217 - سيد الصقر - جينيفر تايلور ( كاملة )
سيد الصقر
كـ xt & كـ وورد هنـا ملخص الرواية كان الدكتور" نيال غيلسبي "رئيس القسم الذي تعمل فيه " سارا هاريس " جبلا من جليد , لكن سارا ادركت متأخرة انه يخفي تحت ذلك الثلج نارا لاهبة ! وصاح بها عقلها محذرا ... الخطر ... الخطر. - هل انت قادمة يا سارا ! كانت الشمس تسطع بقوة فمنعتها من رؤية تعابير وجهه ولكن هذا لم يعد يهمها . انها تعي مارأته وسمعته . وأخافها هذا لأنها تجهل كيف عليها ان تتصرف . فهل عليها ان تضع حدا وتسير مبتعدة دون ان تنظر الى الوراء , اتدير ظهرها للخطر , اليسهذا الطريق الصواب , نعم انه هو . لكن من المؤسف ألا تستطيع ان تسلك هذا الطريق , وألا تجد حلا آخر سوى القفز الى النار ... وتخاطر بالاحتراق منتديات ليلاس |
- قلب في النار
- وهذا يجعل المجموع مئة وتسة وعشرون ! أعلنت الممرضة سارا هاريس ذلك وهي تدخل الى غرفة الممرضين , وتتوجه مباشرة الى لوحة الملاحظات حيث سجلت المجموع الجديد أمام رسمها وعلى فمها ابتسامة عريضة وأضافت : " السيدة( بيترز ) توأم " . أجابت ايرني برينتس , القابلة الأكبر سنا في قسم التوليد , وهي تبتسم : - هذه عادتك ! كان يجب أن اعلم انها ستلد اثنين . ما الذي تفعلينه لمريضاتك , يا سارا ؟ ترشينهن ! لقد فزت السنة الماضية في مباراة توليد اكبر عدد من الأطفال , ويبدو انك ستفوزين بها هذه السنة ايضا ! فقالت سارا ضاحكة وهي تضع الإبريق على النار لتحضر لنفسها فنجانا من الشاي : - انت بالذات لا يحق لك ان تتكلمي بعد ان انجبت احدى مريضاتك ثلاثة توائم الأسبوع الماضي واذا بك الآن تضنين علي بهذه المنحة الصغيرة ! والقت بنفسها على كرسي وهي تخلع حذاءها , متنهدة بارتياح , ثم اضافت : - آه , ما احسن هذا ! لا اظن ان السيدة" بيترز " مرهقة بقدري أنا . كانت رائعة ونفذت كل ما طلبناه منها . لكن زوجها المسكين كان مذعورا جدا حتى ظننته سيموت ولهذا دفعناه الى تنشق بعض الأوكسجين والهواء لتهدئة اعصابه . ضحكت إيرني وهي تنهض واقفة : - يتصرف الكثير من الآباء بهذا الشكل . انتظري حتى تري ما رأيته أنا من آباء ممددين على ارض غرفة الولادة . وابتسمت متذكرة الأيام الخوالي , وتابعت تقول وهي تغسل فنجانها: - حين بدأت عملي كقابلة , لم يكن مسموحا للأب بحضور عملية ولادة زوجته . وأتذكر رئيسة الممرضات , في أول مستشفى عملت فيه , وهي تتذمر بحدة , لأن رجلا مسكينا تجرأ وسأل إن كان بإمكانه ان يحضر ولادة زوجته . لقد تغيرت الأمور كثيرا منذ ذلك الحين والحمد لله . فقالت سارا : هذا صحيح . فقد اصبح من النادر الا يحضر الزوج الولادة . اما زلت تفكرين في التقاعد , يا إيرني اواثقة انت من انك لن تندمي على ذلك ؟ أما أنا فلا أتصور أن بإمكاني ترك كل هذا , فأنا احب عملي جدا . - اعرف , وهذا سبب تفوقك فيه . على القابلة الماهرة ان تكون صبورا وحازمة , وأنت تملكين هاتين الصفتين . وكل الأمهات لديك يشهدن بذلك , وبأنهن لا يعرفن كيف كن ليتصرفن بدونك . ابتسمت وهي تجفف يديها ثم أضافت : - كان شعوري نحو العمل مماثلا لشعورك , يا سارا . لكنني الآن بحاجة الى مزيد من اوقات الفراغ , فقد تقاعد " جاك " , وبات بإمكاننا تنفيذ كل ما وعدنا انفسنا به . تنهدت سارا : - افهم ذلك طبعا . ولكن من المؤسف ان تتركينا مباشرة بعد تقاعد الدكتور "هندرسون " . وهكذا , ستتغير الأمور هنا عما كانت عليه. - هذا صحيح . لقد سمعت ان " نيال جيلسبي " الذي سيستلم القسم , رجل رائع . ولكن لا شك ان لديه اراءه الخاصة عن كيفية سير الأمور . وبما ان مصلحة الصحة قررت إغلاق قسم التوليد في "رويال " وجعل مستشفى " دالفرستون العام " المركز الوحيد لتعليم التوليد , فستتغير الأمور حتما . - اعلم هذا , واظن انه من الرائع الحصول اخيرا على كل المعدات التي نحن بأشد الحاجة إليها . أثير الكثير من اللغط حول موضوع إغلاق هذا القسم , لكن بما انه لايفصل بين المستشفيين سوى عشرة اميال , كان بالإمكان الاستفادة من المعدات نسبيا . - اشعر بأنك متحفظة حيال هذا الموضوع , على عكس ما تقولينه الآن . - حسنا نعم , نوعا ما . كل ما في الأمر انني اريد ان يحصل لهذا المكان ما حصل لكثير من أقسام الولادة الكبرى الأخرى . تتميز كلها بتقنية عالية ولكنها تفتقر للروح , فالولادة يجب ان تكون حدثا رائعا بالنسبة الى المرأة التي يجب ألا ترغم على نوع من الولادة لا تريده لأنه يلائم الممرضات أكثر . سألتها إيرني مقطبة : - ما الذي يجعلك ان هذا سيحدث هنا ؟ - آه , لعله مجرد غباء مني ! ونهضت سارا لتغسل فنجانها , وهي تقول : - لقد احببت كل دقيقة امضيتها هنا , ولهذا لا احتمل فكرة ان تتغير الأمور . كل ما ارجوه هو الا يحاول هذا القادم الجديد فرض سلطته على المكان .. سمعت انه يرفض ان تسير الأمور إلا حسب مشيئته . فلنأمل , إذن ان تنسجم آراؤه مع آرائنا . ضحكت وهي تستدير , ولكن الابتسامة جمدت على شفتيها حين اشتبكت عيناها بعينين باردتين خضراوين كانتا تراقبانها عند الباب. تساءلت وقد انقطعت انفاسها فجاة , عما اذا كان السبب اكتشافها بأن هناك من استمع الى حديثهما . شعرت ايرني بوجود خطب ما , فاستدارت بدورها وتملكتها الدهشة لرؤية القادم الجديد . لكن , فبل ان تنطق احداهما بأي كلمة فتح الباب على مصراعيه ودخلت " إيلين روبرتس " مديرة المستشفى , الى الغرفة . - الأخت برينتس , انا مسرورة لرؤيتك . فأنا اجول مع الدكتور جيلسبي في المستشفى لأعرفه الى اكبر عدد ممكن من الموظفين . وابتسمت ايلين للرجل الذي تبعها الى دخل الغرفة , أضافت " الأخت برينتس " هي اقدم ممرضاتنا في قسم الولادة , " نيال " . كم سنة امضيت هنا , ايرني , عشرين ؟ اجابت ايرني وهي تمد يدها لمصافحته : - اثنان وعشرون , في الواقع . يشرفني التعرف اليك , يا دكتور جيلسبي . وانت ايضا , أخت برينتس . لقد سجلت لرقما قياسيا , فقلائل هم الذين يمضون هذا الوقت كله في الوظيفة . كان صوته عميقا , وقد زادت نبرته الاسكوتلندية الخفيفة لهجته الناعمة فتنة . شعرت سارا بقشعريرة تسري في كيانها حين سمعته للمرة الأولى , فأخذت نفسا عميقا وهي تتساءل عن سبب تسارع خفقات قلبها المفاجىء هذا . لا بأس , لعل السبب هو الدهشة التي تملكتها حين رأته واقفا هناك . ولكن هل هذا هو فعلا سبب شعورها الغريب هذا ؟ - ومنذ متى تعملين هنا , ايتها الأخت ؟ اجفلت وهي تسمعه يخاطبها , وشعرت بالاحمرار يزحف إلى وجهها , ولما رفعت عينيها وجدت عينيه الباردتين مسمرتين عليها. وعندما حاولت أن تجيب عن هذا السؤال البسيط , شعرت بأن لسانها لا يطيعها , فقالت متلعثمة : - ثلاث ... ثلا .. ثلاث سنوات تقريبا . - حسنا ... وهل انت مسرورة بالعمل هنا ؟ عقد ذراعيه وهو يتأملها , وهذا ما جعلها تشعر بأن معنى آخر خفيا يختبىء خلف هذا السؤال البريء ظاهرا . سحبت نفسا عميقا آخر وهي تحاول استجماع أفكارها , ولكنها وجدت صعوبة في ذلك . ما الذي جعلها تضطرب هكذا ؟ ونظرت اليه بسرعة تجد فيه ما يفسر ذلك . كان طويل القامة , ذا جسد متناسق في بذلته الرمادية الأنيقة وقميصه الناصع البياض , وقد سرح شعره البني القاتم الى الخلف , بأناقة , مما ابرز ملامح وجهه القوية , بوجنتيه العاليتين وذقنه المربع , وانفه الذي شابه تقوس خفيف للغاية . منتديات ليلاس قطبت سارا جبينها حين لم تر فيه سببا لردة فعلها الغريبة هذه . كان وجهه في الواقع انيق القسمات , وهو وجه يعتبره البعض وسيما , انما يعلوه نوع من الشحوب وكأن صاحبه لا يمضي في الهواء الطلق وقتا كافيا . كانت عيناه اجمل ما في ملامحه , فهما بخضرة البحر , وتبدوان شفافتين للوهلة الأولى . لكنها ما لبثت أن ادركت , وهي تراهما عن كثب أنه يستحيل قراءة افكاره من خلالهما . وأخذت تفكر في أنه رجل يجيد اخفاء مشاعره , رجل يبدو وكأنه ينظر الى العالم بانفتاح لكنه لا يكشف عما في نفسه , فتساءلت عما يخاف ان يكشفه الناس . وأدركت فجأة انه لا زال ينتظر جوابها حين رات حاجبيه يرتفعان , فتمتمت وقد اربكها تصرفها هذا : آه ! نعم , مسرورة جدا , شكرا يا دكتور جيلسبي . العمل في مستشفى " دالفرستون العام " يعجبني كثيرا . - دعينا نأمل إذن ألا تجدي صعوبة في التكيف مع أي تغيير أراه ضروريا . وألقت عيناه الباردتان عليها نظرة أخيرة , ثم التفت الى " ايلين روبرتس " قائلا : " أظنك ذكرت شيئا عن قسم ( الولادات قبل أوانها ) " . - آه , نعم ! واستطاعت ايلين ان تبتسم رغم ما بدا عليها من عدم تركيز إلا ان حالتها لايمكن ان تقارن بحال سارا . قلت سارا بغيظ , بعد خروج الزائرين : - أظنه اوقفني عند حدي , اليس كذلك ؟ قالت ايرني مكشرة : - على ما يبدو . أرجوا ألا تكون هذه اشارة الى كيفية سير الأمور هنا في المستقبل . وإذا صح ذلك , فأنا مسرورة لرحيلي . - أنا لا ألومك . وتنهدت ثم اضافت : - يبدو أ، علي ان اتنبه لكلامي من الآن فصاعدا . اليس كذلك ؟ انفجرت ايرني ضاحكة ,وقالت : - هذا رائع ! متى فكرت مرتين قبل ان تفصحي عن آرائك يا سارا هاريس ؟ فسألتها سارا ضاحكة بالرغم من انزعاجها من تعنيف الدكتور جيلسبي لها , بذلك الأسلوب الجاف : - هل تعنين انني ثرثارة او ماشابه ؟ هل أثر فيها لأنه كلمها من دون ان يبدو على وجهه أي شعور ؟ لم تكن واثقة من ذلك . ردت ايرني وهي تتوجه نحو الباب : - او ما شابه هو التعبير الملائم . سأذهب لأطمئن على السيدة وولترز . أراك في ما بعد , أظنك ستحضرين حفلة تقاعد الدكتور هندرسون الليلة . اليس كذلك ظ - هذا صحيح . أراك هناك . واخذت سارا تتأمل ايرني وهي خارجة . انها سعيدة منذ انتقلت الى هذه المدينة الصغيرة في منطقة يوركشاير , وربما عليها ان تلجم لسانها بما ان رئيس القسم الجديد أوضح أنه لا يرحب بأي معارضة . والأمر لا يستحق عناء أن تغامر بوظيفتها ... انتصبت فجأة في وقفتها وتأملت نفسها في المرآة . ثم نفضت شعرها الحريري الأشقر الى الخلف ... غير ان ملامحها الجميلة الجريئة بدت عابسة على غير عادتها , ولمع بريق في عينيها العسليتين . قد لايفيدها ذلك , لكن إذا ما رأت أي خطأ لن تسكت .. فإن راحة مريضاتها تأتي في المقام الأول عندها .. وما عدا ذلك , ومن بينهم الدكتور الثلجي جيلسبي ... يحل في المرتبة الثانية أو ما دون ! *** - هذا حسن جدا , يا كارين . عنق الرحم متمدد , ولن يطول الأمر الآن . مسحت سارا العرق عن وجه المرأة الشابة ثم ابتسمت لها مشجعة . - لا اظن أبدا أن هذا الطفل سيأتي ... عضت كارين على شفتيها عندما انتابها طلق آخر . انحنت سارا التي غمرتها موجة من السرور عندما ظهر رأس المولود .. أخذت تتفحص برفق ما اذا كان حبل السرة على عنق الطفل , ثم قالت بهدوء تخاطب " هيلين كورت " القابلة المتدربة التي كانت تساعدها: - كل شيء جيد . رأس الطفل ينطلق من المهبل , ولهذا تحول وجهه الى الأسفل . عندما يبدو الرأس انتبهي الى ان حبل السرة ليس في الطريق , وهذا اهم شيء . أومأت هيلين برأسها وهي تتلمس برفق عنق الطفل كما فعلت سارا. - فهمت , ولكن ماذا سيحصل بعد ذلك ؟ ابتسمت سارا وهي تنظر الى كارين . انتظري حتى تشعري بالطلق قبل ان تدفعي . فبهذه الطريقة لا ترهقين نفسك . أومأت كارين المتعبة , ثم ألقت نظرة على زوجها وحاولت ان تطمئنه : - لن يطول الأمر , يا دايفيد . - انك تبلين حسنا !! لا أصدق ذلك ... وأجفل دايفيد عندما تشبثت كارين بيده مع بدء طلق آخر . انحنت سارا لتساعد الطفل وهو يقطع المرحلة النهائية من رحلته , شارحة لهيلين سير الأمور : - انظري كيف ادارالطفل رأسه مجددا وذلك انسجاما مع كتفيه . سأميل الرأس قليلا نحو الأسفل مع الكتفين , مما يجعل أقرب كتف تخرج أولا ... آه , ها هوذا قادم . رفعت بمهارة الجسد الصغير الذي انزلق الى الخارج وضحكت حين صرخ الطفل على الفور باكيا , وقد تغضن وجهه انزعاجا من دفعه الى العالم الخارجي بهذه السرعة . مددت الطفل برفق على بطن الأم , وابتسمت وهي ترى الفرح يرتسم على وجه الزوجين الشابين : - انها بنت . تهاني لكليكما . - بنت ؟ لكنني ظننت انه سيكون ولدا ! وتملكت الأب الرهبة , وابتلع ريقه وهو ينظر الى تلك الكتلة البشرية التي ستغير حياته كليا . ضحكت كارين من بين دموعها واخذت تمرر يدها بحنان على رأس الطفلة اللزج المبتل . - طلبت منك ألا تستبق الأحداث وتشتري حذاء الفوتبول ذاك . ضحك الجميع . ثم اكملت سارا مهمتها ففحصت الأم بعناية . ثم جذبت بهدوء هيلين جانبا لتمنح الوالدين الجديدين فرصة تمضية بعض الوقت مع وليدتهما وحدهما , قائلة لها : - سننجز ما تبقى من العمل , خلال لحظات . فعلينا أن نزن الطفل ونرى طوله .. ثم سنفحص ما اذا كان وركاه في غير موضعهما . تعرفين اختبار" ابغار " اليس كذلك ؟ أومأت هيلين وقالت : - نعم . إنه فحص لتقويم حالة جسد الطفل . أليس كذلك ؟ - هذا صحيح . ويتم ذلك عبر مراقبة تنفس الطفل , ولون الجلد , وحركة العضلات والحيوية عموما , ثم نضع نقاطا لكل هذا وأعلى نقطة هي العشرة . لكن إذا ما فاق المعدل السبعة تكون النتيجة جيدة . ونقوم بهذا الفحص فور ولادة الطفل . التفتت عندما فتح الباب فجأة , ودهشت لرؤية الدكتور جيلسبي يدخل غرفة التوليد . كان يرتدي ثوبا أخضر معقما فيما تدلت السماعة من عنقه . أومأ الى الزوجين محييا , ثم تقدم نحوها , قائلا: - هل كل شيء على ما يرام , يا أخت هاريس ؟ - بأحسن حال , شكرا يا دكتور . وحاولت سارا أن تقلد لهجته , وإن لم يكن سهلا أن تحقن صوتها بالبرودة نفسها كما يفعل " نيال جيلسبي " ! دنت القابلة المتمرنة هيلين من رئيس قسم التوليد الجديد , وهي تشعر بانزعاج غريب , شرحت سارا بهدوء للطالبة كيف تعد البطاقة التي تدون عليها هوية الطفل . انتظر الدكتور جيلسبي حتى انهت سارا هذه الإجراءات كلها , وقد بدا الجمود البالغ على وجهه , وهو يستمع الى ما تقوله وربما ينتقده , لكنها حاولت ألا تظهر ارتباكها هذا . وبعد ان تأكدت من ادراك هيلين أهمية تلك البطاقة , عادت والتفتت الى الدكتور جيلسبي , متسائلة عما يريده ! وسألته بأدب : - اما زلت تحاول التعود على القسم , يا دكتور ؟ - آه , أظن أنه أصبح لدي فكرة جيدة عن بعض الأمور , شكرا . وابتسم لها ابتسامة باهتة قبل ان يلتفت الى الزوجين اللذين كانا غافلين عن كل شيء ما عدا طفلتهما : - هل اجريت للمولود الفحوص اللازمة كلها ؟ لم يكن لسؤاله أي معنى , لأنه يرى بوضوح أن الفحص لم ينجز بعد . وسرعان ما اتخذت سارا موقفا دفاعيا رغم أنها لم تكن تدرك سبب ذلك إذ لم تخطىء بشيء . قالت : - لم نجرها بعد . فأنا أحب أن أعطي الوالدين لحظات يمضيانها وحدهما مع الطفل قبل أن أحمله بعيدا . - وهل هذا هو الاجراء المعتاد ؟ كانت لهجته محايدة تماما , لهذا لم يكن هناك مبرر للغيظ المفاجىء الذي تملكها . نظرت اليه مباشرة , فشعرت برعشة تسري في جسمها عندما التقت عيناها بتلك العينين الباردتين الخضراوين الغامضتين . - انه اجراء اعتمده دوما عندما تكون الولادة سهلة , دكتور . فأنا أجد أن الوالدين يقدران أهمية هذه اللحظات أكثر من غيرها . وهي فرصة ليعتادا على أن طفلهما قد أصبح حقيقة واقعة أخيرا . - انها لمسة حنان , يا أخت . على أي حال , أنا اعتبر المجازفة بصحة الأم والطفل عمل أحمق وغير ضروري . تأكدي , في المستقبل , من تنفيذ كل شيء بدقة , ومن فحص الأم والطفل معا لتلافي أي تعقيدات قد تطرأ . وارتد على عقبيه مغادرا لكن غضب سارا دفعها لتمنعه من الخروج وهي تقول : - أؤكد لك أنه لم يكن هناك مجازفة بصحة الأم أو الطفل . - ربما ليس هناك شيء ظاهر . وابتسم لها ابتسامة جليدية فيما التفت بنظرة تحمل معنى خفيا مشيرا الى أنها تقف في طريقه . ابتعدت بارتباك وقد احمر وجهها بعد أن أدركت ما فعلت , وازداد احمرار وجهها تأثرا وخجلا , لأنها لم تستطع تجنب ذلك . فقد كان شعورها بالغضب أو الإثارة ينعكس على وجهها دوما , مما يشكل لعنة حياتها , وزادت الأمور سوءا حين ادركت أن هذا فضح شعورها نحو " نيال جيلسبي " . تنفست بسرعة , وحاولت أن تستعيد هدوء صوتها وملامحها لأنها لم تشأ أن يلاحظ الاستياء الذي سببه لها : - أتصور أنني ولدت عددا من الأمهات يجعلني قادرة على معرفة ما إذا كانت الأم أو الطفل في خطر يا دكتور . - ربما , يا أخت . لكنني , في المستقبل أفضل أن أراك تتبعين الإجراءات حرفيا . وانخفض صوته , فبدت نبرته وكأنها مشبعة بالألم حين أضاف : - هناك دوما أشياء لا نتوقعها . وهذا ما يجب أن ننتبه له وإلا وقعنا في أخطاء نحن في غنى عنها . واستدار ليخرج إلا أنه توقف والتفت إليها : " بالمناسبة , ما نوعه؟" . - ما نوعه ... ؟ لم تفهم ما عناه . وبدا نيال جيلسبي جامدا وشاردا كما لم يبد من قبل. - أعني الطفل . هل هو ذكر أم أنثى ؟ - آه , إنها أنثى . والقت نظرة على اللوح الأبيض حيث كتبت الأسماء التي اختارها الأبوان ثم أضافت : - أظنها ستحمل اسم " هولي لويز " . - أبلغي الأبوين تهاني . ولم يضف أي كلمة وهو يغلق خلفه باب غرفة الولادة بهدوء . أخذت سارا تحدق في الباب للحظات قبل أن تناديها كارين , فتوجهت الى السرير وأخذت تجيب عن أسئلة الأم . وفيما راحت تشرح بعض لها الأمور , كان ذهنها يركز جزئيا على ماكانت تقوله. أتراها تخيلت ذلك ؟ أخذت تتساءل وهي تحمل الطفلة لتزنها , إن كانت فعلا قد سمعت نبرة الألم تلك في صوت نيال جيلسبي منذ لحظات ؟ لم تستطع أن تتأكد وكانت تلك مشكلتها . لو تمكنت من نبذ هذه الفكرة واعتبرتها مجرد تخيلات , لانتهى الأمر . وأدركت أن فضولها قد أثير كليا . إنما تشك في أن يرضى الدكتور جيلسبي باهتمامها هذا .. |
2- وهم أم خيال ؟
سارا .. تعالي الى هنا . لقد حجزنا لك مقعدا . - شكرا . ظننت أنني لن أصل أبدا ! فاتني الباص , لهذا اضطررت للعودة الى بيتي والاتصال بسيارة أجرى . اندست سارا قرب إيرين ثم ابتسمت للآخرين . كانت مجموعة كبيرة من الموظفين قد تجمعت في المقهى بجانب المستشفى لاحتساء العصير قبل التوجه الى حفلة الدكتور هندرسون التي تقام في فندق قريب . ورأت هناك ممرضات من مختلف الأقسام ومن قسم الولادة أيضا . - آه , لم أكد أعرفكن . أنتن رائعات من دون ثياب التمريض . ضحك الجميع , ثم رفعت هيلين كأسها , وقالت : - ماذا لو شربنا نخب أول ولادة أحضرها , نخب الطفلة هولي لويز . - هولي .. لويز ! أخذ الجميع يردد هذا الاسم . والتفتت سارا حولها عندما دس شخص ما كوبا من العصير في يدها . هاك .. خذي هذا لتبللي شعر الطفلة . - شكرا يا مايك . وابتسمت سارا لمايك داوسن الذي عين حديثا كطبيب متمرن في قسم الجراحة . أخذت جرعة من شرابها ثم رفعت صوتها ليعلو الضجة , وسألته : - ظننتك في العمل الليلة ؟ - قررت أن أحضر الى هنا أثناء فترة استراحتي , لأرى ما استقر عليه رأيك بالنسبة الى مساء الغد . أتودين مشاهدة الفيلم الجديد الذي يعرض في سينما ريتز ؟ - بكل تأكيد . ولم تفتها لهفة مايك وهو يرتب الأمور ليصطحبها في مساء اليوم التالي . وكان عليه أن يغادر بعد ذلك , وراح يضحك حين رأى الموظفين يغيضونه ويمازحونه لاضطراره الى العمل فيما هم يستمتعون بوقتهم . لوحت له بيدها عندما وصل الى الباب , وهي تتنهد في داخلها متسائلة عما إذا كانت علاقته بها قد تخطت الحد نوعا ما . همست ايرين , وهي ترمقها بنظرة تحمل معنى مبطنا : - كأنني أرى دلائل الحب . أتراها أجراس الزفاف التي أسمعها من بعيد ؟ فضحكت سارا , وأجابت : - أشك في ذلك . مشكلتك , يا إيرين برينتس , أنك شاعرية لا أمل في شفائك . هل يعود السبب الى انك أمضيت ثلاثين عاما في نعيم الزواج , حتى بت تودين رؤية الجميع يسير على الطريق نفسه . هزت إيرين كتفيها من دون أن تهتم بتعليق سارا , وقالت : - لا يمكنني إنكار ذلك . ومايك فتى جيد , يا سارا , ومن الواضح أنه يميل إليك . - هممم ... ربما . على أي حال , رقصة التانغو يلزمها شخصان , كما يقولون . فتنهدت إيرين بأسف , وسألتها : - أتعنين أنك لا تهتمين لأمره بالطريقة ذاتها ؟ من المؤسف يا سارا أنك صعبة الإرضاء , وفي هذه الحالة , لن تعثري أبدا على الرجل الكامل والمناسب . - إذن , سيكون علي أن أبقى عزباء , أليس كذلك ؟ وضحكت رغم أنها تعلم أن في كلام إيرين شيئا من الحقيقة . فهي صعبة الإرضاء .. نعم لقد خرجت مع عدد من الشبان , بمن فيهم مايك , لكنها لم تجد بينهم من رغبت في قضاء بقية حياتها معه. ولم يكن هذا الأمر ليقلقها لأنها كانت واثقة من أنها ستجد يوما ما ذلك الشخص الذي يملأ حياتها . جرعت من شرابها ثم حاولت أن تتصوره . هل سيكون أسمر أم أشقر ؟ طويلا أم قصيرا ؟ وأخذتالصورة المبهمة , التي كانت تتشكل في خيالها , تتضح , فسعلت لأنها غصت بشرابها , فجأة .. لم تعد ترى سوى عينين خضراوين , عينين بخضرة البحر ... تحت حاجبين سوداوين , تحدقان فيها . - هل أنت مستعدة ؟ نبهتها إيرين الى أنهم مستعدون للانتقال الى مكان الحفلة , فأسدلت سارا ستارا على الصورة التي شغلت ذهنها , ووضعت كوبها جانبا . لا بد من وجود سبب جعل صورة نيال جيلسبي تتراءى لها في هذه اللحظة بالذات , ولا بد أن اللوم يقع على إرهاقها الذي جعل الطبيب البارد كالثلج يبدو في زي الرجل الكامل . - أريد أن أشكركم جميعا من كل قلبي على هذه الهدية الرائعة . وابتسم الدكتور هندرسون وهو يرفع بيده عدة صيد السمك التي أهداه إياها الموظفون , ثم أضاف : - وكلما استعملتها سأتذكركم . صفق الجميع عندما ساعد بعضهم الطبيب المسن على النزول عن الكرسي الذي إتخذه منبرا . ونظر الى سارا بأسف وهو يتناول كأس مياه معدنية , ويقول : - لم أدرك من قبل صعوبة اتباع نصائح الطبيب . لكن ميغ ستشنقني إذا ما خالفتها وأكثرت من الأكل . فضحكت سارا , واجابت : - هذا لأنها تفكر في مصلحتك , يا دكتور . فتنهد , وقال : - أعرف , أعرف . وسأكون عاقلا , يا سارا . تلك النوبة القلبية التي أصابتني كانت تحذيرا بأن علي أن أحترس من الآن فصاعدا . قطبت سارا جبينها عندما استعمل الرجل المسن التعابير التي استخدمها نيال جيلسبي عصر هذا اليوم . ونظرت حولها فإذا بها تراه في الناحية الأخرى من القاعة . واستغربت مثل هذا التوارد في الأفكار , فكلما فكرت فيه أثناء السهرة , كانت تراه على مرمى نظرها . نظر حوله فجأة ثم قطب جبينه عندما لاحظ أنها تحدق فيه . وشعرت هي بالاحمرار يزحف الى وجهها , فأشاحته وهي تشعر بالارتباك لأنه تنبه الى أنها تحدق فيه بهذا الشكل . وأرغمت نفسها على التركيز على حديث الكتور هندرسون عن خططه لقضاء عطلته في صيد السمك في اسكوتلندا , ومع ذلك كانت تشعر بنظرات تخترق ظهرها بشكل غريب ... - يمكنني أن أنصحك بأماكن جيدة عدة لتجرب فيها عدة الصيد تلك يا ريتشارد . أجفلت متوترة حين ميزت ذلك الصوت العميق الذي سمعته خلفها . واهتزت يدها فأراقت الشراب على يدها , ثم عاد الاحمرار ليغزو وجهها وهي ترى نيال جيلسبي ينظر اليها . التفتت حولها بحثا عن طاولة تضع فيها كوبها عليها , ثم قفزت مجفلة مرة اخرى عندما أخذته يد ضخمة من قبضتها . - اسمحي لي أيتها الممرضة هاريس . وابتسم نيال جيلسبي ببرودة وهي تتمتم شاكرة . فتحت حقيبتها بسرعة لتبحث فيها عن منديل ورقي , شاعرة بنظراته تراقبها وبتلك الابتسامة الباردة نفسها ترتسم على وجهه . تملكها ارتباك بالغ وهي ترى نفسها هدفا لعينيه الثاقبتين , وهذا جعلها تنثر نصف محتويات حقيبتها على الأرض وهي تنبشها بأصابع عصبية ... قلما أحمر , قرطان وحفنة م النقود المعدنية تبعثرت على الأرض وانتهت تحت منضدة قريبة . التهب وجه سارا خجلا وهي تجلس القرفصاء لتجمع أغراضها . واجفلت فجأة , عندما بدا وجهه قبالتها , وشعرت بقلبها يخفق بجنون ويمنعها من التفكير في ما قد تقوله , وتركت نيال جيلسبي ينقذ الموقف فقام بذلك على طريقته الخاصة وبلهجته الجافة الجامدة: - أظن أن أحد قلمي أحمر الشفاه تدحرج حتى ذلك الكرسي هناك ... آه , أنا أراه الآن . استعاد أحمر الشفاه ثم وقف . أغمضت سارا عينيها وراحت تعد حتى العشرة , آملة أن تستعيد اتزانها , وإن لم يكن بشكل كامل ! وفجأة لم تعد ترى سوى تينيك العينين الخضراوين اللتين تحدقان فيها من الجانب الآخر للمنضدة . وذكرها هذا الموقف بما سبق وحدث لها في المقهى . وكيف صور لعا التعب نيال جيلسبي كرجل أحلامها ... كبحت ضحكة عصبية وهي تنهض واقفة لتحافظ على ما أمكن من كبريائها في مثل هذه الظروف . يجب أن تستريح , فلا أحد يعلم أي تخيلات أخرى قد يصورها لها ذهنها . - ها هو ذا . مد نيال جيلسبي إليها يده التي تحمل أحمر الشفاه . فأخذته سارا منه وهي تتمتم بالشكر , وحاولت أن تتجاهل الرعشة التي سرت في كيانها . ألقت أحمر الشفاه في حقيبتها , ثم رسمت ابتسامة على شفتيها وجاهدت في سبيل تجاهله . لكن الأمر كان أشبه بمن يحاول تجاهل الشمس المشرقة . كانت تشعر بحرارة جسمه من خلال قماش ثوبها الرقيق . فاقشعر جسمها , وكبتت بصعوبة شهقة كادت تفلت منها حين ادركت تأثيره على أحاسيسها . أذهلها اكتشافها وصدمها وافزعها . ماذا جرى لها؟ ولم تضطرب بهذا الشكل حين يقترب هذا الرجل منها ؟ اندفعت بالكلام , حتى لاتمنح نفسها فرصة للتفكير في الأمر , وقالت : - هل تمارس هواية صيد السمك , يا دكتور جيلسبي ؟ - كنت امارسها . وابتسم ابتسامة أخرى باردة , لكن خيل اليها أنها ليست بالبرودة التي اعتادت أن تراها .. بدا وكأن شيئا من التوتر يحيط بفمه , ويسيطر على وقفته إذ تركزت نظراته على بقعة فوق رأسها . ولكم شعرت بالراحة ندما استلم الدكتور هندرسون دفة الحديث : - من الصعب أن نجد وقتا للهوايات , اليس كذلك يا نيال ؟ فمهمتنا تتطلب الكثير من الوقت . بحيث يصبح كل شيء آخر ثانويا . وتنهد الدكتور هندرسون بأسى ثم أكمل : - اتمنى الآن لو أقدر على جعل حياتي أكثر توازنا , فلا يصبح التقاعد بنظري مثبطا للهمة بهذا الشكل . إذ لا فائدة من البكاء على الماضي , بل علي أن أتطلع الى المستقبل . وإذا لم أعد الى البيت حالا , فستأتي ماغ للبحث عني . والتفت الى سارا باسما , وهو يقول : - أعتقد أنك واجهت صعوبة في وصولك الى هنا الليلة , فهل تشاركينني سيارة الأجرة ؟ يمكنني أن أقلك في طريقي إلى بيتي . - آه , نعم ! أرجوك , إذا لم يكن في ذلك إزعاج لك . هبت واقفة , لأن هذا الأمر عذر جيد لمغادرة الحفلة , ولأنه سيوفر عليها أجرة سيارة الأجرة وتابعت تقول : - سأعلم الآخرين بأنني مغادرة , ثم أقابلك عند الباب يا دكتور هندرسون .ولعل ذلك يفسر وهرعت الى حيث إيرين لتخبرها بذلك , فحاول بعضهم اقناعها بالبقاء لكنها تذرعت بالتعب . واخذت تفكر , وهي تغادر القاعة في أن ما قالته ليس عذرا مختلقا , على أي حال فقد كان يومها متعبا في المستشفى , فعدا عن ولادة التوأم وهولي لويز , ساعدت في ثلاث ولادات أخرى . ولعل ذلك يفسر الأشياء الغريبة الأخرى التي حدثت معها هذه الليلة . وراحت تفكر بردة فعلها عندما اقترب نيال منها منذ دقائق مثلا .. لقد كان جهازها العصبي متعبا لذا ليس من المستغرب أن تظهر مزاح دلائل ذلك في تصرفاتها ؟ سارت نحو ردهة الفندق وقد سرها هذا التفسير الذي بررت به مشاعرها تجاه نيال . كنها لم تجد أثرا للدكتور هندرسون . توجهت نحو المدخل الأمامي , متسائلة عما إذا كان عليها أن توقف سيارة أجرى إذا ما رأت واحدة . لكن لم يكن في المدينة سيارات كثيرة , خصوصا في مثل هذا الساعة من الليل . لهذا من الحماقة أن تترك السيارة تمر لتنتظر أخرى قد لا تأتي إلا بعد وقت طويل . نزلت الى الشارع فارتجفت قليلا عندما لفح هواء الليل ذراعيها العاريتين . حين خرجت , كان الطقس دافئا فلم تشأ أن تزعج نفسها بحمل معطفها , لكنها تمنت ذلك , وهي تشعر ببرودة الهواء , لو أحضرت معها سترة . - ستموتين بردا إذا ما وقفت هناك بهذا الشكل . تعالي معي . التفتت بسرعة واتسعت عيناها دهشة حين رأت نيال جيلسبي خلفها . ابتسم ابتسامة باردة وأشار الى سيارة مركونة في الجهة المقابلة من الشارع وأضاف : - لقد قلت لريتشارد إني سأقلكما معي , فلا داعي للوقوف هنا بانتظار سيارة أجرة .. - آه , لكن لا يمكنني ... أعني أ، هذا ليس ضروريا ... كبتت نفسا عميقا لتسيطر على خفقات قلبها المتسارعة , وأكملت : - ما أريد أن أقوله هو أنك لست مضطرا لتقلني , يا دكتور جيلسبي . سأستقل سيارة أجرة . استدارت سارا لتبتعد ثم توقفت عندما سمعته يقول برقة : - سارا أنا لا أعض الناس , لكنك على ما يبدو تظنين العكس . - ماذا ؟ وحملقت مذهولة , متسائلة عما إذا تخيلت ذلك الهزل الجاف في صوته . مزاح , ونيال جيلسبي ؟ أبدا , فهذان أمران متناقضان . وضحك أرق ضحكة يمكن تصورها .. ضحكة جعلت سارا تغرق في مشاعر الدفء والحنان . - قلت إنني لا أعض . فهل ستثقين بكلمتي بهذا الشأن ؟ أم علي أن أقدم شهادة خطية بذلك ؟ - أنا ... وضحكت ضحكة مخنوقة , وتحركت فيها روح الفكاهة بشكل مفاجىء , فأضافت , وهي تنظر الى السماء : - آه , لا أقبل بأقل من شهادة خطية ! أعني لايمكن لفتاة أن تمنح الثقة الكاملة لأحد , خاصة في ليلة كهذه . تبع نيال نظراتها ثم ضحك , وقال : - هممم ... فهمت ما تعنينه . القمر بدر هذه الليلة , أليس كذلك ؟ ومع ذلك , أنا واثق من أنك مستعدة لأي طارىء , أيتها الممرضة هاريس . وأتصور , مع كل ما استطعت حشره في حقيبة يدك , أنك تحملين معك الرصاصة الفضية التي تستخدم للقضاء على الإنسان الذئب , اليس كذلك ؟ علي أن أعترف بان معلوماتي في هذا المجال محدودة . - آه , نسيت أن أحضرها معي الليلة ! وراحت تتساءل عما إذا كانا فعلا يتبادلان مثل هذا الحديث . فلو قال لها أحد , منذ نصف ساعة خلت , أن مثل هذا الحوار سيدور بينهما لسخرت منه . قرصت نفسها لتتأكد من أنها لا تحلم . لكن نيال جيلسبي ما زال واقفا هناك وعلى فمه الجميل ابتسامة باهتة . سحبت نفسا عميقا وهي تتساءل متى أدركت بالظبط أن فمه جميل , ثم قررت على عجل أنها لا تريد جوابا عن هذا السؤال ! ولكم شعرت بالراحة عندما خرج الدكتور هندرسون , محاطا بمعظم العاملين في قسم التوليد الذين تجمعوا لوداعه . نزل الدرجات نحوهما ثم ابتسم لسارا . - هل قال لك نيال إنه عرض علينا أن يقلك معه يا عزيزتي ؟ لم ينتظر جوابيها , واستدار ليلوح بيده للمرة الأخيرة لمودعيه الذين هتفوا باسمه محيين . صعدت سارا الى مقعد السيارة الخلفي بعد أن فتح نيال الأبواب , وحاولت أن تتجاهل النظرات التي لاحقتها , لم تكن بحاجة الى النظر اليهم لتعلم أنها ستضطر غدا لتقديم الكثير من الايضاحات . *** - إذن دعوته الى منزلك لتناول القهوة , يا سارا ؟ زكم من الوقت بقي عندك ؟ - أنا لم أدعه للدخول . هل هذا يجيب هذا عن سؤالك ؟ تنهدت سارا وهي تتجه نحو الباب ثم أضافت : - أنا في غرفة الاستقبال إذا أرادني أحد . - آه , لا تقلقي ! إذا جاء نيال بحثا عنك , فسنخبره أين يجدك . وانفجرت " سالي غرين " , إحدى زميلات سارا , بالضحك , فتجاهلتها هذه الأخيرة وتركت غرفة الممرضات . لم تعد تحتمل .. فمنذ جاءت الى العمل هذا الصباح وهن يمازحنها بشأن هذا الموضوع . كان خبر توصيل نيال جيلسبي لها الى بيتها قد انتشر بسرعة في القسم وفي كل أنحاء المستشفى على الأرجح . وأراد الجميع أن يعرف ما حدث . ومع ذلك , عندما حاولت أن تخبرهم , لم يصدقوها . وتعرف أنها مهما كررت لهم الأمر لما صدقوها . ابتسمت سارا بجفاء وهي تفكر في الليلة الماضية . لقد استغرق ركنه للسيارة ونزوله ليفتح لها الباب , ستين ثانية كاملة . وقد دهشت نوعا ما لهذا التصرف المهذب الذي يتجاهله معظم الرجال في هذه الأيام . لكن نيال خرج من السيارة وفتح لها الباب . وارتجفت حين تذكرت دفء ابتسامته ولطفه . وكانت تشعر بتأثيره عليها طوال فترة استعدادها للنوم . ضحكت لحماقتها وهي تندس في فراشها وتطفىء النور . ولم تكن هذه التصرفات سوى دلالة أخرى على الإرهاق الذي كانت تشعر به بالأمس . نامت وهي تحتضن هذه الأفكار , سعيدة بأنها عثرت على هذا التفسير البسيط لكل ما حدث . ولكن حين وصلت الى مكتب الاستقبال ورأت نيال جيلسبي واقفا هناك , لم تستطع إنكار الرعشة التي تملكتها , هازئة من كل تفسيراتها . ومهما كان تحليلها وتفسيرها للوضع , فلا يمكنها أن تنكر أن نيال يمتلك قدرة غريبة على بعث الاضطراب في نفسها . - آه , أيتها الممرضة ! تعالي معي أرجوك . أريد منك أن تساعديني هذا الصباح , إذا سمحت . كان صوته أقرب الى الجفاء حين رآها فضبطت سارا اساريرها راجية من الله الا يدرك مدى اضطرابها لكلامه هذا . فأجابته بهدوء لم تكن تشعر به : - الأخت برينتس هي التي تساعد الدكتور هندرسون عادة في عيادة ما قبل الولادة . - هذا ما اعتقده . وقطب جبينه وهو يلتقط الملفات ويتقدم منها مضيفا : - بما أن الأخت برينتس ستتقاعد قريبا فكرت في طريقة ما لتسيير العمل .. فلا فائدة من تدريب الأخت برينتس على طريقتي في العمل .. منذ الآن فصاعدا ستساعد الممرضة " برادشو " الدكتورة "بيتيل" وانت ستساعدينني . - طبعا يا دكتور . أجابت سارا بذلك بهدوء , ثم سحبت نفسا عميقا وتبعته الى غرفة الفحص . كان تعليله منطقيا , طبعا , لأنها تعلم أن المرأة تطمئن بالا إن رأت الطبيب والممرضة نفسيهما كلما جاءت للفحص . فهذا ينشىء بينها وبين الممرضات علاقة تعاطف تسهل عليها الافضاء إليهن بما يقلقها . كانت سارا تؤمن بالرعاية المستمرة , إلا أن رأي الدكتور هندرسون كان مخالفا , إذ كان يختار المريضة التي ينبغي عليها أن تزوره في العيادة الخارجية . كانت توافق نيال جيلسبي الرأي ومع ذلك بعثت فيها فكرة العمل والقرب منه بهذا الشكل أثناء الأسابيع التالية الاضطراب الشديد . وكيلا يكتشف ذلك ركزت اهتمامها على عملها بعد أن راجعا معا قائمة الأمهات اللاتي سيحضرن هذا الصباح لمراجعة الطبيب المختص . كان هناك ثلاث أمهات جديدات , وكل واحدة منهن متوترة الأعصاب لاتعرف ماذا يحدث معها ولماذا .. والحقيقة أن نيال جيلسبي تعامل بشكل رائع معهن , إذ كان هادئا صبورا وهو يشرح لهن ضرورة رعاية الأم قبل الولادة وفائدته للأم والجنين . قال نيال باسما , لهانا جارفيس , وهو يجلس على حافة سرير الفحص : - لابد أنك تساءلت عن السبب الذي جعل الممرضة تأخذ منك عينة دم للفحص لدى وصولك . وكانت هانا احدى المريضات الجديدات وقد بدت متوترة للغاية , فراح يشرح لها : - هناك أشياء عديدة نريد أن نجري لها فحصا , ولهذا سنأخذ منك عينة كلما أتيت الى هنا , لنطمئن الى أنك لن تصابي بفقر الدم وغير ذلك . أما ما نحتاج الى معرفته قبل أي شيء فهو نوع دمك وما إذا كان إيجابيا أم سلبيا . - وما معنى هذا يا دكتور ؟ هل هو مرض ؟ طرحت "هانا" هذا السؤال مقطبة جبينها , لكن سارا لاحظت أنها أصبحت أكثر إطمئنانا واسترخاء بعد حديثها مع الطبيب . - لا , ليس مرضا . إن معظم الناس إيجابي , إنما هناك أشخاص دمهم سلبي وهؤلاء عددهم قليل . وهذا لا يسبب لهم , عادة , أي مشاكل . على أي حال , إذا كان دمك سلبيا , فمن الضروري أن نعرف ذلك لأنه قد يسبب مشاكل للجنين . - كيف ذلك ؟ - إذا كان دم الطفل سلبيا , مثل أمه , فما من مشكلة . ولكن إذا كان إيجابيا , فقد يسبب له فقر دم شديد وسيكون علينا مراقبته بعناية بالغة . إذا تسربت أي خلية من خلايا دم الجنين الى دمك أنت أثناء الولادة , فسينتج جسمك مضادات تقاوم العناصر التي تحملها خلايا ذلك الدم . ويكمن الخطر إذن في أنه أثناء الحمل , قد تمر هذه المضادات عبر المشيمة وتهاجم أي دم إيجابي لجنين آخر قد تحملين به في المستقبل . وإن حدث ذلك أصيب الجنين بأمرض عدة كاليرقان وفقر الدم الحاد أو بتلف دماغ الجنين حتى . - يا إلهي ! اليس لهذا علاج ؟ وهل تعني أن المرأة ذات الدم السلبي يجب ألا تخاطر بإنجاب طفل آخر ؟ - أبدا . الأمر ببساطة هو أننا نعطي الأم إبرة تمنع تشكل المضادات بعد كل ولادة . عند ذلك , لا يتعرض الطفل الثاني الذي ستنجبينه لأي خطر , ولكن يجب أن يوضع أي حمل آخر تحت المراقبة , طبعا . - عملكم رائع , يا دكتور . فأنا لم أكن أعرف سبب أخذ الدم مني للفحص . وأنا أخاف من وخز الإبر , لكنني لم أعد أخافها بعد أن عرفت السبب . وسلامة الجنين تستحق ذلك , أليس كذلك ؟ أضاءت ابتسامة مشرقة وجه نيال وهو ينهض ويربت على يد الأم قائلا : - هذا صحيح . وهو ثمن قليل لطفل صحيح الجسم . ستساعدك الممرضة هاريس على الاستعداد لكي أفحصك . إذا كان هناك ما تريدين معرفته , يا سيدة جارفيس , فاسأليني . فكلما توفرت لديك معلومات , كلما أصبح الأمر أسهل بالنسبة لك .. سأعود بعد لحظات ... غادر غرفة الفحص , تاركا سارا تعد الأم الشابة للفحص كما تفعل مع كل امرأة تقصد العيادة للمرة الأولى . لقد أدهشها الوقت الذي أمضاه في الشرح , فقد توقعت منه , أن يتصرف بشيء من الفظاظة مع المريضات ولكنه أظهر نحوهن تعاطفا بالغا ومداراة لمشاعرهن . عادت لتعلمه بأن "هانا " جاهزة , وعندما رأته قطبت جبينها للحظة . كان يبدو غامضا , فتملكها عندها شعور بأنه رجل بارد للغاية يجيد السيطرة على نفسه , لكن بعد ساعات من العمل معه , وجدت نفسها تغير رأيها . فوراء ذلك المظهر الجليدي , لاحظت الصبر والعطف والروح المرحة . وهذا ما جعلها تتساءل عن شخصية نيال الحقيقية . هل هو حقا ذلك الشخص العملي البارد الذي يصر على أن تجري الأمور كما يريد , أم أن شخصيته الحقيقية هي تلك التي يظهرها لمريضاته بحيث يريح أعصابهن بمهارة يفتقر اليها معظم الأطباء ؟ أم أنه ذلك الرجل الذي لمحته الليلة الماضية ؟ الرجل الساخر حتى من نفسه ؟ تنهدت وهي تتمنى لو تكتشف الجواب فيمكنها , حينذاك , أن تعالج مشاعرها المتضاربة . هل يمكنها أن تعرض نيال جيلسبي على إحدى الآلات , كما هو الحال عند شراء السكاكر أو الشوكولا أو غير ذلك , فتعطيها الآلة الجواب الذي يجعلها تفهم ردة فعلها نحوه؟ أوشكت أن تقنع نفسها بهذا الجواب , لكنها أدركت , عندما جاء , أن الأمر لن يكون أبدا بهذه السهولة . فنيال جيلسبي ليس ذلك الرجل الذي يسهل فهمه , فهو لا يسمح لأحد بالاقتراب منه عاطفيا بحيث يتمكن من معرفته جيدا . |
تبدو جميله حبيبتى شكرا لمجهودك فى انتظار البقيه |
ننتظر التكمله ولاتطووولين لاهنتي
|
الساعة الآن 08:27 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية