منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   قصص من وحي قلم الاعضاء (https://www.liilas.com/vb3/f257/)
-   -   (رواية) رواية جديدة " لم تكن أنثى " (https://www.liilas.com/vb3/t208909.html)

سارة منصور دوار الشمس 21-05-23 10:26 PM

رواية جديدة " لم تكن أنثى "
 
الفصل الاول
جثا رجلا اربعيني على ركبتيه فى المشفي بعد مقابلته للطبيب والدموع تنهمر من مقلتاه، يلكز احدي خديه بحسرة متمتما وقلبه يتحطم إلى أشلاء "لما... لما أنا..؟ يالا حسرتي وما ضاع من شبابي، ليتني مت قبل ان اسمع هذا الهراء"
كانت زوجته تقف بجمود وقلبها يصرخ بوجع قاتل وهى تتابعه فغصتها علت إلى القهر ولم تعد تشعر بشيء، فقط تريد ان تقتل نفسها بصمت.
ران اليها والى عيناها الجامدتان والتى صبت النار في حلقه، لا يعلم من السبب فيما يمران به ، مدت يدها له لكي تسنده ويقف ، فحدجها بغضب بغرابة، فطوال تلك السنوات يمران على كافة الأطباء ليكي يعالجا مشكلتهما بالخلف ويأتي لهما طفل ولكن فى كل مرة يخيب آمالهما من كلام الأطباء و يخبرهما بتلك المقولة التى يكره كل حرف بها "لا يمكن أن يحدث حمل بينكما ابدا، يمكن فقط أن تزوجت امرأة أخري وهى تتزوج رجل آخر".
لا ينكر تمسكه بها طوال تلك الأعوام بسبب عشقه الكبير لها ولكن قد فاض به فشعور الأبوة يلح عليه كل يوم بل كل ساعة، كلما يري طفلا فى حجر أبواه ،فكم يتمني لو يعانق بكلتا يديه طفلا صغيرا يخبره كلما يراه بأبي...غمغم وهو يتجه صوب سيارته بحنق" تبا للحب وعيشته"
صعد إلى السيارة وانتظرها تأتي خلفه، رمقها بغرابة وهى تقترب منه بخطوات بطيىة وعيناها شاردة ، ها قد أصبحا فى الاربعين من عمرهما ولم يراها الا الان تبكي ابدا ولو لمرة واحدة من كلام الطبيب ،فكان ذلك سببا فى كبح دموعه حتي أصبحت تذبحه فى الليل الثقيل ،هو رجلا ومعروف ان جنس الرجال بُلداء المشاعر مقارنته بعاطفة الاناث الجياشة ،لا ينكر أبدا انها باردة كالقطب الشمالي دون ادني إحساس فيما يتعلق بحصولها على طفل ، نعم يشعر بعاطفتها معه دائما ولكن فى نقطة ضعف بامنيته للحصول على طفل يكاد يجذب انها اقوي امرأة فلم يري ضعفها أبدا بل لم يعلم ماهي نقطة ضعفها الا الان ، تساءل إن كانت تقوم بالتمثيل عليه بحبها حتي لا يتركها ويتزوج باخري، هى أخبرته العديد من المرات ان يتزوج ولكنه رفض امام تضحيتها بأنها الجانب المسؤول وايضا خشية من ان يتزوج باخري ولا تنجب ويكون السبب منه
عقد حاجبيه ثم اتسعت عيناه وهو يراها تحدق به بجمود فنظر أمامه وقاد سيارته بسرعة إلى البيت ،طوال الطريق لم تنزل عينيها لوهلة من عليه، عرف انها تريد أن تتحدث، ربما بأمر كان ينتظره منذ فترة ولكنها فقط ظلت صامته رغم عيناها التى تتحدث بالكثير.
...... مرت الايام كالخيل الذي يتسابق على الوصول للقمة بشغف العطشان الذي يريد ان يرتوي بالماء ودون سابق إنذار قرر ان يحادثها فى امر هام وبلهجة عازمة قال "اسمعيني يا نجلاء سأسافر إلى بلدي غدا فى مهمة عمل ضرورية، ابقي هنا واهتمي بحديقتي ليثما أعود واهم شيء زهراتي ارجوك اهتمي بها، سأتركها فى رعيتك يا حلوتي "
كانت تلك المرة الأولي التي يتحدث بها معها بعد عودتهما من عند الطبيب منذ أسابيع، فقد كان ينهك نفسه بالعمل متحاشيا التحدث معها ، فكرت ان تخبره بما يجول بعقلها ويؤرقها طوال السنوات الماضية، وبصوت متحشرج قالت" عاصم حبيبي تعلم انني احبك كثيرا ،ولم افرط في حبك ابدا وانت تعرف ذلك حق المعرفة، لذا اريد ان اخبرك بأمر هام"
احس بما هي مُقْدمة على قوله فتوتر دون سبب وبدأ جبينه يمتلأ بالعرق، هو ضعيف جدا أمامها وخاصة امام حبها له الذي يتلذذ به في كثير من الأحيان، رفع يده يربت على كتفيها مغمضا عينيه مجيبا بنبرة ممزوجة بالتوتر" نتكلم فيه لاحقا غاليتي.. أنا حقا مشغول " ، أمالت رأسها أجابا وعيناها تتابعانه يذهب إلى الخارج، بغتةً أسرعت وراءه تعانقه من ظهره، عناقا طويلا اخترق قلبه بحزن دفين، شهقة خرجت منها بحسرة مصاحبة بدموع ساخنة ،لأول مرة يراها تبكي وهي تعانق ظهره الذي تخبره دائما انه أمانها وسندها، غصة قلبت محياه فكتم دموعه بصعوبة بالغة ،خشي ان يبكي فى تلك اللحظة فإن بكي سينكسر امامها وتتحطم خطته، ازاح يدها بقوة دون أن يلتفت لها وابتعد خارجا بخطوات سريعة انقلبت لهروب من نفسه وضميره، تسللت الرياح تداعب قطرات دموعها التى انسكبت على قميصه ولم تحف بعد فشعر ببرودة بظهره مكانها،انفجرت اسارير وجهه وهو يقود سيارته بهمهمات تخرج من قلبه المتحطم "سامحيني ياحبيبتي فلا يوجد لدي حلا اخر، انا ايضا انسان ولدي مشاعر واحتياحات"
( 1)
"أيتها البلهاء كيف تصدقينه انه ذهب إلى بلده من اجل عمل انه قاضي موظفا فى محكمة العاصمة ، لقد خانك يا غبية وتزوج...!! تزوج بابنة عمك الارملة ويقضي شهر العسل بسم النبي حرصه "
سقطت سماعة الهاتف من يد نجلاء بصدمة قاتلة مما استمعت اليه من شقيقتها، فتلك المكالمة أتت اليها من مسقط راسها بالإسكندرية . نعم تمنت لو تزوج لكي يحظى بطفل كما يحلُم، رغم انه لم يخبرها منذ عدة اعوام إنه يشتاق لطفل بين يديه كما كان يخبرها قبلا فهل كان يخطط لخيانتها بهذا الشكل، لا لا ليست خيانة فمن حقه ان يشرع فى الحصول على ما يتمني ،ولكن قلبها.. قلبها يحترق وهي تتخيله بين احضان امرأة أخري غيرها بعد ما قدمت له كل ذلك الحب تأتي أخري وتحصل على عناق منه بكل سهولة ،لا لا تشعر إنها ستموت بعد أن اهدته قلبها الهزيل بعشقه ،لم تعلم أن هذا الشعور سيحارب عقلها بتلك الاستماته ورغبة ملحة فى الحصول عليه لنفسها فقط ، انهمرت الدموع من عيناها بحرقة، وخرجت شهقات تذبحها غيرةً وشفقةً على نفسها حتي أصبحت دموعها تسبح على الارض تحيك لها فراشها على مأساتها هتفت والدموع تسبح على وجنتيها الحارقة بلهب الغضب والكره فى آن واحد "لما تزوجت يا عاصم.. ؟ لما خنت عشرتي بصمت ؟ هل أشفقت علي ؟ واحترمت رغبتك بفعلها سرًا؟ لقد كسرتني يا حبيبي.. اااه يا وجعي.. اااه..
(2)
فى الصباح الباكر، لم تذق طعم النوم منذ معرفتها بعقد زوجها على امرأة اخري، شهر كامل مر عليها غصبا بين حيرة ذهبها له أو بقائها دون أن تفصح له عن معرفتها بزواجه وتعيش معه على أنها لا تعلم ، فكرت بأن تساير الأمور ولكنها تشعر ان أرضها الخصبة احتلت من قبل إبنة عمها الارملة، بل وطنها بالكامل.. ، هل تزوجها لأنها سبق لها الانجاب ام فعل خيرا بضمها وابنائها له وكفالتهم؟. تشعر ان بداخلها حربا تريد اطفائها حتي لا تصيبها جلطة فمن حقها ان تذهب وتراه فقد اشتاقت اليه كثيرا بسبب غيابه عنها لأول مرة ، شهر كامل دون اتصال واحد، هل يخاف من مواجهتها حقا ،تريد أن تجعله يطمئن فهى فى صفه رغم وجعها.عزمت على الذهاب اليه لكي يطمئن ولا يغيب عنها اكثر، ستتعامل مع الموقف بهدوء دون غضب... أهم شيء عندها ان تبقي فى أحضانه كما تعودت منه ولا يتغير بتاتا معها والا ستنهار حتما.
استقلت القطار فى الدرجة الاولي تحدث فى النافذة وعقلها شارد في نصفها الاخر ، فكل لحظة تمر عليها كأنها يوما كاملا ، تشعر ان الطريق طويل وان ما يفصله عنها ليس ساعات بل بلاد ،هى ضعيفة جدا بدونه فهل احبته بجنون؟ أم أن فراغها وعاطفتها والشعور الامومة التى يقبع بصدرها يحتله الفراغ حتي مُلأ بالحب له فقط ،هى لا تمتلك اي شيء من حطام الدنيا لكي تحبه معه سوي شقيقتها التى عاشت طوال عمرها مع عمها فى الإسكندرية دون أن تقترب منها فأصبحت كالغريبة التى تتحدث معها كل سنة مرة ، فمن الصعب أن يكون لك قلبا كبيرا وعالمك فارغا يستوطنه شخصا واحد تفكر فيه يوما كاملا وهو لا يتذكرك الا حين عودته من العمل. طوال زواجها عانت من الوحدة فى الساعات القليلة التى يتركها عاصم فيها ،ارادته لي يبقي معها دائما دون أن يبتعد.. أحبته كحب الام لصغيرها، حب نقي دون شوائب لا تدري بما تسميه ، فكما سمعت إن أعظم حب فى العالم هو حب الام لصغيرها وهى لم تجربه..!! تعلم فقط أن ما يقبع داخلها كبيرا.. كبيرا جدا له ،
لذا داخلها قلبا ينبض بجنون لعاصم.. حبا عطوفا ستحبه وإن تزوج عليها واحدة او اتنين المهم الا يبتعد عنها ابدا ..
اتجهت إلى منزل والداه فى الإسكندرية ،وصعدت إلى الشقة فى الدور العلوي مسرعةً باشتياق، دقت باب الشقة بشكل متواصل ولم تتوقف الا عند استماعها لصوت المفتاح. نعم ستخبره إنها اشتاقت اليه وتريد عناقا طويلا.. طويلا جدا.. حتي تشعر بالدفء ويختفى شعور الصقيع الذي سقطت به فى ليال الوحدة في الايام الماضية، فتح الباب أمامها لتجده يقف منتصبا بصدمة ،وكأن ملامحه تخبرها انه ليس مستعدا بعد لمواجهتها، قالت مسرعة حتي تغطي على الحدث الصادم بعيناه " لا تقلق ليس عندي مانع يا عاصم من زواجك ، لو كنت استمعت لي قبلا لكنت حصلت على طفل الأن وأصبح فى الثانوية..!! لما عاندتني من البداية إن كنت تفكر بالزواج أصلا .؟
ملأ وجهه الغضب من استماعه لها وعتابها الذي وجده يطعن قلبه فلما هى تحاول أن تظهر بدور المضحية ؟ والتي تتنازل عن حقها..؟ هتف بغيظ وهي يجز على أسنانه" لم تتغيري أبدا يا نجلاء دائما تشعريني انني الظالم.. لهذا علاقتي بك لم تستمر.."
ملأتها الدهشة واستكانت لبرهة حتي هتفت قائلة بغرابة " لا أفهم... ؟ كيف لم تستمر...؟ أن كنت تفكر بما جال بعقلي من كلامك الغريب فأنت مخطأ.. لم أفكر فى تركك أبدا... ابنك سيكون إبني ،أنا لا حتاج إلى طفل... أنا احتاج إليك انت.. "
حاول كتم غيظه قائلا بهدوء.." أرأيتي..؟ لهذا السبب لم أكن أتحدث معك بأمور تخصني لأنني لم اشعر بالراحة أبدا معك.. ( تنهيدة طويلة قبل ان يضيف) نجلاء أنت طالق... "
جحظت عيناها ولم تستوعب ما يقوله فهرعت إليه قائلة بدهشة" ماذا ؟ ماذا قولت.. ؟..
حدق بها بقوة قائلا يتهجا حروف الكلمة باستفزاز "طالق"
ابتعدت عنه عدة خطوات ورمقته بحسرة دون تصديق بما تمر به، فهمس بصوت مسموع " تطلقني بعد ما فعلته من أجلك... أنا حتي لم أفكر فى الزواج بعد معرفتي بزواجك.. لم افكر بنفسي ابدا.. مثل ما فكرت بك وحملت حزنك علي عاتقي... هل تتركني بعد كل ذلك... ؟
ازدرد ريقه بصعوبة فغصة وقفت فى عنقه تذبحه ببطء، حاول أن يلم شتات نفسه قائلا بلهجة أمره" اخرجي من بيتي الان (أغلق عيناه بقوة وأطلق زفرة ثم اضاف بصوت مرتفع ونظرة عدوانية ) لا أريد أن أري وجهك مرة أخري... أنا اكرهك.. اكرهك..."
انهارت حين سمعت همهمات حولها من أقاربهم الذين تجمعوا بسبب صوتهم المرتفع، تساءلت فكيف يفعل بها كل ذلك وبعد تلك السنين ،ان لم يحبها حقا لما خان عشرتهما بالسراء والضراء ،همست بصوت منكسر" أخبرني كيف اتركك بعد العيش والملح الذي كان بيننا.. أخبرني كيف انسي ؟ عشرون عاما... انت تتحدث كأنهما يومين.. "
اقترب منها مسرعا وجذبها من معصمها بعنف وهو يحدث نفسه "إنت قوية يا نجلاء ستتحملين لو سقط جبل على عاتقك" ،نزل بها على السلم ولم يتوقف مهما نادته باسمه باستعطاف ،دفعها خارج المنزل قائلا بنبرة حاسمة" ستكون تلك آخر مقابلة بيننا المحامي سينهي الباقي.. أن كان لديك كرامة تعزك لا تحاولي الاقتراب مني.. فانا لدي عائلة الأن وزوجتي حامل..."
أخرستها آخر كلمة رغم الكلمات التى تملأ عقلها بالتساؤلات، صعد الي شقته ولم يعلم الحرب التي يشنها عقلها على قلبها اليتيم.
( 3)
بعد مرور خمس سنوات
امتلأت الزغاريد فى البيت المتهالك الذي على وشك ان تسقط حيطانه التى تأويهم من البرد القارص ، قدمت الداية توؤم عبارة عن فتاتين مشرقتان الوجه بسمرة خلابة مع دقة الحسن التى تتوسط ذقنهما بسحر خفيف يمتع من يراهما، ابتسمت نجلاء وهى تحدق بزوجها المزارع الذي اجتاز رحلة العمر بقسمات وجهه الطاعة بالسن رغم إنه في بداية الستين من عمره، كان زواجها منه اعجازا بسبب رفضها لزواج لأربع سنوات بعد طلاقها من عاصم ،هاهي بعد خمس سنوات تضع مولودتان بين راحة يدها بعد أن فقدت الامل تماما.
دخل الليل الثقيل عليها وهى تتوسط الفراش بجانب زوجها وتحاول ان ترضع الطفلتين، وقطرات دموعها تنهمر بحسرة على ما رأته عصر اليوم، ضمها زوجها بدفء قائلا ببعض الحزن "لا تقلقي إنه فقط عيبا بسيط أخبرني خالي انها حين تكبر سيحتاج إلى عمليه بسيطة وأن هذا العضو الزائد سيضمر ،أكد لي على أنها فتاة.."
ابتلعت دموعها وقالت ببكاء " ان خالك رجلا طاعن فى السن أشك انه لا يزال يري ؟ أرجوك فلتذهب إلى طبيب آخر.."
ازدرد ريقه بتوتر ثم قال مهدئا" لا تعتقدي لانني فلاح فأنا بذلك جاهلا .. أعلم جيدا ان تلك الأمور حساسة ولأ يجب ان يطلع عليها أحدا والا سندمر مستقبل البنت.. فقط ثقي بي.."
وضعت رأسها على الفراش تئن من الحزن وتحدث نفسها" لا أريد أن يشمت بي الآخرون وخاصة عاصم.. أريده ان يعلم أنني سعيدة ورزقت بطفلتين مثل ما رزق بولدان واعيش بسعادة مع زوجي، لا أريده ان يعلم ان إحدى بناتي مشوهة... اااه يلا حظي... "
يتبع..

سارة منصور دوار الشمس 21-05-23 10:27 PM

رد: رواية جديدة " لم تكن أنثى "
 
الفصل الثاني
العمر ما هو إلا رحلة تمر سريعا عبر تيارات الهواء المزعجة المليئة بنوبات الحسرة على ما فنى دون استشعار قوي بالسعادة التي لم تكتمل ،فالسعادة كشريط الأسبرين الذي يسكن الوجع قليلا فلا يلبس سوي ساعتين حتي يذهب المفعول ويعود الصداع باستمرار تقلبات الأوجاع.
تجلس فى القطار وهي تمسح دموعها التى تدفق من مقلتيها على عمرها الذي هرول سريعا، ها هى تدخل في العقد الخامس من عمرها ولم تلبس سوي اربع سنوات فى أحضان زوجها المزارع وقد توفته المنية دون سابق إنذار، لم تحسبها ابدا ولم تضع فى عقلها يوما إنها ستبقي وحيدة بفتاتين تربيهما بمفردها ،ليتها لم تتزوج وبقت عالة على نفسها ولا تحمل هذا القدر الكبير من العبء والخوف..!!! الخوف من المستقبل..؟؟ كيف ستربي تلك الفتاتان دون أب.. خمس سنوات فقط وأصبحت يتيمتين بل يتاما فهل تحسب نفسها ان لها أحد تستند عليه فى شدتها.. لا.. لم يكن لها أب أبدا ولم تشعر أبدا ان لها حليفا من عائلتها، فالأب الذي ترك أولاده وزوجته لأجل امرأة أخرى هل تراه يعود لأجل ان يتكفل بها الان ؟
وهل تعترف والدتها بها بعد أن تركتها الأخرى وهي صغيرة مع شقيقتها في منزل جدتها لأجل ان تتزوج ، هل تراها تعود اليها وهى بالخمسين من عمرها .؟
بسمة ساخرة مريرة خرجت من ثغرها وهي تتذكر طفولتها المأساوية المتشردة وهي تصارع على البقاء مع أبناء خالتها الشباب الذين كانوا يتربصون بها فى الظلام ..!!
عضت على شفتاها حين مرت ذكري عاصم، الرجل الذي احتواها بكل شيء منذ اللقاء الأول في الجامعة.. ربما كان هو رزقها وعوضها خلال العشرين عاما التي قضتهم معه.. هل كان حبه كثيرا عليها ليذهب خطفا منها فجأة ؟ ،عشرون سنة مليئة بالحب والحنان والرأفة والاحترام المتبادل، كل شيء جميل موجود بينهما.. كل شيء إلا الولد.. تمنت داخلها لو احبها نصف ذلك الحب ورزقهم الله بطفل،... اااه من وجع ينحر داخل قلبها الأن.... هي مؤمنة بأن لا شيء كامل في هذه الحياة ،فالكل لديه وجع يؤرقه وان تعددت الأسباب فالشعور واحد، وكم من الصعب أن يمتلك البعض كتلة اكبر من الآخرين داخل قلبه كالقنبلة الموقوتة التي تحرق كل ذرة دماء داخله وعلي وشك الانفجار سواء بداخله ام بضحية ما .
لم تستطع أن تكتم ثأر حزنها على نفسها وعلى تلك الفتاتان اللتان لا تعرف مسيرهما بعد وخاصةً تلك الابنة، ابنتها التى جعلتها تتمني لو لم ترزق بالأطفال أبدا بسبب تشوهها.
أغمضت عيناها بقوة وقامت بضم كتفي ابنتيها وهما يجلسا على فخذيها بالقطار لكي تستمد منهما القوي من حبهما الشديد لها.. منة وأمنية..** اسمان يشبها ما انتظرته طويلا* وما أجمل أن يسمي الشيء بما آلا إليه.
خرجت من شرودها على صوت صفارة القطار المزعجة التي اختتمت على هتاف احدي السيدات بحماس وهى تمر بجانبها مسرعة خارج القطار* " ها قد وصلنا إلى العزبة ... ارجوا ان يكون جدي سعيدا بمقابلتنا "* حدثت نفسها بحسرة " اتمني يا أمي ان تكوني تغيرتي عن الماضي"
* * * * * * * * * * (٤)
*بعد مرور عامين*
تصلبت قسمات وجهها وهي تتمعن في جسد ابنتها أمنية بصدمة وهى تحممها بالخلاء لتتأكد من شكوكها ،مالت* قسماتها إلى الحزن الشديد بعد ثوان لم تتخيل أبدا أن ما تخشاه يمكن أن يتحقق بتلك السهولة وهل يقف شيء امام القدر..
تابعتها أمنية وقد شعرت بالخوف من نظرات أمها لجسدها الصغير فهتفت " لما تنظري إلى هكذا يا أمي هل أبدو قبيحة وانا عارية إلى هذا الحد؟"
لم تستطع نجلاء أن تفصح عن كذبة أرادت ان تقولها لكي تطمئنها فانفجرت بدموعها ببكاء مسموع فتركتها وابتعد حتي لا تشعر أمنية بشيء ، تابعتها أمنية بعيناها ليصل إلى عقلها الصغير ان سبب حزنها هو وفاة والدها ، ارتدت أ ملابسها وخطت صوب نجلاء الواثقة امام نافذة الشرفة تحدق بالظلام خارجا، قامت أمنية بمسك جزء من قميصها بأطراف اصابعها بحنو قائلة بقسمات حزينة "لا تبكي يا أمي فأبي ذهب إلى مكان أفضل عن رب العالمين* ألم تقولي ذلك بنفسك.."
عضت نجلاء على شفتاها المتشققة تكتم خيبتها التى سقطت على رأسها دفعة واحدة، الا يكفي ما تمر به الآن مع اشقائها ؟ ، الا تستحق ان تأخذ راحة؟، فلا شيء فى حياتها الان يجعلها تتمسك بالدنيا، بل تتمني الموت.. ولكن..
مسحت دموعها عن خديها المترهل وعن عينيها المائلتين إلى أسفل، فقد نسفها الحزن نسفا ومحا جمالها، جثت على ركبتها وأقبلت تنظر بتمعن داخل عينا أمنية البريئتان، وهل هي أمنية حقا بعد ما حدث..!!
علمت منذ الوهلة الأولي ان تلك العينان ببريقها الشديد المتوهج باللون العسلي مختلف تماما عن منة ابنتها الأخرى ، بها شيء يخبرها إنها ليست...
بلعت الكلمة التى مرت بعمق عقلها قائلة بجدية تامة رغم عيناها الذابلة من كثرة الدموع** " أمنية... إنت بنت...."
ازدردت ريقها بتوتر لا تعرف كيف تفصح لها عما تراه* وهل تصمت ام تتكلم معها؟، لا تعلم اي شيء بل لا تعرف كيف تتصرف فى ذلك الموقف، ربما لو كان زوجها موجودا الان كان ليجد حلا ويتصرف، فهل الابتلاء يختبر قوة صبرها ؟ وهل ستصبح ضعيفة امام قرارها ؟
أضافت بتلكؤ* وهي تمسك بكتفي أمنية بقوة " أنت.... قوية جداا، أشعر انك اقوي مني.. بل... بل انتِ اقوي مني فعلا ، إن حصل لي اي شيء أريدك أن تحمي منة.. ولا تجعلي لأحد أن يراك ابدا، اخفي نفسك دائما وخاصة الجزء السفلي منك.. حتي شقيقتك.. هل فهمتي.. ؟"
شعرت أمنية بالخوف من نجلاء وقد انقلب توترها الذي ملأ محليتها فجأة* إلى نهرها اياها فهتفت أمنية بخوف وبصوت مرتفع " امي انت تؤلميني.. "
عادت نجلاء إلى وعيها لتجد ان اظافرها تنغرس في لحم طفلتها ،فأبعدت يدها عنها مسرعةً قائلة ببعض الندم تحاول جاهدة إن تخفي توترها" سامحيني حبيبتي.. أنا أخاف عليك "
ردت أمنية عليها تلقائيا " ممن يا أمي"
تساءلت في نفسها هل تخبرها وتنتهي من تلك الغصة التى بحلقها ام تصمت للأبد؟ ، الخوف عليها يشبه الخنجر المنغرس فى قلبها كلما يمر العمر يذبحه اكثر، حتي أصبح لدي التقاط نفسها مشقة من كثرة التنهد، أضافت أمنية بتساؤل فضولي وهي تجد عينا والدتها تحوم حولها بتوتر دون ردا واضحًا" أنا حقا لا أفهم شيئا ، ارجوك اخبريني يا أمي، هل انت خائفة لأنني لا اشبه منة"
ارتعشت يدها وهى ترفعها على وجنتي طفلتها وقلبها يرتجف برعب قاتل، لم تستطع شفتاها ان تجد إجابة لها تفسر عما يحدث وتلك الطفلة الصغيرة التي لم تتجاوز السابعة قد فهمت ؟ وما الذي تفهمه بالضبط ؟،
انتفض جسدها وسحبتها من يدها بقوة إلى تلك الغرفة المتهالكة المظلمة وهي تراقب بعينيها يمينا ويسارا إن كان أحد يتبعهما ام لا* فقد أصبح وسواسا قاتلا منذ أن جاءت إلى العزبة، اقتربت منها بقسمات جاحظة قائلة بخوف" هل رأتك.. منة؟"
تعلم جيدا ان طفلتها منة شديدة الذكاء بل نابغة إن رأت جسد شقيقتها ستبحث عن إجابة وتقوم بتوجيه الأسئلة* علي أي أحد أمامها لكي يجيبها باستفاضة* فهي كثيرة الأسئلة عما حولها بسبب فضولها الشديد فى تجميع معلومات..
ردت أمنية وقد ملأها الخوف من تصرف والدتها معتقده ان ما بجسدها خطأ كبير مستنتجه باختلاف جسدها عن شقيقتها " أنا آسفة.. لا أعرف كيف اتصرف..لا تبعديني عنك يا أمي لأنني لست شبه منة.."
اعتراها نوبة بكاء شديدة، كم شعرت نجلاء فى تلك اللحظة إنها هي الطفلة امام أمنية وليس العكس ،فكيف لذلك الأمر أن يكتشف منذ البداية بتلك السهولة، هي ليست مستعدة بعد..!!!
هدرت نجلاء بها بقوة وهي تهزها بعنف " اخبريني.. هل رأتك مِنة "
لم تتوقف أمنية عن إعادة كلماتها بالا تتركها ببكاء ، مما زادت العصبية بنجلاء لتقوم برفع يدها بصفعة على وجنة امنية بقوة، فعيناها تبحث عن إجابة مُلحه خِيفةً من تقرب منة لخالها وجلوسهما مع بعضهما بعض الأوقات ،أتت اليها بعض الافكار متسارعة إلى عقلها تنبض بخوف شديد، فهل تغير اخوها معها فى الأوان الاخيرة بسبب علمه بأنها تخبئ عنه سرا كبيرا كهذا..؟
هنا ظهرت منة الصغيرة قاصدة الغرفة المظلمة تهرع الي شقيقتها النائمة على الارض تبكي بحرقة ، فجلست بجانبها تخفي بجسدها الصغير ظهر شقيقتها هامسة بخوف " لا تضربي أختي.. اضربيني أنا .."
* * * * * * ** (٥)
*في منزل عاصم بالإسكندرية *
يضطجع* على فراشه بتعجب، ينظر لسقف غرفته شاردا في حياته ،فقد عوضه الله بولدين معافيين وفتاة تملك جمالا يضاهي جاذبية السماء المشرقة في الصباح الباكر عن صبره الطويل، شكر الله على نعمه الكثيرة.
بالرغم من شدة سعادته حين علم ان طليقته نجلاء تزوجت وأنجبت فتاتين إلا ان بقلبه حزن دفين على فقدانها لعناقها الدافئ الذي يبعد عنه صقيع الليل، ولكنه سعيد من أجلها ،فعندما علم من زوجته انها حامل، لم يسع العالم فرحته، أول شخص فكر به كانت نجلاء وحين رفع سماعة الهاتف ليتصل بها.. تذكر وجعهما المشترك فهى لم تكن زوجته فحسب بل كانت رفيقة دربه الطويل التي شاركته نجاحاته وآلامه..
لذا في أول مرة راها بعد زواجه بأخري* تمني لها السعادة هي أيضا فلم يهن عليه أن يكون سعيدا ينتظر مولودها* وهي تتألم بمفردها فمن المؤلم ان يعيش الإنسان بوجعين فى آن واحد وخاصة فقدان الثقة بخيانته لها ،يعلم جيدا انه خانها جدا.. خان حبها وصدقها* بل خان عشرة عشرين عاما.
تململ على الفراش بعد أن علم عن وفاة زوجها، اول شيء جال بخاطره ان يضمها وبنتاها اليه ليكفلهن، ولكن مهما يبحث عنهن لا يجد لديهن أثر مما زاد توعكه وصعوبة نومه، قلبه يتألم وهو يتذكر حكايتها عن عائلتها المتفرقة ،جاء بخاطره انهم لن يقفوا معها أبدا ، حتي انه لا يكف عن التواصل مع شقيقها الأصغر متسائلا عن مكانها* دائما الإجابة الوحيدة التي يخبره بها إنه* لم يراها منذ سنوات طويلة.
قام من مضجعه واتجه نحو الهاتف الخلوي بعد تفكير طويل، ليهمس بجدية* بعد ثوان من إجابة المتصل " جدد الوصية ... تلك العمارة التى أخبرتك عنها سابقا اكتبها باسم نجلاء....."
حمدا الله في سره ان احدي بطاقتها الشخصية القديمة معه محتفظة برقمها...
ليعلو صوتا قائلا من الهاتف بدهشة ردا عليه* " ولكن يا سيدي تلك العمارة ستكون مستقبل ممتاز للأولاد ان بنوا.."
قاطعه عاصم هاتفا بإصرار " سجل ما أخبرك به ولتذهب غدا إلى* المحكمة لتسجيل العقار ."
يتبع..

سارة منصور دوار الشمس 21-05-23 10:31 PM

رد: رواية جديدة " لم تكن أنثى "
 
الفصل الثالث
الهبة هي الهدية التي تُهدى إلى شخص غالي في حياتنا، ولكن هل يهدى القلب إلى الغالي مثل المال والهدايا ؟


في اعتقادها كان لا ولن وابدا، كل ما هو سلبى الآن دخل فى عروق عقلها الذي ينبض بأفكار تجعل الشؤم يكبر اكثر داخلها..


فابنتها التى سجلت فى المواليد بعد عمر لم تكن أنثى بل شاب مختبئ بجسد فتاة ، كل الدلائل كانت تشير انها انثي فى الماضي ولكن عند وصولها إلى مرحلة البلوغ أصبح الأمر صعبا فمراكز البلوغ فى الذكر بدأت تظهر عليها ،كل ذلك بسبب مجتمع ريفي فقير مهمل وخاصة ذلك الطبيب الطاعن فى السن الذي تسبب بمشكلة كبيرة، ربما لو كان سجل فى بطاقة الميلاد على أنه ولد كان الأمر سيكون أقل حرجا ،ولكن الطبيب تحجج على انه عضو صغير سيحدث به ضمور وأن الجهاز التناسلي الأنثى متكامل... !!


لذا نجح بطريقته المخادعة بإثبات انه أنثي دون معرفه أي أحد بهذا الأمر.


تجلس في شرفة المنزل بالعزبة، شاردة، واهنة من كثرة الهم القابع داخل صدرها ،ترفع كوب الشاي تشربه و عيناها الباهتة ترصد السماء والاشجار الطويلة التي تحوط البيت القديم ،لأول مرة تنتبه إلى جمال الطبيعة حولها والى زقزقة العصافير!!


لقد فقدت الحياة بالكامل منذ زمن وبقت كالجثة الواهنة التى تتحرك بحجارة ضخمة على ظهرها حتى انحني وهى لا تزال بعمر الستين...


عادت إلى وعيها بانتباهها إلى مكابح سيارة مرسيدس قديمة تدخل علي عتبة المنزل الريفي، رمقت ذلك الشاب صاحب الخامس عشر ربيعا بقامة متوسطة وشعر غجري قصير يخرج من السيارة بمفرده ويمشي بطريقه جعلت جسدها ينتفض، عيناه المليئة بالغضب ، نبرته المتماسكة دون رجفة بما يعتريه ، ثقته، شخصيته القوية ، لا تشبه الاناث بشيء.. بل لا يخاف من كشفه وهو يرتدي مثل الشباب!


اتسعت عيناها بذهول ،يكاد كوب الشاي يتحطم من شدة قبض أناملها عليه ،علا صوت الشاب قائلا بمرح "لما انت هنا الجميع يبحث عنك يا نجلاء"


يعلم أن والدته نبهته اكثر من مئة مرة ان يتصرف مثل ما كتب بالبطاقة "أنثى" بصوت رقيق وملابس فتيات مبهجة.. ولكن كيف... هو يري نفسه ذكر بكل شيء وان حمل داخله أعضاء أنثي إلا إنه يري إنها زائدة لا اهميه لها تذكر ،بالرغم من اشتغال كل أعضائه بوظائفه على أكمل وجه الا انه ناقم على تلك الحجه التى تقسم عليها والدته وهي إنه ستجعله فتاة مهما كلفها الأمر . عضت نجلاء على شفتيها بغضب حين أضاف "لما انت جالسة فى البلكونة طوال اليوم صامتة فى هذا البيت المتهالك.. ؟"


فى ضواحي حينا فتاة ساحرة


تسرق القلوب برقتها


تسرق العيون بجمالها


تخطف النفوس بعبيرها


صدرت تلك الكلمات من الراديو الموضوع على احدي الكراسي الخشبية القديمة بجانبها قاطعه عن صمت نجلاء بالإجابة ، لتسبل أهداب الشاب بإعجاب فأضاف بنبرة مسلية" هؤلاء الشعراء متباهون جدا... هل تصدقي إن فتاة تسرق نفس أحدهم..؟"


لم تعقب نجلاء فللأسف لا يزال مراهقا جدا على ما تريد أن تتفوه به، فأكمل الشاب باقي ابيات الشعر الغزل ولم ينتبه إلى قسمات نجلاء المستكينة التي تحبس غصبا يرجم بالنار ان اظهرته وتفوهت به، تعلم انه يجاريها بالكلام بسبب ابتعادها عن بيت عائلتها وذهابها إلى منزل والدتها المتوارث من ابيها العمدة لانه بيساطة لا يستمع إلى كلماتها المزعجة والى أوامرها التي لا تنتهي .


كز الشاب على اسنانه بغضب بعد أن رأي نظراتها الغاضبة قائلا بعصبية " طبعا ، لو كانت منة هنا لعودتي معها فورا اما أنا.." تنفس الصعداء ليضيف بهجوم " لما تفعلين ذلك.."


اشتعلت قسمات نجلاء بالغضب لتنتفض قائلة بجنون " انتِ السبب يا بنت ، ليتك موتي .."


ارتعشت شفته بتأثر ومالت عينيه إلى الحزن، يعلم السبب جيدا وراء عِندها الكبير ، لا يريد أن يتفوه بالمزيد فتكسر خاطره كالعادة، فاكتفى بقول " أمين.. أخبرتك قبلا لا تتحدثي معي بأنتِ"


تنهدت نجلاء ورمقتها بنظرات نارية قائلة بكلمات جحيمية بنبرة هادئة جدا." الا تخجلين من نفسك بشعرك القصير هذا ،وملابسك الرجولية... طلعتي نزلتي إنت فتاة اسمك أمنية.. فى شهادة الميلاد والبطاقة أيضا...لن أتوقف حتي أقوم بخصي.."


هتف أمين مقاطعا بنوبة غضب حتي بح صوته " توقفى... توقفي عن نطق تلك الكلمة... أنا رجل.. غصب عنك.. ، الا يكفى أنني لم أخبر خالي الا الان بسببك او اي احد اخر.. "


انتفض جسدها الواهن من ذلك الاعتراف الذي تخشاه فاقتربت عرجاء تخطو اليه بتعب حتي وقفت قبالته ومالت عليه ترفع يدها على صدره الممتلئ الذي يخبئه تحت ملابس رجالية واسعة ، ،وبحسرة تحت دموعه المنهمره وشهقاته ونظراته المليئة بالرجاء كي ترحمه قائلة " اذا هذا الصدر.. لما برز عن جسدك ان كنتِ ولد .. هذا صدر أنثى... هذا الذي سترضيعن أولادك منه أن شاء الله يا حمقاء..."ضربت عدة ضربات على صدره بحزن كبير وهى تحاول أن تمنع الدموع من السريان على وجنتيها المترهلة، امسك كفيها بقوة ودفعها بعيدا عنه، فشعرت بقوة جسده وعروقه، قال وهو يتجه صوب السيارة" ساخبر خالي بكل شيء هو سيساعدني..."


ارتجف جسدها وقالت تصيح بلوعة.." لا.. لا انت لا تعرفه.. سيقوم بفضحك..." حدثته على أنه ذكر دون أن تنتبه ليتوقف فجأة امام السيارة لتضيف بخوف وكسرة " ان أخبرته سأنتحر... وسأكتب على جسدني إنكِ السبب يا غبية "


نفس الكلمة التي تهدده بها منذ الصغر أهي تعلم قدر حبها لها لهذا تهدده بحياتها...؟


" ان مت فهويتك طمست.. لن يعترف بك أحدا.. البشر اشرار.. عودي أيتها الحمقاء "


تهتف بها بصياح بعد ركوب أمين السيارة وابتعاده، فهرعت وراءه بظهرها المنحنى تشير بيدها به لكي يتوقف ،ولكن لم يسعفها قوة التحرك لعدة الخطوات فسقطت على وجهها متأوه يوجع... لم تستطيع أن تتحرك بسبب عجز قدميها ووجع ظهرها.. فتململت على الجهة الاخري ووجها المليء بالتراب ناحية الشمس على نفس الوضعية .. وبعد دقيقة كاملة التقطت اذناها صوت سيارة، تساءلت ان كان أخبر اخيها بتلك السرعة ليأتي اليها مسرعا ؟.


شخص ما يجذبها من يدها، لم تري من هو بفضل أشعة الشمس المنعسكة فى عيناها حتي حملها على ذراعيه لتنبته إلى وجود امين الذي عامت دموعه على كل أنحاء قسماته حتي احمرت وجنتيه ،سمرته الخفيفة، محاسن وجهه بنقشات الفراولة على خديه ،


قال وعيناه لا تنظر اليها " لن اخبره بشرط أن تأخذيني إلى الطبيب.. وهو من سيحكم..أن كنت فتاة او شاب"


كتمت دموعها خوفا من ذكر اسم الطبيب، كم تتمني لو تكن فتاة مثل ما كتبت فى البطاقة حتي لا يحدث ما تخشاه ، بصوت واهنا قالت " لا تصدق تلك الكلمات المزيفة التي يخبرك بها خالك ،إنه شيطان سيقتلك والله ان اكتشف انك خنثى، ان مستقبله اهم منا كلنا، عنده الانتخابات رقم واحد بحياته، ارجوك عديني انك لن تخبريه يا امنية"


كم تؤلمها كلمة أمنية حين تقولها فلم تتمني أبدا ابنة تعاني من اضطرابات الهوية، وكأنه قراءها من عيناها التي ترنوا إليه عن قرب وهو يضعها داخل الفراش ، عض على شفتاه بتماسك قائلا بمرح خافيا شعور الكسرة التى بداخله" قولي لي امين اولا.. ثم نضع اتفاق بيننا. "


رفعت بصرها اليه بصعوبة متفاجئة من محو دموعه وقسمات الحزن فى ثوان لتبتهج ملامحه بتلك الطريقة فقالت بسخرية مريرة ألمته جدا " ليضع الله برودك هذا بقلبي، قبل ان اموت بجلطة...."


صمت لبرهة قبل ان تضيف "يا فتاة لو متِ أمامي الان لن اقولك لك سوي يا أمنية "


" لن تتغيري أبدا يا نجلاء. "


يهمس بها وهو يتجه خارجا ويضيف بصوت مرتفع وهو يقود سيارته " سنسافر السبت القادم عند الطبيب "



(6)


مساء يوم الجمعة


يجلس أمين على الفراش بأريحية فى الظلام شاردا فى أفق الغرفة الواسعة وأمامه تجلس فتاة في الخامس عشر ربيعا تشبه أمين لدرجة كبيرة فى ملامحه الناعمة ولكنها تختلف فى زواية عيناها الناعسة، تتصفح الكتب بجدية وتقلب فى صفحاته بانتباه، حدجها امين بنظرة جانبية هامسًا ينادي بعد صمت طويل. " منة... ؟... منة.."


انتبهت له شقيقته التؤم رامقه اياه بحنق لأنه انتشلها من غوصها في المذاكرة ،فتمتمت بصوت منخفض جدا" ماذا تريد يا احمق.. " ليرد عليها هامسا بقلق. " غدا سيتحدد مصيري.. حقا اتمني لو أخبرني الطبيب"


اجابته مقاطعة بحنق متناسيه تماما ان صوتها مسموع خارج الغرفة " لا تقلق أخبرتك مرارا انك شاب كل شيء فيك يوحي بذلك..".


أشار اليها امين منتفضا لكي تصمت، فرفعت يدها على ثغرها بصدمة ثم أضافت هامسة تطمئنه " لا يوجد أحد هنا سوي امي"


ازدرد ريقه ومال برأسه بعدم ارتياح مغمغما "صدقيني لا شيء يخيفني سوي أمك"


زفر بقوة قبل ان يضيف وهو يجز على أسنانه ناظرا إلى جهة الباب بقلق ." امك تقتلني يا منة.. لا تريد الاعتراف.. تقول إن خالك سيقتلني إن علم بالأمر"


تركت منة المكتب واتجهت إلى أمين فى الفراش تجلس بجانبه وتناظره عن قرب ثم تأبطت ذراعه قائلة باطمئنان." عزيزي تعلم انها خائفة.. أنا متأكدة إن أقنعها الطبيب ستوافق"


شرد امين فى كلامها وتخيل ما يتمناه لثوان فأبتسم تلقائيا وقال وهو يربت على ظهر يد منة" حقا انا اشعر أن هذا القلب قلب رجل..يكفي انك الوحيدة يا حبيبتي تصدقيني وتشعرين بي.."


ابتسمت منة واحاطت يدها بكتفي امين تهمس وهي تعانقه" أشعر بك صدقني ولا تحزن من امي هي تخاف.. اتعلم ان لها حق عليك.. وهي سيدة كبيرة .."


زفر امين قائلا بعدم رضى "لكن.. هي لا تفهم.. عقلها توقف عن العمل ولا تريد أن تصدق سوي نفسها.. لا تشعر باي شيء يا منة.. بدأت اكرهها."


فى تلك اللحظة دلفت بغتة نجلاء عليهما والغضب يملأ محياها وما زاده اكثر عجز وجهها من يراها يزداد نفورا وخوفا ،ارتجفت" منة" من رؤيتها بهذا الشكل وبدأ جسدها يرتعش بالكامل وهي بجانب أمين فقام بإمساكها وضمها لكي تهدأ قليلا قائلا بقلق يحاول أن يخفيه حتى لا تتوتر " لا تخافي منة هذا الموقف لا يستدعي.. اطمئني"


التقطت "منة" انفاسها بقوة وهي تشهق وكأن نوبة الصرع تعود اليها ،كتمت نجلاء غيظها خوفا على منة،واتجهت اليها لكي تهدأ ،لا يعلما السبب وراء الصرع الذي تعاني منه منذ الطفولة وجُبنها الشديد ، في طفولتها كانت طفلة نجيبة لا تتوقف عن إلقاء الاسئلة والتحاور والمجادلة، فجأة تغيرت وأصبحت جبانة جدا لا تذهب إلى مكان دون امين اونجلاء وان لم يكن فخالها..


وضعت "منة" باطن يدها على قلبها الذي يدق بهلع، ازدردت ريقها بصعوبة حتي هدأت قليلا..


نظرا اليها بشفقة كبيرة قبل ان تقطع نجلاء الصمت قائلة بغضب مكنون " نامي باكرا حتي نذهب إلى الطبيب فى الغد يا.... أمنية"


زفر بقوة وهو يتابعها تذهب إلى الفراش المقابل مع منة وتنام بقربها، فهتف قائلا بقلق. " لا تتنهدي كثيرا حتي لا تفزعي البنت ،حرام"


ثم وجه انظاره الي منة قائلا بتساؤل " هل انت بخير حبيبتي"


مالت منة رأسها بإيجاب، فطبع قبلة على جبينها وهي فى الفراش وخطى نحو الباب تحت نظرات نجلاء اللازعة، فهتفت وهو يضع يده على الباب " إلى أين يا روح أمك ؟"


انزل يده من على مقبض الباب هامسا بلا مبالاة" دقائق وسأعود ، لا تشغلي بالك "


رفعت نجلاء يدها قائلة بتعب


" يارب خدنى... لقد فاض بى..".


"يارب" لا يعلم كيف نطقها بتلقائية حتي أنب نفسه على نطقها داخله..


(7)


فى حياة كل شخص منا شرير يتمني زوال نعمتنا وقتل طموحنا ولكن غالبا لا يتشارك معنا الدماء، تلك المقولة لم يؤمن بها أمين بل يري ان والدته تحاربه منذ الصغر، فلم يري فيها سوي الغضب والمعاملة القاسية.


دخل إلى القطار وهو يمسك بيد نجلاء بقوة بسبب صعوبة مشيها وثقل جسدها ،أجلستها فى احد المقاعد الامامية، كلا منهما ينظرا إلى بعضهما بضيق، داخله يحدث نفسه بأن والدته يجب أن تزرع داخله الثقة ،لما لا تضمه إلا صدرها و تطمئنه... حنان الأم يسمع عنه لكنه لم يشعر به أبدا ،أراد لو يجربه لمرة واحدة ولكن الدنيا حاربته منذ الصغر . خرجت نجلاء عن صمتها قائلة بنبرة غريبة لم يسمعها أبدا منها " افعل كل ذلك لمصلحتك.. غضبي وعصبيتي عليك كان لمصلحتك.. يجب أن تسمعي كلامي أنا عجوز ومررت بكل شيء فى الدنيا اعلم حقائق الناس حولنا، وانتِ بلهاء تصدقين اي شخص وتثقين به .. لستِ ذكية أبدا.. بل بلهاء...


تنهد أمين وترك عيناه هى من تتحدث امام عينيها الباردة...


بعد ساعتين.. اطلق القطار صوت الصفارة ليعلن عن الوصول إلى القاهرة ،استقلا سيارة اجرة وقلبه يزداد فى الخفق بشدة كلما اقتربا من وجهتهما.


(ظ¨)


جلس امام الطبيب بتوتر بالغ ،نسى كل شيء مر به إلى الآن، الشيء الوحيد الذي يبحث عنه إجابة يريدها بشدة.. كان الطبيب شابا فى منتصف الثلاثين تقريبا ،لم يكن مهتما باحاديثهما فى البداية حتي تفاجأ من الطامة ، فطلب عدة فحوصات غريبة، وأمر احد الأطباء بأن يذهب معهما حتي تتم الفحوصات بشكل سريع...


طوال اليوم ينقلون من مكان إلى مكان حتي ينتهي من الفحوصات والتحليلات الدقيقة...


كان يوما طويلا جدا وكأنه سنوات ثقيلة بشدة حرارة الشمس ايضا، اكثر شيء آلمه هو تعرضه للفحص الجسدي بدقة، لم تعجبه نظرات الأطباء له العجيبة ولهفتهم عليه.


وبعد عناء يوم طويل....


جلس امام الطبيب الذي طلب الفحوصات وبجانبه والدته يحدقا به بانتباه شديد ،تنهد الطبيب وهو يري الفحوصات الكثيرة وظل صامتا لفترة وهو غارق داخل تلك النتائج .. ثم استأذن وقام بإجراء اتصال يظهر انه مهما جدا بمرور نصف ساعة تقريبا على تحدثه فى الهاتف . طلب الطبيب منهما ان يذهبا إلى حجرة في المشفى ينتظراه فيها ،كان القلق يدب في اوصالهما بخوف مرعب، وتساؤل رهيب فهل هناك علاجا لحالته ام سيبقي هكذا؟


وحين دخل الوقت إلى منتصف الليل دخل عليهما عدة اطباء... لم يشعرا بالراحة أبدا في تجمعهم ونظرتهم له ،أراد لو يحطم الطبيب الذي أمامه حتي يخبره بالنتيجة فهتفت والدته بثقة لطبيب الأول . " والله لو أخبرتني انها فتاة سأدعوا لك ولذريتك بدوام العافية طوال حياتي .."


رمقها احدى الأطباء الكبار بعجب ثم اتجه إليهما جالسا بالقرب منهما قائلا بدهشة " لأول مرة فى حياتي أقابل مثل تلك الحالة ،لهذا اخترت ان اساعدكم واجازف بكل ما املك"


بدى الطبيب مجنونا بنظراته المتلهفة على اي أجابه منهما ،وهما لا يفهما شيء من كلامه فسرقت الكلمة من على فيه أمين لتقول نجلاء بتساؤل ولهفة مُميتة . " ماذا تعني..؟ بنت ام ولد..؟ "


رد الطبيب بجدية دون إعطاء اهميه لسؤلها" فقط ستوقعين عقدا ينص على نشر قصتكما على التلفاز... هناك قنوات كثيرة سترحب جدا وايضا ستمدكم بالمال الوفير وسيدفعون ثمن الجراحة "


هنا هجم أمين على الطبيب من فوق المكتب قائلا بصياح شديد وقد فاض به القلق.." أخبرني هل انا رجل..؟ "


رمقه الطبيب بفزع من شدة صياحه، فعبس بنظارته الطبية قائلا بإعجاب كبير" انتِ قوية جدا...يا أمنية "


ضعفت يد امين فنزلت من على ملابس الطبيب بصدمة كبيرة وتلاشت كل أحلامه بينما أطلقت نجلاء الزغاريد من ثغرها بسعادة غامرة بصوت متحشرج بسبب كبر سنها ، ليضيف الطبيب قائلا بذهول يملأ محياه بعجب بعد إن عدل من ملابسه " الشيء العجيب انه يمكنه ان يكون رجلا أيضا... سبحان الله.. كنت أقرأ عن تلك الحالات لم أعلم انني يوما سأكون مشرفا عليها.."



يتبع..
رأيكم ����

سارة منصور دوار الشمس 22-05-23 02:13 PM

رد: رواية جديدة " لم تكن أنثى "
 
الفصل الرابع
الساعة ظ§صباحا
يجلس بجانب والدته في القطار بجانب النافذة التي تسطع منها أشعة شمس الصباح الباكر شديدة الحرارة، لم تستطع النافذة ان تمنعها فانعكست داخل بريق عينيه السوداء كالظلام الدامس ،وبالرغم من شدة الحرارة إلا إنه لا يشعر بها أبدا بسبب شروده الطويل فيما أفصح عنه الطبيب لهما من غرابة. مشط شعره الاسود شديد الكثافة بأطراف اصابعه يطرحه الى الوراء ولكن عاد شعره إلى وضعه بسبب نعومته البالغة، أسبل اهدابه بتوتر والتي لا تتغير عن كثافة شعره الثقيل فمن يراه يعتقد انه يضع كحلا حول عينيه التي تتسم بالجرأة فكانت تلك نقطة الاختلاف بينه وبين توأمته "منة" صاحبة العيون الناعسة والشعر الغجري الكثيف ، رفع يده على ذقنه مفكرا، يعلم جيدا ان ميوله ذكورية ولا تتناسب طرديا مع الاناث في اي شيء، تنهد بإرهاق من كثرة العوائق الموضوعة أمامه فعبس بشعره ذهابا وايابا بباطن يده بعصبية، لتنتبه والدته اليه وتفق من شرودها الأخرى ،فهمست بحسم واصرار بجانب أذنيه حتي لا يستمع اليها احد* " كلمة اخيرة... انت أمنية بنت بطني ،إياك و المحاولة باللعب بالنار ،وخاصةً مع خالك شريف ،أعرفك جيدا والى ما تخططين لأجله.. سأطلب حقي بالورث واعمل ليك العملية وسأزوجك أي رجل لأتخلص منك سريعا ،أي محاولة خبيثة سأقتلك بكلتا يداي هاتين" كانت نجلاء تشير بيدها وعينيها مشتعلتين بوقود الغضب ، ابتسم أمين ساخرًا يجيب عليها بثقة" لن أعمل أي عملية وسأبقي كما أنا ولن اتزوج ابدا وليكن بعلمك ان سمعت صيغة المؤنث وانت تتحدثين معي سأقول لخالي بكل شيء " زادت البسمة من حدتها على وجنتيه حتى انفجرت قسماته بالسخرية حين رأي ضعفها يعتلى محياها ولكنه قرأ بها شيء جعل الغصة بحلقه تزداد وثقته بنفسه تهتز عندما قالت بتماسك" على جثتي يا أمنية.. "
عبس وجهه بغضب وزفر بقوة ورمقها بنظرة تحدي مقابلة لنظرة انكسار غريب لم يراه من قبل داخلها، فقال وهو يمسح على شعره باستفزاز " الا يوجد لديك كلمة غير جثتي جثتي.. أن عمرك طويل يا نجلاء "
فى تلك اللحظة حدث زلزال قوي يضرب أرضية القطار فعلى صوت الركاب بصياح النسوة، مسكت نجلاء امين وكأنها تعانق يده خوفا عليه ،فالتفتَ اليها بقلق فجأة.. خرج القطار عن مساره لينقلب الركاب فوق بعضهم البعض وكأن السماء سقطت فوق رؤوسهم ، ارتطم أمين رأسه* بسقف القطار الحديدي* اثر انقلاب القطار فتلاشت الرؤية فورًا واخر ما سمعه هتاف والدته بهلع "أمنية".......*
* * * * * * ** (9)
بعد عدة أيام..
يدفن عاصم رأسه بين راحة يديه ثم يرفعهما ماسحا على شعره الشايب مفكرًا فيما ألت اليه الأمور، فبعد بحثه عن نجلاء بعناية علم انها تسكن في العزبة بجوار أخيها الصغير مع ابنتيها وعلى مشارف الموت بسبب حادثة القطار التي حدثت منذ فترة ونشرت فى جميع الجرائد. لا يعرف كيف يتصرف؟ ولما كذب اخوها عليه ؟ يشعر انه السبب بكل ما حدث، لو كان بحث بكل جهده عنها* لكانت* بقربه الان* وتغيرت حياته ولم تصبح مثل الصحراء الجرداء، اااه يا ويله من عقله العاصي الذي يأبى ان يرحمه حتى يغفو قليلا من شعوره بالذنب.. وإن تحرك الان اليها؟ لن تتعرف عليه فقد وصل اليه انها فقدت نعمة البصر، وكسيدة عجوز تنجو من حادثة القطار الكبيرة لهى معجزة إلهية ..إذا لما لا يتوكل على الله ويسافر اليها لعلها تنجو أيضا فالله قادر على كل شيء ؟ ،وأن فقدت البصر وأصبحت عمياء يكفي انها ستكون بجانبه وترعاه بقلبها البصير بالرحمة كما كانت تفعل بالماضي. أسند ظهره على مكتبة فراشه وهي يحن إلى الماضي فقد كان يتمنى طفلا يراعاه ويكون سندا له في كبره وبعد حصوله على اربعة أبناء من زوجته التي تكفل بها وبأبنائها الآخرون ، تأكد انه هو من كان يحتاج إلى الرعاية والحب ، فالكل مشغول بشعفه بالحياة، وهو متروك كاللقيط.. يأكل وينام بمفرده.. دون سؤال عن احواله ، وأن تحدث معه أحدهم يكون لأجل المصلحة ، وكأنه كتب عليه أن يكون مفردا فى كل شيء. في الماضي كانت نجلاء تعامله كطفل صغير ووضعت فراغ عطفها* قلبها له فقط دون حركة خبيثة منها كما فعل وتزوج من ورائها مع انها كانت سترحب بالفكرة. تنهد بحزن حين تذكرها وقت كانت تأتي بالطعام إليه في الفراش إن تأخر بنومه ،ولا تتناول اي شيء أبدا حتي* يعود من العمل ولو كان بعد منتصف الليل، تيقن الان انها كانت لا تبكي امامه ابدا ولا تتحدث معه في موضوع الخلف حتي لا تجعله يتحطم اكثر! علم انها كانت تخفى حزنها وتستبدله أمامه بنكات وضحكات مزيفة! ليس لأجل برودها وقوتها كما كان يعتقد بل لأجله.. ، لطم على وجهه باكيا بحسرة فهو من خسر بالنهاية..، المال والنفوذ والولد بحوزته ولكن لا يوجد بحياته اي حنية.. لا يوجد من ينتظر قدومه ليلا ويعانقه ويخبره بأنه أشتاق إليه... بكي أكثر وهو يري انه ظلم المرأة الوحيدة التي كانت تشعر به ، وتخاف على إحساسه ،قارن تلك المعاملة التى تلقاها منها بما يمر به الآن فقام بلعن أولاده ... أولاده الذين يعذبونه* بمطالبهم الكثيرة وجشعهم..* نعم يحبهم.. بل يعشقهم ..* وبعشقه قام بإفسادهم بكثره التدلل وهو من شرب من كأس الندم بمفرده...* و بحبه الذائد قام بتوليد شباب لا يعترفون بالمسؤولية غير عابئين لما يحدث حولهم...
وبتسلطهم على بعضهم والغيرة التى تنهش صدورهم بصراعهم على من يأخذ اكثر ينهار كلما يري كرهم لبعضهم يندم... يندم على كل دمعة ذرفها على الخلف..
وكيف يكون سعيدا وهو يري ان كل ولد فيهم يتربص للأخر بمكيده ، يعرف جيدا انهم مراهقون ولكن الأمر زاد عن الحده ولم يعرف كيف يتصرف* سوي بتقديم الأموال لهم.. ، لولا وجوده بينهم الان وتقسيم الإرث بينهم وهو لا يزال ينبض داخله الروح* لكانوا قتلوا بعضهم البعض..
تذكر ماضيه وكم كان يحب اخواته، لم يكره اي أحدا منهم مطلقا، بل مر العمر عليهم وهم يمدون لبعضهم البعض العون من فترة لأخري ، اذن كيف لهم** أن يرثون دماء الغضب والكره من والدتهم بهذا الغل الواضح ؟ لما لا يوجد شخص واحد يشبه بينهم؟.
استقلت الشمس بوابة الصباح لتصعد إلى الشرق بنعومتها المشرقة الدافئة، رفع كافة يده يشير بالسلام لسائقه الذي ينتظره امام بناية شركته، شركته التى كانت صغيره وعلى وشك ان تفشل، وهو بمجهوده الكبير وذكائه أوقفها على اعمده عقله النجيب من جديد لتصبح شركة ناجحة.. ولكن تسللها أعداء النجاح حتي يحصلون على أسهم اكثر للوصول إلى كرسي القائد، ولكنهم يفشلون بسبب حكمته ورزانته.
حدق بالسماء قائلا بوجه حزين عجزت قسماته بسبب وهن السن وبؤسه الذي فاق ظلام الليل " اعطيني يا رب على قدر نيتي"
* * * * * ** (10)
يفترش الارض بصقيع جدرانها الأربعة يحيط نفسه بكلتا ذراعيه المليئة بالكدمات الزرقاء اثر الحادثة وبدموعه المنهمرة يحيك غطاءا على جسده بآلامه لعله ينجو من ضميره الذي يحاربه بتلك الدعوة التى لفظها عمدا عليها ،وامامه" منة" الجالسة على الفراش تراقب نجلاء بانهيار، ينتفض جسدها مع كل شهيق تسحبه والدتها بصعوبة، تموت رعبا لو ماتت أو حدث لها شيء..
تخشي من فقدانها حد الموت فمن يبقي لها وهي تعلم أن امين لايزال يعافر في تقبل ذاته وعيبه...
شعرت انها ستفقد وعيها من آهات والدتها المرتفعة التي تصب داخلها بمرارة الفقد ،فبادرت بالاقتراب من أمين الغائب عن الوعي بعبارته التي تسبح على وجنتيه باندفاع منذ يوم الحادث، وبصوت متحشرج قالت " لا تخاف يا اخي ستنجو.."
حدجها بنظرة مهزومة يجيب بنبرة مبحوحة " انا.. السبب... أنا من دعوت عليها..."
سقطت عبرة من عيناها وقد بلغ بها التعب ،حاولت مدت يدها تربت على كتفه ولكنها فشلت فسقطت على الارض امامه تتشنج بنوبات الصرع مرة أخرى، انتفض من جلسته مفزوعا عليها ممسكًا إياها بحزن يلهب قلبه بشروخ تذبحه، حاول تهدئتها بنبرة مبحوحة من البكاء" منة.. لما تركتي الدواء أيتها المتعجرفة، من سيهتم بأمنا إن أصبحنا ضعفاء* "
كانت "منة" تصدر أصواتًا مبهمة وحركات لا ارادية وكأنها تصعق بالكهرباء فانهار اكثر واتجه مسرعا إلى الخارج ببكاء جارف لينادي على أحدهم لينقذه ، تصلب واقفا حين قام بفتح غرفة خاله الأصغر، حاول أن يكذب ما يراه أمامه ولكنه تأكد من نظراتهما الصادمة.. فقد كان يمارس الرذيلة مع الممرضة التي تهتم بوالدته، شعورا ما اعتراه في ذلك الموقف حين رأي الممرضة شبه عارية...
ظل واقفا متجمدا فى حركته عيناه متسلطة على الممرضة لا تتحرك ، هتف خاله شريف بغضب وهو يضع بعض الملابس على جسده* للممرضة" اخرجي من هنا أيتها الحقيرة".
ارتجف امين مصدوما من نبره خاله وهرع إلى الغرفة ليجد شقيقته* فقدت وعيها بالكامل ..
ووراءها والدته شاخصة البصر تتصارع على التقاط النفس..
فخرجت منه شهقة اخرسته..
* * * * * ** (11)
بعد مرور اسبوع
بعد صياحه الكبير علي والدته حين اخيره الطبيب بوفاتها فقد طراوة صوته واصبح مبحوحا لايقدر على التحدث بشكل طبيعي، كلما يتذكر والدته فى مخيلته يراها بقسماتها الحادة لا يتذكر لين وجهها وضحكتها مهما يحاول.. فهل عاش معها طوال الخمسة عشر عاما دون ابتسامة..؟.. وحين فشل لم يعد يشعر باي شيء لا بكاء لا حزن لا شيء وكأنه أصبح متبلدا.. فقط يعتريه احساس منذ ذلك اليوم الذي رأي فيه الممرضة مع خاله لا يعرف كيف يصفه أو ما هو هذا الاحساس من الأساس؟.
ومنذ ذلك اليوم وهو يراقب كل تحركات الممرضة وخاصةً حين تذهب إلى خاله الصغير في* مكتبه المقابل لسرايا العائلة ، ويراقبهما من فتحة صغيره قد أحدثها من الباب الخلفي... حتي جاء ذلك اليوم ورأي ما لم يكن بالحسبان...
يحدق بتوجس ويراقب تصرفات خاله المخلة بالممرضة حتي دخلت عليهما "منة" ورأت ما يفعلونه ،لم ينسي نظراتها لهما المليئة بالخوف .. ابتسم بسخرية وهو يراقب خاله يقوم بطرد الممرضة ونهرها بأفظع الالفاظ كما فعل قبلا حين كشفهما* ، ملأت الغيرة محياه حين رأي عطف خاله شريف على "منة" وعناقه لها بتلك المحبة ،فمنذ الصغر وهو يعاملها معاملة خاصة كابنته، دائما يأخذها ويقدم لها الحلويات ويهديها ملابس جميلة حين تنجح وتتفوق بالدراسة ، شرد أمين بالماضي فلم يُهدى اليه شيء طوال حياته أبدا غير ان معاملته له سيئة جدا كلها نفورا وغضب ..!!
عبست ملامح وجهه غيرة عندما سقطت عينيه على عقدا ذهبيا أخرجه شريف من احدى أدراج مكتبه ويقدمه اليها.. تساءل* فى نفسه ما الذي يغيره عن "منة"* أليس إبن شقيقته أم انه يشعر باختلافه...؟
عقد أمين حاجبيه وهو يري خاله يقوم بإزاحة الحجاب عن رأس "منة" تحت انتفاض جسدها الغير مفهومه ،ازدرد ريقه ببعض الغضب من شدة قبض خاله على لحم ذراعيها بتلك القوة وهو يقوم بسحبها حتي يضع عقد الذهب حول عنقها، فهمس بصوت منخفض بينه وبين نفسه " هل يعوضها بفقدان امي بعقد من ذهب؟ ... الغبية تبكي من شدة سعادتها.. ،اذن ماذا عني.. ؟."
جحظت عينيه فجأة حتي توقف عن الشهيق والزفير* وكأن الوقت توقف حين رأي يد خاله تنزل على مفاتن شقيقته بطريقة جعلت قلبه ينقبض ..
لم يشعر بنفسه وهو يتجه مسرعا إلى الباب الامامي وقلبه يخفق بجنون.. سيقتله.. نعم سيقتله دون أدنى رحمة.. هل يفتك عرض شقيقته بعد موت امهما ؟... ام كان يتربص بها منذ زمن.. ؟ هل كان سبب نوبات الصرع التى أتت اليها دون سبب مقنع..؟
جز على أسنانه ولا شيء يدور بعقله سوي القتل..
يسرع من خطواته وكأن نعاله يسبقه بالخطى.. توقف فجأة حين رأي تجمهر بعض الأشخاص امام الباب الامامي ورجل عجوز يقف امامه يهتف بأعلى صوته بنبرة قوية " اخرج يا شريف واجهني أيها الجبان.."
فتح أمين باب المكتب فهرع* يسحب شقيقته التي تختبأ داخل المكتب ممزقا العقد الذهبي الثمين وألقاه على الارض بعنف* ولم يعبئ لصراع الذي بالخارج..
امسك شريف ذراع امين يمنعه من أخذ شقيقته "منة" للخارج، وحين تقابلت اعينهما لبرهة.. تساءل امين ان كان يهلوس بسبب غيرته ...؟* فما يجول بعقله امر مستحيلا..!
كان الرجل يحدق بالتوأم بغرابة فهتف بعزم " اعطيني التوأم.. ولك ما تريد. "
كان شريف مصدوم من وجود عاصم أمامه ،فمصمص شفتاه بغضب* هاتفا به بتساؤل" من ادخلك هنا...؟"
ثم وجه انظاره إلى الحراسة بالخارج يضيف بأمر " اخرجوه من هنا.."
يتبع

سارة منصور دوار الشمس 22-05-23 02:14 PM

رد: رواية جديدة " لم تكن أنثى "
 
الفصل الخامس
يعلو صوت المذياع الموضوع على المكتب الخشبي الكبير بصوت المغنية اللبنانية "جارة القمر" تغني بنبرة هادئة تسكنها همسات البساتين اللطيفة" ضل افتكر فيى.. رجعت الشتوية.. يا حبيبى الهوى مشاوير.. وقصص الهوى مثل العصافير.. لا تحزن يا حبيبى إذا طارت العصافير.. وغنية منسية ع دراح السهرية "
ساد الصمت بين شفهاهم لثوان ولكن اعينهم جميعا بها صراع ،حرب، تحدى، يفصل عنهما نظرات التوأم المليئة بالحسرة والنفور..
جز شريف على أسنانه وهو يتربص بمكيدة لعاصم يخططها داخل عقله ومن جهة أخرى يراقب الحراسة تقترب من عاصم بحذر فقد اخبرهم قبلا ان اشار اليهم بسبابته بحركة معينة تعني ان يهجموا على الداخل بتوجس، فترقب الامساك به من الخلف وبيده الاخرى مقبوضة على ذراع امين بقوة.
نجحت الحراسة بالقبض على عاصم وكلا الرجلين اللذان اتيا معه من ذراعيهم، ففزع عاصم من تصرفهم الغير لائق فقد اتى لغرض نبيل، فهتف بغضب " لا تتسرع لتلقى الندم حليفك... انصت الى ما جئت لقوله.. لمصلحتك* ان اردت ان تكون الانتخابات عادلة "
عقد شريف حاجبيه بغرابة واراح قبضة يده عن ذراع امين* ثم رفع احدى حاجبيه بخبث أمرا حراسته "اتركوه".
كان عقل شريف يحلق عاليا مفكرا فيما يجول بعقل عاصم، يعلم ان بيده ان يفعل اي شيء يحطم سمعته وبكل سهولة فهو بموقف حساس جدا حاليا امام اهل بلدته، يحاول كسب نظرات الاستحسان اليه لتنجح خطته الخفية عن الجميع الى الآن رغم انه لم يتوقف بعد عن التهام عقولهم بالرشوة وفعل الخير.
يجلس بمكتبه بانتباه شديد يحدق بعينين عاصم البراقة بالغضب المختزن طوال تلك السنوات التي اخفى عنه طليقته نجلاء وحرمه منها لسبب لا يتوصل اليه مهما يفكر، فمن مصلحة شريف ان يتخلص منها حتي لا تكون عائق امامه وبناتها،* وبقسمات حديدية رمقه شريف قائلا بتحدي" افهم من كلامك يا عاصم انه تهديد؟ "
قاطعه عاصم بنبرة غاضبة حتى كادت عيناه تخرج من محجرهما " لما كذبت بشأن نجلاء..؟ "ارتسمت بسمة ساخرة على جانب فاه شريف بمكر" وهل أتيت بعد كل تلك السنوات متأكدا بانني كذبت عليك؟، ان كنت تريدها حقا لم تكن لتسألني على الهاتف
.. لا احد يبحث عن شيء يريده بحق وهو جالس مكانه يا عاصم بيه "
ران الصمت بينهما رغم شرارة اعينهما، لا يزال عاصم لا يفهم لما؟* يعلم ان عائلة نجلاء تخلت عنها منذ زواجها منت بل كانوا ينتظرون الخلاص منها ، لما الآن حين ارادها تمسكوا بها؟* الأجل الفتاتان ؟هل يخافوا عليهما منه؟* ربما..!!
لا لا كان ليعاملهما كأنهما ابنتاه ، لن يفرق بينهما وبين اولاده بدليل انه تكفل بأولاد زوجته؟، غصة بحلقه توقفت عن المرور لتبقى معلقة بسؤال يؤلمه فهتف به غصبا عن مكنونه فلم يريد ان تخرج منه تلك الكلمات فيبدو ضعيفا* "هل تراني ظالم لأنني طلقت نجلاء؟* ان اعتقدت ذلك فانت احمق برأس كلب.. لاني طلقتها لأجعلها حرة ولها حرية التصرف ان تحصل على ابناء مثلي تماما فلن اصبح ابدا سعيدا وهي بجانبي محرومة من طفل من رحمها
." مهلا.. مهلا.. توقف عن هذا الهراء... لا اهتم باعتقاداتك.. اعرف فقط ان كنت تحبها لما طلقتها "
يجيب بها شريف باستفزاز دون كلمة تريح بدن عاصم من عصف افكاره التي تحاول ان تلبسه الذنب رغم محاولته الدائمة بتكذيبها وتلبسها لمن حوله فلم يعد يتحمل اي قدر من الذنب بعد الآن.
اراح ظهره على الكرسي حين رأي داخل عينا شريف الشماتة والتلذذ بوجعه فتنهد قبل ان يقول بغضب اعتلا محياه بنبرة متملكة "اعطني التوأم" رفع شريف كلا مرفقيه وراء رأسه متنهدا باستفزاز وهو يرجع بظهر الى مسند الكرسي* فضحك بخفوت ساخر ثم قال بتعجب " حين رأيتك للمرة الاولى اعتقدت انك ذكى يا عاصم، وسألت نفسي ما الذي يجعلك تتقدم لخطبة نجلاء " رحمها الله" وهي ليست على هذا القدر من الجمال لتجعل شاب ذو مكانة مرموقة يتمسك بها حتى قام بقطع صلة رحمه،* والان.. عملت الاجابة... "
"لم اتي الى هنا للاستماع الى كلامك الفارغ" يصيح بها عاصم وهو ينتفض واقفا ويضرب على المكتب ببطان يده بقوة بفراغ صبر، فبادله شريف النظرات بأكثر حدة قائلا بحسم " التوأم اولاد اخي الكبير يا عاصم.. كما رأيت فتاة ترتدي فستان* والاخر فتى يرتدي بنطال بقصة شعر عصرية.. ونجلاء رحمها الله كان لديها بنتان "
عقد عاصم حاجبيه متسائلا بغرابة "كان؟"
حاول شريف قدر الامكان ان يرسم على قسماته الحزن بتمثيلية مكروهة قائلا وهو ينظر للأسفل بحزن " تعيش انت "
جحظت عينا عاصم من هول المفاجئة ليضيف شريف بمكر " لقد داس القطر عليهما ايضا".
"كذاب" يصيح بها عاصم مقاطعًا بها تمثيلية شريف وصدره يعلو ويهبط من موجه الغضب التي تهلك صدره العاجز امام كيد الشباب الذي يمارسه شريف، فرمقه بنظرات نارية واتجه صوب والباب وحين امسك مقبض الباب ليخرج التفت اليه وحدق به بقوة وكأن عيناه من تهدده بكلمات مقاتلة ولكن شعور يملأ صدره بالضيق الشديد فأفصح عما يشعر به بغضب "ستندم على لعبك معي" ثم خرج وهو يجذب الباب خلفه صافقا اياه بعنف شديد تاركا شريف يقهقه بسخرية، فكم يهوى ان يستشعر بؤس الآخرين من استفزازه،* فقد تربى بوسط عائلة متسلطة تهتم بالتسلق فوق اكتاف ضحاياهم دون فائدة تعود عليهم ، لهذا المرضي فاقدي الثقة بأنفسهم يغتنمون اصحاب الوجوه البشوشة لتحطيمهم حتى لا يروا اناس* افضل منهم بل يجب علي من حولهم ان يكونوا تعساء لا يشعرون بالسعادة ابدا.. فكم. عانى شريف في صغره من تلقى المعاملة السيئة من كلا ابويه دون سبب مقنع خاصةً ان ابيه كان يستفرد به ويزجره في القبو ويضع عليه ضغط عمله وخسائره على جسد الصغير.. لا ينكر انه كان قويا ليحتمل كل ذلك فلم يهلك بضعف جسده بل تولد داخله وحشا يريد ان يحطم من حوله سواء بسرقة فرحته ام بتحطيم افكاره بالسطو على ممتلكاته... فكان كل من حوله يعانون بسبب جشعه.
* * * * * * * * * (١٢)
داخل السرايا في غرفة نجلاء
ينتظر أمين ان تنتهي "منة" من شهقاتها تحت عيناه المحطمة بسبب ضعفه وحسرته أمام خاله وعقله الذي يصارع الافكار التي تلاحقه بالانتقام منه، ولكن الامر ليس هينا لكي يقتله ويهرب، بل ليس الامر بتلك السهولة، لطالما كان أمين عاقلا في قراراته صبورا بسبب ما مر به ، ربما لأجل ذلك لم يتهور بأي كلمة الى الآن، يعقد حاجباه مفكرا بما سيحدث ان هرب هو وشقيقته، فبعد ما رأه لن يبقي في ذلك المنزل لوهلة.
سقطة عبرة حين تذكر والدته وكم كانت تحميه بقلقها وبحثها الدائم عنه حتى اهملت "منة" ووثقت ببقائها مع خالها، اي شخص طبيعي لن يشك بشقيقه بأن يقوم بهلك عرضه مع فلذة كبده مثلا!، فدائما كان الاخ يحافظ على عرض شقيقته امام الآخرين اليس كذلك؟* اذا لما حصل معهما ذلك..؟* ام انها المرة الاول الذي حاول فيها شريف ان يلتهم لحم "منة "بعد موت سدهما؟
قال امين وهو يقترب من مجلس" منة" على الفراش* "هل حقا هي المرة الأولى؟"
ابتلعت "منة" غصتها غصبا وهى ترفع بصرها الى أمين وتسبل اهدابها بتردد يهلك بدنها من الخوف، اشاحت بعيناها فورا عن عينا أمين الغاضبة فملأ الخوف عروقها فهزت رأسها منافية بعصبية ليضيف أمين "اذا ما سبب بكاءك؟"
ابتلعت ريقها بصعوبة هامسة بتردد "امي".
" افهم من ذلك انك تستمتعين حين يتحرش بك شريف "
برقت عيناها متغلغلة بكسرة تتلاحق لتخفي قدر الامكان توترها تخشي على امين من ان يتهور فيقتله مثلا؟.. فجثت على ركبتيها ارضًا امامه وهو يجلس على الفراش قائلة برجاء وتمسك بيده وتهزها* "ارجوك.. لا تفعل اي شيء، سيقتلنا..؟* ارجوك.."
ببرود يحاول ان يرتديه رغم الثورة التي بداخله "الا تخافي علي ايضا...؟ الم تفكري بصمتك ماذا يمكن ان يفعل خالك بي* ويكتشف حقيقتي"؟
عبست ملامحها* فجأة وتوقفت دموعها واستكانت على الصدمة وهى تمتم" مستحيل "
ساد الصمت بينهما تعلم "منة" ان امين شخصا صبورا امام خصمه، يفكر ويفكر حتي يأتي بخطة محكمة حتي ينجح بهلكه دون ان يمسه سوء.
لمعت عيناها حين لمحت البريق بعيناه يقفز بحماس اشعل بدنها بالرعب.. نعم الرعب من المستقبل.!
ابعد يدها عنه وهب واقفا يرنوا اليها بصمت بعينا افعى مليئة بالخبث، يحدق بها من علو ارتفاعه وهى على الارض،* فرفع قبضة يده امام عيناه قائلا بكيد مغامر " اليد التى رفعت على اختي سيتم كسرها بقبضة اكبر من تلك ، قبضة ستنهى ما قدمه واخره فى دنياه* ". قامت" منة" بإمساكه من تلابيب اقدامه لكي تمنعه عن الحركة فنفضها بعيدا وخرج مسرعا وقد أتت اليه فكرة جهنمية.
* * * * * * ** (١٣)
بعد مرور يومين
كان أمين ينتظر كل ليلة ان يذهب شريف* الى صالة تجمع كبار البلدة* للتحدث بأمر انتخابات العمدة، فيدخل بين الاشجار متسلقا بحذر بينهما حتي يصل الى سقف المكتب عبر الباب الخلفي ،يعبس بين الحاجات حتي يقوم بالحصول على بعض الاوراق التي يمسكها على خصمه في الانتخابات لكي يضره، فقد كان يسمع حواراته بالهاتف مع اصدقاءه حين كان يتلصص عليه مع الممرضة.
وبعدان وجد بعض الاوراق التي تثبت صحة الاتهامات الملفقة على الخصم وضعها على بطنه واحكمها بحزامه واخفتها تحت ملابسه ، وحين ثبتها بإحكام عاد الى سقف المكتب متسلقا الاشجار برشاقة، وبأحدي فروع الشجرة لم يسعفه الامساك بها جيدا فكان على وشك السقوط لولا فرع اخر قام بالتشبث به ولكن سقط منه بعض الاوراق، فطارت بفضل نسمات الهواء الى مقدمة الباحة الخلفية المقربة من سرايا المنزل، عض على شفتاه بندم وخوف، ابتلع ريقه وهو يتنقل بين فروع الاشجار* وعزم على الوصول الى خارج السور وما ان اقترب ترك الفرع ونزل على قدميه بسبب تلاهيه بالورق* نزل على مرتفع قليلا عن السابق فألمته قدماه اليمنى، فعرج بحذر الى مقدمة السرايا وهو يمسك ركبته بألم.*
عدل من ثيابه نفض عنه التراب وقام بتسريح شعره* ولم ينتبه الى ورقة الشجر التي لصقت بشعره من الخلف وما ان اقترب من بوابة السرايا وجد فلاح غريب الهيئة يتجه اليه مسرعا قائلا له وهو يقدم له ظرفا " عاصم بيه يريد ان يقابلكِ ضروري"
ران اليه امين بغرابة مستغربا من ذلك الفلاح المتوتر بخوف قاتل فلم ينتبه الى تحدثه بسبب نبرته السريعة في تلاحق الكلمات ببعضهما* واهتزاز مقلتاه بخوف من ان يراه احد ، فأعطى الظرف لأمين ثم ابتعد الفلاح بلمحة البصر.
* دخل امين الى ساحة السرايا بخطوات بطيئة وهو يقلب الظرف ويحدق به بتساؤل ولم ينتبه الى شريف الواقف امامه فارتطم بصدره بقوة حتى رجع الى الوراء عدة خطوات، حدق به شريف والى بنطاله الرمادي يبدو انه رثا بعض الشيء.. هنا... ارتجف امين واخفى الظرف وراء ظهره كردة فعل صادمة فعقد شريف حاجبيه واقترب منه قائلا "لو ما عندك ملابس نظيفة اخبريني سأشتري لك حتي لا يقول الفلاحين ان ابنة اختي ملابسها رثة"
قال كلمته الاخيرة وهو يقترب من امين ويسحب يده التى تخفي الظرف وراء ظهره ثم سحبه منه بقوة تحت انهزام امين من جذبه، سيترك له الظرف فى سبيل عدم كشف الاوراق المخبئة تحت صدره..
قطع* شريف الظرف وأخذ الورقة يقرأها حتي ارتسمت على جانب شفتاه بسمة ساخرة ثم انتهت بقهقهة وهو يضيف " الاحمق عاصم طليق والدتك يريد ان يهتم بتربيتكما.. بحجة تعويضكما عن وفاة نجلاء "
التمعت عينا امين بالأمل فكانت تلك خطة شريف* فأضاف شامتا " طبعا* ، فرحت ولا تعلم ان ذلك الوحش يريد انت ينتقم من فعل والدتكما بتركه والزواج من اخر حتى تنجب.. هل تصدق انه تزوج عليها ولم يرد ان تتركه حتى تكون تحت رحمته وتربي له اولاده من زوجته كالخادمة " وصلت نشوة السعادة الى اعماق وجدانه وهو يري الامل المتولد حديثا داخل عينا امين ينحرق بشعلة الحسرة وتتيتم نظراته، فأردف ممازحا بسخرية " سأرسل لك فاتن بفساتين حتى ترتديهم فى حفل نتيجة الانتخابات " رد امين بقسمات غاضبة "مبارك لك يخال.. متأكد انك ستكون افضل عمدة "* قهقه شريف بثقة واسعة بينما تمتم امين وهو يتجه داخل السرايا "اعدك انني سأرتديهم في جنازتك وانا اتبول على قبرك"
انتاب شريف القشعريرة بتقزز وهو يراقب خلفية امين وهو يتوجه نحو الداخل هامسا بين نفسه وهو يعض شفتاه بحنق " لما اشعر بالنفور من تلك البنت.. اعوذ بالله، عيناها تستفزني، حين تنتهي الانتخابات سوف اقوم بتزويجها من ابن اخي حاتم حتى اتخلص منها وتكون غاليتي "منة" بقربي.
* * * * * * * * (١٤)
ليلة يوم الجمعة
ذهب أمين الى منزل اكبر اعداء عائلتهم، طبعا هو لا يعلم اي شيء يخص العائلة وبفطرته المراهقة يدور برأسه الخطة دون البحث عن ماضي ذلك الخصم، فذهب الى الغفير وطلب منه مقابلته بضرورة..
دخل الغفير الى ساحة المنزل فرأي الرجل المطلوب يجلس مع اصدقاءه يشربون الخمور والشيشة ويتحدثون بأمور مهمة، فأشار الرجل الى الغفير لكي يتحدث.
"* بنت صغيرة* يا بيه بتقول انها ستساعدك بالانتخابات بسهولة...* "
ابعد الرجل الشيشة عن فمه وحدق به باستغراب ومن برفقته فقال بتساؤل "بنت مين؟" رد الغفير بتلقائية "نعم بنت صغيرة ترتدي مثل الاولاد"
قال احد اصدقاء الرجل بفضول "ادخلها بسرعة"
خطي الغفير مسرعا نحو البوابة وفتحها ويرمق الفتاة باستهزاء قائلا "انت بنت مين؟"
دخل امين بثقة وهو يضع يده في جيبه مجيبا بتقليل شأن " وانت مالك "
"فتاة قليلة الرباية صحيح"
اشار اليه الغفير لكي يتبعه، تصفح الحديقة المطلة على المنزل .. كان المكان مظلما فى الشرفة الامامية لساحة السرايا، التقطت اذناه صوت اغاني تمتزج مع صوت صفير الحشرات، بعد ثوان اتضحت صوت الاغاني لست ام كلثوم وكلما يقترب يتضح الصوت اكثر حتى وصل اليه كلماتها تداعب اذناه بنشيج فخامتها رغم توتره مما هو مقدم عليه "يا حبيبي
الليل وسماه ونجومه وقمره، قمره وسهره
وإنت وأنا يا حبيبي أنا يا حياتي أنا
كلنا، كلنا في الحب سوا
والهوى آه منه الهوى
الهوى آه منه الهوى، آه منه الهوى، آه منه الهوى
سهران الهوى يسقينا الهنا ويقول بالهنا
والهوى آه منه الهوى* * " برقت عيناه بانتباه حين وصلا الى المكان ووجد من لم يكن يتوقعه، حتى رأه ايضا الاخر ينتفض واقفا يحدق به وكانه فاز باليانصيب، همس امين بتوتر "عاصم"؟
* * * * * * ** (١٥)
صباح يوم السبت موعد* نتيجة الانتخابات...
الساعة السابعة صباحا
يهدر امين" بمنة" لكى تصمت ولا تبكي اكثر حتى لا يستمع اليهما احد وهو يقوم بترتيب ملابسهما داخل حقيبة قد سرقها من خزانة خاله بالسر، فترمقه "منة" وهى تشهق بين قطرات دموعها هامسة بوجل* " من اين جئت بكل هذه الثقة بخساره خالك بالانتخابات " ترك امين كل شيء بيده واستدار اليها قائلا بصوت منخفض بعصبية "ارجوك دعينا نفر قبل ان ينتبه الينا الخدم، صوتك يبدوا مسموعا للحرباية تعلمين انها تنصت الى دابة النملة"
"حرام عليك يا امين، سنتشرد بالخارج، ولن يتركنا الخال"
حاول امين ان يكتم عصبيته وأخرج باقة من النقود من حقيبته فجحظت عينا "منة" قائلة بصوت مسموع "من اين جئت بكل تلك الفلوس؟* هل سرقت الخال ايضا؟"* اغمضت عيناها بالقهر وتساقطت العبارات بجنون ليكتم بيده ثغرها بقوة وبفزع هامسًا " ايتها الغبية السمجة سنقتل بسببك" مالت رأسها بإيجاب فتركها واكمل تعبئة الحقيبة بكل ما يلزمهما فتابعته" منة" بقهر دون ان تتوقف دموعها عن السيلان، فهمست بتساؤل" سأتبعك على شرط ان تخبرني ما هي خطتك "
انتهي امين من ترتيب حقيبته ولم يعد سوى تسللهما لخارج السرايا، كان امين قد خطط للهروب فالجميع مجتمع عند لجنة الانتخابات والسرايا فارغة ولا يوجد بها سوي الخدم والغفير،* وقد عزم على التسلل من الباب الخلفي..
فجذب "منة" من ذراعيها لكي تتبعه، فأبت ان تتحرك، وهمست تضيف وهى تمنعه عن جذبها "ان جئت معك الان ستموت.. صدقني اهرب انت؟"
سكنت ملامحه قائلا بعاطفية " مستحيل..؟* انا اهرب من اجلك* ...* لا استطيع ان اتركك فانت اختي.. قرة عيني.. توأمي.. صدقيني سننجو ثقي بي ارجوك.."
شهقة عبرت من ثغرها بانهزام فهمست اليه بعد ان شعرت أن احدهما يقترب من الغرفة " الى اين سنذهب؟ "
تنهد بارتياح بعد ان راي موافقتها فأجابها وهو يقبض على اناملها بقوة وكأنه يعترف انه بدونها لا شيء حقا " الإسكندرية... عند خالتنا "
يتبع

سارة منصور دوار الشمس 22-05-23 08:42 PM

رد: رواية جديدة " لم تكن أنثى "
 
الأمنية هى يد تقبض علي القلب كلما يتذكر محتواها المتمني ويعيش لحظات تحققها بعقله لثوان فيرسل العقل لذعات الفرح* فى ثوان معدودة وحين يفق المتمني تشتد القبضات على القلب فيعتصر بالم طويل المدى، لذا سميت أمنية لصعوبة تحققها..
* * * * * " الفصل السادس"
كانت أقدام أمين تتحرك بسرعة كبيرة وهو يهرب برفقة شقيقته منة ولكن، كلما يقترب من مخرج البوابة يشعر بالبعد الشديد فهل الخوف يلعب بعينيه . جز على أسنانه بحماس قاتل وأسرع من الجري لعله يطير إلى السماء ويصل إلى الاسكندرية بسرعة...
يعلم ان الخدم يرونه ولكن لا يهتم ومن يريد أن يوقفه* فليأتي ولا يندم على فعلته معه فأقل شيء قد يقوم بفعله بمن يحاول منعه هو القتل.
وصل إلى البوابة الضخمة السوداء المطلة على الشارع ولم يعد بينه وبين الهروب سوي القليل، ظهر الغفير فجأة ووقف أمام البوابة يمنعه بسبب الأوامر المشددة ولكن أمين قد حضر لتلك المواجهة كثيرًا فأخرج سكينًا من وراء ظهره كان يخفيه فى بنطاله القماشي ذا اللون الاسود ، سكينا مشرشرا يلتمع نصله تحت أشعه الشمس الساطعة حتي أعمى بريقها عينا الغفير وبدل ان يقوم أمين بتهديده فعل ما لم يكن بالحسبان أبدا.. مما جعل الفك السفلي من أفواه بعض الخدم تتدلى لأسفل بصدمة كبيرة* .
كانت منة شاردة تشعر بأنها جُنت بالفعل ولكنها تثق بشقيقها جدا ،هى أيضا تريد الهروب بعيدا عن مغتصبها وقاتل طفولتها برغم الخوف الشديد الا انها حين يعانق شقيقها يدها تستمد بعض القوة الخيالية... حتى!! اختفت حين رأت نفسها بين احضانه وتحت ذراعيه مهددة بسكين لا ترى بدايته من نهايته فقط صورتها المعكوسة داخله ،وضع لا يحسد عليه بضربات قلبها التى تهدد امانها وهل شعرت بالأمان قبلا من الأصل؟، تاه عقلها يطمئنها بأنها بحلم وستستيقظ الان ،وسبحان من جعلها واقفة جاحظة تنتظر ان تفق من نومها. همساته الراجية ..... القريبة من اذنيها "ارجوك لا تفقدي الوعي، ارجوكي لا تخافى.. انتظري قليلا"
الأجواء شاحنة الجميع ينظر إليهما بصدمة ،هلع.. والشيء الوحيد الذي يجول بخاطرهم* انه فقد عقله* بالتفكير بالهروب حتي وصل به الأمر أن يجعل شقيقته رهينة.
استسلم الغفير وابتعد عن البوابة ليأخذ امين "منة" ساحبا اياها تحت صمودها العجيب.
* * * * * * * * (16)
القلوب تخفق بخوف مميت كضرب الطبول في حفلة راقصة تتمازج مع صفارة القطار المزعجة وهما يجلسان على احد كراسي القطار وكل منها يرتفع صدره ويهبط من القلق واعينهما تتربص الهجوم عليهما فى اي وقت، مرت دقيقة شرود بعد ان غاص فى أعماق قسمات شقيقته* فشعر بإعجاب كبير ظهر بامتنان على وجهه* محاولا ان يصرح به لها* بسبب تمسكها حتي الان* وثقتها به ولكن، فجأة* لم تستطع* ان تمسك نفسها اكثر فارتمت على الارض بنوبة صرع أمام المسافرين الشعبين مخلعة قلب شقيقها عليها.
تابعها الجميع رافعين باطن ايديهم على قلوبهم وبسبب جهلهم بمرضها اعتقد البعض انها تخرج آخر أنفاسها..
ولج منهم شابا فى الثلاثين من عمره يرتدي عمامة على رأسه ويرتدي مثل الفلاح* بجلباب بني يتمايل على جسده الكبير بتيار الجو* ،محاولا ان يقوم بحملها بموقف رجولي امام الناس قائلا بصوت مرتفع لأمين الذي كان يحاول افاقتها" هيا بنا على مشفى البلد بسرعة يا صديقي ، متجلجش شقيقتك إن شالله بخير"
برغم الضغط* الشديد* الساقط على عقل امين الا انه حاول منعه بالقبض على يد الشاب وجذب منة منه ولكن بسبب قوة الشاب فشل فجري وراءه وهو يصيح "توقف.. إنها بخير
.." شعر ان خطته بالفرار قد تفشل بسبب ذلك الاحمق الفّار بشقيقته بعيدا عنه.
..* فى مشفى العزبة*....
لم يتركهما الشاب حتي يطمئن على حالها ،في تلك الأثناء كان أمين يجز على أسنانه بغضب بسبب اجبار الشاب على تأخيرها وتفويت القطار، فأضاف امين للمرة العاشرة* بنبرة مرتفعة وهو يلوح بيديه امام الرجل بقلة احترام " يا أخى اخبرتك اننا بخير فلتذهب الأن ونلحق المحطة الأخرى.. بسببك سنذهب إلى محطتين عشان نصل إلى الإسكندرية* لقد اصعبت علينا الامور أكثر "
" بدلا من ان تقول شكرا ..، خير تعمل شر تلقى"
فاقت منة على صوتهما المرتفع كما انتبه لهما الجميع ، وبكل قوة حمل امين منة على كتفيه يعلم انها بعد حالة الصرع تشعر بثقل بقدميها وعدم اتزان ، تابعهما الشاب وخطى خلفهما حتى استقلا سيارة الأجرة فدخل الشاب معهما بجانب السائق** أخذا امين يحدق بغضب ويزفر* وجانب ثغره مرفوعا بغل واضح حتى وصلت السيارة الى المحطة .
كانت المحطة محتشدة بالناس بطريقة غريبة والغريب انها لم تكن مزدحمة بهذا الشكل من قبل حتى وقع الخوف داخل قلبهما ان علم خالهما بالأمر بتلك السرعة. كانت منة قد استعادة رباط جأشها قليلا بعد ساعات من انتظار قطار آخر يوصلها إلى مدينة أخري حتي يستقلا منها قطار إلى الإسكندرية* فتركها امين تجلس براحة على الكرسي المقابل له ، بقى ينظرا الى بعضهما بخوف ،ورهبة صامتة ولكن اعينهما ثائرة بها الكثير من الحيرة على أجوبة لا يعلماها حتى يصلا الى الإسكندرية . وضع باطن يده على أطراف منة الباردة يحتويها بكل ذرة ألم تنهش كيانها لعله يعطيها امان قليلا ،بادلته بابتسامة مصطنعة ممزوجة ببعض القلق فهم فيما معناها هل سترحب بنا الخالة التي لم نراها في حياتنا ؟ فرمقها بنظرة مشبعة بثقة وهو يمسح بيديه حقيبة ظهره* ويهز رأسه بالإيجاب** ..
هنا تحرك القطار مع نشوة الحماس التي تداعب صدره ببعض الراحة عكس شعور الخوف الذي استحوذ على منة بالكامل وجعلها تقفز الى كرسي امين بهلع .
وما ان جاء ليقول لها اهدئ ظهر الشاب الذي كان قد اخذ منة إلى* المشفى من العدم أمامها، ينظر اليهما بحماس غريب وهو يقول بعيون ممتنة ويده تضرب* فخذه بعدم تصديق " لا اعلم ان لم تصابي بهذا الصرع ماذا كان سيحدث لي ،أخمن ان عائلتي كانت ستفقد الدرع الذي يزودهما بالمال " صمت قليلا وهو يري غفلهما عما يدور وبما يقصد فأضاف ببعض المرح لا يناسب الموقف تماما " الم تعرفا بعد ؟"
اضاف بعيون متسعة من هول الموقف "..لقد اصطدم القطار الذي كنا سنذهب به إلى الاسكندرية بقطار اخر لقد تفحم تماما .."
ضحك الرجل بقهقه وهو يري صدمتهما الكبيرة واعينهما الجاحظة* اندفع أمين منتفضا من الكرسي واقفا رغم سرعة القطار قائلا بعدم استيعاب بعد* " لما انت* جالس هنا اذهب بعيدا عنا* " وأضاف الى منة وهو يمسك بكلتا يديها يهدأ العاصفة التي تستحوذ عليها " لا تصدقي ما يقول انه يحاول استفزازي فحسب "
اهتز جسد منة وانتظرت ىحيل اشلاب ولكنه لا يزال باردا كالثلج امامهما فهل سقط لوح الثلج هذا على رأسهما؟.
ردت عليه منة بقلق منفعل لم تستطع إن تكتمه" انه يقول ان القطار احترق ..لقد نجونا يا امين تخيل ان نموت بعد هروبنا.. واحنا لسه فى البداية ارجوك لنرجع* سأموت ان حدث لك شيء، انا خائفة جدا اشعر اني ساموت* حقا" سب امين الرجل في سره ودار اليه بوجهه ناظرا بغضب فبكلامه* قد افسد الامر عليه بجعل القلق يهدد راحت منة ،فعقد الرجل حاجبيه من المعاملة السيئة والغير مفهومة التي يتلاقها من هذا الغلام فبعد ان وقف بجانبه يرد له الاحسان بتلك النظرة وقلة الادب* ، رفع قدميه على الأخرى* وقال معاندا " لن ابتعد هل اشتري ابوكما القطار ام هربتما قبل أن يقوم بشرائه لكما* ؟؟
ازدرد ريقه ببعض الخوف* ،هو لأيزال قاصرا ،ويمكن لهذا الشاب ان يقوم بتسليمهما إلى الشرطة بالقوة فالتزم الصمت وعض على شفتاه بغيظ بسبب كلمات" منة" هاربة منها دون إرادة ،تساءل امين وهو يحدق بالشاب محدثا نفسه بان عقله عقل طفل وهو لا يملك الوقت* سوي للهروب من عدو يحاول هتك عرض شقيقته .
اخذ امين بيد منة* بعد أن توقف القطار باحدى المحطات وقد بدأت بالارتجاف والبكاء* اعاد رفع الحقيبة على ظهره والتمسك بها جيدا ثم جذب يدها برقة* وجلسا في كرسي اخر بالقطار بعيدا محاولا ان يهدأ روعها .
* * * * * ** (17)
كان القطار سريعا بطريقة مهولة يصدر صوت طقطقته مع السكة الحديدية* وكأنه يهرب مثلهم ولكن مما يا تري هو الاخر؟. لايري الأن اي شيء سوي الخوف الذي يسيطر على كل منهما، وبالنسبة لمنة كانت المرة الأولى التي تركب فيها قطار فلم يكن سهل عليها أبدا فأربع ساعات تمسك بمعصم شقيقها بقوة ورجفة حتى أصيبت يده بعلامة حمراء* ، ولم يعبئ الى كل ذلك ..أربع ساعات كانوا كالجحيم بالنسبة له يشعر ان خاله سيظهر امامهما فجأة فبعد ان قام بفضحه امام منافسه الأقوى لن يكون تأنيبه حين يمسك به أحدي قراراته بل سيقتله ولا شيء اقل من ذلك فقد دمر مسيرته ولن يكن بمقدره ان يقدم فى أي انتخابات للعزبة ،يعلم انه لم يقم بفضحه فقط بل قام بفضح العائلة بأثرها ودفن ماء وجهم تحت الارض وجف للأبد بنفس اللحظة ، ذلك كان العقاب الذي توعده له فبعد ان اغتصب براءة شقيقته الغالية* يكون له حياة مثل البشر!بل سيجعله يتمني الموت* ،نعم يخاف منهم ولكن ان تم الإمساك به لن يموت بمفرده حتي يأخد خاله معه إلى المقابر.
هدأت أنفاسه قليلا بعد ان وصلا إلى محطة الخط الفاصل بينه وبين الإسكندرية* ولم يعد الا ساعة واحدة فحسب، يشعر بكل خطوة يخطيها ببداية جديدة تنتظرهما .
فكر بالقطار الاخر الذي احترق وبسببه انشق طريق حياته فى* بدايته* ، هنا هتف امين متحمسا* أمام مدخل القطار " منة القديمة وامين بكل مشاكلهم ماتا مع القطار الاخر ، هل تسمعيني يا منتي" ازدردت ريقها بخوف لا تعلم بما يدور برأسه ولكنه حبل نجاتها الأن* ، اضاف إليها بابتسامة مشرقة لم تعهدها من قبل مما تركت داخلها دافع للحياة ونسيان الماضي "أهلا بالدنيا الجديدة"
*وبعد مرور ساعة ونص*
ركب أمين سيارة اجرة وبجانبه منة هادئة بشكل غريب* ، حدث نفسه شاردا بأنه متأكد بنسبة كبيرة ان الخالة سترحب بهما وخاصةً بعد ان تري الهدية التي سيهديها إياها ..فتلك العائلة الكريهة تعشق السلطة والنفوذ وإن امتلكوها يمكنهم ان يبيعوا أي احد على حساب راحتهم** .
شرد بعيدا فى تلك الليلة حين قابل عاصم عند بيت خصم خاله شريف وبما حكى له عن* ماضيه مع والدته والذي لم يصدقه ابدا فقد رأي وتعايش مع كل ماهو سيء داخلها فهل يصدق إنها تمسكت بعاصم لأنها احبته رغم صعوبة الإنجاب** يكاد يجزم ان تلك المرأة لا تعرف الحب مطلقا حتى تضحى بعشرين عام لأجل رجل، ربما قررت ان تعيش معه بسبب أمواله وتتضحي بالإنجاب مثلا والدليل انها لم تبتعد حتى قام بطردها هذا هو الاقرب لصواب،* لم يسعد أبدا بالتحدث معه خاصة وهو يراه يلح عليه بالذهاب للعيش معه ألا يعلم انه يعرف نوياه جيدا بأنه يريد أن يأخذهما رهينة يقرص بها على خاله بالتأكيد ولكنه احمق فمن هما بالنسبة لشريف سوي قطعة لحم، فإن** يقدم معروف لأولاد طليقته دون مقابل لهو ضرب من الخيال، هل يحسبه احمق إلى هذا الحد حتى يصدق أقواله الكذبة بطريقة ظاهرة جدا لأي طفل ، تنهد بارهاق* وهو يحدق من نافذة السيارة الاجرة المسرعة قائلا فى نفسه انه* بسبب مقابلته لعاصم فى تلك الليلة* علم بعض الأشياء عن خالته التي تعيش بالإسكندرية بعد ان تخلت عن ماضيها وعائلتها بسبب الفضيحة التي اوقعتها باهلها بالعزبة ، فلن يصل ابدا الى الخال شريف انه قد هرب الى تلك الابنة المطرودة من رحمة عائلتها وبسبب انهما لم يكن يعلما عنها أي شيء فلم تأتى سيرتها على احد بالمنزل ابدا امامهما .
نزل من السيارة وقلبه يتقافز باحساس لا يعلمه ولكنه يشعر ان قلبه سيخرج من مكانه او سيفقد الوعي. وقف امام منزل خالته بالعنوان الذي حفظه عن ظهر قلب وبيده الحقيبة ممسكا بها على ظهره وكأن حياته الجديد بداخلها. مالت منة على احدى كتفيه بتعب فقد ارهقها قلبها والمواصلات ، اقترب امين... ومد يده يدق الباب حتى اوقفته منة قائلة " ماذا ان اتصلت بالخال واخبرته "
كان الكلام يخرج من شفتيها بخوف مرعب تعيش كل لحظات كل كلمة ليرد عليها امين بحزم " لا تكونى درامية ، لقد اخبرتك انها تكرهم ولا تتواصل مع أي احد منهما ..هل كنت من الأصل تعلمن ان لك خالة ؟"
مالت رأسها بالنفي ليأخذ امين بيدها ويدق بيده الأخرى على الباب فكما توقع تماما منزل قديم* * جدا بجانب منازل فخمة وكم يفسد منظر الحي.
حدث نفسه*
"لا أعلم كيف صدقتك يا عاصم* ولكن شيء كبير داخلي يصدق بوجودها، هذا ما جعلني* أصل إلى هنا** "


رايكم ��

سارة منصور دوار الشمس 22-05-23 08:43 PM

رد: رواية جديدة " لم تكن أنثى "
 
الفصل السابع
خرجت سيدة بالعقد الرابع بملامح شرقية غنية لا شيء ملفت فيها سوى عقد ثمين مرصع بالألماس الفاخر يحوط رقبتها لا يليق بملابسها العادية وبجسدها النحيف جدا وكأنها لم تأكل منذ شهور فبشرتها تفقد رونقها الخاص . ومن خلف الباب تحدق بأمين وبمنة بغرابة قائلة بتساؤل بنبرة غليظة " هل تريدا شيء ؟ ان كنتما ستعرضان بضاعتكما فرب البيت ليس موجود وبلتالى لايوجد فلوس ياحسرتي "
بدت السيدة ثرثارة للغاية تلقي كلام بنفس الدائرة ولا تعطي مجالا لكي يرد امين عليها، فاقترب من عتبة المنزل قائلا ينهي الحوار بنبرة متمرسة " اشتقت اليك ياخالة ...."
وهم بإعطائها عناقا كاذبا تحت مسمي اشتياق عائلي ..ولكن السيدة منعته من الاقتراب بتأفف برجوعها خطوة الى الوراء ورفع يدها امامها تصده حتي لا يقترب وبرجوعها فتح باب المنزل على مصراعيه ليظهر عجوزا تجلس على كُرسي متحرك بشعر ابيض اشعس قصير يبدو كقرص الشمس، بعض الشبه الكبير بملامحها المصرية الاصيلة تتشابه مع امه فرمقها بغرابة متمعننا في دقة عينيها البارزة و التي تشبه العائلة الى حد كبير وايضا سحنتهم الغليظة والتي لا يوجد بها اى عاطفة ، وبتلقائية قال أمين ببعض الرهبة من تلك العجوز " لقد اتينا من العزبة ومعي أمانة للخالة لميس "كان يوجه الكلام للجميع ولكن عيناه لا تفارق عين العجوز المتسلطة عليه ويده تشير الى السيدة ذا العقد الثمين .
" اخبرتى أنهما بنتان ؟"
هتفت بها العجوز فجأة بملامح عابسة بعض الشيء وعيناها تدور على منة وامين ،ساد الصمت لدقيقة كاملة رغم الشحنات المغمورة باعينهم اتجاه بعض وخاصةً منة التي شعرت بالخوف جدا من العجوز ، ليعلو صوت العجوز مردفا بتساؤل وبعض العاطفة الخشنة تلون كسرة عيناها " هل خافت مني من ان أقوم بحسدها لأنها أتت بالولد الذي حرمت منه ..،توقعتها من الجميع الا منك يانجلاء !" قالت جملتها الأخيرة وهى تبتسم بسخرية مريرة وتشيح بأنظارها بعيدا الى السماء وكأنها تتذكر الماضي تحت نظرات امين التائهة والمتسائلة . هنا ظهرت فتاة مراهقة بملامح اسيوية كانت تراقبهم من الركن البعيد فسرقت الكلمات من فيه أمين بسحرها الذي اعماه عن الجميع ، قائلة بصدمة " هل تعرفيهما يا لميس"
هنا انتبه أمين الى اسم لميس، وكما كان يتوقع انها السيدة الأربعينية خالته فناظرها بتركيز ،ردت العجوز " رحبي ياحسناء بأولاد خالتك نجلاء "
تفاجأ امين ورمق الفتاة الاسيوية من رأسها الى اخمص قدميها ليشرد قليلا بملابسها الجريئة ثم وجهه انظاره الى العجوز قائلا بغرابة فقد فقد التركيز ولم يعد يعلم من امامه من وراءه " لكن كيف تكون ابنة خالتى فلبنية ومن انت " ؟
ناظرته الاسيوية بغضب وبضحكة ساخرة قالت " فلبنية ؟؟؟؟ تقصد صينية منذ الوهلة الأولى وانا أقول من هذا الاحمق ، دائما اكن على صواب في حكمي على الاخرين "
رد امين بسخرية " صينية تتكلم المصرية بطلاقة يالا العجب" صمت قليلا وناظرها بنظرة اشعرت بدنها من جراءتها فاردف وهو يضع يديه فى حنبه "هاااححح ماذا ان اخبرتك ياعزيزتي اني منذ الوهلة الاولي وانا اعتقد انك الخادمة "
صعقت الاسيوية وبادلته بنظرة غاضبة وكأنها تريد الفتك به،
اقتربت السيدة ذات الملامح الشرقية ترنوا الى أمين ومنة بغرابة حتى تحولت نظرتها الى فرحة لم يتوقعاها ابدا وما جعلهما يتفاجأن اكثر هو اقترابها من منة وعناقها !
جحظت عين منة وبقت متجمدة وهي داخل عناق السيدة ،شيء ما يسري بعروقها لم تعلم ما هو ولكن دقه قلبها فسرتها على انه الامان!!، ربما هى مخطأة لانها لم تذق طعم الأمان من قبل ولم تستشعره فى احضان والدتها حتى.
قالت السيدة الشرقية لمنة التي تراقبها باستغراب " لقد كانت خالتى نجلاء لطيفة جدا ..لكن لما لم تاتى معكما ؟ "
هتف امين بعد فهم "خالتك ؟"
ردت العجوز بسرعة وكأنها تريد ان تخفى شيء" حسناء لن نبقى كل اليوم بالخارج صحيح ؟؟ ادخليهما وضيفي عليهما جيدا ثم نتحدث براحتنا لقد اتيا من سفر طويل .."
ارتفع حاجبا امين من الصدمة فكان يتوقع ان حسناء هي الفتاة الاسيوية ابنه خالته مع رفض العقل الا انه توقع ان الشرقية هى خالته و تزوجت من اسيوي كما يحدث مع البعض ..ولكن ان تكون حسناء هي السيدة الاربعينية ابنة خالته ! ..مهلا مهلا ...نعم فتلك العجوز تبدو في أواخر الستين تقارب عمر والدتهما المتوفاة، ضرب امين بباطن يده على حبهته فى الوصول الى نتائج تفكيره ولكنه اخطأ رغم التفسير الواضح امامه ،ربما تعسر في الاستنتاج بسبب توتر عقله من الاحداث التي مر بها في الصباح .
(18)
يجلس امام لميس في غرفة واسعة اضائتها خافته بعض الشيء اثاثها قديم جدا، بعد ان طلب ان يتحدثا اليها بمفردها، ازدرد ريقه وهو يدرس قسماتها يحاول جاهدا ان يقرأ لغز نظراتها الغريبة له و التي لا تظهر اى نوايا بعد ، وبنظرات حادة قال " سأدخل في صلب الموضوع ، لا أعلم ايتها الخالة ان كنت شخص طيب ام شرير ولكن اجزم انك مثل امي "
الجواب الذي وصل الى لميس منافيا تماما لما قصد به امين فردت العجوز بعفوية وهى تشيح بيدها بالنفي " وهل ابدو حمقاء الى هذا الحد؟، لا ..لا لاتشبهني بتلك الخرقاء ناكرة الجميل "
لم يفهم امين ما ترمى اليه لكن منة الفاطنة تفهم جيدا فناظرتها ببعض القلق من بعيد تريد أن تتحدث ولكنها لا تملك الجراءة مثل أمين مثلا .
جارها امين بالقول " أتيت بهدية ثمينة ياخالة ستعجبك جدا "
خارج الغرفة تتسارع الام وابنتها على سماع الحوار الذي يدور بالداخل حتي انفتح فجأة وظهرا امامهم فشعرا ببعض الحرج فأشار امين بسبابته بالنفي امام حسناء وابنتها صوفي قائلا بهدوء للميس" أريد أن اريها اياك في السر "
ببتسامة ارتسمت بجانب فم العجوز دلت على التقليل من شأنه ، علم في تلك اللحظة انها ليست هينة فقد ذكرته تلك الابتسامة في لحظتها بخاله شريف فعقد حاجبيه بشغف محدثا نفسه داخل عقله وهو يجر الكرسي المتحرك الخاص بخالته الى غرفة أخرى" سوف اشتريك بالمال يا لميس"
" هه ماذا جبت لي من العزبة يا ولد حتى تريه لي في السر ، سمعت ان والدتكما وهبت الميراث قبل ان تموت الى شريف ، ولم تتذكرني ببعض النقود حتى ،وهى تعلم مرضي ..حاولت ان اكذب نفسي وأقول ان شريف اجبرها على ذلك ..ولكن تلك الملعونة كانت لديها سبب قوي تعصر به رقبته وتأخذ الميراث كاملا كما ستحصل على المال من محفظته بزيادة ولكنها جبانة .."
هنا علم ان صندوقا مدفوننا مليء بالأسرار داخلها ولكنه لن يستفسر فهى ليست هينة، سينتظر حتي يأتي الوقت الذي سيفتح الصندوق بالضغط على تلك الضغينة داخلها .
قال واثقا وهو يجث على ركبتيه خلف الكرسي حتى يصل الى أذناها الكبيرة هامسا بخبث " لدي ما يشفي جرح الماضي يا لميس... "
رفعت لميس حاجبيها بتساؤل كم تشعر بالغرابة اتجاه هذا المراهق بالنفور وبالأعجاب في كل فترة تحدق به وكانه معادلة يصعب حلها .
أضاف امين هامسًا وهو يتلذذ بصمتها " خمسون ألف تكفى ؟"
جحظت عيناها والتفتت اليه قائلة بعد ثوان من الصمت " ماذا قلت؟"
قام امين بفتح الحقيبة وبيده بعض الرجفة ولكنه اطمئن حين رأى بعينها لمعة النقود التي لمست اوتارها تماما وبقت كالمسحورة ،هنا تأكد من نجاح خطته مائة بالمائة .
" كل ما اريده فقط ان تسمحي لنا بالبقاء معك لخمس سنوات حتى اصل الى سن الرشد طبعا دون علم أي احد من الأقارب وانت تعلمين من بالأخص "
كانت لميس تلمس النقود بذهول وتقوم بعدها بعدم تصديق ، فأضاف امين ، تلك مجرد دفعة ستحصلين على الضعف بعد انتهاء الخمس سنوات .."
هنا هتفت " من اين اتين بتلك النقود ياشيطان "
رد بجدية بالغة
" هناك شيء اخر ..لاتسألينى عن أي شيء ابدا "
كانت لميس تلزم الصمت وتعد النقود بسرعة ويدها ترتجف فسحب منها امين النقود ووضعها بالحقيبة مضيفا " هل اتفقنا ؟"
ازدردت ريقها بتوتر قائلة " اذا شريف لا يعلم مكانك .. هل انت متاكد انه لم يبعث احد ورائك ؟"
تلجلج في التحدث وابتلع ريقه قائلا
بحسم" لا ...؟ والان اريد جوابا ؟"
ساد الصمت ولا يعلم الحرب التي تشتعل في عقلها من التفكير والمساومة داخلها فهناك حرب بين الطمع والجوع والخوف تُرى من سينتصر داخلها ،الشيء الوحيد الذي تقتنع به انها ستحصل على هذا المال بأي شكل، خرج امين عن الصمت هامسا وهو يرفع حقيبته على ظهره بالمال " حسنا هناك الكثير سيرحب بوجودنا..مع السلامة يالميس اعتقدت انك ذكية ؟؟ وطلم اعلم ان دماء الغباء متوارثة بالعائلة؟
تلك الكلمات افاقت لميس من الشرود وهى ترى حقيبة الاماني تبتعد عنها فهتفت " موافقة ..تعال ..لا تدعوه يخرج " تهتف بكلماتها الأخيرة الى حسناء لكي تمنعهما من الخروج
يتبع ..

سارة منصور دوار الشمس 24-05-23 10:03 AM

رد: رواية جديدة " لم تكن أنثى "
 
غالبا من يعيش مع الذئب لابد وان يكون أسد فلم نسمع يوما عن غزالة راودت ذئبًا، فدائمًا ما تكون عشاءا لذيذ ،هكذا الانسان ان لم يكن بمخالب دعسه قانون الادغال البشري.
"الفصل الثامن "
خطي الى خارج البيت وهو يضع ذراعه على كتف منة وعلى وجهه بسمة ثقة وهو يستمع الى هتافهن بأن يعود الى الداخل، وبعد ان وقف امام عتبة الباب إلتفت إليهن فجاء تيار هواء فجأة مهللا بالسعادة والثقة الكبيرة مُطيرا شعره الثقيل مما تناثرت بعض الشعيرات على وجهة واصبح لديه غره تفتن من يراه، وبدقة الحسن المزينة لذقنه اظهرت سمرته المشعة بجاذبية ساحرة.
* * * * * * * * * * * * * * * * * (19)
اتفق امين مع لميس بالبقاء معهن خمس سنوات كالعائلة دون استفسار او أي تدخلات بأموره الخاصة ،مجرد صورة عائلية امام منة حتي لا يصيبها التوتر فيكفى ما تمر به ،كما اتفقا على ان امين مكلف بمنة وعليه ان يعيل نفسه فكما اخبرته لميس انهن بالأصل يحتجن الى المال ، وبالنسبة لطعام فابنة خالته حسناء هي من تنفق ولن يتحمل دخلها الشهري سواهن فقط. كان أمين لا يملك بجيبه سوى نقود قليلة* بسبب تهوره بالبداية فكما يظهر ان لميس كلبة مال ان أعطاها فى البداية عشرين ألف كانت لتوافق ايضا، ضرب بباطن يده على جبهته بضيق وهو يقف بالخارج يفكر بما سيحدث معه، هو لا يخاف من اي شيء بتاتا يحدث له او ما ستمر به الظروف هو فقط يخشى على شقيقته ولحالتها النفسية.
مضت ليلة دون ان ينام وبقي يراقب منة التي تغرق بثبات نوم عجيب أشعره بالغرابة. كانت الليلة طويلة جدا عليه ،ثقيلة على قلبة محملة بهموم السنين....
وفي الصباح الباكر* اشرقت الشمس على وجهه بحرارتها التي استفزته فقام فورا يغلق النافذة حتي لا تستيقظ منة ،وحين اقبل على اغلاقها لمح بناية طويلة بعيدا يظهر عدة ادوار منها بسبب البيوت المقابلة لهم ومن فوقها بيت لطائر السلام ، ودون سابق انظار اصطدمت حمامة بالنافذة امامه فصُدم بغتة من ظهورها الصادم ورجع عدة خطوات للوراء ،سقطت الحمامة داخل شرفة المنزل* بالأسفل وبقت اثار دماء على النافذة، نزل مسرعا الى الشرفة فى الطابق الارضي ونظر الي الحمام طويلا ، فقام بإمساكها والقاها فى الشارع حتي تلتقطها بعض القطط* ،ثم رفع بصره الى البناية ودوران الحمام الكثير حولها بالاعلي شعر بالحماس واراد ان يشاهد عن قريب فانتفض مسرعا الى سقف البيت مضيقا عيناه* ،لمح عده شباب احدهما يمسك بندقية، هنا شعر ببعض التوتر بعد ان اتضحت الرؤية امامه بهروب الحمام فور سماع صوت البندقية، قال أمين بحقد بعد ان تذكر خاله شريف وما كان يفعله من اصطياد الطيور المسالمة** " من الاحمق الذي يصطاد الحمام وفى الصباح ايضا، لعنة الله على الاغنياء ومزاجهم "
كان قد عزم على البحث عن عمل في الصباح الباكر فجيبة فارغ ولن يتحمل نفقة منة ، ارتدي ملابسه بخفة وخرج من المنزل تحت نظرات لميس التي راقبت ظلال تحركاته من باب غرفته الزجاجي ليلا وكم كان سهلا مع وهج النور بداخل الغرفة، لم تستطع ان تسأله الى اين يذهب فبينهما عقد الان* بألا تتجادل معه وتسأل عن اي شيء يخصه، ولان كل منهما يعلم انه ليس اهتماما وخوف بل حذر .
ولأن امين بطبعه يحاول ان يغوص فى مواكبة الاحوال المتغيرة من حوله، تمشي دون ان يسأل اي شخص عابر امامه عن السوق، هو لا يملك الخبرة حتي يعمل بوظيفة مرموقة كما يتمني وبسبب صغر سِنه لن توافق اي شركة على العمل لديها وان كان عامل نظافة حتى، فالشيء الموضوع امامه الان هو سوق عمل الصنايعية.
وبما أنه يعرف عنوان البيت كانت الرغبة تلحه على المضي قدما دون ان يعرف اسم الشارع الذي يمر به* ، وبقي سارحًا بين البيوت والدكاكين يلقى نظرة حوله ونسي تماما امر الوقت الذي مر، فلم يرى فى حياته ناس بتلك الاعداد الكبيرة وبتلك الملابس العصرية ،لم يشعر بالخوف ابدا بل بالراحة الكبيرة وحس المغامرة ، سرق اليوم ساعاته المهمة ومضي الى منتصف الليل وهو يبحث ويدور حتى..**
لمح من بعيد دكانا ضيقًا يقبل الناس عليه يشترون بعض البضائع فاقترب حتي يري اصله وفصله، ومع اقتراب خطواته عرف انه دكان بقالة، وبحبه الشديد لرقائق الذرة وبعض الحلوى احب ان يعمل به وخاصةً ديكوره فهو على طراز الدقة القديمة.* دخل الى الدكان وانتظر بعض المشترين حتى ينتهوا وبقي ينتظر وينتظر ولا يتوقف قدوم الزبائن فبرغم ضيق الدكان وطرازه القديم لكن يبدو انه مشهور بين الناس ،فطمع اكثر به.
اراد ان يري البائع فلمح وراء* البترينة رجل طويل غليظ الصوت رغم معاملته اللطيفة مع الزبائن* لم يشعر بالراحة مع حدة صوته فازدرد ريقة ووقف على اصابع اقدامه حتي* يطل قليلا ويري وجه ولكن لم يستطع* مع كثرة الزبائن وبسبب الإصرار الذي بداخله على* العمل بالدكان دفعه على البقاء والانتظار* . وبعد مرور ساعة ،كان امين قد جلس على عتبة الدكان وغلبه النعاس من التعب جالسا واضعا رأسه على راحة يده. شعر بهمهمات حوله فاستفاق قليلا ليجد صاحب الدكان واقفا امامه كان قد عرفه من ملابسه فانتفض واقفا رافعا بصره اليه بحماس قائلا " اريد ال..."
صدم* امين حينما تبادل النظرات مع الشاب فتوقف عن الكلام ومالت نظرات عينه من الصدمة الى العبوس وهو يري تلك السحنة التي يبغضها ،* كانت الكلمات تتدافع للوصول الى لسانه ليخرجها مفصحا عن صدمته* ولكن ابتلعها واختار ان يبتعد عنه دون كلمة فقط يرمقه بنظرات الغضب التى قابلها الشاب بلهجة غليظة " اهلا اهلا بصاحب وجه السعد ، اين شقيقتك.. "
توقف امين عن الخطي قدما ثم زفر بغضب واكمل المشي فى طريق العودة ليردف الشاب " ااه هل اتيت تبحث عن عمل رأيتك تنتظر كثيرا... ان كنت تريد العمل فتعال فى الصباح"
رد امين بغضب بعد ان التفت. اليه ورمقه بنظرات الكره والحنق" لا.. انت اخر شخص اعمل عنده "
" سانتظرك فى الصباح لدي الشرف ان تعمل عندي فمن وقت ما قابلتك* وشقيقتك ووجهكما* حلو عليا "
لم يرد عليه امين واكمل المشي وهو يفكر بكلمته ببعض القلق " وجهكما حلو عليا "
* * * * * * * * * * * * * * * * * (20)
*فى منزل شريف بالعزبة *
يبحث بسيارته بين الطرقات باحثًا عن التوأم بأصابع مرتعشة وذهن مشتعل بما قَصهُ عليك الغفير وما فعلته امنية بشقيقتها حتي تهرب فهل قتلتها حقا وتركت جثتها بين الارضي* ؟ هل حقا اختفت منة ولن تكون فى احضانه ؟
هل سيموت امله بحبه الجنوني لابنة شقيقته المراهقة ؟ كيف سيعيش من دونها وهي حبه وشغفه.. فمنذ ان جاءت للعزبة ورأها سقط فى دروب عشقه وشعر بالحياة مجددا، نعم يعرف انه من محارمها وان ما يفعله لهو جنون ولكن ماذا عن طفولته ألم تكن جنونية بتربية ابيه القاسية؟ ، احتاج ايضا ان يجد احضان بريئة لا تعرف عن حطام الدنيا اي شيء فقط يربيها على يديه وتظل كالخاتم في اصبعيه دون حول ولا قوة، وهي! هي الوحيدة التى فهمته وعاملته بكل لطف بنظرات حنونة لم يراها حتي فى أعين امه التى اورثته جنون عقلها بطمعها وغلظة قلبها.
يعلم انه اغتصب طفولتها وهتك عرضها بجسدها الذي لم يكن يمتلك اي معالم للانوثة لتغريه! ، نعم اخطأ ولكن حبه لم يستطع ان ينتظر، فكفر بالإنسانية ودعس طفولتها بأقدامه دون رحمة ولم يعبئ لحرمة انهاك جسد طفلة وليست اي طفلة بل ابنة شقيقته! و التى اعتبرته والدها....* ليته يقول لها ان حبها البريء له دغدغ قلبه وتحول الحب الى حب شهواني تمكن منه غصبا ،ليتا تعلم انه يفعل تلك الامور معها حبا وليس جشعا، كل تلك الامور داخل عقلة المريض اللا واعي بما هو اقدم عليه وفعله. ربما كان ليعلم ان كان هو من دفع الثمن.. ثمن سرقة براءة طفلة اصبحت تعاني من الصرع.
لن يترك مكان فى ارض الرحمن حتي يجدها سيبحث عن الابرة ولو سقطت فى بحيرة قش فهى حبه الاول والاخير
. بداخله ان تلك المتعجرفة* امنية* لن تقتلها ابدا فبداخلهما دماء مشتركة وقلب واحد .
وبعد تأكده طوال تلك الفترة انهما غادرا العزبة فلم يجد اي شيء ورائهما* وضع ملصقات بصور منة منتشرة فى العزب المجاورة ومبلغ نقدي لمن يجدها ، وبعد فترة جاء ذلك اليوم الذي سقط فوق رسه كاللعنة حين اراد فلاح من العزبة القريبة منهم ان يقابله بأمر ضروري يخص التوأم .. فوافق على قبول دعوة مقابلته مسرعًا فأوصله الغفير الى مكتبه في تلك الليلة المشؤمة.
"السلام عليكم يا حناب العمدة مبروووك اتيت اليك بسمن بلدي من صنع زوجتي.."
كان شريف على وشك ان يلتهم اظافره ويقفز من كرسيه من شده الخوف والتوتر البالغ فقد وصل اليه ان ذلك الرجل رأي التوأم فاندفع يقول مقاطعًا للفلاح* " ادخل فى صلب الموضوع واخبرني اين رأيت التوأم ؟"
تنحنح الفلاح ورفع أطراف اصابعه يهرش مقدمه راسه تحت عِمته قائلا بخبث وهو يرفع بصره لسقف المكتب" لو جولت ليك الحقيقة هل ستسلم لي المال؟"
أمال شريف رأسه بإيجاب مقتربا من الفلاح فأصابه التوتر بعد ان رد عليه " حتي لو."* قال شريف بصياح" اخبرني اين هما " فارتعش الفلاح وخشى من ان يفصح عما رأه فى ذلك اليوم* فنفسيه شريف لن تتقبل الامر بمظهره ذلك فربما ينصدم ويدفع هو الثمن وان لم يكن له اي دخل. كانت دقات قلب شريف تتصارع على الحياة للوصول الى أي معلومة فأمسك الفلاح من لياقة جلبابه وأقبل يهزه بعنف قائلا بغلظة* وهو يخرج مسدسه من جيبه " تكلم والا افرغ الرصاص فى رأسك الان" ارتعد الفلاح وقال مسرعا " رأيتهما داخل القطار الذي احترق يوم الحادثة" جحظت عين شريف بهلع بداخله نار تخرج من عيناه وقلبه يقنعه بألا يصدق الاحداث التى وصلت اليه متلاحقة مما يقصد الفلاح فاستنتج ما كان يخاف منه. حاول الفلاح ان يهرب من ايدي شريف ولكنه فشل* فتمسك به شريف اكثر وهو يقول معنفا " ماذا تقول..؟ هل تخبرني انهما ماتا "
رد الفلاح والخوف ينهش اضلعه من اقتراب المسدس من جسده بفضل يد شريف المتمسكة بجلبابه...* فجأة مر بخاطره* سؤال" لما يذهب التؤام الى الاسكندرية بالأصل، هل علما الامر؟" نسي امر الفلاح تماما* وبقي شاردا فهرب الفلاح منه كالمجنون الذي استعاد انفاسه مجددا بعد خنقه.
كان نجاح شريف بالانتخابات لهو امر غريب بسبب قوه خصمه وتهديده له ببعض الاوراق التي لا يعلم كيف حصل عليها منه* الا انه لم يكن مغفلا حتي يكون رهينة لبعض الورق بعد حلمه الطويل بالعمدية فكان اسرع منه و حصل ايضا على بعض الفضائح والاوراق الخاصة بخصمه بسبب دس بعض الجواسيس داخل بيوتهم فكانت القوة له.. الا انه نسي فوزه فى ذلك اليوم* حين عاد الى السرايا ولم يجد "منة" عشيقته فقد كان يحضر لليلة حمراء معها حتي يشعر بفوزه اكثر* ، فصعق من اختفائها وبقى كالمخبول* الذي يحطم كل شيء يقابله في طريقه حتي شعر اخوته بالغرابة من* ثورة غضبه الغير مفهومة فمن مصلحتهم جميعا هروبهما حتي لا يطلبا منهم ارثهما والغريب اكثر خطته بتأجيل كافة الامور الخاصة بالعمدية حتي يجد التوأم.
* * * * * * * * * * * * * * * * (21)
تقف فى المطبخ بملابس رثة تطبخ لأول مرة في حياتها بذلك الاتقان والتركيز فقد حصلت على ذلك العمل بأعجوبة كبيرة ولن تفشل تلك المرة حتي تأمن على حياتها وحياة والدتها التعيسة . رغم الشائعات الكبيرة التي سمعتها عن افراد الاسرة التى تعمل لديهم وهروب الخدم من بيوتهم الا انها لن تهرب ابدا. قامت بنقع الارز قبل تسويته ونجحت بصنع المسبك بعد ان بحثت بالأنترنت عن كيفية صنع الفتة باللحم نعم ستقوم بصنعها بنجاح دون ان تقوم بحرق شيء كما فعلت مع بعض العائلات مما تسبب بطردها ، انها تحاول وتحاول* فكيف لها ان تكون طاهية ماهرة وهي بسن المراهقة ،انكرت حين جاء ذلك بخاطرها فالسن لا يحكمه مهارة معينه فمن تعلم بجد نجح ،لم يكن سنها عائق لعملها كخادمة بل تربيتها بالتدلل وحصولها على كل شيء تريده فى الماضي جعلها مغرورة متعالية ولان استمرار الحال محال جاء اليوم لتسقط فيه الاميرة من القصر الى خيمة مؤجرة* لتكون خادمة فى احدي البيوت حتي تعيل والدتها المريضة.
شردت متناسية الارز على النار الى بحيرة الذكريات الأليمة فى اخر مرة تكلمت فيها والدتها معها على فراش المشفى قبل ان تفقد النطق "ابنتي الغالية لقد قمت بتربيتك على الغالي انا اسفة لما حدث لي وجعلني فقدت كل ثروتي لمعالجة المرض وبقيت يا حياة القلب دون قرش واحد يعيلنا كنت اعتقد ان زوجي سيساعدنا ولكنه هرب، ارجوك اتركيني فى المشفى واذهبي الى الاسكندرية الى والدك ،* هو سيقوم بتربيتك على النحو الذي اعتدتي عليه وانسيني لأني ساموت حتما خلال ثلاثة اشهر ،ان كنت تحبيني اذهبي.. كل شيء ستجديه فى حقيبتي السوداء، ولا تخافى سيهتمون بي فى المشفي جيدا* حتي اموت لقد كنت اعمل بها طوال العشرين سنة* ،اذهبي ولا تعودي ان سمعتي عن امر وفاتي ارجوك لا تعودي ، انسي ان كانت لك ام لم تستطع ان تتحمل المسؤولية "
لم تسقط دمعة واحدة* منها على مرور تلك الذكري الحية بعد* ،فقد جفت عيناها من كثرة الدموع وبقت صحراء ولكن قلبها لم يتوقف للحظة عن البكاء والعويل.
بين ليلة وضحاها انقلب الحال كانت صدمة قوية لها* فوالدتها كانت بألف رجل تعمل ليل نهار بين المشفى وعيادتها الطبية لتكسب الكثير من الاموال، حياتها كانت العمل فقط* لم تتوقع ابدا* ان بطولها وعرضها وبريق عيناها الذي ينبض بالصحة والجاه كل ذلك فجأة يختفى* واول شيء قام به* زوج والدتها بفعله الهرب بالمجوهرات واثاث المنزل.. وهى تزوجته ليكون سندا لهما، كم سخرت من تلك الذكرى حتي اصبحت ندبة جعلتها تمقت جميع الرجال، وصرفت نظر عن البحث عن والدها فان كان يحبها لم يتركها من الاساس فى البداية او كان ليطلب رؤيتها لمرة واحدة ،اوجدت ان سبب كل ما حدث هو ابيها الذي لا تعرف عنه اي شيء سوي اسمه فقط المرتبطة به فى شهادة ميلادها* ان كانت ستبحث عنه فى يوم من الايام سيكون السبب ان تحصل على اجابة سؤال معلق بذهنها ولن تغفر لها اي اجابة عما هو مكنون داخلها من آلام .
كل شيء خان ثقتها ايضا المشفى التي كانت تعمل به والدتها اعتقدت كما قيل لها سيقوم بالرعاية ولكن تضخم الامر* وتطور المرض ولابد للمشفى ان تحصل على مبلغ كبير لعمل العملية والا سيتم تحويلها الى مشفي المدينة المجانية، فجأة اختفى كل اصدقاء والدتها الذين كانوا يخبرونها انهم سيساعدونها فحين عرفوا المبلغ المطلوب لاستئصال الورم من مخها لم تجد لهم اثر مهما بحثت عنهم ، الجميع يهرب منها، وما قتلها اكثر اخبار الطبيب ان نجاح العملية واحد بالمئة فقد تمكن المرض من جسدها والحل الان هو مسكن يسكن الالم الشديد حتي تموت بسلام.
ولان ثمن الحبوب لا تقدر عليه قررت ان تقوم بالبحث عن والدها بالإسكندرية غصبا* ولا يمكن ذلك ان لم يكن معها المال فبقت تبحث عن عمل..
عادت لوعيها فجأة حين فارت ماء الارز فانتفضت وقامت بفتح الغطاء قليلا وبعد ثوان لمحت شيء يدور بسرعة داخل الارز المطبوخ وهي تقلبه بقشعريرة جحظت عينها حين اتضحت الرؤية برؤية برص صغير يهرع مصارعا للحياة ولكن الناء القليل بالأرز المغلي تمكن منه فمات امامها، انفجرت تصيح بصراخ قوي وتتلفت وجسدها ينتفض بالتقزز والقشعريرة* وخلفها شاب بالعشرين من العمر طويل القامة نحيف الجسد بشعر غجري طويل يصيح ضاحكا عليها* فتوقفت بعد ثوان فمن ينقذها من ذلك الموقف اللعين* إلتفت الى مكان القمامة فرات الشاب يضحك بهستيرية* فلم تنتبه له بسبب صدمتها من البرص ... هنا فهمت كل شيء فأوقدت نار الغضب داخلها واشتعلت بغزارة علمت ان ذلك الشاب هو من ألقاه عليها وهى تطهو ولكن بسبب قصر قامتها سقط داخل الارز ،عضت على شفتها بغضب شديد ليتها تقوم بقتله وتعنيفه بالكلام ولكنها مجرد خادمة ضعيفة مراهقة لا يوجد لها احد تستقوى به ، اكثر شيء يقتلها الان انها ستقوم برمي الارز بعد ان قامت بغسلة احدي عشر مرة وبنقعه لمدة نصف ساعة والان تعيد كل شيء من البداية* ،استدارت وهى تعض شفتاها السفلية بتقزز ورهبة، تلك الاميرة فى الماضي كانت تُأقلم اظافرها بمستحضرات التجميل الغالية بماركات الاغنياء والان تمسك الارز مطهو بالبرص بأظافر متكسرة وبأصابع نحيلة جلدها متقشر بسبب الانيميا.
كان الشاب يتابعها بكل سخرية* قائلا بقهقه وهو يقف بجانبها و يشاهدها ترمي الارز بالقمامة " منظرك وانت تقفزين هلعا وتصرخين قتلني ضحك"
كانت النيران تقفز من عيناها، آآه لو يراها فى الماضي وهي تسخر من زملائها فى المدرسة بسبب لون قميص غير متناسق مع البنطال فهل ذلك عقاب على افعالها السيئة فى الماضي.
"لم اقابل فى حياتي خادمة تدعى لولو من سماكي ذلك الاسم انه اسم راقصات حانة "
ليتها تقوم بصفعه بدل ان تجز على اسنانها، هنا علمت ان كتمان الصراخ والسب امام كائن مستفز اصعب مائة مرة من رؤية برص يطهو.
* * * * * * * * * * * * * * ** (ظ¢ظ¢)
رفع هاتف النوكيا على اذنيه وهو يستقل سيارته الفارهة قائلا بغموض" هل انتِ متأكدة؟ "
ليأتي صوت انثوي صادرا من الهاتف* بحذر* " لقد سمعتهما باذني ،انا متأكدة انه قال القطار الذي احترق* يا سيد عاصم"
ازدرد ريقة وقلبه يتواثب برعب وهو يرد قائلا " حسنا أغلقي الان وانتبهي من ان يكشفك احد، اي شيء جديد لا تتأخري عن اخباري به"
يتبع

سارة منصور دوار الشمس 25-05-23 03:45 PM

رد: رواية جديدة " لم تكن أنثى "
 
الفصل التاسع
رجع أمين الى منزل لميس بعد أن تذكر منة بقلق شديد فدخل لاهثا بعد منتصف الليل ليجد النور مغلقا بكامل المنزل الا الغرفة الصغيرة الخاصة بهما التي قدمتها لهم ابنة خالتهما حسناء ،كان قلبه يتواثب بجنون خِيفة من حدوث شيء ، ولكنه تفاجئ تمامًا حين وجد منة مستلقية باسترخاء على الفراش متدثرة بالغطاء وبجانبها الاسيوية صوفي وعلى الجانب الأخر تجلس لميس على كرسيها المتحرك وبجانبها ابنتها حسناء ، ازدرد ريقه بخوف من ان تخبرهن "منة" بأسرارهما، وما ان جاء ليتحدث خرجت همهمات لميس مع حسناء قد وصلت بعض الكلمات الى اذنه " لا تسأليه الأن "
كانت عيناهم تنظر الى الاخر بحذر الا منة التي باد عليها الاسترخاء بشكل غريب .هنا قفزت صوفي من على الفراش تخرج من الغرفة وتبادل نظرات احتقار لأمين الذى راقب قوامها الممشوق الظاهر من خلال بجامتها الضيقة ،هاتفه حين خرجت "غبي" ، تابعتها حسناء وهى تدفع كرسي لميس التى تراقب امين الأخري بنظرات لم تعجبه وما ابغضه اكثر كلمتها " لا تتاخر هكذا مرة أخري " ثم أغلقت حسناء باب الغرفة وراءها ، فاشتعل الغضب داخله من تدخلها بخصوصياته، هو يريد أن يمنع هذا الاهتمام الكذاب منذ البداية يريد ان يكون واضحا ، وما ان جاء ليفصح عن غضبه لهن منعته "منة " بعد أن اندفعت نحوه بحماس قائلة " لن تصدق ماذا اخبرنني الخالة لميس ..يا اللهي انها ممتعة جدا "
في تلك اللحظة تغيرت ملامح أمين مع دقات قلبه الخائفة وهو يمسكها من كتفيها بقوة ألمتها دون وعي منه متسائلا " هل اخبرتهن بأي شيء يخصنا " تآوهت بوجع فابتعد ، يعلم انها ستصدق أي كلمة او معاملة حسنة وكل ذلك بسبب الانغلاق عليهما وتربيتهما الغافلة عن وحوش العالم الخارجي ولكن بسبب محنة امين ومعاملة أمه السيئة له علمته التفريق بين البشر والافاعي .
ربت على ظهرها واخذها الى الفراش قائلا بعد التمعن فى عيناها الناعسة بخوف عليها " اسمعيني جيدا أنت فى البيت غزالة بنظر لميس وبنتها ،احذري من تلك الفلبنية ايضا انها خبيثة .."
ردت مدافعة ببلاهة " بالعكس ان لميس ممتعة، كما ان صوفي صينية"
أغمض امين عينيه بحسرة على شقيقته البريئة قائلا وهو يرفع يده امامها بالنفي قائلا بحسم " لا تتحدثي معهن ابدا فى اي شيء يخصنا مطلقا،... منة ارجوك .."
بادلته بتردد ولم يفهم لما تغيرت فجأة حين اتيا الاسكندرية بتلك السرعة فهل ظهرت شخصيتها حين ابتعدت عن مغتصبها وهاتك طفولتها .
ردت عليه بلطف ومالت رأسها بإيجاب حين وجدت صراع عقله بالتفكير وتشتته فى الأوان الاخيرة " لننم الان ولنتحدث غدا "
:" لا لا لن اغير رأي ابدا "
" فى الواقع يا امين اري ان لميس طيبة "
عض على شفتاه كاتما غيظه بصعوبة قائلا بغضب مكتوم " تلك المجرمة وافقت على بقائنا هنا امام حزمة نقود "
ردت بسرعة " ربما كانت تحتاج المال ؟؟"
هز رأسه بعصبية قائلا وقد تمكن الغضب منه بسبب اصرارها على موقفها الغير منطقى " لما تعصبيني ..قولى طيب وريحيني "
زفرت بهدوء قائلة " حسنا ..حسنا اهدأي "
جحدها بنظرة صادمة بعد تحدثه معه بصيغة انثى فتلبكت شفتها وتوترت وهى تعدل كلمتها الى " اهدأ"
عض شفتاه بعد ان اسبل اهدابه بتوتر فلم يتعود منها على ذلك ولم يرد ان يظهر غضبه او ضعفه بتلك الكلمة ، فلم يرى تلك القوة بعيناها من قبل ، فى ليلة وضحاها انقلب الوضع ..
" اصدقك يا أمين ..ولكنى اريد أن تغير نظرتك بهن ، فقد شعرت بالألفة معهن .."
رد مقاطعا " ماذا ؟ ألفة ؟ هل جننتي ؟؟"
زفر بقوة مردفا بحزم " منة ارجوك لا تتعبيني ..ركزي فقط على دراستك واتركي لي كل شيء ..وكما اتفقنا .؟"
أمالت منة رأسها بإيجاب متسائلة " ولكن كيف سأذهب الى المدرسة وانت لا تملك المال .."
رد ساخرا بعد ان لمعت بعقله فكرة " ما رأيك ان تطلبي من لميس ان تتكفل ربما تساعدك ،فقد شعرتي بالألفة، أليس كذلك"
لكزته بكتفه " هل تهزأ مني الان ؟"
أغلق امين نور الغرفة قائلا " نامي نامي ..الصباح رباح "
بعد مرور ساعات
حاول امين ان ينام ولكن عيناه أبت فعقله يفكر بأمر الشاب بدكان البقالة بكلمته له " وجهكما حلو عليا "
متسائلا بسبب معاملته الحسنة معهما ولم يرحب بوجوده معه؟.
(23)
مر يومين بالطول والعرض على امين وكأنهما سنة دون عمل ، جيبه لا يوجد به اموال وموسم الدراسة على وشك أن يبدأ. صادفه الكثير من العمل ولكن يري انه سيفشل به ولن يكمل ، وبعد تفكير طويل بصاحب دكان البقالة تولدت لديه بعض الألفة اتجاه بسبب موقفه معهما فى البداية فلم يجد منه سوى الخير واما عن المشاعر السلبية التى كانت لديه ترجمها على انها كانت خوف وتوتر من اكتشاف خاله شريف بهروبهما ذلك اليوم .
قرر فى الصباح ان يعاود الذهاب اليه ويبدأ العمل مع بداية جديدة معه معتقدا ان يبقي مع من يعرفه خيرا ممن يجهله فهو لا يضمن الظروف بعد.
خطى الى خارج شرفة المنزل يبحث عن شقيقته منة يعلم انها تجلس بمكانها المفضل بجانب المنزل داخل كافيتريا الزهور والتى تعمل بها حسناء وصوفي ، من ناحية يقلق بعض الشيء بقربها منهما ولكن تغيرها فى وقت قصير جدا لا يعجبه ابدا انها تعتبرهن عائلتها وتأخذ راحتها بقربها منهن حتي انها تذهب فى الصباح معهما الى عملهما بعد ان طلبت منها صوفي الذهاب . لمحها تجلس على كرسي بمفردها تحيطها نسمات البحر مطيرة شعرها الغجري مما اصبح منظره غير لطيف مقارنةً بشعره المتمرد والتى فشلت نسمات البحر ان تجعله منحرفا عن وضعه فكلما تسحبه الرياح الى جانب يعود مرة اخري الى وضعه منسدلا .كانت الكافتيريا دورين الدور الارضي مغلق باستايل حديث والدور العلوي يطل على البحر بمنظر عتيق وكان هذا تميزه ، لم يحدق امين بالبحر وبقى ينظر الى منة التى تغيرت ملامحها تماما فكان البؤس والتوتر مصاحبا عينيها كما خوفها الشديد من مقابلة الغرباء اصبح منعدما ، هاهى الأن بملامح مشرقة ومليئة بالأمل لم يعهدها فيها ابدا ، تنحنح حتى ينبهها انه يجلس بقربها ولكنها لم تلاحظ ، فنظر الى مكان شرودها فرأى البحر ثائرا بأمواجه بنشاط بهيجا وكأنه يخفى حكايات عنه مليئة بالسحر ، وجدها مستكينة بوضعها فهتف " يقولون ان البحر يخطف الحزن من العيون ، اعتقد اننى اصدق الان بعد تغيرك الواضح "
لم تنتبه له منة بعد، فأعاد النظر الى ما تنظر اليه مجددا ليجد بعض الشباب فى الطاولة المقابلة لهما يظهر انهم من الطبقة الغنية يحدقون بهما ببعض السخرية ، فازدرد ريقه ولكز منة بيدها قائلا بغيرة " هل تنظرين الى الشباب هناك " ؟
هنا انتبهت منة بوجود أمين جالسا امامها فاتسعت عيناها بحماس قائلة " أميين ، أنت هنا من امتى ؟"
" ساعة يا فتاة وانا اتحدث وانت ولا هنا "
صمت قليلا متصفحا اياها ثم اردف " أعوذ بالله كم أنت بشعة "؟
عبست منة قليلا وقالت بتساؤل " ماذا تقول يا أمين "
" شعرك يا ابلة منكوش ، اعتقدت ان الشباب هناك يعاكسونك ولكن بعد ان انتبهت لشعرك تأكدت انهم يسخرون، والله معهم حق " انتفض واقفا بتأفف وأخرج من جيبه منديلا قماشيا كان قد سرقه من شريف ،امسك شعر منة وربطه به بلطف ولم يعلم ما فعله من مصيبة حتي اخذت شقيقته تنهج فجأة وتسقط من على الكرسي مغشيا عليها .
تجمع الشباب الموجدين بالكافتيريا يرون منة بنوبة الصرع وكأن الكهرباء تصعقها بتمايل جسدها بسرعة منتفضا على الارض ، كان امين قد جثا على ركبتيه مقتربا منها محاولا تهدئتها ومدارية وجهها حتى لا يراها احد، دافننا رأسها داخل صدره ، فجأة خرج شاب من العدم قائلا باهتمام مبالغ به" ابتعد أنا طبيب " رغم صغر عمره من ان يكون طبيب شك امين انه طالب طب وبما انه يعلم انها مجرد حالة تأتى اليها وبعد قليل ستهدأ لم يحب ان يلمس شقيقته شابا ، فهتف به بصوت مرتجف من اجتماع الشباب حولهما " لا ابتعد أنها بخير .." بدى امين شابا مراهقا لم تكتمل عنده علمات البلوغ بنظر الشباب كخشونه الصوت والجسد القوي .
فاقترب منه شابا اخر يقول له مهدئا " لا تقلق انه الطالب المتفوق فى دفعتنا "
وجد الشاب الطبيب ان أمين يخنق شقيقته بضمها داخل صدره وهى تصارع النفس اصلا ، فأشار الى صديقه الشاب الاخر بأن يبعده ، وبحركة سريعة قبض الشاب على يد أمين وابعده عنه تحت صراخه ، فاقتربت منه حسناء بسرعة هى وصوفي بعد ان سمعا صوته فطلبت منه ان يهدأ فقال بصياح " انها بخير ..ابتعد عنها "
حمل الطبيب منة واجلسها على كرسي وضغط على اماكن بجسدها معينة وكأنه دارس الحالة مما جعلها تهدأ فورا ، وتغوص بنوم عميق، هنا نجح امين بالإفلات من الشاب وهجم على الطبيب بضربه على وجهه بقبضته بعنف ، فتجهم وجه الطبيب، فأسرعت حسناء تبعده عنه قائلة بأسف " اعذرنا ياعمر متأسفان جدا "
نظر عمر الى امين بغضب عارم فقد اراد ان ينقذ الفتاة حتى يحصل على انتباه احدي الفتيات وليس حسنة منه والان يتم اهانته امام الفتاة المعجب بها ، فرجع الى مقعده يطحن دروسه بغضب فلا يستطيع ان يضرب مراهق يصغره عدة سنوات فإن كان قد تحطمت اماله بالفوز بالفتاة المعجب بها الا انه سيظهر بدور الضحية ، فقال صديقه ساخرا بقهقه" لا تقلق يا عمر ستوافق على مواعدتك ، ماذا يعني ان ضربك مراهق امامها " .
ذهبت حسناء مرة اخري الى عمر تعتذر منه بعد أن هددها المدير،فلم يقبل اعتذارها قائلا بغضب مكتوم " سأجعلكى تدفعين الثمن ان لم يعتذر مني الان أمام الناس واسمي دكتور عمر "
عضت حسناء على شفتاها بتقزز من تكبر الشباب وذهبت الى امين الذي يهم خارجًا ومنة تستند على كتفه بتعب، وبتوسل قالت له حسناء " أرجوك امين اعتذر منه يملك صلة قرابه مع المدير سيقوم بطردي انا وصوفي .."
ملأه الغيظ فصاح بها قائلا.
" مستحيل ..لقد أهاننى اكثر هو وصديقه الم تشاهدي كيف كان يمسكني متفاخرًا بقوته ."
قالت باستسلام
" ارجوك يامنة اقنعيه "
ناظرها امين فعلمت منة ان بعناده لن يعتذر ابدا، ومر الوقت امام اقناعه بسرعة و بسبب تعب منة ومحايلتها له وانها لن تستلم وبشخصيتها الزنانة لن تتركه وافق مستسلما. وما ان صعد لدور العلوي للكافيتريا لمح فتاة تنزل مقابلة له، يكاد يجزم انه لم يري بجمالها إنسية ابدا بقى متوقفا يحدق بها بإعجاب شديد حتي توقفت عن المرور وبقت قبالته لأنه ببساطة يعطل الدرج .
" يا اللهى انت حورية ؟ هل اتيت من السماء ؟"
قالها امين بعفوية ولم ينتبه الى صديقاتها الواقفات ورائها وعمر الذي تابع الامر من اعلى السلم حتي شاط غيظا حين رأي تبادل النظرات بضحكات فتاته مع امين .
ردت احدي الصديقات على امين " لا من الارض ياعسل ، افسح لنا الطريق الان لدينا محاضرة "
انتبه امين الى تزاحم الدرج فنزل الى الدور الارضي حتى تنزل الحورية تحت نظرات منة ببعض الغيرة والسخرية .
اقترب عمر وصديقه من امين قائلا امامه بعد ان نزل الدرج " ان لم تكن طفل لكنت قتلتك " ثم ابتعد وتوقف صديقه امام امين بسخرية والذي لم يفق من سحر الحورية بعد " انت مجنون ياولد تعاكس فتاته أمامه "
ثم وجه انظاره الى منة مردفا " هل أنت بخير الان يا عزيزتى "؟
كانت منة تراقبه بخوف شديد وتمسك بيد امين بقوة حتي لا يتحمس ويفعل شيء يندمان عليه،
هنا فاق امين وناظر الشاب بوقاحة قائلا " عزيزتى ..؟؟ عزيزة دي تبقي امك ؟"
كان صديق عمر يحدق بأمين بسخرية على انه طفل فأمسكه من احدي خديه بسخرية وضغط عليه يقرص بهونة فرأي انه طريا بعض الشيء فقال يمط شفتاه" لم ارى مراهق يجادل من هو اكبر منه بتلك الوقاحة، انشف الاول وتعال اتكلم " ثم خبطه على صدره بخفه مردفا " يخليك لأمك " ولكن شعر بملمس غريب تحت قميصه فأعاد ضربه بخفه اخري متسائلا بغرابة عما شعر به ولكن امين دفعه من صدره بقوة تحت صدمته الكبيره وشعوره بالضعف امام هذا العملاق والذي وصل اليه انه ربما يكون فتاة متخفيه بلبس رجل فحدق بذقنه وشاربه عن قرب فلم يجد خيال لشعره واحدة فازدرد الشاب ريقه بعجب وناظره بغرابة ثم ابتعد عنه ...رافعا احدي حاجبيه هامسا " شباب تلك المدينة غريب حقا "
كل ذلك تحت نظرات هلع منة التى كاد قلبها يتوقف عن النبض.
"""""
وما ان وصل الشاب بجانب عمر الوالع بالغيرة ودخلا الى المحاضرة قال بصوت منخفض له " ان رأيت ذلك المراهق مرة اخري لا تتحدث معه"
عض عمر شفتاه بغضب ورد عليه بنبرة منخفضة.
"ساربيه ان صادفته مرة اخرى"
"اتعلم ربما يكون هذا المراهق فتاة "
بادله عمر بغرابة قائلا " ماذا تقول يا سامي " ؟
" الا تري ..أنهما توأم "
لم يعلق عليه عمر بعد ان رأي نظرات الدكتور لهما ولكن سامي لم يتوقف ولم ينتبه الى الدكتور مضيفًا " ربما تتهمنا تلك الفتاة بأي شيء وانت ابيك قاضي ،لابد وان نأخذ بالاحتياط فالعم عاصم لن يتهاون معنا، انسيت كم مرة يتطلب منا ان نكون نماذج مشرفة"؟
هنا علا صوت الدكتور مشيرا لهما بتوعد" الشباب بالخلف تعالا "
عض عمر على شفتاه متوعدا لسامي الذي وضعهما بموقف لا يحسد عليه وقال وهو يقف ويذهبا الى الدكتور امام زملائهما "انت بالأخص لا تتكلم على النموذج المشرف وانت ساقط خمس سنين جامعة " فهمس سامى ساخرا كعادته" هل هو اليوم العالمي للإهانة "؟
(24)
يجلس عاصم مضجعا على الفراش يفكر بأمر التوأم وبالحوار الذي دار بينهما و بأمر لميس بالإسكندرية هل حقا ماتا بالحادث ام استقلا قطار اخر، اخرج الهاتف من جيبه وقام بالاتصال ،وانتظر الاجابة....
دقات قلبه تتواثب بجنون
حتي خرج صوت من الهاتف يقول
"اهلا ياعاصم..."
ابتلع ريقه قائلا برجفة
"هل أتي اليك زائر يا لميس هانم" ؟
يشعر بتوترها بأنفاسها المتسارعة بالهاتف فأعاد السؤال مرة اخري فردت مسرعة "لا.. لا ياعاصم "
ساد الصمت لثوان، فخرجت عن صمتها حتى لا يشعر بكذبها فهي ايضا تسقط بين صراع الكذب واخباره ، لا تعلم بما تقول ايضا وهل سيطلب الاموال التي اخذتها من امين
" من تقصد بالظبط "؟
" التوأم"؟
يتبع....

سارة منصور دوار الشمس 25-05-23 06:43 PM

رد: رواية جديدة " لم تكن أنثى "
 
الفصل العاشر
ابتلعت غصتها و أطرافها تنتفض من التوتر لا تعلم كيف تتصرف فردت بشكل مباشر " لا أعلم عما تتحدث يا عاصم ، اعتقدت انك تتصل مثل كل مرة تتأكد من حصولي على المعونة التي تبعثها لي "
تنحنح بشرود مفكرا بأمر التوأم فهل ماتا بالحادث حقا، تسرب الخوف داخل عروقه ولم يركز في الحوار الذي يدور بينه وبين لميس ليختم الاتصال " حسنا يالميس سأتصل بك مرة أخري ، ولكن ان أتى ضيف فعليك بإخباري فورا "
ثم أغلق الخط وبقى يفرك اصابعه وبعض العبرات تتجمع بخيبة داخل مقلتاه قائلا برجفة " اختفيتي فجأة يانجلاء قبل ان اعتذر منك ..هل موتى غاضبة منى ياغالية ..اردت فرصة ان اعوضك ببناتك ..الله يستر ولا يتحقق ما ببالي* "
* * * * * * * * * * * * * * * * (25)
بعد موقف الكافيتريا عاش امين ومنة في توتر مرة أخري فقد شعرا بالضعف امام سامي وجرائته ، وخاصة أمين الذي أحس ان سره سينكشف عاجلا ام أجلا .
كان جالسين على الأرض بجانب الفراش، الكل منهما حائر بأمره ولكن منة قلقة جدا بأمر أمين أكثر من خيباتهما لتقول له بشفاه مرتعشة بعد تفكير طويل من الافصاح عما يجول بخاطرها " أمين ، لما اعطيت المال بالكامل للميس ألم تفكر بكلام الطبيب الذي اخبرك ان لك عملية وسيتم تصحيح العيب الخلقي ، كان يمكن ان يساعدك هذا المال ويجعلك تهرب من حياتك القديمة "
تفاجأ أمين من تحدثها فى هذا الموضوع بهذا الوقت بالذات ، فهل يشغلها سره بعد ما فعله سامي معهما ، ايخبرها انه نسى أمره تماما وما يمر به من تغيرات بسبب قلقه المفرط عليها وتفكيره الدائم بتكريس* حياته على بناء مستقبل بحياة جديدة جميلة بعيد عن المخاطر لها ، رد باستهتار امام خوفها عليه " اردت فقط ان اضايق امك بافتعال المشاكل ومشاكستها لكنى حقا لم اتخيل ان اقوم بعملية يتم فيها استئصال بعض الأجزاء من جسدي ، ردت وكلماته بالماضي تهيم بعقلها ودموعه التي حطمتها الف مرة من اغتصابها تحت يد الرجل التي اعتقد بيوم ما انه ابيها* " هل انت مجنون؟ ،نعم انت مجنون كيف تقول ذلك؟ ، اسمع سأنسي ما قولته الان ، سنسرق ذلك المال من لميس ونذهب الى الطبيب* ونبدأ من جديد " مالت عصبيتها الى رجاء وهى تمسك يده بتوسل ان ينصت الى كلامها تحت تبلده العجيب .
خرجت من شفتاه كلمه يخشاها فى الاوان الاخيرة " وان مت ما الذي ستقومين بفعله ؟،هل تستطيعي ان تعيشي بدوني* ؟* "
وصلت كلمة مُت الى اذناها كالبرق والرعد الذي تخشاهم حد الموت لتعيد ذكري وفاة والدتهما امامها ، ليردف امين بحسرة " ان جاوبتِ بالطريقة الصحيحة ، أعدك أنى سأذهب لطبيب"
رفعت بصرها اليه بخوف شديد يعلم ما ستقول الان فقال مقاطعا " انها ليست عملية سهلة يا منة، وانا لا استطيع ان اتركك فى تلك الحياة بمفردك ، انت يامنة من سأعيش لأجله* هذا قراري ولن اغيره ابدا "
نجح بوضع القلق والخوف من خسارته داخلها ليجعلها تسقط فى جوف الخوف ،فأمين حياتها الان* قلبا واحدا كيف تعيش ان حصل له مكروه، مجرد التفكير بالأمر يجعل قلبها يصرخ هلعا ، من الصعب ان تجد من حولك يعاني وانت لا تعرف كيف تساعده ، هنا يزيد الالم اضعاف والخوف من المستقبل ،مشكلتهما ان كلا منهما يري نفسه مسؤولا عن الاخر وهما بالفعل لا حول منهما ولا قوة .
مال إليها وضم يدها قائلا " لا تخافي علي ابدا ..أنا سأحميك ..أنت حياتي حقا فان نجحتِ تأكدي اني نجحت وان فرحتي فانا فرحت* ، امسحي دموعك ..تريدني ان ابكي الان؟ .."
قال كلمته الأخيرة وهو يمسح دموعها بأطراف اصابعه بحنية لتمسك باطن يده وتقبله بحسرة هامسة " ارجوك حب نفسك اخي، انت ايضا تستحق ان تكون سعيد "
* * * * * * * * * * * * * * * * (25)
فى اليوم التالي توجه أمين الى دكان البقالة ولا يعتري بذهنه سوي كلمات منة له البارحة " ارجوك حب نفسك أخي ".
وما ان وصل توقف قليلا على بُعد أمتار يحدق بشاب القطار وهو يقوم برص البضائع من رقائق الذرة واكياس الشيبسي وبعض اوراق البسكوت ، لا يعرف بما يبدأ معه من حوار خاصةً ان أخر مرة تحدثا معا أخبره انه لن يعمل لديه أبدا ، زفر باستعداد ثم خطى ناحية الدكان وجد نفسه يقف بجانبه ويساعده برص البضائع مما ذهل الشاب وبقى يحدق به قائلا ببتسامة "جيد انك اتيت ، كنت سأقلق عليكما ان اختفيت ولم تأتى مرة أخرى ".
لم يعيره أمين أي اهتمام لكلماته رغم دهشته بما يخرج من هذا الشاب* فرد عليه مغيرا للموضوع " بما يناديك الجميع؟ "
" رأفت "
ثم اردف بعد الانتهاء من تنظيم المشتريات " والأن سأخبرك بالنظام هنا والاسعار ، يكون بعلمك ان الاسعار تتغير كل اسبوع يعني عاوز دماغ شغالة "
مال امين رأسه بإيجاب يحاول ان يكون مطيعا حتى يتسنى له العمل والحصول على المال ليعيل نفسه وشقيقته
" هل العمل باليومية ؟"
رفع رأفت يده على ذقنه مفكرا بجدية فصمته استمر لثوان حتى رد عليه " ماذا تريد أنت ..؟"
استغل امين الفرصة قائلا بحماس " باليومية طبعا "
" لك ماتريد ..والله يا أمين الشغل... .."
رد امين مقاطعا " مهلا كيف عرفت اسمعي "
رد بسخرية " على اساس لم نتقابل من قبل فى المشفى او القطار .."
ليرد عليه امين بعجرفة بعد ما شك به " هل بعثك خالى ورائنا "
" ااه خالك الذي هربتما منه! "
خفقان قلبه يتسارع بجنون فاقترب منه بغضب وبقصر قامته امسكه من تلابيب قميصه محاولا ان يكون شرسا ولكنه كان كالضبع امام اسد وبرغم انيابه الضعيفة لم يتأثر بهول الأسد الذي راوده بهدوء قائلا "* ..لقد سمعتكما انت ومنة تتحدثا بالقطار* ياحبيبي"
مالت عيناه الى وضعهما وازدرد ريقه من طريقة رأفت المحترمة والتى تجعله يخجل من نفسه امام مساعدته التي قابلها بطريقة غير محببة ولكنه بالنهاية مستفز* قال وهو يبتعد عنه موليا ظهره بنظرات حنق" أسف .."
" لا عليك .. انا ايضا هربت يوما ما "
التفت اليه امين بانتباه شديد به دهشة ليردف رأفت " نعم هربت من أبي ..بعد أن علمت انه قتل امي ليخونها مع اختها وذهبت للعيش مع خالي ..، رأيت؟ عكس حكايتك، الفرق ان الخالة هى من خانتنا "
ساد الصمت لدقيقة حتي تصل الكلمات بهولها الى عقل امين لكي يستوعب ما ينصت اليه من صدمات ،ليخرج عن صمته قائلا
" الهذا انت لطيف معي؟ ."
"* فى الواقع ،لا، تعجبني شقيقتك وهي من اشفق عليها والله مسكينة "
فارت الدماء برأسه ليقول بغضب " انت مجنون كيف تتحدث عن شقيقتي هكذا وأمامي "
ابتسم رأفت ساخرا ثم عاد الى ترتيب بعض البضائع امامه قائلا بمرح " انت هو المجنون يا امين تتسرع فى الحكم على الاشخاص ..يعني كيف سينظر شاب مثلي بالثلاثين من عمره لطفلة! ،فقط اعلم انك رجل فلن نشعر مثل البنات، البنات عاطفيات بجنون ."
جحظت عين امين من تصريحه بكلمة رجل عليه ،فاخذ الكلمة على صدره مرحبا بسعادة لتهدأ قسماته الفرحة بتلك الكلمة بعد ثوان"
علم امين ان رأفت شخصية مرحة بشكل استفزازي فحاول ان يجاريه ليعلم باقي قصته " وهل عثر عليك ابيك "؟
"هل خانكما ابيكما ورماكم مثلي؟"
بادله امين بنظرة عدم فهم فرد عليه متسائلا باهتمام شديد" هل رماك ام هربت؟ "
" ليس لك شان ، تعالى الان لأعرفك على الاسعار* لا تهاون او لعب، هنا عمل فقط* "
عبست ملامح أمين هامسا بين نفسه " انه غامض يجب ان احذر منه، ولكن كيف يقتل الزوج زوجته لأجل شقيقتها؟ "ليأتي الجواب داخل ذهنه حين تبادر اليه* داخل عقله "كما يتحرش الخال بابنة اخته* " فكتم غيظه قائلا بعد شعوره بالضعف " أمثال شريف كثيرة ،الله ينتقم منك يا شريف* "
* * * * * * * * * * * * * * ** (26)
مرت الأيام متشابه* على امين فكان اليوم يهرول بسرعة امامه، فعند الساعة السابعة يكون بالدكان يعمل حتى الخامسة مساءا دون توقف ثم يذهب للمنزل ليجد منة تجلس بالكافيتريا ولا تأتى الا عند انتهاء عمل حسناء وصوفي بالتاسعة مساءا وكأنها اصبحت عاشقة لنسيم البحر لا تستطيع ان تتخلى عن رؤيته ليوم فتنتظر كل يوم حتى يأتي الظهر لتذهب معهما فاصبح أمين يتناول الطعام بمفرده* ، كان هذا يشعره بالضيق أحيانا ويجعله ينتظر موسم الدراسة حتى تبتعد منة عن مخالطهما .
ينام بعد تناوله لطعام ويأخذ غفوة ويستيقظ فى العاشرة ، المال الذي يقبضه من العمل لن يسعفهما مع دراسة منة فأراد ان يبحث عن وظيفة أخري ليلا لتسندهما قليلا* .
وبعد ايام قليلة ذهب امين ومنة مع حسناء حتى تقدم لمنة بالمدرسة ، كانت المدرسة بعيدة عن الحى الذي يقطنوا فيه فهما يعيشوا بحي الاغنياء والمداس التى تقربهم ليست مجانية ولأن صوفي ستكون بنفس المدرسة جعل منة تطمئن قليلا مقارنة بأمين الذي دس* الخوف والرعب بقلبه من اقترابها الشديد من صوفي ولكن وافق فى نهاية الامر لأنها ليست بنفس الصف ،ولم يكن امامه طريق اخر سوى تحذير منة من مخالطتها .
وجد أمين فور عودته من المدرسة معلق على جدران احدي المدارس* التى تقرب الحي الخاص بهما ملصق بالبحث عن موظفين نظافة بمرتب مجزي ، فقرر في الصباح ان يذهب اليها فان كان مرتبهم اكبر من صاحب الدكان سيتركه .
* * * * * * * * * * * * * ** (27)
تقف لولو في حوش المنزل الذي تعمل فيه تقطم اظافرها بين الحين والاخر بخوف من اقتراب ذلك المستفز منها وهى تكنس الارضية وتنظفها من سهرة البارحة من تجمع صديقات السيدة وعمل حفلة بمناسبة ترقيتها بالشركة الى رتبة اعلي .علمت لولو ان ذلك المستفز يجلس بالبيت ليل نهار يستمتع بإرهاق العمال وتطفيشهم لسبب مجهول* ولكن تبادر الى ذهنها انه مغرور* يستمتع بإهانة من هو اقل منه.
وبعد مرور ساعة من عدم ظهوره تأكدت انه ليس بالمنزل فركزت بعملها وبقت تنظف الحوش من بقايا البارحة وعند رفعها لإحدى النفايات ذات المشروبات الغازية لمحت شيء يتحرك بين العشب وبحركة سريعة استدارت يمينا ويسارا تبحث عن وجود الكائن الاستفزازي فلم تري أثر له،* وحين عادت بنظرها هنا وهناك فجأة شعرت بشيء يحاوط رجليها اليسرى فنزلت ببصرها بسرعة لتشهق قافزة بهلع تصرخ برعب، هنا لم تشعر بنفسها وهى تتسلق الشجرة المجاورة لها* فقد كانت حية صغيرة هذه المرة! ، هنا خرج من اللا مكان يصيح ضاحكا وكأنه كان يتابعها من خلف الشجرة قائلا بين ضحكاته العالية " والله ادفع ما بجيبي عشان اشوف صدمتك* منظرك بيبقي اهبل اووي "
تجمعت بعض العبارات على جفنه السفلي من كثرة الضحك لتجز لولو على اسنانهت قائلة بصراخ " احمق ..غبي متعجرف هل تفعل كل ذلك ، لكى يتم طردي اقسم ان امسكتك سأضربك " لأول مرة يتم اهانته والصراخ به ليحدق بها بصدمة ومن فتاة تصغره بأعوام، اجتمع بعض الخدم من شدة صراخها* ليخرج من خلفهم ما لم يكن بالحسبان ، كانت والدته تحدق بها وكأنها تهددها بالضرب فى ميدان عام حتى الموت وبتساع عيناها يجعل من يراها يخاف ويخشي اقترابها ، تصيح بصوتها المعروف حتى اهتزت ارضية المنزل الكبير بكل ما فيه "* ايتها الحثالة كيف تتسُبى* ابني ..انزلى الان هيا " اسبلت لولو اهدابها بخوف وقلق ونزلت من فرع الشجرة من شدة الصدمة* لتسقط من ارتفاع بسيط ولكن حسب قامتها كبير فتجزع قدميها وتنكسر تحت صراخها بألم .
" تلك الحثالة يجب عليها ان تخرج من هنا فورا ..كيف لها ان تهين ابني* يا مصطفي"
تهتف بها سيدة المنزل امام البواب الذي يضع رأسه بالأرض اسفا لسيدة بغرفة الجلوس داخل المنزل ،اردفت بحسم* " لم اكن لأوافق على عملها هنا وخاصة لصغر سنها لولا توسلك لي** "
" انها مسكينة يا ست مروة يتيمة ،اصلا هى الوحيدة التى اتت للعمل بعد الاشاعة التى انتشرت بسبب .."
عض على اسنانه وسكت لتبتلع السيدة غضبها خشية من استقالته هو ايضا فهي تعزه جدا رغم اخفاء ذلك عليه ،فقالت بغضب مكتوم " مشيها من هنا لن اوافق ابدا على دخولها مرة اخري "
بكت لولو وهى على الفراش بالمشفى بعد ما اخذها العم مصطفى البواب هناك لتتجبس اقدامها " حذرتك من البداية وانت صممتى على العمل "
" ارجوك ياعمي ..لا تتركني لا اعرف احد هنا "
زفر بشفقة عليها قائلا
" لا تقلقي سأحدث السيدة كي تعودي ،* عليكِ فقط ان تقدمي اعتذار وخاصة لابنها حسين* اعرف انه غبي ويفتعل المشاكل* ، فى الاخر لديه عذره، وبعدين الست مروة بالنسبة لها حسين خط احمر احذري، عامليه على انه طفل** "
لم تفهم المعني وراء كلمة غبي التي قصدها العم مصطفى فلها معني اخر عما تبادر بخاطر لولو، ردت ببكاء شديد وهى تمسح دموعها بهزيمة فكم شعرت بالزل والاهانة وهى التى تربت على العز* " حسنا حسنا ، سأفعل ما تطلبه مني "
* * * * * * * * * * * * ****
كان حسين يترجى امه كي لا تطرد لولو ولكنها متمسكة برأيها بجدية* فقال لها بنبرة تخشها حد الموت " ان جعلتيها تذهب سأخبر عاصم بأمر عمر "
جحظت عيناها واختفت قوتها امامه لتكون ضعيفة واهنة ،فقد قلد نبرة ابيها بكل كلمة ونظرة، ردت بتماسك تمنع دموعها التى تنهار على خديها* " حسنا ..حسنا ..لن ادعها تذهب "
عاد وجهه الى طبيعته وضحكاته التى لا تفارقه واخذ مسدسه اللعبة وبقى يضربه هنا وهناك قائلا بحماس "واخيرا وجدت صديق العب معه"* وضعت يدها على اذناها وتراقبه بحسرة بحركاته البهلوانية وصوته المرتفع بحماس ، فبلحظة انقلب حال ابنها الشاب الذكي المتفوق بليلة وضحاها بعد فقدان جده الحبيب اودعته الصدمة بحالة بأن يكون بعمر طفل صاحب عشر اعوام وبرغم العلاج المكثف لا يعود الى طبيعته ابدا ، اخبرها الاطباء انها حالة من الصدمة المفاجئة المميتة تستنجد منه نفسه فتبحث عن اجمل الاوقات التى قضاها بعمره فتجعله يفكر فيها دائما ومع الوقت يعيشها بجوارحه فينسي حاضره ويعيش ماضيه دون حول منه او قوة .
لا يعلم احد مقدار الألم الشديد الذي تعيشه غيرها وهى ترى ابنها الحبيب يتحول فجأة من عاقل رزين متفوق بشهادات تشهد له* الى احمق بتصرفات طفولية يأذي من حوله بمقالبه السخيفة ،فهل تحقق ما حذرها منه والدها بان افعالها السيئة ستنقلب عليها فى يوم* ما دون رحمة* .
رفعت الهاتف النوكيا على اذناها تتصل بالطبيبة النفسية تصب غضبها عليها قائلة حين ردت عليها
" الم تقولي انها فترة وسيعود الى طبيعته مرت سنتين وحالته اصبحت اسوء* هل تصبريني حتي تحصلين على المال ، هل تخشي من اخباري انه اصبح مجنونا .."
صدر صوت زفرة من الطبيبة النفسية باستسلام تحت زنها* المتواصل وتكرار كلامها لها وكأنها خادمة تعمل تحت قدمها ،فردت بنفاذ صبر هي الأخرى
" سيدتي .. اخبرتك مليون مرة انها صدمة* ..عقله رافض فكرة موت جده فعاده الى سن العاشرة* انها فترة وسيعود مجددا "
" لا تأتى هنا مرة اخري ....سمعتي لا تأتى .."
رمت الهاتف على الارض تصيح بأعلى صوتها بقهر وهى تقول بعقلها" لما فعلت يا ابي ذلك ..لما جعلته يتعلق بك ...ابنى اصبح مجنون بسببك ..لن اسامحك ابدا "
يتبع ..
رايكم حبايبي

سارة منصور دوار الشمس 28-05-23 06:13 PM

رد: رواية جديدة " لم تكن أنثى "
 
ممكن اعرف رايكم ايه بالرواية

سارة منصور دوار الشمس 28-05-23 06:14 PM

رد: رواية جديدة " لم تكن أنثى "
 
الفصل الحادي عشر
رفرفت نسمات الصباح الى شرفته* برقصات العصافير مع أوراق الشجر* ، فاستيقظ متعبا من اثر عمله البارحة بالدكان يتأوه من ظهره ويفرك عيناه التي يملأها النعاس بشدة ، فجأة تذكر المدرسة وانه يجب ان يذهب اليها فانتفض مسرعا دون ان ينتبه الى منة التى كانت نائمة بجانبه وبأحضانها ملابس المدرسة التى اشتراها لها البارحة قد أبدت اعجابا كبيرا مبالغا بدموع داهمتها فقد كانا يذهبا الى المدرسة بملابس مستعملة من بنات خالهما ولأول مرة سترتدي ملابس جديدة وبمال عرق جبينه .
أسرع من خطواته بدهشة حين رأى ان طابور الصباح قد انتهي بالفعل وبدأ الطلاب بالصعود الى اماكن الدراسة فتساءل بحيرة "هل مدارس الاغنياء تبدأ قبل المجانية؟" ،* اعتقد انه لو ذهب* مبكرا فسوف يحصل على اجابات دون الخوض بالمواجهة اولا* فعمال النظافة يذهبون مبكرا لتنظيف حوش المدرسة والفصول بعد الفجر فقد اراد ان يعرف منهم القوانين والارشادات التى يمارسوها والشروط فدراستهم قد بدأت بالفعل ، فذهب الى المديرة التي سمع عنها من حسناء انها حازمة للغاية وصعبة المراس .
يفرك اصابعه بتوتر خوفا من عدم قبوله فهو مراهق وعمله بتلك المدرسة لهو* معجزة ولكن لا مانع من المحاولة فهو يحتاج ان يعمل بمكان محترم مرتبه يسعفه ، نعم الدكان جميل ولكن الطريق الموصل اليه به بعض الطرق المشبوهة يمكن ان يحصل له اي شيء فجأة لا يخاف على نفسه ابدا بل على شقيقته فمن نحبهم هم من يجبرونا على المحافظة على انفسنا خِيفة عليهم من فقداننا ولأننا نكمل بعضنا بعض .
قابلته الوكيلة بالمدرسة تنظر اليه بازدراء قائلة للعاملة التي ادخلته* بعد ان اخبرتها انه يريد عمل" يا اللهي يا نظيرة كيف تدخلي شابا مراهقا يعمل عامل نظافة بهذه المدرسة المحترمة ، هل انت مجنونة ..اذهب يا ولد لا نسلم عملا لمن لا يملك بطاقة بعد ، كيف اصلا نعرف اصلك وفصلك "
رمقها امين بهدوء فقد كان يتوقع هذا من البداية فرد بنبرة هادئة برزانة مختلفة كرد فعل لمن في سنه وخاصةً حين يسمع هذا الكلام بطريقتها المهينة وبإشارات يدها عليه كانه نكرة " مهلا سيدتي ماذا تقصدين بمحترمة ، هل تريني فاسد مثلا ..
وان كنت فاسدا لم أكن لاتي هنا من الاساس فالاعمال الفاسدة كثيرة ولن اتعب حتي فى البحث فهي موجودة بكل مكان ، اعرف انك رافضة وانا كنت اعلم انه سيحصل ولكن كان عليك ان ترفضي باحترام فكما قولتي ، مدرسة محترمة " شهقت وكيلة المدرسة فقد اهانها ولكن بخبث فقالت مندفعة بعصبية " اخرج بره ياولد "
بادلها امين نفس النظرة التى ترنوا اليه بها والتفت ليخرج ليجد سيدة خمسينية تنظر اليه بغرابة ، فمشي الي طريق البوابة وعيناها لا تزال متعلقة عليه ونادته قبل ان يفارق غرفة المكتب قائلة " تعالى يا محترم ." التفت امين اليها باستغراب وهو يشير على نفسه متسائلا " انا ؟"
امالت رأسها بإيجاب* فعاد يقف امامها يردف متسائلا "نعم "؟
" لما تريد ان تعمل هنا "
تنهد وكأن الحمل ثقيل عليه " لأعيل أختي واجعلها تدرس مثل الطلاب هنا "
"* لا اعرف ظروفك ولكن هل أختك تستاهل انك تعمل كعامل نظافة بمدرسة مرموقة بها طلاب مثل سنك الا تشعر بالحرج* ؟"
استفزته كلماتها الغير موزونة والطفولية فهل تسخر من ظروفه فرد عقب انتهاء كلماتها.
"والله تستاهل ان تكون بأفضل من المدرسة دي انها متفوقة جدا* "
" هل تعلم انك ستجلد ذاتك ان عملت هنا ؟"
تنهد مرة اخري وكأنه يري نفسه عاقلا عنها وهى تتحدث معه كطفل صغير فرد* بثقة"" تقصدي لأني فقير يعني ؟..ابتسم بسخرية مردفا بجدية مؤلمة " لقد مررت بما هو اسوء ..الظروف يا سيدتي من ...." عض على شفتاه متحسرا ولم يكمل جملته فعقدت السيدة حاجبيها متسائلة بما يجعل هذا المراهق يتحدث كرجل عجوز* فهل مرت الايام عليه سنين ليبرز الالم على قسماته بهذا الشكل ، لم تتأثر ولم تشفق ولكن هذا المراهق اعجبها وشعرت بفضول شديد اتجاهه "حسنا فلتذهب مع نظيرة تعرفك على نظام المكان "
هتفت الوكيلة بصدمة " يامروة ده طفل .." رفعت يدها اشارة لكي تتوقف عن الكلام الان فعضت الوكيلة على شفتاها بغضب ترنوا الى امين التي اشرق قسماته ببهجة قائلا بسعادة " شكرا لك سيدتي " وذهب مسرعا خلف نظيرة التى* تنظر اليه بشفقة رغم علمها بأنه ليس هينا ابدا ، قال امين لنظيرة " من تلك السيدة الحميلة " ردت نظيرة بسخرية "تلك الحميلة هي مديرة المدرسة يا عسل" وبرد فعل سريع عاد امين الى مكتب المديرة وامسك يدها وقبلها تحت جحوظ عينيها ثم عاد مسرعا مرة اخري الى نظيرة هامسة وهى تميل وجهها بشفقة " مسكين "
خطى امين بجانبها يستمع اليها دون انتباه فعيناه كانت متعلقة على الطلاب يركز فى* ملابسهم ومقتنياتهم الثمينة هامسا " الحياة ليست عادلة" ضحكت نظيرة بقوة قائلة " وهل رأيت شيء بعد لتقول ذلك " بادلها امين بنظرة طويلة ولم يعقب وبعد ان دخلا الى غرفة استراحة العاملين همس امين بين نفسه " حين اقبض سأشتري مثل تلك الملابس لمنة هي ليست اقل منهم" قالت نظيرة بفضول
" يا حبيبي لماذا تريد العمل هنا ..العيال هنا صعبين جدا "
فاق من شروده وحدق بها رافعا احدي حاجبيه بحماس.
" لا تشغلي بالك بي ، اخبريني كم تقبضون هنا "
* * * * * * * * * * * * * * ** (ظ¢ظ¨)
بعد ذلك اليوم تغيرت حياة لولو فى ذلك البيت ، الكل يراقبها عن كثب وخاصة حسين الذي لم يتوقف عن فعل المقالب السخيفة ، لم تعيق الاصابة اقدام لولو عن توقف العمل ،تخشى ان تطرد بحجة اقدامها فلقمة العيس مُرة ويجب عليها ان تتحمل ، تمشى كالعرجاء بالمطبخ تعض على شفتاها من الألم الشديد وهى تتحرك هنا وهناك* واكثر ما يغيظها هو مراقبة الكائن الاستفزازى لها بتوجس ، الان كل شيء مات داخلها وان قام بإلقاء حية لن تخاف فكرامتها بعثرت وهى التى كانت تعيش كالملكة لا يمد احد عيناه بعينيها لشدة غرورها الذي تحطم الان امام لقمة العيش .
تنهدت بألم بعد ان انتهت بمعجزة من طهو الطعام ونزلت بألم على الارض تجلس متأوهة والدموع تغرق وجنتيها ، تشعر بصهد شديد يخرج من صدرها وجبهتها ولكنها لن تشتكي .
وحين تذكرت والدتها وهى نائمة على فراش المشفى كالجثة الواهنة خرجت شهقات البكاء المحبوسة فى صدرها غصبا فاستسلمت للبكاء اخيرا.
" من طلب ان تطبخي اليوم "
تهتف بها مروة التي ظهرت فجأة من العدم بالمطبخ ، انتفضت لولو ومسحت دموعها وحاولت الوقوف متشبثة بخشب المطبخ الذي كانت تستند عليه* ففشلت ونزلت جالسة لتردف مروة بازدراء وتعال " ارمي هذا الطعام بالقمامة وقدمي الاكلات السريعة التي سيجلبها لك مصطفى "
كتمت انينها بداخلها ومالت رأسها بإيجاب وبقت تصارع على الوقوف ،شعرت ان قدمها الأخرى قد جزعت من كثرة الوقوف بالضغط عليها .
امسكت بحائط المطبخ تمشي ببطء ليظهر حسين* واقفا قبالتها فجأة من العدم هاتفا بغضب " الم تنتبهي الى تلك ؟" كان حسين قد اصطاد فأرة من الخارج ورماها بالمطبخ وظل يراقب لولو التي كانت تبكي من شدة المها وهى تقوم بالطهي. ظهور حسين امامها يهدد وجودها بالمنزل وان استقالت لن تجد عمل يقدم لها المسكن والمأكل معا، كان وجود هذا العمل امامها فرصة تعويضا على ايام الصقيع التى نامتها عشيا بباحات المنازل سرا دون علم اصحابها .
ابتلعت ريقها ورفعت يديها برجاء قائلة " ارجوك ياسيد حسين سامحني* لم انتبه "
ثم نظرت الى مكان اشارة يده لتنبه الى فأرة صغيرة تحدق بها من اعلى رف خشب المطبخ لتتبادلا النظرات بهلع .
بعينين مليئتين بالغضب الطفولي رد بعجرفة " كنت أراقبك لساعتين هنا " وأشار بيده الى علية المنزل فقد كانت طوابق المنزل مفتوحة على بعضها ، قالت محاولة ان تظهر قسمات الحزن لأجله بعد ان ضغطت على نفسها لكي لا تصرخ " الا تري قدمي مكسورة لذا لم انتبه لوجود الفأرة ، المرة القادمة سأنتبه ، لذا لا تخبر السيدة مروة ارجوك* "
" يا مسكينة والله ، صعبتي عليا ، ذكرتيني بأختي سلوى الشهر اللى فات كسرت قدمها ايضا ، يجب ان ترتاحي مثلها "
تساءلت بداخلها هل يسخر منها فردت بجدية " لا لن ارتاح فأمامي عمل كثير والان سأذهب الى تفريغ محتويات الاكلات السريعة التى بالاكياس" وخطت الى الامام بصعوبة ليقترب منها حسين فجأة حاملا اياها.... تحت جحوظ عيناها والتى لا تستوعب ما يحدث لها الان ، الشيء الوحيد الذي تعرفه انها لا يجب ان تصرخ .
بقت تحدق به بخوف ورهبة وهى بين ذراعيه كطفلة صغيرة* " لا لا انزلنى ارجوك " لم يعجبها ابدا ان يحملها ويده تلامس فخذيها بطريقة غير مقصودة ،شعرت بالخجل فكانت تائهة بين الخوف والرهبة* وكيف تتصرف فى ذلك الموقف بصورة لا تضرها .
حركت قدميها السليمة وظهرها معترضة على حملها كالطفلة ولكنه لا يستمع ولايزال يمشي بطريقه* ، صعقت حين وجدته يقترب من باب غرفته لتهتف بفزع " لا لا انزلنى يا احمق ..لا انا اسفة انت لست احمق ولكن انزلنى يا سيد حسين يانبيل، لن تدخلنى الغرفة مثلا لكي تتحرش بي صحيح.؟ ." شعرت بالغباء واشياء اخري لا تعرف لها تصريحا ولا تعرف ماذا تقول لتجد نفسها فجأة تدخل الغرفة ويتم وضعها على.... فرااااشه!!!!!! حاولت النزول دون كلمة مسرعةً ولكنه يدفعها من كتفيها لكي تجلس عليه ويرفع قدمها ويدثرها بالفراش وتعود مرة اخري محاولة الهروب " توقفى اسمعي الكلام "
خافت من نبرته ومن ان يفعل بها اي شيء وبقي جسدها يرتجف بقوة فصرخت بأعلى صوتها " انقذوني ..، يامدام مروة ..."
" توقفى عن الصياح ، قولت لك توقفى "
كتم صوتها بيده مقتربا منها ، يهمس داخل اذناها " ستسمعك امي .. اسكتي وسأجلب لكي حلوى البندق يا لولو"
سكتت وبادلته النظرات لتحدق به بدون فهم هامسة " ماذا تريد مني "
"لنلعب "
شهقت بنفاذ صبر وردت بعصبية تحاول كتمها " لا اريد اللعب* ، ارجوك اتركني اذهب "
هنا دخلت مروة الغرفة بعد سماع صوتها الذي انتشر بالبيت كله، تحدق بها بصمت وهى على فراش ابنها* ليقول لها حسين " امي لولو لا تريد ان تلعب اخبريها ان تبادلني اللعب* "
لتهتف مروة بشيء لم تتوقعه لولو " نفذي ما يطلبه منك حسين "
اتعست عيناها تحدق بدون فهم ، ليصل الي عقلها اشياء سيئة ليستقيم ظهرها وتمسح دموعها قائلة "* نعم انا فقيرة واحتاج الى العمل ولكن ابدا لن اوافق على افاعل رخيصة انا محترمة وبنت ناس ،اصلا لم احب العمل لديكم ..انا ساذهب ولن تري خلقتي ابدا امامك "
هتفت مروة بصياح.
" ان فكرتي بالخروج من هنا سأقطع قيد كلاب الفلة ليأكلوا عظامك "
ولصغر سنها شعرت لولو بالخوف وصمتت برهبة لتردف السيدة " افعال رخيصة ؟؟ هه الشيء الرخيص هنا هو عقلك يا فتاة . وبعدين الا ترى نفسك ..فبرغم من ان ابني فقد عقله واصبح غبي لن اوافق على زواجك منه ابدا .. أنت احقر من ان ينظر اليك كفتاة "
دخلت تلك الكلمات كالخنجر داخل قلبها ومنها صدمة من كلمة فقد عقله .. فتذكرت كلمات العم مصطفى فهل قصد انه غبي فعلا وهو الذي لم تسمعه يسب احدا ابدا ، ليأتيها الرد مؤكدا من مروة " العبي معه ولبي طلبه وسأضاعف اجرك لنري نهاية تلك المصيبة التى انزلها ابي على رأسي* "
* * يتبع ..

سارة منصور دوار الشمس 28-05-23 06:15 PM

رد: رواية جديدة " لم تكن أنثى "
 
الفصل الثاني عشر
استقلت الشمس بوابة المشرق منورة بصباح مشرق وجوه المتحمسين بالبدأ بالعام الدراسي الجديد مهلهلة بنسيم شهي ممزوج بحرارة تدفء قلب شاهد جميع انواع الخيانة بالماضي وينتظر متلذذا الحياة الجديدة التى تنتظره .
عانقت ملابس المدرسة الجديدة بحنو بالغ فمن جلبه هو امين شقيقها الحبيب بعرق جبينه وها هى تبدأ بارتدائه أخيرا فقد انتظرت بدأ العام الدراسي الثانوي بفارغ الصبر بعد ان مرت ايام الانتظار كانها أعوام عليها .
نزلت بسرعة فصوفي تنتظرها امام المنزل هى وصديقاتها* ، لمحتهم بباحة المنزل فمشت ببطء اليهن وهى تتفحصهن بعناية ،كانت ملابسهن متشابه فالزي مدرسي واحد ولكن كلا منهن ترتدي بشكل خاص بها فالقميص الابيض العلوي بعضهن يرتديه* شفاف فيظهر اكثر مما يغطي والتنورة تختلف عن بعضهن بين* القصر والتحديد* ، فتذكرت حديث البارحة من تحذير* امين لها بمخاطة الفتيات الجريئات ولانها فتاة نبيهه تنتبه الى تلك الشخصيات التى يجب الحظر منها .
تعلم ان صوفي جريئة ولا يحبها امين ويمنعها من مخالطها لها ولكن تعلم ان رغم جرائتها الا انها فتاة لطيفة ذات قلب لين ،هى فقط تمشي تبع موضة الفتيات بتمرد .
مشت معهن ولكن لم تسير معهن بخط متساوي فكانت خلفهن وجهها منحني تنظر بالارض بشكل خجل ،تنصت الى كلمات الشباب لهن ومعاكستهم بطريقة جريئة ورد فعلهن الذي ادهشها فهمست داخلها " لقد تطور العالم يا امين ..ونحنا ماذلنا على الدقة القديمة ولكن* عرفت قيمتها الان وكم احبها "
التردد والخوف داخلها من الاقبال على شيء جديد ولكن يطغي عليهما الحماس وحب البدأ من جديد ، تريد أن تحقق حلمها بان تكون طبيبة كبيرة تعالج حالة امين ، وبمجرد تفكيرها بذلك الحلم يجعلها تمضي الى الامام بحماس خيالي .
تعلم انها تغيرت كثيرا عن قبل وتلك خطوة جميلة تسعدها ، رغم بُعد الطريق واستقال الحافلة التى تجعلها تتقيء الا انها تحب الذهاب الى المدرسة .
بقت تنظر الى المدرسة قبل الدخول تتسائل داخلها بهل ستكون من ضمن الطلاب المتفوقين* وتكون شخصية ناجحة تذكر بتاريخ المدرسة لطلاب الجدد ؟
شعرت بيد صوفي تربت علي ظهرها ، كم تحب تلك الفتاة حقا وتشعر بالالفة الشديدة اتجاهها ،فان زاد حبها اكثر عن ذلك ستحل مكانة غالية بقلبها كالشقيقة تماما .
مالت رأسها بايجاب لصوفي بعد ان قرئت نظرتها المترجمة بألا تتوتر* .
اكتشفت انها قد وصلت متأخرة وفاتها طابور الصباح* كما انها فشلت بالحصول على مقعد أمامي بالفصل فكلها شاغرة الان بالطلاب ولا يوجد امامها سوي مقعد بالخلف فارغ* ، الجميع يحدق بها* وهى تذهب للمقعد فانتابها التوتر من جديد ولكن بقوة اتجهت بملامح حزينة الى هذا المقعد ليظهر انه ليس فارغا بالكامل فتجلس به فتاة قصيرة ترتدي نظارة ثقيلة يظهر انها ضعيفة النظر بشدة بجسد نحيف وكانها لا تعيش الا على الماء .
فهمت منة ان تلك الفتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة فقامتها قصيرة جدا مثل الاقذام من يراها يخيل اليه انها فى العام العاشر* لا يتخيل انها فى* الثانوي .
جلست منة بجانبها ووضعت حقيبتها بجانبها على الارض شعرت بتوتر الفتاة بجانبها وهى تعيد ترتيب نظارتها الكبيرة على وجها فاستدارت منة للفتاة* تحارب توترها هي ايضا* وقالت ببتسامة ناعمة " أهلا ..أنا منة "
ازدردت الفتاة ريقها تنظر بعيناها الواسعة بجحوظ قلق والتى تظهرها النظارة الطبية انها صغيره بفضل العدسات الزجاجية فاردفت منة تعيد الكلمات مرة اخري وتشير اماما عيناها مرحبة " اهلا "* لترد الفتاة بتوتر " مرحبا " ثم التفتت تعيد ترتيب اشياءها على طاولة المقعد فهتفت منة متساءلة باهتمام " ما اسمك "
لم تنظر اليها الفتاة وردت باقتضاب وهى تنظر امامها " ليندا " ردت منة " لديك اسم لطيف مثلك "
التفت اليها ليندا بغضب وبنبرة عصبية بعض الشيء " هل تسخرين مني "
" ولم اسخر* اصلا* منك .."شعرت ليندا بجدية منة وبعيناها الثابتة على عيناها فقط دون ان تحدق بجسدها الصغير فكانت مختلفة تماما عن ما قبلتهم فى حياتها لترد بعد صمت " اسفة "
" لما تعتذري ؟"
نظرت ليندا امامها ونست انها تحاول ان تخفى نفسها عن الجميع بجلوسها بالخلف فقالت بصوت مسموع " لا تشغلي بالك "
دخل مدرس الفصل وبدأ يشرح الدرس ،الكل منتبه الا ليندا طوال اليوم تحدق وتراقب منة عن كثب وهى تسجل الملاحظات وراء المعلم حتى جاء وقت الفسحة الكل خرج الى حوش المدرسة الا هما، كانت منة تحل بعض المسائل الرياضية بتركيز* التى أملاها المعلم لطلاب تحت انظار ليندا التى تشعر بالفضول اتجاهها* .
وما ان انتهت منة سحبت ليندا منها المذكرة وامسكت القلم وبدأت تراجع حل المسائل ليظهر ان بها بعض الاخطاء البسيطة جدا فصححتها لها ليندا بتفاخر كما انها اخبرتها عن حل اخر ، بقي الاثنتان تنظرا الى بعضهما ،هنا عرفت منة ان تلك الفتاة* عبقرية ،فقابلت منة موقفها الذي يظهر به بعض الغرور* بصدر رحب وهى تميل رأسها ببتسامة .
* * * * * * * * * * * * * * * * ****
لم يترك امين عمله بالدكان بعد تمسك رأفت به ورفع أجره عمله فكان يذهب الى تنضيف المدرسة يوما مبكرا ويوم اخر مساءا فكان العمال يقسمون العمل بالطريقة التى تناسب مواعيد الطلاب فكانت هناك فترة لطلاب صباحية وفترة مسائية .
وفى يوم كان امين ينظف حوش المدرسة من النفايات التى رماها الطلاب بالملعب الرياضي مع احدي العمال يقسمون العمل بمساحة ملعب الكورة ، كان امين بطيء فى التنظيف عن العمال الاخرين ولانه كان من النوع الذي ينظف بعناية وضمير* فانتهي الجميع من التنظيف الا هو بقي عدة ساعات حتى انتهى !.
وما ان جاء ليذهب* وهو يحمل اكياس القمامة التى جمعها ،كان الطلاب قد رحلوا ولم يعد سوي ساعة حتى تغلق البوابة ، فجأة ظهر شابين من العدم بالملعب ومعهما كرة وضع امين اكياس القمامة باحدي الاركان وذهب اليهما* ،كانا يلعبا الكرة بتسلية مستخدمان مهارتهما بترقيص الكرة وهما يتحدثا بـأمر ما* .
" لو سمحتم يا شباب البوابة على وشك ان تغلق* ايضا انظرا لقد نظفته لتو حتى انقسم ظهري "
لم يهتما بما قاله امين واستمرا بالعب ، فذهب امين ينتظرهما حتى موعد غلق البوابة حتى ينبهما ، جلس يراقب مهارتهما بدقة قائلا " والله حال الاغنياء مرفهة ومسلية انا لم العب فى حياتي بتلك الكرة ابدا ولا اعرف كيف العبها اصلا بل لم احصل على اصحاب ابدا ، لولا منة لكت مت من الوحدة والهم ..الله يحفظها لي ."
فجأة اصطدمت الكرة بوجهه وحين استعاب مايحدث نزلت الدماء من انفه فمسحها بملابسه وقلبه ينبض بخوف وغضب ولكنه سيبتلعه فمن هو حتي يقف امام من ولدا بمعالق ذهبية ، اشار اليه احدي الشباب بأن يرمي له الكرة ،يعلم ان الموقف مقصود* ، وقف وعدل ملابسه وقميصه المبلل بقطرات الدماء ورجع عدة خطوات الى الوراء وركل له الكرة بغضب فطارت اتجاه وجهه مندفعة بقوه كبيرة فصدها الشاب بيده فشعر بسخونة الكرة فعلم ان لديه اقدام قوية .
قال الشاب لصديقه " انظر الى عيناه كان يقصد ان يدفعها بوجهي هذا الزبال "
ليرد عليه صديقه بلا مبالاة "* ياللهي هل تري من ذلك البعد وجهه ؟ أنا بالكاد اراه !، هيا هيا دعك منه يا عامر .. هيا* ارمي الكرة باتجاه مبني المديرة كما خططنا قبل ان تمشي "
" ليس قبل ان احطم وجه ذلك الغبي "
أعاد عامر ضرب الكرة بالارض بيدة عدة مرات ذهابا وايابا وهو يهرول باتجاه امين الذي شم رائحة مصيبة تجري باتجاه وهو..! لن يدع اي شيء يهدد عمله ابدا ، شاط عامر الكرة بقدمه اليمني مندفعه بقوة اتجاه امين الذي وقف على اهب الاستعداد يتصداها و بالفعل اسرع باتجاهها لترطدم بصدره ويمسكها سارقا مهرولا بطريق الخروج من المدرسة .
ليهتف عامر " تبا !! ايها الجبان عد فلتواجهني وجه لوجه ان كنت رجل "
لم يهتم امين له فكان يعرف جيدا الفرق بين الشجاعة والتهور.
حاول الشاب الاخر* ان يوقف عامر ممسكا به يمنعه من الجري وراء امين هاتفا بحسم " دعك منه* ، سنلقاه بالغد "
ليدفعه عامر من صدره " لقد فشلت خطتي !"

* * * * * * * * * * * * * * * * * * * (29)
فى المساء بمنزل لميس
دخل امين متعبا بشدة من حمل البضائع مع رأفت ورصها بالدكان* حتى تأخر الوقت الى المنزل لتقابله منة بسعادة قائلة " امين لقد تعرفت على فتاة .." رد امين مقاطعا بتعب " ليس الان يامنة أرجوك ...اريد النوم عيني لا تري اي شيء سوى* الفراش* "
راقبته منة بشفقة على حاله رغم انها انتظرته طويلا حتى تحكي له بما مرت به بالمدرسة .
فى الصباح الباكر استيقظت منة على صوت شجار صوفي مع لميس عن ملابسها الكاشفة كالعادة ، فبحثت عن امين لتجده قد خرج بالفعل .
ارتدت ملابسها مسرعةً ونزلت دون ان تأخذ الدواء لاول مرة امين ينسي ان يوقظها ويعطيها اياه، ولم تتذكر العلاج الا بعد انتهاء الفترة الاولى من الدراسة .
بعض القلق انتابها وبقت تفرك اصابعها تحت مراقبة ليندا لها التى حدقت بها قائلة باهتمام " ما رأيك ان تاتي معي الى المنزل واعرفك على عائلتي .. طوال الليل وانا احكي لامي عنك حتي طلبت مني ان احضرك معي الى المنزل "
انتبهت منة الى حكي ليندا المتواصل دون نبرة القلق التى كانت تخرج مع كل كلمة تقولها قبلا ، وصل اليها انها تريد ان تقترب منها ولم تعد تستخدم لهجة مكلفة* .فقالت بأسف " اعذريني ولكني لا اذهب الى منزل احد غريب .."
ردت ليندا مقاطعة بمبالغة* " بيتي بالقرب من مركز الشرطة وهيئة القضاء منطقتي شعبية للغاية كما ان والدي يدعي ... إسالي اي احد عنه لا يوجد شخص لا يعرفه "
" والله يا ليندا لا اعرف ماذا اقول ولكن ساخبر اخي اولا* "
انتبهت ليندا الى كلمة اخي تريد ان تعرف عنها المزيد فهي اول شخص يتعامل معها باحترام ودون تقليل لتميل رأسها بايجاب* قائلة بمحبة . " حسنا سانتظرك بالغد ..ماهو اسم اخيك "
" امين "
" هل هو جيد بدراسه مثلك "
أسبلت منة اهدابها ببعض القلق لترد دون ان تنظر بوجها " فى الواقع هو لا يدرس ..ترك المدرسة "
عبست ليندا بوجهها بغرابة لترد بعد ثوان من الصمت* " وهل وافق اهلك على ذلك "
باد القلق والتوتر على قسماتها فحاولت ان تغير من مجري الحديث هي ليست مستعدة عن الحديث عن خصوصيتها امام ليندا فاشارات الى* السبورة على مسألة كان قد كتبها المعلم* وسألتها عن طريقة حلها ، ارتسمت ابتسامة على وجه ليندا وفهمت سبب هروبها من الجواب* فكما يبدو ان عائلتها فقيرة الى هذا الحد الذي يترك اخيها المدرسة ايضا ملابسها وطريقة تحدثها التى تظهرها انها اتت من الريف ، فكانت منة صديقة مثالية لها فلن تستطيع ان تعايرها يوما من الايام وهي تخاف ان تذكر اي شيء عن عائلتها امامها .
* * * * * * * * * * * * * * * (30 )
قرر امين ان يذهب مع عمال النظافة بالفترة الصباحية ويغير* المواعيد حتي لا يري هذان الشابان ولكي لا يفتعلان معه مصيبة وهو لا يتحمل ، فيكفي ما يمر به .
ذكرى البارحة لا تفارق خياله وهو يصد الكره عن بعد ، رأي انها لعبة فضولية وكم يود ان يمسكها مرة اخري ويكتشف كيف يتم تلعب .
حاول ان ينهي عمله سريعا الذي اعطته له نظيرة قبل وقت الظهر ولكنه تأخر بسبب غياب بعض العمال .
طلبت منه نظيرة بعد ان انتهي من كل شيء ان ينظف مكتب المديرة* ، حاول ان يتهرب ويأخذ مهمة تنظيف اخري ولكن العمال الاخرين قد سبقوه ولانه اصغرهم سنًا كان يتحمل اكثر ولايستطيع حتي ان يعترض .
امسك عدة التنظيف وذهب الى المكتب قبل ان ينتهي وقت الفسحة الاولى .
وبقي ينظف سريعا وقد داهمه الوقت ليمر سريعا دون ان يشعر وبدأ الطلاب يخرجون الى حصة الالعاب و هنا وهناك بكافة اركان المدرسة ، اراد الهروب باي شكل لهذا جاء مبكرا فأعطته نظيرة عمل اكثر،* اطلق السباب بين نفسه خِيفةً ان يقابل هذان الشابان .
عيناه تبحث بكل مكان يمر به* بعد ان انتهي عن هذا الشاب الذي يصبغ شعره باللون الاصفر الفاتح والذي لا يليق به مع سمرة بشرته وشخصيته الفذة .
وجد بعض الشباب يلعبون تلك الكرة التي تثير فضوله وهو يمشي الى الخارج فبقي ينظر اليهم بترقب وهما يركلا الكرة الي بعضهما وكم يخشون من وصول الكرة الى هذان الشابان والذي سمع احدهما يقول بصياح " حاسب سيقوم بادخاله الى الجون"* ونسي تمام ما يخاشاه وبقي يتابع بفضول .
فجأة يد احدهم وضعت على كتفه من الخلف ليشيب رأسه ويتوقف الهواء عن الدخول الى رأتيه ليلتفت بصدمة* ، تنهد وهو يري السيدة مروة مديرة المدرسة امامه تحدق به بغرابة اثر فزعه الى* هذا الحد المشكوك به قائلة " كيف هي احوال شقيقتك ؟ "
ازدرد ريقه متنهدا براحة يرد بتوتر بعد الصدمة التى سقط فيها ووجهه يلتفت الى كل مكان وكأنه يبحث عن احد* " جيدة جيدة ، سيدتي ، اشكرك "
تحدق به بقوة والى ملامحه الحادة وشعره الثقيل وعيناه المتمردة والتى* ذكرتها بطفولتها ، شيء ما يتسرب داخلهاوينتابها كلما رأته* .. ربما الحنين الى الماضي .. !
لما دائما تشعر انها شابة صغيره كلما تحدق به متناسية تماما اوجاعها الصعبة من مصيبة فقدان عقل ابنها الى تبلد مشاعر زوجها الى وصولها الى الخمسين عام* ، فقط تتذكر موسمها المفضل بلون بشرته القمحي الذي* يشعرها انها بموسم الخريف* !!!.
فى تلك الاثناء
كانت منة تنتظر عودة امين بفارغ الصبر بغرفتها* حتى تحكي له عن ليندا وعن عائلتها التى حكت لها عنهم وكم تشعر بالفخر من قربها وتريد ان تتعرف على عائلتها الطموحة ، وبعد ان انتهت من حل اسئلة الواجب وتستعد ان تذهب مع صوفي وحسناء الى الكافيتريا فقد اهملت البحر ليومين وهى التى تعتبره صديقها الان الذي يسمع شكواها ولا يشعر بالملل ويرد عليها بامواجه التى تشعرها براحة* وكأنه يحتضن خلوتها.
فجأة علت اصواتهن بالاسفل يظهر ان صوفي وحسناء يفتعلا شجارا مع لميس لم يكن شيء مهما من قبل على العادة ولكن ان تدخل حسناء بالشجار وتصيح الى هذا الحد اشعر منة بالقلق بعض الشيء ،فهرولت اليهن بالاسفل* ولكن حين وصلت كانت حسناء تأخذ صوفي الى الخارج وهي تهتف خاتمه قبل ان تصفع الباب بقوة " سأذهب لعاصم بيه "
قالت منة للميس بقلق " ماذا يحدث ياخالة " ؟
" اوقفيهم يا منة بسرعة واخبريهم انها ستفكر بالأمر ولم تقرر بعد "
خرجت منة وراء حسناء وصوفي مسرعة لتجدهما يقفا مع رجل يرتدي زي رسمي ويحمل معه حقيبة مليئة بالاوراق ، اقتربت منهم لتسمع الحوار الذي يدور بينهم
"مدام حسناء هل انت عاقلة حتي ترفضي هذا المبلغ الكبير .."
قالت صوفي بعجرفة " لن نبيع منزل جدي مهما رفعت الثمن " لتردف حسناء هى الاخري بعصبية " والله لو اعطيتني مكان هذا المال ذهب لن اوافق ابدا ."
"أبلة حسناء " ؟؟
" انتظري الان يا منة "
اشارت اليها صوفي ان تصمت حتي ينتهي الحوار ، وما ان ابتعد الرجل وهو يقول " انتما مجنونتان "
هتفت حسناء بحسم لصوفي " لنذهب لعاصم "
قالت صوفي لمنة وهى تمسك يدها وتأخذها معها* " تعالي معنا "
يتبع

سارة منصور دوار الشمس 28-05-23 06:16 PM

رد: رواية جديدة " لم تكن أنثى "
 
الفصل الثالث عشر
* * * * * (٣١)
بعد صراع مر به شريف من تردده بحقيقة موت التوأم ومحاولة سفرهما بقطار الاسكندرية فهو شيء غريب بالنسبة له فاعتقد ذهابهما الى مدينة الاسكندرية ربما بمشورة عاصم او لميس، ولكن لميس لا تعلم بوجود البنتين وايضا الصلة بينهما مقطوعة فكانت الأولوية بالشك بعاصم فالمجهود الذي قام به قبلا بالوصول الى العذبة وطلبهما منه بتلك الجدية لا يمكن ان يُنسى وبالتأكيد لن يتنازل عنهما بتلك السهولة ، اعتقد ايضا انه ربما زيف موتهما ليضعه بالأمر الواقع ونسيان وجودهما ولكن هيهات...
فهو لن يترك مكان بالإسكندرية الا و يبحث فيه عنهما، وخاصةً تلك الخبيثة أمنية التي حرضت "منة "على الذهاب معها، يقسم انه لن يدعها تعيش للحظة حين تقع بين يديه.
* * * * * * * ****
كانت منة تركب بسيارة الأجرة بجانب صوفي وسط اجواء توتريه شديدة فحسناء تجز على أسنانها بسبب والدتها لميس التي أقدمت على التفكير ببيع المنزل الذي يحتويهما من مرار الأيام متناسية انه الشيء الوحيد الذي يمتلكونه بعد وفاة جدها وبعد ضياع كامل الورث في قروض أبيها دون الحصول على قرش واحد وبقت هي تعيل الاسرة ولم يخيل اليها ابدا أن زوجها الأجنبي سيتركها بعد تلك النكسة التي بدلت احوالهن قلبا وقالبا، هي ليست حزينة على فراقه بل ممتنة انه على الاقل لم يأخذ صوفي معه* ويحرمها من فلذة كبدها فذهب وتركها كالكنز بين يديها.
لن تنسي المعروف الذي قدمه عاصم من الوقوف بجانبهن طوال تلك المدة التي لم يطرق باب المنزل أحد برغم المصائب الذي تدور بحلقات دائرية حول المنزل بشكل مستمر ولم تنتهي الا الآن ،انتشلتها منة من عالمها المؤلم بسؤالها الفضولي الموجهة لصوفي .
" من هو عاصم الذي تتحدثا عنه؟
مهلا! هل هو ابوك؟ "
دهشت صوفي وقالت تضحك بسخرية مقارنة بعبوس حسناء حين سمعت تلك الكلمة التي تبغضها فصوفي لاتزال متأثرة برحيل والدها* " لا يا ذكية.. أبي سافر من زمان ، عاصم هذا... "تشنجت صوفي لوهلة ومعها حسناء التى إلتفت اليها بشكل ملحوظ بنظرة محذرة لتزدرد صوفي ريقها قائلة بتوتر"* عاصم كان طليق عمتي.. انه رجل جيد بعد وفاة عمتي يساندنا دائما* " وبختها حسناء بنظرة رمقتها لها بتحذير لتلوح لها صوفي خلسة بمعني ان هذا ما استطاعت قوله الان.
ردت منة بغرابة " عجيب هذا الأمر، الدنيا مازالت بخير ياصوفي..، الغرباء يساعدون اكثر من الاقارب " ابتسمت صوفي ساخرة "الاقارب عقارب ياعزيزتي"
لا تريد حسناء ان تكون هي من تخبرها عن امر عاصم فالبنت حساسة وتعاني من الصرع ،فتلك مهمة امين وهى في غنى عن اي شيء خطر .
هنا وصلت السيارة بجانب بيت ضخم بعض الشيء مقارنة بمنزلهن به طابقين بباحة كبيرة بها حديقة مميزة ظاهرة جدا من البوابة الضخمة بكل اركانها الجميلة.
بقت منة تحدق عن قرب وحسناء تكلم البواب الذي فتح البوابة لهن لينتظرن عاصم بالداخل فقد أخبره انه سيصل بعد نصف ساعة بالهاتف الارضي المعلق بجانب البوابة، اقتربت صوفي من منة التى شردت بالزهور الخلابة قائلة بمرح "لم اتي الى هنا منذ فترة طويلة...* لم تلقي استجابة من منة التى سرقتها قدماها الى الداخل قليلا فعلمت صوفي انها قد سحرت بجمال الحديقة فبقت تنظر اليها وتخطو بجانبها حتى اردفت" هل يعجبك المكان هنا؟ "
انتبهت منة لها فابتسمت بحنين قائلة بخيبة " فى منزلنا الكثير من الحدائق المماثلة لهذه ولكنها ليست مرتبة بهذا الشكل الجميل "
التمعت عين صوفي بفضول فهي تريد ان تستفسر عن ماضيها اكثر فقالت بتركيز "سمعت من جدتي انك كنت تعيشين بالريف ..؟"
"احيه ! انت لست معي خالص ! ، ماذا يشغلك لهذه الدرجة"
كانت تريد ان تعرف المزيد عن حياتها الماضية ولكنها تتهرب فأردفت صوفي بحنق "اسمعي لا يمكننا ان نقترب اكثر فقد ترانا الساحرة وتوبخنا وانا لا اتحمل غرورها وكلماتها الساخطة "
في تلك اللحظة ظهر ارنب صغير بوسط العشب فانتشلهما من تحدثهما من كثرة اللطافة التي يتمتع بها الارنب وهو يداعب انفه لهما فأردفت صوفي متناسية تماما ما كانت تحذرها منه "يا اللهي... لم ارى ارنب من قبل امام عيني كنت اراهم فى التلفاز انه لطيف جدا"
"انه جميل جدا "
هرعت منة مسرعةً الى الأرنب وعلى العكس تماما قابلها الأرنب بهدوء ، جثت صوفي على اقدامها مقابلة لمنة ليحدقا به بمشاعر ناعمة ورفرفة قلوبهما من لونه الابيض الخلاب وبأنفه الصغيرة الوردية تجعله يشتهيا قبلة ،انتبهت منه الى وجود المزيد من الأرانب فاقترابا اكثر منهم وهما ينحنيا بظهرهما لمشاهدتهم عن قرب ، ظهر فجأة امامهم فحرة بالأرض وسط العشب فكان هذا بيتهم وبقسمات فرحة قالت منة " لم اري من قبل ارنب بلون الزهري ،هل يكون مستورد"
ضحكت صوفي على عفوية منة ترد بسخرية "انت حقا فصيلة"
فضحكت منة على طريقة* ضحكات صوفي الرنانة الملفتة والمثيرة لسخرية ،فجأة أحسا باقتراب سيارة تمشي عن قرب* فأسرعت منة بوضع الأرنب الزهري بجيب بنطالها الواسع دون ان تنتبه صوفي التي انتفضت واقفة تلمح سيارة السيد عاصم بوصولها فهرعت اليه لكي يراها ويعطيها المال الذي تعودت ان تأخذه من صغرها منه حين يقابلها .
وقفت منة تتابع جري صوفي بحذر ناحية السيارة ومن ثم طريقة سلامها على عاصم بهذه المودة فتساءلت هل تحبه حقا الى هذا الحد الذي يجعلها تنسى وجودها بلحظة !،اختارت ان تبقي مخفية وسط العشب حتي لا يرى الارنب* الذي يحاول ان يخرج من جيبها ، بقت تراقب من بعيد ولا يصل اليها ما يدور من حديث ،شعرت ان هذا الرجل مألوف جدا ولكنها لا تتذكر اين رأته ، تتساءل لما يربي هذا الرجل الغني الأرانب تحت الارض ، رأته شيء غريب عن المألوف .
" لا تقلقي سأصل الى حل معها "
"صدقنى سيد عاصم قال الطبيب ان جسدها لن يتحمل اى عملية جراحية ستموت بثانية وهى لا تستمع تراني مجرد هراء امامها ،ساعات أشعر أنها* تريد ان تهدم اي حيطة استند عليها بالمستقبل تعاملني كأنى السبب بما فعله ابي معها* "
"اهدئي ياحسناء قولت اننى سأصل الى حل معها "
ردت صوفي ببعض الخجل من عاصم" امي الموقف لا يستدعي ان تكوني عاطفية بهذا الشكل "
كتمت حسناء غيظها قائلة بندم "اسفة سيد عاصم* ولكن الامر اصبح صعبا علي "
ربت عاصم على ظهرها باطمئنان* قائلا " سأبحث لك عن عمل اخر بأجر جيد "
ثم صمت قليلا قبل ان يضيف قائلا بفضول "الم يأتي زائر اليكن غريب بعض الشيء ؟"
تفاجئت حسناء ان لميس لم تخبره بعد عن وجود امين ومنة بمنزلهن فعلمت ان الضربة التى ستقسم ظهر البعير بحوزتها الان ورغم شدة توترها ردت مسرعة "لا "
فبادلها عاصم نظرات الشك لتضيف بتوتر شديد "اي زائر يا سيد عاصم* لاحد يأتي الينا سوا اصحاب الضرائب وانت تعلم "
هز عاصم رأسه بإيجاب بخيبة أمل " ان اتي احد ما وقال شيء غريب عن المألوف اخبريني فورا "
ردت بتلكؤ
"حسنا حسنا "

تأكدت انه يعبئ لأمرهما حقا وان كل ذلك بمصلحتها ،ومن الاساس لا يمكن ان تتكلم عن أمين و منة فقد سمعت تحذير امين لوالدتها لميس بألا تخبر اي شخص عن وجودهما معها ابدا.
لم تعجب صوفي بطريقة والدتها ابدا ورأته شيء غريب خاصة وهي التي حكت لها ماضي جدتها نجلاء وقصتها مع عاصم وكم اعتبرته قصة حب مأساوية .
رأت منة عاصم يركب سيارته ويذهب الى طريق الڤيلا الخاص به ،فخطت بتوجس ناحية صوفي التى كانت تبحث عنها بعيناها ولم تنتبه منة الى الذي كان يراقبها من اعلا الشجرة بانتباه من البداية .
...في سيارة الاجرة ..
تأففت صوفي قائلة بغضب " هل نسي ان يعطيني مالا ،والله كنت بحاجتهم جدا** "
حمدت حسناء الله ان عاصم لا يعرف شكل منة وانها كانت مشغولة بالحقل وسط الزهور ،كل ذلك جاء بمصلحتها بالأخير .
حدقت صوفي بدهشة بالأرنب الذي اخرجته منة من جيبها قائلة بحماس " يامجنونة هل قمت بسرقته ."؟
ارجعته منة الى جيبها تخبئه في الحال حتي لا تراها حسناء الذي التفتت اليهما وهي بجانب السائق معتقدة انها قامت بسرقة وردة مثلا ،هي لا تعبئ وبتردد شديد قالت " منة ما حدث اليوم لا يمكنك ان تخبري أمين عنه ،ماشي؟"
تساءلت منة بداخلها ولما سيهتم أمين بهذا الامر من الأساس فردت دون اهتمام .
"حسنا ".
لم يعجب صوفي ما يحدث امامها فبقت تحدق بوالدتها بغرابة اعتقدت انها ستقوم بتعريف منة على عاصم لهذا لم ترفض بالبداية ولم تعلق على ذهبها معهما ، أحست بالتعاطف الشديد على عاصم فلم تنسى مجيئه كل فتره اليهن يشحذ اي معلومة خاصة بجدتها نجلاء ،تحاول ان تفكر لما ؟
لم يأتي جواب بالنهاية سوي انها انانية منها ومن جدتها لميس وهل يفعلا ذلك مقابل معروفه !
فى تلك الاثناء ...
دخل عاصم الى الڤيلا وجلس مضجعا على الفراش يفكر بكل المسؤوليات التى تعيق راحته ولكنه لم يتحمل ليذهب بالنوم بغفله .
وبعد عدة دقائق دخلت عليه زوجته قائلة بصوت مزعج صرعه من النوم ليفيق مفزوعا " عاصم ...هناك زائر يريد مقابلتك بالأسفل* ،لم يعد ينقصنا غير ضيوفك الفلاحين "
تأوه عاصم من شدة الألم بصدره اثر فزعه* وكان روحه خرجت ثم ردت بصدرة بقوة "يا الله* .. كم اخبرتك مئات المرات لا تصحيني من النوم ابدا "
ردت وهى تخرج من الغرفة
"تبا لك ولنومك "
جز على اسنانه وبعض الندم الذي عهده يعود اليه يقتله فهل ترك بيت الرحمة والحنين والحنية كله لأجل الزواج من تلك الناشز والحصول على اولاد يشبهونها ، كان يخاف من الوحدة* وبأن يموت ولا يتذكره احد ، شعر بها حقا حين تركها هي ..!
ليته كان انانيا وجعلها بجانبه تربي اولاده معه ،ربما كان ليكبرا سويا ولم تكن لتموت وهى بأحضانه .
"استغفر الله العظيم يارب "
عاد ليغفل بنومه ولكن فجأة جحظت عينيه حين ترددت كلمة ضيف على مسمعه فهل كان الضيف الذي ينظره طويلا ؟،قفز من على فراشه وذهب* الى رؤية الضيف بالأسفل ،دخل وقلبه يتواثب بالقلق ،ليري ما لم يكن يتوقعه ، بل أبى ان يتوقعه !.
وقف اليه مقابلا له يرمقه بنظرات مليئة بالشر* "اين بنات اختي يا عاصم "
* * * * * * (٣٢)
استغلت الفرصة قبل ان يأتي أمين وذهبت بعد ان شعرت بيأس من صوت ضميرها ،فالرجل لم نري منه الا الخير هل يستحق تلك المعاملة ،علمت انه ينتظرهما من لمعة عيناه وهو يسأل عن ضيف* ،هي متأكدة بأنه يسأل عنهما ويا وجع القلب بأمين الذي يأتي متهالك من العمل لكي يعين شقيقته ،هي لا تحبه ابدا ولكن احوالهما صعبة ويحتاجان الى احد يعينهما و يساعدهما على تجاوز ايامهما الصعبة ،هي بدون امها ستكون هالكة لا محالة ،فشعور وحدتها وابيها بيعد عنها يقتلها ،ما بالك بيتيم الام والاب بالتأكيد ان الحياة ستهلكهما لا محالة ،ربما ان ساعدتهما وبادرتهما بالخير يتذكرونها ببعض الخير الذي سيقدمه عاصم لهما .
ضربت الباب بخفة هامسة "منة، يا منة ، ان كنت تسمعيني افتحي الباب"
مرت ثواني وكأنها دقائق فالخوف يلهب قلبها من ان تراها حسناء فقد حذرتها بشكل مبالغ بيه .
وحين فتح الباب وقبل ان تنطق منة دخلت صوفي مسرعة وخافقها يتواثب بحنون ،هدئت من روعها وهي تضع يدها على قلبها* ، تنظر اليها منة بعدم فهم فجاء بخاطرها ما تخاف منه "مهلا! هل جئت لترجعي الارنب ؟ ،انه مجرد ارنب لن يعبئ به عاصم ارجوك دعيني أربيه "
رفعت صوفي سبابتها على شفاه منة قائلة بهمس " وطي صوتك يا حمقاء ،اريد ان اخبرك بسر "
"سر"!
ردت مسرعة بتوتر
" هل تعرفي من هو الرجل الذي رأيناه اليوم "
"عاصم* زوج عمتك المتوفية "
تنهدت بأسف " انسي ما قولته ..انه ..طليق* امك "
...يتبع ..

سارة منصور دوار الشمس 02-06-23 08:13 PM

رد: رواية جديدة " لم تكن أنثى "
 
الفصل الرابع عشر
عبست ملامحها امام صوفي تفكر بالماضي وبما حكى لها شريف عن ماضي والدتها ،غريب ! فما ذكره لها كان رجلا فقيرا يعمل بالمواشي بالعزب وقام بتطليقها لأنه عاجز عن اعطاء حقوقها ،تتذكر آخر أيام نجلاء وكم كانت تخرف وهي غائبة عن الوعي بإسم عاصم دائما مقرونا باسم أمنية كم اوجعها الكلام المتقطع الذي تحاول امها جاهدة ان تقوله وتوصله لها بشكل واضح وهى لا تفهم شيء ولكن ما كان واضحا كلماتها المتقاطعة اثر نفسها الثقيل بألا تخبر شريف عن حقيقة أمنية .
"يا بنتي اين ذهبتي ؟"
خرجت منة من شرودها تسبل اهدابها بتوتر قائلة بغرابة " لا ...انه ليس هو ،طليق والدتي كان فلاحا وفقير "
تريد صوفي ان تشرح أكثر ولكنها تخاف من ان يتم إمساكها فردت مسرعة قبل ان تبتعد وتذهب الى غرفتها بعد ان سمعت صرير باب الغرفة المجاورة "انا متأكدة مليون بالمئة ،لا استطيع ان اوضح اكثر ،وارجوك لا تخبري* جدتي وامي عما قولته ،سلام ،اراك لاحقا "
نادت منة عليها بفضول معتقده انها بوابة لأسرار ماضي والدتها المجهول ،ولكن لما هي خائفة من لميس وحسناء ،هنا تأكدت ان هناك شيء كبير يعرفونه قد يهدد وجودهما هنا .
رجعت منة الى داخل غرفتها واغلقت بابها بعد ان اشارت لها صوفي بأن تصمت وتدخل الى الغرفة ،و أول ما جاء بخاطرها.. الأشياء التي كانت تحتفظ بها والدتها بجيب حقيبة صغيره كانت تخفيها معها دائما تحت ملابسها بخزانة الملابس ورأتها منة فى بعض الاحيان ،لذا كانت اول شيء تأخذها معها وهي تهرب من العزبة ،هرعت تبحث عنها بين ملابسها* وما إن وجدتها قلبت بين محتوياتها حتي رأت الصور ، لمحت صورة لوالدتها بجانب فتاة عشرينية تشبه الى حد ما خالتها ،كانتا بعمر الزهور بالعزبة ومعهم شاب رافعا كلتا ذراعيه على اكتفافهما بلطف وكأنه يعانقهما بمحبة وهما سعيدتان للغاية ،تحاول ان تدقق بملامح الشاب ،انه لا يشبه بتاتا شريف كما ان شريف اصغر من نجلاء ولميس* بعدة سنوات ،ولا يشبه احد من اخوالهما ،فهل يمكن ان يكون عاصم لا تجزم انه هو فهي لم تري ملامحه جيدا حين كانت بمنزله، كان بدين قليلا باختلاف الصورة ان كان هو .
عزمت على اخبار أمين بهذا الأمر ،ربما هذا الرجل يساعدهما او يضرهما ان علم انهما مع لميس ،كما ان نوايا لميس وحسناء ستكشف حقيقتهما بإخفاء امر عاصم عنهما.
* * * * * * * * * (ظ£ظ£)
كان يعمل أمين ليل نهار دون راحة تُذكر ،النوم هو المكافئة الوحيدة التي يحصل عليها بآخر اليوم أصبح اكثر طموحه هو الحصول على ساعات اكثر لنوم ،فشدة العمل والضغط المتراكم عليه أنساه نفسه وحتى اصبح يشفق على منة التى تحاول جاهدة ان تجد وقت وتتحدث معه فكلما يراها* ويجلس معها ما يلبث سوى لحظات ويرمي جسده على الفراش ، حتي جاء يوم الجمعة الذي انتظره ليجلس معها ولكن قد غلبه النوم بالصباح ولم يستيقظ الا بموعد الذهاب للعمل بالدكان مساءا ، يفكر بأن يتركه للفراغ قليلا لمنة ولكنه برغم كل المساوئ الا انه سعيد ان المال يجري بجيبه* ولن يحتاج لشيء وخاصة منة لن يجعلها تحتاج لشيء ايضا كل ذلك يهون عليه ساعات العمل الصعبة ،وتلك هي الضريبة التي يدفعها الرجال ،فلتنتظر منة قليلا حين يجد مأوي لهما ولن يجعلها تحتاج لتكلم معه . استأذن من رأفت ان يذهب مبكرا فلم يتأخر بإجابة طلبه ،بحق الرجل يعامله معامله حسنة حقا ،رغم الشك بماضيه والكلمات الغريبة التى اخبرها به قبلا عن قتل والده لوالدته من اجل خالته فهل كان يخرج سيناريو عليه حتي لا يشعر بتكبره ويري ان حالهما لا يختلف عن الاخر بمشاكل الاسرة .
تنهد وهو يدخل من باب المنزل ويتمني الا ينام ويتحمل السهر قليلا حتي يجلس مع شقيقته ولو ساعة واحدة ، وكالعادة يدخل من باب المنزل ليرى صوفي واقفة امامه تحدق به بغرابة وكأنها تريد ان تقول شيئا وهو لا يريد ان يعطيها المجال لكي تتحدث معه ،رائحتها كالدخان* وكم يشمئز من وجودها حولهما وكم يشعر بالتهديد على شخصية منة منها فالبنت تحبها ولا يعرف كيف وهى مستفزة جدا ،صعد بسرعة الى الغرفة ولم يسمح لها بفرصة لكي تخبره بحقيقة الامر الذي يشغل بالها مع عاصم ،فعلمت ان منة لم تتكلم معه بعد ، همست بين نفسها " ما الذي يؤخرها الى ذلك الوقت ،مهلا هل خافت ..لا لا كانت لتأتي وتفتح معي الحوار* مجددا..،اف !"
* * * * * * * ****
.
"اهلا اهلا حبيبتي ،الحمد لله انك مستيقظة "
يهتف بها أمين مبتسما وهو يغلق باب الغرفة عليهما .
"طبعا لا يوجد نوم فالامتحانات على الابواب ،وعندي منافس اريد ان اغلبه "
ابتسم أمين بسعادة غامرة وهو يراها متلهفة على الدراسة* فقال يحمسها اكثر "من هي ..اخبريني ؟"
رفعت منة حاجبيها بدهشة وقالت تلاعبه بالكلمات "ولما انت متأكد انها فتاة ،الا يمكن ان يكون فتى* مثلا؟"
ضحك بمبالغة يحاول ان يخفى قلقه الشديد قائلا بجدية "انا متأكد ان اختي لا تصادق الشباب "
"ولما لا ؟"
نبضات قلبه تزادا خوفا عليها فقال بتماسك " لا لا يامنة لا تقتربي من اي شب يحاول ان يظهر لك ان الصداقة بين الفتاة والشب شيء عادي ،الرجل رجل والفتاة فتاة والعقول مختلفة "
نظرت له متعجبة فأردف "الرجل لا يري بالفتاة الا شيء واحد يمكنها ان تقدمه له ، بعكس الفتيات عقلها متفتح جدا وبريئات* "
تريد ان تناغشه قليلا ولكن عيناه مرهقة تتوسل النوم فقالت مغيرة للموضوع برغم انها تريد مشاركة عبئها معه بخصوص امر عاصم الا انها تشعر ان الوقت غير مناسب لتلك المناقشة ،فربما ينقلب الوضع معهما بتوتر وخوف من امر عاصم وهما عندهما ما يكفي لذا ستأجل امر اخباره بعد الامتحانات ،قالت مغيرة للموضوع" ليندا تدعي ليندا ،انها فتاة متفوقة جدا وعبقرية رياضيات "
"معقول اشطر منك ؟"
"اكيد "
قام من مجلسه وقال بتشجيع وهو يربت عليها "لا تحكمي على نفسك الان ،اعرف انك افضل منها ، وسنعرف بالنتيجة "
مالت منة راسها بإيجاب قائلة " هيا هيا فلتنام وانا سأدرس ،نتكلم لاحقا "
جلس على الفراش قائلا وهو يحرك سبابته بالنفي.
"لا لا اليوم يوما سأتحدث معك قليلا"
فسألته وهي تحدق بالكتاب المفتوح امامها "حسنا ، كيف كان يومك ..؟"* لم تتلقي ايجابه فرفعت عيناها من على الكتاب لترى عينيه تغمض ثم تقاوم* فلزمت الصمت لم يمر سوي ثوان حتي دخل بالنوم تحت نظرات منة التي تفكر بأمره كثيرا تلك الأيام* وتريد مساعدته بتحمل العبء
.
* * * * * (ظ£ظ¤)
"واخيرا انتهينا من المادة الاخيرة بالامتحان وبعد طول انتظار ،اخبريني* ماذا ستفعلين بالإجازة ها؟"
تهتف بها ليندا متسائلة لصديقتها منة التى اصبحت بالأوان الاخيرة وبوقت قصير صديقتها الوحيدة الغالية ، ابتسمت منة ترد بقلة حيلة تنافي ملامحها المشرقة التى تبتسم دائما بالسراء والضراء وهذا ما اعجبت به ليندا كثيرا " انت لست غريبة ياليندا لن انكر واقول انني سأسافر الى مدينة سياحية مثل بنات الفصل بالحقيقة سأبحث عن عمل لكي اشارك بالمسؤولية التى تهلك كاهل اخي "
ران الصمت لثواني وهما يتجولا بحوش المدرسة تحت اشعة الشمس الحارقة قبل ان تقطع الصمت ليندا قائلة " بالشخصية التي حكيتى لي عنها* فأنا متأكدة* أنه لن يوافق "
"لذا لن اخبره ،سأعمل بالسر "
"اوووه ،ما هذه الجراءة يا فتاة "
"ساعات الحياة تجبرنا على فعل اشياء ليست من شيمنا "
"اعلم هذا الشيء "
توقفت منة عن المشي بدهشة فبادرتها ليندا " لا لا تعلمي يا ليندا . فالتشكري الله لديك أم واب يحبونك وايضا حياة لا بأس بها "
تنهدت ليندا بأسي قائلة* " رغم المعاناة التي مررتى بها ،اتمني حقا لو اكن مكانك "
جلست منة على الارض وحملقت بليندا طويلا دون كلمه فقط الأسي والحزن قد شكل قسماتها فتغيرت ملامحها فأضافت ليندا " هل يعقل ان تكون حياتك اسوء من حياتي* ؟لا تنظري الي بتلك الطريقة المبالغة ،انت لا تعرفي بما يراني الناس وكم يخجل مني ابي وامي واخواتي فى اي تجمع هل هناك شيء اسوء من ذلك* ،انت جميلة وملامحك بريئة الكل يحاول ان يتحدث معك وهذا فى حد ذاته نعمة كبيرة ،المال ليس كل شيء يا منة ،اعتقدت انك ذكية "
لقد فقدت عذريتي على يد خالي ،كانت تريد رمي تلك القنبلة بوجه ليندا ولكن لم تستطع ان تهتف بها* ،فجلست منة على الارض تحدق بالشمس الساطعة بتحدي ،فبادرتها ليندا وجلست بجانبها تتفحصها* بعيناها التى لا تتوقف عن الكلام وشفتاها مقيضة لا تتحرك ،فجأة التفتت اليها منة أرادت ان تتكلم وتخرج بعض الجروح ورؤية رد فعل ليندا* ولكنها فشلت فعانقتها منة طويلا اختتمته ببعض قطرات الدموع التي هربت من مقلتيها .
"لا تبكي ارجوك..،انا اسفة منة "
"تلك المعاناة التى اخبرتك عنها كانت عشرة بالمائة من البلاوي التى اعيشها ،فانا لم اخبرك بكل شيء "
ربتت ليندا على ظهرها ،ولم تجد ما تقوله لها فندمت على كلماتها .
وبعد مرور الوقت وقد ذهب كل الطلاب من المدرسة ولم يشعرا بالوقت رغم حرارة الجو والصمت الذي يعم المكان ، بغتةً صدر رنيت رسالة اشعارات بهاتف ليندا فتصفحتها* ثم جال بخاطرها فكرة فقالت بحماس تقطع جو الحزن والكأبة التي أحدثتها "اسمعي ما رأيك ان اخذك بجولة بمنزلي صدقيني سيعجبك المكان .."
بصوت مرهق ردت منة "لا لا انا متعبة جدا لم انم طوال الليل "
قالت ليندا بإصرار مقاطعة لكلامها "لا لا لن اتركك اليوم صدقيني لن تندمي وانت قولت بلسانك اني لست غريبة "
"لم اتعود ان اذهب الى مكان دون ان اعرف امين "
ابتسمت بسخرية محبوبة بملامحها الطفولية " بدليل انك ستعملين دون علمه "
"ارجوك يا ليندا.. ، وبعدين ماهو المميز بالذهاب الى بيت احد ،البيوت جدارن* كالسجن تماما "
ردت ليندا بثقة
"هششش ... لن اتركك حتى تيجي معي .."
باستسلام ذهبت مع ليندا التى امسكتها بيديها الصغيرة تسحبها معها الى السيارة التي تقف تنتظرها منذ ساعتين تقريبا وراء بيت خلف المدرسة ،ركبت بجانب صديقتها وتأنيب الضمير* يلح عليها ويفرض اليها الامثال بإن عاد أمين مبكرًا من العمل وسأل* صوفي عنها ،وصوفي كانت قد رأتها تجلس مع ليندا واخبرتها انها ستذهب بمفردها اليوم ،ان علم امين بذلك سيوبخها ويأخذ على خاطره وهو يكفي عليه حمولته من الهموم فقط تخطى حاجز المساكين ،هل ستجعله يشيل همومها السخيفة بعودتها الى البيت بمفردها هي الأخرى .
"توقفى عن التنهد ...لن يكتشف ابدا ....ام انت خائفة من ان اقوم بخطفك مثلا ..."
حدقت منة بها بتوتر ،فعبست ليندا تردف " حقا ..؟ انت موسوسة جدا"
لم تعلق منة عليها فأردفت ليندا بعد ان زفرت "توقفى عن الهبل ..لقد وصلنا .."
التفت الى نافذة السيارة فدهشت من مكان منزل ليندا فهو فى حي الاغنياء . فقالت بدهشة"هل انتم اغنياء الى ذلك الحد ؟"
ضحكت بسخرية من شدة سعادتها بأنها لأول مرة تدخل صديقة لها بيتها ،فكم تمنت منذ طفولتها ولو كان لها صديقة واحدة تريها غرفتها وألعابها ويخرجان برفقة بعضهما البعض بين الحين والأخر* ،لا تنكر ان هناك من حاول ولكنهم كانوا خبثاء جدا وقد اضروها من اجل مصلحتهم "هل ستحسدينني الآن "
تغيرت ملامح منة من الدهشة الى الصدمة بعد ان نزلت من السيارة ورأت تلك الع¤يلا التى دخلتها قبلا مع صوفي لمقابلة عاصم على مقربة من ع¤يلا ليندا مع اختلاف ان بيت ليندا اكبر واكثر فخامة .
رأتها ليندا شاردة تنظر الى الع¤يلا التي بجانبهم فقالت بتفاخر "هذا منزل أونكل عاصم ..وتلك الع¤يلا المقابلة ملك لاونكل رشيد ،نحن ننحدر من عائلة ثرية يا بنتي* "
ازدردت منة ريقها بصعوبة من شدة التوتر فردت بصوت متوتر بعض الشيء " هل هو عمك على طول ام يقرب لوالدك من بعيد .."
".ومن يهتم اصلا ان كان قريبنا من بعيد ام شقيقه فنحن لا نراه الا بالمناسبات .."
لم تعطي اجابة تشفي توتر منة ولكن ما طمئنها قليلا هو كلامها ومن يهتم ان كان اخيه ام قريبه بالفعل فلا احد يعرفها ،ايضا تأكدت من ردها انهم ليس على علاقة ودية فذلك الرد لا يظهر اي محبة اتجاهه. .
حاولت ان تخرج التوتر فهي ضعيفة وحالتها لا تسمع لكل ذلك القلق فقد تأتيها حالة الصرع ، حاولت التذكر ان كانت قد اخذت دوائها بالصباح ،فارتاح بالها حين رجعت ذكرى وضع حبة العلاج بفمها من قبل امين قبل ذهابه للعمل ،شعرت بالخيانة فهمست "اسفة يا حبيبي والله ".
تناست كل شيء حين دخلت الى الع¤يلا ورأت فخامة المكان من عمدان طويلة واثاث جميل ورقيق ايضا ،وكأن من يعتني بالديكور فنان حقا ، قالت بغرابة " ان كنتم اغنياء جدا* ،لما تدخلي مدرسة مجانية لا تشبه مستواكم ؟ "
"حقا ! لا تعرفي "

* * * * * * * *****
في تلك الاثناء كان أمين يعتني بنظافة المدرسة ويتمني ان تدرس شقيقته هنا فاهتمامهم الشديد بالنظافة والعمل من ناحية فريق التدريس والتدريب لهو ممتاز ،لو كان فقط يملك المال الوفير لن يتردد للحظة لجعلها تدرس هنا ،على الاقل سيكون المكان قريبا جدا من المنزل وتكون بقربه وامام عيناه .
وهو يكنس الطريق المرصوف الطويل الفاصل بين حوش المدرسة وبناية الفصول و المتنزه الخاص بالمدرسة لمح المديرة تمشي باتجاهه فتوقف عن الكنس حتي لا يدخل الغبار بعيناها وبملابسها الراقية همس بغرابة " لديها قوام شابة وهى بعمر الخمسين ،بالتأكيد تدفع مبالغ طائلة للحفاظ على بشرتها وجسدها ،من الواضح انها مرفهة وتعمل لأجل تضيع الوقت "
وما ان وصلت إليه سألته باهتمام " ما رأيك بالعمل معنا يا امين "
نعومتها بالسؤال لم يعجبها فهل تعطف عليه بنعومة حروفها لأنها تشفق عليه . عينيها بها لمعة تجعل بدنه يقشعر تلك السيدة غريبة تتلون كالحرباء التي لا يعرف معدنها الأصلي ، وهو لن يجازف بمعرفة اصلها ،رد باقتضاب " ليس سيئًا سيدتي ،الحمد لله على كل حال "
لم تعجبها إجابته الباردة لا تعرف من الاصل لما ذهبت اليه حين لمحته قبل ذهابها الى المنزل ، لم تشعر بنفسها وهى تقول بعد ان تذكرت تلك الاشياء التي تحتاجها " ما رأيك ان تساعدني بحمل بعض الحاجات الى بيتي "
بعض الكلمات التي تحرك مشاعر جوارح الجسد كالحواجب والشفاه والعين تظهر المعدن الحقيقي* ،بدأ يشك* بنوايا تلك السيدة فرد عليها بكل أدب " اسف سيدتي انا لدي عمل أخر بعد انتهائي من الكنس وقد تأخرت بالفعل " تسمرت بمكانها لم تتوقع تلك الاجابة منه ،تحاول ان تغير من شخصيتها الرخيصة ولكن جسدها يأبى ومع وصولها الى الخمسين وكبر اولادها زاد الامر سوءا وهي التي كانت تعتقد انها مع الكبر ستهدأ ،بعض الاحيان تشعر انها محظوظة لأنه لم يكتشف احد حياتها الثانية السرية* التي تنافي القيم والاخلاق* .
عضت شفتها تحاول كتم الغضب امامه فاستدارت دون رد وذهبت بطريقها الى خارج المدرسة* ،فانجذابها لمراهق أصغر من أبناءها حتى ،يجعلها تغضب وتجن فكيف لها ان تفكر بالتقرب منه ،* فهل اكتشف ذلك من محاولة صغيرة لا يوجد بها اي نوايا بعد .
همس امين بين نفسه بغرابة " هل ما افكر به صحيح ...لا لا ؟! لا يمكن ! اعتقد انني فهمت خطأ نشأتي بالريف تجعلني أرى الامور معقدة ،يجب ان اخذ كل شيء بصدر رحب الناس هنا متفتحين .."
يتبع...

سارة منصور دوار الشمس 02-06-23 08:14 PM

رد: رواية جديدة " لم تكن أنثى "
 
الفصل الخامس عشر
انتهي أمين من تنظيف الأماكن الموكل بإنهائها وكالعادة كان أخر من يخرج بالمدرسة ، عزم اليوم على الذهاب إلى الدكان مشيًا على الأقدام ،فقد شعر بالملل من ركوب سيارة الأجرة كل يوم* ، اراد* ان يستنشق بعض الهواء قليلا ..
وفي منتصف الطريق شعر بالتعب الشديد فقرر أن يوقف سيارة توصله .. ظل يشير العى سيارات الاجرة بوسط زحمة السير وكلما تقف سيارة ترفض الذهاب الى ذلك المكان بسبب شدة الزحام بالطرق المؤدية اليه ،حاول أن يتمالك نفسه ويكمل ماشيا ولكن هيهات...
فلأول مرة جسده يأبى أن يتحرك وكأن ضغط العمل بالأوان الاخيرة قد تراكم على بدنه فجأة دون مقدمات فظل ساكننا يجلس على ناصية الطريق يحدق بالناس ويركز بوجههم ،كل شخص منهم به تعبير مختلف عن الأخر ،تساءل إن كان احدهم يمر بنفس ظروفه* ؟ ويعيش بالخفاء مثله . جرت الساعات دون أن يشعر فنسمات الجو كان لطيفة بالمساء ، بغتة تذكر ان لديه عملا اخر ينتظره ولكن قدميه تأبى التحرك تساءل مفكرا ان اقدم رأفت على طرده لأجل غيابه اليوم مثلا ؟ .. فاستسلم لتعب بدنه وارتاح قليلا فلا يوجد اي مقاومة داخله حاليا.
هدأ الزحام قليلا مع مرور الساعات افترض ان الساعة الان الثانية عشر منتصف الليل ، حاول ان يقف على قدميه فنجح من المحاولة الأولى ،الأن عيناه ترفض المقاومة بفتحها فالنعاس يغلب عيناه تُرى ما الذي حدث له اليوم ليكون متعبا بتلك الطريقة* فهو يوم مثل باقي الأيام؟ خطى قليلا ناحية الرصيف وحاول أن يشير لسيارة أجرة رغم ثقل جسده ..رأي سيارة فجأة تأتي مسرعة جدا تظهر بنهاية الطريق ،ضيق عينيه ليراها بشكل اوضح ،كانت حمراء فارهة ،يكاد يصل اليه صوت الاغاني المشغلة بالداخل بصوت مرتفع جدا* ،جحظت عيناه بانتباه شديد حتى طار النوم من عينيه ، السيارة تأتي باتجاهه بسرعة جنونية وبلحظات تخطف الانفاس انعطفت السيارة من أمامه على اخر لحظة وارتطمت بنفس المكان الذي كان يجلس به على الارض ومن شدة سرعة السيارة عادت تندفع* نحوه من جديد ولكن العجلات قد لفت باتجاه الجانب الاخر مصدرة صوتا عاليا جدا يردد صداه بعيدا ..قلبه الذي ينبض الآن معجزة كبيرة فكان بينه وبينها خطوة ، فزيائيا* لابد وأن يكون تحتها الان محطما بين عجلاتها.
بقي يحدق بالسيارة وقلبه يكاد يقفز من بين ضلوعه ،تجمع الناس حوله* مصدومين غير مصدقين بوقوفه حيًا فقد اعتقدوا بموت هذا الشاب لا محالة ، اتجه بعض الشباب* والرجال الكبار الى السيارة المقلوبة يحاولوا فتح باب السائق وهما يقولا بنفس واحد "الله اكبر ،استرها يارب"
ظل واقفا متجمدًا مكانه يراقبهم تحت خفقان قلبه الذي يجعل الرؤيا سوداء بعينيه بين الحين والأخر ، نجحوا بإخراج شاب ملطخ بالدماء ، انصدم امين فور رؤيته بشدة فقد تكهن أنه نفس الشاب الذي كان يريد ان يضربه قبلا بالمدرسة مع صديقه لاعب الكرة ....
قلبه يتواثب هلعا وظلت قدميه متجمدة مكانها حتي أتت الاسعاف* ،ومن حظهم ان المشفى قريبة جدا منهم .
خطى اليه راجل طاعن بالسن قائلا له وهو يربت على ظهره " سبحان الله اعتقدت انك هتروح فيها* ،انها دعوات الأم يا بني* "* حدق به امين بغرابة طويلا حتي استوعب كلماته التى أثارت السخرية وجعلته يفق مما هو فيه* ثم قال " لا ،امي متوفية الحمد لله "
"اذا دعوات الاب "
ابتسم امين بسخرية امام العجوز* قائلا "توفى هو ايضا "
ضرب الرجل يديه ببعضها قائلا بحزن "لا تحزن .. تعالي لنرى ان كان اصابك شيء بالمشفى يا بني ،كمان نطمن على الشباب "
رفض امين قائلا "لا لا لقد تأخرت على المنزل "
امسك به العجوز وأقف سيارة فى ثانية واحدة وجذبه قائلا مشفقا عليه" لا والله لن ادعك حتى نطمن عليك "
لم يري امين احد غريب يشعر بالخوف عليه ،كان احساس لأول مرة ينتابه ،فاستسلم للعجوز ولانه لا يوجد داخل جسده قوة لمقاومته ايضا ، دخل معه السيارة متناسيًا حالته تماما .
وما ان وصلا الي المشفى قال له العجوز " لم تخرج بطاقة بعد* صحيح ؟"
جحظت عين امين وقد استوعب مما هو مقدم على فعلك ،هل يجن لكي ينسي امر حالته ويحعل طبيب يفحصه ..!
هنا..لمحا تجمع الشباب امام قسم الطواري الذين كانوا موجودين بالحادث** فقال له العجوز انتظر هنا حتي أسأل عن احوال الشباب المساكين ،الله يكون بعون اهلهم "
جاء احدهم* وقال يفزعهم جميعا بصوت عالي " لقد مات ثلاثة منهم فى الحال ، والسائق لا يزال به النفس "
كانت بعض الأهالي قد جاءت فبدأ صوت الصراخ يعلو والنحيب ، يظهر انهم عائلات غنية* ، جحظت عين أمين وهو يري اخر شخص كان يتوقع ان يراه هنا ،عاد خطوة الا الوراء بفزع وتلاقت اعينهما لوهلة وهو يجري امامه ويدخل الى قسم الطوارئ هاتفا بفزع "ابني..."ومن خلفه السيدة مروة تجري بصياح اقوي هلعا "عامر "
همس امين بين نفسه "عاصم؟"
رفض رجل الأمن ان يدخل الاهالي الى قسم الطوارئ حتي يأخذ منهم البطاقة الشخصية ،بدأ عاصم يبكي ويخرج بطاقته وهو يلهث بين شهقات بكاءه التي لا يستطيع ان يتحكم بها ..
استغل أمين الزحام وهرب حتي لا يدخل الى المشفى تحت نظرات العجوز الذي ظل ينادي عليه خلفه .
لا يعلم كم مر من الوقت الآن وهو يمشي بناحية الطريق* ،قدميه لم تشعر بكبر المسافة فباله منشغلا بنظرة عاصم ومروة ،تساءل من يكون ابنها بينهم* وهل مات ؟
لم يشعر بالفضول اتجاهها فهو سيعرف بالأمر غدا بالمدرسة ،فمن يهمه حقا هو ابن عاصم ، الرجل الذي انتظر ان يكون له اولاد بعد عمر طويل ،يفكر داخله بخيبة أمل ماذا لو كان أبيه لايزال حيا* بالتأكيد لم تكن تذهب والدته للعيش مع عائلتها ولم تكن منة تعرضت لتحرش الجسدي ونوبة الصرع التي اصابتها بسبب خالهما .حين يتوفى الاب تهدم الاسرة خاصةً ان كانت الزوجة متسلطة لا تحب الا نفسها كما هو الحال مع نجلاء يكاد يجزم انها هي من أثرت على أبيه بأمر اخفاء* علته بالماضي عن اي احد وقامت بإخفائه* تحت شهادة ميلاد بهوية لا تخصه ، لا ينكر انه فى بعض الاحيان لا يكون متأكد من حالته وخاصة بعد اخبار الطبيب له انه مترجح بين ان يكون رجلا او انثى** ،ربما ان كان والده لايزال حيا كان ليأخذ بيده ويكون سندا . تأفف مما يدور بعقله* وركل* صخرة صغيرة ملقيه على الارض بقدمه بنفاذ صبر وزفر بقوة وهو يسرع من خطواته لذهاب الى المنزل .
* * * * * * * * (٣٥)
تتفحص ذلك الهاتف الصغير وتتعلم ان تقوم بفتحه وتغلقه بتوجس خيفة من ان يراها أحد تمسكه بغرفتها ،فقد أعطتها ليندا ذلك الهاتف لتتواصل معها بحجة ان لديها اكثر من هاتف ،رفضت في بداية الامر ولكن وجدته شيء صغير لا يذكر امام ثروتها الكبيرة* ولما ترفضه فهي تستحق الاحسان بظروفها !
هى لن تستطيع شراء هاتف مثل ذلك وان طلبته من امين فثمنه بحق سنة كاملة من عمله* .
كانت تنتظر امين فقد تأخر بشدة* ولكي تضيع وقت فصلت ان تلعب بالهاتف وحتي لا تترك نفسها للخوف فيسيطر عليها وتصيبها نوبة وجسدها الضعيف لا يتحمل .
سمعت صوت باب المنزل يغلق* فارتعشت يدها وهى تخفي الهاتف تحت وسادتها وتقفز واقفه لكى تقابل امين ،وجدته يصعد على السلم وعيناه تتابع بازدراء صوفي وهى تشرب الدخان بشرفة البيت بالأسفل .
همست منة بقلق " لم تأخرت جدا "؟
كان امين لا يزال متأثرا برؤيته للحادث فكان يشعر بالتعب وهو يرد عليها " كان العمل كثير اليوم ، لا تشغلي بالك بي* ماذا فعلتي بالامتحان .."
هدأت قليلا بعد رؤيتها لأمين سالم معافي فتنهدت براحة قائلة وهى تمسك بيده ويدخلا الى الغرفة* "* تمام جدا .."
وبعد ان تحدثا قليلا ترددت منة ان تخبره بأمر ليندا فبادرت بقول تمهيدي" امين تعلم ليندا صحيح اخبرتك عنها قبلا .."
"ماذا بها ؟"
"طلبت منى ان اذهب معها الى بيتها ..."
رد امين مقاطعا لها بغضب " لا ،لا اخبرتك لا تذهبي الى بيت اي احد ابدا .. امثال شريف موجودين بكل مكان .."
شعرت بالرعشة تسري بداخلها برعب حتى أصبح وجهها احمر من شدة كبتها فرأي امين انه قد بالغ بردت فعله معها* ،فجلس مقربا منها يربت عليها هامسا بهدوء " لم اقصد ذلك .."* ابعدت منة يده عنها بضيق ،بعد ان شعرت انه أناني فهو يخرج بكل مكان ويتجول ويريد ان يحبسها بذلك البيت ، حتي انه لا يريدها ان تصادق صوفي ويوبخها بكل مرة يراها تقف معها* ، دفنت رأسها ببكاء داخل الفراش ودثرت نفسها* تبكي بصمت .
ألمه أمين رؤيتها بهذا الشكل ولكن لن يتهاون ابدا فى جعلها تذهب الى بيوت الناس ،فذلك الأمر يرفضه تماما .
* * * * * * * * (٣٦)
لم تسمع منة لكلام أمين هي ايضا تريد ان تشعر ان لها شخصية حرة غير مقيدة و لقد ملت من اوامر امين الصارمة ،لذا لم تتوقف عن زيارة ليندا فكل يوم تخبر صوفي قبل ذهابها* حتي لا تكتشف حسناء ذلك ولا لميس وتبرر امر اختفائها من البيت لهما بأي صورة ممكنة .
حتي أصبح أمر ذهابها الى صديقتها بشكل يومي روتيني ،وما شجعها اكثر ان اخوات ليندا بمدارس خارجية ببلاد اجنبية فلم تشعر باي خوف يهدد ذهابها اليها.
"اخبريني منة* الى اي جامعة تريدي ان تدخلي ؟"
تهتف بها ليندا وهى تجلس بحديقة منزلها الجميلة تشرب الشاي بجانب منة التى اخذت الاجابة على محمل الجد وبعض العاطفة قد تملكتها* فردت بخيبة* " كان حلمي ان اصبح طبيبة لكي اعالج حالة اخي ..ولكن الظروف كانت اقوي ..,لذا سأختار جامعة تناسب ظروفي "
بادلتها ليندا نظرة غرابة حتي قالت بتساؤل " حالت امين ..بما يشتكي لسمح الله "
جحظت عين منة وتسرب العرق من جبينها بتوتر فقد خرجت تلك الكلمة دون ان تشعر تماما فردت بتلكؤ* " لا أبدا لا يعاني من شيء " كشفتها نظرات ليندا بانها تمارس مهارة الكذب فأردفت بحذر " السكر يعاني من السكر الله يشفيه "
قطبت ليندا جبينها لترد بغرابة " العمل الشديد عليه غلط مع السكر .."
حاولت منة أن تغير مجري الحديث مسرعة " وانتِ ... ماهي جامعة احلامك احلامك* "
تنهدت بحزن بائس وكأن منة قد نجحت تماما بتغير الاجواء المتوترة الى اجواء اخري حزينة
" من مثلي لا يختار* ، امامي عدد من الجامعات التى ستقبل بي ،ولكن سأدخل كلية التجارة حتي اعمل بإحدى البنوك مع* .."
بغتةً وصلت سيارة فارهة امام بوابة الڤيلا مصدرة صوت عالي* قطعت حديثهما ،كانت ليندا متفاجئة كثيرا حتي خرجت كلمة " لا يمكن ان يكون "؟
هرعت ليندا الى البوابة كالطفلة الصغيرة ، فوضعت منة الارنب بجيبها* فهي لا تخرج بأي مكان الا بدونه* ،خطت ناحية ليندا ببطء فقد جاء ببالها انه يمكن ان يكون أبيها الذي تعشقه بجنون ولا تتوقف عن مدحه امامها حتى اصبحت متحمسة لرؤيته ،فهي دائما ما تأتي هنا وتجلس بالساعات ولم تقابل أي احد من عائلة ليندا لا امها ولا ابيها فقط الخدم .
توقفت منة عن الخطى حين وجدت شابا طويلا يرتدي ملابس كاجوال انيقة جدا بشكل مختلف عما اعتدت ان تراه بالمدينة ،رأته يحمل ليندا مُرحبا بها ويلف ويدور بها مثل ما تراه بالأفلام وهى لأول مرة تراها تضحك بتلك السعادة* ،تابعتها من على بعد عدة خطوات ،حتي انتبها اليها ، قالت ليندا تشير اليها " تعالي يا منة انه اخي فارس .."
بتوتر وكلمات متلعثمة ووجها لا يرتفع من على الأرض " اهلا ..مرحبا فارس ".كان قلبها يدق بجنون وخجل كبير وهي تري يده ممدودة امامها لكي يسلم عليها قائلا بلهجة فرنسية " مرحبا ..."* ثم وجهه انظاره لليندا مردفا " اخيرا عرفتي اشكال جميلة "
لا يعلم انها تفهم اللغة بشكل جيد جدا* ،سحب يده دون ان يظهر اي ضيق ،قالت ليندا "معذرة ..هي خجولة جدا ليست مثل فتيات باريس التي اخبرتني عنهن "
توترت اكثر ولا يزال وجهها بالأرض ،كانا يعتقدا انه خجل ولا يعلما انها حالة نفسية خطيرة* سقطت بها منة منذ ان قام خالها بهتك عرضها كل ذلك جعلها تري اي رجلا يحاول ان يلمس اي جزء بها عدوا لها ، هتفت بتوتر شديد ."ليندا سأذهب الان .."
التفت تعود بطريقها ولم تنتظر ردا* ليرتجف بدنها فجأة وهى تري يديه تتمسك بمعصمها يمنعها عن الذهاب قائلا* " انتظري .. لما انت مستعجلة هكذا ..ان كنت لا تحبي وجودي* سأذهب لداخل "
لم تعلم انها مجرد حركة يمارسها فارس مع المقربين منهم ولأنه نشأ ببلد اجنبيه منذ الصغر فعلها بعفوية ولم يعلم انه اجرم بحقها .
هنا صرخت منة صرخة جعلت الارض تهتز ثم سقطت ترتجف بالأرض بحالة الصرع والتشنجات تحت نظراتهما المصدومة ،فقد تحول وجه فارس امامها الى وجه شريف بابتسامته الحقيرة التى تكرهها فغابت عن الوعي ،هنا ..علمت ليندا وشقيقها انها تعاني من خطب ما* ،فشعرا بالشفقة عليها* .
* * * * * * * *****
كانا ينظرا اليها وهى نائمة على الفراش بهدوء قال فارس لليندا بسخرية " الا تصادقين سوى المرضى "
همست ليندا بغضب " ولما لا تقول انها فزعت بسب لحيتك والمسكينة افتكرت انك تريد خطفها ،تلك اللحية تجعلك تبدو مثل المجرمين* ،هي رقيقة جدا على ان تري امثالك "
"ماذا؟* يا الله انت اوفر جدا هل سمعتي يا امي ..، لولا انك اختي الكبيرة لكنت...."
فى تلك اللحظة شعرت ليندا انها على وشك ان تفق ،فأشارت لفارس بأن يتوقف عن التحدث ويخرج من هنا فتغشى ان تسمع كلماته وتفشى الأسرار التى تحاول جاهدة ان تخفيها .
استيقظت منة وهى تشعر بألم فظيع بمخها تتأوه بألم على الفراش* فتحت عيناها ببطء تسترجع ذكريات قبل غفوتها* رأت انها بغرفة بيضاء بها رائحة جميلة جدا ظهرت ليندا امامها تحدق بها بقلق قائلة بخوف " ماذا حدث لك يابنتي وقفتي قلبي "
شعرت منة بخجل كبير وحاولت ان تداري عن فعلتها ففارس لم يخطأ بحق* ،وكل مشاعرها المتضاربة تحدث غصبا دون ارادة منها .
"انا اسفة جدا .. هذا يحدث لي بين الحين والاخر ،اعتقد انني نسيت الدواء اليوم ،فانا اعاني من رهاب اجتماعي ،نعم انا انطوائية** "
"لا تكبري الموضوع اصلا هو غلطان ما كان يجب ان يمسك يدك .."
حاولت منة ان تبرر موقفها لكن** سيدة بالعقد الخامس تجلس على كرسي متحرك دخلت فجأة الغرفة ملامحها هادئة بنعومة كصوتها الجميل* وهي تقول "اخبرتك انها ستكون بخير "
أحست منة بالأمان اتجاه تلك السيدة همست منة ببعض التعب باتجاه ليندا التى توترت بجنون فور دخول تلك السيدة* " من هذه "؟لترد السيدة عليها "انا ام فارس .."
شعرت منة بالخجل الشديد وقالت "مرحبا سيدتي ،اسفة جدا على ما بدر مني تعبتكم معي "
قالت ليندا مقاطعة بتوتر** " الساعة خامسة مساءا لقد تأخرت سأتصل بالسائق لكي يوصلك الان .."
قفزت منة من الفراش متناسية امر وجع رأسها وهرعت مسرعةً تحت كلمات ام فارس* "* بهدوء يا حبيبتي .. هتوقعي مرة اخرى* خل بالك عليها يا ليندا اذهبي مع السائق حتي تتأكدي من دخولها الى المنزل* ."
وما ان وصلا الى البوابة رفضت منة ان تأتي معها ليندا وركبت بالسيارة بمفردها* واشارت بالسلام* لليندا ،لمحت فارس* من شباك السيارة يقف بالشرفة بعيدا ويحمل شيء عيناها لا تلتقطه ،اشاحت بوجها بسرعة ، هامسه " انا لا ارتاح لهذا الشاب ابدا "

* * * * * * ** *****
كان يعمل بتعب شديد بالدكان يحاول ان* يلبي طلبات الزبائن لكي يخفوا قليلا من الدكان ولكن استمر العمل الى الواحدة صباحا بمفرده ،وما ان انتهى بعد يوم طويل اغلق الدكان بالقفل والمفتاح وحين التفت يعود بطريقه الى المنزل ظهر أمامه للمرة الثالثة .. قائلا امامه بخيبة " لقد بحثت عنكي طويلا يا امنية ؟"
تواثبت نبضات أمين عاليا* وهو يرى عاصم أمامه خاصةً بعد أن قال " لم اعلم ان الظروف ستجعلكِ ترتدي مثل الاولاد هكذا !"
"ماذا تريد مني يا عاصم "
"أريد* ان احميكما "
رد امين ساخرا "احميكما !!؟ ،انت مجنون هل تريدني ان اصدق انك تريد ان تساعد ابناء طليقتك .. حجة رخيصة ..العبها فى مكان اخر "
رد عليه عاصم فأفحمه بالصمت والصدمة
" شريف يبحث عنكم بالإسكندرية "
* * * * * (٣٧)
* * ** (بعد مرور ست سنوات )
مرت السنون بصعوبة بالغة على أمين* فقد ترك المدرسة حين وصل الى سن الرشد فقط طلبوا منه البطاقة الشخصية لكي يحصل على خبرة عامل ويمكن ان يثبت بها براتب مجزي يتمناه والى الآن لم يقم بإجراء استخراج بطاقة شخصية حتي ! فكان حذرا جدا من تلك الامور التي تضعه بورطة فلا يريد ان يتخيل ان تكون له بطاقة مكتوب بها انه انثى!! اذا ماذا يريد او ماذا كان يتوقع حين يصل الى عمر الواحد والعشرين عام ؟ ،أصبح يخشى من أن يدخل بأي موقف يستدعي ان يطلب منه احد بطاقته ،فماذا سيقول لهم ..؟* . استمر بالعمل بالدكان كالآلة يري شريط حياته لن يتطور ابدًا بتلك المجازفة ،وما يثقل كاهله اكثر رفض منة دخولها لكلية الطب بمجموعها الكبير بالثانوية العامة ،وفضلت ان تدخل كلية التجارة ،كم يؤلمه انه كان غير قادر على تلبية احتياجاتها حتي تفكر دائما ان تعمل لتعيل نفسها الأخرى معتقدة انها بذلك تساعده ولا تعلم ان كلماتها تؤرقه وخاصةً ذلك الشعور الغريب الذي بدأ يكبر داخله ويلح عليه بأن يعطي لنفسه فرصة فربما يلقى دعم ويكون له محور شخصية كأي بشري له هوية تعريفيه ،كم يشعر بالحقد كلما يري شابًا يمشي واثقًا بنفسه يسرح بمحيط الحياة دون عبء لهويته ،كم يتمني داخليًا ان يكون رجلا كاملا وزوج* وأب حنونا ،فهل يتحقق امنياته التي تولدت بمخيلته بسبب عاطفته الجياشة اتجاه الجنس الناعم ،فالكثير من الفتيات التى تأتي لشراء بعض الحاجات من الدكان تحاول ان تناغشه قليلا بسبب حسن وجه وملامحه الجميلة وفى كل مرة يسدهن فلا يشعر بالراحة ابدًا* داخل جسده ذلك فبعض الاوقات يشعرانه غير كامل .
فكر عدة مرات ان يذهب لطبيب مختص وبالرغم من أن والدته توفت بكلماتها المسمومة التى كانت تزرعها داخله الا ان تلك الكلمات بحروفها لا تزال تنبض بالحياة داخل رأسه ،وخاصةً ذلك الطبيب الذي أخبره بماهية أمره بالماضي بأنه مرجح بين ان يكون رجل او امرأة .
لم يعلم انه عندما يكبر ان عقله سيتغير ومتطلباته ستتغير معه ،أصبح كل ما يدور بعقله هو البحث عن هويته فبعد تخرج منة وذهابها للبحث عن العمل بالبنك ،كم تمني لو يذهب معها ولكن لا أحد يدخل الى البنوك بدون بطاقة شخصية .
هناك خطة حديثة بدأت تتولد داخله وتدور بعقله ليل نهار ولكن يخاف من مجرد التفكير بها فأما ان يسرق الحلي الخاص بالميس واموالها التي اكتشف انها تخبئها من حسناء تحت فراشها* ،وحين يحسبها جيدا* فلن تأتي اموالها بهمها ، فإن اقدم على رحلة البحث عن هويته ومقابلة الأطباء والانتقالات بين الاقسام المختلفة سيتكلف اموال طائلة حتي وان قام باستئصال ثدييه فقط لابد وان يكون معه اموال تكفي ،لذا أتته خطة بأن يرجع للعزبة ويطلب ورث والدته* لكن من منظوره خطة فاشلة يمكن ان تؤدي بحياته سريعا .
تنهد وهو يركل* الكراتين الملقية على الارض بعد ان قام برص البضاعة ،فحياته اصبحت ضيقة هو ايضا يستحق ان يحلم ويقرر ماذا سيفعل ..قال متحسرا "ليتني كنت طائر أقسي طموحه ان يحلق عاليا "
جاء ردا من رأفت الذي جثا على ركبته يلتقط بعض الكراتين خلفه "الطيور ايضا تعمل يا امين ..،هل زهقت من العمل .."
انتبه امين الى وجوده فنظر اليه طويلا وهو يفكر بأمر مستحيل على أن يتصوره هو شخصيا .
**
يتبع....* *
* * * * * * * *
رأيكم

سارة منصور دوار الشمس 02-06-23 08:15 PM

رد: رواية جديدة " لم تكن أنثى "
 
الفصل السادس عشر
* * * * * * * * * * * * * ** (٣٨)
اتفقت ليندا مع منة عبر الهاتف على أن يتقابلا بالنادي البارحة ،فاستيقظت منة مبكرا على أهبة الاستعداد فغدا يوم اخر سيكون مختلفا عن مسار حياتها ، فقط ..إن مر على نهج ما خططته ،تريد أن يكون لها كيان كبير وتعمل وتكن ذي مكانه مرموقة حتى يرتاح أمين قليلا فقد هلك من كثرة العمل بذلك الدكان بكل مشقاته ،وعلى الرغم من صعوبة الحياة الاستقلالية الا انها تحاول للحصول على حياة طبيعية كالبشر الاسوياء ، مثلا لا تسطيع بعد أن تستقل سيارة أجرة بمفردها أو تتحدث مع أي رجل محدقة بعينه** ،فالعيون تمثل لها بئر عميقًا يمكن أن تؤذيها وخاصةً بعد ما مرت بخيانة الأقارب فلن يأتي يوم لها و تثق بالغرباء مثلا* ، في البداية وجدت صعوبة كبيرة بدخولها إلى الجامعة ولكن ليندا سهلت عليها معظم الأشياء تقريبا بوجودها بقربها الدائم .
وصلت إلى المكان الذي أخبرتها ليندا ان تنتظرها فيه ..جلست على احدي كراسي الكرنيش المبنية حديثا على شارع البحر، وبعد دقائق وقفت سيارة ملاكي فارهة مجهولة أمامها بإصدار حديث لم تراه من قبل بالإسكندرية ، بعض الرهبة تنتابها فأشاحت بوجهها الى جهة البحر تحدق به فكم يشعرها بالراحة والعذوبة وهي تسمع صوت أمواجه تشكو لبعضها* .
صدر صوت مألوفا قائلا " ألم تتغيري يا فتاة ! ..حرام عليك .."
انتبهت الى صوت ليندا فالتفتت الى السيارة لتجدها مطله عليها من زجاج السيارة المفتوح فابتسمت منة قائلة " هل هي سيارة جديدة ؟."
بادلتها ليندا بالبسمة ،تعلم ان الفتاة تحب لها الخير وتفرح لفرحها وتلك العملة نادرة جدا فى ذلك الزمن فكانت تلك نقطة تعشقها ليندا بها .
"هيا اركبي "
جلست بالسيارة فوجدتها مرتفعة عن السيارة القديمة و كراسيها مريحة جدا* وكم اعجبتها
" انها جميلة جدا هل هي هدية ؟"
"لا ..انها كانت لفارس وانا اخذتها* بعد التعديل بها طبعا ."
"اوووه انت محظوظة جدا يابنتي ..،حين يلعب الزهر معي هشتري سيارة مثلها "
"مستحيل ..لقد سافرت تلك السيارة من ايطاليا* لتأتي هنا .."
" بدلا من ان تقومي بتشجيعي* ياستي سأجعلها تسافر من القاهرة الى الاسكندرية حتي ترتاحي "
قهقهت ليندا بصوت مرتفع* ترد عليها بمرح "الحقيقة مرة أحيانا معليش "
ثم اردفت مقاطعة لمنة التي كانت سترد عليها.
"اسمعيني جيدا ،سأريك احدهم ، اعلم ان وجهه ليس مريحا ولكن ارجوك أرجوك لا تتوتري .."
تنهدت منة قائلة بسخرية متلبسة ثياب الثبات والهدوء " اخبرتك مرارا وتكرارا اننى تغيرت "
تنظر ليندا الى الطريق السريع وهى تقود السيارة بحذر ومن ثم تحدق بمنة قائلة بجدية " ولما دائما أرى خلاف ذلك ،اسمعيني جيدا وركزي بكل كلمة ، لقد تخرجنا ولابد ان ننجح بتلك المقابلة ،اعلم ان عمي رشيد هو مدير الفرع الرئيسي بالبنك ولكنه جدي جدا ان لم نرى اننا نستحق الوظيفة لن يوافق ،انه ليس بتاع واسطة وابي قد غلب معه "
"ارجوك يا ليندا لا توتريني زيادة* ،ولن اكرر ما قولته ..جربيني ولن تندمي وبعدين انا متخرجة بممتاز* اي بنك سيوافق بي "
امالت ليندا رأسها بإيجاب ترد* باستسلام* ومن داخلها تشعر بالخوف الشديد .
"حسنا.. ،ولكن هذا البنك فاخر عن اي بنك لن تتخيلي المميزات التى تفرق بينه وبين بنك اخر "
أوقفت ليندا السيارة فجأة امام بناية شاهقة الارتفاع* ، هامسة وهي تشير الى إحدى الشباب الخارج من بوابة العمارة " أتري هذا الشاب الذي يعرج ..؟ "
حدقت منة به قليلا وبها شعور غريب قد تحرك فقد كان شابا يماثلهم بالعمر تقريبا بشعر طويل الى الرقبة أملس به بعض الخصلات البنية الفاتحة والتى تظهر بين شعره الاسود تحت الشمس بوضوح ، جسده متناسق مع طوله بشكل مثالي* وبإحدى يده حقيبة واليد الأخرى عكاز يساعده بالمشي ،ردت منة "ماذا به ؟"
"هذا عامر المتكبر ابن عمي عاصم هو من سيقيمنا بالمقابلة غدا* "
علت نبضات قلبها فجأة بعد ان سمعت اسم عاصم فبدأت ترتعش يدها* وهي تتذكر اخر حوار دار بينها وبين امين بسببه رأت ليندا توترها الشديد فأضافت " لعل رؤيتك له قبل المقابلة تخفف من توترك قليلا"
اكملت ليندا طريق الوصول الى النادي وهى قلقة بشأن منة التي شردت ولا تتحدث .
* * * * * ** ******
"ارى انك تحسنتي فعلا "
تهتف بها ليندا بسخرية وهى جالسة امام حوض السباحة الخاص بالنادي ،كانت منة تشيح بنظرها بكل مرة يمشي من امامها شاب بملامس بحر ولا تركز معها* ،فأضافت ليندا ببعض القلق* " يا ترى ماذا ستفعلين ان اقدم احد موظفين بالبنك على مصافحتك "
انتبهت منة لذلك قائلة بثقة
" عادي "
رفعت ليندا احدي حاجبيها بدهشة ترد بغرابة* " حقا ...،تتذكري ماذا حدث لك حين قام فارس بإمساك يدك "
اسبلت اهدابها بتوتر قائلة دون ان ترمي عيناها بعين ليندا التى تتفحص تعبيراتها " لما انت مستفزة هذا اليوم "
"* انا اريدك حقا ان تعملي معي وكلما افكر بشخصيتك الخجولة مع نظام بعض الموظفين اخاف ان يتم طردك .."
عدلت منة جلستها بالكرسي ورفعت رأسها تناظر ليندا بثقة قائلة بجدية" سأمسك تلك الوظيفة بيدي واسناني انا احتاج اليها بشكل كبير جدا ..صدقينى وثقي بي .."
"حسنا ..لن افاتحك بهذا الموضوع مرة اخري .. ولا تنسي المقابلة فى الساعة العاشرة صباحا ،لا تتأخري عن الباص* فلن استطيع ان اوصلك غدا "

" ماذا"؟
"عندي شيء مهم اخي فارس خطوبته غدا وعندي اشياء مهمه بالصباح يجب ان انهيها* "
"لم اكن اعلم ،الف مبروك "
شعرت ليندا بالحرج أمامها فهي صديقتها وتخبرها بأول فرحة عند عائلتها متأخر ؟ وها هي منة كعادتها لا تتدخل فى مالا يعنيها ولا تعاتب او تجادل بما لا يخصها وهذا يغضب ليندا احيانا بشعورها بالغربة اتجاهها فبعض الاوقات تتمني لو ترد عليها وتعاتب حتي تشعر بنفس قدر المحبة التى تهتم بها ليندا وتعظم قدرها* .
فقالت بحرج
"اعذريني فأخي دائما يفاجئنا* "
امالت منة راسها بإيجاب فلا يوجد لديها اي رد ترد به فى ذلك الموقف فاكتفت بقول " مبرووك "
ردت ليندا بمرح " انت اول المدعوين ..حين ننتهي من المقابلة ستأتي معي* وسأرجعك الى منزلك بنفسي مساءا .
تسرب التوتر داخلها فهي لا تحب فارس* ولا تريد رؤيته وتتجنب الذهاب للڤيلا حين تعلم بأوقات وجوده ،فردت* بسرعة ببعض التوتر " لا لا لا اعفيني فانا لا احب المناسبات ..."
عبست ليندا بحزن وكأنها تلقت صفعة قوية فهتفت بحنق " لقد أخبرت خطيبة اخي انني سأعرفها على* صديقتي الوحيدة .."
تحججت منة ترد بتلكؤ"* ما انت أخبرتني متأخر ..ولم أقل لأمين بعد "
ردت ليندا بضيق بالغ بدت به كطفلة صغرة ..
"* لا يزال هناك وقت ..لا تلعبي معي بالكلام* ،اصلا فارس* لم يخبرنا لقد وضعنا جميعا امام الامر الواقع* وقال انه سيخطبها** وابي ما صدق* فهي ابنة صديقه المقرب وبينهم أعمال ..."
نظرت اليها منة باهتمام بحديثها وفضلت ان تصمت لتضيف ليندا بقهر " سأقطع علاقتي بك ان لم تأتي .."
عضت منة* على شفتيها بتوتر فالمكان لا يريحها البتة بهؤلاء الشباب والفتيات الجريئات بملابس البحر ولا حتي المحادثة التي تجري الآن ،فأمالت رأسها بإيجاب باستسلام قائلة " حسنا سأتي ...."قفزت ليندا من على الكرسي وامسكت بيدها بسعادة تهزها قائلة " سنرتدي مثل بعضنا ."
كم تحبها منة بالرغم من شخصيتها العنيدة و المتملكة التي تحاول ان تكون قائدة مسيطرة عليها فى بعض الاحيان الا انها تشعر بحبها المتبادل وبعناقها الذي يماثل الشقيقات* .
لمحت ليندا بطرف عيناها اكثر شخص تبغضه بالعالم يجلس على مقربة منهما يحدق بها ويشير اليها بترحاب ولكنها نظرت اليه دون اهتمام ثم رمقته بغضب ولم تعطي له بالًا فتغيرت ملامحها من السعادة الى الغضب فجأة، همست وهى بجانب* منة* " يا اللهي كم اكرهه ..هذا الحقير يسلم علي بعد ما فعله ..من أين أتي بكل تلك الوقاحة.... هه بالتأكيد من مروة "
رانت اليها منة بغرابة قائلة بتساؤل* " من ،من هو ؟ "*
همست ليندا بسرعة " لا لا تنظري الى الخلف* سيرانا ويعتقد بغبائه اننا مهتمتان به "
لم تستطع ان لا تنظر بسبب فضولها* فالتفتت فمنعتها ليندا بسرعة تجذب يدها مردفه " منة ارجوك اخبرتك لا تنظري* تبدي مثل طفلة الان، انه احد اقاربي ،تبا له ولمعرفته "
زفرت منة بحنق قائلة
"تشوقيني ثم تقولي* لا تنظري "
ردت ليندا بسخرية "حسنا حسنا حين نخرج انظري بطرف عينك خلفك على الجهة اليسري هو من يرتدي قميص بينك ، اووه يااللهي هل يرتدي الرجال لون البينك الان* ..!!"
اخرجت منة هاتفها وقامت بفتح الكاميرا الامامية دون نفاذ صبر ترفعه على وجهها تحاول ان تلتقط ذلك الشاب فهمست ليندا ساخرة " كم انت خبيثة "
عادت ليندا الى كرسيها تجلس بخفة الا ان الهاتف المحمول سقط من جيبها متدحرجًا حتي وصل الى حافة حمام السباحة "البسين" وكاد يسقط بالماء ، شهقت ليندا بقوة فهذا الهاتف هو هدية جديدة من والدها الحبيب وآخر اصدار جديد لشركة أبل* ،كانت ستتفاخر به أمام خطيبة اخيها وصديقاتها ، "يا اللهي يا اللهي "* انتبهت منة الى ولولتها* وحين رأت الهاتف فهبت واقفة* وهي تقول " خليكي مكانك سأجلبه لك "تابعتها ليندا فنزلت من الكرسي وقلبها يخفق بخوف على الهاتف ان حدث له شيء ولم تنتبه الى الماء المندلق على حافة البيسين فتزحلقت بغمضة عين فجأة على وجهها* كانت محظوظة بأنها لم تسقط بالمسبح ولكن بسببها سقط الهاتف به فان كانت تأخرت للحظة واحدة كانت ستمسكه منة التى شهقت بشفقة" هل انت بخير* .."
ثقتها بنفسها تلاشت وهي تسمع قهقه الشباب والفتيات من حولهما فثقتها التي اكتسبتها حديثا كانت بسبب منة وحبها لها ،فلم تستطع كبح دموعها المنهمرة وظلت بوضعيتها* ،غضبت منة من قهقه الشباب المرتفعة مع الفتيات بمبالغة فساعدت ليندا على الوقوف واخذتها الى* كرسيها تردف" لا تقلقي سأجلب لك الهاتف " كانت ليندا غارقة بالحرج والخجل تضع يدها على وجهها تخفي قطرات دموعها ولم تستوعب أن منة نزلت الى المسبح تبحث عن الهاتف !.
فجأة خرجت من قوقعتها بقطرات الدموع تبحث بعيناها عن منة بعد ان استوعبت ما قالته لها* فلم تجدها ،فنزلت من الكرسي فجأة وجلست على حافة المسبح تحدق بالماء .ولكن لم تراها* فجحظت عيناها تصرخ بقوة "منة" ...ومن خلفها يجري بقامته الضخمة يخلع قميصه البينك تحت انظار الجميع ويخترق ماء المسبح بعضلاته المنحوتة كالحيتان بشكل مثير يخطف الانظار .
......فى تلك الاثناء ..

كانت منة تعرف الغوص جيدا تحت الماء منذ الصغر فقد علمها شريف قبل ان تظهر نواياه الحقيقة فقد استخدم تعليم العوم كوسيلة للقرب من منة التى كانت تعتبره ابا لها ولان العوم يذكرها به الا انها تناست تماما امره بعزمها الشديد على الحصول على ذلك الهاتف فهى لا تتحمل أن ترى ليندا منهارة بهذا الشكل وهى التى قدمت لها الكثير والكثير وخاصة انها كانت السبب فى تغير بعض من خصالها الضعيفة وكأنهما يستمدان القوة من بعضهما البعض .
ظلت تبحث تحت المسبح عن الهاتف حتي وجدته بالأسفل رغم الإضاءة الضعيفة الا انها رأت شيء يلمع بجانبه ،فلم تكن لتحصل عليه لولا هذا الشيء اللامع بقوة* ،سحبت الهاتف ووضعته بجيبها ، ثم اقتربت من المصدر الامع ،لم تستطع ان تلمسه او تتحكم بإمساكه حتي نجحت بالحصول عليه بأظافرها ،فجأة ....
تم القبض على معصمها من قبل شاب شعرت بخشونته من ملمس يده كان اقوي من ان تقاوم ولولا ضخامة يده مقارنة بشريف لكان اصابتها نوبة صرع ،جزبها بسهولة جدا كانت تشعر بأنه يتم خطفها تحت الماء طيرا وليس غوصا وعلى حين غره وجدت نفسها تحمل بيد واحدة خارج المسبح* شعرت بلسعه الماء بعينيها حين خرجت ولم تستطع ان ترى جيدا ،فركت عيناها تحت صوته القائل بسخرية تحت لهثه " ها هي صديقتك توقفي عن البكاء كالصغار "
قامت بفرك عيناها بقوة حتي تستطيع الرؤية جيدا قائلة بصياح "ابتعد عني ، لا تلمسني* "
ترك يدها وابتعد عدة خطوات قائلا باشمئزاز.
" ولما سألمس طفلة مراهقة مثلك يامتهورة تنزلين الى هذا العمق* لتجدي هاتف؟؟* كلامي مع ابوك يا سمر* ."
شعرت منة بالأمان حين أحست بعناق ليندا بشهقاتها ،فاتضحت الرؤية لديها بشكل سلس وهى تمسك بها و تبكي .
ظل الشاب ينظر اليهما وهو يرتدي قميصه تحت نظرات منة التى تحولت من الغرابة الى الهلع فقال بسخرية "انتما مجنونتان "
كانت ملامحه محفوظة طوال تلك السنوات داخل مخيلاتها وكيف تنساها وهو الذي حاول قبلا ان يهجم على امين بذراعه القوية حتي اسكنهما الرعب ليال طويلة بسبب نظراته الجريئة* .
* * * * * * * * * * * * * * * * (٣٩)
داخل ڤيلا ليندا ....
" لايزال كما هو يكبر المواضيع ويصنع المشاكل "
تهتف بها ليندا بغضب وبداخلها تحمد الله ان منة لم تنتبه الى اسم سمر الذي أطلقه الشاب عليها .
كانت منة تجلس على فراش ليندا بملابسها التى جفت عليها من شدة الحر ولكن تسريحة شعرها التى بقت لساعات بالصباح تلف خصلاتها مثل " الكيرلي "قد هاشت اكثر وتحتاج الى عناية من جديد .
اردفت ليندا "الحمد لله ان الهاتف لم يحدث له شيء، ولكن ارجوك يا منة لا تفعلي ذلك مرة اخرى ، "ردت منة بنفاذ صبر " ارجوك انت اتوسل اليك لا تفتحي هذا الموضوع مرة اخرى ،طوال الطريق وانت تتكلمي هكذا لقد زهقت"
هدأت الأجواء قليلا بينهما مع مرور ساعة تقريبا حتي قطعت الصمت منة قائلة بتساؤل "من هذا الشاب .."
ردت ليندا بسرعة وكأنها متهيئة لرد عليها بعد تفكير طويل "لا اعرفه ..."
ردت منة مقاطعة " بل تعرفيه من شوية قولتي انه كما هو ويصنع المشاكل ،وكان يرتدي قميص بينك* ،انه قريبك ... "
ردت بصوت منخفض بتوتر .
"ليس هو ..كنت اقصد احد اخر "
زفرت منة تعلم انها كاذبة ولا يوجد بها قوة حتي تجادل فقالت* وهي تنزل من الفراش بحنق وتمشي الى خارج الغرفة " حسنا انا ذاهبة .."
* * * * * * * * * * * * ** (٤٠)
تجلس لولو على أرضية المطبخ الجديدة تفرد قدميها تتأوه من الوجع ،كم فكرت مئات المرات أن تترك العمل ،فبعد وفاة أمها قد خسرت أملها بالحياة فلن تنسي تلك الليلة الصعبة وهى تتسلل الى صالة الڤيلا وتجري اتصال بالمشفى لتطمئن على حال امها ولأنها تعرف بعض الممرضات معرفة شخصية فأخبرها بالحقيقة دون كلفة ،فلا تعطي إدارة المشفى اي معلومات خاصة بالحالة عبر أي اتصال وارد* . مرت عليها السنوات بقهر وذل بعد أن وفت والدتها المنية قبل ميعاد العملية ،* نعم ..تعلم انها كانت ستموت عاجلاً ام آجلا لكن شعور الفقد والاحساس بالوحدة والمسؤولية بسن صغير كان صعبا عليها ...طوال الست سنوات تفكر بما ألت اليه الأمور فوالدتها التى كرست حياتها بالمشفى وبأخذ الدورات خارج البلاد الاجنبية حتي اصبح اسمها علامة لنجاح العملية التى ستجريها قبل ان تبدأ هاهي ماتت فجأة دون حول أو قوة ! كل ذلك علمها ان الدنيا لا امان لها وان القبر يأخذ الشاب والطفل وصاحب الصحة والمريض ..
كل ذلك جعلها بدون هدف حتى تناست امر ابيها كليا ولأنها ترى ان البحث عنه لن يشكل فرقا بحياتها فان كان يهتم لأمرها لم يكن ليختفي بهذا الشكل كالميت ،كان على الاقل اجري اتصال ليسأل عنهما او من خلال اصدقاء والدتها !.. ستعيش بقية حياتها تزرع بعقلها ان والدها قد مات ،وربما قد مات حقا .
وعلى الرغم من صعوبة عمل خدمة البيوت الا انها تكسب اموالا لا بأس بها كما أنها توفر المأكل والمشرب وإن كان يعوقها ذلك الشاب الغبي حسين من العيش بهدوء إلا أنه ايضا لا بمثل خطر فهو بعقل طفل صاحب عشر سنوات ،بعض الأوقات تشفق عليه حقا وهي تراه يسرح بالڤيلا كالأبلة فبعد ذهابها الى غرفته وترتيبها بين الحين الاخر فضولها شجعها على البحث عن اشياءه بخزينته والمكتب الذي يظهر انه كان يدرس عليه ،لم تصدق بالبداية الامر حين رأت صورة وهو واقف بشهادات تفوقه بجانب احدي الشباب بدى عاقلا جدا* .
الان لا شيء يعطيها التفاؤل والأمل سوى تلك الحديقة الساحرة* والارانب اللطيفة الموجودة تحت أرضية الحديقة وبرغم كل تلك المشقة التي تمر بها الا انها تتمنى لو يدوم الحال ولا ينقلب كل شيء كما حدث معها بالماضي* .تقوم بما عليها من طلبات تنهيها بشكل مثالى او اكثر* حتي لا تغضب السيدة مروة منها وتقوم بطردها لا تنكر انها تغيرت كثيرا بعد ذلك اليوم الذي تلقت فيه اتصال يخبرها بوفاة ابنها الصغير ، والذي عرفت فيما بعد انه لايزال حيا..! بعض الأوقات تشفق عليها كثيرا رغم شدة شخصيتها المتسلطة ،لم تنسى ولولتها وهى ترى اصغر ابنائها قد فقد جزء من جسده إثر الحادثة وابنها المتوسط قد فقد عقله* .
تبادر اليها بأن لا أحد يشعر بالراحة لا اصحاب النفوذ ولا الفقراء ،تنهدت وهى تقف على قدميها بتعب ،تفتح احدي الاواني من على الشعلة تتناول عدة لقيمات قبل ذهابها الى مساعدة الخدم بتهيئة الحديقة لحفل سيقام بعد ثلاثة ايام بسبب طلوع مروة على المعاش ..لا تتخيل لولو انها ستبقي بالمنزل طوال اليوم ولن تذهب الى عملها مجددا. همست بحزن
"لقد مرت الايام بسرعة من كان يتخيل ان تلك السيدة أتت بخمس بطون ، فمنظرها وجمالها لا يوحى بذلك ابدا ، ده انا اللي بعمر الستين ،فعلا شغل المنزل يأكل العمر، وانا بكل ذلك العمل كبرت الضعف ،حتي يدي تدمرت من مسحوق الاطباق* ،انهم اغنياء لما لا يشتروا غسالة اطباق "
تهمس بها لولو وهى تحدق بصورتها* المنعكسة بالحوض الجديد بالمطبخ فقد جددت السيدة مروة عزالها من الالف للياء وكل ذلك بعدة ايام فقط .
* ** نزلت من على السلم لتصل الى الحديقة وهي تزفر بتعب ،ترى الخدم المأجورين حديثا يتهامسوا فيما بينهم بشكل واضح بأمور تعرفها جيدا فهم يعشقون القيل والقال وخاصة وهم يسمعون منوبات الغضب بين مروة وزوجها السيد عاصم الرجل الوقور الذي يلبي لها كل طلباتها وهي ناشز تسخط على كل شيء* وتظهر الدود بالشهد غصبا للجميع* ... تساءلت كثيرا من المرات كيف له ان يستمر بالعيش معها ويتقبل شخصيتها الصعبة فلا يوجد بها أي حنية وخاصة انها تلبسه ثوب الذنب فيما حدث لأولادها دائما .
بقت تزيل الأكياس البلاستيكية المغلفة على الطاولات الجديدة بالحديقة حتى انتهت وكومتهم فوق بعضهم داخل كيسا اسود كبير* ثم خطت للخارج لتضعهم بمقلب القمامة ،توقفت فجأة عن الخطي حين ظهر شابا يقف امامها رأته من حذائه فرفعت بصرها اليه لكي تراه* ...شردت بعينيه الواسعة التي تشبه النيل بسحرها العميق والتي تخفيها بعض خصلات شعره الملساء التي تطير على جبهته بفضل الرياح البسيطة ،قامته كانت اقرب لها لتري دقة الحسن بذقنه التي ترسم وجهه المثالي وبشفتيه المرسومة بالقلب ،ولأن الناس تعرف برائحتها وجدته وسيما شيقًا جدا بهذا العطر الذي يفوح منه و يلبسه الغموض** " اين اجد السيد عاصم يا انسة "
تلك الملامح المصرية الأصيلة ببشرة القمحية تشعرها بالراحة والسكينة ،فاقت من شرودها على حركات شفتاه التي تظهر انه يحدثها* ،فردت بتلكؤ "ماذا "؟
" السيد عاصم موجود "؟
اسبلت اهدابها ببعض الحرج ترد عليه
" ليس هنا "
"اخبروني بالمكتب انه بالمنزل "
عضت شفتيها بتوتر تحاول ان تفق قليلا امام هذا الشاب الذي تظهر عيناه الواسعة براءة تجعلها تطمع فى ان تحدقبه قليلا لتكتشف قسماته المميزة وكأنه لغز غامض ، فلم ترى من قبل مثل تلك العيون الغير جريئة فقالت بجدية " لا لا فبعد ان طلع على المعاش وهو يفضل ان يبقي بالشركة ،لم يعد يذهب للمكتب* "
لا تعلم لما تشرح له ذلك الكلام ربما من الوهلة الاولى يشعرها بالراحة وحب الوقوف امامه والتحدث معه فكانت تسمع دائما مروة وهى تتعصب علي عاصم بسبب اختفاءه بالشركة وتركها بمفردها تتحمل شأن اولادها .
شعرت بتوتره الشديد وهو يراها تحدق به بتلك القوة ،ربما لأنها وجدت عيناه تهرب من مقلتيها فأعطى لها الفرصة بتصفحها اياه بتوجس .
"حسنا ،شكرا* ،حين تريه اخبريه ان يتصل به "
وجدته يمشي دون ان يعطي لها التفاصيل فنادت عليه بابتسامة " مهلا اخبره باسم من "
"معذرة ..اخبريه امين ..."
ردت متسائلة ..
"امين فقط .؟."
"* نعم ،هو هيعرفني على طول"

يتبع ...

سارة منصور دوار الشمس 14-06-23 03:33 PM

رد: رواية جديدة " لم تكن أنثى "
 
الفصل السابع عشر
(٤٠)
طوال الليل يجلس شاردا فيما حدث طوال الست سنوات من مجازفة عاصم مع خاله شريف فلم يراه منذ ست سنوات* والى الان لايزال الرعب يطرق بابه كل ليلة ان اكتشف مكانهما .
عودة الى الماضي ..."فلاش باك"
كان الرعب يستوطن داخل عيناه فيما هتف به عاصم ،فحاول كبت القلق قائلا بتماسك
"ماذا تقصد بكلامك هذا ؟ "
"مثل ما سمعت ، شريف لن يتوقف عن البحث عنكما بالإسكندرية انتما محظوظتان لأن شريف لا يعرف منزل لميس بعد ..ومن يسأل لن يتوه ربما تجدينه يطرق بابكن بالغد او فيما بعد."
فى تلك اللحظة تخيل امين ردت فعله حين يقوم شريف بالإمساك بهما وبما سيفعله بمنة ثانيا ، خوفه عليها لا يقارن بخوفه على حياته والفتاة لن تتحمل أي ضغط وهو قد وعدها مسبقًا بقتل الماضي والمشي قدمًا .
حاول أن يخفى توتره وارتعاشه يده بوضعها خلف ظهره أمام عاصم فربما يجس نبضه بأمر شريف لأمر ما قد تكون حجة رخيصة فيما بعد يستغلها لموقفه فهو لا يشعر بالراحة ابدا لذلك الشخص ،فرمقه بغضب محاولًا أن يتلبس قناع الجراءة قائلا " فليأتي ويحدث ما يحدث لا يهمني اي شيء "
ران إليه عاصم بتعقل يرد عليه متسائلا " لما تشعر برهبة مني هكذا ،ادان كنت لا تثق بي بالبداية لم صدقت كلامي وجئت الى الاسكندرية "
وضعه هذا الكلام بالتشتت فهو نفسه لا يعرف لما صدقه وأتى الى الاسكندرية ولم يفكر انه ربما كمين لافتراسه* ..!
لا ينكر فوز عاصم بجعله يضع اول نقطة بخريطته لتجعله متحمسا للهروب ؟
هنا لم يعرف بما يرد عليه* ..فقط لا يريد ان يشعر* عاصم بضعفه من معرفة شريف بوجودهما هنا* ،تحرك بالجهة الأخرى يذهب بطريق العودة مستسلما لما قد يحدث* ، واذ بعاصم يردف متحمسا* " لا تشعري بالخوف ولن اجبركِ على شيء ابدا ، إن كان أمر شريف هو عقبتك انتِ وشقيقتك فأزيحها بعيد عنكما "
توقف امين اجباريًا عن المشي والتفت اليه يحدق به متسائلا بغرابة* " لما تساعدنا وتهتم هكذا ..حقا لا أرى اي سبب* "
" حين افارق الحياة اريدها اول من تستقبلني بالشكر والامتنان متناسية كل الاوجاع التى قد سببتها لها بالماضي ....ان احتجتِ لأمر ما اتصلي بي ارجوك* ،عنواني .... "
رمقه امين باستهزاء بعد ان فهم انه يقصد والدته نجلاء قائلا* بضيق " اسمع ايها المغفل انا لست فتاة ...انا ادعى امين لا تخاطبني ثانيا كأني فتاة ان اصلا كان فى مرة اخري "
........
عودة الى الحاضر
قطم امين إحدى أظافره بقلة حيلة وبعض الحرج،فالأن هو من وضع رأسه بالوحل منهزمًا ،الرجل فعلا لم يرى منه إلا الخير وطوال تلك السنوات يرسل إليهن الأكل والشرب ولم يظهر أمامه شريف الى الآن وكأنه اختفى من الوجود* تساءل ان كان قد فعل عاصم به شيء ..
لقد مرت السنوات الست مثل شربة ماء لا شيء قد تغير سوى منة التي تصعد سلم النجاح بتفوق دون الحاجة اليه ، فجأة وجدها تكبر امامه حتي اصبحت انسة جميلة ،ذكية ،مستقلة لا تحتاج لأحد لكي تصل للمجد ، وكان ذلك من ضمن الأسباب التي دفعته لتفكير بحياته بجدية اكثر .
رفع رأسه من على الوسادة ناظرا الي ساعة الحائط ليجد انها وصلت الى الخامسة صباحا ..
تذكر كلمات صوفي له البارحة بأنها تريد ان تتحدث معه بأمر ما ، هز رأسه متقززا من تلك الفتاة فهو بلحظتها لم يعيرها أي انتباه ولم يوعدها بأنه سيقابلها* فقط تركها تهزي ببعض الكلمات التي حاول أن لا يسمعها ..
ولكن فضوله ينهشه نهشًا بمعرفه الأمر ..فشرد به عقله بأمرها قليلا فتساءل إن كان الأمر يخص لميس ففي الأوان الاخيرة تدهورت حالتها ووصلت لمرحلة صعبة جدا من الخرف وأصبحت عالة عليهم وبسببها تركت حسناء عملها وبقت تجالسها كالأطفال وتلبي احتياجاتهم من طبخ وغسل ملابس* فقد كانت شخصية نظيفة لأقصى حد لا تتحمل أن ترى شيء غير موضوع بمكانه ..وهذا ما ساعده على البقاء معهن دون الحاجة الى السكن بالإيجار مخالفًا اتفاقه معها بالسر بأنه سيبقي معها لمدة خمس سنوات فقط ..والان مرت ست سنوات ...
وما ساعده أكثر حسناء التي لم تشعره ابدا بثقل بقاءه معهن على العكس تماما هي مرحبة به وبوجوده .
لم يشبع فضوله بعض الاستنتاجات التى* قد وضعها تشبع فضوله الشديد اتجاه ما تريده صوفي منه* ،لذا لم يذهب للعمل اليوم فطوال سنوات بقاءه معهن لم يكن بينهما اي تواصل او حديث ..فذاك ما نبهه على التحذير من اهميه ما تريد اخباره به فهل يخص امر بقاءه بالمنزل ام المال ؟.. وان لم تطلب منه حسناء ابدا اي اموال بسبب مشاركته المسكن كان اول من بدأ وقدم المساعدة بشراء بعض الاطعمة من تلقاء نفسه بين الحين والاخر ..حتى لا يشعر بالامتنان فيضعفه مستقبلا امامهن.
. خطى نحو حجرة صوفي مترددا بطرق الباب .. بالنهاية قرر العودة الى غرفته والاستراحة قليلا قبل ميعاد الفترة الأخرى للعمل ،ولكن ..وجدها تنتظره عند غرفته بتلك الملابس الجريئة التى تضعه بحالة توتر وهو يتصفح كل جزء بجسدها* وكالعادة تفوح منها رائحة الدخان مثل كل مرة يراها فيها.
"ماذا تريدي " ؟
"هل سنتحدث بالخارج "؟
"ان كنت بحاجة للمال فانسي "
عضت شفتاها بحنق تحاول ان تخفيه امامه الان ،قامت بفتح غرفته وأقبلت تسحبه من معصمه بقوة ،فمنعها امام الباب ..وابعدها عنه ..
تحول وجهها الى حمرة الغضب* ،فهدرت به "اتعرف انا من اخبرت عاصم عنكما ...."
جحظت عينيه متسائلا ببعض الاشياء الكثيرة ولكن رمقها بغضب قائلا "امورنا الشخصية لا دخل لك بها ابدا "
حدقت به بابتسامة شيطانية قائلة "اتعلم بما اخبرني ...!!
قال انكما فتاتين .."
قلبه يكاد يقتلع من مكانه وكأن العالم كله اسود وهي الوحيدة امامه متلونة بالأحمر الناري* التى تكاد* تلتهمه نيرانها .." لن اتدخل بأمورك ولكن انا ساعدتكما .ويحب عليكما ان تسانداني الان ... اعطيني مما اعطتكما عاصم انا احتاج المال .."
حدق بها امين بعيون متسعة يملأها الشرار هادرا بها " ايتها الحقيرة انا لا اخذ المال من عاصم .."
تحركت صوفي ناحية امين تشد خصلات شعره بقوة فدفعها بعيدا بسهولة فردت بصياح " بلي بلي ..تأخذين منه ...اعطيني ... المال "
دفعها امين من صدرها مرة اخرى لتندفع بقوة ساقطة على الارض فارتطمت راسها بالخزانة بقوة ،ولكنها قاومت الوجع وقامت تهمس بالسب ناحيته تحاول ان تعنفه فامسكها من رقبتها ضاغطا عليها بكل قوته تحت تأوهاتها فكانت حريصة حتي لا تسمع حسناء صوتها فتعرف انها قد بدأت بتخطيط ما نهته عنها . جعلها تنزل على الارض بظهرها وهو يطوق رقبتها بعنف حذر ،كم كانت قوية مثابرة فلم يجد امين حل معها سوى ان يحكم حركتها بجلوسه فوقها ليجعلها تستلم عن الحركة وتتوقف عن المناهدة* ،في تلك اللحظة ظهرت حسناء امامهما تحدق بهما بصدمة ....
* * * * * ******
جلست منة وليندا في غرفة الانتظار امام مكتب المدير الخاص بالبنك ينتظرا لجنة التحكيم التي ستقوم بإمتحانهما ،ومع مرور الوقت ببطء والانتظار بالساعات* اخبرتهما احدى الموظفات أن المعاد سيكون غدا وليس اليوم ..
تتنهد منة براحة قائلة وهما يتحركان نحو السيارة بعد ان خرجا من البنك تحت نظرات الناس الغريبة لهما** " كنت سأموت من التوتر الحمد لله انها ستكون بالغد حتي أهيئ نفسي .."
تأففت ليندا بضيق ترد* " بالعكس عشان نرتاح من حملها ..ما يغضبني اكثر انني قابلت العم رشيد صباحا ولم يخبرني بذلك ،اعتقد ان عامر هو من اجلها للغد .."
اخذت منة ريموت التحكم بالسيارة من ليندا ودخلت الى السيارة لكي تقود هي ،فقد علمتها ليندا مؤخرا القيادة فقامت بإنزال الكرسي لكي يكون مناسبًا لتحكم بالمكابح بسهولة ولان ليندا قصيرة القامة كانت السيارة متغيرة الاعدادات لتناسبها بالقيادة* .وبعد مرور دقائق قالت منة "* ما أحمل همه حقا هو تصفيف شعري مجددا بالصباح لقد قضيت ثلاث ساعات لأصل الى تلك النتيجة .."
"يا بنتي هذه الايام البنات تقوم بفرد الشعر بالبروتين وغيره .."
ردت منة مقاطعة* بالنهي "لا* ،لا أجد نفسي جميلة الا بالكيرلي* ..انا فقط قمت بفرده* بالمكواة لكي يناسب الزي الرسمي وحين يقبل بي بالعمل سأرجع الي ما تعودت ..."
"انت حرة "
"اتعرفي ان اخي التوأم لديه شعر حريري ناعم جدا ... مع اننا كنا ببطن واحدة"
رمقتها ليندا بانتباه قائلة بتبسم"** ... اريني صورته .."
ابتلعت منة ريقها ترد بتوتر " فى الواقع لا يوجد صورة ..ان اردتي رؤيته تعالي عند خالتي ..."
عبست ليندا ورمقتها بغرابة قائلة " الان تريدي ان اقابل عائلتك بعد رفضك لكل تلك السنوات.."
تنحنحت منة بحرج ترد بعد صمت لثوان " كان لدي ظروف وانا اخبرتك ..."
ردت ليندا مقاطعة " حسنا حسنا لا تبدأي بشرح موقف اخر لا افهم منه شيء "
ثم اردفت حين رأت حرج منة ظاهرا " بيوم اخر سأذهب معك .. تعلمين خطبة اخي اليوم ولم نذهب بعد لشراء الفساتين ."
رفعت منة حاجبيها بدهشة قائلة بتردد وبعض الحرج يلون وجنتيها بالحمرة " بالواقع لا يوجد معي المال حاليا لشراء فستان* ،ساذهب بعض التبضع معك الى البيت لارتداء اي فستان عندي* "
" لا تقلقي الفستان عليا .. ولما تذهبين من هذا الطريق "
انتبهت منة انها تقود الى الطريق المؤدي الى منزل ليندا فغيرت المسار وتحركت بالسيارة الى اماكن الخاصة بالملابس بالمدينة قائلة بسخرية "يا اللهي لقد نسيت تماما "
* * * * * * ** ( ٤١)
غابت الشمس عن محيط السماء الشاسعة* وبقي القمر مزينها بنجومه الساطعة بغياب السحب التى ساعدت بظهور صفاءها الليلة بشكل خيالي مريح للعين . لم ينسى امين نظرات حسناء* له وخاصة انها لم تنطق بأي شيء فقط* ظلت صامتة تحدق بإبنتها بحنق وكأن بينهما حوار ثم رمقته بنظره ألمته حقا ،فهل اخبرها عاصم هي ايضا* ...؟*
حتى كان ردها بوقتها مقتضبا جدا حين قالت له بعد تحرك صوفي من أمامهما الى غرفتها " اتصل عاصم وقال انه ينتظرك بمنزله "
لا يعرف حقيقة شعورها نحوه وهى لا زالت تكلمه على أنه ذكر فهل تحاول ان تخفي ما عرفته حتي يفصح هو عن حقيقته امامها ؟ ..ام انها تراه رجلا حقا ؟ربما يظهر أن الأمر لا يهمه أمامها ولكنه بحق يريد ان يرى حقيقة نظرتها به ..
كانت الساعة قد وصلت الى الثامنة ليلا ومنة لم تعود الى البيت حتى الان وهو لأول مرة ينسى امرها تماما ..
ذهب الى منزل عاصم راكبًا دراجته النارية كان قد اشتراها لذهاب الى عمله دون اللجوء الى سيارات الأجرة .
وما إن وصل الى المكان كان صوت الاغاني بتلك الڤيلا المجاورة لمنزل عاصم* صاخبة للغاية، مشى الى البوابة ناحية البواب قائلا "اريد مقابلة السيد عاصم* "
جاءه رد البواب مقتضبا " اسمك ايه يابني "
"أمين"
قام البواب من الكرسي وترك سيجارته تشتعل داخل المطفئة حتى يعود بعد تصفحه لأمين قليلا بغرابة يتجه الى الداخل ،لم يمر الكثير من الوقت حتي عاد اليه قائلا باحترام" اتفضل يا استاذ "
دخل امين الى الڤيلا يرمي بنظره هنا وهناك متصفحا الحديقة تحت المصباح القوي المعلق على الأشجار الطويلة المزدهرة بأوراقها الخضراء النضرة وجد المكان هادئا خاليا من الحياة تقريبا .. سوى هذا الصوت الصاخب الآتي من الجيران .
وجده ينتظره بباحة المنزل مقابل الباب قائلا بترحاب " أهلا أهلا* اتفضلي "
قطب امين جبينه فتحول وجهه من الهدوء الى الغضب ، فتنحنح عاصم مردفًا وقد فهم سبب تحول قسماته " اتفضل .."
مد امين يده مقابله له يرد " من بعدك "
جاءه الرد سريعا وعاصم يسبقه الى الداخل الڤيلا تحت الأضواء الخافتة تقريبا "يا سلام ياسلام على الاحترام ..الحمد لله انك أتيت قبل ذهابي الى خطوبة ابن اخي "
من الغريب ان أمين لم يكن يشعر بالتوتر ابدا بل بالهدوء والسكينة مختلفًا عن آخر مرة قابله به* ،دخل ورائه حتي صعد الى الدرج المؤدي الى غرفته ،كانت الڤيلا خالية تماما عن اي بشري مقارنة بالأمس حين أتى ورأي الڤيلا مليئة بالخدم..
جلس مقابلا له على مكتبه العتيق الذي يظهر انه كان ملكا لجد جده مثلا وبعد صمت دام لثوان قطعه عاصم قائلا " ربما تتساءل لما لم اظهر امامك مجددا ،ولكن كنت محيطا بك دائما اقرب اليك مما تتخيل "
رفع امين وجهه اليه بعد تفكير طويل بما يبدأ بالقول فلديه الكثير من الاسئلة ،قرر اخيرا ان لا يسأل عن امر شريف ويدخل بالموضوع مباشرة قائلا " لن اطول عليك* ،ان كنت تريد ان تساعدني ساعدني بالحصول على بطاقة مزيفة .."
تحول وجهه عاصم الى الغرابة متسائلا " ماذا ؟"
ليرد عليه مسرعاً" صدقني بهذا ستقوم بمساعدتي بحق ولن احتاج الى شيء اخر .."
"على الاقل اريد ان اعرف السبب "
"ليس الان .."
تنهد عاصم يرجع ظهره الى الكرسي يريحه قليلا بعد تفكير دام لدقائق وهو يتصفح امين من رأسه الى اخمس قدميه " ارجح انك تريدي هوية لرجل "
حاول امين ان يتمالك غضبه امام استفزاز عاصم الظاهر يرد عليه باقتضاب.
"نعم "
ارتسمت ابتسامة بسيطة على محياه وبعينيه يدور حوار داخلي مع ذكريات مؤلمة* قائلا " اعلم ان الحياة صعبة وانك تريدي ان تحمي شقيقتك ..ولكن* لك كامل الحق بان تعيشي حياتك ايضا وتتمتعي بانوثتك* .."
رد امين مقاطعا بغضب " تكلم معي على انني رجل ، ثم ليس لك شأن بما اريده بحياتي ..انا حر "
ابتلع عاصم ريقه وقد شعر بالتوتر خيفة من ذهابه وفشل خطته بالتقرب منه و تغير امين لرأيه فرد بهدوء "* لأجل ان احصل على بطاقة مزيفة لهو شيء صعب جدا وبأموال طائلة لا تتخيلها حتى .."
نجح عاصم بتسلل التوتر الى خافق امين فأردف وهو يري نظارات الخيبة به " ولكن ... سأفعل كل ماتطلبه مني* ،ولكن ..بشرط "
عاد ماء وجهه الى طبيعته ببعض الامل يتولد داخله ولكن تلاشي مجرد لفظ كلمة شرط* ،فتساءل للحظات بشك وخيفة* ،فرد عليه متسائلا بغرابة وبعض التوتر يلون وجنته " شرط؟"
فرد عاصم بحذر ..
"نعم ...اريد ان اتبناك انت ومنة وسأربيك على انك بنتي او ..ابني ..كما تريد ..وتكونا هنا بقربي .."
لم يستوعب امين ما يسمعه الان فسبلت اهدابه بتوتر قائلا " تبني ؟"
رفعا* حاجبيه بجدية* وبعيون متسعه قائلا بحنين .
"ليلة البارحة حلمت بنجلاء لأول مرة ،كم كنت سعيدا .. المسكينة كانت تتوسل لي بان أحميكما من شريف .. كانت تردد اسمك كثيرا* لي ؟
ثم استيقظت صباحا على اتصال من العزبة يخبرني ان شريف قد استقر بالإسكندرية فقد انضم منذ سنوات بالاستثمار العقاري ببعض الأعمال الخاصة بالمقاولات** .!."
كان أمين يتابع حديث عاصم* بالبداية على انه نكتة سخيفة حتي تردد حديثه بشأن شريف بأذنه كالصدى فجحظت عيناه من الصدمة ..!!
.......في تلك الاثناء*
انتهت ليندا ومنة من تصفيف شعرهما بالكوافير كانا مختلفتين جدا بوضع المساحيق وباختيار الفساتين المتشابهة بالتصميم بدقة ..
ابتسمت ليندا بسخرية وهي ترى نفسها بالمرآة وتتصفح وجهها قائلة "وكأنني طفلة تضع المكياج .."
ومن ثم التفتت لترى منة التى كانت تبدو غريبة جدا وكأن المكياج لا يليق بها ...فملامحها البريئة الناعمة افضل بكثير .. فدرجات بعض مستحضرات التجميل لم تختار بعناية بوجهها ..
بادلتها منة النظرات وهي تري صمت ليندا فقالت ببعض الاطمئنان المخالف للموقف " اعلم انه لا يليق، كنت اريد ان ارى نفسي وانا بيضاء البشرة.."
ردت ليندا بتلقائية وهى تبحث عن هاتفها وترى الساعة "لايزال لدينا وقت يمكنها ان تجعله هادئ قليلا "
شهقت وهى تري ان الوقت مر سريعا ولم يشعرا به ، سبت نفسها بسبب اختيار وضع الصامت بالهاتف فقد فاتتها اكثر من عشرين مكالمة ..
فأردت بتوتر "لقد تأخرنا كثيرا .. الساعة التاسعة الان .. "
لمعت عينا منة بالأمل تهتف مستغلة الموقف
"اذا هيا بنا .."
عبست ليندا وهي ترى مكياج منة غير مناسب فهمست " لا ابقي هنا حتي يصلحون هذا المكياج .."
"لا لا بالعكس ارى انه جميل "
لم تعلم ليندا ان منة أرادت* ان تبدو مختلفة قدر الامكان* حتى لا يتم التعرف عليه من قبل فارس ويتكرر مثل ماحدث بالماضي* ."
قادت منة السيارة مسرعة الى منزل ليندا ليجدا ان الحفل قد بدأ بصدور الاغاني الرومانسية وصياح بعض الشباب بالداخل بالصفير* ،اعتقدت منة ان حفلات الاغنياء تبدأ سهرتهم بعد منتصف الليل كما ترى بالتلفاز ..
نزلت من السيارة ببعض القلق وما ان تحركت ناحية البوابة حتي تعرقلت حركتها بسبب غلقها باب السيارة على ديل الفستان دون انتباه ، كانت ليندا قد سبقتها لداخل مسرعة معتقدة ان منة خلفها حتى انها لم تراها وهى تسقط على الارض* ،قامت منة بنفض التراب من الفستان بعد وقوفها بصعوبة ورفعت رأسها تتجه ناحية البوابة لكن فجأة قلبها خفق بقوة بتوتر وخوف فالتفت اتوماتيكي الى الخلف لتري ڤيلا عاصم ،ضيقت عيناها لتلمح من يخرج من البوابة .... لترى من لم تتوقع وجوده ابدا هنا ...فسقطت الحقيبة الصغيرة من يدها على الارض وبقت كالمصعوقة تماما امام شقيقها امين ببوادر وجهه التى لا تبشر بالخير .... مر بجانبها راكبا دراجته النارية لم يفرق بينهما الا خطوات* من السهل رؤيتها حتى دون تركيز* ،ولكن لم يعيرها اي اهتمام ..هل حقا لم يتعرف عليها ؟ ..!! ام لم يراها من الاساس..؟
سقطت على الارض باستسلام بعد ابتعاده* فلم تتحمل رعشة اقدامها هذا العبء الكبير ، فجأة وجدت نفسها تُحمل من قبل احدهم رفعا اياها من معصمها فعادت نبضات قلبها الى الخفق بجنون من جديد فهل عاد اليها ..؟؟ كانت الدموع قد اغرقت عيناها قائلة بأسف ونبرتها تشهق فإحساسها بالخيانة اتجاه شقيقها يؤلمها حد الموت فالمسكين لا يستحق هذا وهو من افنى حياته لأجلها ...
...همست بشهقات بكاءها* تضع وجهها الأسفل فلا تستطيع حقا ان تنظر بعينيه ...وهي امامه خائنة** " والله يا أمين لم اقصد ان اخرج من وراءك ..كنت سأخبرك .."
ليأتيها الرد سريعا " هل خرجت من وراء حبيبك ام ماذا* .."
جحظت عيناها حين سمعت هذا الصوت فرفعت وجهها اليه تحدق به بغضب وهو لا يزال يمسك معصمها* بنفس الطريقة التى حدثت بحمام السباحة البارحة..
جفت دموعها المنهمرة كالأنهار على وجنتيها وهي ترمقه بعينها الواسعة بكره شديد على انه حشرة ،فشدت معصمها من يده بغضب فرمقها بسخرية يتصفح وجهها قائلا باستفزاز " هل تنظري الى منقذك هكذا ؟*
هل تعرفي يا شريرة انت لقد فقدت اغلا شيء بحياتي وانا انقذك .."
يتبع ...
رأيكم ❤️

سارة منصور دوار الشمس 19-06-23 09:49 AM

رد: رواية جديدة " لم تكن أنثى "
 
فى فصل هينزل اليوم ان شاء الله..
مين منتظرررررر

سارة منصور دوار الشمس 19-06-23 05:36 PM

رد: رواية جديدة " لم تكن أنثى "
 
الفصل الثامن عشر
كانت اصوات الاغاني عالية ولكن كلماته وصلت اليها بشكل جيد ..فهتفت بضيق .
"تبا لك ولهذا الهراء الذي فقدته "
لفظت تلك العبارة التي وضعته بصدمة ،ظل يتابع خطواتها بغرابة وهي تدخل الى الحفل بفستانها الذي يظهر نحافتها بشكل ملحوظ .
دخلت منة إلى الحفل لترى المكان مملوء بالشباب والفتيات اكثر من العائلات حتي أنها لم تجد مكان تقف فيه تبحث عن ليندا لتخبرها بذهابها فورا الى بيتها كي لا يكتشف امين غيابها ،ومع توترها الشديد من تلك الوجوه التي تظهر بكل مكان حاولت التماسك حتى تصل الى غرفة ليندا بالخوض بتلك المعركة والدخول فلا يوجد امامها حل آخر فعليها الآن ان تغير تلك الملابس التى تخنقها والتي ستضعها بموقف غريب مشكوك ان رأها اخيها ، حاولت خرق هذا* الحشد ونجحت بسبب نحافتها واتجهت بصعوبة نحو غرفة ليندا ،ومع مرور الوقت لم تجد اي ملابس تليق بقامتها بخزانة ليندا فزفرت بقوة ، ندمت على نسيانها لملابسها فى الكوافير ، هنا ..اتسعت عينها بفكرة واقدمت على تدبيرها حيث خطت نحو الغرفة المحظورة الخاصة بوالدة ليندا والتي تخفيها عن الجميع* الا هى كانت تعرفها جيدا منذ ذلك اليوم ...!
طرقت الغرفة عدت طرقات ثم انتبهت الى ان ام ليندا لن تسمع الصوت بسبب شدة ارتفاع الاغاني ، فانتظرت دقيقة واحدة ثم قامت بفتح الباب باستسلام ،ستفعل المستحيل حتى لا يراها أمين بذلك الفستان ..فى تلك اللحظة توقفت الاغاني فجأة .. وصدر صوت انفاس احدهم داخل المكبرات ،يبدو ان احد يستعد لإلقاء بعض الكلمات ..
دلفت الى الغرفة تبحث عن والدة ليندا والتي لم تجد لها أي اثر بالغرفة ..بعض التوتر انتابها وهي ترفع معصمها تنظر الى الساعة ،كان الوقت يمر بسرعة رهيبة مقارنة بتحركاتها ، أغلقت الغرفة ورائها وأخرجت الهاتف تجرى إتصال بصوفي ويدها تنتفض من الخوف من وصول امين الى البيت مبكرا على غير عادته ...
صدر صوت شاب من المكبرات قائلا بمرح وسعادة " اهلا بالأصدقاء والاحباب ..اليوم خطبتي على اجمل فتاة بالمجرة .."
علمت منة أن الذي يتحدث بمكبرات الصوت هو فارس فاستمعت بانتباه الى كلماته المعسولة الموجهة لخطيبته والتى رأتها مبالغة جدا بعض الشيء ،حتى نست أنها تقوم بإجراء اتصال بصوفي التي أجابت وظلت تتحدث دون ان تتلقى اي رد فأغلقت الاتصال ، وبقت منة تستمع الى كلمات فارس عبر المكبر لعدة دقائق وكأن الامر يهمها باكتشاف شخصيته التى كانت تعتقد بمخيلاتها انه لعوب خبيث ولكن بعد تلك الكلمات استنتجت انه شخص بريء لدرجة كبيرة تجعله مطمع لأي انثى ..
وما إن انتهى من إلقاء كلماته وعادت الأغاني مرة اخرى شهقت منة وهى تتذكر شقيقها ،* شيء بداخلها يخبرها انها ستمسك لا محالة* بخروجها الليلي من وراءه* فقد وضع لها امين مواعيد مثبتة منذ دخولها الجامعة ومواعيد محظورة لا تخرج فيها مهما كانت الظروف وهي بعد الساعة الخامسة مساءا .وجدت نفسها تهرول الى الخارج وسط الحشد الكبير من الشباب والعائلات ..يلتفون حول فارس وخطيبته وهما يرقصان رقصة رومانسية تجمعهما بعاطفة .وبعد صراع خروجها وحدوث* تلامس مع الجميع* فقد كان الوضع اسوء من كثرة الشباب عما قبل دخولها** فلم يهمها ، فاكثر ما يشغل بالها فى تلك اللحظة هو الخوف من معرفة امين بخروجها .
نجحت بالخروج الى باحة المنزل وهي تلتقط انفاسها بتوتر ،
ارتفعت صوت الاغاني الشعبية اكثر فأكثر تحت هتاف الشباب بترديد الاغاني وكأنهم بحالة سُكْر ، تحركت نحو البوابة وببالها يدور حجة قوية ستخبرها لليندا غدا ..
فجأة اتسعت حدقتيها بصدمة قوية تشهق وهي ترى ام ليندا جالسة على كرسيها المتحرك وشاب ناضج يبدو بالخمسة والعشرين عاما يدفعها من الكرسي بسرعة ويجري بها ذهابا وايابا بشقاوة بحديقة الع¤يلا وهي تضحك بعفوية ..
نظرت نحو اجتماع الناس بالحفل كان امر مستحيل ان تدخل مرة اخري وتخبر ليندا او اي احد ..كان الامر ميؤوس منه* ،الحل الوحيد امامها الآن لا يعجبها ولكن ليس امامها حل اخر ،فقامت برفع فستانها قليلا وبدأت تجري وراء الشاب لكي تحاول ان توقفه وتمنعه من دفع الكرسي بغشم فبالتأكيد ان لم يتوقف ستسقط ام ليندا وستتأذى بشدة ..
كان صوت الاغاني يمنع هذا الشاب من سماع هتافها بصياح خلفهما* "توقف .. ستؤذيها .."
لم يشعر الشاب بجريها خلفه من الاساس فهتفت بصراخ " لما لا يوجد أمن هنا ..لإيقاف هذا المعتوه "
وبعد شعورها بالتعب توقفت تلهث بشدة وظهرها منحنى بثقل* فلمحت حجر على الأرض صغيرا ،التقطته مسرعة وجرت خلفه لتصيبه به ...
فشلت عدت مرات ...
كزت على أسنانها واخذت نفسا عميقا وهرعت وراءه بسرعة اكبر وكأنها تستغل الكبت والخوف الموجود بداخلها ليخرج على هيئة طاقة ، رمت الحجر الصغير ليطير مندفعا نحوه بسرعة كبيرة حتى... اصاب رأسه ..
توقفت عن التحرك فجأة* وجدته يلهث باهتزاز جسده العلوي بجنون فرفعت يدها على فاها بصدمة وهى تراه يلتفت هنا وهناك يبحث عمن اذاه حتى وقعت عيناه عليها فتحولت قسماته الى غضب عارم فأزاح الكرسي من امامه بعصبيه فسقطت ام ليندا من الكرسي على وجهها* ومن حسن حظها كانت ارضية الزهور من لامست جسدها بأرضية الطبيعة فكان افضل مئة مرة من البلاط المرصوف بباقي الحديقة كان ليؤذيها بشدة ،ارادت منة ان تجري نحوها وتقوم بمساعدتها ..لكنها خافت من نظرات الشاب لها وهو يضع يده على رأسها التى تصبغت بالدماء بشكل واضح ...
عقلها يخبرها أن تهرب من ردت فعل ذلك الشاب الذي لا تبشر بالخير ..كل شيء يظهر ان الشاب ليس طبيعيا. .. فهل هناك احد عاقل يفعل مثل ما اقدم عليه ...
تحرك نحوها* بغضب شديد فعادت خطوات الى الوراء برعب ، ايماءات وجهه لا تليق على بذلته الانيقة والمختارة بعنايه لقامته الفرعة ..
فجأة جرى نحوها بعصبية وكأنه ثورا هائج قام احد باستفزازه باللون الاحمر لم تشعر بقدمها وهي تلتفت تهرع بأقصى قوتها للخارج* ولا شيء يدور بعقلها* بما سيفعله معها سوى القتل و الاغتصاب ..
هرعت والدموع تغرق خديها لا تعلم الى اي مكان تهرب وما ان لمحت بوابة احدي الع¤يلل المجاورة باباها مفتوح دلفت تصيح بقوتها لكي تحصل على النجدة من أي احد ،وكأنها سقطت بالصحراء لا يوجد اي بشرى هنا* ،الظلام وحده من تراه ..* تسمع خطواته خلفها ولهاثه ،علمت انها على وشك ان يقوم بإمساكها ، كانت على وشك أن تموت بنوبة قلبية فحين هرولت مبتعدة بالبداية لم تحسبها دون تفكير فلو كانت دخلت الى الحفل كانت لتختبئ بسهولة منه وسط الحشد ومائة شخص سيقوم بإيقافه ،الخوف قيد ضلوعها* ليجعلها تهرب الى خارج البوابة مبتعدة عن الحفل دون تفكير ..!.. عادت إليها ذكريات خالها شريف وهو يتسلل لغرفتها ساحبا اياها وهى نائمة الى غرفته بالظلام دون ان تشعر والدتها او امين ويقوم بفعلته الدنيئة معها دون حول منها او قوة ..شعرت أن الإعياء يسرق وعيها تدريجيا فعلمت انها ستفقد ثباتها بأي لحظة ..حاولت التماسك فقد وصلت الى باب الع¤يلا الداخلي فدلفت اليه بعد جريها بطريق طويل بحديقة الع¤يلا صاحت بالداخل والظلام يملأ المكان تحت صدى صوتها المهزوم* " انقذوني ..ارجوكم .."
لم تكمل الجملة بسبب ارتطام رأسها بصدر أحدهما فسقطت على الارض بالظلام ...
قالت تحت لهاثها "ارجوك احدهم يحاول قتلي .."
لم تلق إجابة حتي اشتعلت الاضواء بالكامل ..
كانت مرمية على الارض تلهث بخوف بذلك الفستان ووجهها قد تشوه بفضل المكياج الذي تدمر بسبب دموعها ..
أقبلت تمسك أقدام الشاب برجاء الواقف امامها دون حتي ان ترفع بصرها اليه لتردف مرة اخرى "ارجوك انقذني ..هناك أحد يريد ان يقتلني .."
عبست ملامحها وهي لا تلقى اجابة منه فأمسكت بأقدامه بقوة بعد أن استمعت الى صوت خطوات أقدام قوي يقترب ،ابعد الشاب يدها عنه بعكازه بخفة لكي لا تلمسه ..قائلا بنبرة رجوليه " مصطفى ..من أدخل تلك الحثالة الى هنا ..اخبرت ان لا تدخل المتسولين .."
رفعت بصرها إليه بغرابة بعد أن رأت العكاز لتتلاشي ضباب دموعها وتتضح الرؤية جيدا ...، شهقت بقوة فلم تتوقع ان يكون هذا الشاب عامر ابن عم ليندا ..!! والذي سيقوم المقابلة غدا ..!
لم يلقى عامر اجابة من مصطفى ،فكان مختفيا بشكل عام عن الع¤يلا بترك باباها مفتوح .. فأردف بغضب* مقتربا منها بتقزز " من الاحمق الذي يحاول ان يقتل شبحا مثلك ... ابعدي يدك القذرة هذه واخرجي من هنا ايتها المتسولة .."
تصفحته منة قليلا بعد تأكدها انه متكبر مغرور شيء ما اشعرها بالراحة فهو لن يقوم بأذيتها وايضا حين يعلم انها صديقة ليندا .فقالت برجاء
" انا ..انا صديقة ليندا ..صدقني ..
شاب كان يجرى ورائي يحاول ان يقوم بقتلي"
ابتعدت عنه بعد نظرته المشمئزة منها وهو يتصفح جسدها بنفور* ، لم تستطع ان تحاول حتى ان تقف على اقدامها لعدة ثوان.. بسبب خفقان قلبها الشديد .. فرمقها عامر باشمئزاز وتكبر " لا اعرف احد بهذا الاسم ..وهيا هيا اذهبي
قبل ان اتصل بالشرطة* "
"لا لا ارجوك ..سأذهب "
..حاولت ان تقف بصعوبة على اقدامها تخرج من الع¤يلا وقلبها يتواثب بخوف ان ترى ذلك الملاحق مرة اخرى ...
خطى عامر خلفها يتحامل على عكازه* حتى يتأكد من ذهابها ..كانت تلتفت بين الحين والاخر له ..
فجأة ظهر ذلك الشاب الذي اصابته برأسه خلف الشجرة وكأنه ينتظرها ان تخرج ...فهرولت بسرعة نحو عامر فجز على اسنانه يحدق بها بغضب فوقفت مستسلمة خلفه برعب قائلة** " هذا ..هو هو .."
رمقها بغرابة فلأول مرة أحد ما يتحامى به ولا ينظر اليه بشفقة ، التفت الي الشاب يصيح بغضب بعد ان دهش حين يراه* "* حسين ايها الغبي الاحمق ما الذي تفعله هنا ....* مصطفى ايها العجوز تبا لك ...."
خطى عامر بعكازه ناحية حسين الذي يرمقه بخوف تاره ثم يرمي بصره الى الفتاة* ..وجد عامر ان رأس شقيقه حسين ملطخه بالدماء فعبست ملامحه وهو يلمس الجرح قائلا " من فعل ذلك .."
أشار حسين نحو منة* التى فرت هاربه حين رأته يتحه اليه اراد حسين ان يتبعها ولكن عامر منعه بقوة ..
* * * *
* *.* * * * * * * * * * (ظ¤ظ¢)
وصلت منة الي المنزل بعد استقلالها سيارة اجرة ، كانت تبدو كالشبح المرعب ،اطلقت صوفي الصياح فور رؤيتها بهذا الشكل ولم تكن للتعرف عليها الا من خلال شعرها وصوتها ..
عادت انفاسها الى طبيعتها قليلا بعد ان عرفت ان امين لم يعود بعد الى المنزل ..
لم تعطي منة فرصة لصوفي لكي تعرف ما حدث معها* وتحركت الى غرفتها واغلفت الباب بوجه صوفي التى ارادت ان تخبرها بأمر ما ضروري ، بقت منة تبكي من شدة الاهانة التى تعرضت لها وخاصة ذلك العنف والتوتر الذي عاشته بسبب حسين ...* ربما ان لم تكن مرت بظروف صعبه بالماضي كانت لتقف امامه بجمود وتمنعه من اذيتها ولكن نفسيتها التى* كانت تحاول ان تشفيها* طوال السنوات الماضية* تأكدت الان انها كانت تخفيها فقط* ، علمت انها ستظل هكذا الى ابدا ..دون استشفاء .
حاولت كبت ما تشعر به ،واتجهت نحو المرآة وهى ترى نفسها بفستانها الذي غاب لونه بسبب الغبار ... ووجها الذي اختفت ملامحه البريئة تحت قناع الرعب هذا ..
" هذا المغرور لديه حق بعض الشيء بتذمره ..حقا ابدو كشبح ضال ولكنه افور جدا ..يجب علي ان احذر منه غدا .... بالتأكيد لن يتعرف عليا بهذا الشكل أليس كذلك ..!! .. "
ارتمت على الفراش بتعب وثقل شديد تردف بتنهيد مستسلم " لقد كان يوما حافلا لمقابلة الحثالة .. يا اللهي كل هذا مر بعدة ساعات ..."
انتفضت من الفراش وهي تتذكر والدة ليندا ...فأقبلت تبحث عن الهاتف من جيب فستانها فلم تجده مهما بحثت* ..عاد حادث الفرار امام عيناها وهي تتذكر سقوطها إثر ارتطامها بصدر عامر بالع¤يلا و التي علمت فور خروجها انها لعاصم ..
فصاحت بقوة خشية من سقوط الهاتف بحوزة عامر .
* * * * * * * ** *****
دقت ساعة منتصف الليل بساعة يده فخرج من شروده بانتباه بعد تفكيره بعرض عاصم ..
فكان مشتت بين خيارين احدهما ان يذهب الى مدينة اخرى متناسيا الماضي او العيش بجوار عاصم ...
ولكن عاصم رجل عجوز يبدو من حركاته وايماءات جسده انه لم يعد امامه الكثير ..الاعمار بيد الله طبعا ولكن ان قام عاصم بحمايته بأمواله ونفوذه لن يكفي ..فان عتر فيه شريف لن يتركه حيا ..
ايضا هو لا يريد ان يعيش هاربا طوال حياته فلم يفعل اي شيء خاطئ ،اراد فقط حياة خاليه من المشاكل.
رفع الهاتف يجري اتصال بحسناء لكي يطمئن على منة فلم يراها طوال اليوم بسبب ذهابها صباحا الى البنك بسبب مقابلتها ، فمجرد معرفة ان شريف موجود هنا بالإسكندرية كانت كفيلة لتتركه يتنفس بغياب عقله عن الجميع والتفكير بأمر واحد فقط .
لم يتلقى إجابة بالهاتف فتنهد بقلق وهو يعيد الاتصال مرة آخري ، دخل رأفت عليه بالدكان يعيد ترتيب بعض الكراتين التي تركها امين على عتبة الدكان متناسيًا أمرها تماما ،وجده يقطم اظافره وهو يحدق بالهاتف بتركيز منتظرا اجابة حسناء لم ينتبه لدخوله حتي* خطى رأفت على إحدى أكياس الشيبسي الفارغة المرمية على الارض فصدر صوتا مزعجا* ..
القى الترحاب على بعضهما البعض* بأيديهما دون النظر بعيون بعض ..وضع امين الهاتف بجيبه متنهدا يريح باله حتى يغيب عنه التوتر قليلا بأن منة نائمة الان ولا يوجد شيء للقلق ،فإن كان حصل شيء كانت ستعلمه حسناء بالحال .
عض على شفتاه يأنب نفسه بعدم شرائه لهاتف لها* ..بسبب ادخاره لكل قرش خشية الايام المقبلة .
كان قد وعدها بشراء هاتف جديد ولكنها رفضت رفض تاما بحجة انها لا تحتاج اليه وان اراد الاطمئنان عليها يتصل حسناء ،حتي بأيام الجامعة اعطته رقم صديقتها بحجة انها لا تفارقها ..
تساءل بأنه كيف سمع لها ولم يقم بشرائه مع ان الان وبهذا العصر لا يوجد اي احد لا يملك هاتف سواء أكان كبيرا ام صغيرا .لقد كان انانيا بهذا الشيء ..ربما لتوفير الاموال لاحتياجاتها بالجامعة بالماضي ...
كان رأفت يتابع تنهداته المسمعة فهتف قائلا باهتمام* " ما بك يا رجل .."
رفع امين بصره اليه مفكرا برد مناسب* " ..اتعلم من اين اقوم بشراء هاتف مستعمل ."
ابتسم رأفت يجيبه " لقد اعتقدت ان احدا قد مات بسبب نظراتك القلقة وتنهداتك ..كل ذلك كان لأجل هاتف ..يارجل ..طلبك عندي ...
الاسبوع الماضي اشتريت هاتف جديد والقديم انظر ..."
اخرج رأفت هاتفه القديم من جيبه وقدمه لأمين الذي تصفحه بإعجاب قائلا " بكم تبيعه اذا .."
"لا لا خده دون مقابل .."
عبس امين بوجهه قائلا* "حسنا اتفضل ..لن اقوم بأخذه .."
سحبه رأفت من يده ووضعه داخل جيب بنطاله قائلا بحسم* " اسمع انت مثل اخي الصغير ...تقبل الهداية ولو لمرة بحياتك ..انت صعب جدا .."
وجده أمين جديًا جدا بهذا الامر فكلما كان يقدم له رأفت اشياء من المحل لكي يتناولها يرفض ولا يأكلها حتى يدفع ثمناها ..
"حسنا سأقبله ولكن لن اخذ اجرة هذا الشهر ..وارجوك لا تقل شيء .."
رمقه رأفت بنظرة غريبة* يعلم انه لن يتوقف* فاستسلم قائلا "حسنا كما تريد"
وما ان انتهي وقت العمل أغلق الدكان بسرعة واستقل سيارة اجرة ، كان يفكر برد فعل منة حين ترى الهاتف يعلم انها ستفرح كثيرا* ..وما ان وصل حتي خرج من السيارة بسرعة ، فجأة تصلبت قدمه وهو يسمع الى صوت سيارة الاسعاف* التى كادت ان تدهسه لولا ابتعاده باللحظات الاخيرة ،اتجهت الاسعاف بطريق منزله* فخفق قلبه بقوة وهو يراها تقف امام الباب فهرول مسرعًا يكاد* قلبه ان يتوقف عن النبض واذنه تلتقط اصوات صياح داخل المنزل ...
يتبع ...

سارة منصور دوار الشمس 09-07-23 06:46 PM

رد: رواية جديدة " لم تكن أنثى "
 
الفصل التاسع عشر
(ظ¤ظ£)
ينظر أمين بشرود إلى لميس النائمة بفراش المشفى يظهر عليها علامات الوداع الأخير* ومن حوله حسناء وصوفى اللتان تبكيان على ما فعلته لميس معهما وعدم اخبارهما بوجود أي اموال او ورث رافضة رفضًا قاطعًا أن تكشف لهما نواياها الخبيثة ..
زفرت صوفي بغضب وقلة حيلة أمام لميس الغائبة عن الوعي قائلة توجه كلماتها لأمين الذي كان تائهًا بحوار عاصم الأخير معه* .
"أنتِ .. ألم تخبركِ لميس عن أي دافع لإخفاء الأموال .."
اتسعت عين أمين فورًا بغضب شديد يلتفت إليها يرد بعصبية رافعا قبضته أمامها بتحذير حتى انتفض قلبها " أقسم إن تكملتي معي بتلك الطريقة مرة اخرى سأكسر أسنانك .."
تضايقت حسناء ولكزت ابنتها بتوجس ترمقها بتحذير ثم اقتربت من أمين قائلة " هل يوجد لديك خطة .؟."
ارتفع احدى حاجبي أمين بتساؤل يرد بدهشة " أي خطة ولما ؟.."
تعجبت حسناء وصوفي ليقولا بنفس واحد .."لقد تم بيع البيت .."
جحظت عين أمين لوهلة ثم عادت قسماته الى الارتخاء كعادته وكأنه يتوقع أي شيء قد تفعله لميس ..! .هتفت صوفي بتحد " طبعا ستذهب الى عاصم ..وهو يا أمي لن يفتكرنا بأي شيء وسينسى انه عاش معنا عدة سنوات* .." صاح أمين بوجهها متعمدًا بحقد دفين* " كنت مؤجر بأموال طائلة يا غبية .."
جزت صوفي على أسنانها قائلة بعصبية " بل دفعت لإخفاء أمرك امام عائلة امك .."
عض أمين شفتاه ويده مرفوعة أمام وجه صوفي يحاول قدر الامكان* ان لا يقوم بصفعها ، رمقته صوفي بصدمة وبعض الخوف يتملكها من ردة فعله ،كانت حسناء تتابعهما بصمت وخوف يعتريها من المستقبل ...
فجأة صدر صوت الجهاز المؤشر لنبضات القلب بلميس ظاهرا ان امر ما قد حصل فاختفت شحنات عضبهما امام ما يحدث ، هنا دخلت الممرضات يقفن حول لميس والتي غابت روحها للأبد ..
* * * * * * (ظ¤ظ¤)
بعد مرور عدة ساعات
كانت المشفى قد بدأت بتحضير الغُسل والتكفين ..
انتظر أمين خروج حسناء وصوفي من الغسل فور عودته من الخزنة الخاصة بدفع الاموال* ، وعندما خرجا حدق بهما بنظره يعرفاها جيدا* فخطي اليهما قائلا بحسم " قمت بدفع فاتورة المشفى هذا اخر شيء يمكنني ان افعله لكما .. شكرا على كل شيء مدام حسناء .."
قامت حسناء بإمساك يده برجاء وكأنها كانت تتوقع حدوث ذلك قائلة بوجع " لا تنسانا ابدا يا امين .. احنا عائلة* ،لطلما شعرت انك سند داعم لنا وان كنا لا نتحدث ..ولكن وجودك بالمنزل كان كفيل ليجعلني اطمأن "
ناظرها أمين متعجبًا من تصريحها فرمقها بامتنان ،رفعت صوفي شفتيها بتقليل شأن تخرج همهمة ساخرة ليقابلها أمين بنظرة كره ثم وجه انظاره الى حسناء قائلا " سنبقى على اتصال بالتأكيد .."
خطي أمين مبتعدا وشريط بقاءه معهما يعاد بلا ارادة تحت صوت صوفي التى صاحت " لن اترككما تنعما* بأموال عاصم من دوني .."
كتم أمين غيظه وأكمل تحركه الى الممر المؤدي لبوابة الخروج من المشفى ،فقد* قرر ان يذهب مسرعا الى المنزل يبحث بغرفة لميس فربما يجد شيء يسهل عليه حياته فالان ماتت لميس وماتت معها الأسرار والتي فضلت أن تذهب معها بصمت معتقدة انها بذلك قدمت الجميل لشقيقتها نجلاء ،ولأن خبايا النوايا لها رأي أخر بتحقق مخاوف كلا من حسناء وامين ببيع المنزل خلاف موتها واخذها الأموال الطائلة الناتجة عن بيعه والتى لا يعلموا عنها اي شيء متسائلين بكيف يمكن لسيدة مسنة لا تستطيع ان تتحرك شبرا دون كرسيها المتحرك ان تخفى اموال ، فكان الامر شبه مستحيلا على امين ولا بد ان هناك سرا ورغم ذلك لا يستطيع ان يشك بحسناء مهما جال بخاطره انها ربما قامت هي ببيعه واخذت الاموال سرا* كل ذلك لا يهمه اكثر من حقيقة سراغتراب لميس ونجلاء عن اخواتها وسر كره العائلة للميس* ..
* * * * * ** (ظ¤ظ¥)
.......في تلك الاثناء ......
نادت الموظفة كلا من إسم ليندا ومنة وفتاة أخرى لدخول الى المقابلة بالبنك ..كانت القلوب تتصارع من شدة التوتر وخاصة منة التي لمحت عامر من الوهلة الاولي يجلس بجانب ثلاث موظفين متفاوتين بالعمر بمرحلة الشباب ، يبدو بشكل واضح ان عامر هو أصغرهم* ..كانت النظرات كلها متوجهة الى منة التى رفضت ان تصفف شعرها وبدت طبيعية بتسريحتها المعتادة "الكيرلي" وايضا كي لا يتعرف عليها عامر ويعرف انها نفس الفتاة التى لجئت بالهروب داخل منزلهم . كانت ليندا والفتاة الأخرى ترتديان الزي الرسمي على أبهى صورة مقارنة بزي منة المخالف بعض الشيء وخاصة ذلك الحذاء الرياضي ذو اللون الوردي.
أشار لهم احدى الموظفين ان يجلسن ، ظهرت علائم القلق بشكل كبير على منة التي تتهيأ للرفض حتما بعد تلك النظرات المريبة ،فندمت على تسريحة شعرها الثائر فأين كان عقلها* ..
بدأ عامر ومن معه يتصفحوا السيرة الذاتية الخاصة بالفتيات ، لفت انتباه عامر الدرجة العالية التي حصدتها ليندا بالجامعة ..فدار حوار داخلي بعقله بشأنها مع عمه رشيد بالأمس عقب حفل الخطبة ولكن فجأة قطعه أحد الموظفين موجها سؤالا غريبا لمنة بعد ان تصفح سيرتها الذاتية .." واضح انك تهتمين بالدراسة جيدا ولكنك لا تعرفين ان تختار ملابسك لتكون ملائمة بالعمل "
تفاجئ الجميع من هذا السؤال ولكن يعرفون عن ظهر قلب انه يقصد تسريحة شعرها ...
جحظت عينا منة فزاد توترها اكثر بشكل ملحوظ فأرجعت قدميها الى الخلف تخفي حذائها الملون* وهي جالسة وانحنت رأسها لأسفل بخجل تبحث عن اجابة جيدة قدر الامكان ، تنحنحت بعد ان وجدت رد يليق بهذا الموظف الذي لا تعجبها نظراته الجريئة فأبعدت بصرها عنه قائلة دون ان تنظر له* "حسنا امر تسريحة الشعر سهل ولكن ما يهم هو قدراتي ..."
تحولت نظرات الموظف بها الى شهوانية غير مسبوقة يسلط عيناه على شفتاها الممتلئة* وذقنها المتزين بدقه الحسن مع سمرتها الذي اذابته ووضعته بموقف محرج امام الجميع . يعرفه عامر جيدا وكم يبغض تلك الخصلة القذرة بصديقه جاد وكالعادة حاول ان يغير الاجواء وينقذ سمعه العمل فأخذ ملف السيرة الذاتية الخاصة بمنة من امام صديقه يتصفحها قائلا بتساؤل لمنة " ماهي نقاط قوتك ؟"
ابتلعت ريقها تعرف صوته جيدا المقرون بنبره غرور ليس لها حدود رفعت بصرها اليه تسبل اهدابها بخوف منه ومن سؤاله فهى بالأساس لا تعرف ما يميزها بنقاط القوة ،فجأة وجدت نفسها لا تسطيع ان تجيب بأي شيء فرأت الدمار أمام عيناها بفشلها ..
كان عامر يدرس شخصيتها بغرابة بإماءات وجهها التي تظهر بشكل واضح ان ذاتها تائهة ولا تملك ثقة بالنفس ابدا ..كما انها غير متحمسة بالإجابة مثل الباقين الذين سبقوها بالمقابلة فخمن انها جبانة لا تصلح للعمل كموظفة ببنك محترم* ،فعاود السؤال على ليندا التي أجابت بثقة كبيرة تحت نظرات منة الخاسرة ،هنا ..تأكدت انها فشلت بالحصول على وظيفة .
سأل عامر الفتاة الأخرى* " هل تتحدثي الانجليزية ؟"
وظل يسأل ليندا والفتاة الأخرى متجنبًا وجود منة تماما ..
وما ان انتهت المقابلة وأمر بانصرافهن* انتفضت منة من الكرسي تخطو نحوه قائلة بتماسك "استطيع ان اعمل تحت الضغط الكبير تلك هي نقطة قوتي"
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتاه ثم رفع حاجبيه يرد باستفزاز .
" هذا واضح "
ثم اشاح بوجهه متعمدًا عنها* يحاول ان يقف من الكرسي متشبثا بعكازه مقارنة بصديقة جاد الذي ظل متصفحا هائما بملامحها طوال المقابلة ..
وحين تأكد عامر من خروجهن حدق بجاد بقوة هامسًا " هل تريد تشويه سمعة البنك بأي طريقة ..؟"
ليرد عليه بعد أن سحب ملف منة من امامه .
"يارجل .. الم ترى شفتاها ؟ ولا عيناها الناعسة المثيرة ...الفتاة جعلتني اذوب بحق سأفعل المستحيل حتى تفوز واصطبح على هذا الجمال** "
رمقه عامر بتقزز قائلا بسخرية " ياللهي يا اخي كم انت اوفر ..، ما يدمرك حقا هو احلامك البسيطة* .."
"ماذا تعني ..!!"
" الباشا اختار من قبل المقابلة "
رفع جاد احدى حاجبيه قائلا بثقة* " سنرى "
* * * * * ** *****
امام البنك
تتجه ليندا مع منة للبحث عن سيارتها وسط صف كبير من السيارات ولأن الطريق امام البنك مزدحما بشكل كبير وبسبب الخريجين الذين حضروا المقابلة كانت تتناقل بينهم بعض الاقوال التى سمعتها منة وليندا وهما يمشيان .....( هل انت متأكدة ان شخص واحد سيتم قبوله بالعمل من ضمن مئات المقدمين ..).....ليرد احدى الشباب بغضب ..(هذا ظلم ..ظلم كبير ...)
علمت منة أن الذي سيتم قبوله هي ليندا بسبب الوسطة الكبيرة ..
هنا ..وجدت ليندا السيارة* بعد بحث دام لدقائق فجلستا بها تحت ضغط الحر الشديد هتفت ليندا وهى تشغل تكيف السيارة " لا تقلقي ..انا وانت سيتم قبولنا انا متأكدة جدا .."
رمقتها منة بعيون متحسرة من شدة الهم الذي سقط على رأسها فكم تحتاج الى تلك المقابلة حتى انها تركت خالتها بالمشفى بين الحياة والموت ..فهمست بقلة حيلة .
" ارجوك لا تتحدثي معي بهذا الامر مرة الاخرى* اريد ان انسى كل شيء حدث اليوم ..وكما اخبرتك بالصباح لا تنسي ان تذهبي الى هذا الاحمق وتأخذي منه الهاتف على انني صديقة مغتربة .."
"لا تقلقي بهذا الشأن* "
ردت منة متأففة " اوصليني الى هذا العنوان .."
تساءلت ليندا بغرابة* وهي تسترجع موقف عامر " الم تلاحظي نظراته لك وهو يقول انه واضح ، هل عرف انك نفس الفتاة ..؟"
شهقت منة فجأة " صحيح ..يمكن .."
رانت اليها ليندا قائلا بالنفى" لا لا مستحيل ..الشكل مختلف تماما .."
"ارجوك لا توتريني "
"حسنا ،حسنا "
زفرت منة* باستسلام بعد هدنة من الوقت بعد استنتاجها قائلة بوجع " اصلا لم يعد يهمني ان عرف ام لا أمر قبولى* للوظيفة مستحيلا اصلا .."
"لا تحملي هم هذا الموضوع اتركيه عليا "
ارجعت ليندا بصرها الى الطريق تقود بحذر فقد دخلت بالطريق السريع ..وبعقلها يدور انها لن تتوقف على الضغط على عمها حتي يوظف منة بأي شكل .
* * * * * ** ****
نزلت منة من السيارة تتجه الى المنزل الذي باد باهتا جدا هذا اليوم ، طرقت الباب عدة مرات وهي تحاول ان ترتدي قناع الوجه السعيد أو العادي المهم ان تخفي ملامح وجهها البائسة ..
فتح لها أمين الباب يرمقها بنظرات مريبة جعلتها تفشل بإخفاء بؤسها وتأكدت من حدوث شيء سيء ..
"هل حدث ..."
رد امين مقاطعا " ماتت لميس .."
شهقت منة وعادت للوراء خطوة تضع يدها على صدرها ويدها الأخرى على عيناها التي اسود كل شيء امامها وسقطت غائبة عن الوعي* غير متحملة الصدمة .
فى مساء اليوم
اتجهت منة فور افاقتها الى غرفة لميس* تحدق بها بحزن ،فقد احبتها وشعرت انها أحيت العرق الفاسد الخاص بالعائلة وبموتها الان اصبحا وحيدين مجددا ..
لمحها امين تتصفح صوره لميس بحزن ،فقال بحسم امر " لن اسمح لكي ان تذهبي الى المدفن ..ابقى هنا ..ولا تتحركي حتى اعود "
انتفضت منة قائلة بصياح " انت مجنون كيف لك ان تقول ذلك "
"اخفضي صوتك ..انت لا تتحملى اي شيء .."
ردت منة مقاطعة بصياح* " سأتي حتي ولو مت ..سأتي "
خاف عليها ومن عصبيتها الزائدة فرد عليها بهدوء
"انت حرة .."
هنا انفجرت بالبكاء والعويل وسط شهقات مؤلمة تجعل تنفسها غير مستقر ..
فقام أمين بعناقها يربت عليها قائلا " يا غبية انها مجرد مقابلة هل هو البنك الوحيد "
ردت منة وسط بكائها* "* لقد خسرنا كل شيء تقريبا انا فشلت ولن انجح ابدا ..ليس عندي نقاط قوة* ..."
توقف عن عناقها وحدق بها قليلا قائلا وهو يعاود حضنها " انت قوية جدا ومتفوقة وجميلة واستحملتى كثير وخرجنا من ظروفنا الصعبة انا وقفت على اقدامى من جديد واشتغلت ومع اموال الان لتجعلنا نعيش مكتفين بنفسنا دون الحاجه الى أحد* وانت تخرجتي وحصلتي على ليسانس فى التجارة بتقدير ممتاز* ..."
جلس على الفراش واجلسها بقربه يضيف "* اسمعي لا شيء يستحق ان نحزن لأجله لقد بدأنا من الصفر بعد هروبنا من الماضي ويجب ان نكمل الى النهاية ... الحياة معركة وانت جندية مميزة صدقيني ستكونين ناجحة جدا فى اي مجال تختارينه وانا اراهن بكل شيء عليك .. ...بالنسبة للميس كنا نعلم ان مرضها يقتلها ببطء لقد ارتاحت تلك المؤذية ..انت لا تعملين عنها شيء ..هي لم تحتوينا ابدا هي فقط أجرت لنا مسكن بأموال كثيرة ..هل نسيتِ ؟* ...مشاعرك ملغبطة الان ..ابقي هنا ارجوك ..ولا تتحركي سأذهب لمراسم الدفن وسأعود ، انها اخر ليلة سننام بها هنا ..الحقيرة قامت ببيع المنزل ..ضحكت علينا جميعا بانها مصابة بالزهايمر وهي كانت جبروت* ...الحمد لله انها سقطت من الدرج وماتت* "
كانت منة تتوقع بشكل كبير ان تبيع البيت عاجلا ام اجلا لذا لم تتفاجأ فابتعلت ريقها* وهي تتذكر ليلة البارحة حين استيقظت على صياح حسناء بسبب سقوط لميس من الدرج فقالت " هل تصدق فعلا انها سقطت من الدرج بمفردها .."
زفر امين بقوة يرد بضيق " ليس لنا شأن بتلك العائلة الملعونة** "
مالت منة رأسها بإيجاب فلأول مرة تري هذا الغضب المستوطن داخل عيناه ، ولكن كلماته وثقته بها تركت اثر طيب داخلها وجعلها ترتاح قليلا فقد نجح بإخماد الثورة التي كانت تحترق داخلها .
* * * * ** ( ظ¤ظ¦)
ذهب امين الى مراسم الدفن بالمقابر* الخاصة بعائلة زوج لميس راكبًا سيارة اجرة ، وبعد وصوله طلب مساعدة من احدي الرجال المسؤولين عن رعاية المقابر* ...
اكتشف ان أقارب زوج لميس من الاثرياء بحق فهما يملكان جناحا كاملا من المقابر، مبنى كبير راقي عن باقي العائلات هنا* ... وحين وصل الى المكان المقصود رأي خمس اشخاص واقفون امام مقبرة لميس* فجحظت عيناه وهو يرى ذئبا متربصا يعلمه جيدا من ظهره فتوقف عن التحرك برعب شديد ، يفرق بينهما نبضات القلوب الثائرة المليئة بالخوف والعودة بالذكريات الى الماضي ..
فجأة عاد أدراجه بهلع تاركًا الرجل الذي ساعده بالوصول وينتظرا منه الدخان ،
شعر وهو يجري ان خلفه يهرول قطيعا كاملا من الثيران الهائجة تريد هتك جسده بين قرونها ...
الغريب انه لا توجد سيارة واحدة بهذا المكان، اذا كيف وصل هذا الذئب الى المقابر .. ام توجد سيارات اخري تتربص بالوصول اليه ..
خاف ان ينظر خلفه فتتحقق هواجسه لا يريد ان يموت الان حتى يطمئن على منة على الاقل ..
واصل الجري تحت خفقان قلبه الذي يكاد ان ينقطع تحت لهاثه الشديد ...
برق عيناه بالأمل حين لمح ضوء سيارة تأتي من بداية الطريق* فذهب نحوها مسرعًا وقام باستقلالها دون تفكير* ..
عادت انفاسه الى وضعها رويدا رويدا وهو يري انه على وشك ان يصل الى بيته ..
فجأة جال بخاطره انه ربما قد بعث احد لخطف منة فهتف بصياح لسائق* " بسرعة بسرعة يا عم ..."
كان قلبه بنشق هلعا وخوفا على المسكينة ،يعرف جيدا إن رأته مجددا او علمت بوجوده ستموت لا محالة* ،فبعد ان استكانت روحها ونست بعض جروح* الماضي وبدأت تنمو شخصيتها هل* ستنهار مرة اخري* بكل سهولة ؟..هو لن يسمح بذلك ولو كان على حساب حياته .
وما ان وصل الي البيت لم يمهل حتي يدفع الاجرة لسائق بل هرول مبتعدا الى داخل البيت الذي وجد بابه مفتوح* ...فانخلع قلبه وكاد يتوقف وهو ينادي بأعلى صوته على منة .. بحث بكل ركن بالبيت فلم يجد لها أي اثر ..تسارعت قطرات دموعه تنهمر بغزارة وهو ينادي عليها بحسرة وقلة حيلة ..ليظهر صوتا قائلا يكاد لا يعرف ان كان حقيقيا ام من وحي الخيال .
"أمين ..؟ ماذا حدث "
انتفض جسده رافعا رأسه يحدق بها وهي تدخل من الباب ولم ينتبه الى الفتاة الواقفة بجانبها ... وكأن الشمس عادت الى حياته من جديد تشرق على نبضه لتعيد عروقه الى النور* ..اتجه اليها يعانق روحها لكي يشفى بما احدثه غيابها ولكي تختفي هواجسه المريبة ويتأكد انها هي بالفعل وليس حلما .
كان شعره يخفي بعض من وجهه فباد انهياره متخفيا قليلا وكل ذلك بسبب العرق الذي يملأ جسده وجبينه من المجهود الجبار بالهروب ..ولكن ظهر انهياره كاملا من نبرته وهو يقول " اين كنت ..؟"
"ماذا حدث ياحبيبي ..؟ اخبرني ...؟ "
بعض الشهقات تخرج من فمه دون ارادة لتضيف منة بخوف "لا تقلق انا بخير بأفضل حال ..، كنت مع ليندا بالخارج اجلس بسيارتها .. لما لم تعطيني رنة بالهاتف الجديد .."
اغمض عيناه بقوة فقد نسى امر الهاتف الذي قدمه لها بالصباح قبل ذهابها للمقابلة* ،فقد كاد يقتل نفسه من الخوف عليها* دون تفكير ،اجابها وهو لا يزال يعانقها " طار عقلي من شدة الخوف عليك ..اعتقدت ان حدث لك شيء ..."
فتح عيناه وابتعد عنها خطوة يمكسها من كلتا يديها بقلق قائلا بحسم متناسيا امر تلك الفتاة التى تقف بجانبهما وعيناها لا تنزل من عليه للحظة* " لملمي حاجتك سنذهب من هنا الان* "
"الى اين ؟"
"عاصم "
يتبع

سارة منصور دوار الشمس 19-07-23 01:44 PM

رد: رواية جديدة " لم تكن أنثى "
 
الفصل العشرون
كانت ليندا تتابع ايماءات أمين القلقة اتجاه شقيقته بانتباه شديد ،فى البداية لم تتعرف عليه إلا من خلال الشبه الكبير بينه وبين منة ولهجته الريفية البسيطة التى تخرج من شفتاه الممتلئة مع دقنة حُسنه المخفية نوعا ما بلحيته الخفيفة وبملامحه المميزة المريحة للعين جعلتها تهذى بكم هو وسيم ، شعرت بالحرج من تصفحها الشديد له قائلة بتوتر..
" منة ..! سأذهب الأن لنتحدث لاحقا "
لم ترد عليها منة الشاردة بحوار داخلى مع عين أمين وخاصة بعد اخبارها بالذهاب الى عاصم الذي وبخها كثيرا طوال الخمس سنوات بسبب اتيان سيرته حين يتعرضا لضائقة ما .
خطت ليندا للخارج وشيء ما يجعلها تشعر بالحماس لأول مرة ربما بسبب الهالة المميزة التى يملكها أمين تجعل من يراه يريد ان يحدق به طويلا ،هنا شعرت انها محظوظة للغاية بأنها الصديقة الوحيدة لمنة ،فهل ياترى حكت له عنها وعما فعلته لأجلها طوال السنوات ليعرف كم هي شخصية طيبة القلب وعطوفة ..؟
(٤٧)
جمع كلا منهما حاجته الخاصة بالمنزل وذهب بها أمين الى مخزن البضائع التابع لدكان رأفت دون أن يخبره بأي شيء ..وباتا بالمخزن بجانب بعضهما طوال الليل ورغم التساؤلات التى سألتها منة لشقيقها لم تشفيها أي أجابه تخفف كاهلها من الايام ، تشك بأن هناك امر ما كبير للجوء لعاصم بالأخص ..تعلم انه سيخبرها بعد فترة فحالته الان لا تبشر بالخير وان أسرت على المعرفة سينفعل عليها دون نتيجة.
******
وبالصباح الباكر طلب امين من منة ان تنتظره بالمخزن حتى يعود اليها ، وبالفعل ظلت راكدة بتعب مفكره باحوالها الأخيرة وما أخبرتها به ليندا بالأمس امام بيتها بخصوص عامر فحين ذهبت اليه وطلبت الهاتف ان كان قد سقط من صديقتها بحديقة منزله ولكنه انكر انه خرج من الاساس بذلك اليوم .
تنهدت منة بضيق بالغ وظلت تقلب بشاشة الهاتف الذي كان قد احضره لها امين دون تركيز وفجأة ..
التمعت بعيناها فكرة ما .. بأن تجري اتصال برقمها القديم ان كان قد وجده احد ما..!
... يجري الاتصال ......
ومن هنا لهناك لم يأتيها رد ..الغريب ان البطارية تسمح بإجراء اتصال وفى اخر مرة قبل ان يسقط منها كان الشحن خمسة بالمئة ، هنا ... تأكدت انه بحوزة احدهم حتى وان كان بأيد عامر هى لن تتردد بالحصول عليه ولو وجها لوجه فا في الاول والاخر قد فشلت بالحصول على الوظيفة اذا لا يوجد لديها ما تخسره .
*****
داخل مكتب عاصم بالشركة ..
يدخل السكرتير الى عاصم قائلا " الدكتور عمر بانتظارك بالخارج سيدي "
رفع عاصم بصره الى السكرتير دون تصديق فولده الذي ذهب لاكمال دراسته بالخارج بعد اعوام يعود الان وفجأة ..؟
ورغم كهله وثقل قدمه التى تحمل جسده بصعوبه هب واقفا يخطو فرحا الى خارج مكتبه ليرى ثمرة عمره الوحيدة التى اشرقت بنور الأمل داخله ..
رأه يقف أمامه كرجل عاقل بملامح مستكينة بفخامة الرجل الناجح مختلفا تماما عن اخر مره رأه بها قبل سفره والتى كانت عبارة عن حرب صعبه بينهما انتهت بالرحيل وكلا منهما يحمل بداخله هما اسود للأخر.
"هل تتذكر ان لك اب الان .."
يهتف بها عاصم بعد دخولهما الى المكتب وجلوس كلا منهما امام الاخر دون كلمه فالحنين الذي يستوطن داخل أعيناهما أبلغ من أي كلمة ..
يرفع عمر قدمه على الاخرى ويرمقه بغرابة قائلا " لم اكن لأعود لولا اتصال عامر ..لقد ضحك علي واخبرني انك مت حتى اعود ،اعتقد ان مروة هي من اخبرته بذلك ."
جحظت عين عاصم وترقرقت عيناه ببعض الدموع فقد اصبح بالأوان الاخيرة عاطفيا جدا ومع مرضه اصبح الوضع صعب فقال بحنين " لقد كان المنزل بشعا بغيابك يا حبيبي .."
لم يتوقع عمر هذا الكلام من والده خاصة وهو متعود على لسانه السليط طوال حياته دون سبب ،ليردف عاصم
" سامحني يا بني ...لم اكن اقصد ان اكون معك جفا .. كنت الاحب الى قلبي ولكني فشلت ان اوصل الرسالة .."
رمقه عمر باستهزاء وخيبة أمل فلم يتلقى اي حنيه منذ الصغر والان يفتعل حوار غريبا معه محاولا ان يلين عواطفه اتجاه فجاراه لكي يرى آخره وما يمرى اليه .
" رسالة ؟؟"
تنهيدة طويلة ..."اريد ان اخبرك سرا..بخصوص احدهما "
قطعه السكرتير الخاص به قائلا بعد دخوله فجأة "هناك ضيف تنتظره سيدي .."
رمي عاصم بصره الى شاشة المراقبة التى بجانبه بغضب ليرى من يستحق ان يقطع الحوار المهم والذي ينتظره لسنوات وخاصة بعد ان اشار اليه قبل دخول المكتب ان لا يقاطعه ابدا .. فوجد امين بالخارج فالتمعت عيناه بأمل واشار الى سكرتيره ان يدخله ..
وقف عمر من مجلسه بضيق بالغ وكان عاصم لا يحترم وجوده حتي يدخل ضيف عليه بتلك الطريقه دون كلمة .
فهتف عمر بضيق ..
" سأنتظرك بالبيت .."
امال عاصم رأسه بإيجاب وشرد بأمر عمر و امين الذي دخل الى المكتب وكلا منهما ينظرا الى بعضهما بطريقة مألوفة ..
دخل امين وبعض حبات العرق تتلألأ على جبينه وصدره يعلو ويهبط ، شك عاصم به فقال " كنت سأتصل بك ، اتمني لو لم يراك بعد ؟ .."
ابتلع امين ريقه مفرجا عن قوله الذي صمد داخل صدره طوال الليل يؤرقه " انا موافق على العيش معك ..ولكن ارجوك جد حل معي ...انا لا استطيع ان اختبئ طوال العمر من خالي
وشقيقتي المسكينة بعد ان نست .. تبحث عن عمل الان بإحدى البنوك ..كيف اخبرها الان بوجود شريف ..
اسمع ...امر بقاءنا معك هو مؤقت حتى نجد حل .."
رد عاصم مقاطعا .." اهدأ اهدأ ... لا تقلق .."
تأفف امين من رؤية اللا مبالة بعاصم وعدم معرفه الهول الذي به من شريف ان علم بوجودهما هنا ..فهل لا يخاف منه الى هذه الدرجة ..؟ .
"منذ ان قابلتك وانت تخبرني بالا اقلق .."
" اسمع يا بني بيتي هو بيتك انت ومنة حقا ..لا يستطيع احد ان ينكر ذلك .. سأنتظرك هناك فى اى وقت وبالنسبة للبطاقة احتاج الى بعض الاجراءات سأخبرك بها لاحقا .."
تنهد أمين وقد شعر ببعض الامان فقال متسائلا بجدية وكأن الامر حياة او موت " لما انت لست خائف من شريف وتتحدث كانه .."
رد عاصم مقاطعا بثقة " لأنه مجرد علكة بفمي احركها كيف اشاء ،لازلت لا تعرفني جيدا .."
(٤٨)
لم تتوقف منة عن إجراء الاتصال برقم هاتفها القديم بإصرار ومع الرنة رقم خمسين تم فتح الاتصال من قبل احدهم فهتفت مسرعة" من من ...ارجوك رد علي ،هذا هاتفي سقط مني ارجوك ..أحتاجه بشدة"
سمعت صوت زفيرا لشخص ما عبر موجات الاتصال ،حملقت بشاشة هاتفها لتجد ان اشارة الشبكة جيدة جدا فعلمت ان المستمع ينصت اليها جيدا ..فأردفت بتوتر " سأ ..سأعطيك مكافئة ..ان اوصلته لي ..."
" حسنا ..اخبرني بالمكان .."
جحظت عيناها ودق قلبها بجنون هي متأكدة ان صوت هذا الشاب تعرفه جيدا ولكن لا تستطيع تميزه فقالت بعد مضي ثوان .." اخبرني انت بمكانك وانا سأتي .."
"همم ...هل أنت متأكدة "
"نعم نعم ..."
"حسنا العنوان ......هستناكِ فى تمام الساعة الخامسة ..لا تتأخري"

شهقت منة فور استماعها للعنوان وبعد غلق الاتصال فالان باتت متأكدة أن الهاتف بحوزة أحد جيران ليندا ،فربما سقط الهاتف بالشارع مثلا وهي تهرول ووجده احدى شباب الخارجين من حفل خطبة فارس .
حاولت الاتصال بليندا سريعا لكي تعرفها اخر الاخبار ..ولكن لم ترد..
تأخر امين بالقدوم اليها ومعدتها تقرقر من شدة الجوع ، افرغت كيس محتويات الاطعمة المعلبة التي كان قد جمعها امين من المخزن لكي تتناولها بغيابه ،فبقت تأكل بجنون ربما من شدة الخوف فيما هما مقبلان عليه ..
والان لا يجول بخاطرها سوى الهاتف الذي به ذكريات الثانوية والجامعة وهي لن تفرط به ابدا ..
وصلت الساعة الى الخامسة عصرا ولم يأتي امين بعد ولا بد ان الشاب الذي معه الهاتف ينتظرها الان بالعنوان ،قررت بعد تفكير ان تذهب سريعا وتحصل عليه قبل رجوعه فإن عاد الان سيذهبان الى عاصم ولن تأتي فرصة لكي تحصل على الهاتف وربما يقدم الشاب على بيعه طمعا بمبلغه الكبير .. فكرت وهي بالطريق بأنها لا تعرف ماذا يقصد امين حين قال لها انهم سيعيشان مع عاصم فهل كان يقصد فعليا؟ ام سيعشان تحت رعايته ، تمنت ذلك حتى لا تعرف ليندا بما تخبئه عنها طوال تلك السنوات فبتأكيد ذلك سيهدد علاقتهما القوية ،تنهدت فقد توصلت بفطنتها انه من المستحيل أن يسمح لهما عاصم بالعيش مع زوجته وأولاده فمن هما سوى ابناء طليقته ..
ذهبت الى الخارج وهي تضع يدها على جيب بنطالها تتأكد من وجود محفظتها .
(٤٩)
وصلت منة الى رقم الشارع الذي اخبرها به الشاب كانت تقرب من ڤيلا ليندا ولكن بعد عدة شوارع فقط بحثت بعيناها عند وجود اي شاب حولها ،كان الجو حارا ولا يوجد اي احد يقف هنا .. ،نظرت بساعة الهاتف فرأت انها تأخرت عشر دقائق فهل جاء هنا ولم يجدها فذهب ..
أعادت الاتصال به تحت خوفها الشديد من هواجسها فافتح الاتصال من اول ثانية ..
فقالت
"الو."
"مرحبا.. هل وصلتي الى المكان"
تفاجأت منة بخروج صوت فتاة من الهاتف فردت بسرعة
"اجل ... "
"حسنا ..سأتي انتظريني .."
قلبها يتواثب متسائلة بغموض وبعض الاجابات تستنتجها ،فجأة ظهرت فتاة تأتى من قرب ڤيلا عاصم يظهر انها عاملة بالڤيلا ،رمقتها بغرابة تبدو قريبة من سنها ورغم ملابسها البسيطة الا ان مشيتها بها ثقة وميلان لا تمتلكها سوى فتيات البندر .. وما إن وصلت اليها قامت بإعطائها الهاتف ثم حدقت عن قرب متصفحه اياها قائلة بعجب " هل لديك اخ تؤم "
ارتجف قلب منة قائلة بصدمة "كيف عرفتي .."
"قابلته من مدة انه يشبهك تماما"
ابتلعت منة ريقها قائلة
" هل تعرفينه ؟"
"لا كان يريد ان يقابل السيد عاصم .."
ردت منة بصدمة " اذا انت تعملين عند السيد عاصم .."
"اجل"
امسكت منة بيدها قائلة برجاء " هل انت من وجدتي الهاتف "
" لا ... وجده السيد حسين .. واخبرني ان اقدمه لك .."
شهقت منة بخوف وابتعدت عنها خطوة تهتف
"تقصدين هذا الغبي "
زفرت الفتاة وهى تتصفح منة بضيق قائلة
" لا ليس غبي هو مريض نفسي يعتقد انه بعمر العاشرة ..على فكرة لولاه لم تكوني لتحصلي على الهاتف .."
"هذا الغبي كاد يقتلني .."
تأففت الفتاة قائلة " هل احضرتي المكافئة التى وعدتيه بها ..؟"
دهشت منة بغرابة ترد بلا مبالة تمثلها بشكل سيء "لا .. وهل هو يحتاج حاجة اصلا ؟ انه غني يملك كل شيء .."
استدارت الفتاة بظهرها وخطت بطريق رجوعها ولم تعطي اي اهمية لمنة التي رمقتها بضيق من تصرفها الغير مهذب ولكن امر الفتاة غريب لها فوجدتها تملك هالة غريبة حولها وكأنها ليست خادمة بل انسة من عائلة نبيلة ، مشت منة خلفها تخطو نحو ڤيلا ليندا ..ولكن جاءها اتصال هاتفي من أمين اوقفها عن الحركة بصدمة خيفة من عودته وعدم وجودها بالمخزن ، فلم تجيب على الاتصال وبحثت بعينها عن سيارة اجرة لكي تعود مسرعة ..
لمحت بطريقها عامر يقف وكأنه ينتظر احد ما ،فاخفت وجهها بكافة يدها كرد فعل وجدته غبيا وابتعدت تحت نظراته الغريبة ..
فجأة ظهرت امامها سيارة وكادت تصطدم بها لولا ان السائق ضغط على المكابح بلحظة الاخيرة تحت صدمتها فانسابت اقدامها غائبة عن الوعي ..تحت نظرات عامر الذي اتجها صوبها بعكازه مسرعا
يتبع

سارة منصور دوار الشمس 26-07-23 05:38 PM

رد: رواية جديدة " لم تكن أنثى "
 
الفصل الحادي والعشرون
نزل عمر من السيارة مسرعًا ليرى من كاد سائقه يدهسه فقد كان مشغولا بتصفح الهاتف ولم يشاهد اللحظات الاخيرة، وجدها فتاة غائبة عن الوعي فجثا على ركبته وأمسك يدها يتفحص نبضها ،ولم ينتبه الى وجود عامر الذي وصل اليه فقد كان ينتظره امام بوابة الع¤يلا ورأى الواقعة كاملة فقال بسخرية " كدت تدهس فتاة بأول يوم لك بمصر .."
رفع عمر بصره الى الصوت الذي يعرفه جيدا وكم ترك اثر بعض الفرح داخله ولكن قسماته أبت ان تظهر بظل هذه الواقعة فهتف قلقا " تلك الفتاة تعاني من مشكلة بنبضها يجب ان نذهب بها الى مشفى .."
رد السائق بخوف " كلا .. ربما ترفع علينا دعوة وتضعنا بمشكله كبيرة اولست طبيب اصلا يا سيد عمر ؟.."
رمقه عمر بحنق بالغ ثم وجه انظاره الى عامر قائلا "من قام بتوظيفه "
رد السائق "اقسم لك هي من ظهرت امامي فجأة حتى السيارة نفسها لم تلمسها ابدا "
اشار عامر لسائق لكي يهدأ فهو يعلم صحة اقوله فهتف لعمر " انها بخير ..لا تكبر الموضوع يا دكترة حتى انظر انها تحرك يدها ."
اخرج عامر هاتفه يتصل بإحدى الخدم بحركة مخادعة منه " تعالى امام البوابة لكي تحمل تلك الفتاة الى الداخل "
ولكن ..فجأة فتحت منة عيناها بصدمة ..
لم تكن مستوعبة عما يحدث امامها وبقت تنظر يمينا ويسارا بخمول رهيب ..
بقى عامر يحدق بها فتأكد انها نفس الفتاة من يوم المقابلة ، فضيق عيناه ببعض الاشمئزاز ،
قال عمر وقد تأكد من افاقتها " انت بخير .. لا تخافى .. جت سليمة .."
كانت عيناها الناعسة اشد خجلا من قرب عمر الشديد منها حاولت ان تتماسك وتقف فقد تذكرت امين ..فهمست وهي تحاول ان تستند على السيارة " علي ان ارجع قبل عودة امين .."
قام عمر بمساعدتها لكي تكمل وقوفها فقد بدت كالسكرانة ،فقال بجدية " تعالي لأوصلك الى وجهتك .."
وجدها تائهة لا ترد فأمسكها من يدها وقام بفتح باب السيارة وساعدها بالجلوس خلف مقعد السائق وجلس بجوارها تحت نظرات عامر المشمئزة يعلم انها تقم بتمثيليه لكي تهرب من اغمائها المتعمد وقد كان صحيحا اعتقاده فكانت تتصفح عامر بين الحين والاخر بطرف عيناها ...وكانت تسمع كل شيء وهي تمثل الإغماء ندمت على رد فعلها ووجدته غباء منها فلم تكن تعرف كيف تتصرف فى تلك اللحظات . ..
همست وهى تشعر بتوتر من تصفح عمر الشديد بها " اوصلني الى حي ..."
رد السائق " من عيني ...يا انسة انت لن تقومي برفع محضر صحيح..؟"
هزت منة رأسها بخجل فقال عمر " انا طبيب على فكرة و يجب ان تذهبي الى مشفي ..لتعملى رسم قلب .."
تعلم منة ان دقات قلبها الغير منتظمة بسبب الخوف والتوتر فلم تعيره انتباه وبقت تمثل تمثيليتها بتوهانها حتى اوصلها الى وجهتها و نزلت من السيارة فرأت عمر يخرج من باب السيارة فأسرعت بخجواتها واغلقت الباب ورفضت ان يوصلها بنفسه الى داخل المخزن ..
قائلة بختام " شكرا .."
ثم إلتفتت تذهب الى المخزن وملا محها تعود الى وضعها المعهود فلم تكن تعرف انها تجيد التمثيل بتلك الطريقة المخادعة فارتسمت ضحكة ساخرة وهى تدخل الى المخزن وما ان جلست على الارض تخلع حذائها حتي جاءتها نوبة ضحك هستيري ..
(ظ¥ظ*)
لم تستطع ليندا ليلة البارحة أن تنام من شدة التفكير الغير طبيعي بأمين ، حاولت أن توقف هذا الاعجاب الكبير ولكنها فشلت مع دقات قلبها العنيدة الخافقة له ،تسألت كيف لها أن تعجب بشخص من النظرة الاولى بتلك الطريقة التافهة ،هي لا يحق لها أن تحب أحدا أبدًا غير نفسها كما علمها والدها منذ الصغر ، حتى وإن كانت تمتلك المال والمكانة الاجتماعية العليا والشأن الرفيع التي اكتسبته من والدها لا يحق لها ان تحب بتلك السهولة حتى لا تتم اذيتها والتنمر عليها ..
أحست انها على وشك ان تختنق من كثرة التفكير بشأن قلبها وحالها الذي لا يتناسب مع أمين بأي شكل كان ، ولأنها كبرت على ان تحصل على كل شيء تريده فانكسرت بأن ذلك الشي الوحيد الذي لا تستطيع ان تحصل عليه كما الحال مع الجمال ..
همست بين نفسها بوجع " يمكنني ان اعيش دون جمال او مال ولكن لا استطيع ان أعيش دون حبيب ..ايضا انا انسان احتاج الى الحب والاهتمام .. هل سأعيش طوال عمرى دون ان يحتضني قلبا مُحب؟ .."
ردت نفسها عليها داخل عقلها "ويلك وان لم تريه الا مرة واحدة واصبحت بذلك الجنون والفقر اليه ..اذا ماذا سيحدث ان رأيته للمرة الثانية او الثالثة ..؟"
تدريجيًا انسابت دموعها تغرق وجنتيها بألم حتى وصل بها الشعور إلى الاختناق ،فقررت أن تذهب الى من يصبرها كلما جاءتها حالة حزن ..
وحين وصلت أمام غرفته قالت بإرهاق
" فارس افتح الباب من فضلك .."
تسمع ضحكاته المتسربة خارج الغرفة فعلمت أنه يكلم خطيبته فتسللت الغيرة غصبًا داخل قلبها ،فقامت بفتح الباب عنوة ،لتجده يجلس على فراشه بأريحيه و يخرج الدخان من انفه قائلا لخطيبته عبر الهاتف " لا استطيع الانتظار حتى تنامي بأحضاني .."
رمقته ليندا بسخرية ممزوجة بغيرة فلم ينتبه اليها فارس بسبب قصر قامتها فاتجهت اليه تصعد على الفراش بحنق ،وحين شعر بوجود احد ما إلتفت جانبه فوجدها فجأة تحدق به بغضب تنحنح متوترا فلم يتعود ان تدخل شقيقته بتلك الطريقة دون استأذن فهمس مسرعاً بالهاتف.
"لحظة سارة "
واتجه ليرتدي قميصا يدارى بيه صدره ، اخذت ليندا الهاتف قائلة لخطيبه فارس " اسفة سارة اريد ان اتحدث مع اخي بموضوع مهم "
لم تنتظر ليندا اجابة سارة واغلقت الهاتف بسرعة ، استغرب فارس من تصرفها الطفولي وحين لمح اثر الدموع على وجنتيها علم ان هناك شيء حدث بها لتبدو منهارة بهذا الشكل ..
سقطت ليندا على الفراش جالسه قائلة بتردد " اريد ان اسألك بكل صراحة .."
جلس فارس بقربها وملامح القلق باديه عليه بشكل كبير " اسألي "
"اقسم انك ستجاوب بكل صراحة "
أسبلت اهدابه بقلق فقال مراوغا ..
"حسنا .."
بدأت الدموع تتسرب من مقلتيها من شدة صعوبة الكلمة وكم تشعرها بالذل والإهانة وهي تخرج من شفتاها" هل ..تعتقد ان يحبني شاب بهذا الجسد "
كان شاكه بمحله وكم كان يخاف من تلك المواجهة يوما ، فحاول ان يخفى ملامح الحسرة قائلا بذكاء " طبعا ..فنادي قصار القامة مليان شباب "
رفعت رأسها تحدق به بقلة حيلة ففهمت رسالته الخفية بألا تحاول ان تحبي احد يخالف هيئتك ..فردت بضيق " انه ليس قزما .."
ابتلع ريقه قائلا بحساسية
"اذا هناك شخص .."
تحولت قسمات ليندا الخاسرة الى حب امتلاك لترد بثقة .
"نعم ...وانا احبه .."
"لا تحاولى .."
عضت ليندا على شفتاها ببعض الغضب وفارس يحاول الا ينظر بعيناها فيهرب من نظراتها بين الحين والاخر لهاتفه ..ولكن ليندا قد سحبته منه قائلة .." انت ترى الكثير من الشباب هذه الايام يتزوجوا سيدات عواجيز لانهم اثرياء .."
فهم فارس ما ترمى اليه فرد بجدية لكي يجعلها تفق وان كانت الكلمات جارحة ..
"اذا هو فقير ..النفوس لا تشترى ..لا تستطيعين ان تشترى قلبا يا ليندا ابدا ابدا .."
"من اين جئت بتلك الفلسفة هل علمتك اياها سارة "
حاول فارس ان يكون هادئا وهو يقول " تتذكرين تلك الفتاة التى اعجبت بها بالماضي وحين علم ابي كاد يقتلني واخبرني انه يجب على الموت خيرا من ان اتزوج من فتاة فقيرة ..منذ ذلك الوقت وان اوضعت داخل قلبي شروط وهى الا احب احد لا يتناسب مع ظروف حياتنا .. وانظرى ..صدقيني ابي كان عنده حق ..سارة مختلفة تماما عن الفتاة الفقيرة .. اشعر انني احبها وان حبي ليس كافيا هي تستحق ان احبها اكثر واكثر ..."
زفرت ليندا بغضب ليردف فارس
" صدقيني ستنجحين مثلي "
خرجت عن صمتها تهتف بصياح مهزوم
" فارس هذا لم يكن حبا ..كان مجرد اعجاب وسارة مجرد بداية ..الله اعلم ماذا سيحدث بعد غد .. وهذا الشاب انا احبه ..بل اعشقه ..لا اتخيل ان اخرجه من عقلي ..اشعر ان دماخي يتغذى على رؤيته وكل شيء به ...صدقني لا استطيع "
تنهد فارس متمالك نفسه قائلا ببعض الضيق
" من هو ..؟"
ابتلعت ريقها وعيناها تتدور بالغرفة بتوتر متسائلة بين نفسها ان تخبره من هو ام لا ؟
ولكن حسمت امرها قائلة بتشجيع فهي لا تملك الان سوى لسانها فهل تعقده ايضا عما تشعر به ..
"تعرف منة صديقتي ..صحيح .."
"اجل .."
"اخوها .. امين "
"ولكنك كنت تشتكين انك لم ترى اي احد من عائلتها "
" ... وقد رأيته "
"متى"
"البارحة "
"ماذا!"
صدم فارس بقوة من طفولة ليندا الشديدة فاردف بصياح " لم تريه سوى البارحة وعشقتيه ..انت تلعبين بالكلام . .."
اخرج سيجارة بغضب وقام بإشعالها وما إن جاءه اتصال من خطيبته قام بإغلاق الهاتف وظل يمشي ذهابا وايابا بالغرفة حتى انتهى من السيجارة وتحرك نحوها يخرج اخر نفس من الدخان بوجهها قائلا "انه مجرد اعجاب وغدا ستشعرين انك كنت غبية .."
قال كلمه الاخيرة وهو يربت على ظهرها خارجا من الغرفة تحت سعالها من الدخان وقام باشعال سيجارة اخرى بغضب ..هامسا بغضب " تلك المجنونة ..يا اللهي ..كاد قلبي يتوقف من شدة الخوف ،يجب ان تقطع علاقتها بتلك الفتاة الغريبة منة ،اصلا لم ارتاح حين رأيتها اول مرة .."
(ظ¥ظ،)
تجلس مروة داخل الصالة بجوار عاصم ومن حولهما ابناءهما (سامي ،عمر ،عامر ، حسين) يجلسون جميعا حول طاولة الطعام فقد طلب عاصم اجتماعهم لضرورة وما شجعه هو وصول عمر الى مصر فمن الصعب ان يجتمع الجميع بتلك السهولة ..
بدأت مروة بقطع الصمت وهي تغرس الشوكة بقطعة اللحم المشوية قائلة لعمر " لما رجعت فجأة دون ان تخبرنا بوصولك .."
تنهد عمر وأنزل الشوكة من فمه قائلا " اريد ان استقر الان .."
ارتبك الجميع وظل يحدقون به فهتفت مروة وهي تقطع اللحم بالسكين بعصبيه وعيناها لا تفارق طبق تقديم الطعام" تستقر ..هل تريد ان تتزوج الان ..؟"
"اجل .."
هنا وقف الطعام بحلق حسين وظل يسعل ،فاتجهت اليه لولو تقدم له الشراب ولكنه رفض وحاول ان يأكل تحت سعاله..
فرمقه عمر بغضب من فعله يضيف " اشرب اولا .."
صاح حسين بوجهه فجأة تحت سعاله" ليس لك شأن .."
زفرت مروة بغضب فهي تعلم من يريد ان يتزوجها بشدة فلم يعيرها احد اي انتباه ،فخرج عاصم عن صمته مشجعا عمر " شيء جيد ..سنك مناسب لزواج ،اخبرني من هي ولنأخذ خطوة "
توقفت مروة عن تناول الطعام ورفعت بصرها مصحوبة بابتسامة ساخرة .."الا تعلم ممن يريد ان يتزوج ؟"
رد عاصم بحسم " ليتزوج من يريد هو حر دي حياته "
نجح عاصم بإراحة صدر عمر بذلك الكلام البسيط وان كان بداخله نقطه سوداء الان الا انه كان يعتقد انه سيرفض زواجه حتي يتزوج سامي اولا فقال بثقة " ابي اريد ان اتزوج زهراء ابنه عمى رشيد "
كان سامي وعامر يتابعان الحوار بتركيز شديد وهما يتناولا الطعام دون ان يظهرا اهتمامها ..
ازدرد عاصم ريقه بتوتر فكتم غيظه فبينه وبين شقيقه رشيد عداوة قديمة حتى وان وافق هو فلن يوافق رشيد ابدا على تلك الزيجة فجاءته فكر ذكية فقال بعد صمت دار لدقائق كاد يقتل عمر من شدة التوتر ..
"نتحدث بذلك الموضوع بمكتبي يا ولدي ..واعدك انني لن اخيب ظنك "
هنا ترك عاصم طبق طعامه وحدق بهم جميعا ثم أطلق تنهده طويلة و اردف
" احد اقاربى من جهة امي سيأتيا للعيش معنا لمدة ..اريد منكم ان تعاملوهما بالحسنى ..فلم ارى من عائلة امي سوى الخير .."
انتفضت مروة من جلوسها بعصبية قائلة بصياح " مستحيل ..ان ادخل اي احد من اقاربك بيتي .."
رد عاصم بهدوء " ان لم يعجبك فاذهبي.."
لانت ملامح مروة تهمس بتحذير " اذهب...! هل وصل بك الامر الى تلك المرحلة ..حسنا يا عاصم فلتفعل ما تريد ."
ووجهت كلمتها الاخيرة الى عمر قائلة " لن اجعلك تتزوج حتي تجد حل معي لحسين "
زفر عمر بشدة ثم حاول ان يهدأ من حاله قبل ان يهتف " للمرة المليون حسين يمثل عليك ..انه طبيعي صدقيني ..انه ينتقم منك اقسم انه طبيعي ولا يعاني من اي خلل وارجوك لا تربطي حياتي بذلك الغبي "
هتفت مروة بحسرة " اخرس ..اخرس .. تحاول ان تهرب من محنة اخيك مثل ابيك وتربكني بكلامك ..يا اللهي كم اكرهكم جميعا ..ان حدث لي اي شيء ومت سترمونه بالخارج للكلاب الضالة "
هنا هتف سامي الابن الاكبر لمروة " اهدئ يا امي ...سنجد حلا لا تقلقي .."
ليرد عمر عليه وقد خرج عن شعوره وهو يشير لحسين الذي ملأ فمه بطعام " انه كذاب ..انظروا اليه انه طبيعي لايعاني من اي خلل "
احتضن سامي والدته التى بكت فور عناقها وحتى لا تخرج عن شعورها ورمق عمر بأن يصمت الان ...
وقف عاصم كعادته يهرب من اي جدال بالعائلة الى طريق غرفته ، بداخله يعلم ان خطب ما يعاني منه حسين خطير وان كان ما اخبره به عمر حقيقيا الا ان مجرد العيش كغبي لمدة سنوات يدل على حقد دفين ولكن ايضا تحركات حسين وافعاله تضعه بشك كبير ولا يستطيع ان يجد حلا مهما حاول معه يفشل حتي الأطباء النفسين لا يستطيعون ان يجدوا حلا له ..فهو لا يستجيب ابدا لاى مرحلة علاجية سواء بعقاقير ام جلسات حتى استسلم مع مرور السنوات مقتنعا انه امر الله لا مفر منه .
(ظ¥ظ¢)
علمت منة من تأخر امين انه عاد الى عمله وسيأتي متأخر كعادته فأخذت غفوة طويلة من شدة تعبها واستيقظت فجأة على صوت اشعار برسائلها ..
اخرجت هاتفها تتصفح ملحق الرسائل لتجد رسالة من البنك ففركت عيناها لكي تقرأها جيدا
" مبروك لقد نجحتم بالمقابلة يرجى التوجه الى اقرب فرع بالبنك لإستلام الوظيفة بتاريخ ...."
يتبع ...

سارة منصور دوار الشمس 02-08-23 09:05 PM

رد: رواية جديدة " لم تكن أنثى "
 
الفصل الثاني والعشرون
تقرأ الرسالة بالهاتف عدة مرات ولا تصدق بأن الحلم الذي حاولت أن تصعد الى أعلا المراحل بالجامعة حتى تحققه يتم الان رسم بدايته أمامها بعد طول انتظار ..
ظلت تقرأ اسم المرسل المدون بالهاتف حتى تتأكد أنها لا تحلم وأيضا ليست مجرد مزحة يمارسها احدهم عليها ، وكأن السعادة أخيرا يتم تقديمها على طبق شهى أمامها فلمسكينة لم تتناوله منذ سنوات فهل حان وقت استقلالها والحصول على مهنة مرموقة ترفعها هي وشقيقها من مرارة الحاجة الى معونة ..
تبتسم بفرحة غامرة والدموع تتقافز من عيناها فرحا تريد ان تحيك لها لحظات من السعادة تشاركها مع أمين فرفعت الهاتف الآخر بيد مرتعشة تجري اتصال بأمين بسرعة وشهقاتها تمنع اتزان كلماتها التى كانت ترتبها بخيالها مرات عدة بالماضي وحين فُتح الاتصال هتفت بصوت باكي " امين ...لقد نجحت بالمقابلة ..سأبدأ بالعمل من الغد .."
صوت انفاسه الواصل اليها عبر موجات الاتصال لم يجعلها تطمئن تحت صمته ولكن تردد انفاسه بتنهده كان كفيل ليغلق فرحتها مؤقتا ،فأضافت متسائلة" أمين ألم تسمعني؟ اقول لك انني قبلت بالوظيفة .."
"بل اسمعك حبيبتي .... ولكن.... لدي عمل الان ..نتحدث لاحقا ..."
أسبلت اهدابها بتوتر وهي ترى أنه اغلق الاتصال فذلك الرد لم تتوقعه منه ، اعتقدت أنه سيصيح ففرحا بوظيفتها .
فردت ظهرها على احدي الكراتين الموضوعه ورائها هامسة " بالتأكيد يفكر ان يعمل لي مفاجأة ..هو لا يريد ان يظهر فرحته عبر الاتصال ،يا حبيبي يا امين .. ..سأتصل بليندا الان.."
وضعت الهاتف بجانبها وأمسكت الهاتف الآخر واختارت اسم ليندا من قائمة الاتصال، تنتظر ان تجيب بفارغ الصبر عليها وبكل حماس ...حتى فتح الاتصال ليخرج صوت ليندا قائلا.." مبرووووك .."
ردت منة بابتسامة " كان يجب ان اصدق كلامك من البداية ،وضعت نفسي بحيرة وكدت اموت .."
" بالواقع يا عزيزتي كنت انا المختارة ولكن طلبت من عمي ان يختارك بدلا مني .."
"مهلا ..لم افهم .."
" ستفهمين بالغد .."
" بالتأكيد انت تمزحين ...كيف يختارني بدلا منكِ .."
" حبيبتى .....كنت سأعمل دون ان اقم بمقابلة اصلا ..دعك من هذا الموضوع ..هل هناك جديد بحياتك ؟.."
شعرت منه بالتوتر بتذكر تلك الليلة التى افصح بها أمين عن اشياء تخصهما ولم ينتبها لوجود ليندا بجوارهما فهل بذلك السؤال قد فهمت شيء من ذكر اسم عاصم امامها؟،هزت رأسها بالنفي وقالت تجارى الحديث " لا كالعادة بخير الحمد لله ...وانت ..؟"
" اخيك ..كان يبدو قلقا عليك .."
ردت منة مقاطعة بتوتر.."انه هكذا دائما ..يشعر انني ابنته .."
ابتعلت ليندا ريقها بصعوبة وبعض المشاعر تهتاج داخل قلبها الصغير الذي يريد ان يفصح عما يحس به ولكن منعته بصعوبة بالغة واكتفت قائلة بذكاء حتى تحصل على اجابة تشفى فضولها الكبير
" كم انت محظوظة به يبدو عطوفا؟ .."
تنهدت منة بيأس قائلة " والله هذه الكلمة قليلة عليه ولو اعطيه حياتي بكل نبضه لن تكفيه هو يستحق اكثر .."
" لهذه الدرجة ..ماذا فعل يعني ؟.."
لمس منة الحنين من احتواء شقيقها لها وكل شيء فعله لأجلها فدون حبه وتفهمه كانت لتموت من الاجواء النفسية التى سقطت بها غصبا فحبه الوحيد ودعمه هو من جعلها تفق وسط تلك الاوجاع وتكمل حياتها طبيعيا وان كانت لا تزال تعاني من بعض الاشياء البسيطة إلا انها تسمي بذلك استشفاء لروحها ..فاكتفت بقول " مهما اقول لن يكفي ..هو فعل لي الكثير .."
زفرت ليندا من غموض منة وغلقها على امين بالألغاز فجازفت بمشاعرها قائلة " احكي احكي انا صديقتك من غيري ليسمعك .."
"بعدين بعدين ..ربما بيوم من الايام اخبرك ..ولكن ليس الان ..لست مستعدة .."
تنهدت ليندا بحزن وختمت كلامها
"كما تريدين ..فارس ينادي علي سأتحدث معك لاحقا "
*****
اغلقت ليندا الاتصال بغضب وقلة حيلة تريد ان تعرف اي شيء ولو معلومة بسيطة تشفي اشتياقها المحروم بأي كلمة تعيش على حروفها لأيام حتى تجد حل لتلك المحنة التى سقطت بها ..
خطت الى فارس بحديقة منزلها بعد أن بعث لها ان تأتي لتجلس معه ومع خطيبته التى باتت تزورهم كثيرا من الاحيان ،دهشت عندما وجدت عامر يجلس معهما بالحديقة فرانت اليه ببعض الضيق وثقلت خطواتها عن المشي نحوهم فهي لا تحبه ولا تتقبله تجده مغرور جدا ولا ينصت الى احد ،فالتفتت تعود الى الداخل ولكن فارس انتبه الى وجودها فنادي عليها..
عضت على شفتيها بحنق واتجهت اليهم بنظرات غاضبة قائلة ..
"مساء الخير "
القت التحية وهى تحدق بسارة ولم تعير اي انتباه لعامر الذي يراقب حركاتها قبل ان يهب واقفا ويمسك عكازه مستعدا لذهاب قائلا بقسمات تميل نحو البغض " فعلت المستحيل حتي لا يتم قبول صديقتك معنا ليس لأنها صديقتك فأنا اعرف تفكيرك ..ولكن لأنها ليست كفؤة ..بس فشلت "
عضت ليندا على شفتاها بحنق ترمقه باشمئزاز قائلة بعناد طفلة " لقد اخبرت عمي عنها ووعدني بانها ستعمل ،فمن انت حتى تحاول ان تقف امامه."
استفزته كلماتهافابتسم بسخرية قائلا " لم يكن عمك بل كان (جاد ) تعلمين جيدا ان عمك رشيد لا يحب الواسطة ابدا ولا يمارسها على اي احد مهما كان يعزه ..
فلم يكن ليوظفني ابدا داخل البنك ان لم اكن كفؤا فرغم العداوة الشديدة بينه وبين ابي رحب بي كثيرا بالعمل معه ،هو لا يدخل الامور الشخصية الى العمل ابدا ..
،سأخبرك شيء أخير حتي لا تزعلي عليها فيما بعد ،حذريها من ابن عمك جاد ولا تجعليها تتحدث معه بأي موضوع اين كان ما سيطلبه ."
بعض الغيرة استوطن كيان ليندا من منة فلم يرها جاد الا مرة واحدة وجذبت انتباهه ولكن الخوف والقلق استحوذ عليها اكثر فإن كان كلام عامر صحيح فهي واقعه بمشكلة ويجب عليها أن تنتبه من ذلك النسوانجي الخطير ..
ضرب فارس يده بالأخرى بغضب قائلا " لم يعد ورانا سوى منة لنحمل همها ايضا .."
لتقول سارة بغرابة "من تلك الفتاة .."؟
تأفف فارس قائلا " صديقة ليندا للأسف "
حدجته ليندا بغضب هاتفه " انتبه لكلامك .."
ران عامر الي فارس بغرابة وكعادته انسحب من الحوار خاتما " اراك غدا فارس .."

(ظ¥ظ£)
وصلت الساعة الى الحادية عشر مساءا ومنة لا تزال تنتظر أمين بفارغ الصبر لكى تشاركه الفرحة ، هنا... لم تلبث سوى دقائق حتى وصل امين الى المخزن فانتفضت واقفه تحدق به بحماس شديد لترى عيناه غامضة بين الغضب والقلق ساكنة ليتها تعرف انه مقتول بسبب تفكيره الزائد فهو الان بين نارين فإما أن يتركها تعمل دون معرفتها بوجود شريف بالاسكندرية وترى حياتها وتستمر بالصعود الى سلم التفوق واما ان يخبرها بوجوده ولا يتركها تعمل وكلا الامرين اصعب من بعضهما وما يجعله يخاف اكثر هو توقعه ان علمت بوجود شريف ترجع الى منة القديمة الفريسة السهلة التى تمكث بمكانها تنتظر الضبع لكي يهجم عليها اكلا لحمها بصمت رافضة الشعور بالحياة حولها او التفكير بالهروب مثلا ،وكل ذلك بسبب طفولتهما المشردة .
تسرب الخوف والقلق من عيناه ظاهرا ساحبا الفرحة والسعادة من عيناها تدريجيًا وهي تره يحدق بها بذلك الجمود وكانه غائبا عن العالم أجمع ،فهمست بقلق وهى تخطو نحوه " ماذا بك يا امين هل حدث شيء ..؟"
تنهد أمين بحسرة لا يستطيع حقا ان يظهر فرحته ولكن عقله يأبى فتنهد مرة اخرى قائلا " هل تريدين العمل الى هذه الدرجة ؟؟"
اتعست عيناها بشده ترد بحماس "بالتأكيد اريد ان ابني مستقبلي "
رفع بصره اليها مقتربا قائلا باهتمام
"منة اريد ان أسال عن شيء مهم "
"تفضل "
حاول قدر الامكان أن يغير من هيئة السؤال ليحصل على اجابة تظهر حقيقة مشاعرها بطريقة غير مباشرة فقال بقلق ..
" ان حاول احدهم ان يهجم عليك ماذا ستفعلي ..."
رأي بعيناها الخوف والحيرة والتوهان فوثب قلبه بخوف فأضف " يعني انت ستدخلين سوق العمل وبالتأكيد سيحاول احدهم ان ينافسك ويقارنوك بزميلاتك وربما تهجم عليك احداهن بكلماتها الازعة او ربما مثلا يحدث مثل الافلام تجذبك من شعرك .."
تنهدت منة براحة وابتسمت بأمان واقتربت من شقيقها ترد بنبرة يعرفها جيدا " لقد اخفتني حقا .... انت كنت تقصد ذلك ..لا تقلق سأحاول النجاح مهما تعرقلت ..هذا اساس العمل ..بالتأكيد سأسقط .. ولكني حين اسقط اقم لأحارب وبالنسبة لغيرة الفتيات نحن لسنا صغار ..يا اللهي انت درامي للغاية .."
ابتسم امين يداري حسرته فقد حصل على الاجابة التي يبحث عنها وكم كان متأكد انها لم تتغير ..فكتم همومه مقتربا منها يربت عليها قائلا " اعرف انك ممتازة "
ثم اضاف وهو يضع كلتا يديه على كتفها " استعدي.. سنذهب الى بيت عاصم الان .."
"بيت عاصم تقصد ع¤يلته"؟
" ااه هذا شرطه .."
صدمت منة من تصريح امين قائلة بتساؤل " اخبرني ماذا قال لك ولما انت وافقت على العيش معه ألم تكن تكرهه بشدة وتوبخني ان جئت بسيرته .."
"سأخبرك كل شيء ..ولكن ليس الان ..صدقيني بمصلحتنا ان نعيش معه .."
اغلقت منة عيناها بقوة ثم فتحتهما قائلة بخوف ..
"لكن لا ائتمن لأولاده او زوجته ربما يفعلون بنا شيء فنحن ابناء طليقته .."
زفر أمين قائلا " ثقي بي ..ارجوك وامضي معي الى النهاية وامر مكوثنا معه مؤقت لن نعيش معه للابد يعني ..."
وجدت منة قسمات الهم والقلق تستوطن داخل مقلتيه اكثر فحاولت ان تجاريه قائلة " امين اخبرني هل حدث شيء ..؟ اشعر انك تخفي عني امر هام "
ابتلع ريقه وظل يحدق بعيناها بتوتر حتي هتف خاتما ..
"لا ..، لا يوجد اي شيء ،،وان كان سأخبرك حين ارى انك مستعدة ."
وما ان جاءت لتتكلم وضع امين يده على شفتاها مضيفا " ارجوك ..حبيبتي ..لا استطيع ان اتحدث الان .."
امالت منة رأسها بإيجاب فأنزل يده وبدأ يحمل حقائبهما تحت نظراتها القلقة فهي لا تعرف كيف ستتصرف ان رأت عامر او حسين ..ولكن لا يوجد حل امامها الان ..
وما جعلها تطمئن بعض الشيء ان أمانها الوحيد "أمين" سيكون معها اذا فلتنقلب الدنيا رأسا على عقب طالما ان شقيقها بجانبها ..
(ظ¥ظ¤)
تجلس حسناء مع ابنتها صوفي في احدى المقهى بالحي الشعبي ينتظرا شخصا مهما يمكن ان يغير مسار حياتهما للأبد.
تحدق صوفي يمينا ويسارا لتتأكد من عدم وصول ذلك الرجل الذي طلب مقابلتهما ثانيةً بعد موت لميس ،فهمست لوالدتها " لقد حذرتك لميس من مقابلة ذلك الرجل بشدة لما الأن تنوين ان تقابليه "
جذبت حسناء مرفق ابنتها اليها حتى اقتربت منها تهمس لها بتحذير مخيف بلمعة عيناها المتسعة بشكل مرعب" اياك ان تقولى اي كلمه أمامه وإلا اقتلك اتسمعيني .. هناك خطة ...ان نجحت لن نحتاج لأي احد ابدا .."
امالت صوفي رأسها بإيجاب وقلبها ينبض من الخوف من أمها فلأول مرة تراها بتلك القسمات المتوعدة بالأذى ،تركت حسناء معصمها واشارت اليها لكي تعتدل بجلستها فالرجل قد وصل اليهما ..
كانت حسناء تحدق به بغموض محاولة قدر الامكان ان لا تفصح عن مشاعرها التى تحبسها داخل قلبها من ذلك الرجل ..
ونجحت بالفعل حين هبت واقفة تمد يدها لمصافحته قائلة ". اهلا خالو شريف ..تفضل "
رمقتها صوفي بغرابة فلم تتوقع ان يكون لقبا فعليا فابتلعته على انه مجرد لقب مزيف تدعوه للتقرب منه مثلا ،فجلست الاخرى ولم تعجبها نظراته لها وهو يحدق لساقيها المكشوفة بتلك الشهوة ..
حاولت حسناء كتم غيظها من نظراته الجريئة بابنتها وقالت بتماسك تدخل بالموضوع مباشرة" اخبرتني بالمقابر ان هناك جزء لميراث امي ..ذلك شيء غريب فكانت تخبرني انكم حرمتموها من ورثها .."
حدجها شريف بنظره شامته قائلا بتلذذ " بلى ونحن على العهد .. ، ولكن وصت نجلاء قبل وفاتها بجزء من ميراثها لأمك ..ويجب تنفيذ الوصية بالتأكيد ان تعرفين خالتك نجلاء ،صحيح ؟.."
هنا هتفت صوفي دون تصديق " وابنائها ..اليس هم أحق بالورث .."؟
جحظت عين شريف بصدمة فداست حسناء على احدي قدم صوفي بغضب تحت الطاولة لكي تظل صامتة ليقول شريف بغرابة مضيقًا عيناه بخبث " كيف عرفتي ان لديها ابناء ؟"
ردت حسناء مسرعة بتوتر " مجرد افتراض ،المسكينة لا تصدق انه سيكون لنا ورث فتتأكد منك ان كان لها اولاد ام لا ..فانت تعلم الحال ضيق "
هز شريف رأسه بإيجاب ثم رفع احدى حاجبيه قائلا بابتسامه خبيثة مع قهقه " لا لا يوجد لديها فهي لم تستطيع الانجاب..... مسكينة كانت ستموت على طفل .."
تواثب قلب حسناء بقوة وحاولت كتم مشاعرها المشتتة فقد شكت انه يلعب بالنار معهما الان ..
خلعت شالها من على رقبتها لتضعه على ساق صوفي المكشوفة لتمنعه من تلك النظرات الشهوانية فابتسم بخبث رافعا حاجبيه ، هنا...تغيرت قسماته فجأة حين التقطت عيناه شيء يلمع فانصدم بشدة وكادت مشاعره تنفعل ولكنه تماسك غصبا ، رمقته حسناء بحنق قائلة " كم يساوى هذا الورث "
رفع بصره الى وجهها يحدق بها بنظرة غريبة ممزوجة بين الغضب والطمع وفشل فمداراتها امامها فتحرك بصره الى العقد الموضوع على رقبتها والذي يعرفه جيدا قائلا بشغف
"ثلاثة ملايين ..."
قاطعته صوفى بشهقه مفزعة "ماذا " ،لترد حسناء وهي لا تصدق اي كلمة تخرج من ذلك الرجل فأرادت ان تجاريه الى النهاية قائلة " كيف احصل عليهم الان .."
ابتسم شريف بمكر وهو يرجع بظهره يريحه على المقعد قائلا " لا يمكن انها اراضي بالعزبة وعليها اقساط وديون واشياء كثيرة لفكها ...ولا استطيع ان افعل ذلك حتى تعودا معى الى العزبة "
ازدردت ريقها بتوتر قائلة بعد تردد " وان لم اتى معك .."
"سوف اعتبره تنازل عن الميراث "
جحظت صوفي عيناها تهب واقفة هاتفة " بالتأكيد ستذهب الى العزبة "
هبت حسناء الاخرى واقفة تمسك يد ابنتها بقوة حتى ألمتها قائلة بحسم " سأفكر بالموضوع وسنكون على اتصال .."
وقف شريف مسرعا يمنعها من الذهاب بإمساك يدها قائلا وعيناه ستنقلع على العقد " اعطيني عنوان منزلك حتى ...ازوركم واطمئن عليك هذا من واجب الخال كما تعلمين "
لم تستطع حسناء ان تخفى حقدها وكرهها الشديد بقسماتها فأفرجت عنهم قائلة وهي تجذب معصمها من يده " لا تتعب حالك ابقى على عادتك ونحن من سنزورك .."
بقي شريف يحدق بهما وهما ترحلا بعد ان اشار الى احد رجاله ان يتبعهما ويراقبهما بتوجس، لم يكن يصدق انه خطته لتقرب منهما لتسليته اظهرت شيء كان يبحث عنه واشقائه لسنوات ..
******
" للمرة الاخيرة انه كذاب .. وان قمتي بفتح ذلك الموضوع مجددا امامي لن تكوني ابنتي "
تصيح بها حسناء بوجه ابنتها المنهار بعد محادثة مليئة بالسخط فور عودتهما الى الشقة التى اجروها مؤخرا بعد بيع البيت ...
"لنفترض انه كان صادقا ..سيضيع علينا الثلاثة ملايين ..هل عقلك بمحله لتكذبينه .."
"اذا لنفترض مثل ما تقولين ثلاثة ملايين صحيح هذا المال ليس ملكنا انه لأمين ومنة ..هما اولا به انا لا استطيع ان اخذ اموال ليست لي ابدا، الم تشعري بالخوف وهو ينكر وجودهما بالأصل ؟ ..اعتقدت انه سيقول انهم ماتا على الاقل ..هذا الرجل خطير وحذرتني امي منه كثيرا .."
هتفت صوفي بصياح دامي وهى ترى والدتها بلهاء بوقت غير مسموح لها ان تنكر الاموال ..
" لم اعد اتحملك ولا اتحمل الفقر لقد باظ عقلك من شدة الجوع سأذهب اليه انا وخليكِ فى تلك المجاعة بمفردك "
شعرت حسناء بالخوف وامسكت بيد ابنتها قائلة برجاء
"حسنا سأعطيك سبب واحد لمعرفتي انه كذاب ..."
هدأت صوفي تحدق بوالدتها بعيون دامعة وكأنها لا ترى اي شيء امامها سوى الهروب من الفقر لتضيف حسناء "اعرف لما عاد الينا ويحاول اختلاق الاكاذيب ..هو يريد ذلك العقد .."
"ماذا ..ولما سيريد ذلك العقد الرخيص "
"لا ليس رخيصا انه ألماس حر ... كان ملكا لجدتي و لميس قامت بطلائه بمادة حتى لا يتم التعرف عليه .."
يتبع .....


الساعة الآن 09:00 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية