إكتفى مسجل العقود بتسجيلهما زوجاً وزوجة حسب اقرارهما بنيتهما تلك . إنما لم يتضمن ذلك قسماً ولا عهود ... لم يكن ثمة إعلان أخلاقي عن الحب والولاء حتى يفرقهما الموت . وهكذا يجب أن تبقى هي إلى أن تكتشف الحقيقة عن الأحداث التي دفعتها إلى مثل هذا الارتباط , ومن ثم تعمل على حله . فهي , بصرف النظر عن الصفقة التي عقدتها مع نيكولو . لاتريد أن تبقى طرفاً في اتحادهما هو وجينا اللااخلاقي , مكرسة ذلك في الكنيسة .


نهـــــــــــاية الفصـــل الســــــــادس

ماري-أنطوانيت 04-08-08 05:45 PM

...:::~ الفصل السابع ~:::...

جلست كاتيا تعبث بالطعام, وامامها وجبه مكونه من السمك المشوي والسلطه. لم تكن تحس بالجوع وهي تجلس في ذلك المطعم المشرف على القناه, تتطلع الى الزوارق النخططه بالونين الابيض والازرق بأبراجها الذهبيه والخضراء مربوطه في مرساها.
كانت كاتيا تشعر بالحاجه الى الراحه, واي شيء كان افضل من الرجوع الى القصر لقضاء بقيه النهار في سجنها الرائع ذاك.
لقد مضى يومان ونصف دون اي خبر عن نيكولو...وفكرت باستسلام في انها ما كان لها ان تتوقع منه خبرا, اذ انه لم تتملكه المشاعر المعتاده لدى كل عريس نحو عروسه! وتساءلت الى متى سيبقى متظاهرا بالحب لها, لو لم تسرع هي في محاوله لانقاذ كرامتها والتظاهر بعدم حبها له.
لكن ما للشكوك تساورها وهي تلمس شعوره الجاف نحوها اذ يصمم على العوده لميلانو من دونها, ذلك لان اي عريس يستحق هذا اللقب, كعريس خصوصا في ايطاليا, ما كان ليهجر عروسه لمده ايام بعد ما ظهر من استمتاعهما معا الى هذا الحد؟ ام لعل براءتها هي التي صورت لها خطأ ان زوجها يشاركها نفس مشاعر البهجه اثناء اتصالهما الحميم؟
ساورها شعور هو مزيج من الشعور بالذنب وادراك بإنه كان يجب ان تخبر نيكولو عن معارضتها اجراء زفاف حافل, وذلك قبل سفره الى ميلانو. ربما كان عند ذاك قد خفف من اصراره على حفله للزفاف ازاء نيتها هذه, اما الان فعليها ان تستعد لمواجهته بهذه المعارضه عند عودته متحمله نتيجه رد الفعل عنده بالنسبه لدمه الايطالي المنفعل عند انهيار خططه.
" هل السنيورا كاشياتور هنا؟ "
استيقظت كاتيا من شرودها ليبعث في نفسها الضيق مرأى سيزار برونيللي الذي هبط جالسا على الكرسي امامها بكل راحه. لقد كان هذا المطعم الذي تناولت فيه العشاء مع نيكولو في اليوم الثاني لوصلهما للبندقيه. كتن نصف ممتلئ عند وصولهما انما الان لم يبقى فيه سوى موائد قليله خاليه.
ردت عليه تحيته وسؤاله عن صحتها ببرود, وتعمدت عدم الرد على اسئلته, ثم قررت ان تتخلص منه بأن تكذب عليه فقالت:
" انني بأنتظار زوجي الذي سيحضر الان "
فقال:
" اذا فإنك ستمكثين وقتا طويلا في انتظاره "
اشار الى النادل ليحضر له عشاء لنفسه وزجاجه شراب قبل ان يعاود النظر الى وجه كاتيا المتصلب الملامح, ليتابع قوله:
" اخر مره سمعت فيها عن مكان نيكولو كاشياتور انه كان في ميلانو يتناول العشاء مع جينا كابريني "
والقى نظره الى ساعته وقال:
" طبعا لابد انه عائد بالسياره هذا الصباح. ولكن بما انه اعاد جينا الى شقتها الليله الماضيه فلا بد انه سيتأخر "
صدمت اموجه الألم التي اجتاحت جسمها. وضغطت على يديها في حضنها محاولة الاحتفاظ بهدوئها. ثم قالت بجفاء:
" اظن انني غير مستعده للإهتمام بثرثرتك يا سيد برونيللي "
قال سيزار محتجا:
" يا عزيزتي السيده كاشياتور. لا يمكنك ان تلوميني للاهتمام بك, ليس فقط لزواجك العاطفي المفاجئ من نيكولو كاشياتور, ولكن لأنك امرأه جميله. وانا اكره ان اراك مخدوعه من قبل رجل ليس فقط يكبرك في السن ولكن في الخبره ايضا "
فكرت كاتيا في ان السكوت من ذهب حقا, ولكن كيف بإمكانها ان تترك نيكولو معرضا لمثل هذه الشائعات المؤذيه مهما كان نوع شعورها نحو زوجها؟ كان الشيء الوحيد الحسن في حديث برونللي هو توقفه عن مخاطبتها بلقب ماركيزه, وقالت بحذر:
" ان زوجي في رحله عمل الى ميلانو. وقد ادعيت العكس فقط من باب التهذيب. وبما انك لا تفهم الاشاره فيجب ان اطلب اليك مباشره ان تتحول الى مائده اخرى "
قال ببشاشه:
" هذا غير ممكن, اذ لا يوجد اي مائده شاغره, كما انني طلبت الطعام الى هذه المائده "
قالت وهي تتناول حقيبه يدها من تحت المائده:
" هذا حسن, ارجو لك طعاما شهيا "
همت بترك المطعم برغم انها لم تتناول لقمه واحده من طعامها بعد, وبرغم ان قدماها تؤلمانها لكثره ما طافت في المحال التجاريه هذا الصباح.
سألها: " اتريدين صوره؟ "
اجابت بازدراء متعمده عدم فهم قصده:
" صوره برفقتك الى هذه المائده؟ انه لا يشرفني ان ابدو معك "
ابتسم سيزار متجاهلا اهانتها وقال:
" صوره لزوجك وجينا كابريني يتعشيان معا. او اذا كنت تفضلين صوره لهما معا يدخلان الى شقتها. اخشى ان لا تكون الصوره الثانيه جيده لأن السيده تعمدت اخفاء وجهها. ولكن ساقي جينا كابريني لا يمكن ان يخطئهما من يعرفها "
تصاعدت غصه في حلق كاتيا. ما اشد حماقتها وهي تصدق ادعاء نيكولو عن المخابره الهاتفيه من ميلانو. الا يكفي ان يخونها حتى يعرضها للاذلال امام الناس؟ ومنحها الغضب القوه على الاحتفاظ بهدوءها, فنهضت واقفه دافعه كرسيها الى الخلف قائله:
" ولكنك اخبرتني بنفسك ان زوجي وجينا كابريني هما صديقان قديمان, فأي شيء غير طبيعي في ان يتناولا العشاء معا؟ وبالنسبه لإعادتها الى منزلها, لما لا؟ ان زوجي رجل مهذب "
قال بازدراء:
" بالتأكيد هو رجل, ورجل جذاب للنساء. اظن ان من الممكن ان يكون عاد معها الى المنزل لتناول كوب من الكاكاو قبل النوم, ولكن اذا كان الامر كهذا فقد استغرق شرب الكوب هذا وقتا طويلا. فقد ترك المكلف من قبلي بمراقبه المنزل, المراقبه بعد ساعتين عائدا الى منزله, دون ان يخرج زوجك من منزل جينا "
قالت بكبرياء:
" والمفروض بي ان اصدق ان حضورك الى هنا لتجلس معي وتغرقني بشكوكك, كل هذا كان بمحض المصادفه؟ "
اجاب برقه:
" كلا بالطبع, فقد دأبت منذ الفجر في تمشيط اماكن السياح آملا في ان اراك لأخبرك بما يدور من وراء ظهرك. اعتبري هذا نوعا من الاحسان لك, وذلك قبل ان يشيع الخبر في البندقيه بأجمعها "
ردت عليه ثائره:
" بل سأعتبره نوعا من الافتراء. حاول ان تنشر هذه الصور مصحوبه بأي اتهام بسوء السلوك, ليقاضيك محامي زوجي "
قال معنفا:
" ما هذا؟ الم تسمعي قط بالقول المأثور وهو ان كل ما ينشر هو حسن, وان الحقيقه هي احسن دفاع في تهمة القذف؟ الى جانب انه ستكون هناك صور كثيره لهما معا اثناء حفله الغد, وكلها صور بريئه واضحه, بجانب صورة رائعه الجمال لزوجه نيكولو كاشياتور المخدوعه "
واردف: " يا لزوج كابريني المسكين زوج جينا المخدوع, انه سيصر على اسنانه لشدة شعوره بالغيظ "
" حفله الغد؟ "
وافلتت هذه الكلمات من بين شفتيها قبل ان تتنبه الى امساك لسانها.
بدا على وجه سيزار برونيللي ندم زائف وهو يقول:
" اوه...الم تعرفي؟ "
لعنت كاتيا نفسها لوقوعها في الشرك. وهزت كتفيها وقد ثارت ثائرتها لإهمال نيكولو اطلاعها على كل نشاطاته الاجتماعيه وخاصه تلك التي تتصل بها جزئيا. وقالت:
" لقد تذكرت الان انه ذكر لي شيئا عن حفله عشاء ولكن ذهني كان شاردا فلم انتبه الى التفاصيل "
لمعت عيناه سخريه وهو يلمس محاولتها تغطيه جهلها:
" من الواضح ان مهاره نيكولو كعاشق لا بد انها تنوم مغناطيسيا ما دامت تجعلك تخلطين بين الاحداث الاجتماعيه الحيويه في البندقيه وبين حفله عشاء بسيطه "
عندما سمعت ضحكته الخافته الساخره ادركت انه يجب عليها الذهاب قبل ان تفقد السيطره على ساقيها. ومنعتها كبرياؤها من ان توجه الى هذا الرجل الوقح اي سؤال آخر.
ان على نيكولو وحده ان يقدم إليها تفسير كل هذا. وقبل ان يدرك سيزار غرضها كانت قد التقطت محفظتها وارجعت كرسيها للوراء لتقف مستديره للذهاب.
هب هو واقفا باحترام وبكل بشاشه ولطف الرجل الايطالي اخرج من جيبه بطاقه صغيره وقدمها اليها بهدوء قائلا:
" انتظري, لا بد ان يأتي وقت تحتاجينني فيه, ويمكنك عند ذلك ان تتصلي بي على احد هذه الارقام "
كان عليها ان تتجاهل بطاقته تلك ولكن حاستها السادسه جعلتها تأخذها من يده وتدسها في الجيب الخارجي لحقيبه يدها وهي تدير له ظهرها خارجه.
اقترب منها النادل وهي تسلك طريقها بين الموائد لتخرج الى الرصيف, سألها:
" الم يعجبك الطعام يا سنيورا؟ "
اجابت ببرود:
" بالعكس كان شهيا جدا بل الرفقه هي التي لم تعجبني "
واشارت الى الصحافي الباسم وهي تقول:
" ان السيد برونيللي سيدفع حسابي "
لم يكن هذا انتقاما كافيا بالنسبه لكاتيا التي كانت تود ان تفرغ على رأسه القذر دلو ماء بمثل قذارته. ولكن مثل هذا العمل لم يكن ليعززها عند نيكولو في ما لو قبض عليها بتهمة ايذاء شخص بدنيا. ومع سخطها على الطريقه التي جعلت نيكولو يخدعها لتتزوجه, فغنها لم تستطع انكار الحقيقه وهي ان مستقبلها ومستقبل جدها يعتمدان على عطائه وسخائه.
اذا فإن برونيللي قد اخبرها الحقيقه عن نيكولو وجينا كابريني. وعندما تفجر غضبها دموعا, عند ذلك فقط ادركت كم كانت ترجو ان يكون سيزار برنيللي كاذبا او مخطئا. وامتلأت مراره وهي تستدير مبتعده قدر ما تستطيع عن ذلك الرجل المتوحش. لم يكن لدى هذا الصحفي اي ضمير ليؤنبه وما هو الدليل الذي يمكنه ان يثبت به لها خيانه نيكولو؟ وما هو قصده من ذلك؟ هل ليجعلها تقوم بتصرف ما يفيده في نشره في صحيفته؟ "
بالنسبه للحدث الاجتماعي المقبل ستحضره جينا كابريني, لماذا امتنع نيكولو عن تنبيهها اليه؟ هل كان نيكولو يبدو عديم النزاهه الى هذا الحد لو لم تلفق له هي اسباب وضيعه لقبولها الزواج منه, اذ اوهمته انها تزوجته لثروته؟ كيف استطاعت معايشه هذه الكذبه بعد سماعها ما سمعت من حديث بينه وبين جدها عن السبب الاصلي لزواجهما.
مسحت دموعها المنهالة بيدها غاضبه. جدها! وازدادت تعاستها وهي تفكر في جدها وعمتها بيكي. امس فقط ارسلت إليهما رساله تخبرهما عن جمال البندقيه وسعادتها هي في استمتاعها باكتشاف كنوزها. دون ان تخبرهما بالطبع بأنها تمضي الوقت وحدها. وتسائلت بحسره ما الذي دفعها الى اخفاء ذلك؟ اغرورها ام خيلاؤها؟ ام هدوء وطمأنينه نفس العجوزين؟ ان لدى جدها ما يكفيه من القلق اذ كان قد تعرض للإبتزاز لكي يوالفق على زواج مدبر دون حب. ان اقل ما يجب عليها نحوه هو ان توفر عليه الالم الذي سيعانيه في ما لو علم باكتشافها الحقيقه. انها على الاقل ستحاول التصرف في الكيفيه التي يمكنها ان تنتشل بها تفسها من هذه الورطه.
فكرت بمراره متمنيه لو ان جدها لم يرتفع شأنه الى طبقه نبلاء ايطاليا المندثري الذكر. لو لم يحدث ذلك ويتحدث به الملأ, لما عرف اذا نيكولو شيئا عنها ولبقيت في لندن تقوم بعملها الذي تعشقه بدلا من التجوال في شوارع البندقيه مع الامها.
عندما تحولت في منعطف, توقفت فجأه وقد تملكتها الدهشة والسرور حين وجدت نفسها امام كنيسه رائعه قد رصفت جدرانها بالرخام لتلمع بروعه لا مثيل لها. كما ان ابراجها كانت تتألق في اشعة الشمس.
كانت تسير في الشوارع الضيقه خلف الريالتو مبتعده عن سيزار برونيللي قدر استطاعتها, دون ان تتوقع رؤيه مثل هذا الكنز في مثل هذا المكان البعيد عن منطقه السياح.
بالقرب منها وقعت عيناها على واجهه مصور فوتوغرافي فوقفت امامها تتفرج على مختلف الصور التي تمثل العرائس والعرسان. احقا! يمكن للحظ ان يكون بهذه القسوه؟ ومزق الالم قلبها, نعم في استطاعته ان يكون كذلك. لقد اكتشفت عرضا كنيسه سانتا ماريا التي عرض نيكولو عليها ان يحتفلا فيها بزواجهما الكنسي وذلك ليشدها اليه برباط هو اقوى من اي رباط يعقده انسان. وحدثتها نفسها بغضب, لو انها وافقت على ذلك, ما الذي كان سيحدث؟ لم يكن ما تتطلع اليه عند ذاك سوى حياة ماديه مرفهه خاليه من المشاعر. حسنا فلتترك الكنيسه وشأنها ما دامت لن تراها ابدا من الداخل بصفه عروس. كانت نتيجه هذا القرار حسنة ولكنها لا تتناسب ابدا مع فضولها.فقد كانت الشوارع خاليه حيث ان كل انسان كان يتناول الغداء.
لكنها عادت فغيرت رأيها عندما رأت باب الكنيسه, فدخلت لتطلق آهة سرور وهي ترى ما كان بانتظارها. كان تماما كمن يدخل علبه مجوهرات, ومن هنا اخذت الكنيسه اسمها. كانت اشعه الشمس تتدفق من النوافذ مرسله خيوطها على الاعمده والسقف الذهبيه لتتالق هذه خاطفه الابصار. وكانت لوحات بالحجم الطبيعي تمتد من السقف حتى اسفل الجدران تمثل صور القديسين في مختلف العصور.
كان كل شيء تقع عليه انظارها مكونا من الذهب او الرخام مما لم تستطع استيعابه في لحظات. ومن ثم جلست في هدوء في احد الاماكن الخاليه. اخيرا هنا في مواجهة المذبح الذي اقيمت في صدره ايقونه مشهوره وجدت عندها الهدوء والسكينه والسلام الذي تنشد.
لا يمكن القول الى متى ظلت كاتيا جالسه تنظر الى روعه ما يحيط بها, او كم اهدرت من الوقت فوق ضفاف القناه او فوق الجسور, او متوقفه في كل لحظه متفرجه على واجهات المحال التي تعرض مختلف انواع البضائع والازياء. كانت قد نسيت ان تضع ساعتها في يدها قبل خروجها من البيت, لكنها عرفت الوقت من مكان الشمس في السماء فتنبأت بأقتراب المساء.
ان امامها ليله اخرى تعسه موحشع. وتنهدت وهي تعبر الجسر الجميل الذي يصل بها الى القصر, ومن هناك اجتازت البوابه الى الحديقه لتتوقف انفاسها وهي ترى قامه زوجها المديده وهو ينهض من احد المقاعد ليتقدم اليها محييا...هتفت:
" نيكولو...لم اكن اتوقع رؤيتك قبل الغد "
وادركها الفزع لإحساس السرور والبهجة اللذين احست بهما عند رؤيته. لقد شعرت بالدم الحار يتدفق في وجنتيها. شمل هو بعينينه السوداويين سروالها الفاتح اللون وقميصها القطني الخفيف وهو يقول:
" ان وجنتك تتضرجان يا كاتيا...هل ذلك لأنك سررت برؤيتي؟ ام انك احترت لأن عودتي على غير انتظار قد افسدت خطتك في تمضيه هذا المساء؟ "
قالت:
" انني لم اتوقع قدومك...."
وتوقفت عند هذه الكلمات.
نظر اليها مفكرا وهو يقول:
" هذا واضح...وانني اعتذر عن تدخلي في حياتك مره اخرى بهذه السرعه. اذ من الواضح انك وجدت ظهوري المفاجئ معرقلا...."
قبل ان تجيب خطا نحوها يأخذها بين ذراعيه ويرفع ذقنها ليقبلها برقه ثم يقول:
" هل هو اللوم ما اراه في عينيك الجميلتين يا كاتيا؟ "
ابتسمت بقسوه وهي تتخلص من بين ذراعيه مبتعده عنه كي لا يقرأ التعاسه في عينيها.
قال لها دون ان يؤثر فيه صمتها:
" تعالي "
واخذ بيدها يقودها الى داخل القصر صاعدا واياها السلم الجميل الى شقتهما. كانت قبضته على يدها شديده لدرجه تقرب من الإيلام وهو يقول:
" دعينا نرى ما اذا كانت الهديه التي احضرتها لك من ميلانو ستعيد الابتسامه الى شفتيك "
سمحت له بأن يقودها الى غرفتها بصمت ليناولها علبه مغلفه بورقه مذهبه مطبوع عليها اسم مصمم شهير.
اخفت ما تشعر به من مراره وهي تفك رباط العلبه وتخرج ثوبا رائعا للسهره. كان بسيط التفصيل بفتحة عنق واسعه ومن دون كمين وتنوره واسعه. كان اهم ما فيه هو نوع القماش. كان القسم الاعلى منسوجا من خيوط الذهب مع اللون العسلي اخذ يتألق تحت اشعه الشمس المائله للغروب التي كانت تلقي بخيوطها الباهته من خلال نافذه الشرفه.
قالت ببراءه:
" انه رائع يا نيكولو "
وحاولت ان تخفي غصة الم قد تهدد بتدمير هدوئها الظاهر الذي تجاهد للاحتفاظ به.
اومأ برأسه راضيا وهو بقول:
" هذا حسن. ظننت انك قد تحبين ان تذهبي الى المحلات لتختاري بنفسك. ولكنني لقصر الوقت صممت على مفاجأتك به. لن تكون هناك امرأه في القاعه تماثلك اناقه ليله الغد "
هتفت كاتيا وقلبها يقفز من بين ضلوعها: " غدا! "
اذا فقد اخبرها سيزار برونللي بالحقيقه. وعادت تسأله مدعية البراءه:
" سيكون عندنا حفل اذا؟ "
قال مشيرا بيده:
" كان يجب ان اخبرك قبل الان ولكن شغلتني امور اكثر اهميه. وكنت ذلك الصباح الذي سافرت فيه في عجله من امري انستني ذلك والقصه هي ان جينا كابريني ستقيم حفله عرض ازياء عندنا في القصر مستعمله بعض الموجود في مخازن محلاتها من ازياء. امه معرض سنوي وبما ان ريعه يعود للاعمال الخيريه لم استطع رفضه في اخر لحظه "
مضت لحظات استوعبت فيها كاتيا الموضوع لتقول اخيرا, اذ اظهرته كصوره غير مكتمله لغريق يتعلق بقشه:
" لقد فهمت هل هذا ما دفعك للذهاب الى ميلانو؟ لكي ترى جينا وتنهيا التدابير كافه؟ "
القى برأسه للخلف وهو ينفجر ضاحكا ليقول:
" با الهي, كلا....لقد تم تدبير امر هذا منذ شهور كما اذكر. واذا جرت اي مشكلات في آخر لحظه فهي مسؤوليتها عند ذاك "
وفجأه غادر وجهه الابتسام ليحل محله العبوس وهو يقول:
" ان ذهابي الى ميلانو كان بشأن تسرب سر تصميم جديد للسيارات التي نسوقها فب الولايات المتحده "
قالت وهي تتحول مبتعده عنه:
" لقد فهمت "
لقد فهمت من لهجته انه غير مستعد لمناقشة شؤون عمله معها, ولم تجازف بتعريض نفسها الى زجره في ما لو اتبعت غريزتها واستمرت في سؤاله عن اعماله تلك. ذلك انه لم يكن هنالك دور لاهتماماتها كزوجه ضمن الدور الذي صممت على القيام به تجاه زوجها.
منتديات ليلاس
لِمَ لم تجد على بطاقه الثوب الهديه ذكرا للقياس, سألته:
" كيف عرفت قياسي؟ "
اجاب:
" نظرا لضيق الوقت, اتصلت هاتفيا بك, ولما كنت غائبه طلبت من ماريا الخادمه ان ترى قياسك على ثيابك في خزانه ملابسك "
حملت نفسها على الابتسام قائله:
" انك ماهر "
لكن الوسواس الذي يعذب نفسها لم يكن ليفارقها وقالت:
" انه ثوب رائع. هل هو من محلات جينا؟ "
كان ثمة تردد خفيف وهو ينظر اليها وقد ضاقت عيناه قائلا:
" في الحقيقه, انه كذلك, هل في ذلك اي مشكلة؟ "
هزت كاتيا:
" ولماذا يكون في ذلك مشكله؟ "
اجاب:
" المشكله تكمن فقط في ما لو عرض امام اللجنه مرفقا به الثمن. ولكن يمكنك ان تطمئني الى ان هذا لن يحدث. ذلك لأن طراز الثوب ليس مستحدثا "
قالت:
" ما اشد مهارة جينا اذ عرفت ذوقي تماما بينما هي لم ترني ابدا "
وشملت الثوب بنظره اعجاب ولكن كانت النار تشتعل في داخلها. كيف يجرؤ على ان يطلب من خليلته اختيار ثوب لزوجته؟
رفع نيكولو حاجبه ببطء وادركت من لمعان عينيه خلف اهدابه السوداء انه لم ينخدع بما ابدته من رضى زائف. فقال برقه:
" انني انا الذي اخترت الثوب وليس جينا. الشيء الوحيد الذي فعلته جينا هو انها اتصلت هاتفيا برئيس المستخدمين عندها وطلبت منه ان يعرض امامي عددا من الاثواب لأختار منها "
افلتت من كاتيا كلمات دون اراده منها اذ قالت:
" هل كان ذلك قبل ام بعد الاستمتاع بجلسه حب؟ "
ورفعت يدها الى عنقها فزعا وكأنها تحميه وهي تراه يتقدم نحوها هادرا:
" اياك ان تجعليني اسمع منك مثل هذا السؤال مرة اخرى. لقد علمت بهذا عندما وافقت على ان تكوني زوجتي. لقد قلت ذلك بلسانك ان تصرفاتي الخاصه خارج علاقتنا هي ليست من شأنك وبالنسبه الى جينا, فإنك اذا لم يكن بامكانك التحدث عنها باحترام فإنني لا اريدك ان تتحدثي عنها ابدا. هل هذا مفهوم؟ "
للحظه مرعبه, ظنت انه سيضربها حين انحنى عليها. واعترفت بينها وبين نفسها بأن التعقل هو حقا افضل من التهور. قالت:
" هذا حسن بالنسبه الي, ولكنك لن تستطيع ان توقف ألسنة الناس, لقد سمعت البندقيه بأجمعها تتحدث عنكما انتما لاثنين وعن علاقتكما المستمره "
وتلافيا للخطر الذي بدا في نظرته اليها حملت نفسها على تحويل الموضوع الى حديث عادي اذ عادت تنظر بإعجاب الى الثوب قائله:
" من الواضح ان ثمة حكايات مثيره تدور حول رفيقه طفولتك هذه "
قال:
" اني مسرور اذ اعجبك ذوقي "
كان البرود في لهجته ينم عن الغضب الملتهب الذي زاد عينينه سوادا.
قالت:
" نعم, انه اعجبني "
وحملت الثوب بإحتراس لتعلقه في الخزانه وهي تتابع قولها:
" وانني متأكده من ان صديقتك تستحق مكافأة ان اقوم بالدعايه لمملكة الازياء التي تملكها في الصحف, واثناء الحديث والمشي وكل المناسبات "
قال:
" أنا متأكد من انها تستحق ذلك, اذا اردت ان تنشري الحقيقه, ولكن موضوع الامسيه الرئيسي هو جمع المال للمشروع الخيري وليس نشر الدعايه لسلسلة من دور الازياء منتشره في ايطاليا وفرنسا "
كان نفاد الصبر باديا في جوابه هذا, وفي حركه فكه المنفبض بشده. وتساءلت هي: هل ابتدات تكون مصدر ازعاج له اخيرا؟ وهل هو يظن حقا بأنها شاكره له هذه الفتات التي يلقيها إليها بينما هو يخدعها بذلك الشكل المشين؟
قالت له وهي تمنحه ابتسامه عريضه مستمره في تمثيل دورها الى اقصى حد تستطيع:
" ذلك سبب يستحق الاهتمام حقا, وانه ليسرني المساعده فيه. بالطبع علي ان اشتري حذاء وحقيبه يد للسهره, وكذلك يحسن ان اصفف شعري للمناسبه اذ لا احب ان اتسبب لك بازدراء الناس في ما لو بدوت انا في الحفله بمظهر غير لائق "
كانت منتبهة الى صمته خلفها اثناء تمضيه الوقت في تسوية وتعليق ثوبها في الخزانه. واستدار هو ليواجهها بنظراته مفكرا ثم قال:
" ولا انا احب لك ذلك. ولكن ثمة شيء من الخطر في ذلك. في بدايه تعارفنا, لم يكن يبدو ان لديك الكثير لتقدميه الى رجل في مثل مركزي, ولكن لي نظره خبيره يا عزيزتي كاتيا نبهتني الى ان وراء مظهرك الخامد ذاك, طاقات كامنه "
اختفت لهثة الألم في حلقها وهو يمد يده يمسك ذقنها بأصابعه قائلا:
" على الرغم من ميلك الى بيع نفسك في سبيل المال, فإن فيك صفات النبلاء الحقيقيه يا ماركيزه. انك ستفتنين والديَ بمظهرك الخارجي على الاقل, وسيشعران بالاعجاب وانت تتهادين في كنيسه علبة المجوهرات الذهبيه امام المدعوين المحتشدين في الكنيسه, لتصبحي زوجتي الذهبيه شرعا "
ها قد سنحت لها الفرصه التي طالما انتظرتها, وشجعها شعور عميق بالثورة على مواجهته بينما مازال دمها يغلي في عروقها من جراء الطريقه التسلطيه التي عاملها بها. وصرخت في وجهه:
" عليهم ان ينتظروا غرق البندقيه في البحر قبل ان يأتي ذلك اليوم "
دفعته عنها وهي تتابع:
" ليس لدي رغبه في ان اعرض امام الملأ للدعايه لشركه ( كاشياتور لتصميم السيارات ) لقد سبق واتفقنا على ما يريده كل منا, ولا مجال بعد ذلك لاحتفالات اخرى لا معنى لها "
قال مقطبا جبينه:
" ان هذا ليس من دون معنى يا كاتيا "
وزاد عبوس وجهه في سرعه خفقان قلبها بينما تابع هو قائلا:
" لقد كان عقد زواجنا في انجلترا لطمأنه جدك وتهدئة مخاوفه كي لا اغير عقلي عندما اخرج بك من تحت اشرافه واسلب حفيدته كرامتها...."
وبدت على شفتيه ابتسامه باهتة وهو يتابع:
" مع ان الكرامه هي شيء نسبي, أليس كذلك؟ ربما خاف من ان اكتشف حقيقتك الكامنه وراء مظهرك البرئ الذي تتسترين به. ومهما كانت اسبابه فقد كان ذلك العقد الزوجي مجرد اجراء رسمي وهذا لا يقبل به والداي وخصوصا والدي الذي انتظر طويلا ليرى ولده الوحيد متزوجا, انتظر سنين طويله اذا كنت مازلت تذكرين, فقد بقي دون اولاد الى ان ماتت زوجته الاولى, وهو الان في الثمانينات من عمره. ورجل له مثل ومفاهيم عصره اذا لم يعقد زواجنا في الكنيسه فسيعتبرك خليلتي وليس زوجتي الشرعيه "
فهزت كتفيها غير موافقه وقالت آمله ان تحمله على تغيير فكره من جهة اعتبارها سدادا للدين:
" ان رأيهم لا يهمني وليس ثمة طريقه تجعلني اقبل بأن اعرض نفسي امام الناس في احتفال ديني وذلك برغم ارادتي "
التهبت عيناه بالغضب وهو يقول:
" اتتحدين ارادتي؟ اتفضلين ان تكوني خليلتي امام اسرتي بدلا من ان تكوني زوجتي؟ "
قالت:
" انها مشكلتهم الخاصه وليست مشكلتي انا. انني ارفض ان اعيش في ظلام العصور الماضيه "
قال:
" وماذا عن اولادك؟ هل ترضين بأن يعتبرهم والدي ابناء غير شرعيين؟ "
قال ذلك وصوته يهتز من الغضب.
اتسعت عيناها مصعقوقه بما تسمع وتمتمت:
" اولادي؟ "
اذ انها منذ ان اكتشفت غش نيكولو لها, تحصر تفكيرها في محاوله تخليص نفسها من هذا الزواج الخالي من الحب. اما فكره ان يثمر هذا الزواج فلم تكن تتقبلها. كما انها لم تتخذ اي وسيله لمنع الحمل. لقد اضافت هذه الفكره الى مشكلاتها تعقيدا جديدا لم يكن في اعتبارها.
قال نيكولو برقه:
" بالطبع. لقد كانت رغبتي منذ اللحظه التي رأيتك فيها, ان تمتزج دماء اسره كاشياتور بدماء اسره لورينزو "
وتقدم نحوها وقد بانت الرغبه في ملامح وجهه المتسلط وفي كل حركه من جسده, وهو يقول:
" من المتعه سماعك تدلين بموافقتك في الكنيسه. واذا كنت تظنين ان عدم تمكني من تلقي بركه الكنيسه يمنعني من الاستمتاع بما سبق واشتريته بنقودي فإنك مخطئه جدا "
استبد الذعر بكاتيا, وامسكت بذراعيه تبعدهما في محاوله لإبقائه بعيدا عنها. انها تريد حبه وليس العلاقه الحميمه فقط. ولكن يبدو ان ليس لها الخيار في ذلك. اذ انه اوقف كل مقاومه لها وهو يعانقها, لتدرك ان لا حول لها امامه.
في المخدع لم يعد ثمة مجال لأي منطق.....
عندما تركها دست رأسها بين الوسائد تسكب دموعا صامته لتمتصها الوسائد الحريريه. انها لا تستطيع ان تلوم سوى نفسها. فلقد اصبحت في نظره مجرد خليله, بل واحده من خليلاته. لقد جعلها تتأكد من ذلك اثناء الوقت الذي رضيت فيه بالبقاء في ايطاليا في محاوله لاكتشاف طبيعه الدين المتعلق بالوفاء الذي يدين جدها له به.


- نهاية الفصل السابع -

أبتسم رغم أحزاني 04-08-08 09:38 PM

الله يعطيكم العاااااافيه على التكمله


بـ أنتظاااااااااااااااااااااركم بشووووووووووووق

ماري-أنطوانيت 05-08-08 02:26 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبتسم رغم أحزاني (المشاركة 1579634)
الله يعطيكم العاااااافيه على التكمله


بـ أنتظاااااااااااااااااااااركم بشووووووووووووق

الله يعافيك قلبي....

وهالفصلين لعيونك يا عسل

ماري-أنطوانيت 05-08-08 02:28 PM

هذا الفصل كتبتاه العزيزتان ((زهر نوار)) و ((الاميره شوق))


الفصل الثامن


عزفت الموسيقي لتتمايل عارضات الازياء وهن يخطرن علي انغامها ذهابا وايابا , بينما جلست كاتيا صامته وقد مالت براسها تتطلع بعيدا عن نيكولو الذي كان جالسا بقربها وسيما رائع الرجوله , كانت يداها متشابكتين في حضنها وقد تسمرت عيناها علي حركات العارضات , انما غير ملقيه بالا الي الاثواب التي يعرضنها , كانت تفكر في انها لم تر زوجها كثيرا منذ مساء امس ,فقط, تبادلا كلاما حول واجباتها كمضيفه أثناء الحفله , وقد تجلي سخطه وجفاءه مما كانت تبديه من الازدراء لتعليماته في كل حركه من جسمه , إنه لم يات علي ذكر تناوله العشاء مع جينا, وفكرت كاتيا في أنه لم يكن ثمه ما يمنعه من ذكر ذلك لو كان قصده بريئا ولكنه بقي صامتا بالنسبه للطريقه التي أمضي بها الوقت أثناء بعده عنها ,ربما كانت حمايته لسمعه جينا أهم عنده من اعتبار وضعها هي كسيده منزله .
كانا قد تناولا الغداء في شرفه الحديقه , حيث كان حديثهما المتبادل جافا ومهذبا , ثم عاد نيكولو الي مكتبه ولم تره بعد ذلك الي ان وافاها الي المخدع عند منتصف الليل
وارتاحت هي عندما لم يبد محاوله للمسها , وبقيت مستيقظه مده طويله تستمع الي تنفسه الخفيف المنتظم بجانبها , بينما كانت خفقات قلبها تتسارع وهي تفكر في الفردوس المزعوم الذي سعدت فيه زمنا في قريتها في انكلترا , وفكرت متسائله , لو لم تكن سمعت ما قاله جدها لنيكولو في ذلك اليوم , هل يا تري كان نيكولو قد استمر في اظهار الحب لها ؟ ولكنها ابعدت من ذهنها هذا الاحتمال فكرت كاتيافي أن جينا عندما تتحررمن زوجها ستكون في متناول بيكولو في أي وقت يشاء دون اثارة أي فضيحه تمس حبهما , وفي ذلك الحين تكون حاجتهما الي ستار يتواريان خلفه قد انتفت , ويكون كل ما جنته هي نتيجه ذلك التنصت, مجرد صيانه شيئ من كرامتها لا غير واسترسلت في تفكيرها وهي ساهره الي صباح هذا اليوم الذي فرغا فيه من تناول طعام الافطار , كان الاستعداد للحفله في قاعه الرقص , قائما علي قدم وساق , حيث جهزت خشبه المسرح وممر العارضات بسهوله واحضر جيش من الخدم الكراسي المنجده بالقطيفه من مخازن في أقبيه القصر . ووضعت الطاولات المستطيله في أماكنها , لتوضع عليها الأغطية في ما بعد
كان نيكولو يدلي بارشاداته , وهو يرتدي سروال الجينز وستره قطنيه , ولما لم يكن لها هي مكان بينهم , سرها ان تجد لها عذرا لتخرج من القصر لشراء حذاء وحقيبه يد وتـخذ موعدا لتصفيف شعرها .
ولما لم تكن علي عجله من أمرها , فقد أخذت وجبه خفيفه في مطعم صغير حيث استمتعت بوجبه ايطاليه لذيذه وكأنما امضت حياتها كلها في هذه المدينه .
عندما عادت الي القصر , كانت قد إشترت الحذاء والحقيبه وصففت شعرها بطريقه جميله رفعته فيه الي أعلي وأمسك بما يشبه تاجا ذهبيا فوق راسها الانيق , كل شيئ كان جاهزا . فقد وصلت عارضات الازياء , طويلات القامه نحيفات الاجسام بارزات العظام ووجوههن من النوع المرغوب فيه أمام كاميرات التصوير.
كن متشابهات الي درجه كبيره , ما عدا واحده لتدرك كاتيا بعد لحظه ان هذه المستثناه انما كانت جينا كابريني , واشتدت قبضتها علي الكيس الذي يحتوي مشترياتها , ولعنت المناسبه التي جعلتها تلبس هذا السروال القطني والقميص الخفيف العاري الكمين فوقه , ذلك ان جينا كابريني كانت رائعه , كان ثوبها الليموني البسيط يضيف حجما الي صدرها الناهد بينما يبرز طوله الذي لا يتجاوز الركبتين , ساقيها الممتلئتين .
--------------------------------------------------------------------------------

أحست كاتيا بنار الغيره تلتهب في اعماقها . وتمنت لو كان ي استطاعتها الزحف متخفيه الي السلم حيث تصعد الي غرفتها فلا تقع عليها انظار غريمتها وهي علي هذه الحال من عدم الاستعداد للحفله, ولكن الحظ كان مجانبا لها , اذ برز نيكولو من بين بعض العمال , لياخذ بذراعها قائلا:"ها قد جئت اخيرا يا كاتيا, لقد خشيت ان تكوني ضللت طريقك ."
لم يكن في لهجته قلق حقيقي وهو يبتسم لها ثم يتابع قوله :"وها انتي ادرك من طراز شعرك الجميل ,اين امضيت معظم وقتك."
قالت وقد تصاعد في نفسها مركب النقص :":" هل أعجبك طراز شعري؟"
قال برقه :"إنني افضله متناثرا علي وسادتي , ولكنه ,بالنسبه الي الناس رائع تماما , أما الان فاريدك ان تقابلي جينا أظنها ابتدأت تعتقد انك احدي بنات خيالي ."
تساءلت كاتيا بحزن وهو يقودها عبر القاعه , اتلااها تعتقد أم ترجو ؟
كانت جينا من قرب , اتزال رائعه , بعينيها الواسعتين البنيتين تحت جفنيها السميكين وأهدابها الكثيفه واندفعت تحييها بطريقه أظهرت ذكاءها وهي تمد اليها يدها بابتسامه من فمها الواسع الممتلئ , وهي تقول :"أظن انني يجب ان اعتذر لإزعاجكما في شهر العسل , ولكن بطاقات الدعوه كانت قد ارسلت قبل ان يفاجئنا نيكولو بما فعل." ووجهت جينا نظره عتب الي نيكولو لم تخف تماما وهي تدعي نوعا من التعنيف .
كان كل ما استطاعت كاتيا التفوه به وهي تضع يدها في يد المرأه الاخري الباردة , هو قولها :"كلا ,ابدا في الحقيقه انني بشوق لرؤيه العرض . أظن انه يجب ان اشكرك للثوب الذي احضره لي نيكولو "ميلانو" عند عودته"
قالت جينا بنعومه :" انه ليس مني شخصيا . انني فقط تدبرت ان يختار نيكولو هديته بنفسه , اذ انني اعرفه منذ وقت طويل . وانا متاكده من ان ذوقه في ملابس النساء ممتاز , أمل ان لاتكوني أصبت بخيبه أمل؟"
تطوع نيكولو بالجواب قائلا:"طبعا لم يكن هذا . وعندما ترينها الليله ستدركين السبب."
هنا .اعتذرت كاتيا منهما لتصعد الي غرفتها تاركه اياهما معا بينما إقرار جينا بقدم علاقتها بنيكولو ما زال يتردد في اذنيها . هل كانت تقصد ان توضح علاقتها بنيكولو ؟ ام انها شعرت بان كاتيا قد يسوؤها ان تختار لها ثيابها امرأه اخري؟
من الغريب انه , في أي ظرف اخر , كانت ترحب بان تتلقي النصيحه من فتاه ايطاليه , ام لعل كلمه امرأه هي الاصح , اذ ان جينا تبدو في سن نيكولو تقريبا , ومع ذلك كانت بشعرها الاسود القصير المجعد , وقوامها اللين الممتلئ , لا تختلف عن أي فتاه مراهقه حتي يري الناظر اليها الخطوط الخفيفه التي تبقي حول عينيها بعد ان تتلاشي ابتسامتها .
الان , وهي في مكانها تراقب العرض الذي لا ينتهي لمختلف انواع الملابس , عادت كاتيا بذاكرتها الي بدايه الامسيه حين وقفت بجانب نيكولو يستقبلان اعضاء اللجنه الضيوف . كان الامر ما يشبه المحنه بالنسبه اليها حين وقفت امام كل هذه الاعين الفاحصه ونيكولو يقدمها اليهم كزوجته وينفرج وجهها عندما تعالت منهم اصوات الاستحسان وهتافات الاعجاب عند اعلانه ذاك , وما لبثت ان احست بالارتياح وهي تتركهم لتاخذ احد المقاعد المخمليه وتجلس بجانب منصه العرض.
وقد اعترفت وهي تلامس قماش ثوبها بان رأي جينا في حسن ذوق نيكولو كان صائبا كان جميلا الي درجه مذهله ويناسب قوامها تماما . وقد ادركت من نظرات النساء الحاسده . ونظرات الرجال المعجبه .ان ذلك انما كان نتيجه لروعه هذا الثوب التي لا تضاهي
تصاعدت همهمات الاعجاب والاستحسان . عند عرض ما يبدو انه الاجمل في ما يعرض , الا وهو ثوب زفاف من الساتان والدانتيل بلون العاج بدا وكأن قلب كاتيا سيتوقف عن الخفقان وهي ترفع يدها تتلمس قرطها الذهبي المتداي من اذنها وذلك في حركه مكشوفه لإخفاء توترها.
تم لنيكولو ما يريد سيكون عليها ان ترتدي مثل هذا الثوب في وقت قريب ولكن كل جزء في داخلها ثار علي هذه الفكره مهما كان نوع الضغط الذي سيزاوله نيكولو عليها ليحملها علي الاذعان في الايام القليله المقبله وهي متاكده من انه سيضاعف الضغط فانها ستبقي علي تحديها له وهو لا يمكن ان يضربها ليحملها علي الاذعان
انتهي العرض , ليمط أعضاء اللجنه سيقانهم وينهضوا مبتهجين الي المقصف بينما ابتدات السيدات يتبادلن الاراء ي ما بينهن بحماس اما الرجال فابتداو يتطلعون الواحد منهم للأخر عابسين وهم يدركون ما الذي ينتظرهم بالنسبه لحساباتهم في المصرف .
بينما كان نيكولو يهنئ جينا اغتنمت كاتيا الفرصه لتنسل من جانبه متجهه نحو الموائد لتاخذ كاس من العصير ثم تبدأ بارتشافه
جاءها صوت لا يمكن ان تخطئه يقول :" تهاني يا سنيورا كاشياتورا انك تبدين الليله اشبه بملكه منك بماركيزه"
حولت كاتيا وجهها الي سيزار برونيللي بنظرة ازدراء وقد أقبل يقف في مواجهتها وسالته :"انت؟ مرة اخري؟" لم تحاول ان تخفي رنة الاشمئزاز في صوتها
قال دون ان يبدو عليه التراجع امام عدم رضاها عن رؤيته :"إنني شخص غير مرغوبفيه , اذان كل هؤلاء الناس راغبون في ان يحصلوا علي الشهره التي أقدمها لهم"
فقالت :" اذن مبروك عليهم الشهره , اما انا وزوجي فيمكننا الاستغناء عنها"
قال :"آه اما زلت تمانعين في أن أنشر صورة زوجك مع جينا التي تمثلهما امام بيتها؟"
هزت كاتيا كتيها بازدراء , ولكن قلبها كان يخق في صدرها وكانما يريد ان يفلت من عقاله ذلك انه بصرف النظر عما قتام به نيكولو نحوها من عمل شائن , ليس من مصلحتهما هما الاثنان ان تنشر مثل هذه الصوره انها لم ترغب في ان تعرض مذلتها علي العموم , كما ان وضعها لن يتحسن في ما لو ازدادت طباع نيكولو سوءا وقالت :" لا اظن ان احدا سيهتم بصوره كهذه حتي ولو كانت صحيحه "
قال وهو يمد يده الي جيبه ليظهر برهانا علي قوله :"انها طبعا صحيحه "
بنظره مذعوره تاكدت من صحه قوله , اذ علي الرغم من حقيبه اليد المرفوعه لستر الوجه , كانت السيده هي جينا حتما , وكانت ذراع نيكولو حول كتفيها , فقالت :"انهما صديقان قديمان "
عجبت كيف حدث ان غلف الجليد قلبها ؟ هل ادركها الشك في حقيقه مقابلتها ؟
قالت :" لقد اخبرني نيكولو انه قابلها لتجهيز مجموعه من الملابس لأجلي "
ارتسمت علي شفتيه ابتسامه ملتويه وهو يقول:" يا لهذا التفسيرانه سيعجب قرائي كما يعجبني ثوبك هذا واخذت نظراته الحاده تتمعنان في تقاطيع جسدها ,ليتابع قوله :" ثوب رائع لسيده رائعه . اذا كان عرض نيكولو كاشياتور هو ان يحسن نسله المنحدر من اسره عاديه لما وجد لأولاده اما افضل منك ربما كنت فقط حفيده لماركيز ولكن دمك الازرق هو واضح يا سنيورا "
فالتهبت عيناها بالثوره وهي تقول :" كيف تجرؤ علي مثل هذه الاهانه؟" لقد اصابتها معرفه الصحافي بدورها هذا في الصميم وتابعت :"اذا انت لم تحفظ لسانك عن مثل هذه التلميحات الدنيئه فسآمر بطردك من هنا سواء كنت مدعوا الي الحفله ام لا"
"ماذا يجري هنا ؟"
جاء صوت نيكولو البارد المتسلط من مكان ما خلفها وعضت كاتيا شفتها قهرا . كان اخر ما تريده هو عراك بين هذين الرجلين في مثل هذا المكان العام
قالت بصوت هادئ :" لا شئ .لاشئ مهما لقد اسات فهم شيء قاله السيد برونيللي فقط "
تجهم وجه نيكولو وهو يمعن النظر في وجه الصحافي ثم قال :" برونيللي , اه نعم الرجل الذي يحصل رزقه بالكتابه عن الشائعات هل كنت تهين زوجتي ؟ " ومد يده حول خصر زوجته يجذبها نحوه وهو يتابع :" لأنك لو كنت ...."
فنفي برونيللي الامر بضحكه خافته قائلا :" طبعا لا انني وزوجتك صديقان . اليس كذلك يا كاتيا ؟"
نظر اليها ساخرا وهو يميل براسه الي جانب , ممعنا النظر الي وجهها الشاحب وتابع يقول :" في الحقيقه عليك ان تشكرني اذا التزمت مرافقتها اثناء غيابك , والا لما عرفت هذه الفتاه المسكينه ماذا تفعل بوقتها , ولحسن الحظ كنت وحدي انا ايضا , فجئت لتسليتها ببعض الشائعات التي تكره انت بذاءتها "
"انك تكذب؟" وشدت يد نيكولو علي خصر كاتيا بقسوة بينما تلاشي كل اثر للمزاح علي ملامح سيزار برونيللي همست " نيكولو ارجوك لقد ابتدا البعض ينظرون الينا "
لقد ارادت ان تصرفه عن أي تحرش يمكن ان يقوم به نحو برونيللي اذ لم يكن لديه اية فكره عن الصوره الفوتغرافيه التي في جيب الصحافي وما دامت هناك فقد لا تنشر ولكن اذا اراد نيكولو ان يضرب الصحافي وهو ما يبدو لها محتملا فقد فكرت ان هذا الاخير قد يستمتع باحراجهم بها امام الناس .
منتديات ليلاس
تراجع برونيللي خطوه الي الوراء وقد ارتدت الابتسامه الي وجهه وهو يقول :" هل تراني اكذب ؟ هنالك مطعم قرب جسر الريالتو الذي يثبت لك النقيض انه لن يؤكد لك فقط انني وزوجتك تناولنا الغداء معا امس وانما طلبت مني ولا اقول انها اصرت علي ان ادفع عنها ثمن غدائها "
وادار وجهه الساخر نحو وجه كاتيا الساخر وهو يقول :"أصحيح ام لا؟ يا ماركيزه؟"
تردد هي لحظه لا تدري كيف تجيب عن هذا السؤال عند ذلك قال نيكولو بهدوء :" حسنا يا كاتيا , هل دفع هذا الرجل ثمن غدائك.."
عضت على شفتيها وقد بان الاحباط في وجهها وهي تقول:" نعم ولكن ليس بهذا الشكل الذي يقوله..."
انغرزت أصابع نيكولو في خصرها بقسوة آلمتها وهو يقول لسيزار برونيللي معتذرا ببرود:" إذن فأنا اعتذر عن نعتك بأنك كاذب. يبدو أن معك الحق في اتهامي بأنني أهمل زوجتي. وسأنتبه إلى أن لا يحصل هذا مرة أخرى."
عندما استدار سيزار برونيللي مبتعدا همست كاتيا وهي تضع يدا مرتعدة على ذراع زوجها وقد أحست بنذير شؤم إزاء ملامح زوجها المتجهمة:" نيكولو... يمكنني أن أشرح لك..."
قال وهو يزيح أصابعها عن ذراعه:" طبعا ستشرحين لي كل شيء ولكن يبدو أنك بحاجة إلى مزيد من التبصر والانتباه ويسرني أن أعلمك هذا ولكن ليس أمام هؤلاء الغرباء."
ابتعد تاركا أياها وحدها يتفاعل في نفسها الغضب واليأس. وتكلفت ابتسامة عدم اكتراث إزاء بعض الأنظار التي كانت تحدق فيها. ثم تهادت برشاقة نحو نادل آخر لتبدل كأس الشراب الفارغ في يدها بآخر ملآن.
إنها على الأقل إذا كان نيكولو سيحاسبها تلك الليلة فإنها ستجعله يخبرها بالحقيقة كل الحقيقة: وشعرت بالدم يجري حارا في عروقها, وتضرج وجهها وهي تستعيد سيزار برونيللي إلى أن نيكولو قد تزوجها فقط لإضافة نوع مختلف من الدم إلى ذريته.
اعتصر الألم قلبها وهي تتذكر حادثة أثناء ليلة حفلة النقابة في قريتها في انكلترا وكان نيكولو يتحدث معها عن خطته لشراء حصان للسباق. وضحكت هي لقلة معلوماته بالنسبة إلى سلالات الدم. مازال يكنها سماع صوته في أذنخا وكأنما كان ذلك أمس فقط. وهو يقول:" بخلاف ذلك لقد علمني ريتشارد أشياء كثيرة أكثر مما تظنين مثلا إنني أعرف جيدا أن تربية المهر هي مسألة حيوية في تقرير نوعية سلالته."
كان ذلك برهانا آخر على أن سيزار برونيللي قد أصاب في فهمه لدورها في خطة نيكولو بزواجه منها النبلاء خصوصا الغافلون منهم عن أصلهم النبيل يمكنهم أن يكونو ألعوبة في يد أي رجل ماهر وذي امكانيات مادية. ولابد لهذا النبيل من أن يكون فقيرا معدما. وشعرت بالمرارة حين وصل بها التفكير إلى هذا الحد وما ليث أن تملكها نوع من الدوار جعلها تتمسك بأقرب عمود. وعضت على شفتها... ماذا لو كانت حاملا؟ إن حدثا كهذا كفيل بأن يقلب خططها للخلاص من ورطتها هذه رأسا على عقب.
في هذه الحال لن يكون أمامها طريق يمكنها أن تسلكه إلا أن تبقى حيث هي محاولة أن تتصرف حسب المفاهيم المعترف بها بينما حياتها حولها تتحول إلى أشلاء.
تنفست بعمق تستجمع بذلك شتات نفسها ثم استطاعت بصعوبة أن تجد طريقها إلى الحديقة حيث لجأت إلى الشرفة الخفيفة غلإضاءة وفكرت في ما بعد عندما يكتفي المدعوون من الطعام والشراب لا بد أن ينتشروا في الحديقة ويحتلوا البقعة التيي استحوذت عليها لنفسها ولكنها في هذه اللحظة كانت تجلس وحدها .
حالما جلست على المقعد الحجري انتبهت إلى أنها كانت مخطئة وإنها لم تكن وحدها. إذ نهض شخص من على الأرجوحة هناك ومن ثم تقدم نحوها.
كانت جينا كابريني وهي آخر شخص باستثناء برونيللي تمنت كاتيا رؤيته ولكن كان هناك شيء ما في وجه جينا كان في عينيها نظرة توتر وإرهاق لا يمكن احتمالها مما مس شفاف قب كاتيا الرقيق.
كانت جينا ترتدي رداء عاري الكتفين من الساتان يذكر طرازه بالمبراطوره جوزفين ولكن جمال جينا لم يحول الألم في قلب كاتيا إلى غيرة.
ووقفت جينا مستندة إلى حاجز الشرفة وهي تنظر إلى الفتاة قائلة:" لا بد أنك مثلي وقد تضايقت من كل تلك الجموع."
تكلمت كاتيا من بين شفتيها الجافتين:" قليلا.. ولكنها كانت أمسية ممتعة."
قالت جينا وهي تترنح قليلا ثم تتمسك بحافة الحاجز:" نعم..."
هبت كاتيا واقفة وهي ترى شحوب وجه المرأة وقالت لها:" تعالي هنا. إجلسي."
قالت جينا:" ليس بي من شيء..." وحاولت الابتسام ولكن شفتيها المتوترتين لم تطاعاها. ومالبثت أن امتثلت إلى طلب كاتيا فجلست على المقعد قائلة:" لا بد أن ذلك نتيجة الإثارة الشديدة..." ولكن صوتها تلاشى وهي تدفن رأسها بين يديها.
في هذه اللحظة أدركت كاتيا الأمر. لقد جاءها , فجأة إلهام خفي قادها إلى استنتاج مفاجئ من خلال الثوب الذي كانت جينا ترتديه. الانتقال من الثوب البسيط هذا الصباح إلى الرداء الملوكي الآن الذي يخفي خصرها.
سألتها كاتيا برقة:" أهو الحمل؟" ورفعت جينا إليها عينيها الواسعتين البنيتين وبدت ملامحها صحة تنبئها.
قالت جينا:" هل أخبرك نيكول بذلك؟"
سألتها كاتيا بصعوبة وقد تجمد دمها:" هل طلبت منه أن لا يخبرني؟" فسارعت هذه قائلة:" كلا , كلا.. كان رأيي هو أن يخبرك." واذ تقبضت أصابع جينا بقوة جعل لون أصبعها الأبيض بعد أن توقف فيها يريان الدم يلمع في الضوء الخفيف الذي ينير الشرفة. وتابعت كلامها:" لقد رأيت شخصا يأخذ لنا صورة بينما كنا أمام منزلي. وأنا أيضا متأكدة من أن ثمة من كان يراقبنا أثناء تناولنا الطعام في المطعم لقد أردت أن تعرفي الحقيقة فيما لو نشرت صحيفة ما شيئا عنا إذ أنني منذ تركت زوجي أصبحت هدفا لمخبري الصحف. لقد أراد نيكولو أن يبقى الأمر سرا إلى أن يتدبر المسألة ولكنني مسرورة لأنه غير رأية وأخبرك."
سألت كاتيا بهدوء:" ماذا عرض أن يفعل بالضبط؟"
تساءلت هل من الممكن أن تكون هي هي نفسها إذ تتحدث إلى عشيقة زوجها بهذا الهدوء وإلى متى يدوم هذا الهدوء غير الطبيعي وماذا ستفعل إذا تلاشى؟
قالت جينا:" كان يريد أن يتحدث إلى زوجي جوزيف ليخبره بكل شيء."
أطلقت ضحكة مرتجفة ثم استطردت:" إنه أمر يدعو إلى السخرية أليس كذلك؟ لقد امضى جوزيف كل تلك الشهور يحاول أن يدفني إلى الاقرار باسم عشيقي وذلك لكي يطلقني بعد أن يشهر به ويحقره أمام الملأ. والآن لن تمضي أسابيع قليلة قبل أن يكتشف الجميع إمارات الحمل عندي."
إنه ابن نيكولو لقد كانت جينا كابريني تحمل ابن نيكولو... هل هذا هو الدم النبيل الذي كان نيكولو يرغب لولده زماذا سيحدث الآن؟ من الواضح أنه لن يعترف بابن جينا ولدا شرعيا له حيث أنه طلب بوضوح في الليلة السابقة تثبيت زواجه منها هي.
ازداد الألم في نفس كاتيا إنه علاقة غير شرعية ولكن وجود الطفل سيجعلها طويلة مستديمة.
قالت كاتيا:" أظن أن طلاقك أصبح الآن أمرا لا مفر منه؟"
لقد جازفت بإلقاء هذا السؤال مستطلعة وهي تتمنى لو كان بإمكانها أن تكره هذه المرأة ولكنها ولاستغربها الشديد وجدت في نفسها استحالة ذلك. لقد أدركت من إمارات اليأس على وجهها أنهما لم يفكرا أبدا في إنجاب طفل.
هزت جينا برأسها قائلة:" لقد كان جوزيف دوما يريد أطفالا. وهوسيرحب بي إذا أنا عدت إليه هذا إذا لم يكن بذراعين مفتوحتين. وإن كان لم يعد يهتم بي مثل قبل فإننا ما زلنا زوجا وزوجة."
لم يكن هذا الجواب الذي كانت كاتيا تنتظره. وفكرت للحظة قبل أن تسألها دون أن تتمكن من إخفاء دهشتها:" إنك تريدين أن تعودي إلى زوجك أليس كذلك؟"
أجابت جينا بجمود:" ألا تفعلين أنت ذلك لو كنت في مكاني؟ ما الذي أستطيع عمله غير هذا ما دمت أريد لولدي أن ينشأ بين والدين؟"
نهضت واقفة باحتراس وهي تستطرد وعلى وجهها إبتسامة واهنة:" أرجو المعذرة للتحدث معك عن مشكلاتي. لقد وقف نيكولو بجانبي عندما أخبرته بأنني حامل . وفي الحقيقة لا أدري ما الذي كنت سأفعله لولا مساعدته لي."
وأخذت تسوي من ثوبها وفي لحظة واحدة تجلى الحمل عندها واضحا في تكور بطنها وفكرت كاتيا مكتئبة في أنها لابد في الشهر السادس من الحمل إنه إذن لم يقع حديثا. ولابد أن نيكولو عرف بأمره قبل قدومه إلى انكلترا بوقت طويل للتفتيش عن الماركيز الغامض وحفيدته. وعجبت من صفاقته الساخرة وعدم إحساسه. وأدركها الخوف يبدو أن لاشيء يمكن أن يردعه عن تحقيق مقاصده.
لكن ماذا عن جوزيف كابريني زوج جينا ؟ وكيف يقبل بابن نيكولو إبنا له؟ كما بدت جينا متأكدة من أنه سيفعل؟ هل ذلك تجنبا للفضيحة؟ لكي يعلن للملأ أنه ليس عنينا؟ من يعلم إلى أي مدى تقود الخيلاء الرجل؟ أم أن الامر ببساطة هو أنه إذا هو فضح الأمر فإنه سيخسر عمله في شركة كاشيارتو لتصميم السيارات؟
إن مجابهة نيكولو بالتحدي لن تنتج سوى هدم فكرته عن عدم امتراثها بأمره. هذه الفكرة التي بذلت جهدا شاقا في سبيل تثبيتها في ذهنه. ولكن وضعها في منزلة يتدنى ساعة بعد ساعة. إلى حد لم يعد يحتمل. وإن ظهور خيانة نيكولو لم تنتج سوى تخدير حبها له على أساس مؤقت تماما كالحقنة التي يعطيها طبيب الأسنان والتي تعطي راحة مؤقتة. والآن من دون علاج قد امحى تأثير المخدر لتظهر الحقيقة المؤلمة. وبرغم كل هذه الأسباب فإنها ما زالت في أعماقها تعشق الرجل الذي تزوجت منه ولو أنه فقط تزوج منها لأسباب تتعلق بأعماله لبقيت معه وحاولت أن تجعل من اتحادهما زواجا ناجحا حتى ولو تضمن مثل هذا الزواج رغبته في مزج دمائه بدماء أسرة لورنزو رغبة في محو أخطاء الماضي لو كان الأمر كذلك لكان في استطاعتها احتماله. لقد كانت حمقاء حقا إذ على الرغم من الوضع الذي كانت قد قررت اتباعه فقد كان يمكن أن تتألم من وجود جينا في حياة نيكولو لبضعة أسابيع أخرى.ولتكون شهورا آملة في أن هذه العلاقة ستنتهي بعد مدة. ولكن جينا هي حامل الآن... كلا إن هذا فوق قدرتها على الاحتمال.
لم يعد أمامها سوى خيار واحد وهو أن تتركه عائدة إلى انكلترا. ولكن قبل ذلم عليها أن تتخذ خطوات سريعة لتزداد معرفة بالظروف الماضية التي جعلت جدها عرضة للتخويف. وعضت شفتها السفلى وهي تمحص المسألة. لقد كان جدها رجلا مسنا بحيث لم يكن في اسطاعته مقاومة طريقة نيكولو في تخويفة.
هكذا جاءها الجواب الذي ينبغي ولم يكن مما يسر. إن كل معلوماتها جاءت من سيزار برونيللي. وبتدخله الخاص استطاع أن يتتبع آثار وارث لقب كاستيلون. وما زالت البطاقة التي تحمل اسمه وأرقام هاتفه موجوة حيث كانت قد دستها في عمرة غضبها في جيب حقيبة يده الخارجي. بعد أن منعها إحساس غامض من أن لا تدوسها بكعب حذائها وهي تخرج من ذلك المطعم.
على الرغم من كراهيتها اما ستقوم به. لم يكن أمامها سوى أن تبتلع كبرياءها لتطلب من ذلك الشخص الذي يضيقها أن يحيطها علما بكل شيئ آملة في أن تجد علاقة بين الماضي ومعضلتها الحالية.
انتهى الفصل الثامن

ماري-أنطوانيت 05-08-08 02:33 PM

هذا الفصل كتب من قبل العزيزات (( لحن الوفاء )) (( shining tears )) (( الشيخه زوزو ))

**~ الفصل التاسع ~**

لم تعرف كاتيا كيف أمضت الوقت قبل أن تنتهي الحفلة وتتنهد الصعداء وهي ترى آخر زورق يحمل الضيوف يفارق القصر .
عند عودتها الى قاعة الرقص ، شعرت بالارتياح إذ لم تجد أثر لنيكولو ، ربما كان يعطي الإرشادات اللازمة للخدم لإعادة تنظيم القاعة بحيث تنتهي العملية في الساعات الأولى للصباح ، أو ربما كان مع جينا يخططان مستقبلهما بالنسبة إلى قرب إعادة علاقتها مع زوجها .
اعتصرت قلب كاتيا موجة من الغيرة تراؤي الغضب من ردة الفعل عندها إزاء الإذلال الذي تعرضت له من جراء خيانة نيكولو لها .
اجتازت قاعة الرقص الخالية لتصعد السلم الأنيق . وعلى عتبة غرفة الجلوس ، توقفت وقد ارتجفت يدها الممسكة بقبضة الباب . ماذا لو كانت افتراضاتها عن مكان نيكولو حالياً ، خاطئة ، وكان هو موجوداً في انتظار وصولها ؟ ولم تشعر برغبة في العراك أو الجدل ، ناهيك عن القيام بدور الزوجة المطيعة فيما لو طلب ذلك منها .
أطبقت فكيها بعزم ، وفتحت الباب ، وإذ وجدت الغرفة خالية ، تنهدت بارتياح وبسرعة توجهت إلى حيث علقت ثوبها الجميل باحتراس في خزانة ثيابها ، ثم اغتسلت بسرعة وارتدت ثياب منامتها الجميلة التي كانت تؤخذ إلى الغسل كل صباح .
ألقت برأسها فوق وسادتها الحريرية وهي تشعر يالإرهاق الشديد الناتج عن اليأس ، وكان أخر ما راودها من أفكار قبل أن تستسلم للنوم هو أن نيكولو لو كان الآن مع جينا فإنها لن تخشى ازعاجه لها عند عودته ليرقد بجانبها .
أيقظتها خيوط أشعة شمس الصباح على وجهها ، منسوبة من خلال الستائر من صنع البندقية ، لتلاحظ في الحال أن السرير الى جانبها لم يستعمل قط إذن فقد أمضى نيكولو طيلة الليل الى جانب حبيبته أم ولده القادم .
وأنبأتها الساعة الموجودة بجانب السرير بأن الوقت هو الثامنة والنصف صباحاً . ونزلت من السرير شاعرة بالدهشة للنشاط الذي بعثه في جسدها نوم ليلة بطولها ، ثم دخلت الحمام لتغتسل وترتدي بما أمكنها من السرعة ثياباً تناسب الجو ، مؤلفة من تنورة قطنية اختلط فيها اللونان البرتقالي والفيروزي وفوقها قميص فيروزي اللون دون كمين .
لفحت الحرارة ذراعيها العاريتين وهي تخرج الى الشرفة حيث كان فطورها موضوعاً على طاولة هناك كما جرت العادة في غياب نيكولو . كان هناك مقعدان . ولكن ، الى حين انتهائها من طعام الفطور المكون من الخبز الساخن والفاكهة المحفوظة والذي أحضرته اليها ماريا ، الى ذلك الحين ، لم يكن قد ظهر لنيكولو أثر بعد . كانت تتوقع من ماريا أن تسألها عن مكانه ، ولكن لدهشتها لم تنطق ماريا بشيء . وخمنت انها إذ تتبادل الأحاديث مع غيرها من الخدم ، لابد أن عندها فكرة وافية عن المكان الذي يمضي فيه سيد القصر أوقات لهوه دون ان يزعجه واقع الزواج الذي لم يغير من عاداته .
كان الحظ في خدمتها . فلقد ازداد تصميمها على الاتصال بسيزار برونيللي، ذلك انها كانت في حيرة من الطريقة التي تستطيع معها مغادرة القصر دون أن تثير ريبة نيكولو .ولكن ، هاهي ذي المشكلة قد حلت .
عندما أنهت كوب القهوة الثاني ، ابتسمت للخادمة إذ سألتها ان كانت ترغب في اية خدمة أخرى .
شكرت كاتيا الفتاة لتبعد الكرسي وتقف برشاقة طبيعية وهي تقول : "سأذهب لأنفق شيئاً من النقود التي يحصلها زوجي بعرق جبينه . إن خزانة ملابسي بحاجة إلى إضافة بعض الأثواب الحديثة الطراز ، وقد اقترح نيكولو أن أبدأبشراء بعض منها حالياً ."
بعد أن أومأت الفتاة برأسها متفهمة ما سمعت تركت كاتيا الشرفة . ولم تجد في نفسها ميلاً الى ترك ملاحظة لزوجها الشارد . ولكنه ، على الأقل سيتلقى جواباً من الخادمة ماريا في ما لو عاد وسأل عنها ، وإن كان من المحتمل أن لا يعجبه الجواب .
كانت غرفة الجلوس ماتزال خالية حين دخلتها متجهة إلى الهاتف المزخرف بالذهب . وأدارت الرقم لتسمع صوت سيزار برونيللي المألوف قائلاً :" آه ، يا ماركيزة !" كان في صوته رنة فوز وهو يسمعها تذكر له اسمها ، كما ذكر لها اسمه . واستطرد قائلاً :" هل قررت أخيراً ، بأنني قد أستطيع تقديم مساعدة لك ؟"
قالت بجمود :" أحب أن أعرف المزيد عن تاريخ أسرتي ."
لقد كرهت الاذلال الذي اضطرت اليه امامه ، ولكنها لم تكن تستطيع منع ذلك ، واستطردت :" لقد سبق واخبرتني انك تابعت مع المحامي البحث عن جدي ."
فجاءها الجواب :" الآن وقد وجدت الوقت لتسأليني عن ماضي جدك ، يسرني بالتأكيد أن أخبرك عن كل شيء أعرفه ، لقد كنت منذ لحظات متوجهاً إلى موعد ومن صثم لأمضي النهار في الليدو . سأراك في البار في الاكسلسيور الساعة الحادية عشرة . واحضري معك المايوه البكيني حيث ان هناك مسبحاً خاصاً . الى اللقاء ."
قبل ان تجيبه بالموافقة ، أقفل هو الهاتف . لقد طلبت هي منه ذلك . فهل كانت على صواب في عملها هذا ؟ ووضعت المناديل الورقية وكيس النقود ، بينما رفضت اقتراح الصحافي بأن تصحب معها المايوه البكيني ، بالأزدراء الذي يستحق .
على كل حال ، ربما لم يكن الموعد في الليدو بالفكرة السيئة ، فكرت في هذا وهي تشعر بارتفاع معنوياتها إذ تخرج من القصر دون أن يلحظها أحد. ولابد أن يكون ذلك المكان مزدحماً بالسياح والبنادقة مما يمكنها من الاختلاط بهم دون ان يلحظها أحد ودون ان يساورها الخوف من أن يقبض عليها نيكولو من حيث لا تعلم .
عندما وصلت ، كان برونيللي في انتظارها . وحيث انها استقلت عبارة القناة البخارية حال خروجها من القصر ، فقد وصلت مبكرة ، بعد ربع الساعة التي استغرقتها الرحلة ، فأمضت بعض الوقت في التفرج على بعض السياح يلعبون كرة المضرب ، ومن ثم اتخذت طريقها إلى "الاكسلسيور " .
هتف سيزار برونيللي متصنعاً خيبة الأمل وهو يرى حقيبة اليد الصغيرة التي تحملها ، قائلاً :" ألم تحضري المايوه البكيني ؟ لقد كنت متشوقاً الى أن أرى مزيداً من الفتنة التي سلبت لب نيكولو كاشياتور ."
سألته ببرود :" حقاً ؟ ظننت انك قلت مرة أن عيني زوجي سبق وارتبطت في مكان آخر ."
تساءلت . هل تراه يعلم بحمل جينا ؟ واعدت نفسها لتفاصيل أخرى تحمل الإذلال لها . ولكن لاشيء حدث .
قال وهو ينهي طعامه ، ثم يستدعي رجل البار بإشارة من اصابعه :"هل تشعرين بالغيرة ؟ على كل حال ، من ذا الذي يلومك ؟ ماذا تشربين ياماركيزة ؟"
قالت وقد تضرج وجهها :" إن لقاءنا هذا ليس مناسبة اجتماعية ، وأفضل أن تخاطبني بإسم كاتيا ."
قال :" هذا يشرفني يا كاتيا . ولكنني هنا بناءً على طلبك ، واذا اردت ان نبحث في اي عمل ، فليكن على طريقتي الخاصة فنتناول شراباً في البار ثم بعد ذلك الغداء ولقد حجزت مائدة لذلك ."
قالت وقد تمثل لها وجه نيكولو الثائر :"علي ان اعود الى المدينة ."
قال:" اذن نسرع بتناول الطعام ." واخذ بذراعيها يقودها نحو غرفة الطعام وهو يتابع قائلا:" لا ادري لماذا تتمنعين . انها ليست المرة الاولى التي دفعت فيها ثمن طعامك ، اليس كذلك؟"
تركته يقودها الى المائدة دون ان تتفوه بكلمة. وهي تفكر بألم ان هذا الرجل قد يسيء الى نيكولو وشركته، اذا هي عارضته ، وهذا مالم تكن تريده.
لم يوافق برونيللي على الاجابة عن اسئلتها الا بعد ان فرغا من الطعام.
بذهول كلي ، اخذت كاتيا تستمع ال حكايات عن الثار والثأر المضاد حين اخذ الصحافي يروي تاريخ اسرتي لورنزو وكاشياتور، شارحا التفاصيل التي عرفها اثناء التفتيش عن وارث لقب الماركيز . انها حاكايات اعماق الجنوب الايطالي، وعن الصراع على الارض بين اسرة كاشياتور الذين كانوا مزارعين، وليوبولدو دي كاستيلون الذي كان المالك المحلي . كانت قصة هتك الحركات والقسوة والفقر التي افزعتها ، لقد سبق لنيكولو ان حدثها عن قسوة الماركيز الاكبر ، ولكنه لم يحدثها عن فظائعه. ولكن سيزار برونيللي كان يبدو عليه السرور وهو يصور لها بالتفصيل تلك الاعمال الاثمة الشنيعة التي كان يقترفها جدها الماركيز.
كان قد سبق واقتنعت بان تصرفات نيكولو انهما كانت للاخذ بالثأر ، ان لك يكن منها شخصيا فمن ذكرى الشخص الذي اساء معاملة اسرته. وشملتهارجفة وهي تستعيد في ذهنها ، صورة وجه زوجها القاسي المتكبر ، والطريقة التي خدعها بها ، لقد تاكدت الان ان نيكولو يمكن ان يفعل اي شيء في سبيل الانتقام اللذين احبهم.
قال سيزار:" يبدو عليك الشحوب يا كاتيا . هل اضرت الشمس الحامية ببشرتك الانكليزية الرقيقة؟"
هزت هي رأسها بضعف قائلة :" ليس في الاستماع الى هذا السرد عن الاثام والفظائع ، مايبعث على السرور . كما ينبغي ان تعلم."
قال:"خصوصا عندما تعجبين لتصرفات زوجك..."
ولو شفتيه ثم استطرد :" لقد نشرت خبر العثور على مكان جدك بعد اسبوعين من ذلك ليتوجه نيكولو كاشياتور الى انكلترا في رحلة عمل ، ظاهريا، اليس من الغريب ، حينذاك، ان يذهب لزيارة عدوهم القديم؟ والاغرب من ذلك انه بعد اسابيع من مقابلته لحفيدته ادهش المجتمع في البندقية بنبأ خطبته لتلك الحفيدة ."وانخفض صوت سيزار وهو يقول:" كيف استطاع ذلك ياكاتيا؟ اي ضغط زاوله عليك وعلى الرجل العجوز؟ ام لعله اخبرك ببساطة انه وقع في غرامك من اول نظرة؟ فصدقته انت؟"
اتسعت عيناها الزرقاوان في وجهها الشاحب تعترفان بالحقيقة, وللحظة ظنت انها رأت لمحة عطف في نظرات برونيللي.
نظر اليها مفكرا ثم قال:" اذن فالامر كما افترضت ، انه لم يخدع زوجة كابريني فقط ، بل خدعك انت وجدك..." لابد ان تعابير وجهها قد فضحتها مرة اخرى ، ام لعلها غريزة الصحافي؟ وتابع وهو قائلا:" هل علم جدك بما حدث؟"
لم تكن تعاستها لتحملها على التبصر قبل ان تنفجر بالقول بلهجة حوت كل تعاستها تلك:" اعتقد ان زو..."
واختنقت كلمة (زوجي) في حلقها فتجازتها قائلة:" ان نيكولو استعمل بعض الوسائل لاقناع جدي بالموافقة. وقد ظننت انك ربما..." وبترت كلامها لتلوذ بالصمت.
نظر اليها الصحافي مفكرا وهو يقول:" دين يتعلق بالوفاء؟ ربما. اذ كما تعلمين قد ترك جدك ايطاليا بسرعه بعد ذلك الحادث الذي اودى بحياة والديك، وذلك ليستقر في انكلترا. وعلى حد علمي ، لم يكن ابدا بالرجل الغني . ولابد ان الانتقال من وطنه كلفه كثيرا. هناك بعض الشواهد على اتصال كان بينه وبين باولو كاشياتور. والد زوجك، وكان وضع واحوال تلك الاسرة، لورنزو ، قد تغير في ذلك الحين بالطبع، فابتدأوا بالقتراض لينجزوا اعمالهم، وربما اقرض باولو كاشياتور ،جدك انطونيو لورنزو بعض المال ليساعده على السفر، وهو يعلم جيدا ان عنده حفيده قد تكون عندما يحين الوقت ، مناسبة كرد للدين باعتبار اسمها النبيل."
هتفت كاتيا محتجة:" هذا التفسير منطقيا ومتلائما مع الحقائق التي عرفتها . كم كان جدها يشعر باليأس لأجلها، حين اخذها الى كنفه ، الى حد اضطر معه للإقامة مع عمتها بيكي. والاسوأ من ذلك انه كان يعلم انه لن يستطيع ابدا ان يرد الدين الى عدوهم القديم . وهكذا غير اسمه ليتجنب ملاحقة القضاء. وفجأة اتضح امام كاتيا كل شيء...
معارضته في ان تتعلم هي اللغة الايطالية ورفضه العودة الى ايطاليا ، كراهيته الظاهره لابناء شعبه. ثم مالبث قدره ان اوقعه في الفخ... وكان ان دفعت هي دينه، من قلبها وروحها وجسدها.
منتديات ليلاس
نظر سيزار برونيللي اليها بفضول قائلا:" اهذا هو ما كنت تودين سماعه؟."
قالت:" نعم . انه يكفي." وادارت وجهها عنه كي لايرى دموعها المتجمعة في عينيها ، وقد خنقتها الغصة . لقد غدر بها الرجلان اللذان احبتهما في حياتها اكثر من اي شيء اخر . ولكن مع كل هذا دفعتها بقايا من حب لنيكولو الى ان تحاول حمايته من التطخ بالاقذار ، لتقول للصحافي :" ولكن كل هذا مجرد افتراضات وظنون ، واذا انت حاولت ان تنشر شيئا من ذلك فسأنكر انا كل كلمة."
قال:" انني معجب بولائك هذا لوجك . كذلك من الصعب ان تستطيع امرأة متزوجة حديثا، معاملة منافسة مثل جينا كابريني بمثل رباطة جأشك هذه . واذا اردت الثأر الان ، فهذا هو الوقت المناسب لذلك."
وقفت بكبرياء وهي تحاول اخفاء دموعها بقولها :" ثمة الكثير مثل هذه الاشياء . واذا شئت ان تعلم ، ليس ثمة شيء بين زوجي وبين جيتا كابريني. وانا اعلم ، حقيقة انها وزوجها يتفاوضان للمصالحة في مابينهما.
قال وعيناه تتألقان :" سانقل عنك هذا الكلام."
قالت :"ولماذا لا تحقق منه اولا من جينا كابريني نفسها؟ اليس هذا ماتدعونه (سبقا صحافيا؟) اليس هذا افضل نتيجة لك من ان تنشر صورتها الفاضحة مع زوجي امام بيتها؟"
استدارت مبتعدة وقد تاكدت من انها اتقذت شركة زوجها من الاحراج، ساخره من نفسها لعدم قدرتها على استئصال اخر جدورها حبها لينكولو من قلبها . ذلك الحب الذي غرست بذوره ونمت اثناء الايام الهادئة المطمئنة في انكلترا.
امضت كاتيا رحلة العودة القصيرة في العبارة البخارية للفتاة الكبيرة ، مستمتعه بجمال الفتاه الرائع . وحدثت نفسها في انه لو صحت استنتاجاتها عليها ان تحترم هي دين جدها ايضا مهما كان قدره. وعلى كل حال، فقد كان مال جدها هو الذي انشاها وامكنها من ان تتعلم مهنة العلاج الطبيعي . ان كل امكانياتها يمكن ان تاتي بنتيجه طيبه يمكنها معها سداد دين جدها عليها هي من حب ورعاية. وعضت على شفتها مفكرة . ربما كان الحل لكل هذا هو ان تجد وظيفة في مستشفى قريب من قريتها سادينغهام في انكلترا مما يمكنها من ان تعيش مع جدها وعمتها بيكي وبهذا تتمكن من عدم صرف نقودها من اجراء الحياة في لندن . وتساعد جدها في تجميع المال اللازم لوفاء الدين لاسرة كاشياتور وذلك يوما فيوما ولو امضت حياتها كلها في ذلك .
لم يكن من السهل عليها مواجهة جدها , ولكن عندما تحدثه عن كل الحقائق والاحداث ، سيقتنع حتما بان وضعها هذا من غير الممكن احتماله .
اخدت اثناء اختراقها الشوارع الضيقه في طريقها الى القصر , تفكر في كل هذه الامور . وبرغم هذه التصورات التي حاولت فيها تجاهل دور نيكولو في الامر، فانها كانت واثقه من انه لن يدعها تذهب ، بملء ارادته . انها "حصته" وقد اظهر بجلاء مبلغ عزمه على مداومة الاستمتاع "بحصته " تلك . ولهذا يجب ان تخطط بحذر كافٍ ، لهجره. وهذا يعني ان عليها تحين الفرص الى ان يغيب ذات يوم كما غاب هذا الصباح .
كان القصر هادئا في عصر هذا النهار بينما هي تسلك طريقها عبر الحديقة وهي تتنهد بارتياح لدى رؤيتها له خاليا . ان ماهي بحاجة اليه الان هو ان تجلس في غرفة الاستقبال المكيفة الهواء في شقتها ، ثم تبدا بوضع تفاصيل خطتها .
كانت الستائر مسدله على نوافذ غرفة الاستقبال حين وقفت كاتيا تتنفس بغبطة امام الهواء البارد الذي كان يلفح جلدها الحار.
جاءها صوت من خلفها قائلا :" هل كانت جولتك في التسوق ناجحه ياكاترينا؟"
اطلقت شهقه دهشه ازاء سؤال نيكولو المهذب بينما كان ينهض بقامته المديدة ، من اعلى احد المقاعد الريحة . ونظرت اليه وقد جمد ظهورة المفاجئ ، الدم في عروقها ، قالت له غاضبه :" لماذا تواري نفسك هكذا في الظلمه ؟"
قال :" انك تعتبرينها ظلمه لكونك دخلت حديثا الى الغرفة من الخارج ياعزيزتي . وعندما تعتادينها سترتاحين اليها . ولكنك لم تجيبي عن سؤالي. ماهي الازياء الرائعه التي اشتريتها لتخلبي بها لب المعجبين بك ، وتعززي بها مركزك كرائدة للازياء العصرية .... هم م م م ....؟"
كان السؤال بالغ الرقة وصوته بالغ الهدوء . لقد اصبح في امكانها الان ، بعد ان اعتادت عيناها ظلام الغرفة ، ان ترى في الخطوط المتوترة حول فمه الجميل ، وفي لمعان عينيه خطرا صامتا .
قالت وهي تتطلع بهلع الى حقيبه اليد الصغيرة المعلقة باصابعها :" لاشيء . لم اشتر شيئا . لم اجد ما يعجبني ."
قال :" اذن كان يجب ان تقومي بالتسوق في قلب البندقيه وليس في الليدو ."
لكن لهجة نيكولو المتسائلة التي تفقد حلاوتها ، لم تفلح سوى في ان جعلت كاتيا ترفع ذراعها مجفله وفد بدا عليها الخوف ، ليتحول هذا الخوف الى غضب . ذلك انها لم ترتكب ما يشين .
قالت بهذوء :" لقد غيرت رايي . اليس هذا عادة النساء ؟ الى جانب ان ..."
وتوقفت عن الكلام فجاة لتساله :" كيف علمت بمكاني ؟ هل بلغت بك الوقاحة الى حد وضع من يتتبع خطواتي ؟"
قال وهو يتقدم نحوها :" كلا ياعزيزتي ... ليس انت . لقد صدقت كذبتك على ماريا . اذ انني مع علمي بانك تبيعين نفسك اشك في سبيل المال ، وليس عندك شعور بالمسؤليه، مع ذلك ، لم اشك في امرك ولم اتوقع منك الخيانه . لقد كان صديقك سيزار برونيللي هو موضع اهتمامي . لقد عنيت من يتتبع خطواته منذ عودتي من ميلانو لكي اكتشف اعوانه في جرائمه "
فغرت كاتيا فاها ماخوذة وقد تسارعت ضربات قلبها وشعرت بالم في صدرها احدثه التوتر المؤلم الذي تملكها لتقول ببلادة :" اعوانه ؟"
تملكها الذعر اذ كانت تعلم جيدا ان وراء هدوء نيكولو الظاهر كان يمكن غضب اسود عميق.
تقدم مرة اخرى ليقف بينها وبين الباب قائلا :" يالهذه البراءة . ان جمال وجهك لاينم عن الظلام الذي يكتنف روحك . اليس كذلك ؟ ماذا يدفع لك سيزار ياكاتيا ؟ اي شيء قدمه لك مما لم استطع انا تقديمه ؟"
بخطوة سريعه ، تقدم يمسك كتفها بيديه القويتين قائلا :" ام لعلك قررت عدم مواجهة مسؤولية كونك زوجة لي ؟ وانه ليس في استطاعتك اعطائي اولادا سواء بمباركة الكنيسة ام بعدها ، اهذه هي المسألة ياكاتيا، هل قدم برونيللي اليك النقود دون اي ارتباط به ؟ هل كان االاغراء بان تكوني امرأه ثرية. اقوى من ان يمكنك مقاومته؟ اخبريني . ماذا كان ثمن محاولتك تدمير اعمالي؟"
كان السؤال الاخير مصحوبا بهزة عنيفة لكتفيها حين نظرت الى وجهه الغاضب بعينين متبلدتين ، لتقول وقد امتلأت عيناها الزرقاوان بالضراعة ازاء نظرته المسيطره :
"نيكولو... صدقني . ليس لدي اية فكرة عما تتحدث عنه كيف يمكنني تدمير اعمالك حتى لو اردت ذلك؟ انني لا اعرف عنها شيئا؟"
قال بمرارة :" انه اثناء تلك الليلة الاولى من اتصالنا ... حين ائتمنتك على اسرار عملي بحماقة . لقد تقاضيت مني ثمنا باهظا لما هو حق شرعي لي . لقد صعدت الى مكتبي في الطابق الاعلى بينما كنت غائبا لتصوري تصاميم السيارات التي تصنها."
ارتفع صوته يتهمها دون هوادة :" التصاميم التي اظهرت هذا الصباح في المجلة التي يقوم فيها برونيللي بتحرير هذه الزاوية."
تركت احدى يديه ذراعها لتمسك بشعرها محولا رأسها بعيدا عنه ليحدق في وجها المذعور ، وقد سادت القسوة ملامحه وهو يتابع :" الى اي حد تبلغ كراهيتك لي، والى اي حد كان سرورك حين استدعيت الى ميلانو لاواجه الكارثة؟"
قالت وهي تشهق :" لم اصعد قط الى الطابق الاعلى ولم اكن اعرف اي مكان لهذه الاشياء. وبرغم كل ما حدث بيننا فإنني ماكنت لافكر في الغدر بك بهذا الشكل."
قال وهو يمسك بذقنها باصابعه :" اتعلمين؟ انني اوشك ان اصدقك ، انني اوشك ، انما ليس تماما . ربما لو لم اكن اعرف كم انت ممثلة بارعة ، لصدقتك."
ارتسمت على شفتيه ابتسامة لم تظهر في عينيه اللتين تابعتا التحديق فيها بنظراتهما الغاضبة واستطرد :" ولكن ، اذا انت اخبرتني بالحقيقة ، وان الغرض من ذهابك اليوم الى ذلك الرجل لم يكن سوى للعبث، عند ذلك فقط يمكنك ان تطمئني . اسمعي يا كاتيا ، عندما نشرت بعض تصميماتنا الاولية دون ترخيص ، في المرة الاولى ، لجأت انا الى طريقة هي ان تعمدت تزييف بعض التصميمات في مكتبي هنا . فإذا باعها برونيللي او نشرها الى المنافسين لنا فسيخسر كل مصداقتيه وثقتهم به، وانت ياعزيزتي عليك عند ذاك ان تواجهي النتائج."
قالت بصوت متحشرج لشدة المعاناة :" انه لن ... انه لا يستطيع ... على الاقل لم يحصل عليها عن طريقي يا نيكولو .. يجب ان تصدقني ."فارتسمت على شفتيه ببطء ابتسامة قاسية وهو يقول :" يجب ان اصدقك؟ ما هي الاسباب الاخرى التي جعلتك تمضي كل ذلك الوقت بصحبة برونيللي ؟ اخبريني ... هل هو عشيقك يا كاتيا؟"
قالت:" كلا ، طبعا." وحاولت ان تتخلص منه هاربه ، ولكنه كان اسرع منها اذ رفع يده يمسك بشعرها ، مقيدا بذلك راسها مجبرا اياها على ان ترفع وجهها وتتطلع الى وجهه الغاضب ، فقالت لاهثة:"لقد طلب مني لقاءهخارجا . كان يريد ان يعرف كيف ورث جدي اللقب، جذبها اليه بشدة وهو يقول :"هل فعل ذلك بامتلاكه جسدك الجميل؟"
لم تستطع ان تتخلص من ذراعيه القويتين وهو يسحق صدرها بصدره وقد بدت الرغبة في عينيه . ان انكارها تامرها مع برونيللي لم يخلصها من الخطر الذي يهددها . الطريقة لصب غضبه عليها هي التي تغيرت . لقد كان يلتهب غضبا عليها ، فلو كانت رجلا لضربها حتى تستسلم ، ولكن تركيبها الانثوي الرقيق غير اسلوبه في عقابها . ذلك ان الغضب والرغبة معا يتغذيان من نفس لهرمون وافزعها معرفتها بذلك ، وفتحت فمها احتجاجا تعلن براءتها ولكن نيكولو اطبق عليها بقبلة بلغت من الوحشية حدا تركها تلهث وتكاد تختنق.
قال بصوت متحشرج :" يجب ان تحمل جزءا من اللوم لكوني اهملتك."وعندما راى ارتعاشها ، تركها وهو يقول :" ان خسارة برونيللي هي ربح لي . واي وقت لفض نزاعنا هو افضل من هذه اللحظة؟"
لكن كان تصميما منه وليس سؤالا.
قالت كاتيا وهي تحاول تخليص نفسها منه:" كلا، يا نيكولو." ولكنه كان اقوى منها ، وقال ساخرا:" نعم ، يا كاتيا. ربما كان قلبك الصغير البارد يكرهني ، ولكن جسدك الصغير الحار يخبرني شيئا اخر . سواء كنت ماركيزة، وانا فلاحا ، فإننا يجب ان نشترك في امر واحد وهو العلاقة الحميمة..."
كان نيكولو هو الذي اخترق الصمت ، اذ جر نفسه مرتكزا على موفقه ، محدقا في وجهها بملامح جامدة وكانه مصور يسجل في ذهنه تفاصيل جسدها .
قال:" هل استطعت الاثبات على ما قلته عن الماركيزة والفلاح؟"
المتها لهجته الجامدة ، واشاحت بوججها تخفي الدموع التي تفجرت فجأة من مآقيها.
قال :" هذا حسن! اذ عندما كنت تتغذين وتستمتعين باشعة الشمس مع برونيللي تحت ستار ملء خزانة ثيابك ، قمت انا بزيارة الكاهن لاخذ موعد لحلفة الزفاف في الكنيسة وسيقام العرس خلال اسبوعين."
حل الفزع محل اليأس في نفس كاتيا وهي تستقيم جالسة في فراشها لتقول :" وكيف تجرؤ على تدمير امر مثل هذا دون استشارتي؟ لقد سبق واخبرتك..."
صرخ فيها بصوت يماثل ملامحه الغاضبة " اسكتي ... مهما كانت ذنوبك من غدر وخيانة وغير ذلك ، فهذا لا يهمني ، لقد اخترتك زوجة لي ولايمكن لاي شيء اخر ان يغير من هذا الامر . انني لن اهين والدي بإدارة ظهري الى ما يتوقعانه مني . ولا اريد لاولادي ان يشعروا بالخجل منا . لقد كنت امل ان توافقي على رغبتي هذه, ولكن بما ان هذا الامل قد خاب ، فإن الزفاف سيتحقق دون موافقتك ومهما كانت خلافاتنا ، فسنعرف دائما اين نسويها . امامك اسبوعان ياكاتيا لكي تتقبلي فيهما الوضع ، هذا اذا كنت تريدين انقاذ كرامتك ومستقبلك."


- نهايه الفصل التاسع
-

ماري-أنطوانيت 05-08-08 02:39 PM

ان شاء الله لنا لقاء قريب مع اخر فصلين....

أبتسم رغم أحزاني 06-08-08 12:45 AM

^
^
^
يعني باااقي بس فصلين وتخلص الرووايه

الله يعطيكم العافيه

وعسااااااااااااااااكم على القووووووهـ


ما أبي أستعجلكم بس أحب أرد عليك مااااري أنتي وووصحبااتك بعد كل فصلـ ^_^

ماري-أنطوانيت 06-08-08 03:56 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبتسم رغم أحزاني (المشاركة 1581140)
^
^
^
يعني باااقي بس فصلين وتخلص الرووايه

الله يعطيكم العافيه

وعسااااااااااااااااكم على القووووووهـ


ما أبي أستعجلكم بس أحب أرد عليك مااااري أنتي وووصحبااتك بعد كل فصلـ ^_^

هههههههههه تسلميـــــــــــــــــــــن قلبي....
والله ردودك تسعدني كثيـــــــــــــــــــر....
وهذا الفصل العاشر لخاطرك قلبي...
وان شاء الله الفصل الحادي عشر بالطريق

ماري-أنطوانيت 06-08-08 04:16 PM

هذا الفصل كتبته العزيزه ((آن همبسون))



الفصـــل العــاشر


كان الوقت متأخراً , في المساء التالي عندما نزلت كاتيا من سيارة أجرة أمام منزلها في قرية سادينغهام بعد رحلة كالكابوس عبر أوربا . لقد استقلت القطار إذ لم تستطع والتعاسة تتملك نفسها , أن تقرر كيفية السفر . لقد غيرت القطار مرتين وعندما يتملكها الارهاق كانت تختلس لحظات من نوم خفيف مضطرب . ولكن عقلها المضطرب لم يسمح لها بأن تشعر بالراحة والاسترخاء .
لقد أفلحت خطط نيكولو فقط في استعجال تنفيذها لخطتها التي سبق وصممت عليها في الهرب وكانت تأمل في اكتساب الوقت بينما كان نيكولو يحاول تغيير رأيها . ولكنها لم تقبل بأن تمتثل لإرادته الصلبة في أن يرتبطا معاً طوال الحياة برباط لا ينفصم لذلك فضلت الاستعجال في الهرب .
لم يكن ذلك يعني أن بإمكانه أن يجرها بالقوة الى كنيسة علبة المجوهرات , ولكنه كان يعلم أنه ليس بإمكانها أن تعرضه إلى استهزاء الضيوف عندما يبدأون بالتوافد .
بعدما اخبرها بأمر الزفاف اغتنمت هي فرصة دخوله إلى الحمام لتبدأ بوضع خطة الفرار تلك لقد تناولا العشاء بهدوء على الشرفة في الحديقة . وعندما اخبرها نيكولو بأدب انه يعتزم أن يمضي بقية المساء في العمل كادت تقفز فرحاً لهذه الفرصة التي هي بحاجة إليها .
وسرعان ما كانت تدعي الصداع لتنسحب إلى شقتها .
انتظرت ساعة احتياطاً في ما لو غير رأيه ومن ثم ابتدأت بتنفي خطتها . ارتدت سروال الجينز وقميصاً وفوقهما سترة . كان كل ما تحتاجة حقيبة يد تضع فيها نقودها وجواز السفر . ومن ثم تأخذ طريقها . وفي آخر لحظة أضافت حقيبة التبرج وقبضة من المناديل الورقية وفرشاة الشعر . وكم كان كثيراً ماستتركه خلفها .
ألقت بنظرة إلى يدها اليسرى حيث كان خاتم الزفاف متألقاً بفصوص الماس والياقوت . كان رمزاً دون معنى لحب لم يكن قط . وبخفة خلعته من اصبعها ووضعته على وسادة نيكولو . إنه سيخبره بكل ما يريد معرفته . وهكذا ارتاح ضميرها وتركت الشقة هابطة الدرج الجميل بهدوء .
بعد دقائق كانت تتجه نحو باب صغير كانت قد اكتشفته في وقت سابق حيث كان يفتح على ممر ومنه إلى باب آخر يفتح على درج من الحجر تهبط منه مباشرة إلى رصيف مرسى القوارب خارج القصر .
لحسن الحظ لم يكن ثمة أثر لجوفاني ولكن كان ثمة قارب للأجرة ماراً أملاً في العثور على راكب فنادته مسرورة لكرم نيكولو عليها بالنسبة للنقود .
لك تكن تفكر بالذهاب أثناء الليل إلى مطار ماركو باولو بل كان أملها منحصراً في أخذ قطار , أي قطار يذهب بها إلى مكان يبعد بها عن البندقية وعن نيكولو كاشياتور وداخل قمرة الزورق غاصت في المقعد المريح ملقية رأسها إلى الخلف بينما كان الزورق يسلك طريقة خارجاً من القناة الصغيرة ليدخل القناة الكبيرة . وما أن ترك منطقة القناة الكبيرة ليدخل إلى البحيرة الواسعة حتى ذاب الثلج الذي كان يغلف مشاعرها لتنخرط في البكاء بصمت .
أخيراً أوصلها الحظ فقط إلى " كاليه " لتجلس في انتظار عبارة المانش . وعند وصولها إلى " دوفر " كان عليها ان تغير الليرات الإيطالية والفرانكات إلى جنيهات استرلينية قبل أن تتابع رحلتها بالقطارات وسيارات الأجرة حيث أنه لم يبق عندها نقود كافية لتستأجر سيارة خاصة تحملها إلى قريتها .
أخيراً قد أصبحت في قريتها وكل ماكانت تريده هو أن تستلقي على سريرها القديم ولكن أولاً عليها أن تواجه جدها . أن تجعله يتفهم السبب الذي جعلها غير قادرة على أن تستمر في هذه الصفقة التي عقداها على حسابها .
كانت العمة بيكي هي التي فتحت لها الباب لتهتف وقد شحب وجهها : " يا إله السماوات , كاتيا , عزيزتي , مالذي جرى ؟ لماذا انت هنا ؟ " وتراجعت مفسحه لها الطريق لتدخل وتأخذها بين ذراعيها حالما تخطت العتبه وهي تقول : " أوه , ياللعزيزة ... ما هذا ؟ "
انفجرت كاتيا بالقول وقد منعها الارهاق من التحدث بهدوء : " لقد تركت نيكولو . إنه لا يحبني ولم يحبني قط . "
وفتح باب هناك لترفع كاتيا وجهها من فوق كتف عمتها , حالما سمعت صوت جدها يقول : " كاتيا ؟ لماذا لم تبلغينا مقدماً بحضورك ؟ وأين نيكولو ؟ "
أجابت : " لأنه لم يكن لدي وقت لأخبرك ياجدي . "
تركت حضن عمتها لتتجه إلى جدها مادة يديها بشوق وهي تتابع : " ونيكولو مازال في البندقية لقد انتهى زواجنا ياجدي وتركته وأنا أريد الطلاق . "
هز جدها كتفيه وقد بدا العبوس على ملامحه : " الطلاق ؟ إن أسرة لورانز لا تعترف بهذا الشيئ المقيت . إذن , فقد اختلفتما ؟ إن هذا شيئ عادي بين المتزوجين حديثاً ولكن أن تهربي بعيداً فهذا عمل غير مسؤول ولكنني متأكد من أن زوجك سيصفح عنك إذا عدت إليه بتوبه حقيقية . "
برغم الارهاق الذي كاتيا تشعر به فقد اشتعلت غضباً . وقالت : " ليس انا الذي يجب ان يتوب . لقد كان سلوك نيكولو غير قابل للغفران , وليس عندي نيه للعودة أبداً . "
ولكن أنطونيو لورنزو بقي عابساً وهو يقول : " نيكولو هو رجل , له قوة الرجل ورغباته , فهو ليس في حاجة أن يقدم حساباً إلى زوجته عن تحركاته . "
لم يكن في استطاعتها سماع هذا الكلام . ولكن ملامح جدها لم تظهر لمحة تفهم أو عطف . لقد كان بالطبع من جيل مختلف . نشأ في بلده على عادات ومفاهيم قديمة ...
ولكن أن يصدر حكماً دون برهان ...
قالت : " حتى ولو كانت هذه التحركات تتضمن ضربة لي ؟ "
وخزها ضميرها وهي تدلي بهذه الكذبه , ولكنها عللت في الأمر بينها وبين نفسها بـأنها لم تتهم نيكولو حقيقة , بهذه الفعله وإنما لتحمل جدها مراجعة حكمه الاستبدادي .
وجاءاها الجواب الظالم : " إذا كانت هذه هي المسأله , فلا بد أنك تستحقين ذلك . " وشهقت كاتيا بألم .
قالت العمة بيكي : " أرجوك يا انطونيو , إن كاتيا مرهقة جداً ألا ترى ذلك ؟ إن ماهي بحاجة إليه الآن هو الطعام والنوم . وغداً سيمكنها من أن ترى الأمور بشكل مختلف . "
هاقد هبت العمة بيكي إلى نجدتها بصوتها الهادئ الحنون .
قال انطونيو : " نرجو ذلك " . ومد ذراعية إلى حفيدته وقد لانت ملامحه وهو يقول : " الحق مع بيكي . إذ يبدو عليك الإرهاق حقاً . صدقيني . ارتاحي هذه الليلة وفي الصباح ستدركين مدى حماقتك .
واجهته بإزدراء وقد أدركت أن وقت المحاسبة قد حان : " كلا , هذا ليس عدلاً ياجدي . فقد أكتشفت الحقيقة . إن نيكولو لم يحبني قط بل كان يتظاهر بذلك . كان كل مايريه هو أن يتزوج من أسرة كاستيلون , وعندما اكتشف انك ورثت لقب ( ماركيز ) أخذ يبحث عني لأنني حفيدتك ! " وتهدج صوتها وهي تستطرد : " كان كاذباً في كل ماأخبرني به , فقد كان على علاقة حب مع امرأة من ميلانو . "
سكتت لتلتقط أنفاسها , ومدت يدها إلى الجدار تستند إليه إذ لم تعد ساقاها تستطيعان حملها . ثم استطردت بصوت متألم : " ولكنك ياجدي , لماذا لم تخبرني بالحقيقة عن ماضيك ؟ وبالقضية التي يتخذها نيكولو ضدك . لماذا تركتني اكتشف بنفسي أن زواجي هو مدبر بينكما أنتما الاثنان ؟ "
قال انطونيو لورنز في خشونه متجنباً نظراتها : " لقد كان اللقب نشازاً في غير وقته , إنني لم أستطع رفضة لكنني استطعت تجاهله بعد إلغاءة رسمياً في إيطاليا . "
قالت ونظراتها تعبر عن الألم الذي يغلف قلبها : " ولكن نيكولو لم يستطع تجاهله . أليس كذلك ؟ ولولا اللقب لما كان جاء إطلاقاً إلى انكلترا ليبحث عني أو ليخدعني كي أقبل الزواج منه . بل ماكان ليعرف قط بوجودي . ولم يكن ليطلب منك أن تسدد دينك له وذلك بأن يدخلني مغمضة العينين في هذه العلاقة الفظيعة . "
توقفت لحظة وقد مس مشاعرها شحوب وجه جدها تابعت بثبات : " أرجوك أن لا تنكر ذلك ياجدي . لقد سمعتكما تتحدثان بعد حفلة الاستقبال قبل سفرنا . "

التمع الغضب فجائي في عينين انطونيو لورنزو وقاطعها قائلاً : " إنني لا أنكر أن الزواج كان مدبراً . ولكن ليس بالطريقة التي تظنينها , لقد كنت أنا الذي دبرت الأمر وليس نيكولو . وكان هذا لمصلحتك أنت . لحمايتك . نعم . كان هناك دين وفاء في القضية , لكن المدين كان باولو كاشياتور والد نيكولو وليس أنا . لقد اجتمع بنا نيكولو ورآك وخطبك لأنني أنا الذي طلبت منه ذلك . كلا ... " وتوقف عن الكلام حين رأى كاتيا تنظر وقد فغرت فاها مذعورة . وتابع : " نعم أنا الذي طلبت منه ذلك , إنني أنا الذي طلبت بالدين ياكاتيا ونيكولو هو الذي دفعه . "

أفلحت الحبوب المنومة التي أعطتها العمة بيكي لكاتيا في مساعدتها على النوم . وعندما استيقضت بعد اثنتي عشرة ساعة من نوم بدون أحلام كانت الساعة الثامنة صباحاً .
كان ذهنها مايزال مشوشاً . ولم يمكنها أن تتذكر سوى تأثير ماكان جدها قد أعلنه ليلة أمس . وفجأة غابت عن عينيها الرؤية وابتدأ الظلام يلتف حولها .

لقد كانت العمة بيكي هي التي تولت الأمر لتقود جسمها المتعب إلى كرسي مصرة على أن تتناول كوباً من القهوة وتأكل سيئاً من الطعام . وأكلت وهي مرغم إذ لم يكن لديها خيار آخر في ذلك الوقت ."
بالنسبة إلى جدها فقد أظهرت بيكي إرادة حديدية في حمله على تركهما وحدهما والخروج من الغرفة . لقد حاولت عبثاً حمله على الإدلاء بتفاصيل تصريحه ذاك . مع أن كاتيا لم تكن تنقصها القوة , عقلاً وجسداً لإرغامة على إيضاح ماقال .

عندما ناولتها عمتها الحبوب المنومة , رفضت أخذها ولكن عمتها ألحت عليها بذلك وكانت على حق كما أعترفت كاتيا لنفسها في مابعد وهي تشعر بالراحة التامة بعد استيقاظها من النوم . مع ان ذهنها ومشاعرها كانت في غاية الاضطراب .
مع انها كانت من الارهاق في اللية الماضية بحيث لم تستطع سوى التهالك في فراشها تبغي الرقاد إلا أنها في الصباح اغتسلت ومن ثم قامت بغزوة لخزانة ملابسها لتختار مايناسب ارتداؤه من بين ثيابها التي سبق ونبذتها .
واختارت لمثل ذلك اليوم من حزيران / يونيو , سروال جينز أسود وقميصاً أزرق طويل الكمين .
ربطت شعرها إلى الخلف بشريط أسود كما وضعت بعض الزينة على وجهها . لم تكن تشعر برغبة في تحسين مظهرها بالنسبة لما كان يغمر نفسها من الحزن . ولكن هذا كان مجرد تصرف آلي .

يجب أن تبدو بمظهر الشجاعة لتتمكن من تقبل ماسيدلي به جدها عندما يبدا بإيضاح الأمور جميعاً ومن هنا تكون البداية للسير في الاتجاه الصحيح .
مهما كانت البواعث التي دعته للقيام بهذه المهزلة المخيفة فقد كانت تدرك من أعماقها أن جده يحبها .
ستستمع إليه بهدوء وهو يدلي بإيضاحاته , وبعد ذلك فقط , ستتمكن من الحكم على الطريقة التي دمر بها حياتها . ولكن , مهما يكن الأمر فقد هدأت مخاوفها . وذلك أنها تأكدت من أن نيكولو لم يردها كما أنه لم يحبها قط . ولو أن تصرفاته كانت أحياناً تظهر خلاف ذلك . وشعرت بغصة في حلقها , وقد صممت على أن لاتدع مجالاً للدموع . ولماذا يستعملها كحجر الشطرنج , الاثنان اللذان تحبهما أكثر من أي شيئ آخر في العالم .
ربما تكون الظروف قد تغيرت , ولكن النتيجه بقيت هي هي . وهي أن نيكولو لم يحبها كما أنه لم يرغب قط في أتخاذ زوجة . وأشعرتها المذله بالغثيان . إن نيكولو الذي أساء إليه بفرض زوجة عليه لا يريدها مع انه كان يبدو عليه أنه سيفي بهذه الاتفاقية , على الرغم من عنادها . فان كراهيته لها لابد وصلت إلى حدها الأقصى وهي تمثل دور المرأة الشرسة .
كانت العمة بيكي في المطبخ عندما دخلت كاتيا وقد جذبتها رائحة الطعام الشهية .
قدمت إليها عمتها الطعام وهي تقول : " سمعتك تغتسلين فجهزت لك الفطور . هيا يا عزيزتي حيث أنني سأتناول فطوري معك مادمنا الآن نحن الإثنتان وحدنا . "
سال لعاب كاتيا أمام الطبق السخي بالسجق والبيض الذي وضعته عمتها أمامها , واكتشفت فجأة كم كانت جائعة دون أن تشعر .
قالت لعمتها : " أنحن وحدنا فقط ؟ وأين جدي إذن ؟ "
" إنه مازال في فراشة " وسكبت كوبين من القهوه وناولتها أحدهما ووضعت كوبها هي أمامها وهي تستطرد : " إنه يتأخر في فراشة هذه الايام وأنا لا أحب إزعاجه وسيطلب فطوره عندما يتهيأ لذلك . ولكنني أخشى أن يكون قد تضايق لما حدث بالأمس . فلايخرج من غرفته قبل وقت الغداء . "
قالت كاتيا بجفاء : " إنهما ضايقاني أنا أيضاً . إنني لم أكن لأتصور قط أن جدي سيشعر أن من واجبه ان يشتري لي زوجاً . لقد كانت فكرة أنه باعني إليه , سيئةبما فيه الكفاية , أما أن يكون الأمر هو أنه فرضني أنا عليه ... " وهزت رأسها بيأس .
نظرت إليها عمتها بحزن وقالت :" لقد سمعت ماقاله انطونيو لك ولكنني لا أعرف أكثر من ذلك . ولقد صدمت أنا أيضاً بذلك , فقد كنت أظن أنك ونيكولو تتبادلان حلاً عنيفاً . "
قالت كاتيا : " وهكذا أنا كنت أظن " .
أنهت كاتيا فطورها في جو يشوبه الضيق . وكانت تشعر بحرج واستياء عمتها , ولكن ماهو ذنب عمتها في ذلك ؟ لقد عاشت عمتها مع جدها في موده ومحبة وكان كل أملهما هو توفير بيت محب لها , ولكن كان هذا هو كل شيئ , فقد كان كل منهما يحتفظ بآرائة وأسراره لنفسه .
انتظرت كاتيا مرور فترت الصباح بفارغ الصبر لكي يمكنها أن تعرف كيف وضع جدها خطته تلك وماذا خلفها ؟ وكانت كممرضة معتاده على الصبر فقد كان هذا من الضروري لها اثناء تأدية عملها في المستشفى , ولكن كيف يمكنها أن تقتل الوقت حتى يشاء جدها أن يخرج من غرفته ؟
سرعان ما جاءها الجواب غنها تستطيع أن تسير إلى مكان " كارفيل " حيث تستأجر مهرة للركوب . وقد كانت تحسن ركوب الخيل وبالتالي يمكنها الاستمتاع بذلك على الرغم من غيوم الأسى التي تحيط بها من كل جانب .منتديات ليلاس
رحب بها ريتشارد بسرور لدى رؤيتها في ساحة التدريب وقال باسماً : " كاتيا ّ ما أشد سروري برؤيتك . لا تخبريني أن زوجك يريد أن يشتري حصاناً آخر ... "
حملت نفسها على الابتسام وقالت وهي تهز رأسها نفياً : " كلا , لا أدري إذا كان لي حظ في الركوب "
قال وهو ينظر إليها بإمعان : " بالتأكيد . أليس نيكولو معك ؟ "
قالت بإقتضاب : " كلا . ليس هذه المرة . " ولم تزد . إذ لم تشعر أنها في حالة تمكنها من إيضاح الأمر حتى لريتشارد .
قال : " حسناُ سأطلب من السائس أن يجهز لك ( تريجر ) خذي من الافضل لك ارتداء هذا ) .
وناولها رداء للركوب مع قبعة . وهو يستطرد : " وسيري على مهل , فإن تريجر غير معتادة على الركض . "
كانت نصيحته حسنة امتثلت لها كاتيا مسرورة بالسير خبباً على الطريق الضيق خلال الغابات نحو الحقول .
عندما عادت إلى الاصطبل , كانت الساعة حوالي الحادية عشرة تقريباً . وبدت الساحة خالية وهي تركض بالمهرة إلى مكانها . ولكن بينما كانت تحاول النزول عنها , سمعت صوت خطوات رجل خلفها.
هتفت بوجه متألق : " كانت نزهه في غاية المتعة . " وربتت على رقبة المهرة التي أخذت تصهل مسرورة وجاءها صوت يقول : " إنني مسرور بهذا ياعزيزتي "
لم يكن هذا الصوت صوت ريتشارد بل صوت نيكولو الذي يرتدي ثياباً سوداء من عنقه حتى كاحله .ة سروال جينز اسود وكنزة سوداء مقفلة , يكمل ذلك شعره وعيناه السوداوان اللتان كانتا تنظران إليها بحنق يتعارض مع كلماته الرقيقة .

كانت نظراته تعكس كل مايمكن أن يتفجر في رجل مثله وفي مثل هذا الموقف من حنق . وكبرياء . ورجوله .
امتزج الخوف والغضب في نفسها ليلهب وجنتيها وهي تقول : " أنت ؟ ماذا تفعل هنا ؟ وكيف عرفت بأنني هنا ؟ "
قال :" إنني هنا لأعيدك إلى البندقية معي , وماذا غير لك ؟ إن بيننا علاقة في غاية الأهمية علينا أن نحفظها إذا كنت تذكرين . أما كيف وجدتك . فإلى أي مكان آخر ستهربين ؟ بعد أن أرحت نفسي في أن برونيللي لم يقدم لك سريراً تمضين فيه الليل , لم يبق علي سوى انتظار اتصال هاتفي من جدك يخبرني فيه بوصولك . وهذا مافعله الليلة الماضية . "
قالت بمرارة وهي تستعيد ذكرى العذاب الذي عانته أثناء سفرها : " لقد وصلت إلى هنـا في وقت قصير "
قال : " من حسن حظي أن الطائرة كانت على وشك التحرك لقد تركت ايطاليا باكراً وسأعود هذه الليلة ."
قالت : " إذن فأنني لن أؤخرك عن العودة ".
وبأصبع مرتجفة فكت رباط قبعة الركوب و وخلعتها عن رأسها . وكان عليها أن تحل الشريط الذي يربط شعرها , المتناثرة خصلاته الذهبية على كتفها .
قال : " إنني لن أتأخر مادمت معي " فاستجمعت كل ما تملك من شجاعة لتهز رأسها قائلة : " كلا , لقد أخبرني جدي كل شيئ . حدثني كيف وضعتما المؤامرة معاً وكيف توسل إليك أن تأخذني من يده وكأنني كنت عاله عليه . و... "
قاطعها قائلاً :" إنه لم يحدثك عن كل شيئ يا عزيزتي "
وبخطوتين كان قربها يمسك بها مبعداً ايها عن الفرس ليأخذها بين ذراعية وهو يستطرد : " لقد أتيت الآن بعد أن أجريت معه حديثاً مطولاً "
جاهدت بشدة للتخلص من بين راعية وهي تقول : " ( تريجر ) يجب أن ننتبه إلى تريجر المهرة ".
نظر اليها بعينين جامدتين وهو يقول : " وهكذا أنت يا زوجتي . إن المهرة تعرف حظيرتها أكثر مما تعرفين أنت بيتك "
بدا أن المهرة تأكيد لكلامه , ركضت إلى حضيرتها عندما جاء السائس ليأخذ بلجامها .
قالت وهي تضرب صدره الصلب بقبضتيها بحدة وغضب : " هذا ليس حسناً يانيكولو " .
لقد تذكرت بمرارة كم كانت الظروف الماضية مشابههة للحاضرة عندما أدركت أول مره كم كانت تحبه .
واستطردت : " لا أدري ماهو قصدك في إقناع جدي بينما انا لم يعد يهمني الأمر . إرجع إلى جينا واعترف بولدك منها . فإذا كانت تحبك كما تحبها . فهي ستترك زوجها لأجلك . وإنني قد قررت أن أطلب الطلاق منك أمام الضاء الانكليزي على أساس سوء السلوك . ومن حسن الحظ انه إذا ابرزت البراهين اللازمة فلن يكون علي قضاء المهلة القانونية وهي سنتان قبل أن يحكم لي بالطلاق ويمكنك بعد ذلك أن تتزوج من خليلتك وتعطي اسمك لأولادك منها " .
قال : " ياألهي , ألا تمسكين لسانك ؟ "
قالت : " هل بعد مافعلتما بي أنت وجدي ؟ " وحاولت أن تخلص نفسها منه مره أخرى وهي تتابع قولها : " عليك أن تقطع لساني بالسكين إذا اردتني أن أسكت . "
قال عابساً :" صدقيني ما أذقنك إياه حتى الآن من عقاب لا يقاس بما سأذيقك إياه في المستقبل إذا أنت لم تهدئي وتعيرينني سمعك . "
أجابت بحده : " إنك ... " ولكن الكلمات ماتت على شفتيها عندما جذبها إلى صدره بشدة . وقد أحنى رأسه محتوياً وجهها بحرارة نارية جعلتها . حين أطلقها أخيراً تلهث بشدة .
صرخت في وجهه : " متوحش " ورفعت يدها تتلمس وجهها الذي كان متضرجاً بعدما تركها نيكولو . والحقيقة أنه لم يؤلمها بعناقه ذاك بقدر ما أثار أحاسيسها . وهكذا التأثير جعلها لاتريد شيئاً أكثر من أن ترى ظهره إذ يبتعد عنها إلى الأبد .
ألقى عليها نظرة تهديد من بين أهدابة الكثيفة وهو يقول : " إنني متوحش أليس كذلك ؟ "
قالت متلعثمة : " نعم , كلا , نعم " كانت أعتادت ان تجد ملجأ بين ذراعيه . حيث تستمع برقته كما تستمتع برغباته الحارة .
قالت متلعثمة : " نعم , كلا , نعم " كانت أعتادت ان تجد ملجأ بين ذراعيه . حيث تستمع برقته كما تستمتع برغباته الحارة . إنما الآن . كان قلبها يخفق بشدة وقد جمد الرعب مشاعرها .
قال : " من الافضل أن تخافي مني . لأن الرجل المتوحش لن يتردد في ضرب زوجته العاصية وغير المخلصة . قبل أن يجرها إلى بيته " .
قالت متلعثمة وقد استبد بها الرعب لهذه التهمه : " ولكنني , لم .. لم أكن قط غير مخلصة لك يانيكولو . لا أظنك تعتقد حقاً أن دفع سيزار برونيللي ثمن غدائي أو مقابلتي له في ( الليدو ) يعني أن ثمة شيئاً كهذا بيننا ؟ "
ابتسم لها فجأة برقة فائقة وهو يقول : " كلا إنني لم أعتقد هذا أبداً . ولكنه على الرغم من حقارة مهنته فإنه يبدو أن لديه تأثيراً خاصاً على النساء . وأنت أظهرت لي بجلاء عدم حبك لي . وأنا لا أترك أموري للمصادفات . "
قالت كاتيا ببرود : " ولكنني وجدته قليل الذوق كلياً ."

فقال نيكولو : " لقد كنت مسروراً إذ اجبرته على الإدلاء بنفس الرأي بالنسبة إليك كما حملته على الإعتراف بما ينوي القيام به ."
نظرت إلى وجهه الصامت بعينين متسعتين وهي تقول : " هل آذيته ؟ "
هز نيكولو كتفيه قائلاً :" لقد آذيت كبريائة فقط شخصياً ومهنياً . وهو أدرك الآن تماماً كيف تستقر الأمور . لقد جاء الوقت لتعرفي كل شيئ أنت أيضاً . تعالي " وأمسك بذراعها بشدة ليقودها عبر الساحة .
قالت : " إلى أين تأخذني ؟ " كان في وجهه العابس وفي أطباق فكيه ما أدخل الهلع إلى نفسها . وقال :" أتريدين أن نتحدث في أمورنا الخاصة أمام مستخدمي الاصطبل هنا ؟ " فألقت كاتيا نظرة سريعه على السائس الذي كان يتظاهر بنفض رداء المهرة تريجر . وقالت : " كلا , ليس بالضبط , وإنما ... "
قاطعها : " لقد تلطف ريتشارد بإعارتنا غرفته لكي يكون بإمكاننا تنسيق أمورنا المختلفة بهدوء ".
سارت معه إذ لم يكن لها خيار أخر . فقد كانت ترى الفولاذ في تصرفاته من وراء كلامه المخملي وأدركت بالغريزة انها إذا لم تذهب معه بإختيارها فإنه على كل حال سيحملها عنوه بين ذراعية إلى هناك . فمن سينقذها منه ؟ إذن أن تصون كرامتها أمام هذه الإدارة الفولاذية هو أجدى لها .
قال وهو يدخلها إلى الغرفة :" هذا رائع إن هذه الغرفة تناسبنا تماماً " ثم استدار ليقفل البا خلفهما . كانت الغرفة صغيرة دافئة تعبق في جوها روائح أسرجة الخيل والدهان وقد علقت على الجدران لجامات الخيل وعدتها . كما أن أحذية الركوب الخاصة بريتشارد . كانت موضوعة على الرف وقد بدا عليها الاعتناء البالغ .
قال نيكولو : " اجلسي ياكاتيا " وأشار إلى الكرسي الوحيد الموجود بينما هو جلس على طرف الطاولة وأطاعته هي بصمت وهي تفكر في إنه برغم ما قد يحدثها به من كلامه المعسول . فإنه لن يستطيع اقناعها بأنه يشعر نحوها بذرة من الاهتمام .
قالت تستحثه على الكلام وقد رفعت وجهها تواجه عينية السوداوين بعينين زرقاوين خاليتين من أي خوف :" يمكنك أن تبدأ بإخباري بالسبب الذي جعل جدي يتوسل إليك بأن تتزوجني . وبالسبب الذي جعلك توافق على ذلك ؟ "
قال نيكولو : " للحماية "" وسكت لا يزيد بينما هزت كاتيا رأسها غير فاهمة وكرر نيكولو قوله :" لحمايتك ياكاتيا "
وسكت وهو ينظر متمهلاً إلى وجهها المذعور قبل أن يعود إلى الكلام : " لقد قال بيرونيللي أنه أخبرك عن الثأر الذي كان بين أسرتينا في الماضي ولن أصدع رأسك بتكرار التاريخ يكفي أن أقول إن قانون الفدية المعروف هو أن يتوجب على كل اعضاء الاسرة المسيئة أن يعيدو شرف الاسرة التي وقع عليها الاساءة ."
قالت كاتيا باحتجاج :" ولكن , هذه همجيه ! ماهذا الذي تخبرني به يانيكولو ؟ أن جدي أحضرني إلى انكلترا لكي أوه ... "
ورفعت يدها إلى عنقها وكأنها تحميه من وحش مفترس وهي تتابع : " أبواي ... هل تريد أن تقول أن أسرة كاشياتور هي التي قتلت أبويّ ؟"
قفز واقفاً على قدميه , مشرفاً عليها وهو يشد قبضتيه على جانبية : " كلا , كلا , لقد قتل والداك في حادث اصطدام , إنه اصطدام ياكاتيا . وإنني أقسم على ذلك . عندما كبر الأولاد في كلتا الأسرتين , أصبحو أكثر ثقافة ونزحوا من المنطقة وتوقف الثأر عند حد التخاطب بالمنطق والاقتناع . وبالتدريج بدأت الاسرتان بالتلاشي , وذلك من جارء نقص الذرية بالنسبة إلى أسرة لورانزو وبسبب تغلب جنس الاناث على جنس الذكور في أسرة كاشياتور ولكن جدك لم ينس الماضي أبداً . "
غمر نفس كاتيا شعور عميق بالحزن لدى أدراك مفاجئ انار عقلها , لتقول ذاهله : " إذن جدي يعتقد أن أبي وأمي قد قتلا عمداً ؟ "
قال نيكولو وهو يزدرد لعابة : " نعم , لقد أظهر لهفة وقلقاً شديدين واضطراباً في الذهن , وأجريت تحقيقات واسعة أثبتت دون أدنى شك أن الحادث كان قضاء وقدر " .
قالت كاتيا : " ومع ذلك , فإن جدي لم يقبل بهذه النتيجة ؟ "
وتنهد نيكولو قائلاً :" أظن أنه كان في ذلك الوقت على شيئ من الجنون . كان الشيئ الوحيد الذي شغل باله هو حمايتك ولهذا اعادك الى انكلترا موطن أمك وإلى عمتها بيكي لأنه يعرفها ويثق بها . "
خنقت كاتيا المشاعر وهي تتمتم :" يالجدي المسكين ما أكثر ماعانى من الآلام . ولكنني مازلت لاأفهم . إذا كان يعتبر أن أسرتك مسؤولة عن مقتل ابنه . فلماذا أراد أن يسلمني إلى ... ؟" وحولت أنظارها عنه إذ لم يكن بإمكانها مواجهة نظرة الألم في عينيه .
أكمل هو جملتها قائلاً بمرارة : " تعنين إلي ؟ كاتيا , أتذكرين أول مرة هربت فيها مني في البندقية ؟ ثم وجدتك في ذلك المقهى مع ذلك الفتى الانكليزي ؟ "
كيف لها ان تنسى ؟ وأومأت برأسها بصمت .
قال : " هل سبق وأخبرك برونيللي شيئاً عن الماضي مما عابني في نظرك ؟ "
قالت : " إنني أذكر ذلك " وعضت على شفتها . لو كان لديها أقل فكرة عن حقيقة الأمور . لأمسكت لسانها .
قال :" وهل تذكرين أيضاً ما أخبرتك به مره عن كلاب الماركيز الكبير التي أطلقها على أبي وكانت على وشك أن تمزق عنقه لولا تدخل صديق ؟ "


أجابت وهي ترتعد : " لم أنس ذلك أبداً "
قال :" ذلك الصديق كان جدك . وباولو أبي كان في الثانية عشر من عمره ذلك الوقت وكان أنطونيو لورانزو جدك , أكبر منه بست سنوات . ويظهر أنه كان من أبناء عمومة أسرة لورانزو البعيدين وكان في تلك الاثناء قادما من حيث يقيم لحضور جنازة في اسرتهم . وعندما أمر الماركيز بإطلاق الكلاب ذعر من هذه الوحشية واندفع يحاول منع ذلك . ولكنه كان متأخراً ولكنه تدبر الأمر بإبعاد الكلاب بضربها بالحجارة وبذلك نجا والدي دون أذى ."
وجدت هي , أحداً من أسلافها على الأقل يمكنها أن تفتخر به . فقالت : " لقد كان شجاعاً جداً "
قال :" لقد كان كذلك في الحقيقة لأنه وإن كان قد منع الكلاب من من أتصل إلى ذلك الغلام . إلا أنه لم يستطع منع الماركيز من أن يأمر بجلده بالسوط عقاباً له على تدخله . لقد انتشرت هذه القصة سريعاً في القرى الصغيرة . وعندما أخبر أبي والديه بقصة انقاذ انطونيو لحياته . لحقا بأنطونيو عندما عاد إلى بلده نابولي ليشكروه . في ذلك الوقت كان أهلي من الفقر بحيث لم يكن بإستطاعتهم مكافأته برغم أن أنطونيو لم ينتر أو يتوقع مكافأة على عمله . لكن والدي تعهد أن يبقى جميل أنطونيو نحوه ديناً في عنقه طوال حياته وأن على جدك أن يطرق بابه في أي وقت يحتاج إلى عون . " وابتسم نيكولو بإكتئاب وهو يتابع : " من المضحك أن القضية كلها . كانت عبارة عن قانون الثأر ذاك . ولكن هذه المرة مات الثأر وانتهى الى الابد . هل فهمت ؟ "
تعلقت عيناه بعينيها الزرقاوين وقد ارتخى فكه قليلاً وبدا على جانبي فمه توتر فضح مشاعرة المرتقبة لجوابها .
انفرجت شفتا كاتيا وقد صدمت بما علمت ولكنها قابلت نظراته ببساطه وهي تقول : " نعم . أظن أنني فهمت . إنك تعني أن الأمر هو . إنقاذ حياة . مقابل أنقاذ حياة " .



انتهــــــى الفصل العاشر

flaor-20 08-08-08 04:58 AM

اتمنى تكتمل الروايه ومشكوره ياختي

..مــايــا.. 09-08-08 06:28 AM

مـــــــــــــــــــاري أنطــــــوانيت

أنا من أشـــــــــــــد المعجبيـــــن لك وأعضــــاء منتــــــدى مكســــات

أشكـــــــــــــركـ على مجهـــــــودكـ

وياليت تكملين الروايـــــــــــــــة بسرعــــــــــــــة

ماري-أنطوانيت 09-08-08 04:20 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة flaor-20 (المشاركة 1584353)
اتمنى تكتمل الروايه ومشكوره ياختي

هلا وغلا عزيزتي...فورا راح انزل الفصل الاخير وعذرا على التأخير

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ..مــايــا.. (المشاركة 1586007)
مـــــــــــــــــــاري أنطــــــوانيت

أنا من أشـــــــــــــد المعجبيـــــن لك وأعضــــاء منتــــــدى مكســــات

أشكـــــــــــــركـ على مجهـــــــودكـ

وياليت تكملين الروايـــــــــــــــة بسرعــــــــــــــة

هلااااااااااااا والله فيك عزيزتي مايا...

تسلمين قلبي على كلامك الي زي العسل...

وهذا هو الفصل الاخير لخاطر عيونكم عزيزاتي

ماري-أنطوانيت 09-08-08 04:42 PM

هذا الفصل كتبته العزيزه ((east roze ))

الفصل الحادي عشر والاخير

مشى نيكول يذرع ارض الغرفة وقد وضع يديه في جيبيه وحنى كتفيه العريضتين وهو يقول:
"هذا حسن.ومرت الأيام .وكافح والدي طويلا وكان رجلا ذكيا فترك موطنه ليتخذ عملا كنادل في مطعم ومن ثم بذل جهدا شاقا في توفير ماكان يكسبه الى ان استطاع ان يتخذ لنفسه مقهى خاصا به. وعندما اصبح في الخامسة والعشرين تزوج وكان سعيدا في زواجه.ولكن زوجته الاولى توفيت بعد عشرين عاما من زواجهما دون ان تنجب اولادا.
بعد انتهاء فترة الحداد قابل زوجته الثانيه وتزوج منها ، انها روزا وهي تصغره بتسعة عشر عاما وهي والدتى."
قالت كاتيا:"وماذا عن جدي انطونيو؟"
أجاب:" لقد تزوج سارة التى توفيت وهي تلد اباك ألسندرو."
قالت:"لقد كان ابي في السابعه والثلاثين عند موته وكانت امى اصغر منه بسنتين فقط" ولم تستطع ايقاف العبرات التي سالت على وجنتيها وهي تقول: "انني لا استطيع تذكرهما"
توقف نيكول عن المسير وهو يقول غاضبا: " لقد كنت في الثانية من عمرك. ولكنني اقسم على ان موتهما كان قضاء وقدرا. كانت ارادة الله اذا شئت هذا التفسير. لقد كانت أسرتي بريئة ولكن كما سبق وأخبرتك لم يستطع احد ان يقنعه بهذه الحقيقة في ذلك الوقت.كان كل همه ان يحميك من الثأر.لقد كانت امك يتيمة الوالدين ولكن جدك كان قد قابل عمتها بيكي عندما خطبها ابوك (ألسندرو). وبمعاونة عمتك بيكي احضرك الى انكلترا وغير اسمك الى اللفظ الانكليزى من لورنز الى لورنس. وهنا كان الامر ان ينتهى لولم يرث لقب((ماركيز دى كاستيلون)) وكان الماركيز الكبير الذي كان ضربه قد مات منذ وقت طويل وتنقل اللقب أبعد فأبعد بين الاقرباء حتى استقر عند جدك انطونيو."
هزت كاتيا رأسها ببطء قائلة: " اننى اتذكر انه مر بفترة اكتئاب في بداية السنة ولكننى ظننت ذلك نتيجة لمرض او حاجة الى نقود."
قال نيكولو: " كلا. ذلك انه تلقى رساله من المحامين في ايطاليا كما انه سبق سبق وعلم ان التفتيش عن صاحب اللقب قد شغل بال المجتمع. وهكذا رأى ان ملجأه قد انكشف حيث حيث انه لم يكن باقيا من سلالة الاسره الا هو وانت. وكان هو رجلا مسننا ربما ادركه الموت قبل ان يدركه الثأر ولكنك انت. انت ياكاتيا كنت صغيرة وجميلة ومحبوبة جدا كما انك كنت غافلة تماما عن الخطر الذي يترصدك وراء كل زاوية. "
قالت: " ولكنك قلت ان الثأر مات وانتهى؟"
قال: " آه ياعزيزتى نعمكما تقولين. " واقترب منها آخذ بيديها الباردتين بين يديه حانيا رأسه يقبل أطراف اصابعها . ثم يتابع: " ولكن جدك كان يعيش في الماضي. فالماضي بالنسبة اليه كان مايزال حيا يهدد أولئك الذين يحبهم. عند ذاك صمم على المطالبة بالدين الذي كان بارلو كاشياتور والدي قد اعترف به. وكان والدي قد اصبح صاحبا لسلسلة من المقاهي الحسنة الإيراد ومع انه لم يكن يديرها بنفسه مباشرة إلا انه كان من السهل على جدك ان يحصل على عنوانه. في الحقيقة أعتقد انه سألعن ذالك نفس المحاميين الذين كانوا قد توصلوا الى عنوانه في انكلترا."
قالت كاتيا بصوت منخفض: " لم أفهم تماما." مع انها كانت قد ابتدأت تعرف نوعية تفكير جدها.
أجاب: " في الحقيقة ان ذلك سهلا تماما . اذ ان بين جميع أسرة كاشياتور كان جدك يعرف ان باولو هو اجدرهم بالثقة فكتب اليه يسأله المعونة وذلك بأن يستعمل ما له من نفوذ على بقية افراد الأسرة للتأكيد على عدم تعريض حياتك للخطر. ولكن كان لأبي فكرة افضل .لقد كان يعلم انه لم يكن ثمة خطر يهدد حياتك ولكنه وجد فرصة يوحد بها بين الاسرتين التي تؤلف عائلة كاشياتور وبين الرجل الذي انقذ حياته لكي ينهي مخاوف انطونيو جدك فيعيش بقية حياته في سلام. "
لم تكن الشجاعة لتعوز كاتيا لتسأله بعد ان تعمدت سماع الحقيقة من بين شفتي نيكولو نفسه مع ان كلماته كانت تمزق قلبها ،تسأله وقد اكتنفتها مشاعر اليأس: " إذن فقد طلب منك والدك سداد دين الوفاء ذاك. اليس كذلك يا نيكولو؟ طلب منك ان تتخذني زوجة لك؟"
قال وهو يترك يديها ويعود الى مجلسه على طرف الطاولة: " نعم لقد طلب منى ان اسدد مايعتبره هو دين الوفاء ذاك. ولكنني رفضت ليس لانه يسرني ان اخالف امره. او لانني اردت ان اختار زوجتي بنفسي ولو ان هذا كان امرا طبيعيا، بل لانه كان يمكن ان يسبب لك إساءة كبرى اعنى ان ادعي مشاعر لا احس بها كما كان يتوجب علي فعله في مالو قبلت أمره هذا مادام جدك مصرا على انك لا يجب ان تعلمى ابدا بالخطر المفروض انه يترصدك."
قالت دون ان تنظر اليه وقد علقت انظارها بين بيديها المتشابكتين في حضنها . قالت" وما الذي غير عقلك اذن ؟ اى رشوة جعلت الامر مقبولا منك؟ هل هددك والدك بحرمانك من الارث في ما لو اعلنت العصيان؟"
قال والكبرياء تطل من عينيه : " ماكان لك ان تقولي هذا ياكاتيا اذ انك تعلمين جيدا اننى لا اعتمد على ثروة والدي."
نضرت الى وجهه الغاضب بإزدراء قائلة:" ولكن ينبغي ان يكون هناك سبب اذلك."
أجاب:" وهو كذلك . لقد وقعت في غرامك."
قالت محتجة:" ولكن ...." وتلاشى اعتراضها حين اشار اليها بالصمت قائلا:" لقد كتب ابي الى جدك يطمئنه الى ان لا يخاف بعد الآن من اعدائه القدماء . ولكن شعر ان ذلك قد لا يكون كافيا فطلب مني ان ازور جدك في ما لو جئت الى انكلترا في رحلة عمل. وبدا ان هذا اقل ماكان يجب علي عمله. ولكن مالم اعلمه ان ابي فاتح جدك في امكانية الزواج بين الاسرتين في رسالته." وتوقف متنهدا ليتابع قوله :" وكان ان كرر جدك طلب والدي في ان اخذك في حمايتي . واصر على ان يريني صورا لك مخبرا اياي بمكان عملك وسكنك متوسلا الي ان اقابلك واتعرف عليك. لقد كان متأكدا من عدم قدرتي على قدرتي على مقاومة تأثير جمالك وسحرك.
خبأت كاتيا وجهها بين يديها وقد شعرت بمذلة لا توصف وهي تقول:" يا الهي .... كيف امكنه ان يفعل هذا؟"
أجاب نيكولو برقه:" لانه كان يحبك ياكاتيا وكان طبعا على صواب . وتركت قريتك سادينغهام الى لندن مأخوذا بصورتك التي رأيتها. هل من الممكن ان مثل هذا الجمال الرائع الخارجي يمكن ان يكون مصحوبا بجمال داخلي كما ظهر لي بعد ذلك. هذا الجمال الذي اصر جدك على انك تملكينه؟ حتى اقسم ان الصورة غير عادله في اظهار جمالك. وصممت على خطة. وحيث انه كانت لدي اجازة فقد قمت بزيارة الى المستشفى حيث تعملين دون ان يعلم جدك بذلك." وابتسم اذ رفعت وجهها اليه متسعة العينين وتابع قائلا:" لقد كنت متصورا انني سأقوم باستعلامات عدة عنك ولكن الحظ كان بجانبي اذ لم تمض علي دقائق حتى خرجت بنفسك الى غرفة انتظار المرضى الخارجيين وذراعك حول مريضة طاعنة في السن وعلى الرغم من شعرك المرفوع الى قمة رأسك وكذلك كونك في ملابس العمل فإنني لم اخطئك وكان جدك على حق فإن صورك لم تعطك حقك من الجمال. لم يكن الامر مجرد جمال خارجي مع ان هذا وحده سبب كاف وانما كانت الطريقه التي كنت تنظرين فيها الى مريضتك كانت المشاعر في كل جزء من اجزاء جسمك. كنت تبدين عاطفيه كل خليه في جسمي ادركت ذلك واشتاقت الى امتلاكك .في تلك اللحظة علمت اننى وقعت في حبك وانني يمكن ان افعل أي شيء لجعلك زوجة لي."
ثار في نفس كاتيا امل ضعيف وهي تتطلع في عينيه السوداوين ولكن الآلآم التى عانتها منعتها من ان تصدقه بسهوله مع ان حبها له كان عميقا خالدا في نفسها . وكان مايزال هناك أحداث اخرى عليه ان يوضحها أولها علاقته بجينا كابريني قبل ان تقبل بالعودة اليه لتعيش معه كزوجة.
لا حت على فمه القوي ابتسامة مختصرة وهو يتابع قائلا: " يمكنك ان تتصوري سرور انطونيو وانا اخبره انني عدت الى تصميمي."
قالت:" ولكنه بالتأكيد كان اكثر سعادة عندما عدت الى البيت." قالت ذلك وهي تتذكر الطريقة الجافة التي حياها بها جدها. فهز نيكولو كتفيه وهو يقول:" بالطبع فقد تلاشت كل مخاوفه على سلامتك مهما كانت درجتها من الصحة. كان متأكدا من انك ستقعين في حبي. وذلك يجعل عودته الى ايطاليا ممكنا بعد ذلك المنفى الاختياري الذي دام سنين طويلة وذلك بعد اتحاد الأسرتين المتخاصمتين بهذا الزواج."
قالت:" ثم هربت أنا منك لتنهار كل احلامه." لقد اعترفت كاتيا بذلك وقد استولت على نفسها الآبة وهي تتصور خيبة الامل التي سببه تصرفها لجدها.
ضحك نيكولو باكتئاب قائلا: " لم يدرك أي منا انك سمعتنا نتحدث مما اعطاك فكرة خاطئة عن الامر. ولكن اذا كنت متأذية او غاضبة هل يمكنك تصور مشاعري وأنا أراك تتغيرين في اللحظة التي وضعت فيها قدمك على أرض ايطاليا؟ لماذا لم تفضي إليّ بمخاوفك ياعزيزتى؟"
تصاعد الاحمرار الى وجنتي كاتيا وهي تقول:" شعرت باننى خدعت وغرر بي. لقد كانت هي الطريقة الوحيدة التي امكنني التفكير فيها لاستعادة كرامتي التي انهارت بعد سماعي ذلك الحديث. ولقد كنت خائفة يا نيكولو...."
وتوسلت اليه عيناها ان يكون متفهما ما تعني وهي تتابع قولها:" لم استطع ان اعرف لماذا تظاهرت بحبي . وقد منعني كبريائي من ان اسألك عن ذلك. والشيء الوحيد الذي امكنني التفكير فيه هو الابتعاد عنك بينما كنت احاول العثور على السبب الذي جعلك تتزوجني؟"
قال نيكولو:" لم اكن مدعيا ياحبيبتي لقد كنت احبك كما احبك الآن . اوم لا انكر اننى كنت اغضب واشعر بالالم لتصرفاتك في البندقية. وكذلك مضطرب الذهن ولكنني مازلت احبك .هل يمكنك ان تتصوري مالذي حدث لي عندما استيقظت ذلك الصباح ولم اجدك بجانبي؟"
قالت :" ولكن غضبك كان قليلا عند رجوعي"
ابتسمت كاتيا بينما غمرت السعادة مشاعرها.
قال:" لانني في لحظة جنونية ظننت ان كوابيس جدك عن مسألة الثأر لم تكن مجرد اوهام وانه ربما قد اعتدى عليك شخص وضيع من عائلتي." وتنهد بعمق" لو انني كنت اعلم مايدور في راسك لكنت ارحتك من كل مخاوفك ولكنني لم اكن اعلم الى اى مدى غرس برونيللي بذور الشك في مخيلتك. لقد حدثت نفسي انه من الطبيعي ان ترغبي في المجوهرات والثياب الثمينة لتظهري جمالك. كما ان امتناعك عن اظهار الحب لي اثار استغرابي فقد كنت في قريتك لا اشك في حبك .ولقد ولقد اقنعت نفسي انه بعد تحقيق زواجنا عمليا كل شيء سيعود كما رجوت وخططت له . ولكن يظهر اننى كنت مبالغا في تقديري."
وقفت وتقدمت لتقف امامه وتمد يديها تلامس وجهه لتزيل المرارة عن فمه الملتوي وهي تقول:" آه كلا يانيكولو .. لقد اردت ان احبك ولقد احببتك . ولكن...."
وتلاشى صوتها والتزمت الصمت.
قال بهدوء:" انك لم تثقي بي. وكيف استطيع لومك لهذا وقد كنت اعمى عن رؤية آلامك. وهكذا وقعت فريسة تخيلاتي بانني اهملتك."
كانت هذه هى اللحظة التي كانت كاتيا تخاف منها اكثر من اى شيء اخر .لقد ارادت بكل ماتملك من مشاعر ان تصدق ماقاله نيكولو عن حبه لها. ولكن كيف لها ذلك وشبح جينا يقف بينهما؟
لم تستطع منع الرجفة التي اعترت جسدها .وسارت نحو النافذة تتطلع منها الى الساحة تحدق فيها ساهمة.كيف يمكنها احتمال مثل هذه العلاقة بين زوجها وجينا؟
جاءها صوت نيكولو من خلفها قائلا بهدوء:" عندما اكتشفت ليلة السبت انك تركتني للابد كما بدا مادمت قد تركت لي خاتمك تملكنى القلق البالغ وتأكدت من ان برونيللي قد سمم افكارك من ناحيتي وهكذا ذهبت لمقابلته."
وتجلى السرور في صوته وهو يتابع قوله:" لقد بدا متعاونا معي بعد شيء من الاقناع له من جانبي وذلك الى حد انه اراني صورتي مع جينا التي سبق واراك اياها."
تصلب جسم كاتيا في موقفها امام النافذة ولكنها مازالت ترفض ان تواجهه."هكذا اذن؟"
هكذا عدت الى القصر مقتنعا بأنك مادمت لم تذهبي لبرونيللي فانك دون ريب قد اتجهت الى قريتك في انكلترا. واتصلت هاتفيا بجوزيب كابريني لاخبره بانني ساترك ايطاليا لمدة يوم او نحوذلك وردت علي جينا التي اخبرتني انك وهي قد تبادلتما الحديث معا في الحديقة وقد بدا انك تعلمين كل شيء عن حملها وكيف وقفت انا بجانبها."
تنحنحت كاتيا لتجلو صوتها ثم قالت:" لقد قالت هي ذلك عن نفسها ولم اشأ انا ان اسبب الإحراج لنا نحن الإثنين بإيضاح جهلي الكلي بذلك."
"كاتيا.." وامسكها من خلفها وادارها اليه بخشونة لتسقط على جسمه الصلب وهو يقول:" كاتيا كيف امكنك ان تعتقدي ان جينا تحمل ولدي؟" وهزها انما ليس بخشونة مما جعل شعرها يتناثر على كتفيها وهو يتابع قائلا :" ياللحمقاء الصغيرة!"
قالت وهي ترتجف وقد اشتعل في نفسها امل عارم:" هل تعني انها ليست كذلك؟"
تمتم نيكولو شيئا بالايطاليه بلهجة حادة خشنة لم تستطع كاتيا فهمها برغم معرفتها الطيبة بتلك اللغة. وتابع قائلا:" لم تكن جينا سوى صديقة ونحن نعرف بعضنا البعض منذ الطفولة .انني انا الذي قدمتها الى جوزيب كابريني حتى انني كنت أشبينه في حفلة زفافه."
"ولكنها قالت..."
وتلاشى احتجاج كاتيا على شفتيها وهي تعود بفكرها الى تلك الجلسة في الحديقة مع جينا...منتديات ليلاس
ماذا قالت جينا بالضبط؟ ولم تستطع ان تتذكر كلمات تلك المرأة .. وقال نيكولو وقد عاد اليه عبوسه:" اراهن على انها لم تقل انني والد الجنين. انني لم اتعمد رؤيتها عندما ذهبت الى ميلانو ولكنني اردت ان اشتري لك ثوبا جميلا لترتديه في حفلة عرض الأزياء . وكانت هي افضل شخص يمكنه مساعدتي في مثل هذا." وشد بقبضتيه على كتفيها وهو يتطلع في عينيها الممتلئتين بالدموع واستطرد يقول:" لقد دهشت حين قالت إنها تريد رؤيتي.ولكنها كانت صديقة لي ولهذا تدبرت الوقت الذي سمح لي بأخذها الى العشاء. لقد هجرت زوجها منذ ستة اشهر لشدة غيرته عليها ولاعتقاده بانها تتجنب انجاب الاطفال لكي تتفرغ لعملها. ومن المضحك انها اكتشفت انها حامل منه بعد ذلك بأسابيع فقط."
ابتدأ الامل يتفاعل في كل خلية من جسمها وهي تقول:" حامل من جوزيب؟ياالهي ... انني لم ادرك .... يالجينا المسكينة."
قال نيكولو عابسا:" تماما لقد كانت ماتزال غاضبة من الكلمات القاسية التي تبادلاها اثناء شجارهما .ولهذا صممت على اخفاء حملها عنه وذلك بأخذ اجازة من عملها عندما يحين وقت ولادتها وبعد ذلك تستأثر بالطفل لنفسها. ولكنها مع مرور الوقت ابتدأت الشكوك في صواب ماتفعل تراودها. لقد كانت ماتزال تحب جوزيب وتشتاق اليه وادركت ان قلبها لن يطاوعها ابدا على حرمانه من العلم بولده." وتوقف نيكولو عن الكلام وهو يرفع يده يسوي من شعر كاتيا برقة ثم عاد يقول :" ولكنها كانت خائفة مضطربة من ان يرفضها والطفل لانتظارها كل هذا الوقت الطويل دون إخباره بذلك."
تنفس بعمق ثم تابع يقول:" لقد أرجعتها الى بيتها بعد ذلك العشاء في ميلانو ثم تبادل الحديث في افضل مايمكن عمله. واتفقنا أخيرا على ان أكون وسيطا بينهما. لقد كان جوزيب وزوجته صديقين وزميلين لي ولهذا كنت ادرك مبلغ شوقه الى جينا ولو انه كان يخفي ذلك ولم يكن ثمة سواي يمكنه اعادتهما الى سعادتهما الماضية."
همست كاتيا:" بينما كنت اظن انك وهي..." وشعرت بالخجل لسوء تفسيرها لكلمات جينا كما ان السرور أفعم قلبها وهي تنظر الى نيكولو قائلة:" اوه. يانيكول هل يمكنك ان تسامحني ياترى؟"
شدها الى صدره قائلا:" لقد كان الذنب ذنبي منذ البداية اذ كان يجب ان اعمل بنصيحة جينا حين طلبت من ان تشاركك سرها لانك زوجتي ويجب ان لا اخفي عنك اية اسرار. ولكنني كنت غاضبا من عدم اكتراثك لي ولهذا لم اجد في نفسي ميلا الى تبادل مثل هذه الأحاديث معك."
تخلل شعرها بأصابعه ثم أمال رأسها الى الخلف حاملا اياها على رفع وجهها اليه والتطلع في عينيه السوداوين وهو يقول:" نعم. سأسامحك ياحبيبتي على ان تسامحيني انت. ولكن اذا انت هربت منى مرة اخرى فسأعاقبك بالضرب الذي يعتقد جدك انك نلته على يدي."
ونظر اليها بوحشية ولكنها ابتسمت امام تهديده وقد ادركت معنى الألم الذي يعانيه كما انها كانت متأكدة من انه لن يلمسها مهما بلغ غضبه منها.
قال:" ياالهي هل عندك فكرة عن مقدار العذاب الذي عانيته عندما جلست انتظر اتصالا هاتفيا من جدك ليخبرني عن وصولك الى منزله؟ لم اكن لأستطيع الرقاد وانا افكر في ما اذا كنت على صواب في هذا الانتظار ام انه كان علي ان ابلغ الشرطة ونطلب تمشيط القناة. ولكن الذي ابقى على صحة هو علمي ان الحنان الذي تغمرين به نفسك يمنعك حتما من ان تسببي الحزن لجدك وعمتك بيكي.وذلك الى ان اتصل بي جدك هاتفيا."
تنفست بعمق وقد احست بما يريد أن يسمعه منها بلسانها لكي تزداد سعادته وقالت:" وانت يانيكولو ،إنني لم ارغب قط في ان اسبب لك أي اذى لانني احبك منذ اللحظة الاولى التي رأيتك فيها ، احسست بأنك أدخلت الى حياتي شيئا لا اعرفه ، لقد ادخلت الى نفسي أحاسيس ومشاعر لم أعرفها قط من قبل. ولكن لقد حدث كل شيء بسرعة. لقد كان شيئا مخيفا ومثيرا في الوقت نفسه. وتملكنى الذعر لتورطي بهذه المشاعر نحوك لأنني ظننت ان جدي لن يقبل مطلقا بزواجي منك ولكن بدلا من ذلك......." وابتدأت تضحك وقد زال توترها وهي تتمسك بكتفي نيكولو تمالكا لتوازنها وتابعت:" بدلا من ذلك كان يقوم طيلة الوقت بدور الخاطب...."
أوقف هو ضحكتها بعناق منه . وامتد يداها تتخللان شعره وقد حلقا في اجنحة السعادة.
همس في اذنيها بصوت اجش:" لم أشعر نحو امرأة في حياتي كلها بما شعرت به نحوك. ولم اصب بطعنة في قلبي اقسى من الطعنة التي اصبت بها عندما اخبرتنى انك تزوجت مني فقط لكي تحققي بواسطتي احلامك في الغنى والترف اللذين تستحقينهما . إن اول ماقمت به في ميلانو كان تكبير صورة لك ووضعها في اطار ثم تعليقها في مكتبي لكي تشجعيني أثناء عملي. ولكن ذلك كان بديلا ضعيفا للجمال الحي الذي كنت تركته خلفي في البندقية."
ابتسم وهو يطبع قبلة رقيقة على وجنتها قائلا:" هل تعديني بعدم الهرب مني مرة اخرى؟"
تنهدت وهي تقول:" اعدك بشرط الا تتهمني مرة اخرى بالسطو على مكتبك لسرقة تصميماتك وبيعها للصحافة."
قال:" آه كانت تلك أمنية باطنية مني. كنت اريد ان تبني اية فكرة ماعدا انك فضلت سيزار برونيللي علي."
تألقت ابتسامتها على وجهها وهي تقول:" هذا الذي لن أستطيعه ابدا . ولكن هل اكتشفت من هو الفاعل؟"
أومأ نيكولو برأسه قائلا:" لقد اخبرني برونيللي." وبدا من بريق عينيه انه استعمل طرقا خاصة لتحمل برونيللي على الاعتراف. واستطرد:" إنه أحد رسامي التصميمات الجدد عندنا . وقد شعر بنفسه مغبونا في معاشه. لقد ترك ذلك الرجل المهذب الشركة الآن ليجد مكانا في شركة أخرى . ولن يزعجنا بعد الآن."
سألته:" أن ترفع ضده دعوى؟"
أجاب :" كلا. فقد كنا متساهلين في الاحتياط من جهتنا كما ان مادفعه له برونيللي قد تبرع به الان للاعمال الخيرية.هذا الى ان الخسائر الناتجة عن ذلك لم تكن بالغة .
فقد كانت التصميمات بدائية ولحسن الحظ انها لم تكن هي التصميمات العالمية المعقدة وكما أعتقد فقد انتهت المسألة .ذلك ان عندي أشياء أخرى أكثر اهمية."
سأته بدلال:" مثل ماذا؟"
أجاب:" هل تعدينني بالحب والاخلاص ياحبيبتي كاتيا"
قالت وهي ترتعش:" نعم آه بالتأكيد." وشعرت بالشوق اليه كما لم تشعر نحوه من قبل إذ تأكدت اخيرا من حبه لها.
قال :" اخبرينى ياحبيبتي .دعينى اسمع هذه الكلمات من فمك.انها كلمات الكاهن أثناء عقد الزواج في الكنيسة . قولي:" سأقدم لك جسدي وأخدمك" فكررت هذه العبارة ولتدخل السرور الى نفسه اضافت:" حتى يفرق بيننا الموت."
أخذ يدها بيده وهو يدس يده في جيبه ليخرج خاتمي الزواج اللذين سبق وتركتهما له على الوسادة قبل تركها لبيته وباحتراس اعاد الخاتمين الى اصابعها.
قال:" والآن وقد عدت أكثر سعادة بعودتك زوجة لي. أظن انه يجب ان نحتفل بإعادة اقتراننا." وابتسم وهو يكول:" ولكن ليس هنا فهذا المكان يناسب الفلاحين أكثر مما يناسب ماركيزة .أليس كذلك؟"
قالت تغيظه:" هل في ذلك فرق عندما تكون عاشقا؟ ولكن لا يوجد قفل في الباب وأظن أننا استغللنا ضيافة ريتشارد أكثر من اللازم.هل تظن انه من الافضل ان نسلك الطريق الطويل عائدين الى جدي؟"
فابتسم نيكولو قائلا:" كلا. ولكن من حسن الحظ أنه لا يتوجب علي ذلك اذ انه منذ اخبرني جدك عن الذي سمعته من حديثنا ذلك اليوم قبل السفر وعما استنتجته وأكده هو لي بأنك مازلت تحبينني جئت الى هنا بسيارة اجرة .واذا كان ثمة ضرورة فسأختطفك بنفسي وأجعلك سجينة في منزل جدك الى ان تستسلمي إليّ بجسدك وقلبك وروحك."
قالت وهو يقودها عبر ساحة الاسطبل:" ألا يجب أن نودع ريتشارد؟"
قال بجفاء:" أظن اننا يجب ان نجنبه لحظة الاحراج هذه ويكفينا اضطرارنا لرؤية جدك وعمتك بينما رغباتنا مكتوبة بوضوح على وجهينا."
لكن البت كان هادئا حين دخولهما .وصعد بهدوء السلم نحو غرفة نوم كاتيا التي عاشت فيها منذ اللحظة التي احظرها فيها انطونيو لورنزو اليها كملجأ يحميها. وثقة منه بأن ابن باولو كاشياتور سيتابع طريقه هو في العناية بحفيدته اقنع العمه بيكي بأن يتناولا القهوة والكعك في الحديقة خلف البيت دون ان يكون في نيتهما العودة الى داخل البيت قبل ان يستدعيهما هو بنفسه.
مستلقية بين ذراعيه الدافئتين اخذت كاتيا تتخلل شعر نيكولو بأصابعها الناعمة وهي تقول:" لم يبق امامنا سوى اسبوع او اكثر قبل ان اقف معك امام المذبح في كنيسة علبة المجوهرات سانتا ماريا. وما أجمل ان يكون جوزيب وجينا كابريني معنا هناك."
قال نيكولو :" وكذلك سيزار برونيللي."
جلست وهي تهتف:" ماذا؟"
ابتسم قائلا:" كنت افكر في الدعوات الى حفلة الزفاف. واننا يجب ان لا ننسى سيزار .انه يمكن ان يخصص لنا صفحة كاملة يضع فيها صور الزفاف وحفلة الاستقبال.على الاقل هذا مايتوجب عليه نحونا."
ضحت كاتيا وهي تقول لاغاظته:" انك اكثر الشبان الذين عشقوني مكرا."
اجابها بمثل قولها:" وانت اكثر الفتيات اللاتي عشقتهن جمالا." قال ذلك برقة وحنان وهو يرفع خصلة من شعرها الذهبي الى شفتيه يقبلها وهو يقول:" يامعشوقتي الذهبية ويا زوجتي الذهبية التي كافحت لأجلها ببالغ الجهد ووصلت اليها ببالغ الجهد وهي لي الى الأبد."



تمـــــــــــــــت

روز السوسن 10-08-08 11:25 PM

ررررررررررررررررررروعه الروايه وباقة حب كبيره للي نزلتها لنا الف تحيه لك مني

sasa sasa 11-08-08 11:50 AM

يعطيكو العافيه يا حلوات
شكرا ليكم سلمت ايديكم

ماري-أنطوانيت 24-08-08 05:57 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة روز السوسن (المشاركة 1588474)
ررررررررررررررررررروعه الروايه وباقة حب كبيره للي نزلتها لنا الف تحيه لك مني


تسلمين عزيزتي...وان شاء الله ترقبوا روايات جديده

ماري-أنطوانيت 24-08-08 05:58 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة sasa sasa (المشاركة 1589257)
يعطيكو العافيه يا حلوات
شكرا ليكم سلمت ايديكم

هلا فيك sasa sasa
الغفو قلبي والله يسلمك ... ^_^

caroline 26-08-08 03:54 AM

والله يعجبني العمل الجماعي شكرا للجميييييييييييييييييع

:liilas::liilas::liilas:

majedana 27-08-08 02:53 AM

تسلم ايديك انتي وصديقاتك

بجد مجهود راااااااااااااااائع تسلمي

منتظرة جديدك

ام العيال 28-08-08 04:29 PM

مشكوره وهى روايه رائعه ومشوقهوالله يعافيكم

dont look at me 29-08-08 12:51 AM

اشكركم يا احلى مجموعة على مجهودكم الرائع

اتمنى منكم ان تواصلو الكتابة هنا ومنتدى مكسات ايضا

لــولــي 31-08-08 05:19 PM

يسلمووووووو

ملووكه 01-09-08 08:16 PM

وااااااااااااااااااااااااااااااو

روعه روعه عن جد

جهد راقي وختيار مبدع

بلييييييييييييييييييييز لاتحرمونا أختياراتكم او كتاباتكم

الراقيه

يسلمو الروايه وااضحه مره وسهل نقلها في الوراد

مجموعه رائعه

الله يعطيكم مليون عافيه

شكري للكل

تحياتي لكم

ملوووووووووووووكه

:55::55::55::55::55:


tootty 06-09-08 02:08 AM

حلوة جدا ويعطيكم العافية لكل من شارك بكتابتها وكمان قرائتها هههههههههههههههههههههههههه

العاصفة الصامتة 20-09-08 03:13 PM

الرواية رائعة ميرسى كتير ليك

nawalbnz 05-10-08 02:04 AM


ماري-أنطوانيت 10-10-08 07:49 PM

تسلمووووووووون عزيزاتي...وان شاء الله لنا لقاء بروايات ثانيه..

niso 11-10-08 12:07 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

kareen75 29-10-08 03:10 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

يسلموا الايادي يا ماري بصراحه عشت فوق السحاب وانا اقرا هذه الروايه هذا النوع الذي احبه الملي بالمشاحنات والذي ينتهي بصوره عاطفيه
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

برنسيسة ليلاس 31-10-08 02:53 PM

روايه رووعه تسلمي ع النقل


لحظة وداع 06-11-08 02:12 PM

تسلم ايديك ع الرواية ايل اكثر من روعة وننتظر جديدك جزاك الله الف خير بارك الله فيك ورحم الله والديك, يعطيك الف عافيه

hamesha 14-01-09 03:15 AM

rewaya raw3aaaaaaaaa chokran laki o5te

عيون عسلية 22-01-09 01:23 AM

روعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــة :)
يعيطكم الف عافية:)


posy220 06-02-09 08:08 AM

ششششششششككككككككككككككككرررررررررررررررررررررررااااااااااااا ااااااااا ععععععععععععلللللللللللللللللىىىىىىىىىىىىىىىىىى الللللللللللللللللررررررررررررررررررررووووووووووووووووووووعع عععععععععععععععععههههههههههههههههههه:55:

ايدن 06-03-09 08:36 PM

شكرا للجهود والله يوفقكم

جمرةغضي 08-03-09 10:54 AM

:5
5::rfb04470::55::rfb04470::55::rfb04470::55::55::rfb04470:بر افو:55::rfb04470::55:
يعطيك الف عافيه

لوسان2 02-04-09 04:11 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

la luna 05-05-09 10:38 AM

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد
شكرا

امبراطوره قلوب 06-06-09 05:08 PM

مشكوووورين الصراحه على القصه و تسلمووون على المجهود الحلوووجزاكم الله خير

posy220 07-06-09 09:09 PM

شكرا كتير مووووووووووووووووووت على اروووووووووووواع روايه والمجهود:rdd10ut5:

awaw 04-11-09 03:49 PM

الصراحه راحه كما يقولون انها من اجمــــــــــل الروايات الي قريتها

الجبل الاخضر 06-11-09 01:04 AM

تسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسلمين وشكرا وروعه

زهرة الماس 27-11-09 10:16 PM

يسلمووووووووووووووووووووو0000000000 تحياتي لكن

نونا المجنونه 04-12-09 12:02 AM

تسلم ايديك ياقمر

قماري طيبة 01-01-10 08:01 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

moura_baby 28-05-10 01:59 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

rana_rana 29-05-10 06:36 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

الجبل الاخضر 30-05-10 10:59 PM

:55::55::55::55::55::flowers2::55:
برافو للكتب وكمان للنزلتها لنا تسلمون وشكرا لكم وعلى المجهود البدلتوه شكراوننتظر جديدكم

sadeka 31-05-10 01:19 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

لوريان 31-05-10 10:57 PM

7eloooo kter :Welcome Pills4::mo2: b7ebha hay alreway :lol:

arsh 02-06-10 11:32 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

rehab abdo 25-09-10 12:47 AM

روعة سلمت يداك

جنون العشق 25-09-10 06:38 AM

رووعة
تسلم يدك انتي وصاحباتك
عن جد مجهود رائع
يعطيكم ألف عافية

ندى ندى 20-12-10 03:43 AM

القصه رائعه جدا

زهرة منسية 20-03-11 12:56 AM

مارى انطوانيت&زهر نوار&noisy cat&ورد قايين&الاميره شوق& ان همبسون&لحن الوفا &الشيخه زوزو&shining tears
east roze شكرآ لكم جميعآ على المجهود الكبير والروايه الرااااااااااااااااااائعه يسلم اناملكم

سومه كاتمة الاسرار 21-07-11 12:30 AM

الف شكر لكل اللى ساهم فى كتابتها وليكى انت ياقمر لانك وصلتيهالنا سلمت الايادى
:8_4_134:

حنين المااضي 08-07-17 03:55 AM

رد: 500 - العشيقة الذهبية - انجيلا ويلس - قلوب عبير دار النحاس ( كاملة )
 
شكرا جدا على المجهور في الترجمه

paatee 03-10-17 11:06 PM

رد: 500 - العشيقة الذهبية - انجيلا ويلس - قلوب عبير دار النحاس ( كاملة )
 
رائعه يعطيكي العافيه

شريفون 05-10-17 01:26 AM

رد: 500 - العشيقة الذهبية - انجيلا ويلس - قلوب عبير دار النحاس ( كاملة )
 
السلام عليكم
حرب التتار -ملوك حرب التتار
http://mtatar.com/ts5/register.php?ref=278

آخر الدنياااا 09-04-21 02:00 AM

ااأااااأااااااااااااااا

Moubel 14-04-21 04:26 PM

رد: 500 - العشيقة الذهبية - انجيلا ويلس - قلوب عبير دار النحاس ( كاملة )
 
جميلة 😍 😍 😍
شكرا


الساعة الآن 04:15 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية