منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص المكتمله (https://www.liilas.com/vb3/f717/)
-   -   أحلام منسية الكاتبة ليتني غريبة (https://www.liilas.com/vb3/t78044.html)

ارادة الحياة 12-05-08 04:57 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة dew (المشاركة 1398384)


يا هلا ومرحبا بإرادة ,,, أجزاء أو رؤى رائعة جدا ,,خطتها هذه الكاتبة التي أحترمها أشد الاحترام على كتاباتها المبدعة


أحــــــلام : يالها من مخلوقة تلك التي تتفانى في سبيل إسعاد تلك الوجوه التي نسيها الزمن في ذلك المكان المنبوذ من قبل المجتمع ,,محبة ودافئة المشاعر ,,كم أتمنى لها السعادة في حياتها وأن يحبها الجميع وينسوا أنها *بنت الهندية * أريد أن أعلم لماذا أو مالذي جعل علاقتها فاترة مع زوجها ؟


منصـــــور : على الرغم من البرود الذي ألمسه في تصرفاته إلا أنه رجل بحاجة إلى الحنان والمحبة كالطفل الصغير الذي كُسر قلبه ,,وعلاقته مع سعيد تثبت حاجته إلى أن يفهمه أحد

سعيد : قصته مؤثرة وطريقة انتقال المرض الشنيع إليه جعلتني أتعاطف معه جدا

حمدان :: ياله من أخ ! لماذا هذا التزمت والجفاء الذي يظهره لأخته ؟ هل هو فقط بسبب العمل الذي اتخذته؟


أم حميد:: يالها من عجوز عزيزة على الرغم من إزعاجها وتذمرها المستمر . وكم تقطع قلبي عليها عندما قالت أنه لايوجد حميد لأنها لم تتزوج ..قطعت قلبي !

حصة : قصتها لازالت غامضة قليلا .

سهيلة :: هذه الطفلة المسكينة التي استغلت بكل وحشية ,,**جعله يحترق في نار جهنم آمين *<<منقهرة


موزة : أتمنى أن تكون أكثر قوة مما هي عليه فليست نهاية العام إن كانت مطلقة .

راشد :: ما أحلى شخصيته ,,,هذا ما أستطيع قوله



شكرا لك ليتني غريبة على التحفة الرائعة وشكرا لك إرادة على النقل :flowers2::flowers2:


مشكورة ديو على المتابعة

لعل اكثر ما يعجبني بقصص ليتني غريبة واقعيتها وطريقة وصفها والغموض الذي تحيط به كل شخصية من شخصيات القصة
واطريقة التي تزيل بها هذا الغموض
انتظري لتري قصة حصة
شكرا لمتابعتك

ارادة الحياة 28-05-08 05:36 PM

ابتسمت في وجه المرأة بخجل و هي تشكرها ثم تلتقط الوريقات بخفة و حقيبتها ..
تشعر براحة حقيقية .. لا تنكر هذا القلق التي يجتاحها .. و الخوف المتأصل الذي لم تبتر جذوره بعد ..
و لكنها سعيدة بهذه الخطوة .. لقد تطلب منها الأمر إقداما و شجاعة .. تحدت خوفها لتتقدم إلى هنا مجددا ..
استنشقت الهواء تعب رئتيها بحبور .. تعلم أنه لا زال هناك الكثير ينتظرها ..
و لكنها أقدمت على هذا الآن .. و يمكنها أن تفعل الكثير مستقبلا ..
تجاوزت الباب الخارجي لشعبة القبول و التسجيل .. قاصدة الخروج إلى حيث ينتظر حمدان .. حين أوقفها ذاك الصوت العالي ..
- مــــــــــــــوزة ..؟!
التفتت بسرعة نحو الصوت .. ثم تجمدت ..أصابعها تقبض بقوة على الأوراق في يدها .. و تعتصر حقيبتها ..
و خفقات قلبها تكاد أن تصم أذنيها .. لا يمكن ..!!
لا يمكن أن يكون القدر بهذه السخرية ..!!
لم تكد تضع قدمها على أول طريقها المستقبلي مندفعة .. حتى يواجهها الماضي متحديا في وجه تلك الفتاة التي اقتربت منها هي و صديقتها التي ترافقها لتطبع على خدها قبلة باردة ..
- شحالج ..
انفاسها تتحشرج ..
- بخير ..
تنظر الفتاة إلى يدها التي تخنق الأوراق ..ثم تطالع وجه صديقتها ..
- قالوليه انج رديتي الجامعة بس ما صدقت .. قلت أيي أتأكد بنفسي ..
لم تعرف موزة بما عليها أن ترد .. فقد اعتادت من هذه الفتاة خبثا لا تستطيع مجاراته .. التزمت الصمت للحظات قبل أن تميل تلك برأسها ..
- شوه مروحة ..؟!
- هيه
- أهاا .. خلاص عيل .. ما بأخرج ..
تنهدت موزة بارتياح و هي تتمنى في داخلها أن لا تضطر لمواجهتها مجددا ..!! استدارت لتوليهن ظهرها بغية الرحيل ..
و لم تكد تخطو خطوتين .. حتى تسلل صوت سلامة بخبث و هو يقول مستطردا ..
- على فكرة .. في عرب طيبين يسلمون عليج ..
.
.
كادت أن تقع على وجهها ..
يا إلهي ....!!!

* * * * *


حين وصلت أحلام للمستشفى كان المكان مقلوبا رأسا على عقب .. علمت أن بو عبد الرحمن حالما اتصلت به تخبره نتيجة التقرير قد جر عائلة سهيلة بأسرها للمركز ..
مجموعة لا بأس بها لم تميز أحدهم سوى كرنفال الألوان ذاك الذي قابلته مسبقا .. شقيقة سهيلة الكبرى التي تلقت أحلام بأشنع نظرة استكبار لديها .. شيء قبيح و لكنه لم يهز شعرة من مشاعر أحلام الجامدة في تلك اللحظات ..
دخلت مكتب بو عبد الرحمن و رأت رجلا بدا أكبرهم سنا مهموم الوجه يتحدث بجدية معه .. و إمرأة مسنة تفرك عينيها الدامعتين و هي تتمتم بكلمات غير مفهومة .. و الرجلين اللذان رأتهما أحلام مسبقا يجران سهيلة من هنا ..
في اللحظة التي دلفت فيها من الباب و توجهت الأنظار نحوها .. لم تخالجها سوى رغبة جامحة بالتقاط كل ما قد تصل يديها له .. لتلقيه في أوجه حثالة البشر هذه .. حشد القلوب الميتة ..
أن تجرهم من ثيابهم جرا لترميهم خارج هذا المكان .. فلينفثوا قذارتهم و سمومهم في الخارج ..
كانت نظرات اللوم تنطق من عيون الأم و ابنتها .. ماذا ..؟! أَ هي من اغتصبت طفلتهم ..؟! أم من سمح بذلك ..؟!
تلجم نفسها بقوة حقيقية .. و لكن سرعان ما كان هناك متنفس لقهرها .. و إن لم ينطق لسانها .. ففي اللحظة التي تجاوزت فيها زكية عتبة الباب و وقعها ناظرها على المشهد الذي رأته أحلام حتى انفجرت بسخط .. و وجهها البدين يختقن .. و دموعها الشفافة تنساب على خديها .. في منظر كسير أوجع قلب أحلام .. أكثر من أي شيء آخر .. في حين بدت زكية في تلك اللحظة ندا لأم حميد في صراخها و هي تصيح بهياج ..
- إيـه ..؟! جايين ليه ..؟! عاوزين تخلصوو عليها .. يا ناس اختشووو .. خافوو ربكوو .. انتووو ايه .. ما في ألوبكومش رحمة .. ما فيش انسانية .. لو ما كانيتش بنتكوم دي انسانة .. مخلوئة .. بس حئول ايه .. دنتو رميتوها هنا من البداية .. مش حتصعب عليكوو يعني .. انتي يا ست انتي .. جاية تعيّطي ليه .. ما خلاص .. العياط مش حينفع .. الفاس وئعت بالراس ..
كان بو عبدالرحمن جالسا .. و لم يرفع إصبعا لإيقاف سبابها .. و كأنما أعجبه ما تفعل ..!! فيما صاح أحد الرجلين الذين جرا سهيلة ذات يوم ..
- جاااب .. ايه انتي .. شوه تحرين عمرج هاا .. أنا لو ارفع السماعة الحين أكنسلج و أكنسل اللي يابج .. لا تغلطين و لا تدخلين .. لا أفرج خاري الحين ..
هب بو عبد الرحمن بهيبته ليرهبهم أجمعين دون أن يرفع صوته عن مستواه العادي..
- تخسي تفرها .. ها لي قاصر بعد .. الزم حدودك و صخ .. لي يشتغلون عنديه مالك حايه فيهم .. عندك رمسة عطني اياها ..
ثم التفت لأبو سهيلة ليقول بصرامة ..
- بو عبيد .. يا تحترمون وجوديه و موظفينيه .. يا الوعد في مركز الشرطة و نفتح التحقيق .. أنا ما وافقت ع التفاهم هنيه إلا عشانك .. لا تخلينيه أغير رايي ..
ارتبك بو عبيد عندما ذكر بو عبدالرحمن مركز الشرطة ..
- عييين خيير يا بو عبد الرحمن .. بنتفاهم ان شا الله ..
ثم التفت بغضب نحو ولده ..
- ناااصر .. انطب .. لا تسويلنا مشاكل ..
احتقن وجه ناصر و هو يطالع زكية بحقد ثم تبادل هو و الرجل الآخر النظرات في ضيق .. بينما خرجت زكية و هي تردد بصوت عالٍ ..
- حسبنا الله و نعم الوكيل .. حسبنا الله و نعم الوكيل ..
.
.
أحلام لا تزال تقف مكانها .. يسألها بو عبد الرحمن بهدوء ..
- دكتورة .. قالتلج شي ..؟!
تتركز الأعين الحقيرة عليها مجددا .. كم تشتهي من قلبها أن تفقأها .. تلك التي لم تراعي عجز براءتها .. !!
و يتردد صوت سهيلة الباكي في أذنها حين سألتها عمن فعل بها ذلك .. كان انتزاع هذا صعبا للغاية .. فجل ما كانت تردده .. هو ..
- آآآ كب .. كب .. بيعڤني .. بيعڤني ..!!
ليعود ذعر سهيلة من صورة كلب في التلفاز مباشرة إلى مخيلتها .. الكلاب ترعبها .. أحد ما يخيفها بها ..
و لكنها تلفظت بذاك الاسم .. باستحالة نعم .. و لكنها فعلت .. وكانت شجاعة حقيقية منها .. أن تتغلب على مخاوفها ..
و لم يحدث ذلك سوى بمساعدة زكية ..
.
.
أومأت برأسها .. ثم سألت و هي لا تستطيع كبح الحقد الجلي في صوتها .. و ربما تعمدت ظهوره ..
- عندكم كلاب في البيت ..؟!
نظروا إلى بعضهم بدهشة .. الحثالة .. البائسين ..
ثم أجابوا بالموافقة .. قبل أن تقول كتلة الألوان المبهرجة تلك بتعالٍ فارغ ..
- عدناا كلاب حراسة .. اربع .. ليش ..؟!
لم تعرها اهتماما بل نظرت للجميع تدير عينيها بينهم .. فسألها بو عبدالرحمن مجددا ..
- دكتورة .. شوه قالتلج البنت ..
- فهد ..
و فجأة انقلب المكان الى فوضى .. اندفع المسمى بناصر راكضا خارج الغرفة .. و صاحت الأم و هي تنشج ..
- قلتلك ظهره من البيت ما طعتنيه .. شوووف آخرتاا .. شوف شووه سوى ولد خوك ..
صاح بو عبيد في الرجل الآخر الذي بدا أن الاسم قد شله ..
- عبيد الحق على خوووك لا يسوي بولد عمه شي.. هب ناقصييين مصااايب .
انتفض عبيد على صراخ أبيه ليخرج هو الآخر في أعقاب أخيه ..
التعبير الغريب هو ذاك الذي على وجه غالية .. بدت على شفير البكاء فجأة .. شفتيها ترتعش بقوة .. و هي تنظر لأحلام و كأنما تنتظر منها أن تصرح فجأة بأن ما قالته مجرد كذبه .. الذهول اختلط بدموعها الباردة ..
في حين زادت وتيرة بكاء الأم ..
الأم التي لم تشعر أحلام نحوها بأدنى شفقة .. و هي تطالعها باحتقار عميق ..
للحظات انفصل جزء من أحلام يراقبها و هي تتقدم نحو المرأة الباكية .. تتوقف أمامها مباشرة .. و تقول بقسوة ..
- انتي لي ضيعتيها .. هااي بنتج ..؟! أهملتيها .. و فريتيها .. لا تنشدين و لا تدرين بحالها .. كيف تلتهين بالدنيا .. و تنسين عيالج .. ليش تييبينهم أصلا و انتي ما بتكونين أمهم ..
ثم ارتفع صوتها و هي تشير لتلك التي وقفت وراء أمها ..
- تشوفين هااي .. بعد ضيعتيها ..!! الحين ياية تتحسرين ..؟؟ ليش ..؟! سيري و كملي مشاغل دنياج .. صياحج ما بيرد شي ..
دموع المرأة في ازدياد .. و تصيح ابنتها بصوت متحشرج ..
- اييييييه انتي .. مااا يخصج في أمااايااا ..
لكنها لم تتوقف .. شيء غريب داهمها .. تشعر بأنها لم تعد تقود ذاتها ..!! همست بحقد حقيقي ..
- انتي ما تستاهلين تييبين عيال .. انتي ما تستاهلين تكونين أم ..
انفجرت أمها بالبكاء المرير .. في حين قال بو عبد الرحمن بصوت عميق ..
- دكتورة أحلام ..
نظرت إليه ..
و تشعر بأن عقارب الساعة لم تعد تدور .. الزمن يتوقف .. ليموت الإحساس منتظرا ..
و هي كالميتة .. تكبح شعورها .. حتى يكاد يخنقها ..!!
ليتابع ذاك آمرا بهدوء ..
- يكفي ..
هزت رأسها باحترام .. لتستدير تاركا كل هذا خلف ظهرها .. تخرج من هذا المكان .. و تتمنى من قلبها .. أن تواصل المسير ..
أن لا تتوقف بها الخطى ..
أن تبتعد قدر ما أمكن لقدميها أن تحملها .. أن تفصل المسافات بينها و بين هذه الفظاعة ..
وضعت كفها على بطنها و ألم شديد يغزو روحها .. يغشى قلبها ..
انتهكوها ..!!
انتهكوا طفولتها ..
كلهم فعلوا ..!!
.
.
و تسري بها الخطى فتصل إلى ذاك الباب ..
تدير مقبضه .. لتتوارى خلفه ..
و ذاك الجسد الجامد مسجى على كفن لم يحن وقته بعد ..
بلا حراك ..
صامتا ..
فتتوقف عند الباب ..
تنظر إليه لبرهة .. هنا اعتادت على سكب ما يخالجها بلا تحفظ ..
و عيناه الشاخصتين لا تتحركان .. و كأنما قضى دهرا يرقب مجيئها ..
سحبت قدميه بتعاسة ..
تجلس على الكرسي المقابل لسريره ..
و الوجع القاتل يتصاعد في روحها ..
ليس هناك من قد يلمس ما يؤلمني ..سوى هذا الصمت المريح الذي لا يخترقه غير صدى شكواي ..!!
.
.
تدفن وجهها في كفيها .. لتنخرط في بكاء عميق ..
مرارة تلفظها دموعها ..
تروي حرقة تسكن قلبها على ما حدث لنقاء تلك ..!!
الآن يمكن لجراحها أن تنقشع بعيدا عن أعين الناظرين ..
.
.
لا مكان قد يدرك ما في داخلي .. سواك ..
فاعذر أحزاني ..يا بحر ..!!

* * * * *

●○▐الرؤيـــــــــــــــــــــــا السابعـــــــــــــــــــــــة▌○●





و تنسل ذرات الأيام ببطء من بين أنامل الزمن .. لا يتداركونها ..
و لا يملكونها ..
تذروها رياح العمر في مهب الأيام ..
.
.
ماضية ..
إلى حيث لا عودة ..!!

.
.
.
.
.
.
.
بعــــــد مـــــرور شهـــــرين


.
.
عقد جبينه و هو يميل للأمام .. جيد .. يبدو الإهتمام على وجه ..
- و شوه المطلوب بالضبط يا دكتورة .. ندخلها مدرسة ..؟! صعب ..!!
هز أحلام رأسها رفضا ..
- لا .. قدّم على طلب مدرس أو مرشد تعليمي لذوي الاحتياجات الخاصة .. يداوم هنيه .. و يعطيها الدروس ..
صمت برهة قبل أن يهز رأسه غير موافقا ..
- ما نروم نييب مدرس خاص عسب حالة وحدة ..؟!
- ليش لا ..؟!
- صعب .. أكيد محتايين هالمدرسين في مكان ثاني ..
خالفته الرأي بحماس ..
- يا بو عبد الرحمن .. الخريجين يالسين في بيوتهم و كلن يرقب الوظيفة .. هب معقولة إن الدولة ما تروم تدبر واحد منهم ايي يدرسها .. و الا شرايك ..
- ما عليه .. خلي الموضوع عليه أحاول وياهم و برد لج خبر ..
قالت بإصرار ..
- لا تطيعهم يا بو عبدالرحمن .. حرام تتم البنية كذيه و عمرها يروح ع الفاضي .. خلها تستفيد شرات لي بعمرها ..
ابتسم بو عبد الرحمن لتنكمش تجاعيد وجهه القوي ..
- لا تخافين .. أنا أحرص منج على هالشي .. بس لو ما لبونا .. شوه بنسوي ..
كان الحزم يلمع في عينيها ..
- لو ما لبونا بنخلي ابوها ييب المدرس لخصوصي .. يسوي خير فبنته و يحلل فلوسه عليها مرة وحدة ..
ارتعش طرف شفته و هو يكبح ابتسامة لم تخفى على عينيها .. قبل أن يقول بهدوء ..
- خلاص هب مشكلة .. أنا بشوف الموضوع .. الحين زين انج ييتي أنا كنت بطلبج .. عنديه شي أبا أرمسج فيه ..
- رب ما شر ..؟!
طمأنها ..
- و لا شر .. كل خير إن شا الله .. بس بغيت أخبرج إن بو ثاني في رمضان يمكن يظهر من المركز ..
اتسعت عيناها بذهول ..
- يظهر يسير وين ..؟!
هز كتفيه ببساطة ..
- بنت خوه ردت من السفر .. و تقول إنها تباه عندها شهر رمضان كله و العيد و خلاف بترده .. بس يبالها وقت ترتب مكانه و تييب حد يعاونها عليه ..
تنهدت براحة و هي تبتسم ..
- خبرتوه ..؟!
- لا
- عيل خلنيه أنا لي أبشره ..
أشار لها بالموافقة لتستأذن خارجة في انكب هو على مطالعة أوراقه تلك ..
لوهلة حين قال بأن بو ثاني سيخرج ظنت أنه يعني خروجه من هنا للأبد .. و أفزعها ذلك .. كان هذا أنانية مطلقة منها .. فأبو ثاني يرغب بشدة أن يترك المكان ..
و لكن يصعب عليها التخيل بأن تمر من أمام باب تلك الحجرة .. دون أن يغمرها غبار تلك الأيام القديمة ..
تكاد تشم صورها .. أسود .. أبيض .. // بلا ألوان ..!!
باهتة .. و لكن حية ..
تخلق فيها شعورا متأصلا بعراقة و صدق الإحساس فيها .. صورة منسية .. تعيدها إلى حيث لم تكن يوما ..
إلى الزمان المطوي بين جنبات الذاكرة ..
إلى الأنفاس اللاهثة للقمة عيش بسيطة .. تتساقط قطرات عرقهم مطرا شحيحا لنيلها ..
إلى رحمة تسكن قلوب البشر ..
.
.
إلى حيث يشد بو ثاني الحنين .. فيشدها معه ..
هذا الرجل ببساطته و خطوط الأيام على الوجه و الكف .. متأصل في روحها ..
تعشق بريق الأمل بين حطام كل ما هو قديم خلف مقلتيه ..
و تهوى رائحة الأتربة المتراكمة على حروف لم تمس منذ دهور .. يرويها في تلك الحكايات الأثيرية التي تلامس قلبها بما تحمل ..
كيف إذا لهذا المكان أن يكون دونه ..؟!
كيف لها أن .....
.
.
و يبعثر رنين هاتفها أفكارها تلك .. لتناظر شاشته .. ابتسامه مرتعشة ترتسم على ثغرها ..
قلبها يخفق في ترقب .. و هي تلبي الرنين الملح ..
- ألوووه ..
و يتدفق صوته الدافئ ليداعب أذنها ..
- مرحباا ..
- أهلين ..
- شحالج ..؟!
لقد رأته قبل ساعة ..!!
- بخير الحمدالله ..
برهة صمت قبل أن يقول بصوت يكبح الحماس المتفجر فيه ..
- آآآ .. أنا في المطبعة .. بغيت أقولج بس إن الرواية إنطبعت ..
الآن يتراقص قلبها فرحا .. يتصل بها ليشاركها هذه اللحظة ..
- مبروك ..
- الله يبارك فيج .. بييب نسخة للبيت تشوفينها ..
- الحين بتسير البيت ..؟!
- لا .. الحين بسير لسعيد ..
و يتوقف قلبها عن الرقص بضيق .. لكنها لم تقل شيئا .. علاقتهم الهشة هذه قابلة للإنهيار عند أدنى ضغط ..
كوني صبورة أحلام .. كوني صبورة .. انتهت الرواية .. و ستنتهي هذه العلاقة مع آخر نقطة تلت الخاتمة ..
صوته المتسائل يصلها ..
- أحلام ..؟
-هاا ..؟!
- أنا ببند ..
تنهدت .. أرادت أن تقول الكثير .. سعيدة لأجله .. و لكن ......!!
- أوكيــــه .. برايك ..
لحظات .. ثم انقطاع الخط هو المجيب .. تنظر لهاتف في قبضتها و كأنما تلومه على انتهاء الوصل بينهما ..
.
.
- مدام أحلام ..؟؟
انتفضت متفاجئة تنظر لها ..
- هلا زكية ..
ابتسمت زكية ..
- ايه ..؟! هو انتي كنتي سرحانه و الا ايه ..؟
- شوي ..
- يبئى خضيتك .. معلش .. أصلي كنت عاوزة أسألك حصل ايه في موضوع سهيلة ..
أومأت أحلام تقول بأمل ..
- يقول بيشوف الموضوع ..
- إن شا الله يوافئوو .. انتي عارفة يا ستي لو يحصل الموضوع حتكون خطوة كبيرة و الا انتي رأيك ايه ..؟! ..
.
.
.
.
.
.
.
.
للمرة الأولى منذ قدومها إلى هنا .. تجده جالسا في الخارج .. يتنعم باستنشاق الهواء الحر .. غير مقيد بجدران تكتم أنفاسه ..
ثغره المبتسم يكشف عن ظرسه الغائبة و صوته المهتز يعلو فلا يتردد صداه بالقوة التي ألفتها بين جدران غرفته الحجرية .. بل ينطلق للبعيد .. لحدود السحاب .. فيجبر سمعها المتلهف على الانصات و تذوق تلك الكلمات ..
- كم لي وكم لي وكم ذكرى اسجّ ابهـا .. لي نامت الناس انا ماغمّضت عينـي
كـم أسـأل الريـح لـي هبـت هبايبـهـا .. ولا مـــن الـريــح خـبــر بايسـلـيـنـي
صبـرت قلـبـي وكـبـدي زاد لا هبـهـا .. تذرف دموعي ونار الشـوق تكوينـي
يا طول صبري علـى عالـي مراقبهـا .. ومجاوب الورق لي غنّـى بصوتينـي
.
.
ترد بصوت عالٍ يصل لمسامعه الواهنة بابتسامه ..
- بصوتيني .. صح لسانه الشاعر ..
يصيح هو الآخر ..
- صح بدنج يا بنت عبيد .. هذا أحمد الكندي الله يرحمه ..
- الله يرحمه .. تحب الشعر يا بو ثاني ..؟!
ابتسم و هو ينظر لها بعتب .. و كأن هذا السؤال لا يُسأل ..!!
- كيف ماحب الشعر ..؟! امنوه لي ما يحب الشعر ..؟! الكلام الموزون يطرب النفس .. و العرب في الزمان لول كل قبيله لها شاعر .. الفارس يعزيه شعره .. حتى الرسول كان له شاعر .. حسان بن ثابت ..
ابتسمت أحلام له .. و هو يشير بيده ..
- الشيخ زايد الله يرحمه كان شاعر .. و شاعر كبير ..
همست أحلام ..
- الله يرحمه ..
- و يقول ..
شـاعـر اوشـعـره بـانـي .. او مشهور في الاشعـار
او مشهور ابشيء ثاني .. فـــي الـعـلـم والأفــكــار
يـبـدع لــك فــي ثـوانــي .. جــيــل شـــــرا لـنــهــار
يـتـغـزل فـــي الـغـوانـي .. او يتـبـع ظـبــي لـقـفـار
الله يرحمه .. كان أشعاره طيبه و مسموعه .. الشاعر انسان قلبه صافي احساسه .. و الشيخ زايد كان معروف عنه هالشي ..
.
.
كانت تلك الهبوب تداعب وجنتها الباردة .. و خاطر خفي مر بداخلها و هي تتذكر ذاك الرجل ..
شيء غريب خالجها و هي للمرة الأولى تمعن التفكير في روح الشاعر فيه ..
كيف لرجل كان يحكم قبضته على زمام أمور أرض بأهلها .. يزدحم وقته // تفكيره .. بمشاغل لا تنتهي ..!!
أن يجد الوقت كي ينزف مشاعره أحرف موزونة .. تنبض إحساسا .. لا يستشفه إلا من شعر به ..
متأكدة .. بأنها قد عاشت في زاوية من زوايا قلبه الكبير .. احساس حقيقي .. حلم خفي .. لم يصله أحد أبدا ..
.
.
ذاك الراحل ..
كان رجلا .. و الرجال قليلون ..!!
كان زايدا أسطورة .. كان حلما أجمل من أن يستمر ..!
فمضـــــى ..
أي ذكرى خلفها في أرواحنا تحمل ألما لا ينضب .. نستشعره كلما صاب قلوبنا حنينا لرؤيته يطوف الشوارع رافعا يده محييا شعبه بابتسامة لم ترحل معه ..
بل حفرت في داخل كل واحد منا ..
.
.
رحمك الله يا زايد ..
.
.
- بو ثاني ما قلتلك ..!!
نظر لها بعينيه الضيقتين متسائلا ..
- شوه ..؟!
ابتسمت و إحساس غامر بالنشوة يجتاحها .. كم هو رائع أن نوزع المفاجآت لقلوب متعطشة للفرحة ..
- عنديه لك بشارة ..
- ابشري و الله بالبشارة ..
كان متلهفا للغاية و هو يترقب ما ستقول ..
- أهاا .. عيل بخبرك .. ترا بنت خوك ردت من السفر .. و تقول تباك عندها رمضان و العيد ..
.
.
غريبة تلك الفرحة التي علت وجهه فتتسع ابتسامته مفسحة لإطلالة ما هو مفقود خلفها ..
شيء يشبه احساس طفل وجد ما يبهج قلبه الصغير ..!!


* * * * *

نفخت بضيق و هي تضم نفسها بقوة .. تطرد البرد من جوانب جسدها المتجمد ..
- و الله ما عندج سالفة .. الحين فهمينيه .. الين متى بنتم كذيه .. كل يوم مشردتنا من الكوفي ..؟؟
مدت يدها بعجز ..
- غزيل إفهمينيه .. يختي تنغزنيه بالرمسة .. خص عند ربيعاتها ..
صرت غزيل أسنانها بضيق ..
- و أنا أقولج خلينيه أتفاهم وياها .. بلعن خيرها مسودة الويه ..
كالعادة .. جواب الرفض ..!!
- لاااا دخيلج .. كل شي الا حركات الدراما مالتج .. بتسويلنا مشاكل ..
- تخسي .. تراها تخاف منيه .. و الا ليش ما تسوي هالحركات و أنا موجودة ..
تأوهت بكلل ..
- مادري ..!!
نظرت لها غزيل شزرا ..
- انتي الحين شاردة .. تراج بتقابلين شيفتاا و شيفة لي يابوها يوم الخميس ..
عقدت موزة جبينها بشدة .. هذه الفكرة تسلبها الراحة .. تؤرقها ..!!
- أدري ..
- انتي يا أدري .. يا ما أدري .. ما عندج غير هالكلمتين .. قوليليه شوه بتسوين ..
- مادري ..
ثم تداركت حين رأت الغيظ يلوح على وجه غزيل ..
- يختي يومها يحلها ألف حلاّل ..
ثم توسلت بضيق ..
- دخيلج غزووول طبيها .. ارمسي في شي ثاني ..
- أوكيه ..
.
.
أَ هو الوقت المناسب ..؟؟
نظرت لوجه صديقتها المحمر من البرد .. هي متأكدة بأن شقيقة طليقها لم تتعرض لها أكثر من ثلاث أو أربع مرات .. و لكن موزة حساسة بما يكفي لتثير ذعرها مثل هذه المواجهات ..
و لا تعلم حقا أهي بالقوة الكافية الآن .. ؟!! .. هل التأمت خدوشها تلك ..؟! .. أم أنها إن ألقت بما في جعبتها قد تذر ملح عليها .. فتزيدها وجعا ..!!
لن تعلم ..!! لن تعلم إلا إن فعلت ...!! لذلك أمعنت النظر فيها .. تبحث عن بريق قوة في وجهها يمكنه أن يدفعها لما ستقول ..
فتبتسم موزة برقة ..
- بلاج غزووول تتأملينيه ..؟!
كم هي شفافة هذه الفتاة .. لا تريد أن تسبب لها الأذى ..
- معجبة ..!!
ضحكت بخفة .. قبل أن تحزم غزيل أمرها .. ستفعلها .. و الآن ..
- موزة ..!
- لبيه ..
تتعثر بها أحرفها و الشجاعة ..
- لبيتي في منى .. آآآ .. أبا أرمسج فسالفة ..
- سالفة شوه ..
- سالفـــــــة .. بس .. موزان .. ماباج تقاطعينيه الين ما أخلص رمستيه .. خلاف قولي لي تبينه .. أوكيه ..؟!
تتسع عيناها بتلك الهشاشة السحريه .. و صوتها الناعم يربك غزيل التي تشعر بأنها على وشك تحطيم شيء ما ..
- ترتوب ..
ابتلعت ريقها .. و تدفع الأحرف من بين شفتيها دفعا ..
- موزان .. تعرفين انيه أنا و انتي ربيعات من زمااان .. من الابتدائية و الا قبل .. و نحن أهل قبل لا نكون ربيعاات .. و الله موزوه انيه أعدج أقرب من خواتيه و انتي تحسين بهالشي .. أنا ما قول لهن و الا حتى لأمايا لي أقولج اياه .. حتى هالسنة لي سافرت فيها ما غيرت شي .. يوم شفتج حسيت عمريه مفارقتنج البارحة .. هب من شهور ..
تحوي نفسها أكثر من البرد و هي تتساءل ..
- و ليش هالمقدمة الطويلة ..؟!
- قلتلج لا تقاطعينيه ..!!
اعتذرت بنعومة ..
- آسفــــــة .. كملي ..
فركت غزيل كفيها ببعض ..
- موزة التجربة لي انتي مريتي بها هب هينة .. و وااايد غيرج يبطن ما ظهرن من لي انتي فيه .. أعرف انج وااايد عانيتي من رمسة العرب لي ما يعرفون السالفة .. و أعرف إن هل هالسبال غطو ع سالفة المغربية حتى عقب ما طلقها .. أقولج و الله لولا العنود أنا ما كان دريت و بعدين .. آآآ .. خوية قالي السالفة .. و تأكدت ..
تغير وجه موزة الآن .. فمدت تلك يدها لتشد عليها ..
- ما عليج من العرب .. ما تاخذ الا الظاهر .. و سويتي خير فعمرج يوم قررتي تظهرين من الحبسة .. لن الناس بترمس لين تشبع .. و اذا تميتي حابسة عمرج و الا ظاهرة ما شي بيتغير .. بيتمون يرمسون .. أهم شي إنج تتأكدين من إن رمستم ما تعني الحقيقة و لا انج تطيعينها .. انتي انسانة و لج عقلج و روحج و مشاعرج الخاصة .. هب مضطرة تكونين لعبة يحركونها الناس بأقوالهم و هم ما يعرفون الحقيقة أصلا ..
ثم قالت بقوة ..
- أنا أدري انج قوية .. و مع الوقت بتنسين كل شي و بتحطين هالشي ورا ظهرج .. و بتردين موزة لولية .. يمكن تصيرين أقوى .. تديرن ليش ..؟! لن الماضي يمكن يكون نص حياتنا .. هو لي يأثر في الحاظر و المستقبل .. بس بالطريقة لي نحن نباها .. اذا تمينا نعيش سلبياته و نتعايشها .. بتروح أيام العمر و ما لحقنا الا ع شقا راح بس نحن ما في نفوسنا القوة عسب ننساه .. بس اذا كنا أذكياء بناخذ التجربة .. الحكمة .. ناخذ درس من الماضي .. و نبني حياتنا من يديد .. نحاول مرة و مرتين ... الين نوصل للطريق لي نباه .. بعيد عن كل شي كان يعور قلوبنا في الماضي ..
بدا صوتها أكثر عمقا .. و هي تروض أحرفها العشوائية // المشاغبة .. لا تنفلت ..!!
- فيه ناس توقف عند نقطة في حياتها .. و النقطة هاي مع الوقت ما تكون غير ماضي .. بس هي خلاص ما تبا تتحرك أو ما عندها الشجاعة أو هي ما تريد تتخلى عن هالذكرى .. بس هالشي غلط .. انزين .. ما نروم نشلها على كتوفنا و نكمل حياتنا .. ؟! ويا الزمن بنلقى عمارنا نبني شي يديد .. يمكن ع الماضي صح ..!! بس ع الأقل سوينا تقدم .. موزان غناتيه .. أنا أشوفج الين الحين متمسكة بفكرة انج مطلقة و تخافين من نظرة الناس لماضيج .. مع انج المفروض ترفعين راسج .. لنج ما غلطتي .. اذا انتي محاسبة عمرج على شي هب ذنبج .. شوه خليتي لغيرج ..؟! للناس لي صدق عندهم نقاط سودا في حيااتهم بس يتخطونها و يكملون .. و بعدين أنا ما يعيبنيه خوفج من هالسلامة .. و اذا نغزتج .. هاي تنغز عمرها حبيبتي لنها تعرف شرات ما تعرفين إنه الخياس من صوب خوها .. و انج أشرف منها و منه .. بس موزان لي ما يعرف الصدق .. بيصدقها هي .. خص ان ضعفج هذا يبين انج مسوية جريمة ..
فتحت فمها بألم تريد أن تقول شيئا .. فتوقف تلك بحزم ..
- لحظــــــة .. أنا ما خلصت رمستيه ..!! انتي لازم تواجهين أي حد يوقف في دربج .. في حياتج اليديدة .. و أول حد لازم تواجهينه .. هو نفسج .. انتي الين الحين تشوفين انج شاذة عن المجتمع بكبرة لنج مطلقة .. فيه مليار مطلقة في البلاد .. هب انتي بروحج .. بس انتي نبذتي عمرج قبل لا الناس يسوونها .. و تميتي تتلومين على شي ما كان غلطة كثر ما كان مكتوب لج .. موزوه .. كيف تبين الناس يشوفونج انسانة عادية و ما ينظرون لج بنظرة المطلقة .. اذا انتي نفسج هب رايمة تشوفين غير هالشي ..؟! .. كيف تبين العرب تحسج شرات غيرج و انتي مصدقة انج غير عن الكل .. انتي هب طفرة في البشرية .. !! انتي مطلقة بس ..عرستي و ما كتب ربج نصيب و كل واحد منكم سار في طريقه .. خذي الموضوع ببساطة و بتبين لج الصورة بسيطة ..
صمتت للحظات .. وجه موزة كان مخطوف اللون و كأنما اختنقت بهذا الكم من الأحرف ..!! أصبحت اللحظة الآن .. فسحبت غزيل يدها من قبضت موزة التي كانت تشد عليها بلا احساس حقيقي .. تنظر لها بقوة .. و هي تقول بوضوح ..
- انا أعرف انج ما بتتعلقين في الماضي الا في حالة وحدة بس ..
كانت مشدوهة الآن و هي تنتظر ما ستقول .. فضغطت غزيل على مخارج الأحرف ..
- إلا إذا كنتي تحبينه ..
.
.
.
.
لم يرف لموزة جفن و هي تطالع وجه صديقتها بغرابة .. و صوتها أصبح حادا و هي تتساءل ..
- أحبه ...؟!!
لكن غزيل لم تتراجع .. تحملق فيها بصمت .. تنتظر انفجارا ما ..
و لكنه لم يأت ..!! كان صوت موزة هادئا جدا ..
- أصلا أنا ما عرفته زين عسب أحبه و الا لا .. و لي عرفته منه طين عيشتي .. و تتوقعين انه بيتم شي في داخلي قداه ..؟!
ضيقت غزيل عيناها بحدة ..
- متأكــــــــدة ...؟
نهرتها موزة بثقة ..
- غزيل ..!! شوه قالو لج .. مشاعريه هب رخيصه لهالدرجة .. و أنا ما أكابر أقول الصدق .. عبدالله ما يعنيليه شي و الشهرين لي يلستهم وياه ما تسد عسب أحبه !!
.
.
استرخت الآن في مكانها .. و راحة عامرة تغزو كيانها .. كان تعلقها و خوفها الشديد من الماضي يثير مخاوف شتى في نفسها .. و لكن يبدو أنها كانت مخطئة ..!!
- الحمد الله ..
سألت موزة بهدوء ..
- الحين كل هالرمسة عسب تسألينيه هالسؤال ..!!!!
اضطربت غزيل و تبخرت الراحة بسرعة مجيئها لتستوي جالسة ..
الآن .. الآن ..
- لا .. كل هالرمسة عسب أسأل سؤال .. بس هب هذا .. سؤال ثاني ..
- شوه ..؟!
- لحظة .. اوعديني انج تفكرين أول .. لا ترديليه اليواب قبل لا تفكرين ..
- اوكيه ..
- لا اوعدينيه ...
تنهدت موزة ..
- خلاص وعد ..
- تفكرين قبل لا تردين ..؟
- أفكر قبل لا أرد .. شوه السؤال ..؟؟
.
.
ثبتت نظرها في عينيها الشفافتين .. لترى بريق مشاعر الترقب خلفها .. فتقول هي بهدوء شديد لا يعكس فوضى القلق في داخلها من هذه الخطوة ..
- علي خوية يبا يخطبج .. شرايج ..؟!
.
.
و تبعثرت تلك الأحاسيس في مقلتيها ..
فلم تعد تعكس سوى الضباب ..!!

* * * * *

كانت رائحة المطهرات و المعقمات تعبق في أنفه بقوة .. تكاد تسكره .. و لكنه لم يعد يهتم ..!! منذ فترة طويلة لم تعد تضايقه هذه الروائح .. فبسخرية ما أصبحت تخالط الأمل بشكل لا يصدق ..!!
يجلس هو على الكرسي و قد ارتدى فوق ملابسه الرداء الأخضر الغريب الذي يلزم بارتدائه كل ما أتى إلى هنا .. فيما الحجاب المحيط بسرير ذاك قد أنزلت منه فرجه .. ليطالعه من خلالها ..
تدهورت صحته بسرعة رهيبة أرعبتهم .. الالتهاب يلتهم كبده و بفتك بها فيما هو مجرد من مناعته .. عاجزا عن مقاومة ذاك الغزو الحقير ..
يعلمون أنه مجرد وقت .. و ستمضي روحه إلى البعيد .. عاجلا ..!!
.
.
وجهه الرمادي غدا بلا لونٍ الآن .. و عيناه يغشاها لون أصفر كئيب لا يكاد يقضي على بريق اعتاده دوما فيها ..!!
و يده الناحلة تمسك الكتاب بوهن شديد .. و قد تدلت شفتاه المبيضتان بتعب .. و يكاد الجفن أن يسدل أهدابه الباهتة إرهاقا .. لكنه لا زال يكابر هذا المرض ..
يتأمل الصفحة الأولى بإمعان .. و لا تكاد عيناه أن تقوم بحركة .. لحظات طويلة تمر و هو يقرأ العبارات الصغيرة التي تراصت على سطح الورقة البيضاء ..
ليقرأ بصوته المبحوح الخافت .. الذي بدا له خارجا من غياهب بئر سحيق .. يكاد لا يسمع .. !!
- لرجل ترجم التفاؤل حين لم أعد أفهمه ..
لرجل أتقن رسم ملامح الصبر في أيامي ..
لرجل علمني أن الحزن ليس سوى عجزنا عن خلق الأمل في أرواحنا ..
فنُترك متخبطين في غمرة اليأس بلا هداية ..!!
لرجل كان بعمق أحاسيسي تلك التي لا تروى ..
لصديق ..
كانت مختلفا .. فرحل ..!!
.
.
لحظات صمت لا يقرؤها الإحساس .. و هو ينتظر ردة فعله بلهفة .. فيمسح ذاك يده المرتعشة على صفحات الكتاب بابتسامة ذابلة ..
كإحساس تجاهل لسنين ..!!
ثم يرفع رأسه له و قد بدت تلك الابتسامة المتعبة أقرب للتكشير في وسط ذاك الوجه الهش ..
- حلو الكلام و الله .. بس ما كأنك بالغت شوي ..
ابتسم ..
- لا .. هاي ترضية ع الهزايم السوني عقب ما كسرت خاطريه ..
اهتز جسده قليلا و اتسعت التكشيرة مصدرة صوتا صدئا .. كان ضحكة ذات يوم ...!!
- هييييه يا ريال .. أنا هالسوني ما عرفت أختار لعيبته و الا غلبتك ..
هز منصور رأسه و ثغره لا زال متمسكا بتلك البسمة ..
- أدري .. بس شرايك في الإهداء ..؟
- خطير و الله .. بس شرات ما قلت من شوي .. حسيتك تبالغ ..
ثم تبخرت ابتسامته و وجهه ينكمش في ألم .. فيصمت للحظات و هو يعتصر الرواية بين يديه .. و منصور قلق عليه .. قبل أن يتنهد في إرهاق ..
- الله يغربل هالويع .. ذبحنيه ....!! .. شوه كنت أرمس عنه ...؟! عن الإهداء ..
ثم تأوه و هو يلوح ساخطا ..
- لا تطالعنيه كذيه .. إنته تقول أمل و تفاؤل .. و مادري شوه .. أنا ما حسيت انيه سويت شي ..!! و لا ساعدتك بشي .. حتى بحوث القصة انشغلنا عنها ..بس تدري يا بو حمدان ..
سكت للحظات و كأنه يفكر قبل أن يتدفق صوته المبحوح عبر فرجة الغطاء العازل .. ليلامس قلب منصور بخفة ..
- انته لي علمتني الأمل و التفاؤل ..
علت الدهشة وجه منصور بسرعة .. فأردف سعيد بوهن ..
- أول مرة شفتك فيها .. ريال عاجز و ياي يسوي وياي تحقيق .. تيي و تيلس .. ترمس عن أشياء واايد .. كنت أحسك أحيانا بارد .. و أحيانا أعرف انك تلين ..
ابتسم منصور و هو يستعيد تلك الأيام .. بدت قديمة .. قدم أحافير مشاعر منسية في روحه ..!!
- و يوم تقربت منك .. عرفت إنه شي فخاطرك .. في شي يضايقك .. تحيد هاييك المرة يوم خبرتنيه عن سالفة التقاعد ...؟؟ قلت هالشي لي مضيق خاطره .. أكثر شي أثر فيّه هب الرفض شرات ما قلت .. لي أثر فينيه انيه حسيتك أول مرة ترمس عن لي استوا وياك .. و هالشي يعني انك ترتاح لي .. غديت شرات الخوي .. و أنا لي سنين ما شفت حد يتقرب منيه ...!!
قال منصور بثقة ..
- أنا خوييك
و تناوش شفتيه ابتسامة متألمة ..
- مشكور يا منصور ..
و أسند قبضته على صدره ..
- و الله ان مخوتك تعنيليه واااايد .. علمتنيه كيف أحب و أدور الأمل .. شفتك و انت تنبش فواديه .. تدور شي يقويك .. و تقول انا لي علمتك ..!! أنا بس كنت مستسلم ..بس انت كنت تقاوم وضعك .. تحرر روحك من كل شي يربطها ..!!! - ثم عاد ينظر للكتاب بين يديه ليردد بصوت مرتجف - لرجل علمني أن الحزن ليس سوى عجزنا عن خلق الأمل في أرواحنا .. فنُترك متخبطين في غمرة اليأس بلا هداية ..!!
ثم أطبق مصراعي تلك الأوراق التي حوت بداخلها من الاحساس ما لم يستشف بعد .. ليقول بهدوء ..
- تعرف شوه المشكلة ....؟!
كان منصور مهتما .. و هو يتساءل ..
- شوه المشكلة يا الفيلسوف ...؟!
أمعن النظر فيه بقوة خامدة .. تخبو ..!!
- المشكلة ان فيه شي فخاطرك الين الحين كابتنه و لاظهرته .. شي كاتمنه بالقووو .. و قاهرنك .. ظهر لي فقلبك يا منصور .. و بترتاح ..!!
ضحك منصور بخفة .. و استرخى في كرسيه أكثر ينظر في كل مكان .. الا تلك العينين .. ففي الروح ما يخفي و لا يريد لأحد أن ينبشه ..
- يااا خي فكناا .. سويتلنا فيها .. شوه كتم ما كتم .. الحمد الله أنا مرتاح و لاشي فخاطريه ..
يسأل سعيد بشك ..
- متأكد ..
- هيه نعم ..
أومأ برأسه قبل أن يعيده الى المخدة بارهاق ..
- ع راحتك .. بس ترانيه ما صدقتك ..
.
.
- أفااا ....

ارادة الحياة 28-05-08 05:38 PM

انفجرت أحلام ضاحكة بقوة لتشاركها زكية الضحك هي الأخرى .. فيما بدت الحيرة على وجه أم حميد ..
- شعندكن .. أنا ما قلت شي يضحك ..؟!
استمرتا في الضحك فبدا الغل على وجهها .. لتنفس عنه في وجه زكية الأقرب ..
- حوووه .. شعندج تناهقين شرا الحمار ..
توقفت الاثنتن بسرعة عن الضحك .. غضب العجوز يتصاعد .. لتقول أحلام و هي تلجم تلك الضحكات التي تعاندها .. تبغي الإنطلاق ..
- أم حميد .. ما يوز تشبهين الانسان بالحيوان يزاج الله خير ..
عقدت جبينها في ضيق ..
- انتن تطلعن الواحد من طوره ..أنا شوه قلت عسب تخورنها ضحك .. امممف عليكن و على ضحكاتكن الماصخة ..
ابتسمت زكية و هي تتبادل النظرات مع أحلام ..
- عديجة ايه و بدنجان ايه يام حميد .. محدش بيسمي كدا دلوئتي ..
تطاير الشرر من عينيها و هي ترد بحدة ..
- و انتي شدراج ..؟ هاا ..؟! - ثم نظرت لأحلام التي رفعت يدها بسرعة كأنما تعتذر - بلاهن غبيشة و عذيجة .. أسامي زينة و العرب كلهم يسمونها ..
ضحكت أحلام بخبث ..
- لا يام حميد .. زكية صادقة .. العرب تغيرت أساميها الحين ..
ردت العجوز بعصبية هازئة ..
- و شوه تسمي يا الفطينة ..؟!
تقول بابتسامة متسعة ..
- تسمي نازك .. عصمت .. من هالأسامي السنعة صح زكية ..
لكن زكية لم تُمنح الفرصة لتعبر عن رأيها .. فصرخة أم حميد صمّت أذن الاثنتين ..
- الخلااا .. شهالخريط .. شوه من منكر يايباتنه .. منووه لي يسمي عنصت ..؟؟؟!!
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
بطريقة ما استطاعت أحلام التملص من مسميات أم حميد و الهرب من هناك .. تاركة زكية خلفها عرضة لهجومها المضني ..
استرخت في جلستها تنعم بالهدوء المميز الذي ترتشفه بتلذذ عند حصة التي كانت تستلقي على سريرها تنظر لها بابتسامة ..
- صادقة أم حميد ..العرب ما كانت تسمي غير هالأسامي ..
ضحكت أحلام و هي تتذكر تفجر غضب العجوز ..
- ندري بها .. بس نحن كنا نمزح و هي الله يهديها ما تعطي حد فرصة يرمس .. و بعدين تو الناس ع الأسامي ..
هزت حصة رأسها بهدوء..
- كم لج شهر ..
- آآآممم .. الشهر الرابع هذا .. يعني باقيلي خمس شهور .. و الله يسهل الين هذاك اليوم ..
ثم تذكرت شيئا و غضنت أنفها باستياء ..
- خوفي أربي في الصيف ..
تساءلت حصة بهدوء ..
- ليش ..؟!
تنهدت أحلام تتذمر ..
- أولا الحر و القيظ بتلعوز و الله .. و بعدين عرس ختيه بيكون في الصيف ..
النظرة المسالمة الآمنة لا تختفي قط عن ذاك الوجه الذي اتسعت ابتسامته و هي تسأل ..
- ختج بتعرس في الصيف ..؟!
أومأت أحلام ..
- هيه .. ملكتاا يوم الخميس .. بس العرس حددوه في الصيف إن شا الله ..
- منوه بياخذها ..؟!
- ولد عمنا .. خو ريليه ..
- هييييه .. بالمبارك إن شا الله الله يتمم عليكم بخير ..
ابتسمت أحلام ببساطة لها ..
- الله يبارك فيج ..
ثم ..
ذاك الخاطر الملح عاد يزاول نفسها .. تطرده بحرج .. و لكنه يعاند ..!!
أُم مَن هذه ..؟!
تنظر لوجهها اللطيف .. نظرة الحنان تلك .. نظرة الحنين ..
ابتسامة تزرع الهدوء في نفسها .. أمان أم تنشره حولها بصبر .. و كأنما لا تحتاجه هي في أيامها التي تأتي // تمضي ..
هذه الأنثى تنشر إحساسها المريح حولها ببساطة انتشار ذاك العطر القديم الذي لم تعد تذكر رائحته ..!!
أي شعور حقيقي تدفنه نفسها و لم تطلعها عليه يوما ..؟! أي سر في أعماق روحها ينتظر بلهفة نبشه ..؟!
أَ أمٌ أنتي ..؟! أم إنني واهمة بذاك الدفء الأُموي ..؟!
.
.
- أحــلام ..؟!
صوتها العميق ينتزعها من دوامة الأفكار تلك فتلتفت بخجل لها .. حمدا لله أنه لا يمكنك الإطلاع على فضولية إحساسي ..!!
- لبيه ..
ابتسمت و كأنما لمست خجلها ..
- سرحانه أشوفج ..!! شوه فخاطرج ..؟!
تخجلها صراحة هذه المرأة .. لا يمكنها قط أن تكذب عليها ..!! فتضطرب كلماتها تسعى صادقة للإفصاح ..
- آآمم .. فخاطريه أنشدج عن شي ..!!
مدت يدها بوهن لتمسك بيد أحلام المتساندة على السرير ..
- انشدي فديتج ..
توترت الآن .. عجبا ..!
لما يصعب علينا استشفاء حقائق الآخرين منهم فيما يسرنا الاستماع لها من أفواه غير المعنيين بها ..؟!
- آآ.. انتي كنتي معرسة ..؟!
الابتسامة المطمئنة لا تزال ترتسم على شفتيها الشاحبتين ..
- هيــــه .. و ريليه ما توفى إلا من سبع سنين ..
عقدت جبينها و الخجل يتضاعف بتعاظم فضولها .. تستشعره قبيحا ينخر نفسها ..
- من شوه ..؟!
- من ربيه .. أزمة .. توفى و هو يتقهوى الله يرحمه ..
همست أحلام ..
- الله يرحمه .. ما عندج عيال ..
.
.
و اهتز ثبات النظرة .. شيء مختلف إنعكس خلف أفق تلك العينين .. لا تزال تنظر لأحلام بإمعان .. و لكن الابتسامة لم تعد تتربع عرش وجهها .. شيء تنازع روح أحلام و هي تراها تغرق في الفراغ قبل أن تعود فتبتسم ..!! تشير للطاولة المتوسطة ..
- هاتي هذاك الدفتر ..
الدفتر الأسود ..!!! الذي راودت أحلام نفسها بأن تختلس أحاسيس هذه المرأة دفينة طياته .. تهب على قدميها فتجلبه لها ..
ملمس سطحه الناعم ينبئها بالكثير .. كم من خبايا يحمل يا ترى ...؟
تعود لمقعدها ذاك تستوي عليه و تلتقط حصة الدفتر من بين أناملها بتعب .. تفرد مصراعيه بهدوء ..لتسترق شيئا من بين وريقاته .. فتمده لأحلام ..
الصــورة ..!!!!!
الآن الذنب يتآكل فؤادها .. لا تعلم حصة أن أحلام كانت قاب تأنيب ضمير أو أدنى من أن تكشف النقاب عن غموض صورة سقطت من بين يديها تعير فضولها ذاك ..
ألحـــت حصة بخفوت ..
- شوفيها ..
تمد يدها بتردد .. تأخذ الصورة مهترءة الأطراف ... الغابرة فتقلبها .. لتلتقي عينيها بوجهه ..!!
رغم تلك الصورة بالغة القدم خالية الألوان .. كانت الحياة تطفح من عينيه بوضوح .. طيش مقتبل العمر يلوح على ابتسامته العابثة .. و رجولة نامية على أطراف لحيته الخشنة .. و الزغب الذي يعتلي شفته العليا ..
نافخا صدره .. مندفعا لهذه الحياة ..
صوت حصة الخافت يخالطه الحنين.. حنين غريب لم يكن قط كشيء لمسته أحلام مسبقا ..!! شيء أوجعها بشدة ..
- هذا ولديه مطر ..
رفعت أحلام نظرها لها .. تراقب الابتسامة الرقيقة التي أرسلت القشعريرة على طول ظهرها ..
- هاي صورته قبل 19 سنة .. قبل أربع سنين من آخر مرة شفته فيها ..
الآن تشعر بشعر رأسها يقف من هول ما قالت ..!! هذه المرأة لم ترى ولدها منذ ما يقارب 15 سنة ..!!!
همست أحلام بعدم تصديق ..
- كيف يعني ..؟؟ ما شفتيه من......
قاطعتها حصة ..
- من 15 سنة ..
ثم تنهدت و هي تلتقط الصورة من يدها .. تداعبها بأناملها .. تمررها على وجنته تلك .. بوله جارف .. و كأنما تراه أمامها ..!!
- تدرين يا أحلام .. يوم الحرمة تييب عيال .. يغدون عالمها .. يوم تشوفه صغير .. تقول يالله متى بيكبر .. متى بييلس .. و اذا يلس .. تباه يمشي .. و اذا مشى ودها إنه يربع .. و اذا ربع تبا تشوفه في المدرسة .. حتى لو درس تقول متى بييني من دوامه تعبان و يحب راسي ..
ترتسم ابتسامة على شفتيها ..
- بتعرفين عن شوه أرمس يوم ربج يسهل عليج .. ما نبا العمر يصرق منا شي .. نبا عيالنا يسوون كل شي و نعيشه وياهم ..!! .. أبا ولديه يكبر .. يعرس و ييب عيال .. و عقبها خلاص .. هذا كل شي كنت أباه من الدنيا .. اذا مت ما عليها حسافة ..
رفعت عينيها الغائمتين بالحب ذاك لأحلام ..
- ماشي أغلى من الظنا ..!! الوحدة يوم تشقى ع ولدها تكبره و ترعاه .. قطعة منها .. ماشي أغلى منه ..
هزت رأسها رفضا .. ثم التقطت كف أحلام المرتخية على الملاءة ..
- ماشي أغلى من الولد إلا شي واحد ..
أمعنت النظر في عينيها و هي تقول بقوة ..
- البلاد ..
للحظات شعرت أحلام بالتيه .. أضاعت نفسها بين الكلمات و لم تعد تجد السبيل .. فيما صوت حصة يملأ رأسها ..
- الأرض لي نحن نربى عليها و نربي عيالنا أغلى من كل شي .. حتى من عيالنا ..
عادت بعينيها للصورة تطالعها بشغف .. تشاركها أحلام النظر ..
- أنا أم .. كنت أباه يكبر .. يدرس .. يشتغل .. يعرس ..!! .. الحين شوه ...؟! أنا هنيه .. على فراشيه و كل يوم مادري كان بتطلع الشمس عليه و إلا لا .. خلاص مابا من الدنيا غير شوفته ..
رفعت أحلام نظرها لها و هي تسأل بألم يخالط صوتها فيهزه // يزعزعها .......
- وينـــــه مطر ...؟!
بدت تنثر الاحساس ببطء و هي ترسم حدود قصته ..
- مطر ..!! مادري وينه ..!!
.
.
.
كل ماطار الفراش أعرف إن أمي طفت
يمه ويني ؟؟
نامت سنيني علي تلتحف من برد عمري
مامعاي إلا عيونج .. تقطر الدمعه في بالي
تطفي البرد ويجيني زولج بداخل عيوني
أحضن عيوني وأنام
تهزهزي البرواز أدري
صح يمه ؟؟
مثل ماكنت اتهزهز باغنياتك
.
.
.
- تشوفين هالصورة ..؟! كان عمره فيها 20 سنة .. عقبها بأربع سنين راح في مهمة ..
- مهمة شوه ..؟!
- مهمة عسكرية .. ويا كتيبته كاملة .. مهمة عسكريه فجزيرة طنب الصغرى ..
أسدلت أحلام أهدابها .. الآن تتضح الصورة .. اذا فالجزر المفقودة في الأمر .. نصل الألم المنغرس في قلب الإمارات ..
جزر الحلم المسلوبة .. المنسية ..
أرضهم الموجوعه .. التي لم تعد في ذاكرة الكثيرين ..
ينسون أناسا مسكنهم .. أرضهم .. إحساسهم يغرس فيها .. ليصبح الأمر مجرد مصالح سياسية ..
أَ يا أرضي ..!! ألم تحن صحوة منتظرة من السبات ..؟ ألم يغدو الوقت هو لحظة نهب فيها لدفع الأذى عن تلك الحبيبة ..!!
مسجّاة على أطراف البحار .. نازفة .. لا ضمادة لأحزانها سوى حرية منفية ..
لا تصل لمسامع الأمم صيحاتها التي تشابهت و صيحاتٍ أخرى ..
عراق .. فلسطين ..
و أجزاء أخرى من كيان مُحتضر ..
لا يُغاث ..!!
- المهمة غدت اشتباك ويا القوات المتحلة .. ماتوو لي ماتوو .. و الباقين شلوهم أسرى ..!!
أعادت الصورة لدفء الوريقات ..
- سوو مفاوضات .. بس ما صار شي ..!! .. الين يومج .. من 15 سنة .. و ولديه مادري عنه .. ميت و الا حي .. مريض و الا صاحي .. ينام ..؟! ياكل ..؟! .. يفكر فينيه شرات ما أهويس به ...؟! شوه أقولج يا بنتي .. ودي انه الحين يحدر من هالباب .. يرد ليه ..
ثم ابتسمت مازحة .. مازحة ...!!!
كم أوغلت الحزن في قلب أحلام هذه الابتسامة ..!!
- يرد و أيوزه .. أخطب له البنت لي يباها ..
.
.
.
يمه نامي تمشط الصوره عيونج
تشعلي دمج تدفي الغرفة من بحات صوتي
مجدله شيبك تقولي آآآآآه يا نذر نذرته
تفتحين كروت عرس وترسمين بشوت عرسي
ألبس الأسود في بالج
ألبس البني في بالج
ألبس الأبيض ترفضين
الكفن يطري في بالج
صح يمه ..؟؟
يمه أدري .. أدري همج هو وجودي
هو زواجي
تشوفي عيالي وتموتي ..!!
.
.
.
تنظر أحلام هي الأخرى للصورة .. قوة حقيقية تنبض من عروق الحياة في تلك الصورة الخالية من الألوان ..
شيء مس شغاف قلبها .. فيما هي تسرح في ابتسامته ..
أ خطر في باله ذات يوم بأن هذه ستكون ماهية أيامه ..؟!
أما زالت هذه الابتسامة هي نفسها التي تعلو وجهه في غياهب مرارة ما هو فيه ..؟!
أين رمت الأقدار بتلك الروح يا ترى ..؟!
هل بذلها فدى لأرضه ..؟!
.
.
.
تتجه للقبله روحج
تلتقي وياها روحي
بكل صلاه
واعرف انج بآخر ايام الضوى
و غافي فيج الفراش
كل ماطار الفراش اعرف ان امي طفت
يمه نامي ..نامي يمه
الأسر هو نام فيني
والله مايقوى يزعزع شخص راضع من حليبج
او يهز يايمه شعره
شعره من ونات شيبج
قولي أقدار وخذتنا و رحنا أسرى
ويعني أسرى
ماهو لازم مثل هذا اليوم نعرف
من عدوج .. ؟ من صديقج .. ؟
يعني جوع .. ؟ ماأجوع ..!
وانتي اصلا تذكرين
عزة النفس ويميني
ماوصلت أكل ٍ ولو هي
نفسي تدفعني عليه
يعني حريه يايمه
اجمل الحريات والله
إني اقيد كل عمري
ولايتضايق صدر شارع
من رئة خطوات فاجر
تاطي مسلم مانطق الا الشهاده
باصبعه ووقف فجر
لاغسلج الدمع يمه قولي فدوه
فدوه لعيون الشواطي لاغسلها المد قامت
توقظ الناس بفرحها
بعد ماكانت حزينه
ادري همج هو وجودي هو زواجي
تشوفي عيالي وتموتي
مثل همي إني اشوفج قبل مايطير الفراش
خلي همي إني طالب يد بلادي
ومهرها أبقى أسير
حتى لو طار الفراش
.
.
.
همست حصة و هي ترخي أسدال أهدابها المختفية ..
- أبا أشوف ظنايه .. قبل لا ربيه ياخذ أمانته .. أبوه الله يرحمه توفى و هو يراكض له .. يدوره .. مابا أموت و ما يدفني ولديه ..
مدت يدها تنتزع غطاء شعرها .. لتكشف عن رأسها .. فيقشعر بدن أحلام ..
كان رأسها الأصلع خاليا تقريبا من الشعر .. لا شيء يكسو فروتها غير شعيرات باهتة متناثرة ..
بدا منظرها غريبا و هي تجلس على الملاءة ممسكة بغطاء رأسها بين يديها تنكس رأسها متأملة كفيها ..
فيما خلى رأسها من تاج كل النساء .. لقد أوهنها العلاج بلا فائدة .. و تركته طواعية
لم تعد ترد سوى الرحيل بسلام ..
و لكن ليس قبل أن تراه .. ليس قبل أن تقبل عينيها وجهه البعيد .. تلتقطه في الذاكرة ..
تأخذ صورة تحملها لقبرها فتؤنس وحدتها ..
و لكن أين ..؟!
أين هو ..؟!
و في أي من بقاع الأرض المديدة رمي بعيدا عن لهفة والدته ..؟!
.
.
.
انت وينك ؟؟ انت وينك ؟؟!
من زمان كنت أدور في وجيه الناس عنك وجه .. وجه ..
ولالقيتك
في زوايا البيت أدور
في الشوارع .. في الصباح اللي تشرب غترتك
في المكان الي فرشته بالجريده
لما تقراها وتشرب كل صباحي قهوتك
و آخذ الفنجان حتى تقرى حظك لي عجوز
ترفع البسمه تقول فيها لج شي بيتحقق
وفيها له شي ثمين
ليه ماقلتي فيها لي شي بيتهدم ..؟
وفيها له شي حزين
أثري كنتي تكفرين ..!!
إنت وينك تسأل الأشجار عنك
لما ترمي فوق ظلها كل ظلك
لما تسقيها بدمك هي تبلك
تنحني لك
تدري إنك لو تغيب ينكسر طير
وتموت
إسأل الأيام عني
و لا تدري
اسأل نعاس تكسر من صباحك في وريدي
اسأل شفاهن هجرها من بعادك ماي بارد
ليه تتركني أتوسل
واتسول في عيون الناس
انا اطلب منهم حفنة حنان ..؟؟!
انت وينك ماتركت إلا بعباتي
عطر جسمك من صلاتك
و شعرتين بكف مشطك
صافحني وسط بالي
واتذكر ..
.
.

[ يالله يمه .. يالله يمه اخطبيلي والا يعني ماني رجال بعيونج ..؟!
شفتي شعرك الا افله في زواجي .. ]
.
.
انت وينك ..؟!
هذي دارك ماتغير شي فيها
هذا بوكك هذا عطرك هذا مشطك
الا ساعه يوم طاحت من يديني اتكسرت
لاتخاف جبت ساعه تشبه الي تكسرت
انت وينك ..؟!
ماتركت الا عيونك داخل البرواز
تتبع وجهتي من وين أروح
ماتركت إلا عيونك داخل البرواز تسأل
يمه وينج؟
إنت وينك ؟؟ *
.
.
.
كانت أحاسيسها مبعثرة .. تشتتها جوارحها الآن ..
لا تجد في نفسها من المشاعر المتخبطة ما يمكن تفسيره ..
شيء واضح وحيد راودها و هي تنظر لشعيرات حصة الخفيفة تلك ..
لقد وجدت قطعة الأحجية الناقصة التي كانت تحيرها في أسرار ساكني هذا المكان .. كشفت النقاب عن أوجاع هذه المرأة
عن حنين دفين يسكنها دهرا ..!!
فتقترب منها .. تريح راحة يدها على رأسها المجرد .. لتلتقي بعينيها الحانيتين ..
دوما .. و أبدا ..
هذه المرأة تزرع طمأنينة في نفسها .. شيئا بقوة الصبر يجتاح روحها حين تكون بقربها ..
فتهوي أحلام على رأسها .. تطبع قبلة بقوة ..
و عبرة كبيرة تسد حلقها كالشوك .. فيخرج صوتها مبحوحا .. و هي ترى تلك الدمعة ترتعش على أطراف أهداب حصة الذابلة ..
- الله كريم .. بيرده ..
ثم شدت على يدها و كأنما تؤكد لها ذلك ..
- بيرده ..
.
.
فطفحت تلك الدمعة لتسقي خد العجوز الظامي ..
أي آلام تتلف أرواحنا .. نطويها بصمت .. فلا يردد صداها سوى تلك الضلوع الخاوية // الذاوية ..
.
.
أرضي ..
لا زال أمل بفك قيدك نابض في عروقنا ..
فصبر جميل .. و الله المستعان ..

* * * * *



تستلقيان على السرير و رؤوسهما متقاربة .. تنظران لسقف الغرفة في صمت قبل أن تسألها تلك بخفوت ..
- علـــي ..؟!
هزت تلك رأسها بهدوء دون أن تفارق عينيها سطح الغرفة .. فعادت تسأل ..
- و شوه قلتيلها ...؟؟
تنهدت .. و لم تجب .. لحظات قبل أن تقول مرة أخرى ..
- علي ..!! هذا لي حرمته متوفيه و عنده ولدين ..!!
همست و هي تضع يدها على صدرها ..
- أدري ..
- شوه بتسوين موزان ..؟!
لم تكن موزة تملك إجابة على هذا السؤال .. لقد زعزعت هذه القنبلة التي فجرتها غزيل هدوئها ..!!
- بفكر ..
شعرت الأخرى بفرحة خفية تسري داخلها .. قالت ستفكر ..!! هذا يعني أنها لم تعتزل الزواج بعد .. و تجربتها الأولى لم تؤثر في تفكيرها من هذه الناحية ..
عادت تلك تقول بصوتها الخافت ..
- بس تدرين لطوف .. أحس انيه هب مستعدة أعرس حاليا .. ع الأقل سنتين .. و الا ثلاث .. محتايه وقت لعمريه ..
أدرات لطيفة رأسها ..
- شوه سنتينه يا الخبلة .. خلاف بتعنسين ..
هزت كتفيها و هي تسحب نفسا ..
- أعنس أخير ليه من إنيه أفر عمريه في مصيبه ثانية شرات لوليه ..
تأوهت لطيفة بتذمر ..
- تونيه أقول فخاطريه زين ما تعقدت ..
عقدت موزة جبينها ..
- منوه قالج انيه تعقدت ..؟! .. بس لي أعرفه إن أغلب المطلقات ينقسمن لفئتين .. وحدة تبا تعرس بسرعة عقب طلاقها شاردة من الواقع لي هي فيه .. حتى لو كان الزواج هذا هب زين و لا فمصلحتاا .. و الثانية هي اعتزال الزواج ..
ثم قالت بهدوء شعرت لطيفة بقوته ..
- أنا ماريد أفر عمريه في زواج عسب أشرد من لي فيه لشي أخس .. و ما تعقدت .. أكيد أبا أعرس .. بس حاليا أحس عمريه هب مستقرة و محتاية أشوف عمريه .. أتفرغ لنفسي شوي .. أبني أساس يديد عقب لي صار ..
ثم سكتت .. سكون يحوم فوق رؤوسهن لمدة ليست بقصيرة .. و عيونهن لا تزال معلقة بالسقف ..
قبل أن تسأل لطيفة بحذر ..
- شوه يعني بترفضين ..؟!
.
.
كانت حازمة و هي تقول ..
- لا .. بفكر ..

* * * * *

كان يمشي يقود سيارته ببطء .. منذ قضى صلاة العصر و هو يدور في شوارع المنطقة دون توقف ..
و لن يتوقف حتى تتوقف هذه الأفكار التي تتنازعه .. و تتقاذفه ..
يشعر بالضيق فيفتح نافذة سيارته ليستنشق الهواء و يعب منه بلا ارتواء ..
كان هناك شوقا يؤرقه .. حنينا يجعل نومه مستحيلا و هو يفكر بها كثيرا هذه الأيام ..
يعلم جيدا أنه هو من حشر نفسه في هذه الزاوية الضيقة .. و لكنه كان مضطرا فهي مصرة على متابعة ما تفعل ..
دوما كانت مختلفة عن أخواته .. موزة بهشاشتها .. لطيفة بصخبها .. أحلام بماذا ..؟!
لا يكاد يجزم بشيء يميزها .. كانت مختلفة تماما .. هدوئها .. صبرها ..
شخصيتها المتقلبة مع الغير .. لكل منهم سيجد معاملة خاصة .. لا يعلم إن كان هذا جزءا من دراستها في علم النفس ..
مر وقت طويل لم يرها فيه .. لم يعتد على ذلك .. كانت الصدف تجمعهم على الأقل ..
يمكنه من خلالها استراق نظرة .. يطمئن أنها على ما يرام ..
تمزقه نظرة التوسل في عينيها .. و لكن التجاهل يفلح في إخماد تلك المشاعر الثائرة ..
ما يضيق الخناق على مشاعره هو معرفته بأنها تعاني الكثير دون الحاجة لما يمارسه من ضغط عليها ..
.
.
عجبا ..
يجد نفسه يبحث عن ثغرة في قناعته بما يفعل ..!!
هل أثرت فيه كلمات راشد الملحة ..
دائما يردد بأن العمل أنقذها .. من ماذا ..؟! يراها في أحسن ما يرام ..
ليست بحاجة لشيء ..
و للحظات استعاد قول راشد ذاك ..
.
.
[ أحلام لها ثلاث سنين و ظروفها صعبة .. كلنا نعرف كيف منصور غدا نكد عقب الحادث .. ليش ما تباها تغير شوي .. و تظهر شوي برا الحبس لي هي فيه ] ..
.
.
هل كان مسؤولا بشكل ما عن ذاك [ الحبس ] ..!!
أم أنها مجرد مشيئة الله ..؟
كل ما يعرفه الآن أنها قد انقطعت عن زيارة البيت .. و هو قلق جدا عليها ..
.
.
و مشتاق لها أيضا ..
عليه أن يجد وسيلة لمعرفة أخبارها .. دون الاضطرار للتنازل من عرش كبرياءه الزائفة ..


* * * * *

أنهت صلاة العصر و راحت تطوي سجادتها .. في حين خرج هو من غرفة الملابس مرتديا ملابسه الرياضية و متساندا على عكازيه بصعوبة .. سألته بهدوء ..
- بتسير الحين ..؟!
اقترب من الأريكة يرمي بثقله عليها و هو يهز رأسه ..
- لا مبارك بيمرنيه عقب نص ساعة . بتقهوا أول ..
- خلاص أنا بقول لهم يحطون القهوة ..
خرجت مسرعة لترتب لذلك ..
لحظات و تسترخي هي في مقعدها .. تنتظر قدومه ..
شعرت بتململ غريب يوهنها ..
نهضت من مكانها تتوجه للسور القصير للشرفة الأرضية و تتساند عليه .. دفء شمس العصر يعانق ورق الشجر الأخضر ليفوح عبق الطبيعة رائحة منعشة داعبت أنفها ..
فتستنشق الهواء النظيف ملئ رئتيها ..
لحظات و سيقبل إلى هنا .. سيجلس .. و يلتزم الصمت لحظات .. ثم كالعادة .. كلمات متوترة يتبادلانها .. لم يستطيعا حتى الآن ردم الفجوة التي أُحدثت في السنوات الماضية . .
على الأقل لم يفعلا في غضون المدة القصيرة التي خلت .. ما زالا بحاجة الكثير من الوقت .. هناك أجزاء من روحه بعيدة عن متناول يدها لم تصل إليها بعد ..
تحتاج الكثير .. الكثير .. لتستكشف نفسه .. لتعلم ما يخفي في ثنيات قلبه لها .. ما الذي يحمله ..؟
كي تتمكن من إدراك أي زاوية سكنت في حياته ..!!
قبل الغداء كان قد أحضر لها نسخة من روايته الجديدة .. لم تنخرط في غمار أحداثها بعد .. و لكن تعلم جيدا أنه سكب فيها من إحساسه ما قد يهمها ..
ضايقها الإهداء كثيرا .. يبين أي علاقة متينة تربطه بذاك الرجل الذي يقلقها ارتباطه به .. و لكنه لم تبد له شيئا من ذلك ..
إذا كانت تريد أن تستمر في هدنة مشاعرهم هذه .. عليها تجنب كل ما قد يستفز هدوءه ..
.
.
.
.
.
.
.
.
.
و يتساند هو على عكازه يراقب جانب وجهها الشارد .. فيما هي غارقة يا ترى ..؟!
ما الذي يجعلها بهذا الهدوء .. شعر برغبة جامحة بأن يعرف ما الذي يجول بخاطرها الآن ..
منحنية بذراعيها على حافة الشرفة .. ينظر لامتلاء بطنها الخفيف دليل تقدم حملها .. شعر بموجة حنان تتدفق في عروقه ..
تقدم يجلس على الكرسي الصلب الطويل دون أن تنتبه .. لا تزال ساهمة .. فيناديها بصوته العميق ..
- أحلام ...؟
أدارت رأسها بهدوء نحوه .. لم تفاجئ بوجوده إذا .. أشار للمساحة الشاغرة بجانبه كي تجلس .. تتقدم بهدوء لتحتلها .. و لحظات الصمت المربكة .. اللذيذة بينهما .. قبل أن يسألها ..
- ما تبين تسيرين لهلج اليوم ..؟؟!
اشتدت أناملها .. قبل أن تعلو ابتسامة خفيفة ثغرها ..
- لا .. اليوم لا .. ما فينيه ..
ضيق عينيه و هو يقول بحذر ..
- من زمان ما شفتج تسيرين صوبهم ..؟؟
بدت اللهفة في عينيها بوضوح يخالطها شيء من الحزن ..
- و الله من زمان عنهم ..أمايا من الجمعة لي طافت في بيت هلك .. و الا الباقين تقريبا من شهر ما شفتهم ..
أصابته صدمة ..!! كان يلاحظ أنها لم تعد تتردد على البيت كثيرا .. و لكن شهر ..!! هذا كثير جدا على تعلقها بهم ..!
- خيبة .. و ليش مقاطعتهم ..؟!
نظرت له لبرهة .. قبل أن تخفض أهدابها و تداعب ذراع المقعد ..
- آآآ .. ماشي .. بس غديت أتعايز .. و تعرف الوحام .. و كذيه .. آآ .. يعني .. مالي بارض أسير مكان هالأيام ..
كاذبــــــــــة ..!!
يعلم أنها تختلق أعذارا .. و يكاد يجزم بالسبب الذي تتجنب الذهاب هناك من أجله .. لذلك قال بهدوء ..
- أهاا .. يعني حمدان ماله خص في السالفة ..؟!
و لم تغب عن عينه رعشة يدها و صوتها المرتجف ..
- شوه يخصه حمدان ..؟
أمعن النظر في عينيها يلتقط احساسها الشفاف منها ..
- قلت يمكن زعلانه عليه و إلا شي من بينكم ..
هزت كتفيها ساخرة و هي تقول ..
- هه .. ليش حمدان أصلا متى رمسنيه عسب نتزاعل و الا نتراضى .. هذا يوم يشوفنيه حتى السلام ما يسـ ..
و بترت عبارتها فجأة و هي تضغط أناملها بألم على فمها .. كان الحزن جليا على وجهها .. كلماتها الساخرة تلك خدشت قلبها قبل أيٍ آخر ..
لم يحتمل رؤيتها بهذا الشكل ..!!
أصبحت حساسة جدا و مرهفة المشاعر .. تنتقل من ذروة إلى أخرى بسرعة .. مد يده يعتصر أناملها .. و هو يهمس ..
- أحلام شفيج ...؟
سحبت نفسا عميقا تغمض عينيها لبرهة قبل أن تفتحهما بابتسامة باهتة لم تخفي لمعة الدموع في عينيها ..
- ماشي ..
لكنه أصر بصلابة ..
- ارمسي .. فخاطرج شي .. حمدان قالج شي ........؟!
نظرت له تقاوم إصراره ذاك ..
لحظات قبل أن يرتخي كتفيها .. و تقول بصوت كسير ..
- حتى ما باركلي ع الحمل ...
.
.
أثر فيه كثيرا منظرها هذا .. بدت ضعيفة جدا .. هشة .. و قابلة للأذى ..
كيف إستطاع حمدان أن يقاطعها كل هذه المدة ..
نظر لرأسها المنكوس و شي يتوقد وسط روحه بقوة ..
لن يسمح أبدا بأن يؤلمها أحد ما ..حتى و لو كان أخيها ..
.
.
أما حمدان .. فعليه أن يجده ليحدثه ..
سيعرف كيف يثني كبرياءه عن تحطيم قلوب الغير ..!!

* * * * *

* هذيان التنك / للشاعر سالم السيار ..
●○▐بقــــــــــــــــــايا الرؤيـــــــــــــــــــــــا السابعـــــــــــــــــــــــة▌○●





تصف الأعذار الذي بدا واضحا أنها قد تدربت على قولها .. و هو يبتسم بحنان .. بدت كطفلة تبرر سبب تأخرها ..
- و الله يا بو سنيدة ما يحدنيه الا الشديد القوي .. و الا انته تعرف انيه ما أصبر عنكم .. انته لو تشوف ويهي الحين بتتروع و بتتبرا منيه ..
قال مازحا ..
- كذابة .. انتي من غديتي تستلمين راتب كبر راسج علينا .. ما تتصلين و لا تيين البيت .. حتى الوالدة متعاونة وياج .. تسير لج بيتج .. بتخبرج .. تعطينها نسبة و الا شوه السالفة ..
رنت ضحكتها الخفيفة ..
- بايخة .. أمايا تراعينيه فديتاا .. تعرف انيه ميهودة .. و بعدين تعال انته .. محتشر و تعاتب .. ياخي شف عمرك لول .. عنبوه يا راشد من متى ما شفت حادر عليه من باب بيتيه .. ظنتيه حتى الطريق له ما تدل ..
- لا أفااا .. أدل .. بس تعرفينيه ريال مشغول و ورايه التزامات و احتماعات ..
- عدااال يا بو اجتماعات .. انته ما لك شغله غير هالجامعة ..
- و تتحرين الجامعة شوية ..؟!
- لا هب شوية .. خبرنيه شوه مسوي في دراستك ..
- هب مسويبها شي .. ليش اشتكتلج ..؟!
قالت بغيظ ..
- رشووووووووود لا تستهبل ..
كتم ضحكته و هو يتظاهر بالغضب ..
- شوه رشود انتي بعد .. احترمي نفسج .. حلوم وحدة ..
الآن انفجرت بعصبية ..
- حلوووم فخشمك ..
- هههههه لحظة بطلعج من خشميه ..
قالت بقوة ..
- راااااااشد ..
الآن يضحك بهستيرية ..
- و العثرة .. بلاج غادية كبريت من حملتي و نحن ما نسمع الا صريخج .. أقول دخيل الله سوي خير في الأمة الاسلامية و قاطعينا الشهور الخمس الباقية الين ما ربج ينفس كربج و تفتك عقدج .. ما فينا الصراحة على حالات الصرع هاي ..
- أوووه .. وااايد متوله عليه فديتك .. ثره الشوق لاعب فيك و الا ما اتصلتبي ..
و فجأة ارتفع صوتها بحدة ..
- و الله ما قول غير ما عندك سالفة .. انت و لي يرد عليك .. أصلا هب منك منيه انا لي أعبرك .. انت هب ويه أخذ و عطا .. ما ينفع وياك إلا الطاف ..
الآن يبذل جهدا حقيقيا في خنق ضحكاته ..
- افاا قوية و الله .. ترانيه قلتهاا .. تكبرتي من استلمتي الراتب .. بس ما عليه .. بتردك الايااااام .. يا مغرووور يا مدلل .. يا لي عليناااااا من أول شاااااايفن حاااااالك ..
ثم اعتدل صوته ..
- لا صدق و الله .. شعندج عليناا مقاطعتنا من شهر ..؟؟
و عادت للأعذار مجددا ..
- آآ .. ترانيه خبرتك و .........
هز رأسه مقاطعا بابتسامه ..
- خلاص خلاص .. فهمنا .. متى بنشوفج إن شا الله ..؟!
- و الله هو ما فيه مجال إلا يوم الخميس فملكة لطفين .. إلا اذا الشوق معذبنك تعال عدنا البيت ..
- يختي ودي لكن تعرفين أعماليه ..
قاطعته بسخرية ..
- و أشغالك و اجتماعاتك .. دخيلك رشود لا تشغل عمرك بي .. اذا انته التهيت خمس دقايق بينهار الاقتصاد العالمي .. - ثم اختلفت نبرتها - أقول إنقع فكشرة الطوية .. انت حتى الأسهم ما تعرف اسمها بالانجليزي ..
عقد جبينه بغباء ..
- منوه قص عليج .. أعرف أنا اسمها .. هذاك هو لي تعرفينه ..
سمع ضحكتها الخفيفة ..
- هيه لي أعرفه .. و يوم انك مشغول .. ليش متصل ..
قال بغرور ..
- أتخبر عنج .. و الا لو يينا ع الصدق انتي ما تستاهلين حد يتصلبج .. من رديتي و انتي طايحة فيني سب .. ما تقولين غير أنا لي مقاطع البيت من شهر ..
صمتت للحظات قبل أن تقول بهدوء ..
- فديتك و الله .. تحمل مودي هالأيام .. و ما تقصر .. غيرك لو أموت ما بيي يشوفنيه ..
علم أنها تقصد أخيهم الكبير و لكنه لم يعلق ..
- ما عليج من غيري .. أهم شي نحن نبا نشوفج ..
.
.
.
ثم قال بحنان حقيقي كاد يسيل دموعها ..
- تولهنا عليج حلوم ..

ارادة الحياة 28-05-08 05:40 PM

تتشابك نظراتهما .. و ينتظر هو أن يتفوه ذاك بكلمة تفسر طلبه الغريب لموافاته هنا .. كان بإمكانه أن يطلب منه الحضور لبيته و سيكون مسرورا بتلبية الدعوة .. قد يرى هناك شيء تاقت له روحه ..
في لباسه الرياضي .. و جسده القوي مسترخي في كرسيه الخشبي بإرهاق و قد أسند عكازيه لذراع المقعد .. بدا مرتاحا نوعا ما و هو يرتشف الماء من القنينة التي في يده .. و رغم الضجة التي تتسرب من قسم التدريب في النادي الرياضي .. إلا أن صوته الرجولي العميق يصل بسهولة له و هو يسأله ..
- و الوالـــدة شحالها ..؟؟
لقد طالت هذه المقدمات ..!! مذ جلسا على هذه الطاولة و هما يتبادلان الأخبار بلا كلل .. هو يشعر بالتوتر من هذه المقابلة الغريبة .. لم يعتد أن يكون مع إبن عمه في هذه الأجواء المحاطة بالغموض .. هو متأكد من موضوع الحديث .. لا شك في أنه يريد أن يحدثه بشأن أخته ..
- يسرك حالها .. منصور .. خل المقدمات و ارمس في الموضوع لي زاقرنيه عنه ..
أعاد القنينة للطاولة ببساطة ..
- و ليش تتحرانيه طالبنك فموضوع .. يمكن اشتقت لك ابا أشوفك ..
نظر له حمدان شزرا ..
- أمس ريتك في القهوة ... و لو بتشتاق لي بتتصلبيه أييك البيت .. هب النادي .. أكيد فيه شي وراك لا تيلس تلف و تدور شوه السالفة.. ؟؟
حملق فيه لحظات بعينيه القويتين قبل أن يقول بصوت هادئ ..
- السالفة عن أحلام ..
و انتفض عرق نابض في فكه المتقلص .. و هو يشعر بنبضات قلبه تختلج .. فيسأله بخفوت ..
- أحلام ..؟
ثم اقتحم عقله خاطر غريب فانقبض قلبه ..
- بلاها أحلام .. فيها شي .....؟؟؟
.
.
.
.
شعر ببريق الأمل ينوهج في داخله بقوة .. و هو يرى إنعكاس الخوف على أخته جليا على وجهه الصلب .. يهتم لأمرها بشدة و لو تظاهر بعكس ذلك ..
تعمد أن يتركه قلقا لثوانٍ قبل أن يشير بيده مطمئنا ..
- لا تخاف ما فيها إلا العافية ..
ثم نظر له متمعنا قبل أن يلتقط قنينة المياه و يقلبها ببطء .. و يتقلب السائل الشفاف فيها .. كم تمنى لو أن الأمور بسهولة شربه .. راح يسدد سهامه .. يرميها بدقه ..
- و بعدين ليش تروعت .. تهمك .....؟؟
بدت الحيرة في عينيه من هذا السؤال ..
- أكيد تهمنيه .. هاي ختيه ..
- متأكد ..؟
استنكر هذا الشك منه ..
- منصـــــــــور .....!!
قال بقوة و هو يركز نظره في عينيه ..
- لا تلومنيه يا حمدان .. بس أشك إن أحلام تهمك .. و إلا إنك حتى تفكر فيها ..
اتسعت عينا حمدان بصدمه قبل أن يصر على أسنانه بغيظ ..
- شوه هالخرابيط .. أحلام ختيه .. و ما تهمنيه شكوكك يا منصور .. و بعدين انته شدراك باللي فخاطريه ..؟!
هز منصور كتفيه بلامبالاة ..
- مادري شوه لي فخاطرك .. بس لي أعرفه إن الواحد يوم يهتم من خوه .. يتخبر عنه .. يخطف عليه .. يسلم ..
ثم نظر له مباشرة و بصوت قوي ..
- و أنا الصراحة ما شوفك مهتم منها ..!!
استطرد و عينه على قبضة حمدان المشدودة ..
- اذا صدق تهمك ختك كان عرفت عنها شي محد يعرفه منكم .. بس كل لي تعرفونه انتو من المخوة انك تتخبر عن الحال .. ختك من ثلاث سنين عندها مشكلة و محد منكم صدع راسه و نشدها عنها ..
لا يدري لما يشعر بالتشفي و هو يرى القلق يتعاظم في عيني حمدان .. ربما شعر بأنه يأخذ بحق تلك التي تجرعت قسوة جفاءه لأشهر ..
- اسمع يا حمدان .. انته مسوي عمرك زعلان و مقاطع ختك عشان الشغل .. أونك معارض .. نحن كلنا معارضين .. و لا وحدة من بناتنا قد ظهرت تشتغل غير أحلام .. انتو هب أشد عنيه و تعرفنيه زين .. أنا أول معارض للشغل ..
ثم استطرد و هو يعود فيسترخي في الكرسي الخشبي ..
- لكني وافقت على شغل أحلام .. و أنا راضي الين الحين انها تشتغل .. محد منكم سألنيه ليش خليتاا تشتغل .. ليش سمحتلها تظهر من البيت و تكسر واحد من أهم عوايدنا .. كل لي فكرت فيه ان ختك تشتغل و إنك لازم تقاطعها .. تعال ياخي .. شوف شوه لي وراها .. و بعدين ليش مسويلنا فيها .. أحلام حرمتيه من ثلاث سنين .. و أنا وليها .. ليش حارق أعصابك و هام عمرك من شي هب في ايدك ..
بدا الغضب الشديد على وجه حمدان و هو يقول بصوت حاد ..
- و اذا حرمتك بتم ختيه الين ما أموت .. و أنا خواتيه ما باهن يشتغلن .. و بعدين أحلام شوه قاصر عليها عسب تشتغل .. كيف رضيت انته على عمرك تخليها تشتغل ....؟؟
نظر منصور له بهدوء .. الحقيقة أنه كان متوقعا إنفجارا أكبر من هذا .. لكنه ابتسم بسخرية ..
- أنا بقولك شوه لي قاصر عليها .. قاصر عليها حد وياها في البيت يعبرها .. يشوفها و ياخذ و يعطي وياها .. قاصرها احساس ان حد مهتم فيها .. قاصرها تحس انها انسانة و لها كيان و روح و أهداف .. هب مخلوقة و يالسة بين أربع طوف .. تروح لكم البيت و ترد .. بقولك الصدق الشي لي انته ما تعرفه .. أنا يوم سويت الحادث نبذت ختك من حياتي .. كان وجودها و العدم واحد .. يخطف اليوم و نحن ما نقول لبعض كلمتين .. مادري عنها بشي و لا كنت مهتم أعرف عنها .. أستفز صبرها لأبعد الحدود .. أنكد عليها و أطفر بها ..
ثم قال بالقسوة التي تتآكله ..
- قد ياتك و اشتكتلك ..؟؟
الذهول بيّن على وجه حمدان من هذه الكلمات الغير قابلة للتصديق ..
- حط عمرك مكانها .. محبوس ويا شخص معاق نكد ما يطيق ثيابه لي لابسنها .. ما يعرف الا الصد و القسوة .. ما تروم تشتكي لحد .. و لا تريد تشتكي لحد .. أصلا محد مهتم باللي يمكن تقوله ..
لحظات و يمهله منصور ارتشاف مرارة كلماته .. قبل أن يقول حمدان بمرارة و كأنما آلمه معرفة كل تلك الخبايا ..!!
- و اذا انته تجاهلتها .. أنا هب ملزوم أتحمل غلطاتك ..
شعر منصور بالغيظ يتآكله .. لم يعهد حمدان قط بهذا التحجر ..
- بس ملزوم تدور راحة ختك .. لي هي حصلتاا يوم ظهرت من الحبس و سارت تشتغل .. ترانيه الا شراتكم ما كنت أباها تشتغل .. بس الحين أنا مرتاح .. أحلام تغيرت عقب الشغل و نفسيتاا استوت أحسن ..
كان يريد منصور أن يمسكه بقوة و يهزه .. أن يسدد له لكمة قد تشتت مكابرته السخيفة هذه ..
- حمدان هاي اختك .. و مالها غنى عنك .. زعلك خانقنها .. من شهر ما طبت البيت عسب لا شفتها ما تطنشها .. ما يسدها لي ياها من الصد في حياتها .. ختك محتايتنك .. ليش تعطيها ظهرك .. و بعدين هي شهرين و أحلام مخلصة المدة و بترد ع حكرة البيت .. ليش مستخسر فيها رضاك و راحتها ..
تنهد و هو يقول ..
- خلنا من كل هالرمسة .. تعال للدين .. انته تئثم الحين .. قاطع صلة الرحم .. و قطع صلة الرحم من الكبائر .. الله سبحانه و تعالى يقول : قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}* .. يا حمدان انته ختك عندك و قلبها مشفق عليك و نفسها طيبة ما تبا الا رضاك .. فيه أهل بينها و بين عيالها مشاكل .. تمر سنين و الواحد ما يشوف أخوه .. وصل ختك واجب و فرض عليك .. و انت يالس ترتكب اثم .. الدنيا زايلة يا خوية و ما تسوى .. شوه يضمنلك انك تنش من مكانك هذا ..؟! انته ظامن عمرك ..؟؟؟
كان واضحا أن حمدان يكره هذا الضعف الذي بدأ منصور يطعن فيه ..
- لا ..!!
رفع منصور رأسه بقوة و هو يقول بعمق ..
- عيل اسمع .. الرسول عليه الصلاة و السلام يقول .. " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار " .. ما تبا تدخل النار يا حمدان .. لا تبيع آخرتك عشان دنياك ..
كان حمدان الآن منكوس الرأس لا ينظر لمنصور .. و لا يعلم الأخير إن كان كلامه قد أثر فيه أو لا .. جل ما علمه أن عليه أن يستمر في طعن تلك الحجج الواهية ..
- أحلام محتايتنك .. لا تخليها .. الحين نحن نعاني عسب نبدا من يديد .. لا تكسر نفسها و تردها ..
ثم قال بخفوت زلزله ..
- لا تكون قاسي يا حمدان ..
رفع حمدان عينه لمنصور .. الإحساس فيها لا يقرأ أبدا ..!!
لم يتفوه بشيء .. و كان منصور قد استنزف ما في جعبته من كلمات .. يعلم جيدا أن ابن عمه ليس بقاسي .. ربما متكبر نعم .. و لكن ليس بقاسي ..
متأكد من أن كلماته قد طبعت على جدار القلب .. و لكنه ليس واثق مما إذا كانت كبرياءه الفارغة ستطغى على حنانه ..!!
على حبه الجلي للأخت التي كان الأب لها لسنوات خلت ..؟!
على شوقه الذي يكابره ..
على إحساسه ..!!
.
.
.
لحظات صمت و أخذ الأمل بذلك يخبو في قلب منصور كشمعة مهددة في مهب النسيم ..
ثم للحظة .. عاد يتفجر من جديد ..
كان الصوت خافتا .. مترددا ..
و لكنه سمعه حين همس بهدوء ..
- شحالهـــــــــا ..؟
نظر منصور للطاولة و هو يخفي الابتسامة التي تربعت وجهه ببساطة ..
- محتايتنك ...

* * * * *

- مرتبش شوي ..
قال ذلك و هو خارج من غرفة الملابس يدفع كرسيه و بيده الكنزة الصوفية ليتوقف في منتصف الحجرة و يرتديها فيما تبتسم هي ..
- حليله و الله يستاهل .. مادري ليش ما تخيل مبارك معرس ..!!
هز رأسه بهدوء ..
- يمكن لنه طوّل عزابي .. بس خلاص يسد .. الين متى بيتم بدون عرس ..
لمعت الفكرة في ذهنها ..
- يبالنا نييب هدية ..
ثم شد الكنزة الصوفية على جسده القوي و هو يقول بهدوء ..
- أكيد ..
- بنسير نختارها رباعة ..
و لمع شيء غريب في عينيه .. و هز رأسه موافقا ..
ابتهج قلبها .. ثم ربتت بأناملها على خدها تكبح جماح ضحكة سعيدة قد تنفجر لتملأ الجو حولها ..
- أوكيه .. بما انك العصر تسير النادي .. بآخذ ساعة من الدوام و نسير نتشرى الهدية و نرد ..
لم يبدو أن الفكرة عجبته ..
- لا الصبح أنا ما أكون هنيه .. بسير لسعيد ..
.
.
و تبخرت فرحتها كعادتها كل ما طرأ هذا الاسم الذي يؤرقها ..
- سعيد ..!!
كان مشغولا بتمرير المشط في شعره .. و لم يجبها .. هبت واقفة من على السرير تقترب منه ..
- منصور .. انته ما خلصت الرواية ..؟
- هيه ..
- عيل خلصت الأبحاث .. شوه لك من حاية في هالسعيد .. ما خلصنا منه ..؟!
التفت ينظر لها و كأنما تتحدث بالصينيه ..
- و منوه قالج انيه أزوره عسب الأبحاث بس ..؟؟
اتسعت عيناها بذهول ..
- عيل ليش تزوره ..؟!
اشتد فكه و هو يعود للمرآة ..
- لنه ربيعيه ..
كادت تصاب بسكتة قلبيه .. ماذا يعني بـ - ربيعي - ......؟؟
ارتعشت يديها و هي تقول ..
- أي ربيع ..؟ منصور انته صاحي ..!! هذا عنده الايدز .. يعني ميت ..
تجاهلها ببساطة لتقول بغيظ ..
- انا تحريتك تزوره عسب الابحاث مالت الرواية .. هب لنك تشوفه ربيعك .. هذا مريض .. تعرف شوه يعني مريض ..؟ أي حركة يسويها فيها خطر عليك ..
ثم قالت بشيء من القسوة ..
- أنا ماريدك تسير له .. اقطع علاقتك به .. عندك وااايد ربع .. ما شفتك تزور غيره .. و بعدين كيف استوا ربيعك و انته ما عرفته الا من خمس شهور ..
تهدج صوتها الآن و هي تتوسله باستعطاف ..
- منصور دخيلك ..!!! فكر فينيه .. في ولدك .. لو استوا بك شي .. نحن لي بنتضرر ..
كانت تعتمد الابتزاز العاطفي .. قد يخضع ..!!
و لكنه قال ببرود أسقمها ..
- خلصتي ..؟
سيتجاهلها .. تعلم هذا .. لقد ألفت نظرة الجمود هذه .. لتقول بعناد و صوتها يرتفع ..
- لااا .. ما خلصت .. ماااباااك تسير له .. اقطع علاقتك بهالريال لو لـ ...
و لكن صوته المرتفع الصارم تردد في الغرفة و هو يصيح بقسوة يقاطعها ..
- أحــــــــلام ..
بترت عبارتها و هي تكاد تختنق بكلماته .. كانت عينيه تلمعان بحدة .. و وجهه الحجري لا يلين .. أرعبها صوته الهادئ ..
- لا ترفعين صوتج و انتي ترمسينيه .. تسمعين ..؟
تمتمت بالموافقة و لكنه عاد يقول بقوة ..
- تسمعين ..
رفعت صوتها المبحوح و هي على وشك البكاء .. لماذا يصرخ بها ..؟؟ من أجل ذاك الرجل ..!!
- هيه ..
ثم قال بحزم و عينيه تتركزان عليها بتهديد ..
- و سالفة روحتيه للريال مالج دخل فيها .. و ما بتفتحينها مرة ثانية ..
أومأت برأسها مجددا .. قبل أن يلقي المشط على طاولة الزينة و هو يسأل بجمود ..
- العشا زاهب ..
كتمت أنفاسها المتحشرجة ..
- هيه ..
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
تقدم أمامها بكرسيه فيما لحقته هي ببطء على مائدة الطعام .. بدت أحسن حالا حين عاد .. فقد خرج و هي مستاءة بعد أن فتح موضوع انقطاعها عن زيارة أهلها .. و حين جلسوا على مائدة الطعام عادت لمزاجها العكر عصر هذا اليوم .. و راحت تقدم له الطعام بهدوء فيما يلوح الضيق على وجهها .. تتجنب النظر اليه بعصبيه ليجدها فرصة فيمعن النظر فيها .. يعلم جيدا أنه قسى عليها .. و لكنه لن يسمح لها بأن تملي عليه ما يجب عليها فعله .. ثم إنها لا ترى أبعاد الحقيقة كما يرها ..
للحظات و هي تتحرك بآلية .. فكر في داخله ..
الكلام الذي قاله لحمدان اليوم .. هل كان حقيقيا و نابعا من صدقه .. أم أنه مجرد استعطاف لكبرياء أخيها كي يخضع و يسامحها ...
كل واحد منهم يتلهى بأموره .. يضيق و يضحك و يعيش لنفسه .. كلنا يغرق في عالمه .. يعيش ذاته فقط .. يشعر بها .. و أحيانا يقترب من عالم الغير .. يصير قاب شعور أو أدنى من أن يقتحم روحه .. و لكنه يفضل الانسحاب بسرعة .. الهرب مما قد يلقاه خلف أسوار الغير ..
ما الذي يضري يا ترى إذا توقفنا للحظات .. لنشارك الغير عالمه ..!! نلمس احساسه ..
هو كان هكذا سابقا يعيش في عالمه الخاص لوحده .. يتجاهل وجود الأحلام فيها .. لم يستطع قط أحد إختراق قلبه ليصل لتلك الزاوية البعيدة التي دفن فيها من الإحساس أسرارا لا تفشى ..
و لكنه هو من قام بهذه الخطوة .. هو من سعى لكشف جماح عالم الغير .. لنبش ما قد يرويه و لم يجده حوله ..
شيء غريب تماما ..!! لقد لجأ لذاك البعيد دون سابق معرفة .. اقتحم حياته .. شعر بلذة شديدة و سعادة غامرة في مقدرته على ابهاج الغير .. كان ذاك يطلب صديقا فقط .. و كم كان هو سعيدا بتلبية هذه الرغبة ..
تعلم بأن رسم الفرحة في وجدان الآخرين .. هو احساس نبيل يترك في داخل شعورا طيبا بأنك استطعت المساعدة .. و تخفيف آلام الغير ..
ابتسم بشيء من الغرابة .. و هو يراها هي الأخرى غارقة في أفكارها .. تضيق عينيها و كأنما تفكر بشيء يثير غيظها .. شعر بدفء يتدفق في قلبه و هي تقلب الملعقة في صحنها بسرحان .. لما لم يقم باقتحام عالمها هي ..؟! هي من تحتاج حقا لقربه .. لمعرفته .. لأيام و ليال طويلة كانت مركونه في زاوية الاهمال .. و لم تشتكي يوما .. كانت تنفجر بين الفينة و الأخرى .. تحتج !!
و لكنها ما زالت هنا .. ما زالت معه .. تقاوم صده .. و تتجاهل قسوة صمته .. لم تتركه لعالمه .. ظلت لسنوات تخدش الجدار الصلب الذي بناه حوله حتى أصاب قلبها اليأس .. و ها هو في صحوة متأخرة .. عاد لينفضه من قلبها .. لقد اتخذت حياتهما منحنى آخر في الأشهر الماضية ..
ما السبب يا ترى ..!!
خروجها للعمل ..؟! .. خروجه هو من عزلته ..؟! حملها ..؟؟ .. تعرفه على سعيد ..؟ أم ماذا ..؟!
كل ما يعرفه هو أن متحمس ..
متحمس للبدء من جديد .. يمكنه أن يأخذ بيدها ليبدأ من الصفر .. من اللاشيء .. أحيانا تجبره على تلك القسوة التي أبرزها منذ لحظات ..
يكره جدا أن تكون كغيرها .. أن تضغط عليه لكي يتخلى عن ذاك في آخر أيامه .. لا يريد أن يرى الجانب البشري الناقص منها ..
يريد أن تكون أرفع و أرقى روحا من أن تبدي آلام الغير على أذاها .. أو ليست هي المداوية لمشاكل الغير .. ألا تنطلق كل صباح لذاك المركز كي تساعد المحطمين من الناس تجبر ما انكسر من خواطرهم ..
تذكر مرة كانت تحكي له عنهم .. كيف هم غامضين .. و كيف لكل واحد منهم قصة ألقت به في أحضان ذاك المكان ليصبح مستقرا لهم ..
لقد علم أنها تساعدهم بقوة .. تتمنى لو أنها تستطيع ابعاد آلامهم .. و الأذى ..!!
لماذا يا ترى كل هذا الحماس ..؟!
هل شعرت بأنهم يشبهونها نوعا ما ..!!
مهملين ..؟ .. منسيين ..؟!
.
.
منسيين ..؟!
أهي منسية ..؟ أتشعر بأنها كذلك ..؟؟
نظر لها و هي لا تزال غارقة في أفكارها .. شعر بشفقة رهيبة تجتاحه .. شعر بالذنب .. بقسوته عليها .. كلن منهم كان يلتهي بعالمه .. و لم يفكر أحد أن يدنو من عالمها .. كيف لها أن تحمل جراح الغير .. و هي لا تزال تحمل على أكتافها من جراحها ما يثقل ..
كيف لهذه الأحلام بهشاشتها .. أن لا تنتهي بقدوم الفجر .. بمرارة الأحزان ..!!
.
.
رغبة حمقاء .. غريبة .. جامحة .. اجتاحت كيانه ..
أراد أن يهب من مكانه على قدميه الخائنتين .. ليتقدم منها و يعتصرها بين ذراعيه بقوة .. ليبثها الأمان .. ليجعلها حقيقية ..
ليعتذر من قلبه ..
و يخبرها بأنه آسف ..
لأنها منسية ..!!
.
.
و لكن حدود الفجوة المتسعة بينهما لم تتقلص بما يكفي ..
لذلك .. أبعد كرسيه عن الطاولة .. لترتفع عينيها متفاجئة .. ثم تنظر لصحنه ..
- ما تعشيت ..؟؟؟؟؟!!
كانت تظنه سيترك الطاولة .. و لكنه قام بما هو أغرب .. استدار حولها .. ليصل الى حيث تجلس و يقترب ببطء حتى أوقف الكرسي بجانبها .. أصبح يجلس بجوارها الآن .. كانت معالم التشتت على وجهها .. أمسك بيدها الباردة .. ليغرقها دفئا و يرد على سؤال لاح في عينيها..
- ابا ايلس عندج ..
ارتعشت شفتيها .. و عيناها تلمع ببريق غريب .. يبدو أنها لم تجد ما ستقول .. لذلك انشغلت بالتقاط طبق آخر و تقديم الطعام له بيدين مرتجفتين .. أيربكها قربه هكذا ..؟!
وضعت الصحن أمامه .. و هي لاتزال تتجنب النظر اليه .. فأمسك معصمها بقوة .. لترفع عينيها باضطراب ..
شعر بصوته أجشا من ثقل ما يشعر به و هو يغرق في الضياع الذي ساد عينيها ..
- زعلتي ..؟
.
.
.
.
.
.
كانت أنفاسها تترد بعنف في صدرها الذي يهبط و يعلو بعنف .. هل هذه طريقته في الاعتذار .. لا تعلم حقا ..!! كل ما تدركه أن قلبها يتخبط بعنف .. هل هي مستاءة ..؟!
هزت رأيها بلا و لسانها قد قيّد بما تعجز عن البوح به .. رفع كفها المرتجفة لشفتيه يطبع قبلة حانية بعثرت احساسها حولها ..
نثرته أشلاء في المكان ..
شعرت بالدموع الغبية تندفع لحلقها ... فرمشت بعينيها عدة مرات تبعدها عن مقلتيها .. و شعور بالخفة يجتاح قلبها .. جل ما استطاعت فعله هو أن تشد على يده بقوة صامتة ..
هذه اللحظات لا يفسدها إلا ما يخرق سكونها ..
تمتعي .. انعمي أحلام بهذه الأحاسيس الحقيقية .. الصادقة ..
أخفضت عينيها .. و هي عاجزة .. عاجزة تماما عن فهم ما يشعرها بالدوار ..
لحظات و يستمر الصمت بينهما ..
يجلسان بجمود دون أدنى حركة قد تخدش هذا السكون اللذيذ .. فيما يضطرم الاضطراب في صدرها ..
لتشير بيدها المرتجفة ..
- آآ.. ما تبا تتعشى ..
نظر لصحنه بهدوء ..
- بتعشى .. بس نسيت أخبرج ..
ألقى كلماته التالية بخفوت و كأنما يريد تخفيف وقعها عليها ..
- لقيت حمدان اليوم ..
الآن ينكمش قلبها الصغير .. و هي تترقب بلوعة ما سيقول .. و لكن ذاك الثبات لم يهتز قط ..
- و تخبر عنج ..
.
.
ضمت يدها لصدرها بقوة .. تمنع قلبها من الخروج و خلف الأضلع من شدة ضرباته ..
لن يحتمل فؤادها هذا الكم الضخم من الأحاسيس المتفجرة ..!!
و بصمت ابتهلت ..
إلهي ..
فليكن هذا حقيقيا ..
لن أحتمل ألما أرتشفه سرابا لا يرويني .. سيقتلني ذلك..
.
.
اجعلها بادرة خير يا قادر .. فلا تعجز بقدرتك عن شيء ..!!

* * * * *
تتمـــة




- مش خلاص يا حببتي ..؟
هزت رأسها رفضا و عيناها لا تزالان متعلقتين بشاشة التلفاز .. فيما تثائبت حصة و هي تبتسم معتذرة ..
- خليها على راحتها يا زكية .. الفلم قرب يخلص ..
هزت زكية رأسها بلامبالاة ..
- أيوة يا ستي .. بس هو نفسو اللي بتشوفو كل يوم .. حيحصل ايه ازا كملت بوكرة .. دي الساعة تمانية لازم تنام ..!! و بعدين بوكرة لما حنقيب المدرسين و البتاع دول عشان يعلموها .. إزاي حنخليها تسيب الهباب دا ..؟!
ضحكت حصة من قلبها ..
- هباب شوه بارك الله فيج .. الا شريط رسوم ما بيسوي شي ..
- مين آل .. دا بيأسر أوي على الأطفال و الزهن .. مش كويسة المتابعة المواصلة بيئولي تجيب الصرع ..
نظرت حصة بحنان لسهيلة المشدوهة تطالع شاشة التلفاز بلهفة ..
- بسم الله عليها .. لا تفاولين الله يهديج .. ما عليه .. نص ساعة و يخلص .. لا تكسرين خاطرها ..
عادت زكية لتجلس ..
- على أولتك يا ستي .. هيا الدنيا حتطير .. لاحئين ع النوم ..
ضحكت حصة بوهن على تراجع زكية السريع في كلامها ..
- خلاص عيل أنا بسير أرقد تصبحن ع خير ..
- و انتي من أهلوو
و لم يبدو أن سهيلة قد سمعت الاثنتين وسط اندماجها ..


* * * * *

مر اليومين التاليين بسرعة رهيبة و كأنما يتدهور الوقت .. و أقبل يوم الخميس و الجميع في حالة استنفار عامة ..
.
.
.
.
.
كانت تجلس بثبات على الكرسي فيما استغرقت الخبيرة في تزيينها .. أطرافها المتجمدة ترتعش بقوة ..
يفتح الباب بقوة فتتطلع اليه مستنجدة لتصطدم عيناها بأختها واقفة و هي تبتسم برقة ..
- فديييييييتج لطوووووف .. شكلج خبااال ..
تنفست لطيفة بسرعة ..
- أحس انيه بصيح موزاان ..
تقدمت أختها بسرعة ..
- لا يا غبية لا تصيحين بيخترب شكلج . حرام تعب الحرمة يروح ع الفاضي ..
ابتلعت لطيفة الكثير من الهواء في محاولة يائسة لتهدئة ضربات قلبها .. قبل أن تنظر لشقيقتها بابتسامة مرتجفة ..
- يا بنت شوه هالكشخة .. حد قص عليج و قال ملكتج ..
أطلقت موزة ضحكة صافية ترقرقت كالغدير الصافي ..
- توج بتصيحين .. و بعدين لا تنسين اليوم أول ظهور اجتماعي عقب ما اطلقت .. و وايد ناس متعنين لشوفتيه ..
شخرت لطيفة ساخرة ..
- ظهور اجتماعي أونه .. شوه وين عايشين .. و بعدين تعالي ..
أخفضت صوتها ..
- فكرتي ..؟!
ضمت موزة شفتيها .. و هي تومئ بالايجاب .. فسألت لطيفة بلهفة ...
- و شوه بتقوليلها ..؟!
قرصت موزة وجنتها بخفة ..
- خلاف بقولج .. اليلة ليلتج ..
ارتعشت لطيفة بخوف ..
- لا تذكرينيه .. أحلام يت ..؟!
- بعدها ..
كان صوتها باكي و هي تتذمر ..
- آآآآآه .. ما عليهاااا ملعونة الصير دواها عنديه ..

* * * * *

شدت قبضتها بقوة توقف الرجفة التي تسري بها و هي تثبت القرط في أذنها .. تشعر بالوهن الشديد يسري في أطرافها ..
لم تكن بهذا التوتر قط في حياتها .. خوف عظيم يجتاحها و كأنما ستساق الليلة لحبل المشنقة ..
ستذهب لبيت أهلها .. و ستصادف حمدان .. كم مر من الوقت و لم تره فيها ..؟! شهر ..؟! أكثر .....!!
هل إبتعادها لتك الفترة قد أثار شيء في نفسه .. ربما شوق أو حنين واهٍ لها ..!!
لا تريد ..
لا تريد أن تذهب الى هناك .. تلتقيه .. فيصدها ..!!
لا تريد ..
فذلك سينثر فؤادها شظايا مهشمة على أرضية المكان ..
رفعت عينيها للأعلى تمنع تدفق الدموع الخائنة .. الحقيقة أنها أصبحت تبكي كثيرا منذ ان حملت كل شيء يثير شجنها ..
و كل شيء قد يحرق احساسها ..
يصيّره رمادا ..
و يذروه في مهب الريح ..
سحبت نفسا عميقا و هي ترتب من هندامها قليلا ..
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
تبدو كحلم حقيقي و هي تقف هناك .. مر وقت طويل لم يراها بهذا القدر من الجمال .. كان قد أسقمها منذ دهر فلم تعد تهتم كثيرا بزينتها ..
بدت متألقة للغاية .. رقيقة ..
و بعيدة المنال ..!!
لا يدري لما كان ينظر لها و هي تتأمل نفسها في المرآة .. يشعر أنه قد قطع مسافات طويلة ليبتعد ..
.
.
و ابتعد ..
و لم يعد يتجرأ كثيرا على العودة لسابق مكانه ..
و لكنه الآن متلهف جدا .. يريد من قلبه بكل قوة .. أن يعود ..
أن يحط رحاله في مكانه القديم مجددا ..
أضنته غربة النفس تلك كثيرا .. يريد أن يدنو من هذا الحلم .. يمد أنامله ليلامس خياله الخرافي ..
يصل اليه .. يحتويه داخل أضلعه ..
للأبد ..!!
تلتفت ببطء نحوه .. ما زالت تقف في مكانها .. و تبدو متوترة جدا .. أم خائفة ..!!
أم أنه الضياع ذاك الذي دوما يشتت نظراتها ..!!
حيره وجهها كثيرا .. بدت ضعيفة و كأنما ترتقب شيئا يهولها .. مد يده بهدوء للأمام .. يدعوها أن تقترب ..
خطواتها تلك التي تقلص المسافة بينهما .. تقترب بهدوء .. لتصل اليه تركع على ركبتيها و تستند على ذراع قيده المتحرك هذا ..
وجهها على مستوى وجهه الآن .. متأكد بأن هناك ما يثير ذعرها .. !!
دمعة يتيمة ترتجف على شفير مقلتها .. قد تخالط الكحل فتسيله نهرا أسود .. أوجعته هذه الدمعة ..
مد أنامله بتردد يلامس وجنتها الناعمة .. ليسألها مازحا ..
- وين حرمتيه ..؟!
كانت تلك مفاجأة لها .. يعلم أنها لم تعتد منه أن يمازحها كثيرا .. و لكن اعتلت ثغرها ابتسامه صغيرة ..
رغم دمعتها تلك .. كانت تبتسم ..
.
.
.

Would you smile
if I asked you to smile ?
Would you run
and never look back ?
Would you cry
if you saw me cry ?
And would you save my soul, tonight ?
.
.
.
أبعد خصلة ممتمردة من الشعر عن عينيها و هو يسأل بهدوء ..
- شفيج ..؟!
رفعت عينيها المتسعتين تنظر اليه و كأنها تطلب نجدته ..
- خايفة ..
عقد جبينه ..
- من شوه ..؟!
تهدج صوتها و هي تعتصر ذراع مقعده ..
- خايفة أشوف حمدان و لا يعبرنيه ....!!
هو الآخر كان قلقا .. لا يملك سبيلا لتهدئتها بهذا الشأن .. كل ما بيده هو أن يوهمها بالأمل .. قد يخفف وطأة الوجع عليها حينها ..
- لا تخافين حمدان قلبه طيب و انتي تعرفينه .. أمس يوم لقيته كان متوله عليج ..
نظرت اليه بأمل .. جيد .. هذا ما يريده .. أن يشع قلبها بالقوة يمكنها حين الألم أن لا تنهار .. ثم قال باخلاص حقيقي ..
- و لو ما عبرج .. خبرينيه .. و الله للعن خيره ..
تأثرت كثيرا .. و لمعت الدموع الآن في عينيها .. تظنه يمزح ..!!
و صوتها المبحوح يحتج ..
- لا ما طيع في حمدان .. ما يهون عليه خوية ..
ثم أحنت رأسها لتضعه بهدوء على ركبته ..
- بس ما نستغني عن خدماتك ..!!
و ارتجف قلبه بقوة .. هذه اللحظة كانت مميزة للغاية .. منذ وقت طويل لم يعد يهتم بابعاد الأذى عنها .. ها هو الآن لا يريد أن تصاب بخدش في روحها ..
.
.
سيقتل حمدان إن عادت الليلة و هي تبكي ..!!
.
.
.
I can be your hero, baby
I can kiss away the pain
I will stand by your forever
You can take my breath away
.
.
.
مد يده المترددة ليريحها على رأسها المسترخي .. بدت أفضل حالا و هي ليست متوترة ..
تريح رأسها // همها .. على ركبتيه ..
و تنسى العالم على حدود أملها .. لا تنظري لحدود هذا الكون الضيقة ..
انظري لوسع رحمة من خلقها ..
من رسم خطوط أقدارنا بهذه المنحنيات البعيدة .. ترمي بنا كل في اتجاه ..
فتعود دوما لتجمعنا ..
لا يخنقنكِ يأسكِ .. تنفسي الأمل ..
فلو تركك كل من على وجه هذه الدنيا ..
هناك من هو مستعد لترك الدنيا من أجل دمعتكِ المهملة ..
كوني دوما سعيدة ..
.
.
.
Would you swear
that you'll always be mine
Or would you lie
would you run and hide
Am I in too deep
Have I lost my mind
I don't care
You're here tonight
.
.
I will stand by your forever
You can take my breath away**

* * * * *

كانت الغرفة غارقة في الظلمة المريحة .. شيء يمكن لأي مخلوق أن يختفي تحت ستارها ..
مستلق على ملاءته الشاحبة .. و لا يتبين شيئا مما حوله إلا على ضوء خفيف تسلل من الممر ..
يريح رأسه بوهن على مخدته الوثيرة ..
منذ فترة لم يعد يشعر بشيء .. لم يعد يتألم .. لم يعد للوجع مكان في جسده ليحتله ..
شيء غريب ..!!
يشعر بأن روحه قد انفصلت عن الجسد .. روحه الشفافة قد انسلت من بين أضلعه التي أصبحت قضبانا تخنقه ألما ..
كان مرتاحا ..!! سعيدا ..
قلبه متشبع بالأمل .. بشيء يفوق المقاييس .. بفرحة مريحة .. يشعر بخفة مشاعره ..
بوهن ما يؤذيه ..
ربما كان وحيدا في هذه اللحظة .. مستلقيا على هذه الملاءة البائسة ..
بعيدا عن أهله .. أحبته ..
و ذاك الصديق الوحيد ..
و لكن الراحة تغرقه .. تحتويه ..
تسري في عروقه .. فتسكنه ..!! لا يمكن للوجع أن يشتد بعد ذلك ..
كان يعلم أن النهاية تدنو .. أن الخاتمة أصبحت على مقربة أنفاس منه ..
يشعر بالموت يحوم حوله .. في رائحة المطهرات و المعقمات .. في ملمس حاجز النايلون العازل ..
في نظرات اليأس التي يلمسها في عيون من يأتونه ..
في لحظات الألم التي تزهق روحه ببطء ..
يعلم أن الرحيل قد اقترب .. و أنه قد آن الأوان ..
ليودع كل ما سيتركه خلفه ..
و لكن ..
ما الذي سيتركه خلفه يا ترى ..؟!
أحزانه .. أوجاعه .. يأس احتل زاوية من الروح لم يفارقها ..
.
.
سيترك كل ذلك خلفه ..
و سيحمل معه كل ما هو جميل .. كل ما لن يثقل روحه فيعجزها عن الحراك .. عن الابتعاد .. عن ترك هذه المنغصات و الهرب ..
سيأخذ في جعبته الأمل .. الفرحة القصيرة .. ذكرياته القديمة ..
و صور أهله .. أحبته التي تحتل مخيلته ..
سيحمل معه إبتسامة ذاك الصديق .. ذكراه الجميلة ..
و مشاعر سامية زرعها في فؤاده بنبل جعل آخر هذه الأيام ..
دمعة سكريّه ..
و التئام جرح .. و سلوى ...
.
.
.
نظر لتلك الرواية التي احتلت مكانها على الطاولة ..
ترتخي أطرافه .. و يثقل جفنه ..
و تتخاذل الأنفاس ..
.
.
و على الثغر تقاتل ابتسامته مستميتة ..
ما زال في القلب أمل ..!!
أَ يمهله الوقت .. فيقرأها ..؟!
هذا الظلام يهبط من جديد ..
داكنا أكثر من السابق ..
يلفّه ..
فيغرقه ..!!
.
.
يعلم هو ببساطة أن نور الممر لن يخترقه أبــدا ..!!

ارادة الحياة 28-05-08 05:41 PM

كان وجهها محتقنا و هي تنظر لأحلام بغضب شديد ..
- لا تعذرين .. اليوم ملكة و ياية حظرتج ويا العرب انزين كانت تميتي وياهم و اتعشيتي و روحتي بيتج .. ما عندج سالفة ..
ابتسمت أحلام باستعطاف ..
- خلاااااااااااااص لطوف دخيلج ذليتينيه ..
- و بذلج بعدنيه .. لي شهر ما شفت عينج ما قلتي بفازع ختيه .. يمكن تبا شي .. و الا شي ..
تنهدت أحلام و هي تتظاهر بالتعب ..
- لطوف دخيلج بروحيه أحس الدنيا الدور لا تزيدينها عليه ..
عقدت لطيفة جبينها و يلوح القلق في أفق عينيها ..
- شوه دايخة ..؟
- شوي ..
صاحت لطيفة ..
- يلسي زين ليش واقفة .. مالت عليج .. وينها هاي موزة عديمة النفع و الفايدة ..
- شوه تبينبها ..؟؟
- تييبلج ماي .. و الا عصير ..
ابتسمت أحلام بحنان ..
- مابا لا ماي و لا عصير .. اباج ترضين ..
نظرت لطيفة لها شزرا ..
- أرضا ها ..؟ .. حلفي ما تعيدينها ..؟
- ليش كم مرة ناوية تملكين ..؟!
ابتسمت لطيفة مضطرة ..
- مرة يا السخيفة .. أطري المقاطعة .. حلفي ما تعيدينها ..
- أحلفلج إنه ما يردنيه الا الشديد القوي .. خلاص ..
ابتسمت لطيفة بحب ..
- خلاص .. يا الله - و احمر وجهها - ماشي مبرووك يا حرم برووك ..
ضحكت أحلام بخفة ..
- مبرووك يا حرم برووك .. الحين متى بييبون الدفتر توقعين .. نباج تنزلين ..
و لم تكد تنهي عبارتها حتى أطلت موزة برأسها و هي تلهث و عينيها على أحلام ..
- حمدان و رشود يايبين الدفتر ..
كانت قد طلبت منها أن تخبرها في حال مجيئهم ..
لذلك قفزت من الكرسي و هي تجيل بصرها في المكان ..
أين لها أن تختبئ ....؟؟
هرعت لتسند جسدها على الجدار الذي يقع خلف الباب .. يمكنها أن تجلس هناك بهدوء دون أن يشعروا بها ..
ما ان التصقت به حتى فتح الباب بعنف كاد يصطدم بها لتلتف على نفسها حتى لا يرتطم بها ..
و كعادته يدخل الغرفة مباشرة و هو يغني بصوت عالي صم أذنيها فيما انكمش أنف لطيفة اشمئزازا ..
- صبوووووووحاااااااه خطباهاااااااا نصيييييييب .. أووووووووووه .. خطبهااااااااا نصييييييييييييييب ..
نفخت لطيفة بقوة و هي على وشك البكاء إثر توترها ..
- نصيب فعينك ..
راحت ضربات قلبها ترتفع كقرع الطبول حين رأته يدلف الغرفة بهامته العريضة و يدفع الباب خلفه ثم يتقدم إلى الداخل ..
الأحمق ..!! أغلق الباب .. كيف لها أن تخرج دون أن تلفت إنتباههما ..؟!
كانا يوليانها ظهورهما .. فراحت تبتهل بصمت كي لا يلتفت أحدهما .. كان راشد يضحك ساخرا ..
- شوي شوي .. لا تصيحين بس .. شعندج خايفة .. ما تقولين ميوزينج هولاكو ..
نظرت لطيفة لأخيها الأكبر تتذمر ..
- حمدااااااااااااان .. قله يووز عنيه .. هب ناقصة أنا ..
نهره حمدان بقوة ..
- رااشد .. لا تغثها ..
هز راشد كتفيها ..
- خيبة هاي ع الدقة و تصيح ..
نظر له بصرامة ..
- أقولك خلاص .. لا تغثها ..
لكن من سيسكت راشد الذي قال بخبث ..
- لا تغثها أونه .. من زينها عاد .. شف الالوان بس كيف خابصة ويها .. باندا هب حرمة .. أقول الشيخة ما انقرظت فصيلتج ..
صاحت لطيفة ..
- حمداااااان ..
و تحرك بسرعة و لكن راشد كان أسرع اذ استدار حول لطيفة هربا من قبضة حمدان ..
فجأة وقعت عيناه عليها .. و قبل أن تشير له أحلام بالصمت .. كان قد صاح بصوت مصدوم ..
- أحــــــــــــلام ..؟؟؟
و تجمد الجميع ..!!
رأت ظهر حمدان يتصلب بقوة .. فيما وضعت لطيفة أناملها على شفتيها .. و بدا راشد ضائعا و غير مدرك لما تختبئ أحلام هناك ..
في حين جل ما كانت تريد أحلام من حياتها في تلك اللحظة أن تنشق الأرض و تبتلعها ..
أرادت أن يكون هذا حلما سخيفا .. و شعرت بالإحراج الشديد من اختبائها ..
.
.
.
.
.
.
.
.
.
أطرافه متشنجة و قد تيبست رقبته و هو جامد .. كان ينظر بشيء من الذهول لوجه راشد الذي كان يقابله تماما قبل أن يتحرك بسرعة و هو يصيح مرحبا ..
أ حقا تقف خلفه تماما ..؟! .. ليس عليه سوى أن يستدير ليتأكد من ذلك ..
رفع نظره عن الأرض .. لطيفة تنظر اليه بعينين غير مفهومتين ..!!
جزء خبيث من نفسه يجبره على التظاهر بأنه لا يعلم بوجودها .. و لكنه لم يقدر ..!!
كان متشوقا لرؤيتها .. مرت أيام طويلة لم يرها فيها .. شعر بأن سنوات تفصل بينه و بين آخر لقاء لهما ..
استدار ببطء ليجد راشد يحتضنها فرحا و وجهها مختفٍ في صدره و هو يصدر مختلف عبارات العتاب ..
وخزه مؤلمة يشعر بها و هو يرى بساطة تعامل راشد معها .. كم كان سهلا عليه أن يتقدم منها و يأخذها بين ذراعيه و يلومها على ذاك الغياب الطويل ..
هو لن يستطيع فعل ذلك .. لماذا ..؟! أو ليس أخيها كما هو راشد ..؟! ألا يحبها كما يفعل ..؟!
ألم يشتاق إليها ..؟؟
ابتعد راشد قليلا عن أحلام ليتبين وجهها المحمر المحتقن .. خلع منظرها ذاك قلب حمدان .. أخته ..
ها هي أمامه .. لا يمنعها عنه سوى كبرياءه .. قسوته ..
كان يقف جامدا ينظر اليها و كأنه غير مصدق .. فيما تمتمت هي بشيء لم يسمعه و استدارت تبغي الخروج ..
لا .. توقفي .. لا ترحلي بعد ..!!
.
.
و كأنما شعر راشد برغبته تلك أمسك رسغها بإحكام و هو يقول بصلابة ..
- لحظة أحلام .. ما تبين تسلمين على خوج ..؟!
مزقه ذاك الألم الذي ارتسم على وجهها .. و راشد يرفع عينه له بقوة .. و كأنما يطلب منه أن يفعلها ..
يتوسله بعينيه أن لا يهشم فلبها ..
لا تكن جحودا ..
و رن صوت زوجها العميق في أذنيه ..
.
.
.
.
.
.
.
.
.
[ لا تكون قاسي يا حمدان ]
.
.
.
.
.
.
.
بدت على وشك الإنهيار .. و هي تمعن النظر في وجه راشد الذي كان متيبسا يترقب حركة منه .. تتجنب النظر إليه ..
لا يدري كيف حدث هذا .. و لكنه لم يعد يحتمل ثقل المكابرة ..
وجد صوته الأجش بصعوبة ليقول بقوة ..
- أحـــــلام ..
انتفضت بقوة .. و هي تشيح بوجهها ..
أ هي خائفة .. أم غاضبة .. أم ماذا ..؟!
سمع راشد يقول بخفوت ..
- بس أحلام .. لا تصيحين ..
شعر بكتلة شوك تسد حلقه .. تخنقه ..
أ تبكي ....؟؟؟!
اقترب منها ببطء يجر قدميه الثقيلتين .. يصل إليها .. لا تزال مشيحة بوجهها و كفيها يهتزان ..
يقبض على كتفها النحيل ليديرها .. شعر بحنان جارف يجتاحه بقوة ليجذبها نحوه يحتويها بين ذراعيه ..
لتنفجر مشاعرها في لحظة .. فتنخرط في بكاء عميق .. كطفلة بائسة أتلفت روحها الأحزان ..
تجاهل ابتسامة راشد المتسعة ليطبع قبلة على رأسها المدفون في صدره ..
و يغمض عينيه ببطء و هو يشعر براحة حقيقية كان قد فقدها منذ بعض الوقت ..
.
.
كيف للمرء أن يكون بهذا الغباء .. و يبعد أقربائه عنه ..!!
لقد آذاها كثيرا في وقت كانت هي بأمس الحاجة لقربه منها ..

* * * * *
* سورة الرعد / آية رقم 25 ..
** Hero ..
●○▐ الرؤيـــــــــــــــــــــــا الثامنـــــــــــــــــــــــة▌○●





تجتاز البوابة الضخمة بسيارتها الصغيرة التي تخطو ببطء بين تلك المباني العتيقة ..
أكوام الحجارة الهزيلة التي ترتجف بردا تحت وطأة الشتاء ..
رغم هذا لا تزال الحميمية تكسو تلك الشوراع الضيقة .. و الأرصفة القديمة ..
دفء مختلف يجتاحها كل ما مرت من هنا ..!!
كم مرة تمنت لو أن إحساس ساكني هذه البيوت المتهاوية سكن قلبها مرة ..
لا تعلم لما تراودها هذه الأمنية الغريبة ..!!
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
- صبــاح الخـــير خليفــة ..
ألقت التحية عليه بابتسامة .. و نظراته الشاخصة لا تتزعزع ..
جلست على الكرسي الخشبي الذي يجاور سريره .. و هي تنظر لوجهه الجامد بحبور ..
- اشحالك ..
و كالعادة لا تنتظر ردا .. تشير للكتاب الذي بين يديها و هي تتابع ..
- ما خبرتك .. منصور أصدر الرواية .. و هاي النسخة لي عطاني اياها .. بقراها لك .. ع فكرة .. ترا هاي أول مرة أقرأ الرواية .. أول قريت مسودة لها .. بس وااايد تغيرت الرواية ..
ابتسمت و هي تردف ..
- عسب كذيه بتكون أول مرة أقراها عندك .. عاد انته تحمل انفعالاتيه و اندماجيه .. و أنا بحاول ما أنقع في الكلمات .. من يوميه و أنا ميح في اللغة العربية ..
وضعت الكتاب جانبا و هي تتنهد ..
- قبل لا أقرالك .. خلنيه أخبرك شوه استوا ويايه يوم الخميس .. تطورات في الأوضاع ما تتخيلها ..!!
أسندت فكها بيدها و هي تقول ..
- تراضينا أنا وحمدان خوية .. لا تنشدنيه كيف الله حنن قلبه عليه .. أول مرة يشوفنيه ويسلم ..!! تخيل .. أنا كنت مندسة عنه عسب لا يسويليه طاف شرات كل مرة .. بس رشود المعثور شافنيه .. و خرب السالفة ..
هزت كتفها بهدوء ..
- مادري ليش غير رايه .. سلم عليه و تخبرنيه .. أنا عاااد ما صدقت فتحت له مناحة .. بس مارمس عن الشغل أبداا .. يمكن لنه موضوع حساس شوي .. يعني بيزعل مرة ثانية لو فتح الموضوع و قلت لا .. كيف أشرحلك ..؟! آآممممم .. هيه ..! يعني هدنة مفهومة .. ما بنرمس عن لي طاف .. لي فات مات و نحن عيال اليوم .. و أنا عقب شهرين مخلصة و يالسة فبيتيه ..!!
ابتلعت بعض الهواء و هي تهب على قدميها .. تزيح ستار المافذة الوحيدة ..
و تنظر عبرها للخارج لمباني أضناها الوقوف لدهور طويلة ..!!
- تخيل .. باقيليه شهرين بس ..!! خلاف بخلص .. و ..آآآ
أسندت جبينها على الزجاج البارد .. و تغمض عينيها حالما سارت الرعشة في مؤخرة عنقها ..
- و بروح ..!!
شعرت بألم يعتصر قلبها ..
- أحس فواديه يعورنيه .. ماريد أخليكم .. ماريد آخر يوم يي .. ماريد تيي اللحظة لي أظهر فيها من هنيه و ما اييكم الا زايرة .. الحين يوم أيي و أروح أحس انيه مسؤولة عنكم .. أساعدكم ..
و ابتسمت بشيء من الحزن ..
- و تساعدونيه .. مابا أخليكم ..!!
شعرت بأنها تكاد تهوي في مرارة لا قاع لها ..
تنهدت و هي تبتعد عن النافذة و تبتسم لوجه المتصلب ..
- غادية نكدية هالأيام .. تحملنيه .. يقولون تأثير الحمل ..بس بينيه و بينك هب بس هذا تأثير الحمل .. طلع له أعراض جانبية ع الغير تعيبك .. عموه شريفة من حملت نست أمي الهندية .
ضحكت بشيء من السخرية ..
- خوفيه تتذكرها أول ما أربي .. الحين الياهل رهينة و قابضة لسانها ..!! مادري شوه من إثم ارتكبته يوم انيه بنت الهندية ..؟؟ يعني الواحد ما يختار أمه و أبوه .. و بعدين حتى لو أميه هنديه .. أصلا أنا ما أذكرها لن فحياتيه ما شفتاا .. تسدنيه أميه مريم .. بس بقولك شي محد يعرفه .. مرات أفكر فيها .. خاطريه أشوفها .. أميه ...!! كيف هاي الأم .. كيف شكلها .. كيف احساسها .. تذكرنيه و الا لا ..؟! أبا أعرف هالأم لي من خلقت و اسميه عالق بها ..
و شخرت بسخرية ..
- بنت الهندية ..!! انزين وينها الهندية .. و بعدين العافية .. هندية و الا سيلانيه .. نحن عباد الله و سواسية .. و الرسول يقول : [لا فرق بين عربي أو أعجمي إلا بالتقوى] .. كلنا انخلقنا من تراب .. و يوم القيامة الله ما بيحاسبنا على مراكزنا و الا جنسياتنا ..!! بيحاسبنا على أعمالنا .. مادري ليش هالتفرقة العنصرية .. و الله أنا ما أهتم من حد لو قال لي بنت الهندية .. بس و الله يعورنيه قلبيه .. ينسون كل شي ليه و عليه .. و خلاص ما يخطر ع البال الا بنت الهندية ..!! و الله يا خليفة يا خوية الدنيا هاي صعبة .. و الناس و رمستهم أصعب .. الواحد ما بيتلاحق عمره و يرضيهم .. لازم فيه عيب .. من زمان معاد همونيه بسالفة أمايا .. بس بعض النغزات تييك قوية .. تعور قلبك حتى لو سويت عمرك هب مهتم .. عموه شريفة دوم كانت تنغز ع سالفة الهندية .. هي أصلا ما كانت تبا بكرها حبيبها ياخذ بنت الهندية لي أكيد بتنعاف لو خلاها .. بس هو خذنيه .. ثلاث سنين و أنا عنده ماقد رمسنيه عن أمي أو إنها هندية ..
هزت كتفيها ببساطة ..
- أصلا هب من كثر سوالفنا ... أول يا الله يالله .. نقول كلمتين .. بس الحين أحسن بوايد .. أرمس وياه .. و غدا مزاجه أحسن .. يضحك ..!! و يمزح وياية .. أول ما شوف الا عقدة حياته ما قد تبسم لله صدقة .. بس التغيرات الحين واااايد زينة .. أصلا منصور من خذنيه ما يخلي حد يرمس عن هالسالفة .. ما دري كانه مهتم منيه و الا بس ما يبا حد يلصق الرمسة في أم عياله .. ما يهم .. الحين غير .. وااايد تغير .. و الله أحسن عن قبل بوااايد .. أدري إن الريال لي خبرتك عنه ..
أشارت بيدها ..
- مريض الايدز .. له دخل في تغييره ..أنا متأكدة .. ما أنكر انه تغير من يوم تعرف عليه .. انقلب حاله .. بس بعد ماريده يحتك فيه و يتعلق به واايد ..
مطت شفتيها بعدم رضا ..
- بس منوه لي بيطيع .. منصور متمسك بهالسعيد .. و مادري شوه آخرتاا .. و الله أنا ما أعترض ع الريال .. ما شفت منه شي .. بس هذا مريض .. يعني منصور في خطر ما دام وياه ..!! كيف أخليه يقنع و يقطع علاقته به .. مادري ..!!
نظرت لساعتها ..
- خليفة .. أدري انيه ما طولت عندك .. بس خلنيه أمر ع الباقيين عسب لا خلصت أردلك و أقرا لك الرواية .. ترتوب ..؟!
و ابتسمت ابتسامة أخيرة قبل أن تخرج و تغلق الباب خلفها .. كانت تشعر بسكينة لم تلمسها منذ زمن .. شيء من الراحة يتردد مع أنفاسها .. ينبض به خافقها بهدوء ..
تحركت متوجهة نحو الاستراحة اذ أصبحن يجتمعن هناك كثيرا كلما استطاعت حصة التحرك ليجلسن عند التلفاز قرب المدفأة الكهربائية بدل احتجاز أنفسهن في غرفهن ..
و حالما دلفت الاستراحة علت شفتيها الابتسامة من ذاك المنظر الغريب بعض الشيء ..
كن يجلسن جميعا على الأرض تحت التلفاز المعلق و قد رفعن نظارتهن عليه .. أم حميد المتدثرة ببطانية ثقيلة بدت تزن طنا .. تخفي نصف جسدها الضئيل .. و سهيلة المستلقية على السجادة الأرضية و تضع رأسها في حجر حصة .. فيما استغرقت زكية تسكب الشاي في الأكواب الزجاجية .. و يتصاعد البخار منها ..
للحظات بدا الأمر مثاليا .. صورة لم ترى مثلا لها قط في حياتها ..
شيء مميز لم تتمكن من إمساكه بين أناملها تجاهد فكرا لإيجاد تعبيرا واضحا قد تدركها و هي تشعر بعمق الألفة في هذا المكان ..
لكن بدا أن الكلمات رفضت أن تظلم هذه الصورة الدافئة .. تتيه الأحرف .. أم تنسل هاربة ..
لا عبارة في داخلها قد ترسم حدود مشاعرها و هي تمعن النظر في هذا الوضع ..
ستضل هذه الصورة دائما تحتل مكانا من ذاكرتها ..
لن تمحوها الأيام ..!!!
انتشلها صوت أم حميد الحاد تقول من تحت البطانية الثقيلة ..
- يا الله تبلاهم .. يعلهم العوووق و ما يبرون .. هاييل ربج يباهم تحادون ع بعض .. يعلهم شورهم هب عندهم .. تفاقدوا عيال ابليس ..
هزت رأسها و طرقت بخفة على الباب ..
- السلام عليكم ..
التفتت الرؤوس جميعها لأحلام ..
- و عليكم السلام و الرحمه ..
ثم صاحت أم حميد تزيح جزءا من البطانية ..
- قربي يا أحلام من البرد .. هب زين لج ..
أشارت أحلام للعباءة الثقيلة التي ترتديها على ملابسها و لا تخلعها إطلاقا ..
- لا يام حميد .. خليج انتي تتدفين أنا ما أحس بالبرد من العباة ..
تذمرت العجوز بحدة ..
- أنا آنسه في عظاميه .. كسرنا .. لو حاطيلنا كوار هب أخيرلنا ..؟؟
ابتسمت حصة بهدوء فيما استمرت سهيلة تراقب الشاشة التي تراصت عليها الصور المختلفة و كانت تعرض عليها الأخبار .. و زكية تتساءل بفضول ..
- هو ايه الكوار يام حميد ..
نفخت أم حميد بضيق ..
- وشوله تتنشدين بعد بتييبينه ..؟؟
ابتسمت زكية بصبر ..
- آآه لو أأدر مش حأصر .. - ثم التفتت لأحلام - شاي يا مدام ..؟
أومأت أحلام برأسها و هي تبتسم لوسع صدر هذه المرأة .. فيما سألت أم حميد حصة مجددا ..
- بلاها أمريكا عليهم يا حصة ..
حصة بهدوء ..
- بلاج تدعين عليهم و انتي ما تدرين شوه سالفتهم ..؟
صاحت أم حميد بشيء من الحماس ..
- هاييلا الكفار الله يغربلهم .. ندعي عليهم و لو قاموا بنا ...
قالت حصة ..
- أمريكا تبا ايران تصكر المفاعل النووي لي هي فاتحتنه ..
كان واضحا أن أم حميد لم تفهم شيئا .. فقد عقدت جبينها ..
- و شوه النووي هذا ..؟
- بو شهر ..
- منوه بو شهر ..؟؟
تجيبها حصة بصبر ..
- هذا المفاعل يام حميد .. يسوي كيماويات بتسمم العرب و أمريكا تبا ايران تبنده .. لو تتسرب الكيماويات بتقتل الخلق ..
- ما حيدها أمريكا تحب الخير .. يعلهم كيماوي يفتك عليهم و ينفدهم يميع .. غير زين تسوي فيهم .. عيل تبالنا الشين ايران لا بركتن فيها ..
هزت حصة رأسها بعدم رضا .. و أحلام تلتزم الصمت و ابتسامة .. مناقشة سياسية فريدة من نوعها ..!!
- و الله أمريكا ما تباها تبنده لسواد عيونا .. بس ما تبا ايران تتحداها في النووي تراها أمريكا أخس عن ايران عندها نووي زاهب .. و ايران حليلها بعدها تصنّع ..
- حلهم حلول .. تصنع و الا بعدها .. ايران عدوة يعلها خراب و تستحق لي اييها من الكفار ..
ذهلن جميعا من هذا الكلام .. اتسعت عينا حصة بصدمة ..
- استغفري ربج يام حميد .. شوه هالرمسة ..
- شوه بعد .. سمعتينيه .. هاييلا محتلين جزرنا .. معتدين عليناا ..و تبينيه أدعيلهم ..؟!
قالت زكية باستياء حقيقي ..
- يام حميد دول الحكومة اللي محتلينها الشعب مالوا و مال خراب بيوتهم ..؟؟
نظرت أم حميد بشراسة لزكية ..
- [ البحر له ناس لفيحة تعرف التوح من اليره هب كل من تاح سريحة قال هذا خيط بايره ] .. صخي انتي ما تعرفين التوح من اليره ..
و لكن حصة قاطعتها بصرامة ..
- صادقة زكية يأم حميد .. ايران دولة اسلامية و شعبها مسلم .. ما يخص الشعب في لي تسويه الحكومة .. لا تدعين ع المسلمين ما يوز يا وخيتي .. تئثمين ..
ظلت أم حميد تشيح بوجهه .. قبل أن تتابع حصة بقوة ..
- و بعدين ما خلا الحريم أكثر أهل النار الا ألسنتهن .. كل كلمة تتحاسبين عليها .. خفي شوي يا الغالية .. حلي لسانك تلقى الناس خلانك .. و الا شرايج ..
تذمرت أم حميد كطفلة وبّخت للتو ..
- عنبوووه يا حصة .. و أنا ثرنيه شوه قلت .. عسب تحاسبينيه .. الواحد ما يحكم قلبه ..
- هيه بس يحكم عقله و جوارحه .. احكمي لسانج ..
كانت المناقشة السياسية انقلبت بطريقة ما .. إلى محاضرة أخلاقية ..
ارتشفت أحلام الشاي الساخن ببطء و هي تشعر بحرارته تنتشر في حلقها .. فتدفئها ..
لم تكن تنصت للمفاوضات الحادة .. فأم حميد ستتدبر أمرها جيدا بطريقة ما ..!!
متأكدة من أنها لن تستغني عن درعها الواقي و كلماتها الشائكة تلك ..!!
ما هزها بقوة هو تلك العظيمة ..
تلك المرأة أُحتجز إبنها على يد أولئك التي تدافع عنهم ..
ما زال مسمى [ إخوتنا المسلمين ] يلامس شغاف فؤادها لتهب بحمية و غيره ..
ما زال رابط الإسلام ..
الدين ..
المعتقدات تعني شيئا ..
تعني لها أننا إخوة ..
لا تهتم بما تتفق أو تختلف عليه السياسات ..
لا تبالي بأهداف قد تتخذ مفترق طرق ..
ما زال هناك إيمان ينبض به خافقها يجعل معاناة إخوتنا في جميع أنحاء العالم يحرق أحاسيسها حسرة ..
فيما أصبح منظر أشلاءهم مجرد صورة مثيرة للاشمئزاز تعرض في أخبار التاسعة لدى الغير ..!!

* * * * *

استرخت موزة في مقعدها بهدوء و هي تبتسم في وجه صديقتها ..
- و الله مرتاااااحة غزول .. سالفة حمدان و أحلام كانت هم ع صدريه .. بس الحمد الله يوم تراضوا ..
ردت غزيل ابتسامتها ..
- باين عليج الراحة .. دوووم فديتج ..
استمرت موزة في الابتسام .. في الحقيقة لم يكن هذا هو السبب الوحيد لإحساسها بالراحة .. إنما تلك الثقة التي بدأت تسري في نفسها ..
عرض الزواج الذي تقدم به شقيق صديقتها أشعرها بأنها ما زالت مرغوبة ..
ما زال هناك من هو مستعد لاستقبالها مجددا في مجتمع كان قد لفظها لوقت طويل ..
شيء أرضى فيها نزعة أنثى دفينة شعرت لفترة طويلة أنها مهملة ..
ما زال هناك من يخطب ودها .. ينتظر أن تجيبه بالموافقة لتقتحم الحياة تلك من جديد ..
و لكن هل هي حقا مستعدة لفعل ذلك مجددا ..؟!
- غريبة ميلستنا في الكوفي اليوم ..
انتزعها من أفكارها صوت غزيل فاسترخت في جلستها و هي تقول ..
- هب انتي لي قلتي اني لازم أواجه أي حد يوقف في دربي ..؟! .. أنا الحين أتحدا نفسي ..
- صح و ع فكرة عيبتينيه في ملكة لطووووف .. حسيتج واثقة و حلوة حركتج يوم سلمتي على أم عبدالله .. شفتي خواته و خص هالسلامة قافطات .. أحسج بينتي لهن إنج أخير عنهن ..
هز موزة رأسها بشرود ..
- أم عبدالله ما سوت بي شي .. و السلام عليها واجب ..
ثم استطردت بثقة لم تعد غزيل ترى لمعانها في عينيها كثيرا في الآونة الأخيرة ..
- بعدين خواته أنا ما حفلتهن و لا امتحنت من رمستهن .. يقولن لي يقولنه .. و الا شرايج ..؟!
أطلقت غزيل ضحكة اعجاب قصيرة ..
- رايي إنها هاي موزان لي كنت أعرفها قبل لا تعرس ..
غمزت موزة و هي تقول برقة ..
- أعيبج أنا أحيانا أغدي قوية .. المهم .. قهوينا يختي ..
- فالج طيب .. بس قبل لا أقهويج ..
عقدت أصابعها على الطاولة و هي تقول بوضوح ..
- اممم.. ما خبرتينيه .. فكرتي في الموضوع لي مرمستنج فيه ..؟!
ضيقت موزة عينيها الجميلتين و هي تتمنعن في وجه صديقتها ..
- هيه ..
بدت اللهفة على وجهها و هي تهتف ..
- انزين ..؟!
عقدت موزة جبينها ..
- اممم .. غزيل مهما كان ردي بنتم ربيعات صح ..؟
أصبحت الخيبة الآن ما تستحل وجهها .. و هي تقول ..
- و لا يكون عندج شك ..
سحبت موزة نفسا عميقا و قد ارتاحت ..
- خلاص عيل ..
عينا غزيل متعلقة في وجهها و هي تنتظر ..!! و حين طال سكوتها ..
- شوه يعني ..؟!
- يعني خلاص ..
شعرت غزيل بأن موزة تكتم ضحكة .. فقالت بغل ..
- خلاص شوه ....؟؟؟
- خلاص انتهت السالفة ..
تملك غزيل الغيظ .. و هي تشير لحقيبة يدها ..
- بترمسين عدل و الا فلعتج بالشنطة ..
أشارت موزة بيدها ..
- خيبة .. خلاص .. خلاص ..
الآن أصبحت تنفث لهبا ..
- شوه خلاصة بعد ..؟!
ابتسمت موزة بخجل و هي تسدل أهدابها ..
- اذا خوج مستعد يرقبنيه الين ما أتخرج أنا ما عنديه خلاف ..
ضحكت غزيل بحبور و هي تقول ..
- عيل قهوتج اليوم شربات ..


* * * * *

توقفت سيارته أما باب مبنى المستشفى مباشرة .. لينزل ساجد مسرعا يقوم بتقريب كرسيه المتحرك من الباب الذي سينزل منه .. لينقل جسده على الكرسي بمساعدته .. ثم عاد ساجد ليلتقط لفافة الورق البني الكبيرة ليتناولها هو و يضعها في حجره .. ابتسم بهدوء و هو يفكر بأنها لن تعلم لمن التقطت هذه الورود من الحديقة ..!!
واثق بأن هذه الورود ستسعده .. ففي روحه ن الشفافية ما يجعله متأكدا من أنه سيعشق إحساس عبقها الملموس ..
أشار له بيده سامحا له بالذهاب فقد اعتاد أن يصعد إلى هناك لوحده ..
كان الجو باردا .. و الشتاء يلفح وجوههم بأنفاسه زمهريرا .. رغم أطرافه المنتعش إلا أن قلبه الدافئ كان يخفق ببطء شديد .. و الهواء المتجمد الذي تسلل لرئتيه لا يؤثر على سكينة خافقه .. شد معطفه الثقيل حول جسده و دفع كرسيه متوجها نحو المدخل الرئيسي للمستشفى ..
نظر للسماء الصافية .. رغم البرد القارص لم تكن تبشر بنزول المطر ..
.
.
.
.
.
.
لفه دفء المكان حالما تجاوز الباب الرئيسي .. و توجه نحو المصاعد في الجانب الأيمن من الردهة .. لا يدري لما كان يشعر بشيء من خفة الإحساس .. الأيام الأخيرة كانت بمثابة حلم تحقق .. هدوء حقيقي افتقده منذ سنين عاد ليغشا حياته و سكينة ألفتها نفسه .. شعر و كأن هذه الأيام مسروقة من الماضي الذي ولى ..!!
كانت هي سعيدة للغاية بعودة العلاقات بينها و بين أخيها .. و سعيد هو كذلك لسعادتها .. شعور غريب يراوده كل ما فكر بأنه يهتم بها .. و يراعيها .. يبحث عن البهجة ليجمعها بين راحتيه و ينثرها في حجرها ..
شيء يشبه القوة تتوهج في داخله و هو يفكر بأنه لا زال قادرا على تقديم الكثير .. لها .. و لغيرها .. كم هو رائع بأن نتعلم العطاء .. نتقن تبادله .. و لا نتمرس الأخذ بلا مقابل .. لأن ذلك سيجعل الجشع هو ما يغزو أرواحنا ..
و هو الآن يعطيها .. ربما لا تعلم حقا ما فعل .. و لكن ذلك يزيد شعور الراحة في داخله .. لأنه الآن واثق من أنه فعل ذلك من أجلها .. لا يهمه إن كانت تدرك ذلك أو كانت تعلم أنه هو من وراء لين أخيها ذاك .. يكفيه الشعور الخفي الذي يملأ صدره ..
شعور مميز يراودنا كلما فعلنا شيئا جميلا في الخفاء نتأكد بأن نيتنا لم تكن التباهي به .. أو البحث عن مقابل لفعلنا ذاك .. بل كل ما أردناه هو بث الفرحة في قلوب الغير فيما نجلس نحن في المقاعد الخلفية تحت الظل لا تتضح ملامح إحساننا ..
كم هو نبيل ذاك الشعور ..!!
.
.
ضم لفافة الورد لصدره ثم دفع كرسيه ليستقل المصعد الذي كان مأهولا من قبل رجل و طفلته التي كانت تختفي في معطفها الوثير .. ابتسم لها بهدوء .. فانسدت خلف أبيها بخجل ..
عجبا ....!!
يستطيع أن يبتسم الآن في وجوه الآخرين و إن كان يجهل من هم .. بعدما كان يجد صعوبة شديدة في تبادل الكلمات مع زوجته ..!
فتح باب المصعد حال وصوله للطابق الأول ليدفع كرسيه خرجا منه .. متوجها لقسم الحجر الصحي ..
لا يدري بسر لهفته تلك و هو يزيد نم سرعة عجلات كرسيه .. كان قد رآه يوم الخميس و قد اعتاد أن لا يأتي في إجازة آخر الأسبوع ..
هل أنهى قراءة روايته يا ترى ..؟!
هل أعجبته ..؟! كما هو واثق بأن هذه الورود الصغيرة ستفعل ..؟!
لا يدري لما كان متلهفا لأن يعلم .. شعر بأنه سكب من الإحساس بين كلمات ذاك الكتاب ما أراد أن يقرأه الأمل في روح سعيد ..
اجتاز باب القسم محييا ضابط الأمن الذي اعتاد دوما على رؤيته و السماح له بالدخول ..توجه للغرفة مباشرة و حين وصل للباب الموارب .. ابتسم و هو يرفع اللفافة بين يديه و يدفع الباب بكوعه ..
- السلام عليكم ..
و رددت الجدران الصامتة الباردة صوته العميق ..
يجيل بصره في الحجرة الخاوية ..
ملاءة السرير البيضاء مرتبة .. و قد انقشع ستار العازل من حولها ..
و نوافذها المفتوحة راحت تسرب الصقيع لينتشر ببطء في أنحاء الغرفة ..
يلامس أطرافه .. يجمد أوصاله ..
كره ذاك الشعور الخبيث بالبرودة الذي يسري على طول عاموده الفقري و هو يراها خالية على عروشها ..!
أين هو ..؟؟
أعاد اللفافة لحجره ثم تراجع بسرعة خارجا من الغرفة ..
تبخر إحساسه الحلو الذي سكنه روحه منذ لحظات ليجتاحه الخوف و القلق .. هل ساءت حالته لينقل من هذه الغرفة .. أم أنها مجرد فحوصات عادية ..!!
.
.
خــــــيرا ..
اللهــــــــــم إجعلـــــــــــه خـــــــــيرا ..
.
.
توقف أمام مكتب استقبال القسم و هو يلهث اثر الجهد الذي بذله ..
التفت الممرض له باستفهام ..
فيما ظل هو جامدا .. أنفاسه تتردد .. و ضربات خافقه تتعالى .. كان يلهث و عرق بارد يتفصد من جبينه المتجمد ..
يستمر في النظر للرجل الواقف .. و كأنما يسأله أن يجيبه ..
و لكن الرجل لم يفهم مطلبه .. واقفا خلف مكتبه ينظر له بهدوء ..
- نعم خوية .. أخدمك بشيء ..؟!
.
.
و ما زالت جرعات الهواء تعب في رئتيه .. و هو متجمد في مكانه ..
الحقيقة أنه كان خائفا من السؤال ...!!!
كان الرعب الشديد يتملكه من أن يستفهم ببساطة عن تفسير تلك الغرفة المهجورة ..
.
.
تتعثر أحرفه .. و هو يشد بقبضته على تلك الورود ..
لا يترفق بها .. !!
- لــو سمحــت المريض سعيد لي كان في الحجرة 9 .. ما لقيته ..!
نظر له الرجل و كأنه متعجب من كل هذا الخوف ..
- لحظة خوية بس أراجع السجل ..
هز منصور رأسه و هو يشعر بحلقه جافا ..
كانت تلك الثواني ثقيلة .. بطيئة ..
تمر و هي تدوس احساسه بلامبالاة .. لا يوجد ما هو أقسى من الانتظار ..
إلا مرارة نتائج الصبر بلا فائدة ترجى ..!!
عقد الرجل جبينه لتنعقد أحاسيس منصور و هو يشعر بالاختناق .. ثم رفع الأول رأسه يقول بوضوح ..
- سعيد محمد حجرة رقم 9 ...؟!
أومأ منصور برأسه موافقا .. لم يجد القدرة في نفسه على الكلام .. انقبض لسانه .. قلبه .. و الكلمات ..!!
هز الرجل رأسه ..
- يقربلك ..؟!
كان صوته خافتا..
- لا ..
هز الرجل كتفيه و هو ينظر للرجل المقعد الذي بدت اللهفة عليخ لسماع ما يحمل ..
- عيل مالي حق إنيه أعطيك أي معلومات عنه ..
شعر منصور بالغضب .. هو يحترق هنا و هذا يرفض اخباره ببساطة ..
- خوية أنا مرخص انيه أزوره .. ما تشوف ليه الحق انك تخبرنيه هو وين ..؟!
نظر الرجل له للحظات طويلة قبل أن يصفق مصراعي السجل و هو يقول بهدوء ..
- المريض عطاك عمره .. متوفي من يومين ..
.
.
.
للحظات ..
توقف الزمن هنا .. و لم تعد للأوقات نهاية أو بداية .. لم يعد هناك أمساً .. أو غد ..
ينظر لوجه الرجل بقوة .. و قد فقد النطق للحظات .. ينتظر منه أن يضحك ممازحا و يخبره أن يمزح و أن عليه العودة ..
ينتظر منه أن يطالبه بالعودة للحجرة في آخر الرواق و سيجده هناك ..
ينتظر منه أن يخبره بأن يتوقف عن هذه الأسئلة السخيفة .. أين يمكن أن يذهب سعيد .. ربما كان في الحمام ..!!
و لكن الرجل لم يضحك ..
لم يكن يمزح ..
.
.
الآن أصبحت أنفاسه تتقطع و ألم مروع يعتصر فؤاده .. شعر بشيء يتمزق بين أضلعه .. و هو يسأل ..
- متوفــــي ..؟!
هز الرجل رأسه بأسف .. فيما ظل منصور جامدا لا يتحرك ..
شعر بأن لحظة أمل تحتضر حزنا أمام عينيه .. ظمأً .. و لا يملك دمعة ليرويها ..
كان الألم فضيعا .. فضيعا للغاية ..
.
.
صمتــــــــا .. صمتــــــــا ..
أصيخـــــــــوا ..!!
أ هــــذا هو همس الورود المفجوعة و هي تتهاوى من بين يديه لترتطم ببطء على أرضيه المكان ..؟!
ذبلت انتظارا ..
و لم يعد لها مكان يحويها برحيل من تقصده ..؟!
أم أنه صوت تهشم الأمـــل الهش تحت وطأة الحزن الرهيب الذي تجرعه صامتا و هو يراها متناثرة على الأرض ..
كقطرات الدم في عينيه المغشيتين .. ضبابية الرؤيا ..
.
.
و من البعيد كان صوت الرجل يسأل بتعاطف ..
- كنت تعرفه ..؟!
صوته يصل لمسامع منصور يخترق الضباب الذي يحيط به .. فيفصله عما حوله ..
ليرسل منصور الرد إليه .. بوجع قاتل .. يهمس بصوت جاهد كي يسمعه أحد وسط نواح روحه // مشاعره الممزقة ..
و دمعة وحيدة .. تفارق مقلته الخاوية .. راحلة إلى حيث لا عودة .. تشق طريقها بين ما يتنارعه ..
لتهوى من علو ..
تسقط على الأرض .. تنضم لتلك الورد .. قطرات الدماء .. للأمل المحتضر .. لشظايا حلم قديم بعثرت بأسى ..
يهمس بصوت لا يعلم إن كان قد فارق الشفاه .. أم أنه ارتد ليتردد صداه بين الضلوع ..
فيملأ روحه .. بتلك الأحرف ..
- كـــــــــان ربيعــــــــي ..!
.
.
ثم أدار كرسيه خارجا من هذا المكان للأبد .. لم يعد له شيئا هنا ..
لقد رحـــــل ..
رحل سعيد ..
أو الأمـــــــــــــل ..!!
و يدرك جيدا أنه لن يعود .. لن يعود ..!
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
[ لرجل ترجم التفاؤل حين لم أعد أفهمه ..
لرجل أتقن رسم ملامح الصبر في أيامي ..
لرجل علمني أن الحزن ليس سوى عجزنا عن خلق الأمل في أرواحنا ..
فنُترك متخبطين في غمرة اليأس بلا هداية ..!!
لرجل كان بعمق أحاسيسي تلك التي لا تروى ..
لصديق ..
كانت مختلفا .. فرحل ..!! ]


* * * * *
تتمة


- روه مستسفا مشان سوي فحوصات ..
هزت أحلام رأسها بهدوء قبل أن تعود لتقول ..
- خلاص سوما لو رد بو ثاني و أنا داخل دوام خبرينيه أوكيه ..
أومأت سوما برأسها ..
- تمام مدام ..
ثم ابتسمت ..
- الحين انتي روح مدير يريد انتي ..
عقدت أحلام جبينها و هي تهب وافقة على قدميها ..
- يباني ..؟!
- أيوا ..
أغلقت أحلام الملف الذي كان أمامها لتقول بسرعة ..
- خلاص أنا بسير ..
خرجت هي و سوما من المكتب و توجهت لوحدها نحو مكتب المدير .. كانت متوترة بعض الشيء و هي تبتهل لأن لا تكون دعوته سببها طلب تقارير منها ..
فهي لم تبدأ بأي أعمال مكتبيه حتى الآن ..!!
توقفت أمام بابه لتمد أناملها و تطرقه بلباقة .. رفع رأسه من أوراقه التي كان غارقا بها .. و هو يصيح ..
- تفضل ..
تقدمت بهدوء و هي تسأله ..
- بو عبد الرحمن .. طلبتنيه ..؟!
ابتسم بهدوء و هو يقول بصوته القوي ..
- هيه تفضلي دكتورة ..
جلست أحلام على الكرسي المقابل لمكتبه لتنظر اليه باهتمام .. أما هو فأعاد نظره لوريقاته الأثير و هو يقول ..
- دكتورة بغيت أرمسج في الموضوع لي انتي فتحتيه ويايه ن كم يوم ..
اعتصرت أحلام مخها بلهفة .. و هي تفكر .. أي موضوع يا ترى ..؟! ثم فجأة لمعت عيناها ..
- موضوع المدرس مال سهيلة ..
أومأ برأسه و هو يجيب بهدوء ..
- هيه .. أنا قدمت طلب ع الموضوع .. و اليوم الصبح ردو عليه ..
لم تكن بحاجة لأن تسأله فالابتسامة المرتاحة على ثغره أكدت لها بأن كل شيء على ما يرام ..
- وافقوا ..؟!
- هيه ..
كادت أحلام أن تقفز فرحة لتتراقص بسعادة ..
- الله يبشرك بالخير يا بو عبد الرحمن ..
ثم هبت واقفة من مكانها ..
- أنا بسير أبشرها .. اسمحليه ..
هز رأسه و توجهت نحو الباب مسرعة .. ثم أوقفها صوته ..
- دكتورة أحلام ..
التفتت نحوه باستفهام .. ليقف على قدميه و هو يقول بهدوء ..
- أبا أشكرج ع الجهد و المراعاة لي تبذلينها و يا المرضى هنيه .. حماس ما قد شفته من لي سبقنج و إخلاص حقيقي ..
ثم قال بقوة ..
- شرفنيه الشغل وياج يا دكتورة ..
.
.
كانت هذه الكلمات البسيطة بمثابة أكبر إطراء قد تلقته في حياتها كلها من رجل كأبو عبد الرحمن ..
رجل كان من الصدق في تعامله ما لم تره في حياتها قط ..
همست بقوة و هي تشعر بعبرات التأثر تسد حلقها و هي تنظر له بتبجيل و احترام ..
- الشرف ليه يا حضرة المدير ..


* * * * *



تلك الليلة خيم الظلام بصمت مهيب .. ببرودته الشديدة ..
لا يشبه أبدا الفوضى العارمة بين أضلعه ..!!
.
.
.
.
.
خرجت هي من المطبخ تمسح يديها في منشفة و توجهت لغرفة النوم .. أما زال نائما ..؟!
كان أمره غريبا .. !!
رفض تناول الغداء .. و لم يخرج للصالة الرياضية ..
لم يبارح الفراش قط منذ عادت للبيت .. إجاباته المبتورة كانت تفحم أسئلتها عن حاله ..
دفعت باب الغرفة لتجدها خالية .. أين هو ..؟!
المكتب أيضا كان خالي ..!!! عقدت جبيها و القلق يتفاقم داخلها .. توجهت إلى الشرفة الخلفية ..
تنهدت براحة شديدة و هي تراه جالسا .. ينظر للحديقة أمامه مديرا ظهره لها .. الجو قارص البرودة من حولها ..
تعلم جيدا أنه لم يكن طبيعيا أبدا اليوم .. ليس على عادته ..
لم يبدو جافا أو مرحا .. لم يبدو كعادته ..
أو حتى على غير عادته ...!
كان خاليا من الإحساس نوعا ما ..!!
تقدمت ببطء شديد لتجر كرسيا و تضعه قرب كرسيه لتجلس عليه .. لفحتها موجة من الهواء البارد لتضم نفسها تحاول البحث عن الدفء .. في حين ظل هو جامدا بلا حراك ..
نظرت لجانب وجه و هي تهمس ..
- منصـــــور ..!
.
.
لثوانٍ قليلة ظنت أنه لم يسمعها .. و كادت أن تناديه مجددا ..
و لكنه التفت إليها ببطء شديد .. و راح خافقها يضرب بعنف حتى شعرت به يصل لحلقها ..
نظرة لم ترها يوما تسكن في عينيه .. شيء لم تلمسه قبلا في إحساسه ..
رؤية المدائن خربة .. محطمة .. تحترق أسقفها ..
و تنهار جدرانها ..
و يفجع أهلها ..!
نظرة نهاية .. أو حتف ..
تسكن عينيه و هو ينظر لوجهها و كأنه لا يراه ..
تعود لتهمس بخوف و هي تلامس كتفه ..
- منصور ... بلاك ..؟!
ينظر ليدها نظرة خاوية .. لم يجبها ..
حتى أصبح الصمت ثقيلا .. يجثم على أنفاسها .. عادت تلح عليه ..
- منصور رد عليه ..؟!
انتكس رأسه .. فوخز شيء ما قلبها بقوة .. هو ليس على ما يرام إنها متأكدة من ذلك ..


الساعة الآن 09:33 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية