منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   المنتدى العام للقصص والروايات (https://www.liilas.com/vb3/f16/)
-   -   رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون (https://www.liilas.com/vb3/t207822.html)

شتات الكون 04-12-20 06:36 PM

رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون
 


وضع يده على كتفيها صرخ: بسسسسسسسسسسسس.......ولا كلمة.....كلام الشوّارع لا عاد اسمعه على لسانك..

رفعت نفسها صارخة في وجهه بعينين باهتتين، تتحدّاه بعدم إهتمامها للألم: قوللللللللللللل لها تنادي الدكتورة.......قووووووووووول لها..........قوووووول.......

كانت منهارة ، منهارة بشكل ارعب قلبه الذي بدأ ينبض بالخوف من شكلها ونزيفها الذي لم تشعر به إلى الآن، نظر لحُبيبات العرق التي تُلامس جبينها بكل جبروت ، نظر لعينيها اللامعتّين بالألم الذي تأبى من ان تنطق به ،وضع يديه على كتفها خشي عليها من هذا الحال، حاول أن يدفعها ليُجبرها على الإستلقاء ولكن جسدها أصبح كالخشبة المسندّة على اللّاشيء في الواقع!
تحدث بصوت جدي: قولي لي وش تبين من الدكتورة وش اللي يألمك...
دخلّت الممرضة حدّثت ليث إنها جلبت ابرة المهدّأ
وانهالت رحيل عليها بالسب والشتم وكثُرت حركاتها العشوائية حتّى بها رفست برجليها ليث دون أن تشعر، لو كانت محررة وهي على هذا الحال لأدمتها في الواقع بجنون!
صرخت مصرّحة إنها تريد أن تخرج من المستشفى، فهم الأمر ليث اشار للممرضة وأمرها بالخروج، سوزان لم تعد هُنا لتمسك حالتها وأحالوا حالتها لدكتور آخر.
تحدّث ليث بعد أن سحب لرئتيه هواءً ثقيلًا متماشيًا مع غضبها وجنونها هذا : رحيل....هدّي......تراك جالسة تنزفين حاسة ولا مو حاسة؟

صرخت في وجهه: انقلع عن وجهي.....ناد الدكتوووووووووورة ابيها تكتب لي خروج....برجع السجن.......برجع......مابي أظل هنا......

ليث تحرك، سحب الإبرة وافرغ المحلول في علبة "المغذي"، الحديث الآن سيزيد حالتها سوءًا، ووضعها في الأصل سيّء عليها ان تهدأ، لكي لا تزيد بحركتها جنون ألمها الذي لا تُعيره أي إهتمام، وجهدها في الصراخ اتعب جسدها و انزفها في الواقع!
صرخت : انقلع براااااااااااااا........قلت لك نادها.....

لايدري كيف جنّت هل بسبب حركته؟ وعناده قبل دقائق قصيرة؟ أم تفعل هذا بسبب وجوده؟...بقَيت على هذا الحال.....تشتمه.....تصرخ...تطلب منه الخروج حالًا......تكرر: ابي اطلللللللللللللللللع ارجع السسسسسجن....ما تفهم؟

يرتفع صدرها بصرخة وينخفض بأنّه وأنين بدأت تستوعبه لم يستطع أن يقترب منها وهي تتلّوى بالصراخ والألم يريد أن يبدأ مفعول المهدّا ليقترب منها ، نظر ليديها اللتّان تشدّهما محاولةً في تحريرهما انتبه للحّز الذي أحدثته في معصم يديها، مرّت أربع دقائق ، وهي تكرر
: ابي اطلللللع.....انا مو تعبانة......ابي اطلععععععععع.....ابي ارجع السجن.....بعيد عنك......ابي اعيش لحالي......ابي......حياتي بعيد عنك.....بعيد عنكم كلكم....ابي اضم حُبي......ابي حُبي....ابيه.......ابييييييييييه........ما ابيك انت!


نزلت دمعه خائنة من عينها اليُسرى بينما عينها اليُمنى مسكت احزانها لتتحجّر في محجر عينها المحمر، أخذ ينظر لها بثبات، مُبتعد عنها لكي لا يُبدي بردات فعل تزيد من الأمور سوءًا..يبحلق في هويّتها الجديدة..يحاول تفكيك تركيبتها التي اجتمعت في عُقدة التعقيد..توّقفت ذاكرته عن استرجاع رحيل في صورتها التي ألفها..والآن اتجّه في واقعيّتها التي كسرت بداخله أشياء وأشياء كثيرة لا يحبّذ مواجتها إطلاقًا!

وهي تكرر: أبي حُبي.....ابي ...اعيش بعيد عنك...عنكم!

ولكن ماذا تقصد(أبي حُبي أبيه ما أبيك أنت) هل ما أتى في عقله هذا ما تُعنيه ، هل تقصد أنّ هُناك شخص آخر امتلكتهُ في قلبها هل تقصد هذا؟ أم إنها تُهذي .....بهت لونه مع تكرارها هذا....ازدرد ريقه وشدّ على قبضة يديه لكي يمتّص غضبًا متسللًّا من هِضاب سوء الظن!
رفع قدمه اليُمنى ناويًا على ارتكاب حماقات كثيرة، تحت صوتها الذي أخذ ينفخض شيئًا فشيئًا بسبب مفعول المهدّأ الذي حاول أن يطبّق على جَفنيها بنُعاس لئيم يُخرسها على عدم الإعترافات التي ودّ لو تُكملها الآن
سمعها وهي تشهق بلا دموع وتطبّق عينيها بهدوء: أبي حُبي....ما ااااابييييكم ااانتم...مااااابيييكككم!

سبع دقائق من العواصف، من الجنون من التغلّبات والحديث المُثير للجنون، ضجّ في فؤاده غِيره وتساؤلات كثيرة ماذا حدث؟
ما كيميائية رحيل الجديدة؟ وماذا تقصد؟ لماذا يحاول ألا يستوعب الصدق في نبرتها في طلب حُبها المزعوم ، ربما تقصد والدها ولكن لا يظن لالا.....اقترب منها .....نظر لوجهها الشاحب بالصُفرة ، لأرنبة أنفها المحمرّة، لحاجبيها المعقودين لإرتخاء يدَيْها على جانبي السرير..وقعت عينيه على ساقُها الأيمن المثني بشكل جزئي....وإلى بقعة الدم....وجفاف الدم على ساقيها كلتاهما......شخصت عيناه....ثم ابتلع ريقه بجفاف حاد.....وأغمض عينيه بعد أن شعر بلذعة تسلع تفكيره بِلا رحمة، كنحلة مزعجة تدور تدور ثم تثبّت نفسها على الموضع الذي تُريده لتنتقم وتُغرس أبرتها الصغيرة فيه تأديبًا!

مدّ كفّي يديه ....ليُنزل طرف ملابسها ويغطي بهما ساقيها برجفة عميقة.....الآن لا يفكّر بشيء سوى......حديثها الذي قالتهُ ثم غابت في راحة النوم المجبورة عليه ......سحب الغطاء ووضعه على جسدها.....ثم انحنى مقتربًا من وجهها ، سمع صوت تنفّسها التي تُقطعه شهقة لا إرادية تخرج لتُقطع عليه ضجيج الأفكار......رمش مرتين ....بذهن شارد يسمع فيه
صدى صوتها (أبي حُبي....)، اقترب منها اكثر، يحدّق بها كالمجنون أي حُب تسلل في قلبكِ وأنتِ في ظلمة السجنون؟ أي حُبٍ امتلكتيه وأنتِ بلا حريّة؟
وأنا الطّليق الحُر لم أمتلك معانِيه؟
هل أنت متأكد يا ليث؟ هزّ رأسه بجنون واتكأ على مخدتّها بيده اليُمنى حتى جعل رأسها يتدحرج خطوة جنونية ليلتصق جبينها بقبضة يده التي ترّص على الوسادة، تنّهد بصوت مسموع يُريد أن يُسمع العالم عن ضيقته، دائمًا وأبدًا تأتي الإعترافات واحدة تلو الأخرى عليه ، حديث محمد افلق جزء من قلبه وحديثها أخرس كيانه كلّه وقَسم ظهره !
شدّ اكثر على المخدّه ليقترب رأسها منه.......

همس: حُبك؟

وبنبرة مخيفة ، ومن المؤكد إنها ستهابها لو كانت في وعيها وفي شخصيتها التي يعرفها في السّابق!: شتقصدين يا رحيل؟

ثم طبّق وجهها بيديه بشكل سريع وبردّت فعل انفعالية للغاية لو كانت في وعيها لصرخت به بالابتعاد

همس كالمجنون: ما اسمح لك تقولين لي هالكلام وكأني جدار....حتى لو تقصدين ابوك......ما تقولين له حُبي.......ما تقولين له!

هو يعلم انها لا تقصد ابيها، يعلم هي مكسورة من ابيها ولكن ما الشيء الذي يُثبت ذلك لا يدري شدّ على وجهها قليلًا بجنون وبعثرة ما يفكّر به
لا لا هي تقصد ابيها! ضاع....حقًّا ضاع ....

شتم بصوت مسموع: الله ياخذ بو سلمان.....الله ياخذ اللورد....الله ياخذ......ستيفن..الله ياخذني وافتك!

شدّ على اسنانه وهو ينظر لها بعينين حاقدتين انحنى ليقترب من شحوب صُفرة وجه ذبل من لؤمه وفقد طعم الحياة!

هز رأسه يمنةً ويسرى: إلا الخيانة يا رحيل...إلا الخيانة!

ثم عضّ على شفتيه ، لا يعرف ماذا حلّ به، موقف الشرطيّان ادخلا في قلبه غيره وغضب، وحالها وهلوستها...ادخلاه في عالم عدم تمالك الكيان ولملمت شتاته، ودّ لو يخنقها ...يريد ان تستيقظ...يريد أن يتحدّث معها الآن يريد أن يستفسر عن مقصدها ولكن ......اغمض عينيه......ثبّت جبينه على جبينها واخذ يتنفّس بنفس مسموع......لو كانت تعي ما يدور حولها وشعرت بلهيب انفاسه لصرخت ضاجة تُنهيه عن الإقتراب هذا!.....شدّ على رقبتها من الخلف بعدما وضع يده اليسرى خلفها.....أخذ يتذكّر وجهها ....وهي في المحكمة....صفعة والدها لها.......وقوفها ترتجف أمام القاضي....تذكر صفعته لها قبل خروجه إلى الجامعة!......شكلها المبهذل في الشقة....صراخها......واعترافها الآن الناتج عن كل هذه الكوارث......يريد أن ينتقم منها ....يريد أن يحرق قلبها كما احرقت قلبه بغيرة ومشاعر أخرى لا تتلّون في معانيها بشكل صريح!
همس: رحيل.....

شدّ على رقبتها: تكفين لا تخليني أجّن عليك ....تكفين ...لا زيديني هموم تكفين...يكفيني إللي فيني يا رحيل!

فتح عينيه ابتعد قليلًا ، ارتجف جفنه الأيسر ثم ....وضع رأسها على الوسادة......ابتعد ....واخذ يجول...في الغرفة ...يمشي.....بخطوات ثقيلة.....لن يبرح مكانه إلّا بعدما تجلس.....يريد أن يستوعب حديثها المُر.....وكلامها الذي بثّ بداخله سُّم عنفواني غريب....التفت عليها من جديد يُريد أن يستوعب لفظها في نُطق (حُبي..) يريد ألّا يتيّقن أن يكون لها حبيب بديلًا عنه!، مسح على وجهه وارتجفت أحاسيس الغضب بداخله
ثم تذكّر نزفها، وخشي هُنا ان تسوء حالتها فخرج لمناداة الطبيب بوجه عابس ونفس متسارع وعينين تسرقان النظر إليها بتوّعد عظيم !
.
.
.
.
التنّاقض يجعل من شخصيتنا الإنقسام إلى عدّت شخصيات غير معروفة يلتهم طمأنينة حياتُنا دون ان نشعر، يجعلنا نبحث عن بصيص أمل للخروج من قوقعة التلّون تارة نلوّن تلك الزاوية على مبادىء وتارة نمحي الوانها على مبادىء أخرى، يفهم حديث ابنه، ويعيه ، ولكن هذا ما آلت به القوانين التي التزم بِها مُنذ الصغر كيف يغيّرها الآن! دعوكم من القوانين
لا ينكر انّ رغبته صارمه في الأمر، لا يريد من إحداهنّ ان تخرج كليًّا مبتعدةً عنه!
تحدث صارم: يبه انا مو فاهم ليش رافض ولد خالتي....وانت اللي تعرفه زين.....وشاركت في تربيّته......ترفضه وتحطونها براس اختي وتقولون له هي رافضتك...ولا بعد مو قايلين لي......ليش؟

بو صارم : ولد خالتك رجال ما يعيبه شي.....بس عهود ما هيب نصيبه!

صارم وثار الدم في وجهه: ليش؟.....منو منتظر من عيالي عمّي يجي يطلب يدها......فهد ولا ريّان؟....ولا فيصل ؟

بو صارم رفع يده: صارم ....احترمني ولا ترفع صوتك.....وانا قلت لأمك تنهي الموضوع.....

صارم بجدية: يبه جالس تناقض نفسك.........رافض محمد......والحين ما تبي تزوّج اختي عشـ...

قاطعه بصرخة : صاااااااااااااااارم اقطع الكلام..ولا عاد تهرج فيه مرتن ثانية!

صارم سكت ثم اردف: يبه .....عهود من حقها تقرر موافقة ولا لا.......عهود من حقها تعرف....ذياب جا وتقدّم لها......ومو من حقنا نمنع نصيبها ......

بو صارم يشعر بالتعّب والإنهماك في هذه المواضيع التي بدأت تخرج من يدّه ومن قيد تخطيطاته لها

اردف: ومن حقي كأبو اتمنى لها الافضل!

صارم نظر لعينين والده: ما اظن في افضل من ذياب.....لا توقّف نصيبها على توقعات يمكن تصيب وتخيب.....بشوفة عينك...محمد رافض دانة....ودانة رافضته .....من حقهم يبدون رايهم والكل يحترم هالراي......

بو صارم خرج من طوره: يعني بكرا ...لم تجي تبي تعرس ما تبي من بنات عمّك؟

صارم حرّك يديه : مادري يبه مادري....وش يصير....مادري كيف راح أفكّر وقتها.....مادري......

دخلت للتو.....إلى المنزل.....وصلت .....ودلفت الباب....وسمعت الحديث الذي افلق قلبها الى نصفين ( محمد رافض دانة...) لم يستوعب عقلها الجزء الثاني من الحديث بل بات مفقودًا، تنهّدت.....وسمعت البقيّة ...وفهمت ذياب متقدم لأختها........وهي تعلم بذلك...ولكن لا تدري انه يحاول من جديد.....اظهرت نفسها قبل أن يرد أبيها على أخيها.....ظهرت لهما بوجه محمر وعينين منتفختين ...وجسد منكسر من الدّاخل والخارج......نظروا لها ونظرت لهما.....

صارم عقد حاجبيه: منو جابك؟

ابتلعت حديث وغصّة، إلى الآن لم تخرج من صدمة اعتراف رعد....واسترجاع ذكرياتها واستيعابها لأمور كُثر

نظرت لأبوها وبنرة مخيفة : يبه وافق على ذياب.......ذياب رجال كفو......واسال عهود لو تبيه ولا لا.......لا توقّف رزقها ........عيال العم.......يمكن ما يبون من العيلة دام جدّي هذا تفكيره ودام هذا نظرته......راح الكل يعانده.......وأبي افهمّك شغله يبه

واشارت لنفسها بأصبها السبابة المرتجف: رفضت محمد لأني انا مابي ازوّج مو لأني ابي اعاند واكسر الكلام......بس تكفى يبه......اهتم لراينا......لا تصير مثل جدّي......واسال عهود ....عن اذنكم

بو صارم ازدرد ريقه ، نظره لها وهي تركض على عتبات الدرّج، ولحقها صارم سريعًا، تخبّط في نظرته للأمور لم تعجبه فعلت والده ابدًا ....ولكن "دام" إنها لم تُعجبه عليه أن يُعيد نظره في أمر رغبته بتزويج ابنتيه لإحدى ابناء عموتهم......وكيف يضمن ان يكون احداهم يريد الزواج منهنّ كيف؟ لا يريد ان يوقف نصيب الاثنتين ولكن يريد قُرب عائلته ، وابيه افسد الأمر كلّه!
.
.
.
ركضت ودخلت الباب، كانت ستُغلقه ولكن صارم وضع كف يده ودفعه بهدوء ودخل
يكرر بصرامة وعينين غاضبتين: مع من جيتي؟

لا تريد النقاش ولا تريد أن يراها أحد وهي في أوج ضعفها ، وفي ايلآن نفسه تريد من يُطبطب عليها ....لذلك نظرت إليه

: صارم....تكفى مابي اتكلم...تعبانة.....منهد حيلي.....مافيني على الكلام....المهم جيت...ووصلت هنا.....تكفى اعفيني من الكلام.....منهد حيلي....

سكت ونظر لوجهها الذي تحدّث له بالكثير من الألم ، ونبّههُ على وجعها الذي تحاول اخفاؤه
اقترب منها لَان صوته: اسم الله عليك من هدّت الحيل......

نزلت دموعها على خديها هزّت رأسها تؤكد : والله هدّوا حيلي يا صارم.......حاولت ابتعد بخيري وشري...وهم يلحقوني....جدّي .....يبي يدفني وانا حيّة......
اقترب منها مسح على رأسها مهونًا عليها: لا تقولين كذا يا دانة.....
دانة انفجر ينبوع الحديث من فاهها: خدعني....ووقفني قدام محمد...ارخصني....يا صارم...حسسّني وحده حقيرة...يبي لها الستر بأي طريقة.....
صارم اوجعه حديثها و أوصل لفؤاده شيئًا من قهر شديد وحنق على فعلت جده، غضب من الداخل وطبطب عليها من الخارج وقبّل جبينها مخففًا عنها: محشومة يا عين اخوك انتي....لا تقولين كذا وتقهريني عليك.....

ازدرت ريقها ثم ابتعدت وهي تمسح دموعها قالت: ابي انام......
صارم بتفهم : طيب.....لا تبكين....امسحي دموعك وسمي بالرحمن....

هزّت رأسها له ،بينما هو خرج غضبانًا من فعلت جدّه،
وتناقض ابيه ، سحب الهاتف من جيبه ، عازمًا على ان يحدّث اخته عهود ويجبرها على العودة إلى المنزل، لا يريدها ان تبقى هُناك يخشى من ان يجن جنون جدّه ويفعل ما يفعله في غفلتهم! الآن يجزم جدّه قادر على إقهار الجميع وإجبارهم على ما لا يريدونه.

اتصل عليها وهي كانت جالسة أمام جدتها تتحدث سمعت رنين هاتفها اجابت: هلا صارم....

اتاها صوته الصارم: اسمعيني ....الحين ارجعي بيتنا.....ارجعي.....

عهود بحلقت بعينها لبنات عمّها: طيب...
اغلق الخط في وجهها

ووصايف تقول: يعني جدّه .....انتقلتوا هنا بسبب شغل جدي؟

الجدّه وهي تجدّل خصلات شعرها الأحمر ذلك اللون الناتج من وضعها للحناء لتصبغ به شعرها الأبيض: اي....جينا للخبر.....قبل حوالي اربعين سنة او اكثر....عشان شغل جدّك.....ولا حنّا ديرتنا نجد......هناك أرضنا وبيتنا..وصرنا نتردد لديرتنا زيارة الشكوى لله.....

اصايل دخلت في الجو: اجل اشتقتي لهناك يا جدّه...
الجدّه ابتسمت لتزداد خطوط تجاعيدها على خديها: اوه يا بنتي....كيف ما اشتاق....والله اني اشتقت لأرض لمتنا......واحفظتنا......وارسمت قصصنا وذكرياتنا.....عليها...سقى الله ذيك الأيّام..كّنها جميلة وما تنسي!

هيلة اخذت تصفّر بفمها: اوه اوه....على الكلام....
بشكل غير متوقع لسعتها جدّتها بالعصا على فخذها: قايلة الف مرة لا حد يصفّر ...يا قليلة الأدب....
عهود ضحكت هنا وهي تنهض: هههههههههههههههههه قلعه

ثم اردفت: انا بروح بيتنا....

وصايف نظرت لها بشك: قلنا بنمشي بعدين....

الجدّه : لا ما تمشون قبل لا تتغدون...
شعرت بالورطة: صارم اتصل علي....يبيني ضروري....

اصايل وكأنها فهمت الأمر: خلاص طسي....
هيلة تحرّك حاجبيها بعبث: بتفوتك قصة ......حسنا وعبد العزيز....


لم تتوانى الجدّه من ضربها بخفة مرةً اخرى ولكن هيلة صرخت: آآآآآآآآآآآي جدّه والله يعوّر.....

الجدّه: من يومنّك صغيرة عوبا عوبا يا كافي الشر....ما تعرفين الحياء والمستحى....
هيلة بدفاع : طيب انا وش قلت...
عهود وهي تهتز ضحكًا انحنت على رأس جدّتها وهي تسلّم عليها: يلا جدّه مع السلامة...
الجدّه: سلمي على امّك.....

اصايل بهدوء: ترا جدّه حتى حنا بنمشي...
الجدّه : والله ما تمشون لين تتغدون معي....
وبنظره حادة: ولا قمتوا تسّحبون خوفن من جدّكم وصراخه؟

وصايف فتحت عينيها على الآخر
وهيلة بضحكة تبرير: لالا.......مو عشان كذا....
الجدّه : والله اني اعرفكم.......بس ما راح تمشون....
اصايل بتنهد: خلاص ما راح نمشي....
.
.
بعض المشاعر تسحب صاحبها للتساؤلات، وللتوقعات التي تُثير القلق في الرأي، ومن الممكن أن تتحوّل إلى مشاعر أخرى بسبب تعقيدات التفكير، هو عقله معقّد، مشغول بالكثير، خائف ومتردد، من أن يُرد مرة اخرى لنقطة البداية، هو يقسم انه يحبّها ولكن جُرح منها كثيرًا بسبب رفضها له مرتين
.
.
.
"انا ذياب وأنتِ عهود قلبي"
.
.
.
.
تنهّد برزت عروق الغضب لتنبعج على طول جبينه، لا يريد ان ينكسر مرةً ثالثة، ولا يريد هذه المرة الاستعجال في إبداء ردّت الفعل المتسرعّة والحديث المطوّل مع والدته سيترك الأمور تسير، إلى أن تأتي إليه طوعًا

خرج من غرفته ليخرج قبل أن يتعمّق في تفكيره!
.
.
.
الأخذ بالثأر واخذ الحق بيديك، يجعل منك شخصًا تائهًا في هفوات اللاتفريق بين الحق والباطل، يجعل منك شخصًا ضعيفًا بردّات فعل تورّث الرّماد عقوبةً!
ولكن الشعور بالانتصار وقتها يُريح القلب، يجعل منّك شخصًا طائرًا على غيمات السرور،
وكيف لا يشعر بذلك والعقوبة أتت لهم دون جهد منه! دون عناء رغم تخطيطاته على الإيقاع بهم
مرّ في الممر الذي يؤدي إلى غرفة105 يُريد أن يرى كيف تجرّد من صّحته وكيف أُدميّ جسده!

ابتسم بسخرية طرق الباب خشيةً من أن تكون عائلته حاضره لديه
انتظر رده، لم يرى ولم يسمع إلا السكون
فدلف من الباب
واغلقه بهدوء، ثم التفت لتقع عينيه على صاحبه المتجبّر والمنافق له بكل الأمور، صاحب الدواهي العُظمى وصاحب الخُطط التي كانت سببًا في طرده من عمله يومًا!
رغم انه كان مقربًّا إليه ، يعزّه يعامله كأخويه محمد وليث وربما اكثر!
ولكن ماذا فعل بالأخير؟
طعنه

رفع صوته: اوه اووووووووه .....مويهر........متكسّر....والله ما اصدّق.....اليوم هذا بالنسبة لي عيد!

فتح عينه اليُسرى ببطء شديد بسبب حاجبه المجروح والذي تمّت خياطته بالأمس ، وعينه اليمنى مُغطاة بشاش بسبب اصابتها الشديدة، حاول ان يبتلع ريقه بصعوبة لم يتمنّى يومًا رؤية صاحبه هكذا يتشمّت به ويضحك بسخرية على سوء حالته ولكن هو من جعله يتوّحش عليه بكره عميق
اقترب فيصل اردف: اجل تكسّرت ضلوعك هااا؟

أغمض عينه بتعب لا يريد أن يتجادل معه ، لا يريد أن يسمع عتابٍ منه ولا حتى كلمة طيّبة
ولكن فيصل لم يتوقف: اجل تبي تهرب خايف تنسجن؟

ثم ضحك: هههههههههههههههههههههههههه جزاك وأقل من جزاك الحادث....

ثم اردف بجدية: والله ما تدري قد ايش فرحت لم سمعت خبر الحادث!

تنهّد بضيق واخيرًا اردف: لا تشمّت فيني ....لا يجيك يوم....واجي انا اتشمّت فيك!؟

ضحك من قلبه، ضحك الأيّام.....والذكرّيات وصُحبة الطفولة....وأيّام الصداقة.....وثقة السنين وترابط اليَدين..وتكاتف ساعديهم على اكتاف بعضهما البعض...انقهر ....وتحوّلت الضحكة إلى صوت منفعل وغاضب

: كيف قدرت تخوّن فيني؟

سكت، هل يُخبره إنه كان غيورًا منه!، هل يُخبره أنّ الحسد تورّم في قلبه إلى أن اشعل فتيل الحُقد عليه واشعل ضوضاء الخُطط نحوه ليُنحّيه عن امتيازه واجتهاده الذي غطّى على كل ما يفعله من صواب؟!
بلل شفتيه تحدّث بهدوء: فيصل.....انا....
قاطعه بصرخة: كيييييييييييف طاوعك قلبك تسوّي فيني كذا........تخليني صغير بعين الكل....ولا اعرف شي....كيف هان عليك..تطعني بقفاي يا ماهر...وتسرق احلامي......كيف؟

لا جواب يخرج من شفتيه، ولكن يشعر بألم الكلمات وألم الجسد، وكرامته لا تسمح له بالتواضع والإعتراف بالخطأ، وعزّة نفسه لا تسمح له بالإنهيار والخضوع لفرض لسانه في نُطق التأسف نادمًا على كل ما فعله!

سكت وإخذ موقف الإستماع والإنصات لفيصل

الذي انحنى على السرير: قولي وش سويييييييييييييت لك عشان تجازيني بهالجزاء؟.......وانا اللي حسبتك مثل اخوي؟.....ووثّقت فيك......وش الخطأ اللي بدر مني وخلّاك تنتقم مني يا ماهر؟

ماهر نظر إليه بعينه المحمرّه وبنبرة شاحبة: ما سويت شي!

فيصل بصرخة: أجلللللللللللللل ليش خوّنت فيني؟

اغمض عينه وحاول أن يُبعد رقبته للناحية اليُسرى بصعوبة، فيصل ابتعد
وضحك منقهرًا من جديد اردف كلماته الأخيرة: لا تبرر ولا تقول شي......يكفيني اشوفك متكسّر وعاجز....يكفيني ويرضيني من الداخل يا ماهر.....يرضيني.....

ثم خرج من الغرفة، متوجعًا على صداقة تحوّلت إلى رذاذ يتبعثر في مهبّات الريح الخفيفة، لم يتوقع يومًا ستتحوّل مشاعر حبّه الأخوية إلى كره لناحية ماهر الذي لازم صداقته مُنذ اثنا عشر سنة ويزيدون!
تنهّد بضيق ومشى في الممر بخُذلان الأيام له..طُعِن مرّتين وأخذ يتجرّع لوعة هذهِ الطّعنات بصمت، زفر الخيانة التي داهمته لتّدخله في مصيبةٍ كهذه، مشى بلا عقلٍ وبلا نفسٍ منتظم، آلامه وضعه ، وآلامه عجزه ،وقهرته فعلته...وردت فعله كانت طامة كُبرى عليه...مشى دون ان ينظر لِم امامه
واصطدم في كتف...
رفع رأسه ونظر إليه بتعجب: محمد؟
محمد عقد حاجبيه: شاللي جابك هنا؟
فيصل حكّ جبينه: جيت ازور صاحبي؟
محمد بثبات نظر إلى عينيه: ماهر؟

فيصل ابتسم وابعد نظره عن اخيه هز رأسه: تبي الصّدق جيت اشمّت.....

محمد ...يفهم شعور اخيه ولكن لا يحق له ان يشمت بما حلّا لصاحبه يخشى عليه من أن تدور الأيام ويدخل عليه يراه بوضع مزري واشد من حال ماهر المسكين!
فنهره: عيبببببببببب عليك تشمت.....قول الحمد لله والشكر......واطلب ربي يعافيه......الرجال خسر عينه اليمين......وتكسّرت ضلوعه.......واحـ...
قاطعه فيصل بمشاعر ملخبطة: بس بس....ما ابي اسمع شي عنه!
ثم لغيّر الموضوع طرأ في عقله أن يقفز إلى موّال حديث ليث: مكلّم ليث؟

محمد بلل شفتيه هُنا واخذ يمشى بهدوء وتابع خطواته فيصل بهدوء ايضًا: اي.....
فيصل : شقلت له؟

محمد بإنكار لكل ما تلفّظ به: ولا شي......
فيصل توقف ووقف أمامه: واضح انّك جايب ام العيد معاه......
ثم قال: واضح ليث.....ماكل تبن من كل النواحي....فلا تزيده!
محمد ضحك وهو ينظر لعينين اخيه:ههههههههههههههههههه شف من يتكلّم....
فيصل ابتسم رغمًا عنه : والله ما الومك.......تضحك....بس صدقني الحياة تافله في وجه اخوك......وعشاني حاس فيه....ببطّل هالفترة تبحّث عنه!

محمد رفع حاجبه اليمين: بس هالفترة؟!

فيصل بنبرة مقصودة: اي........فيني فضول ودي اشبعه ....

محمد بطنز: ما في شي....بس انت تتوّهم.....
فيصل اشار على شنبه: هالشنب مو على رجّال....اذا اخوك مو في مصيبة كبيرة؟

مات ضحكًا هُنا محمد وأخذ يكح: هههههههههههههه كح كح....الله ياخذك وش مصيبته ......اكيد مصيبته رحيل وبس....

فيصل وضع كفّي يديه في مخبأه الجانبيين: هو مصيبة رحيل صدّقني!
سكت محمد ، ثم مشى بخطوات بطيئة: لا تجلس تخوّفني يا فويصل......

فيصل: حاسني قلبي ....والله.. وأحاسيسي عمرها ما كذبت!
محمد تنرفز من نبرة الجديّة من صوت اخيه: الله ياخذ أحاسيسك هذا اللي اقول لا عاد تحس وتنشب في حلوقنا......

فيصل طبطب على كتفه: طيب طيب......ماشي....
محمد ابعد يده عنه: ولا عاد اشوفك في الطوارىء......
فيصل بطنز: طيّب يا مسعف البشريّة انت....
محمد وهو ينفصل بطريقه عنه ويرفع صوته: انقلع..

ضحك الآخر متجهًا إلى الباب الذي يُخرجه من قسم الطوارىء والحالات الحرجة!
.
.
.
.
أحببتُك
وأودعتُ نفسي في جُنبات عٌشقك الذي يُلامس قلبي بهدوء نبضك الجميل
علّمتني الهيام الذي خشيت من إنني أقع في قاعه المُظلم
ولكن وقعت وما اخشاه لم يحدث، ألتقفتني من ظلامه وجنّبتني عنفوانه بيديك الناعمتين، وبهمسك الذي يُودّع بداخلي الطمأنينة!
.
.
.
مُنذ أن وصلت وهي تُبكيه، تُبكيه فُقدًا، وعُشقًا، تبكيه ألمًا وخوفًا من القدر على ألّا يُجمعهما مرةً اخرى، لم تبدّل ملابسها، لم تأخذ قسطًا من الراحة
كل ما تتذكّره وجهه وكل ما تريده الآن سماع صوته، تشعر برجفة جسدها وتشعر بخوف من افكارها ، انقلبت على جانبها الأيسر لتنساب دمعة باردة من عينها اليُمنى بهدوء، احتضنت شموخ أنفها بلؤم شديد، اعتصرّت فؤادها بيدها اليُمنى
لا تهدأ هذه العضلة ، لا تتوقف لتُريح العالم، لا ترى النور ولا الظلام، عصيّ من فكرة الهدوء .....غاضبة من فكرة السّلام......تشعر وكأنها بدأت روحها بالإنسلاخ الكلّي من جسدها، بكت بصوت هذه المرّة، بكت لترتاح ولكن يضجّ الضجيج نفسه ولا يهدّأ...لا يصمت أبدًا!

انفتح الباب عليها ، سمعت صوته: سوزان.....ما تئوميش يا بنتي.....تاكلي لك لُوئمة تسدي بيها جوعك......

كيف تأكل، كيف تتهنأ بالعيش وكأن شيئًا لم يكن خرج صوتها بنبرة قاسية على نفسها: مابي....
كان سيتكلم ولكن رفعت صوتها: عاوزة نام.....
تنهّد بضيق ثم اغلق الباب عليها، هي ليست بحال للحديث، ليست بحال للجدال ولا النقّاش.....
سحبت ساقيها للأعلى لتقرفّص نفسها وتبكي بهدوء، وبعد مرور دقيقة
نهضت وهي تكرر: ماقدر ماقدر....
سحبت الهاتف...ثم اتصلت...
.
.
.
ندم على تقصيره ناحيتها، ندم على إهتمامه بقضيّة رحيل أكثر من أخته، ندم على الإهتمام بحبه ، شعر إنه حقًّا أناني كيف نساها؟ كيف وثق بليث لدرجة أزاحها من عقله لأيّام طويلة؟
يشعر بالتهاب جُرحها الذي تحاول لملمته من عينيها، اصفرار وجهها واحمرار عينيها يدلّان على الوجع الذي تعايشت معه، يشعر بانكسارها

ربما انكسار فُقد الطفل الذي شعرت به من داخلها ومن مشاعر أمومة ربما نبضت في عقلها لفترة!
تحدّث بهدوء: الله يعوضكم يا أمل....لا تزعلين نفسك....ولا تضايقين عمرك......هذا قضاء الله وقدره!

رمشت مرتّين، وكأنها تُخبره هي من انهت هذا الطفل قبل أن يكبر هي قاتلة الآن ، ودّت لو تُخبره إنها تملك آثام كثيرة لا تستطيع التخلّص منها ، وآثامها متشكّله على هيأة ليث! والآن على شكل ألم ونزيف موجع!

همست تجاري اخيها بالحديث: الحمد لله....
ركان ابتسم: الحين قولي لي.....ليش ما كلمتيني......وقلتي لي عن تعبك....دام ليث بعيد؟
.
كلاكما بعيدان تائهان في حلقة الرحيل من اللاشيء، تُلاحقان الزمان في أخذ ما تريدانه دون الإلتفات لغيركم!
.
خرجت نبرة موحشة : ما حبيت اشغل لك بالك....واخوفك علي.....

ركان استفزّته : وش تشغليني؟.....أمل.....غلط عليك أنك ما علّمتيني لو صابتك مضاعفات وماحد حس فيك.....كان صـ...

قاطعته بنرة عتاب: انت صار لك أيام ما تتصل علي....ظنيتك مشغول....وما حبيت اخوفك على شي ما يسوى!

ركان بصدمة: شي ما يسوى؟

لم تُجيبه، فقال: أمل...

أمل رفعت نفسها لتسند ظهرها على الوسادة: ركان الحين صار اللي صار وانا بخير....صدقني بخير....

لا يُصدّقها، يشعر بضعف تنفسها وعدم انتظامه يشعر بضيق روحها على جسدها، ويقرأ شتاتها من عينيها.

همس: مرتاحة مع ليث؟

كيف قفز إلى هذا السؤال لا تدري؟ ماذا وجد من حولها او فيها ليطرحه هكذا بلا حواجز وبشكل غير متوقع
هزت رأسها: الحمد لله اي....
ركان كان سيتحدّث ولكن سمع صوت الرنين وقعت عيناه على الاسم الذي يُضيء الشاشة، وشعر بلذعة كهربائية تسير في قلبه وتُثير بهِ العواصف...تنهّد بضيق.....

أمل نظرت إلى تغلّباته: اذا الشغل رد.........

ركان وضع هاتفه على الصامت ثم ابتسم في وجهها: مكالمة مو مهمة.....

أمل نظرت إليه، كيف استطاعت أن تخونه؟ وكيف استطاع ليث أن يخونه؟ كيف استطاعا هما الاثنان على الأتحاد في معنى واحد في اتجاه ركان؟ لمعة في عينها دمعة اثارت شغب تفكير ركان الذي وضع يده على ساقها
: امل لا تخوفيني عليك.....وش فيك يا قلب ركان.....

أمل بكت : تمنيت امي جنبي وانا بهالوضع......
ركان نهض من على الكرسي وجلس على طرف السرير سحب كف يدها الأيمن وقبّله بحنان اخوي عظيم في مشاعره: انا جنبك يا عين اخوك....انا معك في كل الظروف.....اعترف يا امل اني قصّرت في حقك.....بس والله مو بقصد منس....والله....سامحيني يا قلب ركان.......سامحيني خليتك تخوضين اشيا كثير لوحدك....

أمل اُعتصر قلبها ولم تتحمّل في أن تبقى صامدة انهضت نفسها لتقترب منه وتحتضنه لتشعر بحنان ابوي فقدته مُنذ سنين طويلة ولتلتمس في طبطبته حنان أموّي غاب عنها مدّةٍ طويلة وقاسية ....بكت كل الأشياء...بكت آلامها واحزانها....واخذ يطبطب عليها متنهدًا بضيق لحالها!
.
.
متناسيًا تلك التي انهارت باكية لعدم ردّه، معتصرّة بيديها الجوال بقهر وضعف!
.
.
.
تناول غداؤه، ونظر للمجلس الذي اصبح خاليًّا من تواجد ابنيَه ابا ليث وابا صارم كلاهما الآن اصبحا متحاملين عليه لقراره المستعجل، والغير صائب في نظرهما، حديث محمد اشعل بداخله نيران من الغضب، لا يريد ضجيج آخر غير ضجيج حفيدته رحيل، لا يريد من محمد يُثير الريّاح الغربية ليُجلبها لهنا عتوًّا في نثر المصائب ولا يريد من دانة الإستمرار في عنادها له..لأنّ الأمر لن يكون في مصلح الجميع وسيخرج من يده تمامًا الحديث الذي سيقوّل عليهم!

تنهد بضيق، وسمع انفتاح الباب ودخول ابنه ابا فهد
دخل وسريعًا توجّه إليه وانحنى ليقبّل رأسه
: اخبارك يا الغالي؟
هز رأسه وهو يكرر بلا نفس: اخباري تسرّك...تسرّك....

جلس عن يمين والده ثم قال: علامك يبه؟

نظر إليه الجد بتفحّص وبتدقيق، ابا فهد لا يزوره في هذا الوقت ولا يأتي في هذه الساعة ففهم الأمر: دازينّك علي؟....قالوا لك...تدخّل بالسالفة وروح كلم ابوك.....المخرّف؟

ابا فهد بتدخل سريع: محشوم يبه......محشوم.....

الجد: انا عقب هالعمر.....وعقب ما كبّرتكم......تتكبرون علي....ولا تطيعوني.....وتحطون قراراتي في الزبايل؟

ابا فهد تنهد حقًّا كان عليه أن ينتظر ليوم آخر لتخفيف وطئت الحدث ولكن شعر بضيق اخيه وأحّب ان يحدّثه وهما في حرارة الموضوع!
: يبه......انت على عينا وعلى راسنا....وطاعتك واجبه.......وما بعد كلمتك وقرارك كلام وقرار.....بس يا يبه......أمّنتك الله تقولي تشوف اللي سويته صح؟ ولا هوب غلط...يوم تجمع الاثنين بدون ما يدرون عن نواياك ....وتجبرهم على النظرة الشرعية؟

الجد نظر إليه منفعلا: ما غلطت....والنظرة الشرعية ......هذا انت قلتها شرعية من شرع الله.......
ابا فهد : بس لازم تكون برضا الطرفين وانت ولا عطيتهم خبر....يمكن لو معطيهم خبر ما صار هالرفض....

الجد وكأن الكلام لم يعجبه: لو معطيهم كان ما شفت إلا غبرة ولد اخوك....وعناد بنت اخوك......
ابا فهد بعقلانية: ودامك تدري ليش تحاول تجبرهم؟

الجد ضرب بعصاته على الأرض: هالاثنين بالذات ما بيرتحون إلا لم يجيبون الكلام اللي يلوط الآذان لهالعيلة!

لا يدري كيف يحاوره بهدوء لذلك قال: يبه.......انت ليش حاط ببالك ....يمكن في يوم احد يجيب العار لهالعيلة......خوفك هذا هو اللي بخليهم يفكرون يجيبونه لك.....على طابق من ذهب!

الجد باندفاع وصرخة: وبنتتتتتتتتتتتك وش سوّت؟

والآن ستبدأ التناوشات في ماضٍ مُبعثر بعثر وسحق قلوب كُثر، ملّا من هذا النقاش وكان متوقعًا الدخول فيه

فقال: يبه رحيل ما اغلطتتتتتتتتتت لمتى وحنّا نكرر هالموّال؟

الجد : تدخّل السجن وتنحكم ثمان سنين.........ويكتبون بسجلها .....قضية محاولة الشروع بالقتل........وتقول ما اغلطت.....

ابا فهد وكأن جراحاته تجددت وكأن احزانه انهملت أمام عينيه طوعًا لحديث والده الذي لم يحسب حساب لا لعمره، ولا حتى تحسبًا لضيق روحه عليه.

تنهد وهو يكرر: قضية دفاع عن النفس....بس عيال الحرام.....خلوها شروع بالقتل....يبه رحيل مظلومة......

الجد بنبرة تهز الأبدان: مظلومة!....بس من بصدّق من الناس......مَن بيسكت لو سمع عنها؟.....مَن يا عبد الرحمن مَن؟

بو فهد وضع يده على لحيته ليمسح عليها ويستمد منها قوةّ ضئُلت بداخله! ، ابيه يؤلمه، يقتله دون لأن يشعر...يمرر على قلبه سيفه المتصدأ ليسممه!، يهتم لحديث النّاس ولا يهتم به.......لا يهتم به ابدًا!

تحدث بجراءة: اذا تشوف رحيل غلطانه.......وسجنها جريمة ما تغتفر في نظرك حتى لو كانت مظلومة..لا تعيد غلطتها بسجنك لدانة في بيت مغصوب....ولا هوب مرغوب من قِبل راعيه......دام محمد نطق ما يبيها......لا تجبر الأنفس لين تمّل وتطفش وتسوي اللي انت خايف منه ..هروب منك!

ثم نهض: راجع يبه قرارك.....اللي بيدمّر اثنين مالهم دخل بسالفة رحيل!

خرج وهو يُرمي قُنبلته الأخيرة دون ان يلتفت الى تهجّم وجه ابيه ، والذي اخذ يكرر الاستغفار بصوت مسموع..هّز رأسه وهّز اشواقه لها..راح بذاكرته لتلك الأيام التي يُمسك فيها يديها الصغيراتان..ذهب للرائحة التي تحبّذها..لركضها هُنا وهُناك ما بين الورود البنفسية والوردية التي زرعها لها خاصة..كانت ممّن يجن حينما يشتم رائحة "الرّيحان" لا تستطيع التّماسك أمام هذهِ الرائحة حتّى بها تأكل منه الشيء الكثير..رحيل قاسية في رحيلها في ظُلمة السجون..رحيل شيء كبير في قلبه وعقله..ولكن الآن يُدافع عنها بطريقته التي تُفلق القلوب!




شتات الكون 04-12-20 06:38 PM

رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون
 



.
.
.
سمعت رنين هاتفها اجابت سريعًا: هلا يمه .....اي ادري ابوي....عند جدي.....لا بظل اشوي....ليش؟...طيب طيب خلاص....خلاص بجي....

اتاها صوت والدتها بنبرة حادة: الحين تعالي...
وصايف: طيب....
اغلقت الخط ثم نظرت لأصايل وهيلة اللتان تغسلان صحون ما بعد الغداء
: بنات أمي إلا تبيني ارجع....
اصايل بهدوء: خلاص روحي حتى حنا اصلا بعد غسيل الصحون بنرجع...
هيلة : انتبهي بطلعتك......
وصايف بهدوء: طيب...
ثم خرجت ونظرت لجدتها اقبلت عليها لتقبّل رأسها قائلة: يلا جدّه مع السلامة...

الجدّه وهي تسحب الخرزة الأخرى من المسباح تلتها بتمتمة بالاتسغفار ثم قالت لوصايف: حافظك ربي....
وصايف ذهبت للغرفة الجانبية....ٍسحبت عباءتها ارتدتها.....وتحجبت ثم خرجت......من الغرفة مّارة على جدتها التي ما زالت تسبّح ابتسمت....ثم خرجت من المنزل.....مشت في الشارع.....بخطى هادئة.......مرّت إلى مدخل مجبورة للمرور عليه ......وهي تتنهّد بضيق على حال عائلتها وقرارات جدّها، تشعر انه قادر على ان يجبرها هي الأخرى على ما لا تريده ولكن هل سيجبرها على نواف ام غيره ؟
شعرت بانسحاب جسدها واندفاعه عند هذا المدخل قبل أن تتعمّق بالتفكير، والذي يؤدي إلى العبور إلى منزل قيد الإنشاء اضطربت وكادت تصرخ
ولكن سمعت صوته ليُطمئنها: انا نواف نواف....
ابعدت يده عن فمها واخذت تضربه على كتفه: وجع وجع.. وش هالحركات بعد...خوفتني!
ضحك وهو يبتعد عن ضرباتها: ههههههههههههههه خلاص....
تلفتت يمينًا ويسارًا: غبي انت تسوي كذا.....بالله لو احد شايفنا؟
نواف اقترب منها وهي ابتعدت للوراء ولكن اقترب الى أن التصق ظهرها على الجدار الذي لُطّخ بالأسمنت: ماحد حولك......
وصايف بذعر: طيب كيف عرفت اني بمشي بيتنا؟

نواف رفع حاجبه الأيسر: سهلة هذي...عهود قالت لأمي البنات بيرجعون بيتهم بعد الغدا وكان ودي أظل اتغدى معهم....

وصايف زفرت نفسها الضيّق الذي كتم صدرها ثم التفتت لتنظر هل هُناك احد يراهما عن بُعد؟!
ثم نظرت له: طيب خلاص وخّر شفتني الحين يلا بمشي....امي تنتظرني مابي اتأخر.....
نواف اقترب اكثر: ولهت عليك...
وصايف بتوتر من قربه ومن الوضع الذي تقسم إنها ستجني ثماره العلقم!: نوافوه لا تخوّفني بهالقرب وبعّد......

نواف بلل شفتيه واسند كفيه على الجدار من خلفها: الله الحين صرت اخوّف....
وصايف وضعت يدها على جبينه: مسخّن انت؟
نواف حرّك رأسه بتلاعب: لا.....
ثم قال: شوفي شوفي فهد....
واشار بيده للناحية اليُمنى،
خفق قلبها وشعرت أنّ نهايتها اقتربت على يد اخويها
والتفتت بذعر: ويييييييييين؟

وما إن التفتت حتى انتهز فرصة لسرقة رغبة نامت واستيقظت على رؤيتها ، شعور إندفاعي وطائش صادر من مُراهق متناسيًا عظم فعلته وخطيئته، قبّلها على خدها إلى إن تاهت روحه في استنشاق عبيرها الذي يُسكر الروح ويغطي العقل، "تسمّرت" وصايف في مكانها، لم تعد قادرة على تجاوزه للهروب ولم تعد قادرة على توبيخه عُقد لسانها، وشلّت أطرافها..واغمضت عينيها لتستسلم لضجيج دمّها المتدفّق من أعلى رأسها حتّى أخمص قدميها تبعثرت الكلمات للتّوبيخ..توّقفت عقارب الساعة من الدوّران...رمشت وهي مُغمضة لتفتح عينيها..ما زالت تشعر بحرارة الذنب يسلخ خدّها بهدوء، تحاول الإبتعاد ولكن كان يشد عليها بيديه ، مجبرها على الإنتظار والنظر إلى ألسنة الأثم الذي تمتد إليهما وتضرب قلبها قبل قلبه بسوط تأنيب الضمير وصراخ مستعر خارج على هيأة قط أسود لامس قدم رجليها ليوقظ ذنب نواف من سُكرته اللئيمة ومن فعلته الشنيعة التي لا مفرّ من آثمها الموسوم بحُبٍ إندفاعي يتلو وراؤه عُقبات تستحل ضرب الأسواط بِلا توقّف!

صرخت: يمممممممه....
ابتعد عنها استيقظ من سُكرة مشاعره نظر لها بغياب عقلي مخيف: تراها قطوة....قطوة..... مو وحش!

اجتمعت الدموع في عينها، ونظرت في عيني نواف......خفق قلبها خوفًا من الموقف الجريء ومن القطّة التي أتت لتنتشلها من أثمها المخيف، تسارعت انفاسها...سحبت الغطاء على وجهها وركضت من أمامه مُبتعدة عنه وهاربة منه!
بينما هو وضع يده على قلبه وكأنه يريد تهدأت طبول الإنتشاء بحُب عميق مندفع، وخوف وُلد على صرختها من ذنب صغير كاد يسحبهُ لهاوية عظيمة!
.
.
.
كانا في الخارج جالسين على الكراسي القريبة من الغُرفة، يشعر وجودهما مثل عدمه، ويشعر بانزعاج اخيه، ويتذكر حديثه الذي اشعل في عقله ألف فكرة واخرى ولكن طرد جميع الأفكار بعنف
نظر إلى خاله الذي خرج : والله متعبين نفسكم يا عيال اختي كان ظليتوا ارتحتوا في البيت....

فهد بهدوء: تعبك راحة يا خال......انا اقول تعال معي....البيت ترتاح....وريّان يبقى هنا....

ريّان نهض وكأنه يُريد الهروب من شيء يهابه: لا انت ظل هنا...وانا وخالي نروح...
ثم التفت: خالي لازم تكلّم امي ترا قلبها يغلي على نار.....

راشد مسح على رأسه: بتصل عليها.....
فهد بجدية: لازم تروح البيت ترتاح......وتنام لك كم ساعة....
ريّان بتدخل سريع: بيمشي معي......

راشد بهدوء هز رأسه: طيب طيب....

ثم دخل لغرفة ابنته، ورآها تنظر للمكان بحاجبين معقودين ، وصمت وتنهدات متتالية
اردف بنبرة جافة: يألمك شي؟
نظرت إليه بعينيها الحائرتين ثم هزّت رأسها بلا
فقال: انا بروح البيت.....بارتاح وبجيك بالليل.....

بللت شفتيها : طيب....

ودّت لو تُخبره بألا يعود للمنزل وأنها بحاجة إليه وألم يدها يزداد ولكن شعرت بكره اللحظي عليها واشمئزازه من النظر إليها فسكتت بينما هو انسحب للخارج ليحدّث فهد: اي شي يصير اتصل علي....
فهد: لا توصي حريص بظل على هالكرسي
واشار له وكان مقابل لغرفتها: ولا راح اتحرّك اهم شي طمّن بالك....
ريّان نظر لأخيه بنظره عميقة ثم نظر لخاله: يلا خال....

ثم مشيا، وبقيا فهد ينظر للباب، وتذكّر حديثها حينما اخبرتهُ انها ذهبت من أجل صديقتها وصاحبها ، ضرب بكفيه ببعضها البعض بقهر ثم عاد للجلوس على الكرسي ونظر للغرفة بثبات وتحديق مستمر سيدخل لها حتمًا سيدخل ولكن ليس الآن.....ٍسينتظر .....
.
.
.
لم يستطع البقاء هُنا اكثر.....لم يستطع أن يبقى صامدًا، خرج لاستشناق الهواء.....يريد التنفّس ويريد حريّة التفكير بعيدة عنها، حديث الطبيب اخافه....النّزف مستمر.....يحاول أن يقنعه لخضوعها للعمليّة ولكن رفض وبشدّة، تبرّع لها بكيس دم....يريد منها البقاء......لتفسّر له جملتها....يُريد منها أن تذوق من علقم توبيخه لو كانت فعلًا تحب غيره!
فتح باب السيارة جلس بداخلها وأسند جبينه على المقود، لا يدري ماذا يفعل....ماذا يصنع....هي تكرهه ولكن هل يؤدي الكُره إلى الخيانة، إلى ارتكاب حماقات وذنوب خفيّة؟
علّق عقله في نقطة حديثها ، وعلّق قلبه في نقطة الغيره!
سمع رنين هاتفه
سحبه وكانت رسالة تنّم عن تهديد جديد ، ورغبة جديدة في الإنتقام
كُتبت بلهجة عربية مخيفة
قرأها بصوت مسموع
(ستة ايامٍ على لُقيا الجحيم، وأوّل جحيمك وخزٌ عظيم!)
ضحك بصوت عالٍ إلى أن اسند رأسه على الوراء، يقسم ما يعيشه الآن جحيم، جحيم أسود ذو دخانٍ خانق، وألسنة النيران تضربه على ظهره بسوطها الأليم، ضحك....كالمجنون.....اهتزّ جسده ....ودمعت عيناه....تذكر ليث....الطالب الطموح.......الذي وقع في فخ....تلك الأيادي التي تلتقط الموهوبين من آذانيهم...تلتقط أجناسًا كُثر من عقولهم ......ظنّ انه وجد جنّة الدنيا على ارضه.....ولكن وجد نفسه في ظلامهم العنيد..وجحيمه الذي يستعير ليأكل من عقله الشيء الكثير..وأوامرهم المخيفة كانت صدمة وعرقلة بدائية لتوقّف دوران حياته..اوّل تجربةٍ نجحت بمدحٍ وأخرى بتهديد.......ضحك.......لاعنًا نفسه.....وموبخها بطريقة هزيلية....لم يستطع الصمود....
قرأ الرسالة من جديد ليضج بضحكه وكأنه يقرأ نكتة عاصرت زمانه الخاص ..وفجأة وبشكل غير متوقّع....
تلقّى جحيمه الأوّل ..بعد سماع إطلاق النّار على سيارته وتحطّم الزجاج الخلفي..فتح عيناه على الآخر..واخفض رأسه..شهق بذعر.. عاد في هذهِ الدقيقة لوعيه وأدرك جديّة التهديد...هو دومًا ما يُدرك جدّيتهم إلّا بعد أن يضربوه بضربتهم الأنانية والقاسية..ترجّل من السيارة ..وركض إلى العمود محاولًا حمايةً نفسه....اسند ظهره على العمود القريب من سيّارته..ازدرد ريقه....اغمض عينيه يُريد أن يستوعب جحيمة، يريد أن يُدرك أنّ الماضي لا يموت..فالماضي كحاضره لم يتغيّر منه شيء..يكره صوت إطلاق النّار..تُقشعر من جسده وتوقف نبضه وعقله عن التّفكير..تجعله يتخبّط في صورة صاحبه ودماؤه المنتثرة..تجعله يستمع إجبارًا لصرخات ركان..لتتداخل الأصوات في بعضها البعض ويستمع لصوت رحيل..ورجاء أمل..ونشيق بكاؤه في ظلام الغُرفة..خفق قلبه..هل وصل إلى النّهاية التي حذرّوه منها؟..هل الآن سينتهي..يُصبح فُتاتًا لا يُلملم..يُخنق أبيه في عبرته كما خنقت رحيل عبرات عمّه..هل سيقهر والدته ببعده الأبدي..هل سيُدمع عين فيصل ومحمد..هل ستجن أمل بحبّها له..وتصرخ رحيل بسعادة لفقده؟..هل انتهت قصتّه..ليترك كل شيء وراؤه دون أن يُنهيه بنفسه؟

فتح عيناه ببطء شديد.. صوت إطلاق النّار اشعل الصدّاع في رأسه بشكل سريع ومؤثّر..تلاقت عينيه بتلك العيون السوداء ...وتلك الشفاه المبتسمة..اغمض عينيه مرةً أخرى..شعر وكأنه جّن وفقد عقله..هل الذكرّات لها خاصية في جعل العين ترا ما يفكّر بهِ الإنسان ويتذكرّه..كيف لهُ أن يقف أمامه؟..كيف يبتسم ليودع الآن في قلبه جنون وأُمنيات كادت أن تسرق عقله في تلك السنون الماضية..هل عاد من أجله..هل سمع نحيب ركان وهو يرجوه"تكفى سلمان لا تموت"..هل عاد الآن ليُثير زوبعات الجنون أم هو تعمّق في هلوساته وأمنياته التي تمتلك سحر جنوني في انتشاله من الواقع لتوقعه على فراشات الأحلام الخيالية..تقدم للأمام..ارتعشت كفّي يديه..ارتجفت شفتيه ..واخيرًا توقفّا جفنيه عن الحركة حينما أدرك حقيقة ما يراه..شخصيت عيناه حينما رآه واقفًا بشموخ لم يختفي حتّى هذهِ اللّحظة..اقترب قليلًا.
همس اسمه كالمجنون: سلمان!

انتهى


Mohamed Hasan 30-12-20 11:05 AM

رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون
 
مشكوووووووووور

شتات الكون 03-01-21 11:12 AM

رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون
 





Part7




.
.

قبل لا ندخل في البارت حبيت أنوّه على كذا نقطة عشان نصير في الصورة السليمة مُنذ البداية، شخصيات الرواية ليسوا منزّهين كل التنزّيه فهم بشر يصيبون ويخطئون، والأحداث فيها من الواقع والخيال النّاطق، لم اقتبس الأحداث من حياة أحد أبدًا أبدًا، وليس هدفي تزيّين الحرام، بعض تفاصيل الأحداث لم أحبّذ التطرّق لها لأسباب عدّة حفظًا للحدود التي وضعتها لنفسي، كتبت اشياء كثيرة من وجهة نظر مختلفة خاصة لشخصيات الرواية، بعض الأحداث ربما كُتبت لتكون خارج دائرة المألوف بطريقة ما، فيه تعدد باللهجات لمناطق السعودية ودول أخرى إن اخطأت فيها اعتذر للجميع حاولت بجهد أن اظهرها بشكل صحيح ولكن اعلم اني بشر أُصيب واخطأ فألتمس لكم العذر من الآن، و يُسعدني ان اشارككم ايّاها بصدر رحب..فأنا اتقبل النقد ووجهات النظر بأدب ورُقي، روايتي ايضًا تحتاج لتأني في القراءة كما أنّها معقدة بعض الشيء، كتبت أجزاء كثيرة منها ولكن اعتذر منكم لن استطيع أن اشاركم اياهم في دفعة واحدة لعدّة اسباب منها ما زالوا على قيد التعديل غير إنّي مقيّدة بظروف خارجة عن إرادتي..لذلك سيكون هناك بارت واحد في الأسبوع "اليوم" لن يكون محدد..في الواقع لا استطيع تحديده استنادًا لظروف حياتي الشخصية.













.

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
(لا تلهيكم الرواية عن الصلاة، اللهم بلغت اللهم فاشهد)
.
.
.


يُبحلق بعينيه ليتمّعن في وجهه، يُريد أن يتأكّد هل هو حقًّا أم آن أوان الجنون؟ "تسمّر" وتخشّب في مكانه ولم يستطع أن يبرحهُ بالتقدم خُطوة واحدة لناحيته، كُل شيء في هذه اللّحظة توّقف ولم يُعد هُناك شيء قابل للتحرّك لدفع جسمه للتقدّم بعد الآن، حقيقةً يخشى على عقله من أن يُصاب بالعلل فكيف لهُ أن يقف أمامه هكذا بكل جبروت وبرود،
هل سلمان مات؟ كيف لهُ أن يعود للدنيا ما بين ليلةٍ وضُحاها، ارتجف شيء بداخله يرفض تقبّل فكرة عودته إلى الحياة من جديد، رفض بداخله هذا الوجود واستنكره كُليًّا، فالأموات لا يعودون حينما يرحلون يأخذون معهم بقايا من أجزاؤنا التي تلفها الوَله والحُزن ليبقى كل مكان من هذه الأجزاء فارغًا ومهووس بتتبّع روائحهم لإستيعادة جزء بسيط لسد الفجوات ولكن بِلا جدوى!
.
.

تمّعن في وجهه وكأنه يُريد أن يقرأ تفاصيل صديق رحل بوجعٍ مثخّن بالآلام الصعبة، صديق طرح عليه فكرة الدّخول في عالم المسابقات للموهبين وأصحاب الفِكر العبقري، مسابقة قد تكون إنطلاقة لحياة مليئة بالسكينة والهدوء ولكن دخلوا في أوسع أبواب الظلام والخوف والضيّاع حينما وطئوا أرضها الشائكة!
.
.

رحل ليبقى صدى صوته في أُذنه يتعذّر نادمًا على سحبه في طريق كان يظنّه مزفلةً بالمصالح التي ستُهمل عليه بالمال الكثير والشُهرة والاسم الذي يلمع في قائمة العُلماء المُلهمين!
.
.
رأى النظرة نفسها بتغيّر بسيط في رسمة العينين التي تُرسل إليه شرارة من ذكريات بَعثته ، رأى رسمة الوجه الحادة دون تغيّر ودون رحمة تبعث إشارات المواقف التي عجّز عن نُسيانها حتى يومنا هذا ، نظر إلى نفسه قبل ثمان سنوات في وجهه، بأس الذكرّيات ، وبأس هذا الوجود الذي أثار في داخله انهيارات لا تتوقّف في إذابة ما تبقى منه..هذا الوقوف جعل الحُطام الذي بداخله يستعيد شكله من جديد..ويتحطّم مرةً أخرى بوجع آخر فقط في خلال دقيقة أو ربما أقل!
.
.

كيف يعود؟ يلتهمهُ بوجود قوي وواثق ونظرات صارمة
كيف؟
والآن وفي ظروف مثل هذه كيف يعود ولماذا؟ولِم؟
كرر
يريد التأكد: سلمان؟
.
.
.
اقترب منه وعلى محياه ابتسامة سخرية وخبث، مشى بِخُطى متزنة لناحيته ألتمس اضطرابه وخوفه وحتى صدمته، هُناك أشعّة تُعني الخوف تُلامس يديه لترجفها بِلا إرادةٍ منه ألتمس هذا من شكله المُتهز، وجهه أخذ يصفر ويبهت في أقل من ثوانٍ عدّة
هل يفكّر الآن أنّ الميّت قد عاد للحياة؟ عاد ليعلك بألسنة نيران ماضيه حاضر صاحبه؟
.
.

: قالوا لي تشبه بشكل كبير بس ما صدّقتهم!

ثم أشار له بيده اليُسرى: وقالوا لي بعد أنّك مهووس فيه!
.
.

سكت ليث، يُريد أن يتخلّص من طنين الذكريّات وصدمت ما حدث له للتو في السيارة ورسالة التهديد، وعودة سلمان للحياة ، أنزعج وأنردع شيء بداخله يُقال له اليأس من الإيمان بوجود صديق آثرهُ على نفسه لسنوات ثم رحل دون توقّع منه، رحل ليترك في حياتهُ بصمة وجع لا تُمحى أبدًا.
.
.

حرّك رأسه وكأنه يُريد عودة تفكيره للوقت الحالي، يريد أن يحتضن ضياع الآمال في حديث هذا الشاب، استيعاب أمر مثل هذا يأتي ببطء شديد ممزوج بذكريات عصيّة على النسيان وتردد وتأمّل من كونها واقع يُلامس الوجدان!
.
.

وضع يديه على خاصرته وكأنه يشد من أزره الذي بدأ يتآكل ببطء
عاد ينظر إليه فهم، من أمامه شبيه لسلمان وليس سلمان ذاته، حقًّا الأموات لا يعودون...يرحلون دون عودة!
.
.
تنهّد بضيق ثم بلل شفتيه
لينطق بسخرية: بعد وش قالوا لك؟

اقترب الآخر وهو يحدّق بكل تركيز في عَينين ليث وبنبرة ثقيلة: هاجموا زوجتك........واستمتعوا معها...و....

لم يجعله يُكمل الحديث، انقضّ عليه ليُمسكه من ياقة بدلته وكأنه على هذه الجُملة استيقظ على الموقف كليًّا بحضور عقلهُ الواعي، هُناك شعور يُقال عليه *الغيرّة* استعمر جزءًا كبيرًا من قلبه ليحوّله إلى إنسان وحشي لن يتردد في إدماء الجميع!

ولكن الآخر ضحك وهو يرفع يديه باستسلام،غمز له بعينه اليُسرى وأنزل طرف جفنه لينظرعلى قلب ليث وكأنه يقول (أصبت الهدف إذًا): هوب هوب.......لا تتحمّس.....

وأشار بذقنه للرجل الذي أتى من خلف ليث وهو يقول: غلطة وحدة ....تنتهي برصاصة في قلبك....انتبه.....حاسب على ردّات فعلك....ما نيب جاي لك ذبّاح!

ليث التفت سريعًا للوراء ونظر للرجل الضخم ببدلتهُ الرسمية ، يرتدي نظارات سوداء ....وقفازات سوداء.....ويحمل بيده حقيبة سوداء.....كل ما يرتديه ويحمله أسود..وبيده الأخرى يحمل سلاحًا موجهًا إليه....دار عينيه كالمغشي عليه وكأنه فهم الكمين، بحلق

و نظر لمن حوله، ولم يجد النّاس ففهم
قاموا بإخلاء المواقف من أجل الإلتقاء به

تحدث الرجل الشبيه لسلمان: مدح لي ستيفن جمال زوجتك بشكل خُرافي.....تحمّست اشوفها...


ليث ضجّ فؤاده بالغيره، لم يعد قادر على الكتم وتمرير الحديث وكأنه يتحدّث عن امرأة أخرى ليست زوجته في الواقع قلبه ضجّ بضجيج رغبة الإندفاع لتحطيم لسانه ووجهه ولكن تمالك نفسه في آخر ثوانٍ من عزمه على الإنقضاض وألتهامه بغضبه شدّ على انفاسه وهو يضغط على قبضة يده اليُسرى،
.
.

والآخر أشار للرجل الضخم ليناوله الحقيبة السوداء اللّامعة، مشى الرجل الضّخم خطوتين
وناوله إيّاها سريعًا، سحبها من يديه ثم فتحها لِيخرج حاسوب محمول متوسط الحجم، مشى بالقرب من سيارتهم السوداء ليضع الحاسوب على مقدمة السيارة
: عاد عليك انت ....تخليني اشوف هالجمال ولا لا؟

ثم فتح الحاسوب وقام بتشغيله ونظر لليث ولعينيه اللّتان بدأتا تستشيط غضبًا بالحُمرة وتُرسل تهديدًا بلمعان الحُقد غمز له ليستفز خلاياه للإنقضاض عليه مجددًا
بات صوت تنفّسه مسموعًا ليدّل على محاولاته في كظم الغيظ!

وتحدث بكره: كم دفعوا لك عشان تدّخل معهم في المنظمة؟

التفت عليه وهو يضغط على (Enter) بأصبعه الوسطى لم يأخذ ثوانٍ حتى فتح الملف المطلوب: خمس ألاف دولار.

ليث مسح على رأسه ثم ضحك بسخرية وهو يتحرّك بتوتر: هههههههههههههه اقنعوك تهّرب في الدول اللي حددوها؟

ابتسم له وهو ينقر نقرتين على أيقونة ستفتح أبواب الجحيم على ليث ثم ابتعد عن الجهاز: اي.......


ليث بانفعال: غبييييييييي.......لو تظن نفسك بيوم أنك ذكي فأنت غلطان.....الحين صرت لهم مثل الأداء الرخيصة......بس يستعملون عقلك ......وياخذون منك الشي الكبير..ويرمونك رمية كلب!

حرّك رأسه: تؤ تؤ تؤ.......دامني ماشي على البروتوكولات .....بعيش بسلام وكان بإمكانك تعيش هالسلام......يا ليث.....

ليث اقترب منه: في أي سنة دراسية؟

ضحك الرجل: ههههههههههههه متخرّج يا بوي.

ليث يكرر: في أي سنة دراسية التقوا فيك...؟

الرجل عاد للجهاز: مالك شغل..

ليث بنفس متسارع: كم علاج صنّعته بأدواتّك الرخيصة؟ هااااااااااا!

الرجل قبل أن يلّف عليه الجهاز وبحركة بطيئة ومُثيرة للشك: حوالي خمس بنفس كفاءة الأدوية المرخّصة من قِبل هيئة الغذاء والدواء...

ليث ضحك بسخرية: ههههههههههههههههههههههههه بصير عبد لهم.... .....متى ما انتهوا منك تخلّصوا منك ورموك في الزبايل يا الرخيص..

لم يهتم لحديثه وثبّت أمامه الشاشة وقام بتشغيل الفيديو:
عارف ودّك تعرف وش صار لزوجتك......من ثمان سنين......وحبينا نقولك شنو صار بالضبط بفيديو مرئي بدون زيادة ولا نُقصان.....


خفق قلب ليث نظر لعَيْنين الرّجل وكأنه يُحدث مُفارقة بينه وبين سلمان، سلمان لم تكن عينيه تجحدان خُبث مثله ، كانت نظرات سلمان نظرة رحمه ومحبّة، ثقب عينين الرّجل ثم انزلها عنه وألتقت نظراته على الشاشة، سكن في مكانه، جمدّت أحاسيسه، ضاق عليه الكون وضاقت روحه على جسدّه الذي أخذ يضعف بتسلل رجفة الضمّير ورجفة مشاعر الغيرة التي استنزفتهُ اليوم بطريقة مُميتة ولم يظن يومًا سيعيشها ، ابتلع ريقه حينما نظر لثلاثة رجال ملثّمين يقتحمون الشقة، يتحركون بحذر وخطوات سريعة ينتهزون الفرص في هدوء شقّته كما أنهم مسلّحين في آن واحد
.
.

نبض قلبه على صرخة رحيل، وكأنّه بدأ يدخل في قوقعة الماضي والعودة للوراء بساعة زمن الفيديو الذي حاصرهُ بتذكّر أنانيّته بموقفه الأخير معها، بصرخته وثقل الجدال الذي حدث قبل كل هذا بساعات قليلة ،
هل حقًّا كانت ساعات قليلة؟
لا يدري، سحب هواء لرئتيه وعجز من أن يخرجه ويطلق زفير راحته به!
ضاق نفسه وعاد يتهجّأ بلسانه الثقّل كل الأحداث التي مرّت أمام عينيه بسرابها الخفي الذي أخذ عقله وقلبه وحياته كُلّها.
.
.
اغمض عينيه
.
.
عاد على مسامع أُذنيه صوت بو سلمان
وهو يحذّره قائلًا: مالك ما فر..رفضك هذا ما راح يثنيهم عن اللي بسوّونه فيك!

يذكر وقتها انهار صارخًا لم يستوعب حقيقتهم وإصرارهم في خنعه في أمور مُعقّدة كهذه: بسلامتهم..اتركهم يسوون اللي يبون..

هزّ رأسه ابا سلمان يكرر: بيهدمون حياتك دامك رافض تسوي لهم التجربة الأخيرة.......وتموّل لهم الأدوية في..
قاطعه وهو يخرج: مااااااااااااا راححححح أسوي شي من اللي تبونه..وانا خلاص بنسحب من هالمسابقة!
.
.
فتح عينيه ببطء شديد
.
.

رفض ولم يُعطي الأمر أهميّة بالغة ، لم يهتم لا للتهديد...ولا للحديث الخشن، وترجموا حديثهم، فيما يراه الآن.......صرخات رحيل تتكرر في المقطع لِتُثير غرائزه الفطرية من الغيرة، فهو رجل لديه من الغيرة ما تُكفيه ليضج بجنونه ليس هُناك رجل طبيعي وسوي يرى هذا المنظر في اهل بيته دون ان يُحرّك به شيئًا من الغيره والقهر والغضب.....
.
.
ومنظرها وهي تركض هُنا وهنُاك..باحثةً عن مخرج يؤدي بها إلى نور الطريق ويستخرجها من زلل وإنحراف الرغبّات التي تجري وراؤها دون كلل.....أثقل اطرافه...وأخفق قلبه..وأجحض عَينيه في وقتٍ واحد!
.
.
رأى شخص واحد يُلاحقها..يُرهب قلبها...يصرخ مهددًا إيًّاها بالتّوقف وإلّا لن تجري الأمور على خير..ثم بحلّق بعينيه ..للآخر وهو يحاول تضييق طُرق الهروب عليها بغلق النّوافذ..الباب الخلفي..وحتّى النوافذ!
.
.
كانت رحيل أشبه بالغزالة الضائعة في غابات الأمازون التي لم تألفها والتي أحاطتها حيواناتها الدموية المخيفة دون رحمه!... كانت تركض وتتبعها أفعى جرسية خانقة تُريد أن تعتصّر جسدها وهي تهز الجرس المعلّق في أسفل ذيلها معلنّة عن انتصارها وعن ضياع فرصة رحيل من الهروب..وكان يُراقبها الجاكور..بعضلاته وأطرافه المكتنزة ليُضيّق عليها سُبل الهروب..لم تُدرك وجود الكايمن الأسود الذي يحدّق بها ببطء ويوثّق لحظات افتراسها بهدوء!
مسح على ذقنه، يحاول أن يصمّد أمام انهيارات رحيل، وأمام هذا الفّخ اللّعين الذي أخذ من عمرها ثمان سنوات!
.
.
تنهّد بـ (آه) خرجت لِتُعلن عن ضعفه أمام عدوّه، أصابوا قلبه، وقطّعوا أنياطه ببطء شديد لينزف بعدها بكثافة الألم
اجبر نفسه على التحديق
لينظر لركض رحيل ودخولها إلى المطبخ بشكل مفاجأ وغير متوقّع......وهذا....يُعني دخولها للمطبخ سبب دخولها للسجن!
.
.

تحدث الرجل: زوجتك بطلة....قدرت على ستيفن شوف..شوف..

استوعب وقوف الرّجل عن يساره

هل ينظر للفيديو معه الآن، كم رجل شاهد الفيديو وشاهد زوجته؟ هااا.......احتقن وجهه بالغضب....وزاد ضيق تنفّسه شيئًا فشيئًا ......ودّ لو يصرخ في وجهه العالم أنه مخدوع .....وإنه ظالم في حق رحيل .....وإنه نادم على تجاهل تهديداتهم اللئيمة.....رآها تركض...ورآى الآخر يشد على طرف شعرها الطويل ليسقطها أرَضًا...وليسقطها في قاع الثمان الأربعين من العُمر!...رآه كيف يحاول عبثًا...في التمكّن منها ...صراخها فجّر بداخله ينابيع المواقف، والذكريّات، هذه الصّرخات سحبتهُ في جانب آخر من الحياة، في جانب ضياع دينه مؤقتًا في جانب فُسقه وعصيانه وتعدّيه على حقوق أمل ..تذكّر كُل الأشياء السيئة....صرخة رحيل كانت تمتزّج بصرخة أمل....كانت تحفّر في قلبه شيئًا من القهر....حرّكة رجليها العابثة في تحرير نفسها...تُشابه حركت رجلَي أمل وهي تصفعه على وجهه محاولةً في تحرير نفسها منه.....ما حدث لأمل حدث لرحيل ولكن بطريقة أخرى وبسيناريو بشع أرهق خلاياه وأضعف نظره من اكمال تسلسلهُ والتركيز على مؤثرّاته الصوتية ...
.
.

تصرخ تكرر اسمه من مكان بعيد، هو قريب....فالحاسوب قريب منه....ولكن بات صوتها بعيدًا، كانت تريد أن ينتشلها من يدي الظالم العابث، ولكن أين "هو" في ذلك الوقت أين؟

بحلّق في الشاشة، ينظر لستيفن وهو يحاول تثبيت وتطبيق زوجته ما بين يديه ......تلك اللّحظة التي أفقدت أمل عقلها فيها ...تلك اللحظة التي خان فيها رفيق دربه دون أن يعي هذا الجزء الكبير والمهم.....تداخلت الأصوات ليرتفع ضجيج وترددات وحشية اثقلت سمعه وابطأت تنفّسه......مع ضحك الرجل الآخر .....وهمهمات صاحبه في تشجيع ستيفن لإنهاء الأمر......وفي رجاء أنثوي مخيف
"موّتني ارحم لي"
.
.

المشهد والموقف استنفزوا صبره، وأيقظوا بداخله ألف حكاية وقصّة ، رأى كيف ستيفن يُكمكم فمها ويقترب من وجهها .....رأى سواد حياته على صورة ستيفن....رأى ضميره على هيأة طفل قصفوا بيته وأهدموا على رأسه منزله الجميل....وأيتموه في سنٍ لا يقبل التفكير في فقد الأهل!.....لا يريد أن يرى المزيد.....تفجّرت ينابيع النيران وتشبعّت منه لم يعد قادرًا على ان يقف صامدًا وينظر لكل ما يحدث ليعبث بذاكرته بالشيء الكثير .....سحب الحاسوب بشكل مفاجأ ورماه على الأرض لينكسر وتنطفأ شاشته اللئيمة لتنكتم صرخات رحيل
.
.

بينما هو صرخ بصوت مخنوق من الدّاخل لا يسعه الخروج من احباله الصوتية على نوتاته التي اخرستها الظروف وألجمتها المكابرة والصمود في بعض الحين
: الله ياخذكم......الله يا خذكم...

كان سيتدخل الرجل الضخم ولكن الرجل رفع يده ليمنعه
فضحك ليستفز ليث: هههههههههههههههههههه عاد ضيّعت على نفسك احلى لقطة.......زوجتك بيّنت شجاعتها....وهنا اطعنت ستيفن......واحفظت نفسها من شرّه!
.
.

ليث انحنى قليلًا وهو يضرب قلبه، وكأنه يريد تأديب أمرًا يخالجه في هذه الأثناء، ولكن اليوم ...اشتدّت عليه الحقائق لتعبث في عقله وتشتت ذهنه....اليوم رحيل اشعلت فتيل غيره بداخله....وهؤلاء اشعلوا فتيل....القهر عليها ليصبح كارهًا للنظر لهذه الحياة، اعتدل بوقفته ثم صرخ
: اااااااااااااااسككككككككككككت اسككككككككككككت.....
.
.
ثم اقترب من الرجل والحارس اقترب من ليث
تحدّث: بخلونك تصنّع لهم أدوية وبكميات كبيرة....وبطالبونك تموّلها وين ما يبون واذا رفضت ..بسسون في أهلك مثل مممممممممممممما سوو في زوجتتتتي......

ثم سكت ، اخذ يتنفّس بعمق، يُريد إطفاء نار أوقدوها في وتينه من سنين طويلة!

الرجل نظر لليث بثبات: دخّلت في الأماكن اللي يبون على قولتك ....أدويّة تخسيس.....وبطريقة سليمة!
ثم غمز له

ليث لم يتحمّل ، اثقلوه ولم تعد له القدرة على تقبّل هذا الثّقل الذي يجثو على رقبته ليعتصر عرق الحياة منه ويوقف تنفّسه ثم يعدمه ببطء شديد اقترب منه ثم شدّه من ياقة بذلته وأتى الرجل الضخم لناحيته مدافعًا عنه ولكن الرجل أشار له ان يبتعد

فقال ليث بكره: بتموّت ناس مالها ذنب بسبب عقليّتك الأنانية وحبك الشديد للفلوس.....

الرجل ببرود: اذا الله كاتب لهم يموتون راح يموتون بهالأدوية ولا بدونها....

ليث بصق في وجهه ودفعه عنه، ليدور حول نفسه الضائعة بين جُنبات الفيديو ، صوتها يتردد في مسامعه يتردد بشكل قاسي ولئيم: واضح سوو لك غسيل مخ....يا الـ####...

الرجل مسح على وجهه وابتعد ليُرتّب ياقة بذلته وكأن شيئًا لم يكن له ثم قال: المهم انا جيت اقولك.....اللورد....يبيك .....تموّ....

قاطعه : ما راح اهرّب....ولا راح ارجع لهم.....

الرجل رفع يديه باستلام: اجل لا تلومهم على اللي بسوونه لك.....
ثم غمز له: واضح تبيني اشوف جمال...رحـ....
.
.
ليث لم يعد ليث اصبح وحشيًا

انقّض عليه ليُلكمه على وجهه بضربتين متتاليتين....وأتى الرجل الضخم ليضرب ليث بطرف المسدس على ذقنه ..ويبعده مسافات طويلة عن الرجل الذي امروه بحمايته ....حتى جرح طرف شفتّه السفلية ...وجعله يترنّح إلى أن وقع على الأرض....كاد يهجم عليه بطريقة هجومية عظمى
.
.
ولكن صرخ الرجل ليوقفه فهم لم يعطوه أمر مهاجمته ولا حتى قتله لا يريد أن يُجلب على رأسه المصائب!

ثم بصق دم من فمه وهو ينظر لليث: فكّر باللي قلته....اللهم بلغت اللهم فاشهد!

ثم نظر للرجل الضخم ليُعطيه إشارة الإنسحاب ليذهبا من المكان تاركين ليث، يجثو على ركبتيه .....ويمسح على رأسه بغضب شديد

صرخ وضجّ صدى صرخته في المكان لينّم عن مشاعره التي تكتّلت على فؤاده مُنذ اتصال محمد عليه وحتى آخر حدث له اليوم
انحنى للأمام واتكأ على كفّي يديه بلل شفته السفلية وتذوّق طعم الدم ثم بصقه....اخذ يتنفّس بعمق ....ويزفر لهيب الغيرة على زوجته.....والغضب عليها والخوف من نفسه من أن يفترسها دون وجه حق..لا يحق لذلك الرجل ان يُشاهد زوجته ......إن شاهدها هو.....ايضًا البقيّة شاهدوها....صرخ من جديد...الجميع يضغط عليه وكأنهم يريدون تذكيره بأوجاع قلبه ...زوجته لا يحق لهم ان يروها وهي في هذا الحال...بملابس ممزّقة.....تحاول التملّص من يدي ستيفن....تناديه بصوت عالٍ تستنجد به....صرخ بجنون......وهو يتذكّر قُرب ستيفن لها....ومحاولة تقبيله لها...لم يتحمّل الأمر وضرب بكفّه اليُمنى على الأرض موبخًا نفسه على ذهابه في ذلك اليوم للجامعة ليته بقيّ.....ولم يذهب ليت!
.
.
بكى بلا صوت ، بلا دموع، بكى قهرًا،
بكى بكاءًا يُكفكف بهِ شناعة بكاء طفلٍ صغير يُداعب دموعه تحت مظلّتهُ الشمسية في شتاء قارص ومؤلم، بكى بعَينين جاحظتين تُحدّث العالم وتُثرثر دون أن يعي العالم معانِ هذه الفضفضة، لا أحد سيستطيع فهم وجعه في هذه اللحظة سوى نفسه، وإن حاولوا فهمه....سيغرقون في ظُلمة عواصفه التي تسحبهم يمنةً ويسرى في صدى أوجاعه لتصدّع جوانبهم المُنيرة وتُطفئها بهدوء بكاؤه!
.
.

هدأت عواصفة بعد مرور ثلاث دقائق تقريبًا!
ثم نهض....وهو يترنّح متجهًا لناحية سيارته ....فتح الباب ودخل......ورمى نفسه على المقعد خلف المقوّد...تنفّس بعمق واغمض عينيه......ثم فتحهما ببطء .....وقاد سيارته بسرعة جنونية قد تؤدي به للهلاك!
.
.
.
.
اليوم السادس من شعورها بالخوف وعدم الرّد على اتصالاته اليوم خفّ أثر الذّنب الذي أيقظ في فؤادها رجفة خوف ممّا قد يحدث ولكن لم تنسى دخول ريّان عليها متعجبًا منها ومن الأثر الذي ظهر على خدّها ككدمة ليئمة التهمت نعومة بشرتها بعنف
تذكّرت الموقف بينها وبينه الذي حدث قبل ثلاثة أيام بعد عودته مباشرة هو وفهد من الريّاض، الجميع اقتنع بكذبتها في سقطوها في المطبخ في بيت الجدّه واصطدام خدها بشكل مفاجأ على الأرض ليظهر هذا الأثر الذي يذكّرها بحُب وعشقٍ اخافا قلبها واوقعاها في الذّنب، اصبح الأثر أثم تتجرّع لوعتهُ في اليقظة وفي الحلم!
.
.
طرق الباب ودخل تذكر كان في نظرته شك....تشعر انّه بدأ يفرّق بين الضربّة وبين .....حرّكت رأسها لا تريد أن تُعطي عناوين لهذا الأثر، ولكن ريّان لم يكن وجهه يدعي للخير، ربما حادثة مزون جعلته يُبدي بشكوكه نظرات تلتهمها، أو ربما هو ذكي لدرجة مخيفة لتجعله يعي هذا الأثر..أو لا تريد أن تضع احتمالات لنظراته المُخيفة
.
.

جلس على طرف سريرها يتحدّث: كلّمتك مزون؟

وصايف تفرّك بيديها متوترة من تواجده في غرفتها: لا....
ريّان بنبرة ذات مغزى عظيم: تدرين ليش خالي راشد كسّر يدها؟
وصايف هزّت رأسها بلا لأنها حقًّا لا تعلم وقتها بحادثة مزون
فقال ريّان بنبرة خالج قلبها المذعور خوفًا: لأنها غلطت......وسوت شي عيب.......
وبنبرة جادة: اذا كلمتيها نصحيها ما بينك وبين عمرها فرق كبير....يمكن تسمع لك وتعقل.....وحذاري هي تجرّك في طريقها انتبهي!

وصايف ، تفحّصت نبرته ...نظرت لعينيه وتركيزهما المنصب على خدّها، هل حقًّا استطاع التفريق انها ليست كما ادّعت ؟....هل الآن يهددها بطريقة غير مُباشرة تُودع في قلبها الأذى والقلق؟

خفق قلبها ثم انهى حديثه: مرة ثانية انتبهي وانتي تمشين ......تمام....
ثم نهض وخرج من الغرفة
.
.
.
ارتجفت على هذه الذكرة حقّا مكان الضربة ليس مقنعًا من سقوطها على وجهها، ولكن مشَت هذه الكذبة على والدها ووالدتها ومن المؤكد فهد لم يهتم ....فهو الآخر لا يهتم إلّا بـنفسه، ولكن ريّان يحشّر أنفه في كل الأمور، امورها وأمر رحيل تلك الاخت التي اطالت غربتها ، وأطالت شوق والدتها، تنهّدت بضيق سيطر على كيانها ، سمعت رنين هاتفها ونظرت لرسائل نواف الجديدة
"تكفين ردي علي"
"آسف وصايف اوعدك ما اكررها"
"متخيلة صار لك ستة ايام متجاهلتني"
"خلاص عاد لا تخليني اكره نفسي "
"والله ادري اني تهوّرت واللي سويته غلط بس تكفين لا تحقريني كذا"
"عمي شّك يعني فيك؟....احد شك؟"
.
.
ابعدت الهاتف عنها ثم نظرت لخدها الذي بهت الأثر منه قليلًا ، تنفّست بعمق.....دارت حول نفسها واحتضنتها لتُداريها من عُقبات محتمل حدوثها لو علم الجميع بعلاقتها الخفيّة المحرمّة...
ثم سمعت رنين الهاتف سحبته لتضعه على الصامت
ولكن استوقفها الاسم (مزون يتصل بك)

اجابت: مسوية فيها زعلانة ولا تردّين علي؟
.
.


مزون خرجت من المستشفى بالأمس، والآن بقيت في الغرفة في الدور السفلي بدلًا من غرفتها العلوية، للتو تناولت الغداء مع والدها ونهضت دخلت الى الغرفة بدّلت ملابسها بصعوبة رغم انها تستخدم يدها اليُمنى التي اعتادت على فعل أمور كثيرة بها قبل الحادثة فهي اليد التي تعتمد بها في فعل كل شيء ولكن عقلها الى الآن لم يستوعب امر الإتكال على يد واحدة في الإستخدام فقط في أمور عديدة منها ارتداء الملابس..تنهدّت بضيق من صعوبة حالها الجديد.....ثم قررت بالاتصال على وصايف......تشعر انّها عاقبتها على عدم الاهتمام بها بما فيه الكفاية ...وفي الواقع اشتاقت لها
تحدثت مندفعة: لي حق ولا لا؟

وصايف بتنهد: لك الحق......لكن عرفت عن موضوعك في وقت غلط.....والله..
مزون بسخرية: بالله؟!

وصايف نهضت اقفلت باب الغرفة ثم قالت: انتي ما تدرين وش صار لي؟

مزون بنبرة جدية: وانتي بعد ما تدرين.....وش ما صار لي!!

وصايف بانفعال: كيف بعرف وانتي ما تردّين على اتصالاتي اصلًا....

مزون سكتت ثم قالت: قولي لي وش صاير؟

وصايف بجدية: تركيني انا وقولي لي.....انتي اخبارك؟.....وليش كسر خالي يدك......
ارفعت نبرة صوتها: مو داخل عقلي كسر يدك عشانك كسرتي كلامه مثل ما قالت لي أمي....وهربتي مدري شنو!

مزون مسحت على جبينها بتوتر: صديقتي الحيوانة قالت لي طلعي معي نفطر....وهربنا من المدرسة.....طبيعي....بس اللي مو طبيعي.....انها خدعتني وهالهروب....عشان اساعدها تطلع مع خويها!

وصايف شهقت ووضعت يدها على فمها: هأأأأ.... مو من جدّك؟

مزون: والله انهبلت وسفّلت فيها لين قلت بس....

وصايف: طيب لم عرفتي ليش ما رجعتي؟

مزون بصدق: لأني خفت على زفتت الطين......اصلًا واضح الكلب اللي تحبّه مسعور ويبي بس فرصة عشان يغتنمها...

وصايف بتفهم: وجلستي تراقبين وضعهم ....بالمقابل حصّلتي كسر مضاعف في يدك....وهي طلعت من السالفة سليمة!


مزون تنهدّت ثم سكتت
حقيقةً هذا ما حدث لها والأخرى حينما علمت بما حدث لمزون اتصلت عليها لتعتذر ولكن مزون قطعت علاقتها معها مؤكدّة لها انها لا تريد هذه الصداقة التي خُدعت بها ولا تشرّفها على حد قولها!

فقالت وصايف: خالي عرف بهالامر...
مزون ضحكت: ههههههههههه كان ما سمعتي صوتي بس اخوك فهد عرف...
وصايف فتحت عيناها على الآخر: كيف عرف؟

مزون سكتت، وكأنها علقَت بذاكرتها على الموقف الذي دفعها للقول والإعتراف!

وانفعلت وصايف لتتمشى في غرفتها بانفعال: لا لا قوووووووولين .....اعرفك....ام لسانين ........تعاندين......وتلاسنينه...مانسيت قبل شهرين لم زرناكم وشمّك ريحة دخان وسألك وبكل وقاحة قلتي له ادخّن وانتي اصلا ما تدخنين.....بس تبين تستفزّينه!


مزون سحبت نفس عميق: اخوك مستفز....اصلًا....دايم يفوّر لي دمي...

وصايف: بس تراه يخوّف...هو ما يعاقب لحظتها....عشان يضرب بدل الصاع صاعين......مو نفس ريّان.....

مزون ارتفع صوتها بغضب: طييييييب شسوي فيه هو دايم يحشّر نفسه فيني....ويستفزني....قلت له.......وقال بقول لأبوي بس اشوا ما تهوّر ورجع لكم وفكني من شرّه.....

وصايف تنهدّت بضيق ، على حال ابنت خالها : طيب والحين خالي كيفه معك؟
مزون مسحت على شعرها: زي الزفت والله......مو طايق يشوفني.....وحتى لجا يساعدني .....مو مرا......فوق ما هو كاسر يدي جالس يعاقبني بنفوره مني.....ومخليني اتحمّل مسؤولية يدي المكسورة بروحي.....وانا تعبت مو كل شي قادرة اسويه بيد وحده!

شعرت بالأسى عليها واخذ شيء بداخلها يرتجف خوفًا من عقوبة ستأتي على رأسها لو عرفوا اهلها عن موضوع حبها المزعوم، تنهدّت بضيق: عمري انتي....تحملي....شسوين بعد...تراك مرا غلطانه....وزين منه كسر يدك ولا كسر راسك.....

مزون نظرت إلى يدها المجبّرة: والله ما قلت شي....بس شي يحز بالخاطر اعيش بوسط مكروهه فيه..وبيني وبينك ما نيب متعودة على زعل ابوي!

وصايف: عشان تستوعبين جنانك ولا تعيدينه مرة ثانية...

سكتت مزون ثم قالت : طيب قولي لي انتي وش فيك...وش الشي اللي شغلك عني....

وصايف تحدثت بلا حواجز: نواف

قاطعتها وهي تتأفف: ما تركتي حُب هالمبزرة انتي؟.....مجنونة؟...مستمرة؟

وصايف ارتجفت يديها : مستمرة وعلاقتنا متطورة....

مزون بحلقت في اركان الغرفة وهي تردف بسخرية: حلو حلو.....ها لوين وصلتوا؟....صعدتوا فوق النجوم؟!


فهمت مغزاها واخذت تعض على شفتيها : مع الاسف...

مزون بشهقة: وش سويتوا يا المجانين؟

وصايف انهارت باكية هُنا : مو انا ....هو....

مزون بصرخة نست نفسها: وصايفوه تكلممممممممممممممي معي بصراحة لا تخليني اجن عليك.......وش صار يا الخبلة؟

وصايف مسحت دموعها واستنشقت هواء لرئتيها لتهدأ عواصفها: باسني على خدّي...و
مزون عقلها وقف هنا: و؟
وصايف بحرج وخوف عظيم: خدّي فاضحني!
و بانفعال: فهميها عاد؟

مزون صرخت من جديد وابعدت وصايف الجوال عن اذنها
: ايا الـ##........الحيوان ......مجنونة انتي كيف سمحتي له.....وصايفوه.......يا هبلة كيف سمحتي له.....تعالي تعالي......فهميني شلوووووووووووون؟

وصايف بتبرير: ما سمحت له بس هو ما عطاني فرصة استوعب.....

مزون بانفعال: اتركي هالغبي عنك...والله انه بجيب العيد فيك.....غير كذا.....حرام اللي تسوونه ....واذا اليوم تجرّا يبوسك...والله بكرا راح.....يسوي ألعن من كذا فيك......وبدال ما يبكيك دموع مثل الحين ببكيك دم وندم....

وصايف بلعت ريقها: صار لي ستة ايام ما كلمته......

مزون بنبرة مرتفعة: ولا تكلمينه يا غبية......شوفي سمعيني زين.....انا غلطت وغلطي يعتبر بسيط...مو بسيط هو ....بس ولا شي قدام اللي تسوينه انتي وهالدلخ نوافوه....وشوفي خالك وش سوا فيني كسر يدي......عاد عايلة السّامي ما راح يكسرون يدك....راح يمسحون دمّك من على البلاط قبل لا يبرد فاهمة!؟

وصايف بكت...

مزون بتوبيخ: اي ابكي ابكي......الوضع ما يمزح....والله بس تنكشفون.....بنصلي عليك صلاة الجنازة.......يا غبية....كيف تصدقين حبه اصلا؟ها....

وصايف بنبرة باكية: والله احبه.....

مزون بمزاج عكر: حبّتك القرادة انتي وهو......اتركي عنك شغل المراهقات الماصخات.....وركزي على نفسك.....احفظي دمّك ولا ترخصينه بسوالف حب وعشق.....لا ينهدر على الارض عشان يغسل العار.....اللي ماحد يبيه!

وصايف بانفعال بالبكاء: لا تخوفيني......

مزون تزيد من العيار: ما اخوفك هذا الواقع....وبعدين الحيوان الزفت لو يخاف الله...ما سوا فعلته.......مجنون هذا....ما يحسب احساب لأحد....

وصايف بخوف: حاسني قلبي ريّان شاك في وضعي......

مزون : وانتي يا غبية لا تثبتين شكوكه ابعدي عن الشر وغني له.....اظن كلامي واضح....
وصايف مسحت دموعها: طيب....

مزون زفرت: الحين انقلعي....خليني امشط كشتي وبتصل عليك بالليل واذا دق عليك الحمار لا تردين.....

وصايف: طيب...انقلعي...
.
.

ثم اغلقت الهاتف وبقيت مزون تكرر: غبية والله غبية.....
.
.
ثم نظرت لوجهها الشاحب ، والى البثور التي خرجت لتتبعثر على جبينها وعلى وجنتيها بسبب سوء حالتها النفسية ، سحبت المشط تحاول ان تمّشط شعرها بيدها اليمنى ، واخذت تتذكر الامر ، تحمد الله انها لم تخضع في حُب سقيم قد يُجلب لها الشبهات ثم ضحكت هنا ، هي تُجلب الشبهات لنفسها دون حب بل بعنادها وخروجها عن الخطوط الحمراء، تذكّرت حديث وصايف وكيف ريّان يشك بها، تنهدت ودعت ربها ان يلطف بحالها وتبتعد الانظار عنها، حقًّا خشيت من فهد ان يلتفت في شكوكه ناحيتها تقسم لو شّك لن يدع عظمًا سليمًا فيها ،ارتعد قلبها
وتذكرت موقفها معه حينما خرج والدها ليرتاح ، لم تمكث عشر دقائق في الغرفة حتى به دخل
عليها وصرخت في وجهه وهي تحاول ان تغطي شعرها بالحجاب: وين داخل انت بلا احم ولا دستور؟

في رأسه مئة سؤال وسؤال يريد ان يأخذ اجوبتهم منها سريعًا: بسألك كم سؤال وبطلع....
مزون بنبرة حاده: وانا اقول اطلع من الحين لأني ما عندي لك أي جواب
فهد نظر إلى وجهها الذابل: لا بتجاوبيني غصبن عليك.....
ارتفع صوتها وهي تتحدث: مو جبورة يا روووووووووح ابوك انت....اطلع برا....ولا تنسى الحدود اللي بينا...
فهد بنبرة لاذعة: ليتك فاكرة هالحدود يا ام حدود لم هربتي .....مع خويّك....
مزون بدفاع: ما عندي خوي .....ولا تقذفني لا تخليني اقول لأبوي ......أنك تدخل لي بعد ما يمشي....
فهد اقترب منها: اذا انتي قدها قولي له.....وشوفي كيف يرجع عليك الوضع بشكل ضربة راس.....
وفهد ابتسم بسخرية: واظن ما تبين تنضربين ....ضربتين على الراس توجّع.....
مزون سحبت نفس عميق ونظرت له: شتبي انت؟.....ياخي ليتك محترم مثل اخوك ريّان كاف شره وخيره عني.....
فهد اشار لنفسه وبحده: انا فهد مو ريّان.....وكل واحد يعبّر عن غضبه وجنونه من اللي سوتيه بطريقته......
مزون : مفتخر بشخصيّتك الوقحة يعني؟...ليتك ربع من شخصيته.......بس....

فهد اثارت غضبه ثم طرح سؤاله بعد أن تذكر حديثها السابق: ليش هربتي؟.......ومنو خوي صديقتك؟

مزون اشارت لها بيدها وكأنه تخبره (انت مجنون): انفصام وزهايمر ما تجي والله........
فهد بحده: جاووووووبيني....
مزون صرخت بنفس حدّته: ما نيب مجبورة اجاوبك....ولا تتتتتتتترفع صوتك علي....

.






شتات الكون 03-01-21 11:13 AM

رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون
 


فهد بتهديد: بتقولين غصبن عنك....منو خويي صديقتك.....
مزون شعرت بوجع يدها هنا : ماعرفه.....وبعدين وش تبي منه؟....سالفة وانقضت...وانا خذت جزاتي....انت وش حارق رزقك.....ليش حاشر نفسك فيني....ياخي انقلع......اطلع برا.....

فهد : هالمرة بسكت.....غلطة ثانية قسم بالله...بنّدمك عليها.....وتذكري كلامي زين....

مزون : منو انت عشان تهددني....وكيف بتندّمني يا ولد السّامي هااا...انقلع عني انقلع....عندي أبوي يندّمني مثل ما يبي...ويعاقبني مثل ما يبي.....انت مالك شغل فيني....فاههههههم....
فهد هز رأسه: بشوفيني قدّامك عند اي غلط ....وبعلّمك ولد السّامي وش بسوي.......وتذكّري زين اسوي كذا لأنه عرضك وشرفك عرضي وشرفي...وسمعتك من سمعتي يا فااااهمة!

مزون بنبرة سخرية: مالك دخل فيني وكل واحد يشيل عيبه ......وطلعوا مراجلكم على انفسكم يا عيال السّامي...اوك....والحين برا.....

ودّ لو يخقنها بيده ، ويصفقها على وجهها ليجعلها تعي فعلتها وخطئها ولكن تعوذ من الشيطان وانسحب قبل ان يجن عليها، حقيقةً يخشى على خاله من افعالها وعلى والدته ويريد ان يوقف هذا الجنون قبل أن يُخرج اهلها من جنونهم لينقضّوا عليها بلا رحمة!
.
.
بينما هي في الواقع اخافها حديثه، تشعر فهد في رأسه موّال ، ولا تريد أن تُصيب في معناه، ولكن ستحاول ان تخفف من حدّت افعالها وجنون افكارها ورغباتها في هذه الايام القادمة من اجل ان تظفر برضا والدها وليس برضا ذلك المزعوم فهد!
.
.
.
اتصل عليه حائر هل يرد ويجيبه ويخبره انّ الوقت غير مُناسب في الخوض في الحديث عن هذا الأمر أو يخبره أن يمهله ايام اخرى ، لم يُجيبه نهض وخرج من الغرفة يشعر بالحرج، ويشعر انّ الأمر بدأ يضغط عليه، كمّا انّ الظروف غير مُتاحة الآن ليدخل من جديد في نقاش مع والده
خرج و ذهب لغرفة اخته ليطمئن عليها
طرق الباب ثم دعته بالدخول
ابتسم لها: اخبارك اليوم؟
دانة تشعر انها اصبحت بخير رغم الضجيج الذي يعود إليها في الليل: بخير لا تحاتيني....
صارم : اليوم بنت عمّك رحيل راح تطلع من السجن...

شعرت بالأسى على رحيل لفترة ليست هيّنة شعور ان تُسجن مظلومًا وتُهدر من عمرك سنوات وانت تنظر لها بعجز شيء يُقهر القلب والعقل
تمتمت: الحمد لله اللي ربي بلّغنا هاليوم......مسكينة ثمان سنوات ضاعت من عمرها....
صارم بهدوء: الله يعوّضها .......
دانة : آمين..
ثم اطرقت: شصار على موضوع عهود...

صارم : ابوي ما هوب معطيني لا اشارة رضا ولا اشارة رفض....

دانة بجدية: حاول تقنعه ......لا يوقّف رزق عهود على احلام واماني مو أكيدة......صدق هي صغيرة.....بس ذياب ولد خالتي ما ينتعوّض.....

صارم تنهد: بكلمه وبحاول فيه حاليا ماقدر اكلمه الاوضاع معتفسه الله لا يعفسنا.....وذياب الله يهديه مستعجل يتصل علي ويحرجني....مادري شقول له....

دانة : الله يكتب اللي فيه الخير......عهود تستاهل كل خير...

فجأة دخلت عهود وهي تقول: وش فيها عهود؟

صارم التفت عليها وهو يقول: قولي وش ما فيها؟

دانة: هههههههههههههه.......
عهود بوّزت بفمها: الله .....وش فيني......واضح شكلكم تحشون فيني....بس....عادي ما عندي مشكلة محتاجة حسنات مجانية..حشوا لين تتعبون!
ثم اردفت: المهم نزلوا.....سويت كيكة.....

صارم نهض : اجل صارم تحت يطفح فيها.....
ضحكت عهود: هههههههههههههه لا والله اخوك هالليّام ضارب عن الاكل ما دري شفيه.......

دانة نهضت: يمكن عشان الاختبارات قرّبت.....وهو ثالث ثانوي...وبدا يحاتي...

صارم : والله ما ظنتي شوفي وش مسوي من مصيبة وخايف نكشفه....
عهود ضحكت: هههههههههه مو لهدرجة عاد....
دانة اغلقت باب غرفتها حينما خرجوا: سويتي شاي؟
عهود : اي يلا نزلوا عاد...مليت وانا انتظر...ترا....
صارم : سوي لي قهوة انا ماحب الشاي...
عهود وهي تقفز على عتبات الدرج: طيب...
.
.
في غرفة نواف، يجول في الغرفة ذهابًا وإيابًّا، اخذ عقله الطائش يفكّر هل بدأت تكرهه بسبب فعلته التي نتجت عن رغبة حالمية بالحصول على موقف رومنسي كهذا!، موقف لم يحسب عواقبه ولم يتخيّله يومًا يحدث في ارض الواقع، ولكن حينما رآها هُناك شيء بداخله دفعه لجنون الإتيان بهذا الذنب الذي ابعد صوت وصايف عن مسامعه كعقوبة يستحقها على مدار الستة أيّام ، تنهّد ...وبدأ يضيق من فعلته ......مسح على رأسه ......ونظر لأرجاء الغرفة .....وهو فاقدٌ لعقله...ما ذنب قلب عاشق مندفع للهاوية؟ وما ذنب عقل يُحارب النوايّا بصرامة العواقب التي قد تكون سببًا في فصل تيارات هذا الحُب؟ كيف لكيانه الصغير يحقق مطالب حُب عفيف لسنوات ليحضى به على وعود وميثاق غليظ؟ تساؤلات ....وافكار كثيرة تذهب وتعود في عقله....ويرفضها قلبه.....ويقتات عليها ذهنه في التعمّق بها ليُصيبه جنون لحظي....جعله يتأفف......ثم سحب الهاتف من جديد
واخذ يتصل عليها ولكن هي لم تُجيبه!
.
.
مضطرب وخائف، هل حان لقاؤها؟ هل حان موعد اللّين والمبادرة في مد يد العون لها بشكل مباشر ليُشعرها بأبوّته هل آن أوان التنّازل عن الغضب والعصبيّة؟ هل يستمع لصوت زوجته (عذبة) التي تأتيه في منامه توبّخه على هذا البُعد، تُبكيه لتوقظ ضمير الأب ، هل اليوم يستطيع أن يحدّثها وكأنه نسيّ كل شيء، لا يستطيع في الواقع ، هو يحبها لم يكرها إلى الآن ولكن يكره ان يراها خلف قضبان السجون، وكره منظرها ووقفتها في المحكمة منهزّه وعيون ضُعفاء النفوس تفترس جسدها الذي يرتجف بخمول تفكيرها في تلك اللحظة، اثارت غضبه رغم ما فعلته يُدعيه بالافتخار بها، هي حفضت نفسها، حاربت إلى أن اوقعت الشيطان في الغار واغلقت عليه الأبواب المفتوحة، ولكن لا يستطيع ان يتجاوز غضبه وينهمل عليها بأبوّته لا يستطيع هو مجروح، وقُربه منها يُزيد من إلتهاب جُرحه الصغير والعميق في قلبه!
.
.
ينظر لزوجته، متحمّسة وكأنها ستلتقي بها اليوم بشكل مُباشر وكأنها تستطيع ان تحتضن جسدها الواهن، يشعر بحبها لها حتى في بعض الحين يشعر انها تحبها اكثر من ابنتها وصايف، رحيل لها مكانة في قلب خالتها التي اعطتها من وقتها الكثير، يذكر حينما تقدّم لها ليث، اوّل الرافضين كانت خالتها ، برهنت على هذا الرفض عمرها الصغير وعدم قدرتها على إدارة المسؤولية، ولكن لم يستمع لها، وابعدها عن احضانها، وجعلها تُبكيها ليالٍ طويلة، حزنت وذبلت مُنذ ان اصبحت رحيل على متن الطائرة لتتغرّب عن وطنها لمدّة كادت تقتل قلبها!
.
.

كانت تجول أمام عينيه ، متوترة وقلقة.....يفهم شعورها...وخوفها....لم تتحدث ولم تنبس بكلمة....لأنها تعلم ما إن ستتحدث سيسد طُرق الحديث عليها ويخرسها بلؤم غضبه على هذه الحادثة...لذلك خرجت....وبقي في الغرفة خلف اسوار مخاوفه ورهبته من خروج رحيل!
....
سمع خطوات ابنَيْه فهد وريّان ومرورهما للنزول.. من على عتبات الدرج ولُقياهما لخالتهما التي قالت: اتصلوا لي على ليث.....خلاص ماقدر...ابي اكلمه....
.
.
اغمض عينيه وهو لا يقدر ولكن لا يستطيع ان يعفو عمّ حدث رغم انّ الامر خارج عن إرادتها، ولكن شيء يدعوه للباس ثوب القساوة ويدعوه لعدم الصفح عنها، ما حدث آلمه بشكل متقطّع...إلى ان احدث بداخله تشققات نبتت بداخله نبتة القُرَّاص لتبث سمها العنيف وتخنقه، لذلك لا يستطيع ان يسامحها على إنبات هذا النوع من النبتات التي آثارت جنونه وغيث حُزنه ، يعلم الآن هي بحاجة إليه ولكن بُعده عنها افضل لكي لا يزعجها بعتابه وبحديثه العلقمي!
.
.

تنهّد وتمتم بالاستغفار
.
.
.
ولكن في صالة المنزل جلست امام ريّان حدّقت في وجهه: اتصل عليه...

تحدث فهد بنبرة خالية عن أيّة مشاعر:خالتي...استهدي بالله....وصبري.....تو رسل لريّان ما بعد ينهّون الإجراءات.....


نهضت وهي تضرب على قلبها وهي تكرر: قلبي مو قادرة....اصبر...قلبي ياكلني بشوقه عليها.....هذي قطعة من اختي...هذي وصيّتها لي.....قصّرت بالوصيّة قصّرت....

ريّان نظر لفهد الذي بدأ يزفر انفاسه بصوت مسموع يعلم الحديث عن والدته يؤلمه ، ويشعره بأحاسيس الحُزن والضعف، موت والدته اثّرت في نفس فهد بالشيء الثقيل والكثير!

نهض: خالتي....تكفين......اذكري الله .....

فهد وقف: خالتي تمالكي اعصابك...لا تنزل وصايف....وتنصدم لوضعك....

ام وصايف نزلت دموع الفرح من على خديها ومسحتهما وهي تكرر: كنت انتظر هاليوم....انتظره لين صبري نفذ....مو قادرة اصبر بعد.......مو قادرة....

احتضن رأسها ريّان وقبلّه وقبّل يدها وهو يقول: هانت خالتي هانت......
فهد رأف بحالها، سحب هاتفه واتصل على ليث
.
.
.
ليث بعد زوبعة الاحداث التي مرّت عليه ، قرر ألا يراها لمدّة الستة الأيّام الماضية لكي لا يزعجها ولكي تتشافى ، اخبره الطبيب إن لم تتحرّك كثيرًا ربما يستطيعون السيطرة على النزيف وإلّا كانت ستخضع للعملية جبرًا على ليث! فابتعد لكي لا يدخل معها في جدال، ولكي لا يستنفذ طاقتها ، ولكي لا يجن جنونه عليها ، انشغل في امر تجهيز غرفتها في شقته وقام بشراء ملابس عشوائية لها حتى انه لم يهتم لمقاسها ولكن خمّنه!، رتّب امور شقته خلال ثلاثة ايام، ثم لم يعود للشقة بل......اصبح وبشكل متتالي يذهب لأمل في شقتهما القريبة من شقة ركان...ولكن بمسافات قليلة .....

بدّل ملابسة، اليوم هو اليوم الذي انتظره ورسم ردّات فعله فيه.......اليوم سيضع عينيه في عين العدو ليخبره انه (انتصر) ولكن كيف انتصر وهم ما زالوا يبثون سمهم بتهديدات مبطّنة ومخيفة؟......ارسل رسالته
لركان الذي ما إن رآه بحاله الذي لا يسر بعد ان عاد لشقته في تلك الليلة التي صار عليه الهجوم حتى شفق عليه من جديد واخذ يشد من أزره ويخفف عنه وعن أمل...حتى به تناسى امر سوزان ..بشكل مؤقت....في الواقع وقتهُ اصبح مزدحمًا لا يجد وقتًا للتفكير في سوزان....فأمل اشغلت باله....وليث ارعب فؤاده بمنظره المخيف ولـ شفته التي تنزف...وسيارته بشظايا الزجاج المنتثر على المقاعد الخلفية....

فهم من ليث كل شيء....وعاد يطبطب عليه......وعاد يخفف من ألمه ووجعه......وعاد للقضية ليختمها ...دون مشاكل....اليوم ذهب للشرطة ليُنيب عن رحيل....ويوقّع على اوراق الخروج الرسمية.......ولأن صحتها مازالت سيئة استطاع ان يخرجها بهذه الطريقة عن طريق ثغرة قانونية لا تعتدي على قوانينهم......دون ان يجبراها على دخولها لمركز الشرطة!
.
.
ارسل له(خلصت؟)
.
.

لا يريد أن يذهب لها قبل أن يحدّث ركان ويخبره انّ الأمر انتهى

ثم نظر للغرفة لم تكن أمل موجودة ، بل ذهبت لعملها اليوم يعلم تحاول الهروب منه ومن لسانه تحاول الّا تدخل معه في نقاش يؤول بهما الى الماضي وإلى العتاب الطويل تضايق من نفسه وتضايق منها كثيرًا؟

جلس على طرف السرير ، سمع رنين هاتفه ظنّ ركان هو من يتصل لذلك
اجاب: هلا ركان...
فهد شعر بلهفته فقال: انا فهد......ليث طمنّا؟

ليث ادرك الجميع في حالة توتر ،الجميع خائف من حدوث شيء يؤخّر خروج رحيل من السجن!

مسح على وجهه: لسى باقي الإجراءات ما خلصت....
فهد نظر لريّان وهو يطبطب على خالته وخالته التي تدعو لرحيل بحرقة
مشى بهدوء مبتعدًا عنهما وبهدوء: ليث صاير شي؟...معقّد الامر؟

ليث : لالا....بس اجراءات قانونية طبيعي تطوّل....تطمنوا كل شيء بخير.....

فهد بلل شفتيه: طيب مابي اطوّل عليك...مع السلامة....
.
.

اغلق الخط، ثم نهض وهو يسمع جرس الباب، يشعر بالاضطراب والخوف، يشعر في اي لحظة سيخسر نفسه او سيخسر رحيل.....قلبه يرفرف على أجنحة الموت والفقد!،

نهض وفتح الباب...ونظر لوجه ركان...
صُعق بمجيئه اخذ من خروجه الى المركز بما يقارب الساعتين والنصف.....نظر إليه وكأنه يريد أن يلتمس فرحًا ويزيل خوفًا

ركان دخل واغلق الباب
ليث: بشّر...
ركان ابتسم بشكل تدريجي ورفع الملف في وجه ليث: عدّت على خير...

ليث تنفس بعمق ابتسم واخذ يضحك بشكل هستيري ، وهو يمسح على رأسه ، ويكرر: الحمد لله الحمد لله.....

ركان اقترب منه ولكي يُملم فرحته الضائعة في حلقة البؤوس والخوف....احتضنه....وهو يقول: الحمد لله .....والف الحمد لله على سلامتها يا خوي!...
ليث عقد حاجبيها لا يريد ان يبكي لا يريد ان يهتز ولكن ، اغمض عينيه ابتلع غصّته....حضن ركان بشدّة ، شعر انّ هناك ثقل انزاح عن قلبه الآن.....شعر انّ ضميره بدأ يخف من ضربه على مواطن الأوجاع...شعر بجمال الحياة والعالم رغم أنه قبل عدّة ايام يراهما بالسواد المعتم والخيبة الوخيمة...ركان طبطب عليه ....ثم ابتعد ليث وخرّا ساجدًا ليشكر الله ، ثم نهض سريعًا
وهو يقول: الحين بروح لها....اليوم خروجها من المستشفى اصلا....

ركان مسك يده هنا ثم قال: ليث......في شي لازم اقوله لك....

ليث التفت عليه : وشو؟

ركان اقترب منه: حياتك وحياة رحيل...وحتى امل في خطر....لذلك كون حريص.....وانا بكون معك.....وافضّل آخذ امل عندي بالشقة.....ومتى ما جات ليلتها تجي بنفسك تاخذها وجيبها هنا.....
ليث هز رأسه برضا: ابشر.....

ثم قال ركان: انتبه لنفسك ليث....مابي اخسرك....

ابتسم إلى ان بانت اسنانه : لا تاكل هم....
ثم نوى الخروج ولكن ركان امسكه واخرج من الملف ورقة متوسطة الحجم: خذ .....عشان توريها الشرطيين اللي على بابها.....بمجرّد ما راح يشوفونها راح تصير رحيل حرّة!

ليث سحبها من يد ركان بيده المُرتجفة، ابتسم في وجه ركان وهو يهمس بصوت مرتجف: مشكور ركان على كل شي....
ركان طبطب على كتفه ، ثم خرج ليث!
.
.
وبقي ركان يمسح على رأسه ليث عاصر أزمنة المعاصي في اوقات هو حاول أن يسحبه منها، كان يُرمم معاصيه بالنُصح وبالرفق به، لم يتركه يومًا كان الظهر الذي يُسنده مُنذ ايّام الدراسة ولكن كلاهما لم يتوقعا يومًا انهما سيقعا في فخٍّ عميق في ارتفاعه ووعر في عرضه، ركان استطاع انقاذ نفسه بسبب فشله لأوّل تجربة قام بها وقتها شعر بالأسى، شعر بالحُزن واخذ يدعم ليث وسلمان بالمواد التي يحتاجونها لصنع تجاربهما متأملًا لفوزهما والظهور على عتبات المسرح الذي يتوّجهما كمبتعثين موهوبين في دراستهما وافكارهما، ولكن كل شيء عاكس توقعاتهم ، كل شيء اخذ يضغط عليهما وهو الذي اصبح خارج دائرة السوء إلّا انه تعايش معهما اجواء رهبة الإجبار والتهديد،

الآن يقف بجانب ليث حتى بعد ان اصبح زوج اخته لم يتوقف من مساعدته المتعلّقة بزوجته رحيل، فهو يساعده مُنذ وقت طويل قبل أن يكون بينهما نسب حتّى، كان يشد به ازره، رغم أنّ زواجه بأمل لم يكن مقتنعًا به، ولكن أمل اصرّت عليه ، وحينما حاول يمنعها ، اخذت تضرب عن الطعام وتتخلّف عن الدراسة لأيّام جعلتها على حفى شُفرةٍ من الطرد من الجامعة ،

في الواقع هو فكّر كثيرًا ليث رجل ، تاب عن معاصيه، واصبح صلب في امور كثيرة كان ليّنًا فيها، الحياة صقلته وجعلت منه رجلًا متزنًا في افكاره ومعتقداته ، ولكن اقحم نفسه في مجموعة تخدع اصحاب العقول التي تحاول تطوّر من نفسها جعل قلبه يرفض هذا الارتباط
ولكن خضع لقرارهما، وقبل ان يزوّجها إيّاه سرًا دون ان يُخبر بقيّة اهله، الآن يشعر انّ العاطفة سحبته بالموافقة ولكن عقله بعد كل هذه التهديدات جعله يندم

وجعله يخاف من ان يخسر أمل في لحظة غفلة من ليث، كما انّ امل ليست على ما يُرام
ليس بسبب الإجهاض فقط يشعر انّها تُخفي امرًا ثُقل على اعتاقها
سحب نفسه إلى صالة الشقة وسحب هاتفه
سيتصل عليها ليطمئن قلبه ويوقف تفكيره الذي اخذه لمنحدرات مُظلمة
.
.
.
تعلم اليوم سيلتقي بزوجته، وسيحتضنها بحُبه الذي منعه من ان يحبها هي ليست مغفلة تعلم بكل شيء، بينما ركان لم يخفى عليها شيء ابدًا حينما تقدم ليث لخطبتها اخذ يسرد عليها انه متزوّج بابنت عمّه، الذي انسجنت ظلمًا، وانّ حياته في خطر ولكن لم يوضّح لها ماهية الخطر؟
ولكن هي مُجبرة على الموافقة ، لكي لا تؤلم قلب أخيها ولكي لا تخيّب ظنها فيه، وافقة وهي تكتم آهات منقهرة ، جبرت نفسها على مغتصبها إلى ان تولّدت بداخلها مشاعر غبيّة، احبتّه، وتمنّت لو ينسى الموقف الذي عجزت هي من ان تنساه، لن تنكر كلما اقترب منها ليث وكلما يحاول ان يُلاطفها بالحديث تتذكّر الموقف لتنفر منه، ولكن شيئًا فشيئًا بدأت بتقبله حتى مال قلبها إليه بقدر لا تستطيع ان توصفه..فهي تحب ليث..من بعيد..لا تحب ليث القريب من الجسد ليث الذي يخنق قلبها ويعتصر عقلها بذكرياتها السيئة..لا تدري كيف جمعت بين هذهِ المشاعر ولكن حدث وأحبّته!

في الواقع ليث لم يميل قلبه يومًا إليها كل ما فعله استرها على حد قوله خاصةً بعدما فُجع انها اخت صاحبه وقتها جنّ جنونه وانهار يوبّخ نفسه ، وقَبل ان يتزوّجها لكي لا يقع من عين صاحبه ولم يرد أن يكسره!

شعرت بوخز البرد يهشّم صقيع حُبها الذي اصبح ساخنًا بالغيرة من مسجنونةً ستخرج اليوم لتُخرس عاشق مُذنب بحقها ، احتضنت جسدها بيديها،
تساءلت ماذا رأت فيه لتحبّه وليُثير لوعة غيرتها على خبر اطلاق تلك المسجنونة التي تجزم انها ستسرقه منها رغم انه مسروق من قِبل قدرها ليُبعده عنها كيلومترات طويلة حتى وهو ممسك بكف يدها؟

تنهدّت، ارتجف قلبها وجعًا من ليث، لم تستطع الصمود أمام حماسه وهو ينتظر في الشقة، فخرجت لتوهمه أنها ذاهبة إلى عملها ولكن في الواقع لم تذهب، طيلة ذلك الوقت بقيت تتمشى في الشوارع لتخفف عنها عبء التفكير، وعبء الحديث الذي لا تستطيع البوح به!

ودّت لو تسأله هل تحبها؟ ماذا تعني لك؟
هل تاقت روحك شوقًا لها؟
ولكن افعاله كانت تُجيبها، نزلت دمعه من عينيها كانت ستمسحها ولكن سمعت رنين هاتفها
فاخرجته من الحقيبة ونظرت للاسم (ركان يتصل بك)
اجابته دون تردد بلعت ريقها ثم قالت: هلا ركان...
ركان شعر بثقل نبرتها تساءل: في المدرسة؟

تحدثت بكذب وهي تنظر لسكون المكان الذي تمشي بغير هُدى على طريقه: اي.......آمرني؟
ركان مسح على انفه: ما يامر عليك ظالم.....بس حبيت اسمع صوتك واطمن....

أمل بشك: ركان اهتمامك زايد فيني....

ركان هو خائف من اقتحام العدو صفوة حياته، وخائف من التهديدات تطولها لذلك في الأوان الأخيرة أخذ يهتم بها بشكل مبالغ فيه
: يمكن عشاني ندمان اني تركتك فترة بدون ما اهتم.....

أمل سكتت ولكي تخفف عنه اردفت: ما لومك...شغل المُحاماة مو سهل.....وعارفة يومك كله يروح في ملفّات هالقضايا......الصعبة!

ركان رقّ قلبه على حديثها وطيبة قلبها: يعني مو زعلانة مني.....

أمل بنبرة صادقة: في احد يزعل من ابوه؟

ركان لمعت عيناه بقهر فُقد والديه، شعر بوخز الكلمة ، هي تعتبره مثل والدها تمامًا رغم فارق السن ليس كبير بينهما، حاول أن يُلملم ضياعه بعد كلمتها وحاول السيطرة على انفعاله بقوله: الله انا ابوك؟....ِشكلك نسيتي بينا بس اربع سنين؟

ضحكت وهي تُلملم جراحات كُثر اوّلها الفُقد: هههههههههههه.....اي ابوي ....عندك مانع......
ثم تحوّلت نبرتها للين ولرغبة كبيرة في البكاء: ركان.....أنت اخوي...وابوي....وامي...واختي.....وكل شي بالحياة.....

ركان ادار عينيه ليُداري دمعه كادت تخونه لتسقط: الله يخليك لي يا أمل.....

أمل مسحت دمعة تسللت على خديها: يلا .....باي....وراي كلاس الحين...

ركان يخفف اجواء الحُزن: طيب يا معلمتنا الحلوة.....انتبهي على نفسك....
أمل ابتسمت : وانت بعد...
اغلق الخط ، وهي اكملت طريقها للهروب من فكرة ذهاب ليث لزوجته الاولى !
.
.
بينما ركان بقي مكانه، يومًا عن يوم يشعر انّ أمل حياتها في ضيق مع ليث ولكن لا تُخبره بشيء ويخشى أن يكبر الأمر ولا يستطيع حلّه فيما بعد، اسند ظهره على مسند الكنب ونظر للسقف
وبدأت اسالته تجول في خاطره

.
.
لماذا جميع من نحبهم يرحلون سريعًا؟
إن لم يرحلوا بالموت رحلوا على سبيل الافتراق في مفترقات طُرق الحياة؟
لماذا يحدث هذا الأمر ، هل بسببه هو؟ هل لأنه ركان ليس شخص آخر؟

فقد والده ووالدته في سن كان في اوج حاجته إليهما وفقد سوزان حينما لامس قلبه حُبها!

اغمض عينيه، وتذكّر الاموات اولًا ثم اخذت صورة سوزان تكبر في ذاكرته، تحطّم اشياء كُثر بداخله، اشتاق إليها، ودّ لو يكسر حاجز الخوف من ايذاؤها ويتصل عليها،

فتح الهاتف، ذهب سريعًا إلى معرض الصور ، وسقطت عيناه على صورتهما، كانوا سُعداء لحظتها فريحين بهذا العُشق المتبادل، فالعاشق لا يريد اكثر من ان يكون عُشقه متبادل لا يريد شيء آخر سوى ان تبقى الإشارات على اتصال ووفاق دائم، ولكن ماذا حدث؟
تنهد
انقطعت سُبل هذا العُشق ولكن لم يمت إلى الآن يحتضر، يلوك نفسه ويلفظها من جديد خاسرًا جزء منه على أرض الواقع!

نهض ، وخرج من الشقة تارك ضوضاء تفكيره في الجانب الآخر من الحياة!
.
.
.
لا تريد لهذا الزواج الاستمرار، لا تريد أن ترى احفادًا من مسجونة تجرّعت ظلام الليّالي لسنوات عديدة ، لن ترضى ولن تخضع لقرارات تخمنّها ستظهر فيما بعد
سمعت رنين الهاتف سحبته اجابت: هلا ام صارم...
ام صارم وهي تحدّق في وجه زوجها : ما اتصل ليث وبشركم بشي؟

الجميع ينتظر والجميع يترقب اتصال ليث: لا ما اتصل.....
ام صارم نظرت لزوجها الذي اخذ يأكل نفسه بقلق كثُر وتعدد في معانيه
قلق متجه لرحيل وقلق متجه لنواحي عدّة
اخبرتهُ ان يتصل على ليث ويطمئن
كذب عليها بقوله(ماله داعي)

تنهدت ثم قال: اجل لاتصل ....عطينا خبر....

تحدثت الاخرى بلا نفس: طيب

ثم اغلقت الخط، ونظرت لفيصل ....ولمحمد.....اصايل كانت في غرفتها وبينما هيلة الى الآن نائمة بسبب سهرها الطويل في الليل

فيصل كان يفهم حنق والدته ، وخوفها من خروج رحيل ، شعر بالبؤس لناحية ابنت عمّه الجميع ينفر منها وخائف من خروجها الذي يُعني إعلان نتيجة بعثتها مع ليث للغير بطريقة غير مباشرة ، حاول طيلة الليلة الفائتة التوّصل لحسابات اخيه الجديدة وفشل ولم يعرف شيئًا جديدًا عنه ، بلل شفتيه ونظر لمحمد الذي اخذتهُ الايّام الماضية بكثرة السرحان والانطواء في غرفته

الجّد جعلهم يعيشون ايّامًا صعبة ، ومرهقة

تنهد ثم قال: يمه اجلسي....والله توترت من توترك....

ام ليث التفتت عليه بطريقة افتراسية: ومن قالك اني متوترة....
نطق محمد: واضح.....من نبرت صوتك.....
دخل ابا ليث هنا على حين فجأة وهو يقول: ماتصل ليث؟

فيصل تحدث وهو ينظر لوالدته شعر انها ستنفجر اليوم في قول رغبتها عن رحيل
: لا لسى....
بو ليث : الله يجيب العواقب سليمة.......

ام ليث نظرت له وباندفاع: وين تجي العواقب سليمة......ورحيل زوجته؟

محمد انصدم من حديث والدته وانشد ظهره منتصبًا ليعتزم الوقوف
بينما فيصل ابتسم بسخرية لأنها فعلت ما توقعه!

بو ليث اقترب منها : وش الحكي الجديد اللي اسمعه؟

ام ليث نظرة الى زوجها باحتقان وجهها المحمر: ما قلت شي جديد وغلط......ولدي بسبّت هالرحيل..صاير يدخل.....في مصيبة لمصيبة.....ثانية...ومن غربة لغربة.......ملينا ....مليييييييييييينا يا علي.......ابي ولدي جنبي....تعبت وانا احاتيه وهو بعيد عني....هالرحيل شؤم على ولدي شؤم!

ابا ليث خرج عن طوره وارتفع صوته: اظن ولدك رجال طول بعرض ما هوب طفل تحاتينه هالكثر....وبعدين استحي على وجهك تقولين على بنت اخوي هالحكي .....

محمد تدخّل خوفًا من ان يكبر الامر وتزيد جرعات والدته لتثير عصبيّة والده: يمه ....يبه...صلوا على النبي.......

فيصل بقيَ في مكانه يشاهد الموقف دون ان يُدخل نفسه في فيه....

ثم قالت ام ليث بنرفزة عظيمة: اسمع يا علي....هذا من الحين اقولك.....رحيل...ما تدخل هالبيت........ولا راح تبقى على ذمة ليث.......لا تجبرونه يخليها على ذمته.....وش يبي من خريجة سجون؟!

اقترب منها ابا ليث وفي داخله قهر على ابنت اخيه ، وعصبية على حديث زوجته التي فقدت عقلها في ذكرها هكذا
مدّ يده ليصفعها على وجهها ولكن محمد اوقفه وسحب يده المرفوعة ليقبلها وهو يقول: لا يبه لا....تكفى......هدي اعصابك...
هنا نهض فيصل وشعر انّ الأمر بدأ يتوتر ويأخذ منحنيات خطرة

تحدث: يمه...ماله داعي هالكلام....

لم يشعروا بتلك التي نزلت على عتبات الدرج بسبب اصواتهم التي ارتفعت وتسللت إلى مسامعها وهي في الغرفة ....خافت من أنّ احدًا اصابه مكروه فنزلت على عتبات الدرج سريعًا
لتسمع والدتها وهي تقول: وش قلت...ما قلت إلا الصدق...خريجة سجون وليث.....ما راح يبقى معها لو ايش يصير....

شهقت بقوة حتى جذبت إليها الانظار، واخذ فيصل يبحلق في وجهها مصدوم من فضح امر رحيل أمام اخته اصايل....
محمد نظر إلى وجهه اخته، وشعر باندفاع جسده للخلف
بسبب جنون وعصبية والده الذي اندفع ليصفع زوجته ولكن تدارك الوضع واحتضن ابيه صارخًا: يبببببببببههههه


ابا ليث بعينين محمرتين: اتركني عليها......اسمعها وش تقول على بنت اخووووووووووي.....تبي تقهرررررررررني....تبي تحر قلبي....ازود من انه مقهووووووووووور....
فيصل خاف على والدته التي وقفت تنظر مصدومة لرغبة زوجها الصارمة في صفعها وحديثه بلعت ريقها ، ونظرت اخيرًا لابنتها التي تأثرت كثيرًا بهذا الموقف

محمد: يبه تعوّذ من ابللللليس.....
بينما والده كان يدفعه ويحاول التملّص منه إلى ان صرخ: فيصصصصصصصصصصل ابعد امي .....
فيصل تدارك الامر وذهب لناحية والدته وسحبها من يدها
: يمه تعالي...
سحبها وهي تنظر لحال زوجها بذعر، مشت وهي خائفة منه وعليه لا تدري كيف لسانها لذعه لينطق بهذا الحديث الذي استنفذ طاقته، ونظرت لابنتها المصدومة لقولها، وما إن اقترب فيصل من عتبات الدرج حتى سحب بـ يده الاخرى اصايل التي تنظر لوالدها وفي عينيها دموع كثيفة: امشي اصايل...
مشت بتخبّط كيف رحيل مسجونة؟ ماذا تقول؟ حقيقةً الوضع يُثير الشبهات دومًا ما ليث يعود للوطن دونها معللًا سبب عدم نزولها لكثرة الاختبارات والدراسة، و جدوله الذي يخالف جدولها تمامًا ولا يستطيعا الاتفاق على موعد واحد للنزول ، لم يكن وقتها لهم الحق في السؤال والاستفسار بعد حديثه، لذا هم يخرسون!
صعد بهما لغرفته اغلق الباب
والتفتت اصايل على والدتها: يمه شقولون....رحيل مسجونة؟

في الواقع لا تريد والدتها افصاح امر رحيل أمام ابنتيها ولكن زلّة لسانها جعلت ابنتها تتخبط الآن اشاحت بوجهها عنها وذهبت لتجلس على طرف السرير
فقال فيصل: اصايل...مو وقت اسالتك...
اصايل بنبرة بكاء: أجل متى وقته؟

ثم قالت: يعني طولة الثمان سنين مسجونة؟....طيب ليش؟

فيصل مسح على رأسه وبانهيار صوتي قال: ممممممممما دري مادري....
بكت هنا اصايل بلا صوت على الموقف الخشن الذي حدث، وعلى الحقيقة المرّه التي التهمتها بصدمة قوية!
.
.
.
محمد اجبر والده على الجلوس : يبه اذكر الله .....لا تسوي كذا ......لا تمرّض عمرك.....

بو ليث : سمعتها وش قالت؟ ولا ما سمعتها....اذا هي تقول كذا ....وش حال الغريب؟
محمد طبطب على يد ابيه: مالنا ومال الغريب يبه؟.....طز بكلام الناس......امي ما تقصد....
بو ليث بنبرة انفعالية قاطعه: اشوي وتسب بنت اخوي...اشوي وتقول....اي هي مذنبة وما هيب مظلومة.....خلني اعلّمها حدودها قبل لا تتمادى....
محمد وضع يده على فخذ ابيه: يبه تكفى....هدي.....يكفي اصايل سمعتكم ......لا تخلون هيلة تسمع بهالسالفة بعد....

حك جبينه بتوتر : طلعتني من طوري....طلعتني من طوري....يا محمد.....انا من غير شي مهموم.....على غربة ليث.....وعلى غربتها هي ....غربة وطن....وغربة سجن....قلبي مقهور عليهم اثنينهم......بس ما في بيدي شي اسويه.....

محمد طبطب على ظهره ثم قبّل رأسه ليخفف عنه: هذا اليوم .....يوم الفرج....الحمد لله تيسرّت الامور وطلعت.....خلاص بيرجعون .....وراح ننسى ايام الغربة....

بو ليث بضيق: الاقيها من أمك ولا كلام ابوي هناك.....جالس....ياكل بلحم هالضعيفة.....ولا انقهر من ردات فعل اخوي عبد الرحمن......اللي شايل يده من سالفتها.....وشبه متبري منها.....كلنا زعلانين عليها ومنها....كلنا ما هقينا يصير فيها كذا.......وانخبصنا لم حاكموها ثمان سنين.......بس شنسوي ازود من اللي سويناه شنسوي؟

محمد فهم وجع ابيه ، فهم حديثه وصعوبة تمرير أمر رحيل وكأنه شيء لم يكن: لا تزّعل روحك يبه.....ربي فرجها علينا....اليوم طلعت بكرا بتشوفونها قدامكم.....والسالفة بتنطوي ولا بتنذكر ولا حد بيعرفها.....

بو ليث تنهد ثم قام: آه بس آه...
نهض معه محمد: اسم الله عليك من الآه يبه...لا تخوفني عليك.....

بو ليث نظر لأبنه طبطب على كتفه: بروح ارتاح......وقول لأمك لا توريني وجها......

محمد قبّل يده من جديد: تامر ...تامر...يبه...
ثم مشى والده بالقرب من عتبات الدرج
وتنهد محمد بضيق: وش سويتي يمه!؟
.
.
.
نظرت إليه وإلى عبوس وجهه، حدّقت ليديه وهو يُشبك اصابعهما ببعضها البعض جلست بالقرب منه : تقول ليث ماتصل...
بو صارم بسرحان: باذن الله بتطلع.....
ام صارم بقلق: سلطان....وراك كذا شاحب.....ومتوتر......السالفة مو سالفة رحيل.....

التفت عليها وهو يقول: وانا قلت لك اني احاتي رحيل؟......أنا واثق دام ولد اخوي معها رحيل بتطلع وبصير بخير...وبفكنا من شر كلام الناس بعد....

سكتت، حدّته جعلتها تقلق اكثر: اجل علامك؟

بو صارم بتنهد: احاتي عهود ودانة.....
ام صارم لتخفف عنه: وليش تحاتيهم....هذا هم تحت جناحك وبفضلك بعد الله ...عايشين مو قاصرهم شي وبخير.....

بو صارم اخذ نفس عميق: احاتي عهود وخايف اني ظلمتها لم رفضت ذياب.....واحاتي دانة وخايف من ابوي يقهرها.....

ابتسمت على مضض: عهود قدامك وقت ......عشان صدق ما تظلمها.

التفت عليها وكأنه صعق من انها تبرهن كونه ظالم لناحيتها

ولكن تمالكت شجاعتها في قول: اختي كلمتني مرة ثانية ....الولد شاريها يا بو صارم.....وولد اختي اعرفه زين ....تربّى على يديني وعلى يدك بعد....ما منه اثنين بهالعالم....رجال كفو......مصلي ومسمي ويخاف ربه....وموظف ولا عليه قاصر....ليش ترفضه......

بو صارم اطلق تنهيدة اخرى: اشهد انه رجل......بفعوله اللي ما تنسي.....

ام صارم طبطبت على فخذه: اجل فكر في الموضوع من جديد ....يا بو صارم ...لا نوقّف رزق البنت....ومن حق عهود تعرف بخطبة ذياب لها.....لازم نقول لها....ودانة دامك سندها وظهرها ...ماحد يقدر يكسر بخاطرها ويقهرها....
هز رأسه وكأنه بدأ يلين فنهضت وهي تقول: لا تنطوي على نفسك....كلنا تحت مجتمعين انزل ولا ضيّق خلقك .....

ابتسم لها على مضض: سبقيني وجايكم....
ثم خرجت وبقي يُعيد الأمور في رأسه ويعيد حسابات كثيرة سقطت من باله ولكن إلى الآن لم يفت الأوان ليقول انه خسر في إعادة حساباتها هناك متسع من الوقت ، يستطيع ان يُعيد استقامة الغُصن قبل ان يميل كل الميل، ويعوّج ثم ينكسر، تنهد ثم نهض ليخرج من الغرفة هو الآخر!
.
.
.
فكرة دخولها للسجن تُجلب له مجالب إثار الغضب وعدم التنازل في تقبّل الأمر واقعًا على اعتاق الخوف من حديث النّاس ، وأكل لحمها ولحمهم ، والطعن في تربيتهم وشرفها، لذلك هو غاضب ، حانق، لا يريد أن يرى احفاده ولا ابناؤه، يريد ان يبقى اليوم في منزله دون ان يرى منهم أحد ، يعلم اليوم خروجها وانتهاء رحلة المشقّة عليها، لن يتصل على ليث ليذكّره بشرطه لأنه يعلم جيّدًا ليث، يسمع لهُ لأنه يريد انشاء السّلم في هذه العائلة ، هذا الابن ليس أنانيًا كغيره من احفاده يفكّر بروابط الأسرة ويفكّر بالجميع، ويعلم أنه اثقل على اعتاقه بالشيء الكثير ولكن هو الوحيد الذي يستطيع أن يُلملم فضيحة تكاد تنبثق أمام النّاس ليستحلوا النميمة والغيبة فيها باطلًا!

تمتم بالاستغفار، يشعر بالضيق، والحُزن، يشعر بالاشتياق لها والألم، تلك اليتيمة عبثت بقلوب الجميع ، رحبُّوا بمجيئها في هذه الدنيا رغم أنّ هذا المجيء خلّف وراؤه حُزن شديد وقع على عينين وفؤاد والدها ، ابنه الاكبر الذي حاول إخفاء حُزنه والعيش بسلام، وصبّ جلّه تفكيره بتربية ابنته التي اطال انتظاره في تواجدها في احضانه، كان يتتوّق بأن يرزقه الله بابنه بعد ان رزقه بولدين ، رزقهُ إيَّاها ليأخذ بكتبته وأمره حُب سكن واستوطن فؤاده، الجّد هو من اخبره ان يتزوّج اختها من أجل تربية ابناؤه تقبّل الأمر ورضي به!

واهتمّ الجميع برحيل، اليتيمة التي كسرت بمجيئها ظهور كثيره ، اهتمّوا بها، واغدقوا عليها بالحنان الكثير
ولكن ماذا فعلت بالأخير؟
لم تفعل شيء ولكن هو وحده يلومها وكأنها فعلت كل هذا من خالص إرادتها
.
.
انفتح الباب، دخلت بخطواتها البطيئة تنظر لحُزنه وتنظر لتجاعيد الخوف الذي تطرق بابها للدخول إلى قلبه عبثًا لإيقاظ رحمة القلق على رحيل!

تركت الباب مفتوحًا ، ومشت بظهر احناهُ الزمن عبثًا بسبب كبر سنّها، اقتربت منه وجلست بجانبه، وانتشرت رائحة المسك في الأرجاء
وضعت يديها على فخذه لتتحدث : تحاتيها؟
الجد عقد حاجبيه : مَن؟
الجدّه ابتسمت لتزداد الخطوط الجميلة التي تُضفي في الفؤاد شيئًا من الطمأنينة وحُب الحياة: بنَيْتي رحيل؟

الجدّ بنبرة منفعلة قليلًا: ورا احاتيها واليوم بتطلع وولدي ليث معها؟
الجدّه : أي....يا بو عبد الرحمن......تراهو لا هو عيب ولا هو منقود يوم انّك تقول احاتيها......يوم تقول انك تحبها بس عتبان عليها وشايل بخاطرك عليها اشوي....

الجد باستنكار: اشوي؟

الجد هزّت راسها : يمكن شايل بالحيل عليها بس .....يا بو عبد الرحمن....جا الوقت اللي نكتم اللي صار في السر والعلن......

الجد نظر لها: هذا هو مكتوم في صدورنا لين مرّضنا....
الجدّه بمغزى في الحديث: اقصد جا الوقت اللي تبرهن فيه للكل انّك تحبها ولا ترضي عليها.....بالمذلّة...

صد عنها هنا لتكمل: يوم تستمر بهالصد.....بكبّر راس ليث عليها.....وبتكرّه ابوها فيها.....والكل..

الجد بغضب: واذا كبّر راسه وش بصير؟

الجدّه: راح يضيمها....ويظلمها ......
الجد ثار غضبًا
واكملت: يوم تصير مضيومه ومظلومة.....والله انها بتطلب الطلاق.....

تحدث منفعلًا: تهبى إلا هي......
الجده بنفس عميق: عشان كذا ...خفف من هالعتب...ومن هالحزن ....وهالغضب عليها....حنن قلب الجميع عليها....لا تخلي الكل يصير ضدها ......ودامك يا الراس الكبير ضدها ما بلوم الكل لوقفوا ضدها ....وهنا بنتي رحيل...بضيع وبتحس ما لها سند....


سكت ولم يخرج كلمة واحده نهضت : فكّر بكلامي زين ......وصير انت بالذات لها سند قوي ....وهي بهالحال...

ثم ركزت بناظريها عليه: ما قول هالكلام عشاني.....مو مقهورة من اللي صار.....قلبي يحترق .....وشاب ضو......بس مالنا إلا الرضا والقبول ...يا عبد العزيز........
ثم خرجت تاركته ينظر إليها باستنكار ، وشيئًا من الحُزن خالج قلبه!
كرر الاستغفار ونهض ليتوضأ ويصلي ركعتين ليخفف بهما ما يشعر به
من ضيق!
.
.
.




الساعة الآن 04:45 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية