منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء (https://www.liilas.com/vb3/f484/)
-   -   قصة قصيرة / أحلام العسكري الأبيض القصة كاملة (https://www.liilas.com/vb3/t26142.html)

معاذ رياض 26-12-06 01:27 AM

قصة قصيرة / أحلام العسكري الأبيض القصة كاملة
 
خرجتُ من بيضةٍ أو من رحمٍ أو من عُلبةٍ خشبيةٍ .. ليس لدي يقينٌ تام. كل ما أعرفه أنني أقف في أقصى اليمين على لوحة مربعة وأن انتمائي هو للجيش الأبيض وأن اللعبة قد بدأت منذ لحظات !
استطعتُ أن أتابع ببصري حركاتَ القطعِ المختلفة ، البيضاءِ والسوداء .. وبدأت أفهم أن هناك نوعاً من الرتبِ يحكم هذه الحركة ، فالوزير هو أعلى الأشخاص هنا ونحن نحترمه وهو لديه من الإمكانيات ما يؤهله للتحرك والوصول إلى كل الأماكن .. بينما لا يمكن للفيل مثلاً أن يغير من لون الأرض التي يقف عليها ، فلو بدأت حياته على أرض سوداء فإن هذا سيظل قدره مهما تحرك ولو فدى بنفسه الجيشَ كله.. أعجبتني حركة الطابيات ، ولا أخفى عليكم أني وقعت في غرام الطابية التي أقف بجوارها . هل لأنها قريبة مني ؟ هل لأنها مؤنثة ؟ لا يوجد لدي جوابٌ مؤكد . أحببتها ولا أدري لماذا. كل ما كان يضايقني هو الحصان. لم أفهمْ حركتَه الغريبة ولم أهضمْ قفزاتَه المتعالية. وتمنيت في داخلي أن يأكله الجيش الأسود الذي بدأ يقترب من أرضنا بالفعل. بعد فترةٍ من الملاحظة وصلت بتفكيري إلى الحقيقة المذهلة : العسكري هو أدنى رتبة في اللوحة كلها !
منتدى ليلاس الثقافيتحركت إلى الأمام خطوة. هذا قدري ، أن أسيرَ إلى الأمام ولا استطيعُ الرجوع. ابتعدتُ عن طابيتي العزيزة وهي أيضاً حركتها الأقدارُ إلى مكانٍ آخر. فقدتُ الدفءَ الذي كان يهون عليّ وجودي ..
خطوةٌ أخرى للأمام ، أخذتُ أحسب عددَ القطعِ التي يمكنُ أنْ يأكلها العسكري الواحد في عمرهِ القصير فاكتشفتُ حقيقةً جديدة : لقد وصلتُ إلى المربعِ الرابع ! وحتى لولم تنته حياتي في حادثٍ ما ، فإن عددَ الحركاتِ الباقية محدودٌ جداً. بدأتُ أحقد على الحصانِ بشدة ، يتحركُ كثيراً ويغيرُ لونَ أرضه مع كل حركة. انتبهتُ إلى كوني أنا أيضاً أغير لون الأرض مع كل حركة.. لكنَّ هذا لم يقلل من عداوتي لهذا المخلوقِ الكريه. إنه يقفُ الآن بجوار الطابيةِ التي أحبها. ما الذي يفعله عندها ؟ ألم يجدْ مكاناً آخر على اللوحةِ الواسعة ليتسكعَ فيه ؟
خطوةٌ جديدة وأنا الآن أمام عسكري أسود يسدُ طريقي وزميله الآخر على يمينه في مواجهتي. إنها فرصةُ العمر بالنسبة لي : لو أكلتُ العسكري الأسودَ سيتغير مساري إلى مسارٍ جديد وسيصفق لي الجيش الأبيض وستلتفتُ لي الطابية وسيغار الحصان ويبتسم الوزير وتحلو الدنيا في عيني..
لكن لحظة واحدة ، ما الذي يمنع هذا العسكري الأسود من أن يقوم بنفس الشيء ؟ ، ينفيني إلى خارج اللوحة. إلى العراء المجهول الذي لا نعرف عنه شيئا ؟ بدا لي الوضع دقيقاً ، إما أن أفوزَ بكلِ شيءٍ أو أخسرَ كلَ شيءٍ. يجبُ أن أتحركَ الحركةَ الصحيحةَ في الوقتِ المناسب. عند هذه اللحظةِ أدركتُ الحقيقةَ الثالثة : أنا لا أفعل شيئاً من الأساس ! لا أنا ولا أيَّ قطعةٍ هنا تحركُ نفسَها بنفسها..
تجمدت لفترة أمام العسكري الأسود فلا هو أطاحَ بي ولا استطعتُ أنا الاقترابَ منه. ذلك لأن هناك أموراً مهمةً كانت تدورُ في الجانبِ الآخر من اللوحة. لقد مات وزيرنا وهناك الأسوأُ : إن طابيتي الحبيبة مهددةٌ بالفناء والحصانُ الأخرق تركها وهرب بنفسه.. تمنيتُ أن أتحرر من مربعي .. أن أهزَّ اللوحةَ .. أن أكسِر كلَ الرؤوس السوداء ، لكن قوانين اللعبة لا تتيح لي إلا حركة واحدة : أن آكل العسكري الأسود وحتى هذه لا أملك تنفيذَها. ولا أدري إن كان سيأكلني هو أولاً. إن الجيشَ الأسودَ اللعين ينوي أن يطردنا من الجغرافيا ولن يتورعَ عن مسحِ تاريخنا أيضاً لو أُتيحتْ له الفرصةُ.. ولا يدري أحدٌ منا لمن ستكون الحركةَ الأخيرة في هذه اللعبةِ العجيبة.
هناك حركاتٌ تحدث في الناحية البعيدة ولا أراها من هنا. لو كان الخيار بيدي لرفضتُ اليمينَ واليسار واخترتُ مكاني في الوسط. ولو خيروني أيضاً لرفضت – طبعا -ً أن أكون أضعفَ من في الجيش. لكن هذا كله فات أوانه. إن اللُعبةَ توشك على الإنتهاء.
أخيراً أكلت العسكري الأسود. إن الأمر ليس جيداً كما كنت أتصور. فأنا الآن تقدمتُ كثيراً في أرض العدو واحتمالات الخطر زادت. إن جيشَنا يتدهورُ بسرعةٍ وكلُ ما يفعله هو الهروب وتقليل الخسائر فكيف سيحميني ؟ وهل يهتم أحد في الجيش بعسكري لا قيمة له ؟
كما توقعت تماماً ، جاء فيل أسود واتخذ موقعاً يتيح له أن يأكلني في الحركة القادمة. قررت ألا أقلق وألا أفقدَ تماسكَ أعصابي. إن الأمور التي ستحدث كلها هي نتيجةٌ لقوانينَ ومعادلاتٍ مكتوبةٌ في صحائف القدر ، والأقلام التي كتبتها رُفعت منذ زمن طويل.. ولا يمكن تعديلها ولا حتى الإطلاع عليها. ما عليَّ إلا الإنتظار.
ثم حدث مالم أتوقعه. لقد تحركت الطابية وحمتني من الفيل الأسود وأنقذتني من الهلاك. ألم أقل لكم أني أحب هذه الطابية. أهربُ إلى المربع التالي.. المربع قبل الآخير في اللوحة.. والطابية من خلفي تحميني. هنا ارتجت اللوحة وارتجف الوزير الأسود وأُلقي الرعب في قلوب الجيش الأسود كله دفعةً واحدة. لم أفهم ما حدث .. لكن الطابية صاحت من بعيد : "استعد يا حبيبي .. ستتَرقى وتكونَ وزيرَنا !". هل قالت يا حبيبي أم أني أتخيل ؟ ثم ما معنى أن أتحولَ من عسكري تافهٍ إلى وزير ؟ هل سيغيرُ هذا من وضع جيشنا المنهار ؟ نظرت حولي وعرفت لماذا ارتجف الأعداء.. إن ظهورَ وزيرٍ أبيض في هذا المكان وهذا التوقيت يعني أن نهايتهم ليست إلا مسألةَ وقت !
هذا إذن ما كان يخفيه لي القدر.. أن أخطوَ الخطوة الكبرى إلى المربع الأخير وأن تصفقَ كلُ القطعِ البيضاء فرحاً.. حتى الحصانُ اللعين أشار لي بيده ليهنيني .. لعلي بالغتُ قليلاً في عداوتي له.. إنه يبدو مختلفاً لكنه منَّا على كل حال..
خلعتُ لباس العساكر وارتديتُ حلة الوزير الأبيض والتصفيقُ لا يزال مستمراً.. والوزير الأسود يكادُ يستسلم من الرعبِ ، فأنا أهدد مملكته كلها وطبقاً لقواعد اللعبة فالأمرُ محسومٌ.. خمسُ حركاتٍ فقط يستطيعون القيام بها ثم تزول دولتهم البغيضة.. ومن سيقوم بهذا ؟ إنه أنا العسكري البسيط الذي كان يتصور نفسه هالكاً مع كل حركة.. ستكون لي الحركة الأخير وسيكون لدي القدرة على التنقل لأي مكان.. سأعود إليك يا طابيتي حالما أنتهي من الأعداء.. أنت حميتني حتى وصلتُ إلى كلِ هذا.. سأعود بجوارك لنبدأَ قصةَ حبِّنا .. لستُ واثقاً لكني أتمنى ذلك...
* * *
نظر (عم سيد) إلى الساعة ثم اقترب من شاشة التلفزيون وأطفأه وهو يقول بأدب مصطنع : "أنا أسف يا أساتذة ، لدي تعليمات من صاحب القهوة بألا نفتح بعد الواحدة صباحاً". لم يكن في القهوة سوى رجلين يجلسان على طاولة واحدة وأمامهما لوحة الشطرنج .. قام الأول ووضع في يد (عم سيد) بعض الجنيهات ، ثم قام الآخر بتثاقل وهو يقول :"لو استمرَ اللعب ، كنتُ سأفوز عليك".. هز الأولُ كتفَه بلا اكتراثٍ وقال وهما يغادران:"لقد قلتُ لك في البداية أني مجهدٌ من العمل ولا أستطيع التركيز".. أغلق عم سيد القهوة وأطفأ الأنوار وأغلق الباب الحديدي.. وبقيت لوحة الشطرنج كما هي على الطاولة .. والعسكري الأبيض – الذي أصبح وزيراً – لا يزال واقفا في الصف الأخير .. والظلام الرهيب يطبع بصمته على كل شيء...
معاذ رياض
يناير 2005

نور الهدى4 08-01-07 05:11 PM

اسلوب رائع في الكتاب يا أخ معاذ
لكن هناك نقطة
عندما تبدأ الشخصية في التحدث، لا تضع في بداية الحديث هذه العلامة (")، بل اجعل الحديث في سطر جديد كما يحدث في الروايات، هذا اسهل على القارئ ان يفرق بين الحديث و السرد

على العموم اسلوبك راائع جدا في الكتابة، و تستخدم مفردات جميلة ، و جمل رائعة مثلا (خرجتُ من بيضةٍ أو من رحمٍ أو من عُلبةٍ خشبيةٍ)

إلى الامام يا اخ معاذ

زهرة 28-01-07 04:46 PM

حلو كثيرررررررررررررررررررررررررررررررررر

معاذ رياض 05-04-07 12:33 AM

العزيزة نور الهدى والعزيزة زهرة ..

شكرا لكما على هذا المرور الجميل ..

يارب كل اعمالي تنال اعجابكم وأكون عند حسن ظنكم دائما ..

معاذ رياض 11-05-07 11:27 AM

ahmed_bakr ، شكرا لك ..

سأنقل لكم هنا بعض آراء كبار الكتاب حول هذه القصة :

د. علاء الأسواني في مناقشة كتاب بص وطل : "أحلام العسكري الأبيض قصة بديعة بلا جدال"
اقتباس:

ثم تطرق د."علاء الأسواني" إلى التعليق على بعض قصص المجموعة، فعن قصة "أحلام العسكري الأبيض" لـ"معاذ رياض" قال إنها جميلة جدا وفيها مخاطرة لأنه استعمل أسلوبا عاليا جدا على تجربته في الأدب، وهو يقضي بأن يكون هناك مستويان في القصة المستوى المرئي والمستوى الأعمق وهذا يتطلب مهارة وخبرات كثيرة جدا حتى يستطيع أن يقدمها بشكل جيد، صحيح أن القصة ربما تكون قد طالت قليلا في بعض المناطق لكن هي قصة بديعة بلا جدال
http://boswtol.com/aldiwan/nkasakees_142_05.html

---

الكاتب الكبير يوسف الشاروني في حوار مع جريدة الراي : "العسكري الأبيض قصة لا تنسى" !

اقتباس:

• بصفتك أحد رواد التجديد في كتابة القصة القصيرة... ما الذي تراه الآن في الساحة من أحوال القصة القصيرة على مستوى الشكل والمضمون؟
- قبل فترة كنت أشارك في ندوة لمناقشة أعمال أدبية لمجموعة من خريجي الكليات العملية مثل الهندسة والطب أي ليس لهم علاقة بالكليات الأدبية، ولاحظت أنهم تأثروا في كتاباتهم بالكتابات المطروحة عبر وسائل الانترنت، كانت هناك قصة بعنوان «أحلام العسكري الأبيض» تتناول علاقة عسكري شطرنج يحب «الطابية» وخوف العسكري على الطابية من الخروج من اللعب والسقوط... وتنتهي القصة بفوز الفريق الأبيض... والتقاء العسكري بالطابية... قصة جميلة جدا، عندما تقرأها لا تنساها، وهي لشاب خريج كلية الهندسة... اذا هذا يعطيني تفاؤلا... بالرغم من كل الأشكال القاتمة من حولنا الا أن هناك بصيصا من الأمل والتفاؤل... فهؤلاء بذرة المستقبل... معنى ذلك أن الحركة مستمرة، وعلى الرغم من كبر سني والمفروض انتمائي للعواجيز... الذين يقولون «زمان أحسن وكويس»... الا أنني عندما أعايش وأشارك هؤلاء الكتاب الشباب، وأشجعهم أشعر بفرحة غامرة وسعادة لا توصف... المؤكد أن هناك أجيالا جديدة تكتب، وأن مصر ولادة... لهذا فأنا عندي دائما بريق من التفاؤل.
http://www.alraialaam.com/27-12-2006/ie5/raiforyou.htm


الساعة الآن 06:42 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية