منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص المكتمله (https://www.liilas.com/vb3/f717/)
-   -   رانمارو .. ذات طابع ياباني .. (https://www.liilas.com/vb3/t25893.html)

احمد خشبة 23-12-06 01:22 AM

رانمارو .. ذات طابع ياباني ..
 
بسم الله الرحمن الرحيم

أولا أحب أقول أن دي أول مشاركة و أول موضوع ليا هنا , الرواية دي يابانية الطابع , أنا بألف فيها حاليا , أنا هأنشر الفصل الأول منها , و إذا لقيت ردود مشجعة هأضع فصل كل يومين بإذن الله تعالي , الفصل الأول في الرد القادم , سلاااااااااااام.

الســــــــــاحر.


رانمــــــــــــــــــــــــــارو

الفصل الاول:

السهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم


- وحتي هنا نقف في درس اليوم , راجعوا ما أخذتموه جيدًا , و لا تنسوا حل الواجب , و من سوف يتجاهل ذلك سوف أعاقبه غدا بالجري حول الفناء خمس لفات .
- ماذا؟!!!!
هكذا صاح التلاميذ ردا لما قالته المدرسه لهم .
- لن أتراجع عن العقاب حتي و لو أضطررت إلى معاقبه الفصل كله , أفهمتم؟؟
خرج التلاميذ و هم في أسى يتناقشون حول هذا العذاب اليومي , فلم تكن تلك المدرسة سوى أداه تعذيب لهم ,
- من يفعل هذا الان ؟!!
- من يعاقب بالعقاب الجسدي ؟!!
- هذا ظلم!!!
هكذا تدافعت جمل النقاش بين جماعات التلاميذ المتتاليه و هم يخرجون من باب المدرسة , و لكن هناك في آخر الفصل ظل طفل يلم اشياءه بدون أي تعبير علي وجهه و لو حتي بالإمتعاض نظرا للواجب المفروض عليه
-((أغبياء , ألا يعلمون أنه بفعلهم للواجب سوف يتجنبون ما تفعله هذه المدرسة المجنونة.!!))
هكذا تدافعت الأفكار في عقل (رانمارو) و هو يهم بالخروج من الفصل و الرجوع إلى المنزل
- يالها من حياه بائسه ممله رتيبه , كل يوم أصحو مبكرًا , أذهب للمدرسة لأسمع كلامًا تافهًا لا يمثل لي أي عناء من المدرسين , و أسمع كلامًا أكثر سخفًا من تلاميذ كسالى لا يستطيعون حتى أداء واجبهم , لقد مللت هذه الحياة , أريد نوعًا من التغيير , أريد نوعًا من الإثارة.

كان (رانمارو) ولدا ذكيًا , يبلغ من العمر خمسه عشر عامًا, و شعره بني , و ناعم و طويل , لون بؤبؤ العين أزرق صافي , و بشرته بيضاء قليلا , كان يعيش في منزل من طابقين , والده و والدته توفيا على إثر حادثه سيارة أودت بحياتهما , هكذا قال له جده الذي يربيه , و علي الرغم من أن (رانمارو) صغير , إلا أن جده كان يجعله يعيش بمفرده و لا يعيش معه , بل و لا يتكلم معه و لا يزوره إلا إذا كان هناك ما يدعو لذلك , ف(رانمارو) يدخل عادة المنزل من سلم جانبي إلى الطابق الثاني , و لا يدخل إلى الطابق الأول حيث يعيش جده.

**********************

- أنا ذاهبة للتدريب.
- لا تتحاملي علي نفسك كثيرًا , حافظي علي روحك و تقدمك و لا تتأخري كثيرًا .
- حسنا , لن أتاخر , أوعدك يا أمي ,مع السلامه.
خرجت (ساكورا) من البيت و هي تحمل قوسا و جعبه علي كتفها , كانت ساكورا ذات الرابعه عشر ربيعا عضو بنادي المدينة للقوس , و كانت بطلة ينتظر لها الكثير في المستقبل,
- ها هي قادمة , أفٍ , كم أكره تلك الفتاة , جميلة و موهوبة و الكل يحبها !
هكذا قالت (هيجوري) إلى نفسها و هي تلوح بيدها إلى (ساكورا) صديقتها , كان من الواضح أن الغيرة تملك قلبها من ناحية صديقة عمرها.

**************************

- الطعام موجو...
أطبق رانمارو علي الورقه بيده بدون أن يكمل قراءة ما فيها , و رماها في سلة المهملات القديمة الشكل علي جانب الباب , و ذهب إلى المطبخ
- موجود بالمطبخ كالعادة , أوه , لقد مللت من الرتابه هذه!!
أخرج (رانمارو) الطعام و تناوله علي منضدة في المطبخ , و بعدها ذهب إلى السرير , و ارتمي إليه بملابسه و نظر إلى سماء غرفته , و تمطع بشدة تدل علي رغبته العميقة في النوم
- تعالي إلى هنا.
نادى علي قطته التي كانت تجلس علي منضدة صغيرة بالحجرة , فقفزت إلى السرير و نامت إلى جانبه حيث أخذ يداعب شعرها بيده برفق و حنان
- لا أعرف ماذا كنت أفعل لو لم تكونِ معي (سوما) !
كانت (سوما) قطه بنية اللون من نوع السيامي .

***********************

طااااااااااااخ... فجأه ظهر الصوت العنيف الناتج عن إنفتاح النافذه علي مصراعيها عنوة
- ما..ماذا حدث ؟
استيقظ (رانمارو) و هو متصبب عرقًا علي السرير من جراء هذا الصوت المفاجئ
- م..م...من هن..ن..نااك؟؟
تسائل (رانمارو) و هو يرتعش من الخوف عندما ظهر ظل رجل خارج النافذة , و فجأة و في لمح البصر , أصبح الرجل داخل الغرفة , و صاحب دخوله صوت رعد و ضوء برق غمر الغرفه لوهلة و فجأة سكن كل شيء.
- رانمـــارو.
فجأه تكلم الرجل الذي كان يلبس معطفًا أسود يغطي كل جسده .
-لقد عشت طويلاً بما فيه الكفاية و حان الآن وقت دفعك ثمن خطأك.
تكلم الرجل بصوت غليظ , ألقي الرعب في قلب (رانمارو) الذي تراجع إلى آخر السرير, و هو يرتعش يكاد يغمي عليه
- أ..أأأحلم ؟؟ أهذا رجل يريد أن يقتلني ؟
اتسعت عين (رانمارو) و ظهرت العروق فيها واضحه
- كلااااااااا , لم أفعل شيئًا !!
صرخ (رانمارو) فجأة , و قفز من علي السرير إلى الأرض , في نفس اللحظة التي ومض شيء من يد الشخص و أصاب السرير , فصدر صوت إنفجار مكتوم , و اشتعل السرير فجأة , و تحول إلى رماد في اللحظة التالية ,
-(( هـ..هـ...هذا حلم , لا بل هذا كابوس , نعم كابوس !))
هكذا فكر (رانمارو) .
- أتريد شراء البيت ؟ إنه ملكا لجدي و لكن إن أردتني أن أقنعه فأستطيع إقناعه بأي شيء , إن كنت لصـ...
و لم يكمل (رانمارو) كلامه حيث رفع الشخص يده و هنا ابتعدت السحابة التي كانت تخفي القمر خلفها , فسقط شعاع القمر البدر علي الدنيا بأسرها مضيئا الكون بضوء خفيف , رأى (رانمارو) علي أثره ما كان يمسكه الشخص , و هنا قفز (رانمارو) مرة أخرى إلى الجانب متفاديا الضوء الذي خرج من الشخص , و الذي أصاب الباب فأحرقه في صوت مكتوم و تحول إلى رماد في ثانية واحدة .
- لا أمل لي أمام هذا الشخص , إنه يريد فعلا قتلي , ماذا أفعل يا ترى؟!أين ملجأي الآ...؟!!
فجأة سكت (رانمارو) عن التفكير , ليس من خوفه هذه المرة , لا , بل من فكرة مجنونة طرأت علي عقله .
- نعم هذا هو السبيل الوحيد .
و فجأة قام يجري (رانمارو) متجهًا إلى النافذة .
- أتريد أن تموت منتحرًا , هاهاهاها , كلا لن أعطيك هذه السعادة , لابد و أن تموت بيدي
و تابع الشخص و هو يضحك إطلاق آشعته إلى (رانمارو) الذي كان لا يبالي حتى بالنظر إليها , كانت كل حياته كلها متوقفة علي هذا.
-(( اصبر , اجري , لا تخف , اقفز من النافذة .))
هكذا كانت نفسه تحثه و تدفعه , و في لحظة أصبح كل شيء أمام (رانمارو) بطيئًا.
- مال للوقت و كأنه توقف؟؟ إني أجري و النافذة تبدو بعيدة كما هي , مال لعيني و كأن الضباب يلفها , مال لدقات قلبي أحس بها , أهنا سوف أموت ؟ أفي هذا المكان البالي تنتهي حياتي ؟؟

- كلااااااااااااا!!!!!!!!!!!!!!!
صرخ (رانمارو) عاليًا , و هنا مرت حزمة من الآشعة فوق رأسه فأحرقت شعيرات قليلة جعلت لونها رمادي خفيف.
- هيـــــــاااااااا
صرخ مرة أخرى و هو يجري , و فجأة فعل أجن شيء يمكن أن يفعله إنسان عاقل , قفز من النافذة بقفزة طويلة قطع فيها مسافة الخمسة أمتار كاملة بعد صيحته الأخيرة .

*************************

- أراكن غدا .. مع السلامة !
خرجت (ساكورا) بعد إنتهاء تدريبها و توديعها لأصدقاءها إلى الشارع حيث تمشي و هي متعبة قليلاً من التدريب .
- ياليتني أستطيع التدريب كل يوم , يوم الأربعاء لا يكفيني وحده , أريد يومًا إضافيًا علي الأقل.
- ((لا تنسي (ساكورا) أن لكي واجبات و مدرسة , و في النهاية هذه تسمي لعبة في وقت الفراغ , و لا يعقل أن يكون وقتك كله فراغ.))
- أوه!!!
تنهدت (ساكورا) في حزن و هي تتذكر كلمات والدتها إليها , كانت تمشي بدون أن تنظر حتى إلى الطريق , فهي تعرف الطريق جيدًا , و لا حاجه لها أن تراقب طريقها , مشت رجلها حتي وصلت إلى شارع رئيسي انعطفت به يسارًا , و....
- ما هذا؟!!!
تسمرت (ساكورا) مكانها , و سقطت منها جعبتها و بيدها اليسرى تمسك قوسها و هي ترتعش , فأمامها مباشرة , في منزل يبعد عن مكانها الحالي بمنزلين , و علي إرتفاع يقارب الطابقين من الأرض , كان هناك أغرب موقف يمكن ان يشاهده شخص حي , شخص خرج من النافذه التي بالطابق العلوي قافزًا إلى الأرض و هو يصيح :
- هيــااااااااا!!!!
و تابعه قفزة رجل أسود الثياب , ولكن قفز هذا الرجل إلى أعلى و كأنه لا يعرف لشيء يسمى جاذبية وجود .
- سألقي بك إلى حيث يوجد أبواك أيها السيء , أرسل إليهما سلامي و تحياتي .
أحس (رانمارو) بأنه هالك.
- كككاااتتوووننن سسساااببباااا!!!!!!
صرخ الشخص موجها يده إلى (رانمارو) , و لمع ما يمسكه بيده.
- ((إنها تقترب ... إنها النهاية ...مالي ضعيفًا بائسًا هكذا ؟!...أهذه قوتي؟!!...أم أن هذا الرجل فعلاً غير بشري ؟!!! كل شيء سيتلاشي , أحلامي ...أمالي ...طموحاتي ...كلها إلى الهلاك ...وداعًا أيتها الحياة ..وداعًا أيها العالم البغيض , إلى اللقــ....))
- تـــــــشـــــو!!
قتل هذا الصوت فراغ الصمت بين الشخصين , اتسعت عينا (رانمارو) على آخرهما.
- ما هذا ...؟!!!!
- من فعل هذا بي ...آآآآآآآآآآآآآه!!!!!!!!
صرخ الشخص الغريب من الألم بعد إختراق سهم لصدره حيث موضع قلبه في اللحظة التي أوشك فيها أن يقتل (رانمارو) بالتعويذة المميتة , نظر (رانمارو) إلى الإتجاه الذي جاء منه سهم النجدة ...
- من هذه الفتاة؟!!!
تساءل (رانمارو) و هو في الهواء عندما لمح فتاة تمسك قوسا و تقف علي بعد منزلين منهما , لم تكن هذه الفتاة سوي شخص واحد....
- آآآآآآآه!!!
صرخ (رانمارو) عند إدراكه في اللحظة التالية أنه في وسط الهواء على بعد طابقين من الأرض , و فجأة حدث شيء آخر , أضاءت رجله من أسفل بضوء أخضر قرمزي , و فجأة اعتدل في وقفته.
- ((ما هذا ؟!! إني أشعر و كأني علي بساط من حرير يطير بي , إني أنزلق إلى أسفل بيسر و كأني ... و كأني أطير.))
و هنا وصل (رانمارو) إلى الأرض بسهولة و يسر و وقف عليها و هو ينظر إلى رجله و يرفعها حيث مكان الضوء الأخضر الذي اختفى.
- غريب ... ما هذا الضوء الذي خرج مني ؟!! أيعقل أن....؟؟!!!
- انتظررررررررررررييييييي!!!
صرخ (رانمارو) و هو يشير بيده اليمنى إلى المكان الذي كانت تقف فيه تلك الفتاة منذ لحظات , حيث أنها جرت إلى شارع جانبي.
-هه , هه , هه , لابد أن ألحق بها.
جري (رانمارو) إلى حيث دخلت الفتاة , فلم يجد سوى شارع خالٍ لا يوجد به أحد.
- انتظري .. علي الاقل أريد أن أقول لك ....شكرا !!

************************

- آه!
استلقى (رانمارو) علي ظهر سور المنزل و هو يفكر..
-(( ما حدث كان حقيقي , لقد رأيته بأم عيني , ماذا سأقول لجدي غدًا ؟أأقول له أن شخصًا هجم علي و أحرق البيت ؟! كلا لن يصدقني , أأقول له أني أنا الذي أحرقت البيت ؟!! كلا لن يصدق ذلك إضافة إلى ما الذي سأجنيه من فعل ذلك؟!! ))
فكر (رانمارو) و هو مستلقي ينظر إلى السماء الملبدة بالغيوم.
- يبدو أنه لا مفر من هذا.!
قام (رانمارو) , و صعد السلم , و أخذ حقيبة ظهر و وضع بها ما تطوله يداه من أشياءه
- هذه الكوفيه , و هذا البنطال , و لا تنس المعطف , و ...
و استغرقت عملية جمع الأشياء قرابة نصف ساعة , حيث أن (رانمارو) لم يكن يملك الكثير فعلاً , و بعد أن حزم الحقيبة , و لبس المعطف الأسود الجميل الذي يحبه , ذهب إلى مكتب بالردهة , و أخرج مفتاحًا مبلولاً من عرقه كان يلبسه حول رقبته.
- الآن ستأتين معي.
قالها و هو يفتح قفل درج موجود بالمكتب ,و مد يده و أخذ شيئًا معه ثم اغلل الدرج كما كان , ووضع هذا الشيء في جيب بالبنطال , حيث كان به جيوب كثيرة إضافة لأنه مغطى بالمعطف.
- هااااا, أخيرًا حان موعد الرحيل عنك أيها البيت.
قالها (رانمارو) بأسى و هو يقفل البيت من الخارج , فلمح شيئًا يومض على أرضية الحديقة.
- ما هذا...؟؟!!
قالها و هو ينحني ليلتقط سهمًا خشبيًا , التقطه (رانمارو) و رفعه إلى السماء و نظر إليه و قال:
- إنك مثل أي سهم , و لكنك فعلت شيئًا لم يفعله سهم من قبل ....إنك من أنقذت حياتي , و رابطتي الوحيدة لأعرف من انقذ حياتي.
وضع (رانمارو) الحقيبة أرضًا ووضع السهم بداخلها , ثم حمل الحقيبة و أخذ يمشي و هو يلبس المعطف الأسود و هو يمسك بالحقيةه علي كتفه الأيمن , و يمسك باليد اليسرى عصاة يتوكز عليها , حيث أن جسمه لازال يعاني من آثار الصدمة , و هنا ابتعدت سحابة أخرى كانت تمنع القمر , فسقط ضوءه علي الكون كله , و علي الشارع رقم 16 في الحي الشرقي من الضاحية الغربية لمدينة أوساكا أحد مدن اليابان , حيث ظهر ظل طويل أخذ طول الشارع تقريبًا لشخص يمشي بعيدًا , و أخذ الظل ينحصر بالتدريج , ينحصر , ينحصر , حتي اختفى تمامًا , و انتهى معه فصل من فصول قصة الموت.

يتــــــــــــــــــــــبع................

احمد خشبة 23-12-06 01:24 AM

بسم الله الرحمن الرحيم


الفصل الثاني

القبـــــــــــــــــــــــــــر

-عذرا يا سيدتي .... لقد جاء هذا التقرير توًا من مراقب (هاكو) .... لقد فشلت مهمة القضاء عليه !
-هاهاهاهاها...لم أتخيل أن طفل صغير سوف يكون عقبة في طريق الماهر (هاكو) !!
-لا يا سيدتي ... من الواضح أنه قد تلقى عونًا من أحد الأشخاص .
خيم صمت علي الغرفة المظلمة التي كانت مضاءة بضوء أحمر خافت رومانسي كان قد أوضح وجود سيدتين بدون إبداء ملامحهما .
- هل كان..؟؟
-كلا , لم تكن سوى شخص من العامة , ولكن لم يُعرف سبب المساعدة ولا كيفية القضاء علي (هاكو) حتى الآن !
-هل صار (هاكو) ضعيفًا لهذه الدرجة ؟!!!
قالتها وومض شيء في عينيها لوهلة , وميض كان يكفي لإضاءة الغرفة بأكملها , وميض إمرأة شرسة.
-اذهبي الآن , أريد أن أجلس بمفردي , واصلي البحث عن هذه البشرية الحمقاء و أينما وجدتيها لا تقومي بأي شيء حتى تخبريني أولا , مفهوم؟
-أوامرك مطاعة يا سيدتي .
و انحنت المرأة الواقفة ثم تحركت نحو الباب , و عند الباب نظرت إليها مرة اخرى , كان الوميض قد ظهر مرة أخرى , ولكن مع ظهور شبح إبتسامة شرسة عليها , إبتسامة جعلت جسمها يقشعر و كأنها في أكثر الأجواء برودة .

**********************

- تذكرتك أيها السيد الصغير؟ - تفضل ! - شكرًا لك , و أنت يا سيدي؟تذكـ...؟
اندفع القطار بسرعة شديدة إلى (طوكيو) , هذا القطار الذي يحمل كثيرًا من الناس , كثيرًا من الفوائد للراكبين , كثير من الحزن لهم , هذا القطار الذي يحمل البشر علي إختلاف غرائض زياراتهم ل(طوكيو) , وسط هذا الحشد الهائل من الناس , انطوى شاب يقارب الخامسة عشر من العمر في مقعده , لا ينظر يمينًا أو يسارًا , كل الذي يفعله هو تحديقه المستمر في النافذة بشرود واضح.
-((لا يمكن أن يكون هذا يحدث لي , لماذا كل هذا العذاب الذي أواجهه؟!! أولاً جدي و معاملته السيئة لي , و ثانيةً هذا الهجوم الغريب علي أمس , أنا لا أعرفه حتى , بالإضافة إلى أنه غير طبيعي على الإطلاق , لابد و أنه يتمتع بقوى خارقة , و لكن ما علاقة شخص بقوى خارقة غير طبيعية بي؟!! هذا ما لا أفهمه أبدًا , أتمنى أن حادثة أمس تكون مجرد صدفة , أنا لا أعرف إن كان له أعوان يريدون الإنتقام مني لمقتله .))
- ((و لكنه ليس خطأك , أنت لم تذهب إليه و تستفزه , لقد جاء إليك ليقتلك , إضافة إلى أنك الذي لم تقتله .))
-((نعم أنا لم أقتله , لقد قتلته تلك الفتاة , أنا لا أعرف شكلها أبدًا , لم ألمحها و لا مرة واحدة في حياتي , أيعقل أن تكون تلك الفتاة هي الهدف و لهذا أقدمت علي مساعدتي؟! كلا غير طبيعي علي الإطلاق , فأنا حتى لا أعرف من هي , و هي بالتأكيد لا تعرفني , ربما كانت صدفة بحتة , و لكن يالها من صدفة!!)
- ((ألا يمكن أن تكون تلك الفتاة في خطر أيضًا؟!))
-((مـ...مـاذا؟!! نعم يمكن أن تكون هي في الخطر الحقيقي , فهي التي قتلته , و لكنها ساعدتني و لابد أن أساعدها أيضًا , ولكني لا أعرف من هي , ولا أعرف أيضًا مكانها , إضافة إلى كوني ضعيف , فإذا ذهبت إلى نجدتها فلن أحدث فرقًا سوى أني سوف أٌقتل معها , ماذا أفعل ؟! ماذا يحدث حولي ؟!! إني أحس و كأن الدنيا قد أطبقت علي , لابد من وجود حل لذلك , أولا سأهدأ ثم أفكر بعدها , هذا هو الرأي السليم.))
هكذا كان (رانمارو) يتحدث مع نفسه في عربة القطار.
كان (رانمارو) ولدًا طبيعيًا مثل كل الأولاد , و كان تلميذًا نجيبًا , وملتزمًا , ولكن حدثت له أمس حادثة مروعة , لقد هاجمه أحد الأشخاص الذين لا يعرفهم , و كان للشخص هذا قوي غير طبيعية , ولولا العناية الإلاهية لكان قد مات الآن لولا تدخل فتاة و قتلت الشخص هذا بسهم أطلقته هي , و لكنه لم يكن يعرف الفتاة كما لم يكن يعرف الشخص , و عندما وصل للأرض بطريقة غريبة كانت الفتاة قد اختفت .
الآن (رانمارو) خرج من بيت جده للأبد ,و ترك له رسالة يخبره فيها أنه ذاهب بلا عودة , و لكنه كان لا يملك مكانًا آخر يذهب إليه , فقرر أنه يذهب إلى مدينة (ناجويا) اليابانية حيث مدفون هناك أبواه , حيث أحس أن المكان الوحيد في الأرض الذي من الممكن أن يحتويه هو المكان الذي يوجد به أبواه , و لهذا فهو ذاهب إلى هذا المكان , مع أمنيته بأنه سيجد حلاً مع أبواه لكل مشكلة تواجهه.


***************************

-هذا هو مكان مقبرة السيد (ماساشي) و زوجته . -شكرا جزيلا.
انحني رجل يبلغ عمره حوالي الثلاثين عامًا , و كان طويل القامة عريض المنكبين , شعره كان أسود مع خصلات من الشعر الأبيض في المقدمة أعطته مظهرًا وقورًا , أضافت إلى عمره الكثير.
-رحمة الله عليك أيها العظيم , فمنذ أن مت و مجتمعنا كله أصبح في فساد و طغيان !
أوقد الشخص شمعأ بجانب القبر , و جلس القرفصاء ينظر إلى القبرين المصنوعين من الرخام , كان تاريخ الموت المدون عليهما واحد , و كان التاريخ من أربعة عشر عامًا .
-من أنت ؟!
سأل الشخص الجالس أمام القبر الفتى الذي يقترب منه , و الذي وقف بعيدًا عن الشخص بمسافة الخمسة أمتار.
-أنا الذي أريد أن أسألك من أنت؟! فهذا قبر والداي , فمن أنت؟! و ماذا تفعل هنا؟!!
فجأه اتسعت عينا الشخص الجالس علي آخرهما , و تصبب وجهه عرقًا , وقال بصوت متقطع و هو يلتفت إلى الفتى :
-أ أ أنت ر ر رانمارو؟!!!
نظر (رانمارو) بإستغراب إلى حاله التغيير المفاجأة التي طرأت علي الشخص و كأنه قد رأى شبحًا لشخص قد مات , أو أنه قد رأى أكثر رجال الأرض خطورة.
-ماذا ت..تريد رانمارو؟
-أنا جئت لأسلم على والداي , ثم أولاً من أنت ؟! وماذا تفعل هنا ؟!
ابتسم الشخص قليلاً و تنهد إرتياحا و كأنه كان يتوقع حدوث شيء سيء له.
-ألا تعرفني (رانمارو) , أنا كنت صديق لوالديك , ولكن لا بأس فأنت لم تكن قد أتممت عامك الأول حتي تتذكرني.
-ماذا؟!! أنت صديق لوالداي , الحمد لله .
-نعم أنا صديق لوالديك , وأدعى (كايتو) , و لكن لماذا يبدو عليك التعب و الإجهاد؟ و ما هذه الحقيبة التي معك؟!
-أوه , إنها قصة طويلة , ولكن بما أنك كنت صديق لوالداي سأحكيها لك , البارحة مساءًا , عندما كنت نائمًا , صحـ......
أخذ (رانمارو) يحكي الحادثة التي حدثت له بالتفصيل , و عندما انتهى كان الشخص الذي أمامه ينظر إليه مندهشًا...
- وأنت لا تعرف الفتاة التي أنقذتك ؟
-كلا للأسف فقد أردت أن أشكرها , إضافة إلى أنها من الممكن أن تكون في خطر كبير الآن لأنها أنقذتني , و لكن الأهم من ذلك من هذا الشخص الذي أراد قتلي ؟ أنا لا أعرفه و لم أفعل له شيئا !!
-ماذا ؟ أنت لا تعرف من أنت ؟ أها , و لهذا أحسست بإقتراب شخص بشري عادي من المكان , يبدو أنك تجهل حقيقتك كاملة , وتجهل من أنت.
-ماذا ؟! أنا (رانمارو) , طالب في الصف العاشر بالمدرسة و ..
-أنا لا أقصد هذا ,و لكني أقصد حقيقتك , فأنت لست إنسانًا طبيعيًا .
- ماذا ؟!!! إذا لم أكن إنسانًا بشريًا فماذا أكون؟!!!
-أنت .....

***************************

-ماذا ؟! ألا أستطيع الخروج الآن يا أمي ؟ إن آشعة الشمس لا تؤثر علي و لكنك تصرين على خروجي معك في الليل , أنا أريد أن أزور (ناجامي) , فهي لا تستطيع الخروج بالليل كثيرًا , أنت تعرفين والدتها .
-لا تتكلمي كثيرًا , تذكري أنك فرع من عائلة نبيلة.
كان صوت تلك المرأة صارمًا وغليظًا كما لو كانت تأمر ابنتها لا تتحدث معها.
-علي العموم إننا ذاهبتان إلي اللورد (ماكيتو) , أنت تعرفين أن له ولدًا نبيلاً في مثل سنك , و لا يمكن أن تضيعي فرصة الزواج من ابن أحد أنبل عائلاتنا.
- من ؟! (هيكاشي)؟!! إني لا أطيق حتي سماع اسمه , إني أشمئز كلما رأيته في المنطقة التي أتواجد فيها , إنه جالب للتعاسة أمي.
-لا تتحدثي عن زوجك في المستقبل بهذه الطريقة الفظة , ألا تعلمين ماذا سيصير شأنك بعد تزوجه منكِ؟ إني إفعل هذا لكي .
بدت الأم مخيفة عند تحدثها بتلك الطريقة , لم تكن ابنتها (هارونا) ذات الرابعة عشر ربيعا راضية بفكر أمها , فهي لا تحب أمها أصلاً , فهي تعلم أنها تفعل هذا لمصلحتها فقط و ليس لمصلحة ابنتها , علي الرغم من أن (هارونا) جميلة جدًا إلا أنها يجب أن تتزوج قسرًا من شخص هي في الأصل تبغضه , و الذي يزيد الطين بلة هو أن الشخص ذاك يحبها و فعلا يريد التقدم إليها , أو هكذا يبدو , إنه من أعرق العائلات و أنبلها , و يسري في دمه فرع من الدم الملكي , و لكن معروف عن تلك العائلة عشقها التام للدماء و الخراب و الدمار و القتل و التشريد , فقد كان أجدادهم أحد أشهر المسببين لمعظم الحروب في التاريخ المعاصر.
-هيا , لقد حان وقت الذهاب , هيا اسرعي.
-حسنا يا أمي !!
يتبــــــــــــــــــع.........

اماريج 01-08-10 06:04 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الثالث


المنبــــــــــــوذ


-ألا تعرف من أنت؟! أنت ساحــــــــــر!

-ماذا؟!! من ساحر؟!! أتتحدث عني؟!!!
-نعم , أنت و أنا و الذي هاجمك ننتمي إلى عالم السحرة , أنت لم تكن تدرك ذلك , أليس كذلك؟!
-بلى ,وهل كان أبي وأمي من السحرة أيضا؟!!
-نعم كانا من السحرة , و أنت من عائلة نبيلة عريقة من السحرة.
-آه , أنا نبيل؟!!
و فغر فاه عن تعبير ينم علي دهشته و عدم تصديقه الشديدين.
-و هل يعني ذلك أني أمير أو شيء مثل هذا؟!
-هاهاها , كلا , لا يعني أنك نبيل أنك غني , فهذا ليس الحال معنا هنا في عالمنا , في عالمنا تعني كلمة نبيل أنه لا يوجد ولا فرد من العائلة قد شارك قواه مع فرد آخر من عائلة غير عائلته , سواء كان من جنسه أو من جنس آخر, هذا ما تعنيه كلمة نبيل.
-جنس آخر؟! أنا لا أفهم ما تتحدث عنه , هلا أوضحت لي قليلاً؟!
-أوه!
تنهد (كايتو) , ثم قال :
-يوجد في العالم أربعة أنواع من البشر , البشر العاديين , وهو النوع الذي كنت تعيش معهم , و السحرة مثلك و مثلي و مثل آبائك , و هناك نوعين آخرين , هناك مصاصي الدماء , و هناك المستذئبين.
-ماذا؟!! مصاصي الدماء و المستذئبين حقيقيون؟!!
-نعم هم حقيقيون , بل و يعيشون وسط الناس العاديين مثل السحرة دون أن يلاحظ أحد ذلك , نعود إلى موضوعنا الأساسي , من الممكن أن يكتسب أي نوع قوة من النوع الآخر , هذا يعني أنه من الممكن أن يكون الشخص ساحرًا ومصاص دماء مثلاً , كما يمكن أن يكتسب الفرد قوة فرد أخر من نفس جنسه , و عندما يحدث ذلك تكون قوة العائلة التي تشارك فيها شخص قواه مع آخر قد توزعت في عائلات غير عائلته الأصلية , و بهذا تصبح هذه العائلة غير نبيلة .
- و لماذا إذن يشارك الشخص قواه مع آخر ؟!
-الموضوع ليس موضوع مشاركة كما تفهمه , إن كلمة مشاركة لا تعني أن الشخص قد شارك قواه , كلا , إنها تطلق على من تُؤخذ قواه منه.
-و لكنه حينئذ لا يكون له حيلة , أليس كذلك ؟!
-كلا يكون له إختيار , فلكي يأخذ شخص قوة شخص آخر حتى و بين عائلات السحرة نفسها , لابد وأن يتم هزيمة الشخص الآخر إلى نهاية قواه , و لا يتبقى له إلا قوة بسيطة يتنفس بها ,و ذلك حتى تتم عملية نقل القوى بنجاح , عندما يصل الشخص المهزوم إلى هذه المرحلة لديه إختيارين , أولهما أن يترك الفائز يحصل على قواه , و الثاني أن يقوم بقتل نفسه.
-ماذا؟!!!
قالها (رانمارو) و هو يتصبب عرقًا و يحدق بعينين متسعتين نحو (كايتو) الذي استطرد:
-نعم يقتل نفسه, إن أثمن شيء عند الإنسان هو قواه , و بالأخص عندما يكون من عائلة نبيلة مثلك على سبيل المثال , هنا يصبح أمر المحافظة على قوى العائلة أمرًا لا يُسمح بأن يتم التفريط فيه و لو علي حساب حياة الشخص , و لهذا فإن إختيار الشخص أن يقتل نفسه هو الإختيار السليم هنا , تذكر هذا جيدًا بني , إذا وصل بك الحال إلى وضع كهذا , لا تتردد لحظة في إستخدام ما تبقى من قوتك لقتل نفسك , هذا هو مصير من في عائلة نبيلة .
- ماذا؟!! ألا توجد طريقة أُخرى؟!!
قالها (رانمارو) وجسمه يهتز بشدة لهول الأمر , فليس من السهل على أي إنسان أن يقتل نفسه.
-هذا هو مصير كل من يوجد في عائلة نبيلة.
- و ماذا يفعل أعضاء العائلة الآخرين إذا علموا بهذا؟
-إذا فعل شخص ما من العائلة النبيلة فعلة شنيعة كتلك , يعقد فورًا مجلس أعلى للعائلة , و يتم وضع خطة للقضاء على الشخص الذي أخذ القوى , و كذلك إنتفاء إنتساب الشخص الذي شارك قواه إلى العائلة و نفيه و دفنه بعيدًا عن مقابرهم.
-هذا يبدو لي جيدًا حيث أنه سيتم إحتواء مشكلة الشخص الذي أخذ القوى بأن يُهزم.
-إن الأمر ليس بمثل هذه السهولة , إنه دائمًا ما يكون الشخص الذي أخذ القوى قويًا جدًا و مستعدا لما سيحدث له من مواجهة لكل أعضاء العائلة إذا تطلب الأمر , إضافة إلى أنه عندما يكتسب شخص قوى من شخص آخر فإنه يصبح أقوى على الأقل مرتين , هذه في حد ذاتها عقبة ضخمة , غالبا ما ينتهي الأمر نهاية مأساوية بقتل كل أعضاء العائلة و إنتهاء النسل تمامًا إلا إذا كان يوجد شخص صغير مثلك هكذا فإنه يترك على قيد الحياة , لأنه لم يتعارك مع الشخص الفائز , ليتواصل النسل مرة أخرى لتصبح العائلة عائلة عادية وغير نبيلة.
-لقد فهمت قليلاً الآن , ولكن هل من الممكن أن تحدثني عن عائلتي ؟ أنا لا أعرف عنها شيئًا.
-أنت من عائلة (التنين المجنح) النبيلة , لا يتبقى من عائلتك سوى أنت وحدك للأسف , و هذا لأن كل أفراد عائلتك قد قتلوا في الدفاع عن قريتنا , قرية (الريح البيضاء) , تلك القرية التي دمرت منذ أربعة عشر عامًا تقريبًا.
- ماذا ؟ إنه تقريبًا نفس العام الذي مات فيه والداي.
-عفوًا رانمارو لقد ارتكبت خطأ جسيم , إنه نفس العام و نفس التوقيت الذي قتل فيه والداك!!
-قتلوا؟!!!
قالها (رانمارو) و الدهشة تملأ عينيه ووجهه , اغرورقت عيناه سريعا بالدموع , صرخ :
-من الذي قتلهما ؟ أالذي دمر القرية هو الذي قتلهما ؟ و لماذا لم تنتقموا لهما؟؟!!! ألا تعرفون من قتلهما؟؟!!!
-الشخص الذي قتلهما نحن نعرفه , جميع السحرة يعرفونه جيدًا, و أنت تعرفه جيدًا , الشخص الذي قتلهما هو ....................أنــــــت!!!
-م م من ؟؟!! أ أ أنااا؟؟!!!
-نعم إنه أنت , ألم تتسائل لماذا لم تنشأ في مجتمع السحرة ؟! لماذا عُهد إلى جدك بتربيتك بدلاً مني ؟! ذلك لأن عالم السحرة جميعًا يخافون منك , الجميع يخشاك حتى أنا , هذا لأن والداك كانا من أقوى سحرة القرية , ساحران لا يستطيع أقوى شخص على الأرض أن يقتلهما بسهولة , كونهما أن يقتلا بيدي طفل رضيع , هذا شيء فائق للعادة و غير متصور على الإطلاق.
- و ل.. لكن كيف تأكدتم من أنني الذي ... من كوني السبب في تلك الحادثة؟!!
-لقد تم إستجوابك و إسترجاع ذاكرتك , فوجدناك استخدمت قوتك السحرية في قتلهما بتعويذة لا نعرفها حتى الآن , و لهذا تم أخذ قرار باستبعادك عن مجتمعنا , و اعتبارك منبوذًا من عندنا.
خيم شبح من الصمت الرهيب علي المكان , و صارت تلك القطعة من الأرض أشبه بمكان مقدس , و تحول لون وجه (رانمارو) إلى الأصفر , و نظر نحو يديه كقاتل ينظر إلى يده الملطخة بدماء من قتلهم , ردد كما ولو كان صوته يتردد في وادي سحيق :
- أنا قتلتهما ... أنا قتلت والداي .... ألهذا لا أعرف شيئا عن عالمي .... ألهذا أنا بعيد عنهم ....ألهذا هاجمني شخص لا أعرفه و حاول قتلي...و لهذا ...أنا .... منبـــــــــــــــــوذ!!!
سقط (رانمارو) على ركبتيه و هو لا يزال محدقا في يديه و كأن الدماء لازالت موجودة عليهما
-أنا لا أستطيع أن أقول لك أي شيء , لأن الشخص الذي قام بالإستجواب موثوق في كفاءته و قدرته على الإستجواب ,إضافة إلى أننا وجدنا تلك الحادثة محفورة في ذاكرتك , و لكن...
- و لكن ماذا (كايتو)!!
صرخ (رانمارو) و هو مدمع العينين , و الدموع تسيل على وجنتيه , و إحمرار عينيه واضح..
- و لكني أتعارض معه في ذلك.
- ه.. ه.. هل تعني أنك لا تصدق ذلك الرجل؟ هل يعني هذا أنني لم أقتل والداي؟
-نعم , فاللغز في الموضوع كله أنك كنت طفل رضيع لا تستطيع الكلام , فكيف تكلمت و قلت التعويذة ؟ ثم كيف تعلمت إلقاء التعاويذ ؟! إن موضوع تعلم التعاويذ لأمر صعب و لا يمكن أن يقدر عليه طفل صغير , كذلك كانت هذه تعويذة جديدة حتى الآن لا نعرف ماهيتها , و تقريبًا مخصصة لنوع معين من دماء العائلات , و بهذا لا يستطيع أن يجربها شخص إلا إذا كان من نفس عائلة مبتكرها , و نظرًا لأنك آخر من في العائلة , فلم نجد من يقوم بتجربة التعويذة أبدًا , لكنني أشعر أن هناك شيء ما خاطئ.
نهض (رانمارو) و اندفع نحو (كايتو) قائلا :
-نعم أنت مصيب في هذا , فكيف لي أن أفعل كل هذه الأشياء , و أنا طفل رضيع.
تراجع (كايتو) إلى الخلف في حركة خوف واضحة دلت على عدم تصديقه التام بأن (رانمارو) برئ , نظر (رانمارو) نحوه في دهشة , أحنى رأسه ناظرا إلى الأرض , ذهب بإتجاه قبر والديه بحزن على وجهه...
-لا تفهمني خطأ (رانمارو) , فمهما كان أنا عضو من المجتمع الذي صدق بأنك قاتل.
-لا تتكبد عناء مواساتي بنظريات أنت أساسًا لا تصدقها.
- كلاً , أنا فعلاً غير مقتنع بإتهامك , و لكن ماذا سيحدث إذا كنت فعلاً من قتلهما ؟؟ إن حياتي أيضا ستصبح في خطر.
-إذًا لماذا تقول لي هذه النظريات عن أنني لست القاتل؟!!
-حتي تثبت أنت بنفسك صحة أو خطأ هذا الاتهام...
صمت المكان مرة ثانية , تعالى صوت طائر بلبل في الفضاء حيث طار من على فرع شجرة قريبة من مكانهما الحالي , اتجه إلى عنان السماء , نظر (رانمارو) إلى الأرض أسفل قدمه و سرح فيها قليلاً , حين استطرد (كايتو) قائلاً :
-انظر , أنا فعلاً غير مصدق لتلك الأحداث الغريبة , ولكن للأسف كانت من نتائجها تدمير قرية (الريح البيضاء) إلى الأبد و تشريد أهلها , وأسر معظمهم , مع الإستيلاء على أسرار القرية , و مشاركة قلة من العائلات النبيلة لقواهم مع آخرين , كان من نتيجته تقوية الأعداء , أنا آسف رانمارو , لكن هذا هو طريقك , يجب أن تسير فيه بمفردك , يجب أن تثبت لنفسك أولاً و للمجتمع ثانيًا أنك لست القاتل , و أنك بريء.
ابتسم (رانمارو) , ورفع رأسه نحو السماء , و هو يقول :
-عزيزي كايتو , إنك تجعل الأمر يبدو و كأنه يسير , إنك تتركني في عالم جديد علي بمفردي بلا أي قوة أمتلكها وسط أُناس يريدون قتلي و يتلهفون لمشاركتي قوتي معهم , و تريدني أن أبحث عن أدلة تجعلني برئ , و تريدني أن أبحث عن من قتل والداي , نعم أنا قلبي يتقد نارًا لأنني أريد أن أعرف من قتلهما , و لكن كن واقعيًا قليلاً , أنا فعلاً اُعتبرت ميتًا من الوهلة الأولى لحياتي بعد مقتل والداي , بعد اللحظة الأولى لإتخاذكم قرار بطردي و جعلي منبوذ , إنك تجعل هذا الأمر سهلاً كايتو .
قال (رانمارو) ذلك بصوت واهن حزين , صوت إنسان يائس و هو لا يزال ينظر إلى السماء.
- كلا لا تفقد الأمل سريعًا يا بني , أنت آخر فرد من عائلة (التنين المجنح) النبيلة العظيمة , أنت يا من اعتقد جميع سحرة القرية أنك وُهبت أقوى صفات هذه العائلة , أنت يا من اعتقد الجميع أنك ستكون ملك السحرة اليوشيهاريين كلهم و من أقوى الأفراد في الأجناس كلها , كلا , هذا ليس موقف يتخذه عضو من عائلة (اليوشيهارو) , كلا لا تيأس.
-ماذا تريدني أن أفعل ؟! أتريدني أن أضحك؟!! أتريدني أن أقول لك: نعم سوف أذهب للبحث عن قاتل أبي و أثأر لأبواي منه ؟!!
- كلا , و لكني سوف أساعدك بتدريبك حتى تصير أقوى ساحر (يوشيهارو) عرفه تاريخ السحرة علي مر العصور.

يتبــــــــــــــــــــــــــع.........

اماريج 01-08-10 06:06 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الرابع


الوحــــــــــــــش


-ماذا ؟ أنت ستدربني؟

- كلا ... لا تفهمني خطأ , أنا سأدلك على طريقة التدريب أما أن أدربك فهذا ضرب من المحال!
-لماذا؟!!
- أوه , كم أنت عنيد , أولاً أنا لست من عائلتك, و الأحرى أن يتم تدريب الشخص على يد فرد من العائلة و ذلك حتى يتعلم الفرد التعاويذ الخاصة بعائلته و يتعرف على نقاط القوة و الضعف فيها , ثانيًا إنني حتى الآن غير واثق من أنك برئ أو أنك متهم , فماذا يحدث إذا كنت فعلاً من قتل أبواك؟!! حين أعلمك تعاويذ قوية سوف تنقلب علي و على مجتمع السحرة , كلا أنا لا أريد ذلك.
- ولكن كيف سأتدرب إذن ؟ أأدرب نفسي بنفسي؟ أنا لا أتخيل ذلك , إنك تتكلم عن المستحيل , أنا لا أعرف شيئا عن عالمي الجديد , و أنت تطلب مني أن أدرب نفسي؟ أنا حتى لا أعرف أي شيء عن التعاويذ أو أنواعها , فكيف أدرب نفسي؟!!!
- أنت لست بعنيد , أنت غير صبور على الإطلاق , انظر , في عالمنا الساحر لابد وأن تكون له عصاة سحرية يلقىيبها التعاويذ , هذه العصاة تولد مع ولادته , كلا , لا أعني بهذا أنها تخرج مع الطفل , كلا , إنه لأمر واجب في عالمنا أن أي شخص عندما يتزوج يأخذ غصن من شجرة العائلة , تلك الشجرة المقدسة التي يجب الحفاظ عليها بأرواح العائلة , و مكانها يكون سري لجميع أفراد العائلة إلا لشخصين , قائد العائلة و النائب له , المهم عندما ينتقل شخص من العائلة للزواج يتم إحضار غصن من الشجرة له يزرعه أمام بيته , فالغصن يكبر و يتحول إلى شجرة و عندما تصبح الأم حامل , يظهر للشجرة زهرة , و الزهرة تتخذ المجرى الطبيعي لأي زهرة , تتحول إلى ...
-ثمرة !
قالها (رانمارو) و هو يرفع يده لأعلى كما في المدارس عندما يعرف الطالب شيئًا فيرفع يده و هو سعيد بإجابته , و طبعا هو يعتبر كتلميذ صغير يتعلم شيئا فشيئا عن عالمه الجديد السري.
-نعم ثمرة , و لكنها ليست كأي ثمرة , إنها عصاة سحرية , نحن لا نحتاج لمعرفة إذا كانت الأم حامل كما يفعل الأشخاص العاميين , إنما إذا كونت الشجرة ثمرة , و هي تبدأ في تكوينها من اليوم الأول للحمل , نعرف أن الأم حامل و يصبح خبرًا سعيدًا.
- هل هذا يعني أن معي عصاتي السحرية؟ و لكني لا أتذكر أن معي أية عصاة سحرية على الإطلاق!!
يضحك (كايتو) , و يشير بيده إلى العصاة التي توكز عليها (رانمارو) عندما خرج من بيته.
- وما هذه يا ترى؟!
- هذه؟!! إنها عصاة قديمة قال لي جدي إن والدي كان يستخدمها فاستخدمتها و ذلك لإنني أحب إستعمال أي شيء من ناحية والدي.
- ممممم , هذه يا (رانمارو) هي عصاتك السحرية!
نظر (رانمارو) بشك إلى (كايتو) , ثم اتجه إلى العصاة القديمة المتسخة و رفعها بيده , و نظر إليها بتمعن , و هزها في يده , و لكن شيئا لم يحدث فنظر إلى (كايتو) المبتسم بيأس و قال له:
-إنها ليست كذلك , أنا متأكد , لو كانت عصاتي فعلاً لكنت أحسست بفرق فيها على الأقل.
- انظر (رانمارو) !
قال (كايتو) ذلك و رفع عصاة قصيرة سميكة سوداء اللون كالعصي التي يستخدمها النبلاء , و رفعها إلى أعلى ثم قال:
- كاي !
حدث كل شيء في لمح البصر , في لحظة واحدة تحولت العصاة السميكة القصيرة إلى قفاز سميك أسود اللون يغطى يد (كايتو) تمامًا, و في مقدمة القفاز خرجت عصاة قصيرة لامعة في نهايتها رأس سمكه قرش أو دولفين لم يستطع (رانمارو) تبين ماهيتها , حدث كل هذا في لحظة , تسمر (رانمارو) مكانه , فهو لم يعتاد بعد على مثل هذه الأشياء , قهقه (كايتو) , و هو يراقب (رانمارو) و رد فعله المضحك , وقال له:
- كما توقعت تمامًا , أنت لم ترَ عصاة الذي هاجمك و إلا كنت سألتني عليها , انظر (رانمارو) , إن حياتنا السحرية ليست منفصلة عن حياة العاميين , بمعنى أنك لابد و أن تكون قد قابلت سحرة و مصاصي دماء , و لكنك لم تكن تفرقهم عن العاميين ,نحن لا نستطيع أن نعيش بدون أن تتداخل حياتنا جميعًا مع بعضها البعض , و لهذا فإن لكل جنس طرقه الخاصة في إخفاء ذاته , فنحن مثلاً يسهل التعرف علينا بالعصى , و طبعًا إذا التقطها أحد العامة و ليس بساحر سوف تحدث عواقب وخيمة , و لهذا فإن العصى مثل أي آلة , لا يتم تفعيلها للإستخدام إلا بإستخدام كلمة " كاي" و بعدها تصبح العصاة صالحة للإستخدام السحري.
رفع (رانمارو) يده , و أشار إلى عصاة (كايتو) وقال له:
- و ما هذا الذي حدث بعد قول تلك الكلمة لعصاك؟!!
-أها , أنت تعني ذلك التغير في الشكل , انظر (رانمارو) , إن العصى تعتبر جزءا من الساحر , بمعنى إنها دليل على قوته , فكلما كانت العصى تغطي قدر كبير من ذراع مستخدمها كلما عني ذلك قوة الشخص الشديدة , أما بالنسبة لشكل العصى فهي تدل علي العائلة التي ينتمي إليها الشخص , فمهما كان العصاة جزء من الشجرة التي تتبع العائلة , و لهذا فلكل الأشخاص نفس الشكل من العصي ماداموا يتبعون نفس العائلة , و أنا أتبع عائلة (رايهايتو) , و وحش عائلتي هو (الحوت الأسود اللؤلؤي) , و هذا لأن لونه أسود و له لؤلؤة في منتصف رأسه تميزه.
نظر (رانمارو) و عينيه متستعتان , وهو غير مصدق لما يسمعه , عائلة ,و عصاة ,و وحش , فنظر إلى عصاته مرة أخرى بتردد , ورفعها بيده اليمنى , و نظر إلى (كايتو) , فأومأ برأسه معطيًا الأذن باستخدام العصا , و تفعيلها , فأغمض عينيه , وأخذ نفسًا عميقًا , ثم قال بصوت عال:
-كككاااااييييي !
-((ماهذا الشعور الغريب ؟!!! إني أُحس بنار مشتعلة تخرج من قلبي, إنها تنتشر بجسمي كله , إنني أشعر أن يدا هائلة تمسك برقبتي , إني أختنق , كلا , لازلت أتنفس , و لكن مالِ لأصوات أنفاسي أسمعها تتردد و كأنها في حجرة فارغة ؟! مالِ للأصوات قد خمدت و كأني في عالم آخر؟! ,إني لا أسمع شيئًا , ما هذا الهدوء الذي يكتنفني , و هذه الحرارة الرهيبة التي تسري بجسدي , أين أنا؟!! ))
-رانمــــــــــــــارو!
صدر هذا الصوت الرخيم فجأة في وسط السكون , نظر (رانمارو) حوله في عصبية شديدة , إنه لم يعد في المقابر بعد الآن , إنه في مكان جميع ما يحيطه باللون الأحمر , إنه يشعر كما لو كان في مكان مجهول , مكان لا يوجد فيه شيء يسمي حوائط , كلما نظر إلى الأفق لا يجد شيئًا , إنه كمن عالق بالفضاء , و لكن فضاء أحمر .
-رانـــــــــمارو!
صدر الصوت الرخيم مرة أخرى , و انتزع (رانمارو) من أفكاره انتزاعا جعله يهتز من الخوف , حيث أنه ليس كصوت سمعه من قبل , إنه صوت يبعث الخوف في من يسمعه .
- ألا تعرف من أنا رانمــــــــــــــارو؟!!
تلفت (رانمارو) حوله , و هو يتصبب عرقًا , و لكنه لم يرَ شيئًا سوى الفضاء الأحمر.
-م .م.من أ.أ.أنت؟!!
- ألا تذكرني رانمـــــــــــارو؟!!
صمت (رانمارو) كمن يحاول أن يتذكر شيئًا , و لكنه لم يستطع تذكر أنه قد سمع هذا الصوت المخيف من قبل, و لكن أين و متى , فلم يجد إجابة.
- ك.ك.كلا , أ.أنا لا أعرف م.م.من أنت !!
قالها بخوف واضح , كان يتنبئ بغضب محدثه عندما يسمع رده.
- رانمـــــــــــــــــــارو!!
و هنا ساد المكان صمت مطبق , و لم يسمع (رانمارو) سوى أصوات أنفاسه المتلاحقة , و فجأة تكلم الصوت مرة أخرى بنفس الرخامه و الفزع :
-أنا عصاتــــــــــــــــــــك!
و هنا رأى (رانمارو) أفزع شيئ في حياته على الإطلاق , رأى تنينًا ضخمًا بجناحين عريضين , كان من الضخامة حدًا بحيث أن الأفق الذي كان يراه أحمر كان هو لون التنين , و فجأة اندفع التنين إليه في سرعة شديدة خاطفة بدون أي مقدمات , شهق (رانمارو) ,أحس بأن أنفاسه قد ذهبت , و أن الهواء حوله قد امتص , قلبه يضرب صدره بمطرقة من حديد , أحس أنه ميت , و...
-آآآآآآآآآآآآآآآه !!
صرخ (رانمارو) هذه الصرخة و اندفع إلى الأمام , حيث وجد نفسه مستلقيًا على الحشائش و (كايتو) بجانبه , كان (رانمارو) يتصبب عرقا , كلا , إنه ليس كذلك , إنه كمن نزل المحيط بملابسه و ظل به فترة في ليلة قارصة البرودة ثم خرج توًا , فقد كانت كل ملابسه مبللة بالماء, , و جسمه يرتعد بشدة و كأنها ارتجافات , أنفاسه متلاحقة بصورة مخيفة , كان كمن رأى الموت بعينيه , نظر (رانمارو) إلى (كايتو) الذي كان ينظر بشفقة إليه , و قال له في أنفاس متقطعة , و بصوت واهن:
- لقد رأيت كابوسًا لم أرَ مثله في حياتي !!
نظر (كايتو) إلى (رانمارو) بنظرة أكثر شفقة و حنان , ثم قال له:
-كلا يا بني , إن ما رأيته هو الواقع!!
نظر (رانمارو) نظرة تملؤها الريبة و الفزع , كان يأمل أن ينكر (كايتو) كلامه , أو أنه يقول إنه كان يمزح , و لكن لم يحدث هذا , نظر (رانمارو) إلى الأرض , وهنا , و هنا رأى ما لم يره من قبل...
-ما هذا؟!!!
كان ينظر إلى ما كان يدعى يده اليمنى من قبل , فالآن تغطى ذراعه كله بقماش سميك من اللون الأحمر القاني اللامع , و فيه خطوط سوداء لامعة بالطول , و في نهايتها قفاز سميك من اللون الأحمر الدموي مع تداخلات من الأسود بطريقة غريبة و بديعة , و من مقدمة القفاز , و تحديدًا من مكان إصبع الإبهام الأيمن , امتد الإصبع إلى الأمام و تحول إلى عصا طويلة رفيعة , لونها أحمر داكن مع الأسود, وكأن اللونين قد اندمجا مع بعضهما , و كونا لونا جديدًا غريبًا , أما عند طرف العصا فقد رأى شيئًا جعله يحس بقشعريرة باردة في مؤخرة رأسه , لقد كان هناك رأس تنين يفتح فمه , تنين مماثل تمامًا للتنين الذي رآه لتوه , شهق (رانمارو) شهقة فزع , وتراجع إلى الوراء بسرعة حتى اصطدم بجزع شجرة , فإرتكن بظهره إليها , و نظر إلى (كايتو) , و رفع يده مستفسرًا و هو يضع يده اليسرى حول فمه المفتوح من الرعب و عينيه الممتلئتين بالدموع :
-ماذا حدث لي ؟!! أخبرني كايتو!!
-نظر إلى (رانمارو) , ثم وقف و اتجه إلى الشجرة و نظر إليها و قال له :
-انظر بني , إنني قد أخبرتك من قبل عن أن لكل عائلة وحش , و كما أخبرتك أن لكل عائلة شجرة يؤخذ منها الأفرع حتى يكون لكل فرد من العائلة عصاة من الشجرة , و لكنني لم أخبرك أن هذه الوحوش و هذه الاشجار هي ..... شيء واحــــــــــــــد!!!
-ماذا؟!!!
قالها (رانمارو) و هو في دهشة شديدة.
-نعم , الإثنين شيء واحد , ألم تتسائل لماذا هناك عائلات مختلفة و لكل عائلة وحش خاص بها ؟! ألم تتسائل لماذا يسعى البعض إلى امتلاك قوى عائلات أخرى من جنسه أو من أجناس أخرى؟! السر يكمن في قوى الوحوش , انظر , كل وحش له قوة هائلة , و يعرف الكثير من التعاويذ و الأسرار , و لهذا فإنه كلما كان للشخص أكثر من سيد , و السيد هنا يرمز به إلى الوحش , كلما كان الشخص أقوى و لا يمكن هزيمته بسهولة , و لهذا فإن كون الفرد من عائلة نبيلة يضمن له أنه لا يوجد أي شخص خارج عائلته يمتلك نفس قوته , و بهذا يصبح للعائلة شأن وسط عائلات السحرة , و لهذا يجب حماية سر العائلة النبيلة حتى وأن وصل الحال إلى التضحية بالفرد من أجل عائلته.
-هل يعني كلامك أن ما رأيته هو وحش عائلتي؟!!
-نعم رانمارو , أنت من عائلة اليوشيهارا العريقة , ووحش عائلتكم هو الوحش الناري التنين المجنح .
نظر (رانمارو) إلى عصاته , وسرح في خياله متذكرًا ما حدث له , و سأل نفسه و هو يحدثها :
-(( أهذه هي قوة عائلتي ؟!.... أهذا هو وحش عائلتي؟!!.... أهذا هو سيدي الحالي؟!! ))
-نعم رانمارو , إن ما رأيته هو وحش عائلتك , و بالمناسبة لا أحد خارج أفراد العائلات العريقة يعرف شكل و ماهية الوحش المخصص للعائلة , فالوحش لا يراه إلا أفراد العائلة فقط , و لكن اسمح لي فأنا أريد أن أبدي استغرابي الشديد من قواك !
رفع (رانمارو) عينه عن عصاته متنبها إلى كلام (كايتو) الذي أردف :
-أنا نفسي رانمارو و بكل قوتي الحالية التي أعد بها خامس أقوي فرد في عائلتي النبيلة لا يتعدى قفازي منطقة اليد لدي , إنما أنت قد تعداها إلي اتخاذ شكلاً مميزاً , إضافة إلى أنه غىي كل ذراعك كاملاً , أنا لم أسمع بفرد من عائلتكم قد وصل لهذه القوة من البداية إلا لسبعة أشخاص فقط , و طبعا في مقدمتهم العظيم يوشاهارا الأول الذي أسس عائلتكم منذ قديم الأزل !!
-أنت تمزح أليس كذلك ؟! أنا لست بتلك القوة على الإطلاق , أنا لازلت جديدًا على هذا العالم.
نظر (كايتو) إلى (رانمارو) وأطلق زفرة ضيق و تعب , ثم قال :
- أوه , كنت أعرف أن مهمة تعليمك ستكون شاقة , انظر رانمارو , الأمر لا يتعلق بكونك قديم أو جديد , إنما الأمر يتوقف على قوة نفسك الروحية.
-قوة نفسي الروحية؟!
هكذا ردد وراءه كالمسلوب لعقله تمامًا تحت تأثير كلام (كايتو) .
-نعم رانمارو , قوة نفسك الروحية , انظر , إن السحر ليس مجرد قول تعاويذ و عندها ستحدث , كلا , إن الأمر أعقد من ذلك بكثير , إنه لكي تقول تعويذة لابد وأن تكون ساحر و ليس بشري عادي بدايةً , و هذا لأن السحرة من أولئك الذين يقدرون علي دمج قوتين داخلهما , قوة سيدة , و قوة نفسه الروحية , إن قوة النفس الروحية تعتمد على عوامل كثيرة , لكن في المجمل كلما كانت كفة النفس تميل نحو الأكثر في معظم الصفات كلما كانت النفس قوية , بمعنى أنه لو كانت النفس خيرة جدًا أو شريرة جدًا تكون قوية , المغزى ليس بكونها خيرة أو شريرة , إنما كونها شديدة الخير أو شديدة الشر, المغزي كله في الشدة في الصفة , و لهذا سوف تجد سحرة طيبين أقوياء و كذلك في المقابل سحرة أشرار أقوياء.
-أها , هذا يعني إما أن أكون ساحرًا طيبًا جدًا أو أكون ساحرًا شريرًا جدًا !
-نعم , وهذا يجعلني أكثر رغبة إلى مغادرة هذا المكان و الإبتعاد عنك فورًا !
نظر (رانمارو) بدهشة شديدة إلى (كايتو) , حيث أحس بالحيرة أمامه , فتارة يحس أنه يصدقه و يدافع عنه , و تارة يحس أنه يكذبه و خائف منه , و هنا نظر إلي عصاته ثم قال ل(كايتو) دون أن ينظر إليه :
-اذهب أنا لا أريد شخصًا متقلب مثلك !
- رانما....!!
-لا تقل شيئًا , اذهب بعيدًا عني و لكن قل لي كيف أتدرب , و عندها سأصبح قويًا , و سأبحث عن برائتي بنفسي و أثبتها للجميع حتى أسترجع حقي في حياتي المسلوبة مني.

يتبــــــــــــــــــــع...................

اماريج 01-08-10 06:07 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الخامس


جنــــــــــتو


-أيها الوغد!

-ابتعد عن هنا و إلا قتلناك!
-سيدي!!
اندفع رجل إلى الغرفة السرية في مقر عائلة (ميميكو) , حيث يوجد بالغرفة ثلاثة أشخاص غير الداخل , الأول هو رئيس العائلة , و هو شاب يبدو أنه في أوائل العشرينيات , و الثاني هو نائبه و هو يبدو أكبر منه سنا بنحو عشر سنوات على الأقل , أما الثالثة فهي فتاة صغيرة يبلغ عمرها نحو الثماني سنوات و كانت تلعب بدمية في يدها , كان الجو في الغرفة مختلف تمامًا عن الجو خارجها , حيث كان من بالخارج يتعرضون لهجوم قاسي , أما في الداخل فكان الجو يبدو عاديا.
-نحن نتعرض لهجوم يا سيدي!
-أوه
قالها (دايسكي) كمن كان في ملل شديد , ثم تابع:
-أخيرا ....لقد بدأ !
كان أفراد الحراسة الخاصة بحماية المقر الرئيسي للعائلة مدربين على أعلى مستوى , لكن كان من الواضح وجود هوة شاسعة في المستوى مقارنة بمن يهاجمهم , فقد كان يحمي المقر قرابة المائتين شخص من أمهر مصاصي دماء (ميميكو) , في حين أن الهجوم كان ينفذه ....شخص واحد فقط ..... انه الأسطورة .....(جنتـــــــــــــو).
اندفع عشرة رجال مباشره شاهرين سيوفهم الفضية على (جنتو) , الذي لم يشهر سيفه بعد , و في بساطة رفع (جنتو) يده اليمنى إلى الأمام , ثم فرد كفه على آخرها , فاصطدم المهاجمين بشيء غير مرئي , و كأن هناك درع واقي يحمي (جنتو) , ثم قبض أصابع يده و فردها مرة أخرى , فتطاير الرجال العشرة و اصطدموا بالحائط المقابل على بعد يقرب من عشرة أمتار منه , ثم سقطوا على الأرض , رفع يداه الإثنين إلى أعلى , فارتفعت العشرة سيوف التي كانت في حوزة الرجال إلى أعلى هي الأخرى كما لو كانت مربوطة بأحبال غير مرئية إلى يد (جنتو) , كان كل سيف موجه نحو رجل منهم , نظر الرجال إلى السيوف بأعين ملتاعة , و فجأة أنزل (جنتو) يده إلى أسفل بسرعة , و ضاقت عيناه عند تلك اللحظة , فسقطت السيوف إلى أسفل مخترقة صدور الرجال , و ...
-آآآآآآآآآآآآآه !!
صدرت صيحات الألم عاليه تتردد في جنبات المقر السري , و تألم الرجال كمن يحترق , و عند موضع دخول السيوف ظهر لون أحمر لامع مميز , إنها نار صغيرة محيطة بفتحة دخول السيف , و لكنها سرعان ما انتشرت بسرعة في باقي أنحاء أجسادهم محولة أي جزء منهم إلى رماد في ثانية , و فجأة انتهي أمر الرجال العشرة بسرعة كما بدأ , لم تستغرق هذه الأحداث سوى ثواني معدودة , مما جعل باقي الرجال يتراجعون بحذر و ترقب وأعينهم مثبتة على (جنتو).
-برااااااافو جنتو , لقد أمتعتني فعلا بعرضك هذا !
صدر هذا الصوت مصاحبا لصوت تصفيق باليد , نظر الرجال إلى ورائهم , و في الحال اصطفوا إلى الجانب مكونين صفين و بينهم طريق يمشي فيه الشخص الذي تحدث منذ قليل و الذي تابع و هو يصفق بيده :
-شيء متوقع من جنتو العظيم.
و هنا تقدم المتحدث إلى الأمام وسقط ضوء القمر عليه , لم يكن سوي نائب زعيم العائلة , و عندما أصبح أمام (جنتو) , توقف عن التصفيق , ووضع يده في جيب المعطف الأزرق اللامع الذي كان يلبسه , و تابع:
-أنا كنت منتظرك بفارغ الصبر , كنت لا أعلم لماذا تأخرت عن القدوم لزيارتنا.
ابتسم (جنتو) دون أن يظهر أي شيء من أسنانه , و نظر باستخفاف إلى الشخص الواقف أمامه , لم يكن سوى مصاص دماء من عائلة (الميميكو) , كان يبدو أنه تعدى الثلاثين بسنين معدودة , شعره كان أسودا و قصيرا , و يلبس نظارة طبية أضافت له شيء من الوقار , كان يلبس معطفا أزرقا لامعا , و من الخلف كانت هناك رسمة العائلة المميزة , ثعبان الكوبرا ذات الرأسين.
-أنت تستهزئ بي؟! أجئت لتعطيلي حتى يهرب سيدك ؟! لا تأمل كثيرا فأنا لن أبرح مكاني ها هنا إلا و أكون قد أتممت انتقامي منكم أيها الأوغاد , أنتم يا عار على جنس مصاصي الدماء في الدنيا بأسرها , أنا لن أسامح نفسي إذا تركت منكم شخص واحد على قيد الحياة.
قهقه (تايتشو) عاليا كما لو كان قد سمع نكتة مضحكة جدا.
-أنت يا جنتو تستخف بي؟!! أنت لا تعلم أن آخر يوم في حياتك سوف يكون اليوم.
-لا تقل شيئا لا تستطيع أن تقوم به.
-أرأيت؟ لقد استخففت بي مرة أخري , لم أكن أتوقع ذلك من جنتو العظيم.
حدث كل شيء في ثانية , (جنتو) الذي كان على بعد لا يقل عن عشرة أمتار عن (تايتشو) , صار و في لمح البصر خلفه تماما , اتسعت عينا (تايتشو) من المفاجأة , صدر صوت (جنتو) قائلا:
-أنت الذي تستخف بي يا هذا.
و في ثانية , بل أقل من ذلك كان سيف (جنتو) مسحوبا و أحاط برقبة (تايتشو) , ثم ذبح به (تايتشو) بدون أي تردد , و لكن المفاجأة...
-يبدو أنك ستكون عنيدا.
قالها (جنتو) و هو يطبق جبينه عندما تحول جسد (تايتشو) بين يديه إلى عروسة من الخشب , نظر (جنتو) إلى الخلف , و رأى (تايتشو) يضحك و هو يقول:
- هل رأيت ما أعني؟ أنت الذي قد استخففت بي.
-أيها اللعين , هل شاركك ساحر في قواه ؟!
تحولت ضحكة (تايتشو) إلى قهقة هستيرية سقط على إثرها على ركبتيه على الأرض و هو يمسك بطنه من الألم من شدة الضحك.
-ياليت أخي يراك و أنت غاضب هكذا ... هل شاركك ساحر في قواه؟!!
قلد (تايتشو) أسلوب (جنتو) في الحديث وهو لازال يضحك , ثم نظر إلى (جنتو) و توقف عن الضحك و ووقف على قدميه مرة اخري , و عدل من شعره بيده اليسرى , ثم نظر إلى (جنتو) وقال له:
-نسيت أن أعرفك بنفسي , أنا (تايتشو) , نائب رئيس عائلة (ميميكو) , سيد أسلوب الماء الساحق , المسيطر علي حيوان النسر الحجري.
-أيها الوغد , هل محوتم عائله (الزابوتسيا) النبيلة , عليكم اللعنة , يبدو أني قد جئت متأخرا !
-هاهاها , جنتو العظيم , أأنت خائف مني؟! لا اصدق نفسي , هذا شرف لي.
-اخرس !
-ماذا؟!!!
-قلت اخرس , أمامك خمسة قرون من السنين حتى تصل إلى مستوى يرقى إلى محاربتي , أنت لا شيء بالنسبة لي.
فجأة تحول الهواء الموجود بالغرفة إلى اللون الأحمر الباهت, و ظهرت خطوط حمراء داكنة بالهواء كما لو كانت حبال , كانت الخطوط تتجه إلى أسفل , و أصبح الهواء كصخرة ثقيلة تضغط على الموجودين بالغرفة , و لمعت عينا (جنتو) باللون الأحمر اللامع , و تطاير شعره الأصفر كأن الجاذبية لا تؤثر فيه , سقط كل من بالغرفة على ركبته وهو لا يستطيع التنفس , و أمسك (تايتشو) صدره بيده كأنه يحاول ادخال الهواء إلى صدره بيده, جحظت عيناه و هو ينظر إلى (جنتو) , و سقط على ركبتيه و هو يرتعش و أصفر وجهه , فرفع (جنتو) يديه إلى أعلى مرة أخرى , فارتفعت سيوف الجميع إلى أعلي , و السيوف التي كانت في جواربها خرجت منها كأن يد خفية سحبتها , نظر الجميع إلى السيوف و الكل يدرك المصير الذي ينتظرهم , صرخ (تايتشو) :
-كلا , مائة عام من العمل و التدريب لا يمكن أن تضيع هباءا , قوة ثلاثه عائلات نبيلة من السحرة لا يمكن أن تكون بلا فائدة .
صرخ (تايتشو) بأعلى صوته حتى ظهرت العروق واضحة في رقبته .
-أنا لا يمكن أن أنتهي هناااااااااااا !!!
-اصمت !
قالها (جنتو) بصوت رخيم قوي مخيف , نظر (تايتشو) مع الجميع إلى (جنتو) الذي أردف:
-انت لا تستطيع بتجميعك لكل وحوش الأرض كلها أن تنتصر علي , هذا لأنني أدافع عن الحق ,و الحق أقوى من الباطل .
أنزل (جنتو) يده بسرعة إلى أسفل , فاندفعت السيوف إلى أسفل , و امتزجت صيحات الألم مع أصوات النار المشتعلة في أجسادهم , و تحول كل شيء إلى سكون تام في لحظة واحدة , و تطاير الرماد في الغرفة المفتوحة النوافذ على أثر الهواء المندفع إلى الغرفة , نظر (جنتو) إلى المكان بحزن , و قال:
-الله يعلم جيدا إني أكثر ما أكرهه قتل من في بني جنسي , ولكن لحماية سلامة البشر العاديين يجب أن نمنع أنفسنا من أذيتهم , هذا هو قانوننا الأبدي الذي يحترمه و ينفذه كل الأجناس الاخري .
نزل (جنتو) راكعا على ركبته اليمنى , و رفع قبعته ووضعها على صدره في حركة تأبينية للذين قتلوا هنا , وأحنى رأسه إلى أسفل و انتظر لحظتين قبل أن يقوم و يضع القبعة على رأٍسه مرة أخرى , و يندفع إلى الطرقة الأمامية بأقصى سرعة , حتى وصل إلى بابها , أشار (جنتو) باصبعه السبابة اليمنى إلى الباب , فاندفع الباب مقتلعا من جذوره إلى داخل الغرفة , اصطدم بالحائط المقابل له في صوت شديد ثم سقط على أرضية الغرفة محدثا دويا شديدًا , دخل (جنتو) الغرفة التي كان قد دخلها الرجل منذ قليل , و تلفت حوله ,و لكنه لم يجد بها شيئا , كانت الغرفة خالية , اعتصر (جنتو) أصابع قبضة يديه بقوة في غضب , و صرخ:
-آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه !!
كان الصوت أشبه بموجة مدمرة , أخذت تدمر ما في طريقها من أشياء ضعيفة كالزجاج الذي تطاير إلى شظايا صغيرة , و الحوائط الخشبية القديمة البالية التي تهدمت من قوة الصوت.
-يبدو أن الوغد قد نجح في مهمته !
قالها بحزن , و كان يرمز بذلك إلى (تايتشو) , حيث أن مهمته الأصلية كانت تعطيل (جنتو) عن الوصول للغرفة , نظر (جنتو) إلى الأرض في أسى , أخرج من جيبه ميدالية ذهبية , منقوش عليها بلغة غريبة , أخذ يتأملها للحظات , ثم أطبق عليها بيده كمن صمم على شيء ما , وقال:
-أقسم عليك ألا أهدأ حتى أنفذ أهدافنا النبيلة.
وضع الميدالية في جيب بنطاله مرة أخرى , ثم خرج من المقر السري و تحرك بسرعته الشديدة التي كان استخدمها في المعركة , تلك السرعة التي تقارب سرعة الضوء ذاته , سرعة بدا فيها كشهب ناري يتجه نحو هدفه في قوة و تصميم.

يتبـــــــــــــــــــــع............

اماريج 01-08-10 06:10 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل السادس


بدايه التدريب


-عفوا سيدتي

انحنت المرأه و هي تنظر للسيدة الجالسة أمامها في حجرة مضاءة بنور أحمر خافت , أشارت لها الجالسة بالاعتدال , و أومأت برأسها للتحدث , فقالت المرأة:
-لقد تم تدمير مقر عائلة ميميكو السري !
اتسعت عينا الجالسة في دهشة , و نظرت للمساعدة نظرة تساؤل , فأومأت برأسها و هي تقول:
-نعم كان هو , لقد كان جنتو.
شردت الجالسة قليلا ثم تحولت نظرة الدهشة إلى شبح ابتسامة سرعان ما أخذت تتسع حتى أصبحت ابتسامة خبيثة.
-ما هي أوامرك سيدتي؟
-شددي الحراسة على المقر , و لا تدعي أحد يقترب من هنا أبدا , فالإمتاع سوف يبدأ من الآن.
-حسنا سيدتي !
قالتها المرأة , و انحنت و استدارت لتغادر فأوقفتها الجالسة و هي تقول :
-لقد نسيت , ماذا فعلتم في موضوع البشرية التي قتلت هاكو؟!
-إن فريق التحقيقات الخاص بنا مازال يجري بحثه , و لكن قائده أكد لي منذ قليل أن منطقة البحث أخذت تضيق عن ذي قبل و أنهم سيمسكون بها عن قريب.
أشارت الجالسة بيدها للمساعدة للخروج فخرجت و أغلقت الباب من ورائها , استدارت الجالسة في جلستها على الأريكة , و نظرت إلى ساعتها , ثم تثائبت , و قالت لنفسها:
-يجب أن أنام جيدًا من الآن , فربما يأتي غدا اليوم الذي لا أقدر فيه على النوم , لقد جعلت الأمور مسلية جدا عزيزي جنتو.

*****************************


نظر (كايتو) إلى (رانمارو) , ثم أبعد نظره عنه و قال:

-كلا , لا يمكنني تركك الآن , لابد وأن أعلمك كيفية التدريب , و عندها فقط أكون قد فعلت ما بوسعي تجاهك.
نظر (رانمارو) إليه , ثم قال له:
-حسنا , و لكن كفى من هذا الحديث الآن و قل لي كيف أتدرب؟ هل ستعطيني كتاب أم ماذا؟
نظر (كايتو) إلى (رانمارو) نظرة خبث ثم قال له :
-انظر رانمارو , إن التدريب في عالمنا له طريقتين فقط , أولاهما أن يتم تدريب الشخص على يد أحد السحرة من بني عائلته , و هذا لكي يتم تدريبه على تعاويذ العائلة , أما الثانية فهي التي سوف تستخدمها للأسف.
-لماذا الأسف؟!! أليست إحدى طرق التعلم أيضا ؟!!
-نعم , إنها كذلك , و لكنها طريقة خطيرة جدا , و لا يحبذ استخدامها لأنها , لأنها قد تودي بحياة المتدرب .
نظر (رانمارو) إليه بلا أي تعبير على وجهه , فقد كان الوضع يشير إلى أن (كايتو) يحاول أن يسأله إن كان يريد التدريب بهذه الطريقة على الرغم من مخاطرها أم لا.
-حسنا , بما إنني لا أملك شيئا أخسره إلا حياتي , فلأخسرها بشجاعة في تدريبي لأكون قويا على أن أخسرها جبنا و أنا أهرب من أعدائي.
اتسعت عينا (كايتو) من الدهشة لثواني معدودة , ثم ابتسم ابتسامة رضا , فهذا الطفل يسلك مسلك آبائه في التعلم , مسلك العناد و البحث عن القوة , الطريق الذي صنع اسم عائلة (اليوشيهارو) .
-حسنا , اسمعني جيدا رانمارو .
قالها و هو يجلس على الأعشاب الخضراء , فتابعه (رانمارو) بالجلوس أمامه , فتابع (كايتو) كلامه :
-انظر , إن الذي سيدربك في الطريقة الثانية لهو الوحش الذي تتبع له عائلتك , الذي سيدربك لهو التنين المجنح الناري.
أحس (رانمارو) و كأن كرة من الثلج قد تدحرجت داخل معدته , و أحس بأوصاله كلها ترتعش من الخوف , إنه سيتدرب على يد هذا الوحش , هذا المخلوق الذي عندما رآه أحس بأنه سيموت , كيف سيتدرب على يده؟!! إنه عندما يتذكر شكله فقط يحس بأن الأرض تدور من تحت أرجله , و أنه قد يغمى عليه إذا قابله مرة أخرى , فكيف سيتدرب على يديه؟!!
-رانمارو , أنا أعرف إنه لمن الصعب أن تتدرب على يد وحش عائلتك , و لكنها الطريقة الوحيدة , إذا أردت من الممكن أن تبتعد عن هذا الموضوع من جذوره أصلا.
(رانمارو) لم يكن منصتا إليه , (رانمارو) لم يكن أساسا يشعر بوجود (كايتو) بجانبه , أحس (رانمارو) أنه قد فقد الإحساس بالزمان و المكان , أحس أنه في مكان آخر من كوكب آخر , رأى (رانمارو) شيئا و كأنه في حلم , رأي (رانمارو) والديه.
((-رانمارو , بني , هل تريد أن تتركنا مقتولين و تهرب ؟! هل تريد أن تتحمل مسؤولية ذنب لم تفعله؟!!))
قال والد رانمارو ذلك و هو ينظر إليه و عينيه ممتلئة بالدموع , و حينئذ ظهر الوحش الخرافي ورائهما , نظر (رانمارو) برعب إليه, و سقط على الأرض و هو يكاد يفقد وعيه
((-لا تتركنا رانمارو..!!))
أحس و كأن يد قد صفعته على وجهه , كانت كلمات والدته الأخيرة لها مفعول السحر عليه , نظر إلى والدته ثم نظر إلى الوحش , فلم يعد يراه ذاك الوحش الهائل الجبار , إنما كان يراه مجرد تنين عادي , اندهش من ذلك الشعور الغريب الذي غمره , شعور غريب بالثقة على تحقيق أي شيء , شعوره بأنه إذا أراد أن يكون أقوى من في الأرض سيكون , هنا أحس أنه كمن عادت إليه الحياة , عاد في اللحظة التي كان (كايتو) قد أنهي جملته الأخيرة , كان شيئا غريبا , أول خبرة (لرانمارو) في عالم السحر , حيث بدا هذا الحلم أو السرحان أو ما حدث قد حدث في ثواني معدودة , في وقت قليل جدا حيث بدأ في أول جملة (كايتو) و انتهى عند نهاية كلامه , نظر (رانمارو) إلى (كايتو) نظرة جديدة , كانت عيناه تملؤها الثقة , ثقة شخص يعرف ماذا يريد , إنه يريد أن يثأر لأبيه و أمه من الذي قتلهم , لقد أخذ قراره...
-سأتدرب على يد الوحش الخاص بعائلتي , كلا , سأتدرب على يد الوحش الخاص بي!!
قالها بكل ثقة , قالها بنبرة تصميم و اصرار , قالها بأسلوب جعل (كايتو) يندهش منه ثم يبتسم , يبتسم لأن هذا الفتى الشاب قد يتخطى المستوى الذي توقعه له.
-حسنا , اجلس على الأرض قرفصاء , نعم هكذا , و الآن ضع كل من مرفقيك على فخذيك , نعم , هذا هو الوضع , الآن افرد أصابع يدك , وقربهما حتى تتلامس يداك بحيث يلامس كل إصبع الإصبع المماثل له , نعم هكذا , كلا لا تجعل راحة يداك تلتصقان ببعضهما هكذا , اترك الفراغ الموجود بينهما , نعم هكذا , حسنا , و الآن أريدك أن تريح ذقنك على إصبعي الإبهام الموجودين ليدك , كلا لا تفرق بين أصابعك , أوه اسمعني, أعد مرة أخرى , نعم اجعل أصابعك تتقابل , نعم هكذا , و الآن حاول أن تريح ذقنك بيسر على ملتقى إصبعي الإبهام لديك , نعم هكذا , و الآن الخطوة قبل الأخيرة , أريدك أن تميل رأسك للأمام قليلا و أريدك أن تجعل ملتقى إصبعي السبابة لديك يقابلا منطقة المنتصف بين الحاجبين , نعم هكذا , ارح رأسك هكذا الآن في هذا الوضع , جيد , هل تعلمته ؟ كلا لا تقم الآن , يتبقى لك الخطوة الأخيرة , يجب أن تضع العصاة السحرية و ذلك بدون تفعيلها , يجب أن توضع في الفجوة بين مجموعة إصبعي الوسطى من جهة , و مجموعة إصبعي الخنصر من جهة أخرى , و لكي يحدث هذا يجب أن تضع العصاة بين إصبعي الوسطى و الخنصر في كل يد قبل أن تجعل الأصابع تتقابل , و بهذا يصبح وضعك للتدريب قد اكتمل و لا يتبقى لك سوى الكلمة السحرية .
-إن هذا لصعب سينساي*
-أعرف رانمارو , و لكن مع التكرار صدقني ستفعلها في غمضة عين , انظر إلي .
قالها (كايتو) ثم جلس القرفصاء و اتخذ وضع التدريب مع الوحش في سرعة فائقة و في يسر بالغين جعلا (رانمارو) ينظر إليه نظرة تملؤها الغيرة , ثم عدل من وضعه للجلوس عادي على الأرض , و قال (لرانمارو) :
-و الآن أرني كيف ستتخذ وضع التدريب الآن.
ظن (رانمارو) أن الأمر سيكون سهلا ,و لكنه كان مخطأ , لقد انقضت أربعة ساعات منذ أن أراه (كايتو) طريقة التعليم , و لكنه لم يتقن الحركات بعد.
-كلا ليس هكذا , ابعد يديك عن بعضهما , احذر من سقوط العصي ....أوه , ركز من فضلك رانمارو...
-أنا فعلا أحاول أن أركز , و لكنه ليس بمثل تلك السهولة التي بدت عليه.
حينها فقط صدر صوت من (رانمارو) , لقد أصدرت معدته صوتا جعله يمسك بها بيده اليمنى و ينظر إلى (كايتو) و هو يضحك ضحكة بلهاء , و يحسس على مؤخرة رأسه بيده اليسرى...
-لماذا لم تقل لي أنك جائع؟!!
قالها (كايتو) و هو يبتسم و هو مغمض العينين , ثم رفع عصاته السحرية و قال :
-كاي !
فتحول شكل العصاة إلى الشكل الذي رآه (رانمارو) من قبل , ولكنه قد تعود عليه الآن , ثم تابع (كايتو) بسلاسة :
-شوتو ماشيرو !
فجأة لمع ضوء خفيف من مقدمة العصا , ثم صدر صوت فرقعة خفيفة ظهر علة إثرها صينية صغيرة عليها طعام يكفي لشخصين , كان عليها رامن **, نظر (رانمارو) إليه ثم ضحك و هو يقول:
-شوتو ماشيرو .......ممممم, إنها تعويذة احضار الطعام أليس كذلك؟!
أجابه (كايتو) وهو يمسك بالعصي الصغيرة للأكل :
-نعم , أرى أنك أصبحت تلتقط بعض التعليم , هذا شيء جيد , ولكنها لاحضار طعام قد جهز من قبل , و إلا لما كان الساحر مضطرا للعمل في عالم البشر و اخفاء هويته, و لكن هيا بنا لنأكل , فأمامك مهمة شاقة .
أمسك (رانمارو) العصي هو الآخر , و انضم إلى (كايتو) في الطعام , و بينما هما يتناولانه , نظر (رانمارو) إلى (كايتو) ثم نظر إلى الطعام و هو يأكله ثم سأله بصوت متردد ضعيف :
-ك..كايتو , هل كنت حقا صديق مقرب لوالداي؟!
-أوه , نعم لقد كنت كذلك , لقد كنا نحن الثلاثة لا نفترق عن بعضنا , فبالرغم من أني من عائلة مختلفة , ولكن كنا مثل الأخوة تماما , لم يكن يفرقنا شيء , ولم ينجح أحد في تفريقنا إلا...........أنت!!!
رفع (رانمارو) وجهه بدهشة عارمة إليه , فبدت مراسم الحزن على وجه الأخير , و هنا أكمل (رانمارو) طعامه وهو يقول :
-يبدو أني مهما قلت لك لن تصدقني , أنا ألتمس لك العذر فعلا , فكون الحقيقة التي قبل مجتمع السحرة جميعا بها لا يمكن لفرد واحد أن ينكرها بنفسه , صدقني أنا لو كنت مكانك لاعتقدت مثلك , ولو حتى كان عندي شك قوي إن الموضوع ليس صحيح لكنت استسلمت و لم أعر للأمر أي اهتمام , و لكني للأسف لست في مكان حذائك , فأنا الشخص المتهم , فلو كانت لدي ذرة شك واحدة فسأحارب العالم من أجل أن أثبت الحقيقة , أنا لن أحزن منك الآن , و لكن عندما أثبت برائتي بأن أستطيع الامساك بالشخص الذي قتل أبي و أمي , عندها فقط سوف ترجع إلي و تعتذر لي.
-ر ر رانمارو!!!
قالها (كايتو) و هو ينظر إليه مندهشا , لقد أثر فيه هذا الصبي الصغير , أغلق عينيه , ثم ابتسم و قال :
-حسنا إذا , أنا أعدك بأنك إذا استطعت اثبات برائتك فسآتي ألتمس العفو منك , لا , بل سأصير تابعك الوفي من اللحظة التي يُعلن فيها أنك برئ.
ابتسم (رانمارو) , كان لا يعلم من أين له بكل تلك الثقة و لكنه ابتسم , ابتسم لأنه أدرك شيئا واحدا , أدرك أن له هدف و أنه لابد من تحقيق هذا الهدف مهما كلفه الأمر.
أنهي (رانمارو) طعامه , ثم واصل التدريب حتى المساء , حينها فقط استطاع أن يكمل الوضع الصحيح ثلاث مرات متتالية دون أي خطأ أو سقوط العصا من يده.
-إنك تلميذ نجيب و ذكي , لقد استطعت تعلم هذا الوضع المعقد في ست ساعات فقط ؟ لقد ظننت أنني سأمكث معك على الأقل ثلاثة أيام حتى تتقن الحركة , إنني فعلا فخور بك.
ضحك (رانمارو) و هو سعيد جدا , سعيد لأنه قد وضع نفسه فعلا على بداية الطريق الصعب لاثبات برائته , ذاك الطريق الملبد بالغيوم , المغطى بالضباب , لا يعلم ما نهايته , و لا يعلم ما سيقابله من عقبات , لكنه يعلم شيئا واحدا , إنه يجب أن يخوض هذا الطريق إلى النهاية , و ألا يموت قبل أن يثبت برائته أمام الدنيا بأسرها , و أن ينتقم بيده ممن قتل أبواه.
-هيا , أأنت مستعد لكلماتي الأخيرة قبل أن أتركك للتدريب؟!!
-نعم سينساي!
-حسنا , انظر , إنك سوف تتدرب في قلبك , عندما تكون في التدريب مع الوحش ستحاط بهالة من نور فضي تخفيك عن العالم , سوف تكون محميا عندها بطاقة الوحش الهائلة و الأحمق فقط من سيحاول أن يقترب منك , و ذلك لأنه سيواجه قوة الوحش ذاتها كلها , و بالتالي سيموت , اعرف هذا الأمر جيدا رانمارو , لكي تقول أي تعويذة لابد وأن تمتزج قوتك الروحية مع قوة الوحش في قلبك , لقد تكلمت معك عن قوتك الروحية , ولكن بالنسبة لقوة الوحش فإن مستوى تدريبك معه سوف يحدد كمية الطاقة التي سيمنحها لك , لا تتصور أن الوحش سوف يعطيك كل الطاقة مباشرة , كلا , إنه يعطي الطاقة بمقدار محسوس على حسب قوة الشخص ومدى تقدمه في التدريب , و لهذا ضع في حسابك جيدا أن تتدرب بجد و نشاط و ألا تتوان في التدريب و ذلك حتى تصل إلى أعلى مستويات السحر , و ذلك لأنني متأكد أنه إذا كنت بريء , فإن الشخص الذي قتل والديك لشخص قوي جدا , فكن قويا بني حتى تمر من خلال ذلك حيا إلى نهاية المطاف , عدني أنك ستعيش خلال ذلك رانمارو , عدني أنك ستظل حيا إلى النهاية !!
نظر (رانمارو) إلى (كايتو) وأحس بشعور غريب , أحس أنه ينظر إلى أحد أبويه , دمعت عينيه متأثرا , وقال:
-أعدك أني سأظل حيا حتى النهاية , أعدك أني سأظل حيا حتى اللحظة التي تعتذر لي فيها عما ظننته في!!
نظر (كايتو) إليه , و فجأة ضمه إلى صدره , ضمه بقوة و كأنه والده حقا , و كأنه ابنه , ثم أبعده عنه و عينه مليئة بالدموع بنفس حال عين (رانمارو) أيضا , ثم قال له :
- حسنا يا بني , أنا أكره هذه اللحظة و لكني سأنصرف الآن , تذكر أن الكلمة السحرية للتدريب هي .....كايتو !
نظر (رانمارو) إليه وعينه تدمع , ثم اندفع في حضن (كايتو) مرة أخرى , وهو يبكي , و في تلك اللحظة , كانت الشمس قد اختفت تماما معلنة انتهاء نهار يوم مشحون , يوم مليء بالأحداث , يوم انقلبت فيه حياة إنسان , يوم عرف فيه (رانمارو) من هو (رانمارو) الحقيقي.

يتبــــــــــــــــــع.........

اماريج 01-08-10 06:11 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل السابع


ساكـــــــــــــــــورا


-أنا ...أنا...كلاااااااااااااا !!!

صرخت (ساكورا) و هي تجري مبتعدة عن مكان (رانمارو) , جرت بكل ما تملكه ساقيها من قوة , جرت و هي لا تدري إلى أين الملجأ...
-أنا قاتلة , لقد ...لقد ...لقد قتلته , كيف , كلاااااااااااااااااااا!
وفجأة انكبت على وجهها إثر ارتطام قدمها بحجر صغير , اعتدلت و هي تبكي , تلفتت حولها , فرأت أنها في الحديقة العامة الموجودة بحيها .
-كيف حدث ذلك؟!! و من هذا الشخص الذي قتلته؟!! , و لماذا كان معلق هكذا في الهواء؟!!
رفعت يدها اليمنى المطبقة على القوس بقوة شديدة , و نظرت إليه ودموعها على خدها و قالت له:
-هل ما فعلته كان صحيحا ؟! لقد سمعت ما قاله هذا الشخص مثلي , لقد قال إنه سيقتله , نعم , لقد قال هذا , لقد سمعته بالتأكيد , و لكن هل كان سيقتله حقا ؟! ثم ماذا حل بيده ؟! لقد كانت يده اليمنى مغطاة بشيء غريب جدا لم أره في حياتي , أرأيته معي؟! لقد كان , لقد كان و كأنه ثعبان يحيط بيديه , نعم , وكأن لسانه قد خرج من فمه , لقد أحسست و كأن لسانه سينقض على هذا الفتى , أحسست ذلك أم كانت أوهامي !!!
قالت (ساكورا) كلمتها الأخيرة و هي تصرخ بأعلي صوتها وسط دموعها , و كأنها تعاتب القوس على ما فعله , كان يبدو عليها الضعف و الانهاك , كان لون وجها مصفرا جدا , وكان جسمها كله يرتعش , نظرت إلى السماء و تخيلت ما حصل مرة ثانية , فجأة هزت رأسها بقوة نفيا و كأنها تريد أن تطرد الفكرة هذه من مخيلتها , و لكنها مالبثت إلا و أن أمسكت برأسها و صرخت مرة ثانية , ثم رفعت رأسها بين ذراعيها اللذين كانا يمسكان برأسها من الجانب , و عيناها تترقرق بالدموع , و سألت نفسها :
-هل فعلا سأحاسب بما فعلته ؟! هل سينتشر الخبر غدا ؟!! فتاة في الرابعة عشر من عمرها تقتل شخصا !!! ماذا سأقول لوالدي و لوالدتي؟! أأقول الحقيقة؟! كلا , إنني لو قلتها لما صدقني أحد , الوحيد الذي سيصدقني هو ذاك الشاب الذي أنقذته , نعم , يجب أن يشهد معي في ذلك و إلا ...!!
و هنا أمسكت فمها بيدها اليمنى و عيناها قد اتسعتا على آخرهما و هي تكمل:
-أمن الممكن أن يهرب ذاك الشاب ؟! إن رجله قد ومضت و سقط من الارتفاع العالي هذا و كأنه قفز من على درجتين سلم فقط , إنه غير طبيعي , إنه لابد و أن يعرف ذاك الشخص , و لأكيد إنه يمتلك قدرات مثله .
أنزلت (ساكورا) يدها من علي فمها , و هدأت نفسها قليلا , وتابعت:
-لو كنتي يا ساكورا مكان شخص مثله , ماذا كنتي تفعلين؟!!
نظرت إلى الأرض على جانبها الأيمن و كأنها خجلة من نفسها و قالت بصوت حزين:
-كنت هربت على الفور من المكان و ذهبت إلى مكان آخر لا يعرفني فيه أحد.
صمتت قليلا ثم قالت :
-هكذا الأمر إذا.
ثم أخذت نفسا عميقا و أخرجته , وفتحتت عينيها المغمضتين , كانتا يحملان نظرة تصميم على شيء معين , فتابعت قائلة بحزم :
-هيا لنر إلى أين سيذهب.
******************************
-سيدتي.
قالتها المساعدة و هي تنحني داخلة إلى الغرفة المضيئة فقط بهذا اللون الأحمر الهادئ الرومانسي , فأجابتها الجالسة قائلة :
-ماذا هناك إيكويا ؟
-لقد وصل هذا التقرير حالا من قائد فريق التحري !
تثائبت الجالسة في ملل ثم أردفت قائلة :
-ماذا توصل الفريق؟ هل عرف مكان البشرية؟!
-نعم سيدتي و لكن...!
توقفت (إيكويا) و هي تنظر لسيدتها و كأنها خائفة من حدوث شيء ما , فرمقتها الجالسة بنظرة صارمة و قالت لها:
-و لكن ماذا ؟!
بلعت (اإكويا) ريقها و كأن حلقها قد جف , فنظرت إلى سيدتها ثم قالت لها في سرعة :
-للأسف لم يجد فريق التحقيق أدنى أثر للفتاة في بيتها , فقد هربت.
هنا انتفضت الجالسة واقفة و هي تصيح في مساعدتها :
-ماذا تعني بكونها هربت؟! ألم تخبريني أنها كانت بشرية عادية؟! أم كانت هذه استنتاجاتك العاطفية إيكويا؟!!
تراجعت (إيكويا) و هي ترتجف من خوفها , ونظرت إلى سيدتها الغاضبة , وقالت و هي ترتجف:
-كلا , لقد قال المراقب إنها قتلته باستخدام القوس و السهم و إنها جرت خائفة بعدها حتى لم تتحدث مع رانمارو على الاطلاق , و المراقب هذا من أفضل المتدربين في العائلة.
هدأ غضب السيدة , ثم جلست مرة أخرى على الأريكة , وقالت (لإيكويا) :
-حسنا إيكويا , أنتي الآن مسؤولة أمامي عن احضار تلك الفتاة لي , بمعني آخر و مباشر , حياتك مقابل حياة تلك الفتاة , وأحضريها حية , لو ماتت قبل أن تصلي إليها فاعتبري نفسك في عداد الأموات أيضا !
نظرت (إيكويا) في رعب إلى سيدتها , ثم نظرت نحو الأرض و كأنها استسلمت , وقالت لسيدتها :
-حسنا , فليكن الأمر إذن , أنا سأتولى مسؤولية الفتاة بنفسي , ولكن عندما أعود هل تسمحي لي بأن أقتل بيدي رئيس فريق التحقيق ؟!!
ابتسمت الجالسة ابتسامة ماكرة و هي تقول :
-لكي ما طلبتي عزيزتي الغالية إيكويا .
استدرات إيكويا خارجة , و لكن عند الباب توقفت كأنها تذكرت شيئا , فالتفت لتواجه سيدتها التي بادرتها بسؤالها :
-ماذا هناك أيضا؟!
-لقد تذكرت أمرا , في حالة إن وجدت تلك الفتاة , ماذا أفعل إذا كانت في صحبة جنتو؟!!
كان اسم (جنتو) كفيلا بتغيير جو الغرفة مرة أخرى , نظرت الجالسة تجاه (إيكويا) و هي غاضبة , إنها تكره (جنتو) كثيرا , و لكن ما علاقه الفتاه (بجنتو) ؟! كما أن (إيكويا) لا تصل إلى مستوى (جنتو) بأي حال من الأحوال , فاصطدامها به نتيجته معروفة مسبقا , كلا , إنها ستكون مضيعة لمجهود خادم مخلص مثلها , يجب ألا أدعها تواجهه.
دارت تلك الخواطر في رأس الجالسة و هي تفكر فيما قالته (إيكويا) للتو , ثم رفعت رأسها إليها و قالت لها :
-في حال إن اصطدمت بطريق جنتو انسحبي على الفور و أخبريني بمكانهما و أنا سأتولى الأمر بنفسي , و لكن عندي استفسار , لماذا خطر لك هذا الاحتمال المستحيل؟!!
-لا أعلم , ولكن بدت الفكرة مقبولة لدي !!
ضيقت الجالسة من عينيها و هي تنظر نحوها , ثم أشارت لها بالخروج , فانحنت , وخرجت تاركة سيدتها في وسط بحور التفكير في احتمال واحد ... ما العمل إذا كانت الفتاة مع (جنتو) الآن؟!!
**************************
رفع (رانمارو) عينيه المليئة بالدموع لينظر إلى (كايتو) و هو أيضا عيناه تدمع و يقول له:
-كايتو , أنا فعلا لا أريدك أن تتركني , و لكني أعرف أن هذا لن يحدث , ولكن أنا أريد أن أطمأن عليك من وقت للآخر , كيف يمكنني ذلك؟!!
ابتسم (كايتو) و مسح دمعة كانت قد بدأت بالسقوط على خده , وهنا رد قائلا :
-رانمارو , هناك تعويذة تستعمل للتحدث بين الأشخاص , و لكني أعلم أنك لن تستطيع تعلمها الآن , انظر , إنني سآتي هنا في السبت الأول من كل شهر , سآتي لأزور قبر أصدقائي القدامى, فإذا احتجت لرؤيتي فانتظرني هنا أول سبت من كل شهر , أفهمت ذلك؟!
-نعم فهمت .
-حسنا , بما أنه قد حان وقت الرحيل أظن أن عليك الخروج !
نظر (رانمارو) نحو (كايتو) بدهشة فهو لم يكن يدرك ما يعنيه بقوله هذا , و لكن على مقربة منهم , و خلف شجرة من الأشجار العديدة هناك في المقابر , اتسعت عينا شخص جالس هناك من المفاجأة , و كأنه كان يظن أنه لا يمكن لأي شخص أن يدرك وجوده .
-أستخرج أم آتي لأحضرك بنفسي؟!!
قالها (كايتو) بصوت عالي , رفع (رانمارو) يده اليمني مشيرا إلى (كايتو) و قال:
-إلى من تتحدث ؟! لا يوجد أحد هنا غيري و غيرك.
-أنت مخطئ رانمارو!!!
صدر هذا الصوت من خلف شجرة بعيدة عنهما بمسافة تقارب الخمسين مترا , نظر (رانمارو) إلى الشجرة بدهشة شديدة , و التي لم يلبث أن ظهر خيال طويل لشخص خلفها , كان الخيال يشير إلى أن الشخص يقوم الآن من جلسته خلفها, شخص لا يظهر منه شيء من أثر خيال الشجرة الواقع عليه .
-أنت يا من هناك اخرج الآن!!!
قالها (رانمارو) بصوت عالي و هو يشير بيده اليمنى نحو الشجرة , ثم أطبق على أصابع يده و أشار بها مهددا:
-إذا لم تخرج الآن فسآتي و أخرجك من هناك أيها اللعين.
هنا تحركت الفتاة بضع خطوات للأمام , و عندما سقط عليها ضوء القمر , شهق (رانمارو) فزعا , فلم يكن ذلك الشخص سوى تلك الفتاة التي أنقذت حياته.
تسمر (رانمارو) في مكانه , حرك (كايتو) نظره مابين الفتاة و بين (رانمارو) الذي قال :
-أنتي!!!
فنظر إليها (كايتو) و سأله:
-هل تعرفها؟!
صاح (رانمارو) و هو يجيبه :
-نعم بالطبع , فتلك الواقفة أمامنا الآن هي بعينها الفتاة التي سبق وأن أخبرتك عنها بأنها أنقذت حياتي.
اتسعت عينا (كايتو) من الدهشة , و نظر إليها مرة أخرى بتمعن , لم تكن سوى فتاة بشرية عادية جميلة جدا , من عمر (رانمارو) تقريبا أو ربما أصغر بقليل , كان شعرها لونه أصفر ذهبي و طويل و تلفه على شكل ذيل حصان , ولون عيناها أخضر عسلي , قال (كايتو) وهو لا يزال مندهشا :
-لقد كنت أعرف أنك هنا منذ البداية و لكني ظننتك جاسوسا تتبعي (رانمارو) , فلم أكن أظن أنك التي أنقذتيه.
نظر (رانمارو) تجاه (كايتو) و صرخ فيه قائلا :
-كيف تقول عنها بشرية ؟ كيف لبشرية أن تتبعني إلى هنا ؟! مؤطد أنها دخيلة أو جاسوسة!!
هز (كايتو) رأسه نفيا و رد قائلا :
-كلا (رانمارو) , فللأسف هي ليست كما تظن , انظر (رانمارو) , إن أي شخص ليس ببشري سوف تحيط حول رأسه حلقة من لون معين , كل لون يرمز إلي الوحش الخاص به , أو إلى العائلة التي يتبعها , كل على حسب نوعه من ساحر إلى أي نوع آخر , ولكنني لا أرى تلك الحلقة حول رأسها, و بالتالي هي بشرية عادية !
نظر (رانمارو) نظرة الغير مصدق إلى (كايتو) , ثم أشار بيده اليسرى إلى رأس (كايتو) و قال :
-ولكنني لا أرَ تلك الحلقة حول رأسك كايتو.
زفر (كايتو) زفرة تعب واضحة , و كأنه مل من الأسئلة السخيفة التي يطرحها (رانمارو) , ثم قال :
-انظر بني , إذا استطاع أي بشري عادي أن يرَ تلك الحلقة لعرفوا على الفور بوجودنا أو وجود العوالم الأخرى , انظر رانمارو , لا يستطيع أي شخص رؤية الحلقة إلا إذا كان فردا من أي جنس آخر غير البشريين العاديين , و أنت حتى الآن تعتبر بشري عادي , فأنت لم تقم بأي تعويذة على الاطلاق و لكن بعد أن تقوم بأول تعويذة في حياتك سوف تتمكن من رؤية الحلقة حول رأس أي فرد الآن , و كذلك سوف تظهر الحلقة الخاصة بك حول رأسك أنت أيضا فيعرف الآخرون أنك لست بفرد عادي , أفهمتني الآن؟!!
أومأ (رانمارو) برأسه ثم وجه كلامه إلى (ساكورا) قائلا:
-ما اسمك إذا ؟! - ساكورا !
-لماذا أتيتي إلى هنا ورائي؟!
هنا سقطت (ساكورا) على ركبتها و هي تبكي و هي تقول :
-بعد أن قتــ..بعد أن أنقذتك من الموت ركضت لا أعرف إلى أين حتى وصلت إلى الحديقة العامة , و هنا أخذت أفكر في ما حدث , و توصلت إلى أن هذا الشخص غير عادي على الاطلاق , كما أنك غير عادي أيضا , فلقد هبطت من مسافة عالية دون أن يحدث لك أي مكروه , فرأيت أنه إذا حدث لي مكروه فالوحيد الذي يستطيع أن يؤكد روايتي للناس جميعا و ينقذني هو أنت , و إلا سيعتبرني الناس مجنونة و سأنضم إلى مستشفى للأمراض العقلية , و هنا خفت أن تهرب , فعدت إلى منزلك و تواريت خلف مجموعة من الطوب الأحمر هناك عند بيتك , و ما خفت منه قد حدث , فرأيتك تخرج من البيت و معك حقيبة , فتأكدت أنك هارب من المكان خوفا من أن أطلب شهادتك , و هنا قررت أن أتبعك إلى أن جئت إلى هنا.
-ماذاااااااااا!!!
صرخ (رانمارو) بكل دهشة إلى (ساكورا) بعد سماع كلامها , وأردف :
-هل تعني أنكي كنتي هنا منذ البداية؟!
-نعم , و لقد سمعت كل شيء , ورأيت كل ماحدث , إن هذا لشيء عظيم أن يكون المرء ساحر و أن..
قاطعها (رانمارو) و هو يوجه كلامه إلى (كايتو) قائلا :
-وأنت كنت تعلم هذا أيضا ؟!
أومأ (كايتو) برأسه موافقا , فانفعل (رانمارو) غاضبا للدرجة التي اهتز فيها جسمه كاملا , و هنا قال (كايتو) :
-عزيزي , أنا أرى أنه لا يوجد سبب لهذا الغضب.
-اصمت !!!
قالها (رانمارو) و هو يتجه ناحية (ساكورا) التي وضعت ساعد يدها اليسرى أمام وجهها من الخوف و أغمضت عينيها حيث شعرت أنه سيقوم بضربها , و هنا حدث أغرب شيء على الاطلاق.
-إني أشكرك على انقاذك لحياتي , إنني مدين لك بحياتي.
قالها (رانمارو) بكل رقة و رومانسية , قالها و هو يجثو على ركبته اليسرى و يمسك بأصابع اليد اليمنى (لساكورا) بأصابع يده اليسرى , ثم أحنى رأسه و طبع قبلة رقيقة على يدها , هنا أحمرت وجنتيها من الخجل و سحبت يدها بسرعة و أعطت لهما ظهرها و هي تمسك وجهها بيدها في رقة و خجل و تقول :
-ل ل ل لا داعي لذلك رانمارو , أنا..أنا فعلت ما ظننته صحيح وقتها.
كانت تقول ذلك و هي تضحك , و لكن بداخلها كانت سعادة أخرى , سعادة لم تعرفها من قبل كما لم تعرف سبب لها أيضا.
-رانمارو!!!
قالها (كايتو) وهو غير مصدق للتحول الشديد في شخصيته.
-انظر كايتو إنني لم أكن غاضبا من أي منكما لما حدث , أنا كنت غاضبا فقط لأني سأعرض حياة من أنقذتني و أدين لها بعمري للخطر , فأنا الآن في أول طريقي للحصول على برائتي , وكما قلت لي سابقا , أمامي الكثير من الأعداء الأقوياء , و أنا بحالتي هذه لا أستطيع أن أدافع عن نفسي , فكيف يفترض أن أدافع عنها إذا؟!!
نظرت (ساكورا) نحو (رانمارو) , كانت عينها تقول الكثير , كانت تقول له أنه لا يهمها حياتها مادامت بجانبه , إنها مستعدة للموت في سبيل أن يحيا هو , إن لحظة معه أفضل عندها من العمر بدونه , و لكن لسانها أبى أن يتحرك , صوتها أبى أن يصدر , كل ما فعلته هو التحديق فقط.
-كلا رانمارو , إنني أعترض معك في ذلك.
قال (كايتو) ذلك و هو يشبك ساعديه في بعضهما أمام صدره و هو مغمض لعينه و ينظر لأسفل بكل أسى , و أكمل :
-انظر رانمارو , إن من حاول قتلك لهم مهرة , و هو ليس شخص واحد بل العديد منهم , من المؤكد أنهم سيبحثون عن ساكورا , كلا , لو كانوا بمثل المهارة التي أتصورها , فمن المؤكد أنهم قد عثروا على بيتها الآن , و اكتشفوا أنها ليست موجودة به , إني أرى رانمارو أن أكثر الأماكن أمنا لها و هي بجانبك , و لا تحزن من كونك ضعيف الآن , فغدا ستصبح من أقوى الأشخاص.
عم صمت تام علي المكان , كان يبدو أن (رانمارو) يزن ما قيل له في عقله , ثم بعد فترة بسيطة من التفكير قال:
-حسنا , ساكورا أنتي تعلمين كم المخاطر التي سوف أواجهها , أليس كذلك؟! - نعم أعلم.
-حسنا إذا , و هل أنتي مستعدة لكي تتحملي كل هذه المخاطر معي؟!!
نظرت (ساكورا) إليه , و بعينها دمعة خفيفة أبت أن تجعلها تسقط , و قالت :
-نعم إنني مستعدة لأن أظل معك للنهاية , و أشهد معك لحظة إعلان برائتك.
ابتسم (رانمارو) , ابتسم (كايتو) , ابتسمت (ساكورا) , ابتسم الجميع , لقد سوي الأمر إذا , ستظل (ساكورا) مع (رانمارو) في طريقه المظلم الشائك حتى النهاية.
-الآن سأذهب , اعتنِ بنفسك جيدا رانمارو , و راقبيه جيدا ساكورا حتى لا يندفع في أي عمل أحمق , أتمنى لكما التوفيق .
أشار بيده مودعا لهما و قد ردا له السلام أيضا , ثم رفع العصا و قال :
-كاي!
فتحولت إلى شكلها المعتاد , ثم تابع :
-مانسيو موشو !
و هنا ومض طرف العصا ثم ظهرت آشعة مضيئة بلون فضي مالبثت أن أحاطت (بكايتو) على شكل نصف دائرة كبيرة , ثم اختفى و هو يودعهم بيده و هم يبادلونه ذلك حتى هدأ المكان و رجع الظلام يكتنفهم مرة أخرى , هنا نظر (رانمارو) إلى (ساكورا) , و قبض على يدها , و قال لها :
-هيا بنا نحن أيضا فلنغادر هذا المكان .
تحرك الاثنان بعد أن أخذ (رانمارو) الحقيبة على ظهره مرة أخرى و أمسك بعصاته الغالية معه , أخذت (ساكورا) الجعبة على ظهرها , و أمسكت القوس بيدها اليسرى , ثم تابعت (رانمارو) في سيره نحو الطريق المؤدي بهم إلى خارج المقابر , نحو طريقهم نحو المجهول.
يتــــــــــــــــــــــــــــــبع................

اماريج 01-08-10 06:14 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الثامن


قريه اليوشيكومو


مشت (ساكورا) بجانب (رانمارو) وهي صامتة حتى أنهوا الطريق المؤدي إلى مقبرة والديه , ثم خرجوا من البوابة الرئيسية , عندها تكلمت (ساكورا) لأول مرة قائلة :

-ممم , رانمارو!
توقف (رانمارو) و التفت اليها وقال لها:
-ماذا هناك؟!!
صمتت قليلا و هي تنظر نحو الأرض حول قدميها و هي تشبك يديها معا , ثم قالت و هي تلتفت إلى جانبها خشية اصطدام عينها بعينه :
-ألديك أي فكرة عما سوف نفعله الآن؟!
نظر إليها ثم ابتسم ابتسامة خفيفة , و ذهب إليها و أمسك يدها بيديه , و هنا احمرت وجنتاها خجلا , واتسعت عيناها و هي تنظر نحوه , فقال لها :
-ساكورا , لا تحملي هم أي شيء مادمتي معي , فلقد ساعدتيني وأنا وحدي , و حمتيني وأنا ضعيف , فلا تحملي هم أي شيء من الآن , فأنا سأصبح أقوى من أي شخص آخر , أقوى و أقوى و أقوى حتى لا يستطيع أي شخص أن يتفوق علي , و حتى أستطيع أن أظهر برائتي.
نظرت إليه و هي غير مدركة لأي كلمة قالها , ففي داخلها كان قلبها يقوم بثورة عليها , كانت دقاته سريعة جدا , هي لم تعرف هذا من قبل , كانت تشعر أن العالم كله لو وقف أمامها في هذه اللحظة لما حملت أي هم على الإطلاق , لقد أدركت هنا حقيقة واحدة ...إنها تحب رانمارو.
-انظري ساكورا , لا نستطيع أن ندخل على أي فرد الآن هكذا , لابد و أن تحدث بعض التغييرات , اسمعي و احفظي جيدا ما سأقوله لك ...
تكلم (رانمارو) قليلا , ثم فتحت (ساكورا) فمها و هي مندهشة و تقول له :
-كلا , لا يمكنني , هذا خداع!!
-نحن لا يمكن أن ندخل على أي شخص و نقول له حقيقتنا , و إلا ماذا تعتقدين؟!
نظرت إليه للحظة , ثم نظرت إلى الأرض و قالت:
-أنا آسفة , هذا هو الصواب فعلا , إن عرف الناس حقيقتنا فمن الممكن أن ندخل في مشاكل لا حصر لها .
رفعت رأسها و كأنها تذكرت شيئا هاما وقالت :
-صحيح , ماذا سنفعل الآن؟ لم تجاوبني رانمارو.
-حسنا , أولا و قبل أي شيء لابد و أن نرمي ماضينا خلفنا إلى الأبد , نحن لم نعد أطفال مدارس بعد اليوم , لابد لنا أن نعمل و نحصل على قوت يومنا , ثم بعدها نفكر في التدريب وأي شيء آخر.
-ولكن كيف لنا أن نحصل على ذلك ؟!
-انجدوووووووونـــــــي...لص , لص!!
نظر (رانمارو) و(ساكورا) إلى الطريق المقابل فوجدوا شخصا يجري و معه حقيبة سوداء و خلفه سيارة حديثة الطراز و إمرأه تصرخ و هي خارجها :
-انجدووووووونـــــــي ...لص ...لص !!
فجأه و بدون مقدمات جرى (رانمارو) بأقصى سرعته , كان لا يعرف لماذا جرى , نعم إنه يكره السارقين , لكنه ليس من هذا النوع الذي يعرض حياته للخطر من أجل شخص آخر لا يعرفه , و لكنه جرى , و جرى , و جرى , حتى وصل إلى اللص , و هنا كان بجانبه , نظر إلى اللص , و نظر اللص إليه , و هنا فعل شيئا لم يتخيل أنه قد يفعله , لقد قفز إلى أعلى , و لف حول نفسه , و مد رجله اليسرى و هو يلف فاصطدمت برأس السارق فطار إلى الخلف في الهواء قليلا ثم تدحرج على الأرض حتى وصل إلى الحائط الفاصل بين الإتجاهين, كانت ركلة قوية و غير متوقعة , (رانمارو) نفسه لم يكن مصدق كم الثقة و القوة التي كانت به , وقف اللص و هو ينهج من شدة الضربة و يمسك برأسه بيده اليسرى , و الحقيبة بيده اليمنى , عندها جرى ناحيته (رانمارو) , فقذف اللص بالحقيبة ثم قفز فوق السور الحاجز بين الطريقين ثم اندفع في الظلام , قفز (رانمارو) خلفه محاولا اللحاق به .
-رانمارو !!
صاحت (ساكورا) عليه , فوقف فجأة , فمال جسمه إلى الأمام , و حاول أن ينقذ نفسه من السقوط بتحريك يديه في الهواء , نجح في ذلك , فالتفت نحوها و صاح فيها غاضبا:
-ماذا تريدين مني الآن؟! لقد جعلتيه يهرب.
-لقد رمى الحقيبة , فلا شأن لنا معه الآن , هيا فلنعد الحقيبة لصاحبتها .
هدأ (رانمارو) هو ينظر إليها , ثم أخذ نفسا عميقا و أغمض عينيه ونظر نحو (ساكورا) و قال:
-حسنا .
تحرك إلى الحقيبة و التقطتها , ثم سار هو و (ساكورا) حتى وصلا إلى السيارة التي كانت واقفة , فهرولت صاحبة الحقيبة إليهما , و اختطفت الحقيبة منهما , و ضمتها إلى صدرها و تنهدت بارتياح , ثم نظرت إليهما و قالت لهما :
-شكرا جزيلا , هذه الحقيبة ميراثا غاليا لأمي , أنا لا أتصور أن أفقدها أبدا !
نظر (رانمارو) إليها بشك , ثم قال :
-حسنا , لقد اطمئننا على أن حقيبتك قد عادت لصاحبتها , هيا بنا ساكورا.
قالها و استدار مستعدا ليمشي بعيدا , فاستوقفته السيدة قائلة :
-إلى أين ستذهبون؟! أستطيع أن أوصلكم إلى أي مكان تريدونه , و اعتبروه كرد للجميل , فأنا الآن أدين لكما بشيء ثمين.
نظرت (ساكورا) إلى (رانمارو) ثم قالت بحزن:
-للأسف نحن لا نملك مكانا نذهب إليه , لقد مات أبوانا و لا يوجد لدينا أي فرد من أقاربنا على قيد الحياة , فنحن الآن وحيدان !
قالتها (ساكورا) و نظرت تجاه (رانمارو) , كانت بعينيها ابتسامة خفيفة , ابتسامة انتصار , حيث اندفعت المرأة و قالت :
-حسنا إذا , أنا عندي مكانا للعمل و المبيت , أنا اسكن في قرية (اليوشيكومو) , أمتلك مزرعة و أحتاج إلى نجارين و طباخات , هل يمكنكما أن تعملا عندي.
قالت الجمله الأخيرة و هي تبتسم , نظر (رانمارو) و(ساكورا) إليها , ثم قال (رانمارو) :
-كلا , نحن لا نقبل شفقة من أحد , لقد ساعدناكي لأنكي كنتي تحتاجي مساعدة فقط , نحن...
-لا تكمل , أنتما ستعملان عندي , وسوف تأخذان أجوركما , و طعامكما و إقامتكما متوفرة عندي في المزرعة , و أهل القرية عندي طيبين , و سوف تتعودان على المعيشة هناك , فلتأتيا معي هناك , و إذا لم تستريحا فأنتما ستظلان تحت رعايتي حتى تجدان عمل جديد.
نظر (رانمارو) و (ساكورا) لبعضهما , ثم قال (رانمارو) :
-حسنا إذا , لقد سوي الأمر , لكن هلا تخبريننا باسمك على الأقل ؟!
-حسنا , تفضلا اركبا معي , و اسمي هو كاجومي , وأنت رانمارو , أليس كذلك ؟!
نظر إليها (رانمارو) ثم قال لها :
-نعم , و هذه هي ساكورا !
ابتسمت السيدة ل(ساكورا) و قالت لها :
-مرحبا بكي عزيزتي !
ردت (ساكورا) الابتسامة بابتسامة أخرى , ثم ركبوا السيارة جميعا ,استغرقت الرحلة حوالي الساعة , تحدثا فيها كثيرا , أفهماها أنهما أخ و أخت ,و أن أبواهما قد توفيا , وصلا إلى قرية هادئة بعيدة عن المدينة , كانت (كاجومي) هي التي تقود السيارة , كانت سيدة تبلغ من العمر حوالي ثلاثون عاما , كانت جميلة , شعرها أسود داكن و ناعم و لكنه متوسط الطول , كان يبدو عليها عدم الاهتمام بأي تسريحة أو موضة , كانت ثيابها عادية , أما عينيها فكان لون بؤبؤها أزرق صافي.
-تفضلا هنا , يا ساشيو.
هنا خرج كهل عجوز يبلغ عمره حوالي السبعين عاما , كان شعره قد تطاير معظمه و الباقي تلون باللون الأبيض , كان يتوكز على عصاته , جاءها , وقال لها :
-نعم يا سيدتي , كل شيء على ما يرام.
-حسنا فعلت ساشيو , و الآن أرِ ضيوفي مقر نومهم الجديد , فرانمارو و ساكورا سوف يقيمان هنا معنا و يعملان كنجار و كطابخه , هيا ساشيو و لا تضع الوقت , أرهم المكان ثم عد إلي سريعا .
قالت ذلك ثم استدارت لتواجه (رانمارو) و (ساكورا) , ثم أردفت :
-و الآن أستاذنكما , فإنني متعبة جدا , و سأترككما في رعاية ساشيو , و هو سيريكما مكان إقامتكما , استريحا الآن فمن الغد سوف تعملان .
-حسنا يا سيدة كاجومي.
قالها (رانمارو) , فارتسمت شبه ابتسامة رضا على وجهها , ثم اتجهت نحو سلم القصر الموجود بالقرية و صعدت إليه , فقال (ساشيو) لهما في حدة :
-هيا أيها الكسالى , لا وقت لدي لأرى صعود السيدة إلى آخر السلم , هيا فلدي أعمال كثيرة .
قالها و هو يدير ظهره إليهما و يعتمد على عكازه في السير , فتابعوه و هما ينظران إلى بعضهما و ينظران إليه دون أن يتفوها بأي كلمة , ظلا هكذا حتى وصلا إلى منزل خشبي من طابق واحد و كبير نسبيا , يحتوي على حجرتين للنوم و صالة على الأقل , و به حديقة صغيرة تحيط به من الخارج , كان يبدو أن منظره سيكون بديعا في الصباح .
-خذا , هذا هو مفتاح البيت , البيت به كل شيء تقريبا , إذا احتجتما إلى شيء نادياني , و لكن لا تتجولا في الليل بمفردكما , هذا ممنوع منعا باتا هنا و له عواقب وخيمة إذا فعلتما ذلك , أنتما ستتحملان عواقب ذلك من السيدة كاجومي , نظر كل منهما إلى الآخر بشك , ثم تكلم (رانمارو) قائلا :
-حسنا , نحن لا نحب المشاكل , و لن نضع أنفسنا فيها أبدا , هيا بنا ساكورا فإني متعب أريد النوم.
تحركت (ساكورا) بسرعة إلى داخل البيت تتبع (رانمارو) الذي قد دخله , في نفس الوقت الذي رحل فيه (ساشيو) , و لكن (رانمارو) لم يغلق الباب فورا , بل واربه و هو يراقب (ساشيو) , كان يشك بشيء ما , و فجأة وجد ضالته في سلوك (ساشيو) الغريب , ثم أقفل الباب , و دخل إلى داخل البيت مع (ساكورا).
يتبـــــــــــــــــــــع........

اماريج 01-08-10 06:15 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل التاسع


المـــــــــــــــــــــــــــــأزق


استدار (رانمارو) بعد أن أغلق الباب خلف (ساشيرو) , ونظر في عيني (ساكورا) و قال :

-إن هذا لا يبدو لي سليما.
اتجه إلى حجرة النوم المقابلة للباب بعد أن مر بالردهة , و تبعته (ساكورا) , و عندما دخلت الغرفة كان (رانمارو) بالفعل قد أوقد الإضاءة فيها و جلس على الفراش و هو يسند رأسه على ذراعيه و ينظر إلى الأرض , اقتربت منه (ساكورا) و جلست بجانبه و بادرت بالتساؤل قائلة:
-هلا شرحت لي ما تفكر فيه ؟
-أوه , حسنا!
قالها و اتجه إلى مقدمة الفراش , و عدل من وضع وسائده حتى يستطيع أن يركن ظهره مستقيما عليها و هو يريح جسده , و شبك يديه خلف رأسه و استراح على الوسائد و أغلق عينيه و قال:
-أولا أنا أشك في كايتو !
بدت الدهشة واضحة على (ساكورا) , التي رفعت يدها اليمنى إلى أعلى أمام فمها و عينيها متسعة , ثم قالت :
-كلا , لا يمكن !
قالتها و هي تهز رأسها في قوة و ساعديها مضمومين بجانب بعضهما بالطول على صدرها ثم تابعت :
-لو ...لو كان كايتو عدو لقتلنا على الفور , أليس كذلك؟!!
-نعم , هذا صحيح , و هذا ما يؤرقني , فلم أجد له تفسيرا إلى الآن.
-و لكن ....و لكن لماذا تشك في كايتو ؟ لقد كان لطيفا معنا , و لم أشك به لحظة واحدة !
-ممممممم , نعم , حتي أنا لم أشك فيه طوال فترة جلوسي معه , و لكنه قال شيئا انتبهت إلى خطورته و زرع الشك في نفسي من ناحيته.
-ماذا قال؟!!
-ألم يقل أنه تعرف عليكي بأنكي بشرية عادية بعدم وجود الطوق على رأسك؟! كما أنه لم يتعرف علي إلا كإنسان عادي نظرا لأني لست ساحرا بعد , و الأجناس الأخرى خلاف البشر العاديين يمكنهم رؤية الأطواق هذه و التعرف على بعضهم البعض.
شبكت (ساكورا) ساعديها أمام صدرها , و همهمت و هي ترفع رأسها إلى أعلى مغمضة العينين , و كأنها تفكر فيما قاله (رانمارو) , ثم فتحتهما و قالت :
-أنا لا أرى فيه أي شيء يدعو للريبة .
-أوه , ساكورا , ركزي معي من فضلك , الآن أنا ساحر متهم بقتل والداي , و أنا آخر فرد في عائلتي , و هذا يعني كوني مستهدف لكي أشارك أي شخص قواي , و بالطبع هذا لأنني ضعيف جدا و لا أعلم شيئا , لكن المعضلة الكبرى هي كيف سيجدني من يريد قتلي ؟! هل فهمتي ما أعنيه , كوني إنسان بشري عادي يعني أنني في أمان , و لن يجدني أي شخص إلا بصعوبة بالغة و بعد زمن مثل ما حدث معي مع الساحر الذي قتلتيه , و لكن إذا نشطت قواي الآن , و استخدمت أول تعويذة في حياتي , فسوف يتكون طوق مميز خاص بعائلتي معروف جيدا لأعدائي حول رأسي , هذا يعني أنني سوف أواجه الكثير و الكثير , و هذا طبعا في الوقت الذي لن أستطيع فيه التدريب بشكل كاف , كايتو لم ينبهني إلى تلك النقطة على الرغم من بساطتها و أهميتها , لكنه أغفل ذكرها لي , و هذا ما يقلقني , لقد علمني كل شيء عن حياتي ,و عن التدريب , بل و أعطاني موعدا و مكانا لألقاه إذا احتجته , أعطاني موعدا بدون أن يفكر أو يتردد , و كأنه كان مستعدا لسؤالي هذا , لو كان كايتو فعلا صديق لوالدي , فكان اتخذ أحد طريقين , أن يساعدني في طريقي , أو يبتعد عن طريقي للأبد , و لكنه اختار طريق وسطا , طريق المراقب من بعيد , إنني لأشعر أنه يدبر لي شيئا , و أن كل ما حدث إلى الآن لم يكن مجرد صدفة , و لكن هذا احساسي فقط , و لا أملك عليه الدليل.
شردت (ساكورا) و هي تنظر تجاه الحائط المقابل , و صمت (رانمارو) قليلا , ثم أكمل قائلا:
-و الآن نحن موضوعون في مأزق كبير , فأنا أظن أن القرية التي نحن فيها ليست عادية , أهلها أحس و كأنهم ليسوا بشرا عاديين , هذا المدعو (ساشيرو) كان به شيئا يحيرني منذ أن رأيته أول مرة , و عندما استدار ليسير بعيدا راجعا إلى سيدته , رأيت يديه , كانت يديه تبدو ناعمة و طرية , في حين أن أي شخص كبير في السن لابد وأن يكون جلده مجعد , هذا إضافة إلى أنه كان يتوكز على عصاه , و يمشي ببطء منحنيا , و لكنه حين استدار ليعود أدراجه , استدار و هو يقف , و كان ظهره سليما و لا تبدو عليه انحناءات , و كذلك لم يضع يده على ظهره بعدها و هذا هو المفترض إذا كان عجوزا حقا.
اتسعت عينا (ساكورا) من الرعب , و لمست بأطراف أصابع يدها اليسرى شفتها السفلى و هي فاتحة فمها من الخوف و تهتز من الفزع , و نظرت إلى (رانمارو) الذي كان يبدو هادئا و صاحت :
-ماذا سنفعل رانمارو؟!
-لا شيء , أنتي لن تفعلي شيئا الآن , أما أنا فسأخوض غمار التدريب مع معلمي الجديد طوال الليل , يجب ألا تنامي الليلة , أريدك أن تمسكي القوس و تدافعي عن نفسك إذا حدث شيئا , أما أنا فسأكون مخفيا عنهم , و إذا حدث شيء أول ما تفعلينه هو أن تنبهيني بخبطة على جسدي , أنت ستعرفين مكان تدريبي , و ستجلسين بجانبي , فإذا حدث شيئا نبهيني فقط و سأقطع التدريب لإنقذك.
-كلا , إذا تدربت سوف...
-وإذا لم أتدرب سوف نموت , ألم أقل لك أننا في مأزق , إذا لم أتدرب هناك خطر كبير أننا سنهاجم بواسطة من في هذه القرية و الأعداء خارجها الذين يبحثون عنا , وإذا تدربت فسوف نواجه مخاطر كبيرة , و لكن فلنواجهها و نحن أقوياء و لنا أمل في النجاة على أن نواجهها و نحن في هذه الحالة التي يرثى لها , و إلا فما رأيك؟!
صمتت (ساكورا) عن الكلام و هي لازالت تنظر محدقة إليه , ثم نظرت إلى أسفل و هي تقول في حزن :
-أنا أعلم أنني سأكون عقبة في طريقك , أنت تريد أن تتدرب و تصبح قويا , أما أنا فلا أملك سوى هذا القوس و أنا بشرية عادية , فعدني أنني إذا أصبحت عبئا علــ...
لم تكمل (ساكورا) , بل الأحرى أن نقول أن لسانها و عقلها و قلبها قد توقفا عن أي شيء كانت تريد أن تقوله , و تفكر فيه , و تشعر به , فلقد أصبحت فجأة في حضن (رانمارو) , لقد اجتذب يداها في منتصف حديثها إليه , استقرت في حضنه وصمتت و عيناها تمتلئ بالدموع , و هنا تحدث (رانمارو) :
-ألم أقل لك أيتها العنيدة أنني سأحميك إلى آخر قطرة في دمي ؟! كيف تقولين على نفسك ضعيفة و لا حول لك و أنتي التي استطعتي انقاذي من هذا الساحر ؟! أستصبحين عبئا علي ...يا للغباء ساكورا , طالما أنا بجوارك أنا الذي سأصبح عبئا عليكي , فلولاي لما كان لك دخل بأي حدث هنا , إنني لازلت ألوم نفسي على تعريضك للخطر بسببي.
-را...نما....رو!!!
قالتها (ساكورا) بصوت ضعيف رقيق جدا , ووجنتاها قد احمرتا خجلا , ثم أمسك (رانمارو) بكتفها و هو يبعدها عن حضنه ببطء و نظر في عينيها وقال:
-هل نبدأ الآن ما اتفقنا عليه ؟! أنتي ستجلسين هنا مكاني و أنا سأجلس بجوارك و أدخل إلى عالم التدريب , لا تقلقي عزيزتي طالما أنا موجود !
لم تدر ما تقول , لم تجد ما تفعله سوى أن تهز رأسها إيماءا بالموافقة , عقلها قد توقف عن التفكير , قلبها كان يدق بشدة و كأنه يريد الخروج من قفصها الصدري , جلست مكانه بدون أن تنطق بأي كلمة , أحضر لها القوس و الجعبة , ثم جلس هو بجانبها القرفصاء , ونظر إليها و قال :
-أراكي بعد التمرين , اعتني بنفسك .
استعد (رانمارو) للدخول إلى التدريب لأول مرة في حياته , جلس القرفصاء , وضع يديه في الوضع الخاص بالتدريب و أمسك بالعصا في موضعها السليم , ثم أخذ نفسا عميقا هدأ به نفسه المضطربة , و فرغ عقله من أي تفكير سوى تفكير واحد ...ضرورة التدريب حتى يكون قويا ...قويا إلى الدرجة التي تكفيه لإخراج (ساكورا) من هذا المأزق حية على الأقل إن لم يستطع أن ينقذ نفسه هو الآخر, أغمض عينيه, ثم قال :
-كايتـــــــــــــــــو!
حتى هذه اللحظة كان (رانمارو) يعتقد أنه بعد أن يقول هذه الكلمة سيفقد وعيه و سيتدرب مع الوحش و هو نائم , و لكنه كان مخطئ , بعدما قال التعويذة , وجد ضوء ساطع قد أحاط به , ساطع إلى الدرجة التي أغمض فيها عينيه ووضع ساعد يده اليمنى أمام عينه كاسرا الوضع الذي كان عليه , و لكن يبدو أنه لم يكن هناك تأثير على التعويذة حيث استمر الضوء في السطوع , ثم فجأة أحس (رانمارو) و كأنه في ظلام دامس , أغمض عينيه قليلا حتى تعتاد على الظلام ثم فتحهما , في البداية لم يرَ شيئا , ثم تدريجيا أخذت الصورة تتضح , هذا منخفض , و هذا تل , و هذه صخرة ضخمة , و هذا و هذه و ذاك و تلك , إلى أن استطاع رؤية كل شيء حوله , أيقن أنه في حلم , لقد كان خارج مكان أشبه ما يكون بكهف كبير تحت الأرض , و هو يقف في بداية طريق لولبي طويل مرتفع عن الأرض المظلمة لا يبدو له نهاية في هذا الظلام الدامس .
-رانمارو!
صدر هذا الصوت الرخيم الذي سمعه (رانمارو) من قبل , و لكنه لم يبد انفعاله السابق , كان يقف متماسكا و هو ينظر إلى الأمام من حيث سمع الصوت , حينها ظهر , كان تنينا هائلا جدا أكبر من الذي قد رآه من قبل , و لكنه كان يقف و كأنه في نهاية الكهف , كان وحشا لونه أحمرا , كانت النيران تصدر من كل جسمه , كان له جناحان هائلان , كانا مثنيان على ظهره , و لكنه لو كان فردهما على آخرهما لكان قد أسقط الكهف عليهما .
-أين أنا؟
تكلم (رانمارو) بحزم , كان لا يملك شيئا يخسره سوى الوقت الثمين , فعليه أن يدرك كيفية التدريب و يتدرب حتى يخرج من المأزق هذا.
-هل انعدم الاحترام من آخر فرد من عائلتي ؟!!
نظر (رانمارو) إليه و هو لا يرمش له جفن , سادت فترة من الصمت , أنهاها (رانمارو) عندما أحني ظهره , و هو يقول:
-آسف جدا سيدي على ما حدث مني , و أرجو أن تتقبل اعتذاري , فأنا كنت في حالة نفسية سيئة جدا.
صمت المكان مرة أخرى , و هنا تحدث الوحش بعد فترة قائلا :
-حسنا رانمارو ,إنني لأعرف ما تشعر به , فلا تنس كوني مرتبط بك عن طريق عصاتك , كما أعلم كل ظروفك , ولكني لن أدربك.
أحس (رانمارو) و كأن صاعقة قد سقطت عليه , لم يدر ماذا يقول , اعتدل من انحنائته , و نظر إلى الأرض و هو يقول :
-أتقول لي الآن أن أتركك و أرحل ؟! أبعد كل هذه المشقة تقول لي أن أرحل ؟! أبعد كم الأعداء في انتظاري تريدني أن أستسلم !
-لقد قلت كلمتي ,أنت ضعيف و أنا لا أحب الضعفاء , أنا لن أدر...
-اصمت !!!
صرخ (رانمارو) بأعلي صوته , و هو ينظر تجاه الوحش , لم تكن تلك عيني (رانمارو) , بل كانتا كقطعتين من نار , نظر الوحش إليهما و قال بغضب :
-احترم نفسك أيها الصبي الصغير واعرف مكانتك جيدا و إلا فستموت هنا أمامي , أنت لا تملك شيئا تفعله , إن قلت لن أدربك فلن أدربك!
هنا أحس (رانمارو) بأن كل خلية من جسده تشتعل , أحس أن قلبه مليء بنار الغضب , أحس بأن كراهيته لما حدث له قد اندمجتا مع إصراره على تحقيق برائته , تلفت حوله فوجد سيفا مرميا بجانب مدخل الكهف , انقض عليه و رفعه بيده اليمنى , كان يبدو أن السيف ثقيل , لكن (رانمارو) لم يشعر بوزنه , رفعه عاليا موجها إياه نحو الوحش و قال :
-إذا لم تكن تريد أن تتدربني بإراداتك أيها اللعين , فسوف أحملك على تدريبي !
قالها و اندفع تجاه الوحش , كان يبدو أحمقا , كيف سيحمل وحش أن يفعل ما يريده , كان يبدو مستحيلا , بعد لحظات قليلة كان (رانمارو) قد تخطى بوابة الكهف التي كان يقف خارجها , و عندما أصبح داخلها ,
-توقف , فسأقوم بتدريبك.
تكلم الوحش إلى (رانمارو) , قالها فجأة , توقف (رانمارو) و هو مندهش من سلوك الوحش الغريب , لم يستوعب ما حدث , فمنذ لحظات كان الوحش نفسه لا يريد أن يدربه , و الآن قرر فجأة أن يدربه , فصاح (رانمارو):
-أتمزح معي أم ماذا ؟!!
كان غاضبا جدا , و ما أحنقه أكثر هو ضحكة الوحش بصوت عال , كان يبدو أنه يريده أن يغضب أكثر و أكثر , جز (رانمارو) على أسنانه بقوة , ثم هدأ الوحش عن الضحك قليلا و قال :
-إن جنس البشر غير صبور على الاطلاق , كما توقعت تماما !
صمت الوحش و هو يتبادل النظرات مع (رانمارو) الغاضب , ثم أكمل :
-حسنا سأشرح لك ما حدث , أنت بالتأكيد تعلم مقدار قوتي , و تعلم إنني لست بوحش عادي قد تقابله و أنت تسير في الطرقات , أنا من أقوى الوحوش و مصنف في الفئة الأولى , إضافة إلى كوني وحش عائلتي النبيلة , ماحدث معك الآن لم يكن شيئا شخصي , إنه اختبار صغير , اختبار أعرف به من هو جدير بأن أمد له كل قوتي كاملة و من غير جدير بأن أمد له و لو قدر ضئيل منها.
كان يبدو على (رانمارو) عدم الفهم على الاطلاق , فتمتم:
-اختبار.....جدير و غير جدير .....قوتك الكاملة....أنا لا أفهم شيئا.
-أولا اجلس على الأرض فالوقت أمامنا طويل , نعم هكذا , و الآن سأشرح لك ما أعنيه , انظر رانمارو , ما الذي يميز شخص عن آخر في الرتب في العائلة ؟ إنها قوته , هل يكون سليما أن يكون الأشخاص كلهم بنفس القوة ؟! بالطبع شيء سخيف و غير طبيعي على الاطلاق , هذا هو اختباري , فأنا أمتلك القدرة على أن أجعل الشخص الذي أمامي قويا جدا أو ضعيفا , أنا لا أحمل ضغينة لأي شخص و لأي فرد من عائلتي , على النقيض تماما , أنا أريدهم أقوياء جدا , و لكني في الوقت نفسه أخاف عليهم , هل تتصور ماذا يمكن أن يحدث لو أن شخصا ضعيفا امتلك قوة هائلة تفوق قدراته ؟ ببساطة لن يستطيع أن يتحكم فيها هذا الشخص , بالعكس , سوف تتحكم القوة فيه إلى أن تدمره , أنا لا أريد هذا , أنا أريد جميع أفراد العائلة أقوياء و في نفس الوقت أصحاء , و لكن كيف سأفعل ذلك ؟ إنني لن أعطي طاقتي إلا لمن يستطيع أن يتغلب عليها , أنا لا أقصد طبعا القوة الجسدية لأنه من المحال أن يتفوق أي شخص و لو علي قدر ضئيل من قوتي أو قوة أي وحش آخر مهما بلغ ضعفه , و لكني قصدت قوته الروحية.
تمتم (رانمارو) و هو مأخوذ بكلام الوحش :
-قوته الروحية؟!!

اماريج 01-08-10 06:16 PM

-نعم رانمارو , قوته الروحية , انظر , أنا أعرف أنك لم تترب في مجتمع السحرة فربما ستجد هذا صعبا قليلا و لكن اسمعني جيدا , حتى يقوم الساحر بأي تعويذة يحتاج قوتان , قوتي أنا الوحش و يستمدها من العصا , و قوته الروحية , أما الأولى فأنا الذي أعطيها له و أحدد كميتها , و قوتها , و أما الأخرى فالذي يحددها هو قوة قلبه , فمثلا لو شخص بلا أي آمال أو طموحات , بلا أي انفعالات أو مشاعر قوية جياشة , هذا الشخص يصبح قلبه ضعيف , و تصبح قوته الروحية ضعيفة , أما من يملك الحافز و الدافع ,و من يملك الآمال و الطموحات , و من لديه عواطف قوية جياشة , هذا الشخص قوته الروحية قوية جدا , فبالنسبة إلى قوتي , أنا أريد شخصا قوته الروحيى تستطيع أن تتغلب علي , شخصا لديه المقدرة على أن يتحكم في قوتي الكبيرة المدمرة , و بهذا فإنني أقوم بهذا الاختبار البسيط في بداية تعارفي مع الشخص , فإذا جاء إلي الشخص يطلب مني تدريبه , فأقول له أني لا أريد ذلك , فإذا رجع عن طريقه أنادي عليه و أدربه و لكن أعطيه قوة ضئيلة من قوتي , ذلك لأن الشخص هذا قوته الروحية ضعيفة , و هذا جيد لسلامته , أما إذا تحداني الشخص فإنني أهدده بقوتي كما فعلت و أن صرخت فيك بأن تعرف مكانتك , و هنا جميع الأشخاص بلا استثناء يتجمدون من الخوف , و لكني أكون قد عرفت أن قوتهم الروحية قوية جدا فأعطيهم قدر كبير من قوتي , و لكن في حالتك أنت كان هناك شيء غريب , لم أجد شخصا طوال حياتي الطويلة السابقة قد اندفع يريد أن يرغمني على شيء لا أريده , لم أقابل شخصا لم يخف من قوتي و لا من تهديدي و اندفع إلي , لم أجد شخصا لديه القدرة على أن يفعل ذلك , كلا , بل لم تحدث مثل تلك الحادثة مع أي وحش آخر على الاطلاق من قبل , أنا لا أعلم كيف و لكن قوتك الروحية قوية جدا , أقوى قوة رأيتها في حياتي , و أقوى قوة سمعت بها طوال فترة معيشتي , إنني أعترف باندهاشي لما فعلته , فعلا أنت ولد غريب .
صمت (رانمارو) , و ابتسم , ابتسم لأنه شعر أنه فعلا قوي و لأول مرة في حياته , أحس أنه مميز جدا , نعم كان متفوق , نعم كان متميزا في أخلاقه و سلوكه , ولكنه لم يكن بمثل هذا التميز من قبل , أحس بشعور غريب , شعر أنه يقدر على فعل أي شيء الآن , لكن كانت هناك ملايين و ملايين من الاستفسارات في عقله يريد لها أجوبه , رفع رأسه لينظر إلى الوحش وسأله :
-ولكن ماذا تعني بقوتك الكاملة ؟! و ماذا تعني بأنك ستمدني بقوتك , أنا لا أفهم , هل يعني هذا أنني سأفعل التعاويذ القوية بسهولة؟
-كلا رانمارو , انظر , إن أي تعويذة من الممكن أن تكون مميتة و من الممكن أن تكون بلاي أي تأثير , سأضرب لك مثالا صغيرا حتى تفهمني , إذا جاء طفل صغير و لطمك على وجهك بيده , هل تؤثر فيك هذه الضربة ؟ فماذا لو جاء رجل كبير مفتول العضلات ؟ فماذا لو جئت أنا و ضربتك؟ أفهمت ما أعنيه , كل هذه لكمات , و لكن واحدة بلا أي تأثير , و الأخري تأثيرها أقوى , أما الأخيرة فستقتلك , هذا هو الحال مع التعاويذ , مبدأيا قوة التعويذة تتوقف على مقدار القوة الروحية و قوة الوحش , فإذا كبر إحداهما قويت التعويذة , أما في حالتك , فأنت تستطيع أن تمتلك قوتي كاملة بالقدر الذي يجعل أضعف التعاويذ أقواها على الاطلاق , و لكن هذا ليس كل شيء , إن ما أعنيه بأنني سأقدم قوتي أو بعض منها لتلاميذي من عائلتي , فهذا لا يقتصر على أداء التعاويذ فقط , هناك طريقة يمكن بها أن تستحضر كمية الطاقة التي تتحكم فيها من وحشك إلى الواقع , بمعنى كمية طاقة الوحش التي يمدها لك , بالطبع تتجسد الطاقة على شكل الوحش ذاته , فإذا كانت طاقتك الروحية ضعيفة فأنت تستطيع إحضار وحشك في صورة مصغرة جدا و ضعيفة , أما إذا كنت قوي فأنت تستطيع إحضار وحشك في صورة قوية و كبيرة , و كلما كبر وحشك كلما كانت قوتك الروحية أقوى , و لكن هنا معك يا رانمارو فأنت لن تستطيع أن تستحضر هذا الشكل مني فقط , بل تستطيع استحضاري كاملا إلى الواقع , عملية لم يفعل مثلها أي شخص على الاطلاق , ستكون الأول من نوعك في هذا , هذا إضافة إلى أن طبيعتي غير التي تراها , فهذه صورة أضعف قليلا من قوتي و ذلك حتى لا تؤثر قوتي الضخمة على أتباعي من عائلتي .
-ماذا؟!!
قالها (رانمارو) و هو مندهش جدا , لم يكن يتصور أن هذا الوحش إنما صورة أضعف من حقيقته , و أنه يستطيع أن يحضره بصورته الحقيقة إلى الأرض في أي وقت شاء .
-هل يمكنك أن تريني صورتك الحقيقية؟!
-بالطبع , فأنا لا أخاف عليك , و لكني لن أكون بها معك أبدا , سأستخدم صورتي الضعيفة في التدريب معك و ذلك حتى لا تؤثر عليك قوتي تأثيرا مزمنا لا يظهر إلا بعد فترة طويلة , و الآن فسأريك شكلي الحقيقي.
فجأة أضاء جسد التنين بضوء أحمر كبير , و هنا رأى (رانمارو) ما كان يعنيه الوحش بخوفه على حياة أتباعه , فأمامه تحول التنين إلى تنين يبلغ من الضخامة ثلاثة أمثال ما كان عليه , و ظهر له ثلاثة رؤوس , و ذيل كبير جدا و ضخم , و بدلا من جناحيه ظهر أربعة صفوف من الأجنحة متوازيين بالطول في كل جانب , يبدأ كل جناح من مكان ما خلف الرقبة و ينتهي إلى مكان عند مستوى الذيل أو أعلى منه بقليل , كانت الأربعة أجنحة مليئة بالريش الأحمر اللامع , و كأنها مصنوعة من البللور , أما عن جسمه فبدلا من النار التي كانت تظهر مشتعلة منه , كانت موجات النيران تندفع من جسمه إلى ماحوله في شكل دوائر تتسع تدريجيا و مع اتساع الدائرة تخمد النيران إلى أن تصل إلى مدى تنطفئ تماما , و لكن الريح الناتجة عن الدائرة تستمر في الاتساع , عندما كانت تصل أي حلقة منهم إلى (رانمارو) , كان يشعر و كأن يد قوية صفعته على وجهه و ألقته بعيدا , و لكنه أمسك بصخرة في الأرض و صرخ :
-يكفي هذا لقد فهمت ما تعنيه جيدا !
هدأ كل شيء حيث تحول الوحش إلى شكله الأول مرة أخرى , و هنا وقف (رانمارو) وهو ينهج من شدة التعب , لقد أحس وكأنه كان يُضرب بشدة , و أن هذه لكمات و ليس لفحات من الهواء , نظر تجاه الوحش و هو يجلس على الأرض و قال :
-هل تعني أنني أستطيع أن أستحضر هذه الصورة منك الآن ؟!
أجابه الوحش و هو يبتسم ابتسامة مكر و خبث:
-نعم و لا !
تعجب (رانمارو) من هذه الإجابة , و أحس في نفسه أن التعامل مع هذا الوحش لن يكون سهلا , فسأله:
-ماذا تعني؟!
- أعني أنك نعم تستطيع أن تستحضر هذه الصورة , و كلا لا تستطيع استحضارها الآن.
-ولم لا أستطيع الآن؟!
-نعم أنت لديك قوة روحية كبيرة , و لكنك لا تعلم بعد كيفية استخدامها , بل أنت لا تعلم ما هي استخداماتها أصلا .
-نعم؟!! إنني أستخدمها لأداء التعاويذ , أليس كذلك؟!
-نعم و لكن هذا استخدام واحد فقط , انظر , إنك عندما تستخدم طاقتك الروحية فأنت تحاول أن تستجمع أقوى مشاعرك , فبدل من أن تشعر بغليان في دمك كما يحدث مع الناس البشريين العاديين , فستشعر بوجود حرارة في قلبك , هذا يعني أن طاقتك الروحية موجودة , وجاهزة للاستخدام , اسمعني جيدا رانمارو , إن الأوعية التي تسير فيها الطاقة هي شرايينك و أوردتك الدموية , إن الطاقة تخرج من قلبك و تتجه إلى أنحاء الجسم ثم تعود مرة أخرى , هذا لكي تزداد طاقتك في قوتها , فالحركة تعطي طاقة , هذا هو القانون المعروف , و الآن أنت مؤكد تعرف أنه بجلدك توجد فتحات صغيرة دقيقة يخرج منها العرق إلى الخارج , هذه المسام الموجودة لديك و لدي أي ساحر أو جنس آخر بخلاف الجنس البشري العادي تستطيع الطاقة الروحية أن تخرج منها , لا تبدُ مندهشا هكذا , إن طاقتك تلف إلى جميع أنحاء الجسم مع الدم , و عندما تصل إلى الجلد فإنها تستطيع الخروج على هيئة قطرات غير محسوسة , أنت نفسك لا تدرك هذا , فعندما تكون واقف أو جالس أو مستريح , تخرج الطاقة الروحية باستمرار منك , و هنا تتخذ شكلا مميزا و لونا خاص بعائلتك فقط , و هو الطوق الذي يكون محيطا برأسك , و هو هالة على شكل دائرة تحيط برأس أي فرد من أجناس أخرى غير البشر العاديين , و هذا نتيجة إلى خروج طاقة الفرد الروحية باستمرار بدون أن يشعر الشخص بها و اتخاذها هذا الشكل المميز , و لكن على الرغم من هذا , فإن لهذا الأمر فوائد عظيمة , فمثلا تستطيع أن تحدد قوة شخص ما بكمية الطاقة التي يستطيع اطلاقها للخارج من جسمه , مثلا أنت تواجه أعدائك الآن , و أنت تريد أن تريهم مقدار قوتك , فأنت تخرج قوتك الروحية من فتحات جلدك عن طريق إرادتك , فتستطيع أن تخرج كمية كبيرة جدا , و الطاقة الروحية تظل متصلة بإراده صاحبها حتى و هي خارج جسمه , فأنت تستطيع أن توزع الطاقة في أي مكان و في أي اتجاه , فإذا كنت قوي فأنت ستخرج كمية هائلة من الطاقة , تحتاج هذه الطاقة إلى شغل حيز كبير من المكان الذي توجد فيه , فإذا أردت إثبات قوتك , فأنت ستخرج كمية كبيرة من الطاقة دفعة واحدة , و ستتحكم فيها بالقدر الذي يجعلها تضغط إلى أسفل , أي أن الطاقة الجديدة التي ستخرج من جسمك سوف تصعد إلى أعلى الغرفة مثلا و تقوم بالضغط على ما يوجد أسفلها و هكذا , فكلما أخرجت كمية أكبر من الطاقة , كلما ازدادت قوة الضغط على أعدائك , قوة قد تصل في بعض الأحيان إلى الدرجة التي لا يستطيع الشخص الحركة تحت وطئتها حتى وإن جرى بأقصى طاقته أو تصل للدرجة التي قد يختنق فيها الشخص من تأثير ضغط الطاقة على صدره و منعه من التنفس , و هنا يخر ساقطا و من الممكن أن يموت , ولكن إذا كان هناك من يمتلك طاقة روحية قوية هو الآخر فسيقوم بإخراج كمية كبيرة منها و يجعلها تحيط به في شكل كرة تحميه , و هنا لن يتأثر بتأثير طاقتك الروحية , و هنا تدرك أن هناك شخص مثير للإهتمام , و إذا كان هذا الشخص أقوى منك فربما عكس الوضع و تتغلب قوته الروحية على قواك و من الممكن أن يهزمك , أفهمت ما عنيته؟!!
-هذا يبدو معقدا تماما , و لكني قد فهمت مغزاه العام , و لكن ما علاقة هذا كله بكون عدم مقدرتي على إستحضارك بصورتك الكاملة الآن؟
ابتسم الوحش و قال :
-انظر رانمارو , لقد قلت لك مسبقا إنني أخاف على صحة أفراد عائلتي الأعزاء , فأنا لن أعطي لفرد قوة هو لا يستطيع التحكم فيها و هذا طبعا حتى لا تستولي القوة عليه و تدمره , الحال ينطبق عليك أنت أيضا , نعم أنت تمتلك قوة روحية كبيرة و لكنك لا تستخدم إلا قدر ضئيل منها , أنت لكي تستطيع أن تستحضرني كاملا يجب أن تكون قوتك الروحية مماثلة على أقل تقدير لقوتك عندما هممت بالهجوم علي هنا , أي هذا يعني أن شعورك يجب أن يكون مثل ما كان في هذه الفترة , أنت طبعا من الممكن أن تحضر مثل هذه القوة و لكن إلى أي فترة من الزمن تستطيع أن تجعل احساسك و شعورك و تركيزك و بالتالي قوتك الروحية تصمد في هذا المستوى ؟ ثانية ؟! ثانيتان ؟! كلا رانمارو , إن الشخص حتى يستطيع أن يتحكم بالقوة يجب أن تكون قوته مستمرة , أنت نعم لديك المقدرة على ذلك , لكنك يجب أن تتدرب حتى تقصر المدة المطلوبة لوصولك إلى قوتك الروحية القصوى , و كذلك إطالة المدة التي تبقى فيها محافظا على تلك القوة و لا تضعف , عندها فقط سوف تستطيع أن تستحضرني وقتما شئت , إن العبرة رانمارو ليست بمقدار القوة فقط , اعلم هذا جيدا , إنما أيضا بمقدار الزمن الذي يستطيع الشخص أن يحافظ على قوته بنفس المقدار دون أن تضعف , و لهذا فأنت تحتاج إلى كمية من التدريب قوية و كبيرة حتى تنمي قوتك الروحية .
-حسنا , و لكن قبل أن نبدا هل تقول لي كيف تعرف كمية الطاقة التي ستعطيها لأي شخص؟!
-هذا سهل جدا , فأنا أطلب من الشخص أن يخرج طاقته الروحية حوله على هيئة كرة نصف قطرها عشرة أمتار في جميع الإتجاهات , ثم أقوم بإخراج طاقتي الروحية في كل إتجاه , و أستمر بالضغط على طاقته , فإذا صمد أقوم بزيادة طاقتي , و أستمر هكذا حتى يصغر نصف قطر الكرة عن 5 أمتار , عندها أتوقف عن زيادة قوتي و الكمية التي استخدمتها هي التي سوف أمدها للشخص ليستخدمها و هكذا إذا زادت قوته الروحية تزداد معها أيضا قوتي الممنوحة إليه , و هكذا , أفهمت هذا واستوعبته جيدا ؟!
-نعم و لكن إذا استطاعت قوتك التغلب عليه إلى الحد الذي جعل الكرة الروحية المحيطة به يصغر حجمها إلى نصف حجمها الأصلي , ألا تُعتَبر هذه الطاقة كبيرة عليه نسبيا؟!!
-كلا , فأنت يجب ألا تستهين بقوة الإنسان الروحية , فهو في لحظة من الممكن أن يكون قويا جدا , أنت يجب أن تضع هذا في الحسبان , و من خبرتي الطويلة أستطيع أن أؤكد أنه لا يوجد شخص لا تقوى قوته الروحية مع كل صراع يخوضه ,و لهذا فأنا أستعد مسبقا بزيادة طاقتي إليه من الأساس حتى يستخدمها في قتاله , أفهمت ؟!
-نعم سيدي !
-حسنا , و الآن سنبدأ أول درس , كيفية التحكم في طاقتك الروحية , أأنت مستعد؟!!
-مستعد تماما يا سيدي !
-حسنا فلنبدأ إذا !

يتبــــــــــــــــــــــــــــــــع.............. .....

اماريج 01-08-10 06:18 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصـــــل العاشــــــر


الطاقـــه الروحيـــه


- كما قلت سابقا فإن الطاقة الروحية هي أهم عامل في تحديد قوتك و قوة أعدائك , أنا أعرف أنك لم تستطع إستيعاب كل ما قلته لك , و لكن في المقابل أنا أدرك أنها شيء لا يمكن تعلمه بالكلمات وحدها , فهي مهما كانت تجربة تُكتسب بالخبرة في التعامل معها , و الآن فلبندأ , أريدك أن تتذكر شعورك في أكثر موقف أحزنك أو أغضبك أو أسعدك !

نظر (رانمارو) إلى أعلى و أصبعه السبابة الأيسر يلمس طرف شفته السفلى و هو يفكر , ثم قال للوحش :
- لا يوجد !
نظر الوحش إليه , و زفر من التعب منه , و قال :
- حسنا , ما هو أغلى شخص لديك الآن؟!
- صديقتي ساكورا !
- أليست تلك هي الفتاة التي أنقذتك ؟!
- نعم , هي بعينها.
- حسنا إذا.
قالها الوحش , ثم انبعثت من جسمه سحابة حمراء , طفت في الهواء قليلا حتى وصلت إلى مكان قريب من (رانمارو) , ثم نزلت على الأرض , عندما هبطت و انقشع السحاب كشف عن مفاجأة...
- انقذني رانمارو!!
كان ما أمام (رانمارو) محيرا جدا , فما كشفت عنه السحابة ما كان سوى شاب قوي لا يعرفه (رانمارو) يحيط عنق (ساكورا) بذراعه اليمنى و يخنقها , نعم (ساكورا) , هذا ما كان يحير (رانمارو) , ابتسم الوحش و قال :
- هل ستقف صامتا و من تحبها ستقتل.
نظر إليه (رانمارو) و هو غير مصدق , أفاقته صرخة عالية من (ساكورا) , التفت نحوها سريعا , وجد لون وجهها يصفر قليلا و يبدو شاحبا و بدت و كأنها ستفقد وعيها , لم يدرك (رانمارو) ما كان يشعر به , كل ما أحسه هو الغضب قد اشتعل بقلبه , و هنا امتدت إليه سحابةه حمراء قادمة من الوحش , عندما دخلت داخله شعر و كأن نار حقيقية مشتعلة بجسده كله , أمسك ببطنه و سقط على ركبتيه على الأرض و هو يصرخ من الألم , هنا اختفت (ساكورا) , و اختفى الشخص الغريب , واختفت أيضا سحابة الوحش من أمام (رانمارو) , حينئذ هدأ قليلا , التقط انفاسه و هو ينهج بشدة , أحس و كأنه كان فعلا يحترق , وقف بصعوبة على قدميه و هو يرتجف بشدة و لا يزال يمسك بطنه بيديه , هنا تحدث الوحش إليه و قال :
- كما توقعت , أنت لا تزال غير معتاد على طاقتك الروحية !
- لا تهزأ معي , هذه النار المشتعلة في جسدي هي طاقتي الروحية ؟!
نعم , هي كذلك , هذا التأثير ما جاء إلا نتيجة تجربتك الأولى , جسمك لا يعرف ماذا تعنيه تلك الطاقة , مجسات الإحساس داخل جسمك لا تعرف كيف تحس هذه الطاقة بعد , و لهذا فأنت تشعر بها على هيئة ألم , و نظرا لشدتها فأنت تحسها نار مشتعلة , سيستمر هذا الأمر قليلا حتى تعتاد على تلك الطاقة و يتكيف جسدك عليها.
- كم من الوقت يلزم حتى أعتاد عليها ؟!
- مممممممم , إذن في حالتك البائسة هذه سنتان على الأقل !
- ماذا؟!! أنا لا أملك كل هذا الوقت معي , أنا في مأزق كبير!
- أنا لا أستطيع أن أساعدك أنت الذي من يحدد هذه المدة , عليك فقط أن...
- انقذنيييييييييييييي رانمااااااااااااروووووووو!!!
دوت تلك الصرخة في جنبات هذا الكهف الضخم , دوت إلى الدرجة التي اهتزت فيها جدران الكهف...
- ساكورا !!!
تسمر (رانمارو) في مكانه , كان ذلك هو صوت (ساكورا) , هذا يعني أن شيئا سيئا قد حدث لهما الآن , و عليه أن يعود , لكنه لم يتعلم شيئا بعد .
- كلا ... علي أن أذهب لإنقاذها.
قالها ثم جرى راجعا عبر الطريق الذي جاء منه إلى خارج الكهف , و هو خارجه وجد أنه لم يكن على الطريق اللولبي الذي رآه من قبل داخل الكهف , بل كان في أسفل أرضية الكهف , لم يكن لديه الوقت للتساؤل , ف(ساكورا) هناك في خطر كبير.
- اتركيني أيتها اللعينة !
- هاهاهاها , هل تظني أنني سأتركك هكذا ؟! إذا كنت تريدينني أن أتركك فلتجبريني على ذلك.
- اتركيني أيتها المخلوقة البشعة , راااااااانماااااااااارووووو!!!
زادت (كاجومي) من قبضتها على معصمي (ساكورا) حتى تأوهت الأخيرة من الألم و قالت :
- مخلوقة بشعة ؟! من البشع أيتها البشرية القذرة ؟! هل تظنين أنني لم أكن أستطيع أن أمسك بهذا اللص؟! كلا و لكن نظرا لوجودكما فلم أستطع التحرك , و لكن الآن أنتِ بمفردك و قد تركك هذا الآخر , لقد اختار نهايته بنفسه , إنه سيواجه في الخارج أعدادا هائلة من جياع القرية سوف يجعلون نزهته بالخارج ممتعة...
- راااااااانمااااااااارووووو!!!
- هاهاهاها , اصرخي أكثر و أكثر فهذا يمتعني حقا.
فجأه ومض ضوء أبيض ساطع غمرالغرفة كلها , و كأن الشمس قد أشرقت هناك فقط , وضع من بالغرفة أيديهم على أعينهم , و هناك إثنان قد رقدوا على الأرض يرتجفون من الألم من جراء تعرضهم لهذا الضوء الشديد , ثم اختفى الضوء فجأة كما بدأ , هدأ جميع من بالغرفة...
- من هناك؟!
سألت (كاجومي) حيث أنها شعرت بوجود شخصا غريب هناك مكان الضوء الساطع...
- كككككاااااااييييييييي!
ظهر ضوء أحمر خفيف حول هذا الشخص , اتسعت عينا (كاجومي) و من بالغرفة , فهناك و على الفراش كان يقف (رانمارو) , كان يمسك بالعصا التي تحولت على هيئة فقاز غطى ربع جسده تقريبا , كانت عيناه تتقد نارا من الغضب عندما رأى (ساكورا) و هي ممسوكة هكذا.
-م م ماهذا ؟! أنت ساحر ؟! كيف ؟! لم تكن هناك تلك الهالة عندما رأيتك , من أنت أيها اللعين؟!!!
- أنا من سوف يجعل اليوم آخر أيامك !
قالها و نظر إلى الأسفل و تابع :
- من يلمس شعرة واحدة من ساكورا....
رفع عندها رأسه قليلا فلم يظهر في الظلام منها شيء , فتابع :
- سوف أقتله !
قالها و لمعت عيناه فجأة بنور أحمر غريب , تراجع كل من بالغرفة خطوة إلى الوراء فزعا , تراجعوا و كأنما عين (رانمارو) قد ضربت كل منهم بقوة , هنا صاحت (كاجومي) :
- اقتلوه لا تتركوه حيا , اهجموا عليه الآن .
قالتها و اندفع من بالغرفة و من خارجها يهاجمون (رانمارو) , كانوا عشرة أشخاص , لم يكن عددهم ما يهم (رانمارو) , ما كان يهمه فعلا هو كيف سينقذ (ساكورا) من هذا المأزق , هو لم يتعلم شيئا سوى مبادئ الطاقة الروحية , و لكن قلبه يشتعل نارا , ماذا سيفعل ؟!
((- انظر رانمارو , كلما كانت مشاعر الشخص قوية كلما قويت قوته الروحية , , كلما حافظ على تلك المشاعر أطول مدة ممكنة كلما احتفظ بهذه القوة أطول مدة .))
دوي صوت الوحش في عقله و تردد صداه أكثر من مرة , هنا أخذ نفسا عميقا , ثم صرخ بأعلي صوته :
- آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه !!!
كان يمسك قبضتيه معا و كأنه يستجمع كل قواه , لم يكن يفكر سوى في شيء واحد , كيفية إنقاذ (ساكورا) , كان يتصور شكلها و هي مقتولة فتشتعل ناره أكثر , عندئذ أحس بتيار من النار ينتشر من يده الممسكة بالعصا , كاد أن يصرخ مرة ثانية من شدة الألم .
- راااااانماااااااارووووو !!
تلفت (رانمارو) و نظر إلى (ساكورا) , أحس أن الوقت يمشي ببطء شديد , سمع ضربات قلبه و هي تدق , كانت الأصوات من حوله تخفت , كانت الصور تهتز و تبهت , لم تثبت سوي صورة واحدة , لم يسمع سوى صرخة واحدة , كانت (ساكورا) فقط هي التي يراها و يسمع صرخاتها , لا يهم الآن أي ألم , لا يهم الآن أي تعب , أحس و كأن النار التي تسري في يده قد هدأ ألمها و خفت و كأنه قد استخدم مرطب أو ملطف لها , استمرت الطاقة تسري في جسده حتى وصلت إلى قلبه , هنا شعر باحساس غريب لم يشعر به من قبل , أحس بروحه و كأنها داخل جسمه تلف , كان يستطيع أن يري ما بداخل جسمه من أعضاء أو مناطق إذا أراد ذلك بالتركيز في المنطقة التي يريدها , هنا تردد صوت الوحش و هو يقول :
((- إن الطاقة الروحية تظل مرتبطة بصاحبها حتى و هي خارج جسمه , و بذلك أنت تستطيع أن تتحكم فيها و هي خارج جسمك و تجعلها تتخذ أي شكل أو تتوزع في أي إتجاه.))
لازال كل ما يحيط ب(رانمارو) يسير في بطء شديد , و لا يزال يسمع صرخات (ساكورا) تتردد بعنف في عقله , لم يكن هناك وقت يضيعه , لقد وصل إلى استخدامه الأول لطاقته الروحية...
- الآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآن !!!
قالها و هي يصرخ , ركز (رانمارو) كل تفكيره على المنطقة المحيطة به , و كما توقع اندفعت طاقته الروحية تحيط به في المنطقة التي حددها بعقله , بدا (رانمارو) و كأنه يشتعل لمن حوله , حيث اندفعت فجأة سحب حمراء اللون بسرعة و بقوة تحيط به على شكل هالة , كان أول شيء حدث بعدها هو اصطدام أول مهاجم بها , لكنه توقف عن اندفاعه لحظة اصطدامه بالسحابة هذه...
- أتظنون أنني بتلك السهولة أيها الملاعين ؟!
ركز (رانمارو) تفكيره بأن تتشكل قبضة تضرب الشخص إلى الوراء , وبالفعل تشكلت قبضة كما تخيلها من السحابة التي لازالت تخرج منه بكثرة , و في وسط دهشة المهاجم ضربه (رانمارو) بقوة فاندفع إلى الخلف بقوة هائلة اصطدم على إثرها بحائط المنزل و دمره و استمر في اندفاعه إلى الخلف لمسافة تقارب العشرة أمتار ثم سقط أرضا و هو يتدحرج , كان هذا كفيل بضرب جرس الإنذار لكل من حوله , لقد عرف من بالقرية وجود أشخاص غير مرغوب فيهم , شعر (رانمارو) بهذا أيضا , فأكمل ما كان يفعله بضرب باقي من بالغرفة بالقبضة فتطايرت الأجساد من الغرفة إلى خارجها في كل الإتجاهات , هنا كانت (كاجومي) لا تزال متسمرة في مكانها , كانت تنظر بعين واسعة محدقة في (رانمارو) و ما فعله للتو.
- أنت ...أنت تعرف كيف تستخدم قوتك الروحية , م م من أنت أيها اللعين ؟!
- لا شأن لك بمن أنا !
قالها و ارتفعت بعدها (كاجومي) في الهواء و كأن هناك شيء ما يمسكها , كانت يد (رانمارو) اليسرى ترتفع أيضا في الهواء بنفس المعدل , لقد كان بسيطا حيث أن (رانمارو) قد أمر قوته الروحية بالانتشار في جميع أرجاء الغرفة , أو الأحرى أن نقول أنه لم يأمرها , كل ما فعله هو أنه تخيل الغرفة كلها فانتشرت قوته فيها , لم يكن يعلم كيف و لكنه بدأ يفهم ما كان يعنيه الوحش من قوته الروحية و أنه لا يمكن أن يتعلمها إلا بالممارسة , ابتسم (رانمارو) قليلا بينما كانت (كاجومي) تصرخ و هي تتوعده :
- انزلني أيها اللعين , أتظن أنك ستخرج من هنا حيا , أنت ميت , ميت , استسلم , هيا انزلني ...
- اصمتي !
قالها (رانمارو) بلهجة آمرة , بعدها حرك يده ناحية اليسار بسرعة و فتح قبضته , فتحركت (كاجومي) إلى اليسار , اصطدمت بجدار البيت , دمرته , أكملت طريقها لمسافة أطول من أقرانها في الهواء ثم سقطت على الأرض تتدحرج , نظر (رانمارو) إليها لحظة , ثم اتجه إلى (ساكورا) , كانت (ساكورا) تنظر إليه نظرة غريبة , كانت تفكر :
((- كيف أصبح بهذه القوة ؟! أهذه هي قوة السحر ؟! أم أنها قوة العائلة ؟! أم أنه فعلا قوي جدا كما قال كايتو عندما نشط عصاه في البداية ؟!))
- هل أنتي بخير ؟
قالها (رانمارو) قاطعا حبل أفكارها , نظرت إليه وهلة تركز فيما قاله , ثم قالت بسرعة :
- نعم , نعم أنا بخير !
- أنا آسف جدا على تأخيري , إن كان قد حد...
- لا تكمل فأنا الآن بخير كما أنك قد أنقذتني.
قالتها (ساكورا) و هي تضع أطراف أصابع يدها اليمنى على فمه لمتنعه من الكلام , نظر إليها و هو متعجب من قولها , ثم ابتسم و قال:
- هذا لا يعفيني من المسئولية , فهذه المرة استطعت إنقاذك , و الله أعلم ماذا سيحدث المرة القادمة.
- لا تفرح كثيرا أيها الوغد فأنت لازلت معنا هنا .
تلفت (رانمارو) و نظر هو و (ساكورا) إلى المتحدث , و جد قرابه سبعون شخصا يمسكون هراوات غليظة واقفين على مقدمة المنزل , كان المتحدث هو نفسه العجوز (ساشيرو) , ولكنه كان أكثر شبابا , كان يبدو أنه في حوالي الأربعين تقريبا , نظر (رانمارو) إليه وقال :
- لقد كنت محقا بشأنك أيها اللعين , أنتم مصاصي دماء , أليس كذلك ؟!
كان (رانمارو) يرى الحلقة التي تحيط برأس كل فرد فيهم , كانت الحلقة عبارة عن هالة من الضوء الأزرق تحيط بكل فرد فيهم , و لكن حجمها و كثافة لونها كانت تختلف من فرد للآخر , استنتج (رانمارو) أنها لابد و أن تكون مرتبطة بقوة كل فرد الروحية , تحدث (ساشيرو) الذي كان يملك أكبر حلقة و أغمق لون فيهم قائلا:
- نعم أيها الساحر الماكر , أنا و كل من بالقرية مصاصي دماء , و قد استقبلناكما هنا حتى نتغذى عليكما و نطعمكما للصغار الجياع , و لكن لم أظن قط أنه يوجد من يستطيع أن يكتم قوته الروحية بينكما , هذا لشيء غريب , و لكنك الآن أمامي ها هنا , و صدقني أنت لن تخرج من هنا حيا أبدا !
ابتسم رانمارو , و شبك ساعده امام صدره في ثقه و اغمض عينيه , كان يجمع قوته الروحيه , احس رانمارو بشيء غريب , انه لم يحتاج الي الشعور بالغضب حتي يجمع قوته الروحيه , احس و كأن قوته الروحيه العاديه قد اكتسبت نفس قوتها السابقه عندما انقذ ساكورا بها , هذا عني له شيئا واحدا , ان قوته الروحيه بالفعل قوية جدا كما قال له الوحش , ابتسم رانمارو اكثر , احس بالثقه اكثر , عندها كانت قوته الروحيه قد بدات تتوزع في جميع الاتجاهات و بقوة , بدا رانمارو و كان دخان غليان احمر اللون بدا يظهر منه و يرتفع الي اعلي , كان رفيعا ثم اخذ في التضخم حتي اصبح يحيط به تماما , كان من يراه يشعر بانطباع و كان رانمارو حديد ساخن تم صب ماء بارد عليه فاصدر هذا الدخان , تراجع كل الاشخاص الاخرين للخلف , بالطبع شعروا بفارق القوة بينهم و بين رانمارو الا ساشيرو , اغمض عينيه هو الاخر و ابتسم , و صدر عنه نفس الشيء , دخان ازرق صعد منه و اخذ في التضخم , حتي احتواه كله , ابتسم ساشيرو و قال :
- هاهاهاها , هل تظن انك الوحيد القادر علي استخدام الطاقه الروحيه هنا ؟ انت مخطئ , انا ايضا و غيري كثيرين يستخدمونها , هذه لم تعد ورقتك المربحه بعد الان , هاهاها....
-اصمت.
قالها (رانمارو) بحزم و فتح عينه , و هنا تغير لون الهواء المحيط بالجميع بمن في الغرفة و خارجها , كانت قوى (رانمارو) الروحية قد انتشرت في المكان كله كما خطط لها , كان يتبع تعليمات الوحش بحذافريها , حيث تردد صوته عاليا في عقله و هو يقول :
((- عندما يتحكم الشخص بقوته الروحية خارج جسمه من الممكن أن يجعلها تذهب في أي إتجاه يريد , فممكن أن يجعلها تضغط و بقوة على كل ما يقع أسفلها من أشياء و أشخاص , قد تكون قوية فتمنع الأشخاص من الحركة مهما بذلوا من جهد , و قد تبلغ من القوة حدا يجعلها تمنع الأشخاص من التنفس بمنع حركة قفصهم الصدري , و بهذا يختنقوا و يموتوا أو يفقدوا الوعي على الأقل.))
تسمر كل شخص في مكانه , كان (رانمارو) ينظر بحزم نحو جميع من حوله , كان قد فهم الآن بعض ما قاله الوحش , كانت قوته لا تزال متقدة , كان يحافظ عليها بتفكيره الدائم فيما سيحدث إذا ماتت (ساكورا) و أنه المسئول , كان هذا التفكير وحده كفيلا بتحريك جسمه لو كان ميتا , وقع الآن إثنان من المصاصين فاقدي الوعي من عدم القدرة على التحمل , و بعدها الثلاثة الموجودين على باب المنزل , ثم هؤلاء السبعة , ثم , و ثم , حتى لم يتبقَ غير شخص واحد , نظر (رانمارو) نحو (ساشيرو) و تردد صدى الوحش و هو يقول:
((- سوف يتأثر الجميع بقوتك الروحية , إلا من يملك قوة روحية هو الآخر قوية فسوف يطلقها حوله في شكل هالة تحميه , و إذا كانت قوته أقوي منك فسوف ينقلب الأمر عليك و تنهزم بقوته الروحية .))
كان (ساشيرو) يحيط نفسه بهاله من اللون الأزرق , أغمض (رانمارو) عينيه , ثم صرخ :
- آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه !!!
كان يستجمع قواه بهذه الصرخة , كان يفكر في شيء واحد :
((- ماذا إذا تفوق ساشيرو علي بقوته الروحية ؟! كلا , إنني أقوى منه في القوة الروحية و لهذا سأقهره.))
تردد صوت الوحش مرة أخرى بقوله:
((- تذكر هذا جيدا , ليس المهم هو قوة الفرد الروحية فقط , بل أيضا مقدار المدة التي يستطيع الحفاظ فيها على قوته الروحية بنفس المعدل.))
حدث (رانمارو) نفسه و هو يقول :
((- أيها الوحش اللعين , الآن فقط قد فهمت ما تعنيه , أنا أشعر بالضعف الشديد في جسمي , يبدو أن آثار القوة لم يعتد عليها جسمي بعد , إذا استمريت على هذا سأنهزم , أنا لا يمكن أن أخسر , سأقضي عليك ساشيرو في لحظة.))
أكمل (رانمارو) صرخته المدوية , ثم فجأة انفجرت منه طاقة روحية هائلة , ارتفعت الطاقة إلى أعلى بقوة كأنها انفجرت من بركان ثائر للتو , قابلت سقف المنزل فدمرته على الفور و تابعت طريقها إلى أعلى قليلا , ثم فتح (رانمارو) عينيه ونظر بكل صرامة نحو (ساشيرو) الذي رفع سيفه في الهواء و قفز ليضرب به (رانمارو) , يبدو أنه قد أحس بمدى قوة خصمه و قرر أن ينهي الصراع بأسرع ما يمكن , ابتسم (رانمارو) و قال له :
- أنت تريد إنهاء الليلة بسرعة , على الرحب و السعة .
قالها و اختفت فجأة السحابة التي تصاعدت منه, اتسعت عيني (ساشيرو) من الرعب كأنه يعلم ما سيحدث له , فجأة هوى (ساشيرو) على الأرض و هو في منتصف القفزة و أحاط بهالته الروحية لون أحمر غامق أخد يندفع نحوه مخترقا درع طاقته حتى وصل إلى جسمه و بدد طاقته كلها , هنا اخترقت الطاقة جلده , و أخذت تدمر جسده بين صراخ (ساشيرو) الدائم , ثم سكت عن الصراخ , و توقف عن الحركة السريعة التي كانت تنم عن ألم شديد , فاختفت الطاقة الحمراء الخاصة (برانمارو) , نظرت( ساكورا) و هي متسمرة في مكانها من المفاجأة , ثم قامت من مكانها تجري نحو (رانمارو) و هي تضحك و تصيح :
- لقد فعلتها رانمارو , كنت متأكدة من أنك ستفعلها , هذا أنت أيها البطـــ...!
توقفت (ساكورا) في منتصف جريتها , حيث قال (رانمارو) بوهن شديد :
- نعم ...لقد فعلتها و أنقذتك !
قالها و اهتز في وقفته و كأنه يفقد وعيه , ثم مال جسده إلى الخلف , ووقع نحو الوراء , فاندفعت (ساكورا) ناحيته و استطاعت أن تمسك بجسده في اللحظة الأخيرة قبيل إرتطامه بالأرض , كانت عيناها تمتلئ بالدموع ,لم تكن تفكر إلا في كيف ستخرج (رانمارو) و نفسها من هذا الموقف, و في وسط هذا كله سمعت صوتا يقول:
- ابحثوا عنهما , لا تتركوهما , اقتلوهما حيث وجدتموهما , احذروا من قوتهما القوية لقد تفوقوا على ساشيرو , ابحثوا عنهما في هذه المنطقة أولا, هيا !!!
نظرت (ساكورا) في إلتياع , و لا يوجد بعقلها سوى تفكير واحد , كيف ستخرج من هذا المأزق الرهيب؟!!!

يتبــــــــــــــــــــع................

اماريج 01-08-10 06:19 PM

الفصـــل الحادي عشــــــــــــر

ياكــــــــــــــــو


تلفتت (ساكورا) حولها , فلم تجد سوى القوس و الجعبة التي كانت معها , وضعت (رانمارو) بحرص شديد على الأرض تاركة رأسه ترتطم بهدوء بها و هي ممسكة بها بيدها , ثم اتجهت إلى القوس و الجعبة و هي تزحف على بطنها حتى لا يراها أي أحد من الأعداء , كانت لحظات عصيبة , أحستها و كأنها دهرا كاملا , و أخيرا وصلت إلى القوس و الجعبة , أخرجت سهمين من الجعبة ووضعتهما في القوس و شدت الوتر , ركزت على اثنين ممن كانوا يقتربون , كانت بطلة يتوقع لها الكثير , لكن تلك لم تكن قوتها الكاملة باستخدام القوس , كانت تستطيع إصابة أربعة أهداف مختلفة من ضربة واحدة , كانت ماهرة جدا , ركزت و أخذت نفسا عميقا ثم أطلقت يدها , اندفع السهمان بسرعة و بقوة نحو هدفيهما , أصابت كل منهما هدفه في مقتل , أمسكت بسهمين آخرين , لكن حدث ما لم تتوقعه , لقد قام الشخصان اللذين أصيبا بسهميها , أطلقت شهقة فزع , كانت قد أدركت الآن أنها لن تستطيع أن تقتلهما بمجرد سهم كما فعلت مع الساحر, قهقه الآخرون الموجودون بالخارج و قال أحدهم :

- يبدوا أننا سنستمتع الليلة بعرض فكاهي , هيا أطلقي علينا ما شئتي أيتها البشرية العنيدة فنحن خالدون و لن نموت بتلك الألعوبة الخشبية , هيا أرنا مهارتك في التصويب .
استمروا في الضحك و استمرت (ساكورا) في اطلاق سهامها نحوهم فلم تكن تملك سوى هذه الوسيلة للدفاع عن (رانمارو) و عن نفسها , كانت دموعها تسيل على وجنتبها و هي تطلق السهام في كل اتجاه , و كلما أصيب واحد منهم و يسقط , يقف بعدها و كأن شيء لم يحدث له , و فجأة وصلت (ساكورا) إلى آخر سهم لديها , فوضعته جانبا حتى إذا احتاجت إليه , هنا لم يعد لديها أي شيء معها , كان المصاصون الموجودون بالخارج لا يتحركون , كانوا يقفون كأهداف سهلة لها , و كأن الأمر يسليهم فعلا , عندما توقفت (ساكورا) عن اطلاق السهام , قال أحدهم :
- يبدوا أن فريستنا قد يأست و انتهت ذخيرتها , هيا فلنهجم عليها و نكمل استمتاعنا معها في مكان آخر.
اندفع كل المصاصون في اتجاه البيت المهدم معظمه من جراء معركة (رانمارو) معهم , صرخت (ساكورا) و هي تضم ركبتها إلى صدرها و تمسك يديها أمام وجهها من الخوف , اقترب المصاصون من المنزل , أصبح اثنان على مسافة متر واحد من الباب , نصف متر , عشرة سنتيمترات , داخـ...
- فوبوكي جامون !
هنا اندفعت رياح شديدة محملة بكرات من الثلج , كان الجو لا ينذر بهبوب كل هذه الثلوج , لكن الأمر أمام البيت الذي يتواجد فيه (ساكورا) و (رانمارو) كان مختلفا تماما , كانت الرياح شديدة حتى أنها هزت أرجاء البيت بقوة و عنف , تطاير المصاصون خارج البيت مع الرياح ثم هدأت العاصفة , و سكنت الرياح , و أصبح خارج البيت مغطى تماما بالثلج , نظرت (ساكورا) بخوف إلى الظل الذي خرج من بين الأشجار , تقدم الشخص حتى سقط ضوء القمر عليه , كان فتى يبلغ حوالي الثامنة عشر من عمره , كان يمسك بعصاة تحورت نهايتها لتشكل رأس نسر أو صقر , كان هذا الشخص القادم ساحر , أمسكت (ساكورا) بالسهم الأخير الذي خبأته , و وضعته في القوس و صوبته نحو القادم , توقف الفتى فجأة و هو على باب المنزل و و أشار بيديه الإثنتين إشارة النفي و هو يقول :
- كلا , أنا لست عدوا لكي , أنا جئت لأنقذك , اخفضي هذا السهم كي لا يسبب أي مشـ...
- ماذا ؟!!!
قالها الشخص الغريب عندما وقعت عيناه على (رانمارو) الفاقد للوعي .
- هذه الحلقة , و هذا اللون , هذا الفتى من عائلة اليوشاهارو , هل يكون...؟!
قالها ثم التفتت إلى (ساكورا) و أكملت ما كان يفكر فيه الشخص الغريب بقولها :
- رانمارو , نعم هذا هو رانمارو , و الآن هل تظن نفسك صديق بعد كل هذا أيضا ؟!
نظر الغريب غير مصدق إليها ثم نظر نحو (رانمارو) مرة أخرى و قال :
- أنا لا يمكن أن أخطأ في لون هذه العائلة العظيمة , و هذا الشخص بالذات أنا لا يمكن أن أخطأ في شأنه , و لكن هذا يجعلنا أكثر من أصدقاء , هذا يجعلنا حلفاء .
قالها و ابتسم (لساكورا) , تراخت يدي (ساكورا) عن القوس الذي تحمله و هي تردد قائلة :
- يجعلنا هذا حلفاء ؟! لم ؟! أليس رانمارو منبوذا من مجتمع السحرة كله؟!
ضيق الغريب عينيه و هو ينظر (لساكورا) و يقول :
- هذا أمر يحتاج إلى وقت طويل للنقاش , و لكني حقيقة مندهشا لكون رانمارو قد نشط قواه السحرية , أظن أنه قد تلقى معونة من شخص ما , الآن دعينا نغادر هذا المكان قبل أن يعثر علينا أي شخص آخر من هذه القرية المجنونة .
قالها ثم دخل إلى البيت دون أن ينتظر جواب (ساكورا) , رفع (رانمارو) بعصاه السحرية , فقد قال شيئا لم تسمعه (ساكورا) , كان كل تفكيرها ينصب في هل فعلا من السلامة خروجها معه من هنا أم ترفض ؟ كان الأمر أقل خطورة قليلا مع هذا الغريب , فحتى ولو كان من الأعداء ,و حتى ولو كان يضمر شرا (لرانمارو) , فبعد فترة سوف يستيقظ (رانمارو) و عندها ستختلف الأمور , و لكن الأهم الآن هو الخروج من هذا المأزق الرهيب , قامت (ساكورا) من الأرض و مشيت وراء الغريب الذي قادها في طريق ملتوي متعرج بين الأشجار حتى خرجوا من القرية , و ساروا نحو سهل كبير مشوا فيه و هي لا تعرف إلى ما نهايته .

*******************

- سيدتي هل طلبتيني؟
- نعم يا إيكويا , هناك شيء مهم يجب أن تعرفيه , لقد وصلت أخبار جديدة الآن.
نظرت (إيكويا) إلى سيدتها , فهي رئيسة فريق الأخبار و التحريات الخاص بالمجموعة , و لكن هل هناك جاسوس ينقل الأخبار إلى سيدتها فقط و لا يخبرها إياها.
- لا تقلقي إيكويا , هذه ليست من قسمك , إنها شيء من معارفي و اتصالاتي الخاصة.
نظرت (إيكويا) إليها بشيء من الريبة , إذا لم يكن هناك شيء قد وصل إلى قسمها فهو إذا شيء غير مهم , لكن إذا كانت سيدتها قالت أنها شيء يهمها فهذا يعني أن قسمها به خلل , و لابد من تطويره.
- نعم إيكويا , قسمك يحتاج إلى التجديد بدماء جديةه فيبدو أنه قد تلف قليلا.
اتسعت عينا (إيكويا) في دهشة من مدى تعمق سيدتها في قراءة أفكارها إلى هذه الدرجة , ثم ابتسمت و قالت :
- شيء متوقع من سيدتي , ماذا هناك إذن ؟!
- لقد هوجمت قرية اليوشيكومو بشخص يعتقد أنه ساحر.
- ماذا تقصدين بأنه يعتقد أنه ساحر؟
- هذا هو المثير للإهتمام , أنت تعرفين عادات هذه القرية , فهناك يجتذبون أشخاص عاديين للعمل معهم , ثم يجعلونهم طعام لصغارهم حتى إذا هلك الأشخاص منهم يبحثون عن غيرهم و هكذا .
- نعم هذا أمر متوقع من هذه القرية , ماذا هناك إذن؟!
- هذا المساء استقدموا اثنين للعمل في القرية , ولد و فتاة , يقاربون السادسة عشر على الأكثر , عندما جائوا ليجعلونهم طعاما لأولادهم هاجمهم الفتى بقواه الروحية و قتل من كان يحاول أن يهجم عليهما.
- ماذا؟! ألم يستطيعوا التفرقة بين العادي و الساحر ؟! هذه بلاهة.
- كلا , لا تتسرعي في الحكم الآن , لقد قال لي جاسوسي هناك أنه قد رأى الشخصين , و كانا عاديين بلا أي هاله تحيط بأي فرد منهم.
- هل تعني أنه يوجد من يستطيع أن يخفي قوته الروحية منهما؟!
- ممكن , أو هناك من نشط طاقته السحرية .
- أنت لا تعنين...؟!!
نظرت (إيكويا) و هي تنظر بعينها في أي إتجاه بنظرات عشوائية حيث كانت تفكر في ما قالته للتو سيدتها , قاطعت سيدتها حبل أفكارها بقولها :
- نعم هذا ما أظنه , أظن أن الفتاة البشرية مع رانمارو الآن , كما أن رانمارو قد نشط بالفعل قواه السحرية.
صمت جميع من بالغرفة الآن , ظل الصمت موجودا فترة ثواني معدودة قتلته بعدها (إيكويا) بقولها بصوت صارم:
- وأين هما الآن ؟! في القرية ؟!
- لا أعرف , فالجاسوس ذهب إليهما حتى يوافيني بأحدث التطورات لكنه لم يرجع إلى الآن , و في أغلب الأحوال فقد مات.
رفعت (إيكويا) بصرها إلى سيدتها و قالت بدهشة:
- هل تعنين أن رانمارو هذا يملك قوة كبيرة إلى هذه الدرجة ؟!
- لا تستخفي بأي فرد من عائلة اليوشيهارو , بصفة خاصة رانمارو هذا , و إلا لن تفيقي إلا و أنت مقتولة على يديه.
بلعت (إيكويا) ريقها بصعوبة , لم تتذكر أن سيدتها حذرتها من شخص تخاف منه غير (جنتو) , فهل (رانمارو) هذا يصل إلى مستواه ؟ إنها تدرك جيدا مدى قوة سيدتها , هي لم تر (جنتو) هذا من قبل لكنها أخذت انطباع أنه أقوى بكثير من سيدتها , فهل (رانمارو) هذا قوي مثله , نظرت (إيكويا) إليها ثم قالت :
- حسنا , سأتذكر نصيحتك , و الآن أعذريني فسأذهب إلى القرية لأستكشف و أجمع المعلومات ففي أغلب الظنون لابد وأنهما قد تركا المكان الآن.
أومأت السيدة (لإيكويا) للذهاب , ثم بعدما ذهبت , قامت من مجلسها الرومانسي إلى النافذة , و تطلعت إلى ضوء القمر , فكرت , هل فعلا (رانمارو) قد نشط قوته أم أنه شخص آخر تصادف الحظ أن يكون هناك , هذا هو السؤال المحير و لن تجد له إجابة حتى رجوع (إيكويا) .

************************


- كايتو.

- نعم سيدي.
- يبدو أن صديقنا الصغير قد بدأ يظهر على الساحة.
- ماذا تعني بذلك؟ هل نشط قواه السحرية؟
- نعم , على ما أظن , لقد جاءني تقرير من قرية اليوشيكومو , لقد هوجمت القرية بفرد يعتقد أنه ساحر.
- أليست هذه هي القرية التي تستقدم أشخاص عاديين بدعوى العمل فيها ثم تجعلهم طعاما لصغارهم؟!
- نعم , إنهم أولئك الناس , و لكن عندما استقدموهم كانوا عاديين , لكن في الليل عندما جائوا ليطعموهم للصغار أصبح واحدا منهم فجأة ساحرا.
أمسك (كايتو) ذقنه بيده اليمنى معتمدا على اليسرى الموضوعة أمام صدره يفكر في هذا الأمر , ثم رفع رأسه و قال :
- لا خطأ في ذلك , إنه رانمارو بلا شك.
- هذا جيد إذا , و لكن نحتاج للتأكيد , انتظر التأكيد من الجاسوس , و هذا جيد إن كان رانمارو , فخطتنا تسير في طريقها السليم.
- نعم إن الخطة تسير كما نريد.
ضحك الإثنان ضحكة وحوش مفترسة وجدت فريستها بلا أي حراك , ضحكة مرعبة , ضحكة ترددت صداها في جنبات المقر السري .

********************


- ماهذا الظلام الذي يحيط بي؟! أين أنا ؟!

- هاهاها , أنت طفل صغير و سوف أقتلك ,هاهاها.
كان ذاك صوت (هاكو).
- أنت قتلت أبواك.
كان ذاك صوت (كايتو).
- أنت تأخرت في حمايتي و قتلني المصاصين.
كان ذاك صوت (ساكورا).
- أنت لا تستطيع أن تتحمل جزء من طاقتي , فكيف تستطيع أن تكون قويا إذن؟!
كان ذاك صوت الوحش.
ترددت صدى هذه الأصوات في وسط الظلام الدامس مع ظهور صورة كل فرد منهم أمام (رانمارو) و هو يحدثه , أمسك برأسه و سقط على ركبتيه و هو يصرخ:
- كلااااااا , هذا ليس بعيب في , أنا أريد أن أكون قويا , أنا أريد أن أحمي الجميع , أنا لم أقتل أبواي , كلاااااااااا !!!
فجأة فتح عينيه , كان جسمه كله مليء بالعرق , كان ينهج و كأنه كان في ماراثون للجري , نظر حوله فإذا هو في تجويف تحت الأرض تحت جذر شجرة كبيرة , تلفت فرأى (ساكورا) و هي تنظر إليه باشفاق , كانت عيناها تدمع , تنفس الصعداء عند رؤيتها سالمة.
- حمدا لله على سلامتك ساكورا.
- أخيرا قد رجعت لوعيك.
نظر (رانمارو) باتجاه محدثه ,كان فتى طويل و نحيف قليلا , كان تقريبا أكبر منه بعمر لا يتعدى الأربعة سنوات , كانت عيناه لون بؤبؤها أخضر صافي غريب , نظر إلى يده فوجد بها عصاة سحرية تغطي نصف ساعده بجلد أبيض سميك به خطوط رماديه خفيفة , و امتدت العصاة من يده اليمنى لتنتهي برأس نسر جارح , نظر (رانمارو) إلى محدثه وسأله:
- من أنت؟!!
- أنا ياكو , تشرفت بمعرفتك أيها العظيم رانمارو.

يتبــــــــــــــــــــــــــع..............

اماريج 01-08-10 06:20 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصــــل الثانـــــي عشــــــــر


هارونــــــــــــــــــا


- كم أكره هذه الحياة.

قالتها (هارونا) و هي تنام على سريرها بقفزة تحتضن الفراش فيها بقوة , كان وجهها مقابلا للفراش , عدلت من وجهها و نظرت يسارا و هي لازالت تجلس عليه ببطنها و ترفع رجليها الإثنتين و تحركهما كطفلة صغيرة تلعب , كانت عابسة الوجه , رغم ذلك كانت جميلة أيضا , كانت عيناه أجمل مافيها بلونها الأزرق الصافي الغريب , فكرت (هارونا) و قالت في نفسها:
- هذه الحياة لم أعد أطيقها , والدتي لا تفكر سوى في مصلحتها , من المجنونة التي ترضى بهيكاشي هذا , نعم إنه ظريف قليلا , و لكن والده هذا أحمق كبير , من يظن نفسه بإعلانه أنه يتبع مبادئ كارا , هذا شيء غريب , الكل يعرف بالطبع مدى دموية عائلته البغيضة و لكن أن يصل به الحد إلى إعلانه عن تأييده لمبادئ كارا , هذا لا يطاق.
قامت من الفراش و جلست على مفعد هزاز يقابل مدفأة قديمة الطراز , كان يبدو أنها تعيش في جو من العصور الوسطى , أمسكت بكتاب تقرأ فيه , هنا اندفع قط إليها و جلس على قدمها و هو يموء بهدوء شديد , كان سياميا , و كان لونه بني , كانت أنثى , أغلقت (هارونا) الكتاب , و وضعته على رف بارز بالمدفأة و قالت للقطة و هي تداعبها :
- كم أنت مسلية , يبدو أن مالكك السابق كان يهتم بك كثيرا.
كانت (هارونا) قد وجدت القطة و هي ضعيفة منهكة أثناء سيرها في أحد الأيام من هذا الأسبوع , كانت تبدو عليها أنها لم تأكل ليومين على الأقل , أخذتها (هارونا) و أطعمتها , ثم أخذتها معها إلى البيت , و أدخلتها بدون علم والدتها , كانت والدتها تخاف من القطط , و إذا علمت بوجود قطة في المنزل ستطردها , أو ربما قتلتها , كانت (هارونا) تحب هذه القطة جدا , لم تعرف ما اسمها , إلا أنها أحست أنها كانت ملك لشخص عطوف , حيث أن القطة لم تتعرف عليها و تعتاد عليها إلا بعد فترة أطول من المعتاد و كانت لديها عادة جميلة , لا تنام إلا و هي في حضنها , أحست أنها عادة كان مالكها يتبعها مما أعطى انطباع أنه كان وحيد أو حزينا جدا.
- هارونا , هيا استيقظي.
أفاقت الخادمة سيدتها من النوم , تثائبت (هارونا) بكسل و هي في الفراش و قالت :
- كم الساعة الآن ؟!
- إنها الثامنة مساءا , سيدتي أبلغتني أن أوقظك حالا لأن اللورد ماكيتو و ابنه النبيل هيكاشي سيحضران بعد قليل.
- أوه ألا يملان من الحضور , حسنا اذهبي الآن و طمأني والدتي أنني استيقظت.
أكملت (هارونا) تثاؤبها و هي على فراشها وتابعت خروج الخادمة ببصرها , ثم تغير وجهها العادي إلى وجه أكثر عبوسا و هي تقول :
- هذا اللعين و ابنه , و أمي التي لازالت مصرة عليه , لابد و أن يعلما أنني أكرهما , و لكن لماذا يتابعان حضورهما هنا , أنا لا أزال لا أفهم ذلك .
قالتها و قامت من فراشها و مشت بتثاقل و بملل , دخلت الحمام و أخذت دشا دافئا ثم خرجت , و لبست فستانا زمرديا لامعا , يغلب عليه الطابع الأسطوري , كانت تكرهه جدا لإنه قديم الطراز , و لهذا كانت تلبسه باعتياد عند حضور الضيفان الكريهان , تزينت (هارونا) بكامل زينتها , بدت أميرة في زيها الأسطوري هذا , نزلت السلالم الرخامية في تعالٍ أضاف إلى جمالها الكثير , ارتفعت عينا الضيفان إليها و هي تنزل , فلكز الأب الولد بكوعه و هو يداعبه بقوله :
- لقد اخترت جيدا يا ولدي , جمال و قوة عائلة , إنك محظوظ !
نظر الولد بخبث نحو أباه و قال :
- لا تقل هذا يا والدي العزيز بصوت عال حتى لا تضيع الصورة الوردية التي تظنها عني و يضيع مجهود سنتين سدى.
نظر الأب بفخر إلى ولده , كان ولده أكثر من أباه قوة في الشخصية و المكر على ما يبدو , نظر الأب إلى (هارونا) مرة أخرى , و هنا جاءت والدتها تحييهما قبيل وصول (هارونا) فقالت :
- آسفة جدا على التأخير حيث لم تنبهني الخادمة الحمقاء عند وصولكما.
- لا تأسفي يا راريسا , فهذا شيء عادي من أناس حقيرون مثل هؤلاء الخادمين.
قالها و طبع قبلة علي يد راريسا ثم جلسوا جميعا , فنظر الولد إلى (هارونا) التي أصبحت بالقرب منهم الآن و قال:
- لا تقل هذا يا أبي عنهم , فهم مثلنا مصاصي دماء و يجب ألا نفرق بين أحد تبعا لمقامه.
نظر الأب تجاه ابنه و هو يحاول إخفاء ابتسامته بصعوبة , حيث أن ابنه كان يلعب اللعبة صحيحا , أكمل الولد كلامه :
- أبي , أنا لا أتفق معك في آرائك تجاه الناس و طباعهم , أنت تنظر إليهم من أعلى , أنا أحب أن أراهم كأي شخص عادي.
- بني , انت لا تعلم من هم في الأساس , نحن من عائلات نبيلة إنما هم عائلات شاركت قواها مع أغراب.
- أنا لا أتفق معك في هذا يا لورد ماكيتو , أنا من رأي ابنك.
قالتها (هارونا) و هي تجلس بينهم , نظر إليها الأب و هو يبتسم في سره و قال :
- يبدو أن الجيل الجديد لا يعجبه أي شيء منا حتى وإن كان رأينا في الحياة.
- أنا يا أبتي لا أتفق معك أبدا , أنا أظن أنك تعيش في عالم و أنا في عالم آخر.
ابتسمت (راريسا) و قالت :
- يبدو أن ما قلته يا ماكيتو صحيح , فما عندك عندي , ابنتي أيضا تعاندني في معظم الأمور , و لكن نحن الكبار لابد و أن نأخذ الأمور بترو , حتى يكبروا و يدركوا حقيقة الواقع.
ضحك (ماكيتو) و ضحكت (راريسا) , بينما كانت عينا (هيكاشي) مثبتة على (هارونا) , كانت (هارونا) تتضايق كثيرا من عينا (هيكاشي) , كانت تكره الزيارات بسبب أنه كان لا يرفع بصره من عليها , كان يظن أنه بذلك يستطيع أن يأسر قلبها , على الرغم من أسلوبه اللطيف و آرائه التي تتوافق مع بعض آراءها إلا أنها أحست بأن شيئا غامضا فيه , شيئا لا يستريح له قلبها.
- سيدتي !
قالتها الخادمة و هي تقترب منهم , نظرت (هارونا) إليها و قالت :
- ماذا هناك؟
- انها سيدتي ناجامي تريدك , إنها عند الباب تقول إنها قد اتفقت معك على الخروج من قبل.
- أها , حسنا قولي لها أن هارونا لن تستـ....
- قولي لها أنني سأكون معها حالا.
نظر الجميع إليها كانت (هارونا) قد وقفت الآن , قالت بسرعة شديدة :
- أستمحيك عذرا يا لورد و هيكاشي , فقد وعدت ناجامي بالخروج معها في حفلة راقصة , إنها شيء من عدم التوافق بين الأجيال.
ضحك (ماكيتو) و قال :
- يبدو أن الفروق عندك يا راريسا مثلما يوجد عندي , فهيكاشي أيضا يحب الحفلات , هل يمكنه الحضور؟
- كلا للأسف لا يمكنه و ذلك لأن الحفلة للفتيات فقط .
قالتها و غمزت للورد فضحك و قال :
- يبدو أن المتعة لازالت موجودة في هذا الجيل أكثر من جيلنا , أليس كذلك يا راريسا؟
نظر نحو (راريسا) , كانت الأخيرة تنظر بغضب تجاه (هارونا) , التي سلمت على اللورد و (هيكاشي) بسرعة , و صعدت السلم و هي تجري و هي تقول :
- سوف أتأخر اليوم يا أمي , لا تنتظريني.
- حسنا و لكن اليوم يوم مميز لا تنسي هذا .
- توقفت و هي على ثاني درجة سلم و تلفتت إلى أمها و قالت :
- ولماذا هو مميز؟!!
- وذلك لأن اللورد طلب يدك إلى ابنه !
- ماذا؟!!!
نظرت (هارونا) بدهشة شديدة , في حين أكملت والدتها قائلة :
- وقد قلت له نعم , و أظن أنك لا تعارضيني في ذلك.
- و لكن ...
- ماذا ؟! ألديكي شيء تقولينه لي الآن ؟! لقد وعدتهم بالإجابة و أنت تعرفين أنه عندما نقول نعم يكون الأمر نعم , و إذا قلنا لا فهو إذن لا , هذا أمر غير قابل للمناقشة.
دمعت عينا (هارونا) , و لم يجعلها تصحو من حزنها هذا إلا صوت الخادمة تذكرها بسيدتها المنتظرة بفارغ الصبر , نظرت (هارونا) إلى الخادمة ثم نظرت نحو الأرض بأسى , صعدت السلم ببطء شديد , نظر اللورد إلى (راريسا) و قال :
- أظنك قسوتي عليها راريسا, كان لابد أن تأخذيها بالتدريج.
- كلا أيها اللورد , لا تتدخل من فضلك في تربيتي بابنتي , أنا أكثر من يعرفها و أعرف طباعها , لولا هذا لرفضت , والآن لن تستطيع أن تقول شيئا.
نظر اللورد إلى ابنه , ثم سكتوا جميعا , و هنا تحدث اللورد و قال :
- هل نترك الأمور الآن إلى ما ستصير إليه , ونتكلم عن مواضيعنا الخاصة؟
- نعم هيا ما أخبار كارا؟ و ما آخر الأوامر من القيادة؟!!

*************************


- ها أنتي هنا , لم هذا الحزن عزيزتي.

قصت (هارونا) على (ناجامي) كل شيء بالتفصيل , نظرت (ناجامي) إليها و قالت :
- لا أعلم لم تفعل أمك هكذا , إن اللورد هذا معروف بانتماءه الشديد لكارا , لابد وألا تسكتي , فهذا مستقبلك.
- نعم عزيزتي و لهذا فإنني قد أخذت كل أغراضي الأساسية , و سأهرب.
- ماذا؟!!
- نعم سأهرب , ستساعديني على ذلك.
- أنا؟!!
- نعم , أريد منك أن تغطي على غيابي ليوم او إثنين على ما تستطيعي...
- ولكن كيف سأفعل هذا , و كيف ستتمكني من العيـــ...
- انظري العيش لوحدي أفضل بكثير من العيش مع هذا المعتوه القاتل , أنا لا أريد لأبنائي أن يكونوا قتلة , أنا أريدهم أن يكونوا صالحين , أنا لا أحب الشر , أترين أنني مخطأه في هذا؟
نظرت (ناجامي) إلى صديقتها , ثم سكتت , كانت لا تستطيع أن تقول لها شيئا , وصلت إلى طريق مظلم و هدأت من سرعة السيارة , نزلت (هارونا) , وودعت صديقتها الغالية وسط دموعهما الحارة , ثم تركتها و ذهبت , عدلت (هارونا) من وضع حقيبة السفر على ظهرها و أخذت تسير نحو طريقها المظلم , طريقها إلى المجهول.
يتبع.......................

اماريج 01-08-10 06:22 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الثالث عشر


الواقع بصورته الكامله


- ياكو؟

قالها (رانمارو) بوهن و هو ينظر نحو الشخص الواقف على بوابة الكهف , عندما دقق النظر وجد هالة حول رأسه لونها أبيض ناصع , قال و هو متفاجئ:
- أنت لست ببشري عادي , أأنت ساحر؟!!
- نعم , أنا ساحر من عائلة البياكورا , أحد عائلات قرية الريح البيضاء قبل أن تتدمر.
- وما الذي جاء بفرد من هذه العائلة هنا ؟!
قالها (رانمارو) و هو يقف بمساعدة (ساكورا) و أسند يده إلى حائط الكهف , تبادل النظرات مع (ياكو) حتى تحدث الأخير قائلا :
- حسنا , أنا أعرف أنك تفكر الآن في كون عدو لك , و لكن يبدو أنك لم تعرف الحقيقة كاملة بعد...
نظر (رانمارو) بعين ضيقة و هو ينظر إلى (ياكو) ثم قال :
- حسنا قل ما عندك , و لكن..
قالها ثم أخرج عصاه و قال :
- كاي!
تحولت العصا إلى شكلها المعتاد , نظر إليه (ياكو) في فزع , أكمل (رانمارو) قائلا :
- و لكن إذا فكرت في خيانتنا فاعتبر نفسك ميت .
ابتسم (ياكو) ابتسامة خفيفة , و قال و هو يحك مؤخرة رأسه بيده اليسرى :
- أنا , لا تظن أنني سأفعل هذا , أنت فعلا صديق لي أو حليف بالمعني الأدق , و سيتضح لك السبب بعد ما أشرح لك حقيقة الوضع , هاهاها.
ضحك ضحكة بلهاء و هو يحاول لن يخفف من حدة الوضع بينهما , و لكن (رانمارو) لم يتغير شكله , بل قال:
- أتمنى أن يكون ما تقوله يستحق أن تذكره , و إلا فسوف أقتلك , هيا تكلم و قل ما عندك.
- رانمارو , لا تعامله هكذا لقد أنقذ حياتنا.
قالت (ساكورا) ذلك و هي تقف بين (رانمارو) و (ياكو) , نظر (رانمارو) إليها متفاجأ من موقفها الغريب , نظر إليها و قال :
- هل أنت متأكدة ساكورا من أنه الذي أنقذنا أم كانت لعبة ؟!
- لو كانت لعبة لكنا متنا و أنت نائم , فلماذا يتكبد شخص عبء إنقاذنا من أولئك الوحوش ثم ينتظر حتى تصحو و تستخدم قوتك ؟ أجنون هذا ؟!!
صمت (رانمارو) , كان يفكر فيما قالته (ساكورا) , نعم ما قالته كان يبدو سليما , كما أنني أشك في كلام (كايتو) إلى الآن و أريد أن أعرف ما كان غرضه الحقيقي , فلابد و أن أستمع إليه ,نظر (رانمارو) إلى (ياكو) و قال :
- حسنا ياكو , آسف على ما قلته و لكن إذا حاولت خيانتنا فأنت ميت لا محالة.
- لا تقل هذا , فنحن سنصبح أصدقاء , كما أني أقدر ما مررت به , فقد حكت لي ساكورا كل ما حدث لكما , لكنها رفضت الإفصاح عن شخصية الشخص الذي قال لك معلومات عن عالمك و جعلك تنشط قوتك , و مهما كان فهو عدو و ليس صديق.
قال جملته الأخيرة و هو يتقدم إلى داخل الكهف ليجلس بجوار (رانمارو) و (ساكورا) اللذان قد سبقوه بالجلوس على الأرض , ثم تابع بعد جلوسه معهما :
- أولا أحب أن أوضح بعض المعلومات التي لابد و أنت لا تعرفها بعد
نظر (رانمارو) إلى (ساكورا) ثم نظر الاثنان إلى (ياكو) الذي تابع :
- حسنا , أولا أنت تعرف أنك من عائلة اليوشاهارو النبيلة أحد عائلات قبيلة الريح البيضاء , هذه القرية التي تدمرت منذ حوالي أربعة عشر عاما مضى , لكن الشيء الأهم هو اتهامك بقتل والديك , مهما كانت الحقيقة سواء أكنت قد قتلتهما أم هذا كذب فهذا قد حدث لمصلحة البشر و للجميع.
نظر (رانمارو) بدهشة شديدة إليه , وقال :
- سواء كنت من قتلهما أم لا فهذا جاء في مصلحة الجميع , ماذا تقصد بهذا؟!
-حسنا , هناك في عالم الأجناس غير الطبيعية ثلاث مجموعات , الأولي تسمي كارا , و الثانية تسمي بوكاهاتسو , والثالثة موجودة للصراع ضد الإثنتين .
- كارا , بوكاهاتسو؟!!
- نعم , كارا أصلا تعني الفراغ , و هي ترمز إلى المكان الذي يشغله البشر العاديين الآن , فتلك المجموعة تنظر إلى البشر كنفايات , و أنهم يشغلون مساحات كبيرة بأعدادهم الضخمة عننا , و يستهلكون ثرواتنا , و إنهم لابد وأن يكونوا عبيد عندنا لا أن نخفي وجودنا عنهم كما نحن الآن , هذه المجموعة دموية جدا , و للأسف قوية جدا , و جميع أعضاءها قد بلغوا من القوة حدا إلى إعلان هويتهم إلى المجتمع العام لدينا , غير خائفين من أي رد فعل ضدهم .
- هل أصبحوا أقوياء بمشاركة قواهم مع سحرة آخرين؟
- ممم , ليس بالضبط , انظر رانمارو كقانون في تلك المجموعة يجب عليك أن تشارك قواك مع جميع الموجودين , هل تعرف ما يعنيه هذا ؟ هذا يعني أن الشخص الواحد منهم يمكن أن يكون لديه أكثر من سيد و أكثر من قوة , وهذا يعني قوة هائلة بالطبع.
- و لكن كل قوة لها آثارها الجانبية , وإن لم تكن قويا لتتحكم بالقوة فإنها سوف تتحكم بك.
نظر (ياكو) إلى (رانمارو) بدهشة , لقد كان يعرف ما كان يفوق ما توقعه من معلومات , ابتسم (رانمارو) و قال :
- لا تتفاجأ هكذا , هذه المعلومات جئت بها من الوحش الخاص بي .
- حسنا هذا يبدو منطقيا , نعم إن هناك الكثير منهم لا يستطيع أن يصمد أمام سيدين , سيده الأصلي و سيد الشخص الذي شاركه قواه , و لكن هناك قلة منهم من تستطيع أن تجمع بين ثلاثة أو أربعة أسياد في وقت واحد,ولكنه أمر غير مؤكد إلى الآن , حسنا فلنكمل , قرية الريح البيضاء كانت من أقوى القرى , و كانت تمتلئ بالكثير من العائلات النبيلة مما جعلها في أعلى أهداف هذه المجموعة , كانوا يرون أنه عندما يدمرون القرية فإنهم سوف يستولون على كل ما فيها من كنوز , و لكي يفعلوا ذلك كانوا يحتاجون إلى جاسوس , فرد قوي جدا لا يشك فيه فرد في القرية , يأتمنوه على أسراهم و أمنهم , و هنا يخونهم و يقودهم إلى هزيمة القرية.
نظر (رانمارو) إليه و عينيه متسعتين من الدهشة و هو يقول :
- لا تقل لي ...!!
أومأ (ياكو) برأسه موافقا و قال :
- نعم إنهم هما رانمار...!!!
- لا تقل ذلك , هذا مستحيل , لقد كان والداي من أقوى من في القرية و أفضلهما على الإطلاق , كانا أبطال.
صرخ (رانمارو) في وجه (ياكو) و عينيه تدمع , نظر (ياكو) إليه بشفقة و قال :
- أنا أعرف أن هذا أمر صعب عليك و لكن هذا شيء قد كشفه رئيس القرية قبيل الهجوم بساعتين , و عندما حاول أن يوقفه قتله أبواك , و هنا حاول أقوى من في القرية التصدي لوالديك و لكنهما فشلا , و لكن لسبب ما ماتا , و قال الشهود أنهم رئوك و أنت ترمي عليهم التعويذة , لا أحد يعلم كيف , كانت معجزة , أنت بقتلك لهما قد أتحت بعض الوقت لجعل الصغار يهربون , الصغار الذين كبروا ليصيروا كبار مثلي الآن.
نظر (رانمارو) نحوه و كأنه لا يصدق ما سمعه , نظر إلى (ساكورا) و قال :
- إنه يكذب , أنا لا أصدق ما قاله هذا كذب .
قالها و هو يصرخ , وقف بسرعة , ثم رفع عصاته السحرية إلى أعلى , ظهر ضوء أحمر قوي حوله و بدا و كأنه يشتعل , كان يبدو أنه يستخدم طاقته الروحية , نظر (ياكو) إليه في فزع , و رفع عصاته هو الآخر , فجأة قفزت (ساكورا) تمسك (برانمارو) , نظر إليها و هي تقول له :
- هل تكف عما تفعله الآن , أنا أعرف شعورك و لكن إذا كانت هذه الحقيقة فماذا بيدك أن تفعله , هذا شيء كان بيديهما و ليس بيدك.
قالت ذلك و هي تبكي , ارتمت في حضنه و هي تبكي , نظر إليها (رانمارو) , اختفى الضوء الأحمر حوله , و أخفض عصاته , و أنزل يده على ظهر (ساكورا) , و ضمها بقوة إليه و قال و هي يبكي :
- أنا لا أعرف ماذا أفعل , أحس و كأني ضللت الطريق , هل قتلي لوالدي صحيح أم أن شخصا آخر قتلهما , هل كانا بطلين أم كانا خائنين , أنا لا أعرف , ماذا أفعل ساكورا ؟!!
ابتعدت (ساكورا) عن حضنه , و مسحت دموعه بيديها , ثم نظرت إلى (ياكو) الحزين و قالت :
- لابد وأن هناك شيء خطأ , إذا كان والدي رانمارو خائنان , فلماذا إذا قد نبذ ؟!
أفاق كلام (ساكورا) (رانمارو) , فتوقف عن البكاء و رفع بصره إلى (ياكو) و قال له بسرعة:
- نعم هذا صحيح , إذا كنت بطلا بقتلي لهما فلماذا إذن أنا منبوذ ؟!
نظر إليهما (ياكو) و هو أكثر حزنا و قال :
- للأسف الذي عرف بهذا الموضوع هم قلة قليلة , و جميعهم قد قتلوا بأيدي والديك إلا شخص واحد فقط و هو نائب رئيس القرية , وهو الذي ساعدني أنا و ثلاثة معي على الفرار و أخبرنا بما حدث لأنه كان يشك في أنه سينجو , بالفعل قد قتل في هذه المعركة التي انتهت بتدمير قريتنا.
- هل تعني أن الحقيقة قد ظلت مخبأة إلى الآن ؟!
- نعم , أنا و ثلاثة آخرون فقط نعرف هذه الحقيقة.
- وكيف لي أن أتأكد إنكم لم تتفقوا على هذه الكذبة ؟!
- ولماذا نكلف أنفسنا عناء ذلك , و أنا كان بمقدوري قتلك و أنت مغمى عليك , ثم للأسف نحن الأربعة افترقنا بعد تدمير القرية حتى لا يتعرف علينا أحد , فكلما قل العدد كلما قل الخطر.
نظر (رانمارو) إليه و قال :
- هل تعني أنك لا تعرف أين باقي الثلاثة ؟
- أنا لا أعرف أن كان الثلاثة على قيد الحياة أصلا .
صمت الجميع , كان (رانمارو) يفكر , نعم إنه لو كان عدو لقتله على الفور , و لكنه أنقذه فعلا , و لم يؤذيه , ثم هذا الموضوع المتعلق بوالديه , يبدو أن موضوع والديه شائكا , و حتى الآن لم يعرف غرض (كايتو) الحقيقي من جراء مساعدته , فكر (رانمارو) , و توصل إلى قراره , فقال (لياكو):
- حسنا إذن , نحن سنبحث عن الباقي إن كانوا أحياء , و إذا أكدوا كلامك فعلا فسوف يكون هناك أشياء لابد من فعلها.
نظرت (ساكورا) إليه , و قالت:
- هل يعني ذلك إنك ستبحث عنهم ؟ و لكننا لا نعرف من هم و كيف نجدهم.
- أظن أن لدي خطة.
قالها (رانمارو) , فنظر إليه كل من (ياكو) و (ساكورا) , و سأله (ياكو) قائلا :
- ماذا تفكر رانمارو؟
نظر (رانمارو) إليهم بمكر و قال :
- أفكر في أن لكل عائلة لون مميز صحيح ؟
- نعم هذا صحيح !
حسنا , هذا ما سنفعله .
قالها ثم تحدث بصوت خفيض عن خطته , و بعد أن انتهى نظر إليه الآخران بتعجب ثم قال (ياكو) :
- أنت مجنون أتعرف ذلك !
- نعم رانمارو هذا لجنون أنك بهذا سوف تقول لأعدائنا أنك هنا أمامهم و تنتظرهم.
- ولكن هذا هو الحل الوحيد هل يوجد لديكم شيء آخر ؟!
نظر الآخران إليه و قال (ياكو) :
- لا للأسف , و لكن يجب أن نكون أقوياء مستعدين لأي شيء .
- نعم هذا ما سنفعله في الوقت القادم يجب أن نتدرب بشدة و نصبح أقوياء , و نعلم أنفسنا بأنفسنا و ذلك حتى نتغلب على أي عدو لنا.
- حسنا إذن.
قالها (ياكو) و هو ينهي الكلام , إلا أن (رانمارو) سأله :
- لقد قلت إن هناك ثلاث مجموعات و لم تتحدث إلا عن واحدة , فما هم الإثنان الآخران ؟
- أها , آسف فقد نسيت , إن المجموعة الثانية و هي اسمها بوكاهاتسو , و هي تعني الإنفجار , و هي جماعة ترى أن البشر نعم كائنات تشغل مكانا و أقل مكانة مننا , و لكن لها فوائد , فمصاصي الدماء مثلا يحتاجون إليهم , و لهذا فإن غالبيتها من مصاصي الدماء , و هي تهدف إلى جعل العالم كله من البشر الغير عاديون مثلنا , و حجز البشر العاديون في أماكن محددة , كما و كأننا نربي قطيع , عندما نحتاج منه ما نريد نستخدمهم و إذا انتهينا نعيدهم إلى حظيرتهم , إذا رأيت الأمر على خريطة قد رسموها للعالم قبل و بعد التوزيع , فإنك ستشعر بحدوث انفجار انتشرت بعدها مجموعات البشر الخارقون أمثالنا و انحسرت فيه مجموعات البشر العاديين مثل ساكورا , و لهذا فإنهم قد سموا أنفسهم الإنفجار.
- هذا بشع.
قالتها (ساكورا) و هي تتخيل ما قد يحدث إذا وضعت في مكان كحظيرة و منعت من التحرك , و كأنها سجينة لشيء لم تفعله.
- نعم هذا صحيح , إنه لعمل بشع حقا و غير إنساني على الإطلاق.
قالها (رانمارو) و هو ينظر نحو (ساكورا) , هنا تابع (ياكو) قائلا :
- حسنا أنا أتفق معك , و كذلك كثيرين , و لهذا فإن هناك المجموعة الثالثة , هذه ليست لها أي اسم , و لكن هدفها هي حماية البشر من طغيان المجموعتين المجنونتين , هذه المجموعة أعضاءها غير محددين , إن أي فرد ينقذ بشري من أي خطر يعتبر منها , و أنا أعتبر نفسي أنتمي إليها , إنني لأشعر بالفخر لكوني فردا منها , يكفيني فخرا أن جنتو عضوا فيها.
- جنتو ؟ من جنتو هذا ؟!
- ماذا؟!! ألا تعرف جنتو ؟! إنه أشهر مصاص دماء على الإطلاق.
- كلا للأسف , و لكن لم هو أشهر مصاص دماء ؟!
- أولا لأنه قديم جدا , البعض يقول إنه عاش حوالي ألف عام , و البعض يقول أكثر من ذلك , لا أحد يعرف بالضبط , كما أن لا أحد يعرف وجهه الحقيقي , لكنه أقوى مصاص دماء على الإطلاق , قوته الروحية رهيبة , كما يقال أنه قد شارك ساحر قواه , يقال إنها عائلة جينكيوكيتسكي , و هي عائلة مصاص الدماء الفضي المنقرضة , هذه العائلة التي اندثرت على الرغم من قوتها , بينما يعتقد البعض أن جنتو في الأصل آخر فرد من العائلة وتحول إلى مصاص دماء , لكن في النهاية جنتو هو أقوى مصاص دماء على وجه الأرض و لا يستطيع أن يقف في وجهه أي شخص , و هو لحسن الحظ في جانبنا.
- ولكن إذا اتحدت المجموعتان فهو هالك , أليس كذلك ؟!
- لحسن الحظ لم يهزم جنتو من قبل على الإطلاق , كما أن المجموعتان لحسن الحظ ليسوا على وفاق , فهم أعداء مريرين فيما بينهما , فلا أي واحد منهما يريد أن تنجح الأخرى في تحقيق أهدافها , هناك نوع من المنافسة و التعالي على بعضهما , و هذا ما يعطينا فرص كثيرة للتفوق عليهما.
- وهل تعمل بمفردك ؟
قالتها (ساكورا) (لياكو) الذي رد قائلا :
- نعم , فكما قلت لك أعضاء المجموعة الأخيرة لا يعرفون بعضهم , كما أنه لا يوجد أي تنسيق أو قائد , إن القاعدة الذهبية هي أنك إن وجدت بشريا في حاجه للمساعدة ساعده ولو على حساب حياتك , فأنت بهذا تنفذ قواعد و مبادئ المجموعة , هذا هو الحال هنا , و لهذا فعندما رأيت شخصان عاديان يدخلان القرية في عربة بها أناس بها حلقات حول رأسهم قررت أن أتجسس , ولهذا السبب دخلت القرية , فوجدتهم يهاجمونكما , فقررت أن أتدخل لإنقاذكما.
صمت الجميع مرة أخرى , نظر (رانمارو) إلى (ساكورا) , فأومأت برأسها موافقة , يبدو أنهما كانا يفكران بنفس الفكرة , نظر (ياكو) اليهما مندهشا ثم قال رانمارو :
- حسنا نحن الآن في فريق المجموعة الثالثة , هل يوجد أي مانع لذلك ؟!
تبادل (ياكو) نظراته معهما , كان مندهشا , فهو كان يتوقع أنه سيواجه معاندة كبيرة منهما أو إنهما لن يرضيا بهذا , و لكن أن يوافقان على ذلك فهذا شيء جميل , ابتسم لهما ثم قال :
- حسنا إذن , سوف نكون فريق واحدا نحن الثلاثة.
قاطعه (رانمارو) بقوله :
- لا تضع حدا للفريق.
نظر إليه (ياكو) غير متفهما فأكمل :
- نعم , فإنني سأكون ليس فريق و لكن نواة , نواة لإعادة بناء قريتي , سأسمي فريقي هذا فريق الريح البيضاء , و سنبدأ بتجميع أعضاء القرية من أصدقائك أولا ثم من أي شخص يريد الإنضمام إلينا.
نظر (ياكو) إليه متعجبا , هذا ليس شخص عادي , إنه فعلا عظيم , إنه يستحق اللقب , العظيم رانمارو.
يتبــــــــــع..............

اماريج 01-08-10 07:18 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصــــــل الرابـــع عشــــــر


مشاعــــر و أحاسيـــس.


قامت (ساكورا) و هي تتثائب و تقول لهما :

- والآن كيف سندبر أمور حياتنا أولا ؟!
- حسنا هذا ما سنفكر فيه , أمامنا أن نعمل مع البشر و بما فيه من مخاطر كبيرة , أو ننشيء عالمنا السحري و نعيش فيه و هذا يحتاج إلى قوة كبيرة
قالها (ياكو) و نظر إلى (رانمارو) , تبادل معه النظر ثم قال له :
- لماذا تحدق في هكذا؟ أنا قوتي كبيرة نعم و لكن أنا لا أعلم أي شيء عن مثل هذه الأمور.
- حسنا , انظر رانمارو , أنت و أنا من عائلات نبيلة , و لكني للأسف لا أستطيع استخدام وحشي كما ينبغي , هو بنفسه قال لي أن هناك شيء يمنعني من استخدام قوته كاملة , و هذا ما يؤرقني , و لكنك أنت الوحيد هنا الذي تستطيع أن تفعل أي شيء بقوتك
- ياكو , أنا فعلا لدي قوة عظيمة , و لكني لا أعرف كيف أستخدمها بعد , أنا جديد هنا , و أحتاج إلى المزيد و المزيد من الوقت للتعلم , ثم كيف كنت تعيش في السابق ؟ أكنت تعيش بمفردك؟
- لا , لقد التقطتني عائلة ثرية إلى حد ما و ربتني كولدها حيث إنهم لم يكن عندهم أية أبناء , و هم كانوا أفرادا عاديين , و المحيطين بهم كذلك , و أنا أدعوهما بأبي و أمي إلى الآن , ولكني رأيت بعض من الأشخاص الغير عاديين , و أنا أخاف أننا عندما نصبح ثلاثة سنسبب الضرر لهما , و هما أغلى ما أملك الآن و أحبهما جدا و لا أريد أن يكون نتيجة المساعدة هو الضرر.
نظر (رانمارو) إليه , وقالت (ساكورا) :
- أنت ممكن أن تدخلنا كأصدقاءك كما أننا لن نمكث طويلا فسنغادر كي نستطيع إيجاد باقي الأعضاء , و سوف نغادر أيضا إلى مكان بعيد بعد أن يتكون الفريق.
فكر (ياكو) قليلا , وهو ينظر تجاه الأرض , فقال (رانمارو) :
- لا تخف , فنحن لن نخرج على الإطلاق أو يرانا أحد غير من بالمنزل , كما أننا سنمكث وقت قليل مثل ما قالت ساكورا بالضبط , و هذا لن يجعلنا موضع شبهة , أليس كذلك ؟!
فرك (ياكو) ذقنه و هو يفكر ثم قال :
- حسنا إذن , لم الخوف و نحن نعيش فيه من الأصل؟ حسنا , سنذهب للعيش هناك حتى نضع خطتنا و نتم استعداداتنا للمغادرة من هناك.
- حسنا , هذا جيد
قالتها (ساكورا) و هي تبتسم , ثم نظرت إلى (رانمارو) فوجدته عابسا , فسألته :
- ماذا هناك رانمارو ؟!
نظر (رانمارو) إليها ثم قال :
- أنا لا أعرف من أنا ؟! منذ أيام قلائل كنت رانمارو الذكي الملتزم , ولدا في المدرسة مثل باقي الأولاد , و الآن أنا ساحر , و منذ أيام أيضا كنت أظن أن والداي ماتا في حادثة , و منذ يوم واحد فقط ظللت أظن أن هناك من قتلهما و ألصق التهمة بي و الآن أنا أظن إنني الذي قتلتهما , و منذ أيام أيضا كنت أظن أن والداي عاديان , و لكن حتى أمس فقط كنت أظن إنهما ساحران عظيمان دافعا عن القرية بأرواحهما , والآن أنا أمام حقيقة أنهما خائنين , أنا لا أعرف ماذا أظن و ماذا أعتقد , أنا لا أعرف ما الصواب و ما الخطأ , أريد أن أعرف , أريد أن ...
ولم يكمل ما قاله , حيث ارتمى على الأرض و هو يبكي , يبكي بحرقة شديدة , اتجهت إليه (ساكورا) , و نزلت على ركبتيها على الأرض , و مدت يدها اليمنى تلمس ظهر (رانمارو) بحنان و هي تقول :
- عزيزي , لا تيأس , هناك أكيد شيء خطأ , من يعلم ماذا جرى في تلك الليلة المشئومة ؟! كما أن هناك الكثير من التفسيرات , و هذا يعني أن الحقيقة ضائعة تائهة , و أنت لابد و أن تجدها.
قالتها و (رانمارو) لم يتوقف عن البكاء , ثم رفع رأسه و هو يمسح دموعه و قال :
- أنا خائف جدا ساكورا , إنني أريد إثبات برائتي , و كنت قد هيأت نفسي لذلك , و لكن...
قالها ثم اهتز جسمه بشدة و هو يرفع يديه الإثنتين أمام وجهه و تابع :
- و لكن الآن أنا أبحث عن برائتي في مقابل إثبات خيانة والداي , أنا لا أعلم و لكن هل ما أفعله صواب؟! هل أبحث عن برائتي و أدينهما ؟! أم أموت و أنا قاتل أمام الناس برئ أمام نفسي ؟ أنا لا أعلم ماذا أفعل , أنا تائه ساكورا.
قالها و عيناه تمتلئ بالدموع , ضمته (ساكورا) بسرعة في حنان و هي تبكي هي الأخرى , فاحتضنها كما يحتضن الابن أمه , ثم قالت له :
- أنا أريد أن أهون عليك و لكن هنا , و في هذا الموقف بالتحديد أنا لا يمكن أن أقول لك سوى الحقيقة , حقيقة رأيي تجاه هذا الموضوع , الكل يحب أباه و أمه جدا و يخاف عليهما , و لكن ماذا تفعل إذا كانا قد أخطئا فعلا ؟! أتدفع أنت ثمن جريمة لم ترتكبها بسبب طيش أبواك ؟! يجب أن تعلم جيدا رانمارو أن الكبار يخطئون و هم يعلمون جيدا عواقب ذلك , أنا لا أقول لك اكرههم , و لكن إذا كانا جاسوسان فعلا فهذا خطؤهما , و إذا لم يكونا كذلك فعليك أن تثبت برائتهما مع برائتك , لكن أن تضحي بنفسك مقابل سمعتهما فهذا حرام و لا ُيرضي أي شخص .
- ولكن ... ولكن هما أبواي ساكورا و لا أستـ...
- لا تضيع حياتك مقابل خطأ لم ترتكبه , هذه حياتك أنت , فوالداك قد ماتا , سواء خائنين أم أبطال فقد ماتا , أنت الآن الذي تعيش على قيد الحياة , أنت أملهم إذا كانا أبطال فعلا , و أنت عدوهم إذا كانا خائنين , من يخون بلده يخون أي شيء آخر , لا تيأس , نحن معك و بجانبك , أنت لست بمفردك من الآن.
قالها (ياكو) فرفع (رانمارو) رأسه , و نظر إليه , ثم نظر إليها, ثم قال :
- لا أعرف ماذا كنت فعلت من دونكما
قام و هو يمسح دموعه , و نظر إلى (ياكو) و قال :
- حسنا ياكو , الآن هل نذهب إلى منزلك ؟!
- حسنا هيا اتبعاني .
قالها واتجه خارجا من الكهف الصغير الذي كانوا فيه , ثم تبعه الإثنان الآخران في طريقهم الطويل نحو بناء قرية الريح مرة أخرى.

***********************

-سيدتي.
- نعم , أهذا هو المكان ؟
- نعم سيدتي.
كانت (إيكويا) شاردة الذهن تفكر و هي تنظر إلى الأفق البعيد من زجاج السيارة حديثة الطراز من ماركة رينو الفرنسية , كانت مساعدتها هي التي نبهتها إلى أنهم قد وصلوا إلى المكان المقصود , قطعت المساعدة حبل أفكار سيدتها , حيث كانت تفكر في شيء هام جدا , أمر متعلق بحياتها و بمصيرها.
- حسنا هيا بنا .
قالتها (إيكويا) و نزلت من السيارة بخفة و رشاقة , نظر إليها الجميع فانحنوا إحتراما لها , نظرت إليهم بلا مبالاة , و تابعت سيرها حتى وصلت إلى البيت الخشبي المتهدم معظمه من جراء المعركة, نظرت إليه بعين مفتوحة من الدهشة , نعم كانت تعلم أن (رانمارو) قوي , و لكنها لم تكن تتصور أن فتى عهده بالسحر لم يتجاوز الإسبوعين قد وصل به الأمر إلى هذه الدرجة , نظرت (إيكويا) تجاه الأرض فوجدتها مغطاة بالثلوج , ضيقت من نظرتها عندئذ حيث أن الطقس لم يكن ينذر بهبوب لأي ثلوج على الإطلاق , تقدمت (إيكويا) إلى الأمام , ثم قالت :
- كاي !
تحول الرداء الأحمر الذي كانت ترتديه إلى أسود اللون يغطي كل جسمها و يلمع بخطوط مموهة لا تأخذ لونا معينا حيث أنها كانت تتطبع بلون أي شيء يقع خلفها , و كانت رسمة العائلة المميزة لكلب أسود له نفس الخطوط الغريبه عليه و هو يشم الأرض .موجودة على معطفها الجلدي منقوش في المقدمة و الخلف
- انظر جيدا , إنها عبقرية عائلة الكلب المموه , انظر إلى قدرتها على التحري .
قالها أحد الواقفين و هو يلكز زميله الذي كان مشدوها بمنظر (إيكويا) الغريب , نظر إليه زميله هذا و أومأ برأسه ثم رجعا ينظران إليها مرة أخرى , رفعت (إيكويا) قبضة يدها اليسرى و أطبقت على صوابع يدها , و هنا امتلئ الهواء المحيط بالمكان باللون الأسود الخفيف , و كان أحيانا يختفي اللون تماما و كأنه غير موجود ثم يظهر مرة أخرى , هنا قالت (إيكويا) :
- يوروتورا موروساكي راي !
هنا تحولت عيناها إلى اللون البنفسجي , و تحول الهواء إلى نفس درجة اللون تماما , كانت هناك آشعة فوق بنفسجية تخرج من عينيها لتغطي المكان المغطي بقوتها الروحية, فظهرت بقع مضيئة لامعة فسفورية , قالت :
-لقد جرت معركه هنا , الدماء تغطي المكان كما ترون.
نظر الجميع إلى بعضهم البعض , لقد قامت هذه العبقرية بما لم يستطيعوا جميعا القيام به , إنهم يعرفون كم تحتاج هذه التعويذة من قوة و طاقة كبيرة , أغلقت (إيكويا) عينيها فاختفى الضوء , و هنا سكت الهمس بين الجميع ناظرين نحوها , صمتت قليلا ثم قالت و هي رافعة قبضة يدها اليسرى أيضا و مطبقة عليها :
- كانشيكي اتسوسا !
و هنا تحول لون عينيها إلى اللون الأحمر , كانت هذه هي تعويذة خاصة بالآشعه تحت الحمراء , نظرت إلى المنطقة التي بها ثم إلى المناطق الموجودة بالقرية و همهمت في نفسها:
((- كما ظننت , لا يوجد ثلج في أي بقعه أخرى سوى هذه , رانمارو لا يملك هذه الطاقة و مستحيل أن تكون البشرية تملكها , لقد تلقى مساعدة من أحدهم , ولكن من؟! و لماذا ؟!
غيرت (إيكويا) بصرها إلى اللأمام نحو الأفق البعيد
- لقد سمعت أنها وصتل إلى المستوى الثالث في هذه التعويذة.
- ماذا؟!! الثالث ؟!! إنه لمستوى متقدم جدا بالنسبة لهذه التعويذة القوية.
- نعم , ألم أقل لك , إنها عبقرية فعلا.
تبادل الشخصان السابقان هذه الكلمات ثم نظروا نحو (إيكويا) مرة أخرة , يبدو أن سمعة (إيكويا) كبيرة و شهرتها واسعة جدا .
نظرت (إيكويا) تجاه الأفق البعيد , كانت قوتها في هذه التعويذة تتيح لها تفحص أي شيء في نطاق دائرة نصف قطرها ثلثي ميل , كانت مسافة شاسعة بالطبع , لكنها اعتادت عليها ,أخذت تبحث ,و تبحث هنا و هناك , و تبحث حتى ,
- ها هم , نعم أنا لا يمكن أن أخطئ , ثلاثة أشخاص , واحد عادي و اثنان لهم لمعان لأن لهم طاقة روحية , هذا مؤكد هو الذي قد ساعدهما , حسنا.
أغلقت عينيها , و التفتت راجعة إلى السيارة , ركضت نحوها المساعدة و قالت :
- هل وجديتهما ؟!
نظرت إليها (إيكويا) , و قالت و هي تركب السيارة :
- كلا , لم يحالفني الحظ في ذلك.
قالتها فتأوهت المساعدة من الأسف , و قالت و هي تركب أيضا السيارة :
- لقد جئنا متأخرين , يا للأسف !
أغلقت (إيكويا) عيناها , و فتحتهما ناظرة نحو الأفق مرة أخرى و شردت في التفكير و قالت و السيارة تبدأ التحرك :
- نعم لقد جئت متأخرة على ما يبدو.

يتبـــــــــــــع.................

اماريج 01-08-10 07:20 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصــــــل الخامس عشــــــر


الاســــــــتعداد


- ها هو ذا

- يااااااااااكووووو!
قالتها سيدة و هي تقف في شرفة منزل مكون من ثلاث طوابق و يحتوي على حديقة و لها سور من حديد , كان يبدو على أهل المنزل الثراء , هرولت السيدة بعد نزولها إلى أسفل لتعانق (ياكو) بشدة و هي تبكي , كانت تبدو أنها في نهايات الأربعينيات , بعد وابل من القبلات و الأحضان الممزوجة بالعواطف الجياشة و الدموع الغزيرة , قالت السيدة وهي لازالت تحتضنه :
- لماذا هربت ياكو ؟ لقد ظننت أنك لن ترجع مرة أخرى , أفعلنا لك شيئا سيئا ؟! ألم نقم بشيء تحبه فحزنت مننا ؟!
قالتها السيدة بحرقة , حرقة إمرأة , لا , بل حرقة أم كأن ابنها ضل منها , كلا , بل و كأنه قد مات في الحرب أمام عينها , نظر (رانمارو) إلى (ساكورا) و عيناهما تمتلئ بالدموع , قال (ياكو) في وسط ذلك :
- أنا آسف يا أمي , لكني لم أقصد الهروب , من قال لكي ذلك؟
قالها و هو يمنع نفسه من البكاء بشتى الطرق , كان وجهه محمرا إلى الدرجة التي يظن الذي يراه أنه محموم جدا , ابتعدت الأم عنه , و هي ممسكة بذراعيه بيدها و نظرت نحوه و في عينيه وقالت :
- ألم تختف فجأة دون أن تقول أي شيء لنا , ماذا يعني هذا ؟
- آسف جدا سيدتي و لكن هذا خطأنا نحن وليس بخطأ ياكو .
أخيرا تكلم (رانمارو) , هكذا فكر (ياكو) في عقله , كان كلامه في الوقت الصحيح , نظرت إليه الأم و تابع :
- حسنا , أنا و ابنة عمي أصدقاء ولدك ياكو منذ زمن و لكننا لسنا من هنا , ولم نتقابل من قبل على الإطلاق , و لكن للأسف فقد مات والدي كل منا في حادثة سيارة و لم نكن نملك أي مكان نذهب إليه فعرض علينا ياكو أن نأتي إلى هنا , و نعيش معه قليلا حتى نتدبر أمورنا بأنفسنا بعد ذلك , أنا آسف جدا سيدتي.
قالها و أحنى ظهره احتراما لها , نظرت (ساكورا) إليه , كانت مشدوهة من كلامه , و لكن بعد ذلك بثانية أدركت مغزى ما قاله , فانحنت هي الأخرى و هي تقول :
- جو ميناساي (كلمه تعني آسف باليابانية)
نظرت المرأة إليهما , و قالت :
- لا لا , لا شيء على الإطلاق , لم لم تقل لي ذلك يا ياكو؟
قالتها و هي تلتفت نحو (ياكو) الذي كان يقع بجانبها , نظر (ياكو) إلى (رانمارو) المنحني و قال و هو مضطرب :
- حـ حـسنا , لـ لقد نويت أن أقول لك , و لكنني قررت أن أجعلها ...مفاجأة , نعم الأمر كذلك , أنا قررت أن أجعلها مفاجأة.
نظرت المرأة بريب و قلق نحو (ياكو) ثم قالت له :
- و لكن إذا كان الأمر كذلك فلم تأخرت كل هذا الوقت إذا؟!
نهض (رانمارو) من انحنائته و قال :
- هذا أيضا بسببنا , فلقد نسينا التذاكر في مكان لا نعلمه , و لهذا أخذنا نبحث عنها حتى تخلفنا موعد القطار , فاضطررنا مقهورين إلى حجز مقعدين في القطار الذي يليه بميعادين نظرا لإتمام الحجوزات , و هذا ما أخرنا , كما أننا لم نكن نملك أي إمكانية للاتصال بياكو , آسف مرة أخرى على هذا الخطأ.
قالها و انحنى مرة أخرى , نظرت الأم إليه ثم ابتسمت , و قالت :
- يبدو أن ابني قد اكتسب أصدقاء جيدين فعلا , هذا أمر لا شك فيه , إن حدسي يخبرني أنكما عظيمان في الأخلاق و أنه سيكون لكما شأن كبير في المستقبل , و حدسي هذا لا يخطئ أبدا, هيا ادخلا مع ياكو , هيا يا ياكو اذهب و أريهم المكان الذي سيمكثون فيه معنا , الطابق الثالث أنت تعلم أنه مرتب جيدا و لا يوجد به أحد و ذلك حتى يستريحا , هيا لا تتكاسل هيا.
قالتها السيدة , ابتسم (ياكو) و هو ينظر إليها , قال :
- نسيت أن أعرفك عليهما أماه , هذا رانمارو و هذه ساكورا.
- أهلا بكما, و آسفة لما حدث لوالديكما و أتمنى ألا يكون ياكو قد أزعجكما , فأنا أعلم أنه شقي .
قالتها و هي تقرص أذنه في حركة مضحكة , قفز بعدها (ياكو) إلى أعلى بصورة مضحكة و هو يقول :
- أماه لماذا تحبي دائما هذه الأذن , لديكي الأخرى .
قهقه الجميع سعيدا , قال (رانمارو) بعد أن اعتدل من انحنائته :
- لا تقلقي سيدتي فإنه معنا لا يمكن أن يلعب كثيرا , فنحن نعرف كيف نمنعه من أن يلهو كثيرا.
ضحكت السيدة و قال (ياكو) مازحا :
- لا يوجد أحد مثلك يا رانمارو يستطيع إيقافي على وجه هذه الأرض.
نظرت (ساكورا) إليه و قالت ضاحكة :
- أنا موجودة أيضا , أم نسيتيني ؟ النساء لهن قوة أكبر على وجه هذه البسيطة منكم أيها الرجال , أليس كذلك سيدتي ؟!
قالتها و غمزت لها بعينيها , ضحكت السيدة و قالت :
- نعم , لا تنس مكانك , نحن الآن غلبة عليك , هاهاها.
ضحك الجميع , ثم بعدها سأل (ياكو) والدته :
- أين أبي يا أمي؟
- إنه في سفر إلى كوريا الجنوبية في رحلة سفر ستستغرق شهر على الأكثر.
-شهر كامل؟!!
-نعم , فمن الممكن أن يذهب إلى الصين بعدها ثم إلى تايوان , و ربما يذهب إلى أندونيسيا , و بعدها سيعود.
- أوه , كل هذا السفر إلى كل هذه البلاد؟!!
قالتها (ساكورا) و هي تبدو مستمتعة بفكرة السفر , نظرت السيدة نحوها و ابتسمت و قالت :
- نعم , إن والد ياكو لرجل أعمال مهم , و لكن لا تفرحي كثيرا , فالسفر يبدو جيدا في أول الأمر ثم يصبح عبئا علينا , إن الأمر أصبح سيئا الآن.
- لماذا ؟! أنا لو بمقدوري لقضيت كل وقتي على سطح طائرة عملاقة تلف بي العالم من شرقه إلى غربه و من شماله إلى جنوبه.
قالتها (ساكورا) و هي تتخيل هذا الوضع , ثم أغمضت عينيها و ضمت يديها إلى صدرها و قفزت من الفرحة و هي تصيح من السعادة .
نظرت إليها والدة (ياكو) , و ابتسمت , ثم قالت :
- هيا , ياكو اريهم غرفهم , و يا حبيبتي إذا أردتي أن تاتي لتساعديني قليلا فأنا انا أرحب بذلك , أنا كنت أتمنى أن يكون لدي فتاة إلى جانب هذا المشاغب.
- و يكون من حسن حظها ألا تكون قد جائت.
قالها (ياكو) و هو يضحك , نظرت إليه أمه بصرامة مفتعلة و قالت :
- لا تقل هذا على أختك التي من المفترض أنها كانت معنا الآن !
قالتها و ضحك الجميع , كان يبدو أن الأزمة قد تجاوزوها بنجاح , توجه (ياكو) إلى الطابق الثالث معهما , في حين دخلت السيدة معهما إلى الطابق الأول ثم تركتهم لتدخل إلى المطبخ , عندما دخلوا الطابق الثالث , وجدوا ثلاث غرف نوم و حمام عام إضافة إلى حمامين خاصيين في غرفتين للنوم فقط , هناك أيضا صالة إضافة إلى الأثاث الفاخر و الأجهزة الكهربائية من تكييف إلى كمبيوتر و تلفاز , نظرت (ساكورا) بانبهار ,و قالت و هي تهتف بسعادة :
- كم احلي ان يكون المرء غنيا .
قالتها و أخذت تجري كالطفلة عندما يقدم إليها هدية من الحلوى أو عروسة , أخذت تجري هنا و هناك و تبحث في هذه الغرفة وتلك و تقول :
- سأرى أي غرفة أفضل , و سأختارها , لن أدعك تحصل على الأفضل دائما رانمارو.
ضحك (رانمارو) و (ياكو) على ما تقوم به , و تركوها تفعل ما تريده ثم جلسا على أريكة بالردهة , قال (رانمارو) له :
- إن والدتك طيبة جدا !
- أفهمت ما كنت أعنيه بأنني لا أريد أن أسبب لهما المشاكل ؟ أنا فعلا أحبهما , أحبهما كأبي و أمي.
- حسنا و لكن الآن سنستريح و بعدها في الليل لابد و أن نجلس لنحدد كيفية الاستعداد , هذا ضروري , ألا ترى ذلك ؟!
- نعم , في المساء سوف نتحدث , و الآن دعني أذهب إلى والدتي
قالها و قام و ذهب باتجاه الباب , و هنا أوقفه (رانمارو) بسؤاله :
- لم تقل لنا ما اسم والدتك ياكو ؟
- اسمها فوميهو.
- حسنا .
قالها و ترك (ياكو) يغادر , صمت (رانمارو) و قام يفرغ حاجياته في دولاب غرفته التي اختارتها له (ساكورا) , و قالت له إنها أفضل من المتبقية حيث أنها أختارت أفضل غرفة , كان متعبا للدرجة التي عندما وضع جسده على الفراش بعد تغيير ملابسه نام على الفور.

*****************************


- إيكويا قد جاءت.

- ما الأخبار؟
- يبدو أنها لم تجد شيئا
- هل تصدقيها؟
- أنا لا أعلم , و لكن لم تكذب علي ؟
- أنا لا أعلم و لكن ألا يمكن أن تكون قد استيقظت مرة أخرى ؟
أحست السيدة الجالسة بالغرفة المضيئة باللون الأحمر الرومانسي بقشعريرة باردة أسفل رقبتها و قالت :
- لا يمكن أن يحدث هذا , فنحن بعد هذه السنوات ... كلا لا لأظن ذلك , و أتمنى ألا يحدث.
- نعم , أنا أيضا أتمنى ذلك و إلا لن يوقفها شيء الآن , فالذي كان يستطيع إيقافها قد مات.
- نعم , و الآن ما آخر الأنباء لديك؟ هل تمكنت من نيل عائلة الدب الأزرق العينين؟
- للأسف لا , لقد هربت ابنتها.
- ماذا؟!! كيف حدث هذا؟!! و أين كنت أنت في هذا الوقت؟!!
قالتها و قد وقفت من الغضب و ضربت المنضدة الموضوعة أمامها بقبضة يدها فدمرت الخشب المصنوعة منه المنضدة و دميت يدها , فأخذت تمتص ما يقع من يدها من دماء و هي تجلس على الأريكة و تابع المتحدث معها قائلا :
- لا تغضبي كثيرا , فابني الآن على رأس فريق من المتحريين ليجدوها , لن يمر طويلا من الوقت حتى يجدوها , و لكن اطمئني فعندما سنجدها سوف تقع في أيدينا قوة هذه العائلة , كما أن والدتها موافقة وترحب بشدة هذا الزواج , و هذا يعني استمرار الخطة كما هو مخطط لها.
- نعم و لكن هذا معتمد على إيجادك لتلك المشاغبة الصغيرة , لقد أخبرتك بالتأثير عليها بتعويذة تحكم.
- ولكن إذا كانت والدتها اكتشفت الأمر فلن نجد حلا سوى تدمير الخطة , لا , بل و إضافة عدو جديد قوي إلى قائمة أعدائنا , كلا هذا ليس بصحيح , لنترك الأمر كما هو عليه و ندع الأمر في يد فريق التحري الخاص بي , و لكن ألا يمكن أن تعيريني إيكويا قليلا ؟!
- كلا , أنا قلقة جدا من احتمال استيقاظها , فإذا كان هناك تصدع الآن بصورة قليلة في تعويذة الحجب فلا يجب أن ندعمه بصدمات أخرى إليها , يكفي أن مجرد استعمالها لقوتها يزيد من فرص استيقاظها مرة أخرى.
- حسنا , هل هناك أي شيء آخر؟
- كلا , انتهى البث.
قالتها و قالت :
- أوراهارا كاي !
و هنا انطفأ نور يدها اليسرى , و اختفت صورة الشخص الذي كان يجلس أمامها , جلست السيدة في تراخي على الأريكة و أغمضت عينيها , و أخذت تفكر في شيء واحد , متى سيأتي الوقت المناسب لقتل (إيكويا) ؟!!
يتبـــــــــــــــــع...........

اماريج 01-08-10 07:26 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصــــــل السادس عشـــــــر


رانمـــارو و الخـتـــم.


- شكرا سيدتي على الطعام , إنه كان لذيذا جدا.

- لا تشكرني بني , فلولا مساعدة ساكورا لي في المطبخ ما كنت استطعت إنجاز أي شيء من هذا على الإطلاق.
- لا تقولي هذا سيدتي , أنا لم أفعل سوى اتباع تعليماتك فقط.
قالتها (ساكورا) و هي تضع يدها خلف رأسها من الخجل قليلا .
- لقد ظننت أنك تستطيعي أن تطبخي بنفسك فقط.
قالها (ياكو) و هو يبتسم إغاظة في (ساكورا).
- ماذا تقول؟!!
قالتها (ساكورا) و عيناها تومض نارا بنظرات غاضبة , بدت مخيفة.
- لا لا أقصد أي شيء على الإطلاق.
قالها (ياكو) و هو يتراجع إلى الخلف و يشير بيديه الإثنتين إشارة نفي , و هو يغمض عينيه ويبتسم , نظرت نحوه (ساكورا) , ضحكت و ضحك الجميع , ثم اعتذرت السيدة (فوميهو) و غادرت المكان حتى تنام حيث أنها ليست معتادة على السهر , سلم عليها (رانمارو) , (ياكو) و وصلتها (ساكورا) حتى باب غرفتها , ثم نزلت إلى أسفل , حيث كان (ياكو) و (رانمارو) في وسط حديث ما عندما وصلت فسكتا , فنظرت إليهما نظرة شك و قالت :
- فيم كنتما تتحدثان؟!
- نظر (رانمارو) و (ياكو) إليها ثم قال (رانمارو) :
- يجب أن نتدرب من الآن ساكورا , و لكننا سنفعل ذلك في الطابق الثالث ,و ستقومين أنت بدور المراقبة , أتستطيعين ذلك؟
أحست (ساكورا) أن (رانمارو) يشير بكلامه هذا إلى ما قد حدث من قبل في قرية مصاصي الدماء , شعرت بحزن , و نظرت نحو الأرض و قالت :
- أنا سأفعل ما في استطاعتي هذه المرة حتى أحميكما.
نظر إليها (رانمارو) و أدرك بسرعة ما كانت قد فكرت فيه فقال بسرعة :
- ساكورا , أنا لا أقصد أي شيء متعلقا بقرية مصاصي الدماء تلك , فهم كانوا أقوى منك , أنا أقصد فقط إذا جائت السيدة فوميهو عليك فقط أن تختلقي لنا أي عذر لعدم وجودنا , هذا ما كنت أعنيه حقيقة.
رفعت (ساكورا) رأسها و قالت :
- أنا لم أفكر في هذا الرأي تجاه ما حدث من قبل , ولكني سأفعل ما بوسعي لأحميكما.
قالتها بنوع من الحيوية و النشاط , كانت تحس بنوع من السعادة , نوع من الاطمئنان , نوع من الفرحة تجاه تفكير (رانمارو) نحوها , تجاه تفكير حبيبها ناحيتها .
- هيا إذن حتى لا نضيع أي دقيقة ثمينة أخرى.
قالها (ياكو) و اتجه إلى الدرج , تبعه الباقيان إلى أعلى , و عندما وصلوا إلى الطابق العلوي , دخلوا إلى الردهة , أغلق (ياكو) النوافذ و أغلقت (ساكورا) الشرفة , ثم حرك (رانمارو) المنضدة الموجودة بالمنتصف إلى ركن حتى يوسع مكانا يكفي لتدريبهما معا , بعدها جلس كل من (ياكو) و (رانمارو) جنبا إلى جنب , اتخذوا الوضع الخاص بالتدريب , نظر (رانمارو) إلى (ساكورا) و أشار إليها بما يعني وداعا , فبادلته الإشارة بيدها , و هنا قال (ياكو) إليه :
- أأنت مستعد الآن؟!
- نعم هيا بنا .
نظر الإثنان إلى بعضهما , ثم ضرب (رانمارو) قبضة يده اليمنى المنقبضة في قبضة (ياكو) اليمنى المنقبضة , ثم جلس كل منهما في موضعه الخاص بالتدريب , و قال كل منهما في وقت متقارب جدا :
- كاي !
- أتمنى لكما التوفيق.
قالتها (ساكورا) و هما يبدآن في الإختفاء , ظلت تنظر إليهما حتى اختفيا , و جلست على الأريكة و هي تضع يدها اليسرى على صدرها في مكان قلبها و كأنها تمسكه بيدها و قالت في نفسها :
- أتمنى لك التوفيق حبيبي.
كانت عيناها تدمع , كانت دموع من سيفتقد حبيبه , ظلت جالسة هناك و هي تدمع و هي تمسك قلبها بيدها تحملق في المكان الذي كان فيه (رانمارو) منذ قليل , أما (رانمارو) فقد أغشى عينه الضوء الساطع و سمع قول (ساكورا) و هي تتمنى له التوفيق , و هنا اختفى كل شيء و وجد نفسه في نفس المكان المظلم , و هنا فتح عينيه و نظر حوله كان كل شيء كما كان في السابق , فهو يقف في مدخل الكهف , و المكان حوله مظلم أيضا , و لكن...

*****************

- أوجدت شيئا؟
- نعم سيدي فإن الكلاب التي معنا قد شمت شيئا غريبا و لكنه فجأة اختفى.
- اللعنة !
قالها الشخص وضرب الأرض بقدمه فضرب حجر فتدحرج إلى الأمام بقوة من قوة ضربة الشخص الغاضب ..
- حسنا هيا نكمل بحثنا في مكان آخر.
تحرك الجميع بسرعة شديدة إلى الأمام , استمر الحجر في التحرك أيضا , خفضت سرعته كثيرا حتى وصل إلى منحدر صغير , وصل إلى حافته ببطء و وقف عندها , يبدو أنه سيقف هناك , كلا , جاءت لفحة هواء خفيفة ضربته فسقط من على المنحدر بقفزات تزداد اتساعا كل مرة حتى قفز مرة واحدة قفزة جعلته يصل إلى الأرض , تدحرج عليها بسرعة شديدة , حتي ...
- ها؟ من هناك؟!!
قالتها الفتاة المختفية تحت كهف مصنوع بجزع شجرة , و يقع أسفل هذا المنحدر , نظرت (هارونا) إلى الأرض فوجدت هذا الحجر , التقطته و نظرت إليه , ثم ابتسمت , ووضعته جانبها نحو قطة بنية اللون وهي مطمئنة النفس , هادئة البال , فانتهت رحلة الحجر من قدم (هيكاشي) إلى كونه لعبة بين مخالب القطة الجميلة تلك.

*********************

- ماذا تفعل هنا؟!!!
صرخ كل منهما في الآخر , فهناك عند الكهف كان يقف (رانمارو) و (ياكو) معا , كان الأمر غريبا , فلكل منهما وحشه الخاص
- هل سنتدرب معا ؟!!
قالها (رانمارو) , فنظر إليه (ياكو) و سكت لثانية , قال بعدها :
- حسنا دعنا ندخل لنرى من بالداخل وحشي أم وحشك.
- حسنا هيا بنا.
دخل الإثنان معا إلى داخل الكهف , فوجدا منظرا غريبا , وجدا الوحشان موجودان , لكن (رانمارو) أحس أن الكهف كبير عن المرة السابقة , و لكنه ليس بمقدار الضعف بل أقل من ذلك , من الممكن أن يكون بمقدار النصف , نظر (رانمارو) إلى وحش (ياكو) فأدرك ما كان يعنيه بأن الوحش لا يدربه بصورة طبيعية , حيث كان هناك نسر عملاق أصفر اللون مع منقار و ذيل ثلجي أبيض و خطوط بيضاء ثلجية رفيعة تمتد عبر جسده كله لتصل بين الذيل و المنقار , كان المنظر بديعا سوى من شيء واحد , كان الوحش صغيرا جدا جدا , كان حجمه عشر أمثال حجم (ياكو) فقط , هذا لا شيء مقارنه بوحش (رانمارو) , أما (ياكو) فنظر إلى وحش (رانمارو) , كان مندهشا إلى الدرجة التي قال فيها بدون أن يدرك :
- ما هذا ؟!!
- هذا وحش عائلتي , التنين المجنح الناري !
نظر (ياكو) إلى وحش (رانمارو) ثم إلى وحشه ثم نظر نحو الأرض في حزن , تعاطف (رانمارو) تجاهه , فأراد قول شيء و لكن منعه تكلم وحش (ياكو) بقوله :
- أرى أنك قد اكتسبت صديق أخيرا تتدرب معه ياكو.
رفع (ياكو) رأسه ناظرا إليه في حزن , و نظر إليه (رانمارو) , ثم تابع الوحش كلامه :
- من الذي تتدرب معه يا ترى؟!
قالها و تحرك لينظر تجاه وحش (رانمارو) , و عندما رآه , بدت الدهشة على وجه الوحش عند رؤيته للتنين المجنح الناري , ثم قال :
- التنين المجنح الناري العظيم , وحش عائله اليوشيهارو العظيمة , أنا في غاية الفخر لمقابلتك.
نظر إليه وحش (رانمارو) , ثم نظر حول الوحش كأنه يبحث عن شيء ما ثم قال :
- أهلا بالنسر الذهبي الثلجي العظيم , أنت لا تقل عني عظمة , فأنت تعد من أقوى الوحوش الطائرة بقدرتك الثلجية العظيمة , و لكنني أرى أن هناك من ختم قوتك , من فعل هذا يا ترى؟!
- لا أدري إلى الآن , كما أنني لا أملك من القوة ما يكفي للبحث عن الختم و إزالته بنفسي.
- ها هو ذا !
قالها الوحش و هو يشير بجناحه إلى مكان ما بجانب وحش (ياكو) , عندما أشار إليه نظر النسر الذهبي الثلجي و قال :
- أنا للأسف لا أستطيع رؤيته و بالتالي لا أستطيع إزالته , يبدو أنني سأنتظر أن يقوى ياكو حتى يستطيع إزالته .
قالها و نظر تجاه (ياكو) الذي نظر إلى الأرض , أحس (رانمارو) أن (ياكو) يشعر أن الوحش يحمله مسئولية ذلك.
- لا تقل هذا أيها النسر العظيم , فياكو هذا لا يملك شيئا من دون مساعدتك و أنت تعلم هذا جيدا.
نظر النسر إليه ثم قال :
- أنا أتفق معك و لكن لابد و أن يقوى هو لأنني وفي هذه الحالة لا أستطيع أن أساعده.
- رانمارو !
قالها التنين , فالتفت (رانمارو) إليه , فتابع :
- هل ياكو هذا صديقك و تريد مساعدته ؟
- نعم سيدي , فهو ليس مجرد حليف من قريتي القديمة فحسب , ليس مجرد صديق , إنه , إنه...
قالها و التفت ينظر تجاه (ياكو) و تابع :
- إنه أخي الآن.
قالها و ابتسم , ابتسم من السرور لأنه يقول هذه الكلمة لأول مرة في حياته , نظر إليه (ياكو) , اتسعت عيناه من الدهشة , و قال :
- را ..نما...رو!!!
- نعم , أنت أخ لي ياكو , أنا لم يكن لي أبدا أصدقاء أو أي أخوة على الإطلاق , أنت أخي من الآن , هل تعارض؟!
قالها و (ياكو) لازال في دهشته , ثم تغلب عليها بعد لحظات , و نظر نحو الأرض و عيناه تمتلئ بالدموع , و قال :
- حـ..حـ..حـسنا , نـ..نـ..نـحن الآن ...إخوة.
قالها و التفت ناظرا إلى (رانمارو) , واحتضنه , احتضنه بقوة , و كأنهما فعلا إخوة افترقوا منذ زمن و قد تقابلوا الآن فقط , نظر (رانمارو) إليه , و قال :
- حسنا إذا أخي , دعني أذهب لأرى ماذا يريد مني سيدي أن أفعله لأجلك , هيا لا تكن حزينا هكذا فيجب أن تكون سعيدا و ألا تبكي .
قالها و أبعد أخاه عنه , فأمسك الآخر فيه بقوة أكثر , و قال بين دموعه و هو يصرخ :
- أيها الأبله ...إنها دموع الفرحة !!
ظلا هكذا للحظات ثم استطاع (ياكو) أن يكتم دموعه , ابتعد عن (رانمارو) و قال له :
- حسنا يا أخي , اذهب لترى ماذا يريد منك وحشك الآن .
نظر تجاهه (رانمارو) و هو يبتسم , ثم استدار إلى وحشه و قال له و هي يحني ظهره له :
- نعم يا سيدي , إن ياكو أخي و أنا مستعد لفعل أي شيء له.
- حسنا رانمارو , انظر , أنت بالطبع مختلف تماما عن المرة السابقة , فقد استطعت التغلب على الألم و تكيفت على طاقتك الروحية , بل و استطعت استخدامها بصورة صحيحة و قوية أذهلتني شخصيا , كان ظني فيك صحيحا , فأنت ستكون أقوى من امتلك وحشا من قبل , و الآن أريد منك أن تقوم بإزاله الختم من على النسر الذهبي الثلجي , أتوافق على ذلك؟
نظر (ياكو) و وحشه تجاه (رانمارو) الذي قال بدون تردد :
- قل لي ما تريدني أن أفعله , و سأقوم به.
- ولكن هذا من الممكن أن يكون فيه خطورة على حياتك , فهذا الختم قوي جدا.
- أنا مستعد لفعل أي شيء.
نظر الوحش إليه ثم قال مرة أخرى :
- أنا أكررها لك مرة ثانية , إن في ذلك خطر على حياتك , هل أنت مستعد لذلك ؟!
نظر (ياكو) إلي (رانمارو) ثم قال :
- رانمارو لا تقم بأي شيء أحمق , أنا سأتــ...
- لا تقل شيئا أحمقا ياكو !
قالها و التفت بوجهه إلى (ياكو) , نظر إليه نظرة صارمة وتابع :
- إنني سأفعل ذلك من أجلك و سأفعلها فلا تخف.
نظر إليه (ياكو) مندهشا من نظرة الصرامة السابقة , ثم أدرك مغزى كلامه في ثانية و في الأخرى قال سريعا صائحا :
- أيها المتهور , أنا لا أخاف على وحشي إنما عليك إنـ...
- اصمت !
قالها (رانمارو) , سكت (ياكو) , لم يكن هذا هو الفتى الأصغر منه , كانت نبرته قوية , قوية إلى الدرجة التي ظن (ياكو) أن (رانمارو) شخصا يكبره بسنوات عديدة , كانت هذه هي نبرة العظيم (رانمارو) , صمت ياكو , ليس من الموافقة و لكن من الدهشة , استغل (رانمارو) سكوته و قال لوحشه :
- حسنا سيدي , إنني مستعد , كيف أزيل هذا الختم ؟!
- حسنا رانمارو , هذا الختم مبنية فكرته على أنه يقوم بتقليص قوة الوحش إلى أقل ما يمكن و ذلك بامتصاص قوته و تبخيرها إلى الخارج في صورة حرارة اشعاعية و بالتالي لا يستفيد منه المتدرب على الإطلاق.
سكت (رانمارو) و هو يفكر فيما قاله وحشه , فقال و هو يفكر واضعا يده اليسرى على صدره و يستند باليمنى عليها و يمسك ذقنه بأصبعي يده الإبهام والسبابة :
- إذا كانت هذه فكرة العمل , فعلى الوحش أن يقوم بزيادة طاقته إلى أقصاها , إلى الحد الذي يتخطى قدرة هذا الختم و بالتالي سيتدمر.
-كلا , لا ينفع ذلك رانمارو , و ذلك لأن التعويذة معها تعويذة إضعاف قوة , فمهما حاول الوحش فإن الطاقة الممتصة منه لن تتبخر , بل سيتم استخدامها كطاقة روحية خارجية تضغط عليه , و بالتالي فما سيقوم بزيادته من طاقة ستضيع في مواجهه طاقته الممتصة و بالتالي لن يستطيع أن يقوم بذلك.
- أها , ثم ما العمل اذن؟!
- إذا لم نستطع تدميرها من الداخل فلندمرها من الخارج.
قالها الوحش و هو يبتسم (لرانمارو) , كان لا يريد أن يقول له على الطريقة بطريقة مباشرة , فقد شعر بمدى ذكاءه , و أراد أن يطوره , فأراده أن يدرك بنفسه الفكرة.
- هذا يعني أننا يجب أن ندمر التعويذة , ولكن بماذا ؟! بتعويذة مضادة؟!
- كلا , انظر رانمارو , ماذا سيحدث إذا استخدمت الطاقة الخارجة من الوحش في مواجهة طاقه روحية خارجية ب\لا من طاقته الداخلية ؟!
نظر (رانمارو) إلى سيده , ثم صمت و أغمض عينيه , كان يفكر في كل الاحتمالات , بعد دقيقة تقريبا من التفكير و الكل صامت ينظر نحوه , فتح (رانمارو) عينيه و قال لوحشه :
- إذا اُستخدمت طاقة الوحش الممتصة منه في مواجهة طاقة خارجية , فإن الوحش عندما يزيد من قوته مرة واحدة فإن التعويذة الأخرى المثبطة لقوة الوحش سوف تعمل و توجه طاقة كل الوحش الممتصة نحوه , هنا سوف تتغلب القوة الخارجية على الختم و تفجره كما تنفجر فقاعة الصابون عندما يتم الضغط عليها بالإصبع , أليس كذلك ؟!
ابتسم وحش اليوشيهارو , ابتسم ابتسامة سعادة, ابتسم ابتسامة فخر , و قال :
- حسنا , إنني فخور بك بني , نعم أنت فعلا عبقري عائلة اليوشيهارو بلا أي جدال .
- ولكن أين الخطر على حياتي إذن ؟! أهي كيفية زيادة طاقتي الروحية ؟!
- كلا , إن الخطر يكمن فيما يحدث بعد إزالة الختم , لا تنس أن الوحش قد زاد قوته مئات المرات حتى يتغلب على التعويذة , ماذا سيحدث عندما تتعرض أنت ,و أنت منهك , إلى قوة جبارة مثل تلك ؟!
قالها الوحش و سكت , نظر (رانمارو) إليه , ثم نظر إلى الأرض , التفت إلى (ياكو) , أغمض عينيه , و كأنه قد صمم على شيء حتى قبل أن تتحرك شفتي (ياكو) ليقل شيئا , فأسكته (رانمارو) بقوله :
- هيا أنا مستعد.
نظر الوحش إليه و سكت , ثم قال :
- حسنا رانمارو , أريدك أن تذهب أمام وحش ياكو هناك و تستجمع كل ما تستطيع أن تجمعه من مشاعر قوية و أحاسيس حتى تكون قوتك الروحية كبيرة .
نظر (رانمارو) إلى وحش (ياكو) ثم قال :
- إن المسافة بعيدة فكيف ...
لم يكمل كلامه , حيث وجد نفسه فجأة أمام وحش (ياكو) , نظر (رانمارو) إليه بدهشة شديدة
- كيف جئت إلى هنا ؟!!
هذا ما قاله رغما عنه و هو مندهشا جدا .
- هاهاهاهاها!!!
ضحك الوحشان في وقت واحد , كان يبدو أنه شيء يعرفانه , قال وحش (ياكو) إلى (رانمارو) :
-هذا ما يسمى بالقفزة الفلاشية , نحن الوحوش نستمتع بأول رد فعل لأي متدرب يتعلمها , إنه لرد فعل ممتع حقا.
قالها و استكمل ضحكاته مع وحش (رانمارو) , نظر إليهما (رانمارو) حتى انتهيا من ضحكاتهما , فقال :
- هل أنت مستعد أيها النسر الذهبي الثلجي؟
- نعم هيا .
نظر (رانمارو) نحو وحشه فأومأ إليه بأن يبدأ , أغمض عينيه , هدأ نفسه , أزال كل ما بعقله من أفكار حتى صار عقله كالصحراء القاحلة , لا يوجد فيها أي شيء سوى شيء واحد , فكرة واحدة , تصميم واحد , إنقاذ وحش (ياكو) من الختم , كانت هذه هي الفكرة الوحيدة المتبقية العالقة بذهنه , تخيل صورة (ياكو) , فاشتعل قلبه بشعور قوي , هنا صرخ (رانمارو) و هو يفتح عينيه و يقبض على قبضة يديه الإثنتين قائلا :
- آآآآآآآآآآآآآآآآه !!
كان يستجمع قواه بكل ما يملك من قوة , اتجهت طاقة وحشه إليه , أحس (رانمارو) بالشعور الغريب بطاقة الوحش و هي تدخل داخله , ثم تندمج مع قوته في قلبه فتصير قوة واحدة و هي طاقته الروحية , أحس بطاقة هائلة في جميع أنحاء جسده , أخذ يستجمع قوته أكثر فأكثر , و يصرخ بصوت أعلي فأعلى , لم يحتوِ تفكيره سوى على صورة واحدة و هي صورة (ياكو) فقط , أخذت قوته تزداد و هو يشعر بها , و في المقابل كان وحشه يزيد له قوته كلما زادت طاقته , و بهذا كانت قوته في ازدياد واضح , و لكن ...
- لا يكفي رانمارو, زد من قوتك أكثر .
قالها الوحش إلى (رانمارو) , كان (رانمارو) يشعر بقوته فعلا و لكنه شعر أنه قد وصل إلى آخر مداها فعلا , و هنا تملكه يأس فجأة , و هبطت قوته مرة واحدة بسرعة , أحس بالخوف , خوفه من أنه لا يستطيع حماية (ياكو) كما لم يستطع حماية ...(ساكورا) !!
فجأه اندفعت صورة (ساكورا) إلى عقله , أحس (رانمارو) أنه لا يوجد في الكهف الآن , كان يقف في مكان مظلم تماما , و كأنه الفراغ أو الهلاك , فجأة ظهرت صورة (ياكو) و هو يقول له :
((- أنت الذي خذلتني و ضيعت قوتي و لم تنقذني , أنت لا تستحق أن تكون أخي منذ الآن.))
أشار (رانمارو) إليه بيده و حاول النهوض و لكنه وجد نفسه مقيدا بأحبال قوية إلى الأرض المظلمة في حين ابتعد (ياكو) بعيدا حتى أخذت صورته تبهت حتى اختفت وسط صرخات (رانمارو) المتلاحقة ..
((- لا تصرخ أيها الطفل الصغير فهذا ليس غريبا عليك , لقد أضعتني مرة من قبل و ليس بغريب أن تضيع أخاك أيضا هذه المرة.))
نظر (رانمارو) نحوها , كانت (ساكورا) تقف بجانبه ناظرة إليه نظرة كاد قلبه أن يقف من تأثيرها وقسوتها , كانت نظرة احتقار ممزوجة بكراهية و حزن , ابتعدت (ساكورا) هي الأخرى تتبع طريق (ياكو) , أخذت الصورة تبهت حتى اختفت وسط ذهول و صمت (رانمارو) , أحس أنه حشرة , كلا ليس بذلك إنه أقل من أن يُذكر على الإطلاق , إنه قد أضاع أحب اثنين إلى قلبه , إنه لم يستطع أن يحمي أحب اثنين إلى قلبه , إنه ...إنه ...
- كلااااااااااااااااااااااا !!!
فجأة صرخ , أحس بأن هناك بركانا يغلي في قلبه , وجد نفسه مرة ثانية في الكهف , أخذت صورة (ساكورا) بنظرتها المميتة عالقة في ذهنه , كانت تبدو و كأنها وقودا يزيد اشتعال قلبه أكثر و أكثر , التفت (رانمارو) لينظر إلى (ياكو) , كان (رانمارو) عندها يبدو و كأنه يشتعل فعلا إلى (ياكو) , كان كل جسمه يخرج منه ليس بطاقة روحية عادية و لكن نار حقيقية , قال (رانمارو) وسط ذهول (ياكو) :
-لقد قلتها مرة و لن أكررها ...أنا سوف أنقذك يا أخي !!
قالها و التفت تجاه وحش (ياكو) و صرخ بأعلي صوته:
- الآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآن !!!
كان (رانمارو) يزيد من طاقته الداخلية بصورة هائلة , صورة وصلت حدا أنها خرجت من تلقاء نفسها إلى الخارج , اتخذت شكلا لولبيا حول (رانمارو) , أخذت تحيط به على هيئة دوائر حلزونية حمراء اللون , كانت تقطع في صخور الأرض إذا ارتطمت بأحداها , تطاير شعر (رانمارو) من قوة الطاقة , تقطعت ملابسه من شدتها , دمي جسمه كله من تأثيرها عليه , لكن لم يؤثر ذلك فيه , لم يكن يفكر في نفسه الآن , كل تفكيره , كل إصراره , كل ما يفعله كان لسبب واحد فقط , ألا ير تلك النظرة على وجه (ساكورا) على الإطلاق مرة أخرى.
- مـ..مـ..مـا هذا؟!!!
قالها (ياكو) و قد سقط على الأرض من شدة الصدمة من قوة (رانمارو) , نظر إليه بدهشة و خوف شديدين , لم يكن يعلم أنه بمثل هذه القوة.
- استعد أيها الوحش , الآن سأخرج طاقتي.
صرخ (رانمارو) في وحش (ياكو) , فقال له :
- أنا مستعد أخرجها وقتما تشاء.
هنا أغمض (رانمارو) عينيه , وجد نفسه في المكان الأسود ذاته , و (ساكورا) تقول له بنفس الوجه :
((- أنت قد أضعتني مرة و ليـ...
- لا تقولي ذلك , سأنقذ ياكو و أنقذك انتظريني.))
قالها (رانمارو) و هو يصرخ و اندفع من مكانه , تقطعت كل الحبال التي تربطه , كان في طريقه إلى (ساكورا) , عندما وجد نفسه مرة أخرى في الكهف , فتح عينيه , و أخرج طاقته بكل قوته , خرجت الطاقة بانفجار شديد , بعد الانفجار و انكشاف الغبار وجد (ياكو) أن الأرض التي كان يقف عليها (رانمارو) قد هبطت إلى أسفل , كأن قبضة هائلة قد ضربت المكان الذي كان يقف عليه , كان الإنخفاض على شكل دائرة , بها خطوط حلزونية دائرية , كان (رانمارو) يقف في وسطها و جسمه يدمي بصورة أقوى مما سبق , و ملابسه تطير , كانت هناك رياح شديدة تخرج من (رانمارو) , فجأة أغمض (رانمارو) عينيه , فتلون الهواء بلون أحمر قاتم , كان يركز كل شيء على الوحش , ظهر فجأة حاجز كان خفيا بين (رانمارو) و الوحش , كان الحاجز على هيئة دائرة كبيرة تحيط بالوحش من جميع الجهات , واصل (رانمارو) الضغط عليها ...
- هيا زد من قوتك الآن !
قالها وحش (رانمارو) , فرفع وحش (ياكو) قوته , ظهرت طاقة لونها أبيض محمر خفيف داخل الحاجز , فصار الحاجز كالفقاعة فعلا , ظل (رانمارو) يقوي من قوته و لا يتردد في عقله سوى صوت (ساكورا) و هي تقول له :
((- هذا ليس بالغريب , فلقد أضعتني مرة من قبل , فليس بالغريب أن تضيع أخاك أيضا.))
كانت هذه الكلمات مع نظرتها الساخطة عليه كفيلة بدفعه إلى الجنون , كان لا يعرف لماذا و لكن تذكره فقط لهذه الكلمات و هذا التعبير كان يزيد من غضبه من نفسه و رغبته في أن يصبح قويا , و تزيد من قوته الداخلية بصورة كبيرة , قطع أفكاره صوت وحشه و هو يقول:
- يبدو أننا سننجح رانمارو.
ظهر شرخ كبير في منتصف الفقاعة , تبعه شروخ عديدة أخرى , إما من الشرخ الأول أو منفصلة , ظهر صوت عالي يشبه صوت تصدع البيضة عندما يخرج منها الجنين , فجأة حدث انفجار كبير دل على تدمير الفقاعة و ميلاد الوحش الذي بداخلها من جديد , اندفعت طاقة الوحش مرة واحدة ناحية (رانمارو) الذي كان في مكانه بقوته الروحية .
- راااااااااااااااانماااااااااااااروووووووووو!!!
صرخ (ياكو) و جرى نحوه , أما (رانمارو) شعر أنه ليس في الكهف مرة أخرى , وجد نفسه في المكان المظلم , وجد نفسه في منتصف قفزته السابقة , فأكملها حتى وصل إلى أرض على ما يبدو وسط الظلام و جرى ناحية (ساكورا) , أمسك يدها قبل أن تختفي كما اختفت من قبل , نظرت إليه و صورتها قد أصبحت أكثر وضوحا الآن , وعيناها تدمع :
((- أخيرا أنقذتنا رانمارو.!!))
قالتها و ارتمت في حضنه , ارتمى (ياكو) الذي جاء من الظلام و احتضنه , أحس (رانمارو) أخيرا بالسعادة الروحية , أحس أنه قد أتم مهمته على خير وجه.

يتبــــــــــــــــــع.............

اماريج 01-08-10 07:27 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصــــل السابع عشـــــر


المكافــــــأة


-هه؟ ماذا , ماذا حدث؟!!

قالتها (ساكورا) و هي تضع راحه يدها اليسرى على فمها المفتوح من الدهشة و الألم , فهناك , و أمامها مباشرة رجع (ياكو) يحمل (رانمارو) فاقدا للوعي و يدمي من جميع أجزاء جسمه , أحست (ساكورا) أن هناك من يمسك بقلبها و يعتصره , لم تشعر بمثل هذا الشعور المؤلم من قبل , أفاقت من لوعتها بصرختها :
-راااااااانماااااااارووووووووو !!!
-تمالكي نفسك , هيا ساعديني على وضعه بالفراش , نعم هيا ,حاذري من هذه اليد حيث أن بها جرح عميق , نعم هيا .......اقتربنا ....نعم هكذا ...ضعيييييييييه الآن ...هه .....أوه , إنه كان شيئا متعبا.
-ماذا حدث؟!!
-لا وقت الآن للشرح , هيا اذهبي الآن و احضري أدوات التمريض من الصيدلية , ستجدينها في الحمام وراء الباب , هيا.
جريت (ساكورا) نحو الحمام بسرعة شديدة , و في ثانيتين كانت قد جلبت كل ما في الصيدلية من أشياء.
-احضري هذا الشاش , هيا ساعديني لأغير ملابسه , و ابحثي له عن ملابس أخرى في دولابه , هيا.
ذهبت (ساكورا) مهرولة إلى حجرته و أخرجت ملابس له موجودة بداخله , عادت بسرعة إلى (ياكو) , فقال لها بعدما انتهى من إزالة أجزاء الملابس الموجودة داخل جراحه:
-هيا ساعديني بهذا المطهر و صبيه في هذا الإناء , و ضعي القطن به حتى نطهر جروحه هيا.
-ماذا حدث هناك؟!!
قالتها و هي واقفة متسمرة في مكانها ممسكة بالترينج بيدها اليمنى , كانت هناك في جسم (رانمارو) ليست بجروح بسيطه , بل جروح غائرة , كانت تتخذ أشكالا طولية بطول صدره كله , أو دوائر على فخذه و رجله , كانت جروحا غائرة جدا , كما و كأنها صنعت بسكين حاد جدا و نصلها عريض بمقدار النصف سنتيمتر , نظر إليها (ياكو) بعطف , ثم قال و هو يلتفت إلى (رانمارو) ليعدل من وضع جسده ليتمكن من تطهير جسده جيدا :
-حسنا , لا أستطيع أن أشرح لك بالتفصيل لأنه شيء أنا لا أفهمه أنا أيضا , و لكن (رانمارو) فعل هذا بنفسه , طاقته الروحية هي التي فعلت ذلك.
-ولكن....لا ليس كذلك , أنا اعرف طاقته جيدا ....مستحيـ....
-كفى الآن , ستفهمين كل شيء بعدما ننتهي من تضميد جراحه , هيا الآن ساعديني.
صرخ فيها (ياكو) بشدة قاطعا كلامها , تراجعت إلى الوراء من تأثير كلامه , كانت كلماته كيد صفعتها على وجهها فأفاقتها مما كانت فيه , رمت الترينج على المنضدة الموجودة بالركن و أخذت تساعد (ياكو) في تضميد الجراح.

*********************


-هل رجعت ؟؟

-نعم رجعت , ألا ترين ذلك؟؟
-هل وجدته؟؟؟
-كلا , يبدو أنه تعرض لهجوم قبل أن اجده.
-ماذا سنفعل الآن؟ إذا نشط قواه فإنها ...
لمست السيده الواقفة شفتاها السفلى بأطراف أصابع يدها اليمنى و توقفت عن الكلام و جسمها كله يهتز من الخوف , نظر إليها الرجل و قال :
-لا تخافي , حتى و إن تمكن من ذلك , فسيقتل على الأرجح قبل أن يصل إلينا.
-ولكن....
-قلت لا تخافي , أنا سأتولي أمره حتى و إن وصل إلى هنا.
-أنسيت؟ أنا و أنت لا نقدر عليه , لابد و أن ذلك اللعين (جنتو) قد وصل إليه , لابد من قتل هذا الوغد قبل أن يوقظ الوحش داخله.
-حسنا , أنا أعلم جيدا ذلك , و لكن إن كان (جنتو) فالأمر قد انتهى و كنا سنراه واقفا الآن و معه (رانمارو) على الباب بانتظارنا ليقتلنا.
-ماذا ترى إذا؟
-حسنا , أنا لا أملك أي أدلة و لكني أحس أن شخص ما قد توصل إليه غيرنا.
-من؟ كارا؟ باكوهتسو؟ لا أظن ذلك , و إلا كنا عرفنا.
-علي العموم لا نستطيع أن نفعل أي شيء الآن سوى الانتظار , الانتظار حتى يظهر شيء جديد!
-حسنا , فلننتظر و لكن فلنستعد لأي شيء , فأي شيء قد يحدث.
-أوافقك الرأي .
-حسنا إذا فلنر ماذا يخبئ لنا القدر مرة أخرى.

**********************


-حسنا هذا جيد.

قالها (ياكو( بعد أن استطاع و بصعوبة بالغة هو و (ساكورا) تضميد جروح (رانمارو) الغائرة , قام هو بتغيير ملابسه بعد خروج (ساكورا) ,بعدها عادت إلى داخل الغرفة , سقط كل منهما على مقعد بالردهة منهكا , نظرت (ساكورا) إليه و قالت:
-حسنا أريد منك تفسيرا لما حدث .
-حسنا إذن , الأمر حدث بأن وصلنا أنا و (رانمارو) إلى مكان واحد حيث.......
وأكمل (ياكو) الحديث , و عند كل نقطة يتحدث فيها كانت (ساكورا) تنظر إليه بدهشة أكبر , و بصفة خاصة عندما وصل إلى المرحلة التي أخرج فيها (رانمارو) كل قواه ,
-رأيته يشتعل , نعم , كان نارا حقيقة تخرج منه , لم أصدق عيني, بعدها ......
و أكمل و (ساكورا) واضعة يدها على فمها من الدهشة الشديدة , بعد أن أنهى كلامه , سكتت قليلا و هي تنظر إليه , ثم نظرت إلى (رانمارو) , وقفت و اتجهت إليه , جلست على الأرض بجانب السرير , وضعت رأسها على ساعد يدها اليمنى و أخذت تبكي , بكت بشدة , نظر إليها (ياكو) و لم يستطع فعل أي شيء , كان يعلم أنها تدمي من داخلها , نظر إليها قليلا ثم قال :
-أنا أعلم لماذا أنتي بهذه الحرقة.
-كلا أنت لا تعلم.
قالتها باندفاع شديد , نظر إليها بدون أي تعبير على وجهه , قالت بسرعة :
-أنا آسفة , أنا لم أكن أعني هذا حقا.
-أنا أعلم هذا , كما أعلم ما بداخلك , و أعلم السبب أيضا.
-ماسببه ؟ إني أخاف عليه فقط لأنه .... لأنه ...
-لأنكي.....
-أين أنا؟! ماذا حدث؟!!
قالها فجأة (رانمارو) , كان يبدو أنه استرد وعيه الآن , نسيت (ساكورا) حديثها مع (ياكو) , وارتمت في أحضان (رانمارو) و هي تبكي بحرقة , فتأوه (رانمارو) من جروح جسده التي اصطدمت بجسم (ساكورا) , فقال لها (ياكو) :
-امهليه قليلا حتى يسترد عافيته , هذا ليس جيدا (ساكورا) , ابتعدي قليلا .
قالها و اتجه إليها و أمسكها و جذبها بعيدا عن (رانمارو) , فجلست على الكرسي المجاور للفراش , جلست و هي تبكي , نظر (ياكو) إليها ثم اتجه إلى (رانمارو) و قال له :
-هل أنت بخير؟
نظر إليه (رانمارو) , ثم قال له:
-نعم , و لكن ماذا حدث, أنا آخر شيء أتذكره هو تفجير الفقاعة و تحرير وحشك.
-حسنا , عندما حدث ذلك اندفعت أنا لألتقطك , و لكن وحشك قفز في لحظة و أمسك بك و أحاطك بجسمه و حماك من قوة وحشي , ثم وضعك بجانبي و طلب مني أن أخرج من الكهف بسرعة و أذهب بك إلى الخارج لأسعفك و بسرعة , ثم ها أنت هنا.
تأمله (رانمارو) للحظات ثم أغلق عينيه و قال له :
-حسنا , وكيف حال وحشك؟
-إنه جيد , لقد كبر بشكل رهيب , لقد أصبح يقارب وحشك في القوة , شكرا لك يا أخي.
-أخاك ؟!!
قالتها (ساكورا) بغرابة و هي تنظر إليهما , فنظر إليها (ياكو) و قال و هو يبتسم و مغمض عينيه :
-نعم , لقد نسيت أن أذكر لك ذلك , ف(رانمارو) اعترف لي بأنه يعتبرني أخا له , و أنه سيفعل أي شيء لحمايتي , و لهذا قبل المهمة و تحمل ما تحمل من أجلي ...
ثم نظر إلى (رانمارو) مرة أخرى , و تابع :
-و لهذا فإني أحمل له مكافأة , مكافأة أوصاني بها وحشي عندما هممت أن أخرج بك , و إنها لمفاجأة سارة .
تأمله (رانمارو) و (ساكورا) ثم قال له (رانمارو):
-أنا عندما فعلت ذلك لم أكن أنتظر مكافأة منك أو من وحشك.
-نعم , أنا أعلم ذلك , و لكن تلك هي القاعدة في عالم هؤلاء الوحوش , لابد من تقديم مكافأة توازي مقدار الخدمة التي قدمها الشخص للوحش.
-وما هذه المكافأة يا تري؟!
قالتها (ساكورا) ل(ياكو) الذي قال و هو ينظر إلى (رانمارو) مثبتا نظره عليه دون أي حراك:
-مكافأتك هي ....أنك تشاركني وحشي!!!
-ماذا؟!!!
قالها (رانمارو) و (ساكورا) في وقت واحد و بدهشة شديدة , ثم قال له (رانمارو) :
-هذا لا يمكن , أنت عائلتك نبيلة , و لا أريد أن أجعلها غير ذلك.
-ياكو : هذا ليس بيدك (رانمارو) , فهذا هو قانون الوحوش , يجب عليك أن تحصل على مكافأة توازي ما قدمته من خدمة إلى الوحش , و أنت قدمت خدمة تستحق عليها هذه المكافأة فعلا , و هذا شيء لا تستطيع أن تعارضه (رانمارو).
-حدق به رانمارو قائلا : ولكن..!!
-فرد ياكو : لا تعارض , فالأمر قد تم , فلقد قام وحشي بالتعويذة الخاصة بنقل القوى إليك , و الآن أنت لديك وحشان.
هنا كانت المفاجأة , لم يتوقع (رانمارو) أن الأمر سيتم على هذه السرعة , و لكن لماذا , فعلا ما قام به يعد شيئا كبيرا تجاه وحش (ياكو) , أم أن هناك شيء خفي لا يعلمه , إن الوحوش لغامضة في معظم الأحيان , و لكن لماذا يدمر وحش عائلته ويزيلها من قائمة العائلات النبيلة؟ ثم لماذا وافق وحشه على هذا ؟
كانت كل هذه الخواطر تدور في رأس (رانمارو) بسرعة شديدة , فأحس بصداع و بدوار , فأمسك رأسه بيده و قال ل(ياكو) منهيا الجدال :
-حسنا (ياكو) , فإذا كان الأمر قد تم فلا أملك سوى أن أوافق على ذلك , و لكني متعب جدا و أريد النوم , و لكن يجب علينا أن نفكر في حجة لما حدث لي أمام والدتك , أليس كذلك؟!!
هنا اتسعت عينا (ياكو) من الاضطراب , لقد نسى تماما أمه و ما ستقوله إذا شاهدت (رانمارو) في حالته تلك , نظر إلى (رانمارو) ثم إلى (ساكورا) التي قالت :
-هذا شيء سهل , أنا ساقول لها إن (رانمارو) و (ياك)و يلعبان في أعلى و أنا سأقوم بمساعدتها , و أنت يا (ياكو) تنزل من حين لآخر و تقول إن (رانمارو) قوي جدا في لعبة الشطرنج , و لكنه يتعب بسرعة فهو يستريح الآن من جراء مجهوده العقلي , و هكذا حتى ينقضي اليوم بسلام و يقدر (رانمارو) على الوقوف و الحركة بنفسه حتى يتحرك أمامها و ذلك لأن جروحه كما ترى ليست موجودة بالوجه أو بمناطق مكشوفة بل مغطاة كلها , هذا ما أراه.
-إنها لخطة رائعة!
قالها (ياكو) و هو ينظر إلى (رانمارو) , فأغلق الأخير عينه و قال لهما :
-حسنا إذن , أنا سأنام الآن و أتمنى أن يمر غد على خير .
-حسنا سأقوم أنا و (ساكورا) بتنظيف المكان و ارجاع كل شيء كما كان , هيا (ساكورا).
قاما ينظفان المكان و يرتبان الأشياء في حين أن (رانمارو) كان يفكر في أشياء كثيرة , أسئلة لا يجد لها إجابة , ماذا حدث له داخل التدريب؟! و لماذا دمي جسمه هكذا ؟! و لماذا عرض وحش ياكو عليه أن يصبح سيده ؟! و لماذا لم يصبر حتى يعرف رأيه ؟!
كل هذه الأسئلة دارت في عقل (رانمارو) إضافة إلى الأسئلة السابقة , ظل يفكر فيها حتى نام من التعب دون أن يجد أي إجابة على أسئلته.
يتبــــــــــــــــع.................

اماريج 01-08-10 07:28 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصـــل الثامن عشـــــــر


الوحشـــــــان


- ماذا؟! منهك من اللعب ؟! إنه كسول , سأذهب لأجعله يقوم من كسله هذا.

- كلا ...لـ..لا تتعبي نفسك سيدتي , فأنا أعرفه جيدا , هو يبدو سليما لكن جسده منهك بشدة نتيجة لهذا التفكير الذهني الذي يرهقه بشدة , أليس كذلك ياكو ؟!
نظرت (ساكورا) نحو (ياكو) تنتظر دعمه فسارع الأخير بقوله :
- بلى , فهو يعشق لعبة تسمى الشطرنج , إنه عبقري فيها , لكنه عندما ينتهي من لعبها يشعر بإرهاق و دوار شديد يجعله يريد أن يستريح.
- ولكن بني إنه مستريح من صباح اليوم إلى الآن , و نحن الآن على وشك دخول المساء , هذا لا يبدو لي جيدا على الإطلاق.
حدقت السيدة (فوميهو) بهما , فسارعت (ساكورا) قائلة :
- لا تقلقي سيدتي , فهو معتاد على ذلك.
نظرت السيدة إليهما بعدم اقتناع , لكنها قالت بعد صمت دام عدة لحظات :
- حسنا إذن , أنتما أدرى به مني , و لكن ماذا ستفعلان الآن ؟!
- سنتنزه أنا و ساكورا حول المنزل قليلا.
- حسنا و لكن لا تتأخرا كثيرا , أما أنا فذاهبة للقيام ببعض الأعمال المنزلية .
- وداعا أمي.
- وداعا سيدتي.
- وداعا بني , وداعا ساكورا , لا تطيلا البقاء بالخارج .
قالتها و هي واقفة عند الباب حيث تلوح إليهما بيدها اليمنى , بينما سارا سويا يتجاذبان أطراف الحديث , دخلت السيدة إلى داخل المنزل , أغلقت الباب و أخذت تقوم بما لديها من أعمال حتى تنتهي منها مبكرا .

************************


- أنا لا أستطيع أن أفهم لماذا ؟!!

قالها (رانمارو) بغضب , ضرب الحائط بقبضة يده وهو ينهج , كان جالسا على فراشه , و الغطاء مكشوف عنه و مكور في جانب منه , كان العرق يتصبب منه بغزارة , و حالته النفسية سيئة للغاية ..
- لماذا قبل هذا الوحش أن يكون سيدي ؟ كيف رضي وحشي بهذا ؟! هل يوجد قانون يلزمه على فعل ذلك ؟ اللعنة على تلك الوحوش , اللعنة.
قالها و أخذ يضرب الحائط بقبضة يده مرات عديدة , بعدها توقف , توقف فجأة و خاطب نفسه:
- وما العيب في أن يكون لي وحشان؟ ألم يقل كايتو لي أنه كلما زاد عدد الوحوش زادت قوة الشخص؟
نظر (رانمارو) تجاه الحائط المقابل , ظل صامتا لثواني ثم قال :
- و لكن الوحش الخاص بي حذرني من أن الطاقة إذا لم يتحكم الشخص فيها تحكمت هي فيه.
صمت قليلا , ثم أدار وجهه للناحية المقابلة و قال :
- و لكن لم أنا غاضب إلى هذه الدرجة ؟!
- لأنهم لم يأخذوا رأيي , أنا أريد القوة , و لكن ليست بصورة تقضي علي.
- و لكنها قوة , أليس كذلك؟
- بلى , لكن أنا لا أريد أن يقضى علي سريعا.
- أليست قوتك الروحية قوية كما قال الوحش ؟!
- نعم , و لكني لا أستطيع استخدامها الآن بصورتها الكلية.
- لكنها تطورت عندما أنقذت وحش ياكو.
- لكن انظر إلى ما حدث لي ؟
- هذا من الممكن أن يكون عارضا جانبيا.
- أتسمي هذا كله عارض جانبي ؟!!
- أنا لا أعرف و لكن....
- و لكن ماذا ؟ أنا لا أريد أن أموت.
- لا تقل ذلك , الحل هو أن أسأل الوحش بنفسي.
نظر (رانمارو) نحو الأمام , كانت هذه الخواطر تندفع عبر رأسه وهو ينظر يمنة و يسرة كأن هناك شخصان يتحاوران , ظل صامتا يحدق للأمام يفكر ثم قال لنفسه :
((- نعم الحل يكمن بين أيدي الوحشين , سأذهب لأسألهما.))
تردد صوت (ياكو) في عقل (رانمارو) :
((- لقد أوصاني الوحشان ألا أسمح لك و أنت في هذه الحالة المريعة أن تدخل إلى عالم التدريب , استرح يومين أو ثلاثة ثم ادخل إليهما مرة ثانية.))
- كلا !
قالها و هو يهز رأسه بقوة نفيا , ثم قال :
- أنا لن أنتظر , أنا لا أريد أن أنتظر , سأدخل الآن مهما كلفني الأمر, أريد أجوبة لما بداخل رأسي من أسئلة .
ترك الفراش متجها إلى الأرض , اتخذ وضع التدريب المميز , قال :
- كايتــــــــــــو!
ظهر الضوء الساطع مرة أخرى , وفي لحظات أصبح داخل الكهف مرة ثانية , لكن...
- ما هذا الألم الموجود بجسمي .
قالها و ارتمى على الأرض من شدة الألم , أغمض عينيه بألم , و فتحهما فوجد نفسه مستلقي على أرضية الغرفة متكورا يمسك بطنه من شدة الألم , نهض نحو الفراش بصعوبة و هو يتصبب عرقا , عندما وصل إليه , ألقى بجسده فوقه..
- اللعنة !!
قالها و ضرب الحائط المقابل مرة أخرة بقبضة يده في حرقة و ألم واضحين حتى دميت قبضته من قوة ضربته.

************************


- أنا قلقة جدا على رانمارو.

- و أنا كذلك , أشعر أن شيئا قد تغير به.
- لقد مر اليوم الثالث على رجوعكما من التدريب , لقد التئمت جروحه لكنه لا يبارح فراشه , دائما حزين , دائما شارد الذهن , لست أدري لماذا , هل لازال حزينا مما حدث ؟!
- أنا لا أعلم شيئا ساكورا , و لكن فكرة أنه شاركني وحشي أقلقته من الوهلة الأولى عند سماعه بهذا الخبر , لست أدري سبب حزنه , فقد توقعت سعادته بدلا منها!
- أنا كذلك , لقد قال له كايتو من قبل أنه إذا كان لأي شخص وحش آخر غير وحشه فإنه يصير أقوى !
- من كايتو هذا ؟
- إنه الذي علم رانمارو كل شيء عن عالمه الجديد.
- نعم إن ما قاله لصحيح تماما , لكن هل هذا شيء يجعل رانمارو حزينا ؟!
- لا أعلم , لكني أتمنى ألا يقوم بشيء أحمق.
- أرجو أن يهدأ قليلا , فغدا سنقوم بالتدريب مرة أخرى.
- أتمنى أن يتحسن.
- و أنا كذلك.
كانا يتكلمان أثناء سيرهما خارج البيت تنفيذا للخطة المتفق عليها مع (رانمارو) , حيث أنه بوجوده مع والدة (ياكو) فقط فلن تفكر في الذهاب إلى الطابق العلوي , و ذلك احتراما لخصوصياته , أما إذا كانا بالمنزل , فإنها ستطلب من أي منهما مرافقتها إلى أعلى , أما ليلا فهي متعبة , و أثناء النهار (ياكو) يظل معه يلعب اللعبة الوهمية , أما فترة الظهيرة فيستريح من إجهاد اللعب , هكذا كانت الخطة تسير على ما يرام.
- حسنا لقد ذهبا.
قالها و هو ينظر إليهما من وراء ستارة بنافذة بالطابق الثالث , جلس على الفراش في وضع التدريب , أخذ نفسا عميقا و كل ما يفكر فيه هو :
((- أريد أن أجد إجابات سريعة لتساؤلاتي .))
- كايتـــــــــــو!
ظهر الضوء مرة أخرى , أغمض عينيه و فتحهما فوجد نفسه واقفا أمام مدخل الكهف , سار ليدخل فيه , وجد الوحشان في انتظاره , و قد صار وحش (ياكو) عملاقا حقا.
- أهلا بك رانمارو , هل شُفيت جروحك.
قالها التنين وهو ينظر إلى (رانمارو) , نظر نحوه الأخير و رد قائلا :
- أنا بخير سيدي , و لكني أريد بعض الإجابات .
- إنك تتسائل لماذا وافقت على أن أجعلك تلميذي و أمنحك قوتي الكبيرة ؟!
نظر (رانمارو) إلى النسر العظيم و قال :
- نعم أريد أن أفهم السبب ؟!
- أما أنا فأريد أن أعرف لماذا أنت غاضب من هذا الأمر ؟!
اتسعت عينا (رانمارو) في دهشة , كان يظن إلى الآن أن الوحوش يعيشون في عالم منفصل عن عالم البشر , لكن أن يدرك ما كانت تموج به نفسه من مشاعر, لاحظ الوحشان نظرة الدهشة على وجه (رانمارو) فقال له التنين:
- نحن وحوش عظيمة , و نعيش بعيدا عن البشر , لكن العلاقة بيننا ليست مجرد علاقة الفرد بعصاته , كلا , إن الأمر أقرب إلى علاقة عائلية , الوحوش تعتبر أتباعها من البشر أفراد عائلته , فنحن نخاف عليكم , و نشعر بما تشعرون به , و نتألم من تألمكم , و نفرح بفرحكم , نحن لسنا وحوش قاسية القلب , نحن أقرب إليكم مما تخيل .
نظر نحوه (رانمارو) وهو يفكر , ثم قال :
- هكذا فهمت , و هذا يعني أنكما شعرتما بما أحسست به , أليس كذلك ؟!
- بلى , و لكن لماذا أنت غاضب من النسر العظيم هكذا ؟!
قال التنين.
- لست أدري حقا السبب , لكنه شيء في نفسي , شعور داخلي , لا أعلم لماذا , لكنه شيء متعلق بما قلته لي سيدي من قبل , ألم تخبرني أن القوة إذا لم أتحكم بها تحكمت هي بي؟! لا أريد أن أدمر نفسي دون تحقيق أهدافي.
قال (رانمارو) كلماته الأخيرة بانفعال واضح و صوت عال غاضب , كأنه وسط عراك و ليس نقاش , تبادل الوحشان نظرة تفاهم ثم نظر النسر العظيم إليه و قال :
- اسمعني جيدا رانمارو , نعم ما قلته صحيح , لكني وافقت على أن تكون تلميذي و من عائلتي ذلك لما وجدته فيك من قوة هائلة , لقد استطعت التغلب على شيء لم أستطع التغلب عليه بكامل قوتي ,كذلك لم يكن التنين بمفرده قادرا على تدمير الختم , و هو شيء أخفاه عنك , قوتك كانت مطلوبة , نعم استخدمت قوة الوحش , لكن حتى تعلم أن ما حدث لك من جروح كانت بسبب عدم إتزان القوى , تخيل الأمر معي , ببساطة شديدة قوة الوحش تأخذ إتجاها عاما يتجه نحو داخل جسمك من العصا , و قوتك الروحية تتخذ إتجاها عاما خارجا من جسمك من ناحية قلبك , في الظروف الطبيعية يكون هناك إتزان , فلا يحدث أي ضرر للشخص , لكن إن حدث و تكون عدم إتزان بين القوي , فإن الشخص تحدث له أضرار كثيرة , فإذا تغلبت طاقة الوحش على طاقة الإنسان , استولت على قلبه و تحكمت به , وأدت إلى تدمير خلاياه تدميرا كليا من الخارج نحو الداخل , هذا بخلاف أنه يفقد نفسه و يموت , أما إذا تفوقت طاقة الإنسان على طاقة الوحش , فإن الطاقة تخرج بقوة نحو الخارج , تفعل جروح غائرة بالجسد مثلما حدث لك.
نظر (رانمارو) إلى الوحش صامتا يفكر فيما قاله , ثم رفع رأسه قائلا :
- أنا لم أستوعب الكلام جيدا , كيف استطاعت طاقتي التغلب على طاقتك أيها التنين العظيم؟!!
نظر نحوه التنين و قال له :
- أنت لم تدرك شيئا بسيطا , رانمارو , النسر العظيم لم يقصد كمية الطاقة , إنما قصد معدل تدفقها من العصا إليك , أنت تدرك أن الطاقة تخرج من العصا إلى الجسم , لكن هذا يحدث بمعدل معين , هذا المعدل يتغير حسب طاقة الفرد , لكن هناك حد أقصى يمكن أن يزيد الوحش معدل سريان طاقته و إلا حدث تدمير للعصا , فهذه العصا متصلة بالشجرة الأم التي أنا منها , و أنا لا أستطيع أن أتغلب على حاجز المعدل هذا تبعا لمستواك الآن , كما أن أي وحش لا يستطيع أن يتغلب عليه أيضا , وهذا هو سبب اتجاه بعض الأشخاص إلى البحث عن عائلة ليشاركوهم في وحشهم , ذلك لأنه مهما كبرت قوة الشخص الروحية فهناك يظل دائما حاجز وهمي لا يستطيع أن يتخطاه مهما حاول , أما إذا كان هناك وحشان فالشخص يستطيع أن يمتص قوة إضافية تجعله يتخطى هذا الحاجز بمراحل عدة , لهذا كلما كثر عدد الوحوش كلما ازدادت قوة الشخص , كما أنه يضيف لما لديه من مخزون تعاويذ جديدة لا يستطيع أداؤها سوى أصحاب هذه العائلات فقط , و هذا يضيف إلى قوته بالطبع.
- لكن ألا يخافون من سيطرة القوة عليهم ؟!
- لا , الأمر ليس كذلك , في الواقع إن الأشخاص في البداية يتبعون هذا القانون , ثم يصبحون جشعين بشدة , يحاولون جمع أكبر قدر ممكن من الوحوش بقدر المستطاع , لكنهم إذا تخطوا قوتهم الروحية , فإن الطاقة تستنفذهم و تقتلهم , و هذا ليس بالنادر بل إنها القاعدة و ما عداها شاذ.
اتسعت عينا (رانمارو) خوفا , كان يفكر في شيء واحد :
((- إني أريد القوة , هل سأصبح مثل هؤلاء ؟!))
- لا تخف رانمارو , فأنت عاقل و ذكي على عكس الغالبية العظمى , فالجميع معظمهم أغبياء , لا يُفكرون بعقولهم قبل أن يفعلوا أي شيء , لكن ندمك و خوفك الشديدين طوال الأيام السابقة قد جعلتنا متأكدين أنك لن تصبح مثل هؤلاء الأغبياء و أن مصيرك سيكون مختلف عنهم.
قال التنين العظيم ذلك , نظر نحوه (رانمارو) ثم نظر نحو النسر العظيم و قال له :
- حسنا و لكن قوة من سأستخدمها ؟! و من سيدربني ؟!
- حسنا رانمارو , إن قوة الوحش الأقوى هي التي ستستخدمها أولا و هي قوة وحش عائلتك التنين المجنح الناري , و هذا لأنه أقوى مني بمراحل , أما إذا وصلت إلى سقف قوته معك فسوف أمنحك قوتي بعدها.
-وهل سأصل إلى الحد الذي أصل فيه إلى سقفك أنت أيضا ؟!
هكذا تسائل رانمارو.
- نعم هذا بدون أدنى شك , لكن أيضا سأعيد كلامي لك , أنت تملك طاقة روحية هائلة لكن لا تعلم كيف تستخدمها , أنت تخرجها على هيئة نبضات قوية بينها فترات طويلة من الخمول و الضعف مقارنة بقوتك أثناء هذه النبضات , حتى تصل إلى سقفي ثم سقف النسر العظيم يجب عليك أن تجعل قوتك ثابتة على الأقل مقدار ربع ساعة بمثل قوة نبضة واحدة من تلك النبضات , و هذا ليس بالشيء اليسير , لكن يمكن اكتسابه بالتدريب .
هكذا قال له التنين.
- أما بالنسبة للتعاويذ فأنت ستتعلم مني و من التنين كل تعاويذ عائلاتنا , و بالتالي تستطيع استخدام أي واحدة تشاء دون التقيد بقوة الوحش الذي تستخدمه.
- حسنا , إنني أريد أن أتعلم تعويذة من كل منكما , أنا قوتي الروحية أصبحت قوية إلى الدرجة التي يمكن أن أقوم بعدها بآداء تعاويذي الخاصة , أليس كذلك ؟!!
قالها و نظر إليهما , فرد التنين :
- حسنا إذن , أنا سأعلمك تعويذة دفاعية , أما النسر العظيم فسيعلمك تعويذة هجومية .
- كلا , أنا لا أريد الدفاع , أنا أريد الهجوم.
- لا تكن عنيدا , أنا و التنين العظيم نعلم جيدا كيف تكون المعارك , تعلم و بعدها ستدرك أهميه و قيمة ما تعلمته.
صمت (رانمارو) قليلا يحيل نظره بينهما وهو يفكر , ثم قال :
- حسنا , إذا كنتما تريان أنني أحتاج إلى تعاويذ دفاعية فسأتعلمها , و لكن لماذا سأتعلم التعاويذ الدفاعية منك سيدي ؟!
قالها و هو ينظر نحو التنين العظيم , فرد عليه التنين:
- ذلك لأن تعاويذ النسر العظيم الدفاعية ضعيفة , فلا تنس أن النسر العظيم قوته في الرياح و في الثلج , أما أنا فعندي تعاويذ دفاعية و هجومية قوية , فلهذا سأعلمك تعويذة دفاعية .
- هل يعني ذلك أنني سأتعلم تعويذة كل تدريب ؟!
قالها بكل لهفة , لكن ...
- أنت تستخف بالتعاويذ , أليس كذلك ؟!
قالها النسر العظيم ناظرا بعمق نحو (رانمارو) كأنه يخترقه..
- لا تظن أن التعاويذ شيء سهل , كلا , أنت تحتاج قبل أي شيء آخر إلى اتقانها , و بالطبع هذا سيأخذ وقتا و مجهودا كبيرين , فلا تظن أنك ستتقنها في لحظات .
قال التنين العظيم معقبا على كلامه..
- حسنا , كفانا حديث الآن و دعونا نبدأ التدريب , فأنا في اشتياق إلى أداء تلك التعويذتان.
- حسنا , فلنبدأ .
قالها التنين العظيم , و بدأ التدريب.

***********************


- هاهاهاها , يبدو أننا سنستمتع الليلة.

- أيها الأوغاد !
قالها (ياكو) ناظرا نحو عشرة أشخاص ظهروا مرة واحدة أثناء سيرهما في نزهتهما بجوار المنزل.
- من هؤلاء ياكو ؟!
قالتها (ساكورا) و هي تمسك بيد (ياكو) بقوة من الخوف .
- لا أعلم ساكورا , و لكن كل فرد منهم لديه هاله تحيط به.
- نحن من سيأخذ قوتك أيها الساحر , و أنتي أيتها الجميلة سوف تأتين معنا.
- كاي !
قالها (ياكو) بدون أدنى تردد , تحولت عصاته إلى شكلها المميز , و قال في صرامة :
- من يريد أن يلمس ساكورا فليتخطاني أولا.
- هاهاهاها, هذا الصبي الصغير لديه بعض القوة في جسده , هاهاهاها.
- من هو الصغير أيها اللعين ؟! أنت أكبر مني بسنوات معدودة !
- ألم أقل أنك لازلت صغيرا.
قال أحدهم ذلك ثم تابع وسط قهقهة الجميع :
- أعمارنا تزيد على المائة عام , و منا من يبلغ عمره المائة و خمسين عام.
- هل أنتم مصاصي دماء ؟!
قالها (ياكو) وهو يضيق من عينيه محدقا بهم , فرد آخر :
- بعضنا مصاص دماء و بعضنا ساحر , و بعضنا من شارك القوى مع أجناس أخرى , هل تريد أن تعرف الحقيقة , لماذا لا تأتي و تجبرنا على إخبارها ؟!
غضب (ياكو) كثيرا , و ضاقت عيناه أكثر , لكنه كان يعلم مدى ضعف قوته أمام هذا العدد الهائل , نعم إنه يمكن أن يستخدم فوبوكي , لكنهم سيردون عليه , ربما كان واحد يكفي لصد هجومه و هنا لابد وأن الآخرين سيهاجمونه , ما الحل إذن ؟! هكذا فكر (ياكو)..
- فوبوكي جامن !
لم يجد بدا من استعمالها متمسكا بالأمل الضعيف من نجاحها , تكونت عاصفة ثلجية , لكن هذه المرة ...
- داجيكي هينوتا !
خرجت فجأة كمية هائلة من النيران , اتجهت نحو (ياكو) فاصطدمت به ملقية به بعيدا لمسافة تجاوزت الخمسة أمتار , تدحرجت العصا هاربة من يده , ركضت (ساكورا) نحوه في سرعة وفزع وسط ضحكات المهاجمين و هي تصرخ :
- ياكو , هل أنت بخير !
- نعم أنا بخير !
قالها بكل ضعف و هو يقف من مكانه بصعوبة , كان جسمه يهتز قليلا , حدقت فيه (ساكورا) بإرتياع , كان يبدو أنهما هالكين لا محالة.
- هل فقدت الأمل أيها الصبي الصغير ذي الفم الكبير ؟! أم لازلت تريد القتال ؟!
ضحك الجميع و كأن من تكلم قد ألقى على مسامعهم أضحوكة جميلة , نظر تجاههم (ياكو) , ثم نظر نحو عصاته , أراد أن يذهب ليلتقطها , ما إن هم بالتحرك ..
- دايتشي سيبوني !
قالها أحد الواقفين , فظهرت أشواك صخرية ضخمة تخرج من الأرض تتجه نحوهما , فركضت (ساكورا) و هي تساعد (ياكو) على الركض , اقتربت الأشواك بسرعة هائلة منهما , أخذا يجريان بلا أي هدف , كان الرجال يقهقهون بشدة وهم يتابعونهما , و الأشواك تقترب منهما , و (ساكورا) تنظر نحوها في فزع شديد , فجأة ارتطمت قدماها بحجر صغير عندما كانت تلتفت ناظرة نحو الخلف , تدحرجت و معها (ياكو) حيث ارتطمت به حينما سقطت , وقفا بسرعة ناظرين للخلف فور توقف تدحرجهما , وجدا الأشواك تقترب منهما في سرعة شديدة , أدركت (ساكورا) أنهما ميتان لا محالة , أغمضت عيناها , و صرخت :
- راااااانماااااارووو !!!
-ريون تسوباســــــــا شوجوشــــــــا !
ظهر جناح أحمر عملاق في الهواء , كان خلف (ساكورا) و (ياكو) , ثم سقط على الأرض بصوت اصطدام كبير , ارتمى نتيجة لقوته (ياكو) و (ساكورا) إلى الأمام ,نهضت (ساكورا) من على الأرض , و نظرت خلفها , وجدت جناحا كبيرا يبلغ طوله حوالي العشرين مترا , كان عملاقا جدا , ولونه أحمر , تمعنت في النظر بهذا الجناح فوجدت شخصا بين الدخان المتصاعد يقف فوقه , لم تكن ملامحه واضحة ..
- هل أنتم بخير ؟!!
انكشف الغبار , و ظهر الشخص الواقف فوق الجناح.
-رانماااااااااروووووو !!!
صرخت (ساكورا) بفرح ...
يتبـــــــــــــع............

اماريج 01-08-10 07:30 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل التاسع عشر


اختطاف ساكورا


- رااانماااارووو !

هكذا صاحت (ساكورا) بفرح و هي تنظر إليه , كان يقف على قمة الجناح العملاق الذي أوقف هجوم الأشواك من الأرض , نظر (رانمارو) إليهما , و نظر نحو (ياكو) و هو يضيق عينيه ويتسائل :
- ياكو , هل تستطيع الوقوف ؟!
- نـ..نعم رانمـ..رانمارو .
قالها و هو يقوم من الأرض بنفسه دون مساعدة (ساكورا) ,كان الألم يبدو عليه حتى أن كلماته كانت تتقطع و هو يقولها , نظر إليه (رانمارو) بشفقة و هو يقول له :
- أريدك أن تأخذ ساكورا بعيدا من هنا , هيا.
- من قال أن الفتاة ستغادر؟!!
حدق (رانمارو) بمن يحدثه , فوجد أن رجلا في حوالي الثلاثينيات يتقدم من وسط الجميع للأمام , و تابع :
- أنت لا تملك سلطة القرار هنا , أنا الوحيد الذي يقول من يغادر و من يبقى.
تبادل الإثنان نظرات صارمة لفترة , تحدث بعدها (رانمارو) :
- إذا كنت أنت المسئول عن هذا العبث ..
ضيق عينيه محدقا بالرجل , ثم تابع :
- فإنني سأحملك على أن تجعلهم يغادرون المكان أو أقتلك.
- هاهاهاهاها , إنه يقول أنه سيجعل كانجو يفعل ما يريده , هذا ولد أبله , هاهاهاها.
- أنه يريد الموت , أليس كذلك, هاهاهاها.
- إنه لا يتكلم بجد , أليس كذلك ؟
تدافعت جمل مثل تلك و غيرها من جمل الاستهزاء بما قاله (رانمارو) بين الرجال الموجودين مع (كانجو) , أخرسهم قول الأخير :
- لا تستهزئوا به , إنه حقاً قوي و جيد .
قالها و نظر إليهم و تابع :
- أريدكم ألا تتدخلوا أبداً في القتال !
تبادل الرجال نظرات فيما بينهم , فجأة صرخ أحدهم :
- أخيرا سنرى قتالك أيها الذئب الشهير, هيا أرنا قوتك.
- نعم هيا , اهزم هذا الطفل الصغير.
- قلت لكم لا تتهاونوا مع أي من أعدائكم !
صرخ فيهم , فصمت كل منهم , ثم تابع :
- إن بدايه الهزيمة هو أن تستهزئون بعدوكم , هيا تراجعوا و اتركوا هذا الأمر لي .
تراجع الرجال في صمت , ثم نظر (كانجو) نحو (رانمارو) مدقا به في ترقب , ثم قال له :
- أحب أن أعرفك بنفسي , أنا كانجو , أحد أفراد عائلة تسومياروفو , معروف باسم الذئب الحديدي , و أنت من تكون أيها الغريب ؟
نظر نحوه (رانمارو) و هو لايزال فوق جناحه , ثم رد قائلا :
- أنا رانمارو , آخر سليل عائلة اليوشيهارو , و لا يوجد لدي لقب حتى الآن.
- ماذا ؟! يوشيهارو رانمارو ؟!!
قالها و ضيق عينيه وهو يقول :
- كاي !
فتغطى بمعطف من الجلد السميك اللامع باللون البني , به تدرجات كموج بحر من الألوان البنية المختلفة , كان في المقدمة و المؤخرة صورة ذئب يقف على قدميه الخلفيتين و يعوي , كان يبدو أنه قوي جدا.
- ألست أنت الملقب بالمنبوذ ؟!
-نعم , كان هذا لقبي و لكني تخليت عنه , سألقب منذ الآن بما يحلو لي.
-هذا إن عشت بعد هذه اللحظة !
نظر كل منهما نحو الآخر , قفز (كانجو) إلى أعلى بسرعة شديدة أذهلت الجميع , نظر (رانمارو) تجاهه , فقال (كانجو) :
- تسومي هاجاني فوراي هاتشي !
ظهر من طرف عصاته لون بني لامع , سرعان ما تحول إلى ثمانية مخالب ذئبية لها أجنحة , كانت صغيرة في حجم مخالب الذئب الحقيقية , لكنها كانت كلها حديدية , اندفعت المخالب نحو (رانمارو) بسرعة شديدة , لكن (رانمارو) قال بسرعة :
- ريون تسوباسا شوجوشا !
ظهر دخان أحمر خفيف من طرف عصاته سرعان ما تحول إلى جناح ضخم أحمر أحاط به من أعلى , صد الجناح الضربات , ضيق (رانمارو) عيناه , و استجمع جزء من طاقته الروحية داخل قلبه و أخرجها على هيئة قبضة من يده اليسرى تتبع نفس ما تفعله يده , فأمسكت القبضة الجناح الطافي فوق (رانمارو) , واندفعت إلى أعلى تجاه (كانجو) , لوح (رانمارو) بيده اليسرى من اليسار إلى اليمين عندما اقترب الجناح من (كانجو) , فتحرك الجناح تحت تأثير الطاقة الروحية ملوحا من اليسار إلى اليمين , اقترب الجناح من (كانجو) , فسارع الأخير بقوله :
- هوسيبيكي هاجاني هاتشي !
فجأة اندفعت ثمان أسياخ حديدية من الأرض نحو الجناح الذي صار على بعد سنتيمترات قليلة من (كانجو) , فاخترقت الجناح و دارت في الهواء لتسقط نحو الأرض جاذبة الجناح معها نحو الأرض بعيدا عن (كانجو) , فصرخ (رانمارو) :
- لن أدعك تفلت مني.
قالها و اختفت الطاقة الروحية الممسكة بالجناح , و على الفور تكونت طاقة أخرى من يده اليسرى و اتجهت نحو الجناح الذي يقف عليه , قفز (رانمارو) للأمام , و لوح بيده اليسرى من خلف رأسه نحو الأمام و كأنه يقذف حجر بيده , اندفع الجناح بسرعة هائلة بعدما تركته طاقة (رانمارو) الروحية نحو (كانجو) الذي كان في طريقه إلى الأرض , كان الجناح يلف حول نفسه و هو يطير مما زاد من قوته , صرخ (كانجو) قائلا :
- لا تستخف بي يا هذا ...كوجي بوتوكاي هاجاني !
اندفعت فجأة من الأرض كرة حديد ضخمة يبلغ قطرها تقريبا الخمسة أمتار , و لكن كان بها أشواك من حديد , بدأت الكرة تلف حول نفسها و هي تندفع إلى أعلى في اتجاه الجناح , على مسافة عشرة أمتار من (كانجو) اصطدم الإثنان ببعضهما في تصادم قوي , تصاعد غبار قوي مع ريش مكان الاصطدام لم يظهر من الذي تدمر , فجأة اندفع من الغبار شيء كروي تجاه (رانمارو) , اتسعت عيناه , فهناك كانت تتجه إليه كرة من الحديد , تدمر جزء كبير منها و ابتعدت عن شكل الكرة نهائيا , لكنها كانت تقترب منه في سرعة وشط صياح (كانجو) :
- فلتمت أيها المنبوووووووووذ !
نظر (رانمارو) نحو الكرة التي تقترب منه , نظر إلى اسفل منه وابتسم ..
اقتربت الكرة منه , على مسافة عشرة أمتار , تسعة , ثمانية , و هو الآن يقترب من الأرض , على مسافة متر , نصف متر , ربع متر , الآن وصل إلى الأرض , قام عندها بفعل شيء غريب جدا , بدلا من أن يهرب من الكرة , سقط على ظهره و دار جسمه فوق الأرض لمسافة قليلة من أثر السقوط ثم توقف و استرخى على ظهره دون أي حراك , اقتربت الكرة منه , كانت تتجه نحوه ساقطة فوق جسمه مباشرة , أصبحت الآن على مسافة خمسة أمتار , أربعة , و (رانمارو) لا يزال جالسا ينظر إليها مبتسما , ثلاثة أمتار , مترين , متـــ...
- طاااااااااااخ !
فجأه صدر صوت ارتطام ضخم , امتلأت المنطقة بدخان و غبار كثيف , صرخت (ساكورا):
- راااااااانماااااااروووووو !!!
قامت لتجري , فسقطت على الأرض , كانت قدماها تعجز على حمل جسدها , كان جسمها كله يرتعش , عيناها و كأنها غارقة في بحر من الدموع , كان لا يجول في خاطرها سوى :
((- رانمارو قد مات , هذا بسببي أنا , أنتي التي قتلتيه.))
- هاهاها , لقد قلت إنني الذي أحدد من الذي يغادر و من ينتظر , و لقد قررت أنك ستغادر الدنيا بأسرها أيها التعيس , لماذا لا تأتي و تقوم بإجبار ...
بتر (كانجو) عبارته , كان قد وصل إلى الأرض الآن , في نفس الوقت الذي بدأ فيه الغبار يختفي من مكان (رانمارو) , نظرت (ساكورا) و تسمرت في مكانها , اتسعت عينا (ياكو) من الدهشة , تسمر الرجال الآخرين من الصدمة ...فهناك...و في مكان الارتطام ... كان (رانمارو) يجلس مستلقيا على ظهره كما كان , و الكرة تقف على بعد نصف متر منه فقط , ويمنعها عنه أسياخ من الحديد , ثمانية أسياخ التي قد أستحضرهم (كانجو) من قبل , كان يحميه من الكرة الجناح , كان الجناح هو الذي ارتطم و معه الأسياخ بالكرة , قام (رانمارو) قائلا (لكانجو) :
- هل تظن أنني سأهزم بتلك السهولة ؟! لقد وقعت في المكان الذي خرجت منه أسياخك الحديدية , ونظرا لأنك كنت على مسافة بعيدة , و المكان مظلم قليلا , فلم تستطع أن ترى الأسياخ , كل ما فعلته هو أنني وقعت بين الأسياخ , و قربت بينها بقوتي الروحية , و بها جذبت أيضا الجناح الذي كانت الأسياخ قد اخترقته , جذبته نحوي , أتى الجناح إلي و كأنه قطار يمشي على قطبانه , جاء بسرعة و بسلاسة , نظرا لكونك مشغولا بمراقبة الكرة فقط , لم تكن لتنتبه إلى الجناح الذي وصل في اللحظة المناسبة و ارتطم بالكرة و أوقفها , و الآن جاء دوري.
قالها و رفع عصاته في الوقت الذي ضحك فيه (كانجو) بشدة و هو يقول :
- أنت فعلا تمتعني جدا , أنت قوي , أنا أعترف لك بذلك , لكن ماذا ستفعل أنت مع هذا ..
قالها و رفع هو الآخر عصاته إلى أعلى , و قال :
- يوبيداشي أوكامي !
صدر صوت انفجار ضخم , مع سحابة ضخمة من الغبار , احتمت (ساكورا) بوضع رأسها بين قدميها من الهواء المندفع نحوها , و بعد أن هدأ الهواء نظرت نحو الأمام ...
- مـ..مـ...ماهذا !!!
قالتها واضعة يدها اليسرى أمام وجهها من الخوف , كان أمامها , كان أمام (ياكو) , كان أمام الجميع , كان أمام (رانمارو) ذئب ضخم , ذئب يبلغ من الضخامة ضخامة برج من عشرة أدوار , و عرضه يبلغ حوالي أكثر من خمسة عشر مترا, كان شيئا عظيما ...
- أهذه هو وحشك ؟
- نعم إنه وحشي , الذئب الحديدي.
تسمر (رانمارو) في مكانه ناظرا إلى الوحش بدهشة شديدة , قال (رانمارو) لنفسه :
((- امسك أعصابك , تمالك نفسك , اربط جأشك , أنت سليل عائلة اليوشيهارو , أنت رانمارو العظيم , لا تقف أمام وحش صغير كهذا , لقد وقفت أمام وحشك الأعظم منه , هل يوقفك هذا ؟!! هل يؤثر فيك شيء كهذا ؟!!))
فتح (رانمارو) عينيه فجأة و صرخ :
- كلاااااااااا !!!
كان يبدو أنه تخلص من مفاجأة (كانجو) , نظر نحوه (كانجو) و تمتم :
- هذا أقل ما أنتظره منك أيها المنبوذ.!
أغلق (رانمارو) عينيه , أخذ يجمع ما قدر عليه من قوة , تذكر صورة (ساكورا) و هي تنظر إليه باحتقار , تخيل صورتها و هي مقتولة , تخيل و هي في آخر نفس تقول له :
- لقد تركتني لأموت , لقد قتلني كانجو , الودااااع !!
صمت ..
سكون ..
وحده ..
- لن أدعك تقتلها , سأريك أيها اللعين .
صرخ (رانمارو) , أحنى ظهره إلى الأمام قليلا , و فرد ذراعيه للامام و صرخ , كان يستجمع كل ما يقدر عليه من قوة و هو يفكر :
((- سأريك أيها اللعين ... لن أقولها مرة أخرى يا ساكورا ...))
قالها و صرخ بقوله و هو يعدل من وضع جسمه و يفرد ذراعيه إلى أعلى و للجانبين و كأنه قنبلة و انفجرت:
- سأحميكي مهما كلف الأمر , سأحميكي بحياااااااااااتييييي !!!
تصاعد دخان أحمر قاتم من جسده , تصاعدت منه الطاقة الروحية إلى أعلى كخيط من الدخان الأحمر القاتم يخرج من جسمه كله , نظر نحو (كانجو) , فقال الأخير :
- مهما تفعل لن تستطيع أن تتفوق علي , هيا أيها الذئب العظيم.
رفع الذئب رجله اليسرى الأمامية و دفعها نحو (رانمارو) , صرخت (ساكورا) :
- احترس رانمارو !!
صرخ (ياكو) :
- ابتعد عنها !!
أما (رانمارو) فلم يحرك ساكنا , اقتربت منه الرجل العملاقة , حدث التصادم , صدر صوت عال آخر , اندفعت رياح قوية من منطقة التلاحم نحو الجميع , فأمسك الجميع نفسه بصعوبة من السقوط , و نظروا , فوجدوا ...
((- ما هذا ؟ أيوجد من يستطيع إيقاف ضربة ذئبي الحديدية ؟!))
فكر (كانجو) محدقا أمامه , حيث توقفت رجل الذئب على مسافة المترين من (رانمارو) , تشكلت طاقة الأخير على هيئة ذراع ضخمة أمسكت باليد و منعتها من ضربه .
- و الآن قد حان دوري.
قالها (رانمارو) رافع عصاته مرة أخرى , و قال :
- واشي كين فوكومي إسشوكو جينشو مارو !
أضاء طرف العصا بلون أحمر خفيف .
- لـ...لـ...لا يمكن أن تكون ...!!
- ماذا هناك ياكو ؟!
- إن هذه التعويذة , لا يمكن...!
- ماذا تفعل هذه التعويذة ؟ أخبرني ؟
لم يكن في حاجة لاخبارها بماهية التعويذة , فبعد كلماتها مباشرة , حدث صوت انفجار , نظرت (ساكورا) كما نظر الجميع نحو مكان الانفجار , هذه المرة كان بجسم الذئب, كان شيئا غريبا يحدث هناك , كأن هناك شيء يسحب الهواء إلى داخل المنطقة التي حدث بها الانفجار.
- ماذا؟!
صرخ (كانجو) بذلك , فالمنطقة التي أصابها (رانمارو) بتعويذته كانت منتصف الذئب , عوى الذئب بصوت عالي , و سقط على أرجله الأربعة من الألم , و الهواء لا يزال يتجه إلى داخل البؤرة الموجودة بجسده.
- إنها تعويذة المنخفض الجوي !
نظرت (ساكورا) إلى (ياكو) باستغراب و رددت :
- تعويذة منخفض جوي؟
- نعم , إنها نظرية علمية , إن الرياح تتكون عندما يكون هناك منطقتي ضغط مختلفتين , إحداهما ضغط مرتفع و الأخرى منخفض , عندها سيتحرك الهواء نحو المنطقة ذات الضغط المنخفض ليعادل الضغط بها , هنا نفس الشيء , إن هذه التعويذة تقوم بخلق منخفض جوي في بؤرة معينة صغيرة على هيئة دائرة قطرها لا يتعدى عادة النصف متر , تصبح هذه المنطقة منطقة منخفض جوي , وبالتالي ستسحب الهواء المحيط بها نحو الداخل , كلما ازدادت طاقة الشخص الروحية , ازداد المنخفض الجوي , فتزداد كمية الهواء الممتصة , وبالتالي يزيد الضغط على تلك المنطقة حتى ...
بتر عبارته حيث صدر صوت تصدع عالي في جسد الوحش , وسط صرخات (كانجو) :
- كلا , تماسك أيها الوحش .
تابع (ياكو) بقوله :
- حتى تتدمر المنطقة تماما من جراء الضغط الواقع عليها , إنها تعويذة قوية جدا , لكنها عالية المستوى و ... خاصة بعائلتي فقط !!
حال بصره نحو (رانمارو) و فكر :
((- إلى أي مدى ستصل في قوتك ؟! ))
استمر صوت التصدع في جسد الذئب , و استمر (رانمارو) في اخراج طاقته الروحية بنفس المعدل , شعر بالضعف قليلا , و أن حرارته ترتفع , لكنه حافظ على معدل طاقته , في المقابل ظهر التعب واضح على عدوه أيضا , حيث كان يحاول أن يضاد قوة (رانمارو) , عندما شعر (كانجو) بأنه لا يقدر على قهر تعويذة (رانمارو) قال:
- كابي دياتشي !
اهتزت الأرض , و ارتفع حائط كبير من الصخور إلى أعلى , كان الحائط أسفل (رانمارو) بالضبط , فاضطر إلى القفز ليتفادى الارتطام به , و عندها ...
- هوسوبيكي هاجاني إيتشي !
اندفع سيخ حديد من الأرض نحو (رانمارو) من خلفه , للأسف لم يره إلا متأخرا , وسط صيحات الجميع , نظر (رانمارو) نحو السيخ و هو على مسافة متر واحد فقط , أغلق عينيه ثم ...
- أين أنا ؟!!!
قالها (رانمارو) مندهشا عندما فتح عينيه , حيث وجد نفسه في الصباح , أغمض عينيه مرة ثانية و غطي وجهه براحة يده اليمنى تفاديا لضوء الشمس ,
- حمدا لله على سلامتك .
بعد ثواني معدودة فتح عينه التي أخذت تعتاد على الضوء , و قال :
- ماذا حدث ياكو ؟! أين كانجو ؟! ألم أكن في وسط معركتي معه ؟!!!
نظر (ياكو) إليه بحزن و قال له :
- كلا , المعركة قد انتهت منذ يومين , لقد استطاع أن يهزمك بصعوبة بالغة.
- كيف ...لقد أوشكت على هزيمته فعلا ... لقد استطعت ضرب وحشه في مقتل , كنت أنا المسيطر و ...
قالها و اتسعت عيناه فجأة و تمتم :
- السيخ الحديدي !
- نعم أخي , لقد أدى تعويذة فتكون حائط فقفزت لتتفاداه فأدى تعويذة أخرى استحضر بها سيخ واحد من الحديد تجاهك لكن السيخ قد أخطأك و اصطدم بقدمك فقط ففقدت توازنك و سقطت على الأرض , انتهت تعويذتك و فقدت وعيك , و بهذا انتصر كانجو.
قالها (ياكو) و نظر نحو الأرض , كان يقول الكلمات بحزن شديد , صمت الإثنان قليلا , ثم رفع (رانمارو) رأسه و سأل (ياكو) :
- أين ساكورا ؟! أين ذهبت ؟!!

*********************

- أيها الملاعين , أطلقوا سراحي , هيا قبل أن يأتي إليكم الموت أيها الأوغاد.
- أوه , لألن تصمت أبدا تلك الثرثارة , لقد أصابتني بالصداع.
- لا تنزعج عزيزي , فلولا أن القائد الكبير قد أمرنا بعدم لمسها لكنت قد مصصت دمائها على الفور.
قالها هذا الحارس و هو يفتح فمه و يبرز نابه الطويل , نظر إليه الحارس الآخر في تقزز و قال له باشمئزاز :
- يكفيني أن أقتلها , و أنت فلتمص دمها كما تريد.
- أنا أوافق على ذلك , و لكن أتمنى أن تنقضي المهلة و ينهزم هذا العدو شر هزيمة من قائدنا.
- هل سمعت بما حدث؟ الشائعات تملئ المكان.
- أنا لا أعلم بالتحديد , و لكني سمعت أن القائد قد أوقفه طفل صغير و لم يستطع هزيمته إلا بصعوبة.
- هذا يشابه ما سمعته , ولكني سمعت أن وحش القائد كاد أن ينهزم بواسطة هذا الصبي الغريب , هل حقا إنه ذاك المنبوذ ؟!!
- لا أعلم , و لكني سمعت نفس الإشاعة , أليس هذا الذي قتل أبواه و هو رضيع و كانا أبواه من أقوى رجال قرية الريح البيضاء؟
- نعم هذه هي الأسطورة , لكنني ظننت أنها إسطورة !
- لكن هل يستطيع القائد أن يهزمه مرة أخرى ؟! ماذا تعتقد ؟!
- ممممممم , لا أعلم بالتحديد , لكني أعتقد أن القائد قوي جدا و ما حدث كان حادث عارض و أظن أنه سيتغلب عليه في النهاية.
- يالك من تابع لسيدك.
- ماذا تقول ؟ احذر لسانك و إلا شكوتك للقائد بنفسي !
- ولماذا هذه المشقة , فلننتظر حتى انتهاء المهلة و لنرَ هل فعلا ما تقوله صحيح أم مجرد كلام تابع.
- قلت لك احذر في كلامك.
- حسنا , دعنا نحرس هذه البشرية اللعينة و ننتظر.
- نعم , هذا أفضل من الجدال معك!!
دار هذا الحوار بين اثنين من حراس جماعة (توزوكو كيهاكو) , كانا يحرسان بشرية تدعي...(ساكورا) !!!

***********************

- ماذا ؟!!! إسبوعان ؟!!
- نعم هذه هي المهلة , و بعدها سوف تتقابل أنت و هو في قتال حتى الموت و من يفز منكما يحصل على ساكورا , فإن فزت أنت حررتها , و إن فاز هو قتلك و قتلها.
قالها (ياكو) و هو يحدق فيه , كان (رانمارو) لا يشعر إلا بغليان في جسده كله , لم يكن يعرف ما العمل سوى أن يتدرب , و قد بدأت الساعة في العد التنازلي , و ها قد مضى يومان كاملان منها , فماذا هو فاعل في الأيام القليلة المتبقية ؟!!
يتبــــــــــــــــــــع................

اماريج 01-08-10 07:31 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل العشرون


هيكاشي ضد رانمارو


-لا تحزن هكذا رانمارو , هذا لم يكن خطؤك , أنت فعلت ما بوسعك , لم يكن تستطيع أن تفعل أكثر من هذا.

نظر إليه (رانمارو) بحزن ثم نظر بعدها إلى الأرض و قال :
-لا تقل ما تحاول أن تقلل به من خطأي ياكو , لقد كانت مسئوليتي حماية ساكورا بحياتي و لكنني فشلت في تحقيق ذلك , أنا المسئول عن ذلك.
-هذا ليس بصحـ ...
-ياكو , أنا سأذهب للتدريب , هل ستأتي معي ؟!
نظر إليه (ياكو) و قال :
-للأسف لا أقدر , فوالدتي تحتاجني , كما إنني قد أخبرتها أنك و ساكورا تتنزهان معا في المدينة لبعض أيام و أنا سأتغيب بعض الوقت معكما في النهار فقط , أما بالليل فسأجلس معها حتى أمنعها من الحضور لأعلى , هذا ما سأفعله في الأيام القادمة , لكن قل لي كيف عرفت أننا في خطر ؟!
نظر له (رانمارو) قليلا ثم قال له :
-هل نسيت أن لدي و لديك وحش مشترك ؟! لقد أخبرني النسر العظيم بأنك نشط قوتك , وأنك تستعد للفظ تعويذة ما , و أن نفسك مضطربة , فخرجت من التدريب مسرعا كي أرى ماذا يحدث لكما !
صمت (ياكو) محدقا به في دهشة , فهو لم يكن يعرف أن الوحوش تدري ما يشعر به , لم يهتم (رانمارو) بذلك بل قال :
-حسنا , و لكني أريدك في أمر آخر ... هل تعرف من كان هؤلاء ؟!
نظر نحوه (ياكو) و قال :
-اسمهم جيتشي نوتوري !
-من هؤلاء ؟!!
-هؤلاء جماعة يختصون باختطاف البشر , و سرقه قواهم , لكني لا أعرف لماذا كانوا مهتمين بساكورا , إنها كانت بشرية عادية , لا أعرف !!
-حسنا إذن .
قالها و صمت , نظر نحو الأرض و قام من الفراش و جلس فوق الأرض , اتخذ وضع التدريب المميز , نظر نحو (ياكو) و قال له :
-سأتدرب إلى أن أصبح أقوى من أي شخص آخر ... كايتو!

***************************

-إنها هناك , لقد رأيتها .
-حسنا هيا إلى هذا الاتجاه , لا تفقدوا تركيزكم.
اتجه (هيكاشي) مع الرجال الخمسة الذين معه نحو الاتجاه الذي قد رأوا فيه (هارونا).
تعالى صوت نهجان (هارونا) و هي تجري ...
-سوف يلحقون بي , ما العمل ؟
ركضت (هارونا) مهرولة و ورائها قطيع من الذئاب يبتغي فريسة واحدة فقط , كانت المسافة تضيق و تضيق , و هي تجري و تجري ..
-توقفي عندك هارونا .
توقفت (هارونا) فجأة فمال جسدها نحو الأمام و عندما عدلت من وضعها قال (هيكاشي) :
-أخيرا وجدناكي , لقد أتعبتنا أيتها العنيدة , هيا لنعد إلى المنزل الآن.
قالها و تحرك نحوها مادا يده اليمنى مبسوطة نحوها , تراجعت (هارونا) إلى الوراء و هي تهز رأسها بمعنى النفي , كان جسدها يهتز بقوة , توقف عندها (هيكاشي) عن التحرك و نظر إليها و قال بنبرة حزن مصطنعة :
-ماذا هناك عزيزتي , هل تخافين من زوجك ؟!
-لا تقل ذلك , أنا أفضل الموت على ذلك !!
صرخت (هارونا) و هي ترجع إلى الخلف تريد الهرب , فإذا باثنان من جماعة (هيكاشي) يظهرون أمامها يسدون الطريق فتوقفت بسرعة و اتجهت نحو اليسار فظهر واحد على المدى القريب منها , تلفتت حولها و هي واقفة و على وجهها نظرة رعب , كان وجهها مصفر جدا , نظرت يمينا و يسارا , أمامها و خلفها , كانت محاصرة تماما بحلقة من رجال (هيكاشي) , وسط نظراتها السريعة نحوهم , تقدم (هيكاشي) خطوة و هو يمد يده إليها , و قال :
-هيا عزيزتي , فلنعد إلى المنزل , فوالدتك قلقة عليك جدا.
تسمرت (هارونا) في مكانها و نظرها مثبت على (هيكاشي) , فتقدم أحد الرجلين الموجودين خلف (هارونا) , فشعرت بحركته , تلفتت ناظرة إليه , فتوقف بعد خطوة تخطاها , فجأة ...
-انجدونــــــــــــــــــــــــــــي !!!
اخترقت الصرخة سكون الليل , طار سرب من طيور تسكن أغصان شجرة قريبة , نظر إلى السرب الذي يغادر مسكنه استجابة لصرخة (هارونا) شخصان يقفان في نافذة بالطابق الثالث بأحد المباني القريبة من المكان ...
-هل سمعت هذه الصرخه رانمارو ؟!
-نعم , هيا لنر ما هناك .
و في تلك الأثناء ...
-توقف أيها الغبي !
قالها (هيكاشي) و هو يشير بيده و كأنه يمنع شخصا من التحرك بجانبه , فنظر إليه الرجل الموجود خلف (هارونا) و قال له :
-آسف سيدي.
-لا تنزعجي عزيزتي , لا تقلقي من وجود أي شخص هنا , هيا تعالي معي.
قالها و هو يعيد نظره إلى (هارونا) التي قد سقطت على الأرض جالسة على قدميها و هي تمسك بوجهها و تبكي فيه , نظر (هيكاشي) نحو الرجال و أومأ برأسه بمعنى نعم , فتحرك كل منهم خطوة للأمام ...
-أنا لو كنت في أماكنكم ما كنت تحركت ولو خطوة واحدة.
التفت الجميع إلى الخلف في حدة , فوجدوا فتى يتقدم من الظلام خلف الأشجار المحيطة بالمكان نحو السهل الموجودين فيه , توقف الجميع عن الحركة حتى تقدم الشخص نحوهم , فظهر عليه ضوء القمر رأى الجميع حتى (هارونا) التي عدلت وجهها لترى من القادم الحلقة المميزة حول رأس الفتى القادم , و العصاة المميزة النشطة التي يمسكها بيده اليمنى , قال (هيكاشي) :
-اذهب بعيدا عن هنا أيها الضعيف , فأنت لست ندا لأضعف فرد مننا , هيا اذهب من هنـا قبل أن أغيـ ...
بتر (هيكاشي) ما كان يقوله , فقد أضاءت عينا (رانمارو) بضوء أحمر قوي فجأة , تغير لون الهواء إلى اللون الأحمر , شعر الجميع حتى (هارونا) و كأن صخرة ثقيلة تضغط على صدر كل منهم , في البداية أثنى (هيكاشي) ظهره كما فعل الباقي من قوة ضغط قوة (رانمارو) الروحية , لكن بعدها عدل من وضع جسمه و هو يجز على أسنانه فظهرت هالة صغيرة لونها لبني فاتح حوله , بدأت في الاتساع حتى غطت كل الرجال و بينهم (هارونا) , بعدها توقفت , نظر (هيكاشي) نحو (رانمارو) و قال :
-أعترف أن لك بعض القوة أيها الفتى و لكن ... سينكو جو!
في لمح البصر تحول (هيكاشي) من مكانه الموجود أمام (رانمارو) ليصبح خلفه مباشرة , التفت (رانمارو) خلفه و هو لا يغمض له جفن ناظرا نحو (هيكاشي) الذي قال :
-إن أسوأ شيء فعلته هو أن تقف في وجه العظيم هيكاشي ... دوكو هيتونومي !
أضاءت طرف يده اليمنى المفرودة بضوء لبني و اندفع بعدها شيء أسمر صغير كالطلقة تجاه (رانمارو) , ابتسم (هيكاشي) بعد ما قال التعويذة و كأنه انتصر و قتل (رانمارو) فعلا , أغلق عينيه و ابتسم بعد كلامه , لكن ...
-تسوباشا شوجوشا !
حدث كل شيء بسرعة كما بدأ , في ثانية أو أقل تحول (رانمارو) إلى صورته كساحر بردائه المميز الذي كان يغطي الآن نصف جسمه بالضبط , بعدها ظهر صوت انفجار خفيف صاحبه ظهور جناح ضخم أحمر اللون , توقف الجناح في الهواء ما بين (رانمارو) و (هيكاشي) فتعالى صوت اصطدام عنيف بين ما أطلقه نحوه (هيكاشي) و الجناح , فتكون تيار من رياح ممزوجة بغبار من مكان الاصطدام اتجه في جميع الاتجاهات , فتطاير ردائي (هيكاشي) و (رانمارو) و شعرهما كذلك دون أن يغمض لهما أي جفن , تبادل الاثنان النظر نحو كل منهما , قال (هيكاشي) بعد لحظات من الترقب :
-لا أريد محاربتك , لا علاقة بك بهذه الفتاة , أليس كذلك ؟!
-خطأ !
أجاب دون تفكير , تبادل الجميع نظرات و همهمة , حتى (هارونا) نظرت نحوه و هي مندهشة مما قاله , فهي أول مرة تلتقي فيها به , فلماذا يفعل ذلك و يعرض حياته للخطر من أجل غريب مثلها .
-أنت لا تعلم من تواجه أيها الصغير.
-بل أنت لا تعلم من تواجه أيها الضعيف.
-ماذا تقول ؟!!
صاح فيه (هيكاشي) بكل غضب و احمر وجهه , تلون جسمه بضوء لبني فاتح و كأنه يجمع طاقته الروحية .
-أيها الأبله هل تريد أن تموت ؟!!
صرخت فيه (هارونا) , لكن (رانمارو) لم ينظر إليها , كان يحدق (بهيكاشي) , لقد مرت عشرة أيام منذ استيقاظه بعد اختطاف (ساكورا) , لقد تدرب كثيرا , لم يمل أو يتعب , و الآن هو يريد أن يرى نتيجة ذلك في هذا القتال , لهذا إن لم يستطع أن ينتصر عليه فلن يستطيع أن ينقذ (ساكورا) ..
-باكوفو تشي !
تلونت طرف يده اليمنى المنقبضة بلون لبني فاتح قوي , اندفع بعدها تيار ماء قوي جدا و سريع , كان يبدو أنها تعويذة مائية , نظر (رانمارو) إلى الماء القادم نحوه و قفز إلى أعلى لكن ..
-ليس بتلك السهولة !
قالها (هيكاشي) و حرك يده اليمنى إلى أعلى , فتحرك التيار المائي نحو (رانمارو) إلى أعلى , كان يبدو أنه يستطيع أن يتحكم باتجاه الماء أيضا , كان الماء يتخذ شكلا اسطوانيا و كأنه ثعبان ضخم , اقترب التيار من (رانمارو) وسط ضحكات (هيكاشي) الهستيرية ,
-داجيكي هينوتا !
تلونت طرف عصاة (رانمارو) بلون أحمر , فاندفع تيار من النار نحو الماء القادم نحوه , قطع (هيكاشي) ضحكته و أطبق عينيه و قال :
-يبدو أنك قوي و عنيد , ولكن ما رأيك بهذا .
قالها و فرد أصابع يده المنقبضة على آخرها فابتعد كل اصبع عن الآخر , فانقسم تيار الماء إلى خمسة أفرع كل منهم يتخذ الشكل الاسطواني الثعباني و يتجه نحو (رانمارو) الذي كان في طريقه إلى الأرض الآن , أدرك (رانمارو) أن تعويذته لن تجدي نفعا الآن , فقال :
-ريون تسوباسا !
خرج جناح أحمر ضخم من طرف العصا , لكنه لم ينفصل عنها فصار و كأنه سيف ضخم , لوح (رانمارو) بالسيف الكبير هذا في اتجاه الخمسة ثعابين القادمة نحوه , ولكنه لم يصب أي منهم حيث أن (هيكاشي) قد جعلهم يتفرقون عن بعضهم و يتفادون ضربة (رانمارو) , وصل (رانمارو) الآن إلى الأرض و مازالت الثعابين تتجه نحوه , لوح (رانمارو) بالجناح من اليمين إلى اليسار , فجأة انفصل الجناح و اتجه بسرعة شديدة نحو (هيكاشي) , فتفادى (هيكاشي) الضربة بالقفز نحو أعلى بسرعة شديدة , لكن ...
-أراشي أكاي .
اندفعت رياح حمراء اللون بقوة و شدة نحو (هيكاشي) الموجود بالهواء , نظر (هيكاشي) نحو الرياح التي استحضرها (رانمارو) و قال :
-إنك لعنيد فعلا !
فأثني اصبع يده الإبهام فاتجه نحوه ثعبان من التي كانت تطارد (رانمارو) , بعدها أخذ يجعل اصبعه يدور و يدور فدار الثعبان المائي حول (هيكاشي) دورات كثيرة حتى تكون درع واقي من الماء خلال لحظات معدودة , وصلت الرياح إلى الدرع الجديد و اصطدمت به , كانت الرياح أقوى مما تصور (هيكاشي) , جز على أسنانه في محاولة التصدي لها , لكن ظهر شرخ خفيف بالدرع , فأغمض عينيه و أطبق صوابع يده كلها , فاتجهت باقي الثعابين التي كانت تطارد (رانمارو) نحو (هيكاشي) و أحاطت به , قوي الدرع خمس أمثال ما كان , و اختفى الشرخ , و أصبحت قوة الدرع أقوى الآن من قوة رياح (رانمارو) , ضحك (هيكاشي) و هو داخل الدرع الخاص به و قال (لرانمارو) :
-ماذا ستفعل الآن أيها المسكين , أرأيت قوتي أيها الأبله .
-لا أبله غيرك هنا .
قالها رانمارو و توقف عن الركض عندما ابتعدت عنه الثعابين , ثم جمع طاقة روحية كبيرة حتى تصاعد الدخان الأحمر منه مرة أخرى , و قال :
- فوكومي جينشو !
فجأة اختفت الرياح , لكن هناك , و في الفقاعة التي يحتمي بها (هيكاشي) , شعر الجميع و كأنها تتذبذب , نظر (هيكاشي) حوله في هلع , كانت الرياح لا تصطدم الآن بالفقاعة , لا , بل كانت تنجذب نحوها في كل اتجاه , أغلق (هيكاشي) عينيه و قال لنفسه :
-اهدأ , لا تنزعج , هذا ما يريده منك أيها الأبله , هيا هدأ نفسك , و قوي روحك و اهزمه , أنت أقوى منه , أنا أعلم ذلك .
بعدها فتح عينيه , نظر تجاه (رانمارو) , كانت عيناه كلها اصرار , أغلقها فتلون الهواء المحيط به باللون اللبني الفاتح , فصرخ فيه (رانمارو) :
-وهل تنتظر مني أن أدعك تفلت من قبضتي , كلا !
قالها و زمجر كأنه أسد , كان الدرع الآن أشبه ما يكون إلى فقاعة مائية فعلا , صار سطحها به ارتفاعات و انخفاضات كثيرة و كبيرة , و هذا الارتفاع يتحول بعدها إلى انخفاض , أصبح الوضع يبدو و كأن الدرع سيتحطم , لكن إلى أي قوة ستكون الغلبة لا أحد يعلم ..
-لا تستهن بنا أيها الغريب !!
صدر الصوت فجأة من خلف (رانمارو) , حيث انتبه الرجال الخمسة إلى قوة عدوهم و مدى سوء وضع قائدهم فقرروا أن يدخلوا إلى المعركة أيضا , اندفع كل منهم بسرعة شديدة فلاشية نحو (رانمارو) , أحاط الخمسة فجأة به من كل اتجاه , سدد اثنان منهم قبضتيهما نحو وجه (رانمارو) , وواحد وجه ركلة نحو معدته , في حين طار واحد من الخلف في الهواء و التف حول نفسه و هو يسدد ركلة لولبية نحو ظهر (رانمارو) , أما الأخير فقد اندفع نحوه و هو مستلقي على الأرض يستهدف قدميه , نظرت (هارونا) إلى الوضع , فتمتمت و راحة يدها اليسرى موضوعة أمام فمها :
-مستحيل أن يهزم فرقة هيكاشي الخاصة , إنه لمستحيــ ...
بترت عبارتها , حيث في اللحظة المفترض فيها أن يضرب الرجال (رانمارو) , ضرب كل منهم حائط وهمي بدا و كأنه قد ضرب الهواء , توقفت الضربات و الركلات و اللكمات على بعد سنتيمترات معدودة من (رانمارو) الذي ضيق عينيه و قال :
-أنتم الذين تستخفون بي !
قالها و بدا ما ضربه الرجال , تلون الهواء عند كل منطقة توقفت فيها الضربات و الركلات باللون الأحمر القاتم , فجأة تحول الهواء إلى شكل يد أمسكت يد و قدم كل فرد منهم , صرخ الرجال من الألم حيث اندفع بخار من مكان اليد و كأنها نار قد أمسكت كل منهم , من كل يد اندفع فرع ثعباني الشكل نحو كل منهم , صرخ كل رجل منهم في هلع , و عيناهم متسعة ترقب ثعبان الهلاك القادم نحوهم , وصلت الثعابين النارية إلى كل منهم في أقل من ثانية , بعدها أخذت تلتف بسرعة مذهلة حول جسم كل منهم حتى غطته من قمة رأسه حتى أخمص قدميه , أطبقت بعدها على الرجال و أخذت تتحرك تحركات غير مرتبة ثعبانية و كأنها تعتصرهم صدر عنها صوت تحطم الضلوع و كسر العظام ممزوج بصرخاتهم , بعدها سكنت حركة الثعابين الحمراء , سقط كل رجل مغطى بلون أحمر قاتم على الأرض واحد تلو الآخر حتى تساقطوا جميعا , انسحبت الثعابين من كل فرد منهم بسلاسة و ببطء كما أحاطت بكل منهم من قبل , انكشف المنظر البشع عنهم , كان كل فرد منهم وكأنه قد خرج توا من وسط منزل محترق عن آخره , كان من يراه يقشعر جسده من هول المنظر , كانت الجلود محترقة , و اللحم أسود اللون أسفلها , يتصاعد منه بخار خفيف مع رائحة حريق اللحم المميزة , كما أصبحت الجمجمة لا معالم لها , أصبح كل شيء في الوجه مكسورا من وجنتين و فكين و أنف , و أي شيء آخر , إضافة إلى أن الصدر أصبح مسطحا و اختفى الشكل المميز للضلوع , أصبح الذراعان و القدمان مفلطحين , كان المنظر يبدو و كأن الشخص قد خرج من منزل محترق و اتجه يهرول نحو الطريق فاصطدمت به شاحنة نقل عملاقة و دهست كل جسده , المنظر كان بشعا , أدارت (هارونا) وجهها إلى الجهه المقابلة واضعة وجهها بين كفيها و هي لا تكاد تصدق ما رأته عيناها , نظر (هيكاشي) هو الآخر إلى بقية ما كان يسمى بفرقته الخاصة , تسمر (هيكاشي) في مكانه , التفت ناظرا نحو رانمارو و قال :
-أيها اللعين , سأنتقم لرجالي منك !
-لا تقل شيئا لا تستطيع أن تقوم به , هذه من شيم الاطفال الصغار فانضج .
قالها (رانمارو) و ووجه طاقته كلها نحو فقاعة (هيكاشي) , فكر (رانمارو) في نفسه :
((-يجب أن أنهي هذا بسرعة , لقد استهلكت طاقتي الروحية و أوشكت أن أصل إلى أقصاها , هذا اللعين كم يملك من طاقة روحية متبقية , المفترض أن يكون قد أوشك هو الآخر على نفاذ طاقته !! ))
أصبح الهواء الآن المحيط بالفقاعة يتلون بلون أحمر قاتم , أما في الداخل فصار لونه لبني فاتح , يبدو أن المعركة أصبحت معركة قوى روحية , لمن الغلبة إذن؟! , كانت الفقاعة تصغر و تصغر , و (هيكاشي) وجهه مليء بالعرق الغزير , ضاقت الفقاعة أكثر و أكثر , مضت اللحظات و كأنها سنوات , فجأة انفجرت الفقاعة , لقد انهارت مقاومة (هيكاشي) , اندفعت الطاقة الروحية ممزوجة بكمية هائلة من الرياح في اتجاه بؤرة واحدة و هي جسد (هيكاشي) , صرخ من الألم , و سقط من الارتفاع الذي كان به , سقط على ظهره , لم يتحرك بعدها , انطفأ اللون الأحمر بعصا (رانمارو) و هو ينهج , لقد وصل إلى أقصى طاقته بالفعل
((-جيد منك أن طاقتك قد نفذت أيها الأبله ! ))
فكر رانمارو , كان يحني ظهره مستندا على ركبتيه بيديه من التعب و هو ينهج بشدة , التفت برأسه نحو الوراء ليرى (هارونا) التي كانت لازالت تجلس في مكانها تهتز من هول ما قد رأته حتى الآن , عدل من وضعه و هو لازال ينهج و قال :
-ياكو , هيا اخرج من عندك و احضر تلك المسكينة إلى المنزل , هيا !
صدر صوت خفيف من الأشجار القريبة , تبعه خروج (ياكو) , نظر نحو الفتاة بشفقة و اتجه إليها و هو يقول :
-هيا فلتأتي معي !
تراجعت الفتاة إلى الخلف و هي تزحف على الأرض و تضع يدها اليسرى أمام وجهها من الخوف و جسدها يرتعش , شعر (رانمارو) بالشفقة تجاهها , فذهب إليها و هو يترنح من الضعف و قال لها عندما أصبح عند (ياكو) مستندا على كتفه بيده :
-لا تخافي مني , لقد أنقذتك .
لم تقل الفتاة شيئا , كل ما فعلته أنها كانت تحملق فيهما و عيناها متسعة , مرت عدة لحظات من الترقب حتى أرخت (هارونا) يدها الموضوعة أمام وجهها , أغلقت عيناها , و سقطت على الأرض فاقدة للوعي !!
يتبـــــــــــــــــــــــــــع................... .......

اماريج 01-08-10 07:32 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الواحد و العشرين


هارونا ...رانمارو.


- ضعها هنا , ستنام هنا الليلة.

قالها (رانمارو) المنهك و سقط على الأرض ممدا يستند بظهره إلى الحائط المواجه للفراش , تابع (ياكو) ببصره و هو يضع (هارونا) على (الفراش) , و يسقط بعدها على المقعد بجواره ليستريح , أخذت ثواني معدودة تمر بينما هما يلتقطان أنفاسهما , نظر (ياكو) نحو أخيه و هو لازال صدره يعلو و يهبط قليلا من التعب و قال له :
- أليس من الخطر أن نأتي بها إلى هنا ؟! , نحن حتى الآن لا نعلم ما إذا كانت طيبة أو شريرة.
- قلبي يخبرني أنها طيبة , كما لو أنها كانت شريرة لقاتلت الرجال و ما احتاجت مساعدتنا.
- ولكن كيف تفسر وجود فرقة قوية تطاردها ؟!!
قالها و سكت ناظرا نحو (رانمارو) , نعم لماذا كانت فرقة بهذه القوة تطاردها , هكذا فكر (رانمارو) , لم يجد لهذا الأمر تفسير , لكن كان هناك شيء آخر يقلقه , تسائل (رانمارو) وهو يحدق نحو الأرض :
- لكن من كانوا هؤلاء ؟! لم يكونوا سحرة , هناك شيء غريب فيهم , أليس كذلك ؟!
نظر نحوه (ياكو) و قال :
- أظن أنهم كانوا مصاصي دماء.
- وهل يمكن أن تكون ...
وأشار باصبعه في تراخي و هو يرفع يده نحو (هارونا) الفاقدة للوعي , ولم يكمل كلامه حيث سقطت يده على الأرض , سقطت رأسه على صدره , فقد أغمى عليه هو الآخر !

*************************


- سيدي !

- ماذا هناك ؟
- سيدي الصغير ... سيدي هيكاشي ...
قالها الخادم و هو يرتعش بشدة , وقف (ماكيتو) من على مكتبه , قال و هو منزعج :
- ماذا هناك ؟! ماذا حدث ؟!
- إنه..إنه بالخارج ... إنه ...
قالها الخادم و هو يبكي و يرتعش و يشير بيده المرتعشة نحو الخارج , اندفع (ماكيتو) من خلف مكتبه بسرعة شديدة مصطدما بالخادم فأطاح به و اصطدم بالباب في قوة سقط بعدها أرضا و هو يتألم , لم تكن رعشته مما حدث للسيد الصغير , بل كانت رعشته خوفا من رد فعله الغاضب , اندفع (ماكيتو) يطوي درجات السلم الحلزوني الأسطوري الشكل في ثواني بقفزات هائلة سريعة , وصل إلى الطابق الأرضي , اندفع نحو الردهة الواسعة فتسمر في مكانه من المفاجأة , فهناك و على أرضية الردهة كان يرقد جثمان ابنه مغطى وجهه و جسده برداء أبيض ملطخ بدماء ابنه , كانت والدته ترقد منحنية على جثمان ولدها و هي تبكي , اتجه (ماكيتو) بأقدام مرتعشة و عين باكية نحو جثمان ولده بتثاقل , سقط على ركبتيه عندما وصل إلى جسده , رفع يد ابنه و قبلها , ازدادت دموعه المنهمرة , وقعت يد ابنه من يده و هو يبكي , نظر إلى جواره , وجد زوجته , اندفعت في حضنه تبكي و تضرب صدره بقبضتيها و تصرخ بأعلى صوتها :
- ولدييييي ... أرجع إلي ولدييييييييييي ... أرجع إلـ..لي ..ولـ..لـ..د..ي...!!!
اندفعت في بكاء و نحيب يدمي القلوب , نظر إليها (ماكيتو) , ثم نظر نحو جثمان ولده , أمسك خصلة من شعره و جذبها بشدة إليه فانقطعت , أمسك بخصلة الشعر و قال بحرقة و وجهه أحمر و عيناه تدمع و متسعة من الغضب:
- أقسم بك أيتها الخصلة إنني لن أدفنك حتى أدفن معكي من قتل ولدي أو أدفن نفسي مع ولدي !!

************************

- آه ! يبدو إنني قد نمت طويلا , لقد كانت ليلة عصيبة !
قالها (رانمارو) و هو يتثائب , نظر حوله وجد أنه مستلقي على الأريكة , اعتدل في جلسته عليها ببطء و تراخي و يكاد يفتح عينيه بصعوبة من الكسل , نظر نحو الفراش وجد فتاة جالسة تحدق فيه بإمعان , نظر نحوها ببلاهة , بعدها تذكر ما حدث له أمس , فقال بسرعة و اتسعت عيناه :
- هل أنتي بخير ؟! هل أصابكي أي مكروه ؟!
قالها و هم بالقيام فلم يستطع , نظر حول جسده فوجد أنه مربوط بحبل رفيع إلى الأريكة , نظر نحو الفتاة التي قالت و هو تهم أن تغادر الفراش :
- أنت لا تستطيع أن تغادر مكانك حتى تقول لي أين نحن ؟!
قالتها و رفعت عصا (رانمارو) السحرية أمام وجهها تتفقدها , كانت كطفلة وجدت لعبة غريبة , كانت تمسكها بأطراف أصابعها بغرابة شديدة , و تتفحص كل بوصة فيها بعين متسعة , مرة تنظر إليها , و أخرى تشمها , أثار كل هذا حنق (رانمارو) الذي صاح :
- كفي عن اللعب بعصاتي السحرية أيتها الطفلة , هيا أعيديها إلي .
حدقت فيه بغضب و قالت :
- من هي الطفلة ؟! , ألا ترى سيدة أمامك ؟! أنت حقا لا تعرف كيف تعامل الفتيات !!
قالتها و استمرت في فحص عصا (رانمارو) بشغف , كتم (رانمارو) غضبه بصعوبة , نظر إليها ووجهه شديد الاحمرار و قال :
- هل يمكن أيتها السيدة الجميلة أن تعطيـــ ...
- كاي ...!
- طاااااااااخ !
صدر صوت انفجار من العصا ألقى (بهارونا) نحو الخلف و ارتمت العصا في الهواء , وقعت على الأرض متدحرجة بجانب الأريكة , حدق (رانمارو) بغضب شديد إلى عصاته و هي على الأرض , بعدها إلى (هارونا) التي صفقت بيديها فرحا و كأنها فعلت شيئا مثيرا , قالت :
- يا له من شيء جميل , أريد أن أفعلها مرة أخرى !
-كفى , إياك وأن تفعليها و إلا أقسم أن أعلقك من شعرك الطويل هذا في الشرفة طوال الليل!
نظرت (هارونا) إليه ثم إلى شعرها , أمسكت به وحركت يدها فوقه و كأنها تقوم بتسريحه , فقالت :
- حسنا ...
- هل ستتوقفي ؟!!
قالها بسرعة و لهفة , فردت (هارونا) :
- كلا , سأقص شعري !
قالتها و اتجهت بسرعة من فوق الفراش إلى العصا الملقاة على الأرض وسط ذهول (رانمارو) , قبل أن تمسكها صاح فيها (رانمارو) :
- هل من الممكن أن تشرحي لي لماذا تفعلين كل هذه الأمور الغريبة ؟!!
-ببساطة هذه أول مرة في حياتي أقابل فيها ساحر على الحقيقة , لقد سمعت عنكم كثيرا .
قالتها و تركت العصا تسقط على أرضية الحجرة بعد أن التقطتها و كأنها تذكرت شيئا , اتجهت نحو (رانمارو) و هي تحملق في وجهه بغرابة , تراجع (رانمارو) إلى الخلف عندما اقتربت منه , شعر و كأن وجهه يقع تحت عدسة مكبرة , أمسكت (هارونا) بأنفه ثم أذنه , و خبطت علي جبهته وكأن هناك تجويف داخل رأسه تحاول أن تجده , اشتد غضب (رانمارو) في تلك اللحظة و قال لها :
- إذا لم تكفِ عن هذه الأمور الصبيانية فسوف أعلقكِ من قدميكي في الشرفة طوال الليل .
نظرت (هارونا) محدقة به , رمشت مرتين بعينيها المتسعة ناظرة إلى قدميها و قالت :
- أنا لا أقدر أن أقطعها , أليس كذلك ؟!
((- ما هذه الفتاة البلهاء ؟!))
فكر (رانمارو) .
ابتعدت الفتاة عنه , جلست على حافة الفراش و قالت ناظرة نحو الأرض :
- لقد قيل لي أن السحرة وحوش , قتلة , رئوسهم بداخلها أسلحة فتاكة , كما أن العصا التي يحملونها ثعبان مجمد , لا أعرف لماذا , لكني لا أجد ذلك فيك , هل أنت ساحر أم أنت شخص آخر ؟!!
حدق (رانمارو) فيها باستغراب شديد , يبدو أن تلك الفتاة كانت محبوسة مثله و لم تقابل أي فرد خارج عائلتها , هكذا فكر , نظر نحوها بعين العطف , إنها تذكره بنفسه حين قابل (كايتو) ورأى لأول مرة تعويذة سحرية , فابتسم , نظرت إليه (هارونا) باستغراب و قبل أن تقول ما تريد سارعها (رانمارو) بقوله :
- أنا اسمي رانمارو .
قالها و مد يده اليمنى نحوها ليصافحها , نظرت إليه و إلى يده الممتدة لثواني ثم حركت يدها اليمنى لتصافح يده و قالت :
- و أنا ... و أنا ... أنا هارونا .
قالتها و ابتسمت , كانت ابتسامتها طفولية , كانت لا تتعدى من العمر أربعة عشر ربيعا , كانت برائة الأطفال في عينيها و ابتسامتها , نظر نحوها (رانمارو) و قال :
- هل يمكن أن تفكي وثاقي الآن ؟!
نظرت نحوه هارونا و قالت بصوت خفيض :
- أخاف أن تفعل بي تهديدك , و لكني حقا لم أرَ أي ساحر من قبل و كنت أريد أن أتعرف على ما يقوم به , لكنني لم أقصد أن أسبب لك أي ضيق أو ضرر .
- لا , لا تحزني , أنا لن أقوم بأي شيء , أنا كنت مثلك تماما , بل لم أعرف أنني ساحر إلا منذ وقت قريب .
- ماذا ؟!! و لماذا إذن ؟!!
قالتها و هي تضع كفيها على ركبتيها و انحنت نحو الأمام نحو (رانمارو) و عيناها متسعة و تنظر في عينيه بشغف , نظر إليها , ابتسم و قال :
- حسنا , فكي وثاقي أولا ثم أحدثكي في هذا الأمر و تحدثيني أيضا عن نفسك , ما قولك ؟!
- حسنا !
قالتها و صدر صوت طرقعة خفيفة من اصبعي الإبهام و الوسطي بيدها اليمنى , بعدها انفك وثاق (رانمارو) , اعتدل في جلسته , جلست (هارونا) القرفصاء على الفراش ووضعت مرفقيها على ركبتيها و استندت برأسها على راحتي يدها و كأنها تشاهد عرضا في التلفاز , و قالت :
- هيا قص لي ما حدث لك و سأقص لك ما حدث لي .
مكثوا حوالي الأربعة ساعات , كل منهما يقص للآخر قصته , قص (رانمارو) عليها سريعا و بإيجاز شديد قصته من بداية الحادثة الأولى له مع الساحر مرورا بمقابلته (لكايتو) حتى نهايته مع (ياكو) و اختطاف (ساكورا) , في حين قالت له عليىما دار بين أمها و اللورد (ماكيتو) عن زواجها و كيف أنها هربت بالتفصيل , قالت (هارونا) بعد ان انتهت من رواية قصتها :
- أنت إذن من يطلقون عليه المنبوذ ؟! لقد اشتقت للقائك حقا و ها أنا ذا معك في مكان واحد.
نظر إليها (رانمارو) بشيء من الغضب و قال :
- أنا لست بمنبوذ , هذا خطأ , و سأثبت برائتي و سأصححه !
- ولكنك الآن ملقب بهذا , و لن أتراجع عن ندائك بالمنبوذ حتى تثبت برائتك !
قالتها و هي ترجع إلى الوراء لتريح ظهرها على الحائط و تبتسم إغاظة في (رانمارو) الذي اندفع يقول :
- أنا برئ و لا تقولي هذا أمامي !
- حاضر أيها المنبوذ !
- ماذا قلت لك ؟!!
- حسنا لن أقول لك منبوذ أيها المنبوذ !
- هارونا !!
قالها و هو يجز على أسنانه من الغيظ , ابتسمت و هي ترمقه بعينيها , نظرت نحو سماء الغرفة و كأنها تحلم , قالت بهدوء :
- لقد اشتقت إلى أيام المرح و اللعب مع ناجامي , لا أعلم لماذا و لكن ...
اعتدلت في نظرتها لتحدق (برانمارو) و تابعت :
- ولكن يوجد لدي شخص آخر أتسلى معه , إنه أنت أيها المنبوذ .
- هارونا إن لم تصمتي لـ ...
- لـ..ماذا ؟! ماذا ستفعل لي ؟!
قالتها و ابتسمت من الغيظ و الغضب اللذان كانا يملآن وجهه , أدار وجهه إلى الناحية الأخرى و قال :
- لا شيء , أنا لا أستطيع أن أؤذي أي فتاة !
- هذا ما كنت متأكدة منه , فأنت تبدو رجلا شهما أيها المنبوذ !!
- آآآآه , كفي عن هذا الحديث معي .
- ماذا ستفعل إن لم أتوقف ؟!!
- آآآآآآه !!!
استمر الحال هكذا بينهما حتى حلول الظلام , كانت (هارونا) تستمع بإغاظة (رانمارو) , عندما حل الليل , نظر إليها (رانمارو) و قد مل من الشكوى من لقبه البغيض , دخل (ياكو) الغرفة بينهما , لم يكن قد أدرك ما حل بينهما , لكنهما ظلا على حالتهما من الصدام المرح , عندما مل (رانمارو) منها قال لها :
- حسنا ساذهب لأتدرب , هل تريدين أي شيء ؟!
- كم هي محظوظة !!
- ماذا تقصدين ؟!!
قالها و تابع (هارونا) في حركتها و هي تغادر الفراش :
- أقول يا لتلك الفتاة من حظ حتى تجد فتى وسيم يتكبد عناء المخاطر و يعرض حياته للخطر في سبيل ارجاعها سالمة , ليتني أجد واحدا مثلك ... أيها المنبوذ !!
قالت الكلمة الأخيرة و هي تضحك لأنها تعلم رد فعل (رانمارو) المسبق لكنها فوجئت ببرودة رد فعله , فحدقت به في غرابة و قالت و هي تضع راحة يدها اليسرى على جبهته :
- هل أنت مريض عزيزي المنبوذ ؟!!
لم يتغير مزاج (رانمارو) , بل رد عليها قائلا :
- لقد قررت ألا أزعج نفسي مما تقولينه , فبعد كل شيء أنتي تستمعين بكوني أغضب لسماعي تلك الجملة , و أنا لن أعطيكي تلك المتعة مرة أخرى !!
قالها و هو يبتسم ابتسامة صفراء , و ينظر إليها نظرة تشمت , فنظرت نحوه بجدية وقالت:
- لا أهتم لذلك , لكني لن أتوقف عن قول ذلك أيها ا.ل.م.ن.ب.و.ذ..!!!
قالتها و هي تنطق كل حرف و تحدق في وجه (رانمارو) و كأنها ترميه بالحروف , غير (رانمارو) مجرى الحديث بقوله سريعا :
- هل مصاصي الدماء يتدربون مثلنا ؟! لكن أين عصاتك السحرية ؟! لم أرها معكي !
- حسنا , نحن نتدرب مثلكم و لكن لا نملك أي عصا و لهذا ...
قالتها و نظرت إلى أصبعها السبابة الأيمن , فرأى (رانمارو) شيئا غريبا , إن الإظفر الخاص به قد طال إلى الأمام ليصبح طوله حوالي الثلاثون سنتيمتر تقريبا , و كأنه فعلا عصا في يدها , ابتسمت لنظرة الدهشة التي تغرق وجهه , و قالت :
- يبدو أنك تجهل كثيرا عن عالمنا أيها المنبوذ !!
- و أنت كذلك أيتها الهاربة !!
- أنا لست بهاربة , أنا لا أريد أن أقضي بقية حياتي مع شخص أبغضه .
قالتها بصوت عالي , ابتسم (رانمارو) و رد قائلا لها :
- حسنا أيتها الهاربة , إنكي أمامي هاربة , و سأظل أقولها لك , أيتها الهاربة , أيتها الهاربة , الهاربة , الهاربة , الهاربة , ا.ل.ه.ا.ر.ب.ة... !!!
قالها بسرعة و هو ينظر تجاه (هارونا) التي أمسكت نفسها بصعوبة وسط ضحكات (رانمارو) الشديدة , فقالت له:
- حسنا إذن , سأكف عن قول المنبوذ و أنت كف قول الهاربة !!
قالتها و هي تنظر بحزن نحو أرضية الحجرة , كانت كالطفل إذا أخذت منه لعبته المفضلة , فرد عليها (رانمارو) قائلا لها :
- حسنا أنا موافق , فهذا أفضل لنا نحن الاثنين , و الآن هل أبدأ التدريب ؟!
أومأت برأسها في خجل , فقام من على الأريكة , و اتخذ الوضع المميز للتدريب , ثم قال :
-كايتو !
حملق (ياكو) و (هارونا) به , ظل الأول صامتا طوال حديثهما السابق , كل ما كان يفعله هو محاولة منع نفسه من القهقة بصوت عال حتى لا يتوقفوا عن تلك الروح الجميلة
ظهر الضوء المشع الباهر مرة أخرى , أغلق (رانمارو) عينيه و فتحهما ليجد نفسه عند مدخل الكهف .
يتبـــــــــــع ....................

اماريج 01-08-10 07:33 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الثاني و العشرون


مشكلة هارونا


تلفت حوله , لم يجد شيئا غير عادي , اتجه نحو المدخل كعادته , لكن صوت ما أوقفه , نظر خلفه حيث مصدره فوجد (هارونا) تقف محملقة فيه صارخة :

- ماذا تفعل هنا ؟!!
قالتها وهي تشير بيدها اليمنى نحو (رانمارو) الذي اكتفى بالإبتسام , كررت (هارونا) سؤالها بغيظ أكبر , فقال لها (رانمارو) مغمضا عينيه , ينظر نحو الأرض و لازالت الإبتسامة لا تفارق شفتيه :
- هذه أول مرة لكي , أليس كذلك ؟!
نظرت نحوه (هارونا) محدقة فيه بحنق و قالت :
- كلا لقد تدربت من قبل مئات المرات !
- لا أعني ذلك .
- إذن ماذا تقصد ؟!
- أقصد أن هذه أول مرة لكي تتدربين فيها مع شخص آخر .
- وهل يفرق الأمر كثيرا ؟!!
- نعم , فعندما تتدربين مع شخص آخر تندمج قواكما الروحية و تتدربان معاَ.
- ماذا؟!! لكنني لم أكن أتدرب في هذا المكان المظلم , لقد كنت أتدرب في مكان أشبه ما يكون بالحديقة .
ابتسم (رانمارو) أكثر حتى ظهرت نواجزه و تمتم بما لم تسمعه (هارونا) جيدا :
- يالك من طيبة القلب و رقيقة ..
صرخت (هارونا) بحنق أكبر في (رانمارو) :
-ماذا تقول ؟!
فأسرع قائلا :
-كلا لم أقل شيئا , و لكن أين ذهب ياكو ؟!
قالت وهي تبتسم ابتسامة ماكرة :
-لقد خرج من الغرفة نحو الطابق السفلي فقررت أن أتدرب أنا الأخرى !
نظر نحوها ثم قال :
-حسنا , فليكن , و الآن ...
قالها و اتجه نحو مدخل الكهف و نظر للخلف نحو (هارونا) و قال :
- هذا هو كهف تدريبي , ذلك لأنني أقوى منكي في الطاقة الروحية ..
قالها بسرعة و بصوت مرتفع و ذلك لأنه كان متأكد من أن (هارونا) سوف تعترض عليه , و قد كان , دخل رانمارو الي داخل الكهف بسرعة دون أن ينطق بأي كلمة , نظرت نحوه (هارونا) بحنق , و قالت :
- أف , حسنا إذن .
دخلت بحنق إلى داخل الكهف , عندما أصبحت بداخله نظرت بكل دهشة و عيناها متسعتين , أدارت رأسها في المكان كله لبرهة , ثم نظرت إلى (رانمارو) , و قالت و هى تشير إليه بيدها اليسرى :
- إنه كهف واسع و كبير جدا لا يبدو ذلك من منظره الخارجي .
لم يتكلم معها (رانمارو) , كان ينظر نحو وحشها , كان دبا كبيرا أزرق العينين , لكن ...
- ماذا يحدث لوحشك ؟!
نظرت (هارونا) إليه كالبلهاء , ثم تناقلت بصرها بين وحشها و (رانمارو) , قالت و هي لا تزال بنفس النظرة :
- لا أعلم ما الذي تتحدث عنه ؟!!
أشار (رانمارو) نحو الوحش و قال لها :
- إنه لا يحتمل طاقة وحشي الروحية , إنه لشيء غريب , ألا تري كيف ...
بتر عبارته حيث وجد (هارونا) فقدت وعيها فجأة بجانبه , تسقط على الأرض على ظهرها , أسرع بمد يده ليمسكها قبل أن تصل إلى الأرض , استطاع أن يدركها قبل سنتيمترات معدودة من الأرض .
- هارونا ... ظلي معي ... هيا أفيقي ... هيــ ...
- لا يمكن أن تفعل لها شيئا هنا !
نظر (رانمارو) نحو محدثه , فوجده وحش (هارونا) و هو لازال يضع يديه الاثنتين أمام وجهه و صدره حتى يقي نفسه من طاقة وحش (رانمارو) , ارتعش (رانمارو) و هو لا يدرك مغزى ما قاله للتو وحش (هارونا) , فتابع:
- انظر بني , إنني لا أحتمل قوة وحشك , ليس لضعفي و لكن لوجود شيء أزال قوتي عني و امتصها بعيدا , بالتالي لا أحتمل قوة وحشك , و كذلك الأمر مع هارونا , إنها لن تستطيع أن تتدرب معك إلا إذا وجدت حلا لتلك العقبة.
نظر نحوه (رانمارو) في فزع , عندما هم بقول شيء ما صرخ فيه الوحش قائلا :
- ألا تدرك الأمر بعد , إنها تحتضر و هي هنا , أسرع بالخروج الآن !!
لم يدرك (رانمارو) ما كان يفعله سوى أنه كان يطوي الأرض بساقيه , كان يحمل (هارونا) بين ذراعيه , أصبح وجهها الآن أزرقا , ازدادت قوة ضربات قلب (رانمارو) حتى أنه أحس بها , اقترب من المدخل , قفز إليه ليتجاوزه , لكن ...
- آآآآآه !!!
صرخ (رانمارو) عند اصطدامه بحاجز خفي يسد المدخل , ارتد (رانمارو) و (هارونا) إلى الخلف لمترات معدودة , توقف بعدها (رانمارو) و هو يلهث , كان يحدق بالمدخل , أصبح ذلك المدخل مملوء بلون أسود خفيف , كان يتحرك اللون بسرعة و كأنه موج بحر , عندها ارتطمت (هارونا) بقدمه اليسرى , نظر إليها (رانمارو) في إلتياع , فلقد تحول لونها إلى الرمادي , التفت (رانمارو) للخلف نحو وحشه و صرخ فيه :
- ماذا حدث ؟!! لماذا لا أستطيع الخروج من كهفي !!
نظر إليه التنين و نفخ كرة صغيرة من النار من الغيظ و قال :
- إن المدخل محمي بتعويذة قوية , تعويذة تجعل من يدخل لا يستطيع الخروج .
- و ما العمل ؟!!
صرخ (رانمارو) , فتابع الوحش :
- لا يوجد للأسف ما تفعله , لا يمكن أن ينتهي تأثير هذه التعويذة سوى بشخص من الخارج !
- لكنها ستموت بعد دقيقة !!
قالها وحش (هارونا) بحزن شديد , نظر (رانمارو) تجاهه هو و التنين , لم يكن يعرف ماذا بمكن أن يفعله , نظر نحو (هارونا) الممددة بجانبه , مال بجسمه نحوها , أمسك بكتفيها وحملها ووضع رأسها على فخذيه , مسح بيده برفق و حنان على شعرها , تذكر كلماتها : ((أيها المنبوذ ... أنا لست بهاربة ))
وسط صوت ضحكاتها يتردد في أذنيه بقوة , اندفعت الدموع من عينيه كسيل منهمر , احتضنها بقوة و هو يقول :
- أنا آسف , أنا لست قويا إلى الدرجة التي تؤهلني لحمايتك , لا أعلم ماذا أفعل !!
- راااانماااارووو , ماذا تفعلان من غيري ؟!
دوي هذا الصوت المميز في أرجاء الكهف كله , نظر (رانمارو) نحو (ياكو) , أحس أن الثواني صارت ساعات طويلة , كان أمامه (ياكو) يكاد يرفع قدمه اليسرى للدخول إلى الكهف ...
- كلاااااااااااااااااا !!!
صرخ (رانمارو) بكل قوته , صرخ بأعلى صوته , صرخ إلى الدرجة التي توقفت فيها قدم (ياكو) في منتصف طريقها في الهواء , فقد (ياكو) إتزانه , لوح بيديه الاثنتين في الهواء محاولا ضبط إتزانه , كان يبدو أنه سيسقط إلى داخل الكهف ...
- هيا اسرع رانمارو و اعبر الكهف و ياكو عند مدخله , هيا !
انتفض (رانمارو) مستفيقا من قول النسر , لم يضع ثانية بعدها , وقف و حمل (هارونا) بين ذراعيه و تحرك , لم يعلم كيف و لكنه كان يتحرك بسرعة شديدة , أصبح جسد (ياكو) الآن مائلا للأمام , اخترق (ياكو) مدخل الكهف برأسه , كان يهوي للأمام , لم يستطع ضبط إتزانه أكثر من هذا , كان (رانمارو) على بعد خمسة أمتار عندما وقف , ركض (رانمارو) خطوتين , أحس و كأنه لا يوجد بالكهف , أحس و كأن الدنيا تظلم أمامه , لم يوجد في العالم سواه و (هارونا) بين يديه , و (ياكو) الذي يميل نحو الأمام , أصبح (ياكو) الآن داخل الكهف برأسه في حين أن صدره يقطع المدخل , أصبح (رانمارو) على بعد ثلاثة أمتار , أغمض عينيه , و صرخ , و قفز بكل قوته , تخطي صدر (ياكو) الآن المدخل , قفزت قدماه لا إراديا حتى يقي جسمه من آثار السقوط , لم يكن (رانمارو) سوى على بعد متر و نصف الآن , أصبحت ساقي (ياكو) مستعدة لتعبر مدخل الكهف , لم يبلغ (رانمارو) المدخل بعد , وصل أيضا إلى الأرض في نفس اللحظة منهيا قفزته القصيرة تحت تأثير وزن (هارونا) الزائد على ساقيه , لوهلة نظر تجاه (ياكو) , كان الآن قد دخل الكهف إلا من ساقيه , لم يعرف (رانمارو) ماذا يفعل , لم تكن هناك سوى مسافة نصف متر تفصله عن المدخل , و لكن يالها من مسافة طويلة مقارنة بالوقت القصير الذي يملكه , لم يعرف ماذا يفعل , شعر أنه لن يفعلها , نظر تجاه (هارونا) , أحس أن الوقت يمشي ببطء , وجد أن لونها قد اتجه إلى السواد , تغيرت حالته , اتسعت عيناه من الاصرار , و صرخ :
- كلاااااااااااااا , لن أسمح بحدوث ذلك .
قالها و قفز ...

**************************


خيم ظلام دامس على القلعة العتيقة بمنطقة نائية في احدى الغابات المحيطة (بطوكيو) , لم يكن فقط ذاك اللظلام خارجها , بل اكتنفت أرجاؤها ظلمه و وحشة , من بين طرقاتها , إلى حجراتها , و كذلك سجونها و دهاليزها , لكن ...

- لم هذا الاجتماع المفاجئ لورد ماكيتو ؟!!
قالتها إمرأة ترتدي فستانا أحمرا أنيقا , تراجعت في بطء و دلال على المقعد الفخم العتيق , قال لها اللورد (ماكيتو) :
- ألا تريدين أن تبدي قليلا من الحزن نحو وفاة ابنى؟!
قالها و ضاقت عيناه , ردت عليه السيدة بضحكة قصيرة و قالت له :
- لا يساوى عندى قدر بعوضة هذا المعتوه.
- ماذا ؟!!!
قالها و اندفع نحوها , كان الغضب يملؤه , رفع قدمه ليوجه لها ضربة في وجهها لكنها تفادتها بقفزة رشيقة على مقعدها , تابعت حركتها الرشيقة بالقفز مستندة على كتفي (ماكيتو) لتقفز خلفه في مرونة واضحة , عندما استقرت على الأرض لفت ذراعها حول عنقه و قالت :
- إذا أردت القتال فلا بأس , أنا أشعر بالملل منذ فترة طويلة و لا مانع عندي من تجديد النشاط !!
ثم أطبقت أكثر على عنقه حتى أحمر وجهه بشدة و هو يعافر بكل قوته قدر المستطاع ليفك قيود يدها حول عنقه لكن دون أي تأثير , أكملت و هي تبتسم :
-و إذا أردت فمن الممكن أن ألحقك بابنك مادمت تحبه إلى تلك الدرجة !
حينها صدر صوت ثالث :
- هلا تستريحا و ليهدئ كل منكم نفسه حتى نتناقش بصورة أكثر عقلانية ؟!!
نظرت السيدة نحو رجل جاء من وسط الظلام , ضاقت عيناها من الغضب و تمتمت :
- اللعنة !!
- لماذا هذه النظرة الحزينة الغاضبة عزيزتي؟! إنها تنبعث منكي لتملأ المكان ظلمة أكثر , هلا تركتي اللورد و جلستي مكانك سيدتي ؟!!
قالها و انحنى بصورة مسرحية أمامها , كتمت السيدة ما كانت تريد أن تقوله , أرخت ذراعها , ثم اتجهت لتجلس في مكانها , سقط (ماكيتو) على الأرض جاثيا بركبتيه و هو يمسك حلقه بقبضتيه و كأنه يريد أن يوسع مجرى الهواء بيديه , وسط سيل من الكح المتواصل , توقفت بعد لحظات من بدايتها , فأصبح صوت تنفسه عاليا قليلا , يبدو و كأنه كان يجري ماراثون طويل , نهض بصعوبة , و هو يترنح , التفت نحو السيدة , حدق فيها بكراهية فقالت :
- أرجو ألا تكرهني لما فعلته , فأنت كما تعلم لا أحب الفاشلين .
أمسك اللورد نفسه بصعوبه رغم سوء حالته , اتجه نحو مقعده بترنح حتى وصل إليه , ارتمى جالسا فوقه كأنه فراش يرتاح فيه , نظر الرجل الوافد نحو (ماكيتو) ثم نحو السيدة و قال وهو يجلس على مقعد ثالث :
- و الآن , هل نبدأ الإجتماع , ماذا ستفعل أيها اللورد مع الذي قتل ابنك ؟! هل عرفت من هو ؟!
نظر اللورد إلى محدثه و هو لازال يعاني أثار الاختناق , فقال بصعوبة و ببطء بصوت لا يخلو من الحشرجة :
- نعم , لقد تأكدت منه , لا يوجد من يستطيع أن يستخدم طاقة روحية نارية مثل تلك سوى شخص واحد , إنه رانمارو.
هدأ جو الغرفة كالجو خارجها , حدق الرجل (بماكيتو) , ثم قال بهدوء و بصوت صارم و جدي للغاية :
- هل أنت متأكد مما تقول ؟!!
- نعم , لقد قال و أكد لنا تلك المعلومة قائد فريق التحقيقات لدي , و هو من أكفأ الرجال في مجاله !!
- أف !
قالتها السيدة بملل , فالتفت نحوها (ماكيتو) و قال لها :
- ماذا هناك الآن ؟!!
نظرت نحوه السيدة و على شفتيها ابتسامة مكر و سخرية , قالت بصوت يملؤه الاستهزاء :
- نعم أنت لديك أفضل رجالك في هذا المجال , و لكنه ليس أفضل شخص فيه .
- هل تعنين إيكويا ؟!
قالها الرجل بهدوء أيضا محدقا بالسيدة , فتابعت :
- نعم , إنها أفضل شخص على الإطلاق في هذا المجال .
حك الرجل الغريب ذقنه بيده و هو يمعن في التفكير , نظر إليه الآخران بإهتمام و بإنصات شديد , رفع رأسه و قال :
- هل تريدين التأكد من أنها قد وصلت متأخرة فعلا ؟!
ابتسمت السيدة و قالت :
- هذا أقل ما هو متوقع من رئيس رايدو ناكاما , نعم هو كذلك.
نظر إليها الرجل و ابتسم , قال :
- لا يمكنني أن أجزم حتى و إن فعلت الصواب أنها لا تضمر شرا , فمن الممكن أن تتذاكى و هي أكثر الناس معرفة بكي..
مالت السيدة بجسمها للأمام قليلا على مقعدها الفخم و قالت :
- لا أهتم لذلك الاحتمال الضئيل , لكني أريد أن أقلل إختياراتي في شكي معها .
نظر الغريب تجاه (ماكيتو) و قال له :
- هل تعارض أن تحقق إيكويا معك في هذه الحادثة !
صمت اللورد قليلا , كان يفكر في المخاطر و الفوائد من وجود (إيكويا) معه , صمت لبرهة , ثم قال بعدها :
- لا أعارض وجودها بل أرحب به .
جال الغريب بنظره بينهما ثم قال :
-حسنا , لقد سوي الأمر إذن , هيا غادرا المكان حتى أستدعيكما مرة أخرى !
نظرا نحوه , كانا في الواقع يبغضانه , لكنهما حتى تلك اللحظة لا يعرفان عنه شيئا , لهذا فقد قررا مجاراته حتى يدركا شخصيته بعدها يقررا هل يتبعانه أم يجعلانه يغادر هذه الدنيا إلى الأبد , قاما و غادرا المكان في لحظات , أما هو أخذ يفكر فيم اقاله اللورد من قليل ...
((-رانمارو فعل ذلك ... يبدو أنك تفوق توقعاتي أيها العنيد , هذا جيد لك و لي و للجميع عزيزي , هيا واصل تقدمك و تحطيمك للذي أتوقعه لك حتى تدمر نفسك بنفسك عزيزي !!)) ترددت هذه الكلمات الشيطانية في عقله , فأخذ يضحك عليه ضحكات عالية , تردد صداها في أنحاء هذه القلعة , في دهايزها , في حجراتها , طارت أسراب من الخفافيش التي تسكن القلعة , حملقت عينان خضراوان وسط ظلام المكان الذي لا ينيره سوى بعض شعلات نارية خفيفة , تمتم الشخص المقيد بسلاسل نحو الجدار فور سماعه ضحكة هذا الشيطان :
-هل انعقد مجلس الشر مرة أخرى ؟ إلى متى سيظلون مسيطرين على العالم ؟! ألا يوجد من يستطع الوقوف في وجههم ؟!
ظل الشخص يتسائل دون أن يجد أجوبة , و دون أن يدرك شخص آخر بوجود من يتسائل هذه الأسئلة..


يتبــــــــــــــــــــــع...........

اماريج 01-08-10 07:34 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الثالث و العشرون


لحظات عصيبة...... ساكورا ...أم....هارونا ؟!!!


أصبحت ساق (ياكو) على مقربة من عبور حافة الدخول إلى داخل الكهف , أما (رانمارو) فقد صار على بعد نصف متر فقط من الخروج , كان الموقف عصيبا , لكن ...

- توقف ياكو !
صرخ (رانمارو) و هو في وسط قفزته الثانية , فعل شيئا عجيبا ً , أشار بيده نحو (ياكو) , اندفعت طاقته الروحية نحو الأخير و أحاطت به و هو في الهواء و أمسكته , صرخ (ياكو) من الألم الرهيب , لكنه توقف فعلا و كأنه لا يهتم بالجاذبية على الإطلاق , في اللحظة التالية كان (رانمارو) قد اجتاز المدخل فعلا , اختفت بعدها الطاقة الروحية و تابع (ياكو) اندفاعه نحو الأمام مكملا رحلة قفزته , صدر صوتين متتاليين , الأول عن ارتطام جسد (رانمارو) بالأرض و تدحرج (هارونا) من يده عليها , و الثاني صوت إرتطام جسد (ياكو) بأرض الكهف و تدحرجه هو الآخر , وقف (ياكو) و الغبار يملأ كل بوصة من جسمه حانقا , التفت ناظرا في المكان الذي يقف فيه (رانمارو) و صرخ مهددا بقبضة يده اليمنى ملوحا بها في الهواء :
- أريد تفسيرا لما حد ...
لم يكمل , فهناك , و في مدخل الكهف , لا يوجد شيء , كان هو وحيداً فقط هنا , اندفع بسرعة عابرا المدخل للخارج , و منها إلى العالم الخارجي.
- هل من الممكن أن تشرح لي ما حدث ؟!!
قالها (ياكو) و هو يلهث مستندا بيديه على ركبتيه من التعب و كأنه كان يجري بشدة , نظر نحوه (رانمارو) و هو يضع (هارونا) في الفراش و يغطيها جيدا ً , رد قائلا :
- هناك من فعل شيئا بطاقة هارونا الروحية !
- ماذا ؟!!
صاح (ياكو) من الدهشة و هو غير مصدق , نظر إليه (رانمارو) ثم التفت لينظر نحو (هارونا) الراقدة فاقدة للوعي , أمسك يديها بيديه و قال بحزن :
- لا أعلم كيف أو ماذا حدث , لكن هارونا و وحشها لم يستحملا قوتي الروحية , و كادت أن تموت , بل إن هناك تعويذة تُفعل فقط إذا شاركت أي فرد في التدريب ...
قالها و التفت إلى (ياكو) و أكمل و على وجهه نظرة حزن شديدة :
- عندها لا يمكنها أن تخرج هي و الذي معها , و تظل محبوسة تعاني من تأثير الطاقة الروحية حتي ...
نظر إليه (ياكو) بصمت و على وجهه أمارات الحزن و الأسى ...
- تمــــوت !
انتفض (ياكو) من الفزع بعد قول (رانمارو) الأخير , نظر تجاه (هارونا) , و قال كأنه مأخوذ بما حدث :
- تمو...تموت ؟!!
قالها مستفسرا بحزن شديد و هو ينظر نحو (رانمارو) بعين متسعة , حدق فيه (رانمارو) للحظات ثم نظر إلى الأرض و تابع :
- نعم , و كان الحل الوحيد هو أن يأتي شخص من الخارج و يقف في مدخل الكهف حتى يبطل مفعول تلك التعويذة , و قد كنت أنت ... ياكو ...
قالها (رانمارو) ناظرا إليه , التفت إليه (ياكو) و تابع (رانمارو) :
- إنني آسف على ما قد حدث , لم أكن أقصد إلحاق أي ضرر بك أخي , لكن ...
- لا تكمل , المهم أن هارونا الآن بسلام .
قالها و ارتسمت على شفتيه شبح إبتسامة خفيفة وهو ينظر تجاه (هارونا) الراقدة بسلام و سكينة على الفراش , قال له (رانمارو) و هو يتحرك تجاه منتصف الغرفة و يتخذ وضع التدريب :
- هيا ياكو لابد و أن أعرف ماذا ينبغي أن نفعله من أجل هارونا , هل ستأتي ؟!
- نعم , أريد أن أفهم مثلك السبب , فلا حاجة لي للبقاء معها هنا وقد اطمئننا عليها , هيا بنا !
قالها و اتخذ وضع التدريب المميز مع (رانمارو) , دخلا إلى عالم التدريب ..
نظر (رانمارو) نحو (ياكو) عند مدخل الكهف و قال له :
- إنتظر هنا حتي أدخل أنا , فإذا كانت التعويذة موجودة فستظل هنا حتى تساعدني على الخروج.
- حسناً !
قالها (ياكو) إلى (رانمارو) , فتحرك الأخير نحو مدخل الكهف , و دخله , ثم التفت ليخرج , نظر (ياكو) بترقب شديد نحو (رانمارو) الذي كان يتصبب عرقا خوفا من وجود التعويذة على مدخل كهفه و بالتالي لا يمكن له التدريب بسهولة , أصبح الآن عند مدخل كهفه , رفع قدمه اليمنى عن الأرض , حدق بالحد الوهمي الذي يفصل الكهف عن خارجه , تحركت قدمه ببطء نحو الخارج , نظر (ياكو) و (رانمارو) إلى قدم الأخير اليمنى , قد أصبحت الآن قاطعة مدخل الكهف بالضبط , حرك (رانمارو) قدمه نحو الأمام بقوة وهو يغمض عينيه كأنه يستعد لحدوث شيء مؤلم , فلم يقف شيئا في طريقها و اندفعت نحو الأمام , فمال جسده معها فسقط على الأرض و تدحرج مرتين ثم توقف , فنهض و هو ينفض الغبار عن ملابسه و هو يقول مبتسما :
- حسنا لا توجد هذه التعويذة هنا , فهيا بنا لنر ما علاقتها بهارونا .
قالها و اتجه بصحبة (ياكو) نحو الكهف , ثم وقفا أمام الوحشين , انحنى (رانمارو) أمامها و معه (ياكو) و قال :
- مرحبا بسيداي , كيف حالكما ؟!!
- نحن على ما يرام رانمارو .
هكذا رد التنين , رفع كل منهما رأسه و نظرا نحو الوحشين , ثم تكلم (رانمارو) :
- أريد أن أتحدث معكما عما حدث اليوم , مع هارونا أقصد.
- انظر رانمارو ...
هكذا قال التنين فنظر إليه (رانمارو) و (ياكو) , فتابع :
- هذه الفتاة قد تعرضت لتعويذة حرمان من قوة وحشها , و هذا ما كانت نتيجته ضعف وحشها , كان ضعيفا إلى الدرجة التي لا تمكنه من تحمل قوتي الروحية , مع العلم أنني أعرف هذا الوحش جيداً , إنه يصنف من فئة أقوى الوحوش , و بالتالي قوته هذه ليست قوته الأصلية .
- لكن من الذي سيفعل ذلك ؟!! و ما هي الفائدجة التي سيجنيها من جراء ذلك ؟!!
صرخ (ياكو) نحو التنين , نظر إليه التنين و قال له :
- لا تصرخ فى هكذا , أنا لست وحشك , تعلم الإحترام أيها الصغير .
قالها و تلون جسده بالأحمر , اندفع (رانمارو) و انحنى و أحنى (ياكو) بيده اليسرى , و قال:
- أرجو المعذرة سيدي فنحن تحت ضغط عصبي شديد , أرجو أن تسامحه !
نظر (ياكو) و هو منحني بيد (رانمارو) إليه , فابتسم ثم قال :
- أرجو أن تسامحني سيدي , فأنا اندفعت من غضبي لمن فعل تلك الفعلة الشنعاء .
- حسنا , أنا أقدر ظروف كل منكما و لكن أرجو ألا تتعدى حدودك المرة القادمة و إلا سأضطر إلى معاقبتك , هل فهمت ؟!
- نعم سيدي فهمت !!
رفع كل منهما رأسه و نظر نحو التنين الذي تابع :
- إجابة على تساؤلك , الذي قد فعل ذلك كان يخطط منذ البداية بالتدريب معها , فعندما يفعل يفعل تكون أسيرة للتعويذة , و بالتالي سوف تموت .
- ولكن ما مصلحته من فعل هذا ؟!!
سأل (رانمارو) الوحش بهدوء , حيث كان لا يريد إثارة حفيظته , نظر الوحش نحوه مستغربا من لهجة (رانمارو) الهادئة و ابتسم قائلا :
- يبدو أنه كان لابد من معاقبة ياكو منذ البداية حتى تتعظ أنت , هاهاهاها , فلنعد إلى موضوعنا , انظرا , من فعل ذلك كان يخطط لمشاركة تلك الفتاة قوتها الروحية ووحشها .
حدق (رانمارو) و (ياكو) برعب نحو التنين , كانا لا يصدقان ما سمعاه للتو , من كان يفعل ذلك ؟!!
- لكن , لم يخطط ذاك الشخص في أن يتم إبطال مفعول التعويذة من الخارج بشخص ثالث , أو أنها تتدرب مع شخص آخر غيره.
قال (رانمارو) ذلك وهو لا يزال في حالة الدهشة , فرد عليه التنين بحزن قائلا :
- لا رانمارو , لقد خطط لذلك أيضا ً , لهذا فإنه أضاف جزء للتعويذة بجعل هارونا حتى إذا تم إنقاذها فإنها ستموت بعد خروجها من هنا بيومين بالضبط !!
هذه المرة كانت الصدمة أكبر , اندفع جسد كل منهما منتفضا إلى الخلف بعنف , حدق (رانمارو) إلى (ياكو) الذي صرخ :
- هاااااااارووووناااااااا !!!
اندفع (ياكو) يجري بسرعة نحو المخرج , عندما هم (رانمارو) باللحاق به سمع صوت النسر ينبهه فوقف ناظرا إليه فقال :
- رانمارو , هناك وسيلة ليتم إنقاذ الفتاة تلك , و لكنها صعبة .
صرخ (رانمارو) مجيبا :
- لا يهمني , قل لي سيدي ما هي و سأفعلها .
قال التنين :
- حسنا , هذه التعويذة حتى تتم يجب لصق ورقة عليها كتابات التعويذة على ساق الشجرة الرئيسية للعائلة .
حملق (رانمارو) فيهما بتعجب و تمتم :
- و هذا يعني أننا يجب أن نذهب نحو الشجرة المقدسة لعائلتها و نزع تلك الورقة .
- الأمر ليس بتلك البساطة .
هكذا قال النسر , ثم تابع التنين قائلا :
- أنت تعرف أن من أهم أسرار أي عائلة هي الشجرة المقدسة , هذا بالإضافة إلى أن الشخص الذي قد وضع الورقة لن يسمح لك بذلك .
نظر (رانمارو) إليه ثم قال :
- لكن هل يمكن أن أجد الشجرة تلك بدون مساعدة عائلتها .
نظر التنين نحو النسر الذي رد قائلا :
- حسنا رانمارو , أنا لست جيدا بما فيه الكفاية في فن إقتفاء الأثر ذاك , هناك من هو متخصص عني فيه , لكن نظرا للظروف فأنا أفضل ما لديك .
نظر نحوه (رانمارو) و هو يشير برأسه إشارة مغزاها أن يكمل , فتابع :
- أنت تحتاج فقط إلى خصلة شعر من الفتاة , ثم بعدها ستقوم بعمل تعويذة تستحضرني فيها و لكن بصورة مصغرة , و يفضل أن يقوم ياكو بذلك حتى لا تستهلك قوتك الروحية كلها , كما إنني أعلم أن أضعف صورة لك سوف تكون أكبر مما نحتاج بكثير , سوف أطير آخذًا الشعرة داخل جسمي و أجعلها كبوصلة , ستشير نحو المكان الموجود به أكبر كمية من الطاقة الروحية الخاصة بوحش الفتاة و هي بالتالي ستكون طاقة الشجرة بالتأكيد , عندها سأرجع إليكما و أدلكما على الطريق , وبعدها افعل ما تريد .
نظر (رانمارو) نحو النسر و قال له :
- لكن هل يعلم ياكو تعويذة استحضارك ؟!
قال النسر بأسى :
- كلا للأسف , و لهذا عليك بإحضاره لي كي أدربه عليها .
- حسنا .
استدار (رانمارو) ليهم بالمغادرة , فاستوقفه التنين ثانية قائلا له :
- رانمارو ,ربما تحتاج الفتاة لدم , اجعل ياكو يعطيها من دمه .
- ماذا ؟!!
صاح (رانمارو) مستنكرا للوحش , و تابع :
- من الذي سيعطيها دم , لا يمكن , هل تريد أن يكون ياكو مصاص دماء هو الآخر ؟!!
ابتسم الوحشان و نظرا لبعضهما البعض , ثم تكلم وحش (ياكو9) و قال :
- لا , أنت فهمت المعلومة خطأ , لكي يصبح الفرد مصاص دماء لابد و أن يشرب من دم مصاص دماء آخر , أما إذا امتص مصاص دماء دم من أي شخص فإنه لا يسبب له شيئا سوى بعض من فقدان الذاكرة للأحداث الحديثة و التي سيكون منها مقابلته لمصاص دماء , و بالتالي سينسى أنه قد قابل مصاص دماء , و هذا بسبب نوع من السموم موجود بناب مصاص الدماء !
نظر (رانمارو) اليهما , ثم قال مترددا :
- هل تعني أنه إذا امتصت تلك الفتاة من ياكو دما فإنها لن تحوله إلى مصاص دماء ؟!!
- كلا على الإطلاق , لن تقوم بفعل أي شيء له سوى أنه سينسى أنها قد امتصت دمائه !
نظر (رانمارو) نحوهما ثم التفت ليغادر نحو الخارج , قال و هو في الطريق :
- حسنا , سأقنع ياكو , و بعدها سأجعله يحضر إليكما هنا ليتدرب .
قالها و وصل إلى المخرج و تجاوزه ,غاب عن نظريهما متجها إلى عالمه البشري , نظر النسر نحو التنين و قال له :
- هل تعتقد أن رانمارو سيقدر على فعلها ؟!!
صمت التنين و لم يجب , كانت صورتهما قد أصبحت تتلاشى , استمر النسر بالنظر نحو التنين الذي كان لا ينظر سوى نحو مكان (رانمارو) قبل اختفائه عند المخرج , عندما أوشك جسده أن يختفي تماما قال :
- نعم , سيفعلها !
قالها بارتياح و هو مبتسما , ابتسم النسر كذلك , ثم اختفى كل شيء .
- ياكو ... هل لي بدقيقة معك ؟!
قالها (رانمارو) نحو (ياكو) , رفع (ياكو) رأسه من فوق يد (هارونا) ناظرا نحو (رانمارو) و عينيه تغرق في بحر من الدموع الحارة , قال له :
- ماذا تريد مني يا أخي ؟!
قالها و هو ينشج من شدة البكاء , ابتسم (رانمارو) إليه , فكر (رانمارو) :
((- ياكو طيب القلب , لكني كيف سأخبره بموضوع امتصاص دمائه هذا , أنا لا أعرف و لكني يجب أن أخبره !! ))
- تعالَ هنا لدقيقة , هيا قم , تشجع و تفائل فهناك وسيلة لإنقاذها .
من كان ينظر للتغير المفاجئ (لياكو) في تلك اللحظة لأجزم أنه كمن وجد ماء كي يشربه طفله الرضيع بعد ضياع في الصحراء لمدة ثلاثة أيام على الأقل , لم تكن فرحة لسبب شخصي , هذا ما جعل (رانمارو) يبتسم أكثر عندما هب (ياكو) قافزا من مكانه و ركضه نحو (رانمارو) قائلا له :
- ماذا يجب أن نفعله , أنا مستعد لفعل أي شيء لها !
ترقبه (رانمارو) للحظات معدودة و لازالت الابتسامة تأبى أن تفارق شفتيه , ثم تبدل حاله إلى شيء من الأسى عندما تذكر كيف سيخبره بموضوع امتصاص الدماء ذاك , نظر إليه (ياكو) و اندفع متسائلا بصوت عال ِ :
- ماذا هناك ؟ كيف سننقذها ؟!!
- تعال نجلس على هذه الأريكة أولا يا أخي .
قالها (رانمارو) و التفت نحو الأريكة الموضوعة بجوار الحائط المواجه للفراش , وضع يده اليمنى ملتفة حول كتف (ياكو) في حنان , أخذه رغم صدور نبرات اعتراض من الأخير عن هذا الموقف الغريب , فلماذا في هذا الوقت العصيب و بدلا من الحديث عن كيفية انقاذها سيجلسون على الأريكة؟!! لم يملك (ياكو) بدًا من متابعة أخيه و الجلوس على الأريكة بجواره , ثم قال له بعد جلوسهما :
- حسنًا , لقد فعلت ما تريده و الآن هل من الممكن أن تشرح لي كيف سننقذها ؟!!
نظر إليه (رانمارو) بنفس نظرة الأسى السابقة ثم أرخي يديه من على كتف أخيه , انحنى بجسمه للأمام و استند بمرفقيه على ركبتيه , ثم أشبك يديه أمام وجهه و نفخ فيهما بأسى و حزن قائلا بعدها :
- ياكو , أخي , أريد أولا و قبل أي شيء أن أسألك , هل الجماعة التي اختطفت ساكورا , هل تلتزم بما قاله قائدها أم إذا نجحت في الفوز على قائدهم أخلوا بالإتفاق ؟!
نظر (ياكو) إليه , لم تمر في رأسه فكرة واحدة عن (ساكورا) , لقد نسى تحت وطأة هذا الاحتلال موضوع (ساكورا) , لكن كيف سينقذ (هارونا) , كان عليه أولا أن يتخلص من وطأة الاحتلال البغيض ذاك كما تخلص منه (رانمارو) من قبله , نظر نحو (رانمارو) و قال:
- للأسف أخي , فالسارق لا يعيد شيئا سرقه , كما أنه لا توجد كرامة أو شرف لأي سارق , فإذا استطعت التغلب على قائدهم , استغلوا فرصة ضعفك بعد القتال و استكانتك بعد الفوز و هجموا عليك ليستريحوا من عدو قوي ربما لن يستطيعوا مواجهته في المستقبل !!
تفاجأ (ياكو) من عدم تغير حالة (رانمارو) الذي قال بصوت خفيض حزين :
- كما توقعت تماما !!
قالها و عاد إلى الوراء ليريح ظهره على الأريكة , ثم نظر تجاه أخاه و قال :
- الوضع الآن هو كالتالي : ساكورا مخطوفة من قبل سارقين لن يلتزمون بعهدهم معنا غدا , و هارونا ستموت بعد غد ليلا , هذا يعني أنه توجد مسافة يوم تقريبا بين قتال ساكورا و موعد موت هارونا .
نظر( ياكو) إليه و لم ينطق , لقد أراد معرفة ما يفكر فيه (رانمارو) , تابع الأخير قوله :
- بما يخص موضوع هارونا , فهناك طريقة واحدة لانقاذ حياتها , و هي أن نذهب و ننزع التعويذة الموضوعة على شجرة عائلتها الروحية !!
حملق (ياكو) (برانمارو) و ضحك , ثم قال :
- أنت تمزح , أليس كذلك ؟!!
- كلا !
قالها (رانمارو) بصرامة جعلت (ياكو) يتوقف عن الضحك و يتأكد أن الموضوع جدي و أن هذا الاقتراح هو الحل الوحيد المتاح أمامهم .
- هل تريد أن تخبرني أننا يجب أن نذهب إلى المقر السري للأسرة و نحارب أعضائها و نزيل التعويذة من على شجرة عائلتهم المقدسة هكذا و بكل بساطة , هل تعرف ما معنى أن يرى شخص غريب الشجرة الروحية الخاصة بالعائلة ؟!! هل تدرك مدى الخطر الذي يحيق بمن يعرف المقر الرئيسي ؟!! يعرف مكانه فقط و ليس يذهب لزيارته , أتدرك خطورة ما تقول ؟!!
نظر (ياكو) بعينان متستعتين غير مصدق لفكرة (رانمارو) المجنونة , فقال الأخير :
- للأسف أدرك ما معناه , و للأسف لا توجد وسيلة أخرى أمامنا سوى تلك .
صمتا لبرهة , نظر (ياكو) إليه ثم نقل بصره نحو (هارونا) , وجد لونها قد اصفر , أغلق عينيه و نفخ قائلا :
- آه يا ربي , هل حقا لا توجد وسيلة أخرى أمامنا ؟!
- كلا للأسف الشديد , كما يجب أن يحدث كل هذا خلال اليومين القادمين و إلا ماتت و سيضيع مجهودنا هباءا .
- و ساكورا ؟!!
قالها ياكو محدقا نحو (رانمارو) و هو يضع رأسه على راحة يده اليمنى مستندا بكوعه الأيمن على ركبته اليمنى , فقال (رانمارو) بحزن شديد له :
- سأضطر لتولي أمرها بنفسي , فأنا من أضاعها , و أنا من يجب أن يسترجعها.
- هذا مستحيل بمفردك , ستكون أشبه بمن ينتحر !!
- لا تجادلني ياكو , هناك أشياء أهم يجب عليك فعلها بدلا من مرافقتي , يجب عليك أن تتدرب على أداء تعويذة معينة , لا بل عليك أن تتقنها في أقل مدة ممكنة , ربما خلال ساعات قليلة يكون ذلك أفضل .
- ما هذه التعويذة ؟!!
قالها ياكو ناظرا نحو (رانمارو) باستغراب , فما هي تلك التعويذة التي يجب عليه تعلمها و هو متأكد مسبقا أن (رانمارو) قد تعلمها ؟!!
- إنها تعويذة إستحضارك لوحشك !
- ولكنك تستطيع أن تقوم بها , أليس كذلك ؟!!
- بلي , و لكني سأعود من معركتي لإنقاذ ساكورا متعبا جدا , هذا إن رجعت ... حيا !!
صمت (ياكو) , صمت (رانمارو) , صمت كل شيء في هذا الكون حولهما , لم يتردد سوى صدى صوت داخل رأس (ياكو) , كان الصوت يقول له :
((- لقد أدركت الوضع الآن , لقد أدركت المأزق الذي أنتم فيه , هل تريد أن تترك الجميع يقاتل و يدافع عما يملكونه و أغلى ما عندهم و أنت جالس مكانك ؟!! ماذا تريد ياكو ؟!! هل تريد ضعفا و احتلاله البغيض يقبض على صدرك ؟! أم تريد قوة و تصميم مثل ما عند رانمارو فتتحرر من بغض احتلال دام أكثر من أربعة عشر عاما ؟! لقد تركت الجميع و هربت , لقد تركت قريتك و أهلك و أحبائك و أصدقائك و لم تفكر حتى في تحذيرهم أو أخذهم معك , هل تريد أن تفعل ذلك الآن ؟!! ماذا سيكون ردك ياكو ؟!))
لقد كان صوتًا يعرفه جيدا , إنه صوت وحشه , بعد ثواني من الصمت المطبق تكلم (ياكو) قائلا :
- حسنا , سأتدرب , سأتقن تلك التعويذة أخي !
قالها و هو يرفع رأسه ناظرا نحو (رانمارو) , كانت عيناه كلها اصرار , كانت عيناه تملؤها العزيمة , العزيمة و الاصرار على التحرر من سجن هذا الاحتلال البغيض , نظر إليه (رانمارو) و ابتسم , ابتسم من السعادة , لا , ليس كذلك , ابتسم من الثقة أيضا , كان واثقا لسبب لا يعلمه أن أخيه سيتقنها , أن أخيه سيفعلها .
- و الآن لنتحدث في آخر موضوع لدينا , هارونا مصاصة دماء كما تعلم ...
نظر نحوه (ياكو) و قال له :
- نعم , و وماذا بعد ؟!
لم يتكلم (رانمارو) , إنما أخذ يشير بيديه بحركات و إشارات غير مفهومة على الاطلاق دلالة على ربكته الشديدة , أمال (ياكو) برأسه في إشارة لأخيه كي يتابع كلامه , بعد لحظات , تنهد (رانمارو) و أرخى يديه علر ركبتيه , ثم قال بسرعة و هو يغمض عينيه و بدون تفكير :
-إن هارونا تحتاج إلى نقل دم سريع , فهي مصاصة دماء , يجب عليها أن .. تتغذى , و أريدك أنت أن تغذيها .
نظر (ياكو) إليه و ابتسم ابتسامة مكر قائلا له :
- و لماذا أنا بالذات , ألا ينفع أنت ؟!
رد (رانمارو) ابتسامة (ياكو) بابتسامة مثلها و قال له :
- أنا سأحارب الآن من أجل ساكورا .
- و أنا سأتدرب .
رد رانمارو :
- لكن يجب على أي فرد منّا أن يطعمها , ياكو , إن بنابها سم يجعلك تنسى أنك قد اطعمتها.
زادت ابتسامة (ياكو) مكرا و هو يقول :
- و لماذا لا تطعمها أنت و ستنسى ؟!
تنهد (رانمارو) زافرا و بقوة , ثم قال :
- يا أخي قدر موقفي , أنت ستتدرب هنا في المنزل , أما أنا فسأخرج لأحارب .
- لا أنت و لا هو , سأطعمها بنفسي .
نظر كل منهما نحو مصدر الصوت , هناك , و عند الباب المغلق كان يقف المتحدث , فتح الشخص الباب و دلف إلى الغرفة , تسمر كل منهما في مكانه عند رؤيتهما للشخص الموجود عند الباب , ثم اندفع (ياكو) قائلا في دهشة شديدة :
- أمــــــــــــــــي ؟!!!

يتبــــــــــــــــــــــــع................

اماريج 01-08-10 07:35 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الرابع و العشرون


المواجــهة


حدق كل من (رانمارو) و (ياكو) نحو والدة الأخير صامتين , ليس بشيء إنما من الصاعقة التي نزلت عليهم , تحدث لأول مرة (ياكو) هنا قائلاً :

-أماه , هل تعرفين من أنا ؟!!!
ابتسمت الأم ابتسامة رضا و قالت :
-نعم بالطبع , أعرف أنك ساحر , كما كنت أشك في أصدقائك في أنهم سحرة .
قال لها (ياكو) و هما لازالا على تلك الحالة من الدهشة :
-هل تعرفين أنني ساحر ؟!!! كيف ؟!!!
ذهبت الأم نحو منتصف الحجرة و جلست على الأريكة المقابلة (لهارونا) و قالت و هي تنظر نحوها :
-أتذكر اليوم الذي جئتنا فيه كما لو كان البارحة ...
قالتها و شردت لثواني معدودة ثم تابعت و هي تصارع دمعة تأبى لها السقوط :
-كانت الدنيا تمطر , أتذكر ذلك اليوم بكل تفاصيله , كنت أنا و زوجي في طريق عودتنا من عند طبيب مشهور آخر , أقر لنا نفس الكارثة التي أقرها باقي الأطباء و هي أنني لن أحمل و لن أصبح أم ...
قالتها و هي ترفع يديها و تحدق بهما , كانت عيناها مغرورقتين بالدموع , تابعت :
-كيف لن أصبح أم ؟! كان شعورا سيئا , إحباطا أحاط بي كالظلمة في ليلة باردة , كنت وحيدة , لا أشعر بشيء سوى برودة الوحدة المرير , لا أسمع غير صمت النسيان الأليم , هانت علي نفسي , وصلت بي الحالة إلى تمني الموت و عدم العيش لحظة واحدة في هذا الجحيم ...
تنهدت بحزن و تعب , كانت ذكرى أليمة بالفعل , بعدها ابتسمت , ابتسمت و هي تنظر نحو ابنها , ابتسمت و هي تنظر إلى (ياكو) , تابعت :
-حتى جئت أنت , لم نعلم ماذا حدث أنا و زوجي , لكننا فوجئنا بشخص يسقط على الطريق مغشيا عليه فجأة , توقف زوجي بسرعة و صرير إطارات السيارة لازال عالقا بذهني , اندفعنا أنا و زوجي خارجين من السيارة مهرولين على الطريق وسط المطر الشديد , و ها أنت ذاك تقبع مغشيا عليك و في يديك عصاة شكلها غريب , و يحيط بيدك قفاز عجيب , تردد زوجي , نظر إلي , لم يدر ماذا يفعل , إنما أنا , لم أفكر , أحسست بصوت يناديني , أحسست بشعور يدفعني , اندفعت و حملتك بين ذراعي , رجعت إلى السيارة و أنا أحتضنك...
كانت الأم شاردة الذهن و هي تتكلم , ثم أغمضت عيناها و أحاط ذراعيها بجسدها و كأنها تحتضن شخصا خياليا , ابتسمت و تابعت :
-كان شعورا رائعا ذاك الذي أحسسته عندما احتضنتك لأول مرة ...
فتحت عيناها و هي لازالت مبتسمة :
-كان هذا هو شعور الأمومة بكل تأكيد...!!
صمت الجميع و الأم و (رانمارو) ينظران نحو (ياكو) الذي لازال في حالته السابقة , مندهشا , مصعوقا , صامتا مما يسمعه , أنزلت الأم يديها برفق و ببطء و تابعت بعد تنهيدة صغيرة :
-بالطبع كان زوجي معارضا لأخذك , فلم نكن نعلم من أنت , لكني لم أتحدث معه , بل أخذتك نحو السيارة و أجلستك في حضني أدفيك بجسدي , فلم يكن منه سوى أنه قاد السيارة نحو المنزل , بعد يومين تقريبا قد أفقت من غيبوبتك , كنت تتحدث عن قرية تدمرت , و عن كونك ساحر , و عن شخص قد قتل بواسطة ابنه , و أشياء عجيبة ...
قاطعها (ياكو) بسرعة بدون أي تغيير في حالته إلى الآن :
-لكن هل صدقتموني ؟!! كيف؟!!!
تحركت الأم نحو فراش (هارونا) , جلست عليه بجانبها و هي تسرح شعرها بأناملها كأنها أم تنظر نحو إبنتها , ردت قائلة :
-لو لم نرَ تلك العصا التي كانت معك , و كيف أن شكلها قد تبدل بعد أن أبعدناها عن يدك عندما وصلنا إلى المنزل لقلنا أنك تهذي بالكلام , بعدها راقبناك , فوجدناك عندما تشعر بالأمان تجلس جلسة معينة و تختفي , ثم تعود بعدها بفترة , ربما تعود و ملابسك قد تقطعت , عندها تأكدنا من كونك ساحر , بالطبع عارض زوجي وجودك في البداية , لكن إحساس الأب تغلب عليه , فنحن كنا سنتبنى ولدا , فها قد جئت لنا من السماء .
قالت جملتها الأخيرة عندما هم (ياكو) بقول شيء ما , بعدها صمت , نظر إليها و دموعه تترقرق في عينيه :
-لا أعرف ماذا أقول أمي , لقد لجم لساني عما يريد أن أقوله , لكنك أنت و أبي بالفعل أمي و أبي الحقيقيين .
اتسعت ابتسامة الأم , لكن قطع (رانمارو) ذلك الجو بقوله :
-هذا يعود بنا إلي ما كنا نتحدث فيه , سيدتي لا يمكنني أنا و لا ياكو أيضا أن نسمح لكي بما قلتيه سابقا .
نظر (ياكو) إليه و بعدها نحو والدته و قال مسرعا :
-نعم أنا أتفق مع رانمارو فيما قاله , ل...
-آه منكما , تقولان شيء و تعرفان أنه لا يمكن أن يحدث , لازلت كما كنت ياكو , عنيدا , رانمارو ...
قالتها و اتجهت بنظرها إليه :
-أنت تدرك جيدا الوضع الذي نحن فيه الآن , و كذلك تدرك أنني الوحيدة التي يمكن أن تقوم بتلك المهمة .
صرخ (ياكو) في (رانمارو) عندما أطرق برأسه نحو الأرض , كأنه كان متوقع منه النفي :
-ما هذا رانمارو ؟! لم نفعل كل هذا من أجل شخص لا نعرفه ؟!!
صمت (رانمارو) و هو لا يزال مطرقا ناظرا نحو الأرض , تابع (ياكو) :
-نحن لا نعرفها , فكيف لنا الآن بالتضحية بحياتنا ووضع خطة تحرير ساكورا ف...
صمت فجأة ياكو و ابتلع ريقه بسرعة ناظرا نحو أمه , ابتسمت و قالت :
-لا تخف بني , أنا أعرف أنها غائبة , فهذا بيتي و أعرف من فيه و من ليس فيه .
ابتسم رانمارو و قال رافعا رأسه نحوهما :
-لقد قررت في نفسي شيئا , سوف أكون حاميا للعدل , سوف أحمي الضعفاء من الجور الذي يتعرضون له , سأضحي بنفسي و بحياتي من أجل إنقاذ روح شخص واحد , لقد قررت أن أنضم إلى معسكر جنتو.
نظر ياكو إليه و عيناه متسعتان , لم يجد ما يقوله , لم يجد أي مبرر , فحماية الضعفاء أمثال ما كان هو عليه منذ زمن بعيد , و رانمارو منذ وقت قريب , و هارونا في الوقت الراهن هي أسمى عمل يتمنى أن يقوم به , أفضل شيء يمكن أن يضحي إنسان بحياته من أجله , لهذا صمت , لهذا لم يتكلم معارضا , بل أحنى رأسه هو الآخر بدون أن ينطق بأي كلمة , تنهدت والدته و قالت :
-هكذا أنت ياكو طوال حياتك , تنفعل لشيء تعلم جيدا أن الخير لك فيه , و عندما تدرك ذلك تصمت .
-هذا شيء أمي و ما تريدين القيام به شيء آخر , ماذا يحدث إذا كان الوحش خاطئا ؟!
قالت الأم لابنها :
-لا أضمن لك شيئا من شخص لا أعرفه , لكن كلامه هذا واقعي , ماذا كان سيحدث لكل أولئك البشر إذا كان كل من يمتص دمه يتحول إلى مصاص دماء؟! لكني سأقبل بتلك المخاطرة , و سأفعلها , اعتبرها بني كأنني أتبرع بدمي لشخص محتاج , هل كنت تعارض؟!
-أمي !!
-آه !
تأوهت فجأة هارونا منهية الصراع الهادئ بين أم و ابنها , نظر الجميع نحوها , كانت تتقلب بألم شديد و تقول بصوت واهن :
-إنني جائعة أمي , أمي أريد بعض من الطعام , هيا أمي , أين أنتي ؟!
كان يبدو أنها تهذي , نظر رانمارو و ياكو إلى بعضهما البعض , ثم قام رانمارو و اتجه خارجا من الغرفة و هو يقول :
-سأترك الأمر لك ياكو هنا , لا تنسَ , أمامنا وقت عصيب , تدرب بسرعة و بجد , أريدك أن تتقن التعويذة , أفهمت ؟
نظر ياكو و أشار بإصبع يده الإبهام بما يعني أن كل شيء سيكون على ما يرام , ثم قال :
-اذهب يا أخي , و لا تقلق , فسأقوم بدوري على أكمل وجه .
حدق رانمارو في ياكو و والدته مرة أخيرة ثم نظر نحو هارونا الراقدة في الفراش , و خرج من المنزل.

*************************


دفع رانمارو الباب بقدمه كي يغلقه بعدما خرج لتوه من المنزل , حدق ببصره نحو الشرفة الواقعة في الطابق الثالث , حيث يوجد ياكو والدته و هارونا , و تمتم :

-أتمنى أن تكونوا بخير عندما أعود .
اتجه بعدها نحو سور من الأشجار يحيط بالمنزل , جلس تحت شجرة و قال :
-كاي !
ثم :
-واشي باكيمونو !
قالها دون أن يجمع أي قدر من طاقته الروحية , اندفع لون أبيض محمر من طرف عصاته و تكونت سحابة ما لبثت أن انقشعت كاشفة عن نسر كبير , يبلغ مقدار حجم رانمارو خمس أضعاف , عندها فهم رانمارو ما كان يعنيه الوحش بقوله أنه لا يستطيع تحضيره بصورة مناسبة إلا ياكو نظرا لضعف طاقته الروحية , نظر النسر نحو رانمارو و قال :
-ألم أقل لك أن الذي يحضرني هو ياكو و ليس أنت , كم أنت عنيد !
ابتسم رانمارو للنسر , قال معقبا على كلامه :
-كلا سيدي , استدعيتك ليس من أجل موضوع هارونا , بل من أجل ساكورا .
نظر النسر نحو رانمارو فأحس الأخير كأنه موضوع تحت مجهر , ثم عقب :
-ماذا تعني ؟!! أليس من المفترض أن تقوم بإنقاذ ساكورا غداً ؟!
-كلا سيدي , لقد حدث تعديل بسيط في الخطة حتى تتوائم مع الظروف التي نحن فيها , أحتاج إلى مقدرتك البحثية القوية لإيجاد المكان الموجود به ساكورا .
رد النسر و هو يتحرك حول رانمارو ببطء في دائرة كأنه يفكر :
-حسنا , تغيير في الخطط , هه؟!! مهما كان أنت صاحب القرار , لكن تبقى معضلة هنا , أريد شيئا قد استعملته ساكورا , شيئا أنت متأكد من عدم استخدام شخص آخر له , هل لديك مثل هذا الشيء؟!
أدخل رانمارو يده اليسرى نحو صدره داخل المعطف الأسود الطويل الذي يلبسه , ثم أخرجها و معه شيء رفيع , اقترب النسر من رانمارو ليرى بوضوح أكثر , فقال :
-ما هذا ؟!!
-إنه الشيء الذي متأكد من أنه لم يستخدمه أحد من قبل إلا ساكورا , هذا هو السهم الذي أنقذت حياتي به , هيا استخدمه سيدي و ابحث لي عن مخبأ أولئك الأوغاد .
أشار النسر بجناحه الأيمن الكبير نحو السهم , فطار من بين يدي رانمارو المفرودتين إلى أعلى قليلا ثم سبح ببطء و سكون نحو النسر حتى وصل إلى جسده , اخترقه بعدها إلى وسط جسده , أضاء بلون أصفر مالبث أن توهج فجأة , اختفى النسر بعدها , اتجه رانمارو إلى المكان الذي كان به النسر , حرك يديه الإثنتين في الفراغ الذي كان يحتله النسر منذ لحظات , لم يجد في يديه سوى هواء , اتجه نحو شجرة , جلس عليها و هو يزفر بصوت عالٍ مسموع من الضيق قائلا :
-يا له من وحش غريب , لم يقل لي ماذا سيحدث , هكذا يختفي , أف من هذه الوحوش الغريبة .
-ماذا تقول ؟ لقد سمعتك !!
انتفض رانمارو فزعا و حملق بسرعة خلفه في اتجاه الصوت , ثم تنفس الصعداء واضعا يده على صدره و هو يلهث لثواني ثم قال :
-لقد أفزعتني حقا سيدي , متى جئت ؟!!
-أها , أتريد تغيير الكلام , ممممم , حسناً , لقد وجدت مخبأهم , جئت بعدها إلى هنا لأجدك تحدث نفسك كأنك مجنون , هل لازلت تريد أن تعرف أين مخبأهم ؟
-بالطبع سيدي .
قالها و نهض مسرعا و هو ينفض التراب من على معطفه , اتجه بعدها نحو النسر و قال له :
-أين مكانهم سيدي ؟
-حسنا , استعد .
قالها و بدون أي سابق إنذار اندفع نحو رانمارو , حمى رانمارو وجهه بيديه الاثنتين , فجأة سطع ضوء أصفر شديد كما حدث مع السهم , أغمض عينيه , و فتحهما , لكن ...
-أين أنا ؟!!!
ابتسم النسر , فرانمارو صار الآن في مكان جديد تماما , مختلف عما كان فيه , لقد كان في سهل متسع , يقف على هضبة عالية , أسفل منه , هناك و على مسافة قريبة منه تراصت مجموعة من المنازل بجانب بعضها , لكن شيء غريب كان يحدث , كانت الصورة تهتز و كأنها مرسومة على أمواج البحر , نظر رانمارو باستغراب نحو النسر الذي قال :
-هذه هي القرية التي توجد بها ساكورا , هذه القرية محمية بحاجز واقي , يبدو أن هذه أول مرة لك في إدراك مثل هذا الشيء.
أغمض رانمارو عينيه و فتحهما حوالي خمس مرات في سرعة فائقة كأنه يفيق نفسه من دهشته , تنهد و هو ينظر تجاه القرية مشيرا بيده اليمنى نحوها قائلا :
-هل وجود هذا الحاجز يحميها من البشر العاديين؟!
-نعم , لكن كونك ساحر أو من أي جنس آخر لا يمكن لك رؤيتها , فالطبيعي أن تراها منزل واحد كبير , أما إذا حاولت الاقتراب منه يحدث لك شيء يجعلك تبتعد عنه .
-لكن لماذا أراها هكذا ؟!!
-هذا بسبب وجودي معك فارتفعت طاقتك الروحية إلى الدرجة التي تمكنك من رؤيتها , هذا إضافة إلى أن مستوى الحماية هنا منخفض للغاية , فكوني بهذه الصورة الصغيرة يجعلك ترى القرية لدلالة على ذلك .
-حسنا , لكن كيف سأقتحمها ؟!
-نظر النسر إليه , ثم قال له و صورته بدأت في الخفوت تدريجيا :
-استحضر وحشك بكامل قوتك , عندما تتغلب قوتك الروحية و قوة وحشك على الحاجز , و هذا شيء مؤكد , فسوف تخترق دفاعاتهم , لكن احذر فسوف يعرفون أنك موجود , مما يعني أنهم سيستعدون لك , فلا تستكن إذا لم تجد شيئا قد حدث , فاعلم أنهم بانتظارك!!
قالها و اختفى تماما , تنهد رانمارو , نظر نحو الأرض , تردد في رأسه صوت ساكورا العذب و هي تقول له :
-(( سوف أكون بجانبك حتى تظهر برائتك و تنتفي التهمة النسوبة إليك .))
أغلق عينيه , تردد في عقله صوت واحد وسط سكون مطبق :
-(( هيا ... انهض أيها المارد ... هيا ... اثبت لنفسك مدى قوتك ))
قالها فتلون الهواء حوله بلون دموي سرعان ما قال بعدها و هو يفتح عينيه اللامعة بشدة بنار حارقة :
-هيا فلننقذ ساكورا أيها التنين ..... تونبو دينستسو !
اندفع صوت انفجار تلاه سحابة ضخمة من اللون الأحمر أحاطت بالفراغ الموجود أمام رانمارو , ثواني بعدها انقشعت كاشفة عن تنين ضخم أحمر اللون ينفث نارا من فمه , به جناحان كبيران , كان حجمه يقارب حجم منزل من أربعة طوابق , نظر التنين المجنح الناري الإسطوري خلفه تجاه رانمارو الذي قفز ليقف على كتف الوحش و قال له :
-هل أنت مستعد رانمارو ؟!!
-نعم سيدي , هيا لننقذ ساكورا.
اندفع التنين حاملا رانمارو على كتفه الأيمن قافزا بسرعة و بقوة نحو الحاجز الذي يخفي وراءه ساكورا رهينة بين أيدي الوحوش واضعا بداية معركة طويلة بأمل تحرير ساكورا و إنقاذ هارونا في النهاية...

يتبــــــــــــــــــع...................

اماريج 01-08-10 07:37 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الخامس و العشرون


تاكامي


**بعد مرور شهرين ...**


((-لقد اقترب الموكب من المصيدة ))

تحركت يد فتاة لا تتعدى العشرين ربيعا لتلتقط جهاز اللاسلكي من جوارها و تقربه من فمها و تضغط على زر خاص به بإصبع الإبهام و ترد قائلة :
-حسنا أنا مستعدة .
قالتها و أبعدت الإبهام عن الزر , ثم حركت يدها لتعيد الجهاز إلى مكانه السابق , بعدها تحركت للأمام زاحفة على بطنها و في يدها اليمنى عصاة قصيرة في نهايتها رأس تمساح و هي تمتم :
-أف , نفس العمل كل يوم , هيا , فلتقترب مني أيها العصفور الصغير .
قالتها و توقفت عن الحركة عندما وصلت إلى الأفريز المحيط بسطح أحد ناطحات السحاب العملاقة في العاصمة الشهيرة (طوكيو) , توقفت ثم أخذت تنهيدة و زفرتها و أنهتها بقول:
- تيريسوكوبو بيجون !
أضاء طرف العصى بلون أبيض شاهق بدت بعده السحب و كأنها رمادية اللون من نصعان هذا الضوء , و لكن لم يتكون شيء , إلا أن الفتاة حركت عينها ببطء شديد و هي تضع مرفقيها تحت ذقنها و كأنها تستمتع بمشاهدة شيء مسلي و قالت :
-هنا التمثال , و ها هي النافورة , هذا هو الطريق , لابد و أن أرى السيارات الآن .
قالتها و أطبقت حاجبيها , حيث بالفعل مرت السيارات من هذا الطريق , كانت ألوانها زرقاء , و تحمل فوقها كشافات لثلاثة ألوان مميزة و هي : الأحمر و الأبيض و الأزرق , لم تكن تلك سوى سيارات الشرطة العادية , و لكنها كانت بأعداد ضخمة و تحرس سيارتين ليموزين سوداء من النوع الذي يركبه الساسة الكبار...
-أها , اقترب من مصيدتك أيها الفأر الصغير , نعم , جيد أنت في نطاق تعويذتي !
قالتها و ابتسمت , ثم...
-كانشيكي أتسوسا !
أيضا شع هذا الضوء الأبيض مرة أخرى , و أيضا لم يحدث شيء , لكن...
-واحد , اثنان , ثلاثة , أربعة , خمسة, خمسة في المقعد الخلفي لسيارة رجل مهم كهذا , هذه ليست سيارته , فلنر التي تليها , نعم واحد في الأريكة الخلفية , و اثنان يجلسان أمامه , لابد و أنه هنا !
قالتها و ابتسمت أكثر , ثم قالت و هي لازالت تبتسم :
-حسنا إذن , سأختارك يا من تجلس في منتصف الأريكة الخلفية , فإن لم تكن أنت الرئيس فهذا من سوء حظك .
بعدها رفعت عصاتها ووجهتها كمن يشير بإصبعه نحو نقطة متحركة , فكانت تحرك العصا ببطء شديد , و بسير متعرج حتى صاحت :
-لقد أمسكت بك.
أمسكت بيدها اليسرى يدها اليمنى كمن يثبت شيئا و يخاف أن يهرب منه , ثم نطقت :
- فوكين زيتسوماي !
حدث كل شيء كما سبق , و لكن هذه المرة...
-توقفوا !
صدرت هذه الصيحة من داخل السيارة السوداء , فتوقف على الفور هذا الموكب الحاشد , صاحبه اندفاع عشرات الرجال شاهرين أسلحتهم الرشاشة نحو السيارة المنكوبة , فُتح الباب , اندفع شخصان منها انضم لهما ثالث كان يجلس بجوار السائق حاملين رابعا بين أيديهم , كان الأخير ثمينا و كرشه يبرز خارج بدلته الفخمة , اندفع الحشد القادم نحو الثلاثة و تناطرت كلمات الإستفهام و الإستغراب , لم يفهم الجمهور المحتشد حول هذا الموكب من الناس شيئا واحدًا , نظرت فتاة كانت تسير و تحمل في يدها جرابًا من الخشب المرصع بقطع من الفضة و الذهب و البلاتين في تناسق و تناغم و و جمال بلامبالاة نحو هذا الهرج , زفرت و أكملت طريقها متخطية الجموع الغفيرة التي جاءت لتستقصي الحدث و تنامى إلى مسامعها صوت بوق سيارة الإسعاف المميز معلنة وصولها إلى المكان.

*************************


دلف رجل يقارب حوالي الأربعين من العمر داخل حجرة يبدو أنها لشخص هام , جلس على المقعد المجاور للمكتب , فرفع الشخص الجالس على المقعد الخاص بمكتبه رأسه و تحدث قائلا :

-ماذا هناك يا (نايتو)؟ هل من جديد ؟
-نعم سيدي , لقد نجحت (تاكامي) في المهمة التي وكلت لها , و قد أٌعلنت وفاة الرجل في تمام الوقت الذي أردته سيدي.
ابتسم الرجل و قال :
-هذا جيد إذن , هذه الفتاة جيدة حقا , لم تخب نظرتي أبدا في أي قاتل من قبل كما لم تخب نظرتي بك.
أحس الوافد الجديد بالحرج و رفع يده اليمنى ليعدل من وضعية نظارته الطبية لإخفاء إحراجه ثم أكمل الجالس كلامه و هو يرجع بظهره ليجلس باستراحة أكبر على مقعده المريح قائلا :
-أوكل لتلك المميزة مهمة الفيلا الجديدة !
نظر (نايتو) نحو الجالس باهتمام و قال بتردد :
-هل أنت متأكد سيدي من ذلك ؟! إنها مهمة لم تعتد على مثلها بعد كما أنها بالغة الأهمية و الخطورة .
-لا تناقشني (نايتو) , لقد بلغت هذه الفتاة مكانة لا يمكن أن نتجاهلها بعدها , يجب أن نعدها الإعداد الجيد المناسب لقدراتها و ليس لسنها , هل فهمتني (نايتو) ؟!
-نعم , نعم فهمتك سيدي !
قالها و قام استعدادا للمغادرة , فاستوقفه الجالس و قال له :
-اجعل أحد أعواننا يراقب (تاكامي) من بعد حتى نطمئن على سلامتها !
لم يقل (نايتو) شيئا بل أومأ برأسه , ثم غادر الغرفة و هو لايزال مصمما على رأيه السابق , أن الفتاة تلك ليست مستعدة لمثل تلك المغامرة.

**************************


سار خادم داخلا مجتازا الردهة الواسعة لهذا القصر الفخم ليدخل عبر الباب إلى غرفة حيث جلست فيها سيدة تناهز منتصف الثلاثينيات , و بجاورها طفلة صغيرة لا يتعدى عمرها الخمس سنوات , كانت جميلة , مرحة , متألقة , شعرها أصفر و عيناها أخضر مما أضاف لها جمالا و جاذبية خلاف جمال وجهها , أدخل الخادم فتاة يبلغ عمرها الخامسة و العشرين عاما إلى الداخل ثم غادر , جلست الفتاة علي المقعد المخصص لذلك , كان يبدو أنه نوع من الاختبار , ابتسمت السيدة و قالت بترحيب و لهجة سعيدة :

-أهلا بكي , ما اسمك ؟
ردت الفتاة بغرور و بتعالي :
-اسمي (ماهيرو) , و عندي 25 عاما , و لقد سبق لي العمل في أماكن كثيرة لدى أناس معروفين مثل السير ...
وأخذت تتكلم بدون توقف لمدة قاربت على الربع ساعة , أراحت السيدة مرفق يدها الأيسر على الطاولة الموضوعة بينهما و هي تطلق تنهيدة لتوقف بها سيل الكلام هذا فتوقفت الفتاة و نظرت باستغراب للسيدة التي أسرعت قائلة :
-حسنا , إذا تم اخيارك سوف يتم ابلاغك , تفضلي .
-حسنا , و أنا متأكدة من أني التي سوف أفوز !
قالتها بثقة شديدة للدرجة التي رفعت عندها السيدة حاجب عينها الأيمن و رددت في نفسها:
-(( يالكي من مغرورة , بل لو لم يكن هناك سواكي فلن أختارك! ))
ضغطت السيدة على زر أحمر اللون موضوع على المنضدة فدخل بعدها بلحظة خادم و أشار للجالسة فقامت و اتجهت بثقة نحو الباب و غادرت , و ما إن غادرت حتى أطلقت ظهرها إلى الوراء بسرعة فاصطدم بظهر الأريكة بصوت مسموع و أطلقت عندها تنهيدة طويلة من التعب و قالت :
-ياله من يوم ! لم أعتقد أن البحث عن جليسة لطفلة صغيرة سوف يصبح بمثل تلك الصعوبة !
صمتت بعدها الأم و هي تراقب ابنتها الصغيرة وهي تلعب بكرة مطاطية صغيرة , تقذفها بيدها إلى أعلى و تجري محاولة التقاطها قبيل وصولها إلى الأرض , في أثناء ذلك قد تقع على الأرض , أو أن الكرة تسبقها و تتدحرج على الأرض فتجري الفتاة ورائها , تابعت الأم ابنتها و هي تلحق بالكرة و ...
-أخ , من هذا الذي يلعب هنا ؟!
قالتها الفتاة التي دلفت لتوها من الباب , حيث اصطدمت الكرة بقدمها اليمنى , فقالت ذلك و هي تبتسم ببراءة , هبطت نحو الأرض لتصبح في مستوى الفتاة , نظرت الفتاة إليها و عينها متسعة بدون أن ترمش , لم تكن قد رأت مثل هذا الوجه من قبل , ابتسمت الفتاة أكثر و مدت يدها و أمسكت بالكرة و لاحت بها أمام وجه الصغيرة فانتبهت لوجود الكرة معها , فتابعت سير الكرة في يدها , بعدها أطلقت الفتاة الكرة قاذفة إياها إلى داخل الغرفة , فصفقت الفتاة بيدها و قفزت قفزة خفيفة اندفعت بعدها وراء الكرة , ازدادت ابتسامة الفتاة اتساعا و هي تراقب ما فعلته الصغيرة لتوها , ثم أفاقت من سعادتها تلك بشعورها بمن يضع يده على كتفها , فارتعش وجهها للحظة حتى تعود إلى أرض الواقع ثم نظرت نحو اليد التي نبهتها , فإذا بالسيدة تضع يدها على كتفها و تقول لها :
-متى ستنتقلين لتعيشي معنا يا ... بالمناسبة ما اسمك ؟!
اتسعت عينا الفتاة في دهشة و ابتسمت و قالت في فرحة مصطنعة :
-هل ..هل تعنين حقا أني قد قُبلت بالوظيفة ؟!
-نعم , ولكن قبلها ما اسمك ؟!
-اسمي (تاكامي) !
-أوه , اسم جميل , أنا اسمي (ماهومي) , و تلك هي ابنتي...
وأشارت باصبع يدها اليمنى نحو ابنتها و تابعت :
-وهي اسمها (ساكورا) !
ابتسمت (تاكامي) و هي تقف بمساعدة (ماهومي) , نظرت نحو (ساكورا) التي أفلحت أخيرا في الامساك بالكرة , عندها جرت نحوها و بيدها الكرة و هي تبتسم و تقول بصوت طفولي رقيق :
-تفضلي , ما رأيك فيها ؟!
هبطت (تاكامي) مرة ثانية إلى الأرض و لكن جالسة على قدميها و هي تمسك الكرة بيدها اليمنى ثم تتفحصها و كأنها ستشتريها و (ساكورا) تتابعها في اهتمام , فقالت لها :
-إنها جيدة , ألا تحبين لعب الكرة يا أبلة ؟!
ابتسمت (تاكامي) , فجلست (ماهومي) بجوارها و أمسكت بيد ابنتها و قالت لها :
-انها ليست بأبلة , إن اسمها (تاكامي) , و سوف تعيش معنا في المنزل إلا لو كان عندك مانع !
اندفعت (ساكورا) قائلة :
-كلا , كلا , لا يوجد عندي أي مانع على الاطلاق .
ابتسمت (تاكامي) , و ألقت بالكرة في الهواء لأعلى ثم التقطتها و قالت ل(ساكورا) :
-أنا أحب أيضا لعب الكرة , هيا بنا نلعب .
قالتها و رمت الكرة في الهواء و قامت لتلحق بالكرة , فاندفعت (ساكورا) تنافسها على حصولها للكرة , و (ماهومي) تراقبهما و على شفتيها ابتسامة , لقد أفلحت في إيجاد جليسة ممتازة لابنتها , كلا , لقد أفلحت في إيجاد أخت كبرى لابنتها .

***********************


-أوه ياله من يوم !

قالتها (تاكامي) و هي ترتمي بجسدها لتستقر على الفراش بظهرها و هي تحدق في السقف بنظرة طويلة سارحة بخيالها في شيء واحد , لقد جاءت هنا لتقوم بالتحضير لعملية قتل السيدة (ماهومي) , لقد نجحت في ذلك بالفعل , فها هي تقبع داخل القصر المحاط بحراسة مشددة , ولو أرادت لقتلت (ماهومي) , لكن ما كان يقلقها كان شيئا مختلفا ...
((-إنني أعلم جيدا مهمتي , و لكن , (ساكورا) تلك , لا أستطيع الصمود أمامها , ما إن أراها حتى أجد نفسي أبتسم رغما عني , حقا شيء غريب , شعور لم أشعر به منذ...))
صمت تفكيرها , اضطربت مشاعرها داخلها حينما أرادت طرق باب هذه الحجرة الموصدة , أغلقت عينيها و قالت في نفسها بصرامة :
-(( غير معقول (تاكامي) , كل هذه الفترة و لم تنسِ ما حدث ؟!! كم أنت لمثيرة للشفقة , لم أتوقعك ضعيفة هكذا ))
حركت رأسها في حركة تلقائية كأنها تنفي هذه الاتهامات , ثم اعتدلت جالسة على طرف الفراش تنظر عبر شرفة حجرتها نحو القمر المضيء الذي يتخلله ضوؤه من خلال السحب التي تحاول حجبه بشتى السبل , في وسط هذا صدر صوت عدة طرقات رقيقة على الباب , فانتبهت , قامت من على الفراش و اتجهت نحو الباب , فتحته بمفتاحها الخاص , فاندفع شخص نحوها داخل الغرفة بسرعة , التفتت فإذا بها ترى (ساكورا) قد اتجهت نحو فراشها و تسلقته في نعومة طفولية حتى استلقت على الفراش , جلست على الوسائد و غطت نفسها بالغطاء و قالت :
-لن أنام بعد الآن إلا معكي , لقد أخبرت أمي بذلك و قالت لي أنني يمكنني أن أنام إذا سمحتي لي بذلك .
-ضحكت (تاكامي) و قالت لها :
-ولماذا تريدين أن تنامي معي ؟! ألا يكفيكي أنني معكي طوال اليوم ؟!
نظرت (ساكورا) نحوها ثم نظرت نحو الفراش و أغطيته التي تمسك بها أكثر و ترفعها لتصل إلى رأسها لتخفي خجلها ثم قالت :
-وذلك...وذلك ....وذلك لأنني أعتبرك أختي الكبرى , هل تسمحي لي بمناداتك بأختي ؟!!
حركت (تاكامي) رأسها فجأة للوراء لا إراديا , و فتحت مقلتيها على اتساعهما , فهي , هي التي جاءت تريد شرًا بهذا البيت , هي من تتربص بأمها , كيف لهذا الحنان و الحب أن يقابل الكره و العنف ؟!! , تسمرت (تاكامي) في مكانها , لم تدر ماذا تقول , لم تدر ماذا تفعل , فقط ابتسمت , لقد أدركت شيئا واحدا , هي أيضا تريد أن تصبح أختا كبرى لها , ربما , نعم ربما ...
-حسنا , هيا افسحي لي مكانا .
قالتها و اتجهت لتنام بجوار (ساكورا) , اندفعت الأخيرة لترتمي في أحضانها و تحتضنها , لأول مرة منذ زمن بعيد يدق قلب (تاكامي) , لم يكن سوى حب افتقدته , حركت يدها اليمنى لتسير على شعر (ساكورا) في حين احتضنتها يدها اليسرى , و أغمضت عينيها ...
-((هيا , اقذفي الكرة لنا تاكامي .
-كلا , لا يجب أن نلعب , ألا تدركان ما نحن فيه؟!! لقد دمرت حياتنا , و نحن مشردون , يجب أن نكون أقوياء.
-كـــــــــــــــــلا نريــــــــــــــــــــــــد أن نلعـــــــــــــــــــــــــــــــــــب.
-كــــــــــــلا نريـــــــــــــد أن نلعــــــــــــــــــــــب
-كلا نريد أن نلعب.
تخافتت الأصوات تدريجيا حتى اختفت تماما , نظرت (تاكامي) حولها فوجدت نفسها في مكان آخر , في ليلة مظلمة شاهدت فيها نفسها و هي تدخل منزل كبير حيث استقبلها رجل و رحب بها و أدخلها , بعدها اختفى كل شيء , ظلت الصورة مظلمة , أصوات تتردد في جنبات الفارغ الهائل داخل عقلها , صرخات , و صرخات , و صرخات , أمسكت رأسها بيدها ووقعت علي ركبتيها و هي تصرخ , تصرخ , تصرخ ...
-أختي!
ظهر هذا الصوت الحنين , هذا الصوت الدافئ , دخل الظلمة كشمس تشرق بعد ظلام ليل دامس , تلمست طريقها نحو شمسها الجديدة , نظرت إليها , وجدت (ساكورا) تجري نحوها , و ضوء أبيض ينتشر في الفضاء , و عشب أخضر ينبثق في الأرض , كان كل شيء يتحول إلى جنة , جحيمها أخذ يتقهقر , يتقهقر , و (ساكورا) و جنتها تقترب منها , و تقترب , أخذت المسافة بينهما تضيق و تضيق , لكن...
-لا تنسي مهمتك تاكامي!
صدر هذا الصوت فجأة , و تردد كصدى عالٍ في عقلها , أمسكت رأسها بيدها و هي تنظر نحو (ساكورا) و قالت :
-كلا , لن أق.أقوم بت.بتلك المه.المه.المهمة !
قالتها و اختفى الصدى من رأسها , لكن...
-لقد قتلتني ساكورا , إنها قاتلة أمك و ليست أختك ابتعدي عنها , ابتعدي عنها .
ظهرت صورة السيدة (ماهومي) و هي تمسك قلبها بيدها و هو متحجر مصبوغ بلون أبيض و الدم يسيل من يدها و من مكان قلبها و لونها أصبح باهت كأنها قد قتلت فعلا بواسطة (تاكامي) , نظرت (تاكامي) نحو (ساكورا) و هي تشير إليها بيدها اليمنى و هي ترتعش , جسمها كله يرتعش , فجأة توقفت (ساكورا) عن الجري , تحولت المراعي الخضراء إلى صحراء قاحلة , انطفئ نور الشمس المشرقة ليحل الظلام مرة أخرى , تحولت (ساكورا) إلى وحش كبير له أنياب , جرت بكل طاقتها نحو (تاكامي) و هو تقول لها :
-لقد قتلتي أمي , لن أسامحكي , سوف أقتلكي عوضا عنها , سوف أنتقم لها منكي , أنتي لستي بأختي , أنتي قاتلة , قاتلة , قاتلة , قاتلة ...))
-كلااااااااااااا !!!
صرخت (تاكامي) بعلو صوتها , و اندفعت للأمام و هي تلهث كمن كان يجري دون توقف طوال عمره , جسمها كله مليئ بالعرق , انتظرت لحظات حتى جمعت شتات نفسها , نظرت حولها , و جدت نفسها لازالت في غرفة نومها , تنهدت ارتياحا , و قالت :
-يا لهذا الكابوس , لم يفارقني يوما واحدا منذ أن جئت هنا , أتمنى ألا يستمر معي للأبد.
قالتها و تحركت لتزيح الغطاء عنها فاصطدمت يدها اليسرى بجسم ضئيل , أزاحت جزءا من الغطاء فكشفت عن (ساكورا) , تذكرت أنها قد جاءت لتنام معها , نظرت إليها و ابتسمت , لم تكن تحمل لها ضغينة , بالعكس , بل أحست أنها بالفعل الشمس التي أشرقت في حياتها المظلمة , أمسكت بيديها الاثنتين رأسها حتى لا يهبط بقوة على أرضية الفراش فتستيقظ (ساكورا) فزعة , ثم أزاحت الغطاء بلطف و يسر , اتجهت بهدوء شديد إلى باب غرفتها و فتحته , دلفت منه إلى الممر المؤدي للمطبخ , دخلته و فتحت صنبور الماء لتتساقط قطراتها في كأس أحضرتها من دولاب بالمطبخ , ثم ارتوت , بعدها أحست براحة , أحست أنها رجعت إلى سابق عهدها , فاليوم كانت الليلة الموعودة , فقد جاءتها الأوامر بقتل السيدة (ماهومي) الليلة , أخذت نفسا عميقا , لقد قررت قتلها الآن.
اتجهت (تاكامي) نحو غرفة (ماهومي) و قد رفعت عصاتها إلى أعلى كسلاح , كانت تسير بتردد , لقد أحست بمدى خطورة بقاءها هنا أكثر من الوقت المحدد , فربما يتغلب عليها احساسها المفقود منذ زمن و يمنعها من آداء واجبها , فتحت باب غرفة (ماهومي) , و سارت ببطء نحو سريرها , لكن...
-ما الذي يحدث هنا بالضبط ؟!!
هكذا نطقت (تاكامي) بدون شعور و هي تنظر نحو فراش (ماهومي) , فهناك , وعلى الفراش , وجدت السيدة مقتولة , كانت قد قتلت منذ قليل , صدر صوت في الشرفة , فاتجت برأسها تنظر نحوها فوجدت شخصا يحدق فيها ,تحدث الشخص بسرعة قائلا :
-لقد خفت ألا تنفذي المهمة .
-ولماذا جاء لك هذا الشعور السلبي ؟!!
قالتها و استدارت لتواجه (نايتو) وجها لوجه , دخل (نايتو) الغرفة , قال لها و هو لايزال يتحرك :
-يبدو أنني قد خفت عليكي ألا تقومي بمهمتك , و لكن يبدو أن ظني كان خطأ.
ترقبت (تاكامي) (نايتو) و هو يجوب الغرفة بينما يتحدث , فوجدته يتجه نحو الباب , فقالت له :
-إلى أين أنت ذاهب ؟!!
نظر إليها (نايتو) بسخرية و قال لها :
-بالطبع لأقتل تلك الصغيرة النائمة , ابنتها (ساكورا) !
تسمرت (تاكامي) في مكانها , لم تدر ماذا تقول , أحست بصراع داخلي رهيب في نفسها , كانت هناك رغبة عارمة جارفة في معارضة تلك الأوامر , لكنها لم تتحرك , نظر إليها (نايتو) , تابع و هو يغادر الغرفة تاركا الباب مفتوحا خلفه :
-يبدو أن شكي كان في محله و خوفي جاء في ميعاده , سأكمل ما بدأتيه هنا حتى يحسب لكي , و لكن لا تنسي أن تشكريني في النهاية .
خرج من الغرفة تاركا (تاكامي) لازالت في حالتها , متسمرة في مكانها , لم تعرف ماذا تريد أن تفعله , لكن ...
-(( -وذلك...وذلك ....وذلك لأنني أعتبرك أختي الكبرى , هل تسمحي لي بمناداتك بأختي؟!! ))
تردد صوت (ساكورا) في عقلها , تردد بقوة , اندفعت صرخات ثورة تجتاح قلبها , احتلته بنجاح ثم انتشرت لباقي جسدها , أحست كأن هناك وقود يغلي داخلها , تخيلت منظر (ساكورا) و هي تصرخ , اندفعت كالمجنونة خارجة من غرفة (ماهومي) متجهة نحو غرفتها , فهي تعرف أن (ساكورا) الليلة عندها و (نايتو) لم يعرف ذلك بعد , دفعت باب حجرتها بقوة و اندفعت للداخل , أزاحت الغطاء بسرعة عن (ساكورا) , أخذتها بقوة و ضمتها إلى حضنها , أفاقت (ساكورا) مفزوعة و هي تقول :
-ماذا ..ماذا هناك ؟!!
لم تدرك ماذا يحدث , ففجأة وجدت (ساكورا) نفسها و هي في حضن (تاكامي) في الهواء الطلق , لقد قفزت بهما (تاكامي) عابرة خلال شرفة حجرتها , صرخت , صرخت بأعلى صوتها , تبددت صرختها في سكون الليل , انتبه (نايتو) و هو يفتش في غرفة (ساكورا) في الطابق الثالث , فتمتم بحنق :
-اللعنة...تاكامي !
اندفع خارجا من غرفة (ساكورا) حيث كانت في الجزء الخلفي من المنزل , تجاوز الممر حتى وصل إلى الردهة , اندفع مشيرا بعصاه إلى الباب فانخلع من مكانه بمفصلاته في عنف ثم أصبح في الشرفة , أخذ يجول ببصره في الليل المظلم , في السماء , في الأرض , أخذ يدقق النظر , و لكنه لم يجد شيئا ...
-أيتها اللعينـــــــــــــــــــة!!!
صرخ بأعلى صوته , صرخ بكل حنقه , صرخة تشتت في ظلمات الليل الطويل معلنة عن بدء جولة جديدة من الصراع.

يتبــــــــــــــــــع......

اماريج 01-08-10 07:38 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل السادس و العشرين


هروب ساكورا


اندفعت (تاكامي) حاملة (ساكورا) الخائفة على كتفها تقفز بسرعة شديدة على أفرع الأشجار و على أعمدة الإنارة ,كانت ترغب في الابتعاد عن المكان بكل طاقتها , لم تدر أين المفر , لكن عليها أن تبتعد من هنا بسرعة حتى لا يجدها (نايتو)...

-هناك !
قالتها و ومضت عيناها عند رؤيتها لقطار سريع يقترب من قضبانه الواقعة أمامها , أخذت تحث القفزات بقوة مجبرة نفسها على تحمل البرد القارس في سبيل اللحاق به , تخطت مقدمة القطار المنطقة التي تواجه (تاكامي) , اقتربت منها (تاكامي) بقفزات سريعة , و هي ترقب القطار السريع ذاك , كان يبدو أنها لن تلحق به , لكن...
-تك !
صدر هذا الصوت المعدني في آخر عربة من عربات القطار , توجهت رؤوس ركاب هذه العربة المكيفة للوراء , انتظروا لبرهة , لكنهم لم يسمعوا أي صوت آخر , فرجع كل منهم إلى ما كان عليه من حديث أو لهو و غيره , أما في الخارج فكان شيئا آخر...
-تشبثي جيدا بي ساكورا , لا تتركي جسدي .
صرخت (تاكامي) و هي متعلقة متأرجحة ممسكة بيد واحدة, يدها اليسرى, في أفريز صغير موجود بآخرعربة قطار , كانت تتأرجح يمنة و يسرة بقوة و سرعة , و الهواء البارد يلفح وجهها , و الثلج يتناثر بعنف من أسفل القضبان تحت تأثير عجلات القطار , كانت تاكامي تمسك بيدها اليمنى ساكورا , أما الأخيرة فقد تشبثت بقوة في ثياب تاكامي بيدها و أرجلها حتى لا تسقط و هي مغمضة عيناها و لا تدر إلى الآن ماذا حل بفراشها الدافئ الجميل و حضن أختها الكبيرة لها ...
نظرت تاكامي إلى أعلى و هي تحاول أن تثبت قبضتها على الأفريز , ضغطت على أسنانها بكل قوتها , لكن هيهات , فالثلج كان يحول بين يدها و بين عمق الأفريز , و بدا أنه لا يريد الانصهار تحت وطأة قبضتها , تحركت يدها مبتعدة ببطء عن الأفريز , و هي لاتزال تقبض عليه رافضة افلاته من بين قبضتها , و جسدها يتأرجح مع ساكورا يمنة و يسرى مما يزيد من قوة الضغط على يدها كي تفلت , لكنها تأبى الافلات , كان ضجيج الهواء المندفع خلف القطار بسرعته الرهيبة قد ملأ أذنها , لم يتخلله سوى صرخات ساكورا المستمرة , تجمدت أطرافها من برودة الهواء و الثلج , أحست كأن أذناها قد جمدت و لم تعد تشعر بهما , أما قدماها فقد أحست بالخمول فيهما , بدا الأمر كأنه وقت قصير ثم تسقط من على القطار , أدركت ذلك , عرفت أنه محال أن يستطيعا الإثنان معا أن يتسلقا سطح هذا السريع , لكن...
-ساكورا , اسمعيني جيدا , عندما يتوقف القطار هذا عليك بمغادرته في أسرع وقت , و لا تبحثي عني , و لا تعودي هنا , فهناك من يريد قتلك .
صرخت تاكامي بعلو صوتها و هي لا تدري هل صوتها قد وصل لمن في حضنها أم ماذا , توقفت ساكورا عن البكاء , قالت بصوت متحشرج من شدة البكاء :
-و لماذا هذا كله , أين ستكونين أنتي ؟!
ابتسمت تاكمي ابتسامة رضا ,لم تكن قد سمعت كلام ساكورا, لكن من الهمهمة التي وصلتها قد عرفت أن ساكورا قد سمعتها , الآن الوقت ضيق , الإفريز قد أوشك على طرد قبضتها التي لم يتبقَ منها سوى الثلاث أصابع الوسطى فقط متحدة مع الأفريز الغاضب , بكل ما تملك من قوة متبقية , أمسكت ساكورا الغارقة في دموعها و صرخاتها و ضربات قدميها و يديها و نظرت نحو أعلى القطار بكل حزم , شدت كل عضلة في جسدها , فصارت مثل العصاة , كأنها ذيل لهذا القطار السريع , أرجعت يدها اليمنى للخلف و معها ساكورا الغاضبة الحزينة و حركتها للأمام بكل قوة وهي تصرخ , تصرخ لتزيد من قوة مسكة أصابعها على الأفيز اللعين , تصرخ لثير كل عضلة للانقباض , اقتربت يدها نحو القمة , ابتعد أصبع الخنصر عن الأفريز فجأةً , فمال جسدها للأسفل بدوره و معه ساكورا فانفلت أصبعها الأوسط هو الآخر , مال جسمها أكثر للأسفل , بعدت ساكورا أكثر عن القطار , بائت تلك المحاولة بالفشل , و لكن ...
-لن أسمح بهذا !
صرخت تاكامي بكل ما أوتيت من قوة , كلا , بل صرخت بكل خلية من خلاياها , تحول أصبعها السبابة المتبقي إلى حجر , أضاءت عيناها بلون أبيض شاهق , أنار جسدها ضوء أبيض شديد , كانت تستخدم ما تبقى من قوة روحية لتثبيت نفسها , نجحت , توقف جسمها عن الاهتزاز لثانية , توقف جسدها عن الغوص للأسفل أكثر و أكثر لحظة , بدت تلك اللحظة كافية , توقف سير القطار , اختفى هدير الهواء , توقف كل شيء عن الحركة , بدت الحياة كأنها توقفت , لم تدر ماذا حدث , هي أيضا توقفت , جسدها , فكرها , قلبها , عيناها , إلا عيناها , توقفت هي الأخرى و لكن توقفت على ساكورا , ساكورا و هي أيضا متوقفة في وسط صراخها العالي و فمها مفتوح على آخره و قطرات دموعها متوقفة على وجنتيها و عينيها , اشتعل قلبها , اشتعلت كل ذرة في كيانها , أحست بقوة تدب فيها مرة أخرى , قوة تذيب الثلوج في أقرص الأجواء , قوة تحرك الجبال الرواسي من ثوابتها , قوة حب أخت لأختها الصغرى , كانت هذه اللحظة بكامل أجزائها كافية , بعد هذا التوقف المفاجئ , بعد هذا التجمد للأحداث , تحركت , تحركت بفيض المشاعر , في هذه اللحظة اقتربت تاكامي بقوة من المؤخرة , كانت تعلم أن اقترابها وحده في لحظة ليس كافيا , لكن حبها لأختها كان أكثر من كافي , عندما انتهت اللحظة كانت ساكورا على بعد سنتيمترات قليلة من الأفريز , عند انتهاء اللحظة أدركت تاكامي أنها ستقع , فقامت بشيء غريب , تركت هي اصبعها , فأصبحت في الهواء تسير بسرعة القطار لمدة أقل من ثانية بكثير , خلالها قامت بمد يدها اليمنى مستعينة بنصف جسدها الأيمن كاملا للأمام , و أرجعت يدها اليسرى و معها نصف جسمها الأيسر للخلف , فصارت و كأنها شخصا قارب على الهلاك و يمد يده بكل قوته نحو بصيص الأمل المتاح إليه , تخطت بيدها حاجز المستحيل , ففتحت قبضتها اليمنى تاركة ساكورا تهوى على القطار , و بغريزة بشرية قوية للبقاء أمسكت ساكورا بيديها و رجليها محيطة البروز الموجود في سطح القطار بقوة مغمضة عيناها الباكيتين , اندفع الهواء الشديد البرودة و القوة يلفح وجهها فنظرت تجاه صدرها اتقاءا غريزيا لهذا الخطر , تطاير شعرها و انفكت الضفيرة التي به فطار متناثرا في كل اتجاه بقوة , تذكرت بعد أن استقرت في مكانها تاكامي , فرفعت رأسها ببطء , نظرت للخلف و هي تغمض عينها من قوة الهواء , ولا تفتح إلا جزء ضئيل من حاجبيها يسمح لمقلتيها أن تريا ما أمامهما فقط , وصلت إلى خلفية القطار ,توقعت أن ترى تاكامي ممسكة بالأفريز , لكنها وجدت الأفريز من غير قبضتها ...
-أختـــــــــــــــــــــــــــــــي !
صرختها بحرقة , بلوعة , بمرارة , لكن القطار يسير بلا توقف , و ركابه لازالوا يضحكون بلا تردد , ضاعت صرختها وسط هدير القطار و اندفاع الهواء , و سقوط الثلوج .

****************************


-أحد ما يساعدني , أريد المساعدة , أنا أريد العودة لأهلي !

تجمهر الناس حول طفلة صغيرة تبكي عند رصيف محطة طوكيو المركزية , نظر الجميع بأسى إليها , وضع كل من الموجودين ما يقدر عليه من مال , فتلك الصغيرة لا يبدو عليها أمارات الفقر , يبدو فعلا أنها من الذين قد تدهور الحال بهم في هذه الدنيا , تفرق الجمع بعد ذلك إلا قلة قليلة من الخيرين الذين عرضوا المساعدة لتوجيه الطفلة نحو محطتها التالية , وقفت الفتاة معهم و تحركت , لكن...
-ابنتي , اتركوا ابنتي , ماذا حل بكي ؟!!
التفت الناس نحو مصدر الصوت فوجدوا اثنان يتجهان نحوهما , احداهما هي صاحبة الصوت , يبدو عليها الحزن الشديد و هي تقول بصوت مبحوح :
-لماذا هربتي ابنتي ؟!! , اعذروني يا سادة إن لابنتي مرض خطير يجعلها تنسى ما يحدث لها , مرض يشبه الزهايمر عند الكبار.
حركت الطفلة الصغيرة رأسها نفيا على كون تلك الغريبة والدتها , صرخت الطفلة ممسكة بقدم أقرب شخص لها مخفية وجها داخل القماش :
-كلا لست والدتي , أنتي لست والدتي .
تأوهت المرأة في أسى و انهارت على الأرض فاندفع بعض من المحيطين بالطفلة في شفقة يساعدان الأم على الوقوف مرة أخرى في حين أبرز لهم الرجل الآخر ورقة مقدما إياها لهم قائلا :
-انظروا , هذه هي طفلتنا بيننا في الصورة , و في أسفلها صورة مصغرة لشهادة ميلادها و هذا هو اسم والدها و هو اسمي , و هذا هو اسم والدتها , و هذه هي بطاقاتنا الشخصية , تفضلوا بالاطلاع عليها.
تجمع الناس حول الورقة التي يوجد بها الصورة , فها هي الفتاة الصغيرة تقف باسمة بين الشخصين كأنهما عائلة حقا , راجعوا الأوراق الشخصية بالبيانات , فوجدوا كل شيء سليم , فأعاد أحدهم الورقة والبطاقتين إلى الشخص الغريب و قال له متأسفا :
-نحن آسفين لقد اعتقدنا أنها تائهة فعلا .
نظرت المرأة له و قالت وسط دموعها المنهمرة :
-هذا من نبل أخلاقكم , حقا لنعم الناس أنتم .
اتجه الغريب نحو الطفلة كي يمسكها , صرخت الطفلة و تشبثت أكثر بثياب الرجل الذي بجوارها , فحررها الرجل برقة و شفقة , أمسكها من يدها و رفعها إلى أعلى و هي تصرخ و تركل بقدمها في كل اتجاه مع صوتها الصائح :
-هذه ليست أمي , أبي قد مات , اتركوني , اتركوني .
-يا للمسكينة , و يا لهؤلاء المساكين.
انتشر مثل هذا الكلام بين جموع الحاضرين , و هز كل منهم رأسه في أسى , حزنا و شفقة على الطفلة و أهلها ...
-دعوا تلك الطفلة في حالها أيها المحتالين .
نظر الجميع بمن فيهم الطفلة و هي معلقة من يدها في الهواء بواسطة الرجل الغريب تجاه المتحدث , فوجدوا شابين و فتاة , تحدث الشاب الأوسط مكملا :
-أنتما ليس بأبواها , أنتما مخادعان , هذه الفتاة ليست إبنتكم !
نظر كل من الرجل و المرأة إلى بعضهما البعض , همست المرأة للرجل قائلة :
-هل ترى ما أرى , إنهم سحرة أو مصاصي دماء , أو كليهما , فما العمل ؟!!
رد عليها الرجل الآخر هامسا :
-فلنرحل ببطء , فنحن لم نعتقد وجود أحد مثلهم هنا , هيا.
في ثانية واحدة صدر صوت فرقعة خفيفة وضوء وهاج أضاء للحظة في مكانهما ثم اختفى الصوت و الضوء و معهما الشخصان الغريبان , تنهد الشاب الآخر و قال :
-حمدا لله , لم أكن أعلم ماذا سيحدث إذا تعاركنا هنا .
نظرت الفتاة إليه و ردت :
-أنا أيضا كنت خائفة بعض الشيء , لكن لم يكن جائز أن نترك تلك الطفلة و نرحل خوفا من حدوث عراك , هذا ما اتفقنا عليه , إنقاذ الضعفاء حتى لو على حساب حياتنا , أليس كذلك رانمارو ؟
اتجهت ناظرة نحوه , فوجدته قد دار على عقبيه راجعا من حيث أتوا , فنظرت إلى ياكو و اتجهت بعدما أشار لها ياكو بالموافقة برأسه تجاه عكس ما سلكه رانمارو , في حين تبعه ياكو جريا خفيفا حتى وصل إليه فبادره قائلا :
-هل لازلت لا تستطيع نسيان ما حدث و لو للحظة أخي؟
توقف رانمارو عن السير و نظر تجاه أخيه للحظتين سارحا في عينيه ثم أكمل سيره , دون كلمة واحدة يتبادلانها , اتجها نحو جدول من الماء يجري في سهل جانبي للمدينة المزدحمة , جلس رانمارو على الأرض مستريحا بظهره على جذع شجرة كبيرة , أما ياكو فظل واقفا ينظر إلى الماء و هو على شط الجدول , فقال :
-من كان يتصور وجود مثل هذا الجدول ها هنا , أليس كذلك أخي ؟!
التفت تجاه أخاه فوجده لازال عابسا سارحا في الأفق لا يبدو عليه أدنى شيء من الإهتمام , زفر ياكو بحزن شديد , و قال له :
-أخي , انظر , لقد تحدثنا في هذا من قبل , هذا ليس بخطؤك , صدقني...
لم يكمل كلماته , حيث جاءت الفتاة مصطحبة الطفلة الصغيرة الباكية , كانت تحملها على كتفها و كأنها أم يحمل طفله , نظر إليهما رانمارو بصمت ثم استدار ليسترجع نفس الجلسة الغريبة و نفس السرحان السابق , تأوهت الفتاة و هي تضع الطفلة على الأرض ثم جلست بجوارها مستريحة و هي مستلقية بجسدها كله على الحشائش في تعب واضح , كأنها كانت تحضر حملا ثقيلا و ليس بطفلة مما دفع بياكو ليقول في غرابة :
-ماذا هناك هارونا ؟ لم يبدو عليكي هذا التعب كله ؟! إنها فتاة صغيرة , أم أنك هرمتي فجأة ؟!
قالها و ابتسم , في حين زمجرت هارونا و اعتدلت في جلستها لتواجه ياكو و هي جالسة بقولها :
-لا تمزح معي , فلقد جريت هذه الطفلة من الناس المحيطين بها , حيث أنهم اندفعوا نحوها في غرابة يريدون الفتك بها , لقد ظنوا أنها شريرة و أنها ستصيبهم باللعنات و الموت , كانت معاناة حتى أخرجتها من هناك.
ابتسم ياكو أكثر , ثم نظر نحو الطفلة الباكية و اتجه إليها , جلس على ركبتيه و قال لها :
-هل من الممكن أن تخبرينا عن حكايتك ؟!
قالها وكأنه قد صغط زرا من البكاء , فصرخت الطفلة و اندفعت في بكاء استمر حوالي نصف ساعة , تقطعت قلوبهم جميعا , فسألها مرة ثانية ياكو بلطف و مودة قائلا :
-على الأقل أخبرينا باسمك , نحن لن نؤذيكي , سنعيدك إلى أهلك مرة أخرى , لكن ما اسمك أيتها الصغيرة ؟!
تفحصته الفتاة بعمق , ثم توقفت عن البكاء و لايزال صوت النشيج يصدر منها , ثم تفوهت بكلمات لم يفهموا منها سوى كلمتين اثنين :
-اسمي .....ساكورا... !!!

يتبـــــــــــــــــــــــــع.......

اماريج 01-08-10 07:39 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل السابع و العشرين


مواجهة و اجتماع خطير!


انتصفت الشمس في أعالي السماء ملوحة للجميع بضوءها الباهر و حرارتها المنخفضة رغم ذلك إيذانا بابتعاد حجاب السحب الكثيفة المحيطة بها , معلنة عن بدء وقت الظهيرة , وضع ياكو يده اليسرى أمام جبهته اتقاءا لهذا الضوء الشديد قليلا على عينيه , لم يكن ذاك الصمت هو من جراء ظهور الشمس بعد إختفاؤها , بل كان نابعا من رغبة عارمة في التساؤل عن حكاية تلك الطفلة , تلك التي اسمها (ساكورا ).

-من أنتى؟!!
قالها رانمارو كاسرا حاجز الصمت الذي كان مفروض حوله , اندفع و هو يقولها نحو الطفلة مما أرعبها للدرجة التي دمعت عيناها دمعة رقيقة أخذت تتهادي في طريقها للأسفل عبر خدها عابرة فمها المنحني لأسفل في إكتئاب و حزن , وصلت لذقنها و سقطت منه عابرة الهوة بينه و بين ساعد ذراعها الأيمن الموضوع أمام وجهها خوفا من اندفاع رانمارو المباغت , تعبير الطفلة البريئة الحزين أدهش رانمارو و صدمه للدرجة التي توقف فيها بغتة مثلما اندفع , جرت هارونا نحو الصغيرة و احتضنتها بقوة إلى صدرها فاندفعت الفتاة في بكاء شديد و كلمات لا يفهم منها سوى القليل بين دموعها و بكاؤها مثل :
-أريد أمي , أريد العودة إلى أمي !
قال ياكو بصوت مرتفع ملوحا بيده اليمنى تجاه رانمارو :
-لم فعلت ذلك , لقد أفزعتها , هل يعجبك الوضع الآن ؟
تردد رانمارو قليلا قبل أن يقول له :
-لم أقصد .. صدقني لم أقصد حدوث ذلك , لم أكن أريد سوى...
لم يكمل ما كان يقوله , بل ظهر عليه الهم فجأة و استدار ليبتعد , اتسعت عينا ( ياكو ) و أشار بيده اليمني نحو رانمارو مناديا إياه :
-رانمارو , لم أقصد , لا تأخذ...
-لا تقل شيئا يخفف من عبئي , هذا عبئي و خطئي , أنا فعلا ضعيفا جدا و لا أقدر على حماية نفسي فكيف يفترض بي حماية الآخيرن الذين أحبهم , لقد كان جنتو صحيحا حقا !!
رد رانمارو مقاطعا حديث ياكو بعد توقفه و هو يحدق بالأرض , فقال ياكو بسرعة :
-كلا , جنتو هذا لا يعرفك , أنا من رآك تخاطر بحياتك لتنقذ وحشي , و أنا أيضا من رآك تخاطر بنفسك من أجل هارونا و حياتها , أنا أعرفك خيرا منه .
رد رانمارو بسرعة أيضا :
-نعم , لكنه من أنقذني , هو سبب وجودي حيا حتى الآن , كما قال شيئا واقعيا حقا , فلولا وجوده في المرتين لكنت قد مت و كانت ساكورا و أنت و هارونا قد متم ...
ساد صمت غليظ على المكان , لم يقطعه سوى صوت نشيج ((ساكورا ) في أحضان (هارونا) , أكمل بعدها بلحظات (رانمارو ) قوله :
-هذا إضافة..هذا إضافة إلى أنه قد أكد لي أنني حاولت قتل والداي...!!!
قالها و جرى , جرى وكان صوته في الكلمات الأخيرة يشوبه نبرة بكاء خفيفة ممنوعة بواسطته , لم يدرك (ياكو) ما يفعله الآن , لا يعرف ماذا بيده كي ينقذه مما هو فيه...
-اللعنة عليك يا جنتو , لقد عقدت الأمور كثيرا.
قالها و جلس على الأرض مستريحا على حجر ليفكر , في حين تابعت (هارونا ) طمئنة الطفلة و قالت لها :
-لا تخافي عزيزتي , فهذا ليس له علاقة بكِ على الإطلاق.
-ك.ك.كيف هذا و هو قد هج.هجم علي كأني قد قتلت له أحد أقربائه !
قالتها الطفلة وسط بكائها و نشيجها الذي قطع القلوب , ضمتها هارونا إلى صدرها و هي تنظر نحو (ياكو) و عينها مدمعة ثم تنظر إلى الجهة التي توجه لها (رانمارو) و هي تقول :
-يالك من شاب بائس يا رانمارو !
تحرك (ياكو) مبتعدا لكن أوقفه صوت شحص غريب يقول ساخرا :
-يبدو أن صديقك القوى هذا قد ترككما !
التفت (ياكو) بسرعة يرى محدثة في اللحظة التي قفزت فيها (هارونا) واقفة وهي تضع (ساكورا) خلفها و تنظر تجاه الشخصين الواقفين يبتسمان في سخرية , لم يكونا سوى اللذين حاولا خطف (ساكورا) من قبل , يبدو أنهما لم ينسحبا سوى لتغيير مكان المعركة , لم يتردد (ياكو) لحظة في إشهار عصاه تابعا بقوله:
-كاي !
اتسعت ابتسامة المرأة و الرجل الواقفين و قالت المرأة :
-هل لا تدرك فرق القوة عزيزي , مسكين أنت , لا أعرف متى ستدرك الحقيقة , لكني متأكدة أنك ستدركها متأخرة.
قالتها المرأة و شهرت عصاها هي و الرجل الذي معها و تابعا بقولهما:
-كاي !
لم يتحرك لا (ياكو) ولا (هارونا) من مكانهما , بل لم يقدرا على التحرك أصلا , فهناك و في الجو , ظهرت قوى الشخصين الغريبين ضاغطة عليهما بحيث لم يتحركا من أماكنهما , مالا للأمام , سقطت (هارونا ) على ركبتيها ممسكة صدرها بيدها كأنها تساعد عضلاتها التنفسية في عملها , بعدها بلحظات لحق بها (ياكو) يفعل مثلها , أما (ساكورا) الصغيرة فقد فقدت الوعي منذ أول لحظة , فقوتها البشرية العادية لم تحتمل أي ضغط على رئتيها , ابتسم الشخصان بوحشية شديدة و تصاعدت ضحكاتهما , ضحكات شيطانية تدل على ثقة من قوتيهما الشديدة و قدرتيهما على النصر.

********************

أمسكت السيدة الجالسة على الأريكة الجلدية الجميلة بسيجارتها و نفثت دخانها في عمق و هي تفكر و عيناها مثبتتان على صورة معلقة على الحائط , انتهت السيجارة التي بيدها حتى عقبها , فزفرت في حنق و هي تضغط باصبع ابهامها الأيسر على العقب بقوة في طفاية زجاجية أنيقة كأنه غريمها , ثم قامت تتجول ذهابا و إيابا مشبكة يدها خلف ظهرها , يبدو أن مزاجها لم يكن جيدا اليوم , نفس الذي فكرت فيه (إيكويا) و هي تراقب سيدتها تصول و تجول في غرفتها بين دخان سجائرها ,
-لا أرى أن هذا الأمر يحتمل كل هذا التفكير سيدتي!
كسرت (إيكويا) بقولها هذا حاجز الصمت المطبق على جو الغرفة منذ أكثر من ساعتين , كانت قد ملت من الجلوس في الغرفة بدون أن يتبادلا أي كلمة , حتى تحية الاستقبال لم تعلق عليها سيدتها التي توقفت فجأة و نظرت تجاه خادمتها المطيعة و قالت لها :
-يبدو أن اللعبة التي يلعبها ذاك الأحمق ستنقلب عليه و علينا , لا أعلم لماذا جعلني أرسل هاكو ليقضي على ذاك الصغير رانمارو في حين أنه كان متأكد من نجاة الفتى ...!
-لكن هذا الإحتمال كما قد عرفنا لم يتجاوز الواحد في العشرة آلاف...!
رمقت السيدة الجالسة أمامها و اندفعت تصرخ قائلة :
-حتى و لو كان كذلك , الاحتمال هو الاحتمال , و لا يعني أنه احتمال ضئيل أنه لن يحدث , بل ربما كانت تلك هي الحالة الواحدة في العشرة آلاف كما حدث معنا , هذا اللعين , كلما فكرت في الأمر مرة بعد مرة أجد أنه قد فتح علينا بابا من جهنم قد سُد منذ زمن بعيد , آه .
قالتها السيدة و هي تجز بنابيها على قبضة يدها اليمنى في حنق و غيظ ,لم تدر (إيكويا ) ماذا حل بسيدتها , فهذه المسماة (بالقلب الثلجي ) تقف أمامها كأنها هاو , لا , بل أقل من ذلك , ترقبت سيدتها في صمت مندهشة من تصرفها الغريب , إلا إذا كان هناك أشياء لا تعلمها , و هذه حالة لا يمكن لها أن تستنكرها على سيدتها , فهي بحكم مكانتها كرئيسة لجماعة قوية مثل جماعتهم لابد و أن يكون هناك أسرار لا يعلمها سوى القائد فقط , و هذا بالطبع لسلامة باقي أفراد القطيع , تابعت السيدة طريقها السابق لسيرها عبر الحجرة بنفس الحنق , لكنها بعد فترة لا تتجاوز الربع ساعة تقريبا توقفت , حملقت في (إيكويا) و قالت لها :
-استعدي إيكويا , فأنا لن أدع هذا اللعين يعبث بنا كأننا عبيد عنده , سأفعل ما أريده و ليفعل هو ما يريد !!
كانت تملأ عينها نظرة تحدي , نظرة شراسة , نظرة المرأة الملقبة (بالقلب الثلجي ).

************************


تحركت الشمس ببطئها المعهود لتتوارى خلف سحابة الأفق البعيدة لتعلن هجرها لهذا النصف من العالم و لتبدأ رحلة يوم جديد في نصف آخر , تنهد رجل متذمرا وهو يتلفت حوله فوقع بصره على أربعة عشر رجلا غيره يبدو على ملامحهم الضيق أيضا , فخروج مصاصين دماء قدامى مثلهم في جو فيه شمس حتى ولو كانت على وشك الغروب لشيء غير سار وغير مريح لأمثالهم , أعرب أحدهم عن هذا الحنق بقوله :

-هذا غير ممكن على الاطلاق , لماذا لم نجعل ميعادنا في الليل و في مكاننا المعهود كما جرت العادة ؟!
-لأن هذا الاجتماع اجتماع على غير العادة !
تلفت الجميع نحو مصدر الصوت , فوجدوا رجلا لا يتعدى عمره الثلاثون عاما يقترب منهم , جثا كل منهم على ركبة واحدة واضعا يده اليسرى عرضيا على ركبته الأخرى , أخفضوا جميعا رؤوسهم و قالوا في نفس واحد:
-تحية لملك الأرض المبجل , تحية إلى الملك المنتظر , تحية لك أيها العظيم !
ابتسم الرجل القادم وهو سعيد بطاعة رجاله له , أشار باصبعه فظهر كرسي عرش ذهبي من مكان خفي يقبع خلف الرجال المتراصين في ثلاث صفوف متوازية منتظمة كل منها يشمل خمسة منهم , اتجه بينهم و لازالوا راكعين في أماكنهم حتى جلس على عرشه ثم أشار لهم بيده فوقف كل منهم و التفتوا للخلف ليروه جالسا على عرشه و يضع قدما فوق الأخرى , فبدأ أحدهم الاجتماع بقوله :
-مرحبا بك سيدي , لكني لازلت أتسائل عن سبب اجتماعنا هنا في مكان غريب و ميعاد أغرب !
نظر الجالس بتمعن نحو محدثه , فكان شابا لا يتعدى عمره الثلاثون أيضا , لكنه كان يدرك أنه قديم في العمر الحقيقي خلاف ما يبدو عليه , عيناه خضراوان , شعره أحمر ناري , طويل قليلا و غير منتظم , يتجه أغلبه في جانب واحد وهو جانبه الأيمن , فرد الجالس قائلا :
-حسنا , لقد بلغ مسامعي أن القلب الثلجي ينوي خيانتي , و أنها ستقوم بما تريده هي في اللعبة وليس ما أريده أنا , و هذا شيء لن أسمح به أبدا .
صدرت همهة منخفضة بين الواقفين , فلم يعرها الجالس اهتماما و تابع :
-هذا ليس بمستبعد على جماعة تعارض جماعتكم , لكن الوضع قد تغير , و صار للجماعتين قائد واحد لابد من سماع كلمته العليا قبل تنفيذ أي شيء , لكن تلك الثلجية لم تعر لوجودي أي اهتمام , يبدو أنها ستكون مصدر إزعاج قادم لنا و لخططنا.
علت أصوات الهمهة , ثم صدر صوت إمرأة فجأة قطع هذه الهمهة بقولها :
-وماذا في ذلك ؟! أنت لم توضح لي سبب تصرفاتك الغريبة هذه !!
التفت الجميع فجأة للجانب الأيمن حيث جاء الصوت منه , فوجدوا المرأة المسماة بالقلب الثلجي قادمة نحوهم , فنظروا تجاه سيدهم الذي ظل صامتا , بل و مبتسما ...
-لا يبدو عليك الدهشة عزيزي , أكانت تلك المعلومة مقصودة ؟!
قالتها المرأة عندما وصلت أمام كرسي العرش , ظل الجالس مبتسما ثم رد قائلا :
-نعم , بالطبع عزيزتي , أنا من رتب لها الاجتماع الجميل هنا .
نظر جميع رجال (بوكاهاتسو) بغرابة نحو زعيمهم , فتابع الزعيم قوله :
-أنا أعرف عنكي أشياء لا تتخيلين أن شخصا في العالم أجمع يعرفها ...
قالها و اختفى فجأة من على كرسيه في سرعة أذهلت الجميع بمن فيهم ذات القلب الثلجي لأنه قد صار بجانبها بسرعة لم ترَ فيها حتى ومضته , ظلت عيناها متسعة للحظة فقط ثم بدأت رباطة جأشها تطفو مرة أخرى جاعلة وجهها يعود لبروده المعهود عنها , التفتت نحو الزعيم و قبل أن تتفوه بشيء مال على أذنها و همس بصوت لم يسمع منه الرجال سوى :
((-...حبيب قلبك...))
هنا اتسعت عيناها حقا , اتسعت بدرجة غريبة , وليس هذا فحسب , لا , بل ظهر احمرار خفيف على وجنتيها , ترددت ضحكات الزعيم , لكن يبدو أن المرأة لم تحتمل هذا الوضع المشين لها في نظرها , فتحول احمرار الخجل إلى احمرار غضب , و بدأت طاقتها الروحية في التصاعد منها بقوة و سرعة , فأظهر الجميع قواهم من الرجال أيضا , و في نفس اللحظة اندفع من خلف الأشجار المحيطة بالمكان سبعون رجلا و إمرأة منهم من يشير بعصاه , و منهم من يشير بإظفره , تحول الموقف الهادئ فجأة إلى قلب بركان يوشك على الثورة , وسط هذا كله , وسط هذه العصبية , لم يتحرك الزعيم من مكانه قيد أنملة أو حتى يظهر قوته الروحية , بل ابتسم , نظر الجميع بلا استثناء نحوه , كان مجنونا على ما يبدو في رأي كل الموجودين , وبعد توقف كل شخص في المنطقة عن الاستعداد للقتال و مع تحول نظر الجميع إليه , تحرك متجها نحو مقعده وهو يضحك , تحرك ببطء غريب و بهدوء أغرب , صرخت فيه المرأة الثلجية قائلة في غضب :
-لماذا تضحك؟!! ما غرضك من وراء هذا ؟!!
لم يجاوبها حتى وصل إلى عرشه وجلس فوقه , وضع رجله اليمنى فوق اليسرى في تعالي وزهو و بطء مثير , ثم قال :
-انظري عزيزتي , لقد ضحكت لأنك قد عرضتي جميع أعوانك لخطر القتل و التدمير بسبب كشف إحدى نقاط ضعفك , هذه جريمة قائد في حق من يتبعه !
ضغطت الثلجية على أسنانها بكل قوتها لتهدئ نفسها, كانت تعلم في قرارة نفسها أنه صادق تماما فيما قاله , فحياة الأتباع هي مهمة القائد العظمى , ليس من المهم النجاح في تنفيذ الخطة بقدر الاحتفاظ على حياة أتباعه , ظلت في موضعها محدقة في الزعيم , ودت لو تستطيع أن تقتله , لكنه قد فاق توقعاتها كلها بمراحل عدة , و يجب إعادة ترتيب أوراقها , هذا ما كان يدور بخلدها حين تابع الزعيم :
-انظري عزيزتي , لقد سربت معلومة صغيرة تفيد عقد إجتماع سري بيني وبين قادة (البوكاهاتسو) و ذلك للترتيب على الهجوم على جماعتك و تدميرها , فكان من المنطقي أن تستعدي أنتي و تجهزي أعوانك كلهم , و ها أنا ذا أرى أمامي سبعين قائدا من أكبر قواد العشائر التابعة (لكارا) , كما أمامي قواد أكبر خمسة عشر عشيرة من العشائر التابعة (للبوكاهاتسو ) , الآن الأمر يبدو لكي منطقيا , أليس كذلك عزيزتي ؟!!
لمعت عيناها في تلك اللحظة , لكنها لم تقل شيئا للحظات ثم :
-ألهذا جعلت الإجتماع موعده بعد يومين من تسريب المعلومة ؟
ضحك الزعيم و قال وسط ضحكاته :
-نعم , بالطبع عزيزتي , فهذا شيء لابد منه , حيث كان يجب إتاحة الفرصة لتجميع أكبر قدر ممكن من تابعيكي , كما أنني قد جعلت طريقة الحصول على المعلومة معقدة و تشوبها مخاطر جمة حتى لا يتسرب الشك لنفسك لحظة واحدة .
ازداد غيظ الثلجية من الفخ الذي نصب لها بإحكام , لقد كانت خائفة من هجوم وشيك من هذا الزعيم الجديد الذي كان سبب تدمير قرية الريح البيضاء العظيمة , ولولاه لبائت محاولاتهم جميعا بالفشل الذريع , لكنها لم تدرك أنه حقا بمثل هذه القوة من قبل , كان يبدو أنه فعلا يقرأ أفكارها و أنه يعرف عنها أشياء حاولت طوال حياتها الطويلة إخفائها عن الجميع , لكن يبدو أنه لا يخفى عليه شيء , توقفت ضحكات الزعيم و هو يصفق بيده , فاختفى فجأة الرجال الخمسة عشر الموجودين , لا , لم يكن هناك من البداية أي رجال , هنا اتسعت عيناها بدهشة أكبر , ليس بمفردها , بل بجميع المحيطين بالزعيم الجالس بمفرده أمامهم , و في نفس اللحظة ظهر خمسون شخصا يحيطون بالدائرة التي كونها أتباع (كيرا ) , لم يكونوا سوى قادة (البوكاهاتسو ) , و ظهرت خلفهم دائرة أخرى مكونة تقريبا من ثلاثمائة شخص كانوا أتباع القواد المخلصين لهم ,انقلب الوضع الآن عكس ما كان عليه , أصبحت السيدة و أتباعها فعلا في خطر حقيقي , تلفتت حولها , هنا فهمت كل شيء , لقد جائت و هي تعتقد أنها من أوقعت به , لكنه هو الذي قد أوقع بها , كان الخطر من اتجاهين , من الداخل , و من الخارج , لا يمكن تجنب هذا الموقف دون أدنى ضرر , بل ستكون الخسائر فادحة , ففي الداخل يكمن هذا الشخص القوي جدا على غير العادة , و ويقبع هناك في الخارج أكثر من ثلاثمائة من الأقوياء , في حين أن معها فقط سبعين , سبعين فقط , دارت هذه الأفكار برأسها , قطعها صوت الزعيم الهادئ كعادته قائلا لها :
-لا تقلقي عزيزتي , فهؤلاء هم قادة (البوكاهتاستو) , و من يتبعونهم...
صرخت الثلجية قاطعة كلام الزعيم بقولها :
-بالطبع أعرف من هم ,وأنا في هذا الوضع تقول لي لا تقلقي ؟!! أتستخف بي يا هذا !
لم يجبها الزعيم , بل أشار بيده فظهرت كراسي ذهبية فجأة وسط الهواء , كان عددها يكبر عن المائة و العشرين باثنين , كان هذا هو نفس عدد رؤساء (كارا) و (بوكاهاتسو) مجتمعين , نظرت باستنكار واضح نحو الزعيم , كانت رغبته واضحة , إلا أنه تكلم ليؤكدها قائلا :
-فلتتفضلي بالجلوس أنتي و من معكي من قادة كارا , و ليأتي قادة البوكاهاتسو هنا أيضا حتى يبدأ الإجتماع , هيا.
نظرت بشك كبير نحوه وسألته :
-وماذا سيفعل هؤلاء الثلاثمائة ؟!!
قالتها وهي تشير نحوهم بإصبعها السبابة الأيسر , فقال لها الزعيم بهدوءه المثير :
-هؤلاء سيحموننا وقت الإجتماع , لا تقلقي , فأنا لم أكلف نفسي عناء إحضار أكبر كم من قادة الجماعتين من أجل حرب دموية لا تفعل شيئا سوى إضعافنا فقط.
نظرت ذات القلب الثلجي نحو أتباعها , فأومأ الجميع برأسه , كان الحل الأسلم في هذا الموقف هو الخنوع لرغبة هذا الزعيم , لقد نجح هذا الشخص في جعلهم يحضرون إجتماعا من المستحيل تجمعهم فيه بمثل هذه الصورة الكبيرة مهما حدث من أمور , لكنه قد خطط لهذا منذ البداية , هذا ما كان يحنق الثلجية , زفرت في ضيق و ابتعدت عن مكانها للخلف كما فعل رجالها ليفسحوا مكانا لهبوط المقاعد نحو الأرض , فهبطت ببطء و هدوء على الأرض مثيرة غبار خفيف مكان أرجلها , ثم صفق بيده فظهرت مائدة بيضاوية ضخمة لونها أسود بها خيوط ذهبية غريبة الشكل لكنها بديعة في حد ذاتها , انخفضت المائدة ببطء حتى وصلت بخفة على الأرض مثيرة غبار أكبر مما حدث قبلها , اتجه كل من قادة (كارا ) و (بوكاهاتسو ) للجلوس على هذه المائدة البيضاوية , جذب كل منهم مقعده للخلف و جلس عليه وهو ينظر تجاه الزعيم , جلس الكل على مقعده فتبقى مقعد واحد بجوار الثلجية ظل خاليا , نظر الجميع نحو المقعد الفارغ و تسائلت الثلجية :
-لماذا يوجد مقعد زائد؟
ابتسم الزعيم و قال لها :
-هلا كففتي عن الخداع ؟! لقد أدركتي مدى قوتي الآن !
نظرت الثلجية للحظة في عين الزعيم ثم زفرت بحنق واضح , ثم نادت قائلة :
-إيكويا , تعالي هنا !
فجأة ظهرت سيدة أخرى , اتجهت بعدها نحو مقعدها بجوار سيدتها و جلست عليه في صمت , ابتسم الزعيم و قال وهو مبتهج :
-هل نبدأ الآن؟!
يتبـــــــــــــع...............

اماريج 01-08-10 07:40 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الثامن و العشرين


الخطة الكبرى


جلس الجميع وهم ينظرون تجاه الزعيم , فتحدث قائلا :

-سأتكلم أنا في هذا الإجتماع لأزيل عن الكثير منكم غموض أفعالي , أفعل هذا ليس بشيء إلا لتجديد جسر الثقة فيما بيننا...
قالها وهو ينظر تجاه الثلجية , لكن لم يبد عليها أي تغيير , فتابع :
-انظروا جميعا , في الحقبة الماضية , كانت هناك صراعات كثيرة بيننا , هذه الصراعات أضعفتنا , أنهكتنا , جعلتنا لا نقدر على الصمود في وجه أعدائنا رغم قلتهم وضعفهم , رغم أنهم محدودين إلا أننا بكثرتنا و بقوتنا هذه لم نكن لنقدر عليهم , لا على جنتو , و لا على قرى مثل الريح البيضاء هذه , ولهذا فقد كان إتحادنا أمرا لا مفر منه , حتى نتغلب على أعدائنا ثم نسوي أمورنا الشخصية بعدها كما نرغب...
توقف ينظر نحو جميع الجالسن , كانوا يتابعونه باهتمام بالغ , فأكمل كلامه :
-لقد وافقتم جميعا على انضمامك لي , كانت تلك الموافقة نابعة من عمق هذا المبدأ و ذلك التفكير العقلاني , لكنكم جميعا و بلا استثناء , حتى معاوني المخلص كايتو نفسه , كنتم معارضين فكرة ما أفعله في رانمارو هذا , كنتم تخافون أنه سيصبح شخصا قويا و كبيرا لا تقدرون عليه , و حادثة باكوشو قد رفعت من مقدار خوفكم جميعا , أليس كذلك ماكيتو ؟!!
نظر الجميع تجاه شخص يجلس وسطهم الذي تبدو عليه ملامح الهيبة و الوقار , كان ذاك هو اللورد الذي فقد ولده على يد (رانمارو) , هكذا قال شخص لمن يجلس بجانبه , فوضع راحة يده أمام فمه المفتوح قليلا من الدهشة و هو ينظر لمحدثه , فأومأ محدثه برأسه إشارة لتأكيد كلامه , فتحول نظره نحو اللورد الجالس , كانت نظرة الجميع تجاه اللود تملؤها الشفقة , لم يتحدث اللورد , لم يتغير شيء في ملامحه على الإطلاق , كان حقا باردا لدرجة كبيرة ,
((-هل تعرف أنه لا أحد يعلم حقيقة الحادثة سواه هو ورانمارو فقط؟!!))
همس شخص آخر في أذن من بجواره , فظهر التعجب على ملامحه , و قبل أن يجيب صدر صوت الزعيم مكملا حديثه بقوله :
-لا يهم ما حدث لك ماكيتو , فحقا رانمارو هذا قد فاق توقعاتي له , لكن اطمئن , فمهما تفوق فله حدود , كما أن الذي تدخل وأفسد عملية انتقامك كان جنتو اللعين , فلا تحزن عزيزي...
تسمرالجميع , و من كان يهمس أو يهمهم توقف عما كان يفعله , فقد كان ذكر اسم (جنتو) وحده كافيا لانقلاب حال الجميع , ولم لا , و هو أقوى عدو لهم , العدو الذي لم يهزم لأجيال طويلة...
-لا تنزعجوا أعزائي , فما حدث هو وجود شخص غير مرغوب فيه في وقت سيء تماما , كان الأمر صدفة , أؤكد لكم ذلك .
صدرت همهمات بين الحاضرين بعد صمته , بعدها استراح الجميع قليلا ...
((-صدفة هه؟!! ))
دارت هذه الجملة في عقل كل من اللورد و الثلجية و (إيكويا) في آن واحد , لكنهم لم يظهروها للعلن بل اكتفوا بوضع قناع من الطمأنينة أمامه , فتابع الزعيم :
-نعود الآن إلى حديثنا السابق , نعم هذا لأمر محير , كيف إنني أترك شابا مثله لا يعرف شيئا عن عالمنا ثم لا أقتله ؟ بالطبع قتله في تلك الظروف كان أمرا هينا , لكني لا أفضل ذلك , و لهذا فقد تركته يتدرب و يقوى , بل إنني قد فتحت له الباب على مصراعيه ليصبح قويا كما يشاء...!!
حتى هنا كانت الأصوات مجرد همهمة , لكن بعد الجملة الأخيرة تصاعدت حدة الأصوت قليلا , بل تجرأ أحدهم وصاح فيه :
-لماذا تريده أن يصبح قويا ؟! ألا يكفيك جنتو ؟! أم تريد كثرة أعدائنا فقط ؟!
كان صوتا غاضبا لقى كثيرا من صيحات التأييد بعده , لكن الثلاثة السابقين (ماكيتو) و الثلجية و (إيكويا) لم يتكلموا على الإطلاق , نظر الزعيم نحو كل منهم على حدة , ثم قال منهيا حالة الغضب هذه :
-حسنا , نظرا لظروف لا دخل لكم بها أنا أكثر شخص جالس هنا يريد أن يرى رانمارو هذا ميتا , أكثر من اللورد ماكيتو نفسه وحرقته على ابنه...!!
لقى كلامه صدى عند مستمعيه فصمتوا جميعا , حتى الثلاثة انتبهوا له , فهم لم يعرفوا ماذا يتحدث عنه هذا الغريب الذي تابع :
-سألت نفسي ذات مرة , هل إن قتلته وهو طفل بشري عادي سأكون قد حققت انتقامي منه كما ينبغي؟!! هل سيرتاح قلبي بما فعلته ؟!!
نظر حوله يمنة و يسرة نحو الجميع , فكانوا كلهم يحبسون أنفاسهم ليسمعوا السبب الخطير , فتابع :
-فكانت الإجابة واضحة , نعم سأكون قد ثأرت لنفسي منه ولكن في الوقت نفسه سيكون هو مجرد طفل عادي تعرض لحادث فانتهت حياته التي بلا معنى في غمضة عين , هنا وقفت عن التفكير بعد هذا , حقيقة لم يكن هذا يقارب مستوى الانتقام الذي أردته له , لهذا فكرت في فكرة جهنمية...
توقف وهو يرقب انفعالاتهم أو انطباعاتهم , لكنه وجدهم منتبهين غير مبالين بأي انفعال في هذا الوقت الحساس , هنا تابع ما كان يقوله :
-خططت لأن يستعيد حياته مرة أخرى , أن يعرف من هو , و من أبواه , و ماذا فعل , و كيف هي حياتنا , بل وجهته نحو طريق الثأر لأبويه , ودفعته دفعا لأن يسير فيه فسار كما أردت , و هذا ما يحنقكم جميعا , لكني أؤكد لكم , رانمارو هذا مشكلتي أنا , مسئوليتي الشخصية , و أنا أتكفل أمامكم بالدفاع عن أي خطر منه برغم أنني متأكد أنه لن يشكل لأي منكم خطر , فكيف يشكل طفل لم يتعدى مرحلة الشباب بعد أشخاصا قد تعدوا مرحلة الشيخوخة ؟!
نظر الجميع نحو بعضهم البعض , و انخرطوا في أحاديث طويلة , لم تتعدى بعض الجمل مثل :
((-يبدو أنه مجنون فعلا...
-لا أصدق هذا التفكير , لكنه واقعي , فرانمارو هذا مهما كان ليس سوى شخص ضعيف...
-ياترى ماذا فعل له هذا الولد الصغير حتى يريد الانتقام منه ؟!!))
ودارت الأحاديث وسط جموع الحاضرين , في حين نظر اللود نحو الثلجية و (إيكويا) , لم يتكلم أي منهم , لكن أعينهم كانت تتبادل كلاما كثيرا , كان الزعيم يراقب الجميع وهو مبتسم , فقد استطاع اقناعهم بوجهة نظره الوحشية , بعد فترة دامت عدة دقائق قام فيها الجميع بالنقاش , ساد صمت تام على جميع الحضور , فقال الزعيم لهم :
-هل وافقتم على خطتي؟!
-نعم وافقنا أيها الزعيم !
قالها الجميع ولكن فردا فردا كل بدوره , لم يعترض أي شخص على الإطلاق , زفر الزعيم بقوة وكأنه قد أزال من على قلبه هما ثقيلا وقال لهم :
-حسنا , فليذهب كل منكم من هنا , انتهى الاجتماع !
قام كل منهم وهو ينظر نحو شخص آخر من الجماعة المعادية , لكنهم قد وافقوا على نبذ الخلافات جانبا قليلا و العمل نحو تدمير الأعداء أولا ثم ينتبهوا بعدها لتصفية خلافاتهم الشخصية, تابع الزعيم رحيلهم وهو يرقبهم في صمت , و بعد رحيلهم جميعا أرجع رأسه للخلف مريحا إياها على جزء خاص بها في مقعده الرئاسي ,وهو يضحك ضحكة شيطانية , بعدها صفق بيده الزعيم فاختفت المقاعد والطاولة و اختفى هو الآخر وسط تردد صوت ضحكاته الشيطانية لتخترق سكون الليل الفاحش في تلك المنطقة المقفرة الموجودة على أطراف طوكيو .

*******************

-حمدا لله على سلامتك سيدي !
قالها الشخص الواقف على مدخل بيت قديم , لذلك الشخص القادم هو و من معه لم يبدوا أي اهتمام به , و استمروا في طريقهم نحو المدخل لكنهم اختفوا بمجرد الدخول في المدخل و كأنه فم ابتلعهم , اعتدل الشخص من انحنائته ولم يقل شيئا أو يبدو على وجهه الاستغراب مما حدث و كأنه شيء عادي يحدث للجميع , أما القادمون فبمجرد عبورهم مدخل البيت حتى اختفى البيت , و ظهرت أمامهم مجموعة بيوت محمية بحاجز واقي , و ما كان الرجل الموجود بالمدخل سوى رجل حراسة عادي ,
-يا لهذه الإجراءات العنيدة , لم تكن هذه موجودة قبل هذا !
نظر رجل يسير خلف زعيم العائلة نحو محدثه الموجود جانبه , فقال معلقا له:
-هذا أمر لابد منه بعد حادثة باكوشو , لا يمكن ترك مقرنا بدون حماية أمامية لتأخير الهجوم علينا حتى نستعد جيدا .
لم يعر السائر أمامهم اي انتباه لما كانوا يقولونه , كان فكره كله منصب على الاجتماع الغريب مع الشخصية الأغرب , فهو لم يقابل شخصا في حياته يستطيع أن يكون بمثل هذه القوة والصلابة في مواجهة أعتى رجال عالمهم ...
((-لابد وأنه رجل قوي حقا , لكن ما يقلقني هو ذاك الثأر الذي تحدث عنه , رانمارو هذا طفل بالنسبة لنا , فماذا يكون قد فعله للدرجة التي تجعله يريد قتله بهذه الصورة البشعة , هذا الأمر لا يروق لي !))
دخل الزعيم نحو الحجرة الرئيسية لمقرهم , جلس على الأريكة باسترخاء شديد وأغلق عينيه و أطلق عقله للراحة و السكينة , كي يفكر بعمق فيما يشغل عقله , جلس نائبه بجانبه و قال له :
-هل لازلت تفكر في كلام الاجتماع ؟!!
لم يتحرك قائده من مكانه , لكنه أجاب ولازالت عينه مغمضة :
-نعم , فما كان يقوله ليس بشيء يسهل استيعابه , طريقة تفكيره , و خطته هذه , كل شيء غريب جدا !
نظر المساعد تجاه رئيسه وقال له :
-لازلت لا تريد أن تخبرني بما حدث هناك ؟!!
لم يجبه قائده و بل ظل ملتزما للصمت , أما بداخله :
((-كيف لا يكون هذا الفتى خطر عليه فقط وليس علينا , عندما يكون قويا سوف يصبح خطرا يهددنا , كما أن لا أحد يعلم ما علاقته بجنتو , و آه لو اجتمعا معا , فستكون كارثة حتمية...))
صمت عقله الباطن عن مجاراة الأحداث خوفا مما وصل إليه من استنتاج قاسي , لكنه هز رأسه نفيا .
دخل رجل فجأة في الغرفة بقوة مما أفاق القائد من سبات تفكيره , نظر له هو مساعده وقال له المساعد :
-ماذا هناك ؟ ماذا حدث ؟!!
ظن القائد و نائبه أن هناك هجوما قد حدث , لكن الوافد قال لهما :
-هل تذكر سيدي مهمة الفيلا الجديدة التي كان يتولاها جناحنا العسكري؟
تراجع القائد في جلسته ليستريح وهو يزفر ضيقا وكأن الموضوع لا يهمه ,فقال النائب له في ضيق أكثر :
-نعم , و تلك التي أفسدتها (تاكامي) , ألم نبعث بفرقتين , أولاها لتجد هذه المنشقة لنعاقبها , و الأخرى لتجد الفتاة الهاربة لنقتلها ؟!
هز الرجل رأسه بمعنى نعم , فقال النائب في ضيق أكبر :
-فماذا هناك إذن؟!!
ابتلع الرجل ريقه ثم قال :
-رانمارو !
كان نطقه لهذا الاسم كفيلا بجعل القائد يقفز من مكانه و يصرخ في وجهه :
-ما علاقة هذا الرجل بنا ؟؟
صمت الرجل دهشة لما حدث لقائده , فاستعجله القائد في الجواب بقوله :
-هيا أجبني..!
تمالك الرجل نفسه ثم قال لقائده وهو يقف وقفة عسكرية ليس احتراما لقائده فقط ولكن حتى يتمالك أعصابه بتغيير وقفته قليلا :
-سيدي , هذا ليس برجل , هذا شاب لا يتعدى عمره الخامسة عشر عاما ...
قاطعه قائده وهو يتصبب بضع قطرات من العرق :
-لا يهمني هذا , ما يهمني هو ماذا فعله لنا ؟!!
لم ينظر الرجل في عين قائده خشية أن يتسمر مكانه مثل السابق فقال بسرعة دون تفكير :
-لقد واجه الفرقة الخاصة باستعادة تلك الفتاة المسماة ساكورا , لقد أخبرنا قائد الفرقة بوجود من ليس ببشري عادي اعترضوا طريقهم في استعادتها , لكنهم أخبرونا أنهم مجرد أطفال , لكن المراقب على الفرقة بعث منذ قليل بإخبارية عاجلة مفادها أن فرقته قد تدمرت على يد شخص واحد من أولئك الأطفال , فرد يمتلك قوة عائلة اليوشاهارا العريقة , والتي لم يتبقى منها في الحياة سوى شخص واحد فقط وهو ذاك الفتى الذي قتل والديه , ذاك المنبوذ , وهو رانمارو .
سقط القائد جالسا على الأريكة الوثيرة مذهولا مما حدث , فنظر نحو نائبه وسأله وعرقه ازداد قليلا عما سبق:
-أي فريق بعثتموه لإحضار الفتاة ؟
صمت النائب قليلا ثم قال له :
-الفريق بيتا سيدي .
اتسعت عينا القائد أكثر و أكثر , و قال دون أي تفكير :
-لا يمكن , فريق من الرتبة الثالثة قد دُمر على يد هذا الغريب , لا يمكنني أن أظل صامتا , حياة عائلتي و أتباعي في خطر , هذا الغريب لن يحميني , بل سيدمرني ...!
قالها وقد رفع قبضته وهوي بها على المنضدة الزجاجية المنخفضة قليلا فتهشم الزجاج الذي يزينها على شكل وردات , وتناثر على الأرض في اتجاهات عدة , تلونت أسفل قبضة القائد بلون أحمر قرمزي معروف , مما دفع النائب بوضع يده في جيبه لإخراج منديل :
-يدك سيدي , اسمح لي ...
-لا يهمني هذا الأمر الآن , حياتنا جميعا في خطر ..!
قالها مقاطعا كلام نائبه , ثم صمت , وصمت الجميع أيضا ,لم يكن يجرؤ أحد على مقاطعة تفكير قائده, أما هو فعلى عكس ما بخارجه من صمت , كانت نفسه تموج بتحليلات عديدة :
((-هذا اللعين , الزعيم الغريب هذا , سيحقق حلمه على عظامنا , يبدو أن هذا الشاب ليس سهلا كما ظننت , يبدو أنه فعلا قد فاق توقعات هذا المعتوه , أوه , هذا ليس بوقت الاعجاب به , لابد من إبعاده عنا في هذا الوقت , بعدها أحاول أن أجد من يشاطرني مخاوفي و نرتب لقتله بسرعة حتى نستريح من خطره , ممم, إنه أنقذ تلك الطفلة , ماذا لو أخبرته عن تاكامي؟!! بالطبع ستفعل , هي طفلة , وحسب تقرير نايتو فإن تاكامي أنقذتها لأنها أحبتها , و يبدو أن تلك الطفلة الصغيرة أحبتها هي الأخرى , لكن الآن هناك فرقة تطارد تاكامي , و ربما تكون قد وجدتها الآن , ما العمل إذن ؟!!
-نسبة أن يأتي رانمارو هذا إلى هنا لاسترجاع تاكامي واردة , وبقوة , هذا سيضع عائلتي في محط خطورة كبيرة , كلا , هذا لا يبدو لي جيدا , فعلى الرغم من أن هذا الفتى لا يزال صغيرا , و ضعيفا بالنسبة لي على الأقل , لكن احتمال ظهور جنتو معه في الصورة واردة أيضا , يبدو أن هذا الغريب كان كاذبا فيما يتعلق بوجود جنتو صدفة في طريق ماكيتو ...
-ماكيتو , نعم , إنه هو الذي سيساعدني في مؤامرتي هذه , فهو أحرص الناس على قتل هذا الفتى انتقاما لولده , أيضا سينضم إليه من يرد أن يقتل الخطر العظيم , فهو الشخص الوحيد المعروف الذي يريد قتل رانمارو , و بهذا فمن يرد أن يقتل هذا اللعين فسينضم إليه أكيد, نعم , نعم , هذا هو الإختيار ...
-ولكن الآن , ليس هناك وقت لإرسال رسالة لماكيتو , و الترتيب لعقد اجتماع طارئ معه , كذلك الوقت الفائت بعد الإجتماع ليس بطويل , وغير كافي حتى يضع آخرون عقلهم في أمر رانمارو و قتله , و بالتالي فإن عريضة حلفائنا ستكون رفيعة جدا , لابد من ترك وقت مناسب لدفع الآخرين لاتخذا قراراتهم و الانتهاء من البحث و المشاورة حتى تزداد قوتنا ...
-ولكن ما العمل إذن ؟! إذا جئت بتلك المارقة هنا فكأنني أدعو الشيطان الكبير و الصغير للدخول إلى حصني و تدميري , أنا أقدر على الصغير , لكن الكبير لا أقدر عليه أبدا بمفردي , و لا يمكنني الإعتماد على احتمالية عدم ظهور جنتو معه , فهذا الاحتمال إن لم يتحقق فيعني تدمير عائلتي بأكملها , لا , لا يمكنني الارتكان للطمأنينة هكذا , لابد من احتساب أسوأ الاحتمالات حتى نتجنبها , هكذا يكون التفكير الصائب...
-ولكن أيضا ما العمل ؟! إن أمرت بترك تاكامي فكأنني أقول لأتباعي عارضوني في أوامري متى شئتم , فلن أعاقبكم , كلا , هذا ليس بصواب , هؤلاء لا يعرفون مخاطر تاكامي , ولا يمكنني أن أشرح لهم هذه الأمور الخطيرة , ما العمل إذن؟!))
ظل القائد يفكر بعمق شديد صامتا , و الجميع يراقبه , مرت حوالى الساعتين , ثم بعدها قرر في نفسه شيئا :
((-لابد من توقف هذه المهمة , لكن في الوقت نفسه لا يمكن أن أوقفها , إذن لا خيار أمامي سوى هذا الأمر!))
بعدها نظر حوله في قلق , تسائل النائب أخيرا بعد صيام عن الكلام هذه المدة :
-عما تبحث يا سيدي ؟!
نظر إليه القائد وقال له :
-هل تعرف موقع الفرقة الثانية للبحث عن تاكامي؟!
نظر النائب نحو الرجل الذي قال أخبار الفرقة الأولى فسارع بقوله :
-إنها تقع في المنطقة (س-15) سيدي !
نظر سيده له وهو يبتسم و يقول :
-عظيم جدا ...
ثم قام وتحرك نحو الباب وقبل قول أي شخص آخر أي شيء قال هو :
-هناك إحتمالية قائمة بوجود هذا الفتى الغريب ليواجه هذه الفرقة...
قالها وتوقف عند مقدمة الباب ليفتحه ثم استدار وهو واقف عند منتصف مدخل الباب المفتوح وقال لنائبه وهو ينظر في عينه :
-واحتمال آخر بوجود جنتو هناك !
تسمر الجميع صامتين في أماكنهم بدون حراك أو نطق , فقول (جنتو) وحده مصدر رعب كبير لهم , فأكمل القائد كلامه وهو لازال ينظر تجاه نائبه :
-لهذا لا يمكن أن تأتي معي , و كذلك لا يمكن إلغاء المهمة , أنت تعرف أنني لا أسامح من يخطأ , انتظر عودتي..!!
قالها و أغلق الباب خلفه , فسقط النائب على مقعد له وهو يفكر :
((-ماذا يحدث بحق الجحيم...؟!!))

اماريج 01-08-10 07:41 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل التاسع و العشرين


البحث عن تاكامي


-هل لازالت فاقدة الوعي؟!!

نظرت (هارونا ) تجاه رانمارو , فوجدت الأخير يكسو وجهه نظرة عطف و حزن عميقة , تنهدت ثم قالت :
-لازالت آثار الصدمة لم تذهب بعد , ولازلت عند اقتراحي بضرورة ذهابها إلى أقرب مستشفى .
نظر (رانمارو) إليها ثم مضى نحو (ياكو) الجالس على حافة النهر يمسك بحجر صغير و يقذفه ليسبح قليلا في الهواء ثم يواصل رحلته قليلا قافزا على سطح الماء قفزات قليلة ثم يغوص داخل أعماق الماء , وقف (رانمارو ) على الحافة بجانب أخيه ثم قال لها وهو ينظر إلى الماء :
-لازلت أنا أيضا معارضا لما تقولينه , فهم لن يفعلوا لها شيئا , كما أن حياتها ربما تكون في خطر , لابد من وجودها بجانبنا , هذا ما أراه...
صمت بعدها وهو ينظر تجاه المياه السائرة بيسر و سلاسة في مجراها , سبح في خياله للحظات تذكر فيها قتاله مع الشخصين اللذان هاجما أخيه و (هارونا ) و الفتاة الصغيرة , لم يدر ما كان يفعله سوى بأنه قد تحول لصورته السحرية و قاتل الشخصان , وقتلهما...
نزلت دمعة من عينيه , هذه هي ثاني مرة يقتل فيها شخصا , طبعا بخلاف تهمته , لكنه ثاني مرة يقتل روحا بشرية , كان يشعر أن نارا اتقدت داخله لا تنطفأ , أحس أن بقلبه نقطة سوداء , و كلما قتل فردا آخر ستكبر هذه النقطة أكثر و أكثر , لا يعرف إن كان سيتحول في يوم ما إلى آلة بشرية للقتل , كان خائفا من هذه الفكرة للدرجة التي جعلته يبعدها عن ذهنه كلما حاول التفكير فيها , كان يدرك أنه لا يقتل سوى دفاعا عن نفسه , لكن ما الفرق بينه و بين ما يقتل من أجل المال ؟ إن القتل لا يورث شيئا سوى العداوة و كثرة الأعداء , تنهد بقوة وحزن , مما دفع أخيه لأن يقول :
-لا تحزن , فأنت تدافع عن الحق , ومن يدافع عنه لابد له من أن يكسب .
نظر (رانمارو ) إليه , و على عينه لازالت تلك النظرة الحزينة , لم يجبه , لكنه سار محاذيا الحافة متجها بعيدا عن مكان أخيه , و في طريقه ركل حجرا صغيرا من شدة غضبه , فطار الحجر في الهواء ليسقط في الماء , راقبه (رانمارو ) جيدا , و راقب التموجات الناتجة عن سقوطه , لكن بعد فترة عاد سطح الماء لحالته الأصلية , ابتسم ابتسامة حزن , ابتسم لأنه أدرك أن كل شيء مهما كان قويا , أن أي حدث مهما كان حزينا , أن أي جرح مهما كان عميقا , سيأتي وقت و ينساه , سيأتي وقت و يعود فيه إلى حياته الطبيعية متناسيا ما حدث , هنا تسائل في أعماق نفسه :
((-هل حقا سأنسى طريقي و مهمتي ؟ هل أنا قادر على حماية أصدقائي , الدفاع عن معتقداتي , رفعة و نصرة الحق , أم سأكون ضعيفا لا يقدر على شيء ؟!!))
لم يجد الوقت الكافي ليفكر حتى في الإجابة , فقد صدرت صرخة بسيطة من ( هارونا ) أيقظته من أحلامه , فاستل عصاته و قال بسرعة فائقة :
-كاي !
تحولت عصاته لشكلها المعهود , و عبائته التي أصبحت تغطي نصف جسمه الآن , نظر نحو (هارونا ) فلم يجد شيئا , فقال :
-أوراهارا كاي !
فعادت العصا لحالتها الطبيعية كعصاة خشبية , ثم أسرع نحوها و قال في طريقه لها :
-ماذا حدث كي تصرخي هكذا؟ لقد أفزعتيني , اعتقدت بوجود من يهاجم علينا !
ابتسمت (هارونا) وقالت له :
-لقد أفاقت ساكورا , لقد تأوهت قليلا , و لهذا صرخت من السعادة .
ظهرت ابتسامة رضا مصاحبة بتعبير طمأنينة على وجه (رانمارو ) في حين قال ( ياكو ) :
-وهل أفاقت و استعادت وعيها كاملا ؟
-لا ليس بعد , لكنها قد أفاقت و هذه إشارة جيدة , أتمنى أن تفيق بسرعة حتى نعلم منها من هؤلاء و ما حكايتها أصلا .
نظر (ياكو ) نحو أخيه و قال له وهو يبتعد تجاه النهر ثانية :
-أتمنى أن يكون هناك سوء تفاهم , فنحن لسنا في حال يسمح بوجود أعداء جدد.
نظر (رانمارو ) لأخيه , كان يعلم في قرارة نفسه أن ثقته قد اهتزت , لكنه لن يتوقف عن مساعدة أي مظلوم في أي وقت كان , و في أي حال كان هو , هكذا رد على أخيه , فصمت ولم يتحدث , وجلسا يرقبان سير مياه النهر حتى مرور ساعتين , بعدها أفاقت (ساكورا) تماما , وأصبحت في حال يسمح لهم بالتحدث عما يحدث , جلس الثلاثة حولها على الأرض العشبية , و جلست هي على صخرة مرتفعة قليلا عن الأرض , كانت لا تزال ترتجف من الرعب , لكن الوقت قصير , و هم لا يعرفون من يدبر كل هذه الهجمات , و ما سبب محاولة اختطاف تلك البشرية الصغيرة , تكلم (رانمارو ) أولا و قال لها :
-عزيزتي , أنا آسف عما حدث لكِ مني , لم أقصد أن أؤذيكِ.
نظرت الفتاة إليه و براءة الأطفال في عينيها , لم تعرف ماذا تقول , لكنها صمتت ونظرت للأرض , فقالت لها (هارونا ):
-لا تحزني عزيزتي , فأنت مثل أختنا الصغرى.
لم تدر (هارونا ) أنها قد فتحت بابا قد نسيته تلك الصغيرة , فصرخت الطفلة بأعلى صوتها قائلة :
-تاكامي...!!
نظر كل من (رانمارو ) و ( ياكو ) لبعضهما البعض , في حين اندفعت (هارونا ) تحتضن بكاء هذه الطفلة , بعدما أسكتتها , سألها (رانمارو ) :
-من هي...!
لم يكمل حيث قاطعته الفتاة بفعل شيء غريب جدا أسكته , حيث نزلت الفتاة بسرعة من على الصخرة العالية في نظرها , و حين لامست قدماها الأرض كانت يداها في قمة الصخرة , بعدها جرت مسافة نحو (رانمارو) و أحنت جسمها العلوي كاملا وهي تقول له:
-هل تقبل سيدي أن تساعدني؟ إن لي أختا تحتاج للمساعدة !!
لم يعلق (رانمارو) مباشرة , حيث كان مندهشا و بشدة من سلوك هذه الطفلة , لكنه سرعان ما تغلب على دهشته و سألها :
-من يحتاج للمساعدة ؟ و أين هي؟!
عدلت الطفلة من انحنائتها , و قامت بشرح لما حدث من نظرها , بدءا من تعرفها على أختها , مرورا باستيقاظها مفزعة من نومها لتجد نفسها هي و أختها في الهواء قافزين عبر نافذة غرفتها , انتهاءا بما حدث على سطح القطار السريع , نظر (ياكو) ل(هارونا) وقال لها :
-هذه الأخت مثلنا أيضا , فنحن أخوتك , أليس كذلك ؟!!
قالها و هو يغمز بعينه اليسرى ل(هارونا ) ففهمت ما يعنيه وقالت بسرعة :
-نعم..نعم,نحن أخوتك , ولا تقلقي , فسوف نبحث عن أختك هذه !
قالتها و غمزت بدورها (لرانمارو) , لم يكن محتاجا للغمز , فهو قد قرر في باطنه أنه سينصر الحق و الضعيف في أي وقت كان , لهذا قال بسرعة :
-نعم , سنبحث عن أختك هذه , لكننا بحاجة أولا للذهاب إلى محطة القطار.
نظر الجميع له , ثم بادرته (ساكورا) هذه المرة بسؤالها الطفولي :
-لماذا سنذهب إلى هناك ؟!
فقال (رانمارو) لها :
-وذلك حتى أسأل عن القطار الذي جاء بكِ , لقد وصلتِ قبل الثانية عشر بقليل , سأتسائل عن القطارات التي وصلت في هذا الميعاد , ثم نبحث في أي منطقة من المحتمل وجود بيتك فيها , فأنتي لا تعرفين مكان منزلكي.
صمتت (ساكورا) حزينة , فقد كانت تعتقد أن هذا خطؤها , فسارعت (هارونا) بقولها تصحيحا للموقف :
-لا تحزني عزيزتي , فمن منا لا ينسى؟!
نظرت الطفلة إليها , و تأملت هذا الوجه المبتسم بسعادة لها , فابتسمت , و ارتمت في حضن (هارونا) التي حملتها علي يديها وقالت للآخرين :
-هيا بنا لنبدأ البحث بسرعة!
خرج كل منهم من هذه الجهة من النهر متجهين نحو محطة القطار القريبة منهم.

**********************

-هل اقتربنا ؟!!
تسائل شخص وهو يجري مع مجموعة أشخاص , كان عددهم لا يتعدى الخمسة , أجابه من بالوسط ويبدو أنه قائدهم :
-يبدو أن صدينا قد تعب من الجري , لا أعلم إن كانت لديها قوة كافية لمواجهتنا أم لا , فخذوا حذركم جيدا .
قالها وتفرق الخمسة كل منهم في اتجاه , وذلك لكي يتم إحاطة الفريسة كي لا تهرب , اقترب القائد ومعه شخص آخر من مكان الفريسة , فوجد (تاكامي ) ممدة على الأرض و ساق رجلها الأيمن ينزف دما دافئا في هذا الجو القارص مما يبعث ببخار من هذا الدم الطازج , في حين تعتري جسدها آثار كدمات كثيرة في أنحاء شتى من جسدها , كانت تجلس و تسند ظهرها بجذع شجرة وسط هذه الغابة الثلجية , ضحك القائد وقال لها :
-لماذا إذن هذه المطاردة ؟! أرأيتي كيف ازداد جرحك اتساعا ؟! وفي النهاية قد قبضنا عليكي أيتها الخائنة.
نظرت (تاكامي) إليه بصمت , لم تكن تفعل شيء سوى التنفس بصوت عال وبسرعة شديدة , كان يبدو أنها ستعاني حمى من نوع ما , قهقة لقائد بصوت عال , ظهر بعدها صوت تحرك في الأشجار مالبث أن تجمع بعدها الرجال حوله محيطين بها , تأمل الرجال فريستهم , لكن...
-كيف الحال يا رجال ؟!
تسمر الرجال أماكنهم , واتسعت أعينهم و عينا (تاكامي ) , استدار القائد مع رجاله و قال لمحدثه :
-أهلا..أهلا بك أيها الزعيم , ما الذي جاء بك هنا ؟!
ابتسم الزعيم وقال لهم وهو يرقب كل منهم :
-جئت لأقول شيئا لكم...
نظر الجميع نحو زعيمهم و انصتوا ليسمعوا ما يريده منهم.

***********************


اعتدلت السيدة النائمة على فراشها عند سماعها لصوت خطوات أمام الباب , ثم صوت تحرك مفتاح داخله , فأمسكت بعصاتها التي كانت بالفعل قد نشطتها من قبل , و نظرت بترقب تجاه القادم , فظهر خيال رجل يسير في الطرقة الضيقة المظلمة المؤدية لحجرتها , لم يلبث أن صار بداخل حجرتها , فقالت بارتياح و قد أعادت عصاتها لجانبها على الفراش:

-هذه أنت يا عزيزي , لقد ظننتك شخصا آخر !
ابتسم الرجل وهو يجلس على مقعد هزاز , ثم قال لها :
-هناك أخبار عظيمة , لقد استطاع زعيمنا أن يوحد كلمة (كارا) و (بوكاهاتسو ) , و الآن الجميع في صفنا للبحث عن (رانمارو) و (جنتو) و قتلهما..!!
تنهدت السيدة بارتياح شديد , و أرجعت ظهرها بسرعة لتصبح مستلقية على فراشها , نظرت للسقف فقالت :
-هذا جيد , هذا يعني أننا لسنا بمفردنا , لقد أرحتني قليلا , لابد من أن نشكر الزعيم.
ضاقت عينا الرجل و كأن المرأة قد قالت شيئا ممنوعا , فرد قائلا :
-لا يمكننا أن نغادر هذا المكان , هذه تعليمات الزعيم الصارمة , هو من سيتصل بنا ويخبرنا بتفاصيل العالم الخارجي , لا حاجة لنا بالمخاطرة والخروج , أرجو أن تفهمي هذا جيدا !
لم تنظر المرأة إليه , لكنها ظلت تحملق في السقف , وبعد برهة من الصمت قالت لزوجها :
-أتمنى أن أرجع بالزمن للوراء , لا أدري كيف حدث هذا !
قالتها و تساقطت دمعة من مقلتيها لتسقط على وجنتيها وتبلل الفراش أسفل رأسها , نظر الرجل للأرض في صمت و حزن , ثم قال لها بنبرة حزن شديدة :
-أنا مثلكِ أتمنى رجوع الزمن للوراء , لكن يجب علينا أن نتماسك , فعدونا خطير , و لا يمكن أن يغمض لنا جفن مادام هو على قيد الحياة عزيزتي..!
صدقت المرأة على قوله وهي لاتزال تحملق في السقف بقولها :
-نعم , هذا هو الصواب بعينه !
لكن في داخلها كانت في عالم آخر , كانت تتخيل نفسها تجري في مراعي خضراء , و تضحك , و معها زوجها يضحك و يجري هو الآخر , ظلت تعيش داخل حلمها بأمل أن يأتي يوم وتحققه في الواقع المرير.

************************

تسمرت (تاكامي) في مكانها من الدهشة العارمة , فأمامها , قام زعيم منظمتها السابقة بفعل أغرب شيء قد تتصوره , لقد قام بقتل جميع أعضاء فريق البحث عنها !!
-لماذا فعلت ذلك !!!
قالتها دون تفكير , لقد ظنت عند مجيئه أنه قد حُكم عليها بالإعدام , لكن أن يقتل أفردا منظمته , فهذا جنون بلا شك...
-توقف , قل لي لماذا فعلت ذلك ؟ ولماذا تركتني حية ؟!
صرخت عندما استدار ليغادر , لكنه لم يتوقف رغم صرخاتها , :
-لماذا تغادر ؟! لماذا قتلت أعوانك ؟! لماذا ... لماذا...
أحست (تاكامي) كأنها تجاهد لتصرخ , شعرت بثقل في رأسها , تبعه غشاوة بسيطة أمام عينيها مالبثت أن ازدادت قليلا بقليل , في الوقت نفسه شعرت بأنها تبذل مجهودا جبارا لتفتح حاجبيها , هبط حاجبيها ببطء أمام عينيها التي ازدادت كثافة الغشاوة البيضاء أمامها , بعدها لم تتذكر شيء .
نظر الزعيم نحوها , قال في نفسه :
-((أود حقا قتلكِ هنا , لكني أخاف من خطر على منظمتي , وعائلتي , لابد من أن تعيشي أيتها الخائنة ))
قالها و جرى بعدها ليذهب نحو المقر الرسمي , و قد حمل معه أجساد رجاله المخلصين , كانت نفسه مشتعلة غضبا مما فعله , لكنه كان يذكر نفسه بقوله :
((-لابد من التضحية ببعض الرجال حتى نحمي باقي القطيع ! ))

**********************

-عذرا سيدتي !
وقف (ياكو) في شباك الاستفسارات و الاستعلامات بمحطة (طوكيو) المركزية , بعد لحظات جاء و على وجهه ابتسامة :
-لم يأتي إلى هنا سوى قطار واحد يسير من (أكيت) مرورا بمدينة ( سينداي ) وذلك في تمام الساعة الحادية عشر و خمسين دقيقة , و هو ما يقارب زمن وصول (ساكورا )
-إنها في سينداي !
تكلمت (ساكورا ) و بثقة شديدة , نظر الباقي لها ثم قالت (هارونا ) :
-هل أنتي متأكدة عزيزتي؟
نظرت الفتاة في عيني (هارونا ) و قالت لها :
-نعم , متأكدة جدا , فهذا الاسم سمعته عديدا من والدتي لكنني لم أكن اتنبه له , لكن هذا يعني أنني من هناك.
نظر (رانمارو) نحو (ياكو) و (هارونا ) ثم قال لهما :
-حسنا , في كل الأحوال سوف نمر على تلك المدينة , فلنذهب لنرى ماذا هناك في طريقنا .
قالها فأومأ كل منهما رأسه بمعنى الموافقة , ثم ذهب (ياكو ) لحجز تذاكر في القطار , بعدها ركبوا جميعا , وطوال الطريق كانوا يلهون مع الصغيرة ويحاولون إلهائها عن التفكير في أي شيء آخر خائفين من أن تصدم مرة ثانية.

********************

((-يا لي من فتاة حمقاء طائشة , لقد أضعت أخوتي صغارا , و ها أنا الآن قد أَضعت أختي أيضا و أنا كبيرة , يا لسخرية القدر مني , لا أعرف إن, آه , إن كنت أستطيع أن أجدها بعد هذا الوقت , وهل سأتمكن من العيش حتى أصل طوكيو , يا لي من فتاة متهورة حمقاء ...))
كانت (تاكامي ) قد أفاقت بعد قليل من مغادرة الزعيم , كان جسمها لا يحتمل حتى النهوض , نظرا لكمية الدم الذي فقدته و المجهود الذي بذلته في الساعات القليلة الماضية , لكنها كانت تعلم أن عليها مهمة لابد من أن تنفذها , لابد من أن تجد أختها التي تركتها على سطح قطار سريع , هي لا تعلم أين هي الآن , لكنها قررت في قرارة نفسها أن تسير على القضيب الذي سار عليه قطار الأمس , ربما تصل إلى المحطة التي توقفت عندها (ساكورا ) , فهي متأكدة أن أختها سوف تترك القطار حال توقفه , و هذا كان قطارا سريعا , يعني أنه لن يتوقف إلا في مدينة كبيرة , مشت متثاقلة غير مدركة بما حولها , حتى لم تدرك بمرور القطار السريع هذا على القضبان المجاورة لها , لكن اندفاع الهواء من على جانبيه قد صدمها , و أطاح بها قليلا للوراء كورقة شجر في مهب الريح...
-تاكااااااااااامي!!
صرخت الفتاة الصغيرة من احدى عربات القطار و هي تقفز لتلتصق بزجاج القطار السريع , و تضع راحتي يدها عليه , ثم تضربه بقبضتيها بكل ما أوتيت من قوة , لكن هيهات , يبدو أن مصير هاتين الفتاتين متعلقتين دائما بقطار يبعدهما عن بعضهما.

يتبــــــــــــــــــــــــــع........

اماريج 01-08-10 07:42 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الثلاثون


إنقاذ تاكامي!


قفزت (ساكورا) من على مقعدها و أخذت تجري متجهة للخلف , فجرى ورائها الباقيين , محاولين أن يمسكوها , لكنها قد وصلت للباب الذي يفصل العربات عن بعضها , حاولت الصغيرة فتح الباب لكنه كان ثقيلا جدا , فوصل إليها (رانمارو) أولا و حملها و ضمها إلى صدره وقال لها في أذنها برقة و حنان :

-لا تخافي لقد عرفنا مكانها و سوف نعود إليها.
ظل الفضول يجتاح نفوس الراكبين لكن لم يجرأ واحد منهم على التحرك لسؤال هؤلاء الغرباء , ظل القطار متحركا في اتجاه مدينة ( سينداي ) , لم تمر ربع ساعة حتى توقف القطار في المدينة , فتحرك الأربعة بسرعة نحو المخرج , أمسكت (هارونا) بالصغيرة و حملتها , نظر (رانمارو ) إليهم , ثم بدأوا بالجري , كانوا يجرون على قضيب القطار متجهين نحو الجهة التي أتوا منها , لكن من المحطة كان هناك عين تتبعهم و ترقب حركاتهم , و على العكس , لم تستغرب تلك العينان هذه القفزات السريعة الطويلة مقارنة بالبشر العاديين.
-سوف نصل في غضون نصف ساعة , أتمنى أن تكون بخير.
قالها (رانمارو ) و هو يبتسم (لساكورا ) التي كانت تمسك في ملابس (هارونا ) بقوة , لقد كان يشبه ما فعلته عندما حملتها (تاكامي ) خارجة من منزلها دون أن تعرف السبب , ودت الصغيرة لو أنها سألتهم كيف يفعلون ذلك , لكنها كانت مهتمة بتثبيت نفسها على أن تشبع فضولها.
مرت حوالي نصف ساعة وهم يسيرون بمحاذاة شريط القطار سرعة كبيرة , في نفس الوقت كانت (هارونا ) تتفحص المنطقة التي تقع على يسارها , أما (ياكو) فكان يتفحص المنطقة التي على يمينه , أما (رانمارو) فكان يتفحص الطريق أمامه بين القضبان...
-وجدتها...!!
صرخ (ياكو) مشيرا لجسم أسود ملقى على جانب القضبان وهم يجرون بسرعتهم , فتوقفوا جميعا , و اتجهوا نحو (تاكامي) في حين أمسكت (هارونا ) جسد (ساكورا) لتمنعها من النزول عنها و الذهاب نحو (تاكامي) , فهي لازالت صغيرة , و لا تستطيع احتمال أي صدمة أخرى.
وصل ( رانمارو ) للجسد الملقى على الأرض , كانت نائمة على وجهها , فنزل (رانمارو ) ثاني ركبتيه , أمسك بجسدها و قام بجذبه ناحيته حتى انعدل وضعه , كانت مغطاة بتراب , و أوراق أشجار , و دماء , كانت الدماء تغطي أجزاء متفرقة من جسدها , لكنها كانت متركزة في ساقها اليسرى , كما يبدو وجود جرح ما في بطنها , وضع (رانمارو) اصبعيه السبابة و الوسطى على رقبة (تاكامي) فوجد نبضها ضعيف جدا , كان لون جسمها أصفر باهت , نظر (رانمارو ) تجاه (ياكو ) و (هارونا) ثم قال لهما :
-هل يمكن أن ننقلها إلى أي مستشفى ؟ هل يوجد ما يعالج هذه الأمور ؟!
نظرت (هارونا ) بأسف و قالت بحزن شديد :
-يبدو أننا قد جئنا متأخرين , لقد فقدت دما كثيرا , لا أعرف إن كانت ستصمد لدقائق قادمة , فكيف ستصمد حتى نصل إلى مستشفى ؟!
أطرق الجميع رأسه ناظرا نحو الأرض في صمت مطبق , كان (رانمارو ) يعلم أن ما تقوله صواب , لقد فقدت تلك الفتاة دماءا كثيرة حقا , صرخت (ساكورا ) في (هارونا ) , و استطاعت خلال لحظة الصمت هذه أن تفلت من يدها , فاتجهت مسرعة نحو جسد أختها , ثم قفزت لتحضنها بكلتا يديها الصغيرتين و هي تبكي , لم يدرك (رانمارو ) ما يفعله حقا , لكنه كان متأكد أنه لا أمل ...
-هل تسمح لي؟!
نظر الجميع تجاه مصدر الصوت , فوجدوا شابا لا يتعدى الخامسة والعشرين واقفا على بعد عشرة أمتار منهم , فقال له (ياكو) وهو يتجه إليه :
-لا شكرا , لا نحتاج لمساعدة .
لم يتحرك الشاب , لكنه بدلا من هذا قال :
-أوراهارا !
بعدها تحول , تحول من كونه بشري عادي , تحول ليصبح غير عادي , ظهرت الحلقة ذات اللون الأبيض حول رأسه , ذهل الجميع من هذا التحول المفاجئ , لقد قام (ياكو ) ليبعد هذا البشري المتطفل عن المكان , فإذا به يتحول ليصبح مثلهم , لم يقف الشاب في مكانه , لكنه تحرك نحو (ساكورا ) و رفع يده اليسرى الممسكة بالعصا ,وقال :
-كاي !
تحولت العصا لتغطي بمعطف أبيض شاهق لامع بخطوط بنية باهتة طولية تبدأ من القمة و تنتهي متجمعة عند نقطة في أسفل المعطف , نقطة أمامية تنتهي عندها جميع الخيوط الأماية , نقطتين جانبتين , و نقطة خلفية ينتهي عند كل منها الخيوط الخاصة بها, كانت رأس العصا يبرز منه شكل ملاك صغير , بجناحين صغيرين , كانت عصا غريبة الشكل تنم عن وحش أغرب , انتبهت (هارونا ) لخطر اقترابه , فوقفت في طريقه حائلا بينه و بين (تاكامي ) , فتوقف وهو يبتسم و قال لها :
-اعذريني , فلا يوجد وقت أقول فيه من أنا , فكل ثانية تضيع تقلل من فرصها للنجاة !
قالها و أشار بيده نحو (تاكامي ) , نظرت (هارونا ) تجاه (تاكامي ) ثم استدارت لتقول له :
-وما أدرانا أنك صديق و ليس عدو ؟!
نظر الشاب إليها و قال باسما :
-ألا ترين أنها ستموت ؟ ماذا سأستفيده إذا قتلت شخصا هو أصلا على حافة الموت ؟! صدقيني , أنا هنا لمصلحتها و مصلحتكم !
صمت الشاب , فنظرت (هارونا ) ل(ياكو ) ثم إلى (رانمارو ) فلم يتكلم منهما أحد , فأفسحت الطريق بتحركها يمينا قليلا , فتحرك الشاب متجها نحو (تاكامي ) , فقالت (هارونا) له عندما مر بجوارها :
-إذا حاولت الغدر بنا ...كاي !
صدرت ثلاث أصوات مختلفة ناطقين هذه العبارة , تلفت الشاب حوله , فوجد أن (رانمارو ) و أخيه قد نشطا عصويهما , في حين أن (هارونا ) قد نشطت قوتها , و امتد أظفر اصبعها الوسطي الأيمن للأمام متخذا لشكل عصا صغيرة مدببة , لم يتكلم , لكنه أكمل طريقه حتى وصل أمام (تاكامي ) وقال :
-لا تخافوا , فأنا لست بأحمق حتى أثير حنق المنبوذ !
قالها و هو ينظر تجاه (رانمارو ) الذي كان قد حمل ( ساكورا ) من على جسد أختها ليسمح لهذا الغريب بفعل ما يريده , حينها نظر (رانمارو ) نحوه و عيناه تطلق شرارا , كان يود لو أنه في ظروف أخرى لقام بتلقين هذا الوغد درسا , لكنه يحتاج إليه لينقذ (تاكامي ) كما يزعم , فلم يكن يصدقه (رانمارو ) في قوله أنه هنا لمصلحتهم...
- سوكاي جوكوزي كارادا !
قال تلك التعويذة وهو مغمض عينه كأنه يستجمع قواه الروحية , أضاءت طرف العصا بلون أبيض به لمحات من البنية بقليل , ثم امتد شعاع من هذا اللون من طرف العصا , فأحاط بجسد (تاكامي) الراقدة بلا حراك , ثم رفعها عن الأرض بضع سنتيمرات , بعدها أحاطت تلك الطاقة بالمشرفة على الموت , هنا فتح الغريب عينه , نظر (رانمارو) فيهما , فوجد أنهما قد تلونتا كاملتين بلون أبيض , هنا تدرج لون الطاقة من الأبيض نحو البني , في حين بدأت فيه بعض الجروح و الخدوش بالاختفاء سريعا , كان يبدو و كأنه يقوم بإعادة بناء الجسم كله , مرت فترة من الوقت تقارب النصف ساعة , لم يتحدث فيها أي شخص موجود بالمكان , لكن في المقابل كانت كل نفس بها كم هائل من الأسئلة لهذا الغريب , كان يبدو عليه أن الارهاق قد أصابه , لكنه كان يتحامل على نفسه , مرت دقيقتان بعد ذلك , بعدها أنزلت الطاقة الروحية (تاكامي ) للأرض بسلاسة , ثم اختفت الطاقة من حولها تدريجيا كما جاءت تدريجيا , أصبحت (تاكامي) الآن أكثر حيوية , اختفى لون الأزرق البشع من على شفتيها , و رجع لون جلدها لطبيعته بعد اصفراره بشدة , أما الجروح فكأنها لم تكن ...
-طاخ !
استيقظ الجميع من غفلتهم و انشغالهم بتعافي (تاكامي) بسقوط هذا الغريب على الأرض , كان يبدو أنه قد وصل إلى أقصى طاقته بالفعل, اندفع (رانمارو) تجاهه , ثم حمله بمساعدة أخيه حتى وضعوه جالسا بجانب أحد الكثبان الرملية الصغيرة بجانب القضبان الحديدية , نظر (رانمارو ) للغريب بعد وضعه على الأرض , ثم قال :
-يبدو أنه نائم الآن !
لم يعلق أحد بعد ذلك , مرت الفترة الباقية من النهار دون أدنى جديد , اعتنت (هارونا ) و (ساكورا ) ب(تاكامي) حتى نهاية اليوم , بعدها قبيل الغروب بدقائق قليلة فتحت عيناها , لكن جسدها لم يكن يقوى حتى على الكلام أو فتح عينيها أكثر من دقيقة , أما في المقابل , فاعتنى (رانمارو ) و (ياكو) بالغريب , لم تمر فترة بسيطة على استيقاظ (تاكامي) حتى استيقظ هذا الغريب أيضا , لكنه كان أفضل حالا بكثير منها , فلم تمر ساعة واحدة حتى استرجع قواه مرة أخرى , جلس معهم حول (تاكامي) في حلقة أشعلوا نارا في وسطها من حطب و خشب , و شجيرات اقتلعوها من الأرض الرملية هذه , جمعها (رانمارو ) و أخيه , جلسوا صامتين للحظات , لكن (رانمارو) افتتح الحوار في هذا الليل الطويل بقوله :
-أنا شاكر جدا لما فعلته لتاكامي , لكن هل تسمح لنا فلدينا العديد من الأسئلة لك !
قالها بصفة مباشرة أدهشت باقي الموجودين , لكنها لم تدهش الغريب , الذي نظر إلى النار المشتعلة وقال :
-أنا اسمي تابيتو , أحد أبناء عائلة شيوكازوكو النبيلة , قوتي الروحية كما رأيتم اليوم هي الشفاء , فأنا أستطيع شفاء الجروح , من الممكن أن تعتبروا فرع عائلتي من النوع الطبي في مجتمع البشر...
نظر حوله فوجد الجميع يركزون باهتمام , لكن انفجر (ياكو) متسائلا :
-لا يهمني من أي عائلة أنت , لكن ما يهمني حقا هو كيفية اخفائك لطاقتك الروحية ثم استعادتها مرة أخرى !
صرخت (هارونا ) وهي تنظر بحدة نحو (تابيتو) بعد متابعتها لكلام (ياكو) قائلة :
-نعم , كيف فعلت هذه ؟!
نظر (تابيتو) باستغراب واضح , و التفت نحو (رانمارو) ثم سأله بنبرة اندهاش :
-هل لم تخبرهم بهذه الطريقة؟!
لم يدر (رانمارو ) ما يقوله , فهو أيضا كان مندهش من هذه الخدعة , فكيف له أن يعرفها؟
-أنا لا أعلم عم تتحدث !
قالها (رانمارو) وهو يهز كتفيه ورأسه في دلالة على عدم معرفته , نظر ( تابيتو ) باستغراب ل(رانمارو) ثم نظر نحو الجميع , فوجدهم يحملقون فيه بقوة و أعينهم مثبتة عليه , ففهم أنهم لا يدركون حقا كيفية هذا الأمر...
-الأمر بسيط , أن الخدعة تكمن في سوما !
صمت الجميع غير مدركين ما يقوله , لكن مالبث أن ومضت نقطة وسط بحر ظلام دامس في عقل (رانمارو) , فقال بسرعة :
-سوما , نعم , لقد تذكرتها , إنها قطتي , ولكن ما دخلها بما حدث لك ؟!
نظر تجاه (تابيتو ) الذي تنهد و أرجع رأسه و ظهره للوراء متكئا على أحد الكثبان الرملية ليريح جسده المنهك وسط هذه الأرض الجرداء القاسية , ثم قال :
-انظر عزيزي الصغير , سوما هذه ليست سوى جيل كامل من نوع فريد من القطط , هذا النوع لديه القابلية على امتصاص الطاقة الروحية , ليس الأمر كذلك فقط , لكنه نوع يعيش أساسا على امتصاص الطاقة الروحية من الأشخاص , بشرط تعرض الشخص لتعويذة ما تضعف من قدرته على استخدام طاقته أو تحرمه منها !
قال كلمة ((أو تحرمه منها )) هذه وهو يغمض عينه اليسرى , و كأنه يشير لما حدث ل(رانمارو ) , صمت (رانمارو ) يفكر فيما قاله هذا الغريب للتو , لكنه قال له :
-لكن قطتي قد ماتت بفعل تعويذة الساحر الذي حاول قتلي !
صمت الغريب للحظة ثم قال :
-لا , هذه القطط لا تموت , كل ما يحدث أنها تطلق ما بداخلها من طاقة مخزونة , ثم تختفي لتظهر في مكان آخر منهكة ضعيفة , هل لاحظت شيئا غريبا غير عادي في معركتك مع هذا الساحر الذي قد أشرت إليه ؟!
أخذ (رانمارو) يعتصر ذهنه ليتذكر ما حدث بالتفصيل , مرت فترة تقارب الدقيقة يحاول فيها بقدر استطاعته تجميع شتات أفكاره عن هذه الحادثة ليجد الشيء الغريب فيها , و قد وجده ...
-نعم , لقد حدث شيء غريب , ففي اللحظة التي قتل فيها الساحر , كنت في وسط الهواء على ارتفاع طابقين عن الأرض , كنت موقنا من الموت , لكن , حينئذ ومضت قدمي بضوء أخضر غريب , مالبث أن عدّل وضعي المائل , و أنزلني برفق شديد إلى الأرض , لكنني بمجرد ملامستي للأرض اختفى هذا الضوء , ولم أكن أجد له أي تفسير.
نظر الجميع إليه وهو يتحدث , فقام (تابيتو ) من مكانه و اتجه نحو حقيبة (رانمارو ) التي بها ماء ليشرب منها وهو يقول بصوت عالي يدل على راحة صاحبه لإثبات وجهة نظره :
-أرأيتم ؟ لقد أعطت هذه القطة طاقتها المخزنة لرانمارو , فاستخدم جزء مها لاشعوريا عندما تعرضت حياته للخطر ...
قال الجزء الأخير ثم رشف بضع قطرات من الماء القليل الموجود بتلك الزجاجة البلاستيكية لإحدى شركات المياه المعدنية , ثم مسح فمه بكمه بحركة لاإرادية , أرجع بعدها الزجاجة في مكانها بالحقيبة ثم رجع لمكانه , و في أثناء ذلك صمتت (هارونا ) تفكر في نفسها :
((-إذن فقد كنت تلك القطة تتبع رانمارو في الأصل ؟! ربما , و ربما لا , لهذا السبب فقد رجعت لقوتها بعد مكوثها معي ليلة واحدة , لقد امتصت من قوتي ما شاءت حتى شبعت , يالهذه القطة الجشعة !))
قطع حبل أفكارها سؤال (ياكو) ل (تابيتو) :
-حسنا , لكن كيف إذن عرفت أننا سحرة ؟ ولماذا تبعتنا ؟!
جلس (تابيتو ) في مكانه , واسترخى كما في السابق , ثم نظر للصغيرة التي تحتضن جسد (تاكامي) , أشار إليها ثم قال :
-هذه الصغيرة هي السبب في معرفتي أنكم سحرة!
نظرالجميع تجاه (ساكورا) النائمة بعمق في حضن أختها , لم يفهم (ياكو) كيف أن تلك الصغيرة كانت سببا في كشفهم لهذا الغريب , فنظر له نظرة تساؤل , فأكمل :
-حسنا , لقد كنت على متن نفس القطار الذي كنتم فيه , كنت أتسريح قليلا , لم أكن نائما , لكني كنت قريبا منه , حتى سمعت تلك الصرخة , فانتبهت و كل حواسي معلقة خوفا من وجود هجوم محتمل علي , لكني فوجئت بتلك الصغيرة تصرخ وهي تشير في اتجاه الخارج , فنظرت غريزيا للخارج , لمحت امرأه تطير بفعل قوة اندفاع القطار , بعدها وجدت تلك الصغيرة قد غادرت مكانها و جرت نحو الباب , راقبتها , و راقبت كيفية لحاقكم بها , و ما قاله هذا الشاب ذي الشعيرات الرمادية لها , فأحسست بأن وراءكما سر , فانتظرت حتى وصولنا للمحطة , ثم نشطت قوتي خلسة , فوجدت فعلا أنكم لستم بأشخاص عاديين , كما اكتشفت هوية المنبوذ , فدفعني فضولي لمتابعتكما , فأزلت طاقتي مرة أخرى , ثم تابعتكم من بعيد , حتى وصلتم إلى هنا !
ظل الجميع صامت , فما قاله صحيح , فصرخة ( ساكورا ) قد نبهت كل من بالعربة إليهم , كانوا يعلمون هذا جيدا , لكنهم لم يضعوا في حسبانهم وجود من يستطع إخفاء طاقته بمثل هذا الشكل...
-حسنا , لكن لماذا لم تخف مني؟ أنت تعرف أنني المنبوذ , و أنني متهم بقتل والداي , فلم لم تخف مني؟
نظر (تابيتو ) له , ثم قال :
-هذا بسبب أنني لا أصدق هذه الكذبة السخيفة , فأنت لم تقتل أبواك !
صمت الجميع مندهشا مما قاله الغريب , فوجود شخص يثق في براءة (رانمارو ) كان بمثابة حلم جميل , لكنه تحقق في الواقع , فسرعان ما سأله (رانمارو ) :
-هل تعني حقا ما تقوله ؟
-نعم , أعني كل حرف منه !
-لكن لماذا أنت واثق من برائتي هكذا ؟!
تراجع (تابيتو) أكثر إلى الخلف , وشبك يديه خلف رأسه , و نظر للسماء اللامعة بنجومها , ثم قال :
-إذا رجعنا بالزمن خمسة عشر عاما قبيل حادثة تدمير قرية الريح البيضاء بعام واحد , كانت هناك إشاعات عن وجود حركة تدار في الخفاء لتدمير القرية , تلك التي كانت تعتبر شوكة في حلق أولئك الأشرار , لكن الغريب هذه المرة هو أن تلك الحركة استهدفت توحيد مجموعتي كارا و بوكاهاتسو , وذلك من أجل هدف واحد , القضاء تماما على شوكة هذه القرية , و جعلها عظة لمن لا يعتبر ...
تنهد (تابيتو ) من الحزن , ثم تابع :
-كانت هناك إشاعة قوية تسري عن وجود قائد لتلك الحركة , و هذا القائد يمتلك قوى كبيرة جدا , لكن لا أحد يعرفه , لم تكن قرية الريح البيضاء ضعيفة , أو لقمة مستساغة , فهي التي وقفت تصد الخطر عن البشر العاديين لمدة أكثر من خمسة قرون مضت , و هي القرية التي كانت تملك خيرة العائلات النبيلة , لقد كان فخرا لمن كان يتخرج من مدارس قتالها , يالها من أيام !
قالها و صمت , خُيل للجميع أن هناك دمعة تترقرق من عينه , لكنه تمالك نفسه ثم أكمل بسرعة حتى لا يعلق أحد :
-كانت القرية من القوة حدا تجعل أي هجوم عليها ضربا من المحال كي ينجح , لم تكن تلك الثقة من غرور , لكنها نابعة من قوة و ثقة بقدرات تلك القرية العظيمة , لكن للأسف بعد عام تم الهجوم على القرية , و فوجئ الجميع بخبر تدميرها بسبب خيانة عائلة يوشاهارو , أحد أعرق و أقوى عائلاتها , ومقتل قائدها و زوجته على يد ابنهما الرضيع , بل و محاكمة هذا الطفل بواسطة حاكم المنطقة , و إدانة هذا الرضيع , و نبذه , و عزله عن مجتمعنا , و تلقيبه بالمنبوذ , بالطبع لم يستسغ أحد هذا القرار الغريب , لكن ما حدث كان عظيما , و كانت صدمة قوية , للأسف بعد انهيار قرية الريح , لم يقف أمام الشر أي مخلوق بعدها خوفا من تدميره , و انحنى الجميع لرغبة الجماعتين السوداوتين ,كارا و بوكاهاتسو , لم يقف سوى الشجاع البطل جنتو , لكنه وحيدا , مهما كان فهو سيحمي الخير في منطقة واحدة , أما باقي العالم فسيكون في خطر ...!
نظر حوله , فوجد الجميع يطرق بحزن , أحس أن ما قاله كان سببا في تغيير الجو هنا , لكنه كان مخطئا...
((-هذا اللعين جنتو , لقد عايرني بضعفي وعدم مقدرتي على حماية نفسي , لكنه كان محقا , كيف لشخص يرغب في حماية أصدقاءه , حماية أحباءه , حماية الخير من الشر , اظهار برائته , كيف يمكنه وهو بهذا الضعف أن يحمي حتى ...نفسه؟!
-لكن هذا كان من شهرين , أما الآن فأنا شخص آخر
هذا ليس بعذر , لازلت أنا ضعيف كالعادة , أحتمي بمن هم حولي , لقد كان محقا , أمامي قرون عدة حتى أكون قادرا على حماية نفسي !!))
كانت هذه الأفكار تنساب في عقل (رانمارو) بقوة , أوقدت نارا بقلبه , كان يحب(جنتو) كثيرا , لكنه للأسف لا يستطيع إزاحة فكرة كونه السبب الرئيسي في هجر (ساكورا ) له , نظر (ياكو) و (هاونا) بحزن نحوه , على غرار (تابيتو ) لم يكونا حزينين مما ذكره من وقائع أليمة بقدر خوفهما على مشاعر (رانمارو) , فجأة تغيرت نظرة (رانمارو ) , تبدل الحزن الواضح في عينيه الدامعتين إلى إصرار , رفع راحة يده اليمنى , و حملق فيها لثواني , ثم قبضها بقوة , وكأنه قد اتخذ قرارا حاسما , رفع بصره نحو (تابيتو ) الذي كان مندهشا من تغير نفسيته بتلك السرعة وقال له :
-لهذا السبب , لهذا السبب قررت إعادة بناء قرية الريح البيضاء و رفع الراية التي كانت تحملها وسط عالمنا المظلم.
يتبـــــــــــــــــع....

اماريج 01-08-10 07:43 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الواحد و الثلاثين


معوقات..و..إصرار


-...ولهذا السبب سأعيد تكوين قرية الريح البيضاء ...!!!

قالها (رانمارو) بإصرار , اندهش (تابيتو )مما قاله , فنظر حوله للآخرين فوجدهما غير مندهشين مما قاله للتو , أما ( تاكامي ) فلم تكن في حال يسمح لها بالتفكير في أي شيء , فرجع لينظر نحو (رانمارو ) وقال له :
-هل تمزح معي؟ ألا تدرك مدى صعوبة تكوين قرية ؟ لا أدري لكن ما تقوله يشابه كلام ولعب صبية صغار !
كانت كلماته تلك بمثابة قنبلة انفجرت فخلفت وراءها سكون شديد , لم يتحدث أي من الثلاثة , فقد كان (رانمارو ) يعلم جيدا أن ما يقوله (تابيتو ) إنما هو نابعا من معرفة حقيقية لواقع عالمهم , وهذا ما كان يخافه بالضبط منذ اتخاذ قراره عندما قابل ( ياكو ) , فكان يخاف من أن يصطدم حلمه بحائط الواقع و يتهشم تحته دون أن يحقق شيئا , لكن راوده هنا سؤال مجنون , فلم يتردد وقال ل(تابيتو ) :
-صف لي عالمي تابيتو , فأنا كما تعلم كنت منبوذا لفترة كبيرة عنه ولم أعد إلا منذ شهرين فقط !
صمت (تابيتو ) للحظات , ثم عاد لجلسته الأولى ليستريح , و أرجع نظره للسماء بنجومها ثم قال :
-حسنا , هذا شيء جيد أنك تريد معرفة عالمك , لكنه شيء لا يمكن وصفه في ليلة واحدة , لكني سأحاول أن ألم لك معظم جوانب حياتنا حتى تعرف هل يمكن تحقيق حلمك أم لا...
صمت (تابيتو ) للحظات حتى ينتهي كل من المحيطين حوله من اتخاذ مكانهم , فكل منهم جلس بطريقة تجعله مستريح , ف( ياكو ) اتخذ من تل رملي صغير مثل (تابيتو ) ليجلس عليه ممدا رجله و ساندا بظهره عليه , أما (هارونا ) فقد قامت و اقتربت من النيران وجلست أمامها وتضع يديها أمام النيران للتدفئة , حيث كانت تشعر ببرد شديد هذا المساء , أما الأخير فاختار أن يبقى كما هو , فلهفته و شوقه لتعرفه على عالمه قد فاقتا أي حدود لعدم الراحة و الألم بالنسبة له ...
-حسنا , سأبدأ بشرح مبسط عن أنواع البشر في العالم , البشر أربعة أنواع , بشر عاديين , و هم الغالبية العظمى , ويتميزون بعدم وجود ميزة تميزهم , سوى قصر عمرهم وقلة حيلتهم وضعفهم أمام الأنواع الأخرى , و السحرة , مثلي و مثلك ومثل ياكو , أولئك هم الذين يستطيعون استخدام العصي السحرية في القتال و رمي التعاويذ , و مصاصي الدماء , و أولئك مثل هارونا مثلا , و هم الذين لا يستخدمون العصي السحرية لكنهم يستخدمون بدلا منه اظفر معين في اليد يطول قليلا ليصبح كعصا صغيرة , والنوع الأخير وهو الغامض جدا , و هم المستذئبون...
-كل الأنواع ما عدا البشر العاديين يتميزون بخصائص عديدة , لكنهم جميعا يتميزون بطول عمرهم , فمثلا أنا أبدو أمامك في العشرينيات رغم كون سني الحقيقي خمسة وثلاثين , فنحن عندما نتخطى سن الواحد و العشرين يتباطئ جسدنا عن النمو بسرعته العادية , فنظل محتفظين بشكل جسمنا الشبابي رغم تقدم السنين , وهذا بالطبع قانون يسري على باقي الأجناس الأخرى ...
-الأربعة أنواع من البشر عاشوا مع بعضهم البعض منذ بدء الخليقة , لكن تفاوتت درجات العلاقة بينهم , ففي البداية كانوا جميعا يعيشون في سلام , لكن سرعان ما اختلفوا , فنشبت حرب كبرى في زمن يقدر بالثلاثة آلاف عام قبل الميلاد , بالطبع نجح البيتويو في هزيمة الشومينتيكي بسهولة مما نتج عنه حكمنا لهم , و سيادتنا عليهم...
قطع (رانمارو ) حديثه بسؤاله :
-من هم البيتويو و الشومينتيكي ؟!
-أها , لقد نسيت أن أفهمك معناها , (البيتويو) هو اسم يطلق على جميع الأجناس بخلاف البشر العاديين , فهو يطلق على السحرة ومصاصي الدماء و المستذئبين , أما (الشومينتيكي) فهو اسم يطلق على البشر العاديين...
رد عليه (رانمارو ) :
-حسنا , لقد فهمت هذه النقطة ...
ابتسم (تابيتو ) للحظة ثم أكمل حكايته :
-بعد هذا الانتصار شبت الغيرة و الرغبة في اعتلاء كرسي السلطة الجميع , فنشبت حرب أخرى أكبر من سابقتها , نشبت بين جميع أجناس البيتويو , استمرت حوالي مائة عام , عند نهاية تلك الفترة استطاعت ثلاث ممالك السيطرة على حكم الأرض , لقبت هذه الممالك بالممالك الأسطورية , حيث أن عصرها كان عصر ازدهار لجنسنا و شعبنا , وهي بمثابة حلم كبير لأي شخص يرغب في السلطة بشدة ...
قاطعته (هارونا) وهي تفرك يديها بقوة أمام النار حتى تستطيع أن تدفئ نفسها أكثر :
-هل هذا يعني أننا قد حكمنا الأرض من قبل ؟!
-نعم , لقد حكمناها لفترة طويلة , قاربت على الألف و خمسائة عام !
نظر (ياكو ) بغرابة نحوه , فهذا الرقم كان مدة طويلة جدا , لابد وأن تلك الممالك فعلا تستحق لقبها , الممالك الأسطورية ...
-لكن ما هي تلك الممالك الأسطورية التي تقول عنها ؟
سأله (رانمارو) في محاولة منه لإرجاع دفة الحديث لما كانوا يتحدثون فيه , فنظر له (تابيتو ) و أجابه :
-كانت هذه الممالك هي :
-المملكة المصرية
-المملكة اليابانية
-المملكة الترانسلفانية
نظر له الجميع وأعينهم متسعة , لم يدركوا عندما تخيلوا هذه الممالك أنها ستكون دولية , كانوا يعتقدون أنها خاصة ببلدهم فقط , لكن هذا الأمر قد أدهشهم حقا , فقال (ياكو ) دون ادراك منه :
-كل هذه الممالك؟!!
ضحك (تابيتو) و هو يشبك يديه أمام ركبته اليمنى التي ثناها في وضع آخر للجلوس , ثم قال :
-نعم ياكو , كل هذه الممالك , لا تندهش , فما كنت أتحدث عنه منذ البداية هو العالم بأجمعه وليس عالمنا الصغير في اليابان !
صمت (ياكو) في حين استمر (تابيتو ) في ضحكه من دهشته الشديدة , لكنه لم يكن الوحيد الذي قد دهش لهذا الأمر , ف(هارونا) لم تدرك هذه الحقيقة رغم كونها تربت في بيت عائلي عريق , أما (رانمارو ) فقد بدأ يشعر بما قاله (تابيتو ) ردا على قراره بإعادة بناء قرية الريح البيضاء , فنظر له و قال له :
-هذا بالطبع شيئا لم أدركه أبدا , لقد ظننت أنه لا يوجد سوى في اليابان هذه الأنواع المختلفة من البشر , لكني أتمنى أن تتكلم عن هذه الممالك قليلا , أريد معرفتها أكثر و أكثر...
توقف (تابيتو ) عن الضحك , ثم ظل لحظات يقاوم رغبته في الضحك حتى أخمدها , بعدها تحدث :
-أولا عندما هدأت الحرب , و حطت أوزارها كاشفة عن هذه الممالك , خاف قاداتها من نشوب حرب أكبر فيما بينهم , لهذا عقدوا اجتماعا سريا مهما في منطقة مجهولة , و تم الاتفاق فيه على تحديد مناطق عازلة بين هذه الممالك , ولهذا امتدت منطقة عازلة من المحيط المتجمد الشمالي مرورا بوسط روسيا حتى تصل إلى شمال العراق , ثم تمتد منطقة أخرى من العراق نحو شبه الجزيرة الهندية انتهاءا في المحيط الهندي , وبهذه المناطق تعتبر المملكة اليابانية مسيطرة على معظم قارة آسيا , ونصف روسيا , أما المملكة الترانسلفانية فتحكم أوروبا كلها , و أخيرا المصرية تحكم أفريقيا و جزء من آسيا يشتمل على شبه الجزيرة العربية , تفصل المملكة المصرية عن الترانسلفانية البحر المتوسط , و كذلك المنطقة العازلة الخاصة بالعراق , أما المملكة الترانسلفانية فتنفصل عن اليابانية بالمنطقة العازلة الموجودة بروسيا , و أخيرا المملكة اليابانية عن المصرية بالمنطقة العازلة الممتدة حتى شبه الجزيرة الهندية ...
صمت ليجعل من يريد السؤال أن يقوله , ابتسم عندما قام (ياكو) بإلقاء سؤاله :
-ولكن كم تبلغ مساحة هذه المناطق العازلة ؟ هل هي مثل الحدود بين الدول حاليا ؟
-كلا , إن مساحتها عريضة جدا , فمثلا تشمل كل شمال دولة العراق , نصف شبه الجزيرة الهندية , و هكذا , الغرض منها ليس تحديد مناطق النفوذ الخاصة بكل دولة , لا , بل الغرض منها هو البعد بين نطاق هذه الدول حتى لا يتم الاصطدام ببعضها البعض و تنشب حرب أخرى ...
-هل تكون هذه المناطق بغير سحرة وغيره من الأجناس الأخرى ؟
هكذا سألته (هارونا ) , فنظر إليها أجاب بكل بساطة :
-لا , ليس شرطا , فهناك مناطق داخل الممالك لا يوجد بها أي شخص من البيتويو , بالطبع هناك أفراد داخل هذه المناطق المعزولة , لكنهم قليلين جدا , فمعظمهم قد هاجر إلى أي من الممالك الثلاث ليعيش هناك !
صمت (تابيتو) قليلا حتى يتركهم يفكرون , و من كان منهم يريد أن يسأل فيشجعه على ذلك , بعد برهة , قال له (رانمارو ) :
-لدي استفسار , لماذا ثلاث ممالك ؟! لماذا لم يتحدوا جميعا في مملكة واحدة ؟!
نظر له (تابيتو) و قال ردا على استفساره :
-سؤال جميل , قبل أن أجيب عليه لابد وأن أوضح طبيعة سياسة كل مملكة ...
بدا على الجميع التركيز أكثر , فتابع :
-مملكة مصر كانت سياستها أغلبها سحرية , و هذا نظرا لكون قادتها وغالبية من يقبع تحت حكمها من السحرة , أما الترانسلفانيين فسياستهم أغلبها تتبع فكر مصاصي الدماء , نظرا لكون ترانسلفانيا الموطن الأصلي لمصاصي الدماء , أما اليابانية فتتبع فكر خليط بين السحرة و مصاصي الدماء نظرا لتقارب أعداد كل منهم في المنطقة الواقعة تحت حكمها...
اندفع (ياكو) قائلا :
-هذا يعني أن مملكتنا اليابانية هي أفضل الممالك , أليس كذلك ؟!
نظر له (تابيتو) بحزن , فهو قد فهم ما كان يقوله خطأ , فأوضح قائلا :
-أنت لم تفهمني جيدا , هناك فرق بين سياسة دولة و بين الأجناس التي تعيش تحت حكمها , ليس معنى كون الدولة بها خليط من الجنسين تكن دولة متوازنة , أنا لا أتحدث هنا عن عدد الأجناس , أنا أتحدث عن سياسة دولة عظمى...
قال له(رانمارو) باقتضاب وحزن :
-سياسة كارا و بوكاهاتسو تقصد , أليس كذلك ؟!!
صمت (تابيتو) واكتفى بالابتسام , ففهم (رانمارو) أن تخمينه قد أصاب النقطة القاتلة , لكن الآخرين لم يستوعبا ذلك , فبادرته (هارونا ) بسؤالها :
-هل تشرح لنا ما علاقة هاتين المنظمتين بسياسة تلك الممالك ؟
نظر (ياكو) لأخيه نظرة تدعم طلب (هارونا ) , فلم يجد بدا سوى شرح هذه العلاقة :
-حسنا , أنتم تعرفون أن بوكاهاتسو ترمز لاستخدام البشر كعبيد , فهذه السياسة تنطبق أكثر على سياسة المملكة الترانسلفانية , فمعظمهم من مصاصي الدماء , أما كارا , فهي تشير للفراغ الذي يشغله البشر , فهي لابد و أن تكون خليط من السحرة ومصاصي الدماء , فالسحرة لا شأن لهم بالبشر , فهم لا يتدخلون في حياتنا الشخصية , لكنك قد أخبرتني من قبل يا أخي أن قريتنا قد تدمرت على يد كارا التي توجد في اليابان هنا , وبالتالي لابد من أن المملكة اليابانية هي التي تتبع سياسة تلك المنظمة , فلا يتبقى سوى المصرية , تلك المكونة من السحرة في الغالب , فهم كما نعرف جميعا لهم تاريخ كبير , كان الكهنة و السحرة يلعبون دورا كبيرا فيه , فهذه المملكة قامت على رعاية البشر العاديين , و إن لم أكن مخظئا فسياستها تقوم على حماية الضعيف , أليس كذلك تابيتو ؟!
نظروا نحو (تابيتو ) الذي سارع مدعما قول (رانمارو ) :
-نعم هذا حقيقي , لكني أريد توضيح نقطة ما , فسياسة تلك الممالك لم تكن بتلك الوضوح , فالقاعدة العامة في حياتنا هي حماية البشر العاديين وليس مهاجمتهم , طبقت مملكة مصر هذه القاعدة بحذافيرها , أما الممالك الأخرى فلم تعر لتطبيقها اهتمام مثل مصر , و لذلك بدأ تيار الفكر ينجرف لتبرز معالم هذه المنظمتين في تلك المملكتين , لكنها لم تكن بمثل هذه القوة كما في عصرنا هذا ...
كانت دهشتهما عارمة تفوق كل الحدود , فمجرد تصور أن دولتك ومملكتك كانت في يوم ما داعمة لمثل هذه الحركات الهدامة لشيء صعب , تسائل (ياكو ) :
-هذا وقد عرفنا سياسة هذه الممالك , هل لا تزال هذه الممالك موجودة ؟!
نظر له (تابيتو) بدهشة ثم رد قائلا :
-ألم أقل في البداية أن هذه الممالك لم تستمر أكثر من ألف و خمسائة عام؟! ركز قليلا معي هنا , بالطبع هذه الممالك بدأت قوية جدا ثم بدأت في الانحدار , بعدما كنا نحقق الانجازات أصبح شغلنا الشاغل هو الصراع و النزاع , شيئا فشيئا توارت هذه الممالك لينساها الزمن كما نسي غيرها , لكن بقى منها شيئان , المناطق العازلة , و الأفكار التي نبع عنها بعد ذلك منظمتي كارا و بوكاهاتسو...
نظر إليهم جميعا , كانت حالتهم تشير إلى محاولتهم لهضم كل هذا التاريخ , كان يشفق عليهم , فهم يحاولون استيعاب تاريخهم القديم , نعم هو لم يخبرهم بالتفاصيل , لكنه أخبرهم بالخطوط العريضة للموضوع , و هذا يكفي , قطع حبل أفكاره تساؤل (رانمارو) :
-هذا جيد , لكن ما علاقة هذا بعدم استطاعتي تكوين قريتي من جديد ؟!
زفر (تابيتو ) بضيق قليلا ينم عن وصوله لمرحلة صعبة في كتم ما بداخله , فهو ليس بأستاذ تاريخ كي يعلمهم كل شيء , لكنه سرعان ما تمالك غضبه البسيط و قال :
-هذه علاقة غير مباشرة , انظر...
قالها و قام من مكانه و التقط غصن شجرة صغير , ثم جلس في مكان يتوسطهم جميعا , و أخذ يحرك الغصن في الأرض راسما مستطيل ثم قال :
-فلنفرض أن هذا المستطيل هو أحد الممالك التي تحدثنا عنها ...
نظر الجميع نحو المستطيل المرسوم , فأمسك (تابيتو ) بالغصن و أخذ يحركه مرة أخرى مقسما هذا المستطيل طوليا إلى ثلاث أقسام و عرضيا إلى خمسة أقسام , ثم تراجع للوراء معتدلا في جلسته و نظر لهم و قال :
-حسنا , فلنعتبر أن هذه هي المناطق التي تخضع للسيطرة , كانت كل مملكة تقوم بتعيين فردا يتبعها قائدا عاما على كل منطقة , كل فرد منهم كان قويا جدا , كانت مهمته هو تنفيذ أوامر المملكة , و الدفاع عن الموجودين تحت قيادته من أي مخاطر...
-مثل محافظ الولاية ؟!
سأله ( ياكو ) فنظر له و قال :
-نعم , نفس النظرية تقريبا , ظلت تلك الطريقة متبعة حتى بعد سقوط الممالك , و لازالت متبعة إلى وقتنا هذا ...
-كيف تكون متبعة إلى اليوم و لا توجد أي مملكة باقية الآن ؟!!
تسائلت (هارونا ) , فرد عليها بسرعة :
-سؤال جيد , المتبع فيها هو التقليد لكن التنفيذ مختلف , بمعنى أنه لكل منطقة معينة قائد , لكن هذا القائد يتم اختياره من سكان المنطقة , و يكون أقوى فرد فيهم , بالطبع هذا يتم عن طريق منافسة , لكنه اتباعا لتقليد الممالك الأسطورية القديمة.
-مناطق , هل تعني بها القرى ؟!
تسائل (ياكو ) , فرد عليه (تابيتو ) قائلا :
-لا ليس كذلك , فالمناطق أقصد بها المناطق الجغرافية , ففي اليابان تسعة مناطق رئيسية فقط , هم: طوكيو , ناجويا , أوساكا , كيتاكيوشو , سينداي التي نحن بها , أكيتا , سابورو , كوبيه , فيوكوكا , أما بكل منطقة فيختلف عدد ما يتبعها من مناطق فرعية , فطوكيو مثلا نظرا لكونها العاصمة فتتبعها تسعة مناطق فرعية , و هكذا ...
-هل يعني هذا أن لكل منطقة رئيسية أم فرعية قائد ؟!
تسائل (ياكو) , فقال له (تابيتو) بسرعة :
-لكل منطقة فرعية قائد يتم اختياره من سكان المنطقة , ولكل منطقة رئيسية قائد يتم اختياره من رؤساء المناطق الفرعية , و يكون رؤساء جميع المناطق الفرعية مع القائد مجلس حكماء المنطقة , و هو المسئول عن حماية المنطقة و الدفاع عن مصالحها , كما أنه مخصص لقبول تكوين قرية داخل المنطقة أم لا !!
هنا كسر (رانمارو) حاجز صمته إبان الفترة الماضية باستفساره :
-هل هذا يعني أنه كي أقوم بتكوين قرية جديدة لابد لي من أخذ موافقة هذا المجلس؟!
نظر له (تابيتو) , في قرارة نفسه بدأ يشعر أن هذا الفتى قد استشعر صعوبة هذا الطريق , و أنه بدأ يفهم حقيقة الواقع , فهو ليس كالأحلام , ما نريده يتحقق , بل هو طرق وعرة , غابات موحشة , فما يريده حقا ليس شيئا هينا هو الآخر , فرد عليه بقوله :
-ليس هذا فقط , إن بداية نشأة القرى تلك تعود للفترة التي تسبق سقوط تلك الممالك , فقبيل نهاية حكمها نشأت ما يسمى دويلات صغيرة داخل كل مملكة , كانت كل منها عبارة عن تجمع لأقوى العائلات في منطقة معينة , هذا كان لمصالح شخصية بحتة , و لا علاقة لها بمصلحة المملكة , هذا بالطبع أضعف من قدرة الممالك على الصمود , هذا إضافة إلى ضعف شخصية الحكام , و سهولة التأثير عليهم , و اتجاه معظمهم للهو و اللعب , كل هذا أدى في النهاية لإسقاط هذه الممالك و إختفاءها , لكن بعد ذلك لم تختفِ تلك الدويلات , بل ظلت في أماكنها تمارس أنواع من الإبتزاز و التهديد لمن حولها من مناطق , فما كان من حكامها سوى بدء تكوين قرى أخرى , وعمل اتحادات فيما بينهم حتى تم اسقاط معظم هذه الدويلات , و ما تبقى منها قد أنهكته الحروب مع من حوله , فتم عقد معاهدات سلام بين الدويلات و القرى نتج عنه إنتهاء معظم الحروب , و إختفاء معظم القرى نظرا لعدم الحاجة إليها , لكن في فترات مختلفة في التاريخ ظهرت بعض القرى , و اختفى الآخر , و اختلفت وجهات النظر إليها حتى وصلنا إلى العصر الحديث , فالآن يرى الجميع أن القرى ما هي إلا استبدال لسلطة مجلس الحكماء , و لهذا فمجلس الحكماء في أي مكان لن يقبل بوجود قرية داخل نطاق حكمه إلا...
نطق الكلمة الأخيرة و جال ببصره نحو الجميع , توقفت (هارونا ) عن فرك يديها أمام النيران منتبهة بكل حواسها لما يقوله , أما (ياكو) فقد مال للأمام في جلسته وكأنه يدقق النظر به , (ساكورا ) نائمة في حضن أختها المتعبة جدا , يتبقى (رانمارو ) الذي يحملق فيه دون أن يحول نظره عنه , بعد جولته القصيرة بين أعين مستمعيه تابع :
-لن يقبل بوجود قرية إلا إذا أثبت لحاكمها أن المنطقة تحتاج لوجودها...
سكت , فهو يريدهم أن يقفزوا للاستنتاج , نظر ل(رانمارو) الذي كان يفكر لبرهة ثم نطق :
-هل تعني أنه كي أنشأ قريتي مرة أخرى لابد لي من توضيح أن المنطقة في حاجة إليها , كيف لي بهذا ؟!
لم يجبه (تابيتو) , كان يبدو أنه حزين لأنه لم يقفز للاستنتاج , لكنه تدارك موقفه ورد قائلا:
-ما هي فائدة مجلس الحكماء للقرية؟
-حماية أهلها و رعاية أمورهم , لماذا تسأل ؟!
أجابته (هارونا) بسرعة , و لكن قبل أن يرد (تابيتو) قال (رانمارو) بصوت منخفض قليلا و كأنه يخاطب نفسه:
-هل تعني أن الفائدة من وجود القرية هي أنها ستحمي المنطقة وترعى شئونها أكثر مما يقوم به المجلس؟!
أشار (تابيتو) بأصبع السبابة اليمنى نحو (رانمارو) وهو مطبق على باقي صوابعه في راحة يده و هو يقول بصوت مرتفع قليلا:
-بالضبط , تلك هي الطريقة الوحيدة , لابد من أن تظهر عجز المجلس عن حماية وخدمة أعضاء المنطقة ...
-ولكن كيف؟!
تسائل (ياكو) بدهشة , فتحول نظر (تابيتو) بسرعة إليه وكأنه قائد أوركسترا , حيث أشار بيده أيضا له و رد بسرعة و بصوته العالي :
-سؤال جيد , هذه هي المعضلة الأولى هنا عزيزي , كيف؟! , إنها سهلة الحل , كل ما علينا هو أن نثبت لسكان المنطقة أننا أقوى منهم ...
-هل تعني أننا سنحارب مجلس الحكماء ؟!
تسائلت (هارونا) فالتفت لها (تابيتو) بسرعته و أشار إليها أيضا بحركة مسرحية سريعة قائلا لها :
-ليس بالضبط عزيزتي , لكن ستكون هناك معركة بين قائدهم و قائدكم , أي...
-ستكون بيني و بين قائد المنطقة ورئيس مجلس الحكماء , أليس كذلك ؟!!
التفت (تابيتو) ل(رانمارو) مرة أخرى , لكن هذه المرة لم يشر إليه كما فعل , بل فرد يديه الإثنتين أمامه وكأنه يقدم شخصا ما على خشبة المسرح للجمهور و قال له :
-بلى , سوف تتحدى قائد المنطقة و رئيس مجلس الحكماء للقتال , فإذا غلبته فأنت يحق لك تكوين قريتك في أي مكان يقع تحت حكم هذا المجلس , أما إذا فشلت فهذا يعني شيئا واحدا...الموت !
اتسعت عينا (ياكو) و (هارونا) من الفزع و الدهشة , فعقوبة التحدي للفاشل الموت , إنها عقوبة قاسية ...
-إنها عقوبة قاسية , لكن لا بديل أمامي , هذه هي العقبة الأولى , فما هي العقبة الثانية تابيتو ؟
نظر (تابيتو) إليه , هذا حقا فتى قوي , إنه لم يتأثر بعقوبة الموت هذه , يبدو أنه مصمم على التحدي و تأسيس قريته فعلا , هكذا فكر (تابيتو) , ثم قال ردا على (رانمارو) :
-العقبة الثانية تتعلق بالشروط التي يجب توفرها في أي قرية حتى يتم تكوينها...
-ما هي تلك الشروط ؟ ألا تكفي الشروط التي يجب اتباعها لاتخاذ الموافقة؟!
قالتها (هارونا) بانفعال الفتيات , لكن (تابيتو) نظر إليها وقال لها :
-أنتي تؤسسين دولة مصغرة , هل تريدين تكوينها في غمضة عين ؟ إن الأمر ليس بمثل تلك السهولة عزيزتي!
صمتت و احمرت وجنتها في هذا الصقيع قليلا من الخجل من موقفها , سرعان ما أخرجها ( ياكو) منه بسؤاله:
-قل لنا ما هي تلك الشروط حتى نضعها في حساباتنا .
-حسن , سأقولها لكم ...!
قالها و هو يعود ليستريح على تلك الرمال بظهره مرة أخرى , صمت الباقي منتبها له في حديثه منتظرين سماع ما هي شروط تكوين القرية.

يتبـــــــــــــــــع.............

اماريج 01-08-10 07:44 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الثاني و الثلاثون


هذه هي القواعد , تلك هي أصول اللعبة , فهل ستلعب ؟!


جلس (تابيتو) معتدلا بعد أن استراح في جلسته ثم قال :

-العقبة الثانية التي أمامكم هي متطلبات القرية , فقبل أن يتم التحدي بين قائد القرية و قائد المنطقة , يجب أن يتأكد مجلس الحكماء من استيفاء القرية لجميع الشروط الخاصة بها , و إذا لم تكن قد استوفت هذه الشروط فيتم رفض الطلب للأبد نظرا لعدم جدية صاحب الموضوع بشأنه...
قاطعه (ياكو) بقوله :
-ماذا هي تلك الشروط إذن ؟!
-الشروط تشمل الأيجو , كويو , تانشينفونو , شي يو , هذا غير نظام تعليمي محدد , و بالطبع الموافقة على حماية هذه المنطقة حتى بدماء قائدها و أعضاءها...
تسائلت (هارونا ) :
-ما هذه الأيجو , كويو , تانشينفونو , شي يو , أنا لا أعرف ما تلك ؟
نظر لها (تابيتو) و رد عليها بقوله :
-هذه هي أسماء لأصول العائلات السحرية , ف (الأيجو) تشير إلى جميع العائلات التي تتخصص في تعاويذ الدفاع و الدروع الحامية , أما (كويو ) فتشير إلى العائلات التي تستطيع إدخال الساحر أو مصاص الدماء في عالم الترقي , (تانشينفونو) ترمز لجميع العائلات التي يستطيع أعضاؤها تحويل الطاقة الروحية من شخص لآخر و التحكم في كميتها من تضخيم أو تقليل , و أخيرا (شو يو ) ترمز لجميع العائلات التي تستخدم طاقتها في الرعاية الصحية , مثلي , فعائلتي (شيوكازوكو) تتبع هذا الأصل الكبير...
بدا الاندهاش على وجه الجميع , و بخاصة (رانمارو ) الذي لم يكن يتوقع أن تكون الشروط كبيرة لهذه الدرجة , فقال وسط اندهاشه :
-وهل هذه العائلات يمكن ايجادها بسهولة ؟!!
نظر (تابيتو) له و أجاب محملقا فيه بدهشة :
-كلا بالطبع , و إلا كانت كل مجموعة قد كونت قرية خاصة بها , هذه العائلات لا توجد بكثرة , فهي من الندرة بحيث يصعب إيجادها بحق , ولهذا فعملية تكوين قرية عملية صعبة , إن لم تكن مستحيلة في حالة مثل حالتكم...
تسمر (رانمارو ) في مكانه , فهو كان يدرك أن (تابيتو) محق في كل كلمة قالها , لو كان الأمر كذلك , فهي ليست مجرد رغبة تجتاح الفرد فيقوم بها مهما كانت من عواقب , بل هي تداخلات بين أشخاص عدة , كما أنها ليست باليسر الذي توقعه , فهو , و إلى الآن , لم يجد نفسه أمام حائط لا يمكن تحريكه مثل هذا , لكن...
((-هل ستستسلم لهذه الأوهام رانمارو ؟!))
صدر هذا الصوت بعقله , فاهتز جسده من الرهبة , لم يكن مستعدا لسماع صوت وحشه و بخاصة في حالته تلك...
((-هل ستترك أحلامك و آمالك تضيع هباءا ؟!
-كن واقعيا أيها الوحش , لا تجرفك الآمال و الطموحات عن وضعي البائس , فأنا أقف في مكاني بمفردي , و أمامي عشرات الطرق يجب اجتيازها في وقت واحد , و بنجاح في جميعها , و إذا فشلت في إحداها فسوف أفشل في الجميع , لا تنجرف ور...
-اخرس أيها الضعيف , أنت لست برانمارو الذي أعرفه , ألهذه الدرجة أثرت في نفسك هزيمتك السابقة ؟ كلا أيها الأبله , فنحن نضعف لكي نقوى , نهزم لكي نفوز , نسقط كي نقف مرة ثانية ...
-ولكن...
-لا تعتذر بأشياء هي في الأصل أوهام , رانمارو الذي أعرفه لا يهمه شيء في طريقه مادام سيصل إلى هدفه...
-لكن كل هذه الصعاب , كل هذه المستحيلات , لا أستطيع...
-من قال لك أنها صعاب؟ من قال لك أنها مستحيلات ؟! هل جربت ولو لمرة واحدة حتى تقول رأيك ؟ هل حاولت و فشلت ؟ كيف تصدر حكما على شيئا لم تجربه حتى ؟!!
جرب رانمارو
حاول رانمارو
وإذا وقعت
قف و استمر في المحاولة
فأنت لا تقف وحيدا
فأنت معك أصدقاءك
ومعك وحشك
ومعك ثقتك بنفسك
فلا تدع شيئا يقف بطريقك...))
اختفى الصوت تدرجيا حتى تلاشى تماما , أفاق بعدها (رانمارو) ليجد الجميع ينظر إليه , كان يجلس على الأرض , الجميع حوله , الجميع قلق عليه , ابتسم رغم غزارة عرقه الذي ملأ جسده في ثواني , ابتسم أمامهم فاندهشوا جميعا , لكنه لم يبالِ باندهاشهم , فبداخل نفسه , فبداخل قلبه , كانت هناك ابتسامة أشد اتساعا , ابتسامة شخص واثق من نفسه...
-لقد قررت أن أخوض المعركة من أجل تكوين قريتي !
قالها بتصميم و إرادة , لم يعلق أحد ممن حوله لثانيتين , وكأنهم يحاولون ابتلاع ما قاله داخل عقولهم أولا , لكن بعد هذه الثانيتين , اندفعوا جميعا وفي وقت واحد يتكلمون , فلم يفهم منهم شيئا , وضع يديه على أذنيه حتى يقلل من حدة صوتهم , لم يمض على تلك الحال سوى جزء من الثانية , توقفوا جميعا كما بدأوا , في لحظة واحدة , ناظرين إلى بعضهم البعض , لقد أدركوا أنهم تحدثوا في وقت واحد الآن , بعد لحظة الصمت هذه انفجرت موجة من الضحك , اشتملت على الجميع , بعد الهدوء الذي تلا هذه الموجة قال (رانمارو ) للجميع :
-هل يمكن أن يتكلم فرد فرد منكم ؟ فلنبدأ بياكو , ماذا كنت تريد قوله يا ياكو ؟!
نظر (ياكو ) إليه , ثم قال بوجه صارم قليلا :
-أعرف أنك ترغب في الثأر من الذي قتل والداك , كما أدرك أنك عاقل تماما , ألم ترَ أن المشكلة لعمل قرية تتجاوز كل إمكانياتنا ؟!
نظر له (رانمارو) ثم قال وهو يبتسم :
-نعم , لقد فكرت في هذا الأمر عقلانيا , ووجدت استحالة أن أنجح بهذا , لكن ما دخل العقل فيما فعلناه حتى الآن ؟! ألم نقم بأشياء لو عقلناها لوجدناها مستحيلة ؟! لكننا قد فعلناها بنجاح , فما رأيك ؟!
نظر له الجميع بحذر , فما كان يقوله كان يبدو منطقيا لحد بعيد, فهم في خلال فترة وجيزة قد أنجزوا أشياء عدة صعبة و مستحيلة إذا كانوا قد فكروا فيها بعقلانية , لكن الأمر هنا يكاد كون مختلفا , فقالت (هارونا ) :
-حتى وإن قررنا أن نقوم بهذه الرحلة الخطرة , فمن أين نحصل على هذه العائلات ؟!
ابتسم هنا أكثر (رانمارو) و أجاب :
-هذا ليس بشيء صعب جدا , لو فكرتي في الموضوع فنحن لدينا الآن واحد من هذه العائلات !
قالها و أشار بسبابته اليسرى نحو (تابيتو) الذي اتسعت عيناه فجأة و قال باندهاش واضح :
-ومن قال لك أنني سأقبل أن أنضم لكم في هذه المخاطرة ؟!
ظل (رانمارو) مبتسما وقال له :
-أنت معنا عزيزي منذ اللحظة التي قررت فيها أن تسير وراءنا , فأنا أظن أنك تحاول الهرب من شيء ما خلفك , شيء يحاول العثور عليك , و إلا فبم تفسر إخفاءك لطاقتك الروحية ؟!
نظر الجميع له وكأنه متهم , ظلت عيناه متسعة من الدهشة , لم يدر بم يجاوبه , لم يجد كلمات يستطيع بها الدفاع عن نفسه , نظر حوله كسجين يبحث له عن مهرب , لكن سرعان ما أخذته كلمات (رانمارو) من وسط هذا الموقف بقوله :
-لا تنزعج عزيزي , فلست الوحيد الذي يحاول الهرب هنا من شيء وراءه , أنا أهرب من حكم صدر علي دون أدنى عدل , و هارونا تهرب من اللورد , و ياكو يهرب من واقعه المرير , فلا تظن أن هذا الموقف أنت وحدك فيه , لست كذلك عزيزي !
طمأنته تلك الكلمات الحنونة من (رانمارو ) , نظر للجميع نظرة شك و كأنه يعقل ما قيل له , ثم تسائل وهو يدير سبابته اليمنى في شكل دائري :
-إذا كنتم جميعا تهربون , فلم تحاولون الإعلان عن أنفسكم بهذا الشكل ؟! أنتم بهذا كأنكم تقولون لأعدائكم: نحن هنا , تعالوا و اقبضوا علينا !!
رد عليه (ياكو) دون تفكير قائلا :
-ذلك لسبب بسيط , أننا وجدنا أن الهروب لا يغير من وضعنا على الإطلاق , كل ما يفعله هو تأجيل القبض علينا مع وضعنا في مواقف أسوأ مما كنا فيها , و لهذا قررنا أن أفضل وسيلة للنجاة من هذا كله هو المواجهة , نواجه مخاوفنا , نواجه صعابنا , نواجه تحدياتنا , و بهذا فقط نستطيع أن نتخلص مما يلحق بنا !
هنا لم تكن اتساع عيناه دهشة من كلام (ياكو) , بل كانت دهشته من نفسه , كيف لم يفكر بهذا الحل البسيط أبدا ؟! لماذا لم يحاول و لو لمرة واحدة أن يواجه من يطارده ؟!
-حسنا , أنا معكم في هذه الرحلة المجنونة , سأنضم لكم في رحلتكم لتأسيس قرية الريح البيضاء , بل و سأساعدكم فيها أيضا.
ابتسم الجميع , و نظروا مرة ثانية نحو (رانمارو) الذي كان لا يزال يجلس في مكانه , ثم اتسعت ابتسامته وهو يقول :
-لقد حجزنا مقعد الطبيب , يتبقى ثلاث مقاعد يجب حجزها حتى نحضر حفل افتتاح القرية !!
يتبـــــــــــــع....

اماريج 01-08-10 07:46 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الثالث و الثلاثون


ناجومي و هيكارو


تعالى صوت عواء ذئب يشق سكون الليل , تبخر عوائه بين أشجار هذه الغابة الضخمة , كانت الحيوانات و الطيور قد تكيفت مع هذه الأجواء القارصة البرودة , لكن هناك وسط هذه الغابة كان شيء غريب , ثلاثة أشخاص لا ينتمون لعالم الغابة قد ظهروا من العدم , صاحب ظهورهم صوت فرقعة خفيفة , طارت مجموعة من الطيور كانت قد اتخذت من هذه الشجرة التي ظهر عندها الأشخاص منزلا لها , أيضا كان هناك سنجابين صغيرين يجريان بقدر استطاعتهما خوفا من هؤلاء الغرباء , نظر رجل يقارب الأربعينيات من عمره حوله , و أخرج بخارا كثيفا من فمه عند تنفسه ينم عن ضيقه لاختيار هذا المكان النائي بثلوج روسيا , سرعان ما حول سخطه الداخلي إلى حروف خرجت من فمه بحشرجة خفيفة تنم عن أنه لم يعتد هذا الطقس بعد :

-ألم يكن مكان اجتماعنا العادي أفضل حالا مما نحن فيه ؟!
رمقه الاثنان الباقيان بنظرة سخرية , ثم قالت فتاة صغيرة :
-هل تخاف الثلوج عزيزي؟!
قالتها بنبرة سخرية واضحة , فرمقها الرجل نظرة نارية ثم صمت , لم يصمت خوفا منها , أو من تأثير هذا الصقيع , لكنه سمع وقع أقدام خلفه , فالتفت لينظر خلفه كما فعل الآخران , فوجد رجلا يمشي بتثاقل و وقور , يمسك عصاة يتكز عليها , و يلف جسمه كله بمعطف أسود , ووجهه مخفي بقناع أسود لا يبرز منه سوى ضوء بسيط من عينيه , صمت الجميع حتى وصل الغريب إليهم , ثم قال :
-أعتذر لك عزيزي بتاح عن تغيير مكان اللقاء , لكنه كان أمرا لابد منه مع التطورات التي قد حدثت في معسكرنا الياباني , ولهذا وجب علينا تغيير مكان الاجتماع ...
-وهل سيظل التغيير هكذا في كل مرة ؟!
تسائل الرجل الثالث الواقف معهم , نظر إليه الغريب و قال له :
-نعم , في كل مرة سنختار مكانا غير الذي كنا فيه من قبل , لا نريد لأحد أن يتصنت علينا.
رمق (بتاح) الفتاة , كانت لا تتعدى الخامسة عشر من عمرها , لكنه كان يعرف أن عمرها يفوق عدة قرون , فهي تعتبر اليد العليا ل(بوكاهاتسو) في اليابان ...
-قل لي يا بتاح , هل حدث أي شيء غريب عن العادة في المملكة المصرية ؟
التفت له (بتاح) بعدما أفاقه هذا التساؤل مما كان فيه من سرحان قصير , فرد سريعا :
-كلا يا سيدي , لم يحدث أي تغيير على الإطلاق , و الخطة تسير كما هو مخطط لها !
رد عليه الغريب قائلا :
-حسنا , فلتذهب من هنا , فمهمتك قد انتهت .
انحنى (بتاح) وهو يقول واضعا ساعده الأيمن أمام صدره :
-سمعا و طاعة للعظيم دراكيولا الأسود !
قالها و رفع جسده ليعتدل , بعدها صدر صوت فرقعة خفيفة مثلما حدث سابقا , أضاء جسده بلون أسود , ثم اختفى في لحظة , لم يقف الغريب عنده , فاستدار لينظر للرجل الآخر و قال له:
-هل وجدت أي صعوبة في تنفيذ الخطة في مملكتنا جون ؟!
اعتدل (جون) لينظر لقائده باحترام و قال في لهجة بها لمحة عسكرية خفيفة :
-كلا سيدي , لم يحدث أي تدخل ممن يسمون أنفسهم دعاة الحب و السلام !
رد عليه الغريب :
-حسنا , انتهت مهمتك أنت أيضا !
انحنى أيضا (جون) مثلما فعل (بتاح) ثم اختفى بنفس الطريقة , لم يتبق سوى الفتاة , التفت إليها الغريب و قبل أن يتكلم نطقت هي قائلة :
-لقد عمدت أن تبعدهما عما تريد أن نتناقش فيه , هل يخيفك هذا الغريب لهذه الدرجة ؟!
لم يبد أي انفعال على وجه الزعيم , لكنه إذا كن قد أزال الوشاح هذا الذي يخفي معظم وجهه لكان قد وضح تأثير الدهشة على وجهه , فهي قد استطاعت قراءة ما بداخله , صمت قليلا , ثم رد قائلا :
-نعم , فما سنتحدث فيه سويا لا أريده أن ينتشر بين أعضاء منظمتي , و إلا قد يتسبب ذلك في العديد من الخسائر لي , الآن ماذا حصلتي من معلومات عن هذا الطفل رانمارو ؟!
رفعت سبابتها اليمنى وكأنها تشير نحو شيء ما على تلك الشجرة الشامخة العظيمة , فجأة ابتدأ أظفرها في الطول حتى بلغ طوله حوالي نصف متر , بعدها قالت ببساطة :
-كاي!
أضاء الأظفر كاملا بلون أزرق وهاج , تلا ذلك قولها بنفس البساطة :
-ميبا أومويد كونبو !
أضاء طرف أظفرها بلون أزرق خفيف , ثم ابعث منه ضوء ليسقط على الشجرة , فصارت و كأنها آلة عرض سينمائي , ظهر على جزع الشجرة صورة (رانمارو) , صورته وهو صغير , صورته وهو يلعب بالكرة , صورته وهو بالمدرسة , وبعض من صوره المختلفة , وسط هذا العرض كانت الفتاة تقول :
-هذا هو رانمارو , الطول مائة و خمسين سنتيمترا , الوزن لا يتعدى الخمسة و أربعين كيلو جراما , لون الشعر بني , لكن مقدمة رأسه تحتوي على بعض خصيلات من شعر رمادي , و هذا ليس موجود في صوره , حتى شهرين ماضيين كان ولدا عاديا , يتميز بتفوقه الدراسي , لم يشتكِ منه أي فرد من المدرسة , و على الرغم من ذلك فهو لم يكن محبوبا , كان الجميع يرون في شخصيته الغامضة شيئا مريبا , كما أنه كان متفوقا جدا , و لا يباريه أحد في الذكاء , لكن أهم ميزاته العزلة , عدم حب المساعدة , الصمت الدائم , لم يكن له أي صديق, أما جده فقد كان يكرهه , لكن منذ شهرين , تغير كل شيء فجأة...
توقفت آلة العرض عند شاشة سوداء , بعدها قالت :
-أوراهارا !
توقف اللون الأزرق من أظفرها , ثم بعدها بلحظة أخذ الأظفر يصغر و يصغر حتى عاد طبيعيا كما كان , التفتت لدراكيولا الأسود و قالت له مكملة :
-بعد هذه الفترة , و تحديدا منذ شهرين و خمسة أيام , اختفى رانمارو فجأة و بدون أي مقدمات , زعم جده أنه وجد صباحا غرفته مقلوبة رأسا على عقب , هذا غير احتراق الفراش و الباب , واختفاء رانمارو بكامل متعلقاته و كذلك قطته , و كانت تسمى هذه القطة سوما !
استرعى اسم القطة انتباه الملثم , الذي لم يظهر سوى وميض عينيه , بعدها تابعت الفتاة :
-خلال تلك الفترة لم ينجح أحد في التقاط صورة له , لكن تناثرت بعض الإشاعات عن ارتباطه بمقتل ابن اللورد ماكيتو , ذاك الفتى المسمى هيكاشي , كما أن هناك إشاعة قوية تقول أنه كان له ضلع في حادثة باكوشو , و البعض قد أشار إليه على أنه سيكون خليفة لجنتو , بالطبع هناك الكثير من الأقاويل , لكن لا يوجد شيء مؤكد حتى الآن ...
صمتت محدقة في رئيسها الملثم , الذي أخذ يسير نحو الشجرة ثم يعود إليها , وهكذا لثلاث دورات , بعدها تحدث وهو يسير :
-لكن لا أحد يعرف أين يوجد رانمارو هذا حتى الآن , أليس كذلك ؟
ردت الفتاة :
-بلى سيدي , لا أحد يعرف مكانه , ولا من معه !
قال الملثم :
-ولكن ما الذي جعل رانمارو يتحول من حياته العادية و يظهر في عالمنا ؟!
ردت الفتاة وهي تتابع سير رئيسها :
-سمعت سيدي أن فردا من جماعة كارا قد حاول أن يقتله , لكنه بطريقة ما تغلب على هذا الشخص , ثم بدأ حياته في عالمنا !
توقف الملثم عن السير في طريقه بعدما سمع رد الفتاة , نظر إليها وقال بنبرة شك :
-كارا قد حاولت قتله ؟! لماذا تحاول كارا قتل فرد لا يمت لعالمنا بصلة ؟! ثم كيف تم إنقاذ هذا الفتى وهو لم يتعلم السحر بعد ؟!
صمتت الفتاة , فهي لم تكن تملك في عقلها أي أجوبة لهذه الاستفسارات , استكمل الزعيم مسيرته وهو يفكر , ظل صامتا لبرهة ثم تسائل فجأة ناظرا إليها :
-هل عرفتي أية معلومات عن هذا الغريب الذي يدعي نفسه زعيما على جميع الأجناس؟
ارتعشت الفتاة فجأة وكأنها قد أفاقت من حلم ما , ثم ردت بسرعة :
-كلا , فما عرفناه قد قلته لك قبل ذلك , فهو باستثناء التجمع الأخير , لم يبدُ له أي نشاط في عالمنا , فهو مثل الشبح , لا يظهر إلا في الوقت الذي يريده , لكنني قد وصلتني معلومة تؤكد أنه المسئول الأساسي عن تدمير قرية الريح البيضاء , بل ربما كان هو مدبر العملية...
-كان هو مدبر العملية... بم كان رد الثلجية على قوله عندما زعم هذا ؟!
نظرت الفتاة لزعيمها في اندهاش, فهي قد قالت له على تفاصيل الاجتماع , لكنه لازال يتسائل عنه , و كأنه لم يعرف تفاصيله , فقالت :
-كما قلت لك سابقا سيدي !
رمقها الزعيم بنظرة صارمة ارتعد لها جسدها , لكنه حرك بعدها عينه في اتجاه الأفق , و قال :
-لابد من وجود سر خفي , لابد من معرفة هذا الغريب جيدا !
-لكن يا سيدي لا أحد يعرف حتى مخبأه , فكيف لنا من معرفة تفاصيل عنه ؟!
صمت الزعيم , صمت ولكن كان على فمه ابتسامة لم يظهر منها سوى صوتها الذي تردد في سكون الليل مرة أخرى , تردد كصوت عواء الذئب السابق , نظرت الفتاة له باندهاش كبير , لكنه قال بعد انتهاء ضحكته الوحشية :
-لقد وجدت نقطة يمكن من خلالها أن نخترق دفاعاته , بل ونسقطه إذا كان هشا من الداخل...
نظرت الفتاة نظرة تساؤل , لكنه رد عليها بسرعة قائلا :
-سأخبرك عن خطتي في الوقت المناسب , فأنتي , لا , بل أي فرد من جماعتي موجود بالمملكة اليابانية لابد وألا يعرف هذه الخطة تحسبا لأي ظرف طارئ , فهذه هي الثغرة الوحيدة التي قد تركها لنا هذا الغامض لنكشف غموضه !
صمتت الفتاة , فهي لم تكن تريد أن تجادل في شيء هي متأكدة أنها لن تعرفه , لكن جال تساؤل في رأسها فسارعت بالبوح به قائلة :
-هل قررت سيدي مكان مقرنا الجديد بعد تدمير جنتو للقديم ؟!
نظر لها سيدها وقال :
-نعم , ستذهبي إلى كوريا الجنوبية , فهناك في سول سوف تقابلين رجلا يدعى (زاكي) , قائد قريته قد توفي منذ بضعة أيام , و مكان القرية مناسب و قريب من اليابان , و كذلك مناسب لخطتي القادمة , ولهذا يجب عليكي أن تستقري هناك .
انحنت وهي تضع ساعدها الأيمن أمام صدرها وهي تقول :
-حسنا قولك يا سيدي , سأنفذ ما تريده مني أيها الدراكيولا الأسود !
قالتها ثم قامت معتدلة تنظر إليه في تساؤل , لكنه أشار لها بالتحرك , فغادرت بنفس الطريقة التي غادر بها السابقان , نظر الأسود نحو الأفق مر أخرى وبدأت صورته في الاختفاء تدريجيا حتى اختفى تماما , بعدها بلحظات عاد سرب الطيور إلى مكانه , كما أخذ السنجابين يتحسسان طريقهما بحذر شديد للعودة لشجرتهما الشامخة , و عاد كل شيء في هذه المنطقة العازلة كما كان وكأنه لم يكن هناك غرباء منذ قليل هنا .

**********************

-كلا , ليس كذلك , بل لدينا الآن ثلاثة من هؤلاء الأشخاص !
صدر هذا الصوت الواهن فجأة من خلف الجميع , التفت الكل ليحملق في هذه الضعيفة التي لا تقوى حتى لرفع جفنيها عن عينها , فبدت وكأنها تمتم وهي نائمة , لكنها قالت مؤكدة :
-أنتم أخطأتم العد , معكم الآن ثلاثة و ليس واحدا فقط !
-وأين هما هذان الإثنان الآخران ؟!
تسائل (تابيتو) في سخرية كما لو أن هذه الفتاة تهذو , صمتت قليلا ثم قالت :
-ياكو يستطيع أن يؤكد كلامي , ألم نكن أربعة حين غادرنا القرية ياكو ؟!
هنا تحول نظر الجميع نحو (ياكو) الذي كانت دهشته على آخرها , لم يكن يتخيل أنه سيجد ضالته في البحث عن ذويه بمثل هذه السرعة , لكن (تاكامي) سرعان ما أفاقته من حلمه الجميل بقولها :
-لا تسعد كثيرا , فلقد تفرقنا أيضا بعدما تركناك !
قالت هذه الأخيرة بنبرة حزينة , هنا تحول (ياكو) لموقف الحزين بشدة , حزين في بداية الموقف لأنه شعر بخيبة أمل في أنه لم يجدهم كما تخيل بضربة حظ واحدة , لكنه سرعان ما أدرك سر حزنها , فالاثنان الباقيان كانا :
-الأيجو و التانشينفونو !
قالها (ياكو) وهو سارح النظر أمامه يحملق في اللا شيء , لقد تذكرهما , نظر إليه الجميع باستغراب , تسائلت (هارونا) :
-من هما اللذان تتحدثان عنهما ؟!
-هاتان هما فتاتان كانتا قد غادرتا القرية معي و مع تاكامي , اسمهما ناجومي و هيكارو !
-ناجومي و هيكارو ؟!
تسائل (رانمارو) باندهاش, فعندما تحدث (ياكو) عن ماضيه لم يتذكر حتى أساميهما , و ها هو الآن يتذكر أي عائلة كانتا يتبعان ...
-هل لي أن أسأك عما حدث لكي ؟ ومن أنتي ؟!
تسائل (رانمارو) وهو ينظر تجاه (تاكامي) , فردت قائلة بضعف شديد :
-سأشرح كل شيء لكم , لكن ليس الآن فأنا أكاد أتكلم بصعوبة بالغة !
-حسنا , لا تجهدي نفسك , لكن هل يمكنك أن تقولي لنا أين يمكننا أن نجدهما ؟!
تسائل (ياكو) بصوت عطوف للغاية و رقيق , ولسبب ما احمرت وجنتا (هارونا) قليلا , لكن لم يلاحظ أحد ذلك , فأجابت (تاكامي) :
-حسنا , آخر مكان قد رأيتهما فيه كان في مدينة (سوبارو) بجزيرة (هوكايدو )
-وكم تحديدا كانت هذه الفترة التي لم ترينهما فيها ؟!
هكذا تحدث (رانمارو) وهو يتجه إليها , صمتت قليلا حتى وصل إليها ثم جلس على الأرض ثانيا رجليه حتى يكون قريبا منها و تسائل مرة ثانية :
-كم تحديدا كانت هذه المدة تاكامي ؟!
كانت نبرة صوته أعلى قليلا , لكن في داخلها كانت كمن يستجوبها , احمر وجهها , و ظهر العرق غزيرا , وبدت و كأنها تدخل في أزمة ما , سارع (تابيتو) في التحرك لها لكنه توقف عندما قالت بصعوبة وهي تنهج بشدة :
-فترة تقارب السبعة أعوام !
بالطبع كان جوابها كافيا , نظر (رانمارو) خلفه وهو جالس لينظر إلى (ياكو) فوجد الأخير يحملق في الأرض و يتمتم :
-سبعة أعوام بمفرديهما , ماذا حل بكما في هذه الفترة ؟!

يتبـــــــــــــــــــع............

اماريج 01-08-10 07:47 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الرابع و الثلاثون


البحث عن الجميع


استغرق الجميع في سبات عميق تحت تأثير ليلة البارحة , فبعدما أنهوا حديثهم الهام قروا العودة للمدينة مرة أخرى , استأجروا حجرتين , احدهما للسيدات و الأخرى للرجال , وقضوا ليلتهم هناك حتى انتصف النهار عليهم , لم يستيقظ أحد منهم ...

-هل رأيت هؤلاء الغرباء الذين قد حضروا أمس؟! لقد سمعت أنهم كانوا يحملون إمرأة و فتاة صغيرة !
نظر عامل النظافة لزميله بغرابة , و قال مستنكرا :
-لا اعتقد ذلك , فالإدارة لا تسمح لأي شخص مريب بالدخول إلى هنا !
ظهر الأسف واضحا على وجه عامل النظافة الآخر و قال بنبرة حزينة وهو يستكمل عمله في تنظيف الأرضية الواسعة في مدخل هذا الفندق الشهير:
-نعم , لكن صاحب الفندق يعتبر صديقا حميما لأحد أقرباء واحد منهم , و لهذا سمح لهم بالدخول بدون حتى الئـتأكد من إثباتاتهم الشخصية , لقد كانوا في عجلة و خائفين من أن يراهم أحد !
صمت العامل الآخر و استكملا العاملان عملهما في صمت , أما في الطابق السادس , و في الغرفة رقم (1023) كان الجميع قد استيقظوا و تجمعوا في هذه الغرفة , بينما بقت (هارونا) مع (ساكورا) , حيث كانت نائمة بعمق , أما داخل هذه الغرفة :
-هل تحكي لنا ماذا حدث لكي من بعد أن انفصلنا عن بعضنا ؟!
بادر (ياكو) بالقاء هذا السؤال نحو (تاكامي) , كانت الأخيرة قد استعادت جزء كبير من عافيتها , نظرت له بحزن و شرود ثم قالت :
-بعدما تركتنا و انفصلت عنا , ذهبنا نسير في الشوارع تائهين , لم نكن نملك أي مال أو أي شيء على الإطلاق , كان ما يهمنا حقا هو عدم وجود من يتبعنا , لهذا لم نشعر بالمسافة التي سرناها من خوفنا , لكنها كانت بالكبيرة , و بالطبع كنا في غاية التعب و الإجهاد , ولهذ لا أتذكر كيف نمنا , لكني أتذكر عندما صحونا في الصباح التالي , و جدنا الجميع ينظر إلينا بشفقة و خوف , كان يبدو على ملابسنا المقطعة أننا لسنا إلا سائلين للمساعدة , و في غضون ساعة واحدة كان الجميع يحن علينا في طريقه بما تبقى في جيبه من نقود , بالطبع كنا في غاية الجوع , و عندما امتلكنا مبلغا قليلا ذهبنا لشراء بعض الخبز لنا جميعا , بعد أن انتهينا من أكلنا البسيط ظللنا نتناقش فيما سنفعله , فكان أول شيء تبادر إلى ذهننا هو إخفاء عصوينا و حقيقتنا عن العالم أجمع , ثم بعدها أخذنا نبحث عن عمل , بالطبع لم نجد عمل سوى بصعوبة بالغة , وكان صاحبه رجل وغد , أرادنا أن نعمل عنده كخادمات , ثم وضحت نيته بعد سنة من العمل عنده , كان يريد أن يربينا لنعمل عندما نكبر في ناديه الليلي , بالطبع عندما عرفنا ذلك بالصدفة بالتصنت على أحد حواراته مع أصدقاءه تركنا العمل فارين إلى الشارع مرة أخرى , و ظللنا نتنقل بين الأعمال القذرة , نتحمل غضب هذا , و قسوة ذاك , و جفاء ما حولنا و نظرتهم لنا على كوننا صيدا سهلا , استمر الحال هكذا لمدة سبع سنوات , و في السنة السابعة جاء إلينا رجل يلبس بزة سوداء , وقال لنا أن هناك من تريد رؤيتنا , بالطبع ذهبنا معه , و كانت المفاجأة عندما وجدنا الطوق يحيط برأس تلك المرأة , كانت مثلنا , ظننت حينها أن باب الراحة و السكينة أخيرا استجاب لنا و فتح لنا أبوابه , طلبت هذه السيدة مننا أن ننضم لها في عملها , بالطبع كنت متحمسة جدا لفكرة الانضمام لها و العمل مع أشخاص مثلي و مثلها , لكن ناجومي و هيكارو لم تكونا مثلي في الحماس , بل شكا فيها , لا أدري لماذا لكن ناجومي كانت لديها بعضا من قدرة التنبؤ قليلا , و قالت أنها تتوجس شرا منها , احتدم الصراع بيننا , واتخذت رأيي و حسمته بالذهاب إلى هناك , و هناك...
هنا لم تتمالك نفسها , كانت عيناها تترقرق بالدموع , كانت أحداثا مأساوية حقا , تعاطف الجميع معها , كان من يقاربها هذا الشعور بالذنب هو (ياكو ) , بعد فترة قليلة من الصمت احترم الجميع رغبتها في الراحة قليلا و لم يتكلم أحد تابعت هي قائلة :
-بالطبع كانت ناجومي محقة بشأن تلك المرأة , فبعد أن قامت بجعل أحد المدربين يهتم بي و بتدريبي و بشرح العالم من حولي , فهمت أنني في الجناح العسكري لحركة كارا , كانت هذه القرية التي أنا فيها عدوة في يوم ما لقرية كانت تعتبر من أقوى من دافع عن الخير , بالطبع لم أكن أستطيع الانسحاب , فقد هددوني بقتل صديقاتي , بالطبع لم أكن أريد لهما التعذيب , لكني في الوقت نفسه بدأت أعتاد على القتل , كنت متخصصة في القتل من بعيد , عصاي مثل قناصة أوجهها نحو من أريد , ظللت لفترة خمس سنوات أقتل و أدمر بدون قلب , لكن...
صمتت مرة أخرى , أخذت نفسا عميقا ثم كتمته لثواني معدودة ثم زفرته مرة أخرى , كانت تحاول تهدئة نفسها مما فيها من مشاعر متداخلة , بالطبع كون الفرد يعتاد على القتل لشيء بغيض , هكذا فكر ( رانمارو) , تابعت (تاكامي) قائلة :
-كانت حياتي أشبه بتكرار للأيام , كل يوم أأخذ صورة الهدف , أراقبه , ثم أقوم بقتله , أخذت خبرة كبيرة في هذا المجال , حتى تم إسناد مهمة من بدايتها لي , كان الهدف سيدة تملك أراضي كثرة أرادتها القرية كي تزيد من نفوذها هناك , بالطبع أخذت هذه المهمة الجديدة , لكني قابلت (ساكورا )...
هنا ابتسمت قليلا بسعادة مشوبة بحزن , كان يبدو أن مقابلتها لساكورا قد أيقظت بداخلها ما قد حاولت كارا قتله , هكذا فكر ( ياكو) و هو ينظر إليها , تابعت مكملة :
-الصراحة لم أقابل من في مثل براءتها , كانت ضحكتها تملئ قلبي سعادة , لقد امتلأ قلبي بمشاعر متناقضة , ما بين القيام بما جئت لفعله , و ما بين رغبتي للعودة للعيش في قريتي بسلام مرة أخرى , رغبة كنت قد حققتها مع هذه الطفلة الجميلة , مرت الأيام , و في يوم جاء المراقب علي لينفذ المهمة عوضا عني و أنا كنت نائمة , للأسف استطاع قتل السيدة ماهومي والدة ساكورا , لكني استطعت إنقاذ ساكورا قبل أن تمتد يده إليها و أحمد الله على نجاتها و أنكم قد وصلتم إليها !
صمت الجميع , كانت قصتها حزينة , لكنها فجأة رفعت رأسها تجاه (رانمارو) و قالت بحزن شديد :
-لا أعرف لماذا جئت لعالمنا مرة أخرى , و لا أريد أن أعرف كيف جئت , لكني أريدك أن تحاول إرجاع قريتنا مرة أخرى , لا يهمني طول المسافة التي ستقطعها , لا يهمني كم الصعاب التي سنواجهها , لكن ثق في أن سيفي سيظل تحت حمايتك , و قوتي ستكون دوما عونا لك , لكني أريدك أن تسترجع ذكرياتنا , فرحتنا , ماضينا المجيد , أريدك أن تسترجع هذا كله , و أنا معك في كل شيء !
قالتها بطريقة توسلية جعلت الجميع يحاول منع الدموع من السقوط من أعينهم , نظر الجميع تجاه (رانمارو) فتمالك الأخير نفسه قبل أن يقول :
-وبالطبع أنا أحتاج لقوتك في مساعدتي لاسترجاع مجدنا السابق و إثبات برائتي , ولكن الأهم حاليا هو مكان ناجومي و هيكارو , هل تعتقدين أنهم قد يغادروا تلك المدينة ؟!
نظرت (تاكامي) ل (رانمارو ) وهي محدقة فيه بشدة ثم قالت :
-هل تعرف ما حدث ليلة تدمير قريتنا ؟!
نظر (رانمارو) بحزن إليها , لكن (ياكو) اندفع قائلا :
-لقد أخبرته عما قاله لنا نائب القرية .
ردت (تاكامي) :
-حسنا , هذا جيد , بالنسبة لمكانهما فأنا لا أدري حقا إذا كانا قد غادراه , لكنني أظن أنهم لازالا بنفس المنطقة.
قال (رانمارو) لها :
-لقد قلتي أنهم من الأيجو و التانشينفونو , هل أنتي متأكدة ؟!
قالت (تاكامي) :
-نعم بالطبع متأكدة , لكن الأهم أن نجدهما , فأنا أشعر بانقباض قلبي عندما أفكر فيهما !
تسائل (تابيتو) :
-لكن كيف سنجدهما ؟!
ابتسم (رانمارو) و (ياكو) و هما يتبادلا النظر , ثم قال (ياكو) ل (تاكامي) :
-هل لديكي أي شيء يخصهما ؟!
صمتت قليلا وهي تتذكر , ثم قالت بسرعة وعينها متسعة و كأنها وجدت ضالتها :
-نعم , لدي منديلا أعتز به من (ناجومي) .
قالت ذلك و قامت من على فراشها و اتجهت نحو منضدة صغيرة وضعت عليها حقيبة سوداء صغيرة الحجم أنيقة , فتحت سوستتها بسرعة , ثم أخذت تنقب عما بداخلها بصورة جعلت بعض محتوياتها تتناثر على المنضدة و تصدر صوتا نتيجة ارتطامها بالقاعدة الزجاجية التي موجودة عليها , ثم صاحت وهي ترفع يدها اليسرى الممسكة بشيء لونه وردي قليلا :
-لقد وجدته , هذا هو إهداء لي منها في أول عام بعد فراقنا للقرية !
خبت حماستها و سعادتها القصيرة عند ذكرها للقرية , فتحرك إليها (رانمارو) و أخذ منها المنديل و قال لها مطمئنا :
-لا تقلقي , سوف نجدهما و سوف ننجح في بناء قريتنا مرة أخرى !
-ولكن كيف ستجدونهما ؟!
تسائل (تابيتو ) , فرد عليه (ياكو ):
-لا تقلق نفسك , فهذه مهمتي أنا وحدي , لقد أضعتهما من قبل , ولن أضيعهما مرة أخرى !

******************************


-تفضلي آنستي !

قالها (ياكو) وهو يفسح مكانا لتمر عبره (تاكامي) , كانا في محطة لمترو الأنفاق , بعد أن خرجا من العربة التي كانا بها , و أنهيا جميع الإجراءات الخاصة عند الخروج حتى وصلوا لمخرج المحطة , كانت الشمس قد سارت في طريقها نحو المغيب , و تركت هذا النصف بدون دفء أو إضاءة حتى نهار يوم جديد , زفر (ياكو) من التعب وقال :
-كم أكره غروب الشمس , لا أدري لماذا يعتبره البعض رومانسيا !
رمقته (تاكامي) بنظرة تملؤها الدهشة و قالت له :
-كيف تقول هذا على هذا المنظر الخلاب ؟! أتعرف شيئا , أنت غير رومانسي على الإطلاق!
تنهد وقال لها :
-الأمر بالنسبة لي مجرد تشاؤم , ففي وقت الغروب قد بدأ الهجوم على قريتنا العزيزة , ولهذا أكره هذا الوقت من اليوم طوال حياتي !
صمتت (تاكامي) فقد ذكرها بشيء حزين جدا , بعدما سارا لمسافة تقارب النصف ميل سألته:
-كيف سنجدهما ؟! لقد قلت لي سأخبركي عندما نصل , لا تسأليني سأخبركي عندما نصل , وقد وصلنا منذ فترة و حتى الآن لم تقل لي شيئا !
كانت تشير بيدها اليمنى ملوحة بقبضتها في الهواء يمنة و يسرة وكأنها تخاطبه وجها إلى وجه , مما جعل (ياكو) يبتسم , فابتسمت هي الأخرى ثم قال لها :
-أنا لن أخبركي بالطريقة فأنا نفسي لا أعرفها جيدا , لكني سأقوم بها أمامك , و هذا خير من ألف شرح !
فقالت بسرعة :
-ومتى ستقوم بهذا !
كانت تبدو كالطفلة , وفي أعماق نفسه عرف سبب تعلقها ب(ساكورا ) , فهي لم تعش طفولتها كما ينبغي للأطفال , و لهذا شعرت بالحنين إلى هذه الأيام مرة أخرى ...
-هناك !
أشار (ياكو ) بسبابته اليسرى نحو مكان يبدو أقرب للغابة منه إلى المدينة , حيث كان يمتلئ بالأشجار الكثيفة الضخمة , و التي تظلل كل ما أسفلها فلا يتضح ما يحدث بداخلها لمن خارجها , كانت مكانا مثاليا لكي يبدئا بحثهما عن (ناجومي ) و (هيكارو) , بعدما توغلا قليلا في هذه الحديقة ذات الأشجار العالية , و بعد تأكدهما من خلوها من البشر العاديين بأن اتجه كل منهما للنظر في الأماكن المجاورة , تجمعا عند نقطة تعتبر في منتصف هذا المكان , ثم شهر (ياكو) عصاته و قال :
-كاي !
تحول (ياكو) ليتخذ شكله المميز , كانت أول مرة تشاهده فيها (تاكامي) , فانبهرت من ملبس عائلته و قالت :
-حقا فإن جميع عائلات الرياح يمتازون بالرقي في تصميم ملابسهم و كأنها صنعت بيد أمهر المصممين العالميين !
صمت (ياكو) و اكتفى بالابتسام , بينما في قرارة نفسه قال:
((-يا للفتيات !))
كان المعطف الجلدي يغطي الآن ثلث جسمه , كان لونه ذهبيا مع خطوط بيضاء و بنية طولية بميل خفيف يبتدأ من الكتف و يتجه نحو أسفل , الفضل كله يعود ل(رانمارو) في زيادة قوته , هكذا قال لها , لكنها نظرت إليه نظرة الغير فاهمة فقال لها :
-سأشرح كل شيء لاحقا , لكن الآن يجب أن نجدهما !
قالها ثم أغمض عينيه وقال :
-واشي كين باكيمونو !
ظهر لون أبيض محمر خفيف من طرف العصا تصاعدت بعدها سحب كثيفة لونها أبيض مختلط بالأحمر الخفيف , تجمعت السحب عند نقطة تبعد عنهما بمقدار مترين , وفجأة تطايرت السحب مبتعدة عن المكان و ظهر جناحان كبيران لنسر كبير ذهبي , شهقت (تاكامي) ووضعت راحة يدها اليسرى أمام فمها وقالت بصوت يملؤه الدهشة :
-هل هذا وحشك ؟!
ابتسم (ياكو) من دهشتها و قال :
-نعم , و هو الذي سيساعدنا في البحث عنهما !
نظرت إليه بغير تصديق , اكتفى برفع كتفيه لأعلى دلالة على عدم فهمه هو الآخر , فضحكت قليلا ثم قالت :
-لم أرَ في حياتي من يستخدم تعويذة بدون معرفة طريقتها !
فقال لها :
-أعرف هذا , لكنكي ستجدين معي و مع رانمارو الكثير مما لم تشاهدينه من قبل , والآن أين هو هذا المنديل؟!
وضعت حقيبتها الصغيرة من على كتفها , ثم فتحتها و أخرجت المنديل ببساطة هذه المرة , أمسك به (ياكو) ثم ذهب لوحشه وقال له :
-سيدي , أرجو منك أن تقتفي أثر صاحبة هذا المنديل !
نظر له النسر ثم قال :
-لتعلم ياكو أن مقدرتي على البحث لا تتجاوز دائرة نصف قطرها عشرة أميال , فلو كان من يملك هذا المنديل خارج نطاق هذه الدائرة فلن أجدها !
التفت (ياكو) لينظر تجاه ( تاكامي ) التي قالت :
-هذا يعني أننا إذا لم نجدها هنا سنضطر إلى تقسيم الجزيرة إلى أقسام !
صمت (ياكو) ثم قال للنسر :
-هل تستطيع سيدي أن تلف رجاء الجزيرة و تبحث عن مكان صاحبة هذا المنديل ؟
رد عليه النسر قائلا :
-هذه سيتطلب وقتا و مجهودا أكبر , و بالتالي طاقة روحية أقوى , هل ستصمد ؟
رد عليه (ياكو) :
-كم المدة تقريبا التي ستلزمك سيدي ؟!
-في حدود ساعة تقريبا !
-وماذا يحدث إذا انهار (ياكو) في وسط بحثك ؟!
تسائلت (تاكامي) فنظر إليها النسر وقال :
-يبدو أن ذوقك قد تحسن كثيرا ياكو , من هذه الفتاة البديعة ؟!
احمر وجه (ياكو) غضبا من تساؤل الوحش عن شيء ليس في وقته , كما احمرت وجنتا (تاكامي) خجلا من كلامه , لكن (ياكو) قال :
-إنها كانت صديقة قديمة في قريتي قبل تدميرها , و كذلك من ستجدهما كانا معنا في ليلة هروبنا !
-أصدقاء القرية القدامى , يالك من عطوف ياكو !
-لا وقت لدي للنقاش سيدي , قل لنا ماذا سيحدث إذا انهارت قوتي و أنت لم تجدهما بعد ؟!
-ببساطة سوف أختفي , و لكن هذا المنديل سوف يسقط في المكان الذي اختفيت فيه !
كانت صدمة لكليهما , فلم يتخيل (ياكو) أن ثمن انهياره و ضعفه قد يصل لفقدان المنديل , أما (تاكامي) فكانت تدرك هذه المخاطرة ,ولكن...
-هيا اذهب أيها الوحش العظيم و ابحث لنا عنهما !
التفت (ياكو) ليحملق في (تاكامي) و قال :
-ولكن تاكامي لو...
-لا بديل لنا عن هذا الخيار , فنحن إذا قسمنا الجزيرة الكبيرة هذه إلى أقسام لن ننتهي أبدا , لابد من وجود مخاطرة في كل شيء نفعله , هيا سيدي طر و حلق في سماء مدينتنا و ابحث لنا عن صاحبة هذا المنديل !
صمت (ياكو) مندهشا من موقف زميلته , لكن الوحش قال منبها إياه :
-ما رأيك ياكو ؟ فأنت الوحيد الذي يمكنه أن يأمرني !
التفت (ياكو) إليه , لم يدر ماذا يقول , فنظر إلى الأرض و قال بصوت حزين :
-حسنا , لقد كنت عالة على الجميع حتى الآن , حتى وحشي لم ينقذه سوى (رانمارو) , فلأتحمل حتى أصير أقوى , هيا طر يا سيدي و ابحث لنا عن صاحبة هذا المنديل !
قالها و مد يده اليمنى المطبقة على المنديل , فمد الوحش جناحه الأيسر حتى عندما تلامس مع المنديل طار المنديل داخله تاركا يد (ياكو) حتى وصل إلى منتصف الوحش , فأضاء بضوء أصفر ذهبي , ثم اختفى , جلس (ياكو) و بجانبه (تاكامي) كان يبدو عليه الحزن , لكنها قالت له :
-لا تحزن , لابد و أن يكون لكل منا دور في هذه الحياة , ها قد جاء دورك , فلا تفرط فيما قد قُدر لك حتى لا تندم فيما بعد!
نظر تجاهها (ياكو) ثم قال :
-نعم معكي حق , سأحاول أن أقوم بدوري , كلا , بل سأقوم بدوري هنا !
قال جملته الأخيرة بروح عالية , يبدو فيها العزيمة و الاصرار على تخطي الصعاب , ارتاح جالسا على الأرض وبجانبه (تاكامي) , و أراحا ظهريهما على شجرة من هذه الأشجار العملاقة في انتظار عودة وحشه من البحث!
*************************
تعالى صوت رياح عاتية اندفعت عبر هذا الطريق المهجور خارج هذه البلدة , كان طريقا وعرا وغير ممهد , ضيق لا يصلح لسير العربات عليه , تحيطه الأشجار من كل جانب , كانت يد الاهمال قد طالته منذ زمن بعيد فانتشرت بعض الهياكل العظمية لبعض الحيوانات على جانبي الطريق...
-هذا طريق مثالي لمثل هذا الاجتماع !
قال ذلك اللورد (ماكيتو) بطريقة ساخرة لاذعة وهو ينظر نحو الثلجية , فرمقته بنظرة صارمة ثم قالت :
-في هذه الظروف يستحسن أن نتوخى الحذر , فلا نعرف من يعمل لدى هذا المخبول جاسوسا من رجالنا .
صمت اللورد عن سخريته بعودة الصرامة لوجهه من جديد , ثم قال :
-حسنا , ما الأمر الخاص بهذا المخبول الذي لقب نفسه زعيما علينا ؟!
صمتت الثلجية ناظرة نحو اللورد و هو تنفث سيجارة بأصابعها الرقيقة الخادعة هذه , و أطلقت سحبا من الدخان عبر شفتاها الجميلتان المصبوغان بالأحمر القاني , وقالت :
-لا أعرف عنه أي معلومات سوى أنه قد جاء إلي منذ عشرون عاما و وعدني بتدمير قرية الريح البيضاء , بالطبع أخذت كلامه على محمل السخرية , لكنه بعدها بعامين قدم لي دلائل على مقدرته هذه , مثل معرفته لأدق تفاصيل القرية , الدفاعات و كيفية اختراقها , بالطبع كلها كانت معلومات موجودة لدينا , لكننا قد أمضينا سنوات و قرون عدة في معرفتها , و كونه يعرفها هكذا كان أمرا غريبا , ولهذا فقد صدقته , وضع خطة غريبة , لم يرد من قوتنا سوى الهجوم المباشر , بالطبع كنت خائفة من وجود مكيدة , و لهذا فعند الموعد المحدد قررت أن أحمي قواتي بقوات مخبئة جيدا , ولكن عملية التدمير صارت كما رسمها لنا , فقد وجدنا الدفاعات تنهار بمفردها , لا شيء يقف في طريقنا , حتى العائلات وجدناها مقتولة بالداخل أغلبها , كان نصرا مزيفا أعطاه لنا هذا اللعين بدون أن يترك أي علامة ورائه , هذا اللعين !
قالتها وهي تعصر السيجارة بين سبابتها و الوسطى الأيمن , فتدمرت السيجارة تحت وطأة هذا الضغط القوي , صمت اللورد قليلا ثم قال لها :
-هل يوجد غيرنا من رجالنا يعترضون على هذا المخبول ؟!
أشاحت بوجهها عن اللورد لتزفر في ضيق و تقول وهي تسير نحو صف الأشجار الموجود على يمينها :
-للأسف عددهم قليل , فهم يعرفون مثلي من هو الذي دمر قرية الريح البيضاء , ولهذا السبب فهم خائفين , و لكن...
رد اللورد عليها بدون تغير في ملامحه بقوله :
-ولكن ماذا عزيزتي ؟!
استدارت إليه و ابتسمت ابتسامة ماكرة و قالت :
-ولكن هناك من يرد الانضمام إلينا ضده , إنه الفرع العسكري الأول لمنظمتنا !
اتسعت عينا اللورد دهشة و قال مرددا :
-الفرع العسكري لمنظمتنا , أنتي لا تقصدين...
-بل أقصدهم تماما , و الأجمل من هذا كله أن سبب تحركهم معنا هو خوفهم من هذا الصبي الغريب رانمارو !
كان ذكر اسم ( رانمارو ) كفيلا بتغيير جو المكان , أضاءت عينا اللورد بشدة و قال :
-وما علاقة هذا الوغد بهذه المنظمة ؟!
ابتسمت الثلجية و قالت :
-حسنا سأقول لك تفاصيل العلاقة , كما سأخبرك بخطتي !
وظل الاجتماع حوالي ساعتين , لم يتكلم خلالها اللورد بل أنصت لما تقوله الثلجية , بالطبع كانت ما تقوله هو الجنون بعينه , لكنه في النهاية وافق على ما قالته , و بعد مرور الساعتين اختفيا من هذا الطريق الوعر , بعد اختفاءهما بعدة ثواني ظهر شبح شخص في أعلى الطريق , كان يضع يده في جيب معطفه الأنيق , ظل يحملق في المكان الذي كان فيه الغريبان منذ قليل لثواني ثم اختفى هو الآخر , لتعود موجة من الرياح القوية تندفع عبر هذا الطريق لتزيل ما قد يتخلف وراء هذا اللقاء المريب .
يتبــــــــــــــع.........

اماريج 01-08-10 07:48 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الخامس و الثلاثون


مشكلة عويصة


-لقد طال غياب وحشك , لقد تعدت ساعة و نصف !

نظر (ياكو) لها , كان في حالة يرثى لها , لا يقدر على رفع عينه تجاهها , كانت تتحرك حول الشجرة التي يستند عليها , و جسمه مليء بالعرق , كان يود أن يترك تركيزه لحظة واحدة لكنه كان يعرف ثمن ذلك , هو يفضل الموت على تضييع هذه الفرصة , أما (تاكامي) فكانت قلقة بشدة على حياته , كانت تدرك أنه قد وصل إلى أقصى درجات تحمله منذ فترة ليست بالقصيرة , و هو يتسنفذ طاقته الداخلية , و لو لم يسرع وحشه ربما مات , لكنها لم تكن تملك شيئا تفعله سوى الانتظار , كانت كل دقيقة تقف خارج الحديقة و تتلفت حولها لعلها ترى هذا الوحش , ثم تصاب بخيبة أمل فتعود أدراجها , تقف بجوار (ياكو) قليلا ثم تتجه للخارج لكن في جهة أخرى , ظلت هكذا حتى سمعت صوتا وهي خارج الحديقة تبحث عن الوحش , جرت بسرعة شديدة إلى الداخل , فوجدت الوحش يضع المنديل أرضا ثم يختفي تدريجيا , وقفت أمام (ياكو) بمسافة مترين على الأقل , بدا لها أنه قد استعاد جزء من حيويته , تنهدت وهي تضع راحة يدها اليسرى على صدرها وتقول:
-حمدا لله على رجوع الوحش , لقد كنت خائفة من تأخره !
نظر نحوها (ياكو) ثم قال بصوت واهن :
-احضري خريطة !
لم تدر ما تفعله حينها , فهي لم تكن تملك خريطة , فنظرت حولها بقلة حيلة كأنها تبحث عنها حولها , قال لها (ياكو) بصوت واهن :
-حسنا , فلنسترح اليوم و غدا لنبحث ع...
لم يكمل ما كان يريد قوله , فقد تهاوت رأسه على صدره و فقد وعيه ليغيب عن هذا العالم تاركا (تاكامي) بمفردها هنا ...

*************************

فتح (ياكو) عينيه ببطء شديد , كان يقبع في حجرة فندق يبدو أنه سيء الحالة , تلفت حوله فلم يجد (تاكامي) , فقام فجأة من على الفراش يبحث عن عصاته , لكنه سمع صوتا جعله يستريح يقول له :
-أتبحث عن عصاتك ؟!
ابتسم (ياكو) وهو يتلفت حوله و يقول :
-لا يوجد وقت لمثل هذه الألاعيب تاكامي , هيا أين أنتي ؟!
-هنا !
قالتها فالتفت خلفه فلم يجد شيئا , لكنه فجأة وعلى الفراش ظهرت (تاكامي) جالسة عليه , اتسعت عيناه من الدهشة , لكنها قالت بمرح :
-لا تندهش , فهذه تعويذة خاصة بعائلتي , تعويذة إخفاء , لكنها ليست جيدة جدا , لو أنت ماهر كنت قد عرفت مكاني بسهولة !
ابتسم وقال لها وهو يتجه إليها ليأخذ عصاته :
-لابد و أن هناك العديد من الحيل التي يجب أن أتعلمها في عالمنا !
قالها و استرجع عصاته منها , ثم اتجه نحو الفراش مرة أخرى حيث كان معطفه معلقا على حامل بجانبه , قالت له وهو يهم بارتداءه :
-لقد أتعبتني أمس , فقد اضطررت إلى حملك , و تأجير سيارة حتى تقلنا إلى هذا الفندق الرخيص , وقد أخبرته أننا عاشقان و قد أغشى عليك في أول تجربة لك مع الخمر , فقد صدقني هذا السائق كما فعل موظف الاستقبال في هذا الفندق , هذا بالطبع بعدما طبعت بعض قبلات زائفة بأحمر الشفاة على خدودك الوردية هذه !
قالتها و أطلقت ضحكة طويلة , حيث جرى (ياكو) نحو مرآة متسخة , و مسحها من الأتربة بكم معطفه بدون وعي منه ثم أخذ يقرب وجهه من الجزء الذي يعكس الضوء منها , يجذب ذقنه و خديه حتى تأكد من خلوهم مما قالت , فنظر نحوها وهو غاضب بشدة وهي في قمة ضحكتها , فقالت له وسط ضحكاتها :
-لا تقلق نفسك , فقد أزلت بقايا هذا الزيف بعد وصولنا , كنت أتمنى أن ألتقط لك صورة و أنت بهذا الوض...
لم تستطع إكمال جملتها من شدة ضحكتها , لم يقدر (ياكو) سوى أن ينظر بعيدا عنها , حيث قد بدأت في إمساك بطنها من شدة الضحك , لكن هناك , و على الطاولة , جذب انتباهه شيء جميل يحتاجه , اندفع تجاه المنضدة و التقط الخريطة و فضها من الكيس البلاستيكي و اتجه نحو الفراش , في تلك اللحظة توقفت (تاكامي) عن ضحكاتها و التفت بجدية قليلا تنظر نحو الخريطة التي فضها (ياكو) على الفراش بأكملها , أخذ يتتبع بعض خطوط السكك الحديدية , يتنقل بإصبعه بين أسماء عدة مدن حتى وقف باصبعه على مدينة تدعى (كوشيرو) و صاح منتصرا :
-إنها هناك !
نظرت (تاكامي) في الخريطة ثم سألته :
-وهل تعرف تحديدا أين مكانها ؟!
-كلا , لم يملك من الوقت الكافي لذلك , لكننا عندما سنذهب إلى هناك سوف يقول لنا المكان بالتحديد !
ردت عليه قائلة :
-حسنا هيا نعد أنفسنا للذهاب إلى هناك !
استغرقت رحلة الذهاب إلى تلك المدينة قرابة ساعة كاملة , بعدها أخذا يبحثان عن مكان يصلح للاختباء , فوجدا حديقة مهجورة , تمتلئ بالأشجار و غير منظمة , دخلا فيها , ثم قال (ياكو) :
-كاي !
تحولت عصاته لتتخذ الشكل المميز لها , ثم قال :
- واشي كين باكيمونو !
ظهر النسر الذهبي مرة أخرى , أعطاه المنديل وقال له :
-أرجو أن تبحث لنا عن مكان صاحبة هذا المنديل سيدي !
مد النسر جناحه فطار المنديل داخله حتى وصل إلى منتصفه , ظهر ضوء أصفر ذهبي ثم اختفى النسر بعدها , استدارت (تاكامي) لتتجه نحو شجرة قريبة و قالت وهي تهم بالجلوس:
-تعالى لتجلس معي هنا , فالوقت أمامنا طوي...
لم تكمل جملتها , فقد بترها ظهور النسر مرة أخرى , اتسعت عيناها دهشة , لم تكن تدرك أنه سيصل بهذه السرعة لصاحبة هذا المنديل , قالت بلهفة وهي تقف بسرعة من على الأرض :
-هل وجدتها ؟!
ابتسم النسر و قال بصوت يملؤه الثقة :
-نعم , بالطبع , هيا لتذهبوا إليها !
لم تفهم (تاكامي) ما كان يقصده بقوله هذا , لكن (ياكو) قد أمسك يدها اليمنى و جذبها معه وهو يدخل داخل النسر , وجدت نفسها فجأة بداخل النسر , ظهر ضوء أصفر أخذ ينتشر حتى غطى على الرؤية كلها , فأغلقت عيناها وسمعت صوت صفير حاد فوضعت يدها على أذنيها , ثم فجأة انتهى كل شيء كما بدأ , فتحت عيناها بحذر فوجدت نفسها في حديقة بمكان آخر , و النسر بجوارها , و (ياكو) ينظر إليها وهو يبتسم و قال لها :
-مرحبا بكي في عالم وحشي الخاص !
ابتسمت ولم تعلق , لكنها جالت بنظرها فيما حولها , وجدت نفسها أمام مبنى ضخم , لونه أبيض , مكتوب عليه (مصحة للأمراض العقلية و النفسية ) , شهقت (تاكامي ) من الفزع , و نظرت تجاه الوحش و قالت له :
-هل توجد صاحبة هذا المنديل هنا حقا ؟!
أومأ النسر برأسه , ثم قال ل(ياكو) :
-هل تريد مني أي شيء بعد الآن ياكو ؟
-لا , شكرا سيدي على مساعدتك لنا !
قالها و اختفى النسر بعدها , ثم نظر (ياكو) تجاه المبنى ثم قال مشجعا نفسه أولا قبل (تاكامي) :
-هيا لندخل و نسأل عنها بالداخل !
صمتت (تاكامي) و لم تعلق , بل تبعت (ياكو) في سيره إلى داخل هذه المصحة .

*********************


وقف (رانمارو) أمام نافذة الغرفة التي كانوا بها ينظر نحو الأسفل , كان لا ينظر باتجاه محدد , فقط سارحا بأفكاره فيما هو مقبل عليه , لم يتبق معه سوى (هارونا) , (تابيتو) , و (ساكورا) , كانت الأخيرة نائمة على الفراش , و بجانبها جلست (هارونا ) تحرك أناملها بين ثنيات شعرها , بينما جلس (تابيتو) على مقعد في منتصف الحجرة , كان يبدو و كأنه في قفص اتهام ...

-لقد مضى على مغادرتهما قرابة الأربعة ساعات !
قالها (تابيتو) محاولا تغير جو الغرفة للحوار , فجأة استدار (رانمارو) إليه و سأله :
-قل لي تابيتو , مم كنت تهرب ؟!
صمت تابيتو قليلا ثم نظر تجاه (هارونا) التي استدارت تنظر إليه هي الأخرى , فزفر في ضيق واضح و قال :
-هل لابد و أنا أجيب على هذا السؤال ؟!
رد عليه (رانمارو) قائلا :
-بالطبع يجب عليك ذلك , و إلا فلن تستطيع أن تصحبنا في رحلتنا الطويلة المبنية على الثقة بين الأصدقاء .
قال كلماته الأخيرة و هو يضغط على كل كلمة منها , فنظر له (تابيتو ) لبرهة ثم قال بحزن شديد :
-حسنا , سأخبركما بما حدث لقريتي , انا كنت عضوا في قرية تدعى السهم الأبيض , قرية كانت موجودة بجزيرة كيوشو , تابعة لسيطرة مدينة فوكوكا , بالطبع كانت تعتبر ثاني أقوى قرية في المملكة اليابانية بعد قرية الريح البيضاء في القوة في جناح الخير بالطبع , لكن للأسف بعد سقوط قرية الريح البيضاء , أأخذت سياسة كل من كارا و بوكاهاتسو تتغير نحو إصطياد القرى الصغرى و تدميرها , بالطبع كنا نحاول منع تدمير ما نستطيع من هذه القرى , لكن الأمر كان أشبه بهجوم منظم , لم يتم ذلك إلا بعد عدة سنوات من إنهيار قرية الريح البيضاء , بالطبع أخذت وقتا حتى أتت النيران على مجموعة من القرى تقع تحت حمايتنا , و بهذا لم يتبقَ أمام أعدائنا سوى عقبة واحدة , و هي قريتنا ...
وقف و اتجه نحو النافذة هو الآخر , كان ينظر للأفق بنظرة تملؤها حزن كبير , ثم تابع :
-بالطبع كانت تحتاج قوى الشر لوقت تعد فيه قوتها , لكننا كنا في موقف حرج جدا , فلحماية ما تبقى من قرى الخير استلزم ذلك استنزاف معظم قوتنا , و لهذا ضعفت دفاعاتنا قليلا , و هذا ما كان متأكد منه أعدائنا , لهذا أسرعوا في الهجوم علينا , لم يفرق بين تدمير قريتنا و تدمير قرية الريح البيضاء سوى عشرة أعوام , و باقي الأربعة أعوام هربت ممن يحاولون اصطياد قوانا و استعبادنا لمصلحتهم , هربت من مصير أشبه بما تعرضت له (تاكامي ) !
قال جملته الأخيرة و عيناه تترقرق بالدموع , نظر نحوه (رانمارو) ثم قال بصوت حزين :
-هل تعني أن ما تبقى من قرى سوف يخضع لسيطرة الشر ؟!
التفت إليه (تابيتو) وهو يمسك بمنديل في يده اليسرى و يزيل ما تبقى من آثار الحزن من عينيه , ثم قال له :
-نعم , فللأسف ما تبقى من قرى في مملكتنا ليس بالقوة الكافية و لا الشجاعة اللازمة للوقوف أمام هاتين المنظمتين , بل هناك ما هو أسوأ !
التفتا إليه باهتمام , و تابع :
-لقد انتشرت عدة شائعات قوية تفيد بأن هناك من يحاول توحيد قوى كارا و بوكاهاتسو , فإذا حدث مثل هذا الأمر فحقا سيكون جد خطير من سيقف في وجه هذه القوة الجديدة !
اتسعت عينا (رانمارو) من الفزع , و قبل أن ينبس بحرف واحد تابع (تابيتو ) :
-هذا غير الإشاعة القديمة بأن هذا الشخص كان السبب الرئيسي في تدمير قريتك , بل و البعض قال أنه هو مدبر العملية برمتها !
حتى الآن , و حتى هذه اللحظة , كان (رانمارو) قد تاه وسط صحراء الواقع البغيض , و ضل طريقه وسط هذا الظلام الكثيف , لكن ها هو بصيص ضوء قد بدأ يطل مرة أخرى يرشده للطريق الذي يجب أن يتخذه حتى يظهر برائته , من لهفته الشديدة , من حماسته جراء هذه المعلومة , اندفع و أمسك ياقة قميص (تابيتو) الأزرق , وصرخ في وجهه :
-قل لي من هذا اللعين , قل لي أين أجده ؟!
صدر صوت (تابيتو) محشرجا وهو يقول له :
-اتركني رانمارو , هل تتصور أنه لو عرفنا مكانه لكنا تركناه , اتركني !
أفاق (رانمارو) لما يفعله , فترك (تابيتو ) و نظر نحو الأرض و قال بصوت حزين :
-أنا آسف تابيتو , لقد انجرفت وراء عواطفي , آسف !
أمسك تابيتو برقبته و أخذ يتحسسها بيده اليسرى , كان يبدو أنه قد اختنق قليلا , ثم قال بعد فترة قصيرة :
-لا عليك صديقي , لكن ما سبب هذا كله ؟! أنت لم تقل لي لماذا ستعيد بناء قرية الريح البيضاء مرة أخرى ؟!
تحرك (رانمارو) تجاه باب الغرفة , ثم فتحه و خرج منها و أغلقه خلفه دون أن يقول أي حرف ردا على تساؤل (تابيتو ) , نظر الأخير بدهشة شديدة نحو (هارونا ) و قال :
-ماذا حل به ؟!
نظرت إليه و قالت له :
-لا تقلق , سأخبرك بكل شيء ...
فاتجه يجلس نحو مقعده السابق , ثم أخذ ينصت باهتمام لسبب حنق و اندفاع (رانمارو ) , كما سمع كيف تقابل هو و محدثته , استمرت المحادثة طوال فترة الظهيرة حتى الغروب دون توقف .

***********************

خرج (رانمارو) غاضبا من الغرفة , لم يكن غاضبا من شخص سوى نفسه , كيف نسي وسط غمار كل هذه الأحداث أن يبحث عن الحقيقة ؟ لقد كان يؤنب نفسه على هذه الأحداث , ساقته قدماه نحو السطح على هذا الفندق الشخم , فتح باب المؤدي إليه ثم ولج لداخل السطح , كانت الشمس لاتزال في كبد السماء , سار بصمت عابرا علامة (h) المميزة التي تعتبر مهبطا للطائرات الهليوكوبتر , سار عليه دون أدنى اهتمام , كان السطح به عدة غرف على يسار المدخل , ثم هذه العلامة في الوسط , و في جميع الأركان توجد كومات من الصناديق المغلقة غير الدالة على هوية ما بداخلها و في صمت تام سار حتى وصل إلى الأفريز الخاص بالسور , وقف ينظر نحو الأفق بدون أدنى تركيز , كان يحاول أن يفرغ عقله مما به , لكن صدر صوت فرقعة صامتة خلفه , التفت في حدة فوجد...
-مرحبا بك أيها العظيم رانمارو , لقد اشتقت للقائك , أحب أن أقدم لك نفسي , أنا الثلجية رئيسة كارا , و هذه هي إيكويا مساعدتي و ذراعي اليمنى !
اتسعت عينا (رانمارو) من الدهشة , واندفع في عقله العديد و العديد من التساؤلات حولهما , لكن سرعان ما تحدثت الثلجية و قالت له :
-بالطبع عزيزي لولا وجود مساعدتي لما عرفت أن أجدك , فالفضل يعود لها في أن أجدك ...
-ماذا تريدين مني ؟!
قالها بجفاء و برود واضح , لم يكن في حالة مزاجية تسمح له بالتعارف أو بتبادل التهاني ,رمقته بنظرة صارمة و قالت :
-أنا يعجبني من يهتم بوقته كثيرا , لهذا لن أطيل عليك , أنا لا أعرف عن مجموعتك شيئا , و لا أعرف ماذا تنوي فعله , لكني جئت أخبرك بأمرين...
وضع (رانمارو) يده في جيب سترته اللامعة الحمراء المرسوم على ظهرها علامة أحدى الشركات الرياضية الشهيرة , ثم قال لها :
-وما علاقة رئيسة منظمة كارا بفرد ضعيف قليل الحيلة مثلي ؟!
كانت نبرته يشوبها السخرية قليلا , فرمقته بنظرة أكثر صرامة و قالت :
-لا وقت لدي للأحاديث الملتوية , كلما قل وقت لقاؤنا كلما كان أفضل بالنسبة لي !
رمقها هو الآخر بنظرة أكثر صرامة و قال لها :
-نفس الشعور بداخلي أيضا تجاهكي , ماذا تريدين ؟!
-بالطبع أنت تريد الثأر لمن دمر قريتك و قتل والديك !
كانت هذه الجملة كفيلة باستثارة كل حواسه مرة واحدة , نظر إليها بعينين متسعتين من الغضب الشديد , كان بداخله بركان ثائر , فكيف لمن دمر قريته أن يأتي و يقول له مثل هذا الكلام , جال بخاطره هذه الفكرة , لكن بددتها تعقيب الثلجية بقولها :
-بالطبع أريد أن أؤكد لك شيئا واحدا , نحن لم ندمر قريتك ,نحن لم نقتل والديك !
ظلت عيناه متسعة , و لكن من الدهشة هذه المرة , فرد قائلا :
-ما هذه الألاعيب التي تقومين بها معي ؟! جميع العالم يعرف جيدا من دمر قريتي و احتلها , أنها منظمتكم الحقيرة كارا !
ضاقت عينا الثلجية و قالت :
-لولا أنني في عجلة من أمري لكنت قد عاقبتك على ما لفظته للتو من إهانة لمنظمتي أيها الحقير , لكن لا وقت لدي للأسف , لكن ثق جيدا أنني سوف أعاقبك , فلنعد لما كنت أقوله , أنا أقول لك بنفسي أنني لم أدمر هذه القرية العنيدة , تدمير هذه القرية شرف لأي منظمة , يجب أن تدرك أنني ما تنازلت عنه بإعلاني للحقيقة أمامك إلا لوجود ما هو أهم من هذا المجد ..
جذب كلامها انتباهه , فصمت , فتابعت هي قائلة :
-هناك شخص غريب جاء إلينا قبل الهجوم على قريتك , هذا الشخص عرض علينا تدمير القرية , و وضع لنا خطة محكمة , سرنا بالطبع عليها مع الاحتياطات , لكننا عندما وصلنا القرية لم نفعل شيئا سوى تدمير الدرع الواقي , و قتل ما تبقى من أهلها و أسر الآخرين , أما الرؤساء فلم نلمسهم , حيث وجدناهم مقتولين قبيل وصولنا بقليل ...
كانت كلماتها تحرق قلبه , كان يود أن يقاتلها , لكنه كان يريد أن يعرف أكثر و أكثر , استمرت هي في الكلام و قالت :
-هذا الغريب يريد توحيد كارا و بوكاهاتسو معا تحت لوائه , يظن أنه قوي لهذه الدرجة . إنه مغرور !
-ما علاقة هذا بي ؟!
قالها في برود شديد , فردت بسرعة :
-للأسف لم نستطع جميعا أن نتوصل لمكان مخبأه , لكننا توصلنا لنقطة نستطيع أن نتوغل عن طريقها عبر دفاعاته , هذه النقظة هي أنت !
هنا لم يفهم ما أشارت إليه , فقال لها :
-هل يمكن أن تشرحي باستفاضة أكثر ؟!
ردت في صرامة :
-أنت لا يلزمك معرفة التفاصيل , يكفيك ما عرفته , لكننا عرفنا أنه لا يمقت شخصا في هذه الدنيا مثلما يكرهك , و لا يريد أن يقتل شخصا سواك أنت , لهذا ...
قالتها و أشارت بيدها اليسرى فتقدمت (إيكويا ) وتابعت هي كلامها :
-أريد منك أن تصطحب هذه المرأة معك , إنها تدعى إيكويا , وهي ماهرة في اقتفاء الأثر , فهي التي قد أوصلتني إليك ...
صمت (رانمارو) وهو ينظر تجاه الأرض , ثم قال بصوت غاضب :
-تريدين مني أن أكون طعما لهذا الوغد الحقير , نعم أنا أريد أن أقتص ممن قتل أبواي و دمر قريتي و أزالني من عالمي , لكنني لن أكون أبدا أداة في أيديكم أيها الخونة !
قالها و شهر عصاه و قال :
-كاي !
تحولت العصاة لشكلها المعتاد , و غطى المعطف الجلدي نصف جسمه تقريبا , كان طرف العصا يتوهج بلون أحمر ناري , ضيقت الثلجية من نظرتها ثم قالت له :
-هذا يدفعنا للحديث عن الأمر الثاني , أنت إذا فكرت في أن تقف في طريقنا ...
في لحظة وقفت وراءه , بل سرعتها كانت أسرع من ذلك , اتسعت عيناه في دهشة شديدة , كانت يداها تمسك بسيف غريب لم يعرف من أين أتيت به , كان تحيط عنقه بهذا السيف , ثم تابعت :
-فسوف أقتلك قبل أن تفكر في هذا الأمر !
قبل أن يفكر , أو حتى قبل أن يدرك ما كانت تقوله , اختفت فجأة من وراءه كما ظهرت , رجعت لمكانها ثم تابعت قائلة :
-لا تستخف بقوتنا أيها الصعلوك الضعيف , أنت ليس سوى حشرة مهملة , لو لم تعرف مقدار نفسك جيدا فسوف نخبرك فعليا بهذا , لديك شهرا كاملا للتفكير في عرضي , بعدها سوف أجدك كما وجدتك هنا , و عندها سوف يتحدد مصيرك ...
فجأة اختفيا بصوت فرقعة خفيفة مثلما ظهرا , أمسك (رانمارو) بعصاته واعتصرها في قبضة ييده اليمنى , وقال في حنق :
-اللعنة !


****************************

اندفع (رانمارو) بقوة و عنف فاتحا باب الغرفة بصورة أفزعت من بداخلها , حيث هبت (هارونا ) واقفة في تحفز , في حين نهضت (ساكورا) مفزوعة من نومها , أما (تابيتو) فقد شهر عصاه تجاهه , عندما نظروا له , خفض (تابيتو) عصاته , و سقطت (ساكورا) على فراشها , أما (هارونا) فقد أرخت نفسها و قالت له بصوت غاضب :
-ماذا هناك لكي تدخل علينا بمثل هذه الطريقة ؟!
لم يعلق بل أغلق الباب , و قبل أن يغلقه قام بالنظر يمنة و يسرة ليرى إذا كان هناك من يتبعه , دب هذا الفعل الشك في نفس (هارونا ؟) و (تابيتو) , اتجه (رانمارو) ليجلس على الفراش و يقول بصوت مسلوب :
-لقد حدث شيء رهيب !
قبل أن يقول ما حدث فجأة صدر صوت غريب , نظر الجميع تجاه نقطة بيضاء ظهرت من اللا شيء , حملق فيها الجميع , فجأة كبرت هذه النقطة و ظهر لها أذرع , امسكت بكل من بالغرفة , حتى (ساكورا) رفعتها من على فراشها ثم جذبت تلك الأذرع الجميع إلى داخل هذه النقطة , تعالى صراخ الجميع , شعر كل منهم و كأنه يدور في دوامة مائية , و الضوء من حوله أبيض تماما , فجأة أسود كل شيء , وجد كل منهم نفسه قد سقط على أرضية عشبية , قام كل منهم وهو يتلفت حوله و العرق يغمره , لكنهم تراخوا عندما وجدوا (ياكو) و (تاكامي) يقفون أمامهم , قالت لهما (هارونا ) بحنق شديد:
-لماذا الجميع اليوم يفعل أشياء غريبة ! ماذا حدث ؟!
قالتها وهي تضع يديها في وسطها وهي تحملق في كليهما , لكن بدت نظرة خوف على وجهيما بصورة جعلت (رانمارو) يقول بسرعة :
-ماذا حدث ياكو ؟!
نظر إليه (ياكو) و أجابه :
-أعتذر أولا عن طريقة استحضراكما هكذا لكن كان لابد من التصرف سريعا , لقد وجدنا ناجومي!
ردت (هارونا ) :
-هذا إذن شيء جيد !
استدركت (تاكامي) قائلة :
-لكن السيء هو أن هيكارو ليست معها , لقد تم اختطافها !
-ماذا؟!
صرخ (رانمارو) بهذا و نظر إلى (ياكو) الذي أومأ برأسه مؤكدا كلام (تاكامي) , فتسائلت (هارونا) :
-وهل تعرفون من اختطفها ؟!
رد (ياكو) :
-قالت ناجومي أن أفرادا تتبع قرية ما في مدينة شين يانج الصينية قد جاءوا و اختطفوها منذ سنتين , و قاموا بإيداع ناجومي في مصحة عقلية !
تسمر الجميع مما حدث , لكن (رانمارو) سرعان ما قال :
-لا يمكن أن نترك شخصا ضعيفا يحتاج للمساعدة , هذا إضافة لكونها فردا من قريتي السابقة و عضو حالي مهم في قريتي الحالية , سوف نقوم بعملية إنقاذ لها , ما رأيكم ؟
نظر الجميع بدهشة إليه , كان يبدو أنه مندفعا قليلا هنا , فردت عليه (تاكامي) بقولها :
-هل تدرك معنى ما تقوله ؟! إنك سوف تهجم على قرية لا نعرف عنها شيئا ...
-وكذلك هم لا يعرفون عنا شيئا !
رد عليها (رانمارو) فقال (ياكو) بسرعة :
-نعم , هذا إضافة لأننا سوف نهاجمهم بغتة , هذا سيضع عامل المفاجأة في صالحنا !
نظرت (تاكامي) إليهما ثم قالت :
-أنا أريد مثلكما أن أنقذها , لكن الهجوم على قرية أمر لابد من تنظيمه , و هذا يحتاج إلى وقت و جهد للاستعداد !
رد عليها (رانمارو) بقوله :
-حسنا , فلتكوني مسئولة عن تنظيم قواتنا , أما بخصوص الوقت فسوف نمضيه في التدريب حتى نضع خطة جيدة , فما رأيك ؟!
صمتت مندهشة مما قاله , فهي أكثرهم دراية بأمور المعارك , لكنها في الوقت ذاته لم تتحمل مسئولية جنود من قبل , كما أنها لا تعرف قوة كل منهم , سارع (ياكو) بقوله :
-أنا أضم صوتي لما قاله أخي !
-وأنا كذلك !
قالت (هارونا) هكذا , فنظرت إليها (تاكامي) غير مصدقة , فقال (تابيتو ) :
-أنا معكم في هذا الأمر أيضا !
حملقت فيه أيضا , لكن ما أدهشها صراحة كان ما قالته (ساكورا ) :
-وأنا معهم يا أختي , إنهم أناس طيبون , و لابد لنا من أن نساعدهم !
فقد فهمت هذه الصغيرة الموقف خطأ , لكنها قالت شيئا صحيحا أثر في نفسها , فكل ما يقف هنا يناصر الحق , و يريد دحر الظلم , كما أنهم سيعرضون حياتهم للخطر في سبيل إنقاذ صديقتها , ابتسمت , ابتسمت من أعماق قلبها قبل وجهها , فقد استردت روحها القديمة , روحها إبان تدمير قريتها العظيمة !
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع....... .....

اماريج 01-08-10 07:49 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل السادس و الثلاثون


بدء الهجوم


-حسنا , لكن لابد من التدريب بقوة و بجد , فالمعركة هذه المرة لن تكون جيدة وسهلة !

قالت (تاكامي) ذلك وهي تنظر تجاه (رانمارو) , ثم تابعت :
-لن تكون مثل حادثة الباكوشو !
اتسعت عينا (رانمارو) من الغضب , احمرت وجنتاه قليلا , فقد تذكر ما حدث هناك , أحس بقلبه يشتعل غضبا , قال محدثا نفسه بصوت عالٍ قليلا :
-نعم , لن تكون مثل تلك المرة !
قالت (هارونا) :
-لكن ما هو الاختلاف بين هذه المعركة وما مررنا به من معارك ؟!
حولت (تاكامي) نظرها تجاهها وقالت لها :
-بالطبع هناك اختلاف كبير جدا , فمعركة بين شخص و شخص ليست كمعركة مجموعة أمام قرية , بالطبع هناك اختلافات كثيرة ...
-مثل ماذا ؟!
تسائل (ياكو) فقالت له :
-المعارك مثل هذه تعتمد في الأساس على التعاون بين جميع الأفراد , حيث أننا سنكون أول من يهاجم فستكون كفة المفاجأة في مصلحتنا , و هذا لا يتوقف فقط على عدم استعدادهم للقتال , بل سيكونون أفرادا يسهل التغلب عليهم , و لن يقف أمامنا سوى الكبار فقط , وهم القائد و من ينوبه و رؤساء العائلات الموجودة بهذه القرية...
قال (رانمارو) :
-هل هذا يعني أننا يجب أن ننسق قوانا جميعها , و نعرف تعاويذ كل فرد مننا ؟!
ردت قائلة :
-نعم هذا صحيح , فنحن سوف نتباحث في موضوع التعاويذ , كما سنتباحث في تشكيل الهجوم , و إذا حدث و حدث انقسام في المعارك فمن سيذهب مع من , و من سيكمل من , و من ستكون قوته مصدر قوة لزميله , و هكذا , الأمر ليس لعبة , فهذه معركة ولابد لنا من خوض غمارها ...
كانت لكلماتها تأثير السحر عليهم , فسكتوا جميعهم , لكن في داخل كل منهم كانت هناك مناقشات حادة , انتهى الصمت بعد برهة ليست بالقصيرة بقول (تابيتو ) :
-وهل سأشارك معكم في هذه المعركة ؟
ردت قائلة :
-بالطبع عزيزي , فأنت لك أهمية قصوى , فستقوم بمعالجة كل من تتم إصابته وسط الميدان , و بهذا ستكون قوتنا كاملة طوال الوقت , لا أبالغ إذا ما قلت أننا إذا خسرناك فقد خسرنا معركتنا , فنحن نحارب قرية بكامل عائلاتها و قوتها , و لسنا نحارب أفرادا عاديين!
قال (رانمارو) :
-هذا يتطلب من كل فرد مننا أن يقوم بالتدريب المستمر في الفترة القادمة , و أن يزيد من قوته , و أن يضاعف من تعاويذه و يتقنها جيدا , أظن أن مهلة أسبوعين تكفي للتدريب !
نظرت (تاكامي) مستنكرة له وقالت :
-هذه مدة قصيرة , لماذا نحصر أنفسنا في هذه الفترة الضيقة ؟!
صمت (رانمارو) وهو يحملق في الأرض ثم قال لها :
-هناك شيء حدث ولم أستطع أن أخبركم به , لقد قابلت إمرأة تطلق على نفسها لقب (الثلجية ) وهي ...
-رئيسة كارا !
قالها (تابيتو) و (تاكامي) في وقت واحد , تغير حالهما تماما بعدما سمعا ما قاله (رانمارو) للتو , فقد شحب وجهما , تغير صوتهما ليصير مبحوحا قليلا , نظر الجميع إليهما فتابع (رانمارو) :
-نعم , إنها هي , لقد ظننت أنكما قد تعرفانها , فقد جاءت تعرض المساعدة علي !
صاح (تابيتو) بسرعة :
-وكيف قابلتها ؟ و متى حدث ذلك ؟!
-لقد قابلتها على سطح الفندق , فقد جاءت هي و أخرى تدعى (إيكويا ) , و قابلتهما منذ قليل قبيل أن تقوما باستدعاءنا ...
قالت (تاكامي) و صوتها لا يزال مبحوحا :
-ماذا قالت لك ؟!
أخذ يقص عليهم ما دار بينه و بينهما من حوار , ثم بعدما انتهى من حديثه ظل الجميع صامتا , ثم بعد فترة قالت (تاكامي) :
-هذه المرأة لا تقهر , كما أن منظمتها قوية جدا , و قريتها من أقوى القرى في المملكة اليابانية و العالم أجمع , لا أعرف من هذا الرجل , لكنه مؤكد أنه شخص قوي حتى يقف صامدا أمامها , و يظل مختفيا من أعينها , لا أدري , لكن فترة شهر هذه خطيرة جدا , نحن بقوتنا الحالية لا نقدر على الصمود أمامها , فما العمل إذن ؟!
تمتم (رانمارو) :
-لا أدري انا أيضا , فقد وضعتنا تلك الخبيثة في مكان لا مفر منه , فنحن أمامنا أحد حلين , أن نرفض عرضها و هذا يعني أننا سنقاتلها , أو نقبل بعرضها و هذا يعني أننا سنصبح مكيدة لهذا الغريب, انا لا أخفي عليكم , انا أريد أن أقتل بيدي هاتين هذا الذي قد تسبب في تدمير قريتي و نبذي عن مجتمع السحرة , لكن لن يكون هذا على حساب حياتنا و أحلامنا , كما لن يكون في سبيل الدفاع عن الشر , لست أدري , رأسي تؤلمني من التفكير ...
قالها وأمسك رأسه بكلتا يديه , لم يرد عليه أحد , بالفعل كان الجميع يدرك كل ما قاله (رانمارو ) , كما يدرك أنهم في خطر شديد , لهذا السبب فهموا السبب وراء جعله المدة قليلة هكذا , قالت (هارونا ) :
-ولكن لماذا جعلتها أسبوعين فقط ؟!
رفع رأسه و نظر لها ثم قال :
-وهذا حتى نتيح لأنفسنا فرصة التجسس على القرية و تنظيم قوتنا , فنحن في هذه المعركة نعلن ميلاد قريتنا من جديد أو ندمر ما تبقى من حلمنا للأبد !
قالت (هارونا ):
-حسنا , فلنبدأ بالتدريب القاسي هذه الفترة , ثم نحدد ما سنفعله في هذا الأسبوع , اتفقنا ؟!
أومأ الجميع بالموافقة , قال (رانمارو ) و هو يتلفت حوله :
-و الآن , أين نحن ؟
ردت (تاكامي) بابتسامة وهي تقول :
-نحن في مدينة كوشيرو , يجب أن نعود أدراجنا للفندق حيـ...
لم تكمل كلامها حيث قاطعها (ياكو) بقوله :
-لا أظن أنها فكرة جيدة أن نعود للمكان الذي وجدنا فيه أعدائنا , كما يجب أن نفكر في وسيلة لإلهائهم عنا , أو نختفي عنهم , ألا توجد طريقة لذلك ؟
نظرت (تاكامي) له ثم قالت :
-بالتأكيد توجد , ولكننا لا يمكن استخدامها الآن...
لم يبد على (ياكو) الفهم بعد فأردفت :
-هيكارو , هيكارو لديها طاقة الأيجو , و هي بجانب الحماية فهي تخفي من بداخلها عن العالم خارجها , و بالطبع فهي ليست معنا الآن !
-أنا جوعانة !
نظر الجميع تجاه (ساكورا) , كانت ترقد على الأرض أمامهم , لم تعد تخاف من كونهم سحرة أو مصاصين دماء , بل عندما علمت ان أختها مصاصة دماء استمتعت بهذا و كأنها لعبة ما , بل و أخذت تطرح العديد و العديد من الأسئلة على أختها , بالطبع أغلبها كانت أسئلة طفولية , زفر (رانمارو) ثم قال لهم :
-هيا بنا , فسوف نبحث عن فندق آخر نقيم فيه هنا , و لكن أين هي ناجامي ؟!
ظهر الحزن على وجه كل من (ياكو) و (تاكامي) , ثم قال (ياكو) في حزن :
-لقد وجدناها في صمحة للأمراض العقلية , لقد أصيبت بصدمة نفسية من جراء العلاج الكهربي المستمر هناك , يا لهم من قساة القلوب ...
زرفت عينا (تاكامي) و (ياكو) الدموع , فقال لهم (تابيتو ) :
-لا تقلقوا , سوف أقوم بمعالجتها بنفسي , أظن انها تملك قدرة التانشينفونو , أليس كذلك ؟!
أومأ كل منهما برأسه في صمت , فقال (رانمارو) مواسيا لهما :
-لا تقلقا , فسوف تعود لطبيعتها مرة أخرى , لكن الآن يجب علينا أن نتدرب جيدا , هيا بنا!
قالها وقام من على الأرض العشبية الخضراء في هذه الحديقة الجميلة الكبيرة , كانوا في منطقة محاطة بشجيرات قصيرة كثيفة , لكنها كانت تخفي ما يوجد تحتها , قام الجميع خارجين من هذا المكان يبحثون عن ملاذ لهم كي يتدربوا فيه .
***************************
أعلنت المتحدثة في مطار (شين يانج) عن وصول الطائرة رقم (ask-125) القادمة من اليابان , أخذ موظفوا الجمارك يدورون حول الحقائب مع المسافرين , فهناك من يحمل حقائب عديدة تحتاج لبعض الضرائب عليها , بعد هذه المعاناة , أخذ الجميع يبحث عمن يحمل عنهم متاعهم , أما في جانب انزوى هناك مجموعة من السياح , لم تكن حقائبهم كثيرة , صاحت (ساكورا) مندهشة :
-يا لهذا العدد الكبير , أنا لم أرى أبدا في حياتي مثل هذا العدد من قبل !
ضحك (تابيتو) لقولها وقال لها :
-نعم , فعدد سكان هذه الدولة قد فاق المليار نسمة !
-ماذا؟!
صرخت (ساكورا) في دهشة أكبر , ضحك الجميع على دهشة هذه الصغيرة , كانت تمشي بجوار أختها وهي تجري , فبالطبع خطوة أختها بمثابة ثلاثة خطوات لها , لكنها كانت سعيدة بالجري هكذا , و لهذا السبب لم تخفف أختها من حركتها , اجتازوا بوابة المطار , ثم ركبوا سيارتي أجرة أوصلاتهما لفندق متوسط الدرجة , كانوا يحاولون أن يقتصدوا في الانفاق , ف(ياكو) كان من ينفق على رحلتهم هذه من أموال والديه الذين لم يترددا في دعمهما في طريقهم نحو المجهول , بعد أن وضع كل منهم حقيبته و متاعه في دولابه الخاص به , اجتمعوا في غرفة من الغرف الثلاثة التي استأجروها , فقد قرروا استئجار ثلاث غرف , حيث يعيش الشباب في غرفة , و تعيش الفتيات في غرفة أخرى , أما الثالثة فهي للتدريب و لوضع الخطط , اجتمعوا في هذه الغرفة , سحب كل منهم مقعد ليجلس على هذه المنضدة التي تشبه الآن منضدة الإجتماعات البيضاوية , فهي أيضا بيضاوية الشكل , قال (رانمارو) في البداية :
-لقد مررنا بالمرحلة السهلة من خطتنا , يتبقى الآن المرحلة الأكثر صعوبة , يجب التنسيق بين جميع قوانا , كما سيتم وضع خطة محكمة للهجوم , لكن أولا سيقوم (ياكو) بتحديد مكان القرية , و ستقوم (تاكامي) بمراقبتها يوما كاملا , ثم تعود لنا بتقرير مفصل , سيكون هذا غدا , في الوقت الذي يقومان فيه بذلك سأقوم أنا و (هارونا) بتبادل المعلومات عن تعاويذنا , أما تابيتو فعليه أن يسلي ساكورا في أثناء غياب أختها , كذلك في أثناء تدريبنا , لا نريد منها هذه المداخلات التي كانت تقوم بها ...
ضحك (ياكو) وهو يغمز ل(هارونا ) بعينه , فاحمرت وجنتاها , كان يبدو أن (ساكورا) قد فعلت العديد من الألاعيب الطفولية المرحة , استكمل (رانمارو) كلامه وهو يحال إخفاء شبح ابتسامة من على وجهه :
-بعد ذلك سنقوم بعمل لقاءات ثنائية بين كل منا , حتى ننتهي بأن نتبادل جميعنا تعاويذ الآخر , بعد ذلك سوف نقوم بعمل جلسات نقاش جماعية نحدد فيها الاستراتيجيات المحتملة في القتال , بعد ذلك وقبل ساعة الصفر بيوم واحد ستقوم (تاكامي) و معها (ياكو) بمراقبة القرية مرة أخرى لتحديد مواطن الضعف و القوة , إضافة لتأكيد المعلومات التي تم جمعها من قبل , هل هناك أي تعليق ؟!
نظر كل فرد تجاه الآخر , كان يبدو أن هذه الفترة القصيرة قد أضافت (لرانمارو) الثقة , فقد بدا حقا و كأنه قائد جيش محنك , فهذه الخطة رائعة إلى حد كبير , فلم يعترض منهم أحد , تنهد (رانمارو) إرتياحا ثم أذن للجميع ببدء التدريب مرة أخرى ...
********************
صدر صوت خبطات معينة تم الاتفاق عليها مع أفراد هذا الفريق الصغير , دقتين , ثم دقة , ثم ثلاث دقات , ثم دقتين , عندما انتهى هذا الدق , قام (رانمارو) بفتح الباب , فدلف إلى الغرفة (ياكو) و (تاكامي) , ثم أغلق وراءهما الباب , اتجه نحو مقعده الخاص في حين جلس كل من الجديدين على مقعد لكل منهما , تسائل (رانمارو) :
-هل جلبتما التقرير ؟
ردت (تاكامي) :
-نعم , ها هو , لكنه لا يختلف عن سابقه سوى أن الحراسة تكون على أشدها ليلا , لكنها تضعف كثيرا قرب الفجر , بالتحديد ساعة ونصف قبله , من الممكن أن نشن هجومنا في هذا التوقيت ...
نظر (رانمارو) تجاه (ياكو) فقال مؤيدا لكلامها :
-أنا أرى أيضا ذلك , فهذا هو الوقت الوحيد الذي تضعف فيه الحراسة و كذلك درع الحماية , حتى أننا قد شاهدنا تموجات في الهواء مكان الدرع و هذه دلالة على ضعف الدرع في هذا الوقت , و بالتالي فهي الفرصة المناسبة ...
صمت (رانمارو ) و أحال بصره تجاه (هارونا) و (تابيتو ) فأومأ كل منهما بمعنى الموافقة على هذا الاقتراح , فقال وهو يرجع بظهره للوراء مستريحا أكثر على مقعده :
-حسنا , فليكن ميعاد معركتنا هو الساعة الثانية صباحا , هيا فسأقوم بتحديد مركز كل منكم في المعركة و الدور الذي سيلعبه ...
استمع كل منهم باهتمام , بدت الجدية على وجه كل منهم , فقال (رانمارو) :
-سوف نتحرك بحيث يكون ياكو في المقدمة , وعلى يساره سوف تكون هارونا , و على يمينه سوف تكون تاكامي , و في المنتصف سيكون تابيتو , أما أنا فسأكون في المؤخرة أحمي ظهركما , أقوم بتقديم المساندة لأي منكما , سنتحرك في هذا الترتيب مهما حدث , سيكون ترتيبنا على شكل سهمي , رأسه ياكو , و مؤخرته أنا , يجب ألا نترك هذا التشكيل بأي شكل , مهما حدث , حتى لو حوصرنا , مهمة تابيتو هي معالجة أي جرح يحدث لأي مننا , مهمتك يا تاكامي ...
قالها و التفت ينظر إليها بعدما نظر تجاه (تابيتو) ثم تابع :
-مهمتك هي من أهم المهمات و أخطرها , عليكي أن تقومي بقتل أي فرد من على مسافة بعيدة قبل أن يأتي إلينا , أيضا لكي مهمتان رئيسيتان , عليكي قتل من تقوم بمهمة تحويل الطاقة , التانشينفونو أقصد , بالطبع عليكي أن تجديها و تقتليها حتى لا تقوم بتقوية طاقة هيكارو , و تقوم هيكارو بتحريك الدرع الواقي للداخل قليلا فيتم عزلنا عن داخل القرية و بهذا ينتهي هجومنا المفاجئ بالفشل الذريع كما أوضحتي لنا سابقا , مهمتك الأخرى هي قتل أي من قائد القرية ونائبه , و أي زعيم أسرة , بالطبع هذه مهمة صعبة , لكنك تستطيعين ذلك , موقعك ستقومين بتبادله معي بعدما نخترق درعهم الواقي حتى تقومين بفعل هذه المهام جيدا , أما أنتي يا هارونا ...
قالها و اتجه ينظر إليها , ثم تابع :
-عليكي أنتي و أنا وياكو تدمير كل ما يقف في طريقنا , لكن عندما يظهر قائد القرية علينا أن نوحد قوانا لهزيمته , لا أريد أي تواني أو تقصير , أريد من الجميع أن يقوم باستخدام تعاويذه بحكمة , فقد يأتي وقت نحتاج لتعويذة قوية لكن طاقة أحدانا لن تسعفنا , ادخروا التعاون في التعاويذ حتى النهاية , فالقوي للقوي , و الضعيف للضعيف , أتمنى أن تكونوا قد استوعبتم هذا جيدا , أليس كذلك ؟!
أومأ كل منهم برأسه متفهما , كان كل منهم يشعر بسخونة في جسده , سخونة إثارة , سخونة قلق , فبعد ساعات قليلة سوف تبدأ معركتهم نحو تحقيق حلمهم , بعد ساعات قليلة سيتحدد هل سينجحوا في تحقيق آمالهم , أم سينهزموا و تنتهي آحلامهم .
يتبــــــــــــــــــع......................

اماريج 01-08-10 07:50 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل السابع و الثلاثون


معركة انقاذ هيكارو (1)


كانت ليلة مقمرة , لم تكن هناك أي سحب في السماء لتخفي وراءها هذا النور الجميل للقمر , نظرت (هارونا) له وهي تبتسم , فكانت تعتبر وجود القمر بدون أي سحب حوله محل تفاؤل لها , بالطبع تسبب هذا في توقفها للحظة تخلفت فيها عن الجميع , فركضت بعد أن انتبهت لتأخرها لتلحق بالركب السائر نحو معركة حياتهم الأولى الكبرى , سار الجميع في صمت , كانوا ككتيبة صغيرة تبدء أولى مهماتها على الإطلاق , لم يتحدث أحد من وجل هذا الحدث العظيم , ظلوا سائرين هكذا يقود هذا الموكب الصغير (ياكو) و (تاكامي) , كانوا بالطبع قد تركوا (ساكورا) في الغرفة , بعدما اطمأنوا عليها , و تركوا لها ورقة تفيد بتأخرهم , كانت الصغيرة تدرك ما يحدث حولها , لكنها عكس الطبيعي لم تفعل أي شيء قد يسبب إعاقتهم , يبدو أنها متفهمة لشيء يكبر عمرها الصغير هذا , ظلوا سائرين هكذا لمدة نصف ساعة تقريبا , ثم وصلوا لتل مرتفع قليلا , وقف (ياكو) و (تاكامي) , و استدارا إليهم و قال (ياكو) :

-هنا سنتوقف , حيث القرية توجد أمامنا مباشرة ...
قالها و التفت للأمام , و أشار باصبعه السبابة نحو السهل الواقع أمام هذا التل الصغير , لم يكن هناك أي شيء على الإطلاق , لكن عند هبوب رياح , كان يخيل للجميع و كأنه هناك حائط وهمي من ستائر يتموج تحت تأثير الرياح , كان الكل مندهش سوى (رانمارو) , فقد رأى مثل هذا الموقف عندما حارب من أجل إنقاذ (ساكورا) , في قرارة نفسه اتخذ قرار , لن تكون هذه المرة مثل سابقتها , هكذا قرر , هكذا وضع حياته , و آماله , و طموحاته , و حريته أمامه , فإما أن يفوز هنا أو لا يفوز على الإطلاق , نظر لهم وقال :
-حسنا , فلنستعد , كل فرد يتخذ موضعه الخاص به , سوف أقوم من هنا باحداث فجوة في هذا الدرع الضعيف , ما إن ندخل حتى تبدأ المعركة , لا أريد أي تشتيت , لا أريد أي اندفاع , كل ما أريده منكم هو أن يتذكر كل منكم مهمته , لا أريد منكم سوى ذلك , فلتضعوا في قلوبكم من الآن عظمة قريتنا المستقبلية , عزتها , رفعة شأنها , و لتعلموا جميعا , لا طعم للحياة بدون الفوز هنا , فإما فوز , أو موت نستحق عليه الثناء من أعدائنا قبل أصدقاءنا , هيا !
قالها و ذهب في مقدمة التل , في حين اتخذ كل منهم مكانه الخاص في التشكيل , ساد سكون تام , صمت لم يتخلله سوى صوت هبوب الرياح عليهم في هذا الارتفاع , ظلوا هكذا , ظل كل منهم يحشد قوته , يعد نفسه , (رانمارو) أخذ يتذكر صورة (ساكورا) وهي تتركه , صورة خطابها له , صورة والديه وهما يموتان , تخيل نفسه ضعيفا مذلولا يتم ركله بالأقدام من الجميع , تخيل نفسه وهو يسير في شوارع قريته الجديدة , تخيل نفسه وهو منتصر , فتح عينه , فتح باب قوته , قال :
-كاي !
صدر ضوء أحمر يحيط به بعدما قال هذه التعويذة , بعدها تحولت عصاته لتتخذ شكلها المميز مع رأس التنين في نهايتها , و جلد المعطف يغطي نصف جسده , أما (ياكو) فقد تذكر نفسه يقف أمام حطام قريته يبكي , تخيل نفسه يقف أمام (تاكامي) و (هيكارو ) و (ناجومي) مذلولا , متأسفا عما حدث , تخيل نفسه يقف ناظرا لجثث كل منهن معلقة من رقبتها مشنوقة , تخيل أنه يواجه أشباحهن يلومونه على تركهن , و عدم حمايتهن , تخيل نفسه يقف بجوار أخيه في مقدمة قريته , تخيل نفسه و هو منتصر , فتح عينه , فتح قوته و قال :
-كاي !
ظهر ضوء أبيض محمر يحيط به , ثم تحولت العصا لشكلها العادي , يبرز من نهايتها رأس نسر , و جلد معطفه يغطي ثلث جسده , أما (تاكامي) فقد أغلقت عيناها , فكرت فيما حدث لها حتى الآن , تذكرت لحظة تركها لصديقات عمرها و أخواتها في الحياة , تخيلت نفسها و هي تقتل , سمعت أصوات ضحاياها تتردد في عقلها , سمعت صوت نحيب أقاربهم يضرب رأسها بمطرقة , تخيلت منظر (هيكارو) وهي مقتولة , تخيلت كلماتها الأخيرة و هي تلومها , تخيلت نفسها و هي تقف معهن أمام مدينتهم الجديدة , تخيلت نفسها وهي منتصرة , فتحت عيناها , فتحت بوابة قوتها , و قالت :
-كاي !
ظهر ضوء أبيض شاهق , أحاط بها للحظة , بعدها اتخذت عصاتها شكلها العادي برأس تمساح يفتح فمه , و يغطي جلد معطفها ثلثي جسدها , أما (هارونا) فقد أندفعت ذكرياتها مع والدتها أمام عينها , مع شخص أحب إليها من نفسها في هذه الدنيا , لكنها تذكرت ما حدث منها دعما لكارا , تذكرت حادثة انقاذها من الموت , تخيلت (ياكو) يقف ساخرا من ضعفها , و (هيكاشي ) يرمقها بنظرة سخرية , تخيلت نفسها تقف على قبرها و قد قتلت وهي لازالت شابة , تخيلت والدتها تقف أمام قبرها وهي تضحك من بلاهتها , تخيلت نفسها تقف أمام قريتها الجديدة , و تخيلت وجه والدتها وهو يكاد ينفجر من الغيظ , تخيلت نفسها منتصرة , فتحت عينها , فتحت مكنون قوتها , وقالت :
-كاي !
طال أظفر أصبعها السبابة الأيمن قليلا , ظهر لون أزرق به بياض خفيف يحيط بها , بعدها غطى جلد معطفها ثلث جسدها , أما (تابيتو) فلم يفعل شيئا سوى قوله :
-كاي !
تحولت عصاته لشكلها المألوف , و في نهايتها رأس ملاك بجناحيه , كان المعطف يغطي كامل جسده , لونه أبيض ناصع , به خطوط بنية طولية تمتد من الأعلى للأسفل متجمعة عند أسفل المعطف في 4 نقاط , أمامية , جانبية , و خلفية , كل منه نقطة خاصة بالخطوط التي بها , أصبحت قوة الفريق جاهزة للمعركة , صمت الجميع انتظارا ل(رانمارو) , فقد وعدهم بإحداث فجوة في هذا الدرع , فإن لم ينجح في ذلك ستفشل خطتهم فورا , نظر (رانمارو) تجاه القرية , رفع عصاته , أحس و كأن الزمن قد تباطئ , أحس أن الثانية قد انقسمت لساعات , شعر بسخونة في رأسه لا يعلم سببها , سمع دقات قلبه القوية تتردد في أذنيه , رفع عصاته ووجهها نحو القرية وقال :
- كاشيرا ريون راندو !
ظهر لون أحمر خفيف في مقدمة العصاة من فم التنين المفتوح , بعدها مباشرة ظهرت نقطة سوداء في مكان الدرع الواقي , مالبثت أن كبرت , أخذت تكبر , تكبر , حتى وصلت للأرض , و بعدها فقدت شكلها الدائري و أخذت تتسع في جميع الاتجاهات بشكلها الدائري لكن نقطة التقاءها بالأرض أخذت تتسع في شكل خطي , مما جعلها و كأنها بوابة لداخل القرية , جرى الجميع بسرعة شديدة ليعبروا من هذه الفتحة , كانت هناك أصوات عالية تصدر من داخل القرية , لم يلتفت إليها أي منهم , كان أهم شيء لديهم الآن هو الدخول بسرعة و بدء المعركة قبل أن يستعد الباقي , اقتربوا من هذه البوابة , كان داخل القرية قد بدأت تتضح شيئا فشيئا ملامحه , كان يبدو و كأنهم يدخلون عصرا من عصور النهضة الأوربية , فكانت هناك في الأفق منظر لقلعة كبيرة ذات ثلاث أبراج ضخمة , و بينهم و بينها برزت عشرات المنازل , فكان يبدو الأمر و كأنها مقر للقائد , وهذه المنازل مقر لأتباعه , دخل (ياكو) أولا , كان يشكل رأس السهم للتكوين , بعد دخوله مباشرة صدر صياحه بقوله :
-هيا , فقد بدأوا يتجمعون , يبدو أنهم يحاولون تنظيم صفوفهم !
تبع (ياكو) دخول كل من (هارونا) و (رانمارو) تبعهما (تابيتو) , ثم آخر الوافدين كانت (تاكامي) , فقد حدث تعديل قرروا فيه جعلها تمسك المؤخرة منذ البداية , قرر ذلك (رانمارو) نظرا لكبر المهمة التي عليها , كما يجب أن يحموها , فهي تحتاج للتركيز في تصويبها , دخل الجميع , و أنزل ( رانمارو) عصاته , فاختفت البوابة , و عاد الدرع كما كان , وجدوا أنفسهم في داخل القرية , كانت كبيرة بالنسبة لما يبدو بالخارج , كانت هناك بالقعل قلعة ضخمة في منتصف القرية , يحيط بها عشرات المنازل التي تتنوع من أكواخ خشبية , لمباني بالطوب من طابق واحد فقط , ومن طابقين , و هناك من يحيط به حديقة , و لا يحيط به , نظروا حولهم فوجدوا أنهم محاطون بعدد يتراوح من خمسين شخصا من هذه القرية , اندفع (ياكو) يقول :
-فوبوكي جامون !
اندفعت رياح ثلجية قوية تضرب كل ما يحيط بهم من أشخاص , لكنها لم تؤثر فيهم , حيث أحاط كل منهم بهالة من طاقته الروحية , فقال (ياكو) وهو يضيق عينه :
-يبدو أن مهمتنا لن تكون سهلة اليوم !
اندفع (رانمارو) يقول :
- داجيكي هينوتا كيوكان !
أشار (رانمارو) بعصاه تجاههم , بدا الأمر و كأنها خرطوم إطفاء الحرائق , لم تختلف عنه سوى أنها تخرج نيران هائلة بدلا من المياة , كانت النيران تندفع في قوة و عنف و كأنها حقا تخرج من صنبور موجود برأس هذا التنين , أشار (رانمارو) نحو اليمين , فأصاب عشرة أشخاص موجودين هناك , اخترقت النار هالاتهم الروحية , و اندفعت تحرق جلودهم , تعالت صرخاتهم وسط هذا الليل الصامت , قال (رانمارو) وهو يقوم بتعويذته محدثا الجميع بصوت عالي :
-لا تتوانوا عن استخدام قوتكم الكاملة , يبدو أن مستواهم أقوى قليلا مما تصورناه !
هنا اندفعت (هارونا ) تقول :
-هيكيريكي تاما !
هنا تلونت طرف اظفرها بلون أزرق باهت قليلا , ثم اندفع فجأة من طرف اصبعها كرات بيضاء يخرج منها شرارات كهربية , كانت كرات رعدية و اندفعت الكرات لتصيب الأشخاص , تخترق هالاتهم الروحية , و تصيب صدورهم , و تطرحهم أرضا , ثم يموتون بعدها أو لا يتحركون من على الأرض , ظلت تصطاد الأعداء حتى نجحت في إسقاط نصف دستة منهم صرعى , و تابعت , في حين قال (ياكو) :
- واشي كين تاتسوماكي !
تلونت مقدمة عصاته بلون بني باهت قليلا , فجأة ظهرت عند المجموعة التي تقابله مباشرة إعصار لونه أحمر أو بني داكن , اندفع من السماء ضاربا الأرض برياحه التي تلف حول نفسها في عنف و سرعة , وجد الرجال أنفسهم داخل دوامة قوية لا يستطيعون الحركة منها , هنا قالت (تاكامي) :
-كاواري كاكو راندو توجي !
فجأة اختفت الرياح مرة واحدة , و كأنه تم امتصاصها , و جد الرجال أنفسهم في منتصف الهواء , لكن في الأرض أسفل منها صدر صوت تصدع رهيب , مالبث أن كشر عن أنياب صخرية مدببة من هذا المنخفض المفاجئ في هذه البقعة , صرخ الرجال و هم في رحلتهم للسقوط نحو الاسفل , امتزجت صرخاتهم بصوت اختراق الصخور القاسية لعظامهم و لحومهم , بعد لحظات اختفت أصواتهم منذرة بمغادرتهم لهذه الدنيا , حدث كل هذا في وقت واحد , و في أقل من دقيقة وجد الرجال الخمسون أنفسهم قد تقلصوا ليصبح عددهم عشرون , و ظلت زيادة نقصانهم مستمرة , لم يقفوا مكتفوي الأيدي , بالرغم من أن المفاجأة قد جمدتهم , لكن صوت أخوانهم الذين بدأوا يتدافعون على المنطقة قد أعاد فيهم روحهم السابقة , فقد وصل للمكان حوالي المائة شخص آخرين , فقالوا في نفس واحد :
- تسومي هاجاني فوراي سان !
فجأة اندفعت مئات المخالب الذئبية الحديدة ذات الأجنحة الصغيرة الطائرة نحو هذا الفريق الصغير , اتسعت عينا الجميع في هلع , فقد كان الأمر أشبه بمن يسكب قنينة حبر أسود على أعينهم , اسودت المنطقة المحيطة بهم فجأة من أعداد المخالب الكبيرة , وكانت تزداد كثافة في الظلام كلما اقتربت منهم في سرعة , لكن (رانمارو) لم يندهش مثلهم , فقد تمتم :
-أيها الحمقى , هل أنتم تتبعون نفس أسلوب كانجو , هذا جيد !
ثم قال بصوت عالي :
-كوهاكو ريون كاشيرا !
قالها فظهرت هذه النقطة السوداء مرة أخرى التي أخذت في التضخم جاذبة ما يحيط بها من مخالب طائرة نحوها , كانت أشبه بمغناطيس يجذب هذه المخالب نحوه , هنا أفاق (رانمارو) الجميع بصياحه :
-هيا لا تقفوا ساكتين , دافعوا و هاجموا , نحن أقوى منهم , هيا !
ارتجف كل منهم رجفة قصيرة , أعادت كل منهم للمعركة مرة أخرى , قال (ياكو) :
-أوندو كايجارا !
بدا الأمر و كأن الهواء المحيط بهم قد زاد سمكه وصار مرئيا , كان يبدو كزجاج سميك يحيط بهم في شكل كرة , جاءت تعويذته في الوقت المناسب , فقد استطاعت بعض المخالب الفرار من تأثير تعويذة (رانمارو) لتتجه نحوهم , اصطدمت بهذا الحاجز الخفي بقوة و عنف , صدرت شرارات نارية تنم عن عنف هذه الإصابات , لكن (ياكو) بذل ما في جهد ليحافظ على سلامة الدرع حولهم , في تلك الأثناء قالت (هارونا) :
-متسوهيكي ريكيوبي !
حدث كل شيء بسرعة , السماء الصافية هذه الليلة فجأة صارت ملبدة بالغيوم , صارت في أقل من نصف دقيقة ملبدة بغيوم سوداء , بعدها صدر صوت الرعد بضجيجه المعهود , لم يأتي بعده في عنفه سوى هذه الشرارات الزرقاء التي سقطت من السماء , كان الرعد يضرب الأرض التي تحيط بهم في عنف و قوة , ظهر تأثير ذلك جليا بانخفاض عدد المخالب دفعة واحدة , هنا أزال (ياكو) درعه و قال :
-نامي كوري إينشوكو !
بدا الأمر و كأنه هناك موجة عاتية من الثلج قد ظهرت فجأة , هذه الأرض العشبية ظهر فيها فجأة تحت تأثير تعويذة (ياكو) كميات ضخمة من الثلج , اندفعت هذه الكميات في شكل موجات متدافعة بقوة وسرعة وعنف لتدفن ما يقف في طريقها , ظل لمدة دقيقة كاملة بتعويذته حتى استطاع تغطية ما يقف أمامه بارتفاع يربو لطابق كامل , هنا توقف سيل المخالب تماما , أنهى (رانمارو) تعويذته , كما أنهى (ياكو) هو الآخر و ( هارونا) تعاويذيهما , قال (رانمارو) في حدة :
-تاكامي , هل وجدتي أي شخص بعد ؟!
ردت (تاكامي) بقولها :
-لازلت أبحث , لكن أعداد الأفراد هنا ليس بالكبير , فيبدوا أننا قد دمرنا قوتهم الكبرى , ول...
توقفت فجأة عما كانت تقوله وصاحت فجأة :
-تيريسوكوبو بيجون !
أضاء طرف عصاتها بلون أبيض من فم التسماح الموجود بنهاية عصاتها , فقد رأت شخصا مهما , قربت بهذه التعويذة مجال رؤيتها و كأنها تمسك بمنظار مقرب قوي , وجدت ضالتها و فريستها , فابتسمت وقالت :
-فوكين زيتسوماي !
في ثواني معدودة هوى الشخص التي تراه أمامها ساقطا على الأرض يمسك مكان قلبه بيده , فقط جعلت الكالسيوم الموجود بجسمه يترسب على قلبه , حتى تكلس القلب , ولم يعد تلك العضلة التي تنبض بقوة , بل صار كالعظم تماما , هنا مات هذا الشخص , رفعت رأسها لتنهي تعويذتها وهي تقول :
-لقد نجحت في قتل شخص أظن أنه رئيس عائلة هنا !
ابتسم الجميع في ارتياح , لكنها أصيبت بدهشة عارمة مما تراه أمامها , فما يوجد أمامها لا يمكن وصفه , فعلى يمينها كانت النيران مشتعلة في الأشجار القليلة الموجودة بالقرية , وعلى الأرض ترقد هناك جثث ما لا يقل عن ثلاثة عشر شخصا بجلودهم المحترقة , و أجسادهم المتفحمة , وأما على يسارها فكانت هناك تجاويف بالأرضية , كمن أمسك بمدق كبير يدق على الأرض به فترك علامات واضحة للعيان , و بجوارها افترشت الأرض أجساد عشرة من الرجال , ممدين وعلى وجوهم تعابير ألم شديد تنم عن هول ما عانوه قبيل وفاتهم من صعقات كهربية , أما المكان الأكثر تدميرا فهو ما يقبع امامهم , فهناك ارتفعت الأرض بحوالي الأربعة امتار عن مستوى الأرض التي يقفون عليها , كان سبب هذا الارتفاع هو الثلج الذي أحضره (ياكو) , كذلك كانت هناك تجاويف عنيقة لضربات البرق التي سببتها (هارونا ) , هذا بخلاف احتراق الأشجار القريبة من المكان التي قد ضربتها أصابع البرق القوية , ظلت الدهشة عارمة عليها حتى أيقظها (رانمارو) بصيحته :
-تاكامي , ابحثي عن التانشينفونو بسرعة , فقد بدأ الدرع في التقلص , و هيا جميعا لنتحرك للأمام بسرعة...
رجعت (تاكامي) تبحث عن فريستها بسرعة شديدة , فقد التفتت خلفها لترى أن الدرع قد تحرك للداخل قليلا , هذا يعني أن من بالداخل بدأوا بالتحرك كما توقعوا , أما الباقي فقد اندفعوا للداخل بسرعة , لكن ...
-يبدو أنكم أقوياء حقا , لكنكم لن تعبروا هذه البقعة , فسوف أجعل من عظامكم وجماجمكم تحف توضع في سجل قريتنا الحافل أيها الملاعين !
توقفوا جميعا , فأمامهم قد وقف ثلاثة أشخاص , يبدو أنهم الرؤساء , من هنا تبدأ المعركة الحقيقية...

يتبــــــــــــــــــــــــع......

اماريج 01-08-10 07:52 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الثامن و الثلاثون


معركة إنقاذ هيكارو (2)


توقف الجميع دفعة واحدة , كان كل ما يهمهم في هذه اللحظة هو الغوص داخل القرية بالحد الذي يجعل خطة سحب الدرع الواقي للداخل تبوء بالفشل , لكنهم فوجئوا بهؤلاء الثلاثة الذين قد اعترضوا طريقهم , كان يبدوا أنهم من قادة القرية , نظر إليهم الجميع , ثم تكلم (رانمارو) :

-افسحوا الطريق أيها الأوغاد , فأنتم لستم بند لنا !
نظر الثلاثة إلى بعضهم البعض و قهقهوا , ثم تقدم رجل يتوسطهم في المكان للأمام قليلا , ثم قال :
-أنتم لستم ند لنا , أنت تسخر منا يا هذا , نعم أعترف أنكم أقوياء , لكنكم لستم من القوة بالحد الذي يجعلكم تقفون في طريقنا , قبل أن أنسى , فلن يكون هناك وقت كافي , فبعد لحظات قليلة سوف تغادرون هذه الدنيا للأبد ...
قالها و قهقه هو ومن معه بصوت عالي , صمت فريق (رانمارو) و الجميع يكتم غضبه من هذه السخرية , تابع الرجل قائلا :
-أنا اسمي لان يانج , قائد هذه القرية , و هذا...
والتفت مشيرا بسبابته اليسرى نحو رجل على يساره يقارب سنه الأربعينيات , و شعره أبيض متداخل مع بني فاتح , و عينه لونها أسود مثل سواد الليل , وتابع :
-وهذا هو نائبي , شينغ لي , أما الأخير ...
قالها و التفت يمينا ليشير للرجل الأخير , كان يبدو أكبر سنا منهما , كان في حوالي الخمسون من العمر , شعره كان لونه أبيض من العجز على ما يبدو , و لحيته كانت طويلة نوعا ما بلون أبيض هي الأخرى مما أعطى انطباع وقورا عنه , لكنه كان يقف مهتزا , كان يبدو عليه أنه ليس بواثق من نفسه , تابع القائد قائلا :
-و هذا هو دومينج , أحد رئيسي عائلتين كبار لدينا , أما الآخر فأظن أنكم قد قتلتوه بطريقة لا أعرفها بعد ...
نظر ( رانمارو) نحو (تاكامي) كما فعل الجميع , لكنه همس بصوت لا يسمعه أعداؤه قائلا :
-تاكامي , هل تستطيعي قتل أي شخص بهذا القرب ؟!
ظهر على وجهها الحزن قليلا وهي تجيبه :
-لا , مع الأسف لابد لي من استخدام تعويذة تقريب , و هي لا تعمل بهذا القرب بالطبع ...
قال (رانمارو) وهو يلتفت لينظر نحو أعداءه :
-حسنا , فلا توجد طريقة أخرى سوى محاربتهم ...
ساد صمت مطبق كما يوجد في القبور بين الأموات بينهم , كان الجميع يحدق بالآخر , فجأة قال من أمامهم في وقت واحد :
-كاي!
نشط كل منهم عصاته , تحولت عصاة القائد لتنتهي في نهايتها برأس ثعلب يفتح فمه , أما المعطف فيغطي الجسم كله , لونه أصفر مع رسمة باللون الأبيض لرأس ثعلب و عيناه تومض بلون أبيض شاهق موجودة في مقدمة و خلف المعطف , أما نائبه (شينغ لي ) , فقد تحولت عصاته لتنتهي برأس حيوان أشبه ما يكون بالحمار الوحشي , لكنهم لم يستطيعوا تحديد ماهيته , أما معطفه الجلدي فيغطي الجسم كاملا , لونه أبيض بخطوط طولية متوازية بميل قليلا تتجه من أعلى إلى أسفل , يبدأ مثلا خط من نقطة عند الكتف الأيمن بأعلى , و ينتهي عند نقطة في مستوى الكتف الأيسر بأسفل , و هكذا يكون اتجاه باقي الخطوط , أما (دو مينج ) فقد تحولت عصاته لتنتهي برأس ذئب يفتح فمه , و معطفه يغطي كامل جسده بالطبع , لونها بني تتخلله درجات البني من البني الفاتح إلى أغمق الدرجات في تناسق جميل , و علامة العائلة على شكل ذئب يجلس على قدميه الخلفيتين و يعوي توجد في مقدمة و خلفية معطفه الجلدي هذا , نظروا جميعا تجاه (رانمارو) و رفاقه , تكلم (لان ينج) محدثا رفيقيه قائلا :
-لا تستهينوا بهم , فقد دمروا معظم رجالنا في هجوم واحد , ولم يتعرضوا إصابة واحدة , استخدموا تعويذة الاستدعاء , هيا ...
قال الرجلان الآخران في نفس واحد :
-حسنا سيدي ...
قال (رانمارو) محدثا من معه :
-احذروا جيدا , لا نريد أن تنتهي رحلتنا في هذا المكان البغيض , هيا , أروهم قوتنا , فلنستخدم أقوى تعاويذنا , لا تتردوا لحظة في استخدام أقواها , استجمعوا شجاعتكم ولا تهابوا مما سيفعلونه...
قال (لان ينج ) :
-كيتسون يوبيجو !
قال (شينغ لي) :
-يوبيجو شيموم !
قال (دو مينج ) :
-يوبيداشي أوكامي !
في لحظة صدر صوت ضجيج مزعج مع انتشار طاقة كل شخص حوله في دائرة كبرى , أخذ (لا ينج) يرتفع للأعلى تحت تأثير سحابة دخانية لونها أصفر بخطوط بيضاء طولية متوازية أما (شينغ لي) فقد ارتفع هو الآخر لأعلى تحت تأثير سحابته البيضاء ذات الخطوط السوداء الغير منتظمة التوزيع , كان (دو مينج ) يرتفع هو الآخر تحت سحابة يعرفها (رانمارو) جيدا , كان لونها بنية , كان (رانمارو) قد شك في زي (دو مينج) لكنه لم يتفحصه عن قرب مثلما حدث معه في المرة السابقة , تمتم (رانمارو) عند رؤيته لهذه السحابة وقال :
-أنت تتبع عائلة الذئب الحديدي أيها اللعين !
ضحك (دو مينج) و قال وهو لا يزال يرتفع :
-يبدو أن هؤلاء الصغار سيكونون تسلية لنا هذه الليلة ...
ظل يضحك هو و من معه حتى توقفوا عن الارتفاع , كان ارتفاع كل منهم حوالي ارتفاع عشرة طوابق , فجأة , و في لحظة واحدة , انقشعت السحب , انقشعت و كأن هناك انفجار قد حدث لها , نظر (رانمارو) ومن معه بأعين متسعة من الدهشة و الفزع , فأمامهم كان يوجد ثلاث وحوش ضخمة , كان يقف (لان ينج ) على ثعلب ضخم , لون فروه أبيض كالثلج تماما , كان عندما يتنفس تنتشر سحابة من بخار ماء أمام فمه , و كأنه يتنفس ثلجا و ليس هواءا , كان يبلغ من الضخامة حوالي عشر طوابق طولا , كان يحرك ذيله فيدمر به شجرة عملاقة هنا , أو يدمر منزلا هناك , أما (شينغ لي ) فقد ظهر واقفا على قمة حمار وحشي ضخم يماثل ضخامة وحش قائده , بينما وقف (دو مينج ) فوق ذئب ضخم ذي مخالب حديدة , لون فروته بنية اللون , لم يصدر صوت سوى قهقة هؤلاء الأوغاد فرحين بتأثير ما فعلوه على ما أسموه الصبية , فقال زعيمهم :
-هيا أيها الصغار , استسلموا , فإن آجلا أو عاجلا سوف أقتلكم بيدي , و أشارككم قواكم , و لأنهي نسل أي عائلة نبيلة يسري في دمكم , هيا أيها الضعاف العجزة ...
قالها و تابع ضحكاته , لكن داخل (رانمارو) كانت كلمة قالها هذا المعتوه قد أيقظت التنين الراقد داخله , ((أنت ضعيف عاجز )) , تخيل صوت (جنتو) يترد في عقله , اشتعل غضبا , شعر و كأنه يغلي , نظر لرفاقه و صرخ بأعلى صوته :
-ماذا بكم أيها الرفاق , هل تخليتم عن حلمنا ؟! هل تركتم طموحاتنا تذهب أدراج الرياح؟!! هل ستدعون أشخاصا ضعاف النفوس مثلهم يثنونا عما تعهدنا بالقيام به , كلا , سوف أتابع طريقي , لقد أقسمت و أنا عند هذا التل قبيل هجومنا , أقسمت على أن أقوم بواجبي , أقسمت على المضي في طريقي , حتى لو كان على حساب نفسي , فما بكم أيها الرفاق , ما بكم أيها الشجعان , أين عظمتكم , أروني همتكم ...
كانت كلماته هذه كفيلة بتحريك الصخور , شعر كل منهم بارتجافة ساخنة تسري في أنحاء جسده , تغير الحال في عيونهم أيضا , بدلا من هذه الوحوش الضخمة التي أمامهم , وجدوهم وحوش عادية , شعروا أن مهمتم ليست مستحيلة كما ظنوا , زمجر كل منهم مكشفا عن نيته على القتال , رمقهم (رانمارو) بنظرة تملؤها السعادة , فقد استطاع فريقه اجتياز حاجز الخوف , التفت نحو أعداءه , ثم قال لمن معه :
-أريدكم أن تستخدموا كامل طاقتكم , و لتعلموا شيئا واحدا ...
قالها و أدار رأسه إليهم ثم تابع :
-إنهم سوف يستخدمون الوحوش بصورة رئيسية , و هذا يعني كتل كبيرة من اللحم تتحرك بقوة , هذه هي الصورة الحقيقية , إذا تخيلتموهم هكذا ستستطيعون التغلب عليهم , هيا أروني ماذا لديكم من تعاويذ قوية...
قالها ثم استدار و أغمض عينيه , تردد صوت التنين داخله وهو يحذره قائلا بصوت جدي صارم :
((-لا تستخدم تلك التعويذة رانمارو , فأنت غير مؤهل لاستخدامها بعد , إن استخدمتها فربما تفقد حياتك , لا تستخدمها ...))
بينما قال (لان ينج ) لمن معه :
-هيا , فلنبدأ هجومنا ...
قالها و اندفع وحشه يرفع قدمه اليسرى الأمامية , ثم يهوي بها نحو (رانمارو) , فقد رأى أن هذا هو القائد , فإن استطاع أن يقتله , فقد انتصر , كان (رانمارو) لا يزال يغمض عينيه , اقتربت يد الثعلب بسرعة شديدة جدا و عنف , صرخت (هارونا )
-رانمارو !
فجأة فتح (رانمارو) عينيه , لقد صارت يد الثعلب على مسافة لا تتجاوز العشرة أمتار منه , لكن يا لرباطة جأش هذا الغلام , هكذا فكر (لان ينج) , فقد قفز في اللحظة التي فتح فيها عينيه لأعلى إلى مسافة الخمسة أمتار في الهواء , بمستوى يجعله أعلى من مستوى يد الثعلب , ثم قال :
-كاشيرا راندو !
ومضت مقدمة عصاه بلون أحمر داكن , كان يشير نحو الثعلب الذي أمامه , فجأة صدر صوت أشبه ما يكون بزئير الأسود من تحت الأرض , صاحبه ظهور تشققات و تصدع في قشرة الأرض الموجودة أسفل قدم الثعلب اليمنى الأمامية , نظر (لا ينج) لأسفل , ثم شهق من الفزع , فما خرج من تحت الأرض كانت رأس تنين عظيم جدا , يبدو أن هذه الرأس تقترب من منطقة ضعف وحشه , كانت النيران تندفع من رأس التنين , ارتفعت هذه الرأس لأعلي قليلا حتى ظهرت بداية عنق التنين , بعدها فتح التنين فمه و هوى آكلا قدم الثعلب التي بجواره , صدر صوت عالي من الثعلب دلالة على ألمه الشديد , صاحبه صوت مدوٍ لسقوط رأس التنين هذا نحو الأرض مرة أخرى و اختفاؤها بين طيات التربة , هوى الثعلب للأمام بعدما تدمرت قدمه بفعل التنين هذا , فسارع (رانمارو) بقوله في أثناء حدوث كل هذا:
-ريون تسوباسا !
أضاءت مقدمة عصاته بلون أحمر خفيف , صاحبه ظهور سحابة ضخمة حمراء , سرعان ما تكشفت هذه السحابة لتظهر جناح ضخم أحمر اللون , عندما تكون الجناح كانت رأس التنين في طريقها نحو الارض بعد أداء ما عليها , كان هو أيضا في طريقه نحو الأرض , فأمسك بعصاته بكلتا يديه و أرجعها لما خلف ظهره , بدا الأمر و كأنه يمسك بسيف ضخم ينتوي به قطع يد الثعلب الأخرى , فهم ( دو مينج ) ما انتواه (رانمارو) فصرخ :
-وهل تظن أنني سأدعك تفعل ما يحلو لك , هيا عزيزي !
قالها فرفع الذئب رجله اليمنى الأمامية و اندفع بمخالبه الحديدة الضخمة نحو (رانمارو) الذي كان في منتصف قفزته يحاول أن يقطع رجل الثعلب الثانية , صرخت (تاكامي) :
وهل تعتقد أنه يحارب بمفرده , أنت تسهتين بنا ...بوتوكاي سيباكو !
ومض طرف عصاتها بلون أبيض , كانت تشير بها نحو قدم الذئب المندفعة في قوة نحو (رانمارو) , اتسعت عينا (دو مينج) من الدهشة و الفزع , فهناك , و في منتصف قدم الذئب , تكونت كرة بنية اللون تمر ساق الذئب من خلالها , يبدو من شكلها الخارجي أنها صخور قاسية صلبة , تعالى صوت ذئبه في هذه اللحظة من الألم الشديد , كان لا يعرف ماذا فعلته (تاكامي) بذئبه , لكن كل ما حدث هو أن ذئبه قد أوقف تقدم قدمه تجاه (رانمارو) , و أخذ يعوي بصوت مرتفع , أما (رانمارو) فقد اقترب من قدم الثعلب في خلال كل هذا , صرخ وهو يلوح بعصاته من الخلف للأمام بقوة :
-ذق قوتي أيها اللعين ...!
اصطدم الجناح بقدم الثعلب , صدرت شرارات نارية كثيرة دلالة على عنف التصادم , لكن غاص الجناح قليلا لأسفل دلالة على قطعه لقدم هذا الوحش , صدر صوت الثعلب مرة أخرى عاليا من الألم , لم تمر ثانيتين حتى اجتاز (رانمارو) قدم الثعلب قاطعا إياها إلى قطعتين , سحب الثعلب ما تبقى من قدمه بسرعة , و جلس على قائمتيه الخلفيتين , و عيناه تومض بلون أبيض غريب , وصل (رانمارو) للأرض و التفت نحو الذئب , فوجد أن كرة الصخور هذه قد استطاعت هي الأخرى تحطيم قدم الذئب , فسحب الذئب قدمه و جلس على قائمتيه هو الآخر , هنا فهم أعداؤهم قوتهم الحقيقية , فقد استطاعوا صد هجومهم , و في نفس الوقت استطاعوا إلحاق خسائر بهم , في حين اكتسب فريق (رانمارو) ثقة عالية , نظر (رانمارو) نحو (تاكامي) و ابتسم مشجعا إياها على ما فعلته , ثم التفت نحو العدو , صرخ (لان ينج ) :
-أنت تستهزئ بنا , سأريك مقدار قوتنا أيها المغرور...بوفوكوري !
فجأة تحول الجو حولهم لعاصفة قوية , أخذت رياح ثلجية قارصة البرودة تهب عليهم , كانت تشبه إلى حد بعيد تعويذة (ياكو) الذي صرخ :
-هذه تشبه تعويذتي , لكنها أقل منها في القوة أيها اللعين ...
تابع (لان ينج ) قائلا :
-أميشيمياكو كوري !
فجأة تحول الثلج الذي يحيط بهم وسط هذا الهواء إلى شوكات مدببة من الثلج تتجه كلها ناحيتهم , صرخ (شينغ لي) :
-شيموما بونكيسن !
تحولت الرياح هذه المرة لتتجسم و تتركز لتأخذ شكل رماح مسننة تتجه ناحيتهم هي الأخرى , كانت تبدو أنها تعويذة مركبة , كان الخطر يكمن في أن الرماح الهوائية و الشوكات الثلجية كانت تحيط بهم من جميع الجهات , كصائد أحاط بفريسته وأوقعها في شباكه , قهقه (لان ينج ) من هذا المنظر و قال :
-والآن لنرى كيف ستخرجون من هذه الورطة , هيا !
قالها و أشار بخفض عصاته كما فعل بعده (شينغ لي ) , فاندفع الخطر تجاههم , فصرخت (تاكامي) :
-بوتوكاي ايشي !
تكونت كرة بنية اللون تحيط بهم في كل اتجاه في لحظة مناسبة سبقت ارتطام هذه الأجسام المدببة بهذه الكرة الصخرية , فتكسرت تحت تأثير الاصطدام , وإن لم يمنع تكوين فجوات ضخمة في هذه الصخور كاشفة عمن يوجد بداخلها , تنهد الجميع في ارتياح لما فعلته (تاكامي) لكن ...
-لقد وقعتم في الفخ أيها البلهاء ...!
صدر هذا الصوت مع وجود جسم ضخم يطير فوقهم قافزا في الهواء يغطي الفتحة الكبيرة الموجودة بقمة الكرة , لقد كان وحش (شينغ لي) الحمار الوحشي يقفز لأعلي , كان يبدو أنه سيهوي بقدمه بكل ثقله عليهم , لم يكن هناك وقت أو مكان مناسب كي يتفادوا هذه الهجمة المباغتة , هنا صرخت (هارونا ) :
-هيا ياكو و رانمارو , تعويذتنا المركبة أسرعا ...
-حسنا ...
قالها ياكو , و رفع عصاته و صرخ :
-نامي إينشوكو !
فجأة اندفع سيل عارم من الثلج مصطدما بالحمار الوحشي في منتصف جسده تقريبا , دافعا إياه للأمام , مما أبعده عن فتحة الكرة الصخرية , في اللحظة التالية صرخ رانمارو :
-كومو جيازا !
هنا أسودت السماء بلون أسمر نتيجة تجميع سحب كثيفة أعلى منهم , بدا الأمر و كأنها تعويذة لسقوط المطر على ما يبدو , لكن في اللحظة التالية مباشرة صرخت (هارونا ) وهي ترفع عصاتها لأعلى بحدة :
-إيكازوتشي كابي !
فجأة غمر المكان كله ضوء أبيض باهر , رفع كل منهم يده واضعا إياها على عينه إتقاءا لهذا الضوء , بعده بأقل من ثانية أحس كل منهم و كأن أذنه قد أصابها الصمم من علو صوت شديد , كان صوت رعد , لكنه ليس كالرعد العادي , كان يبدو أنه يوجد شيء غريب بالخارج , سكن كل شيء بعد ثانتين من حدوثه , فتح كل منهم عينه , وأزال يديه من على أذنيه , أزالت (تاكامي) تعويذتها , ثم اتجهت تنظر برعب لما أمامها , فأمامها صدر صوت ارتطام عالي جدا , اتسعت عيناها كما اتسعت عينا الجميع من رفاقها و عدويها الآخران من الدهشة , فهناك , قد انقسم جسد الحمار الوحشي إلى نصفين , كما أن الأرضية يبدو و كأن أحد ما قد قام بحفر خطا عريضا عميقا فيها , كان الدخان لا يزال يتصاعد من هذه الفجوة , وكذلك من جزئي الحمار , أما (شينغ لي) فقد سقط من على نصف حيوانه الأمامي متجها نحو الأرض , يبدو أنه قد أصيب بإصابة بالغة , اندفع شبح أسود فجأة اختطفه قبيل ارتطامه بالأرض , نظر الجميع نحو (لان ينغ) , فقد قام بسرعة شديدة في التقاطه و ذهب به نحو رأس وحشه , وضعه برفق وهو يقول له :
-آسف يا أخي لقد خذلتك , كنت أفضل أن أموت على يد آخرين أقوى منهم , لكن يبدو أنني قد استهنت بقوتهم كما نبهتني , أنا آس...
لم يكمل حديثه , حيث صدر صوت حشرجة قوية منه صاحبتها ارتجافات قوية لجسده ثم سكن كل شيء , كان يبدو أنه قد فارق الحياة , نظر إليه القائد بصمت حزين , ثم وقف و استدار نحو (رانمارو) و رفاقه , صرخ قائلا :
-سأنتقم منكم و أقتلكم , لن أترك واحد منكم حي , و سأعذبكم قبل أن أقتلكم , هيا يا دو مينج , فلننهي هذه الليلة و ندمر كل شيء على رؤوسهم ...
قالها ثم رفع عصاته , و ومض جسده بلون أصفر ثم قال :
-هيوكيتسو !
و أشار بعصاته نحو الجميع , شعر الكل فجأة كأن هناك يد خفية تمسك كل منهم في مكانه و تثبته , لم يعد أحد قادر حتى على رمش جفنيه , كانت تعويذة تجميد , صرخ (دو مينج) قائلا وهو يرفع عصاته :
-هوسوبيكي هاجاني !
ومضت طرف عصاته بلون بني , فجأة اندفعت حبال حديدة من حولهم , كانت أعدادها تقريبا ضعف عددهم , انطلقت الحبال من الأرض نحو السماء , ثم انحنت في سيرها لتتجه نحو الأرض مرة أخرى , حاول الجميع الحراك لكن قبضة (لان ينغ ) عليهم كانت قوية بالفعل , اقتربت الأسياخ الحديدة من كل فرد منهم , حاولوا حتى الصراخ لم يستطيعوا , حاولوا اتساع أعينهم من الفزع فلم يقدروا , هنا تردد صوت الوحش داخل (رانمارو) مرة أخرى :
((-لا تستخدم هذه التعويذة , إنها خطيرة ))

اماريج 01-08-10 07:54 PM

في داخله لم يبالي بما قاله الوحش له , لكنه أخذ يجمع ما تبقى له من طاقة روحية , أخذ يقوي طاقته الروحية , بدا للجميع أن هناك شيء غريب يحدث له , فما حوله مباشرة أصبح يصطبغ بلون أحمر ناري , أما ما يحيط به ويجمده مانعا ايها من الحركة فقد صار لونه بني , صار كحاجز خفي يموج على سطح ماء قد حانت لحظة غليانه , أصبح سطحه يتموج بعنف أكثر و أكثر , جز (لان ينغ) على أسنانه أكثر و أكثر مقاوما رغبة (رانمارو) في الافلات , حاول الجميع تقليد (رانمارو) , لكنهم كانوا يدركون أن طاقتهم لن تكفي لتحريرهم , لكنهم سيخففون من وطأة الضغط على (رانمارو) مما يجعله يتحرر , في نفس الوقت أخذت الأسياخ الحديدية تقترب منهم , بالفعل حدث تشتيت لقوى (لان ينغ) , فصار ضغطه على (رانمارو) أضعف من ذي قبل , فازداد التموج و التذبذب على سطح حاجزه التجميدي هذا , و ابتعد شيئا فشيئا عن جسد (رانمارو) , عند لحظة معينة , انفجر هذا الدرع , كان (رانمارو) كطير خرج من قفصه , ارتفعت طاقته الروحية إلى أعلى بشدة , كان كخيط ناري أحمر , قبل أن يلتقط أنفاسه صدر صوت صراخ عالي ...
-آآآآآآآآه , قدمي !
التفت (رانمارو) نحو أخيه , فوجد أنه قد تأخر , فالأسياخ قد شقت طريقها خلال قدميه عند ركبته مسببة آلام رهيبة له , كان حظ أخيه عاثرا فقد كان هو رأس السهم , هنا تلونت عين (رانمارو) بضوء أحمر , بدت و كأنها تشتعل مع جسده , ازدادت كثافة الطاقة الخارجة منه فجأة , صار لونها أقرب للحمم البركانية منها للنار العادية , رفع عصاته في لحظة وقال :
-ريون كيشي !
فجأة تحولت طاقته التي كانت تندفع نحو أعلى لتخرج من عصاته مندفعة منها و كأنه قد تم شفطها بواسطتها , صدر صوت صهيل خيل من وسط هذا الدخان الكثيف , فجأة اندفع شبح سريع نحو الحبال , لم يستطع أي شخص رؤية ما قد فعله (رانمارو) , كل ما أدركوه هو صوت معدني ناتج عن اصطدام قطعتي حديد ببعضهما , مع صدور شرارات نارية من كل سيخ واحد تلو الآخر يجذب أعينهم لينظروا لكل سيخ منهم وهو يسقط واحد تلو الآخر , لم تستغرق جولة ما قد أحضره (رانمارو) أقل من ثانية واحدة , لم يدرك أي من الموجودين ما قد أحضره (رانمارو) , صرخ فيه (رانمارو) :
-اهجم على الثعلب !
لم يدرك أي من الموجودين ماذا يقصد بقوله , لكن في اللحظة التالية صدر صوت الثعلب عاليا مدويا في هذا الليل , لقد انطلقت شرارات نارية ضخمة , بدأت من عند عنقه , محدثة تجويف يتجه نحو ذيله , نظر الجميع نحو ما يسبب ذلك , لكن لم يظهر شيء ممن قام هذا الهجوم , فقد غطس داخل الثعلب و اختفى , ظل صراخ الثعلب عاليا حتى فجأة صمت مرة واحدة , وهوى ساقطا على جنبه الأيسر , قفز (لان ينج) غير مصدقا لما يحدث , ففي ثانية واحدة , و قبل أن يدمروا عدوهما , فقد حدث هذا الهجوم المضاد الرهيب , قبل أن يصل إلى الأرض , خرج شيء ما بقوة و سرعة و كأنه سهم قد انطلق من قوسه من ذيل الثعلب , ظهر هذا الشيء عندما أصبح في الهواء , كانت صورته بديعة , فقد استدار وهو في الهواء , كان كل من ينظر إليه يرى خلفه القمر مكتملا , فظهرت ملامحه , كان فرسا ضخما , أحمر اللون , يغطي جسده ثياب مزركشة متباينة الألوان من الأحمر و البني و الأزرق و الأبيض في تناسق جميل , كانت هناك رسمة العائلة لتنين ضخم ذي عينين ناريتين ينفث نارا مرسومة على جانبي ثيابه , أما عيناه فكانت تموض بضوء أحمر , ليس أحمرا عاديا , بل أحمرا يشعر من يراه و كأنه ينبض بالحياة , كياقوتة موضوعة في هذا الفرس الجميل , أما فارسه فكان ضخم الجثة , يلبس عباءة طويلة تصل حتى مستوى أعلى من مستوى قدم الفرس بقليل , كانت العباءة لونها أحمر دموي مع رسمة التنين في المقدمة و الخلف , أما وجه الفارس فكان جمجمة مشتعلة بالنيران , يمسك بشيء بيده اليمنى يشبه إلى حد كبير بالرمح لكنه ليس رمحا , فالنصل طويل جدا يصل إلي نحو ثلث هذه الأداة الغريبة , و هو سميك , و يبدو و كأنه مصنوع من الياقوت , تمتد عصاة حديدية طويلة من نهاية هذا النصل الغريب نحو أسفل, أما يده اليسرى فقد كانت تمسك درعا سميكا جدا و يبدو أنه ثقيل للغاية لكنه يرفعه و كأنه لعبة في يده , كان لونه أحمر أيضا مع وجود رسمة التنين الناري منقوشة على صدر هذا الدرع , و يلبس قبعة حمراء بها ريشة من جناح التنين , بالطبع كانت غريبة على الجميع سوى (رانمارو) , شهق (لان ينج ) عند رؤيته لهذا الفارس الأسطوري , تمتم :
-لقد استدعيت فارسك الأسطوري ...
لم يكمل , حيث في أقل من ثانية اندفع الفارس من الهواء نحوه , جحظت عيناه من الألم و الدهشة , تناثرت قطرات دموية على الأرض من جراء دخول النصل داخل صدره , سحب الفارس النصل بسلاسة وسرعة كما أدخله , ظلت عينا القائد جاحظة , وجسده يرتعش حتى خر ساقطا أرضا على وجهه , و لم يتحرك من بعد ذلك , أما الفارس فقد نظر نحو آخر عدو , فقال (دو مينج ) بصرخة عالية :
-توجي هاجاني !
فجأة ظهرت كرة حديدة ضخمة ذات أشواك حديدة تبرز منها , ثم استدارت هذه الكرة و هي متجهة نحو الفارس الغامض , كانت تدور حول نفسها في سرعة متزايدة لتضيف إلى قوتها تدميرا فوق تدمير , اقتربت من الفارس في سرعة , كل ما فعله الفارس هو شيء بسيط للغاية , رجع يده اليمنى الممسكة بسلاحه الضخم للخلف , ثم دفعها للأمام , كان يبدو أنه كمن يغرس شوكة في قطعة جبنة صغيرة و يرفعها , فقد اخترق سلاحه هذه الكرة في سلاسة , و كأنها كرة من المطاط وليس من حديد , ثم رفع الفارس يده فتوقفت الكرة عن الدوران , و ارتفعت لأعلي مستجيبة لرغبة الفارس , فجأة اختفى الفارس من مكانه , لكنه في نفس اللحظة ظهر أمام العدو الأخير , رفع يده اليمني عاليا , ثم أخفضها , سقط سلاحه الممسك بالكرة المدببة على (دو مينج ) , لم يظهر ما حدث من هذا الارتفاع الذي كان عليه (دو مينج ) , لكن صرخته بصورة قاسية , وسقوطه من على رأس وحشه , و اختفاء وحشه من المكان كان أكبر دلالة على نجاح (رانمارو) في التغلب عليهم جميعا , فجأة أصبح الفارس أمام (رانمارو) , ترجل عن فرسه , ثم أمسك لجامه بيده اليسرى تاركا درعه يستند على الفرس ثم قال بصوت عميق و كأنه يأتي من أعمق كهوف الأرض :
-أرجو أن تسمح لي سيدي باقتناء هذه الغنيمة !
قالها و ركع على قدميه و رفع سلاحه بكلتا يديه وهو يخفض رأسه و يمسك السلاح بشكل يجعله يستريح طوليا في يديه , كان يريد أن يجعل (رانمارو) هذه الكرة موجودة بسلاحه دائما , رفع (رانمارو) عصاته و قال:
-حسنا , فلقد وافقت على منحك هذه الهدية فارسي المبجل !
صدر ضوء أحمر كثيف مثل الذي كان قد تصاعد منه هذا الفارس من فوهة العصا خارجا من فم التنين , تحول هذا الضوء عند ملامسته للسلاح إلى سحابة من دخان أحمر كثيف , أخذت تحيط بالسلاح , ثم بالفارس , ثم بفرسه , حتى أحاطتهم جميعا , بعدها أخذت تنحسر السحابة راجعة إلى فم التنين و كأن العصا تقم بشفطها , استمرت عملية اختفاء الفارس الأسطوري هذا مدة نصف دقيقة كاملة , ثم ظلوا لمدة نصف دقيقة أخرى صامتين من الدهشة , بعدها انفجر (ياكو) قائلا :
-لقد فعلتها يا أخي !
قالها و ضحك وهو يجري تجاه (رانمارو) , جرى الجميع تجاهه أيضا , وهم يضحكون لانتصارهم المجيد الذي حققوه , لكن فجأة تهاوى (رانمارو) ساقطا على ظهره مرة واحدة , اتجه الجميع يهرول حتى وصلوا إليه , وجدوه شاحبا بشدة , صرخت (هارونا ) :
-تابيتو , أسرع , عالجه !
اندفع (تابيتو) من قبل أن تكمل هي و قال رافعا عصاه :
-سوكاي جوكوزي كارادا !
اندفع من عصاه ضوء أبيض أخذ يحيط (برانمارو) شيئا فشيئا حتى أحاط به , كانت تعويذة مشابهة لما فعله مع (تاكامي) , بعد أقل من دقيقة فتح عينه وقال لهم :
-إن جسمه معافى و سليم , لكن المشكلة في طاقته الروحية , إنه قد استهلك جزء كبير منها , لابد له من الراحة الآن , لابد من انهاء العملية برمتها !
-كلا !
صرخ (ياكو) مندفعا في حدة نحو الدرع الذي قد تراجع خلال معركتهم , فعزل باقي القرية عنهم , لكن الدرع ليس قويا كما كان عندما هاجموه , يبدوا أنهم قد استنفذوا طاقة القرية الروحية , سارت (تاكامي) لتقف بجوار ( ياكو) أمام الدرع , ثم سارت (هارونا ) هي الأخرى لتقف معهم مواجهين هذا الدرع , ثم قالت (هارونا ) :
-إذا رجعنا الآن فسيضيع كل ما فعلناه سدى !
فأكملت (تاكامي ) :
-لن يسامحنا أبدا عند استيقاظه إذا فعلنا هذا !
ثم تابع (ياكو ) :
-نحن فريق واحد , لا نتأثر بغياب واحد مننا ...
قال (تابيتو ) :
-أنا مقدر لمشاعركم هذه , لكن هل يقول لي أحد كيف ستعبرون هذا الحاجز ؟!
لم ينظر إليه أحد , بل قال (ياكو) :
-سأقوم أنا بها , لكني بعدها لن أقدر على المواصلة معكما , كما لن أستطيع في الحفاظ على الفتحة إلا لثواني معدودة , فيجب أن تعبروا منها بأقصى سرعة , هل أنتما موافقتان ؟!
نظرا إليه , ثم أومئا برأسيهما دلالة على الموافقة , أغمض (ياكو) عينيه , أخذ يستجمع كل ما تبقى من قوة داخله , تذكر ألمه عندما أصيب , تذكر علاج (تابيتو) الفوري له , تذكر استبسال (رانمارو) في القتال , تذكر منظر سقوطه على أرض المعركة , استجمع كل ما بداخله من قوة باقية ثم فتح عينه و قال :
-واشي كين فوكومي اسشوكو جينشو مارو !
كانت تلك هي تعويذة المنخفض الجوي التي قد استخدمها (رانمارو) من قبل في معركته مع (كانجو) , تلونت مقدمة عصاته بلون أبيض خفيف ثم تكونت نقطة سوداء على سطع الدرع , أخذت تكبر قليلا فقليلا , و تشفط كل ما يحيط بها من طاقة الدرع , ظلت الدائرة تكبر و تكبر حتى استطاع تكوين ثغرة في منتصف الدرع , كانت عالية و صغيرة , صرخ فيهم قائلا :
-هيا أسرعوا , فأنا لن أستطيع الصمود أكثر من هذا الوقت !
كان يبدو الأمر بالنسبة (لتاكامي) مستحيلا , فقد كان يجب عليهما أن يقفزا مسافة تربو على الأربعة طوابق للمرور عبر فتحة ضيقة لا تسمح سوى بمرور كل منهما تقريبا , قبل أن تقول شيئا صاحت (هارونا ) :
-ماسوجو شوياكو !
فجأة شعرت (تاكامي) بمن يحيط بها في سرعة , وقبل أن تدرك ما حدث وجدت (هارونا) تحيط بها بذراعها الأيسر و قد أصبحا على نفس ارتفاع الفتحة , لكنها بدأت في الصغر شيئا فشيئا , كان يبدو أن مقاومة (ياكو) قد بدأت في الانهيار , قالت (هارونا ) :
-سينكو !
فجأة وجدت نفسها داخل القرية , لم تدرك ماذا حدث , كل ما أدركته هو خيال أسود يعبر من جانبها , بعدها أدركت أنها هي و (هارونا ) من تحرك بسرعة و ليس شيئا آخر , عندما صاروا داخل القرية , اختفت الثغرة , و اختفت النقطة السوداء , كان يبدو أن (ياكو) قد أنهى تعويذته , استدارت (تاكامي) نحو (هارونا) و أرادت أن تقول لها شيئا لكن الأخيرة قطعت ما كان يجول في خاطرها بقولها :
-ماسوجو شوياكو !
في أقل من لحظة وجدت نفسها تقف على الأرض ثانية , تركتها (هارونا) , فاستدارت (تاكامي) تحملق فيها و هي تقول :
-هل تعرفين استخدام القفزات الفلاشية ؟!
ابتسمت (هارونا) ثم استدارت وهي لم ترد عليها , نظرت نحو (ياكو) و لوحت له , فلوح لها متمنيا لهما النصر بتكوينه علامة (v) بيده اليسرى , ابتسما ثم ذهبا يتوغلان داخل القرية , ليكملا ما قد بدأه (رانمارو) , في تلك اللحظة بدأ ضوء جميل يسطع في السماء , و قرص ذهبي بدأ رحلته للظهور مرة ثانية ليكرر رحلته التي يقوم بها كل نهار , و يكون آخر شاهد على ما سيحدث في هذه القرية الصينية .

يتبـــــــــــــــــــــــع................

اماريج 01-08-10 07:57 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل التاسع و الثلاثون


بدء البحث عن الكويو


((-لقد قلت لك مسبقا لا تستخدم تعويذة بمثل تلك القوة , لكنك لم تسمع نصائحي ...

-لا تخبرني بما هو في مصلحتي على حساب أهدافي
-عزيزي رانمارو , ما تقوله غير منطقي , فإذا مت أنت من سيحقق أهدافك إذا ؟!
-ولكني إذا خسرت المعركة لن أستطيع الوقوف مجددا !
-لا تضع مثل هذه الخرافات في عقلك و تدعها تسيطر على طريقة تفكيرك , انظر عزيزي , معركتك هذه لم تكن معركة ضخمة مؤثرة في تاريخ الحرب , بل كانت معركة كبرى و حسب...
-ماذا تعني بهذا ؟!
-أريد أن أنبهك لأمر غاية في الخطورة , ربما نخسر معركة كي نفوز بالحرب , و ربما نفوز بمعركة فتخسرنا الحرب , لا تجعل نظرك ضيق محدودا عزيزي , فانظر أمامك حيث توجد نهاية الحرب ,و قرر , إذا كانت هذه المعركة مصيرية فعندها يجب أن تستخدم قوتك كاملة , أما إذا لم تكن مصيرية , و هي مجرد معركة كبرى و فقط , عندئذ الانسحاب بأقل الخسائر يعتبر في حد ذاته نصر , فلا تقلل من قيمة ما تحققه من خسائر للعدو , لكن لا تدمر نفسك في معركة لا ترقى لمستوى المعارك المصيرية , هل استوعبت ما قلته لك للتو؟!
-نعم , حسنا سأراعي هذا في المستقبل , و الآن هل ستدربني على تعويذة جديدة ؟!
-كلا ليس الآن ! ))
-رانمارو!
صرخت (هارونا) بهذا عندما فتح عينيه , تجمع حوله أشخاص كثيرون , لم يدرك في البداية ماذا كان يحدث له , لكنه سرعان ما استوعب الموقف , كان يرقد على فراش في حجرة يبدو أنها في فندق لأنها صغيرة نسبيا و ضيقة نوعا ما , كان يحيط به كل ما يعرفه من أصدقاء فريقه , لكن هناك شخصيتان غير مألوفتان بالنسبة له , ظل لمدة تقارب الدقيقة كاملة لا يدرك من هما , بالطبع الجميع كان يسأله عن صحته وعما يشعر الآن , لكنه لم يكن يسمعهما جيدا , ربما لأنه لايزال مريضا , ربما , أو ربما لأنهم يتكلمون مع بعضهم البعض , ربما أيضا , فجأة تذكر كل شيء دفعة واحدة , كمياه نهر محجوزة وراء سد ضخم و فجأة تم إزالة هذا السد , انفجر سيل المعلومات في عقله بعنف , تذكر كل ماحدث ليلة الهجوم على القرية , اتسعت عيناه وهو يقول :
-من منكما هيكارو , و من ناجومي ؟!
ضحك الجميع على سؤال (رانمارو) , قالت فتاة تبلغ من العمر حوالي الخامسة عشر , و شعرها مسترسل على ظهرها أصفرا ذهبيا , ناعما وجميلا ذات عيون خضراء جذابة :
-أنا هيكارو ...
قالتها و أمسكت يده و قبلتها في خنوع و احترام وسط دهشة الجميع , بللت دموعها يد (رانمارو) الذي كان مندهشا مثل الجميع وهي لاتزال منحنية عليها وتقول :
-لا أعرف ماذا أقول لك , لا أدري كيف أعبر لك عما في داخلي , لكنك قد أنقذت حياتي معرضا حياتك للخطر , قد أنقذتني من جحيم جاعلا نفسك عرضة للموت و الهلاك , صدقني , أنا أريد أن أكون أداة في يدك , سأكون في أشد سعادتي أن أموت تحت خدمتك سيدي , أنا أوافق و بكل شرف و فخر لي على أن أكون مع فريقك لبناء قرية الريح البيضاء أيها العظيم رانمارو !
ظل الجميع لمدة تربو على نصف دقيقة صامتين من الدهشة , متجمدين بدون حراك أو تفكير على الاطلاق , حتى أدرك (رانمارو) ما قالته , فسحب يده على الفور , و رفع بيده الأخرى وجهها و نظر يتأملها في رقة وقال لها :
-لا تشكريني على دين أقوم برده إليكم جميعا , فأنا السبب بشكل أو بآخر في تدمير قريتنا , و لهذا السبب لابد لي من دفع هذه الديون عن كاهلي , و أنت بالطبع مرحبة بكي معنا في قريتنا الصغيرة !
قالها و ابتسم , فابتسمت هي الأخرى وسط دموعها , ثم التفت للفتاة الأخرى , كان عمرها في حوالي السادسة عشر , كان شعرها أسودا طويلا ناعم مثل (هيكارو) , عيناها لونها أزرق , و رموشها كثيفة قليلا , مما زاد على جمال عينيها , قال لها (رانمارو) :
-أنت ناجومي أليس كذلك ؟!
نظرت إليه في برود واضح ثم قالت في جفاء :
-نعم , أنا ناجومي , لكني لا أرى سببا في تبجيلك إلى هذه الدرجة , فأبواك هما اللذان دمرا قريتنا , و شردا أهلها , و لابد لك من دفع ثمن هذا الخطأ الكبير , لا أن نبجلك , أنا عكس هيكارو , أبغضك , وأبغض عائلتك الكريهة هذه , لكنني في الوقت نفسه لا أستطيع مقاومة الرغبة في العيش داخل قريتنا مرة ثانية , لهذا فسأقبل الانضمام للفريق رغم بغضي لك !
كانت كلماتها الجوفاء محل إنتقاد من الجميع , كانت الهمهمة عالية , و صوتها بدأ يرتفع قليلا فقليلا , لكن (رانمارو) أسرع بإخماد كل هذا قائلا :
-وأنا لا أريد منك حب أو تبجيل , أنا أبحث عن الحقيقة التي حدثت منذ مدة تربو على أربعة عشر عاما مضت , كما أبحث عن حريتي و برائتي أنا أيضا , و يسعدني أن تكوني في الفريق مادمتي ستلتزمين بقواعده و بواجباته !
صمت الجميع ناظرا نحو (ناجومي) , كان (رانمارو) قد ضغط على حروف كلماته في جملته الأخيرة , صمتت قليلا ثم قالت :
-أنا أوافق على الالتزام بالقواعد و القوانين الخاصة بالفريق , لكني لازلت أكر...
قاطعها (رانمارو) بقوله بصوت مرتفع :
-أنا لا يهمني كونك تحبيني أو تبغضيني , مادمتي ستعملي من أجل الفريق فمرحب بكي معنا !
صمت الجميع تحت تأثير ما حدث , لكن تجاوز (رانمارو) هذا التوتر بقوله مسرعا ل (تاكامي) :
-هل هذه الثلجية ملتزمة في مواعيدها ؟
كان ذكر اسمها كفيلا بإحداث صدمة للفتاتين الجديدتين ,اتسعت عيناهما وهما يرمقان (رانمارو) وكيفية نطقه لاسمه الثلجية بتلك البساطة , اسم أقوى إمرأة في عالمهم , و رئيسة منظمة من أقوى منظمات العالم , رئيسة كارا , ردت (تاكامي) بصوت أقل ثقة من نبرة (رانمارو) قائلة :
-بالطبع من هو في مثل مكانتها لابد و أن يحافظ على مواعيده دقيقة , لكن ما العمل , أمامنا أقل من أسبوع قبل ميعادها ؟!
-ما علاقة تلك الشريرة بنا ؟!
صرخت (هيكارو ) بفزع و عينها متسعة من الخوف , فسارعت (هارونا) تقول لها :
-هذه اللعينة قد وجدت مكاننا , و تريد أن تجعلنا طعما تصطاد به شخصا تقول أنه هو من أوقع بقريتنا وليست منظمة كارا , و هي تقول أنه يبغض رانمارو كثيرا , ولذلك فهي تريدنا أن نكون طعما له , و تريد أن تضع معنا شخصا يظل يراقبنا في تحركاتنا , ونحن لا نجد طريقة لنتفادى لقاءها حتى الآن !
-لا بل توجد طريقة سهلة لتجنب كل هذا , لماذا نتعب أنفسنا في التفكير بشخص قد ساهم على تدمير قريتنا , لماذا لا نجعل رانمارو طعما فعلا و نستريح من كل هذا العناء ...!!
حتى هنا لم يكن أحد قد عارضها بصوت عالي , لكن عند قولها هنا وقف الجميع أمامها , صاحت (هارونا ) فيها :
-لا أسمح لكي بما قلتيه عنه , فهو عطوف و حنون , هو من جمعنا هنا , و هو صاحب الفكرة من الأساس , كيف تقولين هذا عنه ؟!
بينما صاحت (تاكامي) فيها :
-ماذا حدث لكي ناجومي ؟! أنتي لم تكوني هكذا من قل ؟
تحولت (ناجومي) لتنظر محملقة في (تاكامي) , قال (رانمارو) بصوت عالي ليصمت الجميع:
-من يرد أن ينفذ شيئا يتعلق بمستقبل القرية فسوف نلجأ للأصوات ...
قالها ثم التفت ينظر ل(ناجومي) ثم قال لها :
-ويبدو جليا لمن لا يرى أنكي الصوت الوحيد هنا الموافق على هذا , لهذا أرجو أن تحتفظي برأيك هذا لنفسك !
-لكن ليس هناك من سبيل آخر سوى هذا !
قالتها في تحدٍ , فصدر صوت خفيض بجانب (رانمارو) , فالتفت الجميع إليه , فوجدوا (هيكارو) وقد احمرت وجنتها خجلة من نظر الجميع إليها , قالت بصوت خفيض و هي تحملق في الأرض و تشبك يديها الاثنتين معا :
-بل توجد طريقة أخرى , يمكنني أن أقوم بعمل تعويذة درع تمويهية , و هذه تعويذة قوية لكنها ستحمينا مادمنا في إطار الدائرة التي سأكون أنا منتصفها , و بهذا إذا بقى ... أعني أن رانمارو إذا ظل في إطار التعويذة فلن تستطيع الثلجية إيجادنا , و بالتالي نؤجل خطر مواجهتها !
صدر صوت ارتياح من الجميع , قال لها (رانمارو) :
-شكرا عزيزتي , فلقد وجدتي حلا لأعقد مشاكلنا الحالية , لا أعرف ماذا أقول لكي ؟!
زاد احمرار وجنتي (هيكارو) بشدة حتى أنها لم تستطع أن ترد على (رانمارو) , ضحكت (تاكامي) و قالت :
-يالك من طفلة صغيرة , ألا زال هذا الداء ملازما لكي ؟ ألم أقل لكي أن تثقي بنفسك و ألا تستسلمي لهذا الخجل الشديد !
نظرت (هيكارو) إليها و ظلت صامتة , لكن في عينها كانت هناك دمعة تحاول أن تجد لنفسها مخرجا من مقلتيها , فسارع (ياكو) قائلا :
-لا نقصد أن نجرح مشاعرك , نحن جميعا أخوة هنا , و نخاف على مشاعر بعضنا البعض!
قال كلماته الأخيرة و هو يضغط عليها و ينظر تجاه (ناجومي) التي ضيقت عينها وهي تحدق به , أنهى (رانمارو) كالعادة الصراع البارد هذا بقوله :
-والآن دعونا من كل هذا النقاش , أرجو منكي أن تقومي بتعويذتك الآن , بعدها سوف نلتفت للأمر الأكثر أهمية , كيف سنجد الكويو ؟!
صدرت همهمة من حوله , فقد كانت هذه هي العقبة أمامهم الآن , قالت (هيكارو ) :
-كاي !
فتحولت للشكل المميز لها , ثم قالت :
-هيكي رودو !
فظهر ضوء أبيض خفيف , ثم سرعان ما اندفع من فوهة العصا لتحيط بكل ما يحيط بها في كرة نصف قطرها عشرة أمتار و مركزها عصاة (هيكارو) , ثم اختفى الضوء تدريجيا حتى تلاشى تماما , , نظر الجميع مسلوبين مما حدث , بعدها قال (ياكو) :
-عظيم جدا , و الآن بعدما استرحنا قليلا من عبء كارا و الثلجية , ما العمل في هذه المعضلة ؟!
صمت الجميع مرة أخرى صامتين يفكرون , لكن صدرت همهمة أخرى من جوار (رانمارو) , التفت الجميع فوجدوها (هيكارو) مرة أخرى , فتسائل (رانمارو) :
-ماذا تريدين هيكارو ؟!
صمتت قليلا وهي تحملق في الأرض ثم قالت :
-أظن أنه يمكنني أن أساعدكم في هذا الأمر !
كانت كلماتها بمثابة قنبلة , اتسعت أعينهم من الدهشة , قال لها (ياكو) محاولا أن يتأكد منها :
-هل حقا ما تقولينه ؟!
سكتت , ثم رفعت رأسها و أومأت وعلى وجهها ابتسامة واسعة , ابتسم على إثرها الجميع , فقالت :
-لا يجب أن نفرح كثيرا و بسرعة , فالتي أعرفها ربما تكون قد قتلتموها !
هنا توقف الجميع مصدوما , فما كانت تقوله لخطير , فتسائلت (تاكامي) :
-كيف لنا أن نقتلها ؟!
فردت قائلة :
-إن التي أعرفها هي من كانت معي في القرية , فهي أيضا مخطوفة من قرية أخرى , و كانت تود الهرب مثلي , فهي مدفوعة على غير إرادتها للعمل هناك , وهي لن تعارض في أن تنضم معنا !
نظر (رانمارو) تجاه (تاكامي) و سألها :
-هل قتلتيها ؟!
سكتت من الدهشة , فقد شعرت و كأنها متهمة بذلك , لكنها سرعان ما تغلبت على هذا الشعور , وردت :
-كلا , فعندما اخترقنا أنا و هارونا الجدار مرة أخرى لم نجد مقاومة تذكر , لكننا عندما وصلنا إلى القلعة وتغلبنا على الحرس الموجود فيها , جرت نحوي (هيكارو) خارجة مهرولة من داخل القلعة , أدركت حينها أن الدرع قد سقط , فركضنا جميعا بسرعة مغادرين هذا المكان , لكننا لم نلمح هذه المسئولة عن الكويو !
تنهد (ياكو) بصوت مسموع , ثم نظر تجاه (هيكارو) و قال لها :
-لا تخافي , سوف نستطيع أن نجدها ...
التفت نحو أخيه و تابع :
-ابشر أخي , لقد أوشكنا على تحقيق حلمنا !
ابتسم (ياكو) , ابتسم الجميع , كما ابتسم (رانمارو) , كلا , بل ارتسمت على وجهه شبح ابتسامة زائفة , ففي داخله كان يكمن خوف شديد من المرحلة النهائية و الكبرى في طريق حلمه , هل سينجح في الفوز في تحديه أم سيضيع كل تعبهم سدى ؟! كان هذا هو السؤال الأهم.


يتبـــــــــــــــــــــــــع...........

اماريج 01-08-10 07:58 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الأربعون


وضع أساس للقرية


لم يمضِ على رحيل (تاكامي) و (ياكو) و (تابيتو) و (ناجومي) فترة قصيرة حتى فُتح الباب , و دلف كائن صغير خفيف الظل إلى الحجرة , صدر صوت (ساكورا ) المميز قائلة :

-هل رحلوا ؟!
رفعت (هيكارو) رأسها و نظرت تجاهها ثم ابتسمت وهي تقول لها :
-نعم عزيزتي , لقد رحلوا ...
قالتها ثم اتجهت إليها , و أخذا يلعبان معا في تسلية و مرح , لكن هناك , وفي مقعد يواجه نافذة هذا الفندق المتوسط الحال جلس شاب يحملق في الأفق أمامه دون أن يتحرك من مكانه , كان (رانمارو) يفكر فيما سيحدث في المستقبل , لقد قالت له (تاكامي) أنه المسئول عن إعداد المتطلبات الأخرى للقرية , من نظام , و طريقة للدفاع , و مناصب , و مهمات , و وظائف , و أهم من هذا كله التعليم , كان (رانمارو) يظن أنها مهمة سهلة مقارنة بما مروا به , لكنه كان مخطئا تماما , فهذه هي أهم مهمة له , زفر في ضيق و قال ل(هيكارو):
-هل لديكي أي فكرة عن تنظيم القرية هيكارو ؟!
نظرت له (هيكارو) , ثم قامت من على أرضية الغرفة تاركة (ساكورا) تلهو قليلا , و جلبت مقعدا آخر و جلست بجواره , ونظرت للأفق مثله ثم قالت له :
-هل تعرف أن ما تريد تحقيقه لهدف نبيل حقا !
نظر إليها في دهشة من قولها هذا ؟, التفت إليه و ابتسمت ثم تابعت :
-نعم , هناك في القرية ثلاث أنظمة رئيسية :
-نظام الأمن
-نظام الحكم
-نظام الدفاع
بالطبع هذه الأنظمة معقدة تبعا لكبر القرية , لكني أعرف مقدار جيد عن كل منها , فبالنسبة لنظام الأمن...
قالت ذلك و هي تعود بظهرها للخلف لتستند على ظهر المقعد لتستريح أكثر , ثم تابعت :
نظام الأمن يعتمد على حفظ الأمن و النظام داخل القرية , و يترأسه قائد عائلة , و تكون باقي أفراد العائلة هي المسئولة عن حفظ النظام بالقرية ...
تسائل (رانمارو) :
-وهل يوجد مثل هذه الجرائم في عالم البشر العاديين ؟!
حملقت فيه مندهشة من سؤاله و كأنه قد قال شيئا غريبا ثم تابعت :
-نعم , بالطبع هناك جرائم مثل السرقات و القتل و التجسس , كل هذه الجرائم يجب معاقبة صاحبها , و إذا قاوم في أثناء اعتقاله يتم التعامل معه بقسوة حتى يتم القبض عليه , و الحكم على أي شخص مسئولية قائد القرية أو نائبها , أما بالنسبة لنظام الحكم فهو يتكون من القائد , و معه نائبه , ثم باقي قادة العائلات المختلفة , بالطبع هذا النظام يهدف لاتخاذ القرارات في الأمور المتعلقة بالقرية , أما نظام الدفاع فهو مسئولية شاملة و عامة لجميع من بالقرية للدفاع عنها ضد أي هجوم , هذا هو تنظيم القرية !
صمت (رانمارو) قليلا , فما كانت تقوله شيء ليس بالسهل , بالطبع كل شيء يعتمد بشكل رئيسي على وجود عائلات قوية بالمنطقة التي توجد قريته بها , نظر نحو الأفق ثم قال :
-هذه واحدة تم الانتهاء منها , فسوف يتم تأجيل البت في هذا الموضوع حين الإعلان عن القرية , لكن الآن لابد من انتقاء مكان جيد للقرية , و هذا يقع كأولى اهتماماتنا ...
قالت (هيكارو ) :
-نعم , هذا هو الأساس , فوجود قرية قوية من الأصل يعتمد بشكل كلي على العائلات التي بها , كانت قريتنا قوية لأن بها عائلات نبيلة قوية كثيرة مما أكسبها مناعة ضد أي هجوم ...
صمتا للحظات قليلة , فكر (رانمارو) في شيء خطر له على باله فطرحه كتساؤل قائلا :
-لقد أدركت أهمية الأيجو و التانشينفونو , لكن ما هي أهمية الكويو ؟!
ردت عليه (هيكارو) و هي تحملق مثله في الأفق بقولها :
-هل تعرف أن النظر للأفق يريح نفسي ؟!
التفت ناظرا نحوها في استنكار واضح , فهذه هي ثاني مرة يسألها شيئا و تبدأ إجابتها بشيء مخالف , لكنها تابعت :
-الكويو ببساطة لهم مهمة واحدة , فتح عالم السحرة على عالم الترقي الغامض ...
ردد وراءها مسحورا بكلامها :
-عالم الترقي الغامض ؟ وما هو هذا العالم ؟!
التفت إليه ثم قالت له :
-بالطبع أنت تدرك أن لكل ساحر وحش خاص به , كما أن له طاقة روحية مميزة , و كذلك معطف مميز , لكن ألم تلاحظ أن هناك سحرة أو غير سحرة المعطف فيهم يغطي الجسد كاملا ؟ بينما أنت يغطي جزء منه فقط ؟!
نظر إليها سارحا فيما قد قالته , فما قالته صحيح تماما , فمعطفه رغم كبر طاقته الروحية لم يتجاوز نصف جسده فقط , فأومأ برأسه متفهما , فتابعت قائلة :
-لأي شخص خلاف البشر العاديين وحش , و طاقة روحية , الرابط بينهما هو العصا السحرية , لا تتخيل العصا هذه مجدر عصا الخشبية , فأنت هكذا تجحف حقها و تقلل من شأنها , العصا هي تلك الفرع الخشبي من شجرة العائلة المقدسة , و المعطف الذي يكسو جسد الشخص ...!
اتسعت عينا (رانمارو) في دهشة , فهي أول مرة يدرك هذا الأمر , بالفعل المعطف يظهر عند تنشيط العصا , لكنه لم يربط بينهما , تابعت وهي سعيدة بتأثير الدهشة عليه :
-حتى يتم تكوين تعويذة لابد من اتحاد قوتين , قوة الشخص الروحية و قوة الوحش , لكن لهذه القوة حدود , فهي تعتمد على قوة الشخص و قوة الوحش معا , إذا ضعفت واحدة منهما لا تستطيع الأخرى سد هذا العجز ...
أومأ (رانمارو) برأسه متفهما , فقد كان يعرف كل هذا , فتابعت وهي متضايقة من فقدان سيطرتها عليه :
-فإذا عرفت أن الطاقة الروحية تعتمد على الشخص , فطاقة الوحش لا يمكنك اعتبارها ثابتة , فنعم الوحش قوته هائلة و ثابتة , لكن مقدار انتقال الطاقة هو العامل الأهم هنا , فكمية الطاقة التي يمكن أن تنتقل من الوحش للشخص تحدد قوة الشخص أيضا , و إن أخبرتك أن هذا يعتمد على مساحة السطح التي تكون بين الشخص و العصا , فقد يفسر لك هذا زيادة طاقة الشخص بزيادة مساحة المعطف التي تغطي جسده ...
بدا على وجهه الاهتمام و التركيز , فتابعت و هي سعيدة :
-و هذا يعني أنه كلما زادت مساحة المعطف زادت قوة الشخص , و بالتالي التساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو كيف أزيد من حجم المعطف؟ أو كيف أزيد من مساحة العصا ؟
اتسعت عينا (رانمارو) تشويقا , فقد وصل به الحال لمعرفة أشياء كان يجهلها , فابتسمت من نظرته الغريبة و تابعت :
-والطريقة الوحيدة لزيادة حجم العصا زيادة ثابتة هي الدخول في عالم الترقي هذا , و هنا تكمن أهمية وجود من لديه القدرة على هذا , فعدم وجوده يجعل القرية لا تطور من مستواها و لا ترتقي , و لهذا أيضا فإن عائلات الكويو محط أنظار الجميع , و موضع مطمع من الآخرين ...
تسائل (رانمارو) في سرعة :
-وهل تعرفين ما هو نظام الترقي هذا ؟!
صمتت قليلا ثم قالت له :
-عن التفاصيل لا أعرفها تحديدا , فأنا لم أجربها و لو مرة واحدة , لكني أسمع عن أنك تدخل في بوابة زمنية في عصر معين و مطلوب منك أداء مهمة معينة , بالطبع كل هذا ليس بالشيء اليسير , فأنت تكون بمفردك في مواجهة خطر الموت , و لهذا لا يسمح لدخول الترقي إلا بعد إتقان تعاويذ قوية , و البعض يعتبرها دلالة التخرج من المدرسة إذا كانت هناك في القرية واحدة !
صمت (رانمارو) قليلا ثم أرجع ظهره للوراء و عاد يحملق في الأفق , فلقد عرف ما عناه الوحش من ذي قبل بأنه لا يستطيع أن يمده بمعدل طاقة قوي يعادل طاقته الروحية , بالطبع فهم سبب موافقة وحشه على أن يشارك وحش آخر معه .

*********************


غادر فريق مكون من أربعة أفراد غرفة فندقهم للبحث عن الكويو , استقلوا الحافلة التي تؤدي لأقرب مكان من القرية المتدمرة , غادروا الحافلة , سار (ياكو) مع (هارونا) و (تاكامي ) مع (تابيتو ) , ساروا في نفس الطريق الذي لم يمر على مرورهم فيه سوى بضع ساعات , أخذوا يتبادلون الحديث عن المعركة , و عما فعلوه , ظلوا هكذا حتى وصلوا لمكان القرية , فوجدوا مفاجأة...

-من أنتم ؟!
سأل رجل الشرطة المحلية (ياكو) , فاتسعت عيناه من الدهشة الزائفة متغلبا على مفاجئته بقوله :
-ماذا حل بقريتي؟! آه يا ريميكا , ماذا حدث لكي ؟!
اندفع المتبقي يواسونه بحزن واضح جلي عليهم , فأشفق رجل الشرطة عليه , فجلس على قدميه و قال له محدثا إياه بصوت حزين مواسيا :
-لا تحزن سيدي , ربما لم يحدث لها أي شيء , نحن فقط جئنا هنا منذ ساعتين فقط , ربما تجدها حية و سليمة...!
رفع (ياكو) رأسه بعينيه الدامعتين و قال له :
-وكيف أعرف ذلك , آه يا ريميكا , أين أجدكي ..!
و أخذ يبكي بحرقة شديدة , فقالت (تاكامي) للشرطي :
-قل لنا سيدي أين يمكننا أن نجد الأحياء أو المصابين سيدي , و كذلك مكان المتوفيي...!
لم تكمل حيث اندفع (ياكو) نحوها واضعا راحة يده اليمنى على فمها ليمنعها من أن تتابع ما قالته وقال لها بصوت يدمي القلوب :
-لا تقولي هذا , لا تقولي هذا ...!
أشفق الشرطي حقا عليه , فهو كان يتصور أنه لن يأتي أي شخص لهذا المكان النائي الذي اشتكى بعض السكان الذين يسكنون من حوله بمسافات بعيدة من وجود أصوات غريبة تأتي منه قرب شروق الشمس , بالطبع عندما جاء إلى هنا لم يتخيل المنظر على الإطلاق , تجاويف أرضية , نيران مشتعلة بأماكن متفرقة , ثلج , إضافة إلى جثث متناثرة في كل مكان , و إصابات كثيرة , فقال لهم و هو يشير نحو خيمة تبعد عنهم بضع أمتار قليلة :
-هناك ستجدون مكان المصابين و من وجدناهم أحياء ,
ثم استدار ليشير في الاتجاه الآخر و قال بصوت حزين قليلا :
-وهناك ستجدون مكان من لم ...أقصد ...
-فهمنا قصدك أيها الشرطي الطيب , آسفة على إزعاجك معنا , و شكرا على رقتك الكبيرة!
قالتها الجميلة (تاكامي) وهي تقف و تسير مع من معها , نسى الشرطي أي شيء آخر تحت تأثير جمالها البرئ , ظل يراقبهم حتى وصلوا نحو مكان المصابين , قال (تابيتو) بصوت هامس :
-يالك من ماكر ياكو , لم أظن أنك كذلك !
صمت (ياكو) , فقد كان منذ صغره مشاغبا جدا , و قدرته على امتصاص المفاجآت تعتبر موهبة كبيرة لديه نظرا لكم المصائب التي كان يفعلها بمشاغبته , التفت نحو (ناجومي) و قال لها :
-أرجو أن تجديها , فأنت الوحيدة تي تعرفين كيف تبدو, فقد نقلت (هيكارو) صورتها إليكي بواسطة قدرتك على نقل القوى وتحويلها ...!
نظرت إليه وقالت في برود كعادتها :
-ألم يكن من الأفضل حضورها إلى هنا بدلا من جلوسها مع هذا المنبوذ ؟!
نظر الجميع إليها بكراهية , ففكرة وجود من يكره (رانمارو ) معهم كانت كفيلة بغليانهم , لكنهم يتبعون نصائح (رانمارو) , فهو قد أوصاهم بعدم معاملتها سيئا , فهي تعامله فقط بوقاحة ولكنها تعامل الباقي جيدا نوعا ما , صمت الجميع ولم يجاوب أي منهم على تساؤلها , وهي يبدو أنها قد فقدت الأمل في اجتذاب أي منهم نحو رأيها الشخصي , فآثرت الصمت حتى وصلوا لمكان تجمع المصابين , دلفوا إلى المكان , تجولت (ناجومي) ببصرها في المكان , وجدت مصابين كُثر , كما وجدت من هم لازالوا غير مصدقين لما حدث , كان بجوار كل فرد منهم شرطي يحاول أن ينتزع بعض الأقوال , فجأة صرخت (ناجومي) مشيرة نحو فتاة على فراش , كانت صرختها ليس لوجودها , بل لما رفعه الشرطي من جانبها , كانت عصاة خشبية قديمة , هكذا كان يفكر هذا الشرطي ذو الأربعين عاما , وشاربه الكث يبرز من أمام شفته العليا , نظر الجميع إليهم , فاندفع (ياكو) نحو الفراش التي قد أشارت إليه (ناجومي) و ارتمي حاضنا الفتاة الراقدة فوقه , اندفعت ممرضة حسناء صغيرة السن قليلا نحوه ترفعه من أعلاها , و عيناه تدمع بشدة , استغاثت الممرضة بضابط الشرطة , فاندفع ذاك الشرطي ذو الشارب الكث ليرفع (ياكو) من فوق الفتاة الصغيرة , كان وجه (ياكو) محمرا من شدة البكاء , و النحيب , و دموعه تتساقط على وجنتيه بغزارة شديدة , صمت الجميع ناظرا بإشفاق نحوه , ثم رجع كل منهم لعمله , نظر (ياكو) للشرطي و قال له:
-أرجوك , دعني آخذ ابنة أختى معي , فسوف أجد لها علاجا في مكان أفضل !
لمعت عينا الشرطي في زهو و كأنه قد وجد ضالته , فأمر الجميع بمساعدة الفتاة الصغيرة و جعلهم يأخذونها , ثم التفت يسير مع (ياكو) لفترة تجاوزت الخمسة دقائق في أنحاء القرية , بعدما عاد كان الشرطي عيناه متسعة من الدهشة , لم يعلق أي منهم على ذلك , لكنهم بعدما غادروا القرية تسائل (تابيتو ) :
-ماذا حدث بينك و بين الشرطي ؟!
نظر نحوه (ياكو) مبتسما , ثم قال له :
-لا شيء , لقد حاول ان يجتذب مني معلومات عن المكان , فقلت له معلومات بلهاء جعلته لا يصدق نفسه !
قهقه الجميع وهم يغادرون المكان , وصلوا حتى المنطقة المأهولة بالسكان , ثم استقلوا الحافلة مرة أخرى , كان من حوله يرمقونهم بنظرات تفيض بالفضول و الحذر , غادروا الحافلة حتى وصلوا لغرفتهم , ثم طرقوا الباب بالطريقة المألوفة , فقامت (هيكارو) بفتح الباب , دلف الجميع للداخل , فصرخت عند رؤيتها ل(ريميكا) , طمأنتها (تاكامي) و هي تمسكها و تجعلها تجلس على مقعد بالغرفة :
-لا تحزني عزيزتي , فقد وجدناها هكذا في القرية , لكننا سوف نعالجها أليس كذلك ؟!
نظرت نحو (تابيتو) فوجد الأخير يتفقد جرحها ثم قال :
-إن جرحها لا يتعدى كسرا مع بعض التلوث بمكان الجرح , سوف تكون عملية شفائها سهلة , لا تقلقوا ..
قالها و رفع عصاته ثم قال :
-كاي !
فتحولت عصاته لتتخذ شكلها المعتاد , ثم قال :
-رنتوجين شوسا !
أضاءت مقدمة عصاته بلون أبيض ثم اندفعت آشعة غريبة نحو قدمها ثم ارتدت بسرعة كما خرجت من العصا إليها مرة أخرى , صمت لثانية ثم قال :
-نعم , هناك كسر مضاعف بالساق , سوف أعالجه بسرعة , لا تقلقوا ...
رفع عصاته , ثم قال :
-ريزو شوزين !
تلونت مقدمة عصاته بنفس اللون الأبيض , ثم انطلقت دفقة من آشعة بيضاء تماما نحو القدم , أحاطت بها , و أخذ سطحها الخارجي يتموج بخفة , ظل هكذا لفترة نصف دقيقة , ثم اختفى الضوء المحيط بالقدم , التفت الجميع نحو (تابيتو) الذي قال :
-لقد تم شفاؤها من كسر قدمها , و الآن جاء دور الميكروبات الموجودة بجرحها ...
رفع عصاته و قال :
-أوروتورا موراساكي !
تلونت مقدمة عصاته بلون بنفسجي هذه المرة , اندفعت حزمة من الآشعة البنفسجية من فم الملاك ذي الجناحين الموجود بطرف عصاته نحو الساق المربوطة بالشاش , فتوهجت لثانيتين بلون بنفسجي ثم اختفى كل شيء , زفر (تابيتو) وهو يجلس على الفراش و يقول :
-لقد انتهيت , بضع ساعات تفيق بعدها و كأن شيئا لم يكن !
-أهكذا فقط ؟!
تسائلت (هيكارو) باستنكار و دهشة , فابتسم و قال لها :
-نعم , هكذا فقط , ألم أقل لكي أنه جرح عادي و لن يحتاج لتعب شديد !
ابتسمت مطمئنة من كلامه , أخذتها للغرفة المجورة لتستريح , كانت فتاة في التاسعة عشر من عمرها , شعرها أسود كثيف , قصير الطول و عيناها بنيتان , تركتها (هيكارو) في الغرفة و أطفأت النور وهي خارجة , ثم اتجهت نحو غرفتهم , دلفت في وسط حديث , عند دخولها صمت الجميع , فتسائلت في دهشة بعدما أغلقوا الباب :
-فيم كنتم تتحاورون بدوني ؟!
ابتسم (رانمارو) ثم قال لها :
-كنا نتناقش فيم سنفعله في المرحلة القادمة !

يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــع........

اماريج 01-08-10 08:00 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الواحد و الأربعين


آراء مختلفة , بداية نزاع , بحث عن نهاية


جلست (هيكارو) على مقعد ثم تابع (ياكو) كلامه قائلا :

-لقد قال رانمارو أن هناك ثلاث أنظمة للحكم في القرية , النظام الأمني و هذا سيكون تبعا لعائلة معينة , أما نظام الحكم فسيكون مقسما بين رانمارو و قائد المدينة و مجلسها الحاكم , لا يتبقى سوى نظام الدفاع , وهذا نظام معقد , فهناك الدفاع عن القرية , و الدفاع عن المدينة التي نحن فيها , و أخيرا مهمة الدفاع عن البشر التي سوف نجعلها شعارا لقريتنا !
قالت (ناجومي) :
-لا أوافق على هذا المبدأ , فهذا سوف يكلفنا الكثير من الأرواح , كما سيضع أمامنا العراقيل لكي ننهض بالقرية , كما أننا لا يجب أن نثير حنق كارا و بوكاهاتسو , فهما إن عرفا بوجود قرية مثل قريتنا فسوف يتحدان فعليا ضدنا , و سينتهي بنا المطاف كما انتهى الحال بقريتنا القديمة ...
نظر الجميع نحوها في استنكار و حنق واضحين , كانت هنا قد تعدت حدودها بالفعل , لكن لم يتحدث أحد لأن ما تقوله كان صحيحا و واقعيا , فبالفعل مجرد الإعلان عن فكرة القرية و أهدافها بشأن معاداة (كارا ) و (بوكاهاتسو ) سوف يفتح النار عليهم , نظر الجميع نحو (رانمارو) في تمعن , فهو قائدهم , و أي قرار سوف يتخذه سوف يوافقون عليه , نظر تجاهم في صمت لبرهة , ثم تكلم قائلا :
-بالطبع أعرف أن ما قالته ناجومي حقيقي , وواقعي , لكن أليس طريقنا مليء بالأشواك ؟! منذ متى ونحن قد سرنا في طريقنا هذا و نتوقع أن يكون مفروشا بالورود ؟! نعم إنه يبدو لمن الجنون تحدي قوتان عظمتان ونحن لازلنا نحبو , لكننا لن نكون بمفردنا , سنكون مدعومين برجال المدينة التي سوف نكون فيها , هذا إضافة إلى القرى الأخرى التي كانت عونا في الماضي لقريتنا السابقة , و ستكون عونا لقريتنا القادمة , لكن قبل مناقشة أي شيء آخر هل استوفينا جميع الشروط الخاصة بطلب تكوين القرية ؟ أم لازالت هناك بعض الأشياء الناقصة ؟!
كان يوجه سؤاله نحو الجميع , فقالت (هيكارو) معددة :
-لقد استوفينا جميع العائلات الخاصة بالقرية , ينقصنا برنامج تعليمي و دفاعي و كذلك تحديد ما هي أهداف القرية , ناهيك عن مصادر الدخل و العمل بها !
-مصادر الدخل و العمل بها , ماذا تعنين بهذا ؟!
تسائل (ياكو) مستفسرا , فنظرت نحوه في دهشة شديدة , فقال (تابيتو ) موضحا :
-الوضع في القرية لا يختلف بحال أو بآخر عن الحال خارجها , فلابد من وجود مصدر للدخل , و مرتبات لجميع العاملين , هذا بخلاف حركة التجارة بين القرى و بعضها , و غيرها من جوانب الحياة المختلفة !
قال (رانمارو) متسائلا :
-وما هي أنواع مصادر الدخل في القرية ؟!
ردت (هيكارو) :
-هناك نوعان بالطبع من المصادر , مصدر مشروع , و مصدر غير مشروع , بالطبع لن نتحدث عن المصادر الغير مشروعة , ولكن قريتي التي كنت فيها سابقا كانت من هذا النوع , أما مصادر الدخل المشروعة فهي زراعية و صناعية و تجارية , الزراعية خاصة بمحاصيل الطعام , و خاصة بالنباتات السحرية , أما الصناعة فهي خاصة بالصناعات العادية , و هناك جانب للصناعات السحرية , و أخيرا التجارة تقوم على أساس التبادل بين القرى و بعضها و شراء المستلزمات لكل قرية من غيرها و لك طبقا لاحتياجات كل منها...!
تابع (تابيتو) الحديث مكملا :
-بالنسبة للزراعة فعادة من يقوم بهذا هم الفقراء , و كذلك من قد شاركوا وحوشهم مع عائلات أخرى , فالزراعة تعتبر من أضعف مستويات الحياة في القرية , تتم الزراعة في أرض القرية , أما النباتات السحرية فيشرف عليها سحرة و مصاصين دماء مهرة , و عادة ما يكونوا من رؤساء العائلات , فلكل عائلة نباتاتها الخاصة , كما أن عملية زراعتها عملية معقدة جدا ...!
تابعت (هيكارو) :
-أما بما يختص بالصناعة , فهناك من يقوم بالصناعات العادية من مستلزمات الحياة المختلفة , و هم من يمتلكون وحوش خاصة بتلك الأعمال , و بالطبع فالتعاويذ خير عون لهم في أداء عملهم , أما بالنسبة للصناعات السحرية , فهي أسلحة و قوارير و غيرها من الأشياء التي يدخل السحر جزءا في عملية التصنيع , و هي تتطلب خبرة كبيرة من الصانع , و كذلك تقدما في مستواه السحري...!
أكملت (تاكامي) :
-أما التجارة فيكون هناك مبنى مخصص بذلك في كل قرية , فالقوافل التجارية لا تستغرق عادة لحظات بين كل قرية و أخرى , لكن يجب التنسيق بين القرى و بعضها قبل إجراء عملية التبادل , مع العلم أنها تتم خارج درع القرية , فالقرية أرضها مقدسة و يُحرم دخول الغرباء من خارج القرية لداخلها سوى بموافقة قائد القرية و نائبها معا على هذا الأمر , فإذا كان هناك خلاف فيتم منع الشخص من الدخول , و هذا طبعا حماية للقرية و أهلها ...!
صمت الباقي و هم منصتون باهتمام , أخيرا تحدث (رانمارو) قائلا :
-هل هذا يعني وجود عملة يتم تداولها بين السحرة ؟!
رد (تابيتو) بسرعة :
-نعم بالطبع , هناك نوعان من النقود تتداول بين القرى و الأشخاص من عالمنا , أولا هي العملة البشرية العادية , وهي تختلف باختلاف البلد , لكن في النهاية عندما يتم التداول بين قرى مختلفة من خارج الدولة لا يتم محاسبتهم حسب قانون العملات كما هو الحال في العالم البشري العادي , لكن يتم التعامل معه على أساس عملة موازية في القيمة , كما هناك نوع آخر من العملات , هي ليست عملة نقدية في الواقع , فهي عملة روحية , وهي تختلف من مملكة لأخرى ...!
ردد (ياكو) مندهشا :
-عملة روحية ؟! كيف ذلك ؟!
قالت (تاكامي) :
-العملة الروحية عبارة عن قارورة زجاجية صغيرة , بداخلها مادة لامعة لونها أصفر ذهبي , شديدة النقاء , هذه تعتبر عملتنا الرئيسية في التعامل , و هي أساس تحديد قوة كل قرية من أخرى ...!
تسائل (رانمارو) :
-وما هي هذه العملة الغريبة ؟!
ردت (هيكارو ) :
-هذه عبارة عن تحويل للطاقة الروحية لأي شخص داخل القرية , فأنت تعرف أن القرية تكون محاطة بدرع يحميها ممن يوجد خارجها , الأمر لا يقتصر على هذا فقط , فهذا الدرع يقوم بعمل اجتذاب شامل و عام للطاقة الروحية للأفراد بداخل القرية طول الوقت , هذا يؤدي إلى جعل الأفراد داخل القرية في حالة إخراج دائم لطاقتهم الروحية مما يجعلها تنمو عبر الزمن , كما يتم تحديد ما إذا تم استخدام طاقة روحية في مكان معين , و هذا بالطبع يفيد في عمليات التحقيق المختلفة , هذه الطاقة لا تُفقد , بل على العكس , يتم تحويلها بواسطة التانشينفونو إلى هذا السائل الغريب الأصفر البراق داخل هذه القارورة الصغيرة , وهنا تكمن أهمية وجود فرد من هذه العائلة داخل القرية , فهو يقوم بتحويل طاقة روحية مساعدة للأيجو , و من ناحية أخرى يقوم بسحب طاقة روحية مستمرة من داخل القرية ليتم تكوين هذه العملة المهمة ...
قالت (هارونا ) :
-ولماذا هذه العملة مهمة ؟!
قال (تابيتو) :
-هذه مهمة جدا بشكل لا تتخيلينه , فهي مهما كانت طاقة روحية في الأساس , بل هي طاقة روحية مركزة في الواقع , تخيلي أنكي وسط معركة حامية الوطيس , ثم لسبب ما و في وسط المعركة وجدتي طاقتك الروحية قد قاربت على الانتهاء , فوجود قارورة مثل هذه تقوم بتجديد طاقتك لفترة معينة يمكنك فيها استكمال المعركة بنجاح , و هذا ليس فقط استخداماتها , فمثلا في المدرسة داخل القرية ربما يكون هناك تدريب قاسي يحتاج لاستهلاك طاقة روحية كبيرة , كمثلا الاختبار الذي يسبق الدخول لعالم الكويو , فنسمح باستخدامها في هذا الاختبار مثلا , أيضا عند حدوث هجوم على القرية , و الحصار الدائم لها , قد نجد أن طاقة الأيجو و التانشينفونو قد قاربت على الانتهاء , هنا يجب استخدام هذه العملة الهامة , و هكذا ...
تسائل (رانمارو) :
-لقد قلت أن العملة هذه تختلف من مملكة لأخرى , كيف هذا ؟
رد (تابيتو) :
-حتى الآن لا نعرف كيف , لكن يوجد نقش مميز بارز على سطح كل قارورة , هذا النقش يكون متماثلا في جميع القرى التي توجد تحت راية أي مملكة , و لكن النقش يختلف من مملكة لأخرى , ربما يكون هذا النقش هو الدليل الفعلي على سيطرة المملكة على القرى , و كذلك هو المحدد الرئيسي لخطوط نفوذهم , بل تمادى البعض لقوله أن المناطق العازلة قد تكونت بفعل عدم وجود أي نقش على زجاج القوارير التي تتكون هناك , لكن لا أحد يعلم السبب حتى الآن ...
تسائلت (هارونا ) :
-إذا كانت هذه العملة بهذه الأهمية , فلم وجود العملة العادية ؟!
ردت (تاكامي) :
-وذلك لوجود تبادل تجاري بين عالمنا و عالم البشر , فنحن لا نستطيع أن نتبادل معهم على قوارير بالنسبة لهم لا قيمة لها , لكننا نبادلهم بما يعرفونه , و لهذا فلا يوجد هذا الفارق النقدي بين الدول المختلفة في عالمنا , لأن هذه العملة حقيقة لا قيمة لها في واقعنا , لكن الأهم منها هو عملتنا الأصلية...
تسائل (رانمارو) :
-وهل توجد وحدات لتلك العملة ؟!
ردت (هيكارو) :
-نعم بالطبع , فالقارورة الذهبية تسمى (كوجان) و هي تساوي خمسين قارورة حمراء , أما القارورة الحمراء تدعى (نيرو) فهي تساوي خمسين قارورة خضراء , تلك التي تدعى (ميدور) , وهذه القوارير ثابتة في جميع الممالك بجميع الوحدات بدون أي اختلاف !
تسائل (رانمارو) :
-حسنا , بعد كل هذا الحديث عن هذه العملة الغريبة , كيف يمكن أن نحصل عليها ؟!
رد (تابيتو ) :
-هذه العملة يتم تكوينها منذ اللحظة الأولى لإعلان ولادة القرية , بالطبع هذا يستهلك وقت طويل حتى يتم تكوين ذخيرة جيدة منها , لهذا قد تلجأ القرى للتجارة مثلا , و بعضها يلجأ للكسب الغير المشروع , و آخرين قد يهاجمون قرى أخرى و يضعونها تحت رايتهم و يستولون على ما بها من قوارير ..!
قالت (هارونا) بسرعة :
-وهل هذا يعني وجود قوارير في القرية التي قد هاجمناها ؟ لماذا لا نذهب و نحضر هذه العملات هنا إذن ؟!
ردت (هيكارو) :
-للأسف فالقرية كانت فقيرة , و لهذا كان الدرع يضعف في الليل قرب شروق الشمس نظرا لقلة الطاقة الموجودة , مما جعل مهمة هجومكم على القرية سهلة نوعا ما ..
ظل الجميع صامتا للحظات حتى تكلم (رانمارو) قائلا :
-هذا يعني أن هذه العملة سوف يتم تكوينها عند تكوين القرية , هذا جيد , أما ما يتعلق بالزراعة و الصناعة و التجارة فهذا ما سنناقشه مع أهل المدينة التي سنقيم فيها القرية , لكن هل هذا يعني أن القرية يمكنها النمو في المساحة ؟
رد (تابيتو) :
-بالطبع نعم ..
فقال (رانمارو) :
-هذا سيمثل لنا عائق , فكيف لنا من هذه المساحة الشاسعة إذا ما سيكون هناك زراعة وصناعة و خلافه !
ضحك (تابيتو) و (هيكارو) و (تاكامي) و (ناجومي) بشدة , نظر نحوهم (رانمارو) و (ياكو) و (هارونا) باستغراب , فقال (تابيتو) موضحا وسط ضحكاته :
-أنت بالطبع لا تعني أن القرية تستهلك من البداية مساحة من أرض الواقع ...
نظر نحوه (رانمارو) بدهشة مما جعله يتوقف عن ضحكاته ويقول في صوت هادئ قليلا يشوبه التعجب :
-هل كنت تعني ذلك ؟!
فأجابه (رانمارو) :
-وهل توجد حقيقة غير ذلك ؟!
اتسعت عينا الأربعة في دهشة و كأنه قد قال شيئا أبلها , فظهر الغضب على وجهه للحظات قبل أن يقول (تابيتو) بجدية :
-رانمارو الأمر ليس كما تتخيل عزيزي , فما يربط القرية بأرض الواقع هو مبنى مهدم عادة ما يكون كذلك , لكنه عبارة عن بوابة للقرية , القرية عزيزي تكون هناك , فوق ...
قالها و أشار إلى أعلى , حملق الثلاثة نحو السقف , و قال (ياكو) :
-هناك أين ؟! في السماء ؟!!!
قالها باستنكار واضح , مما زاد من ضحكات الأربعة عليهم , لكن (تابيتو) قال وسط ضحكات الآخرين :
-بالطبع عزيزي , فقريتنا تكون هناك في أعالي السحاب , بعيدة عن عالم البشر الأرضي , لا يربطنا بالأرض سوى هذا المنزل المتهدم الذي تنتهي عنده طاقة الدرع , فالدرع يكون على شكل قبة , كبالون المنطاد بالضبط , تغطي قمته القرية من أعلى , و تمتد لأسفل و كأنها مشدودة نحو هذا المنزل بحبال وهمية حتى تنتهي عنده , أما القرية فتكون كل ما يقع داخل الدرع ...
تسائلت (هارونا) بدهشة :
-هل هذا يعني أن القرية تكون طافية في الهواء ؟!
ازدادات ضحكات الجميع و لم تتمالك (تاكامي) نفسها ووجدت نفسها تسقط من على الفراش على أرضية الغرفة وهي تمسك بمعدتها من شدة الضحك , و عيناها مثل عين الباقيتين مليئة بالدموع , تمالك (تابيتو) نفسه و رد قائلا :
-لا عزيزتي , الدرع لا يكون مليئا بالهواء , بل يكون مليئا بالتربة , لا تعتبري أن القرية موضوعة في أعلى السماء , لا , فالقرية عند بداية نشأتها تكون في مستوى منخفض , و تكون مساحة الأرض صغيرة , لكن عند زيادة كمية الأشخاص بداخلها يتم زيادة حجم الأرض لتتناسب مع هذه الزيادة ...
قال (ياكو) :
-وكيف تحدث زيادة الأرض و أنت قد قلت لتوك أنه لا يتم استخدام أرض من العامة سوى هذا المنزل المتهدم؟!
رد (تابيتو ) :
-ياله من أمر معقد لا تعرفونه , قبل أن أقول أي شيء يجب أن تدركوا أن القرية مبنية أصلا من طاقة روحية ...
رددت (هارونا) قائلة :
-من طاقة روحية ...كيف ذلك ؟!
ردت (هيكارو) بعدما استطاعت أخيرا كتم ضحكاتها و إن فشلت في منع الدموع من التساقط من عينيها حتى تلك اللحظة :
-سأقول لكي كيف , أنا المسئولة عن تكوين الدرع , عندما نتخذ قرارا ببناء القرية , سآتي للمكان و أقوم بعمل تعويذة معينة , يتكون على أثرها المنزل المهدم و الدرع في آن واحد , هذا الدرع يكون على شكل أقرب ما يكون ببالون المنطاد , له قبة عالية في السماء , و يتصل بالمنزل من أسفل , مما يجعله مخروطي الشكل , القرية سوف تكون بداخله , كيف ذلك ؟ ستقوم ناجومي باستخدام قوارير الكوجان و تحولها إلى تربة تملأ بها الدرع من الداخل , فترتفع هذه التربة السحرية من أسفل إلى أعلى , عندما تنتهي القوارير , يكون معدل سطح التربة هو المقياس الفعلي لعدد من سيسكن داخل القرية , وبهذا يعتبر هذا المنسوب هو المنسوب المبدئي للقرية , إذا ما عاشت القرية لفترات زمنية طويلة تم خلالها زيادة عدد أفرادها , فسينعكس ذلك على زيادة عدد الكوجان , فتقوم ناجومي بتحويلها إلى تربة توضع في هذا الدرع من أسفل , فترتفع القرية إلى أعلى بشكل يزيد من مساحة الأرض الخاصة بها ,و هكذا تتم زيادة مساحة القرية تبعا لزيادة طاقة سكانها ...
قال (ياكو) بلهجة تشوبها الدهشة :
-يالها من عملية معقدة !
ضحكت (تاكامي) ضحطة قصيرة ثم قالت :
-لا تحاول فهمها مرة واحدة , فهي ستكون أكثر سهولة عندما تراها تحدث أمامك ...
تسائل (رانمارو) :
-ولكن عندما كان الدرع ضعيفا كنت أرى صورة مموجة غير واضحة لما بداخل القرية , كيف يحدث هذا و القرية منسوبها أعلى من الأرض ؟!
ردت (ناجومي) قائلة في ضيق واضح :
-السبب واضح و لا يحتاج إلى تفسير , لكن يبدو أن عقلك قد صدأ من قلة الاستعمال !
نظر نحوها الجميع بغضب , فكراهيتها قد زادت بشكل لا يطاق عما يحتمله بشر , لكن (رانمارو) قد تجاهلها تماما , ونظر تجاه (تاكامي) , فانتبهت إليه و قالت له :
-تفسير ذلك بسيط , إذا اعتبرت أن هذا الدرع شيء شفاف , شفاف بالدرجة التي يجعل ما بداخله مختفي عن الأنظار , فهو يتكون من طبقات لها خاصية الشفافية لمن خارجها و داخلها , و في الوقت ذاته لها خاصية الاخفاء لما يوجد بداخلها , لكن قدرته على الاخفاء تتفاوت حسب كثافة الدرع , فإذا قلت كثافته , أصبح و كأنك ترى ما بداخل القرية من خلال سطح ماء , فالآشعة تأتي من القرية الموجودة بأعلى و تنكسر على سطحه لتصل إلى عينيك فترى الصورة بهذا الشكل المموج , فكأن الصورة مرسومة على سطح بحر هادئ !
قال (رانمارو) :
-نعم هذا صحيح , هذا ما شعرت به عند رؤيتي للقرية عبر الدرع , كأن هناك ستائر خفية تتحرك بسلاسة بيني و بينها , لكن يتبقى سؤال هام , كيف يستطيع من بالخارج دخول القرية وهي بهذا الارتفاع ؟
رد (تابيتو ) على هذا التساؤل بقوله :
-هذا يمكن استنتاجه إذا تخيلت أن الدرع مكون من طبقات , وهي ليست ثابتة في مكانها , بل دائمة التحرك , واتجاه حركتها دائما يكون من أعلى إلى أسفل و العكس بسرعة شديدة , يقال أن الطبقة الواحدة تقوم بالحركتين في غضون ثانية واحدة أو ربما أقل , و هذا يبين عدم شعور المرء باختلاف عند دخوله أو خروجه من القرية !
قال (ياكو) :
-ولهذا السبب قد أسرعتم بالخروج من القرية بعد اختفاء الدرع , و كذلك وجود بقاياها متناثرة في مساحة شاسعة على الأرض عندما ذهبنا لتفقد ريميكا , أليس كذلك ؟!
أومأ (تابيتو) برأسه , فأطرق الجميع صامتين حتى قال (رانمارو) كاسرا الصمت للمرة الثانية :
-هذا يعني أنه لابد من وجود قوارير الكوجان قبل بناء القرية , فكيف نقوم بهذا ؟
ردت (تاكامي) :
-هذا شيء سهل , فسنقوم بتجميع رؤساء العائلات و قائد المدينة و قائد القرية ثم أقوم بتعويذة تقوم باستهلاك كل ما يملكونه من طاقة دفعة واحدة , وتقوم في الوقت نفسه ناجومي بتحويلها إلى قوارير الكوجان , وبالتالي سوف نحصل على كمية مناسبة تكفي تماما لما نريده من أرض للقرية...
قال (ياكو) بانبهار :
-هذا شيء جميل جدا , فلم لا يقوم أهل القرية بفعل هذا بدلا من الطريقة البطيئة لتكوين القوارير ؟!
قامت (تاكامي) بضرب (ياكو) على رأسه بخفة و كأنها تلومه على ما قاله ثم قالت :
-بالطبع هذا سيكون شيئا مؤسفا , فأنا أقول لك أنني سأقوم باستهلاك كل طاقتهم دفعة واحدة , فماذا يحدث إذا ما هاجم شخص القرية ؟ أو من سيقوم بتدبير شئون القرية في غياب قادتها ؟ بالطبع الطمع قد يؤدي للخراب , لابد من تحكيم العقل أيها المشاغب !
نظر (رانمارو) نحو (تابيتو) ثم قال له :
-هل هذا يعني أنه يتبقى أمامنا عقبتين ,و هي اختيار المدينة التي سوف نكون القرية فيها , و تحدي قائدها في قتال حتى نفوز بحق تكوين القرية ...!
قالت (تاكامي) مستنكرة :
-من قال لك أنه يجب عليك تحدي القائد في قتال حتى تفوز بحق تكوين القرية ؟!
نظر إليها (رانمارو) و قال لها في دهشة :
-إذا لم أكن مصيبا فيما قلته , فكيف أحصل على حق تكوين القرية إذن ؟!

يتبـــــــــــــــــــــــــــع.............

اماريج 01-08-10 08:01 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الثاني و الأربعون


البحث عن مكان للقرية


نظرت (تاكامي) إليه و تابعت :

-بالطبع لكي تكون القرية لابد من حصولك على تصريح خاص بذلك من مجلس حكماء المدينة , لكن هذا بالطبع لن يكون سوى بتحدي قائد المدينة ...
ظهر الضيق على وجه (رانمارو) حين رد :
--وماذا قلتيه في هذا جديد ؟! فهذا ما عنيته بقولي أنني سأتحداه في قتال ...
قالت (تاكامي) مقاطعة كلامه بنبرة عالية قليلا حتى تمنعه من مقاطعتها مرة أخرى :
-نعم هناك تحدي , لكن ليس هناك بالضرورة قتال , ما يحدث حقيقة هو أنك تذهب لمجلس الحكماء هذا , وتتحدى قائد المدينة , و هو الذي يحدد نوع التحدي , ربما يكون قتال , ربما يكون شيئا يطلبه منك أن تقوم به , ربما مهمة , ربما أي شيء آخر بخلاف القتال , فالتحدي ليس معناه القتال , فهذا يعتبر آخر شيء في التحدي ...
نظر (رانمارو) تجاه (تابيتو) و قال مستنكرا :
-لقد قلت لي ذلك , أليس كذلك ؟!
فبهت وجه (تابيتو) , حيث شعر أنه يتهمه بذلك , فقال بسرعة مدافعا عن نفسه :
-لا , لم أكن أقصد بذلك سوى مثال , لقد توقعت أنك تدرك هذا الأمر , لكني كنت مخطئا ..!
ظل (رانمارو) يحدق فيه للحظات , بعدها توجه بنظره تجاه (تاكامي) وقال :
-إذا كان الأمر كذلك فأتمنى ألا يكون قتال , فأنا لا أصل لمرتبة قائد مدينة , فإذا حدث صراع بيننا فنتيجته ستكون محسومة ...
قالت (هارونا) :
-حسنا , دعونا نترك هذا الأمر مؤجلا حتى يحين وقته , لكن الأهم الآن هو مكان القرية , في أي مدينة سنختارها ؟!
صمت الجميع ناظرا نحوها , فقد قالت أهم شيء حتى الآن , قالت (ناجومي) :
-أعتقد أنها ستكون مهمة شائكة , فنحن يجب أن نفحص كل مدينة موجودة باليابان , ثم نحصر العائلات الموجودة بكل مدينة , و اتجاهات كل مدينة نحو هدفنا الذي لازلت معترضة على الإعلان عنه في البداية هكذا , لكن الأمر لكم في النهاية , كما علينا أيضا أن ندرس شخصية كل قائد مدينة , و ما هي أفكاره , و بذلك حتى نختار جيدا ...
كانت ما قالته صحيحا , لم تبد تلك المتعنتة الكارهة ل(رانمارو) , بل أصبحت من يهتم بسير القافلة في طريقها حتى بر السلامة , نظر الجميع إلى (رانمارو) , فقال :
-حسنا , فلنعد أولا إلى بلدنا ثم نقرر بعدها , هيا احزموا حقائبكم , سوف نغادر اليوم مساءا , و سنقيم عندك يا ياكو , فوالديه قد غادرا البلاد في رحلة نحو أمريكا ليعيشوا هناك , و المنزل أصبح فارغا الآن , سأذهب أنا و (هارونا) لإحضار التذاكر ...!
انصرف الجميع نحو غرفهم يحضرون حاجياتهم استعدادا للمغادرة , في حين ذهب (رانمارو) مع (هارونا ) إحضار التذاكر , كانوا قد حجزوا مقاعد من قبل لكنهم لم يحددوا ميعادا محددا لها , فذهبوا لإنهاء إجراءات السفر , تم حجز مقاعدهم في طائرة تغادر في الثانية بعد منتصف الليل , عندما صعدا على متن الطائرة لم يكن هناك أي فرد منهم قادرا على المناقشة , كل ما كان يهم الجميع هو أنه يرتاح بالنوم قليلا في الطائرة , بعد وصولهم قاموا باستئجار ثلاث عربات أجرة توصلهم لمنزل (ياكو) , حيث قضوا ليلتهم هناك , استيقظ كل منهم واحدا تلو الآخر بتكاسل بعد الظهيرة , أخذوا قرابة ساعة كاملة حتى أفاقوا جميعا , جلسوا في الردهة بالطابق الثالث حيث كان يقطن (رانمارو) و (ساكورا) من قبل , كان يبدو على الأول الحزن منذ دخولهم لهذا المنزل , بالطبع لم يعرف الآخرون بقصة (ساكورا) كاملة مثلما يعرفها (ياكو) الذي آثر الصمت على أن يقوم بنبش رماد قد خمدت نيرانه أخيرا , جلسوا جميعا , قالت (ريميكا) :
-هل من الممكن أن يشرح لي أحد ماذا تخططون ؟! ولماذا أنقذتموني؟!
نظر نحوها (رانمارو) ثم قال :
-حسنا , نحن نخطط لبناء قرية جديدة , بدل قرية الريح البيضاء القديمة , بالطبع سنسير على أهدافها النبيلة في التصدي للظلم , و لهذا نحن نحتاجك معنا , فما رأيك ؟!
صمتت لبرهة تحدق به وهي تفكر , ثم قالت :
-بالطبع أنا أوافق , لقد ذقت مرارة الظلم كثيرا , لا أريد لغيري أن يرى ما رأيته , لابد من وضع حد لهذا التفشي الرهيب , لابد من أحد يشعل نورا وسط هذا الظلام مرة أخرى , و يسعدني أن أساهم في ذلك !
حدق بها الجميع وهم سعداء بموافقتها , ثم قال (تابيتو ) :
-هل توجد في عقل أحدكم فكرة كيف سنبدأ البحث عن المدينة ؟!
تحدثت (هارونا ) :
-ربما يمكننا أن نزور كل مدينة على حدة , و نتكلم مع حاكميها هناك !
ردت (ناجومي) :
-أعترض على هذا الاقتراح , فإذا فعلنا ذلك سنكون عرضة للهجوم من أعدائنا قبل أن نكون قد زرنا جميع المدن , فسينتشر خبر وجود مجموعة تبحث عن مكان يصلح لبناء قرية جديدة وسط عالمنا بسرعة كالنار في الهشيم , و لهذا يجب إبقاء بناء قريتنا سرا على الجميع , و كذلك يجب أن تكون استخباراتنا سرية لأقصى حد...!
قال (ياكو) في دهشة :
-هذا يعني أننا يجب ألا نثير الفضول حولنا , كيف ذلك و نحن لا نعرف أي شخص و لا أي تفاصيل عن أي مدينة ؟!
قال (تابيتو) :
-أنا أعرف ...!
نظر الجميع تجاهه , فتابع :
-أعرف مدينة لا يوجد بها أي قرية , كما أنها كانت تساعد قريتكم السابقة , و بها قدر كبير من العائلات النبيلة!
صرخت (هارونا ) في حدة :
-ما هي تلك المدينة ؟!
رد (تابيتو) بسرعة :
-اسمها (جيفو ) و تقع بالقرب من (ناجويا ) , قبل سقوط قرية الريح البيضاء كان سكان هذه المدينة يعاونونهم في هدفهم للدفاع عن البشر , بالطبع كانت مهمة شاقة وعسيرة , لكن بعد سقوط قرية الريح البيضاء لم يستطع مجلس الحكماء مواجهة السيل الجارف بمفرده بخاصة أنه لا يوجد لديهم كيان مستقل يستطيعون من خلاله الدفاع عن القرية , لكني أعتقد أنهم قد يوافقون على عرضنا إذا ما تقدمنا لهم ..!
نظر الجميع نحوه في تمعن شديد , فما قاله يعتبر مخرج نجاة لهم , لكن...
-ماذا إذا كنت مخطئا ؟!
تسائلت (ريميكا) , فنظر نحوها (تابيتو) و قال :
-ربما يكون هناك احتمال بهذا الرأي لكنه موجود بصورة أكبر في باقي المدن , فلماذا لا نجرب هذا الاحتمال , ربما لازالوا متمسكين بمبدأهم القديم , أما إذا لم يكونوا كذلك فما خسرنا سوى مدينة نحذفها من اختياراتنا و نبدأ في البحث عن غيرها !
صمت الجميع يفكرون فيما عرضه عليهم للتو , كان رأيه يبدو منطقيا إلى حد كبير , بعد برهة قالت (هيكارو):
-أنا أرى أن هذا الرأي جيد , لماذا لا نبدأ بتلك المدينة ؟!
قالت (تاكامي) معقبة :
-نعم , و أنا مع هذا الاقتراح ..
أومأ الباقيون برؤوسهم موافقين على هذا الاقتراح عندما توجه (رانمارو) بنظره نحو كل منهم , و أخيرا قال :
-حسنا , فلتكن مدينتا الأولى هي جيفو , أتمنى أن نوفق فيها , لكن كيف سنعرف قائد المدينة ؟
قالت (تاكامي) ببساطة :
-اتركوا هذا الأمر علي , فأنا اكتسبت خبرة في معرفة الأشخاص المهمين , سوف أتجول في المدينة و أبحث عن هذا القائد , و أتمنى أن أوفق في هذا ...!
قال (رانمارو) :
-حسنا , فلتذهب معكِ ناجومي , و كذلك ياكو , و أرجو أن توفقوا في رحلتكم !
أخذوا باقي النهار يعدون حاجياتهم للرحيل , بعدها تركوا المنزل نحو رحلتهم لهذه المدينة الجديدة , أما الباقون فقد جلسوا في المنزل في راحة تامة استعدادا لما هو آت , دخل (رانمارو) للتدريب مع وحشه , كما اتجهت (هيكارو) و(ريميكا) تلعب مع (ساكورا) , أما (تابيتو) فقد جلس يفكر وحيدا , أما من رحل فقد وصلوا نحو المدينة في غضون ساعتين تقريبا , و عند مشارفها قالت (تاكامي) :
-فلنختر مكانا مناسبا , أرجو أن يكون مرتفعا و يطل على المدينة ..!
أخذوا يسيرون في طريقهم صامتين حتى تسلقوا مرتفعا عاليا , جلسوا وسط صخور كصقر يصطاد فريسته من عل , قال (ياكو) :
-هل هنا جيد لكي ؟!
قالت (تاكامي) و هي تجلس على الأرض الصخرية :
-نعم , هذا مكان جيد جدا , هيا فأمامنا ليلة شاقة ...
قالتها و رفعت عصاتها و قالت :
-كاي !
تحولت العصا لشكلها المعتاد ثم تابعت بسلاسة :
-تيريسوكوبو بيجون !
من كان حولها كان لا يشعر بوجود أي تغيير حدث لها , لكنها كانت تشعر بهذا التغيير , فبداخل عينها قد تكونت حدقة مكبرة تقوم بزيادة قوة إبصارها بصورة كبيرة , كما و كأنها تمسك منظارا بيدها , قالت :
-سوبيريشورو !
لم يحدث شيء أيضا بالنسبة لمن يوجد حولها , فقد شعرا بالدهشة الشديدة من هذه التعاويذ التي لا تحدث أي تأثير , أما هي فقد أضافت لعينيها قدرة تمييز الأشخاص ذوي الطاقات الروحية من غيرهم , كانت ترى البشر هنا مجرد هالات مضيئة وهالات سوداء , المضيئة تشير لمن يمتلك طاقة روحية , أما السوداء تشير للعاديين , ساهمت هذه التعويذة بشكل كبير في تسهيل المهمة عليها , فقد انخفض العدد الذي تراقبه كثيرا جدا , لكنها تمتمت :
-يبدو أن هذه المدينة بها العديد من العائلات حقا !
قالت ذلك من انطباعها الذي تولد نتيجة رؤيتها لهذا العدد الكبير من الهالات المضيئة , لم يعلق أي من (ياكو) أو (هارونا) على ما قالته , لأنهما لم يدركا كيف عرفت هذا , استمرت هي في مراقبة الهالات , كان عملها السابق قد أكسبها هذه الخاصية الجميلة , حدسها بأهمية الأشخاص عند مراقبتهم , كان لديها حدس قوي صادق بالأشخاص المهمين بمجرد تتبع تحركاتهم , وهذا ما كانت تفعله , قالت وهي تتجول بنظرها بحرص شديد :
-يبدو أن ليلتنا ستكون طويلة , لقد وجدت خمسة أشخاص أشك في كونه أحدهم قائد المدينة , لكن لابد من مراقبتهم جيدا , كما ربما تزداد القائمة أكثر ...!
ظلوا قابعين في مكانهم حتى شروق الشمس , كانا صامتين حتى تركز (تاكامي) في عملها , كانت تقول لهم عدد ما حصرته مما تشك فيهم , وصلت إلى الآن لعدد يقارب الثلاثون شخصا , حتى الساعة تقريبا الثالثة بعد منتصف الليل بدأت تقوم بمراقبة من شكت فيه كونهم قائد المدينة , ظلت حتى شروق الشمس تقوم باستبعاد بعض ممن شكت في تصرفاتهم , حتى وصل العدد إلى ثلاثة , و هنا لم تستطع أن تكمل فقالت :
-لا أستطيع أن أقوم بأكثر من ذلك , هؤلاء الثلاثة لهم تحركات كثيرة , و محاطين بحراسة كبيرة , كما أن من يزورهم لديه حراسة كبيرة كذلك لكنهم أكثر الأفراد أهمية هنا , و لا أستبعد كون القائد منهم , و ربما يكون الآخران النائبان , ربما لكني لا أدري ..
نظر (ياكو) نحوها وقال بصوت عابس قليلا :
-و ما العمل إذن ؟!
قالت (هارونا ) :
-هل إذا اقتربنا منهم تستطيعين أن تحددي من القائد فيهم ؟
حدقت نحوها (تاكامي) بعد أن أزالت تعاويذها وردت قائلة :
-كلا , لا أستطيع أن أحدد أكثر من هذا , حتى إذا كنت مقابلة له وجها إلى وجه , فأنا أقوم فقط بتحليل التحركات و أستنتج منها أهمية الشخصية , وهذا شيء لا تفرق معه كوني بجوار الشخصية أو على مسافة كبيرة منها ...
قال (ياكو) مجددا وهو يمنع نفسه بصعوبة من التثاؤب :
-فما العمل إذن؟!
قالت (تاكامي) :
-لا شيء بيدنا نستطيع القيام به , فلنعد أدراجنا نحو المنزل مرة أخرى و هناك فلنر رأي رانمارو فيما وجدته!
أومأ الآخران برأسهما موافقين , ثم غادروا المكان متجهين نحو منزلهم مرة أخرى حتى يقرروا ماذا سيفعلونه بعد ذلك !


يتبـــــــــــــــــع.................

اماريج 01-08-10 08:02 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الثالث و الاربعون


مقابلة مع القائد


عاد الجميع تقريبا في الساعة العاشرة صباحا , قدمت (تاكامي) تقريرا سريعا عما حدث , بعدها ذهبت إلى الفراش كي تلحق ب(ياكو) و (هارونا) كي تنام , أخذ (رانمارو) يفكر فيما قالته له (تاكامي) , لم يكن قد أدرك أن الأمر سيتم بمثل هذه السرعة , جلس طوال النهار صامتا ينظر نحو الأفق في شرود , كما ظل (تابيتو) منعزلا في الطابق الأرضي لا يتكلم مع أحد و لا يراه أحد إلا نادرا , و انزوت (هيكارو) و (ريميكا) تلعب مع (ساكورا) طول الوقت , استيقظوا جميعا بعد غروب الشمس , كانت أجسادهم متعبة و مجهدة من تأثير السفر , نادى (رانمارو) على (تاكامي) , فحضرت إليه بعدما لعبت قليلا مع أختها الصغرى , جلست بجواره وهو لايزال ينظر نحو الأفق , فاستدار إليها وقال لها :

-لقد قررت , سوف أقوم بزيارة كل فرد منهم حتى أقرر من فيهم قائد المدينة !
اتسعت عيناها دهشة , فهذا كان آخر احتمال قد ورد على عقلها , كانت تعتقد أنه ليس بمثل هذا التهور , فردت قائلة :
-لا أعتقد أن هذا صوابا , فماذا لو ...!
قاطعها بقوله :
-لا يهمني , فآجلا أم عاجلا سوف نواجه قائد المدينة , لا آبه لسلامتي مادامت سحقق هدفي , و لم التردد و قد قاربنا على تحقيق هدفنا ؟!
نظرت نحوه و ظلت صامتة , جال بتفكيرها تساؤل فقالت :
-ولكن هل يعرف الجميع هنا هذا الأمر ؟!
نظر نحوها في شرود ثم قال بعد برهة قصيرة :
-لا أعتقد أنه من الصواب أن يعرفوا , فلندعهم هكذا حتى يتم تسوية الأمر !
قالت في سرعة بنبرة يشوبها الخوف :
-هذا فيه خطر شديد , فماذا لو حاربك أي فرد منهم ؟! لابد و أن نكون معك كي نساندك..!
نظر نحوها و عينه متسعة بصورة مخيفة و قال بصوت صارم :
-كلا , لا أريد ذلك , فإذا ما واجهت أي فرد منهم فسوف يكون هذا معناه تحدي , فإذا تغلبت عليه أو هزمني بعد مشقة فستكون هناك احتمالية كبيرة في حصولي على الموافقة بتكوين القرية , لكن إذا كنتم معي و ساعدتموني فهذا يعني أن ما أحققه من نصر لن يكون شيئا فرديا , و ربما يكون سببا في رفض طلبنا !
صمتت وهي تنظر نحوه بدهشة , بعد فترة قالت له :
-لكن لابد لنا من اصطحاب هيكارو معنا , فهي التي تغطي وجودك عن عيون كارا , كما ستغطي عليك في حال إذا ما هربت من هؤلاء الذين سنواجهم إذا ما حاولوا تعقبنا !
نظر (رانمارو) إليها ,ثم حول نظره تجاه (هيكارو) , كانت تلعب بضحكاتها العالية مع (ساكورا) و (ريميكا) لعبة الاختفاء , ابتسم وقال :
-حسنا , أخبريها , فقد حان وقت الجِد !

****************************


جلست الثلجية على أريكتها وهي تمسك سيجارة تنفث دخانها الكثيف وهي تنظر نحو (إيكويا) وهي تقول :

-هل لم تجدونه بعد ؟!
ردت عليها (إيكويا) :
-لا سيدتي , حاولنا البحث عن طاقته لكننا لم نجدها أبدا , يبدو أنه استطاع إخفاء طاقته بوسيلة ما ..!
قالت الثلجية بغضب شديد :
-كيف يحدث ذلك ...!
قالتها و رفعت قبضتها اليمنى لتهوي بها على المنضدة فتحطم زجاجها مرة أخرى , تابعت بحنق شديد :
-كيف لهذا الجبان أن يجد مساعدة في كل مرة ؟! أولا هرب من هاكو بواسطة تلك البغيضة , و الآن قد هرب مني شخصيا , كيف يمكن أن يحدث كل ذلك ؟! إنه هذا اللعين , إنه السبب في كل ما حدث لنا ...!
نظرت (إيكويا) تجاه سيدتها في صمت , تركتها تقول كل ما لديها ثم قالت لها بصوت يشوبه بعض الحذر :
-هذا ليس كل شيء سيدتي ..
نظرت نحوها الثلجية نظرة صارمة و قالت بصوت قاسي :
-ماذا هناك أيضا ؟!
ابتلعت (إيكويا) ريقها ثم قالت في حذر و كلماتها تخرج ببطء من فمها :
-لقد وردت أنباء عن تدمير قرية اليد الخفية في الصين منذ أربعة أيام !
-ماذا !!!
صرخت الثلجية فيها بصوت حاد , كانت عينها متسعة و وجنتاها محمرة , لم تجد سيدتها بهذا الحنق من قبل , قالت سيدتها وهي تضغط على كل كلمة تقولها :
-ماذا حل بتلك القرية بالضبط ؟!
قالت (إيكويا) في سرعة :
-لا أحد يعلم , لكن الأخبار الآتية من هناك تفيد بأن هجوما قد حدث قبل شروق الشمس بساعات , تبعه قتل أكثر من نصف أهل القرية , و محاربة القائد و نائبه و أحد رؤساء عائلات القرية لمن قام بالهجوم في معركة شديدة حامية الوطيس نتج عنها قتل القائد و النائب و رئيس القبيلة , و اختفاء المسئولين عن الأيجو و التانشينفونو و الكويو , مع تدمير شامل للقرية تبعا لهذا !
ظلت الثلحية تحملق بدهشة كبيرة في (إيكويا) , ظلت هكذا لفترة دامت دقيقة كاملة ثم تكلمت بصوت يملؤه الدهشة :
-لا تقولي لي أن هناك احتمال بأن هذا الفتى قد قام بمفرده أو بمساعدة من معه بتدمير القرية ؟!
نظرت لها وقالت :
-لا أدري سيدتي , فهذا احتمال قائم , فعندما طلبتي مني متابعة مستمرة له قد وجدت أنه قد وصل للصين , بل ووجدته قد ذهب إلى هذه القرية في الموعد الذي تدمر...
-مستحيــــــــــــــــل!!
قالتها صارخة في وجه (إيكويا) , تسمرت في مكانها (إيكويا) من الدهشة , لم تدر ماذا حل بسيدتها , هل هذا الفتى حقا قوي ؟! , كانت لا تدري حقا , لكنها قد رأت فيه الاستعداد لأن يكون قويا , نظرت الثلجية بعد صرختها إلى السقف ثم قالت بعد برهة من التفكير :
-استدعي اللورد ماكيتو إلى هنا , و كذلك ابقي وراء هذا اللعين , فقد يخطئ خطأ واحد فقط , و أقسم على وحشي أنني سوف أجعله يندم على هذا الخطأ طوال حياته !
ردت (إيكويا) :
-سمعا و طاعة سيدتي !
قالتها و اتجهت مغادرة الغرفة تاركة سيدتها تغرق في بحر من الأفكار السوداء وسط هذا الجو الرومانسي الأحمر في الغرفة مما أعطى شعورا غريبا بأن الغرفة تحترق ...

***********************

-حسنا , هناك في هذا المنزل يوجد أول شخص , أعتقد أنه القائد , فهو يمتلك أكثر الحراسة عددا من هؤلاء الثلاثة , كما أنه أكثر من الباقيين في تحركاته !
قالت (تاكامي) ذلك مشيرة نحو قصر فخم يتكون من طابقين باللون الأبيض , تحيط به حديقة واسعة , و من الخارج يحيطه سور حديدي , يوجد فوقه على امتداد السور كاميرات مراقبة , أما عند البوابة فتوجد ماكينة تكلم تصل من بالخارج بمن يقبع بالداخل في أماكن الحراسة , بدون أدنى تردد سار ( رانمارو) نحو البوابة وسط ذهول (هيكارو) و (تاكامي) , عندما أفاقا لم يكن من الممكن أن يوقفاه , فقد وصل للبوابة , عند البوابة قام (رانمارو) بالضغط على زر أحمر موجود بالآلة , فصدر صوت منها يشوبه صوت معدني قليلا :
((-من بالخارج؟!))
صمت (رانمارو) قليلا ثم قال :
-قل لسيدك أن هناك من يرد أن يراه !
((-ومن هذا الزائر في هذا الوقت ؟!))
صمت قليلا قبل أن يقول بصوت هادئ :
-أخبره أن المنبوذ عند الباب ينتظر الدخول !
لم يصدر أي صوت من داخل الآلة , ظل لفترة تقارب الخمس دقائق هكذا , أما (هيكارو) فقد زادت من تعويذتها بحيث تغطي مساحة القصر كاملة , بالطبع كان هذا أمر شاق , لكنها لم تستخدم طاقتها منذ فترة , و هي معتادة على أشياء أكثر مشقة مما تفعله الآن , بعد خمس دقائق صدر صوت معدني يعبر عن فتح قفل ما , ثم بدأت البوابة المعدنية الكبيرة تتحرك نحو الداخل فاتحة الباب (لرانمارو) كي يعبر للداخل , ركضت (تاكامي) لتلحق به , وصلت إليه وهو داخل القصر ببضع أمتار , التفت إليها وقال محدقا فيها :
-ما جاء بكي إلى هنا ؟! ألم يكن من الأفضل أن تظلي مع هيكارو ؟!
لم تحتاج (تاكامي) للرد , فقد جاء ظهور (هيكارو ) ورائها ردا كافيا لما قاله , زفر متنهدا في تعب و ضيق , ثم قال وهو يدير ظهره لهما :
-حسنا , لا تتركي (هيكارو) أبدا بمفردها مهما حدث , حتى لو اضطررت لاستخدام القوة من أجل ذلك !
فجأة شعر و كأن السماء قد اصطبغت بلون بنفسجي باهت , التفت حوله ينظر للسماء , ثم اتجه ينظر نحو القصر , فوجد أن بخارجه قد وقف عشرون شخصا , جميعهم لديهم هالة مضيئة , يغطي المعطف كامل جسدهم , منهم من هو ساحر , و منهم من هو مصاص دماء , كان يفصل بينهم و بين القصر مسافة تقارب المائة متر , صدر صوت فتح باب في القصر , سرعان ما ظهر شخص يلبس معطفا أحمرا ناريا تتداخل معه خطوط صفراء لامعة طولية , كانت رسمة العائلة المميزة تزين مقدمة الثوب و خلفه , كانت عبارة عن أسد يزأر , تقدم الرجل للأمام ثم قال عندما صارت المسافة بينه وبين (رانمارو) ومن معه :
-لقد أردت رؤيتي أيها المنبوذ , ماذا تفعل في عالمنا ؟! ألم ننبذك بعيدا عنا بعد الخطأ الذي قد اقترفته ؟!
نظرت (تاكامي) و (هيكارو) نحو (رانمارو) , فوجدوا الأخير يقف مبتسما هادئا , مما أثار دهشتهم و حنق صاحب القصر مما دفعه ليتسائل بصوت مرتفع :
-ما هذه الوقاحة أيها اللعين , ألم يكفيك ما فعلت و أنت لازلت رضيع , أتريد أن تدمر ما تبقى في العالم من خير؟!
نظر تجاهه (رانمارو) ثم قال له :
-لقد تم التغرير بكم جميعا !
اتسعت عينا الرجل في دهشة , ثم تمالك نفسه خوفا من تسرب الدهشة و تملكها من نفوس رجاله , فقال مسرعا :
-ماذا تقصد بهذا أيها اللعين ؟؟! هل أردت قتلي ؟
رد عليه قائلا :
-من قال أنني أريد قتلك ؟ أنا قلت أنه قد تم خداعكم جميعا , فما حدث منذ أربعة عشر عاما ليس ما تتخيلونه !
قطب الرجل جبينه و قال له :
-ماذا تقصد بكوننا قد خُدعنا ؟!
قال له (رانمارو) شارحا :
-ما أقصده هو أن الحقيقة ليست كذلك , فما قد وصلني من معلومات هو أن والداي قد خانا القرية قبل تدميرها ...!
-أيها اللعين , كيف تصف ماساشي بتلك الوصمة ؟! هل تريد أن تلقي بأخطائك عليهما ؟!
صرخ الرجل وقد احمر وجهه بشدة من الغضب , رفع عصاته التي يوجد في نهايتها رأس أسد فاتحا فمه , فسارع (رانمارو) بقوله :
-لماذا لا تعرف ما الخديعة و بعدها تقرر ؟! ألا تشعر بوجود شيء خاطئ في الصورة التي قد تم رسمها منذ أربعة عشر عاما ؟! إن لم يوجد هناك خطأ فلماذا قد نبذتموني بدلا من أن تقتلوني؟!
اتسعت عينا الرجل في دهشة و قلق , اهتزت يداه الممسكة بالعصا في شدة , كان بداخل نفسه مشاعر متداخلة , نعم هناك خلل ما قد شعره الجميع لكن بدون أي تفسير , تركوا الموضوع يضيع وسط غياهب النسيان كما تضيع باقي الأمور الغير قابلة للتفسير , فاقدين الأمل في وجود بصيص أمل في فهم ما حدث , إلا هو , لقد شعر منذ تلك الفترة أن هذا الغلام الصغير سيكون مفتاحا للغز و للمعضلة , لهذا كان هو سبب الاقتراح بنبذه بدلا من قتله , لقد كان يتكلم (رانمارو) بصدق , لقد نبع هذا الاقتراح من وسط شكوكي بعدم تصديقي التام للتفسير بأنه قد قتل والديه وهو صغير يحبو لا يقدر على قول كلمتي (أبي , أمي ) , فأنى له من أن يقول تعويذة ؟! جالت هذه الخواطر بعقل الرجل , كان (رانمارو) يدرك هذا جيدا , فقال بسرعة :
-توجد لدي شكوك بوجود رجلا واحدا وراء كل ما حدث , وهذا الرجل هو من يحاول تجميع كارا و بوكاهاتسو منذ زمن ؟!
نظر نحوه الرجل في صمت مندهشا , كيف له أن يعرف مثل هذه المعلومة البالغة السرية ؟! لقد واجه مشقة كبيرة في البحث عنها , تعرض للمخاطر العديدة حتى يظفر بتلك المعلومة , فكيف لهذا الصغير أن يعرفها ...
-كيف عرفت تلك المعلومة ؟!
تسائل الرجل في صوت يحاول أن يصطبغه بالصرامة فوق الشغف لكنه فشل في ذلك , فأجابه (رانمارو) بكل بساطة :
-الثلجية أخبرتني بهذا !
حتى هنا كان الرجل مندهشا , لكن بعد رد (رانمارو) الأخير صار مصعوقا , لقد قال اسم رئيسة (كارا) بكل بساطة , كيف له أن يعرفها , بل كيف له أن يقابلها , فلا يقابلها أي شخص , لابد من ان يكون قويا جدا , و مرتفعا في مكانته في عالمنا , أما هذا الغلام...
-كيف تعرف هذه المرأة ؟!
نظر نحوه (رانمارو) ثم قال :
-لقد طلبت مني أن تجعل معي أحد أتباعها كي تستخدمني كطعم لإصطياد هذا الغريب , حيث أنها أخبرتني أنه لا يبغض أحد مثلما يبغضني , كما أخبرتني أن كارا لم تدمر القرية كما هو شائع , بل هذا الرجل قد دمر قريتي القديمة , في حين كانت كارا مجرد واجهة و رمز يتم نسب النصر إليهم حتى يظل هذا الغريب في الخفاء دون أن يعلم به أي شخص !
صمت الرجل يفكر فيما قاله (رانمارو) , فبالفعل من قد نجا من القرية قد أخبرهم أن قوات (كارا) قد دخلت القرية بعد حدوث هرج داخلها قد أفسد نظام القرية الأمني , كما نتج عنه تدمير الدرع مما تسبب بانهيار القرية بكل بساطة , وأن (كارا) جاءت بعد سقوط القرية , كان ما يقوله (رانمارو) يبدو منطقيا في نظره , لكن...
-هذا أمر قد حدث منذ فترة بعيدة , فما علاقة هذا بي أيها المنبوذ ؟!
نظر نحوه (رانمارو) و قال بصوت بارد :
-أريد أن أكون قرية جديدة وسط مدينتكم , أريد أن أعيد بناء قرية الريح البيضاء هنا !


اماريج 01-08-10 08:03 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الرابع و الأربعون


قرار التحدي


تردد صوت خطوات رجل يمشي بسرعة في طرقات هذا المقر السري , كان من العجلة بحيث لم يرد على التحية التي وجهها إليه كل من يوجد بهذا الممر , توقف عند باب خشبي جميل منقوش عليه رسمة طائر عظيم , دق على الباب ثم دلف للداخل , نظرت نحوه الجالسة في تراخي ثم قالت :

-لماذا هذه العجلة أيها اللورد؟!
حملق نحوها اللورد و عيناه يكاد يخرج منها شرر متطاير ثم قال لها :
-ألا تعرفين ما قد حدث ؟ لقد أخبرتني إيكويا بما حدث , إنها لكارثة , لقد أخبرتكي بضرورة الانتقام من هذا اللعين , انتقاما لما حدث لولدي , لكنه الآن قد هرب ..!
-اصمت !
صرخت في وجهه الثلجية حتى يتمالك أعصابه , أمسكت علبة سجائرها و أخرجت سيجارة منها ثم ألقتها على المنضدة التي تم تغيير زجاجها , أمسكت بالقداحة و أشعلتها آخذة نفس عميق منها , ثم نفثت الدخان في بطء وهو تتأمل السقف , ثم قالت :
-أعترف أنه حدث خطأ في تقديري لهذا الغلام , لكن لا تنس أنه يتلقى معونة من هذا الغريب دون أن يشعر !
تسمر اللورد في مكانه وقال ذاهلا :
-هل لازال يتلقى المساعدة منه رغم تحذيرك له ؟!
نظرت نحوه ثم قالت في بطء :
-لا أدري السبب , ربما يوجد آخرون معه يساعدونه , فنحن لم نعرف من معه حتى الآن , و هذا بالطبع يحمل الكثير من المخاطر , لكن من المؤكد أنه قد استغنى عن مساعدة هذا الغريب إذا كان حقا هو من يساعده !
ضيق اللورد عينيه وهو يقول :
-ماذا تعنين بقولك إذا كان حقا هو من يساعده ؟!
صمتت للحظات أخذت فيها نفسا عميقا من سيجارتها , ثم قالت :
-أقول أنه ربما لا دخل لهذا الرجل بما يفعله هذا الصبي , فكلنا نعرف مدى قوة عائلة اليوشاهارو , و مدى طموحهم و إرادتهم الفولاذية , ربما انتوى هذا الشاب شيئا يعمل على تحقيقه الآن , و لهذا السبب فهو قد فعل كل هذه الأفعال , فربما لم يكن مدفوعا من قبل هذا الغريب , بل الغريب يدرك هذا جيدا , فهو أكثر الناس بغضا له , و بالتالي فهو أكثر من يعرفه , ربما قد أضاء له طريقه نحو هدفه الغامض و تركه كي يحققه , لا أدري لماذا حتى الآن , كما لا أرى ما هو هدف هذا الصبي , وإن بدأت في الشك و بقوة في كون هذا الهدف كبيرا , أكبر مما نتخيل...

*******************

حملق الرجل في (رانمارو) , فقال بنبرة شك واضحة :
-هل قلت أنك قد جئت إلى هنا لعمل قرية جديدة ؟!
رد (رانمارو) بنفس الهدوء الذي قال فيه جملته السابقة :
-نعم , أنا أريد أن أبني قرية أطلق عليها اسم قرية الريح البيضاء , خلفا لقريتي الماضية , و تكون نواة لحركة شاملة تقف في وجه كارا و بوكاهاتسو !
صمت الرجل غير مصدق لما تسمعه أذناه , فهل ينتوي هذا الصغير حقا فعل ما قاله ؟! إنه لجنون حقا ما يقوله , لكن...
-وما دخلي بهذا الأمر ؟!
قالها الرجل بخبث قليلا , فابتسم (رانمارو) , فها قد تأكد من أنه رئيس المدينة , فقال بنبرة أكثر ثقة :
-لأنك رئيس المدينة و رئيس مجلس حكماءها !
صعق الرجل دهشة مما قد سمعه للتو , فنعم طوال فترة حياته كان مجلس حكمائه هو المساند الرئيسي لقرية الريح البيضاء في حربها ضد أعداء البشر , لكن بعد سقوط قرية الريح البيضاء ما قد جعل أعضاء هذا المجلس لازالوا على قيد الحياة بعد هو عدم معرفة أي شخص من هم الأعضاء من الأصل , فلو عرف أحد هويتهم لكانوا قد قتلوا منذ زمن , لكن كل هذه المهارة في اخفاء هوياتهم , كل العناء الذي تكبدوه من أجل اخفاء هوية حتى رؤساء العائلات عن من يوجد خارج العائلة , وبذلك ظل سر مجلس الحكماء مخفي للأبد , كانت هذه هي عادة أهل المدينة و عائلاتها , عادة من يخالفها يعاقب بالموت , حملق الرجل نحوه مصعوقا وقال له :
-من ...من قال لك هذا الكلام السخيف !
كان يبدو لمن لا يرى أنه يكذب فيما يدعيه بكون هذا الكلام سخيفا , ضيق (رانمارو) عينيه وهو يقول :
-هل تعني أنه لا يعرف هوية أعضاء مجلس حكماء المدينة أحد غير سكانها ؟!
صرخ فيه الرجل بصوت هادر :
-لا تتذاكي علي أيها الطفل الصغير , قل لي من كشف لك عن هويتنا ؟!
قالها وقد اشتعل جسده بطاقة برتقالية اللون , أخذت تتصاعد من قمة رأسه حتى السماء , نظرت إليه (تاكامي) و (هيكارو) خائفتين منه , أما ثالثهما فلم يتحرك من مكانه , بل نظر نحوه وقال :
-لا تستهن بي أيها العجوز , فأنا سليل عائلة اليوشاهارو العظيمة , لن أكرر كلامي مرة أخرى , أنا جئت هنا كي أحصل على تصريح بتكوين قرية جديدة على مدينتكم , فما قولك؟!
قالها وحملق ببرود و صرامة في الرجل , تبادل الاثنان النظر للحظات قليلة , كان غضب الرجل قد طغى على تفكيره , كل ما كان يفكر فيه هو أن هناك من خان المدينة , و عليه أن يكتشف من حتى يجعله عبرة لمن لا يعتبر , صاحت (تاكامي) فجأة :
-أنا من أخبره أنك ربما تكون قائد المجلس !
نظر الرجل نحوها في صمت , ثم قال بعد برهة بصوت جهوري :
-ومن أنتي ؟ و كيف عرفتي أنني القائد هنا ؟ أنتي لستي واحدة من أهل القرية !
ارتعشت (تاكامي) بشدة , لم تستطع أن تقف على قدميها , خرت ساقطة على الأرض , اتجهت نحوها (هيكارو) صارخة , كانت نظرة الرجل إليها قوية لهذه الدرجة , هكذا فكر (رانمارو) , التفت نحو الرجل ثم قال له :
-هذه نعم واحدة ليست من أفراد مدينتك , لكنها عضوة في فريقي , و هي متخصصة في البحث عن الأفراد , وقد حددث ثلاثة أشخاص بعينهم احتمال كبير أن يكون أحدهم قائد القرية , لكني بدأت بك , و كان حظي جيدا !
حملق الرجل فيه لبرهة , قد بدأ عقله يعود للعمل مرة ثانية , لو كان (رانمارو) يتبع (كارا) حقا لكان قد مات , فإذا علمت (كارا) بوجود أشخاص قليلون لهم احتمالية أن يكونوا أفراد المجلس الحاكم لما ترددت لحظة في اغتيالهم , لكنه جاء في سلام تام , و طلب الإذن بمقابلتي , هل هناك لعبة في هذا الأمر؟! , هكذا فكر الرجل وهو ينظر تجاه (رانمارو) , توجه ناظرا نحو (تاكامي) ثم قال لها :
-إذا كنتي تستطيعين البحث بهذه الدقة فعلا عن قائد المدينة , فهل يمكن أن تبحثي عن أعضاء مجلسها الحاكم ؟!
نظرت له (تاكامي) وهي جالسة مفترشة الأرض والعرق يغمرها , قالت بوهن :
-إذا قلت لك عمن كنت أشك في كونهم أعضاء هامين بالمدينة فستصدقنا ؟!
اتسعت عينا الرجل من جوابها السريع , بل و الجاهز أيضا , صدر صوت عال يتردد في عقله :
((-إنهم ليسوا من كارا
-لكن إذا كانوا منها فسوف تكون صدمة كبرى
-ماذا تريد كارا غير رؤوسنا ؟! إذا ما كانوا من كارا ما الضرر الذي قد يحدث لنا ؟!
-نعم , معك حق , إذا كانوا من كارا لكان كل هؤلاء المشتبه بهم فعلا في عداد الأموات , لكننا لازلتما على قيد الحياة , إذا استطاعت تلك الفتاة نطق أسماء معظم أعضاء المجلس فسوف أصدقهم , لكن لابد من أخذ رأي الجميع
-حسنا فلنستمع إلى تلك الصغيرة أولا ))
قال الرجل في هدوء شديد استغرب منه الجميع حتى أعوانه :
-حسنا , أخبريني بمن تشكين في كونهم أعضاء المجلس الحاكم , إذا كانوا كذلك فسوف أصدق ما تقولونه , لكن الأمر في النهاية يخضع لمجلس القرية ...!
قالت (تاكامي) بلهجة فرح :
-هل يعني ذلك أنك ستصدقنا ؟!
-نعم شريطة أن تقولي أسماء من تشكين في كونهم أعضاء المجلس الحاكم !
نظرت نحوه ثم تكلمت , قالت عن أماكن من ظنت أنهم أعضاء مهمين في المدينة , بعد أن انتهت اتسعت عيناه من الفزع , فهي قد قالت له جميع أسماء أعضاء مجلس الحكم , بل لم تترك حتى النواب لكل عائلة , قال بدون ان يدري :
-إن ما معكي من معلومات لهو شيء خطير !
نظر نحوه (رانمارو) ثم قال له :
-إذا فكرت ولو للحظة في إيذاء تاكامي فسوف أواجهك حتى الموت !
نظر نحوه في صمت , ثم استدار راجعا إلى القصر وهو يقول :
-اخفضوا أسلحتكم جميعا , فسوف يمكثون الليلة هنا كضيوف عندي !
قالها و بدأ في صعود الدرج المؤدي لداخل القصر , فاستوقفه (رانمارو) بقوله :
-ماذا قلت في طلبي سيدي ؟!
توقف و استدار له , كان في منتصف صعوده لهذا الدرج , قال ردا على كلامه :
-أولا اسمي أكيهيرو , أما ما يتعلق بأمر طلبك فسوف نناقشه بالداخل !
قالها و تابع صعود الدرج , نظر (رانمارو) نحو رجاله فوجدهم قد ألغوا تنشيطهم لعصيهم السحرية ناظرين نحوهم , فتوجه ناظرا نحو (تاكامي) و (هيكارو) , فأومأ كل منهما برأسه موافقين , فتحرك نحو الأمام , بينما ساعدت (هيكارو) (تاكامي) على النهوض من على الأرض , أخذت كل منهما تنفض التراب من على ملابسها وهي تتبع (رانمارو) في طريقه نحو مدخل القصر , صعد الدرج يتبعه رفيقتيه حتى دخل من الباب , كان ما رآه بالداخل بديعا , لكن كان لا يملك وقتا ليقف أمام هذه التحفة , فأكمل طريقه للداخل في ردهة واسعة جلس فيها (أكيهيرو) , فتوجه إليه (رانمارو) و جلس على مقعد مواجه له , نظر (أكيهيرو) نحو الفتاتين اللتين قد توقفتا مبهورتين مما يوجد بداخل القصر من ديكورات و مشغولات ذهبية بفن عال وقال مبتسما :
-يبدو أن الفتيات لا تتوقفن عن حب الجمال في أي شيء !
نظر نحوهما (رانمارو) ثم ابتسم هو الآخر , وقال :
-نعم , فهما لازالتا فتاتين رغم كل شيء !
رمقه (أكيهيرو) بنظرة فاحصة قبل أن يقول له :
-لقد أرسلت أخبر باقي رؤساء القرى , ربما يستغرق الاجتماع قرابة ساعتين تقريبا , فما تطلبه قد يبدو مجنونا حقا , لكن أولا هل تعرف ما هي متطلبات القرية ؟ هناك عائلات يجب أن ...
لم يدعه (رانمارو) يكمل كلامه حيث قال :
-نحن معنا فردا من عائلات الأيجو , التانشينفونو , الكويو , و الشي يو , أما ما يتعلق بنظام الأمن والدفاع و التعليم فسوف تتم مناقشة ذلك بعد الانتهاء من الاتفاق على تكوين القرية بمساعدة رؤساء القرى هنا !
نظر نحوه (أكيهيرو) وهو مندهش مما قاله , فتمتم قائلا :
-يبدو أنك مستعد حقا لهذا المشروع بجدية !
حملق فيه (رانمارو) للحظة قبل أن يقول :
-أنت لم تدرك حتى هذه اللحظة أنني آخذ طلبي هذا على محمل الجد و ليس الهزل !
وضع دخول الخادم حدا لهذا النقاش المتنامي بينهما , نظرا إليه وهو يقول :
-لقد جاءت رسالة تفيد بالموافقة من الجميع سيدي !
أشار (كيهيرو ) لخادمه لكي يغادر , نظر نحو (رانمارو) بعدها و هو يقول له بلهجة اعتذار:
-آسف جدا لكن يجب علي الرحيل , سوف يتم مناقشة طلبك هذا , و أرجو من كل قلبي أن يتم الموافقة عليه , فوجود قرية مثل قريتك السابقة كانت بمثابة غصة في حلق أعدائنا , و بالفعل نحن نريد لها العودة مرة أخرى!
قال ذلك ثم قام من المكان معتذرا للفتاتين بعدما مزح معهما للحظات قليلة , بعدها اختفى داخل قصره , جائتا الفتاتان لتجلسان بجوار (رانمارو) تستفسران عما حدث , فأخذ يقص عليهما عما قد دار بينهما من حديث قصير .

*********************

نظرت (ناجومي) في جميع أرجاء المنزل تبحث عن فريستها لكنها لم تجدها , رجعت خائبة اليد إلى (تابيتو) , ارتمت على أقرب مقعد لها في تعب , سألها (ياكو) :
-هل لم تجدي أي أثر لهما حتى الآن ؟!
نظرت إليه في صمت , كانت منذ ساعات تبحث عنهم , فجأة اختفوا ثلاثتهم بدون أي سبب أو حتى ترك رسالة , صدر صوت خبطات على باب الغرفة , كانت خبطات يد رقيقة دالة على الصغيرة الجميلة (ساكورا) , ذهب (ياكو) يفتح لها الباب , دخلت وهي تلهو بكرتها الصغيرة داخل الغرفة , نظر الجميع نحوها في صمت , فجأة خطرت فكرة (لتابيتو) فقال :
-ساكورا , عزيزتي ..!
انتبهت إليه الصغيرة وهي تمسك بالكرة في براءة فتابع :
-هل رأيتي أختك تاكامي اليوم ؟!
ظلت صامتة تحملق فيه ثم قالت له :
-نعم , لقد رأيتها تخرج هي و هيكارو و رانمارو سويا !
اتسعت عينا (تابيتو) كمن وجد نصرا , فقال بسرعة شديدة :
-ألم تسمعي ما كانوا يقولونه قبل مغادرتهم ؟!
قالته له الصغيرة :
-كلا , فأنتم تتحدثون بصوت خفيض جدا , و لذلك لا يمكنني سماع ما تقولونه !
أصابتهم خيبة الأمل بالصمت الشديد , أخذت (ساكورا) تلهو بكرتها الصغيرة للحظات , ثم اعتدلت و سارت نحو (ياكو) عندما دقت عقارب الساعة مشيرة إلى الساعة العاشرة مساءا , نظر نحوها (ياكو) وهي جالسا على المقعد في حزن وقال لها :
-ماذا تريدين عزيزتي !
لم تقل شيءا , بل دست يدها الرقيقة داخل جيب سترتها الأنيقة ذات اللون الأسود اللامع و الأطراف الصوفية بيضاء اللون , ثم أخرجتها وهي تمسك بورقة بيدها اليمنى , ناولت الورقة ل(ياكو) وهي تقل :
-لقد طلبت مني أختي أن أعطيك تلك الورقة عند الساعة العاشرة ...!
قالتها ثم تركت الورقة في يد (ياكو) المفتوحة وهو صامت من الدهشة , ذهبت تلعب خارجة من الغرفة بكرتها تقزفها بقدمها نحو الأمام وتجري لاحقة بها , أفاق بعد ذلك بثانيتين تقريبا , أمسك الورقة بكلتا يديه و فضها ليقرأ الآتي :
((-أعزائي , لقد قررت أن أخوض غمار معركة البحث عن القائد بمفردي , بالطبع أحتاج إلى تاكامي فهي التي تعرف الأشخاص التي تشك بهم , و كذلك هيكارو حتى أغطي على وجودي من كارا , لم أقل لكم حتى لا ترفضوا , و أنا على يقين من ذلك , لا تتعبوا أنفسكم , ففي الوقت الذي تقرأون فيه هذا الخطاب أكون قد قابلت أول الأشخاص , تمنوا لنا التوفيق.
رانمــــــــارو. ))
أعاد (ياكو) قراءة هذا الخطاب عدة مرات قبل أن يقوم بعصره في قبضة يده ويقول :
-هذا الأحمق , يريد دائما أن يلعب دور البطل على حساب حياته , أتمنى أن تحافظ على حياتك حقا , و ألا تعرضها للخطر كما هي عادتك دوما أخي !


يتبــــــــــــــــــــــــــــع.................. ...........

اماريج 01-08-10 08:04 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الخامس و الأربعون


اتخاذ قرار


جلس كل من الزعماء الخمسة عشر للعائلات النبيلة الموجودة بالمدينة كل فرد في مقعده الخاص به , جلس على مقدمة الطاولة البيضاوية (أكيهيرو) , ظل واقفا في حين جلس الجميع ينظرون إليه في ترقب , حيث قد طلب منهم التجمع لأمر عاجل و شديد الخطورة , افتتح الجلسة بقوله :

-أعرف أنكم جميعا تتسائلون عما حدث حتى نتجمع هنا , لكنه بحق شيء مهم جدا ...
نظر للجميع فوجدهم يستمعون إلى ما يقوله في اهتمام , فقال :
-سألخص الأمر في أبسط الكلمات , لقد جاء إلي المنبوذ يطلب الإذن بتكوين قرية الريح البيضاء مرة أخرى على أرض مدينتنا !
صمت , نظر حوله , وجد الجميع لم يستوعبوا الصدمة بعد , تحدث نائبه قائلا في استنكار واضح :
-المنبوذ؟! أليس هو ذلك الغلام الذي قد قتل أبواه و تسبب في تدمير قرية الريح البيضاء ؟!
نظر نحوه (أكيهيرو) ثم قال :
-نعم هو بعينه , لكنه قد قال لي شيئا آخر !
ظهرت الدهشة واضحة على وجه النائب , وكذلك على وجوه الجميع , كان الجميع يدرك من هو (أكيهيرو) , و يدركون مدى حكمته و صواب قراراته , لهذا صمتوا جميعا لينصتوا إلى ما سيقوله , تابع القائد قائلا :
-لقد أخبرني عن وجود مكيدة قد تم نصبها , مكيدة نصبها رجل غريب لا نعرفه , هذا الرجل قام باستخدام كارا للدخول إلى القرية بعدما يحدث فيها الاضطراب و التدمير ...
قاطعه رجل يجلس في أقصى القاعة قائلا :
-ولمَ يفكر شخص في ذلك الأمر ؟! إن كان بمقدوره حقا أن يقوم بتدمير القرية بمفرده , فلماذا لا ينسب الأمر لنفسه ؟! أنسيت مقدار القرية عزيزي ؟!
نظر نحوه (أكيهيرو ) ثم قال :
-كلا لم أنس, لكن إذا نظرت للأمر من منظور أن هذا الرجل لا يريد أن يكون ظاهرا للعيان , يريد أن يكون مخفيا , لا يهمه مجد القضاء على قرية الريح كما يهمه الحصول على مجد آخر , مجد كي يحصل عليه لابد من الحفاظ على هويته سرا , ووجوده مخفيا عن العالم بأسره , لهذا استعان بكارا , و جعلها تدخل القرية بعد تدميرها , لهذا السبب تم نسب النصر لكارا و ليس له , و لهذا السبب لم نسمع عنه أيضا !
تكلم شخص آخر يقبع على يسار (أكيهيرو) قائلا :
-ألا ترَ عزيزي أكيهيرو أن هذا الغلام يكذب كذبة حمقاء ؟! شخص مجهول لا يعلمه أحد يزعم أنه هو من دمر القرية و من قتل أبواه وليس هو , من سيصدق هذا ؟!
التفت إليه (أكيهيرو) و رد عليه بقوله :
-معك حق عزيزي سينتا , لكن إذا علمنا أن الرجل المقصود من هذا الحديث هو نفس الرجل الغامض الذي يحاول توحيد كارا و بوكاهاتسو ليسيطر على العالم ..!
صدر صوت همهمة بين الحاضرين , كانت هذه النقطة تستحق المناقشة بالفعل , رفع أحدهم صوته و كان يجلس على يسار (أكيهيرو) قائلا :
-هل تعني أن المنبوذ قد أخبرك عن هذا الشخص ؟! ألا تجد الموضوع يشوبه شكوك عديدة , فبداية نحن بكل قوتنا و اتصالاتنا لم نستطع معرفة وجود هذه المؤامرة إلا بتضحيات كبيرة , و أنت على علم بهذا , فكيف له أن يعرف ؟!
نظر تجاهه (أكيهيرو) في صمت ثم قال :
-قال لي أن الثلجية أخبرته بهذا !
صاح البعض معترضا بصوت عالي , في حين اكتفى البعض بالتلويح , و قلة قليلة قد التزمت في مكانها صامتة تفكر بهدوء و بتمعن و بترو فيما يقوله قائدهم , بعد هدوء القاعة مرة أخرى تحدث (أكيهيرو) :
-لقد أخبرني أن الثلجية قد أمرته أن يكون طعما لكي تصطاد به هذا الرجل , فهي على حد قولها يكره المنبوذ بشدة , لهذا فإن المنبوذ يصطحب معه فردا من الأيجو كي يخفي قوته عنها ...!
تحدث آخر بصوت مرتفع قاطعا حديث القائد ::
-ولماذا لا يكون سبب ذلك هو رغبته في ألا نتتبعه بعد مغادرته ؟!
نظر تجاهه (أكيهيرو) , فوجده الجالس في مقابلته عند الطرف الآخر من الطاولة , كان من أعقل رؤساء العائلات , فرد عليه بقوله :
-بالطبع هذا احتمال وارد و قوي عزيزي بنيتو , لكن هناك شيء قد نسف كل هذه الاعتراضات من جذورها ...
حملق الجميع نحوه في شغف , فقال لهم :
-إنه يعرف هوية جميع أعضاء مجلسنا هذا...!!!

***********************

-لم كل هذه العصبية , الأمر لا يحتمل كل هذا !
نظر اللورد تجاه الثلجية , كان لا يزال يذرع الغرفة ذهابا و مجيئا , كانت عصبيته شديدة وواضحة , تابعت قائلة :
-هذا اللعين رانمارو لن يذهب بعيدا , فقط علينا أن نفكر بترو , لا أن نفقد أعصابنا !
نظر نحوها بعين متقدة ثم قال :
-أنا لست عصبيا بسبب هذا اللعين , أنتي تعرفينني جيدا ..!
ردت قائلة :
-إذا ما سبب كل تلك العصبية ؟!
رد عليها بقوله :
-السبب هو وجود شخص لا نعرفه يخطط لشيء نجهله ويريد منّا أن نكون تحت إمرته و طوع بنانه , ليس لشيء سوى أنه بمفرده قد تغلب على قرية احتارت منظمتنا بكامل قوتها أن تدمرها ..!
قالها و ضرب قبضته اليسرى في الحائط الخشبي في عنف , فجأة انفتح الباب , كان يبدو أنه قد فُتح تحت تأثير قبضة اللورد , لكن ظهرت عند الباب (إيكويا) , دخلت بسرعة وقالت:
-خبر عاجل سيدتي !
نظرت تجاهها الثلجية ثم قالت :
-ماهو إيكويا ؟ في الفترة الأخيرة كانت كل أخبارك سيئة , أرجو ألا يكون بكي هذا العيب !
نظرت صامتة إليها للحظات قبل أن تقول الثلجية بنبرة أكثر هدوءا :
-لا عليكي عزيزتي , أنا فقط متوترة قليلا , ما عندك ؟!
قالتها وهي ترمق اللورد بنظرتها , قالت (إيكويا) :
-لقد جاءت رسالة من شخص يطلق على نفسه لقب ملك الأرض ..
اتسعت عينا الثلجية في حين قال اللورد :
-ماذا يقول فيها هذا اللعين ؟!
نظرت نحوه (إيكويا) ولم تعلق , استدارت تنظر نحو سيدتها فأشارت بيدها اليسرى لكي تستمر , فقالت :
-يطلب فيها أن يقابلكما بعد ساعتين في مكان المدينة المهجورة الذي تعرفانه جيدا !
تسائلت الثلجية في هدوء و هي تضيق من نظرة عينيها :
-هل بعث الرسالة لي شخصيا ؟!
ردت (إيكويا) قائلة :
-كلا سيدتي , لقد أرسلها لكما معا وكأنه يعرف بوجود اللورد هنا !!
اتسعت عينا اللورد وهو ينظر تجاه الثلجية , فهذا الغريب يعرف تحركاتهما جيدا ...

***********************

تلفت (رانمارو) ناظرا حوله في ترقب , فقد كان يشعر بأن عقارب الساعة لا تتحرك على الاطلاق , كلما نظر نحو ساعة الحائط تلك شعر و كأن الوقت قد توقف , كان كل فترة يتبادل حديث قصير مع الفتاتين , ثم يتوقف الجميع عن الكلام , ظلوا هكذا لقرابة ساعتين ونصف , قام (رانمارو) من مقعده يجوب الردهة ذهابا و إيابا , فقالت (تاكامي) :
-لا تقلق , فأنت قد أقنعت رئيس المدينة برأيك , و هذه نقطة تحسب لك , فلا تحمل هم باقي أعضاء المجلس !
نظر نحوها و لم يعقب , لم يكن هذا حقيقة ما يخشاه , بل ...
-كيف حالكم ؟!
صدر هذا الصوت من عند باب القصر , فتحولت أنظار الجميع نحو (أكيهيرو ) الذي قد دخل يبتسم نحوهم , اندفعت (هيكارو) قائلة :
-هل وافق المجلس على تكوين قريتنا في مدينتكم ؟!
نظر نحوها و ابتسم , ثم قال :
-نعم , لقد صدر القرار بتصويت تسعة أعضاء موافقين , و أربعة معارضين مع امتناع اثنان عن التصويت لعدم وضوح الصورة !
تنهدت الفتاتان , جلست (تاكامي) على الأريكة الوثيرة بجوار (هيكارو) التي قد وضعت راحة يدها اليمنى على قلبها , قال (أكيهيرو) :
-مالي أراك غير سعيد رانمارو ؟!
نظرت الفتاتان نحوه , كان بالفعل قلقه لم يتغير , كما أنه لم يرتح ولو قليلا عند معرفته بالموافقة , كان موقفه عجيبا , لقد ظنتان أنه قلق من هذا الموضوع , رد عليه قائلا :
-بالطبع سيدي هذه الموافقة شيء يسعدني , لكن ما يقلقني بدرجة أكبر هو التحدي الذي قد حددتموه لي !
ضيّق (أكيهيرو) من عينيه , فتفكير هذا الصبي قد فاق كل توقعاته حتى المستحيلة منها , صمت لبرهة ثم قال :
-حسنا , لقد ترك المجلس لي هذه المهمة , ولهذا فأنا قد قررت هذا التحدي !
قالها و جلس على مقعد وثير بالردهة أما (رانمارو) الذي ظل محدقا نحوه , فتابع قائلا :
-حسنا , فلتنشط عصاتك !
شهقت الفتاتان من الفزع , تصاعدت فكرة واحدة في رأسيهما , هل التحدي سيكون قتال ؟!
أما (رانمارو) فقد قال بحزن :
-لقد توقعت ذلك , فمجموعة قوية مثلكم لا يمكن أن تأتمن حياتها و مستقبلها و مستقبل عائلاتها و أولادها في يد ضعيف مثلي , و لكن...
قالها و شهر عصاته و قال :
-أنا لن أكرر كلامي ...لقد جئت إلى هنا حتى أحقق أهدافي , جئت بتصميم على تحقيق ما أطمح إليه , جئت و أعرف أن هذا جد وليس هزل ...كاي !
قالها و تحولت عصاته لشكلها المعتاد , وامتد معطفه ليغطي نصف جسده , صفق (أكيهيرو) بيده بعدما نشط (رانمارو) عصاته ثم قال بعد أن أنهى تصفيقه وسط ذهول الجميع :
-بالطبع نحن نتبع هذا المبدأ , لكننا في الوقت ذاته نعرف شيئا يسمى الواقعية , فكيف بشاب لم يتجاوز في عالمنا السحري أربعة أشهر أن يتغلب على من عمره يتجاوز قرن و نصف ؟! بالطبع هذا جنون , لكننا سنتحداك بشيء في استطاعتك ان تقوم به , شيء يدل على قوة إرادتك و عزيمتك و تصميمك ...
نظر تجاهه (رانمارو) و قال بسرعة :
-قل لي سيدي ما هو حتى أقوم به !
زفر في ضيق (أكيهيرو ) , ثم قال :
-بداية أنا اسمي أكيهيرو , ليس سيدي , فأنت ستصبح قائد القرية , و سأكون أنا نائبك , فكيف ينادي القائد نائبه بسيدي ؟!
احمرت وجنتا (رانمارو) خجلا من الموقف , فتابع (أكيهيرو) :
-ما أريده منك هو أن تدخل عالم الترقي و تجعل معطفك يغطي كامل جسدك !
نظر (رانمارو) نحوه في دهشة , فعالم الترقي عالم غامض بالنسبة له , فتسائل :
-وكيف أفعل هذا ؟!
نظر نحوه (اكيهيرو) باستغراب ثم قال :
-ألم تخبرني أن معك فرد من الكو يو ؟!
رد (رانمارو) :
-نعم , معي فرد من هذه العائلة , وما بعد ؟!
فهم (أكيهيرو) من استفسار (رانمارو) أنه لا يعرف شيئا عن عالم الترقي , فقال له :
-أظن أنك تجهل عالم الترقي و فائدته , هذه ليست مشكلتي , إنها مشكلتك أنت , كل ما سنقوم به هو توفير مبنى الكويو لكم , وعليك أن تخوض غمار الترقي حتى تجعل معطفك يغطي جسمك , إذا استطعت فعل ذلك فأنت تكون قد كسبت التحدي , التحدي له ميقات , آخر ميقات لك هو بعد شهر من الآن , إن لم تأت إلى هنا في تمام الساعة الواحدة صباحا بعد شهرا من الآن و يكون معطفك قد غطى جسدك كاملا فاعتبر أن موضوعك قد
انتهى بالفشل , ولا تحاول أن تفكر في فتحه مرة أخرى , فصدقني لن يعيرك أي شخص اهتمامه لما تقول بعد الآن !
صمت (رانمارو) يفكر فيما قد قاله (أكيهيرو) , فقد تحداه بشيء لا يعلمه , وفي ذلك قمة التحدي بالفعل , لكنه رفع رأسه وقال له في تصميم :
-سوف أفوز في ذلك التحدي , سوف أجعل المعطف يزداد ليغطي كامل جسمي , انتظرني !
نظر نحوه (أكيهيرو) و ابتسم , فهو يقدر جيدا مشاعر هذا الشاب , لكن هذا التحدي ليس بالشيء السهل , فهو لا يعرف ما هو الترقي , فبداخله كان حزينا من اختيار المجلس لهذا التحدي المستحيل , فهو لم ينجح فيه أي شخص على الاطلاق , ربما بدا القتال أمر صعبا لكنه ليس مستحيلا مثل هذا التحدي , لكنه حافظ على ابتسامته و هدوئه حتى غادره (رانمارو) و الفتاتان الرقيقتان معه , وقف ينظر نحوهما من على قمة درج قصره , تبدلت ابتسامته لنظرة حزن , فهو قد فشل في مساعدة من جاء ليرفع راية الحق مرة ثانية وسط سماء الظلم المظلم .

يتبـــــــــــــــــــــــع................

اماريج 01-08-10 08:05 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل السادس و الأربعون


عالم الكويو


سار شخصان وسط أتلال من البيوت المحطمة , كان يبدو أنهم في مقبرة لمدينة قديمة , ظلا يسيران حتى وصلا إلى منتصف المكان حيث وجدا رجل ثالث بانتظارهما , قال الغريب مرحبا :

-مرحبا بالثلجية و بك أيها اللورد , تفضلا بالجلوس !
قالها و طرقع بأصابعه فظهرت ثلاث مقاعد ذهبية اللون في هذا المكان المقفر مما يدفع المرء للتعجب من وجودها , اتجهوا نحو المقاعد و جلسوا عليها , قالت الثلجية :
-ما سر طلبك الاجتماع بنا ؟!
نظر نحوها الغريب ثم قال :
-كي نناقش أمرا هاما , بداية لقد عرفت عن اتصالك برانمارو !
اتسعت عينا الثلجية في دهشة عارمة , فهي قد توقعت بعدما أرسل إليهما دعوة أن له عيون وجواسيس في صفوفها وفي صفوف اللورد , و هذا أمر سهل نظرا لكبر أعداد من يعمل معهما , لكن أن يصل به الأمر إلى معرفة شيء سري و خطير كهذا فهذا هو الغريب , ارتبكت كما ارتبك اللورد , فتابع الغريب :
-أنا لا ألومك على ما فعلتيه , فأنا لو كنت في مكان حذائك كنت سأقوم بنفس الشيء تقريبا , لكنني لم أدعوكما اليوم كي نتناقش في هذا الأمر السخيف !
ضيق اللورد من عينيه , فهو كان يعرف أن (رانمارو) مهم جدا بالنسبة لهذا الغريب , فما هو الأكثر أهمية منه إذن ؟!
قالت الثلجية :
-ما هو ذاك الأمر الهام يا ترى ؟!
قالتها بنبرة سخرية قصيرة , لكن الغريب لم يعرها أي اهتمام , بل نظر حوله يتفقد المكان وهو يقول :
-أتعرفين , منذ أربعة عشر عاما كانت هنا في أعالي السماء قرية الريح البيضاء , الآن نحن نجلس على أنقاضها التي قد فعلناها بأيدينا ...
قاطعه اللورد مصححا :
-بل التي فعلتها بيدك !
نظر نحوه الغريب و ابتسم , ثم تابع :
-بالطبع هذا مدعاة فخر لي , لكني لم أعترف بهذا الأمر لأن ما بدأته منذ ذلك الوقت لم ينتهِ بعد !
قالها و نظر نحوهما , فردت الثلجية ببساطة :
-بالطبع فهناك لا يزال فردا من تلك العائلة البغيضة حرا يدمر و قتل من حلفائنا كما يشاء !
رد الغريب بسرعة :
-لو ظننتي أن بعوضة مثل هذا الصبي قد تؤرقني في نومي فأنتي قد أهنتيني , أنا لم أقصد أبدا هذا الصعلوك بما وصفته بأمور لم تنتهِ بعد !
ضيقت الثلجية من عيناها و هي تحملق فيه قائلة :
-إذا لم تكن تلك هي الأمور المنتهية , فماذا تقصد إذن ؟!
رد الغريب بقوله :
-قبل أن نتناقش لابد من أن أقول شيئا عرفته بجواسيسي , فرانمارو قد تقابل مع رئيس مدينة جيفو و اتفقا على تكوين قرية جديدة هناك !
شهق اللورد من الفزع في حين اتسعت عينا الثلجية , لكنها لم تقل شيئا , ظلت في عقلها تحاول أن تستوعب الأمر , ف(رانمارو) هذا قد صار أخطر مما تتصور , فهذه المدينة كانت أكبر عون لقرية الريح البيضاء السابقة , بها كمية كبيرة من العائلات النبيلة القوية , لو تم بناء قرية بها ..
-لهذا قد دعوتكما هنا , فاليوم سوف تفهمان بعض من خطتي , و في اللحظة المناسبة سوف تفهمان خطتي كلها ...!
قالها ثم أخذ يتكلم عن خطته الشيطانية الماكرة , تلك الشبكة التي قد نسج خيوطها منذ أربعة عشر عاما تقريبا , فاتسعت عيناهما من الدهشة في نهاية الكلام , فقد فهما أخيرا تفكير هذا الغريب , إنه تفكير عبقري فعلا , فيجب ألا يستهينا به , ودّعاه وتركا المدينة القديمة راجعين نحو وكر الثلجية بعدما فهما ما سيحدث في الفترة المقبلة !

**********************

-ماذا حدث أيها المشاغب العنيد !
قالها (ياكو) صارخا عند رؤيته ل(رانمارو) بعد فتحه لباب المنزل , اندفع من بالمنزل نحوهما , قالت (تاكامي) بصوت فرح :
-لقد حصلنا على الموافقة بإنشاء قرية الريح البيضاء الجديدة هناك !
تعالت صيحات الفرحة من الجميع , أخذ (ياكو) يعانق (رانمارو) , و قالت (هارونا) :
-لابد لنا من الاحتفال بهذا النجاح الباهر !
قالت (هيكارو) وهي مبتسمة :
-بالطبع لكن هناك أمر لابد من إنجازه , و إلا فالموافقة لن تكون كاملة و سينتهي هذا الأمر للأبد !
صمت الجميع محدقا فيها , تحولت الفرحة و السرور إلى صمت و تفكير , قصت عليهم بسرعة شرط التحدي , ضحك (ياكو) و قال لأخيه وهو يحتضنه بيده اليسرى :
-أخي ند لها , لقد قام بأشياء أكثر صعوبة من تلك ...
قاطعته (ناجومي) بقولها وهي ترتعش :
-لقد عارضوا ولم يوافقوا !
التفت نحوها الجميع في حدة , كانت تمثل بوابة التشاؤم و اليأس في مجموعتهم , ناهيك عن كرها الدائم ل(رانمارو) , قال لها (رانمارو) :
-ماذا تقصدين بأنهم رفضوا ولم يوافقوا ؟!
ردت (ريميكا )قائلة :
-لأن هذا التحدي صعب , لا ليس بصعب , بل إنه مستحيل !
صمت الجميع ينظر نحوها , قال (رانمارو) وهو يتجه ليجلس بمقعد مريح بالردهة :
-أريدك يا ريميكا أن تصفي لي ما هو عالم الترقي بالتحديد كي أدرك ما علي أن أقوم به !
اتجهت مع الجميع ليجلسوا في المقاعد و الأريكة الموجودة بالردهة , ثم قالت :
-عالم الترقي عالم غير موجود بعالمنا هنا , يقول البعض عنه أنه عالم يوجد في بعد آخر غير الأبعاد التي نحن فيها , هذا العالم يدخله الفرد مننا , يتم فيه طلب مهمة معينة أن يقوم بها , فإن قام بها يحصل على ما يريده , و إن فشل تتم معاقبته !
صمت الجميع ناظرا نحوها , لكنها تابعت :
-بالطبع هو ليس بمثل تلك السهولة , فالمهمة تكون صعبة جدا , بعض الأشخاص يدخلون عالم الترقي من أجل أن يتمكنوا من قول تعويذة قوية بدون التأثير على قوتهم الروحية كثيرا , فالترقي يرفع من قدرة الشخص على استخدام قوته الروحية , لكن ما تريد أن تقوم أنت به هو اختصار جهد خمس سنوات على الأقل يقضيها أي فرد من عالمنا كي يجعل المعطف يغطي كامل جسده , تريد أن تدرك هذا الموضوع في فترة تعتبر مستحيلة , صدقني , لقد وضعوا أمامك شرط تعجيزي , حتى لا تقوم به !
قالت (هيكارو) في حزن و تحسر :
-ليس الأمر عند هذه الدرجة , لقد قال القائد أنه إذا فشلنا هنا فلن ينظر أي فرد في أي مكان آخر في طلبنا بجدية بعد ذلك , و هذا يعني أن طلبنا وحلمنا قد...تدمر !
قالتها وهي تحملق في (رانمارو) مثلما فعل الجميع , كان الجميع يعلم مدى اصراره وعزيمته على تحقيق هدفه , لكن هنا الأمر يختلف , قال (رانمارو) بحزم :
-سأقوم بما أستطيع القيام به , دعوني أقابل وحشي ربما أجد عنده بعض الإجابات !
قالها و اتجه نحو الطابق الثالث دون أن يقاطعه أحد , لقد كانوا صامتين من الصدمة و الذهول و لا يعرفون ماذا يقولون له , فهم قد أدركوا أن حلمهم قد ضاع إلى الأبد , و أنهم لن يستطيعوا أن يحققوا طموحهم النبيل ..

***********************

دخل (رانمارو) كهفه وهو يكاد يسمع دقات قلبه , فهو لديه مجموعة مشاعر لا يعرف كيف اجتمعت مع بعضها , فهو يشعر بالسعادة لإنجازه ما تم , و في نفس الوقت يشعر بالحزن من صعوبة التحدي , و يشعر بالامتنان من القائد على دعمه له و موافقته لطلبه , كما يشعر بالنقمة و الغضب عليه لأنه قد اختار شيئا مستحيلا , سار على دربه المؤدي لأسفل الكهف حتى وصل للمكان الذي عادة ما يتدرب فيه , نظر نحوه التنين و قال له :
-ما بك رانمارو؟! لماذا أنت حزين و مهموم هكذا ؟!
قال له (رانمارو) :
-توجد أمامي عقبة كبيرة سيدي !
نظر نحوه التنين و أخذ ينصت لما يقوله (رانمارو) باهتمام شديد , بعدما انتهى قال له التنين :
-عزيزي , إن عالم الترقي ليس كما تتخيل , فهو صعب لأنه لا يعتمد بأي شكل من الأشكال على قوتك في أداء التعاويذ و لا كمية التعاويذ التي تعرفها , إنما يعتمد بشكل رئيسي على عزيمتك و إصرارك , بالطبع هذا شيء صعب لأن الأمر ليس بتلك البساطة التي يبدو عليها , إنما هو اختبار حقيقي لإرادتك و قدرتك على تخطي هذه العقبة !
نظر نحوه (رانمارو) صامتا , فهو لم يكن يدرك ما يريد أن يقوله وحشه , فقال له :
-سيدي , أتقصد أنني لكي أزيد من حجم معطفي لابد لي من إرادة صلبة ؟!
قال له وحشه :
-نعم بالطبع الأمر كذلك , كما قالت لك ريميكا كثير ممن يدخلون الترقي كي يتقنون تعويذة معينة , أما من يدخله كي يجعل معطفه يغطي كامل جسده فهو يحتاج لسنوات طويلة تصل إلى نحو خمس سنوات من التدريب و التعلم , هذا كله كي يصبح للمتدرب ثقة في تحقيق نصره , و يدرك أنه قادر على تخطي الصعاب , فتكون مكافأته على ذلك هو أن تكبر طاقته كثيرا !
فقال له (رانمارو) :
-إذن ماذا سنفعل في هذه الفترة ؟!
قال له الوحش :
-رانمارو , لا تتخيل أنه بالثقة وحدها ستحقق كل شيء , كلا عزيزي , سوف تظل تتدرب أطول وقت ممكن , و هذا يعني طيلة تسعة و عشرين يوما كاملين هنا , أما في اليوم الأخير فسوف تذهب لتحديد مصيرك !
صمت (رانمارو) , فقد أدرك أنه يجب عليه أن يتدرب كي يصبح قويا جدا كي ينجح في هذا التحدي الصعب , بالنسبة له كان هذا شيئا يحبه , هو يحب التدريب , يحب أن يكون قويا , لكنه لا يعرف مما يخاف , فبداخله خوف أخذ يتزايد منذ تركه لقصر (أكيهيرو) , لكنه الآن سيركز في التدريب , لن يفكر في شيء آخر حتى يحقق هدفه .

يتبـــــــــــــــــــــــع..............

اماريج 01-08-10 08:06 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل السابع و الأربعون


الدخول إلى عالم الكويو


لم يحدث أي جديد في المهلة التي قد حددها لهم (أكيهيرو) , فقد داوم (رانمارو) على التدريب المستمر , لم يقاطعه أحد , بل انزوى الجميع في جانب بمفردهم كي لا يخرجوه من جو التركيز الذي كان فيه , لكن من وقت لآخر كانوا يتحدثون معه , عما قد أنجزه , عما تعلمه , في آخر لقاء جمع بينهم , كان ذلك في اليوم الثامن و العشرين , قال لهم فيه :

-لقد أتقنت التعويذة التي استطعت بها التغلب على قادة القرية الصينية !
كان خبرا سعيدا , فهو قد أخبرهم منذ أن قابل وحشه بما قاله عن ضرورة أن يتعلم ليصير قويا , كان يعلم جيدا أن ما يعرفه حتى الآن مجرد تعاويذ متوسطة المستوى , لكن تعويذة الفارس تلك كانت التعويذة الوحيدة عالية المستوى , كذلك لم يكن قد أتقنها بعد , بالطبع كانت شيء سيء بالنسبة , لهذا قد استغرق وقتا طويلا في تعلمها جيدا , و أخيرا...
-هل أنت مستعد جيدا رانمارو ؟!
نظر (رانمارو) نحو وحشه , كانت قوته قد زادت قليلا , معطفه قد تجاوز منتصف جسده , لكنه ليس كاملا بعد , فقال له :
-نعم سيدي , اليوم هو اليوم الموعود , أتمنى أن أحقق هدفي !
نظر تجاهه الوحش , فقد رأى تصميمه , صدر صوت النسر الذهبي :
-يبدو أنك قد نضجت قليلا رانمارو !
نظر نحوه و ابتسم , لا يعلم السبب لكن وحش ياكو لم يدربه على الاطلاق , حتى تعاويذ (ياكو) كان قد تعلمها من وحشه , قد برر له ذلك التنين بأنه يجب للفرد أن يتعلم من سيد واحد , فإذا واجه قوة سيدين مرة واحدة في التدريب ربما يحدث له ضرر كبير , بالطبع كان هذا سببا منطقيا , لكنه حتى الآن يشعر بعزلة عن وحش (ياكو) , قال للتنين :
-سيدي , لدي تساؤل أود طرحه , شيء يقلقني !
نظر نحوه التنين ثم قال :
-ماذا هناك رانمارو؟!
ظهر التردد واضحا على وجه (رانمارو) قبل أن يقول :
-لازلت غير متفهما لسبب قبولك بمشاركتي وحش ياكو , بالطبع أنا أريد أن أصبح قويا , لكن ليس بجعل صديقي و أخي يشاركني قواه , بهذا تفقد عائلته النبل الذي تتحلى به , فهو لا يستحق ذلك !
قالها (رانمارو) وهو ينظر نحو وحشه , ظل وحشه صامتا في حين تابع (رانمارو) :
-بالطبع كون قوتك لا تكفي قوتي الداخلية شيء يسعدني , فهو يؤكد أنني قوي , لكن كانت هناك طريقة أخرى , و هي بدخولي عالم الترقي , نعم هي طريقة صعبة لكن للأسف هي أفضل من تدمير نبل عائلة ياكو !
ظل التنين و النسر صامتين للحظات قبل أن يقول التنين :
-كنت أدرك أنك لن تقتنع بهذا السبب , لكن قل لي من أين لك بدخولك عالم الترقي في ذلك الوقت ؟!
نظر نحوه (رانمارو) في دهشة , فبالفعل هو لم يفكر في هذا الأمر , تابع التنين :
-لا تقلق نفسك بأشياء ستظهر لك أسبابها في النهاية , الآن فقط ركز فيما أنت مقدم عليه..!
نظر نحوه (رانمارو) ثم أومأ برأسه متفهما , استدار ليغادر المكان لكن استوقفه التنين صائحا :
-لا تنس , لا تستخدم تلك التعويذة أبدا , فأنت إن استخدمتها فستسهلك طاقتك كلها , ربما تفقد حياتك معها , لا تتهور و تستخدمها !
التفت ناظرا نحوه , ثم تابع سيره في صمت , فاليوم هو اليوم الموعود , و الساعة قد أعلنت عن تمام السادسة مساءا , سوف يغادرون الآن متجهين نحو مصيرهم المحتوم..

***************************

وصل الجميع إلى هذا القصر البديع , دخلو من البوابة حيث استقبلهم (أكيهيرو) بالترحاب , سلم على الجدد و تعرف عليهم في ردهة القصر التي سبق و أن انتظره (رانمارو) و الفتاتان معه سابقا , نظر نحو (رانمارو) و قال له :
-هل أنت جاهز ؟!
أحس (رانمارو) كأن دقات قلبه قد صارت كضربات مدفع يسمع صوتها في أذنيه في كل دقة , لم يجاوبه بل أومأ برأسه , فقال (أكيهيرو) :
-هيا , فنحن لن ندخلك عالم الترقي هنا , بل سيكون في مكان آخر !
قالها و غمز بعينه اليسرى نحو (رانمارو) وهو يبتسم , لكنه لم يبتسم ردا له , بل اكتفى بأن يسير خلفه , وجد ثلاث عربات فخمة في انتظارهم , ركب (رانمارو) مع (أكيهيرو) و معهم (هارونا) , في حين ركب (ياكو ) و (تابيتو) و (ريميكا) في سيارة أخرى , أما السيارة الأخيرة فقد ركبت فيها (ناجومي) و (تاكامي) و معهما (هيكارو) و(ساكورا) , فقد رفضت البقاء في المنزل و فضلت الحضور معهم كي ترى هذا الحدث العظيم , سار الموكب في رهبة سكون واضح سيطر على جميع ركاب العربات الثلاثة , سارت العربات في طريق ممهد , ثم ابتعدت عن الطريق لتسير في طريق غير ممهد داخل غابة كبيرة , لم يستفسر أي فرد ممن موجود بالموكب عن أي شيء , فقد سيطر شعور بالقلق و الخوف و الرهبة ممتزجين ببعضهم البعض على كل فرد منهم , استمرت الرحلة قرابة ساعة كاملة , حتى وصلوا لمكان واسع , الأرض فيه ممهدة كما لو أن هذا المكان كان معدا قبل ذلك , توقفت العربات , ترجل الجميع عنها , نظروا حولهم , وجدوا قرابة خمسون رجلا يقفون في صفين ناظرين نحوهم , كانت العربات قد وقفت عند بداية طريق معبد بالأحجار القديمة ينتهي بمبنى كالقبة الزجاجية, كانت قبة زجاجية مرفوعة إلى أعلى بدعامات إسطوانية زجاجية أيضا , كانت ألوانها جميلة , حيث كان يوجد بداخل الزجاج ألوان غريبة , لا يعرف (رانمارو) لماذا لكنه شعر و كأنها أشياء موضوعة داخل القبة , كان صفي الأشخاص يحددون هذا الطريق المعبد , أما في خارج المنطقة , و حول هذا المكان قد تراص رجال كثر للغاية , ربما يربو عددهم على ثلاثمائة شخص , هكذا فكرت (تاكامي) , لكنها قد أدركت شيئا واحدا , أن هؤلاء الخمسين هم أهم رجال المدينة , كانت تدرك أن فيهم رؤساء العائلات و نوابهم على أقل تقدير , مما أضاف لرهبة الموقف رهبة المكان و رهبة الحاضرين , سار (رانمارو) يتبع (أكيهيرو) , في حين توقف الآخرون يقفون أمام هذا الطريق , توقف (رانمارو) عندما توقف (أكيهيرو) في منتصف الطريق , التفت لينظر نحوه ثم قال :
-عزيزي , لا أقدر أن أصف لك ما أشعر به , لكني أشعر بالفخر من وجود شخص مثلك في حياتنا , شخص قد استطاع التغلب على الخوف الذي ملأ صدورنا لفترة تجاوزت أربعة عشر عاما بقليل , كنت أتمنى أن يكون التحدي غير هذا , لكن هذا ليس بيدي , فهذا قرار مجلسنا الموقر , لكني لا أملك سوى الدعاء لك بالنجاح في هذا التحدي , أتمنى لك التوفيق !
قالها و التفت ناظرا نحو (ريميكا) , أشار لها كي تأتي , تحركت بخطوات بطيئة نحوهما , ثم تخطتهما نحو القبة , كان يبدو أنها تعرف ما ستفعله جيدا , فهذا هو بيت الكويو , كانت تشعر بانقباض في صدرها , لقد فعلت هذا الأمر عشرات المرات من قبل , لكنها لم تشعر بما تشعر به الآن , تابعت سيرها وسط هذا الموكب الذي احتشد ينظر لها في تمعن , سارت حتى وصلت لداخل القبة , توقفت في منتصفها , نظرت لأعلى , كانت القبة بها رسمة منقوشة ببروز على الزجاج , كانت كلمة (كويو) مكتوبة باللغة السحرية , تنهدت بعمق , جلست في وضع التدريب الخاص بها , نظرت نحو الجميع , وجدت الجميع قد حبس أنفاسه ترقبا لما سيحدث , أغمضت عيناها , ثم قالت :
-كايتو !
صدر شعاع أبيض وهاج , سطع وسط ظلمة هذا الليل , اندفع الشعاع خارجا من العصا يريد التحرك خارج القبة , لكن لسبب ما لم يتجاوزها , بل تحرك داخل زجاج القبة , أخذ يدور بها , يدور و يدور , صارت القبة الآن قطعة مضيئة في هذا المكان , شمس صغيرة سطعت بهذه الأرض , ظل الضوء يزداد , و يقوى لمعانه حتى لم يعودوا قادرين على رؤية (ريميكا) رويدا رويدا لم يستطيعوا رؤية القبة , الزجاج الموجود بها , الأعمدة التي تستقر فوقها , فجأة ازداد الضوء دفعة واحدة ثم انحسر , انحسر ليكون شيئا غريبا , تحولت القبة ومن بداخلها لبوابة , كانت الألوان التي قد رآها من قبل (رانمارو) داخل الزجاج قد أصبحت كتابات بلغة لا يعلمها , كتابات لامعة براقة ,فتحت أبوابها بصوت مرتفع معدني محدثة صرير مزعج , حدق الجميع بما بداخلها, كانت البوابة بداخلها شيء يشبه السحاب , كان يبدو أنها فتحة على السماء البعيدة , نظر (رانمارو) نحو (أكيهيرو) , قبل أن يتكلم وجده قد تنحى جانبا ليقف في مكان فارغ بالمنتصف يوجد بصف على يسار (رانمارو) , نظر نحوه بدهشة , لكن (أكيهيرو) لم يفعل شيئا سوى أن أِشار له أن يتقدم , ابتلع ريقه بصعوبة , التفت حوله , وجد الجميع يحدق به , التفت خلفه وجد رفقائه يلوحون له بأيديهم , مما شجعه على التماسك , قبض على مقبض عصاته أكثر من مرة مرددا في نفسه :
((-أنا قادر على فعلها , أنا قادر على فعلها , أنا قادر على فعلها ))
شعر بحرارة تسري في جسده , شعر بطمأنينة تفيض في قلبه , بثقة تجتاح نفسه , أغمض عينه , ظل هكذا لثانيتين , ثم فتحهما , نظر نحو الباب بثقة , بدأ سيره , بدأ خطواته نحو هذا الدرب , كان صفي الأشخاص يتوقف عند مسافة تقدر بحوالي عشرة أمتار تقريبا بعدا عن البوابة , تخطى حاجز الصفين , استمر في سيره بهدوء نحو البوابة , وقف عندها , نظر نحو الداخل لكنه لم ير شيئا , رفع يده الممسكة بالعصا و أدخلها , فدخلت بسلاسة , شعر ببرودة خفيفة تجتاح يده , دفع يده أكثر و أكثر للداخل , لم يجد شيئا يعوق سيرها , فتشجع , فخطا خطوة بقدمه اليمنى للداخل , تبعتها قدمه اليسرى , فجأة أصبح داخل البوابة , شعر و كأن شيئا باردا قليلا يحيط به , كان لا يدرك ماهيته , لكنه لم يشعر بمثل ذلك الشعور من قبل , كان شيئا يريح الأعصاب , فجأة شعر و كأن هناك من يدفعه للأمام بيسر , حاول أن يتلفت ورائه ليعرف من يقوم بذلك , لكنه لم يستطع , أدرك للمرة الأولى أنه غير قادر على الحركة , ظل هكذا لبضع ثواني , بعدها سطع ضوء قوي طغى على رؤيته , فأغمض عينيه اتقاءا من هذا الضوء العالي , شعر و كأنه قد سقط على أرض رملية , فتح عينيه فوجد نفسه مستلقي على أرض رملية بالفعل , و أمامه يوجد رجل غريب , رجل يلبس ملابس لم يرَ أحد يرتديها سوى أشخاص معينين فقط , رجال مصر الفرعونية القديمة !
-من أنت ؟ و أين أنا ؟!
تسائل (رانمارو) وهو يقف من على الأرض ينفض عن ملابسه حبات الرمال التي التصقت بها , نظر نحوه الرجل المصري , وقال :
-لماذا جئت هنا ؟!
نظر نحوه (رانمارو) وهو يضيق عينيه ثم قال :
-جئت من أجل أن أدخل في عالم الترقي ؟!
-لماذا؟!
رد عليه :
-لا شأن لك بهذا , أريد فقط أن أدخل عالم الترقي !
نظر نحوه الرجل بصرامة , لكن (رانمارو) لم يعره أي اهتمام , فما كان يهمه حقا هو ما نوع المهمة التي عليه أن يؤديها في هذا العالم الغريب , قال له الرجل في برود :
-حسنا , لديك مهمة عليك القيام بها , يوجد رجل قاتل هارب , هذا الرجل خطير جدا , هو موجود داخل هذا المعبد ...
قالها و استدار يشير نحو معبد مصري قديم , كان ضخما جدا , أعمدته كبيرة و عالية , تعجب (رانمارو) من أنه لم يلاحظه في البداية , فشيء ضخم كهذا لا يمكن ألا يراه أحد , نبهه الرجل بقوله :
-عليك أن تمسك به حيا أو ميتا , إذا فعلت هذا فأنت ستنجح في مهمتك هنا , هيا , فلترنا مهارتك أيها المتحذلق !
قالها و اختفى الرجل وابتسامة السخرية تغطي وجهه , تعجب (رانمارو) من اختفائه , لكنه ليس الشيء الوحيد الغريب هنا , شهر عصاته و قال :
-كاي !
تحولت العصا لشكلها المعتاد , غطى المعطف أكثر من نصف جسده , سار بخطوات حذرة داخل المعبد , كان الصمت المطبق يسيطر على الأجواء , شعر برهبة شديدة عندما خطى أول خطوة داخل المعبد , هنا لمح ظل شخص تحرك بسرعة بين عدة أعمدة موجودة أمامه , تحرك (رانمارو) بحرص , فهو كان يدرك أن مهمته هو إلقاء القبض على هذا القاتل , ظل يسير بخطوات حذرة حتى وصل لمكان واسع , تحيط به الأعمدة من كل الجهات , كان مربع الشكل , متسع جدا , يبدو و كأنه ردهة هذا المعبد , في الطرف المقابل وجد رجلا ملثما يلبس ملابس صفراء واقفا في انتظاره , سار (رانمارو) حتى دخل إلى المكان , حملق في الرجل كما حملق الرجل فيه لبرهة , بعدها تكلم الرجل :
-عد من حيث أتيت , أنت لست ندا لي !
قالها بصوت جهوري , تردد صداه في المكان و بين الأعمدة الكثيرة فاستمر يتردد لفترة قاربت على النصف دقيقة تقريبا , بعدها سكن كل شيء تقريبا كما كان من قبل , فرد (رانمارو) :
-أنا لن أغادر مكاني حتى أقوم بإلقاء القبض عليك !
تردد صوت (رانمارو) الصارم , لكنه ليس مثل صوت الغريب , الذي علا صوت ضحكاته عندما سمع كلمات (رانمارو) , بعدما انتهى منها قال وسط صدى الضحكات :
-هل تظن أنك تستطيع أن تأسرني ؟! ألا تعلم أنهم قد حاولوا من قبل كثيرا من المرات لكنهم فشلوا ؟! ومن حاول قبلك كان أقوى منك بكثير , فكيف تأتي إلى هنا و تقول بكل جرأة أنك تريد أن تقبض علي ؟!
اتسعت عينا (رانمارو) دهشة مما كان يقوله الغريب , فتابع الغريب وهو يتحرك نحو (رانمارو) :
-لا تقلق نفسك عزيزي , أعرف أنهم قد غرروا بك , لكن لا تقلق , فسوف أخرجك بنفسي من هذا المكان , كما سأخرجك من الدنيا بأسرها ...
قالها و حدث كل شيء بسرعة , تحول هذا الشخص لتنين ضخم , يشبه سيده , وصلت دهشته لمداها , لماذا لدى هذا الشخص تنين مثله ؟! لم يدرِ السبب , لكن ...
((-ماذا حدث لك رانمارو؟!))
صدر صوت الوحش مترددا في أعماقه بعنف , نبهه ذلك لما هو فيه , نبهه إلى حقيقته , عندما أدرك ما حدث له , عندما شعر بأنه كاد أن يفقد كل شيء بسبب لحظة يأس لعينة , اشتعل بالغضب , نظر مضيقا عيناه نحو هذا الغريب الذي قد تحول إلى تنين , وقال :
-لقد جئت هنا لأقبض عليك , فإن لم تقبل هذا بطريقة سلمية , فسأجبرك عليها بنفسي ...
زمجر التنين , وهو ينظر نحوه , زمجر (رانمارو) هو الآخر , فتح التنين فمه و أخرج تيار من النار القوي , قفز (رانمارو) لأعلى في خفة وسرعة متجاوزا هذا الخطر , قال :
-للأسف لا أملك وقتا أضيعه معك أيها اللعين , سأستخدم معك أقوى تعاويذي , فهذه هي الطريقة الوحيدة ...
قالها و قبض على عصاته بكلتا يديه , أغمض عينه , أخذ يستجمع طاقته الروحية , ثم فتحهما وهو يصرخ :
-ريون كيشي !
تلونت مقدمة عصاته بلون أحمر قاتم , بعدها اندفعت سحابة ضخمة أمام العصا , من وسطها صدر صوت صهيل فرس , انقشعت السحابة فجأة لتكشف عن فرس ضخم يعتليه فارس يبعث منظره الرعب فيمن يراه , رفع الفارس سلاحه الغريب , و الذي قد أضاف لنهايته تلك الكرة المسننة من معركة سابقة , لكنها قد اصطبغت بلونه الأحمر تاركة لونها الأسود السابق بعيدا , صاح (رانمارو) فيه عند وصوله للأرض :
-هيا هاجمه بكل قوته !
تحرك الفارس بسرعته المعهودة مندفعا نحو التنين , رفع التنين ذيله و وجهه نحو الفارس , رفع الفارس سلاحه و هوى به مقابلا ذيل التنين , لدهشة (رانمارو) فقد أوقف التنين حركة الفارس , و لم يستطع سلاح الفارس أن يخترق ذيل التنين , لم يحدث به أية خدوش , كان يبدو أن طاقتيهما متقاربة , جز (رانمارو) على أسنانه , فقد عدل التنين من رأسه موجها إياها نحو الفارس , اندفع سيل جارف من النيران نحو الفارس , رفع يده اليسرى حاملة الدرع لتتصدى لهذا الجحيم , بدا أن الفارس لن يصمد طويلا , زمجر (رانمارو) قائلا:
-لن أدعك تدمره أيها اللعين !
رفع عصاته وصرخ قائلا :
-فونكافان هاريتسو !
تلونت طرف العصا بلون أحمر , اندفعت دفقة من الآشعة تجاه الأرض تحت أقدام التنين , حدثت رجة خفيفة , تبعها صوت ضخم صادر من أسفل أقدامه , كانت تعويذة قوية للغاية , فقد خر (رانمارو) ساقطا على الأرض وهو شاحب قليلا , يبدو أنها قد استهلكت جزء كبير من طاقته , نظر نحو التنين , كانت الأرض تحت قدمه قد بدأت في الارتفاع , بدت و كأنها تكون تل صغير , ارتفعت عن سطح الأرض لمسافة تصل إلى خمسة طوابق كاملة , بعدها توقفت عن الارتفاع كما توقف التنين عن نفث النيران , فقد انتبه لما يحدث أسفله , التفت ينظر نحو الأرض التي قد ارتفعت , هنا صدر صوت زمجرة من الأرض , مع حدوث زلزال صغير , تلونت بعدها قمة الأرض المرتفعة بلون أحمر غريب , حملق التنين في هذه الأرض الغريبة , فجأة اندفع سيل من الحمم من فوهة هذا المرتفع الصغير نحوه , قفز إلى أعلى تحت تأثير اندفاع تلك الحمم , تردد صوت الحيوان المتوحش عاليا يهز جنبات المعبد , سمع (رانمارو) صوت سقوط العديد من الأعمدة تحت تأثير موجات هذا الصوت العنيف , فهو قد وضع كلتا يديه على أذنيه اتقاءا لهذا الصوت , صاحب سقوط التنين على أرضية المكان هزة ضخمة , فقد سقطت بعيدا عن الفوهة التي لازالت تخرج ما في أحشاءها من حمم , ظلت هكذا للحظات بعدها توقف سيل الحمم عن الخروج , أما الفارس فقط استطاع أخير أن يغرس سلاحه في ذيل التنين فاصلا هذا الجزء عن جسده , ثم اختفى تاركا (رانمارو) بمفرده مع الوحش , نظر تجاه الوحش , كان قد سقط يئن على الأرض , كان ذيله ينزف بشدة , وقف (رانمارو) بضعف , سار مترنحا قليلا نحو الوحش , لكن...
-هل تظن أنك تستطيع التغلب علي بتلك التعاويذ فقط ؟!
قالها التنين وهو يقف بصعوبة , كان يبدو عليه الانهاك أيضا , كانت طاقة (رانمارو) قد قاربت على الانتهاء , لم يدر كيف تحمل التنين كل هذه الصدمات , كانت بطنه تنزف بشدة نتيجة اندفاع الحمم نحوه , تكلم الوحش قائلا :
-الآن قد وصلت إلى نهاية قوتك , هيا اعترف بفشلك , هيا تخل عن كل شيء , هيا أعلن استسلامك و فشلك !
صرخ فيه (رانمارو) بكل قوته :
-كيف تجرؤ أيها اللعين ؟! أنا لن أترك أحلامي كلها تضيع هباءا , تعبي و تعب رفقائي لن يضيع سدى !
ضحك الوحش ثم قال :
-أنت لا تدرك حقيقة وضعك الآن , سأقولها لك مجددا بصورة أكثر بساطة , أنت بمفردك الآن , لم تعد قادرا على أداء تعاويذ قوية , ربما لو كانت لديك طاقة تكفي لتقوم بتعويذة أخرى ربما حينها كنت قد صرعتني حقا و أجهزت علي , لكنك لا تملك لحسن حظي و لسوء حظك مثل هذا القدر من الطاقة , فأنت على مشارف انتهاء طاقتك !
قالها و استمر يضحك , في داخل (رانمارو) كان يدرك حقيقة وضعه السيء , فكل ما قاله الوحش صحيح تماما , إنه لا يرغب في أن يفشل , إنه لن يرغب في أن يضيع حلمه ...
-كلا !
قالها فتوقف الوحش عن الكلام , نظر نحوه محدقا فيه بينما تابع هو :
-كلا , إنه ليس حلمي بمفردي ...
قالها و أخذت طاقته تخرج على نحو كبير , أخذت تحيط بجسده , تحيط به على شكل لفات حلزونية , كان أشبه ما يكون حينما أزال الختم من على وحش (ياكو) , قال الوحش مندهشا مما يفعله :
-ماذا تفعل أيها اللعين ؟! لن تستطيع أن تحقق شيئا بموتك هنا , لن تستطيع أداء تعويذة واحدة و أنت لا طاقة لديك بعدها , لابد لك من أن تكون لديك بعض الطاقة المتبقية للتحكم في ...
-اخرس !
صرخ في الوحش , صمت الوحش تحت تأثير صرامة كلمته , ثم تابع (رانمارو) :
-لا أريد أن أسمع مزيدا من هذا الهراء مرة أخرى ... سأريك من هو رانمارو ...سأريك من هو سليل عائلة اليوشاهارو !
قالها و صرخ , صرخ بكل قوته , كان ما يتردد في عقله و قلبه بصوت عالى تحذير التنين له
((-لا تستخدم تلك التعويذة رانمارو , ستفقد حياتك حقا , لا تقم بها , ستستهلك طاقتك, لا... ))
لم يعر لكلامه أدنى اهتمام , فقد قرر , لا يهم من سيرى تحقيق الهدف , لكن الأهم حقا هو تحقيقه , ربما لن يكون قادرا على رؤية حلمه يتحقق , لكن ...
-لن أدع حلمي و حلم الجميع يضيع بسببي أيها اللعين , سأقوم بها أيها التنين , سأحقق نصري عليك أيها اللعين ...
((-ساكورا ,ياكو , هارونا , تاكامي, تابيتو , ناجومي , هيكارو , ريميكا ...وداعا !! ))
تردد في عقله صوته وهو يتذكر صورة كل من رفقائه , و يتذكر لقطات سريعة من حياته القصيرة معهم , و أخيرا تخيل شكل قريته وهي مبنية , شعارها يرتفع عاليا في عنان السماء ...
-ريون مونوجاتاري سوبيتا !
أضاءت طرف عصاته بضوء أحمر لامع , نظر التنين نحوه وصرخ في رعب :
-لا , ليس تلك التعويذة أيها اللعين !
قالها وهو يصرخ , و الضوء يخرج من العصا يغمر المكان , كانت كانفجار صغير يحدثه (رانمارو) بعصاته واضعا نهاية لمهمته المستحيلة ...

يتبــــــــــــــــــــع...................

اماريج 01-08-10 08:07 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل السابع و الأربعون


الدخول إلى عالم الكويو


لم يحدث أي جديد في المهلة التي قد حددها لهم (أكيهيرو) , فقد داوم (رانمارو) على التدريب المستمر , لم يقاطعه أحد , بل انزوى الجميع في جانب بمفردهم كي لا يخرجوه من جو التركيز الذي كان فيه , لكن من وقت لآخر كانوا يتحدثون معه , عما قد أنجزه , عما تعلمه , في آخر لقاء جمع بينهم , كان ذلك في اليوم الثامن و العشرين , قال لهم فيه :

-لقد أتقنت التعويذة التي استطعت بها التغلب على قادة القرية الصينية !
كان خبرا سعيدا , فهو قد أخبرهم منذ أن قابل وحشه بما قاله عن ضرورة أن يتعلم ليصير قويا , كان يعلم جيدا أن ما يعرفه حتى الآن مجرد تعاويذ متوسطة المستوى , لكن تعويذة الفارس تلك كانت التعويذة الوحيدة عالية المستوى , كذلك لم يكن قد أتقنها بعد , بالطبع كانت شيء سيء بالنسبة , لهذا قد استغرق وقتا طويلا في تعلمها جيدا , و أخيرا...
-هل أنت مستعد جيدا رانمارو ؟!
نظر (رانمارو) نحو وحشه , كانت قوته قد زادت قليلا , معطفه قد تجاوز منتصف جسده , لكنه ليس كاملا بعد , فقال له :
-نعم سيدي , اليوم هو اليوم الموعود , أتمنى أن أحقق هدفي !
نظر تجاهه الوحش , فقد رأى تصميمه , صدر صوت النسر الذهبي :
-يبدو أنك قد نضجت قليلا رانمارو !
نظر نحوه و ابتسم , لا يعلم السبب لكن وحش ياكو لم يدربه على الاطلاق , حتى تعاويذ (ياكو) كان قد تعلمها من وحشه , قد برر له ذلك التنين بأنه يجب للفرد أن يتعلم من سيد واحد , فإذا واجه قوة سيدين مرة واحدة في التدريب ربما يحدث له ضرر كبير , بالطبع كان هذا سببا منطقيا , لكنه حتى الآن يشعر بعزلة عن وحش (ياكو) , قال للتنين :
-سيدي , لدي تساؤل أود طرحه , شيء يقلقني !
نظر نحوه التنين ثم قال :
-ماذا هناك رانمارو؟!
ظهر التردد واضحا على وجه (رانمارو) قبل أن يقول :
-لازلت غير متفهما لسبب قبولك بمشاركتي وحش ياكو , بالطبع أنا أريد أن أصبح قويا , لكن ليس بجعل صديقي و أخي يشاركني قواه , بهذا تفقد عائلته النبل الذي تتحلى به , فهو لا يستحق ذلك !
قالها (رانمارو) وهو ينظر نحو وحشه , ظل وحشه صامتا في حين تابع (رانمارو) :
-بالطبع كون قوتك لا تكفي قوتي الداخلية شيء يسعدني , فهو يؤكد أنني قوي , لكن كانت هناك طريقة أخرى , و هي بدخولي عالم الترقي , نعم هي طريقة صعبة لكن للأسف هي أفضل من تدمير نبل عائلة ياكو !
ظل التنين و النسر صامتين للحظات قبل أن يقول التنين :
-كنت أدرك أنك لن تقتنع بهذا السبب , لكن قل لي من أين لك بدخولك عالم الترقي في ذلك الوقت ؟!
نظر نحوه (رانمارو) في دهشة , فبالفعل هو لم يفكر في هذا الأمر , تابع التنين :
-لا تقلق نفسك بأشياء ستظهر لك أسبابها في النهاية , الآن فقط ركز فيما أنت مقدم عليه..!
نظر نحوه (رانمارو) ثم أومأ برأسه متفهما , استدار ليغادر المكان لكن استوقفه التنين صائحا :
-لا تنس , لا تستخدم تلك التعويذة أبدا , فأنت إن استخدمتها فستسهلك طاقتك كلها , ربما تفقد حياتك معها , لا تتهور و تستخدمها !
التفت ناظرا نحوه , ثم تابع سيره في صمت , فاليوم هو اليوم الموعود , و الساعة قد أعلنت عن تمام السادسة مساءا , سوف يغادرون الآن متجهين نحو مصيرهم المحتوم..

***************************

وصل الجميع إلى هذا القصر البديع , دخلو من البوابة حيث استقبلهم (أكيهيرو) بالترحاب , سلم على الجدد و تعرف عليهم في ردهة القصر التي سبق و أن انتظره (رانمارو) و الفتاتان معه سابقا , نظر نحو (رانمارو) و قال له :
-هل أنت جاهز ؟!
أحس (رانمارو) كأن دقات قلبه قد صارت كضربات مدفع يسمع صوتها في أذنيه في كل دقة , لم يجاوبه بل أومأ برأسه , فقال (أكيهيرو) :
-هيا , فنحن لن ندخلك عالم الترقي هنا , بل سيكون في مكان آخر !
قالها و غمز بعينه اليسرى نحو (رانمارو) وهو يبتسم , لكنه لم يبتسم ردا له , بل اكتفى بأن يسير خلفه , وجد ثلاث عربات فخمة في انتظارهم , ركب (رانمارو) مع (أكيهيرو) و معهم (هارونا) , في حين ركب (ياكو ) و (تابيتو) و (ريميكا) في سيارة أخرى , أما السيارة الأخيرة فقد ركبت فيها (ناجومي) و (تاكامي) و معهما (هيكارو) و(ساكورا) , فقد رفضت البقاء في المنزل و فضلت الحضور معهم كي ترى هذا الحدث العظيم , سار الموكب في رهبة سكون واضح سيطر على جميع ركاب العربات الثلاثة , سارت العربات في طريق ممهد , ثم ابتعدت عن الطريق لتسير في طريق غير ممهد داخل غابة كبيرة , لم يستفسر أي فرد ممن موجود بالموكب عن أي شيء , فقد سيطر شعور بالقلق و الخوف و الرهبة ممتزجين ببعضهم البعض على كل فرد منهم , استمرت الرحلة قرابة ساعة كاملة , حتى وصلوا لمكان واسع , الأرض فيه ممهدة كما لو أن هذا المكان كان معدا قبل ذلك , توقفت العربات , ترجل الجميع عنها , نظروا حولهم , وجدوا قرابة خمسون رجلا يقفون في صفين ناظرين نحوهم , كانت العربات قد وقفت عند بداية طريق معبد بالأحجار القديمة ينتهي بمبنى كالقبة الزجاجية, كانت قبة زجاجية مرفوعة إلى أعلى بدعامات إسطوانية زجاجية أيضا , كانت ألوانها جميلة , حيث كان يوجد بداخل الزجاج ألوان غريبة , لا يعرف (رانمارو) لماذا لكنه شعر و كأنها أشياء موضوعة داخل القبة , كان صفي الأشخاص يحددون هذا الطريق المعبد , أما في خارج المنطقة , و حول هذا المكان قد تراص رجال كثر للغاية , ربما يربو عددهم على ثلاثمائة شخص , هكذا فكرت (تاكامي) , لكنها قد أدركت شيئا واحدا , أن هؤلاء الخمسين هم أهم رجال المدينة , كانت تدرك أن فيهم رؤساء العائلات و نوابهم على أقل تقدير , مما أضاف لرهبة الموقف رهبة المكان و رهبة الحاضرين , سار (رانمارو) يتبع (أكيهيرو) , في حين توقف الآخرون يقفون أمام هذا الطريق , توقف (رانمارو) عندما توقف (أكيهيرو) في منتصف الطريق , التفت لينظر نحوه ثم قال :
-عزيزي , لا أقدر أن أصف لك ما أشعر به , لكني أشعر بالفخر من وجود شخص مثلك في حياتنا , شخص قد استطاع التغلب على الخوف الذي ملأ صدورنا لفترة تجاوزت أربعة عشر عاما بقليل , كنت أتمنى أن يكون التحدي غير هذا , لكن هذا ليس بيدي , فهذا قرار مجلسنا الموقر , لكني لا أملك سوى الدعاء لك بالنجاح في هذا التحدي , أتمنى لك التوفيق !
قالها و التفت ناظرا نحو (ريميكا) , أشار لها كي تأتي , تحركت بخطوات بطيئة نحوهما , ثم تخطتهما نحو القبة , كان يبدو أنها تعرف ما ستفعله جيدا , فهذا هو بيت الكويو , كانت تشعر بانقباض في صدرها , لقد فعلت هذا الأمر عشرات المرات من قبل , لكنها لم تشعر بما تشعر به الآن , تابعت سيرها وسط هذا الموكب الذي احتشد ينظر لها في تمعن , سارت حتى وصلت لداخل القبة , توقفت في منتصفها , نظرت لأعلى , كانت القبة بها رسمة منقوشة ببروز على الزجاج , كانت كلمة (كويو) مكتوبة باللغة السحرية , تنهدت بعمق , جلست في وضع التدريب الخاص بها , نظرت نحو الجميع , وجدت الجميع قد حبس أنفاسه ترقبا لما سيحدث , أغمضت عيناها , ثم قالت :
-كايتو !
صدر شعاع أبيض وهاج , سطع وسط ظلمة هذا الليل , اندفع الشعاع خارجا من العصا يريد التحرك خارج القبة , لكن لسبب ما لم يتجاوزها , بل تحرك داخل زجاج القبة , أخذ يدور بها , يدور و يدور , صارت القبة الآن قطعة مضيئة في هذا المكان , شمس صغيرة سطعت بهذه الأرض , ظل الضوء يزداد , و يقوى لمعانه حتى لم يعودوا قادرين على رؤية (ريميكا) رويدا رويدا لم يستطيعوا رؤية القبة , الزجاج الموجود بها , الأعمدة التي تستقر فوقها , فجأة ازداد الضوء دفعة واحدة ثم انحسر , انحسر ليكون شيئا غريبا , تحولت القبة ومن بداخلها لبوابة , كانت الألوان التي قد رآها من قبل (رانمارو) داخل الزجاج قد أصبحت كتابات بلغة لا يعلمها , كتابات لامعة براقة ,فتحت أبوابها بصوت مرتفع معدني محدثة صرير مزعج , حدق الجميع بما بداخلها, كانت البوابة بداخلها شيء يشبه السحاب , كان يبدو أنها فتحة على السماء البعيدة , نظر (رانمارو) نحو (أكيهيرو) , قبل أن يتكلم وجده قد تنحى جانبا ليقف في مكان فارغ بالمنتصف يوجد بصف على يسار (رانمارو) , نظر نحوه بدهشة , لكن (أكيهيرو) لم يفعل شيئا سوى أن أِشار له أن يتقدم , ابتلع ريقه بصعوبة , التفت حوله , وجد الجميع يحدق به , التفت خلفه وجد رفقائه يلوحون له بأيديهم , مما شجعه على التماسك , قبض على مقبض عصاته أكثر من مرة مرددا في نفسه :
((-أنا قادر على فعلها , أنا قادر على فعلها , أنا قادر على فعلها ))
شعر بحرارة تسري في جسده , شعر بطمأنينة تفيض في قلبه , بثقة تجتاح نفسه , أغمض عينه , ظل هكذا لثانيتين , ثم فتحهما , نظر نحو الباب بثقة , بدأ سيره , بدأ خطواته نحو هذا الدرب , كان صفي الأشخاص يتوقف عند مسافة تقدر بحوالي عشرة أمتار تقريبا بعدا عن البوابة , تخطى حاجز الصفين , استمر في سيره بهدوء نحو البوابة , وقف عندها , نظر نحو الداخل لكنه لم ير شيئا , رفع يده الممسكة بالعصا و أدخلها , فدخلت بسلاسة , شعر ببرودة خفيفة تجتاح يده , دفع يده أكثر و أكثر للداخل , لم يجد شيئا يعوق سيرها , فتشجع , فخطا خطوة بقدمه اليمنى للداخل , تبعتها قدمه اليسرى , فجأة أصبح داخل البوابة , شعر و كأن شيئا باردا قليلا يحيط به , كان لا يدرك ماهيته , لكنه لم يشعر بمثل ذلك الشعور من قبل , كان شيئا يريح الأعصاب , فجأة شعر و كأن هناك من يدفعه للأمام بيسر , حاول أن يتلفت ورائه ليعرف من يقوم بذلك , لكنه لم يستطع , أدرك للمرة الأولى أنه غير قادر على الحركة , ظل هكذا لبضع ثواني , بعدها سطع ضوء قوي طغى على رؤيته , فأغمض عينيه اتقاءا من هذا الضوء العالي , شعر و كأنه قد سقط على أرض رملية , فتح عينيه فوجد نفسه مستلقي على أرض رملية بالفعل , و أمامه يوجد رجل غريب , رجل يلبس ملابس لم يرَ أحد يرتديها سوى أشخاص معينين فقط , رجال مصر الفرعونية القديمة !
-من أنت ؟ و أين أنا ؟!
تسائل (رانمارو) وهو يقف من على الأرض ينفض عن ملابسه حبات الرمال التي التصقت بها , نظر نحوه الرجل المصري , وقال :
-لماذا جئت هنا ؟!
نظر نحوه (رانمارو) وهو يضيق عينيه ثم قال :
-جئت من أجل أن أدخل في عالم الترقي ؟!
-لماذا؟!
رد عليه :
-لا شأن لك بهذا , أريد فقط أن أدخل عالم الترقي !
نظر نحوه الرجل بصرامة , لكن (رانمارو) لم يعره أي اهتمام , فما كان يهمه حقا هو ما نوع المهمة التي عليه أن يؤديها في هذا العالم الغريب , قال له الرجل في برود :
-حسنا , لديك مهمة عليك القيام بها , يوجد رجل قاتل هارب , هذا الرجل خطير جدا , هو موجود داخل هذا المعبد ...
قالها و استدار يشير نحو معبد مصري قديم , كان ضخما جدا , أعمدته كبيرة و عالية , تعجب (رانمارو) من أنه لم يلاحظه في البداية , فشيء ضخم كهذا لا يمكن ألا يراه أحد , نبهه الرجل بقوله :
-عليك أن تمسك به حيا أو ميتا , إذا فعلت هذا فأنت ستنجح في مهمتك هنا , هيا , فلترنا مهارتك أيها المتحذلق !
قالها و اختفى الرجل وابتسامة السخرية تغطي وجهه , تعجب (رانمارو) من اختفائه , لكنه ليس الشيء الوحيد الغريب هنا , شهر عصاته و قال :
-كاي !
تحولت العصا لشكلها المعتاد , غطى المعطف أكثر من نصف جسده , سار بخطوات حذرة داخل المعبد , كان الصمت المطبق يسيطر على الأجواء , شعر برهبة شديدة عندما خطى أول خطوة داخل المعبد , هنا لمح ظل شخص تحرك بسرعة بين عدة أعمدة موجودة أمامه , تحرك (رانمارو) بحرص , فهو كان يدرك أن مهمته هو إلقاء القبض على هذا القاتل , ظل يسير بخطوات حذرة حتى وصل لمكان واسع , تحيط به الأعمدة من كل الجهات , كان مربع الشكل , متسع جدا , يبدو و كأنه ردهة هذا المعبد , في الطرف المقابل وجد رجلا ملثما يلبس ملابس صفراء واقفا في انتظاره , سار (رانمارو) حتى دخل إلى المكان , حملق في الرجل كما حملق الرجل فيه لبرهة , بعدها تكلم الرجل :
-عد من حيث أتيت , أنت لست ندا لي !
قالها بصوت جهوري , تردد صداه في المكان و بين الأعمدة الكثيرة فاستمر يتردد لفترة قاربت على النصف دقيقة تقريبا , بعدها سكن كل شيء تقريبا كما كان من قبل , فرد (رانمارو) :
-أنا لن أغادر مكاني حتى أقوم بإلقاء القبض عليك !
تردد صوت (رانمارو) الصارم , لكنه ليس مثل صوت الغريب , الذي علا صوت ضحكاته عندما سمع كلمات (رانمارو) , بعدما انتهى منها قال وسط صدى الضحكات :
-هل تظن أنك تستطيع أن تأسرني ؟! ألا تعلم أنهم قد حاولوا من قبل كثيرا من المرات لكنهم فشلوا ؟! ومن حاول قبلك كان أقوى منك بكثير , فكيف تأتي إلى هنا و تقول بكل جرأة أنك تريد أن تقبض علي ؟!
اتسعت عينا (رانمارو) دهشة مما كان يقوله الغريب , فتابع الغريب وهو يتحرك نحو (رانمارو) :
-لا تقلق نفسك عزيزي , أعرف أنهم قد غرروا بك , لكن لا تقلق , فسوف أخرجك بنفسي من هذا المكان , كما سأخرجك من الدنيا بأسرها ...
قالها و حدث كل شيء بسرعة , تحول هذا الشخص لتنين ضخم , يشبه سيده , وصلت دهشته لمداها , لماذا لدى هذا الشخص تنين مثله ؟! لم يدرِ السبب , لكن ...
((-ماذا حدث لك رانمارو؟!))
صدر صوت الوحش مترددا في أعماقه بعنف , نبهه ذلك لما هو فيه , نبهه إلى حقيقته , عندما أدرك ما حدث له , عندما شعر بأنه كاد أن يفقد كل شيء بسبب لحظة يأس لعينة , اشتعل بالغضب , نظر مضيقا عيناه نحو هذا الغريب الذي قد تحول إلى تنين , وقال :
-لقد جئت هنا لأقبض عليك , فإن لم تقبل هذا بطريقة سلمية , فسأجبرك عليها بنفسي ...
زمجر التنين , وهو ينظر نحوه , زمجر (رانمارو) هو الآخر , فتح التنين فمه و أخرج تيار من النار القوي , قفز (رانمارو) لأعلى في خفة وسرعة متجاوزا هذا الخطر , قال :
-للأسف لا أملك وقتا أضيعه معك أيها اللعين , سأستخدم معك أقوى تعاويذي , فهذه هي الطريقة الوحيدة ...
قالها و قبض على عصاته بكلتا يديه , أغمض عينه , أخذ يستجمع طاقته الروحية , ثم فتحهما وهو يصرخ :
-ريون كيشي !
تلونت مقدمة عصاته بلون أحمر قاتم , بعدها اندفعت سحابة ضخمة أمام العصا , من وسطها صدر صوت صهيل فرس , انقشعت السحابة فجأة لتكشف عن فرس ضخم يعتليه فارس يبعث منظره الرعب فيمن يراه , رفع الفارس سلاحه الغريب , و الذي قد أضاف لنهايته تلك الكرة المسننة من معركة سابقة , لكنها قد اصطبغت بلونه الأحمر تاركة لونها الأسود السابق بعيدا , صاح (رانمارو) فيه عند وصوله للأرض :
-هيا هاجمه بكل قوته !
تحرك الفارس بسرعته المعهودة مندفعا نحو التنين , رفع التنين ذيله و وجهه نحو الفارس , رفع الفارس سلاحه و هوى به مقابلا ذيل التنين , لدهشة (رانمارو) فقد أوقف التنين حركة الفارس , و لم يستطع سلاح الفارس أن يخترق ذيل التنين , لم يحدث به أية خدوش , كان يبدو أن طاقتيهما متقاربة , جز (رانمارو) على أسنانه , فقد عدل التنين من رأسه موجها إياها نحو الفارس , اندفع سيل جارف من النيران نحو الفارس , رفع يده اليسرى حاملة الدرع لتتصدى لهذا الجحيم , بدا أن الفارس لن يصمد طويلا , زمجر (رانمارو) قائلا:
-لن أدعك تدمره أيها اللعين !
رفع عصاته وصرخ قائلا :
-فونكافان هاريتسو !
تلونت طرف العصا بلون أحمر , اندفعت دفقة من الآشعة تجاه الأرض تحت أقدام التنين , حدثت رجة خفيفة , تبعها صوت ضخم صادر من أسفل أقدامه , كانت تعويذة قوية للغاية , فقد خر (رانمارو) ساقطا على الأرض وهو شاحب قليلا , يبدو أنها قد استهلكت جزء كبير من طاقته , نظر نحو التنين , كانت الأرض تحت قدمه قد بدأت في الارتفاع , بدت و كأنها تكون تل صغير , ارتفعت عن سطح الأرض لمسافة تصل إلى خمسة طوابق كاملة , بعدها توقفت عن الارتفاع كما توقف التنين عن نفث النيران , فقد انتبه لما يحدث أسفله , التفت ينظر نحو الأرض التي قد ارتفعت , هنا صدر صوت زمجرة من الأرض , مع حدوث زلزال صغير , تلونت بعدها قمة الأرض المرتفعة بلون أحمر غريب , حملق التنين في هذه الأرض الغريبة , فجأة اندفع سيل من الحمم من فوهة هذا المرتفع الصغير نحوه , قفز إلى أعلى تحت تأثير اندفاع تلك الحمم , تردد صوت الحيوان المتوحش عاليا يهز جنبات المعبد , سمع (رانمارو) صوت سقوط العديد من الأعمدة تحت تأثير موجات هذا الصوت العنيف , فهو قد وضع كلتا يديه على أذنيه اتقاءا لهذا الصوت , صاحب سقوط التنين على أرضية المكان هزة ضخمة , فقد سقطت بعيدا عن الفوهة التي لازالت تخرج ما في أحشاءها من حمم , ظلت هكذا للحظات بعدها توقف سيل الحمم عن الخروج , أما الفارس فقط استطاع أخير أن يغرس سلاحه في ذيل التنين فاصلا هذا الجزء عن جسده , ثم اختفى تاركا (رانمارو) بمفرده مع الوحش , نظر تجاه الوحش , كان قد سقط يئن على الأرض , كان ذيله ينزف بشدة , وقف (رانمارو) بضعف , سار مترنحا قليلا نحو الوحش , لكن...
-هل تظن أنك تستطيع التغلب علي بتلك التعاويذ فقط ؟!
قالها التنين وهو يقف بصعوبة , كان يبدو عليه الانهاك أيضا , كانت طاقة (رانمارو) قد قاربت على الانتهاء , لم يدر كيف تحمل التنين كل هذه الصدمات , كانت بطنه تنزف بشدة نتيجة اندفاع الحمم نحوه , تكلم الوحش قائلا :
-الآن قد وصلت إلى نهاية قوتك , هيا اعترف بفشلك , هيا تخل عن كل شيء , هيا أعلن استسلامك و فشلك !
صرخ فيه (رانمارو) بكل قوته :
-كيف تجرؤ أيها اللعين ؟! أنا لن أترك أحلامي كلها تضيع هباءا , تعبي و تعب رفقائي لن يضيع سدى !
ضحك الوحش ثم قال :
-أنت لا تدرك حقيقة وضعك الآن , سأقولها لك مجددا بصورة أكثر بساطة , أنت بمفردك الآن , لم تعد قادرا على أداء تعاويذ قوية , ربما لو كانت لديك طاقة تكفي لتقوم بتعويذة أخرى ربما حينها كنت قد صرعتني حقا و أجهزت علي , لكنك لا تملك لحسن حظي و لسوء حظك مثل هذا القدر من الطاقة , فأنت على مشارف انتهاء طاقتك !
قالها و استمر يضحك , في داخل (رانمارو) كان يدرك حقيقة وضعه السيء , فكل ما قاله الوحش صحيح تماما , إنه لا يرغب في أن يفشل , إنه لن يرغب في أن يضيع حلمه ...
-كلا !
قالها فتوقف الوحش عن الكلام , نظر نحوه محدقا فيه بينما تابع هو :
-كلا , إنه ليس حلمي بمفردي ...
قالها و أخذت طاقته تخرج على نحو كبير , أخذت تحيط بجسده , تحيط به على شكل لفات حلزونية , كان أشبه ما يكون حينما أزال الختم من على وحش (ياكو) , قال الوحش مندهشا مما يفعله :
-ماذا تفعل أيها اللعين ؟! لن تستطيع أن تحقق شيئا بموتك هنا , لن تستطيع أداء تعويذة واحدة و أنت لا طاقة لديك بعدها , لابد لك من أن تكون لديك بعض الطاقة المتبقية للتحكم في ...
-اخرس !
صرخ في الوحش , صمت الوحش تحت تأثير صرامة كلمته , ثم تابع (رانمارو) :
-لا أريد أن أسمع مزيدا من هذا الهراء مرة أخرى ... سأريك من هو رانمارو ...سأريك من هو سليل عائلة اليوشاهارو !
قالها و صرخ , صرخ بكل قوته , كان ما يتردد في عقله و قلبه بصوت عالى تحذير التنين له
((-لا تستخدم تلك التعويذة رانمارو , ستفقد حياتك حقا , لا تقم بها , ستستهلك طاقتك, لا... ))
لم يعر لكلامه أدنى اهتمام , فقد قرر , لا يهم من سيرى تحقيق الهدف , لكن الأهم حقا هو تحقيقه , ربما لن يكون قادرا على رؤية حلمه يتحقق , لكن ...
-لن أدع حلمي و حلم الجميع يضيع بسببي أيها اللعين , سأقوم بها أيها التنين , سأحقق نصري عليك أيها اللعين ...
((-ساكورا ,ياكو , هارونا , تاكامي, تابيتو , ناجومي , هيكارو , ريميكا ...وداعا !! ))
تردد في عقله صوته وهو يتذكر صورة كل من رفقائه , و يتذكر لقطات سريعة من حياته القصيرة معهم , و أخيرا تخيل شكل قريته وهي مبنية , شعارها يرتفع عاليا في عنان السماء ...
-ريون مونوجاتاري سوبيتا !
أضاءت طرف عصاته بضوء أحمر لامع , نظر التنين نحوه وصرخ في رعب :
-لا , ليس تلك التعويذة أيها اللعين !
قالها وهو يصرخ , و الضوء يخرج من العصا يغمر المكان , كانت كانفجار صغير يحدثه (رانمارو) بعصاته واضعا نهاية لمهمته المستحيلة ...

يتبــــــــــــــــــــع...................

اماريج 01-08-10 08:09 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الثامن و الأربعون


كشف المؤامرة


قالت (تاكامي) محدثة (تابيتو) :

-هل جربت نظام الترقي هذا من قبل ؟!
نظر نحوها و لم يجبها , كان يبدو منذ فترة أن هناك شيئا ما يشغله مثل الجميع , بالطبع كان الجميع منشغل بالتحضير للتحدي , لهذا كان الجميع متوترا , حدقت (هيكارو) لساعتها الذهبية الأنيقة , ثم زفرت في ضيق و قالت :
-لا أصدق , لقد مضت ساعتان كاملتان , لا أدري هل سينجح أم ماذ...
بترت عبارتها عند ظهور ضوء وهاج قوي صادر من تلك البوابة , غطى الجميع أعينهم بأيديهم , وعندما نظروا تجاه البوابة عند خفوت الضوء وجدوا شخصا واقفا أمامها , رويدا رويدا خفت الضوء و انحسر حتى اختفى تماما , في حين ظهر من كان بالباب , كان (رانمارو) واقفا و ممسك بعصاته , معطفه قد غطى كامل جسده بمعطف أحمر سميك لامع تتخلله خطوط سوداء طولية و دائرية بصورة أنيقة بديعة , مرسوم على المعطف من الأمام رسمة التنين المجنح ينفث نارا عظيمة , كان ينهج بشدة , صمت الجميع , بعد لحظات صدرت صيحات ترحيب شديدة به , أما (رانمارو) فقد كان يتذكر وهو مبتسم ما حدث , فقد نجح في تعويذته , تدمر التنين الذي كان أمامه , أو لنقل قد تبخر , ظهر مكانه هذا الرجل المصري القديم قائلا له :
((-لقد نجحت في تحدي ضعفك , قبلت تعريض نفسك للموت في سبيل تحقيق حلم الجميع , تخليت عن الأنانية البشرية لحب الذات من أجل الآخرين , طلبت الموت فوهبت لك الحياة , مبروك عليك تحقيق مبتغاك !))
يتذكر وقتها أنه نظر نحو معطفه , فوجده قد غطى كامل جسده , لم يتذكر أنه قد فرح في حياته مثلما فرح في تلك اللحظة , بعدها غادر المكان كما دخل , بطريقة لا يعلمها , و أخيرا وجد نفسه أمام الجميع هنا , وسط صيحات الترحيب و التهليل , خرج (أكيهيرو) من الصف و اتجه نحوه , احتضنه كأب يحتضن ولده , بالطبع كانت فرحته مثل فرحة أصدقائه تفوق الجميع , استدار يواجه الجميع , رفع يد (رانمارو) اليسرى بيمناه و قال :
-لقد نجح في التحدي , لقد حقق ما كنا نريده , لهذا أعلن باسمي , وباسم مجلسنا الحاكم , بأننا نفخر بقبولنا تكوين قرية الريح البيضاء في مدينتنا , وقائدها هو رانمارو , سنكون عونا له , قوتنا يده التي يستخدمها , آرائه هي التي سنسير على دربها , قراراته سوف تكون كالسيف على أعناقنا ..!
هلل الجميع لذلك القرار , إذا كان أحد بالخارج لشعر بوجود قنبلة قد انفجرت بالمكان , حقا شيء جميل أن يتم تحقيق الحلم...
-أرى أنكم قد احتفلتم بدون توجيه دعوة لي ...!!
صدر هذا الصوت من خلف الجميع , اتجهت أنظار الجميع نحوه , فوجدوا خمسة أشخاص يقفون هناك في مدخل الساحة , الثلجية و إيكويا على اليسار , اللورد و رجل آخر على اليمين , أما بينهما , و الذي كان متقدما قليلا , و الذي تحدث , كان رجلا في حوالي الثلاثينيات من عمره , شعره أسود ناعم , عيناه عسلية , لحيته طويلة نوعا ما , كان يمسك بعصاته , نظر الجميع نحوهم في ذهول تام , تحدث (أكيهيرو) قائلا :
-ما الذي جاء بكارا هنا ؟!
عندما قال هذه الكلمة تعالت أصوات رجاله لتنشيط عصويهم , نظر الغريب نحوهم ثم قال :
-أنا لم آت هنا كي أقاتلكم !
ضيق (أكيهيرو) عينيه و هو يقول :
-إذن لم جئتوا هنا ؟!
ابتسم وهو يقول :
-جئت كي أتحدى قائد قريتكم الجديد !
شهق الجميع , نظروا نحو (رانمارو) , كان بالطبع في حالة يرثى لها , نعم قوته الروحية قد ازدادات لكن ليس بالقدر الكافي , اضافة إلى كونه قد استنفذها في القتال , و أصابه الانهاك البدني و النفسي , نظر (رانمارو) نحو (أكيهيرو) وقال مستفسرا :
-ماذا يعني بأنه سوف يتحداني؟!
رد (أكيهيرو) دون أن يحيل نظره عن الغريب :
-يعني هذا أنه سيتحداك في قتال , فإذا فاز عليك يصبح هو رئيسا للقرية , هذا ما كانوا يريدونه !
شهق (رانمارو) عند سماعه بذلك , نظر نحو الغريب نظرة تملؤها الكراهية , ثم قال :
-ومتى سيكون هذا التحدي ؟!
رد الغريب :
-سيكون الآن , فالتحدي عزيزي يكون في نفس الوقت و المكان الذي يتم فيه عرض التحدي !
عصر (رانمارو) بقبضته على مقبض عصاته التي يمسك بها , لم يكن قد فرح بتكوين القرية حتى يظهر هذا الغريب , لكن..
-كيف عرفت بمكاننا و بمخططاتنا ؟!
تسائل (رانمارو) , فضحك الرجل , كان (رانمارو) يسير خارجا من الممر المعبد , مارا بأصدقائه , فجأة شعر و كأن طاقته قد ازدادت فجأة , نظر نحو (ناجومي) فوجدها تبتسم له , فقد شعر أنها قد نقلت له بعض الطاقة , أصبح الآن أمام الغريب و رفاقه , في حين تراص جميع من خلفه على هيئة صف طويل كي يروا ما سيحدث في شغف ...
قال (رانمارو) :
-لم تجب على سؤالي !
توقف الغريب عن الضحك ثم أشار بيده , فجأة تحرك (تابيتو) من مكانه ليظهر بقفزة فلاشية بجوار الغريب , دهش (رانمارو) و رفاقه , صاح (ياكو) فيه :
-لماذا ذهبت نحوه تابي...
بتر (ياكو) عبارته , فقد تحول فجأة (تابيتو) إلى شخص آخر , تمتم (رانمارو) في حنق :
-كايتو !
في حين تمتم (ياكو) و (تاكامي) و (ناجومي) و (هيكارو) مصعوقين :
-نائب القرية !
التفت نحوهم (رانمارو) في حدة كما فعل الجميع , تسارعت الأفكار داخل عقله بسرعة , كايتو هو نائب القرية الذي ...
تحدث الرجل الغريب قائلا :
-سأقول لك عزيزي رانمارو ما حدث منذ أربعة عشر عاما , لم يكن الخائن هما والداك , بل كان نائب القرية عزيزي كايتو , بالطبع كانت خدعة عبقرية أنا من وضع خطتها و نفذت جزءا منها , فقد نجحت بقوتي في جعل جميع قادة القرية آنذاك يشكون في أبواك , بل دفعتهم كي يحاربونهما , كانت معركة قوية و جميلة , بحق كان والداك رائعين ...
اعتصر (رانمارو) قبضته أكثر و أكثر تحت تأثير كلام هذا اللعين , لكنه تمالك أعصابه كي يعرف المزيد مما حدث , تابع الغريب بنشوة المنتصر :
-كانت خطتي بعيدة المدى , كنت أريد أقوى انتقام ممكن من عائلتك , من والديك خصيصا و منك كذلك , لذلك فقد تحكمت فيك بقوتي و جعلتك تلقي تعويذة عليهم , بالتالي ظهرت أمام الجميع أنك من ألقاها , بالتالي ستتحمل أنت تبعة ذلك ...
كانت عينا (رانمارو) تشتعل نارا حقيقية , لكنه تماسك بإرادة فولاذية , في نفس الوقت شعر بازدياد في طاقته الروحية , لم يكن يعرف هل لازالت (ناجومي ) تمده بالطاقة أم كانت طاقته هو , تابع الغريب كلامه وهو سعيد للغاية :
-بالطبع تم نفيك , لكني لم أكن أريد ذلك فقط , فبعد أربعة عشر عاما , قررت أن أستدعيك لتزور عالمنا الذي نبذت منه ...
تمتم (رانمارو) مصعوقا :
-أيها اللعين لا تقل لي ...
بتر عبارته عندما أومأ الغريب بضحكة عالية مؤيدا كلامه , ثم تابع :
-نعم , أنا من أرسلت لكارا طالبا قتلك , و أنا من تحكم في ساكورا العزيزة حتى تأتي لتمر من طريق منزلك , و دفعتها كي تستخدم سهمها الذي أخفيته عن الساحر فلم يشعر به بتاتا سوى عند اختراق صدره , ما رأيك بتلك اللحظة الجميلة ؟! أتتذكرها جيدا عزيزي !
قالها و ضحك مرة أخرى , أما (رانمارو) فبداخله شعر بنارا حقيقية قد اشتعلت بقلبه , ردد في بطء :
-أيها اللعين !
استمر الغريب في ضحكاته قليلا ثم توقف و نظر نحو (رانمارو) الغاضب , ثم تابع :
-بالطبع كان لا يستقيم أن أجعلك تسير بدون مرشد في طريقك , فدفعت لك كايتو في طريقك , علمك كيفية التدريب , و نصحك عدة نصائح , و أخبرك قليلا عن عالمنا , بعدها تركتك تجول قليلا في عالمنا , لم أكن أتوقع لقائك بجنتو في معركة باكوشو , صراحة أذهلتني بتلك المعركة , لهذا السبب دفعتني لضرورة إعادتك لطريقك الذي قد رسمته لك من قبل ...
زمجر (رانمارو) وهو لا يزال معتصرا قبضة العصا قائلا :
-طريق تكويني لقرية الريح البيضاء !
ابتسم الغريب مانعا نفسه من القهقهة ثم قال :
-نعم , طريق بناءك لقريتك اللعينة القديمة , لم تكن تعرف ماذا مطلوب منك كي تفعله , لهذا دفعت لك كايتو لكن متخفيا في صورة شخص آخر, فقد خفت أن تكون قد شككت بشخصيته الأصلية , كما سيتعرف عليه من بصحبتك من رفقائك القدامى في القرية , لهذا تعرف عليك بشخصية تابيتو بطريقة تجعلك لا تشك فيه , و لكي أجعل القصة محبوكة أكثر جعلته يشارك واحدا من عائلات الشي يو كي يجعلك تشعر بضرورة وجوده , مما يقلل ذلك من شك الجميع نحوه ..
نظر الجميع تجاه (كايتو) المخادع في حنق , لقد كان يخدعهم طيلة تلك الفترة , تابع الغريب :
-بالطبع قد وجهك كايتو بدقة نحو هدفنا , جعلك تجمع الشروط جميعها حتى تكون قادرا على تكوين القرية , و عند وقت اختيار مكان المدينة برز بفكرة بدت لكم بديعة و سهلة , وهي الاستعانة بأحد حلفاء قرية الريح البيضاء ...
قالها و سار نحو الأمام قليلا حتى يصبح مواجها ل(رانمارو) , توقف بعد عدة أمتار ثم تابع:
-بالطبع هذه المدينة معروفة بدعمها الدائم لحركات مثل قرية الريح البيضاء , كذلك أفراد مثل جنتو , كانت هذه المدينة مطمح حركات كارا و بوكاهاتسو , لكنهما لم يعرفا بكامل قوتهما من هم أفراد مجلس الحكم هنا , لهذا قررت وضع خطة بسيطة تكون أنت عضوا فيها , أدفعك نحو هذه المدينة , فتفعل أنت المستحيل من أجل تحقيق ما يريدونه من طلبات و تنتصر في التحدي , و بهذا تستطيع أن تفوز بحق تكوين القرية , و يصبح مجلس حكم القرية تابعا لسلطتك , حينها فقط أبرز أنا و أتحداك و أفوز عليك , فأفوز برئاسة القرية , وولاء مجلس الحكم لي , فأخرج من كل هذا فائزا , حققت انتقامي منك ومن عائلتك البغيضة , دمرت مدينة كانت تعتبر قلعة حصينة في وجوهنا , بل و حولت قوتهم في صالحنا , و أخير فزت بقرية جديدة أجعلها عاصمة لحكمي على المملكة اليابانية ...
قالها و أخذ يقهقه بصوت مرتفع , فقال (رانمارو) مقاطعا ضحكاته :
-إذا كنت تبغضني بهذا الشكل , فلماذا لم تقتلني مع والداي آنذاك ؟!
بتر الغريب ضحكاته العالية , و نظر تجاهه وقال له :
-هل تعرف أن رجالي جميعهم قد تسائلوا نفس سؤالك , حتى كايتو نفسه كان متعجبا من هذا , عزيزي رانمارو , إذا كنت قتلتك وقتها سأكون قتلت طفلا صغيرا لا يعرف عن الدنيا أي شيء , لكن الآن أنت شخص مختلف , لديك طموحات و أحلام , لديك هدف تريد تحقيقه , حقيقة تريد أن تكشفها , لديك قيمة لحياتك , الآن عندما أقتلك لا أكون قد قتلت رانمارو الإنسان فقط , بل قتلت قيمتك الكبيرة المتمثلة في آمالك و طموحاتك و أحلامك و أهدافك , قيمة عندما أسلب حياتك ستجعلك تبكي بدموع دموية على عدم استطاعتك تحقيقها , حينها فقط سأكون مستريحا في انتقامي , فهنا فقط يكون انتقامي أقوى و أشد و أعمق تأثيرا ...
ضيق (رانمارو) من عينيه وهو يصرخ فيه :
-أيها اللعين المغرور , كيف يتأتى لك الثقة في أنك تستطيع أن تفوز علي ؟! إنه قتال تتعادل فيه نتيجتي الفوز و الهزيمة , لا تكن متفاخرا و مغرورا وواثقا من نفسك هكذا , سوف أهزمك شر هزيمة !!
نظر الغريب نحوه ثم رد معقبا على كلامه :
-لا تستهين بي يا هذا , فأنت قد أدركت الآن أن كل شيء أفعله يكون محسوبا و مخططا بدقة , نعم أنا حاليا ليست لدي الطاقة الكافية لهزيمتك , فقد كنت أزود كايتو بطاقة التخفي و تقمص شخصية ذاك الطبيب اللعين , لكني قد أعددت كل شيء من قبل , ألم تتسائل ولو للحظة واحدة لماذا دخلت عالمنا بعد مرور أربعة عشر عاما بالتحديد ؟!!
صمت (رانمارو) محدقا به , فما كان يقوله كان صحيحا , فكل خطوة خطاها هذا الغريب , كل حدث شارك فيه كان مخططا له من قبل , لكن لماذا في هذا السن بالذات ؟! تابع الغريب:
-بالطبع يا عزيزي لن تدرك هذا بغبائك , قوتي تتمثل في القدرة على التحكم بوحوش الأشخاص , و التحكم في الأشخاص أنفسهم مثلما تحكمت في قادة قريتك السابقة و جعلتهم يعتقدون بأن أبويك خائنان فعلا , و كما تحكمت بساكورا كي تمسك جعبتها و تطلق سهمها , لكني قبل مغادرتي للقرية , بعدما نفذت مخططي كله قد ألقيت عليك تعويذة قوية جدا , تعويذة تحكم في وحشك , تعويذة تجعلني قادرا على تدمير وحشك !!
اتسعت عينا (رانمارو) في فزع , إن تدمر وحشه فلن يستطيع أن يحاربه , و بالتالي سيكون سهلا جدا عليه أن يقتله , ليس هذا صحيحا , أخذ يقول لنفسه ذلك , حيث وجد جسده يهتز بشدة , تابع الغريب وعلى وجه ابتسامة انتصار كاسحة :
-بالطبع هذه التعويذة قوية جدا , قوية للدرجة التي جعلتني لا أقدر على الوقوف طيلة أسبوعين كاملين , لكنها كانت تستحق ذلك , هذه التعويذة يمكنك اعتبارها درة أعمالي , فهي كالقنبلة الموقوتة , تعمل فقط عندما أقوم بتنشيطها , لكن لها عيب واحد ...
حملق (رانمارو) فيه بغضب مثلما فعل الجميع , في حين لم يأبه الغريب بتلك النظرات , بل على العكس , كان يضحك بداخله بكل قوته , تابع قائلا :
-كان العيب الموجود فيها أنها تفسد عند مرور خمسة عشر عاما على إلقاءها , و إذا مرت فترة سبع سنوات و نصف على فترة إلقاءها تحدث لها حالة من الخمول , لهذا يجب تنشيطها بتعويذة ما قبل أن أقوم بتفعيل فتيلها لتنفجر فيك عزيزي, لهذا فقد دفعتك في عالم السحر بعد مرور أربعة عشر عاما , حتى أترك لك عاما كامل تمرح فيه و تلعب في عالمنا وتحقق أهدافي التي رسمتها مسبقا, بعدها أقوم بتدمير كل ما بنيته في ثواني معدودة !!
زمجر (رانمارو) بغضب قائلا :
-لكنك لم تقم بتنشيطها بعد , هل تنتوي ذلك في أثناء معركتنا أيها اللعين ؟!
كان يفكر في اجتناب جميع تعاويذه , بالطبع كانت مهمة صعبة , لكنه هو الحل الوحيد , قال الغريب بحزن زائف :
-لقد أحزنتني رانمارو , ألم أقل لك لا تستخف بي ؟! أتعرف ما هي تلك التعويذة عزيزي؟!
ضيق (رانمارو) من عينيه و قال :
-بالطبع لا أعرف , فأنت الوحيد الذي تعرف ما قد فعلت !
ظهرت ابتسامة كبيرة على وجه الغريب , كان يشعر بنشوة قوية كلما جعل (رانمارو) يندم على شيء ما أو يغضب من شيء آخر , تحدث قائلا ببطء شديد :
-شو..تو.. ما..شي..رو , شوتو ماشيرو , أتعرفها !
اتسعت عينا (رانمارو) في ذهول و اتجه محدقا نحو (كايتو) الذي ضحك بصوت عال , قال الغريب جاذبا انتباه (رانمارو) نحوه :
-لقد فعل كايتو تلك الخدعة بمهارة , لقد أحضر الطعام بطرقعة أصابعه الموضوعة خلف ظهره , في نفس الوقت الذي قال تعويذة التنشيط , هل كان الطعام لذيذا ؟!
شعر (رانمارو) بغليان في رأسه , لم يكن يريد فقط قتل الغريب , لا , بل أراد أن يمسك (كايتو) و يقوم بتعذيبه طوال الليل على الخديعة التي نصبها لأبويه و نصبها له مع هذا المخادع , جالت جميع أحداث حياته السحرية في عقله , كان عقله يتوقف عند كل منطقة كان يتواجد فيها (كايتو) أو (تابيتو) الزائف , كل كلمة قالها ساهمت في خداعه , كيف دفعه نحو فخ قد تم نصبه له منذ أربعة عشر عاما , كيف ساهم بنفسه في إكمال صورة تدمير القرية دون أن يدري , ظهرت شرارات نارية من طرف عصاته مع اندفاع عامود اسطواني من رأسه نحو السماء , كان لونه أحمر قاتم , ضيق الغريب من عينيه و قال :
-لن أدعك تفعل ما تريده ...
رفع عصاته التي يوجد في نهايتها رأس إمرأة يخرج من رأسها تفرعات تشبه الثعابين , رفع أيضا (رانمارو) عصاته , لكن الغريب كان أسرع منه , قال :
-شوتو ماشيرو كينمو !
تلونت مقدمة عصاته بلون فضي , انطلقت دفقة من الآشعة الفضية نحو (رانمارو) مصطدمة به في أقل ثانية , لم يستطع تجنبها , حينما ارتطمت به بدا للجميع أن طاقته بدأت تخبو , اختفى العامود الأحمر , بعدها اختفى اللون الأحمر من على معطفه , خر ساقطا على ركبتيه وهو يمسك صدره بكلا يديه , كان يشعر بنار حارقة في قلبه , تلون المعطف باللون الفضي , و أخذت شرارات فضية اللون تخرج من جسده , سقط صريعا وسط صرخاته العالية , حاول رفقائه التحرك لكن (أكيهيرو) ومن معه وقفوا حائلا بينهم و بين (رانمارو) فصرخت (تاكامي) :
-افسح الطريق , لو انهزم سيضيع كل شيء !
صرخ (أكيهيرو) مهددا شاهرا عصاته في وجه (تاكامي) :
-لا تقولي شيئا لا نعرفه , نحن مثلكم نريده أن يفوز , و نريد أن نقفز على هذا المخادع لننتقم منه مما قد حدث , لكننا لا نستطيع خرق الأعراف و القوانين , ستكون سبة أكثر إذلالا لنا من تدمير مدينتنا , نحن نريد أكثر منكم أن نقتل هذا الثعبان , نريد أن نعذبه بما فعله في قرية الريح البيضاء و بما كان يفعله طيلة هذا الوقت , لكننا لن نخرق عاداتنا المتوارثة , نحن حماة التراث و الماضي لن نخرقه و نوصم أنفسنا بهذه الصفة البذيئة التي طالما ابتعد اسم مدينتنا طوال القرون الطويلة السابقة عن الاقتران بها !
اتسعت عينا رفقاء (رانمارو) في دهشة , كانوا يظنون أنهم سيجدون المعونة منهم , بالطبع كانت (تاكامي) و (هارونا) و (هيكارو) و (ريميكا) أكثر فهما من (ياكو) و (ناجومي) , لكن فكرة وقوفهم يشاهدون سقوط هرم أحلامهم الذي قد انتهوا من بنائه للتو و مصرع أعز أصدقائهم أمام أعينهم شيئا لا يمكن أن يحتملونه , صفق الغريب بيديه وهو يبتسم قائلا :
-حقا يا للنبل الذي أنتم عليه , لو كانت لديكم شعرة خسة واحدة لكنت شككت في تمسككم بالأعراف و التقاليد البالية , و أحضرت معي جيشا من كارا , لكني أعرف مبدائكم , و متأكد من مدى تمسككم بتقاليدكم , لهذا جئت ومعي لجنة ترحيب بسيطة كي نحتفل بتحقيق أهدافنا التي طالما حلمنا بها ...
ضيق (أكيهيرو) من نظرته وهو يحدق به كما فعل الآخرون , كان يود أن يفرغ كل ما بداخله من غضب في هذا الغريب اللعين , لكن وقف حائط منيع سميك يسمى (( التقاليد )) بينه وبين تحقيق ما يريده , كما وقف هذا الحائط الفولاذي بين جميع رجاله وبين جانب الشر البغيض الذي لايراعي عرف ولا تقليد , ضحك الغريب كما ضحك معه زبانية جهنم الذين يرافقونه , قال الغريب لهم :
-هيا , أعلنوا ولائكم لقائدكم الجدي...
بتر عبارته صوت يقول بصرامة :
-هل تظن أنك ستتخلص مني بتلك السهولة ؟!
تحولت أنظار الجميع نحو المتحدث , تحولت أنظار الكل نحو المتكلم , اتسعت عينا الغريب في فزع عندما حدق ب(رانمارو) الساقط صريعا على الأرض , ظن أنه يحلم , ظن أنه قد سمع صوتا خادعا ...
-هل تظن أنك بتلك الحيلة القذرة ستقتلني ..!!!
شهق الجميع , منهم من شهق دهشة و فرحا , منهم من شهق دهشة و فزعا , فقد رفع (رانمارو) رأسه , وضع قبضتيه على الأرض و اعتمد عليهما كي يقف , وقف مترنحا للحظات , بعدها تمالك نفسه , كان شاحب اللون , يغطي وجهه تراب الأرض , ازدادت دهشة الجميع حينما بدأ اللون الفضي في الانحسار , و ظهر اللون الأحمر مكانه , بدأ يحتل مكانه الطبيعي طاردا الغازي المحتل وسط صرخات الغريب :
-مستحيل , مستحيل , هذا مستحيل , لا يمكن , كان يجب أن تكون ميتا الآن , هذه التعويذة لا يمكن أن تكون مخطئة , لقد جربتها عشرات المرات من قبل , لا يمكن , مستحيل !!!
صرخ بأعلى صوته , كان يبدو عليه الانهيار , لم يكن بمفرده في حالة الذهول تلك , كان كل من موجود بالمكان كذلك , عندما اكتمل تحرير معطفه و جسده من طاقة الغريب الفضية و استعادة طاقته الحمراء النارية , قال له في صرامة :
-لقد لعبتها بكل مهارة , أعترف لك بذلك أيها اللعين , لكن هناك شيء لم تعرفه ...
قالها و رفع عصاته , اندفعت طاقته الروحية كالحمم تغلي غاضبة عند خروجها من فوهة بركان , ارتعد الغريب و خر ساقطا على ركبتيه في حين صاح (رانمارو) :
-الآن سأنتقم لوالداي, الآن سأنتقم لأهل قريتي , الآن سأنتقم لرفاقي , لساكورا , لنفسي منك أيها اللعين...
أغمض عينيه , ثم فتحهما , اختفى البياض الموجود بها , كانت كل فتحة عينه تتلون باللون الأحمر المشابه للون الحمم الخارجة منه , قال بصوت جهوري يبدو أنه صادر من أعماق الجحيم :
-ريون مونوجاتاري سوبيتا !
أضاءت عصاته بضوء أحمر باهر , كان مصاحبا لصوت ضجيج عال , كان الضوء و الضجيج في زيادة , يبدو وكأنه انفجار نووي صغير , وضع الجميع أيديهم أمام أعينهم اتقاءا لهذا الضوء القوي المؤذي للعين , فجأة اهتزت الأرض , بعدها خفت كل شيء , اختفى الضوء , اختفت الضوضاء , عاد كل شيء كما كان , فتح الجميع أعينهم ناظرين نحو (رانمارو) , بدلا من العصا وجدوا شيءا غريبا , وجدوه يمسك بسيف عملاق , سيف لونه أحمر ناري , أو يبدو و كأن نارا تسري داخل نصله , كانت الأرض الموجودة تحت النصل بها شرخ كبير و عميق , أما مقدمة النصل كان يخرج منها رياح هوجاء عاتية , تدمرت أشجار الغابة المقابلة لهذا النصل , تمتم (أكيهيرو) في شرود مذهولا :
-هل استطاع في دورة الترقي اكتساب سيف عائلته ؟!
كان يبدو أن السيف به طاقة تزمجر لكي تخرج , كان معطف (رانمارو) و شعره يتطايران من تحت تأثير السيف , أمسك (رانمارو) السيف بكلتا يديه و صرخ :
-لن أدعك تخرج من هنا حيا أيها اللعين !
رفع السيف لأعلى خلف ظهره ثم هوى به , لم يعرف أحد ما حدث من السيف غير تكون ضوء أخذ في التشكل على هيئة كرة حمراء من الحمم , انطلقت بسرعة شديدة نحو هدفها , كانت الأرض من تحتها يحدث بها شرخ عميق وتصدعات متفرعة من هذا الشرخ بمجرد مرورها السريع فوقها , في حين تكون إعصار من الرياح حولها , اتسعت عينا الجميع من الدهشة , لم تدم تلك طويلا حيث وقع انفجار ضخم , تسبب في تكوين سحابة ضخمة من الأتربة , مع اندفاع موجات من الرياح مركزها منطقة التصادم , تسببت تلك الموجات القوية من الرياح في تطاير جميع من بالمكان للخلف ساقطين على التربة متدحرجين فوقها عدة مرات , ثم توقفوا , هدأ كل شيء و لم يتبق سوى سحابة التراب الضخمة مع لمعان شرارات نارية بالداخل يمكن رؤيتها بصعوبة مع سماع صوتها كل لحظة و الأخرى , تحولت أنظار الجميع مع تساؤل واحد ...
-هل نجح رانمارو في التغلب عليه ؟!!


يتبـــــــــــــــــــــع...........

اماريج 01-08-10 08:13 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل التاسع و الأربعون


نهاية الماضي و بداية المستقبل


اتجهت أنظار الجميع تحاول أن تعرف ما يجري وراء تلك السحابة الترابية الكبيرة , فقد احتوت أيضا على (رانمارو) داخلها , فلم يعودوا قادرين على رؤية أي شيء , رفع (ياكو) عصاه و قال :

-واشي كين فوكومي أسشوكو جينشو مارو !
انطلقت دفقة آشعة بيضاء من طرف عصا (ياكو) نحو نقطة بداخل السحابة تلك , فتكونت منطقة منخفض جوي أخذت تشفط ما يحيط بها من غبار حتى أخذت الرؤية تتضح شيئا فشيئا , اتسعت عينا الجميع في دهشة , فهناك كان يوجد (رانمارو) صريعا على الأرض بمفرده , بينما اختفى كل الأوغاد , اندفع الجميع نحو بطلهم الصريع , حمله بعض أعضاء من رجال (أكيهيرو) , في حين استمرت (ناجومي) في تحويل طاقتها الروحية إليه , كان يبدو أنه قد استنفذ طاقته كلها , وضعوه على الممر المعبد , أخذت (ناجومي) تحول الطاقة إليه في حين التف حوله عشرات , بل مئات الأشخاص يريدون رؤية بطلهم , و الاطمئنان عليه , كانت عصاه قد رجعت لطبيعتها , لم يكن يحتوي على أي أضرار جسدية , لكن الضرر الكبير كان في طاقته الروحية , لهذا السبب قد عرض الجميع على (ناجومي) أن تأخذ من طاقتهم له , أخذت تحول له الطاقة لفترة تجاوزت الربع ساعة تقريبا قبل أن يحرك رموش عينه في بطء شديد , لكنها حركة لاقت كثيرا من أصوات التنهيد و الراحة , فقد اطمئنوا على سلامته و أنه لم يمت...
ظلوا لفترة تربو على أسبوع كامل يعتنون به , فما مر به ليس بالشيء اليسير , بل كما وصفه (أكيهيرو) :
((-إنها لمعجزة ما فعله هذا الصبي , يبدو أن اسم عائلة اليوشاهارو مقترن بالمعجزات دوما ))
ظل الجميع بجانبه حتى استطاع أن يقف على قدميه , كان في استضافة (أكيهيرو) محاطا بحراسة ضخمة , كان الجميع يتسابق لحماية قائدهم الجديد , و منقذهم من الهلاك , و منجيهم من المستقبل المظلم الذي كان ينتظرهم , بالطبع كان السؤال الذي على لسان الجميع هو كيفية قضائه على تعويذة الغريب هذا , بالطبع كانت إجابته الدائمة هي ابتسامته الصافية , لم يرد أن يكشف شيئا جميلا كهذا , فهو يعرف أن ليس بيده الفضل في ذلك
لاحظ (رانمارو) تغير معاملة (ناجومي ) له , فقد بدت أكثر توددا له , و تحولت كراهيتها له إلى تقدير و عرفان , كان يبدو أن تضحياته في ليلة الترقي قد حولت نظرتها تجاهه نحو الاتجاه المعاكس تماما , بالطبع كان سعيدا بهذا
كان يومه مشغولا جدا , حيث كان عليه أن يقابل جميع أفراد مجلس المدينة , من سيصبحون تحت أمرته في قريته , كما عليه حفظ عشرات الأسماء و الشخصيات , كان منهكا بالفعل من جراء هذه المعركة الصعبة , بعد أسبوع من هذه المعركة قابل أعضاء مجلس المدينة مرة أخرى , كان اللقاء في الطابق السفلي لقصر (أكيهيرو) , حيث تم توقيع ميثاق القرية و الذي نص على تكوين القرية في المدينة و موافقة جميع أعضاء مجلس الحكماء و قائد المدينة على تأسيسها , و استيفاء جميع الشروط المطلوبة , كما تعهدوا جميعا بأنهم ينفذون كل أوامر (رانمارو) , كان مشهدا رائعا بحق , تخللته البهجة لتزيل آثار ما حدث في ذلك اليوم البغيض , وضع الجميع نصب أعينهم ما حدث منذ أسبوع , وضع الجميع نصب أعينهم ضرورة التصدي لجميع محاولات الشر , وضع الجميع نصب أعينهم نصرة الحق مهما كانت التضحيات , ومهما كانت العوائق , منذ تلك اللحظة المجيدة لتوقيع الميثاق , منذ الوهلة التي تم الإعلان فيها عن تكوين القرية بنجاح , بدأ الجميع طريقهم الصعب , طريقهم المليء بالأشواك نحو رفعة كلمة الحق نصرته
بعيدا عن الجميع , بعيدا عما شعره الكل , كان (رانمارو) يشعر بسعادة حقيقة , و راحة نفسية , فقد ظهرت برائته على الملأ , ظهرت حقيقة ما قد حدث منذ أربعة عشر عاما , غير الجميع , خلاف ما قد وضعه الكل نصب أعينهم , وضع هو هدفا آخر , هدف الوصول لهذا اللعين المخادع و تدميره , هدف الانتقام ممن تسبب في هذه المعاناة , هذا التدمير , هذا التشرد للجميع , هدف الانتقام لمن قتل والديه , و شرد ذويه , و جعله منبوذا في نظر الجميع , و كان سببا في اقحام أحب أهل الأرض إلى قلبه في غمار هذه الحياة القاسية , و جعلها تتكبد كل تلك المعاناة , بعد التوقيع أخذ الجميع يحتفل في قصر (أكيهيرو) , مغلقين صفحة الماضي المظلم , و يعلنون بداية صفحة مستقبل مشرق فيه تعلو كلمة الحق على سواد الظلم .

تم الجزء الأول بنجاح الحمد لله.

د/أحمد السيد حسن خشبة.


أحمد خشبة 24-11-10 05:18 AM

رواية رانمارو و السر الدفين
 
السلام عليكم
كيف حال الجميع ؟

http://img52.imageshack.us/img52/2669/001vz.jpg

كنت أبحث في الشبكة عن اسم روايتي الخاصة فوجدت مواضيع خاصة عنها ها هنا
فقررت أن أشترك و أصبح معكم ..

في البداية أحب أن أعرفكم على روايتي :

اسم الرواية : رانمارو و السر الدفين
النوع : رواية فانتازية
اسم المؤلف : د.أحمد خشبة
دار النشر : دار نهضة مصر للطباعة و النشر
سنة النشر : 2010
الطبعات : ثلاث طبعات حتى الآن
عدد الصفحات : 488 صفحة

ملخص الرواية :

الرواية تعتبر الجزء الأول من السلسلة الفانتازية : رانمارو
وهي سلسلة تتحدث عن شاب في الخامسة عشر من عمره يجد نفسه موصوما بعار ذنب لم يقترفه قط , و هو أنه المسئول الأول عن تدمير قريته قديما منذ عشرة أعوام و عن قتل أسرته بأسرها و تشريد بقية أفراد القرية
رانمارو من عائلة سحرية تعيش في عالم صعب تتصارع فيه المطامع و الأهواء الشخصية ليصبح للحق صوت ضعيف و للظلم و الباطل أصوات عالية

الرواية تحتوي على أجناس متعددة : سحرة - مصاصي دماء - مستذئبين
وتحتوي على السحر , و على الخيال بدون قيود

كنت أتمنى وضع وسائل الحصول عليها لكني لا أرغب في مخالفة قوانين المنتدى

تحياتي
وأتمنى أن أكون ضيفا خفيفا عليكم : )
وأتمنى أن تنال الرواية إعجابكم

المؤلف .

من طرف الموهبة 05-08-11 09:38 PM

بصراحه

إبداع إبداع رائع:dancingmonkeyff8:
أخيرا ختمتها في 3 أيام:spinningemoticonmu8
روايات مثل هذي لازم تمسكها شركة وتعملها أنمي على طوول
وتستحق وقوف دار النشر بجنبها:9jP05261:

ما اعرف كيف اوصف جودتها
وخاصة إني أتابع أنمي ياباني كثير بس ما أميل له
بس روايتك غير
حسيت إنوا فيها تغيير شوية
الأنمي مثل ون بيس تحس الأحداث نفسها كل مرة
بس هنا في تغيير (تموت الصديقة الوفية - يطلع الصديق خائن - لها نهاية مؤثرة)
حسيت إن الأحداث مثل رواية (إيراجون)
بس برضوا مش مثل روعتها :Uf704404:
أقدر مجهودك وأقول لك : الرواية نالت كل إعجابي
وياريت لو تحاول تتواصل مع شركة إنتاج يابانية وأشوف (الأنمي رانامرو)

يا رب توصل تحياتي لك وأقول : أنتبه توقف عن التأليف:23_28_116:

*rim* 11-08-11 11:31 PM

ؤهااايو

الي المبدع أحمد خشبه ...
لقد أستمتعت في كثيرا بقرائه روايتك الرائعه فأنا من محبي الانمي كثير
ولقد أحببت روايتك جدا مع وجود صعبه في فهم الوضع وللولا ذاكرتي الانميه لما استوعبت
يعني كل الي اقراه اتخيله بلا نمي واستوعب ..هع

اعجبني طريقتك في سرد والاسلوب الانمي 100% وشخصيات .. في فقرة ناقصه
بلقصه مادر ي هل كان معتمد ام ان اختنا ام اريج مانزلته ام اني مافهمت المقصد
وهو عندما ذهب لمساعده ساكوره وقابل جنتو وحرر وحش هارونه ... فلم اعرف ماذا حدث
لساكورا وكيف قابل جنتو وماذا حدث له وكيف حرر وحش هارونه

ع العموم انت مبدع كيف كتبت قصتك هل تخيلتها ام اعتمدت ع القصص االانمي
لان الحبكه جدا متقنه ورائعه وتحتاج تفكير
تابع ماتقدمه ونأمل في المستقبل مشاهده انمي من تاليفك وصناعه عربيه

اريقاتو قزايماز ع الروايه ^_^


الساعة الآن 01:07 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية