منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات احلام المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f457/)
-   -   217 - سيد الصقر - جينيفر تايلور ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t82248.html)

arewa 22-06-08 08:55 PM

217 - سيد الصقر - جينيفر تايلور ( كاملة )
 
سيد الصقر


كـ xt & كـ وورد هنـا


ملخص الرواية
كان الدكتور" نيال غيلسبي "رئيس القسم الذي تعمل فيه " سارا هاريس " جبلا من جليد , لكن سارا ادركت متأخرة انه يخفي تحت ذلك الثلج نارا لاهبة ! وصاح بها عقلها محذرا ... الخطر ... الخطر.
- هل انت قادمة يا سارا !
كانت الشمس تسطع بقوة فمنعتها من رؤية تعابير وجهه ولكن هذا لم يعد يهمها . انها تعي مارأته وسمعته .
وأخافها هذا لأنها تجهل كيف عليها ان تتصرف .
فهل عليها ان تضع حدا وتسير مبتعدة دون ان تنظر الى الوراء , اتدير ظهرها للخطر , اليسهذا الطريق الصواب , نعم انه هو . لكن من المؤسف ألا تستطيع ان تسلك هذا الطريق , وألا تجد حلا آخر سوى القفز الى النار ... وتخاطر بالاحتراق منتديات ليلاس

arewa 22-06-08 08:57 PM

- قلب في النار
-
وهذا يجعل المجموع مئة وتسة وعشرون !
أعلنت الممرضة سارا هاريس ذلك وهي تدخل الى غرفة الممرضين , وتتوجه مباشرة الى لوحة الملاحظات حيث سجلت المجموع الجديد أمام رسمها وعلى فمها ابتسامة عريضة وأضافت : " السيدة( بيترز ) توأم " .
أجابت ايرني برينتس , القابلة الأكبر سنا في قسم التوليد , وهي تبتسم :
- هذه عادتك ! كان يجب أن اعلم انها ستلد اثنين . ما الذي تفعلينه لمريضاتك , يا سارا ؟ ترشينهن ! لقد فزت السنة الماضية في مباراة توليد اكبر عدد من الأطفال , ويبدو انك ستفوزين بها هذه السنة ايضا !
فقالت سارا ضاحكة وهي تضع الإبريق على النار لتحضر لنفسها فنجانا من الشاي :
- انت بالذات لا يحق لك ان تتكلمي بعد ان انجبت احدى مريضاتك ثلاثة توائم الأسبوع الماضي واذا بك الآن تضنين علي بهذه
المنحة الصغيرة !
والقت بنفسها على كرسي وهي تخلع حذاءها , متنهدة بارتياح , ثم اضافت :
- آه , ما احسن هذا ! لا اظن ان السيدة" بيترز " مرهقة بقدري أنا . كانت رائعة ونفذت كل ما طلبناه منها . لكن زوجها المسكين كان مذعورا جدا حتى ظننته سيموت ولهذا دفعناه الى تنشق بعض الأوكسجين والهواء لتهدئة اعصابه .
ضحكت إيرني وهي تنهض واقفة :
- يتصرف الكثير من الآباء بهذا الشكل . انتظري حتى تري ما رأيته أنا من آباء ممددين على ارض غرفة الولادة .
وابتسمت متذكرة الأيام الخوالي , وتابعت تقول وهي تغسل فنجانها:
- حين بدأت عملي كقابلة , لم يكن مسموحا للأب بحضور عملية ولادة زوجته . وأتذكر رئيسة الممرضات , في أول مستشفى عملت فيه , وهي تتذمر بحدة , لأن رجلا مسكينا تجرأ وسأل إن كان بإمكانه ان يحضر ولادة زوجته . لقد تغيرت الأمور كثيرا منذ ذلك الحين والحمد لله .
فقالت سارا :
هذا صحيح . فقد اصبح من النادر الا يحضر الزوج الولادة . اما زلت تفكرين في التقاعد , يا إيرني اواثقة انت من انك لن تندمي على ذلك ؟ أما أنا فلا أتصور أن بإمكاني ترك كل هذا , فأنا احب عملي جدا .
- اعرف , وهذا سبب تفوقك فيه . على القابلة الماهرة ان تكون صبورا وحازمة , وأنت تملكين هاتين الصفتين . وكل الأمهات لديك يشهدن بذلك , وبأنهن لا يعرفن كيف كن ليتصرفن بدونك .
ابتسمت وهي تجفف يديها ثم أضافت :
- كان شعوري نحو العمل مماثلا لشعورك , يا سارا . لكنني الآن بحاجة الى مزيد من اوقات الفراغ , فقد تقاعد " جاك " , وبات بإمكاننا تنفيذ كل ما وعدنا انفسنا به .
تنهدت سارا :
- افهم ذلك طبعا . ولكن من المؤسف ان تتركينا مباشرة بعد تقاعد الدكتور "هندرسون " . وهكذا , ستتغير الأمور هنا عما كانت عليه.
- هذا صحيح . لقد سمعت ان " نيال جيلسبي " الذي سيستلم القسم , رجل رائع . ولكن لا شك ان لديه اراءه الخاصة عن كيفية سير الأمور . وبما ان مصلحة الصحة قررت إغلاق قسم التوليد في "رويال " وجعل مستشفى " دالفرستون العام " المركز الوحيد لتعليم التوليد , فستتغير الأمور حتما .
- اعلم هذا , واظن انه من الرائع الحصول اخيرا على كل المعدات التي نحن بأشد الحاجة إليها . أثير الكثير من اللغط حول موضوع إغلاق هذا القسم , لكن بما انه لايفصل بين المستشفيين سوى عشرة اميال , كان بالإمكان الاستفادة من المعدات نسبيا .
- اشعر بأنك متحفظة حيال هذا الموضوع , على عكس ما تقولينه الآن .
- حسنا نعم , نوعا ما . كل ما في الأمر انني اريد ان يحصل لهذا المكان ما حصل لكثير من أقسام الولادة الكبرى الأخرى . تتميز كلها بتقنية عالية ولكنها تفتقر للروح , فالولادة يجب ان تكون حدثا رائعا بالنسبة الى المرأة التي يجب ألا ترغم على نوع من الولادة لا تريده لأنه يلائم الممرضات أكثر .
سألتها إيرني مقطبة :
- ما الذي يجعلك ان هذا سيحدث هنا ؟
- آه , لعله مجرد غباء مني !
ونهضت سارا لتغسل فنجانها , وهي تقول :
- لقد احببت كل دقيقة امضيتها هنا , ولهذا لا احتمل فكرة ان تتغير الأمور . كل ما ارجوه هو الا يحاول هذا القادم الجديد فرض سلطته على المكان .. سمعت انه يرفض ان تسير الأمور إلا حسب مشيئته . فلنأمل , إذن ان تنسجم آراؤه مع آرائنا .
ضحكت وهي تستدير , ولكن الابتسامة جمدت على شفتيها حين اشتبكت عيناها بعينين باردتين خضراوين كانتا تراقبانها عند الباب.
تساءلت وقد انقطعت انفاسها فجاة , عما اذا كان السبب اكتشافها بأن هناك من استمع الى حديثهما .
شعرت ايرني بوجود خطب ما , فاستدارت بدورها وتملكتها الدهشة لرؤية القادم الجديد . لكن , فبل ان تنطق احداهما بأي كلمة فتح الباب على مصراعيه ودخلت " إيلين روبرتس " مديرة المستشفى , الى الغرفة .
- الأخت برينتس , انا مسرورة لرؤيتك . فأنا اجول مع الدكتور جيلسبي في المستشفى لأعرفه الى اكبر عدد ممكن من الموظفين .
وابتسمت ايلين للرجل الذي تبعها الى دخل الغرفة , أضافت " الأخت برينتس " هي اقدم ممرضاتنا في قسم الولادة , " نيال " . كم سنة امضيت هنا , ايرني , عشرين ؟
اجابت ايرني وهي تمد يدها لمصافحته :
- اثنان وعشرون , في الواقع . يشرفني التعرف اليك , يا دكتور جيلسبي .
وانت ايضا , أخت برينتس . لقد سجلت لرقما قياسيا , فقلائل هم الذين يمضون هذا الوقت كله في الوظيفة .
كان صوته عميقا , وقد زادت نبرته الاسكوتلندية الخفيفة لهجته الناعمة فتنة . شعرت سارا بقشعريرة تسري في كيانها حين سمعته للمرة الأولى , فأخذت نفسا عميقا وهي تتساءل عن سبب تسارع خفقات قلبها المفاجىء هذا . لا بأس , لعل السبب هو الدهشة التي تملكتها حين رأته واقفا هناك . ولكن هل هذا هو فعلا سبب شعورها الغريب هذا ؟
- ومنذ متى تعملين هنا , ايتها الأخت ؟
اجفلت وهي تسمعه يخاطبها , وشعرت بالاحمرار يزحف إلى وجهها , ولما رفعت عينيها وجدت عينيه الباردتين مسمرتين عليها.
وعندما حاولت أن تجيب عن هذا السؤال البسيط , شعرت بأن لسانها لا يطيعها , فقالت متلعثمة :
- ثلاث ... ثلا .. ثلاث سنوات تقريبا .
- حسنا ... وهل انت مسرورة بالعمل هنا ؟
عقد ذراعيه وهو يتأملها , وهذا ما جعلها تشعر بأن معنى آخر خفيا يختبىء خلف هذا السؤال البريء ظاهرا .
سحبت نفسا عميقا آخر وهي تحاول استجماع أفكارها , ولكنها وجدت صعوبة في ذلك . ما الذي جعلها تضطرب هكذا ؟
ونظرت اليه بسرعة تجد فيه ما يفسر ذلك . كان طويل القامة , ذا جسد متناسق في بذلته الرمادية الأنيقة وقميصه الناصع البياض , وقد سرح شعره البني القاتم الى الخلف , بأناقة , مما ابرز ملامح وجهه القوية , بوجنتيه العاليتين وذقنه المربع , وانفه الذي شابه تقوس خفيف للغاية .
منتديات ليلاس
قطبت سارا جبينها حين لم تر فيه سببا لردة فعلها الغريبة هذه . كان وجهه في الواقع انيق القسمات , وهو وجه يعتبره البعض وسيما , انما يعلوه نوع من الشحوب وكأن صاحبه لا يمضي في الهواء الطلق وقتا كافيا .
كانت عيناه اجمل ما في ملامحه , فهما بخضرة البحر , وتبدوان شفافتين للوهلة الأولى . لكنها ما لبثت أن ادركت , وهي تراهما عن كثب أنه يستحيل قراءة افكاره من خلالهما .
وأخذت تفكر في أنه رجل يجيد اخفاء مشاعره , رجل يبدو وكأنه ينظر الى العالم بانفتاح لكنه لا يكشف عما في نفسه , فتساءلت عما يخاف ان يكشفه الناس . وأدركت فجأة انه لا زال ينتظر جوابها حين رات حاجبيه يرتفعان , فتمتمت وقد اربكها تصرفها هذا :
آه ! نعم , مسرورة جدا , شكرا يا دكتور جيلسبي . العمل في مستشفى " دالفرستون العام " يعجبني كثيرا .
- دعينا نأمل إذن ألا تجدي صعوبة في التكيف مع أي تغيير أراه ضروريا .
وألقت عيناه الباردتان عليها نظرة أخيرة , ثم التفت الى " ايلين روبرتس " قائلا : " أظنك ذكرت شيئا عن قسم ( الولادات قبل أوانها ) " .
- آه , نعم !
واستطاعت ايلين ان تبتسم رغم ما بدا عليها من عدم تركيز إلا ان حالتها لايمكن ان تقارن بحال سارا .
قلت سارا بغيظ , بعد خروج الزائرين :
- أظنه اوقفني عند حدي , اليس كذلك ؟
قالت ايرني مكشرة :
- على ما يبدو . أرجوا ألا تكون هذه اشارة الى كيفية سير الأمور هنا في المستقبل . وإذا صح ذلك , فأنا مسرورة لرحيلي .
- أنا لا ألومك .
وتنهدت ثم اضافت :
- يبدو أ، علي ان اتنبه لكلامي من الآن فصاعدا . اليس كذلك ؟
انفجرت ايرني ضاحكة ,وقالت :
- هذا رائع ! متى فكرت مرتين قبل ان تفصحي عن آرائك يا سارا هاريس ؟
فسألتها سارا ضاحكة بالرغم من انزعاجها من تعنيف الدكتور جيلسبي لها , بذلك الأسلوب الجاف :
- هل تعنين انني ثرثارة او ماشابه ؟
هل أثر فيها لأنه كلمها من دون ان يبدو على وجهه أي شعور ؟ لم تكن واثقة من ذلك .
ردت ايرني وهي تتوجه نحو الباب :
- او ما شابه هو التعبير الملائم . سأذهب لأطمئن على السيدة وولترز . أراك في ما بعد , أظنك ستحضرين حفلة تقاعد الدكتور هندرسون الليلة . اليس كذلك ظ
- هذا صحيح . أراك هناك .
واخذت سارا تتأمل ايرني وهي خارجة .
انها سعيدة منذ انتقلت الى هذه المدينة الصغيرة في منطقة يوركشاير , وربما عليها ان تلجم لسانها بما ان رئيس القسم الجديد أوضح أنه لا يرحب بأي معارضة . والأمر لا يستحق عناء أن تغامر بوظيفتها ...
انتصبت فجأة في وقفتها وتأملت نفسها في المرآة . ثم نفضت شعرها الحريري الأشقر الى الخلف ... غير ان ملامحها الجميلة الجريئة بدت عابسة على غير عادتها , ولمع بريق في عينيها العسليتين .
قد لايفيدها ذلك , لكن إذا ما رأت أي خطأ لن تسكت .. فإن راحة مريضاتها تأتي في المقام الأول عندها .. وما عدا ذلك , ومن بينهم الدكتور الثلجي جيلسبي ... يحل في المرتبة الثانية أو ما دون !

***
- هذا حسن جدا , يا كارين . عنق الرحم متمدد , ولن يطول الأمر الآن .
مسحت سارا العرق عن وجه المرأة الشابة ثم ابتسمت لها مشجعة .
- لا اظن أبدا أن هذا الطفل سيأتي ...
عضت كارين على شفتيها عندما انتابها طلق آخر . انحنت سارا التي غمرتها موجة من السرور عندما ظهر رأس المولود .. أخذت تتفحص برفق ما اذا كان حبل السرة على عنق الطفل , ثم قالت بهدوء تخاطب " هيلين كورت " القابلة المتدربة التي كانت تساعدها:
- كل شيء جيد . رأس الطفل ينطلق من المهبل , ولهذا تحول وجهه الى الأسفل . عندما يبدو الرأس انتبهي الى ان حبل السرة ليس في الطريق , وهذا اهم شيء .
أومأت هيلين برأسها وهي تتلمس برفق عنق الطفل كما فعلت سارا.
- فهمت , ولكن ماذا سيحصل بعد ذلك ؟
ابتسمت سارا وهي تنظر الى كارين . انتظري حتى تشعري بالطلق قبل ان تدفعي . فبهذه الطريقة لا ترهقين نفسك .
أومأت كارين المتعبة , ثم ألقت نظرة على زوجها وحاولت ان تطمئنه :
- لن يطول الأمر , يا دايفيد .
- انك تبلين حسنا !! لا أصدق ذلك ...
وأجفل دايفيد عندما تشبثت كارين بيده مع بدء طلق آخر .
انحنت سارا لتساعد الطفل وهو يقطع المرحلة النهائية من رحلته , شارحة لهيلين سير الأمور :
- انظري كيف ادارالطفل رأسه مجددا وذلك انسجاما مع كتفيه .
سأميل الرأس قليلا نحو الأسفل مع الكتفين , مما يجعل أقرب كتف تخرج أولا ... آه , ها هوذا قادم .
رفعت بمهارة الجسد الصغير الذي انزلق الى الخارج وضحكت حين صرخ الطفل على الفور باكيا , وقد تغضن وجهه انزعاجا من دفعه الى العالم الخارجي بهذه السرعة .
مددت الطفل برفق على بطن الأم , وابتسمت وهي ترى الفرح يرتسم على وجه الزوجين الشابين :
- انها بنت . تهاني لكليكما .
- بنت ؟ لكنني ظننت انه سيكون ولدا !
وتملكت الأب الرهبة , وابتلع ريقه وهو ينظر الى تلك الكتلة البشرية التي ستغير حياته كليا .
ضحكت كارين من بين دموعها واخذت تمرر يدها بحنان على رأس الطفلة اللزج المبتل .
- طلبت منك ألا تستبق الأحداث وتشتري حذاء الفوتبول ذاك .
ضحك الجميع . ثم اكملت سارا مهمتها ففحصت الأم بعناية .
ثم جذبت بهدوء هيلين جانبا لتمنح الوالدين الجديدين فرصة تمضية بعض الوقت مع وليدتهما وحدهما , قائلة لها :
- سننجز ما تبقى من العمل , خلال لحظات . فعلينا أن نزن الطفل ونرى طوله .. ثم سنفحص ما اذا كان وركاه في غير موضعهما . تعرفين اختبار" ابغار " اليس كذلك ؟
أومأت هيلين وقالت :
- نعم . إنه فحص لتقويم حالة جسد الطفل . أليس كذلك ؟
- هذا صحيح . ويتم ذلك عبر مراقبة تنفس الطفل , ولون الجلد , وحركة العضلات والحيوية عموما , ثم نضع نقاطا لكل هذا وأعلى نقطة هي العشرة . لكن إذا ما فاق المعدل السبعة تكون النتيجة جيدة . ونقوم بهذا الفحص فور ولادة الطفل .
التفتت عندما فتح الباب فجأة , ودهشت لرؤية الدكتور جيلسبي يدخل غرفة التوليد . كان يرتدي ثوبا أخضر معقما فيما تدلت السماعة من عنقه . أومأ الى الزوجين محييا , ثم تقدم نحوها , قائلا:
- هل كل شيء على ما يرام , يا أخت هاريس ؟
- بأحسن حال , شكرا يا دكتور .
وحاولت سارا أن تقلد لهجته , وإن لم يكن سهلا أن تحقن صوتها بالبرودة نفسها كما يفعل " نيال جيلسبي " !
دنت القابلة المتمرنة هيلين من رئيس قسم التوليد الجديد , وهي تشعر بانزعاج غريب , شرحت سارا بهدوء للطالبة كيف تعد البطاقة التي تدون عليها هوية الطفل . انتظر الدكتور جيلسبي حتى انهت سارا هذه الإجراءات كلها , وقد بدا الجمود البالغ على وجهه , وهو يستمع الى ما تقوله وربما ينتقده , لكنها حاولت ألا تظهر ارتباكها هذا .
وبعد ان تأكدت من ادراك هيلين أهمية تلك البطاقة , عادت والتفتت الى الدكتور جيلسبي , متسائلة عما يريده ! وسألته بأدب :
- اما زلت تحاول التعود على القسم , يا دكتور ؟
- آه , أظن أنه أصبح لدي فكرة جيدة عن بعض الأمور , شكرا .
وابتسم لها ابتسامة باهتة قبل ان يلتفت الى الزوجين اللذين كانا غافلين عن كل شيء ما عدا طفلتهما :
- هل اجريت للمولود الفحوص اللازمة كلها ؟
لم يكن لسؤاله أي معنى , لأنه يرى بوضوح أن الفحص لم ينجز بعد . وسرعان ما اتخذت سارا موقفا دفاعيا رغم أنها لم تكن تدرك سبب ذلك إذ لم تخطىء بشيء .
قالت :
- لم نجرها بعد . فأنا أحب أن أعطي الوالدين لحظات يمضيانها وحدهما مع الطفل قبل أن أحمله بعيدا .
- وهل هذا هو الاجراء المعتاد ؟
كانت لهجته محايدة تماما , لهذا لم يكن هناك مبرر للغيظ المفاجىء الذي تملكها . نظرت اليه مباشرة , فشعرت برعشة تسري في جسمها عندما التقت عيناها بتلك العينين الباردتين الخضراوين الغامضتين .
- انه اجراء اعتمده دوما عندما تكون الولادة سهلة , دكتور . فأنا أجد أن الوالدين يقدران أهمية هذه اللحظات أكثر من غيرها . وهي فرصة ليعتادا على أن طفلهما قد أصبح حقيقة واقعة أخيرا .
- انها لمسة حنان , يا أخت . على أي حال , أنا اعتبر المجازفة بصحة الأم والطفل عمل أحمق وغير ضروري . تأكدي , في المستقبل , من تنفيذ كل شيء بدقة , ومن فحص الأم والطفل معا لتلافي أي تعقيدات قد تطرأ .
وارتد على عقبيه مغادرا لكن غضب سارا دفعها لتمنعه من الخروج وهي تقول :
- أؤكد لك أنه لم يكن هناك مجازفة بصحة الأم أو الطفل .
- ربما ليس هناك شيء ظاهر .
وابتسم لها ابتسامة جليدية فيما التفت بنظرة تحمل معنى خفيا مشيرا الى أنها تقف في طريقه .
ابتعدت بارتباك وقد احمر وجهها بعد أن أدركت ما فعلت , وازداد احمرار وجهها تأثرا وخجلا , لأنها لم تستطع تجنب ذلك . فقد كان شعورها بالغضب أو الإثارة ينعكس على وجهها دوما , مما يشكل لعنة حياتها , وزادت الأمور سوءا حين ادركت أن هذا فضح شعورها نحو " نيال جيلسبي " .
تنفست بسرعة , وحاولت أن تستعيد هدوء صوتها وملامحها لأنها لم تشأ أن يلاحظ الاستياء الذي سببه لها :
- أتصور أنني ولدت عددا من الأمهات يجعلني قادرة على معرفة ما إذا كانت الأم أو الطفل في خطر يا دكتور .
- ربما , يا أخت . لكنني , في المستقبل أفضل أن أراك تتبعين الإجراءات حرفيا .
وانخفض صوته , فبدت نبرته وكأنها مشبعة بالألم حين أضاف :
- هناك دوما أشياء لا نتوقعها . وهذا ما يجب أن ننتبه له وإلا وقعنا في أخطاء نحن في غنى عنها .
واستدار ليخرج إلا أنه توقف والتفت إليها : " بالمناسبة , ما نوعه؟" .
- ما نوعه ... ؟
لم تفهم ما عناه . وبدا نيال جيلسبي جامدا وشاردا كما لم يبد من قبل.
- أعني الطفل . هل هو ذكر أم أنثى ؟
- آه , إنها أنثى .
والقت نظرة على اللوح الأبيض حيث كتبت الأسماء التي اختارها الأبوان ثم أضافت :
- أظنها ستحمل اسم " هولي لويز " .
- أبلغي الأبوين تهاني .
ولم يضف أي كلمة
وهو يغلق خلفه باب غرفة الولادة بهدوء .
أخذت سارا تحدق في الباب للحظات قبل أن تناديها كارين , فتوجهت الى السرير وأخذت تجيب عن أسئلة الأم . وفيما راحت تشرح بعض لها الأمور , كان ذهنها يركز جزئيا على ماكانت تقوله.
أتراها تخيلت ذلك ؟ أخذت تتساءل وهي تحمل الطفلة لتزنها , إن كانت فعلا قد سمعت نبرة الألم تلك في صوت نيال جيلسبي منذ لحظات ؟
لم تستطع أن تتأكد وكانت تلك مشكلتها . لو تمكنت من نبذ هذه الفكرة واعتبرتها مجرد تخيلات , لانتهى الأمر . وأدركت أن فضولها قد أثير كليا . إنما تشك في أن يرضى الدكتور جيلسبي باهتمامها هذا ..

arewa 22-06-08 09:00 PM

2- وهم أم خيال ؟

سارا .. تعالي الى هنا . لقد حجزنا لك مقعدا .
- شكرا . ظننت أنني لن أصل أبدا ! فاتني الباص , لهذا اضطررت للعودة الى بيتي والاتصال بسيارة أجرى .
اندست سارا قرب إيرين ثم ابتسمت للآخرين . كانت مجموعة كبيرة من الموظفين قد تجمعت في المقهى بجانب المستشفى لاحتساء العصير قبل التوجه الى حفلة الدكتور هندرسون التي تقام في فندق قريب .
ورأت هناك ممرضات من مختلف الأقسام ومن قسم الولادة أيضا .
- آه , لم أكد أعرفكن . أنتن رائعات من دون ثياب التمريض .
ضحك الجميع , ثم رفعت هيلين كأسها , وقالت :
- ماذا لو شربنا نخب أول ولادة أحضرها , نخب الطفلة هولي لويز .
- هولي .. لويز !
أخذ الجميع يردد هذا الاسم . والتفتت سارا حولها عندما دس شخص ما كوبا من العصير في يدها .
هاك .. خذي هذا لتبللي شعر الطفلة .
- شكرا يا مايك .
وابتسمت سارا لمايك داوسن الذي عين حديثا كطبيب متمرن في قسم الجراحة . أخذت جرعة من شرابها ثم رفعت صوتها ليعلو الضجة , وسألته :
- ظننتك في العمل الليلة ؟
- قررت أن أحضر الى هنا أثناء فترة استراحتي , لأرى ما استقر عليه رأيك بالنسبة الى مساء الغد . أتودين مشاهدة الفيلم الجديد الذي يعرض في سينما ريتز ؟
- بكل تأكيد .
ولم تفتها لهفة مايك وهو يرتب الأمور ليصطحبها في مساء اليوم التالي . وكان عليه أن يغادر بعد ذلك , وراح يضحك حين رأى الموظفين يغيضونه ويمازحونه لاضطراره الى العمل فيما هم يستمتعون بوقتهم .
لوحت له بيدها عندما وصل الى الباب , وهي تتنهد في داخلها متسائلة
عما إذا كانت علاقته بها قد تخطت الحد نوعا ما .
همست ايرين , وهي ترمقها بنظرة تحمل معنى مبطنا :
- كأنني أرى دلائل الحب . أتراها أجراس الزفاف التي أسمعها من بعيد ؟
فضحكت سارا , وأجابت :
- أشك في ذلك . مشكلتك , يا إيرين برينتس , أنك شاعرية لا أمل في شفائك . هل يعود السبب الى انك أمضيت ثلاثين عاما في نعيم الزواج , حتى بت تودين رؤية الجميع يسير على الطريق نفسه .
هزت إيرين كتفيها من دون أن تهتم بتعليق سارا , وقالت :
- لا يمكنني إنكار ذلك . ومايك فتى جيد , يا سارا , ومن الواضح أنه يميل إليك .
- هممم ... ربما . على أي حال , رقصة التانغو يلزمها شخصان , كما يقولون .
فتنهدت إيرين بأسف , وسألتها :
- أتعنين أنك لا تهتمين لأمره بالطريقة ذاتها ؟ من المؤسف يا سارا أنك صعبة الإرضاء , وفي هذه الحالة , لن تعثري أبدا
على الرجل الكامل والمناسب .
- إذن , سيكون علي أن أبقى عزباء , أليس كذلك ؟
وضحكت رغم أنها تعلم أن في كلام إيرين شيئا من الحقيقة .
فهي صعبة الإرضاء .. نعم لقد خرجت مع عدد من الشبان , بمن فيهم مايك , لكنها لم تجد بينهم من رغبت في قضاء بقية حياتها معه. ولم يكن هذا الأمر ليقلقها لأنها كانت واثقة من أنها ستجد يوما ما ذلك الشخص الذي يملأ حياتها .
جرعت من شرابها ثم حاولت أن تتصوره . هل سيكون أسمر أم أشقر ؟ طويلا أم قصيرا ؟
وأخذتالصورة المبهمة , التي كانت تتشكل في خيالها , تتضح , فسعلت لأنها غصت بشرابها , فجأة .. لم تعد ترى سوى عينين خضراوين , عينين بخضرة البحر ... تحت حاجبين سوداوين , تحدقان فيها .
- هل أنت مستعدة ؟
نبهتها إيرين الى أنهم مستعدون للانتقال الى مكان الحفلة , فأسدلت سارا ستارا على الصورة التي شغلت ذهنها , ووضعت كوبها جانبا . لا بد من وجود سبب جعل صورة نيال جيلسبي تتراءى لها في هذه اللحظة بالذات , ولا بد أن اللوم يقع على إرهاقها الذي جعل الطبيب البارد كالثلج يبدو في زي الرجل الكامل .
- أريد أن أشكركم جميعا من كل قلبي على هذه الهدية الرائعة .
وابتسم الدكتور هندرسون وهو يرفع بيده عدة صيد السمك التي أهداه إياها الموظفون , ثم أضاف :
- وكلما استعملتها سأتذكركم .
صفق الجميع عندما ساعد بعضهم الطبيب المسن على النزول عن الكرسي الذي إتخذه منبرا . ونظر الى سارا بأسف وهو يتناول كأس مياه معدنية , ويقول :
- لم أدرك من قبل صعوبة اتباع نصائح الطبيب . لكن ميغ ستشنقني إذا ما خالفتها وأكثرت من الأكل .
فضحكت سارا , واجابت :
- هذا لأنها تفكر في مصلحتك , يا دكتور .
فتنهد , وقال :
- أعرف , أعرف . وسأكون عاقلا , يا سارا . تلك النوبة القلبية التي أصابتني كانت تحذيرا بأن علي أن أحترس من الآن فصاعدا .
قطبت سارا جبينها عندما استعمل الرجل المسن التعابير التي استخدمها نيال جيلسبي عصر هذا اليوم . ونظرت حولها فإذا بها تراه في الناحية الأخرى من القاعة . واستغربت مثل هذا التوارد في الأفكار , فكلما فكرت فيه أثناء السهرة , كانت تراه على مرمى نظرها .
نظر حوله فجأة ثم قطب جبينه عندما لاحظ أنها تحدق فيه . وشعرت هي بالاحمرار يزحف الى وجهها , فأشاحته وهي تشعر بالارتباك لأنه تنبه الى أنها تحدق فيه بهذا الشكل . وأرغمت نفسها على التركيز على حديث الكتور هندرسون عن خططه لقضاء عطلته في صيد السمك في اسكوتلندا , ومع ذلك كانت تشعر بنظرات تخترق ظهرها بشكل غريب ...
- يمكنني أن أنصحك بأماكن جيدة عدة لتجرب فيها عدة الصيد تلك يا ريتشارد .
أجفلت متوترة حين ميزت ذلك الصوت العميق الذي سمعته خلفها . واهتزت يدها فأراقت الشراب على يدها , ثم عاد الاحمرار ليغزو وجهها وهي ترى نيال جيلسبي ينظر اليها . التفتت حولها بحثا عن طاولة تضع فيها كوبها عليها , ثم قفزت مجفلة مرة اخرى عندما أخذته يد ضخمة من قبضتها .
- اسمحي لي أيتها الممرضة هاريس .
وابتسم نيال جيلسبي ببرودة وهي تتمتم شاكرة . فتحت حقيبتها بسرعة لتبحث فيها عن منديل ورقي , شاعرة بنظراته تراقبها وبتلك الابتسامة الباردة نفسها ترتسم على وجهه .
تملكها ارتباك بالغ وهي ترى نفسها هدفا لعينيه الثاقبتين , وهذا جعلها تنثر نصف محتويات حقيبتها على الأرض وهي تنبشها بأصابع عصبية ... قلما أحمر , قرطان وحفنة م النقود المعدنية تبعثرت على الأرض وانتهت تحت منضدة قريبة .
التهب وجه سارا خجلا وهي تجلس القرفصاء لتجمع أغراضها .
واجفلت فجأة , عندما بدا وجهه قبالتها , وشعرت بقلبها يخفق بجنون ويمنعها من التفكير في ما قد تقوله , وتركت نيال جيلسبي ينقذ الموقف فقام بذلك على طريقته الخاصة وبلهجته الجافة الجامدة:
- أظن أن أحد قلمي أحمر الشفاه تدحرج حتى ذلك الكرسي هناك ... آه , أنا أراه الآن .
استعاد أحمر الشفاه ثم وقف . أغمضت سارا عينيها وراحت تعد حتى العشرة , آملة أن تستعيد اتزانها , وإن لم يكن بشكل كامل ! وفجأة لم تعد ترى سوى تينيك العينين الخضراوين اللتين تحدقان فيها من الجانب الآخر للمنضدة . وذكرها هذا الموقف بما سبق وحدث لها في المقهى . وكيف صور لعا التعب نيال جيلسبي كرجل أحلامها ...
كبحت ضحكة عصبية وهي تنهض واقفة لتحافظ على ما أمكن من كبريائها في مثل هذه الظروف . يجب أن تستريح , فلا أحد يعلم أي تخيلات أخرى قد يصورها لها ذهنها .
- ها هو ذا .
مد نيال جيلسبي إليها يده التي تحمل أحمر الشفاه . فأخذته سارا منه وهي تتمتم بالشكر , وحاولت أن تتجاهل الرعشة التي سرت في كيانها .
ألقت أحمر الشفاه في حقيبتها , ثم رسمت ابتسامة على شفتيها وجاهدت في سبيل تجاهله . لكن الأمر كان أشبه بمن يحاول تجاهل الشمس المشرقة .
كانت تشعر بحرارة جسمه من خلال قماش ثوبها الرقيق . فاقشعر جسمها , وكبتت بصعوبة شهقة كادت تفلت منها حين ادركت تأثيره على أحاسيسها . أذهلها اكتشافها وصدمها وافزعها . ماذا جرى لها؟
ولم تضطرب بهذا الشكل حين يقترب هذا الرجل منها ؟ اندفعت بالكلام , حتى لاتمنح نفسها فرصة للتفكير في الأمر , وقالت :
- هل تمارس هواية صيد السمك , يا دكتور جيلسبي ؟
- كنت امارسها .
وابتسم ابتسامة أخرى باردة , لكن خيل اليها أنها ليست بالبرودة التي اعتادت أن تراها .. بدا وكأن شيئا من التوتر يحيط بفمه , ويسيطر على وقفته إذ تركزت نظراته على بقعة فوق رأسها . ولكم شعرت بالراحة ندما استلم الدكتور هندرسون دفة الحديث :
- من الصعب أن نجد وقتا للهوايات , اليس كذلك يا نيال ؟ فمهمتنا تتطلب الكثير من الوقت . بحيث يصبح كل شيء آخر ثانويا .
وتنهد الدكتور هندرسون بأسى ثم أكمل :
- اتمنى الآن لو أقدر على جعل حياتي أكثر توازنا , فلا يصبح التقاعد بنظري مثبطا للهمة بهذا الشكل . إذ لا فائدة من البكاء على الماضي , بل علي أن أتطلع الى المستقبل . وإذا لم أعد الى البيت حالا , فستأتي ماغ للبحث عني .
والتفت الى سارا باسما , وهو يقول :
- أعتقد أنك واجهت صعوبة في وصولك الى هنا الليلة , فهل تشاركينني سيارة الأجرة ؟ يمكنني أن أقلك في طريقي إلى بيتي .
- آه , نعم ! أرجوك , إذا لم يكن في ذلك إزعاج لك .
هبت واقفة , لأن هذا الأمر عذر جيد لمغادرة الحفلة , ولأنه سيوفر عليها أجرة سيارة الأجرة وتابعت تقول :
- سأعلم الآخرين بأنني مغادرة , ثم أقابلك عند الباب يا دكتور هندرسون .ولعل ذلك يفسر
وهرعت الى حيث إيرين لتخبرها بذلك , فحاول بعضهم اقناعها بالبقاء لكنها تذرعت بالتعب . واخذت تفكر , وهي تغادر القاعة في أن ما قالته ليس عذرا مختلقا , على أي حال فقد كان يومها متعبا في المستشفى , فعدا عن ولادة التوأم وهولي لويز , ساعدت في ثلاث ولادات أخرى .
ولعل ذلك يفسر الأشياء الغريبة الأخرى التي حدثت معها هذه الليلة . وراحت تفكر بردة فعلها عندما اقترب نيال منها منذ دقائق مثلا .. لقد كان جهازها العصبي متعبا لذا ليس من المستغرب أن تظهر مزاح دلائل ذلك في تصرفاتها ؟
سارت نحو ردهة الفندق وقد سرها هذا التفسير الذي بررت به مشاعرها تجاه نيال . كنها لم تجد أثرا للدكتور هندرسون . توجهت نحو المدخل الأمامي , متسائلة عما إذا كان عليها أن توقف سيارة أجرى إذا ما رأت واحدة . لكن لم يكن في المدينة سيارات كثيرة , خصوصا في مثل هذا الساعة من الليل . لهذا من الحماقة أن تترك السيارة تمر لتنتظر أخرى قد لا تأتي إلا بعد وقت طويل .
نزلت الى الشارع فارتجفت قليلا عندما لفح هواء الليل ذراعيها العاريتين . حين خرجت , كان الطقس دافئا فلم تشأ أن تزعج نفسها بحمل معطفها , لكنها تمنت ذلك , وهي تشعر ببرودة الهواء , لو أحضرت معها سترة .
- ستموتين بردا إذا ما وقفت هناك بهذا الشكل . تعالي معي .
التفتت بسرعة واتسعت عيناها دهشة حين رأت نيال جيلسبي خلفها . ابتسم ابتسامة باردة وأشار الى سيارة مركونة في الجهة المقابلة من الشارع وأضاف :
- لقد قلت لريتشارد إني سأقلكما معي , فلا داعي للوقوف هنا بانتظار سيارة أجرة ..
- آه , لكن لا يمكنني ... أعني أ، هذا ليس ضروريا ...
كبتت نفسا عميقا لتسيطر على خفقات قلبها المتسارعة , وأكملت :
- ما أريد أن أقوله هو أنك لست مضطرا لتقلني , يا دكتور جيلسبي . سأستقل سيارة أجرة .
استدارت سارا لتبتعد ثم توقفت عندما سمعته يقول برقة :
- سارا أنا لا أعض الناس , لكنك على ما يبدو تظنين العكس .
- ماذا ؟
وحملقت مذهولة , متسائلة عما إذا تخيلت ذلك الهزل الجاف في صوته . مزاح , ونيال جيلسبي ؟ أبدا , فهذان أمران متناقضان .
وضحك أرق ضحكة يمكن تصورها .. ضحكة جعلت سارا تغرق في مشاعر الدفء والحنان .
- قلت إنني لا أعض . فهل ستثقين بكلمتي بهذا الشأن ؟ أم علي أن أقدم شهادة خطية بذلك ؟
- أنا ...
وضحكت ضحكة مخنوقة , وتحركت فيها روح الفكاهة بشكل مفاجىء , فأضافت , وهي تنظر الى السماء :
- آه , لا أقبل بأقل من شهادة خطية ! أعني لايمكن لفتاة أن تمنح الثقة الكاملة لأحد , خاصة في ليلة كهذه .
تبع نيال نظراتها ثم ضحك , وقال :
- هممم ... فهمت ما تعنينه . القمر بدر هذه الليلة , أليس كذلك ؟ ومع ذلك , أنا واثق من أنك مستعدة لأي طارىء , أيتها الممرضة هاريس . وأتصور , مع كل ما استطعت حشره في حقيبة يدك , أنك تحملين معك الرصاصة الفضية التي تستخدم للقضاء على الإنسان الذئب , اليس كذلك ؟ علي أن أعترف بان معلوماتي في هذا المجال محدودة .
- آه , نسيت أن أحضرها معي الليلة !
وراحت تتساءل عما إذا كانا فعلا يتبادلان مثل هذا الحديث . فلو قال لها أحد , منذ نصف ساعة خلت , أن مثل هذا الحوار سيدور بينهما لسخرت منه .
قرصت نفسها لتتأكد من أنها لا تحلم . لكن نيال جيلسبي ما زال واقفا هناك وعلى فمه الجميل ابتسامة باهتة .
سحبت نفسا عميقا وهي تتساءل متى أدركت بالظبط أن فمه جميل , ثم قررت على عجل أنها لا تريد جوابا عن هذا السؤال ! ولكم شعرت بالراحة عندما خرج الدكتور هندرسون , محاطا بمعظم العاملين في قسم التوليد الذين تجمعوا لوداعه . نزل الدرجات نحوهما ثم ابتسم لسارا .
- هل قال لك نيال إنه عرض علينا أن يقلك معه يا عزيزتي ؟
لم ينتظر جوابيها , واستدار ليلوح بيده للمرة الأخيرة لمودعيه الذين هتفوا باسمه محيين . صعدت سارا الى مقعد السيارة الخلفي بعد أن فتح نيال الأبواب , وحاولت أن تتجاهل النظرات التي لاحقتها , لم تكن بحاجة الى النظر اليهم لتعلم أنها ستضطر غدا لتقديم الكثير من الايضاحات .
***
- إذن دعوته الى منزلك لتناول القهوة , يا سارا ؟ زكم من الوقت بقي عندك ؟
- أنا لم أدعه للدخول . هل هذا يجيب هذا عن سؤالك ؟
تنهدت سارا وهي تتجه نحو الباب ثم أضافت :
- أنا في غرفة الاستقبال إذا أرادني أحد .
- آه , لا تقلقي ! إذا جاء نيال بحثا عنك , فسنخبره أين يجدك .
وانفجرت " سالي غرين " , إحدى زميلات سارا , بالضحك , فتجاهلتها هذه الأخيرة وتركت غرفة الممرضات . لم تعد تحتمل .. فمنذ جاءت الى العمل هذا الصباح وهن يمازحنها بشأن هذا الموضوع .
كان خبر توصيل نيال جيلسبي لها الى بيتها قد انتشر بسرعة في القسم وفي كل أنحاء المستشفى على الأرجح . وأراد الجميع أن يعرف ما حدث .
ومع ذلك , عندما حاولت أن تخبرهم , لم يصدقوها . وتعرف أنها مهما كررت لهم الأمر لما صدقوها .
ابتسمت سارا بجفاء وهي تفكر في الليلة الماضية . لقد استغرق ركنه للسيارة ونزوله ليفتح لها الباب , ستين ثانية كاملة . وقد دهشت نوعا ما لهذا التصرف المهذب الذي يتجاهله معظم الرجال في هذه الأيام . لكن نيال خرج من السيارة وفتح لها الباب .
وارتجفت حين تذكرت دفء ابتسامته ولطفه . وكانت تشعر بتأثيره عليها طوال فترة استعدادها للنوم .
ضحكت لحماقتها وهي تندس في فراشها وتطفىء النور . ولم تكن هذه التصرفات سوى دلالة أخرى على الإرهاق الذي كانت تشعر به بالأمس .
نامت وهي تحتضن هذه الأفكار , سعيدة بأنها عثرت على هذا التفسير البسيط لكل ما حدث . ولكن حين وصلت الى مكتب الاستقبال ورأت نيال جيلسبي واقفا هناك , لم تستطع إنكار الرعشة التي تملكتها , هازئة من كل تفسيراتها .
ومهما كان تحليلها وتفسيرها للوضع , فلا يمكنها أن تنكر أن نيال يمتلك قدرة غريبة على بعث الاضطراب في نفسها .
- آه , أيتها الممرضة ! تعالي معي أرجوك . أريد منك أن تساعديني هذا الصباح , إذا سمحت .
كان صوته أقرب الى الجفاء حين رآها فضبطت سارا اساريرها راجية من الله الا يدرك مدى اضطرابها لكلامه هذا .
فأجابته بهدوء لم تكن تشعر به :
- الأخت برينتس هي التي تساعد الدكتور هندرسون عادة في عيادة ما قبل الولادة .
- هذا ما اعتقده .
وقطب جبينه وهو يلتقط الملفات ويتقدم منها مضيفا :
- بما أن الأخت برينتس ستتقاعد قريبا فكرت في طريقة ما لتسيير العمل .. فلا فائدة من تدريب الأخت برينتس على طريقتي في العمل .. منذ الآن فصاعدا ستساعد الممرضة " برادشو " الدكتورة "بيتيل" وانت ستساعدينني .
- طبعا يا دكتور .
أجابت سارا بذلك بهدوء , ثم سحبت نفسا عميقا وتبعته الى غرفة الفحص . كان تعليله منطقيا , طبعا , لأنها تعلم أن المرأة تطمئن بالا إن رأت الطبيب والممرضة نفسيهما كلما جاءت للفحص . فهذا ينشىء بينها وبين الممرضات علاقة تعاطف تسهل عليها الافضاء إليهن بما يقلقها .
كانت سارا تؤمن بالرعاية المستمرة , إلا أن رأي الدكتور هندرسون كان مخالفا , إذ كان يختار المريضة التي ينبغي عليها أن تزوره في العيادة الخارجية . كانت توافق نيال جيلسبي الرأي ومع ذلك بعثت فيها فكرة العمل والقرب منه بهذا الشكل أثناء الأسابيع التالية الاضطراب الشديد . وكيلا يكتشف ذلك ركزت اهتمامها على عملها بعد أن راجعا معا قائمة الأمهات اللاتي سيحضرن هذا الصباح لمراجعة الطبيب المختص . كان هناك ثلاث أمهات جديدات , وكل واحدة منهن متوترة الأعصاب لاتعرف ماذا يحدث معها ولماذا .. والحقيقة أن نيال جيلسبي تعامل بشكل رائع معهن , إذ كان هادئا صبورا وهو يشرح لهن ضرورة رعاية الأم قبل الولادة وفائدته للأم والجنين .
قال نيال باسما , لهانا جارفيس , وهو يجلس على حافة سرير الفحص :
- لابد أنك تساءلت عن السبب الذي جعل الممرضة تأخذ منك عينة دم للفحص لدى وصولك .
وكانت هانا احدى المريضات الجديدات وقد بدت متوترة للغاية , فراح يشرح لها :
- هناك أشياء عديدة نريد أن نجري لها فحصا , ولهذا سنأخذ منك عينة كلما أتيت الى هنا , لنطمئن الى أنك لن تصابي بفقر الدم وغير ذلك . أما ما نحتاج الى معرفته قبل أي شيء فهو نوع دمك وما إذا كان إيجابيا أم سلبيا .
- وما معنى هذا يا دكتور ؟ هل هو مرض ؟
طرحت "هانا" هذا السؤال مقطبة جبينها , لكن سارا لاحظت أنها أصبحت أكثر إطمئنانا واسترخاء بعد حديثها مع الطبيب .
- لا , ليس مرضا . إن معظم الناس إيجابي , إنما هناك أشخاص دمهم سلبي وهؤلاء عددهم قليل . وهذا لا يسبب لهم , عادة , أي مشاكل . على أي حال , إذا كان دمك سلبيا , فمن الضروري أن نعرف ذلك لأنه قد يسبب مشاكل للجنين .
- كيف ذلك ؟
- إذا كان دم الطفل سلبيا , مثل أمه , فما من مشكلة . ولكن إذا كان إيجابيا , فقد يسبب له فقر دم شديد وسيكون علينا مراقبته بعناية بالغة . إذا تسربت أي خلية من خلايا دم الجنين الى دمك أنت أثناء الولادة , فسينتج جسمك مضادات تقاوم العناصر التي تحملها خلايا ذلك الدم . ويكمن الخطر إذن في أنه أثناء الحمل , قد تمر هذه المضادات عبر المشيمة وتهاجم أي دم إيجابي لجنين آخر قد تحملين به في المستقبل . وإن حدث ذلك أصيب الجنين بأمرض عدة كاليرقان وفقر الدم الحاد أو بتلف دماغ الجنين حتى .
- يا إلهي ! اليس لهذا علاج ؟ وهل تعني أن المرأة ذات الدم السلبي يجب ألا تخاطر بإنجاب طفل آخر ؟
- أبدا . الأمر ببساطة هو أننا نعطي الأم إبرة تمنع تشكل المضادات بعد كل ولادة . عند ذلك , لا يتعرض الطفل الثاني الذي ستنجبينه لأي خطر , ولكن يجب أن يوضع أي حمل آخر تحت المراقبة , طبعا .
- عملكم رائع , يا دكتور . فأنا لم أكن أعرف سبب أخذ الدم مني للفحص . وأنا أخاف من وخز الإبر , لكنني لم أعد أخافها بعد أن عرفت السبب . وسلامة الجنين تستحق ذلك , أليس كذلك ؟
أضاءت ابتسامة مشرقة وجه نيال وهو ينهض ويربت على يد الأم قائلا :
- هذا صحيح . وهو ثمن قليل لطفل صحيح الجسم . ستساعدك الممرضة هاريس على الاستعداد لكي أفحصك . إذا كان هناك ما تريدين معرفته , يا سيدة جارفيس , فاسأليني . فكلما توفرت لديك معلومات , كلما أصبح الأمر أسهل بالنسبة لك .. سأعود بعد لحظات ...
غادر غرفة الفحص , تاركا سارا تعد الأم الشابة للفحص كما تفعل مع كل امرأة تقصد العيادة للمرة الأولى .
لقد أدهشها الوقت الذي أمضاه في الشرح , فقد توقعت منه , أن يتصرف بشيء من الفظاظة مع المريضات ولكنه أظهر نحوهن تعاطفا بالغا ومداراة لمشاعرهن .
عادت لتعلمه بأن "هانا " جاهزة , وعندما رأته قطبت جبينها للحظة . كان يبدو غامضا , فتملكها عندها شعور بأنه رجل بارد للغاية يجيد السيطرة على نفسه , لكن بعد ساعات من العمل معه , وجدت نفسها تغير رأيها .
فوراء ذلك المظهر الجليدي , لاحظت الصبر والعطف والروح المرحة . وهذا ما جعلها تتساءل عن شخصية نيال الحقيقية . هل هو حقا ذلك الشخص العملي البارد الذي يصر على أن تجري الأمور كما يريد , أم أن شخصيته الحقيقية هي تلك التي يظهرها لمريضاته بحيث يريح أعصابهن بمهارة يفتقر اليها معظم الأطباء ؟ أم أنه ذلك الرجل الذي لمحته الليلة الماضية ؟ الرجل الساخر حتى من نفسه ؟
تنهدت وهي تتمنى لو تكتشف الجواب فيمكنها , حينذاك , أن تعالج مشاعرها المتضاربة . هل يمكنها أن تعرض نيال جيلسبي على إحدى الآلات , كما هو الحال عند شراء السكاكر أو الشوكولا أو غير ذلك , فتعطيها الآلة الجواب الذي يجعلها تفهم ردة فعلها نحوه؟
أوشكت أن تقنع نفسها بهذا الجواب , لكنها أدركت , عندما جاء , أن الأمر لن يكون أبدا بهذه السهولة . فنيال جيلسبي ليس ذلك الرجل الذي يسهل فهمه , فهو لا يسمح لأحد بالاقتراب منه عاطفيا بحيث يتمكن من معرفته جيدا .

sasa sasa 23-06-08 12:10 AM

تبدو جميله حبيبتى
شكرا لمجهودك
فى انتظار البقيه

love big 23-06-08 01:20 PM

ننتظر التكمله ولاتطووولين لاهنتي


الساعة الآن 08:27 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية