منتديات ليلاس - تشكيليون ..أسعدونا .. ورحلوا تعساء .

"من الاِنصهار فى بوتقة الألم .. يولد الفن "
مقولة لها نصيبها من الصحة والتحقق
فكم من فنان قد أوتى النبوغ والموهبة
حتى اذا ما صاحبه سوء الحظ وقساوة الأقدار
وحاصرته الهموم وكل صنوف الألم
انعكست أوجاعه على تفاصيل أعماله التى يعكف عليها
حتى فى فترات من الهدوء بين انهاك نفسي وأخر
وكأنه التوهج الاخير قبل النهايات المفجعة
ليترك الواحد منهم كمّا من لوحات و اعمال تؤكد
ورغم كل شئء ...عبقريته فى عالم الفن التشكيلى
البعض يرحل معدما ..والبعض مقهورا.. يائسا ..
وتظل تلازمهم صفات فنانين الألم وعذابات الحياة
تاركين خلفهم ارثا مؤثرا يبعث فى النفوس تعاطفا كبيرا وأسفا!

https://a.top4top.io/p_2467n5o2i1.png

سواء فى الشرق أو الغرب
لا فرق
فكم من صفحات مطوية هنا وهناك
لأسماء علا وميضها لبعض الوقت فى سماء الفن التشكيلى
ثم خبا نورها وبقيت مأساتهم تحكى عنهم
وكيف أمضوا حياتهم سجناء ذواتهم العليلة
يكافحون سدى وطأة الفقر والحاجة والتهميش
والأمراض النفسية الداهمة
فمنهم من احرق لوحاته وخاصم دنياه
منطويا على ذاته مستغرقا فى الضياع
أو غادر منتحرا !
https://a.top4top.io/p_2467n5o2i1.png
اليس من بعض الِانصاف ان نأتى على ذكر هؤلاء التعساء
لنضىء سيرتهم بلوحات من بعض أعمالهم
ونغدق عليهم محبتنا وتفهمنا لكل ما عانوه
وقد أمضوا أعمارهم سجناء أحزان مريرة واّمال مجهضة
تعصف بهم رياح اليأس .. فلا مرسى يلوح أو ضفاف؟
https://a.top4top.io/p_2467n5o2i1.png
من بين هؤلاء المتعبين والضائعين بين أنواء الحياة
استغرقتنى تفاصيل حياة
فنان الحزن النبيل
لؤي كيالى
1934 - 1978
ولد الفنان لؤي كيالي في مدينة حلب شمالي سوريا
ويعد واحدا من أهم الفنانين في تاريخ الفن التشكيلي السوري الحديث

https://j.top4top.io/p_2467cz9us1.jpg

تجلت موهبة كيالى فى الرسم مبكرا
فرسم أول بورتريه وهو في الثامنة من عمره
فيما أقام أول معرض للوحاته في عام 1952 قبل أن ينهي دراسته الثانوية
في مدرسة التجهيز الأولى بحلب
درس لفترة قصيرة في كلية الحقوق بجامعة دمشق، عام 1954
وعمل موظفاً حكوميا عام 1955
وبعد عام تم إيفاده إلى إيطاليا لدراسة الرسم
حيث عرف فى العاصمة روما على نطاق واسع
وتواصلت حياته ما بين سوريا وايطاليا
حيث تخرج في أكاديمية الفنون الجميلة هناك
ثم استقر فى كلية الفنون الجميلة بدمشق لاحقاً
مدرسا للتصوير والزخرفة .

https://g.top4top.io/p_24679e4yp1.jpg

متربعا على طليعة الفن السورى وناصية الحداثة الفنية
بأسلوبه الفني المميز
كان نجما ساطعا فى العديد من معارضه الخاصة فى كل مكان
وحاصلا على جوائز بلاحصر
مشحونا بالعواطف الانسانية والشاعرية
رسم لؤي كيالي اللوحات الزيتية بأشكالها فأبدع في رسم الطبيعة الصامتة
والمعاناة الإنسانية كما حلق بفن البورتريه والكروكى والرسم بالفحم

بائع السبح

https://d.top4top.io/p_24670rucz1.jpg

قيلولة
https://k.top4top.io/p_2467kice91.jpg

https://b.top4top.io/p_2467nmmbm1.jpg

هكذا كان الحال
نجاحات لا تتوقف .. تقدير واستحسان وجوائز متعددة
حتى وصلت مسيرة الفنان المرموق
لبدايات المنعطف الحاد الخطير فى اسلوبه الفنى
تحديدا في أواسط الستينيات
حين تحول الى موضوعات سوداوية غاضبة
تنضح خوفا وشؤما فى أجواء مأساوية كارثية
فصارت مجمل لوحاته تعبر عن الصراع العربي الاسرائيلي
وهموم وطنية شتى تعتلج فى مشاعره وروحه الحساسة الجياشة.
من أبرز لوحات تلك الفترة
الخوف – ثم ماذا – الثكالى.

https://f.top4top.io/p_24676kco51.jpg

https://i.top4top.io/p_2467ceu8i1.jpg
ثم ماذا
https://e.top4top.io/p_2467hqme31.jpg

هكذا
تنازل الفنان عن جمهوره المعتاد من طبقة الأغنياء والمترفين
ليفقد راحته الداخلية وانسجامه السابق مع العالم
ربما ذلك كان واحداً من أسباب اضطرابه وتعكر أمانه النفسي
فعاش فى جحيم صراع داخلي حول ماهيته الفنية ولمن يتوجه بلوحاته .

https://l.top4top.io/p_2467i9kz01.png

ثم تلى ذلك نكسة يونيو لتزيد من بؤسه وتهز أعماقه من الداخل
وعبّر عنها من خلال معرضه “في سبيل القضية” عام 1967
المعرض الذي أظهر الناس في لوحاته خائفين
إلا أنهم أقوياء
بملامح قاسية غليظة
وأطراف ضخمة
يكابدون أعباء داخلية مضنية وخارجية مرهقة
يسحقهم سوء واقعهم وان كان لا يخضعهم تماما.

https://g.top4top.io/p_24674kom51.jpg

https://k.top4top.io/p_246795i5f1.jpg

https://j.top4top.io/p_24671h9gs1.jpg

https://c.top4top.io/p_24670uij91.jpg

https://h.top4top.io/p_24679ttfu1.jpg

https://g.top4top.io/p_24678l9gk1.jpg

https://g.top4top.io/p_2467s1hd81.jpg

إلا أن هذا المعرض زلزل وسطه الفني ومكانته كفنان
حين انهال عليه النقد اللاذع والهجوم الشرس
من قبل كتاب ونقاد الصحافة المحلية
الأمر الذي زاد من اضطراب "كيالي"
وبدا جليا دخوله فى نفق مظلم كئيب
ليصاب بأزمة نفسية حادة
أوصلته الى حد اضرام النيران في لوحات معرضه الأخير
أو فى رواية أخرى تمزيق أعماله بأكملها بيديه
وهي ثلاثون لوحة مرسومة بالفحم صوّر فيها المأساة الفلسطينية
ثم جاءت وفاة والده عام 1970
مما أدى لدخوله في نوبات من الحزن والاكتئاب الشديد

https://a.top4top.io/p_2467typ7z1.png

هكذا هوى الفنان الموهوب الحساس من حالق
فى ضربة قاصمة لتوازنه النفسى
أدخل على اثرها المستشفى في كل من سوريا و لبنان،
حتى صدر في النهاية قرارا بتسريحه من عمله عام (1972)

https://a.top4top.io/p_2467typ7z1.png

مع انتصارات اكتوبر في العام (1973)
بدا الأمر وكأنه تعافى واستعاد صحته النفسية
وكانت بداية المرحلة الأغزر من إنتاجه
ليستمر حتى عام 1976 بإقامة معارض في دمشق وحلب وبيروت وكندا
والشروع في رسم عوالم ساكنة هادئة
ولكن بأشخاص لم تعد قوية كما كانت من قبل في لوحاته
بل مجرد وجوه مستكينة وبائسة

https://a.top4top.io/p_2467typ7z1.png

للأسف..
لم يصمد الفنان لؤي كيالى كثيرًا بعد شفائه الظاهرى
فعاد الى حلب معتزلا الناس منطويا على نفسه
وانقطع عن الحياة العامة واعتكف في منزله !
حتى جاءت النهاية المفجعة
فى ليلة من ليالي أيلول سنة 1978
انتهت حياة كيالي عن عمر ناهز 44 سنة
نتيجة اندلاع النيران في سريره بسبب عقب سيجارة
وتأرجحت الروايات حول انتحاره بهذه الطريقة
خاصة بعدما رجحت مصادرعدة تشخيص حالته النفسية
باضطراب المزاج الثنائي القطب
حيث تحدث فيه نوبات كآبة
ونوبات أخرى فيها نشاط وحيوية
وأيضا نوبات مختلطة بينهم
بينما استبعدت مصادر أخرى فكرة انتحاره
خاصة وقد كان فنانا شهيرا تباع لوحاته بمبالغ كبيرة .
يتبع