منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات أونلاين و مقالات الكتاب (https://www.liilas.com/vb3/f743/)
-   -   *^* الدراسات العلمية لـ د.نبيل فارق للقراءة في هذا الموضوع *^* (https://www.liilas.com/vb3/t46072.html)

بيجاسوس 24-07-07 08:36 AM

*^* الدراسات العلمية لـ د.نبيل فارق للقراءة في هذا الموضوع *^*
 
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

صباح الخير

في هذا الموضوع سيتم وضع الدراسات العلمية لكاتبنا العزيز و المحبب

د.نبيل فاروق

فيالا بينا نتابع



رسالة صديق


من المؤكد أن (ثيواردويلار) المذيع المعروف بإذاعة مدينة (شارلوت) الأمريكية لن ينسى أبداً أحداث تلك الليلة ..

ليلة العاشر من يونيو عام 1962 م ..

ليس هذا لأن (هيوارد) قد أجرى حديثاً إذاعياً ممتازاً فى هذا التاريخ ..

ولا لأنه حصل على ترقية ، أو علاوة ، أو حتى ابتسامة من رئيسه فى العمل..

بل لأنه تلقى فيه رسالة ..

هل أدهشكم الأمر ؟!..

دعونا إذن نشرح الأمر منذ البداية ..

فى ذلك اليوم انتهى (هيوارد) من عمله بدار الإذاعة ، وعاد إلى منزله فى منتصف الليل تقريباً ، فتناول طعام العشاء ، واستعد للذهاب إلى فراشه ، بنفس الروتين اليومى ، الذى اعتاده منذ سنوات ..

وفجأة تجمد (هيوارد) فى مكانه ، وبدا لزوجته لحظة أشبه بتمثال من الشمع، لرجل مذعور ، اتسعت عيناه وانفغر فاه ..

وفجأة أيضاً ، التفت (هيوارد) إلى زوجته (بات) ، وقال فى توتر ..

- أسمعت الصوت ؟

سألته زوجته فى قلق :

- أى صوت ..

قال فى حيرة :

- صوت ارتطام السيارة .. هناك حادثة سير .

رددت فى قلق أكثر :

- حادثة سير ؟! .. إننى لم أسمع شيئاً .

خيل إليها أنه حتى لم يسمعها وهو يندفع نحو حجرته قائلاً :

- سأستطلع الأمر ، وأعود إليك على الفور .

هوى قلبها بين قدميها ، عندما رأته يرتدى ثيابه فى عجل ، ويسرع إلى حيث سيارته .

وتساءلت فى هلع : "هل أُصيب (هيوارد) بالجنون ؟" ..

هل فقد عقله ، مع شدة انهماكه فى عمله ؟ ..

فكرت فى الاتصال بطبيبهما الخاص ، خشية أن تكون حالة (هيوارد) شديدة الخطورة ، ولكن (هيوارد) لم يمهلها الوقت لهذا ، فقد انطلق بسيارته ، قبل حتى أن تتخذ قرارها ..

وبالنسبة إليه ، كان الأمر أكثر حيرة ..

لقد سمع صوت اصطدام السيارة فى وضوح ، ولكنه لم يجد سيارة واحدة تتحرك ، عندما غادر البيت ..

وهو واثق مما سمع ..

وعندما أدار محرك سيارته ، لم يكن يدرى بعد ، إلى أين يتجه ..

ولأن منزله يقع عند نقطة تتفرع منها عدة طرق ، فقد كان عليه أن يتخذ قراره باختيار الطريق الصحيح الذى يتخذه ليصل إلى منطقة التصادم ! ..

وبلا تردد ، وبثقة لم يدر من أين حصل عليها ، انطلق مباشرة إلى شارع (بارك) ، وعندما بلغ تقاطع (وودلون) انحرف يميناً ليهبط التل فى ثقة ، وكأنه يعلم مسبقاً إلى أين يتجه ..

وعندما بلغ موقع تجمع مراكب صيد الجمبرى ، وجد نفسه يتخذ طريق (مونتفورد درايف) ، بنفس الثقة العجيبة ..

وقطع (هيوارد) ستين متراً فحسب ، فى طريق (مونتفورد) ، ثم وجد نفسه يتوقف فجأة ..

هنا .. فى هذه النقطة بالذات ، وحيث لا يوجد أى شئ محدود ، كان يشعر بضرورة الخروج عن الطريق الرئيسى ..

ومجنون هو من يفعل هذا ، فى الواحدة صباحاً ..

(هيوارد) العاقل يعلم هذا ، ولكن (هيوارد) الذى يقود السيارة لم يمكنه مقاومة هذه الرغبة ، فانحرف يميناً وخرج عن الطريق ، واتجه مباشرة نحو شجرة ضخمة ترتفع وسط طريق رملى يمتد إلى ما لا نهاية ..

وهناك رأى السيارة ..

رآها فجأة على ضوء مصباح سيارته ، فضغط كامح السيارة فى قوة ، وتوقف إلى جوار السيارة التى ارتطمت مقدمتها بعامود معدنى ، على مقربة من جذع الشجرة ، وانتزعت الضربة محركها ، ودفعته إلى حيث مقعدها الأمامى ، من شدة الاصطدام وعنف الصدمة ..

وغادر (هيوارد) سيارته ، وأسرع نحو السيارة المصابة ..

ولم ير (هيوارد) أحد داخل السيارة ، ولكنه سمع من داخلها صوتاً ضعيفاً وهاناً، يقول :

- النجدة يا (هامبى) .. انقذنى .

وقفز قلب (هيوارد) بين ضلوعه فى هلع ، وانقض على السيارة ، وراح يفحص حطامها وهو يهتف :

- أنا هنا يا (جو) .. سأنقذك يا صديقى .

وأخيراً عثر (هيوارد) على صديق عمره (جون فندربيرك) محشوراً وسط الحطام ، ومصاباً بجروح شديدة والدماء تنزف منه فى غزارة ..

وحمل (هيوارد) صديق عمره إلى سيارته ، وانطلق به إلى أقرب مستشفى ، حيث أجريت جراحة عاجلة لـ (جون)، تمكن خلالها الأطباء من إنقاذ حياته بمعجزة ، وقال الجراح الدكتور (فيليب ماك آرنى) ، الذى أجرى العملية لـ (جون): إنه لو تأخر (هيوارد) عن إنقاذ صديقه ربع ساعة أخرى ، للقى (جون) مصرعه وسط الحطام ، دون أن يشعر به مخلوق واحد ..

وهذا صحيح ..

فالتقرير الذى نشرته جريدة (شارلوت نيوز) يقول أنه ، وعلى الرغم من أن طريق (مونتفورد درايف) هذا طريق شديد الحيوية ، إلا أن أحداً لم يمر به منذ وقع الحادث ، وحتى مرور 45 دقيقة من إنقاذ (هيوارد) لصديقه ..

والعجيب أن (هيوارد) قد سمع صوت الحادث على بعد عشرة كيلو مترات ، فى نفس اللحظة التى اصطدمت فيها سيارة (جون) بالعامود ، وقد أثبتت الأبحاث أنه لم يقع أى حادث مماثل ، فى دائرة قطرها خمسين كيلو متراً من منزل (هيوارد) ..

وبسؤال (جون) ، قال : إن أول ما فكر فيه ، عندما ارتطمت سيارته ، هو صديق عمره (هامبى) .. وهو الأسم الذى يخاطب به (هيوارد) منذ طفولتهما ..

ولكن كيف حدث هذا ؟ ..

كيف استقبل (هيوارد) رسالة صديقه ؟ ..

دعنا نسأل العلماء ..

وهؤلاء العلماء يقولون : إن (هيوارد) قد تلقى رسالة عقلية من صديقه (جون) بوسيلة خارقة من وسائل التخاطب العقلى ، تعرف باسم التخاطر ، أو (التليباثى) ..

ويقول العلماء أيضاً : إن الظروف التى تم فيها إرسال واستقبال هذه الرسالة ظروف مثالية ، إذ أن المادة المسئولة عن تقوية إرسال التخاطر العقلى ، هى مادة (الأدرينالين) ، التى يتم إفرازها عن التوتر والقلق والخوف ، والإصابة ، أما المادة المسئولة عن استقبال الرسائل ، فهى مادة (الكولين استراز) ، وهى مادة تفرز عند الاسترخاء والهدوء النفسى ..

وعندما حدث التصادم ، كان (جون) فى حالة (أدرينالجيا) ، أى فى حالة إفراز شديد للأدرينالين ، فى حين كان (هيوارد) يهم بالنوم ، أى كان فى حالة (كولينرجيا)، أى استرخاء كولينى ، وهذه الظروف المثالية تماماً لنقل واستقبال رسالة عقلية تخاطرية ..

ولكن كل هذه الأمور مجرد دراسات غير مؤكدة ، ونظريات غير موثوق بها..

المهم أن (هيوارد) قد تلقى رسالة (جون) ..

أما بالنسبة لكيف ، فلندع هذا للدارسين ، ولعلماء الظواهر الخارقة ..

ولما وراء العقل ..






بيجاسوس 24-07-07 08:38 AM


الذين ذهبوا ...


"إنها (أطلانطس) .."

صرخ طيار مدنى بهذه العبارة ، وهو يقود طائرته فوق جزر (بهاما) عام 1968 ، عندما شاهد مع زميله جزيرة صغيرة تبرز من المحيط بالقرب من جزيرة (بيمن) ، وأسرع يلتقط آلة التصوير الخاصة به ، ويملأ فيلمها بصور لذلك الجزء من القارة المفقودة ، التى ألهبت الخيال طويلاً .. قارة (أطلنطس) ..

ولكن لماذ تصور الطيار وزميله أن هذا الجزء ، الذى يحوى أطلالاً قديمة ، هو جزء من قارة الخيال والغموض ؟ ..

إن الجواب يعود إلى يونيو 1940 ، عندما أعلن الوسيط الروحى الشهير (إدجار كايس) ، واحدة من أشهر نبوءاته ، عبر تاريخه الطويل ، إذ قال إنه ، ومن خلال وساطة روحية قوية ، يتوقع أن يبرز جزء من قارة (أطلنطس) الغارقة، بالقرب من جزر (بهاما) ، ما بين عام 1968 م ، و 1969 م .

ولقد اتهم العديدون (كايس) بالشعوذة والنصب ، عندما أعلن هذه النبوءة ، وعلى الرغم من هذا ، فقد انتظر العالم ظهور (أطلنطس) بفارغ الصبر ..

وكان لظهور ذلك الجزء ، فى نفس الزمان والمكان ، اللذين حددهما (كايس) فى نبوءته ، وقع الصاعقة على الجميع .. مؤيدين ومعارضين ؛ إذ كان - فى رأى الجميع - الدليل الوحيد الملموس ، على وجود (أطلنطس) ..

هذا لأن قارة (أطلنطس) ظلت دائماً مجرد أسطورة ، يعجز أى عالم أو باحث أثرى ، مهما بلغت شهرته وخبرته ، عن إثبات أو نفى وجودها بصورة قاطعة جازمة ..

والحديث عن (أطلانطس) يعود إلى زمن قديم ، أقدم مما يمكن أن تتصور ، فلقد ورد ذكرها - ولأول مرة - فى محاورات (أفلاطون) ، حوالى عام 335ق.م ففى محاورته الشهيرة ، المعروفة باسم (تيماوس) ، يحكى (كريتياس) أن الكهنة المصريين استقبلوا (صولون) فى معابدهم ، وهذه حقيقة تاريخية ، ثم يشير إلى أنهم أخبروا (صولون) عن قصة قديمة ، تحويها سجلاتهم ، تقول : إنه كانت هناك امبراطورية عظيمة تعرف باسم (أطلانطس) ، تحتل قارة هائلة ، خلف أعمدة (هرقل) - مضيق جبل (طارق) حالياً - وإنها كانت أكبر من شمال (أفريقيا) و (آسيا) الصغرى مجتمعتين ، وخلفها سلسلة من الجزر ، تربط بينها وبين قارة ضخمة أخرى ..

وفى نفس المحاورة ، وصف (كريتياس) (أطلانطس) بأنها جنة الله (سبحانه وتعالى) فى الأرض ، ففيها تنمو كل النباتات والخضراوات والفواكه ، وتحيا كل الحيوانات والطيور ، وتتفجر فيها ينابيع المياه الحارة والباردة ، وكل شئ فيها نظيف جميل طاهر ، وشعبها من أرقى الشعوب وأعظمها ، له خبرات هندسية وعلمية تفوق - بعشرات المرات ما يمكن تخيله ، فى عصر (أفلاطون) ، إذ وصف (كريتياس) إقامتهم لشبكة من قنوات الرى ، والجسور ، وأرصفة الموانى التى ترسو عندها سفنهم وأساطيلهم التجارية الضخمة ..

ثم يحكى (كريتياس) عن الحرب بين الأثينيين والأطلانطيين، ويصف كارثة مروعة ، محقت الجيش الأثينى ، وأغرقت (أطلانطس) كلها فى المحيط ..

وإلى هنا تنتهى المحاورة ..

وتبدأ المشكلة ..

مشكلة (أطلانطس) ..

ففى البداية ، تعامل الباحثون مع محاورة (أفلاطون) ، بصفتها رواية مثالية، لوصف المدينة الفاضلة (يوتوبيا) ، وأنها مجرد خيال لا أكثر ..

ثم دس العلماء أنفهم فى الأمر ..

والسبب الذى جعل العلماء يفكرون فى قصة (أطلانطس) ، هو أن فكرة وجود قارة وسيطة ، تربط ما بين (أفريقيا) و (أمريكا) ، كانت تملأ الأذهان ، تثير اهتمام العلماء ، الذين يتساءلون عن سر وجود تشابه حضارى ما بين العالمين، القديم والجديد ، ويبحثون عن سبب علمى ومنطقى ، لوجود نفس النباتات والحيوانات فى قارتين تفصل بينهما مساحة مائية هائلة ..

وفى الوقت نفسه كانت هناك تلك الظواهر الحضارية المدهشة ، التى يجدها العلماء وسط أماكن لم تشتهر أبداً بالحضارة ، مع وجود أساطير متشابهة فى تلك الأماكن ، تشير إلى أن الآلهة جاءت من حضارة أخرى ، وضعت كل هذا ..

وجاء وجود (أطلانطس) ، ليضع تفسيراً لكل هذا الغموض ..

كان وجود قارة متقدمة فى هذا الزمن القديم يريح عقول الجميع ، ويفترض وجود شعب متطور ، بنى حضارته فى قلب الأرض ، ونشر أجزاء منها فى كل القارات ..

ولكن أين الدليل على وجود (أطلانطس) ذات يوم ؟ ..

إن قصة (أفلاطون) ما زالت تتأرجح ، ما بين الخيال ونصف الخيال والحقيقة، فعلى الرغم من أن محاورة (كريتياس) تشير إلى أن المصريين هم الذين أخبروا المشرع الأثينى (صولون) بقصة (أطلانطس) ، إلا أننا لا نجد ذكراً لهذه القصة عند المصريين أنفسهم ، وفى الوقت نفسه لا يوجد دليل واحد ، على أن (أثينا) كانت يوماً بهذه القوة التى تمكنها من التصدى لحضارة متطورة كحضارة (أطلانطس) ..

وفى نفس الوقت ، نجد من بين العلماء من يؤكد وجود (أطلانطس) ، ويشير إلى أن (أفلاطون) أخطأ التاريخ والزمن فحسب ، أو أنه كان يستخدم تقويماً يختلف عن التقويم ، الذى نستخدمه الآن ، وحجتهم فى هذا هى كشف حقيقة وجود مدينة (طرواده) ..

و (طرواده) هذه مدينة أسطورية ، ذكرها (هوميروس) فى ملحمتيه الشهرتين (الإلياذة) و (والأوديسا) ، حوالى عام 850 ق.م ، أى قبل (أفلاطون) بخمسة قرون ، وظل الدارسون يعتقدون أن (طرواده) مجرد خيال ، من بنات أفكار (هوميروس) ، حتى جاء الألمانى (هنريش شوليمان) عام 1871 م ، لينتشل (طرواده) من التراب ، فى (هيسارليك) ، فى شمال غرب (تركيا) ..

وبعده جاء سير (آرثر إيفانز) ، ليؤكد أن (قصر التيه) ، الذى جاء ذكره فى أسطورة (المينوتوروس) حقيقة ، ويثبت وجوده بالفعل عام 1900 م ..

فلماذا لا ينطبق هذا على (أطلانطس) ؟

ما دام (شوليمان) و (إيفانز) قد عثرا على أسطورتين ، فلماذا لا يعثر ثالث على أسطورة ثالثة ، ويثبت أن (أطلانطس) حقيقة واقعة ؟ ..

ومن هذا المنطلق بدأت عشرات المحاولات ، لإثبات وجود (أطلانطس) ، وراح العلماء يبحثون عن أماكن أخرى ، بخلاف المحيط الأطلسى ، يمكن أن تكون المهد الحقيقى للقارة المفقودة ، فأشار الفيلسوف البريطانى (فرانسيس بيكون) إلى أن (أطلانطس) هى نفسها قارة (أمريكا) ، وأكد البريطانى (فرانسيس ويلفورد) أن الجزر البريطانية هى جزء من قارة (أطلانطس) المفقودة ، فى حين اقترح البعض الآخر وجودها فى (السويد) ، أو المحيط الهندى ، أو حتى فى القطب الشمالى .. ثم جاءت نبوءة (إدجار كايس) ، لتضع قاعدة جديدة للقضية كلها .. وبعد ظهور جزيرة (كايس) الصغيرة ، والمبانى ، أو الأطلال الأثرية فوقها ، قرر باحث وأديب وغواص شهير ، يدعى (تشارلز بيرليتز) ، أن يبحث عن (أطلانطس) فى نفس الموقع ، وبدأ بحثه بالفعل ، ليلتقط عدداً من الصور لأطلال واضحة ، فى قاع المحيط ، ومكعبات صخرية ضخمة ، ذات زوايا قائمة ، مقدارها تسعين درجة بالضبط ، مما يلغى احتمال صنعها بوساطة الطبيعة وعوامل التعرية وحدها ..

ولم يكن هذا وحده ما تم العثور عليه ، فى تلك المنطقة من المحيط .. لقد عثر الباحثون ، بالقرب من سواحل (فنزويلا) ، على سور طوله أكثر من مائة وعشرين كيلو متراً ، فى أعماق المحيط ، وعثر السوفيت ، شمال (كوبا) على عشرة أفدنة من أطلال المبانى القديمة ، فى قاع المحيط ، وشاهدت ماسحة محيطات فرنسية درجات سلم منحوتة فى القاع ، بالقرب من (بورتريكو) ..

وعلى الرغم من هذا فالجدل ، حول حقيقة (أطلانطس) ما يزال قائماً ..

والنظريات أيضاً لم تنته ..

ومن بين هذه النظريات نظرية تقول : إن سكان (أطلانطس) قد أتوا من كوكب آخر ، فى سفينة فضائية ضخمة ، استقرت على سطح المحيط الأطلسى ، وأنهم انتشروا فى الأرض وصنعوا كل ما يثير دهشتنا فى كهوف (تسيلى) بـ(ليبيا) ، وبطارية (بغداد) ، وحضارة (مصر) ، وأنهم كانوا عمالقة زرق البشرة، (وهناك إشارة إلى هذا فى بعض الروايات بالفعل) ، ثم شن الأثينيون حرباً عليهم، فنسفوا الجيش الأثينى بقنبلة ذرية ، أو ما يشبه هذا ، وبعدها رحلوا ، وتركوا خلفهم كل هذه الآثار ..

من أصحاب الدم الأزرق ، أو الدم النبيل ..

حتى اللون الأزرق ، أطلقوا عليه اسم (اللون الملكى) ..

وهناك نظرية أخرى ، تربط ما بين (أطلانطس) وجزيرة (كريت) ، حضارة (أطلانطس) ، كما أشار البروفيسير (ك.ت.فروست) عام 1909 م فى (لندن) ، حيث قال : إن كل شئ فى (كريت) يتشابه مع ما ذكره (أفلاطون) عن (أطلانطس) فكل من الحضارتين نشأت فى جزيرة ، وكلتاهما لقيت نهاية مفاجئة، كما أنه هناك مراسم صيد الثيران ، والميناء العظيم ، والحمامات الضخمة ، والملاعب الرياضية، وكل الأشياء الأخرى التى عثر عليها سير (إيفانز) فى (كريت) ، والتى ذكرها (أفلاطون) فى محاورة (كريتياس) ..

ويؤيد البروفيسير (ج.ف.لوتش) هذا ، فى كتابه (نهاية أطلانطس) ، ويؤكد أن اختفاء (أطلانطس) معنى مجازى ، وليس حقيقياً ، وأنها لم تغرق فى قاع المحيط ، وإنما تعرضت لكارثة أودت بها ، مثل كارثة بركان (ثيرا) ، وبركان (كراكاتوا) عندما ثار البركان ، ودمر جزيرة كاملة ..

وهناك احتمال يقول إن قصة (أفلاطون) هى تحوير للقصة الفعلية ، التى سمعها (صولون) فى (مصر) ، بعد أن تناقلتها الألسن والذاكرة لقرون كاملة ، قد تتغير خلالها رواية الأحداث ، وأسماء الأشخاص والأماكن ..

واسم (أطلانطس) نفسها ..

وكالعادة ، تفتقر كل هذه النظريات إلى الدليل ..

الدليل العلمى القوى ..

وحتى لحظة كتابة هذه السطور ، ما زال عشرات العلماء يبحثون عن قارة (أطلانطس) ، التى أصبحت قارة الغموض والخيال فى عقول العلماء والأدباء ..

عشرات النظريات تحدثت عنها ..

مئات المقالات والكتب كتبت أسمها ..

أعداد لا حصر لها من الروايات الخيالية ، تفترض وجودها والعثور عليها ، وينسج الخيال مغامرات مثيرة داخلها ، عن حضارتها وتقدمها .. وعن شعبها الغامض ..

أولئك الذين أقاموا أكثر حضارات التاريخ غموضاً وإثارة ..

الذين تزعموا العالم يوماً ..

والذين ذهبوا ..

وبلا عودة ..


بيجاسوس 24-07-07 08:40 AM


حيث يبدأ العدم

"اختفى السرب التاسع عشر ، بقيادة الملازم (تشارلز تايلور) ، دون سابق إنذار، ولم يتم العثور على جناح طائرة واحدة منه .." .

كانت هذه هى الإشارة ، التى تلقاها قائد القوات الجوية الأمريكية ، من قاعدة (فورت لاديرديل) فى (فلوريدا) ، فى الثانية بقليل ، والتى كانت بمثابة قنبلة ذرية ثالثة ، يفوق تأثيرها فى نظر القيادة الأمريكية ، والعالم فيما بعد ، تأثير قنبلتى (هيروشيما) و (ناجازاكى) ..

لقد كانت إشارة البدء لواحد من أعقد وأعظم ألغاز العصر ، وكل العصور السابقة ..

لغز مثلث (برمودا) ..

ففى ذلك اليوم : 5 من ديسمبر 1945 ، انطلق سرب من الطائرات البحرية بقيادة (تشارلز تايلور) فى رحلة تدريبية ، وكل طائرة مجهزة بالقنابل ، ومملؤة بوقود يكفى طيرانها لآلاف الكيلو مترات ، وكانت الرياح شمالية شرقية معتدلة ، ودرجة الحرارة ملائمة ، وكل الأحوال الجوية والمناخية مثالية للطيران ..

وفى الثانية تماماً بدأت الرحلة التدريبية ، وراح (تشارلز) يرسل ملاحظاته لاسلكياً ، وطائرات سربه تتدرب على الانقضاض والقصف ، كما يحدث فى كل مرة وبدا كل شئ عادياً مألوفاً ..

وفجأة .. فى تمام الثالثة والربع ، تلقى برج المراقبة رسالة مضطربة من (تشارلز تايلور) يقول فيها :

- هناك شئ عجيب يحدث .. لم نعد على ما يرام .. لا يمكننا حتى أن نرى الأرض ..

وعندما سأله مراقبو الطيران عما يعنيه بهذا ، أجاب فى توتر :

- لست أدرى .. المحيط لا يبدو كما اعتدنا أن نراه .. وكل شئ تعطل .. البوصلة والدفة .. كل شئ .

وبعدها انقطع الاتصال بسرب الرحلة التاسعة عشرة تماماً ..

وتفجرت حالة ذعر عامة ، فى كل أفرع الجيش وقياداته ، فلقد انتهت الحرب العالمية الثانية منذ شهور قليلة ، وبـدأ الجميع استرخاءهم ، وبدا المستقبل مشرقاً ، ثم جاء هذا الاختفاء الغامض ليقلب كل شئ رأساً على عقب ..

وأصدر قائد القوات الجوية أوامره بضرورة البحث عن هذا السرب المفقود ، واستعادته بأى ثمن ..

وانطلقت السفينة الحربية (مارتن ماريز) لإنقاذ السرب المفقود ، ولكن ..

(مارتن ماريز) اختفت بدورها ..

تلاشت ، كما لو أن البحر قد انشق وبلعها ..

بل لم يبد هذا الاحتمال حتى منطقياً ؛ فلم تسفر عمليات البحث عن العثور على أدنى أثر لطاقمها ، أو حطام وركام أو حتى بقعة زيت ..

لقد تبخرت السفينة ، كما تبخر قبلها سرب (تشارلز تايلور) ..

ذهبوا جميعاً إلى العدم ، فى قلب مثلث الشيطان ..

وبدأت أسطورة مثلث (برمودا)

ومثلث (برمودا) هذا هو مثلث وهمى يقع فى غرب الأطلنطى ، ويمتد من (برمودا) شمالاً إلى (فلوريدا) جنوباً ، ويتجه شرقاً عبر جزر (البهاما) وغرباً حتى خط طول 540 ، ثم يعود إلى (برمودا) ..

والواقع أن حوادث الاختفاء فى مثلث (برمودا) لم تبدأ بحادثة سرب (تشارلز تايلور) ، وإنما هى حوادث قديمة ، يرجع تاريخ بعضها إلى القرون الوسطى ، ولكن قلة السجلات فى هذا العصر ، وقلة عدد الرحلات البحرية أعطتا انطباعاً بأن لغز (برمودا) لم يبدأ إلا فى عصرنا هذا ، فى حين أشار (كريستوفر كولمبس) إلى واقعة اختفاء لواحدة من سفنه هناك ..

وبعد واقعة (تشارلز تايلور) ، وسربه ، بدأت حوادث اختفاء أكثر إثارة ، أشهرها اختفاء سفينة الشحن (مارين سيلفركوين) التى يبلغ طولها 141 متراً ، والباخرة (سايكلوت) ، التى اختفت بكل ركابها ، البالغ عددهم 309 راكب ، وحمولتها البالغة تسعة عشر ألف طن ..

وفى عام 1948 م كانت طائرة جديدة من طراز (ستارتايجر) تعبر منطقة المثلث الغامض ، وعلى متنها طاقهما المكون من ستة أفراد ، وخمس وعشرين راكباً وكان كل شئ يسير على ما يرام ..

ثم اختفت (ستارتايجر) بغتة ..

وكانت هذه الحالة أكثر مدعاة للدهشة ؛ فلم ترسل (ستار تايجر) إشارة استغاثة واحدة ، بل كانت آخر رسالة واردة منها ، قبيل اختفائها بدقائق ، تؤكد أن الطقس جيد وكل شئ يسير على ما يرام ..

وتوالت حوادث اختفاء الطائرات والسفن فى مثلث (برمودا) ..

وبـدأت عمليات البحث العلمى ، والسعى لإيجـاد تفسير عملى منطقى لما يحدث ..

وخرجت عشرات النظريات ..

عالم بريطانى حاول تفسير هذا بقوة التيارات البحرية فى منطقة مثلث (برمودا) وقال إن هذه التيارات يمكن أن تصنع دوامة هائلة ، ذات قوة امتصاص رهيبة ، تبتلع كل ما يقترب منها من السفن ، وكل ما يطير فوقها من طائرات ..

ولكن أحداً لم يهتم بهذه النظرية ؛ إذ أنها لم تعط تفسيراً مناسباً لحوادث الاختفاء المباغتة ، ولا حتى للظواهر المصاحبة لها ، كما أن أحداً لم يسجل وجود تخلخل هوائى ، يشير إلى وجود هذه الدوامة المزعومة ..

ثم جاء الأمريكى (ولبرت ب . سميث) ، وقال إنه توجد مناطق تتلاشى فيها الجاذبية على كوكب الأرض ، مما يؤدى إلى اضطراب البوصلة ، وأجهزة الطيران، ولكن هذا أيضاً لم يفسر الأمر على نحو جيد ، مما جعل أحد العلماء يشير إلى نبوءة قديمة للعالم النفسانى ، والمتنبئ الشهير (إدجار كايس) ، الذى توفى عام 1944 م ، قبيل كشف واختراع أشعة الليزر .

ففى عام 1937 ، أشار (كايس) فى أثناء سقوطه فى غيبوبة عميقة ، إلى أن سكان قارة (أطلنطس) القديمة استخدموا الكريستال والياقوت لتوليد واستخراج الطاقة، وأن جزءً كبيراً من هذه الطاقة قد غرق مع قارتهم ، وأنه سيبقى فى الجزء الغربى من المحيط الأطلنطى ، ليفسد البوصلة ، وكل المعدات الحديثة فوق نقطة غرقه ..

ولم يكن أى مخلوق يعلم حتى هذا التاريخ أنه من الممكن توليد طاقة الليزر من الكريستال أو الياقوت ، أو عبرهما..

وهنا برز احتمال آخر ..

احتمال أن تكون (أطلنطس) هى السر ..

ولاقى هذا الاحتمال قبولاً من ذوى الخيال ، فى حين استنكره كل العلماء ، وكل دارسى غموض مثلث (برمودا) ..

ثم تفجرت أكبر قنبلة فى الموضوع ..

ففى حديث تليفزيونى عام 1974 قال أحد مراقبى المطار ، ممن عاصروا حادثة (تشارلز تايلور) أن القوات الجوية قد أخفت عبارة أرسلها (تايلور) نفسه، قبل اختفاء سربه تماماً ..

"لا تتبعونا .. يبدو أنهم من الفضاء الخارجى" ..

وكان هذا يقلب كل الأمور بالفعل ، ويضع احتمالاً جديداً لم يناقشه أحد من قبل..

احتمال أن تكون هذه الاختفاءات عمليات اختطاف من قبل مخلوقات من كوكب آخر ..

ومرة أخرى وجدت هذه الفكرة مؤيديها ومعارضيها ، ولكن أحداً من مسئولى القوات الجوية لم ينكر أو يستنكر هذه العبارة التى نسبت إلى (تشارلز تايلور) ، مما أيد موقف من يميلون إلى نظرية الاختطاف من الفضاء الخارجى ..

ولكن ماذا عن الذين نجوا من مثلث الرعب ؟ ..

ماذا رأوا ؟ ..

بم شعروا ؟ ..

ماذا قالوا ..

القبطان (هنرى) ملاح قديم فى الخامسة والخمسين من عمره ، قوى الجسد، ممشوق القوام ، يمتلك شركة للإنقاذ البحرى ، ويروى أنه كان يجر بسفينته يوماً باخرة كبيرة ، عندما أطاحت به فجأة سحابة كثيفة للغاية من الضباب ، وخيل له ولبحارته أن الأفق قد اختفى ، وأن السماء قد اختلطت بالماء ، بحيث لم تعد هناك اتجاهات ، وفقدت البوصلة وعيها ، وراحت تدور باتجاه عقارب الساعة فى جنون، وكانت المولدات كلها تعمل بأكثر طاقتها ، ولكنها لم تكن تعطى أية كهرباء، واختفت الباخرة التى يجرونها تماماً وإن بدا الحبل المربوط إليها مشدوداً عن آخره، وهناك مادة كالحليب تحيط بكل شئ ..

ثم اختفى كل هذا بغتة ، وبدا الأفق أخضر اللون لحظات ، وبعدها عاد كل شئ إلى طبيعته ..

ما الذى يعنيه هذا إذن ؟ ..

إن حادثة القبطان (هنرى) مجرد مثال ، وإن اتفقت أقواله مع أقوال وأوصاف العديدين ممن نجوا من هذا الرعب ، وممن شاء لهم القدر ألا يتحولوا إلى رقم آخر ، فى سجل المفقودين ، والضائعين فى هذا العدم ..

وما زال مثلث (برمودا) يحمل كل الغموض ..

حيث تختفى الطائرات ، والسفن ..

حيث يتلاشى البشر ..

وحيث يبدأ العدم ..


بيجاسوس 24-07-07 08:43 AM

من وراء النجوم

هل هناك مخلوقات عاقلة على كواكب أخرى ؟! ..

من المؤكد أنها ليست أول مرة ، تلقى فيها على نفسك هذا السؤال ، بعد كل رواية تقرؤها من روايات الخيال العلمى، وكل خبر تطالعه حول الأطباق الطائرة وظواهرها العجيبة ..

ومن المؤكد أيضاً أنك لم تجد قط جواباً علمياً شافياً لسؤالك ..

إنك تقرأ كثيراً عن مخلوقات العوالم الأخرى ، وترسم فى ذهنك عشرات الصور والتخيلات لهيئتهم ، وللاختلافات بينهم وبين البشر ، وتشاهد بعض الأفلام الخيالية العلمية ، التى ترسم لهم بعض الصور المخيفة ، أو التركيبات العجيبة ، مثل (إى . تى) ، أو تضع على رءوسهم هوائيات مضحكة ، أو تمنحهم بشرة خضراء وزرقاء وبنفسجية ..

ولكنك أبداً لا تقتنع ..

الصورة لا تريح خيالك ، أو تملأ فراغ ذهنك قط ..

ثم إن الفكرة نفسها ما زالت تحمل فى أعماقها بذرة شك ..

بل هى حديقة كاملة من الشك ، تنبت فيها زهرة واحدة من اليقين ..

واليقين هنا لا يأتى من رؤيتك لمخلوقات من كواكب أخرى ..

ولا من القصص التى تقرؤها عنهم ..

إنه يأتى من ثقتك بالله (سبحانه وتعالى) ، الذى خلق المئات من أشكال الحياة، على كوكب الأرض ، وعلى اليابسة ، وفى أعماق البحار ، وحتى فى قلب البراكين، وأنه (عز وجل) قادر على خلق الملايين والملايين من أشكال الحياة الأخرى ، فى غياهب الفضاء ، وفيما وراء النجوم ..

ولكنك - على الرغم من كل هذا - لا تملك دليلاً علمياً واحداً ، على وجود مخلوقات فى كواكب أخرى ..

بل إن العلم كله ، بما توصل إليه من تكنولوجيا الرصد ومراقبة النجوم ، وبما يحمله من نظريات ، حول منشأ الأرض والكواكب ، ومولد المجموعات الشمسية والنجوم ، لا يملك بعد دليلاً مادياً واحداً ، على وجود أية كواكب ، فى أية منظومة شمسية أخرى ..

هذا ما تؤكده كل الكتب والمراجع العلمية ، ويجزم به كل المهتمين والمشتغلين بالفلك ، وكل علماء الفضاء والنجوم..

فيما عدا البروفيسير (جان بيير بوتى) …

وقبل أن نتطرق إلى ما قاله ذلك العالم الجليل ، دعونا نتعرفه أولاً ..

والبروفيسير (جان بيير) هذا يعمل أستاذاً ومدير أبحاث ، فى المركز القومى للأبحاث العلمية فى (فرنسا) ، وهو فيزيائى شهير ، وأخصائى فى علم الكون والفلك وميك[محذوف][محذوف][محذوف][محذوف]ا السوائل ، ورجل عُرف بالجدية والاتزان ، وبالاهتمام الشديد بكل الظواهر العلمية والميتافيزيقية ، وبحسن التحليل والاستنباط ، استناداً إلى مبادئ العلم والمنطق وقوانين الفزياء المثبتة علمياً ..

باختصار ، إنه رجل فوق مستوى الشبهات ، من الناحية العلمية ..

وهذا الرجل هو أكثر من يؤمن - على وجه الأرض - بوجود مخلوقات فى الكواكب الأخرى ..

ليس هذا فحسب ولكنه يؤمن أيضاً بأن هذه المخلوقات تعيش هنا بيننا ..

على كوكبنا (الأرض) ..

وقبل أن تتسرع بالرفض ، أو باستنكار القول ، أو نفى الفكرة تعال نستعرض معاً ما كتبه البروفيسير (جان بيير) ، حول هذا الأمر ..

لقد وجه (جان بيير) صدمة للعالم كله ، وللأوساط العلمية بالذات ، عندما أعلن أنه على اتصال بمخلوقات من كوكب آخر ، منذ ما يقرب من نصف القرن، وأنهم يرسلون إليه رسائلهم بانتظام ، وهذه الرسائل ليست مجرد حديث أو شرح لوجودهم، وإنما تحوى فى بعض الأحيان معادلات فيزيائية مدهشة ، وحلول علمية مذهلة لمشكلات حار فيها أعظم علماء العالم طويلاً ..

ليس هذا فحسب ، وإنما يؤكد البروفيسير (جان بيير) أيضاً أنه ليس الوحيد فى هذا العالم الذى يتلقى رسائل مخلوقات الكواكب الأخرى هؤلاء ، ولكنه واحد من مجموعة كبيرة من العلماء والمفكرين الذين تصلهم هذه الرسائل ، والذين ينبهرون فى المعتاد بكل ما جاء فيها من معلومات وأخبار وحلول ..

وقبل أن يفيق من صدمته راح (جان بيير) يقص ما يعرفه عن زوار الفضاء هؤلاء من واقع رسائلهم التى تعامل معها لربع قرن من الزمان ..

فهؤلاء الزوار ينتمون إلى كوكب يحمل اسم (يومو) (UMMO) ، يبعد عنا بخمس سنوات ضوئية تقريباً (*) ، وجاذبيته تزيد قليلاً عن جاذبية كوكب (الأرض) حتى أن سكانه يشعرون على سطح (الأرض) بأنهم أخف وزناً بمقدار 20 % وكتلة الكوكب تزيد مرة ونصف على كتلة (الأرض) وطول يومه 32 ساعة ، بدلاً من 24 ساعة ، وتمر به فصول أربعة تماماً مثل الفصول المناخية عندنا ، ولكن ليس له أية أقمار ، لذا فليله حالك الظلمة ، ثم إنه لم يمر بمرحلة انشقاق القارات، ولهذا فليس فيه سوى قارة واحدة ، وجنس واحد من الشُقر الطوال القامة ، يتحدثون لغة واحدة ، مما خفض احتمالات نشوب الحروب إلى الحد الأدنى ، وساعد على سرعة التقدم العلمى ، والتطور التكنولوجى ..

وهذا لا يعنى أن كوكب (يومو) هو جنة الله (سبحانه وتعالى) فى الكون ، أو أنه كتلة من الخير الصافى ، فتاريخه يشير إلى أنه ذات يوم ، كانت تحكمه إمرأة مستبدة وضعت نفسها فى مصاف الآلهة ، وحكمت القارة الوحيدة هناك بالحديد والنار ، بوساطة جهاز شركة قوى ، ولكن إحدى خادماتها نسفتها ذات يوم ، فاشتعلت ثورة عنيفة ، كان من نتيجتها أن استولى الشعب على الحكم ، وتم انتخاب مجلس خاص لإدارة الكوكب ، طبقاً لنظام محكم ، يضمن عدم تكرار الموقف ثانية..

وأصبح على سكان (يومو) أن يطورا أنفسهم ، ويسعوا للتفوق والتقدم ..

وذلك يوم التقطت أجهزتهم رسالة ، أو إشارة منظمة ، آتية من أحد الكواكب، فى الكون الشاسع ..

والعجيب أن هذا الكوكب كان كوكبنا (الأرض) !! ..

ولأن كوكبنا كان يبدو لهم أشبه بالمربع (طبقاً لرسائلهم) مع لون أزرق باهت، فقد أطلقوا عليه فى لغتهم اسم (أوياجا) (OYAGAA) ، حيث أن كلمة (OYA) تعنى (المربع) ، و (GAA) تعنى (البارد) … أى أن كوكبنا كان معروفاً عندهم باسم (المربع البارد) ..

وضمن برنامج رحلاتهم الفضائية انطلق رواد الفضاء من (يومو) ؛ لزيارة كـوكـب (الأرض) ، الذى هبطوا فوقه فى الثامن والعشرين من مارس عام 1950 م .

ولقد حدد زوار (يومو) فى إحدى رسائلهم موقع هبوطهم بالتحديد ، ووصفوا كل ما رأوه من هذه النقطة ، وقالوا إنهم أخفوا بعض معداتهم فى مغارة جبلية ، نجحوا فى إخفائها بمهارة ، وتركوا ستة منهم لدراسة اللغة والعادات المحلية ، ثم رحلوا لإبلاغ كوكبهم بنتائج زيارتهم الأولى ..

ولم يترك المهتمون بالأمر هذه المعلومة تمر ببساطة ، بل كونوا فرقة بحث، وانطلقوا إلى النقطة التى حددها زوار (يومو) ، وكانت فى انتظارهم مفاجأة مذهلة..

لقد حاولوا رؤية كل ما جاء بالرسالة ، من الإحداثيات التى حددتها الرسالة ، ولكن ذلك بدا مستحيلاً ، إلا إذا ..

إلا إذا ارتفعت مائة وعشرين متراً عن سطح الأرض ..

من ذلك الارتفاع وحده ، ويمكنك رؤية كل الإحداثيات فى وضوح ..

ليس هذا فحسب ، وإنما عثر الباحثون هناك على أحجار حمراء اللون ، لا تشبه أية عينات جيولوجية (*) معروفة ، على وجه الأرض .. ورسائل (يومو) نفسها مطبوعة على ورق خاص ، من العسير صنع مثله ، إلا باستخدام تكنولوجيا متطورة للغاية ، والختم الذى تحمله تصدر عنه إشعاعات ذرية محدودة ، كما لو أنه مطبوع بمادة مشعة من أحد النظائر ، التى لم يتم الحصول عليها بعد ، فى معامل الكيمياء العادية ، حتى أن (جان بيير) يقول عن هذا :

- كل الدلائل تشير إلى أنه إما أن أصحاب الرسائل هم مجموعة من أكبر علماء الفيزياء ، وأكثرهم عبقرية ، تعاونهم مختبرات تكنولوجية رائعة ، ويسعون لصنع أكبر دعابة فى التاريخ ، وإما أنهم بالفعل من سكان كوكب (يومو) هذا .

والواقع أن (جان بيير) لم يطلق هذا القول من فراغ ، فبحكم كونه عالماً فيزيائياً كان من الطبيعى أن ينبهر بما جاء فى رسائل زوّار (يومو) ، فيما يختص بالحلول الفيزيائية للمشاكل العويصة ..

وخصوصاً حل مشكلة الرنين ..

وهذه المشكلة أقلقت علماء الفيزياء طويلاً ، وهم يحاولون تفسير السرعات الخارقة للأطباق الطائرة ، التى سجلها الطيارون ، الذين حاولوا مطاردتها يوماً، أو وهم يبحثون عن وسيلة لإطلاق مركبات الفضاء الأرضية بسرعات كبيرة دون أن تؤدى هذه السرعات إلى الوصول لنقطة منتهى الرنين ، التى يمكن أن ينهار عندهم جسم المركبة الفضائية تماماً ..

وبينما انهمك أكبر علماء العالم فى دراسة هذه المشكلة ، وعجزوا عن الوصول إلى حل علمى منطقى لها ، وصلتهم فجأة رسالة من زوّار (يومو) ، تمنحهم هذا الحل على طبق من فضة ..

والحل هنا يعتمد على وجود شبكة من الأنابيب ، حول جسم المركبة الفضائية تحوى مادة يمكن تحويلها بسرعة ، من الحالة السائلة إلى الحالة شبه الصلبة (الجيلاتينية) ، وهذه الشبكة تتصل بكمبيوتر خاص ، يقيس درجة الرنين ، التى وصلت إليها جدران المركبة الفضائية ، وعندما تصل إلى درجة قريبة من المستوى الحرج ، يعمل الكمبيوتر على تحويل تلك المادة من الحالة السائلة إلى الحالة الجيلاتينية ، أو العكس بالعكس ..

وهذا يغير مستوى الرنين ، وينهى المشكلة على الفور ..

وكانت الرسالة مذهلة ، بالنسبة للعلماء الكبار ، لما تحمله من حل مباشر وصحيح وبسيط لمشكلة أرهقتهم طويلاً ..

و (جان بيير) يعتبر أن مثل هذه الرسائل هى أكبر دليل على صحة وجود زوّار (يومو) ورسائلهم ، وإلا فكيف تتوصل مجموعة عابثة إلى ما عجز عنه أكبر علماء العالم ؟‍‍

بل كيف عرفت تلك المجموعة أن هذه المشكلة تؤرق العلماء ؟..

وحتى لا تُثار الشكوك حول رواية (جان بيير) هذه ، قام العالم الفرنسى الجاد بإضافة ملحق علمى خاص لكتابه ، يضم صوراً لهذه الوثائق ، مع تحليل علمى دقيقى مفصل مطول ، يكفى لإقناع العلميين ، وإزالة كل شكوكهم ..

وفى هذا الملحق ، أجاب (جان بيير) على أكبر نقطة اعتراض وتشكيك فى قصة زوّار (يومو) كلها ..

نقطة الزمن ..

فمن الطبيعى أن تعلو الأصوات معترضة على سرعة وصول سكان (يومو) إلى كوكبنا ، وعلى رحلتهم القصيرة نسبياً ، والتى تستغرق عامين قياساً بالمسافة التى تفصلنا عنهم ، والتى تبلغ خمس سنوات ضوئية كاملة ..

ولكن رسائل (يومو) نفسها تحمل الجواب ..

لقد تحدثوا فى رسائلهم عن نظرية ، أطلقوا عليها اسم (توءمية الكون) ، هذه النظرية تشبه إلى حد ما نظرية المادة المضادة ، التى وضعها البريطانى (بول دريك) عام 1928 م ، بعد أن صهر عدة معادلات سابقة لنظريتى (الكم) للعالم (ماكس بلانك) ، و (النسبية) لـ (ألبرت أينشتين) ، وتوصل إلى وجود مادة معكوسة تكون نواة الذرة فيها سالبة ، وإليكتروناتها موجبة ..

ونظرية (يومو) تقول : إنه لا يوجد كون واحد ، وإنما هناك كونان توءمان ، تربطهما ببعضهما تلك المناطق ، التى نطلق عليها اسم الثقوب السوداء ، وبالمرور عبر هذه الثقوب السوداء من خلال شبكة اتصالات خاصة تمت دراستها منذ قرون عديدة تستطيع سفن (يومو) الفضائية اختصار الزمان والمكان وعبور ملايين الوحدات الفضائية فى أيام معدودات ..

ومن الطبيعى أن تواجه هذه النظرية هجوماً عنيفاً ..

ولكن هذا لا يعنى أنها نظرية خاطئة ، بل يعنى فقط أنها نظرية ساحقة ، تسحق صحتها كل النظريات التى جاءت قبلها ..

والناس أعداء ما يجهلون ..

حتى ولو كانوا من العلماء …

وبعض هؤلاء العلماء يتساءلون فى سخرية ولماذا لم يعلن سكان (يومو) المزعومون هؤلاء عن وجودهم على نحو صريح ، بدلاً من هذه الرسائل العجيبة الملتوية ؟ ..

وحتى هذا السؤال ، تجد إجابته فى رسائل (يومو) ..

إنهم يقولون : إن الوقت لم يحن بعد للتصريح بوجودهم ، ولكنهم ما زالوا يحتفظون بأوّل مخبأ سرى صنعوه فى قلب الغابات الفرنسية ليكون بكل ما يحويه من معدات تكنولوجية ، وإمكانات مبهرة شاهداً على صحة قصتهم ، عندما تحين اللحظة المناسبة ، ويبدءون فى الاتصال برؤساء وملوك الدول ، للإعلان عن وجودهم ..

وزوّار (يومو) لهم شعار عجيب يحملونه على أزيائهم الفضائية ، وهو عبارة عن رسم لثعبان مجنح ، أثار انتباه (جان بيير) وحيرته طويلاً ، ولكنهم لم يفصحوا عن مغزاه قط ..

وسكان (يومو) هؤلاء يمكنهم التجول بحرية وسط البشر دون أن يثير وجودهم إلا أدنى انتباه ، فتكوينهم الخارجى بشرى للغاية ، باستثناء أنهم أطول قامة فى المتوسط ، وأنهم شاحبو الوجه كثيراً ، ولكن هذا لا يمنعهم من الذوبان وسط طوفان البشر ، وخصوصاً فى المدن المزدحمة ، مثل (نيويورك) و (روما) .. وحتى (القاهرة) ..

ولكـن أغـرب ما أشار إليه زوّار (يومو) فى رسائلهم ، هو أنهم أبناء عمومتنا ..

أو بمعنى أدق أن أبحاثهم أثبتت أننا وهم من أصل واحد ..

ولكنهم أبداً لم يفسروا ما يعنيه هذا ..

هل كان أجدادهم أرضيين ، من حضارة سابقة ، ثم هاجروا إلى ذلك الكوكب البعيد ، أم أننا وهم أتينا من كوكب آخر ، ولكن بعضنا اتجه نحو (الأرض) ، والبعض الآخر نحو كوكب (يومو) ؟‍‍..

لست اعتقد أننا سنجد الجواب فى سهولة ..

والأمر كله عسير التصديق ، ويثير ألف علامة شك ويفجّر فى النفس كل أسباب الحذر ..

وأنا واثق بأن العديدين منكم استنكروه ، وسخروا منه ..

بل ورفضه البعض تماماً ..

وربما اتهمنى بالخبل والكذب ، وبأننى أسعى إلى غش القارئ ، واستثارته بدجل ساذج ، حتى أضمن نسبة أكبر من المبيعات ..

ولكن هذا لا يقلقنى ..

(جان بيير بوتى) واجه الموقف نفسه ، عندما نشر كتابه هذا عن سكان الكوكب (يومو) ..

ولكن العالم الفرنسى تحدّى الحكومة الفرنسية ، فى نهاية كتابه ، بكل مؤسساتها العلمية ، وهيئاتها الرسمية ، أن تنكر ما جاء فى كتابه ..

تحدّاها أن تنكر أن مسئوليها تلقوا أيضاً عشرات الرسائل من زوّار (يومو) ، وأن الهيئات العلمية تدرس الأمر بمنتهى الجدية ، بل وتحاول إجراء اتصال رسمى مباشر مع هؤلاء الزوّار ..

وجـدير بالذكر أن أحداً فى الحكومة الفرنسية لم يستنكر هذا التحدى أو يرفضه ..

وأحداً أيضاً لم يقبله ..

فهل يثير هذا فى نفسك أية تساؤلات ؟‍..

وهل تعلم أن (جان بيير بوتى) ليس أوّل من يشير إلى وجود سكان من الفضاء الخارجى ، على كوكب الأرض ؟..

لقد سبقه إلى هذا الكاتب الشهير (تشارلز بيرلتز) عندما قام بتحقيق واسع النطاق حول ما أطلق عليه اسم (حادث روزويل) ..

و (روزويل) هذه قرية صغيرة فى ولاية (نيومكسيكو) الأمريكية ، استيقظ سكانها ذات ليلة من ليالى يولو عام 1947 م ، على دوى هائل ، ونيران ترتفع فى الأُفق وانطلق مأمور القرية فى الشوارع يصرخ :

- الغزاة هبطوا من الفضاء .. الغزاة هبطوا من الفضاء ..

وقبل أن يندفع أهل القرية إلى منطقة الحقول الشمالية ، حيث سقط جسم غريب، بدت قبته الخضراء الضخمة واضحة على الرغم من تحطم قاعدتها ، كان الجيش يحيط بالمكان كله ، ويصدر أمراً بمنع التجوال ، ثم تنفيذه بمنتهى السرعة والصرامة على الرغم من اعتراض الأهالى واستنكارهم ..

وخلال ساعة واحدة رأى السكان من نوافذهم عدة قوافل تملأ المكان الذى اكتظ بمئات الغرباء ، وأحيط بنطاق أمنى عنيف ، جعل قائد فرقة الجيش يهدد بإطلاق النار دون إنذار ، على كل من يحاول مغادرة منزله ، قبل انتهاء فترة حظر التجوال..

وكان من الواضح أن الأمر بالغ الأهمية والخطورة ..

ولكن مع طلوع النهار ، وبعد حركة لا تنقطع من عشرات فى سيارات الجيش والنقل والأوناش الضخمة انتهت فترة حظر التجوال العامة ، وانصرف رتل من السيارات وهو يحمل أشياء ضخمة ، أُخفيت فى عناية بالغة ، تحت خيام كبيرة محكمة الإغلاق ، واقتصر الحظر على منطقة السقوط وحدها التى امتلأت بالباحثين والمنقبين لفترة طويلة ..

وعندما تتبع (تشارلز بيرلتز) هذا الأمر ، توصل إلى أن ذلك الشئ الذى سقط على (روزويل) فى تلك الليلة من يوليو 1947 م ، كان أحد الأطباق الطائرة ، التى حوت جثث بعض المخلوقات من الفضاء الخارجى ، وأن أحد هذه المخلوقات لم يلق مصرعه مع السقوط فاحتفظت به المخابرات المركزية فى معامل أبحاث الفضاء لتقوم بدراسته ، ولكنه مات بعد أسبوع واحد متأثراً بإصابته التى لم ينجح الطب الأرضى - آنذاك - فى علاجها ..

وعندما نشر (بيرليتز) كتابه هذا ، أُصيب المجتمع الأمريكى بصدمة بالغة ، وثار بعض صحفييه ومفكريه ، وطالبوا الحكومة بكشف كل الحقائق المتعلقة بهذا الحادث ، إلا أن الحكومة الأمريكية التزمت الصمت التام ، دون أن تكذب الموقف أو تنفيه ، أو تعترف به ..

واستفز هذا الموقف أحد أعضاء جمعيات المراقبة الفضائية ، فقرر أن يقاضى وكالة المخابرات الأمريكية ، لإخفائها الحقائق عن الشعب ، وعندما انعقدت المحاكمة فى يناير 1972 م طلبت المخابرات الأمريكية أن تكون الجلسة سرية ؛ لأمور تتعلق بالأمن العام ، وبعد سبع جلسات مغلقة ، أصدرت المحكمة حكمها بإدانة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ، ولكنها أسفت لعدم استطاعتها إصدار حكم بكشف كل تفاصيل الحادث ؛ لأن هذا يتعارض مع الأمن الأمريكى كله ..

واعتبر العامة هذا الحكم اعترافا‌ً من الحكومة وجهاز المخابرات ، بكل ما جاء فى كتاب (تشالز بيرلتز) ..

ولكن هذا لم يحسم الأمر ..

وفى صيف 1994 م نشرت مجلة (أومنى) العلمية ، وهى إحدى المجلات القليلة الجادة فى هذا المجال مقالاً مختصراً ، يذكر الناس بحادثة (روزويل) وطلبت منهم أن يتقدموا بطلب للحكومة لنشر تفاصيل الحادثة ، بعد مرور أكثر من خمسة وأربعين عاماً على وقوعها ..

وحتى ديسمبر 1994 م وصل عدد المطالبين إلى أكثر من أربعة عشر مليوناً من الأمريكيين ، ولكن الحكومة ما زالت ترى أن الأمر يحتاج إلى أن يظل حبيس الأدراج ، وهو يحمل تلك العبارة المستفزة ..

عبارة (سرى للغاية) ..

ويبدو أن هذه العبارة ومثيلاتها ستظل دائماً حاجزاً تتحطم عليه كتابات (جان بيير) ، و (بيرليتز) وغيرهم ، حتى تحين اللحظة المناسبة التى تسقط فيها كل الحواجز ، ويعلن أحد سكان الكواكب الأخرى عن وجوده ..

وصيغة الجمع هنا مقصودة ؟ فمن الواضح أن سكان (يومو) ، الذين يتحدث عنهم (جان بيير) يختلفون عن هؤلاء الذين سقط بهم الطبق الطائر فى (روزويل) فالآخرون وصفهم (بيرليتز) بأنهم قصار القامة ، وكبار الرءوس ، ثم أن الحادثة وقعت عام 1974 م ، قبل وصول أوّل رحلة من رحلات زوار (يومو) إلى الأرض..

إذن فلم تعد أرضنا كوكباً يقتصر علينا ..

لقـد صارت محطة فضائية يتجه إليها سكان كواكب مختلفة لأنها تجذب انتباههم ..

أو لأنها تناسب معيشتهم ..

وأيـاً كان الجـواب ، فمن المؤكد أننا هدف لدراسات تبدأ وتأتى دائماً من هناك ..

من وراء النجوم ..






(*) السنة الضوئية : هى المسافة التى يقطعها الضوء فى سنة ، وهى تساوى حوالى ستة ملايين من الأميال .

(*) الجيولوجيا : علم الأرض ، ويشمل دراسة أصل الأرض ، وتاريخ تطورها ، وبنيانها، والأحداث التى مرّت بها ، وطبيعتها الكيميائية والفيزيقية ، ودراسة سكانها ، وتطور الحياة فيها ، منذ أول تسجيل لنشوئها ، وحتى العصر الحديث .


بيجاسوس 24-07-07 08:44 AM

فوبيا الدم ..

الـدم..
* من منا يمكن أن يدّعى، وبصدق، أنه شخص بلا مخاوف؟!
علماء النفس يؤكِّدون أنه، حتى أشجع وأقوى الرجال، لا يمكنه أن يدّعى هذا، ولو فعلها فهو كاذب حتماً، وهم يتحدونه أن يجتاز بقوله هذا اختبار جهاز كشف الكذب بنجاح!!..
هذا لأن ما من مخلوق حى بلا مخاوف..
ففى أعمق أعماق كل منا، هناك حتماً خوف ما، من شئ ما، يحتل مساحة ما، من عقولنا، أو قلوبنا، أو أى مكان آخر من أجسادنا..
خوف سجلته عقولنا الباطنة، فى لحظة ما، ربما لا تبتعد كثيراً عن لحظة مولدنا، واختزنته، وأخفته فى بقعة مظلمة، لا تضاء إلا بعامل مساعد، أو فعل شرطى منعكس، وعندئذ فقط تسترجع العقول الخفية ذلك الموقف القديم، وتستعيده، وتطلقه فى العقل الواعى، و…
ونخاف..
ومخاوف البشر لا حصر لها؛ إذ أنها ترتبط بأى شئ، وكل شئ، ويمكن فى بعض الأحيان أن تكمن فى لحظات أو أشياء لا يمكن أن تثير ذرة واحدة من الخوف، فى نفس أى مخلوق طبيعى، كملعقة فضية مثلاً، أو نوع بعينه من السجائر، أو دقات الساعة، أو أى أمر آخر..
وهذا هو العامل المساعد، الذى يضئ تلك البقعة المظلمة فى أعمق أعماقنا، ليفجِّر خوفنا، ورعبنا، وفزعنا، وهلعنا، وكل تلك المشاعر، الذى تطلق عليه القواميس الطبية والعلمية اسم (الفوبيا)..
و(فوبيا) هو مصطلح لاتينى، يعنى الخوف من شئ ما، ويمكن ربطه بكل أنواع المخاوف المعتادة، وغير المعتادة أيضاً، وعندما يحدث هذا، فنحن نشير إلى نوع خاص من الخوف..
النوع المرضى.. جداً..
فالخوف من الأماكن المظلمة أو المغلقة، هو أمر طبيعى، عند الكثير من الناس، ولكنه عند البعض الآخر يتحوَّل إلى (فوبيا)، أو خوف مرضى، عندما يواجه هؤلاء البعض الموقف بارتعاشات عنيفة، وعرق غزير، وأعراض قد تبلغ حد التخشُّب، أو الغيبوبة التامة، أو حتى الموت، فى حالات نادرة ومحدودة..
ومن أشهر تلك المخاوف، التى يعرفها ملايين البشر، الخوف من رؤية الدم، ذلك السائل الحيوى، الذى يجرى فى عروقنا، وتخفق به قلوبنا، وينقّى الهواء فى رئتينا، مع عشرات الوظائف الأخرى..
وارتباط الإنسان بالدم ارتباط عجيب للغاية، فهو يعشقه عندما يجرى فى عروقه، ويورِّد وجنيته، ويملأ قلبه، ويعلن حيويته وقوته ونشاطه، بل ويسعى دوماً إلى أية أطعمة أو مشروبات، يقال عنها أنها قادرة على تقويته، وتنشيطه، ودفعه أكثر وأكثر فى أوعيته الدموية، وخلاياه الحية، وحتى نصف الحية..
أما لو تدفَّق هذا الدم خارج جسده، أو حتى خارج أجساد الآخرين، فهى الطامة الكبرى، والكارثة، والمصيبة، ومصدر الرعب والهلع، و…
و(الفوبيا) أيضاً فى بعض الأحيان..
فالعديد من البشر لا يمكنهم رؤية الدم البشرى، أو حتى الحيوانى، دون أن ترتجف أجسادهم، وترتعد خلاياهم، وتسرى فى كيانهم قشعريرة باردة كالثلج، وتتسع عيونهم فى هلع..
وبعض البشر قد يصرخ لمرأى الدم، أو يفقد الوعى، أو تنتابه الكوابيس لأسابيع طويلة، وكأنما رأى وحشاً كاسراً..
هذا لأن الدم يرتبط فى أذهاننا جميعاً بالحياة، وفقدانه يعنى دوماً الموت والفناء، وعندما يرى المصابون بهذه (الفوبيا) الدماء، تقفز أذهانهم فوراً إلى تصوّر الموت..
موتهم هم بالطبع..
ولأن كل المخلوقات الحية تخشى الموت، فإن عقولهم الباطنة تدفع فى عقولهم الواعية كل المخاوف المختزنة فيها، فيبلغ رعبهم ذلك الحد المرضى العنيف للغاية..
ولابد وأن نستثنى هنا الجراحين، والجزارين، وعمال وموظفى بنوك الدم، وكل من يحتم عليه عمله رؤية الدم طوال الوقت..
ولكن حتى هؤلاء، تبقى فى أعماقهم لمحة من خوف الدم..
وهذا ما أدركه كتاب الرعب، ومخرجو السينما الغربية، عندما أغرقونا بسلسلة من الأفلام حول مصاصى الدماء، الذين ينشطون ليلاً، ويرقدون فى أعمق أعماق توابيتهم نهاراً، وينقضون دوماً على الأوردة العنقية لضحاياهم، ليغرزوا فيها أنيابهم، باعتبارها من أكبر وأغزر موارد الدم، ويمتصون الدماء فى شراهة ونهم، حتى تموت الضحية، التى لا تلبث أن تعود إلى الحياة بعدها، فى هيئة مصاص دماء جديد، وهكذا..
والطريف أن كل هذه الأفلام السينمائية قد بنيت على أحداث تلك الرواية الشهيرة (دراكيولا) للروائى البريطانى (برام ستوكر)، والتى استوحاها بدوره من سيرة الأمير الرومانى (فلاد يتبيس)، والذى سفك دماء آلاف من المحتلين، وعرف باسم (مصاص الدماء)، وذلك خلال فترة حكمه، ما بين عامى 1456، و1462م..
وعندما كتب (ستوكر) روايته، عام 1897م، لم يكن علم النفس قد تطوَّر، إلى الحد الذى يكفى لتحديد مخاوف الناس بشكل علمى، إلا أنه كان يدرك، على نحو فطرى تماماً، أن ذكر الدم يثير الرعب فى النفوس..
كل النفوس..
ولكن الذى ينبغى أن يثير مخاوفنا أكثر، هو أن الحالة التى تحدَّث عنها (ستوكر)، والتى أصبحت شهيرة ومعروفة، فى الأدب والسينما، لم تعد مجرَّد خيال محض، وإنما كشف العلم أن مصاصى الدماء حقيقة..
حقيقة طبية معروفة، ومسجَّلة فى عدد كبير من المراجع والكتب!!..
فمن بين عناصر الدم، توجد مادة اسمها (البروفيرين)، وهى ضرورية لتكوين وتثبيت مادة (الهيموجلوبين)، اللازمة لصلاحية الدم، كمادة لنقل الغذاء والأكسجين إلى خلايا الجسم، وفى بعض الحالات النادرة، يحدث نقص شديد فى هذه المادة، مما يؤدى إلى الإصابة بمرض غاية فى الندرة، من أمراض الدم، يسمى (البروفيريا)..
والمدهش أن المصابين بهذا المرض لهم وجوه شاحبة، أشبه بوجوه الموتى، وتطول أنيابهم على نحو واضح، كما تكون لديهم حساسية مفرطة لضوء الشمس، ولديهم احتياج دائم للدم، لتعويض النقص الشديد فى (الهيموجلوبين) فى أجسادهم..
وفى عام 1985م، كشف طبيب أمريكى ثلاث حالات مصابة بمرض (البروفيريا)، فى عائلة واحدة، فأعلن عن المرض، وعن أن مصاصى الدماء قد يكونون حقيقة وليس خيالاً..
ومن الطبيعى أن يثير هذا رعب الناس أكثر وأكثر، وخوفهم الغريزى من رؤية الدماء، وبالذات دمائهم هم، إذا ما نزفت من أجسادهم، لسبب أو لآخر..
وحالات (الفوبيا) المرضية من الدم لا تعتبر الأعلى، بين حالات (الفوبيا) الأخرى، ولكنها أوسع انتشاراً وتواجداً، فى معظم الشعوب والجنسيات، والديانات..
هذا لأننا جميعاً بشر، تجرى الدماء فى عروقنا..
أو خارجها..
و(فوبيا) الدم هذه ليست كلها من طراز واحد، فبعضها يرتبط بالدماء البشرية وحدها، عندما تسيل بغزارة أكثر من المعتاد، والبعض الآخر يرتبط بأية دماء نازفة، من أى مخلوق حى، لذا فأصحابها لا يحتملون رؤية حيوان يذبح أو طائر ينحر..
وفى حالات أخرى، لا يحتمل المريض رؤية قطرة واحدة من الدم، سواء من بشر، أو حيوان، أو طير، أو حتى حشرة..
ومع حالات أكثر ندرة، يصاب المرضى بهلع عنيف، إذا ما وقعت أبصارهم على أى شئ بلون الدم، حتى ولو كان قطعة من القماش، أو بقعة فوق لوحة تجريدية..
ورد الفعل، إزاء تلك (الفوبيا) يختلف فى كل حالة عن أخرى، ومع كل مريض عن آخر، ففى واحدة من الحالات النادرة، أصيب المريض بصدمة عصبية عنيفة، مع رؤية بركة من الدم، سالت من مصاب فى حادثة سير، وانتهى به الأمر إلى أن عقله قد استبعد اللون القرمزى الدموى تماماً، من كل شئ فى الوجود..
حتى الألوان، التى يدخل فى تركيبها اللون القرمزى، أصبح ذلك المريض يراها خالية منه، فاللون البرتقالى تحوَّل إلى الأصفر، والبنفسجى إلى الأزرق، أما الوردى والقرمزى، فقد تحوَّلا إلى اللون الأبيض أو الرمادى..
ولقد احتاج ذلك المريض إلى علاج نفسى طويل، قبل أن يتجاوز هذه (الفوبيا)، ويعود لرؤية لون الدم مرة أخرى، ولكنه لم يتخلص من (فوبيا) الدم أبداً، على الرغم من المحاولات المتصلة..
ولقد أجريت دراسات عديدة حول (فوبيا) الدم، إلا أنها لم تلق اهتماماً على المستوى العام، فقد حجبتها تماماً (فوبيا) أخرى، يشترك فيها تسعون فى المائة من البشر على الأقل..
(فوبيا) أكثر انتشاراً..
بكثير.

بيجاسوس 24-07-07 08:46 AM



خلف أسوار العقل

فى إحدى ليالى نوفمبر ، فى عام 1966 م ، جلس السوفيتى (نيكولاييف) ، داخل حجرة من الرصاص ، لا يوجد بها سواه ، وأمامه ورقة صغيرة ، خط عليها أحد العلماء - من وحى اللحظة - كلمات غير مترابطة ، ورسماً لا معنى له ، راح (نيكولاييف) يحدق فيهما لحظات ، دون أن تسجل أجهزة هيئة العلماء، التى عكفت على مراقبته ، فى (موسكو) شيئاً ، فى حين كان زميله (كاتشسكى) يجلس فى ظروف مماثلة فى (ليننجراد) ، على بُعد ألف كيلو متر من (موسكو)، وقد راح يخط الكلمات نفسها ، والرسم ذاته على ورقة بيضاء ، ناولها لأحد العلماء المجاورين له ، وهو يقول :

- لست أدرى ما يقصده بذلك ، ولكن هذا ما أرسله .

وأُصيب العلماء بالذهول ، فى (موسكو) و (ليننجراد) ، فى نفس اللحظة ، فلقد استقبل (كاتشسكى) رسالة عقلية من (نيكولاييف) ، بمنتهى الدقة ، كما لو أن عقله جهاز استقبال لاسلكى فائق التطور ..

ولكن كيف حدث هذا ؟ ..

بل كيف يمكن أن يحدث ؟ ..

لقد أعلن تلك القصة السالفة الذكر العالم السوفيتى (فلاديمير فيدلمان) ، وهو واحد من أشهر علماء ما فوق الطبيعيات ، فى مؤتمر لبحث الظواهر الخارقة للمألوف ، عام 1968 م ولم يحاول وضع تفسير علمى للظاهرة ، وإنما أطلق عليها اسم التخاطر العقلى ، أو (التليباثى) ..

والعجيب أن المصطلح لم يكن جديداً بالنسبة لزمرة علماء الظواهر فوق الطبيعية، الذين حضروا ذلك المؤتمر ، بل كان مصطلحاً قديماً ، لظاهرة مازالت تثير جدلاً علمياً ، حتى لحظة كتابة هذه السطور ..

فمع مطلع عام 1862 م ، وبينما انشغل نصف سكان العالم فى الاحتفال بأعياد رأس السنة الميلادية ، أغلق عالم نصف معروف ، يدعى (ف . مايرز) (F.Myrs) معمله على نفسه ، وانهمك فى سلسلة من التجارب والدراسات المعقدة ، استغرقت تسعة أشهر من عمره ، قبل أن يخرج إلى العالم بذلك المصطلح الجديد (التليباثى) (Telepathy) ، دون أن يتصور أن مصطلحه هذا سيثير أكبر وأطول جدل علمى فى التاريخ ، وأنه وبعد مرور أكثر من قرن كامل على إطلاقه هذا المصطلح ، لم ينجح شخص واحد ، أو جهة علمية - صغرت أو عظمت - فى إثبات أو نفى هذه الظاهرة..

وكلمة (تليباثى) ، كما تقول القواميس المتخصصة ، تعنى (التخاطر عن بعد)، أو انتقـال الأفكار ، من شخص إلى آخر - أو آخرين - دون استخدام وسيلة مادية ..

أو هى ببساطة ظاهرة (قراءة الأفكار) ، كما يطلق عليها العامة ..

وعلى الرغم من كل ما أثارته ظاهرة (التخاطر عن بعد) ، من جدل ، وما أطلقته من خيال العلماء والأدباء ، إلا أن التجارب الجادة حولها لم تبدأ إلا فى عام 1921 م ، عندما قام ثلاثة من علماء جامعة (جروننجن) بسلسلة طويلة من التجارب والمشاهدات ، انتهت بإصدار تقرير كبير ، اقتنع به عدد من العلماء، ورفضته الغالبية العظمى منهم ..

ومن العجيب أن تلك الظاهرة تذهب بالعلماء دائماً إلى طرفى نقيض ، فإما أن يؤيدها البعض فى حماس ، أو يرفضها البعض الآخر فى عناد وإصرار ، ولعل من أعظم مؤيديها العالم البريطانى (جوزيف سينل) ، الذى قضى القسم الأعظم من حياته ، فى محاولة إثبات وجود الظاهرة ، وهو يقول عنها : "إنها تشبه عملية الاتصالات اللاسلكية المعروفة ، فالعقل البشرى يموج بالإشارات الكهربية، التى تنتقل دوماً بين المخ والأعصاب ، وتربطه بأعضاء الجسم ، وعندما تبلغ هذه الإشارات حداً مناسباً ، يمكنها أن تنتقل دون الحاجة إلى الأسلاك (الأعصاب)، فتسافر من عقل إلى عقل" ..

أما أشهر العلماء فى هذا المجال ، وهو (ج.ب.راين) فيقول : "الأمر عبارة عن نوع من الشفافية الروحانية ، التى تتيح للروح الالتقاء بالأرواح الأخرى ، واستنطاقها عما يدور فى أجساد وعقول أصحابها" ، ولكن هذا الرأى يبدو فلسفياً، أكثر مما يبدو علمياً أو منهجياً ، ولهذا السبب رفضه كل العلماء تقريباً ، على الرغم من أن (راين) هو صاحب أول تجارب مدروسة لفحص الظاهرة ، فلقد ابتكر عام 1934 فى جامعة (ديوك) أسلوباً جديداً ، يعرف باسم (اختبار أوراق اللعب) ، وفيه يحاول الشخص ، المفترض اكتسابه للقدرة على التخاطر العقلى ، استنتاج ترتيب خمس أوراق لعب مختلفة ، يتم ترتيبها عشوائياً ..

وقد يبدو هذا الاختبار هيناً ، ولكنه ليس كذلك فى الواقع ، فاحتمال استنتاج موضع ورقة واحدة ، أو تخمينه ، هو واحد إلى خمسة ( ) أما احتمال استنتاج موضع الأوراق الخمسة هو واحد إلى ثلاثة آلاف ومائة وخمس وعشرين ( ) ، وهذا يجعل التخمين مستحيلاً بالطبع ..

ولعل من أكثر ما يؤيد وجود هذه الظاهرة ، رجل يحفظ كل دارسى الظواهر فوق النفسية اسمه عن ظهر قلب ، وهو الهولندى (بيتر هيركوس) ، الذى ولد عام 1911 م ، وظل يحيا كشاب عادى ، حتى انقلبت حياته رأسه على عقب فجأة فى عام 1941 م .

فى ذلك العام كان (بيتر) يعاون والده فى طلاء بناء من أربعة طوابق ، عندما زلت قدمه ، وسقط من الطابق الرابع، وتم نقله إلى المستشفى فى سرعة ، فى العاشر من يوليو 1941 م ، حيث تم إسعافه ، وقدر له أن ينجو ، وأن يغادر المستشفى فى الخامس من أغسطس ، من العام نفسه ..

ولكن شتان ما بين الدخول والخروج ..

لقد كشف (بيتر) ، وهو يرقد على فراشه فى المستشفى أنه قد اكتسب خاصية عجيبة وهى أنه ما إن يمس شيئاً .. أى شئ .. حتى تندفع إلى رأسه كل المشاهد والأصوات والأحداث ، التى عايشها هذا الشئ .. جماداً كان أو حيواناً أو نباتاً ..

وكاد المسكين يُصاب بالجنوب فى البداية ..

بل لقد تصور أنه قد أُصيب به بالفعل ..

ثم اتضحت له حقيقة موهبته الجديدة شيئاً فشيئاً ..

والعجيب فى ظاهرة (هيركوس) أنه ، ولأول مرة فى التاريخ اعترفت إدارة (اسكوتلانديارد) بموهبة شخص يحوز صفة فوق طبيعية ، بل استدعت (بيتر هيركوس) إلى (إنجلترا) عام 1951 م ، حيث عاون مفتشيها على حل غموض اختفاء الماسة الشهيرة (سكون) ، وبعدها استعانت به عدة هيئات بوليسية أوربية، وحقق فى كل مرة انتصاراً مبهراً ..

وعلى الرغم من هذا لم يحظ (بيتر) باعتراف أو تأييد الأوساط العلمية ، ولم يحاول عالم واحد ، ممن أنكروا موهبته ، اختبار وجود هذه الموهبة ، بأية وسيلة، حتى أن الصحفية (نورما - لى - براوننج) التى كانت من أشد المؤيدين لـ (بيتر)، قد علقت على هذا بقولها : "لقد خسروا فرصة مثالية لفحص ظاهرة غامضة" وهى على حق ، فربما أدى فحص (بيتر هيركوس) إلى إماطة اللثام عن تلك الظاهرة ..

ولكن يبدو أن البعض يخشى إماطة هذا اللثام ..

وهذا أيضاً صحيح ..

إن الرافضين لوجود هذه الظاهرة يقولون : إنه لو صح وجودها ، فسيعنى هذا أن الأسوار التى تحيط بالعقل قد تهاوت ، وأنه لم يعد هناك مكان آمن لحفظ أية أسرار ، مهما بلغت خطورتها ، فالقاعدة الأولى ، فى عالم المخابرات مثلاً ، تحظر الاحتفاظ بمعلومات مكتوبة ، وتصر على ضرورة حفظها عن ظهر قلب ، بافتراض أن العقل البشرى هو الحصن الحصين ، الذى يستحيل اختراقه ، أو نسيانه داخل درج مغلق ، أو فوق مائدة القمار ، وعلى الرغم من ذلك ، فمن يمتلك القدرة على قراءة الأفكار سيعبر أسوار العقل فى يسر وسهولة ودون أن يقاتل العمالقة مثل (جيمس بوند) ، أو يحتال ويتخابث مثل (أرسين لوبين) ..

بل قد يتمادى أصحاب هذه المقدرة الفذة ، فيفتتحون مكاتب خاصة ، على غـرار مكاتب البوليس الخاص ، يعلقون على أبوابها لافتة تقول : "هنا أسرار للبيع" ..

قد تبدو الصورة خيالية أو هزلية ، فى نظر القارئ ، ولكنه ليست كذلك فى نظر العديد من العلماء ، وأجهزة مخابرات الشرق والغرب ، بل إنهم يولونها اهتماماً بالغاً ، وينكبون على دراستها فى سرية ودقة ..

ولعل القارئ يتصور الآن أننا لو استبعدنا الفريق الرافض من العلماء ، فسيتبقى أمامنا المؤيدون للظاهرة فحسب .

ولكن هذا غير صحيح ..

الواقع أنه ما من عالم - فى الكرة الأرضية كلها - يمكنه أن يجزم أو ينفى وجود هذه الظاهرة ، بصفة قاطعة ، فبعد استبعاد الرافضين لوجودها سينقسم الباقـون إلى قـسم أعظم ، يقف على الحياد ، غير مؤيد أو معارض ، أو هو ينتظر ما سيتوصل إليه الآخرون ، وقسم صغير ، يميل إلى الإيمان بوجود الظاهرة، ولكنه يلقى سؤالاً أكثر أهمية ، وهو يقلب بين يديه نموذجاً صغيراً للمخ البشرى ..

من أين تنبع هذه الظاهرة ؟ ..

فعلى الرغم من التقدم الطبى والتكنولوجى والتقنى ، الذى توصل إليه العالم ، فى هذه السنوات الأخيرة من القرن العشرين ، إلا أن أجزاء كبيرة من المخ البشرى ما زالت غامضة تماماً ، وما زال ذلك العضو الرخوى البيضاوى ، الذى يبلغ وزنه التقريبى فى الرجل حوالى رطلين وعشرة أوقيات (أى ما يساوى من وزن الجسم تقريباً) يثير حيرة أعلم العلماء ..

والمخ يتكون من نصفين ، أيمن وأيسر ، يشتركان لصنع الفص الأمامى والفص الخلفى ، ثم يحوز كل منهما فصاً جدارياً ، وآخر صدغياً ، فى حين يلتقيان من الخلف عند المخيخ ، والجسم الصنوبرى الصغير ..

ولقد درس العلماء كل خلية من خلايا هذا المخ ، وعرفوا وظيفة كل جزء فيه، فيما عدا منطقتين ، توقّف أمامهما الجميع فى حيرة ، وهما الجسم الصنوبرى والفص الأمامى ، فتوصلوا إلى جزء ضئيل من وظائف الأول ، وعجزوا تماماً عن فهم وظيفة الثانى (مع الإيمان التام بأن الله - سبحانه وتعالى - لم يخلق شيئاً عبثاً)..

وأثار التحدى حماس العلماء ، وجمعوا مئات من حيوانات التجارب المسكينة، وراحوا يمزقون فصوصها ، ويغرسون فيها الأسلاك والأعمدة ، دون أن يسفر هذا عن نتائج واضحة ، بل إن مراجع الطب الشرعى تحدثت عن حالة ، انغرز فيها نصل خنجر لعشرة سنتيمترات ، فى الفص الأمامى لمخ آدمى ، دون أن يؤثر ذلك فى وظائف المصاب الحيوية ، أو حتى غير الحيوية ..

وتضاعفت حيرة العلماء ..

وبقى السؤال ..

هل الفص الأمامى هو محطة الإرسال والاستقبال التخاطرى ؟ ..

ولم يأت الجواب بعد ..

ولن يأتى ؛ لأن إثبات ظاهرة فوق نفسية ، مثل التخاطر العقلى ، كان وسيظل عسيراً ؛ لأن العلماء سيعجزون دوماً عن إمساكها بأيديهم ، وتقليبها ، ووضعها تحت المجهر وتصويرها ، وتكبيرها ، و … و … وإلى أن يأتى ذلك اليوم (المستحيل) ، سنظل نردد قول أحد كبار العلماء ، المؤمنين بوجود الظاهرة :

"ينبغى أن يتوقف العلم عن محاولاته الدائبة ، لإثبات وجود هذه الظواهر ، ويحصر جهوده فى بحث كيفية الإفادة منها ، حتى لا نكون كمن يقضى عمره كله فى محاولة إثبات كونه حياً ، ثم تنقضى حياته ، دون أن يصنع فيها شيئاً واحداً.." وإلى أن تحظى ظاهرة (التليباثى) بالاعتراف ، دعونا نتخذ الحذر ، فقد يكون حولنا بعض من يمتلكون تلك القدرة ، ويسعون للتسلل خلف أفكارنا ..

وخلف أسوار العقل ..


بيجاسوس 24-07-07 08:48 AM


الفراعنة و لعنتهم ( و تحدث العلم)



* عبر السنوات الطويلة، التى تردَّد خلالها مصطلح (لعنة الفراعنة)، كانت معظم الكتب والدراسات، الخاصة بها، تقتصر على تسجيل ورصد الحالات، التى ارتبطت بالتنقيب عن آثار فرعونية، والتى لاقت مصيراً غامضاً، وعانت من حمى غامضة مجهولة، تنتهى عادة بالوفاة..
ثم جاء كتاب البروفيسير الألمانى (فيليب فاندبنرج)..
وكتاب (فاندبنرج) يعد موسوعة علمية متكاملة، عن (لعنة الفراعنة)، ومحاولة شديدة الجرأة؛ للبحث عن تفسير علمى لها، من خلال مختلف اتجاهات العلم، بدءاً من الكيمياء، ووصولاً إلى الإشعاعات النووية..
ولقد اهتم (فاندبنرج) كثيراً بتسجيل معظم الحالات، التى أصابتها (لعنة الفراعنة)، من وجهة نظره، ثم توقف طويلاً عند تلك الحمى، التى أصيبت بها معظم الحالات، والتى أدت إلى الهذيان والهلوسة، ثم الموت فيما بعد..
ومن هنا، وضع العالم الألمانى نظريته..
ونظرية (فاندبنرج) تربط لعنة الفراعنة بثلاثة احتمالات علمية، تبدو فى جانب منها منطقية ومعقولة، إلى حد كبير..
الاحتمال الأوَّل هو أن تحوى مقابر الفراعنة، وملوكهم على وجه الخصوص، غازات سامة، أو عقاقير وأتربة بطيئة المفعول، من ابتكار الكهنة، الذين أخفوا دوماً علومهم عن العامة، وإن تركوا لنا دلائلها، من خلال سر التحنيط، الذى حار فيه علماء الكيمياء، حتى يومنا هذا..
ومن وجهة نظر العالم الألمانى، أن الكهنة قد ابتكروا نوعاً من السموم شديدة البطء، أشبه بعقاقير الهلوسة، ومزجوها بأتربة المقابر الخاصة بالملوك، كوسيلة لعقاب كل من تسول له نفسه نبشها أو سرقتها..
وربما كانت تلك العقاقير أكثر تأثيراً فى الماضى، وأسرع مفعولاً، إلا أن خواصها قد تغيرت تماماً، عبر آلاف السنين من التخزين، ولكنها، وفى كل الأحوال، تترك أثرها فى دماء كل من يقتحم المقابر الفرعونية، ويستنشق ترابها، ثم يبدأ تأثيرها بعد عدة سنوات، على شكل حمى، وهذيان، وهلوسة..
والاحتمال قد يبدو منطقياً للوهلة الأولى، إلا أن قليل من التفكير فيه، يجعلنا ندرك عقمه تماماً، إذ أن العلم قد قطع شوطاً ضخماً، فى السنوات العشر الأخيرة، وأصبح من السهل تحليل أتربة المقابر، ومعرفة كل ما تحويه، بل إنه هناك مراكز متخصصة لأبحاث التربة، يمكنها تحديد مكونات أية عينة من الأتربة بمنتهى الدقة..
وبمنتهى السرعة أيضاً..
والكشوف الأثرية ما زالت مستمرة، ولم تتوقَّف حتى الآن، ولو أن احتمال السموم بطيئة المفعول هذا وارد، لتوصل إليه العلم الحديث فوراً..
ولكن (فاندبنرج) نشر كتابه فى سبعينات القرن العشرين، وقبل أن يبلغ العلم هذا الحد، أو تظهر أجهزة وبرامج الكمبيوتر، التى قلبت كل الموازين، رأساً على عقب..
ولكن دعونا لا نتوقف طويلاً عن الاحتمال الأوَّل، ولننتقل منه إلى الاحتمال الثانى، والأقرب إلى المنطق..
الفيروسات..
فالبروفيسير الألمانى يفترض أنه كان هناك فيروس قديم، كامن فى أتربة مقابر ملوك الفراعنة..
فيروس ساد فى القرن القديمة، أو استخدمه الكهنة أيضاً، فى فترة ما، أو أنهم قد ورثوه من حضارة سابقة!!..
وذلك الفيروس ينتقل إلى أجساد من يقتحم المقابر، ويسرى فى دمه وأنسجته، ليقضى فيها فترة حضانته، التى تبلغ سنوات وسنوات، وترتبط بالقابلية الشخصية للإصابة، وبقوة مناعة الجسم، التى تختلف من شخص إلى آخر.. وعندما يبدأ ذلك الفيروس المفترض نشاطه، يصاب الإنسان بالحمى، التى تهاجم المخ على الأرجح، مسببة الهذيان والهلوسة..
والاحتمال هذه المرة منطقى وعلمى تماماً، ويمكننا هضمه واستيعابه، إلى حد كبير، وخاصة بعد ظهور فيروس (الإيدز)، الذى يكمن فى الأجساد لسنوات طويلة بالفعل، قبل أن تبدأ أعراضه فى الظهور..
ثم أن فكرة الفيروس هذه تتناسب مع الحمى المخية، والهذيان، والهلوسة، والوفاة أيضاً..
وكذلك تتفق مع عجز الأطباء عن تشخيص المرض، فى عصر لم تكن الأبحاث الطبية قد تطوَّرت إلى الحد الكافى، لكشف مثل هذه الكائنات الدقيقة، واستيعاب طبيعتها وأعراضها..
ولكن تعود بنا الخيوط إلى السؤال الأوَّل..
لماذا لم يعد ذلك الفيروس يظهر، فى الكشوف العلمية والأثرية الحديثة؟! هذا السؤال نتركه للبروفيسير الألمانى، ونتركه لعقولنا، تدرسه، وتناقشه، وتحلله..
ثم تتوصل إلى نتائجه..
أما نحن، فسننتقل إلى الاحتمال الثالث، فى نظرية (فاندبنرج)..
والاحتمال الثالث مدهش، ومثير للحيرة، ولست أدرى حتى كيف وضعه العالم الجليل، ولكن يبدو أن إيمانه بالفراعنة كان يتجاوز كل الحدود..
فذلك الاحتمال، هو أن ترتبط (لعنة الفراعنة) بنشاط إشعاعى ذرى، ظل مختزناً داخل مقابر الملوك لآلاف السنين، لينطلق فى وجه كل من ينبشها..
وربما يتفق الاحتمال مع بعد التأثير، ومع أعراض الحمى والهلوسة والهذيان، والموت فى نهاية المطاف، كما يتفق أيضاً مع عجز الأطباء القدامى عن تشخيص الحالات، وحيرتهم فى مواجهتها، إلا أنها تضعنا أمام احتمال جديد، يبدو أكثر خيالاً من كل ما سبقه..
احتمال أن الفراعنة كانت لديهم معرفة دقيقة بالنشاطات الإشعاعية.. وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق..
حتى لو افترضنا أنهم قد توصلوا إلى تراب اليورانيوم مثلاً، وأن الكهنة قد أدركوا أنه يختلف عن التراب العادى، وأن له تأثيرات فتاكة على كل من يلمسه أو يستنشقه، فسنتساءل بدورها، كيف أمكنهم اتقاء تأثيره عليهم، دون أن تكون عندهم أبحاث، ودراسات، ووسائل مقاومة؟!..
ولو افترضنا أن هذا قد حدث بالمصادفة، ودون وعى منهم، وأن بعض المواد، الداخلة فى مساحيق التحنيط، كانت مواد مشعة فتاكة، فأين ذهبت هذه المواد، ولماذا غاب تأثيرها، واختفت من المقابر، على الرغم من أنها قد بقيت لآلاف السنين؟!..
ثم لماذا تواجدت فى الكشوف القديمة، ولم تتواجد فى الكشوف الحديثة؟! كل هذا ينبغى أن يقودنا إلى نتيجة واحدة لا غير، مع جزيل احترامنا للبروفيسير (فيليب فاندبنرج)، وشهرته، وعلمه الغزير..
يقودنا إلى أنه لا وجود لما يسمى بـ(لعنة الفراعنة)!..
ربما كانت هناك حوادث عديدة، ترتبط بكل من نقب عن الآثار، فى أزمته انخفضت فيها درجة الوعى الصحى، إلا أن هذا لا يعنى وجود لعنة أسطورية، صالحة لخيال الكتاب والسينمائيين، ولكنها غير قادرة على إقناع أى صاحب عقلية علمية أو منطقية..
وهنا، ينبغى أن أضم صوتى لكل الأصوات، التى ترفض، وبشدة، فكرة (لعنة الفراعنة) هذه، والتى تستنكر حتى ترديد المصطلح، أو حتى مناقشة احتمالات صحته..
وأهم ما ينبغى معرفته، فى هذا الشأن، هو أن أكثر من هاجم الفكرة، وحارب لإثبات زيفها وحمقها، هو الشخص الذى ارتبط اسمه بمنشئها، منذ أول مرة ظهر فيها المصطلح..
(هوارد كارتر) شخصياً..
فمع شغف الناس بالحديث عن الأمر وترديده، كتب (كارتر) عدد كبير من المقالات، وألقى مئات المحاضرات، واشترك فى عشرات الندوات، ليهاجم الفكرة، ويؤكد أنها مجموعة من المصادفات السخيفة، بدليل أنه أول من دخل مقبرة (توت غنخ آمون)، أو أول من رصد ما بداخلها، لو شئنا الدقة، ولم تصبه أية أعراض، يمكن أن ترتبط بالمصطلح..
لا ألم، أو حمى، أو هذيان، أو هلوسة..
ولقد عاش (كارتر) حتى عام 1939م، فى صحة جيدة، ودون أن يعانى سوى من الأعراض الطبيعية للتقدم فى العمر، حتى مات ميتة هادئة فى فراشه، وهو يواصل إنكاره واستنكاره لفكرة (لعنة الفراعنة)..
ولكن العجيب والمدهش أن أحداً لم يستمع إليه..
هذا لأن الفكرة، بما تحويه من أسطورية وغيبيات، قد استهوت الناس، فى كل أنحاء العالم، وأصبحت مادة تجارية رابحة، ووسيلة لترويج مئات الكتب، والروايات، والدراسات، وأفلام السينما..
وهكذا أغلقنا جميعاً باب العقل والمنطق، وغرقنا حتى النخاع فى هلاوس وخزعبلات وخرافات، وروايات لا أثل أو أساس لها..
أو ربما نفعل هذا كجزء من لعنة، تلازمنا جميعاً بلا هوادة..
لعنة الفراعنة.

* * *

بيجاسوس 24-07-07 08:50 AM


لعنة الفراعنة 2



2 - لعنة المشاهير..
* ذات صباح دافئ، من شتاء عام 1799م، وبمصادفة رتبها القدر حتماً، وأثناء الحملة الفرنسية على (مصر)، عثر جندى فرنسى على حجر فى مدينة (رشيد) المصرية، يعتبره علماء الآثار، فى يومنا هذا، أعظم كشوف القرن على الإطلاق..
فذلك الحجر، الذى أطلقوا عليه اسم (حجر رشيد)، والذى هو من مادة البازلت، كان يحوى كتابات بثلاث لغات.. اليونانية القديمة، والقبطية أو الديموطيقية، والهيروغليفية..
وتعود الأهمية الأثرية البالغة لهذا الحجر، إلى أنه حتى كشفه، كانت الهيروغليفية، بالنسبة للعالم كله، مجرد نقوش منظمة، يسعى العلماء لاستنتاج أو استنباط ما تعنيه، دون أن يتمكنوا من حل رموزها، أو تحديد منطوقها، بأى حال من الأحوال.. وعندما تم كشف (حجر رشيد)، وجد الأثريون أن الكتابة اليونانية، هى ترجمة أمينة ودقيقة للكتابة الديموطيقية، الموجودة على وجه آخر منه..
وكان هذا يعنى، من باب المنطق، أن الكتابة الهيروغليفية، هى أيضاً ترجمة أمينة ودقيقة للنص نفسه..
وعلى الرغم من أن وسائل الاتصال كانت ضعيفة للغاية، فى ذلك الزمن، مقارنة لما أصبحت عليه، بعد قرن واحد من الزمان، وليس فى عصرنا الحالى بالطبع، والذى حدث فيه تطور مدهش، فى نظم ووسائل الاتصال، فى الفترة بين مقدمة المقال، وهذه السطور، فقد طار الخبر إلى (أوروبا) كلها، فانتعش علماءها، والتهب حماسهم، والتهبت عقولهم، وهم يجدون أمامهم فرصة نادرة، لكشف أسرار وغوامض اللغة الهيروغليفية، مع كل ما قد يحمله هذا من كشف لتاريخ (مصر) القديمة، وفراعنتها، وعلومها، وأسرارها الخفية، التى لم يصل العلم الحديث، إلى بعضها، حتى لحظتنا هذه..
ولأن (نابليون بونابرت)، الذى كانت حملته تحتل (مصر)، فى ذلك الحين، كان مغرماً بالعلم والعلوم، ويرغب دوماً فى أن يرتبط عصره بالكشوف العظيمة، فى كل المجالات، فقد سارع بنقل الحجر إلى (باريس)، حتى تتم دراسته، على أيدى الخبراء هناك..
وبكل شغف ولهفة الدنيا، أقبل العلماء على فحص الحجر، وتدوين ما عليه من كتابات ونقوش، ثم راحوا يدرسون، ويفحصون، ويمحصون، و…
وييأسون أيضاً..
فالأمر لم يكن أبداً بالسهولة، التى أوحى بها الأمر منذ البداية..
فلا أحد منهم كان يعمل من أين يبدأ الترجمة!!.. أمن اليمين، أم اليسار، أم من أعلى، أو أسفل..
ولسنوات وسنوات، وعلى الرغم من كل ما بذله العلماء من جهد، فقد فشلت كل محاولاتهم لترجمة اللغة الهيروغليفية، وكشف أسرارها..
حتى جاء (شامبليون)..
كان (جان فرانسوا شامبليون) من العلماء الشبان، الذين عشقوا الحضارة الفرعونية، منذ نعومة أظافرهم، والذين جذبهم بشدة (حجر رشيد)، وكل ما يمكن أن يمنحه من كشوف هائلة، لذا فقد اتخذ قراراً جريئاً، بأن يتفرغ تماماً لمهمة فحصه، وترجمته، وكشف أسرار اللغة الهيروغليفية، التى ستساعد العالم كله على الإطلال من نافذة هائلة، على حضارة تعد الأعظم، بين كل الحضارات، التى شهدها العالم القديم..
ولقد بدأ (شامبليون) مهمته، وهو فى الحادية والعشرين من عمره، وتفرغ لها تماماً، وراح يوصل الليل بالنهار، بحثاً عن طرف خيط، يمكن أن يقوده إلى حل اللغز..
ثم، وعلى خلاف الآخرين، لاحظ (شامبليون) أن عدد أسماء الملوك، فى النصين اليونانى والديموطيقى، يتطابق تماماً مع عدد الخراطيش، فى النص الهيروغليفى، لذا فقد استنتج من هذا أن الخراطيش تحوى داخلها أسماء الملوك..
ومن هنا، انطلق (شامبليون)..
وبحسبة بسيطة، حدَّد أسماء الملوك، فى النص الهيروغليفى، وترجمها، وسجل حروفها، وانطلق منها إلى باقى النص..
وبعد إحدى عشر عاماً، وفى عام 1916م، توصل (شامبليون) إلى أعظم كشوف الزمان، فى علم الآثار والتاريخ القديم، وحل رموز اللغة الهيروغليفية..
وفتح أنظار العالم كله على الفراعنة..
وعلى دنيا الفراعنة..
وفى ليلة وضحاها، أصبح (شامبليون) أعظم علماء عصره، وهو بعد فى الثانية والثلاثين من عمره، وأحاطت به الشهرة من كل جانب، وتحوَّل إلى أشهر خبير فى لغة الفراعنة، و…
وفجأة، تفجَّرت فى وجهه اللعنة..
فعلى حين غرة، ودون أسباب واضحة، أصيب (شامبليون) بشلل رباعى، وحمى غامضة، وراح يهذى ويرتجف، ثم لم يلبث أن قضى نحبه، تاركاً خلفه من يروى هلاوسه الأخيرة..
وبالمصادفة، كانت كلها عن الفراعنة.. وانتقام الفراعنة..
كان هذا عام 1932م، كما يروى لنا ذلك الكتاب، الذى تحدَّث عن تاريخ لعنة الفراعنة، السابق لاكتشاف مقبرة (توت غنخ آمون).
ولا يكتفى الكتاب بربط أشهر عالم آثار بتلك اللعنة الوهمية، وإنما يسبح معنا إلى ما هو أبعد من هذا..
إلى (تيودور بلهارز)، أستاذ علم التشريح المرضى، ومكتشف أشهر مرض يصيب المصريين، منذ أيام الفراعنة..
البلهارزيا..
ويقول الكتاب أن (تيودور بلهارز) قد قضى شطراً طويلاً، فى حياته القصيرة، يطارد تلك الدودة القاتلة، التى تخترق أجساد المصريين، وتستقر فى أكبادهم، وتدمرهم تدميراً بطيئاً منتظماً، وتسلبهم نشاطهم وحيويتهم..
ثم حياتهم فيما بعد..
وبعد تلك السنوات، خطرت فى ذهن (بلهارز) فكرة عجيبة..
ترى متى بدأت (البلهارزيا) فى حربها مع المصريين؟!..
وفى سبيل إجابة السؤال، لجأ (بلهارز) إلى أمر لم يخطر ببال سواه قط، إذ انتقل بأبحاثه من الموتى المصابين بالمرض، إلى مومياوات الفراعنة القدامى، وبالذات تلك الخاصة بالعمال والمزارعين، الذين تدفعهم ظروف عملهم للخوض فى مياه النيل طوال الوقت..
أيامها، لم يكن للآثار قيمتها الحالية، ولم تكن هناك تشريعات قوية، لحمايتها والحفاظ عليها، لذا كان من الممكن أن يبتاع (بلهارز) بعض المومياوات، التى يتم العثور عليها فى الجنوب، أثناء أعمال الحفر والبناء، وأن يجرى عليها تجاربه..
وكان هذا يعنى بالطبع نبش قبور القدامى، واستخراج مومياواتهم، بل وتشريحها والتمثيل بها أيضاً..
ولقد نجحت تجارب (تيودور بلهارز) إلى حد كبير، إذ أثبت بالفعل أن المصريين القدامى أصابتهم (البلهارزيا)، منذ آلاف السنين، بل وعثر على بعض الديدان المحنطة داخلهم بالفعل..
ولكن فجأة، وقبل أن يسجل (بلهارز) تجاربه رسمياً وعلمياً، أصابته حمى مجهولة..
حمى لا تشبه التيفوئيد، أو أية حمى معروفة أخرى..
ومع الحمى، التى لم يتم تشخيصها أو علاجها بالطبع، راح (بلهارز) يهذى، ويصرخ ويهذى وتراوده هلاوس عجيبة، حول المومياوات، التى قام بتشريحها، والتى بدت له وكأنها قد عادت إلى الحياة، لتنتقم من ذلك الذى أقلق راحتها، ومثَّل بها، و…
ومات (تيودور بلهارز)، عام 1862م، وهو بعد فى السابعة والثلاثين من عمره، بتلك الحمى المجهولة، التى لم يتم تشخيص أعراضها، حتى يومنا هذا..
وفى هذه المرحلة، لا يحاول الكتاب وضع تفسيرات علمية أو منطقية، لما أصاب (شامبليون) أو (بلهارز)، ربما لأنه شغف بمحاولة تأكيد فكرة لعنة الفراعنة، بأكثر مما اهتم بتفسيرها..
ولكن هذا كان دأب الجميع، فى تلك المرحلة الزمنية، خاصة وأن الفكرة نفسها بدت جذابة ومثيرة، خاصة وهى ترتبط بعالم الأسرار والأساطير، وحمى السحر والتنجيم والغموض..
ودون أية دلائل علمية أو تاريخية، أعقبت ذلك الكتاب عدة كتب أخرى، تنسب موت عشرات المشاهير إلى لعنة الفراعنة، التى صارت صرعة النصف الأول من القرن العشرين..
حتى (يوليوس قيصر) نفسه، ادعوا أن لعنة الفراعنة قد طاردته، وأصابت عقله بحمى جنونية، دفعته إلى تلك الأفعال الديكتاتورية، التى انتهت بمقتله واغتياله، على يد مجموعة من المقربين له، وعلى رأسهم ربيبه (بروتس)..
وأصيب الناس بالضجر والملل، من هذه الكتب السخيفة، وقرَّروا تجاهلها فجأة، فانخفضت مبيعاتها إلى حد كبير، وبدا وكأن لعبة لعنة الفراعنة هذه قد بلغت نهايتها، و..
وفجأة، ظهر كتاب جديد فى الأسواق..
كتاب قلب كل الموازين، رأساً على عقب..
وبمنتهى العنف.

* * *



بيجاسوس 24-07-07 08:54 AM

الفراعنة و لعنتهم 3

تايت[محذوف][محذوف][محذوف][محذوف]

3 - تايت[محذوف][محذوف][محذوف][محذوف]..
* فى صيف 1985م، وبعد أشهر من البحث، استقل البروفيسير (روبرت بولارد)، المتخصِّص فى تصوير الأعماق، الغوَّاصة العلمية (ألفن)، والمجهزة للغوص حتى مسافة 13 ألف قدم، تحت سطح المحيط، لاستكمال مشروع البحث عن حطام سفينة، غرقت منذ ثلاثة وسبعين عاماً تقريباً..
كانت الغوَّاصة (ألفن) مزوَّدة بإنسان آلى صغير، يكمن فى تجويف خاص فى مقدمتها، ويمكن إطلاقه بوساطة قائدها، إلى مسافات تعجز الغوَّاصة عن بلوغها، فى أعمق الأعماق..
وعبر كاميرا صغيرة، فى مقدمة الآلى (أرجو)، راح البروفيسير (بولارد) يتلقى عشرات الصور، لأعماق المحيط الأطلنطى، فيفحصها ويراجعها بمنتهى الدقة، دون أن يعثر فيها على أدنى أثر لما يبحث عنه..
ثم فجأة، بدأ (أرجو) يرسل مجموعة من الصور الإيجابية..
صور لم تكن واضحة فى البداية، إلا أنها لم يلبث أن اتضحت رويداً رويداً، وأصبحت جلية نقية، على نحو انتفض به قلب (بولارد) بين ضلوعه، وتفجَّر معه الحماس فى قلوب كل رجل من رجال بعثته الصغيرة..
هذا لأن (أرجو) قد عثر أخيراً على السفينة موضع البحث..
والأهم، أنها لم تكن سفينة عادية..
بل كانت أشهر سفينة غارقة، فى التاريخ الحديث كله..
كانت (تايت[محذوف][محذوف][محذوف][محذوف])..
و(تايت[محذوف][محذوف][محذوف][محذوف]) هذه كانت سفينة عظيمة هائلة، تعتبر طفرة تاريخية فى تاريخ صناعة وبناء السفن، إذ أنها أضخم سفينة ركاب شهدها العالم، حتى تاريخها، إذ بلغ وزنها 52310 طناً، وبلغ طولها 882 قدماً، وعرضها 94 قدماً فى المتوسط، كما أن ارتفاعها كان يبلغ ارتفاع مبنى من أحد عشر طابقاً..
حتى اسمها، كان يعنى المارد..
ولم تكتف (تايت[محذوف][محذوف][محذوف][محذوف]) بالضخامة، وإنما أضافت إليها الفخامة المفرطة أيضاً، والتى لم تعرفها سفينة ركاب من قبل، وبالذات فى درجتها الأولى، ذات حجرات النوم الهولندية، وقاعات الطعام الكبيرة، والصالونات الفاخرة، والشرفات الضخمة…
وعندما تم الإعلان عن تدشين (تايت[محذوف][محذوف][محذوف][محذوف])، تسابق كبار الأثرياء والتجار لحجز أماكنهم عليها؛ للفوز بأولى رحلاتها، التى ستعبر خلالها المحيط، حتى تصل إلى الشاطئ الأمريكى.
وفى العاشر من أبريل 1912م، ترقب العالم بمنتهى اللهفة، رحلة (تايت[محذوف][محذوف][محذوف][محذوف]) الأولى عبر المحيط، وأحيطت تلك الرحلة بدعاية هائلة، حتى لقد اصطف آلاف الناس، على رصيف ميناء (كوينستون) فى (إنجلترا)، بين مودعين ومشاهدين، لمراقبة السفينة العملاقة، والانبهار بها، ومشاهدة انطلاقتها الأولى، وعلى متنها صفوة الأثرياء ورجال المجتمع، وفى قاعها مئات من مسافرى الدرجتين، الثانية والثالثة..
وانطلقت (تايت[محذوف][محذوف][محذوف][محذوف])..
انطلقت تمخر عباب المحيط، فى زهو وخيلاء، وصاحبها يُعلن، فى تعال مغرور، أن سفينة من القوة والضخامة، حتى أن القدر نفسه، لا يمكنه أن يغرقها..
ويا لها من عبارة جاحدة، متجنية، مغرورة، حمقاء..
ففى الرابع عشر من أبريل، وبعد أربعة أيام فحسب من بدء رحلتها، وبخطأ ملاحى صغير، ارتطمت العملاقة (تايت[محذوف][محذوف][محذوف][محذوف]) بجبل جليدى ضخم، لم يدر أحد، حتى هذه اللحظة، كيف لم يره قبطانها ومهندسوها وبحارتها..
وعلى الرغم من أن السفينة الماردة، كانت مصممة بحيث يمكن عزل أى قسم يصاب منها، عن باقى أجزاءها، إلا أن المياه قد غمرتها بسرعة مدهشة، لم تسمح باتخاذ أية إجراءات وقائية..
وابتسم القدر فى سخرية، عندما بدأت (تايت[محذوف][محذوف][محذوف][محذوف]) تواجه ما تصوَّر صانعوها أنه مستحيل!!..
الغرق..
وطوال اثنتى عشرة ساعة كاملة، وكم هائل من الرعب، واضطراب ما له من حدود، راحت (تايت[محذوف][محذوف][محذوف][محذوف]) تغرق.. وتغرق.. وتغرق..
وفى يوم 15 أبريل 1912م، اختفت (تايت[محذوف][محذوف][محذوف][محذوف]) تماماً، فى قاع المحيط الأطلنطى..
وكان يمكن ألا نربط بين غرقها ولعنة الفراعنة، بأى حال من الأحوال، لولا ما نشره أحد الناجين منها فيما بعد، مع روايته كشاهد على عملية غرق أشهر سفينة فى التاريخ..
ففى شهادته، أشار الرجل بشكل عابر، إلى أن مخزن بضائع السفينة كان يضم تابوتاً لكاهنة فرعونية، ارتبط وجوده بأحداث مخيفة رهيبة، قبل أن يغرق مع كل ما غرق ومن غرق مع (تايت[محذوف][محذوف][محذوف][محذوف])..
فمنذ تم وضع التابوت فى مخزن البضائع، فى قاع (تايت[محذوف][محذوف][محذوف][محذوف])، كان عمال المخزن يرون ويسمعون ما أصابهم بالرعب، وجعلهم يطالبون بإعفائهم من العمل، أو نقلهم إلى وظيفة أخرى، حتى ولو تم تخفيض رواتبهم، أو مضاعفة جهدهم..
فما أن يحل الليل، كانوا يسمعون تأوهات الكاهنة، ويرون شبحها، و…
والواقع أننى شخصياً لا أصدق حرفاً واحداً من كل هذا، بل وأشعر معه بالكثير من الخيال والتدليس، خاصة وأنه ليس من السهل أن تتواجد امرأة فى عالم الكهنة، فى (مصر) الفرعونية..
ثم أن أحداً لم يعثر على ذلك التابوت المزعوم قط، بعد العثور على حطام (تايت[محذوف][محذوف][محذوف][محذوف])، وكل ما كان على سطحها تقريباً..
إلا أن القصة تجدى صدى كبير، لدى كل المتابعين لأسطورة لعنة الفراعنة، وكل من يسعى لإثبات صحتها أو عدمها، حتى أنك ستجدها فى عشرات الكتب والمراجع، الخاصة بهذا الأمر..
وعندما تم سؤال البروفيسير (روبرت بولارد) عن قصة تابوت الكاهنة هذه، جاءت إجابته غامضة للغاية، إذ أنه لم يؤكد وجوده، كما لم يؤكد فى الوقت ذاته العثور على عشرات الأشياء الأخرى، ولكنه لم ينف فكرة تواجده تماماً، وإنما أشار إلى أن عشرات السنين، التى قضتها (تايت[محذوف][محذوف][محذوف][محذوف])، فى قاع المحيط الأطلنطى، كانت كافية تماماً لتحلل وفساد واختفاء عشرات الأشياء، من سطحها، وقاعها، ومخزن بضائعها بالطبع..
وجواب البروفيسير (بولارد) منطقى تماماً، فالتابوت كان مصنوعاً من الخشب، وليس من الحجر، والمومياء ستتلف حتماً، وسط المياه المالحة، وربما تلتهما الأسماك أيضاً..
أو أن هناك تفسير آخر..
ففور الإعلان عن العثور على حطام السفينة العملاقة، تسابق مئات من هواة التحف والأثريات، لحجز وشراء أى شئ، تم العثور عليه داخلها..
وهناك شائعة قوية، تقول: إن أحد كبار الأثرياء الأمريكيين قد ابتاع التابوت سراً، وبداخله مومياء الكاهنة بالطبع، خشية أن يطالب به متحف (نيويورك) رسمياً، نظراً لأنه كان مشحوناً لحسابه، بالفعل، عندما غرقت (تايت[محذوف][محذوف][محذوف][محذوف])..
ولكنها تبقى مجرد شائعة..
تماماً ككل ما يرتبط بتلك اللعنة الوهمية المزعومة..
فمن المدهش أنه، وعلى الرغم من انتشار المصطلح، ومن آلاف القصص والروايات، وأفلام السينما، والكتب التى دارت حوله، إلا أنه لا توجد قصة دقيقة واحدة، أو حتى رسالة علمية منطقية، حاولت البحث عن الأمر..
كل ما حدث هو عملية رصد دقيقة لحالات الوفيات، بين معظم من عملوا فى مجال البحث عن الآثار الفرعونية..
والفرعونية بالتحديد..
فالعجيب أن أحداً لم يتحدث عن أية لعنة، تصيب الباحثين عن الآثار الرومانية، أو اليونانية، أو الآشورية، أو حتى حضارات الأنكا، فى (أمريكا) الجنوبية.. فقد ارتبطت اللعنة بالآثار الفرعونية..
وبالذين سعوا خلف الآثار الفرعونية..
الرحالة الشهير (بلزونى) مثلاً، جاب العالم، بحثاً عن الآثار، فى مختلف البلدان، وحقق انتصارات مدهشة ومثيرة، دون أن يصيبه مكروه..
ثم جاء إلى (مصر)، وبدأ ينبش قبور الفراعنة، ونقل قاعدة تمثال (آمون) من (الأقصر)، وانتشل مسلة من قاع النيل، وأجرى أبحاثاً طويلة عن هرم (خوفو)، بحثاً عن مدخله، واقتحم المقابر، والمعابد، واستخرج الجثث، والمومياوات، والعظام..
ثم فجأة، أصابه ذلك المرض الغامض، الذى أصاب معظم علماء الآثار، فسيطرت عليه حمى لاهبة، وأصابه الهذيان، وطاردته الهلاوس، حتى لقى حتفه، فى مساء الثالث من ديسمبر، عام 1823م، وهو بعد فى الخامسة والأربعين من عمره..
نفس الحمى..
ونفس النهاية..
ولأن حالات الموت متشابهة دوماً، فى كل من أصابته لعنة الفراعنة المزعومة، فقد جذب هذا انتباه واهتمام البروفيسير الألمانى (فيليب فاندنبرج)، والذى خرج إلينا بتفسير جديد للعنة الفراعنة..
تفسير علمى..
ولأوَّل مرة.

* * *

بيجاسوس 24-07-07 08:57 AM


الفراعنة و لعنتهم 4

4 - وتحدث العلم..
* عبر السنوات الطويلة، التى تردَّد خلالها مصطلح (لعنة الفراعنة)، كانت معظم الكتب والدراسات، الخاصة بها، تقتصر على تسجيل ورصد الحالات، التى ارتبطت بالتنقيب عن آثار فرعونية، والتى لاقت مصيراً غامضاً، وعانت من حمى غامضة مجهولة، تنتهى عادة بالوفاة..
ثم جاء كتاب البروفيسير الألمانى (فيليب فاندبنرج)..
وكتاب (فاندبنرج) يعد موسوعة علمية متكاملة، عن (لعنة الفراعنة)، ومحاولة شديدة الجرأة؛ للبحث عن تفسير علمى لها، من خلال مختلف اتجاهات العلم، بدءاً من الكيمياء، ووصولاً إلى الإشعاعات النووية..
ولقد اهتم (فاندبنرج) كثيراً بتسجيل معظم الحالات، التى أصابتها (لعنة الفراعنة)، من وجهة نظره، ثم توقف طويلاً عند تلك الحمى، التى أصيبت بها معظم الحالات، والتى أدت إلى الهذيان والهلوسة، ثم الموت فيما بعد..
ومن هنا، وضع العالم الألمانى نظريته..
ونظرية (فاندبنرج) تربط لعنة الفراعنة بثلاثة احتمالات علمية، تبدو فى جانب منها منطقية ومعقولة، إلى حد كبير..
الاحتمال الأوَّل هو أن تحوى مقابر الفراعنة، وملوكهم على وجه الخصوص، غازات سامة، أو عقاقير وأتربة بطيئة المفعول، من ابتكار الكهنة، الذين أخفوا دوماً علومهم عن العامة، وإن تركوا لنا دلائلها، من خلال سر التحنيط، الذى حار فيه علماء الكيمياء، حتى يومنا هذا..
ومن وجهة نظر العالم الألمانى، أن الكهنة قد ابتكروا نوعاً من السموم شديدة البطء، أشبه بعقاقير الهلوسة، ومزجوها بأتربة المقابر الخاصة بالملوك، كوسيلة لعقاب كل من تسول له نفسه نبشها أو سرقتها..
وربما كانت تلك العقاقير أكثر تأثيراً فى الماضى، وأسرع مفعولاً، إلا أن خواصها قد تغيرت تماماً، عبر آلاف السنين من التخزين، ولكنها، وفى كل الأحوال، تترك أثرها فى دماء كل من يقتحم المقابر الفرعونية، ويستنشق ترابها، ثم يبدأ تأثيرها بعد عدة سنوات، على شكل حمى، وهذيان، وهلوسة..
والاحتمال قد يبدو منطقياً للوهلة الأولى، إلا أن قليل من التفكير فيه، يجعلنا ندرك عقمه تماماً، إذ أن العلم قد قطع شوطاً ضخماً، فى السنوات العشر الأخيرة، وأصبح من السهل تحليل أتربة المقابر، ومعرفة كل ما تحويه، بل إنه هناك مراكز متخصصة لأبحاث التربة، يمكنها تحديد مكونات أية عينة من الأتربة بمنتهى الدقة..
وبمنتهى السرعة أيضاً..
والكشوف الأثرية ما زالت مستمرة، ولم تتوقَّف حتى الآن، ولو أن احتمال السموم بطيئة المفعول هذا وارد، لتوصل إليه العلم الحديث فوراً..
ولكن (فاندبنرج) نشر كتابه فى سبعينات القرن العشرين، وقبل أن يبلغ العلم هذا الحد، أو تظهر أجهزة وبرامج الكمبيوتر، التى قلبت كل الموازين، رأساً على عقب..
ولكن دعونا لا نتوقف طويلاً عن الاحتمال الأوَّل، ولننتقل منه إلى الاحتمال الثانى، والأقرب إلى المنطق..
الفيروسات..
فالبروفيسير الألمانى يفترض أنه كان هناك فيروس قديم، كامن فى أتربة مقابر ملوك الفراعنة..
فيروس ساد فى القرن القديمة، أو استخدمه الكهنة أيضاً، فى فترة ما، أو أنهم قد ورثوه من حضارة سابقة!!..
وذلك الفيروس ينتقل إلى أجساد من يقتحم المقابر، ويسرى فى دمه وأنسجته، ليقضى فيها فترة حضانته، التى تبلغ سنوات وسنوات، وترتبط بالقابلية الشخصية للإصابة، وبقوة مناعة الجسم، التى تختلف من شخص إلى آخر.. وعندما يبدأ ذلك الفيروس المفترض نشاطه، يصاب الإنسان بالحمى، التى تهاجم المخ على الأرجح، مسببة الهذيان والهلوسة..
والاحتمال هذه المرة منطقى وعلمى تماماً، ويمكننا هضمه واستيعابه، إلى حد كبير، وخاصة بعد ظهور فيروس (الإيدز)، الذى يكمن فى الأجساد لسنوات طويلة بالفعل، قبل أن تبدأ أعراضه فى الظهور..
ثم أن فكرة الفيروس هذه تتناسب مع الحمى المخية، والهذيان، والهلوسة، والوفاة أيضاً..
وكذلك تتفق مع عجز الأطباء عن تشخيص المرض، فى عصر لم تكن الأبحاث الطبية قد تطوَّرت إلى الحد الكافى، لكشف مثل هذه الكائنات الدقيقة، واستيعاب طبيعتها وأعراضها..
ولكن تعود بنا الخيوط إلى السؤال الأوَّل..
لماذا لم يعد ذلك الفيروس يظهر، فى الكشوف العلمية والأثرية الحديثة؟! هذا السؤال نتركه للبروفيسير الألمانى، ونتركه لعقولنا، تدرسه، وتناقشه، وتحلله..
ثم تتوصل إلى نتائجه..
أما نحن، فسننتقل إلى الاحتمال الثالث، فى نظرية (فاندبنرج)..
والاحتمال الثالث مدهش، ومثير للحيرة، ولست أدرى حتى كيف وضعه العالم الجليل، ولكن يبدو أن إيمانه بالفراعنة كان يتجاوز كل الحدود..
فذلك الاحتمال، هو أن ترتبط (لعنة الفراعنة) بنشاط إشعاعى ذرى، ظل مختزناً داخل مقابر الملوك لآلاف السنين، لينطلق فى وجه كل من ينبشها..
وربما يتفق الاحتمال مع بعد التأثير، ومع أعراض الحمى والهلوسة والهذيان، والموت فى نهاية المطاف، كما يتفق أيضاً مع عجز الأطباء القدامى عن تشخيص الحالات، وحيرتهم فى مواجهتها، إلا أنها تضعنا أمام احتمال جديد، يبدو أكثر خيالاً من كل ما سبقه..
احتمال أن الفراعنة كانت لديهم معرفة دقيقة بالنشاطات الإشعاعية.. وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق..
حتى لو افترضنا أنهم قد توصلوا إلى تراب اليورانيوم مثلاً، وأن الكهنة قد أدركوا أنه يختلف عن التراب العادى، وأن له تأثيرات فتاكة على كل من يلمسه أو يستنشقه، فسنتساءل بدورها، كيف أمكنهم اتقاء تأثيره عليهم، دون أن تكون عندهم أبحاث، ودراسات، ووسائل مقاومة؟!..
ولو افترضنا أن هذا قد حدث بالمصادفة، ودون وعى منهم، وأن بعض المواد، الداخلة فى مساحيق التحنيط، كانت مواد مشعة فتاكة، فأين ذهبت هذه المواد، ولماذا غاب تأثيرها، واختفت من المقابر، على الرغم من أنها قد بقيت لآلاف السنين؟!..
ثم لماذا تواجدت فى الكشوف القديمة، ولم تتواجد فى الكشوف الحديثة؟! كل هذا ينبغى أن يقودنا إلى نتيجة واحدة لا غير، مع جزيل احترامنا للبروفيسير (فيليب فاندبنرج)، وشهرته، وعلمه الغزير..
يقودنا إلى أنه لا وجود لما يسمى بـ(لعنة الفراعنة)!..
ربما كانت هناك حوادث عديدة، ترتبط بكل من نقب عن الآثار، فى أزمته انخفضت فيها درجة الوعى الصحى، إلا أن هذا لا يعنى وجود لعنة أسطورية، صالحة لخيال الكتاب والسينمائيين، ولكنها غير قادرة على إقناع أى صاحب عقلية علمية أو منطقية..
وهنا، ينبغى أن أضم صوتى لكل الأصوات، التى ترفض، وبشدة، فكرة (لعنة الفراعنة) هذه، والتى تستنكر حتى ترديد المصطلح، أو حتى مناقشة احتمالات صحته..
وأهم ما ينبغى معرفته، فى هذا الشأن، هو أن أكثر من هاجم الفكرة، وحارب لإثبات زيفها وحمقها، هو الشخص الذى ارتبط اسمه بمنشئها، منذ أول مرة ظهر فيها المصطلح..
(هوارد كارتر) شخصياً..
فمع شغف الناس بالحديث عن الأمر وترديده، كتب (كارتر) عدد كبير من المقالات، وألقى مئات المحاضرات، واشترك فى عشرات الندوات، ليهاجم الفكرة، ويؤكد أنها مجموعة من المصادفات السخيفة، بدليل أنه أول من دخل مقبرة (توت غنخ آمون)، أو أول من رصد ما بداخلها، لو شئنا الدقة، ولم تصبه أية أعراض، يمكن أن ترتبط بالمصطلح..
لا ألم، أو حمى، أو هذيان، أو هلوسة..
ولقد عاش (كارتر) حتى عام 1939م، فى صحة جيدة، ودون أن يعانى سوى من الأعراض الطبيعية للتقدم فى العمر، حتى مات ميتة هادئة فى فراشه، وهو يواصل إنكاره واستنكاره لفكرة (لعنة الفراعنة)..
ولكن العجيب والمدهش أن أحداً لم يستمع إليه..
هذا لأن الفكرة، بما تحويه من أسطورية وغيبيات، قد استهوت الناس، فى كل أنحاء العالم، وأصبحت مادة تجارية رابحة، ووسيلة لترويج مئات الكتب، والروايات، والدراسات، وأفلام السينما..
وهكذا أغلقنا جميعاً باب العقل والمنطق، وغرقنا حتى النخاع فى هلاوس وخزعبلات وخرافات، وروايات لا أثل أو أساس لها..
أو ربما نفعل هذا كجزء من لعنة، تلازمنا جميعاً بلا هوادة..
لعنة الفراعنة.

* * *

بيجاسوس 24-07-07 08:58 AM


قلب الظلام (فوبيا)


فوبيا
الحلقة الثانية
د. نبيل فاروق
2 - قلب الظلام..
* تخيَّل نفسك فى مكان ما، لا تألفه جيِّداً، ثم انقطعت الأضواء كلها فجأة، ووجدت نفسك فى قلب الظلام..
ظلام دامس رهيب، يحيط بك من كل جانب، ويرسم فى خيالك عشرات الصور، والأوهام، والمخاوف، ويرهف حواسك حتى لتبدو أية حركة بسيطة أشبه بزحف ثعبان سام، أو انقضاضة خفاش قاتل، أو فحيح عفريت من الجن، أو… أو..
كل هذا سيصنعه عقلك فى قلب الظلام، الذى سيجعلك ترتجف، وترتجف، وربما إلى درجة الرعب..
وهنا تكمن (الفوبيا)..
(فوبيا) الظلام..
و(فوبيا) الظلام هذه هى أكثر أنواع المخاوف المرضية انتشاراً، وتعود أسبابها، فى نظر معظم علماء النفس الأمريكيين، إلى خوف الإنسان الغريزى من المجهول…
أى مجهول..
فمنذ عصور ما قبل التاريخ، كان الإنسان يدرك أنه محاط بمخاوف لا حصر لها..
مخاوف من الأعداء، والوحوش، والحيوانات، والحشرات السامة، وحتى من الطبيعة نفسها..
ولأنه لم يدر أبداً من أين تأتيه الضربة، أصبح يخشى كل من حوله..
وكل ما حوله..
ولأن الظلام غامض ومجهول، ووسائله لا تسمح له بكشف ما يحدث داخله، فقد اعتاد الإنسان القديم أن يخشى الظلام، ويخافه، ويتحاشاه بكل الوسائل الممكنة..
وربما لهذا، اخترع الإنسان النار، لكى يبدِّد بوهجها ما يحيط به من ظلام، ويخيف أعداءه، ويرى طريقه طوال الوقت..
وعلى الرغم من تطوّر العلم ووسائل الإنارة، احتفظ الإنسان بخوفه المرضى الموروث من الظلام، والمجهول، وكل ما يستغلق عليه معرفته أو فهمه..
بل ويقول البعض أن تطوّر وسائل الإنارة قد ضاعف من خوف الإنسان الحديث من الظلام، فقد اعتاد مع الوقت أن يحيا فى أضواء مبهرة، تحيط به فى كل لحظة، وأن يطوّعها ويطوِّرها بضغطة زر واحدة، فيغيِّر من شدتها، وتوهّجها، وانتشارها..
ولأنه قد اعتاد هذا، فما أن يحيط به الظلام، حتى ينتابه خوف مرضى عنيف، فيضطرب ويتخبَّط، ويدور حول نفسه، وربما يبلغ مرحلة الرعب العنيف أيضاً..
والواقع أن الحداثة قد أضافت إلى البشر عشرات المخاوف، التى ترتبط كلها بالظلام، وخاصة مع موجة أفلام الرعب، والأشباح، والعفاريت، التى ساعدت خياله على أن يتصوَّر عشرات الأعداء الوهميين، الذين يتحفزون للانقضاض عليه، من كل ركن مظلم..
ونحن نساهم كثيراً فى زرع (فوبيا) الظلام، فى نفوس أبنائنا وبناتنا، عندما نروى لهم قصص الجن والعفاريت وغيرها..
الأمر الطريف، أن بعض أنواع الحيوانات أيضاً تخشى الظلام، وتسعى دوماً للتواجد فى أية بقعة من الضوء، مما يوحى بأن هذا الخوف بالذات له أصول فى خلايانا وأدمغتنا، ونفوسنا كذلك..
والخوف المرضى من الظلام يتشارك مع خوف آخر، على نحو متلازم فى كثير من الأحياء، ومنفصل فى أحيان أخرى، وهو الخوف من الأماكن المغلقة..
وتلازم الخوف من الظلام مع (فوبيا) الأماكن المغلقة يعود أيضاً إلى خشية الإنسان الشديدة من الموت، إذ تبدو له الأماكن المغلقة أشبه بالقبر، فإذا ما أضيف إليها الظلام، تضاعفت الصورة، وتضخَّمت، وبلغت حد الانهيار..
وفى حالات عديدة، أصيب أمثال هؤلاء المرضى بجنون مطبق، بعد بقائهم لخمس ساعات فقط، فى أماكن مظلمة مغلقة، و97% منهم أصابهم هذا داخل مصاعد معطلة، أثناء حالات انقطاع التيار العرضية..
وهلع المصاعد هو الصورة المثلى، والأكثر انتشاراً، لمرضى (فوبيا) الأماكن المغلقة، فبالنسبة لهذه الفئة، يعتبر المصعد مجرَّد قبر متحرِّك، حتى أنه هناك حالة مسَّجلة لمواطن أمريكى، ظل طيلة عمره يقيم فى أدوار منخفضة، أو فى منازل مستقلة، من طابق أو طابقين على الأكثر، وكان يرفض العديد من الوظائف الممتازة، على الرغم من كفاءته الشديدة؛ لمجرَّد أن الشركات التى تلقى عروضها، تحتل بعض الطوابق العليا، فى ناطحات سحاب شاهقة، وعندما قبل أخيراً عرضاً لشركة (ميكروسوفت)، فى فرع لها، فى الطابق الخامس من بناية كبيرة، ظل طوال فترة عمله فيها يصعد إلى مكتبه عبر درجات السلم، ولم يستقل المصعد مرة واحدة..
وهناك حالة مسجلة أخرى لمريضة شابة، لم تصعد منفردة فى أى مصعد قط، حتى أنها كانت تقف إلى جوار أى مصعد لساعات، حتى يظهر راكب آخر، لتشعر أنها ليست وحدها داخل مصعد مغلق..
وحتى فى وجود ركاب آخرين، كانت تصاب بحالة عجيبة من التخشُّب طوال الوقت، أثناء صعود أو هبوط المصعد، وتتسع عيناها فى رعب هائل، على نحو يوحى بأنها تخوض أشد لحظاتها صعوبة..
وعلى عكس تلك الحالة تماماً، كانت هناك حالة أخرى، لامرأة فى منتصف العمر، ترفض تماماً أن تستقل المصعد، فى وجود آخرين، على الرغم من خوفها الشديد من الأماكن المغلقة، ولكنها كانت مصابة بخوف أكثر مرضية، من الغرباء..
أى غرباء..
والخوف من الظلام والأماكن المغلقة، يقود إلى خوف آخر، مشابه أو متلازم، أو ينتمى إلى المجموعة نفسها..
الخوف من البحر..
أو من أعماق البحر..
والخوف من البحر، وأعماق البحر، ينتمى إلى (فوبيا) ذات مجموعة ضخمة للغاية، ألا وهى (فوبيا) المجهول..
أى مجهول..
فالبحر يمثل لأصحاب هذا المرض مساحة ممتدة إلى مدى البصر، وأعماق غامضة مريبة، لا يمكنهم رؤيتها، أو معرفتها، أو استنباط ما يدور فيها، أو ينتشر عبرها..
وككل مجهول، يعطى البحر للمرضى بهذه (الفوبيا) شعور غامض بالخوف وعدم الأمان، خاصة وأن خيالهم يضخم دوماً كل ما يتلقونه من معلومات عن أعماق البحر، ويمزج كل هذه المعلومات بمخاوفهم، بحيث يتصورون طوال الوقت أن وحشاً سينقض عليهم، أو كائناً مفترساً سيلتهمهم، أو حتى دوَّامة مفاجئة ستبتلعهم، أو تيار قوى سيسحبهم إلى أعمق الأعماق، حيث يموتون مختنقين، على نحو يثير رعبهم، حتى فى أحلامهم وكوابيسهم..
والمصابون بهذه (الفوبيا) لا يمارسون رياضة السباحة أو الغوص أبداً، بل إن بعضهم قد يتحاشى رؤية أية أفلام سينمائية، تتحدَّث عن البحر وأعماقه، أو قراءة أية رواية من روايات البحر..
وبعض الحالات الخفيفة، من (فوبيا) الأعماق، يتمكن أصحابها من السباحة والغوص، ولكن فى أحواض السباحة فقط، حيث يمكنهم رؤية القاع فى وضوح، وتحديد كل تفاصيله أو تضاريسه، قبل المجازفة بالغوص فى أعماقه..
وفى واحدة من الحالات المسجَّلة، كانت المريضة ترفض وضع قدميها فى أى مساحة من المياه، حتى فى حوض الاستحمام المنزلى، بل أنها كانت ترتجف ارتجافة عنيفة، لرؤية أى حوض استحمام، ولو كان فارغاً تماماً..
وفى حالة أكثر عنفاً، كان المريض يرفض تناول ماء الشرب نفسه، ما لم يكن داخل وعاء شفاف، يمكنه منه رؤية قاعه فى وضوح..
وهناك حالة نادرة للغاية، لشاب ولد فى أسرة من الصيادين، ظل طيلة عمره يخشى مجرَّد لمس مياه البحر لقدميه، وعندما حاول أفراد أسرته تخليصه من هذا الخوف المرضى، بأسلوبهم البسيط المباشر، حملوه عنوة، وألقوه وسط الماء، على مسافة متر واحد من الشاطئ، وعلى الرغم من أن عمق المياه هناك، لم يكن يتجاوز السنتيمترات العشرة، إلا أن الشاب أصيب بفزع شديد، وراح يضرب الماء بذراعيه بكل رعب الدنيا، فى نفس الوقت الذى دفن فيه رأسه فى شبر من الماء، دون سبب معروف، على الرغم من محاولة الكل انتشاله، حتى لقى مصرعه غرقاً، أمام عيون الجميع!!..
ولقد أصيب الكل بالذهول، وهم يخرجون جثته، ويضعونها على الشاطئ، دون أدنى تفسير لما فعله بنفسه، والذى يتجاوز حدود كل عقل أو منطق..
ولكن أى عقل، وأى منطق، مع (فوبيا) مرضية؟!..
لقد فعلها الشاب، أياً كانت الأسباب، وقتل نفسه فى شبر من المياه، بسبب رعب هائل بلا حدود، ملك جوارحه، وألغى عقله تماماً، مع كل حواسه الأخرى..
رعب (فوبيا) الأعماق..
وهذا الرعب يرتبط بنوع آخر من (الفوبيا)..
نوع حيوانى..
جداً.

* * *

بيجاسوس 24-07-07 08:59 AM

أنياب الخوف (فوبيا 3)


أنياب الخوف

* (الفوبيا) هذه المرة من نوع متميِّز، ومختلف، وخاص..
خاص جداً..
(فوبيا) لها أنياب.. ومخالف..
(فوبيا) الحيوانات..
وربما يتبادر إلى ذهنك، مع الوهلة الأولى، أن هذا النوع من (الفوبيا)، أو الخوف المرضى، من الحيوانات، يقتصر على الحيوانات المفترسة وحدها دون سواها، حيث ترتبط فى أذهان الناس دوماً بالوحشية، والعنف، والدم، والألم، والموت أيضاً..
ولكن الحقيقة تختلف كثيراً..
فالمصابون بهذا النوع من (الفوبيا) يصابون بالخوف المرضى، والفزع، والرعب، والهلع، وكل المشاعر المشابهة الأخرى، من كل أنواع الحيوانات، المفترسة، والأليفة، وحتى الوديعة منها..
ومن المؤكَّد أنك قد التقيت فى حياتك حتماً بأحد المصابين بهذه الحالة العجيبة، وأنك قد رأيت من يصاب برعب بلا حدود، عند رؤية قط، أو كلب منزلى، أو أرنب، أو حتى حمار..
وربما ترتبط بعض الحالات بذكرى مؤلمة، فى فترات الطفولة أو الصبا، كأن يداعب طفلاً هرته مثلاً، فتخدشه بعنف، مما يولِّد لديه خوفاً مرضياً من القطط طوال العمر، أو حتى يشاهد كلباً يعقر شخصاً آخر، ويرى الآلام الرهيبة التى يعانيها هذا الآخر، فيخشى الكلاب حتى آخر لحظة فى عمره..
ولكن هناك حالات أخرى، لم يجد الأطباء النفسيون فى تاريخها كله، وحتى تحت تأثير التنويم المغنطيسى، أى موقف أو حادث، يمكن أن يكون السبب فى إصابتها بهذا الخوف المرضى من الحيوانات..
كل الحيوانات..
وحالات الخوف من الحيوانات تختلف من مريض إلى آخر، ككل أنواع (الفوبيا)، فهناك مريض يصيبه الفزع، عند رؤية حيوان يجرى هنا أو هناك، أياً كانت نوعيته، أو كان حجمه..
وفى حالات أخرى، لا يرتبط الخوف المرضى إلا بالحيوانات الحية، ويتلاشى تماماً أمام أى حيوان ميت، باعتبار أن موته يعنى انتهاء شروره، أو ما يمكن أن يسببه من أذى للآخرين..
وهناك حالة مسجلة عن مريض، لم يكن باستطاعته أبداً التطلَّع إلى عينى أى حيوان، ويتصوَّر دوماً أنه إذا ما التقت عيناه بحيوان ما، فإن هذا الحيوان سيتحداه، ويستفزه، وسينتهز أية فرصة سانحة للانقضاض عليه، وافتراسه بلا رحمة..
وهناك حالة أخرى لمريضة، كان يمكنها أن تتعامل مع الحيوانات بكل أنواعها، لو أنها حبيسة الأقفاص، أو بعيدة عن متناول يدها، أما لو لمسها أى حيوان، فهى تصرخ، وتولول، وتبكى، وتنهار، وتقضى ساعات وساعات فى غسل ذلك الموضع، الذى لامسه الحيوان، حتى أنها ذات مرة أزالت جلد ساعدها وألهبته، من فرط محاولتها تنظيفه..
والخوف المرضى من الحيوانات لا يرتبط بقوة المرء أو شجاعته العامة، فى مواجهة أية مواقف أخرى، بل هو نوع منفصل تماماً من المخاوف، ينمو فى ظروف خاصة، تختلف دوماً عن الظروف الطبيعية..
وأكبر مثال لهذا هو حالة (دى لوكا)..
و(دى لوكا) هذا كان رجلاً ضخم الجثة، عريض المنكبين، طويل القامة، له ملامح غليظة صارمة، وأطراف كبيرة على نحو مفرط، بحيث يبدو فى معطفه الداكن أشبه بصورة حية لمسخ (فرانكنشتاين) الشهير..
أما وظيفته، فكانت القتل!!..
نعم.. كان (دى لوكا) قاتلاً محترفاً، يعمل لحساب (المافيا) الإيطالية فى الثلاثينات، ويلازم زعماءها ملازمة الظل، وينفذ أوامرهم بلا مناقشة، وبلا تردُّد أيضاً، فيكفى أن يشير أحدهم إلى شخص ما، حتى يعتبر (دى لوكا) هذا أمراً بالقتل، لابد وأن يعمل على تنفيذه بأى ثمن..
وعلى الرغم من أن ذكاء (دى لوكا) كان محدوداً للغاية، فى النواحى الحسابية والاجتماعية، والعلمية بالطبع، إلا أنه كان يمتلك ذكاءً وحشياً عجيباً، فيما يختص بعمليات القتل، إذ كان يدبرها، ويخطِّط لها، وينفذها فى براعة مدهشة، حتى أن كل وسيلة لحماية الضحية، لم تكن لتحول بينه وبينها قط..
ومن الناحية العملية، كان (دى لوكا) قاتلاً بلا قلب أو مشاعر، يمكنه أن يكمل مذبحة بشعة، تسيل لها دماء الأطفال والنساء والشيوخ قبل الرجال، دون أن يطرف له جفن، أو تهتز فى جسده شعرة..
باختصار، كان كتلة من الغلظة، والقسوة، والوحشية، والقوة إلا لو وقع بصره على ثعبان!..
أى ثعبان!..
فما أن يرى (دى لوكا) ثعباناً يزحف أمامه، حتى ولو داخل قفص من زجاج سميكاً، ومضاد للرصاص، حتى تتسع عيناه عن آخرهما، ويرتجف من قمة رأسه حتى أخمص قدميه، ويغرقه العرق وكأنما خرج من بحر، وتتخشَّب أطرافه كالموتى، ويخفق قلبه بمنتهى العنف، حتى يكاد يثب من قفصه الصدرى بكل قوته..
ولقد تم كشف نقطة ضعف (دى لوكا) هذه بالمصادفة البحتة، عندما خرج لتنفيذ واحدة من عمليات القتل الاحترافية، ثم فوجئ بأن الهدف يهوى تربية بعض الثعابين، فى أقفاص زجاجية، فى حجرة مكتبه..
يومها فشل (دى لوكا) تماماً من المضى ولو خطوة واحدة، داخل حجرة المكتب، وتراجع بكل رعب الدنيا، بل وانطلق يعدو عبر شوارع (شيكاغو)، حتى بلغ منزله، فوثب تحت أغطية فراشه، وراح يرتجف حتى صباح اليوم التالى، وذهنه عاجز عن محو صورة الثعابين، وهى تزحف فى تعومة داخل أقفاصها الكبيرة..
وانتبه الضحية إلى ما حدث..
انتبه إلى أنه الهدف التالى للمحترف (دى لوكا)، وإلى أن شيطان (المافيا)، كما كانوا يطلقون عليه، مصاب بهلع مرضى من الثعابين؛ بكل أنواعها..
وفى اليوم التالى مباشرة، تسلَّل بعضهم إلى حجرة (دى لوكا)، وأودعوا فى فراشه وعاءً يحوى عدداً من الأفاعى الصغيرة..
وعاد (دى لوكا) إلى منزله، وأوى إلى فراشه، ورقد بين الثعابين، ثم انتبه إلى وجودها، و…
وفى الصباح التالى، عثروا على قاتل (المافيا) القاسى المحترف، ميتاً فى فراشه، وعلى وجهه نظرة رعب هائل، قضى عليه تماماً، على الرغم من أن الثعابين كلها كانت من النوع البسيط غير السام..
(دى لوكا) المرعب لم يمت بسم الثعابين إذن، وإنما بسبب خوفه المرضى الرهيب منها فحسب!!..
وهناك حالة أخرى لامرأة وحيدة، تعيش فى مزرعة صغيرة، فى جنوب (فرنسا)، مصابة بهلع مرضى من الفئران، حتى أنها كانت تنفق نصف دخلها السنوى على الشركات المتخصصة، فى إبادتهم وطردهم، ومنعهم من التسلَّل إلى منزلها الصغير..
وعلى الرغم من أن المنزل كان يخلو من أجهزة الإنذار، ونظم الأمن والتأمين المعتادة، فإنه كان يحوى عشرات من أجهزة الموجات فوق الصوتية، التى تدَّعى بعض الشركات قدرتها على طرد الفئران وأبعادها..
فى كل حجرة، وضعت المرأة جهازين على الأقل من هذه الأجهزة، حتى تشعر بالأمان، وتبعد عنها الفئران تماماً..
ولكن من عجائب القدر، أن هناك مثل قديم يقول : "إن من يخشى العفريت يراه"، ولقد تحقَّق هذا المثل بحذافيره، فى حالة هذه المرأة بالذات..
فذات يوم، أصابتها أزمة قلبية مفاجئة، أعقبتها حالة شلل رباعى، كما أكَّد تقرير الطب الشرعى فيما بعد، ومع سقوطها أرضاً، وعجزها عن الاتصال بأى شخص لمعاونتها، نفذ وقود المولدات، التى تمد منزلها بالطاقة، فحل الظلام، وتوقَّفت أجهزة طرد الفئران عن العمل، فانطلقت بالعشرات نحو المزرعة، وكأنما تنتقم من فترة الإبعاد الطويلة، وهاجمت العجوز العاجزة فى حجرة نومها،والتهمتها حية، وصراخها يملأ الجو، دون أن يسمعها أحد!!.. الصورة تبدو مفزعة للغاية، وستزعج خيالك طويلاً، إلا أنها لن تصيبك بالخوف المرضى من الفئران..
أو ربما تفعل!!..
ولكنها فى كل الأحوال واقعة حقيقية، على الرغم من بشاعتها..
واقعة ارتبطت بالخوف المرضى من أنواع بعينها من الحيوانات، مثل الخوف من أسماك القرش، أو الأخطبوط، أو السحالى، أو الثعابين..
والخوف من الحيوانات شديد وواسع الانتشار، وتصاب به النساء بأكثر مما يصاب به الرجال، وهو يشترك فى مواصفاته وطبيعته مع نوع آخر من (الفوبيا) المرضية..
نوع أقل شيوعاً، ولكنه أكثر إثارة للاهتمام والحيرة.
والدهشة أيضاً..
الدهشة الكبيرة.

* * *


بيجاسوس 24-07-07 09:01 AM

الزحف (فوبيا 4)

الزحف

فى دقة وحسم، وتنسيق وتنظيم ما لهم من مثيل، وفى اتجاه واضح معروف، يزحف دوماً ذلك الجيش الصغير..
جيش الحشرات..
وأياً كانت نوعية تلك الحشرات، فهى لا تتواجد منفردة أبداً، حتى ولو بدا كل منها وحيداً، يسعى إلى رزقه فى اتجاه يخصه..
فالحشرات تتواجد فى مجموعات، وبأعداد غزيرة، فى مجتمعات بعينها، أو فى بيئات تناسب نموها تماماً..
وعلى الرغم من أنه لا توجد إلا أنواع نادرة للغاية، فى الحشرات المفترسة للإنسان، ومن أن حجم أضخم حشرة، لا يمكن أن يقارن بحجم أصغر إنسان، إلا أن هناك حالات عديدة للخوف المرضى من الحشرات..
صحيح أنها ليست الأكثر شيوعاً، بين حالات (الفوبيا) الأخرى، إلا أنها ليست نادرة أو منعدمة..
وقبل أن نتحدَّث عن هذه (الفوبيا)، لابد وأن نفرِّق بين أمرين مختلفين تماماً، وهما الاشمئزاز أو (القرف) من الحشرات بأنواعها، والخوف منها..
فالعديدون منا قد يصيبهم الاشمئزاز من رؤية حشرات بعينها! ربما لأنها ترتبط فى الأذهان بالقاذورات، أو الموت والجيفة وغيرها، بدليل أننا لا نشعر بالاشمئزاز نفسه تجاه الفراشات مثلاً، نظراً لألوانها الزاهية الجميلة..
أما الخوف المرضى، فهو أمر مختلف تماماً..
فكما أوضحنا، فى حالات (الفوبيا) السابقة، يصاب المريض بالهلع والرعب والفزع، إذا ما وقع بصره على سرب من الحشرات، وبخاصة إذا ما كانت هذه الحشرات بأعداد كبيرة!!..
وربما يعود هذا إلى ثقة الإنسان فى أن الحشرات، على الرغم من صغر وضآلة أحجامها، يمكنها أن تصبح قوة ضاربة، إذا ما اتحدت، وتآزرت، وانقضت على نحو مثابر ومنظم..
وهذا صحيح تماماً، فالنمل مثلاً يمكن أن يهاجم حشرات أخرى، تفوقه حجماً بمائة ضعف فى بعض الأحيان، ويتآزر للدغها فى مواضع شتى، حتى تنهار، وتموت، ويجعل منها مخزوناً غذائياً له..
وهناك عشرات التنبؤات العلمية، وروايات الخيال العلمى، التى حاولت تخيل ما يمكن أن يحدث، إذا ما انقلبت الحشرات على البشر، وجعلت منه خصماً، تقاتله، وتحاربه، وتسعى لدحره وهزيمته..
وفى كل الخيالات والتنبؤات العلمية، كانت الغلبة دوماً للحشرات، بأعدادها الهائلة، وانتشارها فى كل أرجاء الأرض، وتنوعاتها التى تبلغ مئات الفصائل، وآلاف الأنواع..
ومعظمنا لم يقرأ هذه الدراسات العلمية أبداً، إلا أن بعضنا يحمل خوفاً مرضياً من الحشرات..
ومن حسن الحظ، أن (فوبيا) كل أنواع الحشرات حالة شديدة الندرة، حتى تكاد تكون منعدمة، إذ أن صاحبها لن يمكنه تفادى كافة أنواعها، حتى ولو حبس نفسه فى وعاء معقَّم كما يقولون..
ولكن هناك (فوبيا) تجاه أنواع بعينها من الحشرات، وعلى رأسها (فوبيا) العناكب..
فلسبب ما، ترتبط العناكب فى أذهان البعض بالرعب والموت والفزع، فهى تصنع شبكاتها، وتترقب الفريسة، التى تلتصق بالشبكة، لتنقض عليها بلا رحمة، وتمتص حياتها بلا هوادة..
وربما يتصور المرضى بهذا النوع من (فوبيا) العناكب، أنهم مجرد حشرات صغيرة، قد تقع يوماً فى شباك العناكب، التى تنقض عليها أيضاً، بلا رحمة أو هوادة..
أو أنهم ضحايا بعض الأفلام القديمة، التى تحدَّثت عن عناكب عملاقة، تهاجم البشر، وتوقعها فى شبكاتها، ثم تلتهما فى مشاهد مرعبة، تفنَّن فى تقدميها وتصويرها مبدعو (هوليود) ومخرجوها..
أو أنه خوف غريزى، يرتبط بالموت، وكل ما يمكن أن يسببه للبشر، أو حتى للحشرات الأخرى..
و(فوبيا) العناكب هذه لا ترتبط بأنواع بعينها منها، أو حتى بالأحجام الكبيرة دون الصغيرة، بل هى (فوبيا) شاملة، تتعلَّق بكل أنواع وأصناف وأحجام العناكب.. الكبير منها والصغير، والوديع والمفترس، وكل ما يجرى على أقدام ثمان..
والعناكب فى حد ذاتها فصيلة خاصة جداً من الحشرات، لها ثمانية أرجل، وليس ستة كسائر الحشرات، وهى ضرورية تماماً لإتمام دورة الحياة الطبيعية، شأنها شأن باقى الفصائل، إذ أنها تفتك بعدد من الأنواع الضارة، وسمها كاف لتخدير الفريسة، وقليل منها يفرز أنواعاً من السموم، يمكنها قتل البشر!..
ومن أسفل مؤخرة الكتلة الخلفية للعناكب، تبرز المغازل، وهى مراكز تكوين مادة حريرية، تصنع منها العناكب شباكها، ومنازلها، وشراكها، وأكياس بيضها أيضاً، كما تستعمل خيوط العناكب هذه، فى صناعة بعض الآلات البصرية الدقيقة..
وفى بعض الدراسات، يقول فريق من العلماء أن العناكب تتميَّز بحاسة سادسة عجيبة، وقدرة مدهشة على التنبؤ المستقبلى، تتمثَّل فى فرارها المبكِّر، من أية محاولة لاقتناصها أو السيطرة عليها..
ويقول الهنود أن عقل الإنسان يرتبط أحياناً بعقول العناكب، عبر هذه الحاسة السادسة الخاصة، وأن هذا قد يكون السبب الرئيسى لما يعرف باسم (فوبيا) العناكب..
ولكن هذه مجرَّد أقوال بدائية، لا توجد أية دراسات علمية يمكن أن تؤيدها؛ لأن الحاسة السادسة فى حد ذاتها، سواء لدى الإنسان أو العناكب، لم تجد من يمكنه إثباتها أو تأييدها بعد، فى أية مراجع علمية أو طبية..
ولقد بحث العديد من العلماء عن تاريخ واضح، يمنحنا سبباً باطنياً مقبولاً ومعقولاً لهذا النوع من (الفوبيا)، إلا أن معظم المصابين بها ليست لديهم أية أسباب فى طفولتهم أو حداثتهم، تدفعهم إلى خوف مرضى من العناكب، بل أن بعضهم يصاب بهذا الخوف أو الهلع الفائق فى فترات الطفولة والصبا، وبعضهم يمتد به الخوف إلى كل ما يتحرَّك بأسلوب مشابه للعناكب، حتى لو كان ينتمى لفصائل أخرى أو متباعدة، كسرطان البحر مثلاً، بل وحتى لو كان فى صورة آلية أو هيكلية..
وهذا يعنى أن السبب ما زال مجهولاً تماماً، تحت أية مقاييس، وأنه ينشأ من أعمق أعماق المخ البشرى، أو أغوار عقلنا الباطن، أو يكمن فى مكان غامض مجهول من جيناتنا الوراثية..
وعدد المصابين بالخوف المرضى من العناكب عديدون وكثيرون، ومنتشرون فى أركان الأرض الأربعة، وفى كل قارات الدنيا، حتى فى أدغال (أفريقيا)، التى تحوى عشرات الأنواع من العناكب، التى تتراوح بين الميكروسكوبيات والشعريات، وذات الأحجام الضخمة الرهيبة..
وبالنسبة لأنواع (فوبيا) الحشرات، تحتل (فوبيا) العناكب المركز الأوَّل بلا منازع، ولا تنافسها سوى (فوبيا) النحل والدبابير..
وهذه (الفوبيا) الأخيرة تبدو منطقية ومفهومة إلى حد كبير، فعلى الرغم من احترامنا وتقديرنا الشديدين للنحل، باعتباره مصدراً للعسل، الذى يحوى شفاءً، إلا أننا نعلم جيِّداً كم تؤلم لدغة النحل، وكم تؤلم أكثر لدغة الدبابير، مما يفسِّر الخوف المرضى لبعض الناس منهما..
وعلى عكس (فوبا) العناكب، يرى العلماء أن (فوبيا) النحل والدبابير مكتسبة وليست أساسية، فالطفل قد يخاف النحلة أو الدبور، عندما يحومان حوله، بأزيزهما المتصل، وقد يبكى وينكمش على نفسه، ولكنه إذا ما رآهما ساكنين، فقد تمتد يده للعب بأيهما، مما يعرِّضه للدغة مؤلمة، تتكوَّن بعدها هذه (الفوبيا)..
وإلى الأبد..
و(فوبيا) النحل والدبابير قد تكون غريزية أيضاً، لدى بعض الناس، الذين يعانون من حساسية مفرطة، تجاه لدغات النوعين، والذين تكفى لدغة واحدة، لتنتفخ أجسادهم وتتورَّم، ويقضون نحبهم أيضاً، لو لم يتم علاجهم فى الوقت المناسب، وبالسرعة الكافية..
والسؤال الحائر هنا هو كيف يدرك هؤلاء أنهم مصابون بالحساسية المفرطة بسم النحل والدبابير، بحيث يصيبهم هذا النوع من (الفوبيا)؟!..
أهى غريزة، أم نوع من الاتصال العقلى الفائق، أم هو استبصار خارق للمستقبل؟!..
والجملة الأخيرة قد تدهشك، إلا أنها تحمل لمحة من الحقيقة، على نحو فجَّر حيرة العلماء، على نحو كبير، وهم يدرسون بعض الأنواع الأخرى من هذه (الفوبيا) العجيبة..
أنواع مدهشة..
للغاية.

* * *

بيجاسوس 24-07-07 09:02 AM

قمم و أعماق (فوبيا 5)

قمم وأعماق
* من أشهر أنواع (الفوبيا)، التى يعرفها العامة، من كثرة الحديث عنها، فى الروايات وأفلام السينما، (فوبيا) المرتفعات..
ومن الطبيعى للغاية أن يخشى الإنسان المرتفعات، وأن يشعر بالقلق وعدم الأمان، إذا ما وقف فى منطقة مرتفعة، بحيث تبدو الأشياء ويبدو الأشخاص تحته فى أحجام صغيرة دقيقة..
ومن الطبيعى أيضاً أن ينتابه الخوف، إذا ما وقف على حافة مرتفعة، أو طرف بناية شاهقة..
ولكن ماذا لو أنه يصاب بهلع رهيب، إذا أطل من شرفة مرتفعة مؤمَّنة، أو حتى عبر زجاج سميك قوى ومصفَّح؟!..
هنا يصبح الخوف من المرتفعات مرضياً، ومتجاوزاً لكل الحدود الطبيعية والمألوفة، والمعروفة..
والمصابون بمرض (فوبيا) المرتفعات، يشعرون بدوار عنيف، وفقدان تام للاتزان، وترتجف أطرافهم، وتتيبَّس، وقد تعجز سيقانهم عن حملهم أيضاً، إذا ما تواجدوا فى مكان مرتفع، أو حتى شاهدوا صورة تم التقاطها من مكان مرتفع..
وفى واحدة من الاختبارات النفسية، تم وضع المريض فى حجرة خاصة، فى الطابق الأرضى، وتم عرض صورة كبيرة، على أرضية الحجرة، تم التقاطها من أعلى ناطحة سحاب، وعلى الرغم من أن المريض يدرك جيِّداً موقعه، وأن ما يراه مجرَّد صورة، فقد انتابته المشاعر نفسها، التى تنتابه فى البنايات المرتفعة، وارتجف إلى حد الهلع، وانهار تماماً، وهو يصرخ صرخات رهيبة، انخلعت لها قلوب من حوله..
المسألة ليست مرتفعات ومنخفضات إذن، وإنما هى مشكلة نفسية عويصة، ترتبط بالشعور، أو بالعلاقة البصرية، بين المخ والجسد..
ولقد أجرى العلماء تجاربهم على حالات من المصابين بهذا الخوف الرهيب من كل المرتفعات، بأن عصبوا أعينهم، وجعلوهم يسيرون فوق سطح شديد الارتفاع، فلم يعان سبع وثمانون فى المائة منهم أية مشكلات، إلا بعد رفع العصابة، وإدراكهم أنهم فوق قمة مرتفعة..
ولقد دعت هذه التجربة إلى دراسة العصب البصرى، والأذن الداخلية للمصابين بمرض (فوبيا) المرتفعات، لبحث ما إذا كانت له علاقة بأيهما، وجاءت النتيجة تشير إلى هذا الاحتمال، بنسبة سبعة وخمسين فى المائة، مما جعل من العسير الجزم بصحته من عدمها!!..
وهناك حالة خاصة جداً، توقف عندها الباحثون طويلاً، من حالات (فوبيا) المرتفعات الفائقة، وهى حالة ظل صاحبها يصاب بذلك الهلع الفائق طوال الوقت، دون أن يفلح أى علاج فى تخليصه منه، وهو يصر دوماً على أنه سيلقى حتفه سقوطاً من ارتفاع عال يوماً ما..
وطوال حياته، حرص ذلك المريض دوماً على تجنب المرتفعات، فلم يسافر يوماً بطائرة، ولم يقم أو يعمل فى أى مكان مرتفع إطلاقاً..
وعلى الرغم من هذا، فقد سقط هذا المريض فجأة، فى حفرة أرضية، بلغ عمقها ثمانية عشر متراً، فلقى مصرعه فى الحال!..
لقد سقط إذن من ارتفاع كبير، فى أعماق الأرض!..
ويا لها من مفارقة!!..
والمفارقة هنا تقودنا إلى نوع آخر من أنواع (الفوبيا)، يعتبر عكس (فوبيا) المرتفعات تماماً، وإن كان بعض العلماء يعتبرونه مجرَّد اشتقاق من هذه (الفوبيا) نفسها، على نحو آخر..
إنه (فوبيا) الأعماق..
وفى هذه (الفوبيا)، يرتجف المريض ويرتعد، عند مواجهة حفرة عميقة، أو بئر سحيقة، ولا يجرؤ حتى على النظر إليها، وينتابه شعور دائم بأنه لو تطلَّع إليها، فسيقسط فيها حتماً..
والفريق الذى يتصوَّر أن هذا مجرَّد اشتقاق من (فوبيا) المرتفعات يرى أن المريض هنا يخشى المسافات البعيدة، سواء أكانت من مكان مرتفع أو منخفض، أو أنه لا يستطيع التطلَّع إلى أية مسافات رأسية طويلة، بأى حال من الأحوال..
ولكن التجارب العملية ترفض هذا المنطق، فى كثير من الأحيان، إذ أن معظم الحالات المصابة بالخوف المرضى من الأعماق، لم تعان من الأمر نفسه مع المرتفعات، وفى حالات أخرى، تلازم هذا مع ذلك، ولكن الأعراض اختلفت فى الحالتين، فكانت أكثر عنفاً فى الأعماق، منها فى المرتفعات..
والفريق المؤمن بانفرادية (فوبيا) الأعماق، يرى أن سببها يعود إلى ربطها دوماً بالموت والقبور، ورؤيتها تسبِّب الهلع للمريض، لأنه يتصوَّر أنه يرى قبره بعينه، وأن جثمانه سيرقد يوماً ما فى حفرة كهذه، ويهال عليه التراب!!..
ولأن البشر يخشون الموت بطبيعتهم، ويكرهون فقدان كل متع الحياة، فإن عقولهم الباطنة تبغض القبور، وتعكس هذا البغض على العقل الواعى، فى شكل (فوبيا) الأعماق!..
و(فوبيا) الأعماق مثلها مثل (فوبيا) المرتفعات، ذات منشأ نفسى بحت، بحيث لا يشترط تواجد الشخص فى حفرة عميقة بالفعل، وإنما يكفى الإيحاء له بهذا، أو حتى إخباره بضرورة أن يفترض هذا، حتى يصاب بكل الأعراض، دون أى اختلاف..
وككل أنواع (الفوبيا)، يختلف الأمر من مريض إلى آخر، فبعض المرضى يصاب بالهلع من الأماكن شديدة العمق، والبعض الآخر لا يمكنه حتى التواجد فى قبو منزل، أو فى أى طابق تحت مستوى الأرض..
وبعض المرضى يمكنه أن ينتبه، حتى وهو مغمض العينين، إلى أنه قد تجاوز مستوى الأرض، والبعض الآخر لا يمكن أن يدرك هذا، إلا لو تم إبلاغه به، والنوع الأوَّل هو الذى يثير انتباه واهتمام العلماء أكثر، لأنه يمتلك حاسة نادرة، لابد من دراستها، والبحث عن أسبابها، ونتائجها، ووسائل توجيهها والاستفادة منها..
تماماً كحاسة تحديد الاتجاهات، والتى يملكها بعض البشر، دون البعض الآخر، وتتفاوت قوتها بين من يملكونها، على نحو يستحق الاهتمام والدراسة بالفعل، فبعض الناس يمكنهم تحديد الاتجاهات بدقة، حتى لو أغمضت عينيه، وسرت به عبر غابة شاسعة، فى مسار شديد التعرُّج والتعقيد، بل ويمكنهم الإشارة بأصابعهم نحو نقاط بعينها، فى دقة مدهشة، لو طُلب منهم هذا.. والبعض الآخر يمكنه الاتجاه نحو الشمال المغنطيسى بدقة مدهشة، تفوق دقة البوصلة نفسها، دون أية معرفة سابقة بمكان تواجدهم!!..
ولكن هذه قصة أخرى..
دعنا هنا نركز أبحاثنا حول (الفوبيا) بأنواعها المختلفة، وتفرعاتها العجيبة، وتعقيداتها وأعراضها اللا نهائية..
وما تحدَّثنا عنه يعتبر الأنواع الشهيرة فقط من (الفوبيا)، والتى يمكن أن تتواجد فى البشر، على نحو غريزى أو مكتسب، والتى تتشارك فيها أعداد كبيرة من الناس، ولكن هناك أنواع أخرى من (الفوبيا) لا حصر لها، وكلها أنواع مكتسبة، نشأت بسبب واقعة بعينها، أو موقف أثار رعب الإنسان وفزعه، فى مرحلة أوَّلية من حياته، وتبدو غامضة ومحيِّرة، بالنسبة لعلماء النفس والدارسين، وخاصة عندما ترتبط بأشياء عادية أو مألوفة، أو يمكن تواجدها فى كل مكان، كالسجائر مثلاً، أو القدَّاحات، أو الأقداح الزجاجية، أو أنواع سيارات بعينها، أو حتى الملاعق والأشواك الفضية..
وهناك امرأة، ظلت طيلة عمرها تصاب بهلع مرضى من عبور أى طريق تعبره السيارات، وعندما تم تحليلها نفسياً، ودفعها إلى العودة بذاكرتها إلى سنوات طفولتها الأولى، تبيَّن أنها قد شاهدت، وهى فى الثالثة من عمرها حادثة سير، لسيارة مسرعة، أصابت طفلاً فى العاشرة من عمره، وقذفت به إلى حديقة منزل بعيد، لينزف حتى الموت..
وعندما تقدَّمت هى فى العمر، طرح عقلها الواعى الموقف كله فى بقعة مظلمة من مخها، ولكنه لم ينجح فى محوه من عقلها الباطن، الذى يستعيد المشهد سراً، كلما حاولت عبور الطريق، فتصاب بالفزع والهلع، وتتصوَّر أن سيارة ما ستصدمها، كما فعلت بذلك الطفل من قبل، وستلقى مصرعها مثله..
وعندما تم التوصُّل إلى السبب الحقيقى لمشكلتها، والتعامل معه بالحرفية اللازمة، انتهت القضية، وتصالح عقلها الواعى مع عقلها الباطن، ولم تعد تخشى عبور الطرقات..
وهذا الحديث يقودنا إلى الجولة الأخيرة والفصل الختامى، من هذه الدراسة، الخاصة بمختلف أنواع (الفوبيا)..
الفصل الذى لا يتحدَّث عن المشكلة، وإنما عن الحل..
عن مواجهة (الفوبيا)، ووسائل التعامل معها، وعلاجها، و…
ولهذا حديث آخر.

* * *

moha_oa 01-08-07 06:57 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

بجد مجهود رائع تستحق الشكر عليه..
في الحقيقة أنا كنت ناوي أعمل الفكرة دي بس انتا سبقتني ليها....
بس أنا كان عندي طلب صغير...ياريت تكتب كل مقالة علمية من دول كانت في أي عدد أو مجلة....
ومرة تانية متشكرين

بيجاسوس 02-08-07 07:15 PM

دي الدراسات اللي كانت منشورة في أعداد كوكتيل 2000

انما د.نبيل فاروق بيكتب في مجلة الشباب مقالات عن الجاسوسية

و كذلك جريدة الدستور و سيتم نشر أحدث مقالتان أو تحقيقان ان شئنا الدقة بجريدة الدستور في القريب باذن الله

تحياتي

مروة سعد 21-09-07 07:44 AM

الف شكر على المجهود
بجد مجهود خرافى

عهد Amsdsei 10-08-11 09:22 PM

السلام عليكم

مقالات جميلة شكرا لك


الساعة الآن 08:56 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية