منتديات ليلاس - عطر البنات

عندما أمشي وحدي في هذه الأيام الباردة أكون قد احتطت كثيرا من نزلات البرد.. أمشي في طريق مستقيم.. في شارع أو زقاق وغالبا ما أتجنب وسط الرصيف لنصائح قديمة لأمي.. كم أشتاق إليك يا أمي.. ! ولأنني لا أتأنق كثيرا فأني لا أتعطر كثيرا أيضا.. العطر متفق مع اللباس، كيف ذلك؟
زعموا أن اللباس الأنيق الغالي (الشيك) يلزمه العطر الرفيع الراقي.. كما أن -يا سبحان الله- العطر الرديء يرتبط به اللباس المتواضع.. ويوجد "البين بين" أيضا أي بين المنزلتين: الرفيع والوضيع.. (أقول هذا فقط لأتنصل من المنزلة الوضيعة ولئلا أنتسب إلى المنزلة الرفيعة.. إنها مناورة!)
قلت أخرج وفي يدي حقيبتي وأمشي وحدي مثل العادة وأجتاز المارة أو يجتازونني وغالبا ما كنت أقصد الكلية التي أدرس بها في شارع أنيق مصفوف بشجيرات مقصوصة ببراعة وحدائق مسورة ورصيف مميز.. حيث لا تحتاج إلى ملمع أحذية كثيرا.. أستقبل أناسا وأستدبر آخرين.. كثيرين أو قليلين.. ويكون تواصلنا بنظرات ورمقات وأنفاس وربما تماس.. ويكون التواصل الأبلغ الرجّة التي يُحدثها اقتراب جسم ما مني في الهواء.. يمر بقربي ويترك لي هواء هو جزء من الهواء الذي نتنفسه وجزء منه هو؛ الهواء الذي يحيط به ويلزمه.. ويفزع إلي ضمن ذلك كله العطر الرفيع أو الوضيع أو البين بين.. عطر البنات.. هو عنوان غير جيد لهذا النص لأنني أعمم.. أنا أتحدث أيضا عن النساء عموما، عن عطرهن.. ولماذا البنات بالضبط..؟ تعجبني كلمة الصبايا التي يستعملها الشاميون كثيرا.. ولماذا لا أستعملها.. أولا لأنني لست بشامي والثانية -وهذا هو الأهم- أنها تُبعد مقصودي.. أنا لا أتصور الصبية في ذهني، أنا أتحدث عن البنت، وهذا في استعمالي اليومي.. إذا استعملت غيرها فإني أحلم.. أو أتحالم.. لا يهم..
وعندما أمشي وحيدا في الشارع الوحيد هناك وأرمق بنات آتيات إلي من بعيد يمشين في تؤدة أو عجل.. صامتات وفي الغالب متلكلمات بشراهة.. أو يستمعن الـ MP3 في جهاز مشترك.. أكون على يسارهن غالبا ويوشكن على الدنو مني.. وغالبا ما أكون قد خبرت وجوههن ولباسهن ونظراتهن.. وتمر الأخيرة من يساري بقربي فأكتشف شيئا آخر فيها.. نلتقي في زمن يقدر بجزء من المئة ونفترق فيقفز إلي ذاك الهواء محمّلا بالعطر الذي أنتشي به.. يهفو الي ويستعمرني في لحظة مخطوفة.. يمر عبر فجوتي أنفي إلى دواخلي فأستسيغه مثل قصيدة حب مغنّاة باتقان.. ذاك العطر.. وأقول في نفسي: لقد كان رأي الدين في هذه المسألة صريحا ونهى عن تطيب المرأة لغير زوجها..
أعاود مشيتي فتعود العطور.. لكنها غالبا ما كانت تختلط بأشياء أخرى ليست كلها طيبة الرائحة.. لا اريد أن أتجنى على الإناث (أرأيتم لقد استعمل الكاتب مصطلحا ثالثا للدلالة على الجنس اللطيف: 1. البنات. 2. النساء. 3. الاناث. ولقد استعملت أنا أيضا مصطلحا رابعا 4 . الجنس اللطيف.. ربما لأن المرأة (الخامس) كائن غامض..)
عطر البنات.. عطر يُنتقى بمهارة وبتفان.. أكثر من بعض الألبسة المخفية.. قال بعض الشعراء:"أنا تعجبني رائحة المرأة عندما تستحم.." ولكنه للأسف لم يتزوج ليعرف رائحة المرأة عندما تصحو من نومها.. يا أخي ورائحة الرجال كيف هي .. جيدة؟ !
لذلك خلق الله العطر.. إنه ستار للخفايا وأكثر من ذلك هو جمال... آه أنت تسعى لتعريف العطر.. فما العطر؟ العطر.. العطر.. اسمع هذا الكلام في لسان العرب:"العِطْرُ: اسم جامع للطِّيب، والجمع عُطورٌ. والعطّار: بائعُه، وحِرْفَتُه العِطَارةُ. ورجل عاطرٌ وعَطِرٌ ومِعْطِير ومِعْطارٌ وامرأَة عَطِرةٌ ومِعْطيرٌ ومُعَطَّرة: يتعهّدان أَنفُسهما بالطيب ويُكْثِران منه، فإِذا كان ذلك من عادتِها، فهي مِعْطار ومِعْطارة.." تعريف جيد لكن عطر البنات؟ سؤال في محله ألا يكون قر يبا من لعبة البنات..؟ لعبة البنات . . وما هي؟ إنها الدمية التي تلعب بها البنات وقد كانت معروفة عند العرب وحولها كلام كثير عند أهل الحديث والتفسير.. لأنها ممثَّلة أي مصوَّرة.. وقد جوّز الرسول صلى الله عليه وسلم اللعب بها لعائشة رضي الله عنها.. لكن ما عطر البنات...؟ عطر البنات... عندما أمشي وحيدا وفي الشارع الوحيد الأنيق ويقفز إلي.. و...
مدونتي:
onamir2006.maktoobblog.com