منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   المنتدى العام للقصص والروايات (https://www.liilas.com/vb3/f16/)
-   -   رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون (https://www.liilas.com/vb3/t207822.html)

شتات الكون 07-04-21 06:39 PM

رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون
 

Part20
.
.
.


قبل لا ندخل في البارت حبيت أنوّه على كذا نقطة عشان نصير في الصورة السليمة مُنذ البداية، شخصيات الرواية ليسوا منزّهين كل التنزّيه فهم بشر يصيبون ويخطئون، والأحداث فيها من الواقع والخيال النّاطق، لم اقتبس الأحداث من حياة أحد أبدًا أبدًا، وليس هدفي تزيّين الحرام، بعض تفاصيل الأحداث لم أحبّذ التطرّق لها لأسباب عدّة حفظًا للحدود التي وضعتها لنفسي، كتبت اشياء كثيرة من وجهة نظر مختلفة خاصة لشخصيات الرواية، بعض الأحداث ربما كُتبت لتكون خارج دائرة المألوف بطريقة ما، فيه تعدد باللهجات لمناطق السعودية ودول أخرى إن اخطأت فيها اعتذر للجميع حاولت بجهد أن اظهرها بشكل صحيح ولكن اعلم اني بشر أُصيب واخطأ فألتمس لكم العذر من الآن، و يُسعدني ان اشارككم ايّاها بصدر رحب..فأنا اتقبل النقد ووجهات النظر بأدب ورُقي، روايتي ايضًا تحتاج لتأني في القراءة كما أنّها معقدة بعض الشيء، كتبت أجزاء كثيرة منها ولكن اعتذر منكم لن استطيع أن اشاركم اياهم في دفعة واحدة لعدّة اسباب منها ما زالوا على قيد التعديل غير إنّي مقيّدة بظروف خارجة عن إرادتي..لذلك سيكون هناك بارت واحد في الأسبوع "اليوم" لن يكون محدد..في الواقع لا استطيع تحديده استنادًا لظروف حياتي الشخصية.



.
.
.

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
(لا تلهيكم الرواية عن الصلاة، اللهم بلغت اللهم فاشهد)
.
.
.




.
.
يؤلمه أن يرى شحوب وجهها، يرى تقلّباته طريقًا وعرًا من الوجع، لا يقوى على أن يراها تتلوّى بالصّمت، هي ابنته الوحيدة..ابنته الذي أودع حياته كلّها من أجلها، اصبح مُلازمًا لها لكي لا يُشعرها بفقد أمها، اعطاها حنانًا وحُبًّا عميقًا ومُسهبًا فيه لكي يسّد طريق الفُقد ويسد ذرائع الإشتياق بالقدر البسيط، وإن أوجعتهُ وإن ابكتهُ يومًا فهو لا يستطيع أن يُقاوم رغبته في المجيء لها وترك العمل وراؤه، ابتعد من أجل أن يتخلّص من ثقل الألم الذي أودعتهُ في صدره، خاف من نفسه وضجيجها..عاقبها على بُعده ولكي يسد باب الغضب تقوقع هُناك.
المقطع الذي انتشر نشر السُّم في جسده وبثّه بشكل سريع..خاف عليها..خاف عليها من نفسه ومن النّاس والمجتمع عامة..خاف من النّفوس الضعيفة تستقطب ضعفها، وخاف من عائلته ومن حُكمهم عليها، ولكن كل هذا تلاشى أمام سماعه لحالتها من قِبل الطبيب خرج مذعورًا ليبتعد يُريد أن يستوعب ما قاله..يدها لن تعود كما في السابق ..الكسر أثّر عليها سلبًا..ستحرّكها..ستتعامل معها بشكل آخر في منتصف الأفعال الطبيعية.
ربما بعض الحركات من رفع اثقال أو من حمل أشياء خفيفة لن تكون قادرة على فعلها بعد الآن..ستكون حركتها محدودة!..بسبب قلبها الطيّب خسرت شيئًا ثقيلًا ..يدها ستكون ذكرى مؤلمة لها..بقيّ في مدينة جدّه..لفترة ولكن لم يستطع أن يكبح خوفه ...فهو لم يعتاد على أن يكون شرسًا معها..لم يعتاد على ضربها بسوط غليظ..ولكن حدث الأمر وخرج عن سيطرته بعد أن اثارت جنونًا أدّى بيدها إلى التعطيل..إلى الألم..إلى الأشياء التي تُفلق قلبه وتوجعه!

في لحظات تذكّر ابنت اخيه رحيل..تذكّر غُربتها..وتذكّر قُربها من أبيها..يا تُرى كم عانت من أجل أن تعتاد على صلابة وقساوة والدها الذي ابتعد..هل ذبلت مثلما ذبلت ابنته الآن..فهو يرى ذبول عينها الخارج على دائرة ألم بُعده وألم شوقها وحاجتها له..هل ذبلت رحيل هكذا..انفلق قلبها..وأخذت تضّج برغبة وجود جلّادها أمامها؟
لا يريد الإنغماس في التخيّل إلى ما آلت إليه، هي الأخرى أحدثت جرحًا عميقًا في القلوب ولا يسعها أن تطبب هذهِ الجراحات سريعًا ولكن ربما قلبه الآن يتفهم كل شيء يتفهم كيف يُلملم جرحه لأنهما الاثنتان بحاجة إلى من يشّد على يديهما وإن أخطئتا فالبُعد في حضرت ما ذاقاه من ألم خطئًا آخر ربما يُلهب تلك الجراحات العصيّة ويُفسدها أكثر!
.
.
اقترب منها أخذ يُمسد على شعرها المُلتصق قليلًا على جبينها بسبب حُبيبات العرق المُرتسمة في خرائط تيه الإشتياق الصادر من صوتها والواصل إليه، انحنى قليلًا
اخذ بيديه يطوّق وجهها ويُمسح حُبيبات العرق.
اردف: يا عين أبوك..
تهجّد صوتها في النُطق لتعض على شفتها السُفلية بخجل: يبه آسفة..
وانخرطت في نوبة بكاء بصوت شهقاتها المتعالية
لم يعتاد على أن يراها تبكي، تلوذ بنفسها خجلًا بنظرات الإنكسار التي تصدر من عينيها إليه
: أششش..لا تتعبين نفسك يبه..لا تتكلّمين..
تردف: سامحتني؟
يهز رأسه: وما سامحت نفسي.... وصّلتك لهالحال يا قلب ابوك أنتي!
ازدردت ريقها نظرت بعينيها المحمرتين لعينيه
حاولت أن ترفع رأسها قليلًا لتشد بيدها السليمة على يده لتقرّبها من فاهها
وتقبّلها: يبه انا استاهل ...أنت مالك دخل باللي صار..أنا جبت هالوجع..
وشهقت ببكاؤها: لنفسي..ما كان علي اهرب من المدرسة...
راشد مسح على رأسها: خلاص مزون ...أنسي..أنسي..أهم ما علي صحتك..والحمد لله الجهات المختصّة..خذوا حقي وحقك...والمقطع وقفوا من انتشاره..
مزون أخذت نفسًا عميقًا لتعقد حاجبيها
: ما صيدي يصير تسذآ يا بو مزون...
ابتسم رغمًا عنه حينما تحدّثت بلهجتهما الأم...قبّل يدها
مسح على جبينها مرة اخرى
: اللي صار ما ارضاني يا مزون..وقهرني..بس اللي زوّد قهري..تعبك وطيحتك وجعانه بقل حيلة على الفراش..حسّيت وقتها قلبي أرتبش وخاف من الفراق..

مزون بللت شفتيها تحاول أن تسيطر على رغبتها في البكاء ورغبتها في احتضانه
يُكفيها هذا الوجود، وهذا التسامح الكريم من قِبله
تحدثت بنبرة وجع: والله اللي سويته من غبائي يبه اعترف...ولا توقعت في يوم اصير صيده كذا..واحتار ولا اقدر اسوي شي...يبه والله أنا تربيتك ومالي بالسوالف ذي...وما هقيت انخدع يا يبه...لم هربت مع صديقتي ..هي خدعتني غدى عقلي مني وخفت...وكنت برجع بس خفت عليها...وبقيت معها...
لا يريد منها أن تتحدّث بما جرى يعلم كذبت في الحقائق والآن لا يريد أن يستمع لهذه الحقائق اللّئيمة يُكفيه اعترافها بخطئها ويكفيه وجعه!
: يا بوك مابي اسمع شي من اللي صار..بس يا مزون...لا تعودينها...بعد ما فيني حيل والله...
مزون بعينين مدمعتين: راح أقضب الوطا ولا عادني بسوي شي..يبه بعد هالدرس الثقيل..ثق فيني ثقة تامة مزون تغيّرت وضعفت ...ولا عادها بتثق بالنّاس..
ثم عادت تبكي...بينما هو انحنى ليقبّل جبينها بحنان وأخذ يطبطب على يدها السليمة
: لا وانا ابوك لا..ما بي اشوفك ضعيفة ولا ابي اشوف خوفك من النّاس..لكن من حذر سلم...لا تعطين الثقة التامة لأحد..ولا تصيرين شكّاكة...الإعتدال في الأمور وأنا ابوك...يسد باب أوجاع كثيرة...
ثم ابتعد: نامي يا مزون نامي...
مزون برجاء وبعينين مدمعتين: تكفى لا تروح وتخلّيني أنا بليّاك ما اسوى شي يبه...
كُسر قلبه، طُعن من نبرتها
ارتجفت شفتيها واهتزّ قلبه ليردف: ما بتحرّك من مكاني...نامي ...نامي يا عين ابوك انتي رّيحي..
تنفسّت بعمق شديد نظرت لعينيه ، هّز رأسه وكأنّه يحثّها على إغماض عينيها لم تنبس بكلمة شدّت على يده واغمضت عينيها، وهو أخذ يتأمّل ابنته بقلب أبوّي حنون وخائف ومتضرر وتالف ممّا سمعه من الطبيب
ولكن وكّل أمره إلى الله ..قبّل كف يدها واخذ يقرأ عليها بصوته الحاني ما تيسّر من القرآن الكريم.
.
.
ذابل..وجهه مصفر..منعزل..وينظر للسقف بشرود..يشعر الآن حقًّا بالحُب..يشعر بوميضة واشتعاله في صدره..يشتاق لها..الجنون يحثّه على التفكّير في طريقة للُقياها..بالأمس هرب من الجميع وخرج لا يريد أن يحتفي بسعادة الجميع لـ"لشوفة الشرعية" لعهود..هرب وأخذ يجول في الأماكن التي تمتّص وتشتت خوفه واشتياقه.
يعلم اخطأ فضح نفسه بنفسه ولكن يُدرك حبّه صادق ..ولكن هذا الحُب لا يكفي..لا يروي.
العيون تلك لا تُلامس قلبه لا تجعل نبضاته تهدأ تحثّه على الإقتراب على اقتراف ما لا يعيه عقله..حينما قارنها بمناهل لم يقصد أذيّتها ولكن لو تعلم مناهل كانت تكّن لهُ مشاعر في ذلك الوقت ماذا فعلت؟ لذلك هو أخبرها مناهل لا تخاف أحد
جريئة..غير مترددة..ذات يوم..كانا يلعبان في مزرعة (النخل)جدّهم ما بين النخّيل الضخمة التي يخشاها في ذلك العمر..يتمشان..يُلاحقون الدجاج..يقطفون مشمومًا ذو رائحة زكيّة..يركضون هُنا وهناك ليشعلون الإبتسامة لترتسم على وجهه جدّهم الذي يحتضنهم آنذاك بطيب كلماته ودفىء حضنه..امسكت يده..اجبرته على المرور من خلال القطعة الخشبة المسندة ما بين حافة السّد ليستطعا المرور من خلالها للجهة الخلفية من المزرعة..هو يخشى العبور والوقوف على تلك القطعة يظن أنها ضعيفة وستسقطهما ولكن ماذا فعلت..امسكت بيده...اخبرته بألّا ينظر للأسفل..عبور الماء تحت تلك القطعة الخشبية ليس عميقًا..السّد ليس خطرًا..لا يُثير الخوف في نفسها ولكن كان يُثير خوفه..سحبته..جعلته يعبر من خلاله وهو يصرخ
" منااااااااااااااااااااهل بطيييييح"
...تضحك بعبث...تسحبه وهي تنظر لوراؤها...تصرخ بسعادة
"سكّر عيونك وامش..انا ماسكة يدك يا خوّاف"
..فعل الأمر ..عبرا معًا..يسمع ضحكها..يسمع نبرت صوتها المشجعة له...وحينما عبرا..اردف" بالله كيف بنرجع ...ما نيب مار منه مرة ثانية"...تبتسم ..تدور حول نفسها ..تُسقط نفسها على ظهرها لتنظر إلى السعف الذي ظلّلَ عليهما أشعة الشمس..ابتسمت" راح امسك يدك وما بتركها وما راح تطيح نفس ما سويت "..ثم ركضت..لتتجّه إلى شجرة "الكنار"..تسحبه بيده اليُسرى تركض..لا تخاف البُعد ..لا تخاف الحشرات..ولا تخاف ظّل السعف ..ولحاء النخيل..تعبر هنا وهناك تضحك..تسحبه وهو خائف يقتربون من الشجرة..تقف أمامه..تقطف ثمرة منها تقدمها له تبتسم" أحبّك نوّاف" كانت تشدد بشكل غليظ على حرف الواو..اعترفت بحبّها البريء ..ثم سحبته ليركضا إلى الداخل..إلى عمق وكثافة النخيل وإلى ما يخافه.

توقّفت الذكريّات..توّقفت الأحلام...توّقف كل شيء..هو يحب مناهل كأخت له..ولكن قلبه يحب وصايف حقًّا بنظرة مُختلفة..يحبّها بخوفها وترددها ولكن في بعض الحين هذا الخوف يستفزّه..يحثّه على إخراجها من القوقعة ولكن لم تخرج..وها هي ابتعدت مسافات طويلة..كيف يصل؟
.
.
نحاول الوصول ولكننا لا نصل يا وصايف..جميع الزوايا مبهمة
جميع الطرق مسدودة..جميع المخاوف أمامنا..ليت عُمرنا يتقدّم عشر سنوات للأمام
ليتَ قلبي يهدّأ قليلًا ..ليت عقلي يتوقّق عن التفكّير
ليت لساني قُطِع حينما عقدتُ تلك المقارنة اللئّيمة
أحبك وصايف..أحبّك وكثيرًا..ليتكِ تعلمين بحجم هذا الحُب
بحجم هذا العُشق..بحجمي أنا يا وصايف..أنا المنسي وأنا المتضخّم في المشاعر!
.
.
انفتح الباب عليه..انقلب على جانبة الأيمن ليولّي بظهره
سمع صوت والدته المرتفع: نوّاف...نوّاف وانا أمّك قِم..الساعة ثنتين الظهر..قوم صل وساعد اخوك ببيت جدّك...شكلك ناسي اليوم ملكة اختك...وش هالنوم اللي تسلّط عليك...
اغمض عينيه..يهرب..من صوتها..يشدّ على اللّحاف ليغطّي بهِ إحمرار وجهه
شعر أنه يختنق..شعر أنه غير قادر على كبح مشاعر حُبّه..يريد لُقيا يسد بهِ جوع الحنين...يؤمن ..وكثيرًا...أن الإشتياق مؤلم..
"يتكّأ الإشتياق على مرفأ الذكريّات"...وها هي ذكريّاته..معها بدأت تتأرجح معه وما بين عينيه تشع لتفضحه..يتذكّر قُبلته المشتعلة بالحُب..يتذكّر غياب عقله..ومرور تيار مشاعره في قلبه ليُسارع النبضات ليفصله عن العالم ووجوده..ليصّر على بقاؤه رغم البقاء في وحل الذّنب عذاب ولكن عذابه كان لذيذًا وجد بهِ شيئًا ليُخرس فيه ضجيج لا يصنّفه بأي تصنيف..ولكن بالمقابل..هي اشتعلت ..هربت من ذنبه للنجاة..وابتعدت عقوبةً على ما قرفه في حقّها من أجل إسكات فوضاوية مشاعره من الدّاخل.
.
.
أتت بالقُرب منه..سحبت "اللّحاف"
: نوّاف وجع قِم ...اقولك قِم...
هزّته..فتح عينيه المحمرتين..ووجهه الشاحب اصبح مرئيًا
جلست على طرف السرير بخوف
: علامك؟
نواف بهروب حاول النهوض: هذاني قمت..
سحبت يده: قبل قولي علامك..صار لك فترة ضايق ..لا تفكرّني ما حسيت فيك...بس انشغلت بخواتك...قولي علامك..مسوي شي؟
نواف انهار بعصبيّته: هذا انتم ...تحسسوني قاتل لي أحد...لا ما هوب صاير شي...تطمني...فكوني من هالموال..المتكرر..
وكاد يمشي ولكن وقفت أمامه: نوّافوه..قولي وش فيك..مانت طبيعي..تعبان؟..محتاج شي؟
نواف تنهد مسح على رأسه يشعر بالضيقة من هذهِ الأسالة
كاد يتكلّم ولكن دخل صارم
: زين هزيت هالطول ...وش هالنوم اللي نازل عليك بأوقات المناسبات..

بلل شفتيه..كاد يمر ولكن ارتفع صوت والدته
: قولي قبل وشفيك...
ألتفت على والدته: ما فيني شي..ارتاحي...ما نيب داخل في مصيبة...لاني مفحّط..ولانيب حشّاش..ولانيب مدمن..ولانيب سكّير!
صُعقت والدته من حديثه الوقح
وتقدم صارم ليصرخ: نوووووافوه ألزم حدّك وابلع لسانك الوسخ...
نواف صرخ: وششششش تبون مني...اقوم من النوم؟...هذاني قمت...ليش بعد تحنون على راسي..قلت لكم ما فيني شي..اخلاقي زفت...لأني تو جلست من نومي....
ام صارم بانفعال: وبس نسألك تشتط ...وترمي علينا حكي مثل وجهّك...احشمني أنا امّك..ما سألت إلّا لأني خايفة عليك...
نوّاف ابتسم بسخرية: انا ما فيني شي...والله العظيم ما فيني شي...نفسيتي تعبانة وبس..ليش ما نتي مصدقتني..
صارم نظر لوالدته ونظر لأخيه
تقدمت والدته: صار لك فترة مو على بعضك..وتتصدّني عني وعن ابوك...قولي اللي في خاطرك...ولا تجلس تحوس افكارنا كذا...
نوّاف سكت مسح على وجهه عدّت مرّات
: ما في شي قلت لكم..وحقكم علي...راحت علي نومه ونسيت ملكة دانة اليوم...هذاني قمت وبقوم اسوي اللي تبون..عن اذنك..
ثم خرج من الغرفة تحت انظار صارم..الذي تبعه فيما بعد..
بينما والدتهما تنهدّت بضيق..
.
.
امسك معصم يده: قولي...وش وراك؟
ألتفت خلفه بسخرية: ولا شي..
نفض يده وهو يشد على اسنانه: نوافوه...تراني ما نيب غشيم قولي وش فيك؟
نواف نفض يده من أخيه: تعبان...وانتوا جالسين تضغطون علي..
حاول الدخول للخلاء ولكن صارم مسك يده: من ايش تعبان؟
نوّاف بجدية رمى حديثه: اشتكي من قلبي!
ثم دخل الخلاء وصارم شد على قبضة يده ظنّ أخيه يسخر منه..تأفف ثم ذهب لغرفته.
.
.
.
هل يُسمح لنا بتخطّي اليوم؟ أعني بحذف يوم من أيّامنا؟
هي تريد أن تحذف هذا اليوم، شعرت بالربكة وبالجديّة من قدومه سريعًا
تشعر بحماقة انهيارها في ذلك الوقت..تشعر بتسرّع لسانها في نطق الموافقة عليه
تشعر إنّها الآن ادركت جديّة الأمر.
غير مستعدّة للعَيش في قفص الزوجيّة
تخشى كل شيء..تخشى الحياة..تخشى محمد..تخشى جدّها..وتخشى نفسها ومشاعر جمّا.
مشت بخطى متسارعة لم تستطع من عدم المجيء لهنا..كان عليها أن تأتي إلى تمام الساعة الرابعة عصرًا ثم تعود للمنزل من أجل التأهّب لملكتها في هذهِ اللّيلة التي ستُنير ابتسامات كثيرة..هي حققت رغبة جدّها..اخرست الجدال والنّقاشات من عدمها..هذا القبول سيُسعد الكثير..ولكن الآن..تشعر بربكة قلبها..تشعر بجديّة الأمر..ومحمد لم يُزيدها إلّا توترًا حينما اعلمها برغبته في هذا الزواج ليكون حقيقيًا..تخشى من أمور كُثر هي تحاول الآن تجاوزها..خرجت من غرفة المريض..ستذهب للمكتب..لا تريد أن ترى محمدًا الآن حتّى لو على سبيل اللّمح..لا تريده..تريد الهروب..من الأشياء التي تتطفل عليها..من ضجيج جدّها..ومن موقف تلك اللّيلة وهي واقفة أمامه ترجوه بأن يسمح لها بالخروج من المجلس..أوجعها..ولكن ها هي الآن حققت رغبته..خضعت لأمور تكرهها.

تنهدّت..سارعت مشيها..عقلها لا يعي ما يدور حولها..اصطدمت في كتفها
: اوبس ..بسم الله الرحمن الرحيم...عيونك وين دانوه؟...
وبشهقة: وبعديييييييين تعالي الليلة ملكتك شلون جيتي؟
نظرت لها وهي تحرّك نقابها لتعديله: اف يا موضي لا صيرين لي مثل عهود حنّانة..تعرفينهم ما عطوني إجازة...وقللوا لي من ساعات العمل..
موضي مشت بمحاذاتها حينما بدأت تمضي دانة في الممر: طيب ليش...كان كلّمتي دكتور رعد ..
قاطعتها بنظرت: وش دخلللله هو....
موضي بجدية: يمكن يقدر يتوسّط لك عند المدير..
دانة : يا شيخة فكّيني بس هذا هي كم ساعة واصير بالبيت...بيمديني اسوي كل شي..
واصبحتا واقفتا أمام المصعد موضي توقفت هنا: عاد اسمحي لي ما بقدر اجيك..تعرفين..ما مضى كثير على وفاة اخوي...والحمل متعبني...
دانة طبطبت على كتف موضي: الله يرحمه..مسموحة..
انفتح باب المصعد
: ومبروك وهديّتك بشوفينها على مكتبك..
دانة : الله يبارك فيك وعقبال ما ابارك لك بالنونو..وما كان له داعي تكلفين على نفسك..
موضي وهي تبتعد وتلوّح لها: ما فيها كلافة..يلا وراي كرف...
اصبحت دانة داخل المصعد..وعادت تجول في وحل التوتر..سمعت رنين هاتفها..ألقت نظرة على الاسم وكانت عهود هي من تتصل لم تُجيبها..
انفتح الباب..خرجت لتمشي وتمضي في الممر...
.
.
متوترة..مشتعلة بالحرارة وبالخوف..لا تريد أن تواجه مصيرًا مغايرًا عمّ رسمتهُ في ذاكرتها..تريد حياة هادئة..ولكنّها بعيدة عن ضجيج الزوّاج..بعيدة عن حياة الإشتراك..ستتزوّج وممّن من أخ ليث..ورغبة جدّها...وقرار خوفها..تشعر بالضّيق وبالحرج..تشعر بانفصاليّة عقلها الآن..والرغبة في التّراجع عن كل شيء..مشت..ونظرت لمن حولها بهدوء..تقدمت لتدخل إلى الممر المؤدي بها إلى المكتب..
.
.
فتحت الباب..وقعت عيناها سريعًا عليه..رأته جالسًا على الكرسي وكأنه ينتظرها..خفق قلبها..كيف له أن يدخل إلى مكتبها الخاص دون أذن..وما بالها هي التي لم تقفله ..اليوم هي مشوّشة هل أتى ليزيدها تعقيدًا في التّفكير..تركت الباب مفتوحًا..
: لو سمحت رعد...تفضل...ما أرحّب بوجودك...
.
.
الكذب يؤدي بالإنسان إلى سوء الظنون، إلى الأشياء التي لا يُحمد عُقباها..هل كذبت ..اخبرتهُ بارتباطها ليكتشف عدمه..ليصّر على رغبته..ليكتشف بعد ذلك ارتباط اسمها حقيقةً بذلك المسعف الذي يُصبح ابن عمّها..اشعلت جنونه..اشعلت فتيل القهر من تلاعبها على أوتار قلبه..نهض..هو هادىء..وهي متوترة ..لم ينسى انهيارها في اليوم الذي حاصرها فيه..ولكن الآن يريد تبريرًا لكل هذهِ الأكاذيب..ولم يرى الفرصة السانحة إلّا الآن..تقدم..اُجبر على سحب يدها واغلاق الباب من خلفها سريعًا
كادت تصرخ..ولكن تقدّم سريعًا ليضع يده على فمها من خلف الغطاء
تحدث ما بين اسنانه: تلاعبتي بقلبي كثير يا دانة؟
ثم اخفض من ضغطه: ما راح اسوي شي كلها كم كلمة بقولها وبطلع...بس انتي لا تفضحين نفسك هنا!
شعرت بجراءته، شعرت بتبدّل حاله وانهياره الحقيقي، رأت بهِ شبحًا يريد اعتصارها لتختفي وهي التي أرادت اختفاؤه وتلاشيه مُنذ أول يوم رأت تلصص عينيه عليها.
ازاح يده ابتعد
: تكذبين..تقولين لي مخطوبة..واتفاجأ... أنك لا...وبعدها..فجأة...أسمع من الموظفين..بخطبتك من ولد عمّك...
دانة تنظر له..تجتمع الدموع في عينيها..تريد ان تصرخ..تريد أن تهرب..
ولكن اكمل: بإمكانك تعطيني فرصة..فرصة وحدة...بس...ليش كذا يا دانة..كسرتيني...وكثير..اوك...تمام...مو من حقي احاسبك...بس ليش تكذبين؟...ليش تتلاعبين فيني؟
دانة بصوت منفعل: قلت لك...ما ابيك...ولا بعد تبي تجبرني عليك؟...رعد لو سمحت اطلع برا...مابي فضايح...
يقترب بجنون وهو يمسح على رأسه..يصبح قريب منها وجدًا ضربت جزمة قدميه بجزمتها...كادت تسقط للوراء ولكن شدّ على كتفيها ليوقف نبضها وعقلها، شعرت نفُسها بدأ يضيق أخذت دموعها سببًا حقيقيًا للهطول...
انفعل: ما قصّرتي فيني يا بنت عمي...ما قصّرتي..
اخيرًا استوعبت قُربه ووقوفه بشكله اللّاواعي أمامها دفعته للخلف
وهي تنفعل بصوت مهتز: ألزم حدودك معي يا رعد..وهذا انت قلت لي يا بنت عمي!!..يعني تعرف إنّي عرضك وشرفك...وانّك مانت محرم علي...لا تنسى السامي عندهم عادات وتقاليد..ولا تنسى الزوّاج قسمة ونصيب...
صرخ: ليش كذبتي علي؟
انفعلت هي الأخرى: لأني ما كنت ابي الزوّاج يا رعددددددد....ولا عمري فكّرت فيه..اذا هالجواب بريحّك الحين تفضّل برا....مابي وجع راس أنا...
يتقدم خطوتين للوراء وجهه منفعل بالحمرة
يصرخ: يعني جابرينك؟

متوترة ترتجف..أخذ جسدها يترجف...صرخت فيه: مالك دخل في حياتي...وياخي افهم...الزواج قسمة ونصيب..وحنا ماحنا من نصيب بعض..اطلع برا رعد...مابي مشاكل ...اطلع يرحم لي والديك....الليلة ملكتي...والليلة بشارك فيها فرحتي مع اهلي..فلا تجي انت وتقلب لي الليلة فضايح وحزن...
رعد بلل شفتيه كان ينظر لها بحده بعكس نظراته التي تكون في السابق هادئة ومختبأة خلف ألف "ترليون" شعور..
أشار لها: ضربتيني هنا..
اشار لقلبه
وبتهجد: كنت ابي بصيص أمل بس...عشان اشوف ..راح تشجعيني من مواجهة اهلنا ولا لا..
سكتت تنظر له هي الأخرى بشكل مباشر
اكمل: جدّك ضر عمّي بو الوافي كثير..وبينهم عداوة على حسب كلامه...عشان كذا ما تجرّأت وجيت من الباب مباشرةً...كنت ابي اشوف ردّك...قبل لا أحارب أهلي..بس خيّبتي ظنوني..وكسرتي قلبي...مثل ما جدّك كسّر ظهر عمّي.

توقّف بِها الزّمن..رمشت مرّتين..عداوة؟...كسر ظهر عمّه
ماذا يحدث؟
تقدم لناحيتها: الله لا يهنّيك مع ولدك عمّك.
ثم خرج من المكتب وهي تنظر لفراغه..ترتجف يديها..وساقيها..شعرت بتسارع نبضات قلبها..وبالتحام الخوف جبرًا ليحتضنها...تنهدّت عشرات المرّات شعرت بضيق تنفّسها..سحبت النقاب من على وجهها اخيرًا...تحرّكت لتعود للوراء وتقفل الباب...ثم اسندت ظهرها عليه لتبكي..لتنساب الدموع على خدّيها..ارعبها رعد..اخافها...افلق رأسها بالاحتمالات المشؤومة.. هي تريد البكاء والآن وجدّت سببه جلست على الأرض وخلفها الباب تمامًا قرفصت جسدّها لتبكي بكل أريحيّة وبذعر
ارتفع صوت ضجيج نغمة هاتفها ولكن لم تنهض..ولم تنوي ذلك بقيت تبكي..تبكي خوفها..وتبكي على تسرّعها في القبول من هذا الزواج.
.
.
خرج سريعًا من غرفته..منزلهم ضجّ بحركته بسبب المُناسبة التي انتظرها جدّهم، لا يريد مواجهة أخيه، ولا يريد الدخول إلى عالم النقاشات والجدال..هو ايضًا وعى على نفسه حينما اصبح عليه الصُّبح وشعر بقهره يتجدد..ولكن ما كان عليه أن يورّط أخيه في هذهِ النُقطة من الهروب..الهروب من المشاعر والإنتقام منه بشكلٍ لا يُرى..سارع خطواته على عتبات الدرّج يُلاعب مفتاح السيارة ما بين سبابته وإبهامه..يدوّره حول اصبعه ثم يُمسكه ..لم يرى أحد من إختَيه..فخرج ..سريعًا وتقدم لناحية سيّارة أخيه قبل أن يحرّكها!

فتح الباب..لينفتح الباب الآخر فجأة..خفق قلبه وتنهّد بضيق..دخل اغلق الباب
وسمع صوت أخيه: تتهرّب كعادتك...مثل يوم سماعي للتسجيل الصوتي لليث!
اغمض عينيه فيصل أمتّص شيئًا من الطاقة ليردف: محمد...
محمد كان منفعلًا صرخ ليقاطعه: وش سوّيت أمس...ورّطت أخوك...ليث قد قال لك هالشي؟...قد شكى لك يا حمار!؟
انفعل الآخر ليلتفت عليه: لا...بس شفت أبوك...لو ما قلت هالكذبة كان راح يطلع وروح الشقة ولو راح وما شاف بنت اخوه كان قامت الحرب...
محمد ضرب على "طبلون" السيارة: اتركها تقوم...ولا أنك تكذب كذا...وتحسسني قد إيش تكره ليث..وتحسبه لك عدو!
فيصل ابتسم بسخرية: هذا همّك؟..الحين...ومن قال لك أنا اكرهه أنا انقذته...
محمد بصوت شبه منفعل: لا تكذذذذذب علي تتلصص عليه وتصنّت...وتسجيلات ومدري شنو..وتكذب...ما نسيت فويصل بس انشغلت بهمّي...ولا رجعت لسالفة التسجيل وبكذبتك ذكّرتني بكل حركاتك الي تبرر لي فيها من باب الفضول...

احتقن وجهه بالغضب صرخ: ظنونك وفّرها في جيبك يا حميد...تراه اخوي...ما هوب عدوّي...وأمس من الخبصة زّل لساني بهالكذبة..نروح لليث الحين ونقوله كل شي ونفهمه ونحطّه بالصورة عشان لا يخوره عند ابوي..
كاد يتحدّث ويصرخ ولكن قطع صوته الرّنين اخرج الهاتف من مخبأ ثوبه
اجاب دون أن ينظر: ألو...
فيصل اغتنمها فرصةً قاد السيارة مبتعدًا عن وجهة المنزل متحركًا على الشارع العام
.
.
أتاه صوتها، صوت مهزوز بهِ غصّة وبهِ عتاب
: مبروك الليلة ملكتك..
هو ليس بمزاجٍ عالٍ لكي تتصل عليه
وتتلزّق به ايضًا: اخلصي علي عزيزة وش تبين؟
عزيزة بانهيار الحروف الحادة: راضي عن نفسك؟...دمّرتني خسّرتني الفرصة الوحيدة من إنّي أكون أم..
انهار الآخر ليلفت نظر إليه فيصل الذي اندهش من صُراخ ه ومزاجه العكر في يومٍ كهذا
: أنتي اللي جبتيه لنفسك؟...خذتك بشروط وحطيتك قدام الصورة صح؟..أنتي وش سوّيتي؟..رحتي لعبتي من وراي...وخططتي على كيفك...والحين تطلعين بحياتي فجأة ليش؟..إن كنتي تحاولين ارجعّك على ذمتي فأقولك وفري وقتك...ولا عاد ترسلين أبوك بيت جدّي...ولا عاد تروحين شقّة اخوي...
صرخت الأخرى : ما رسلت احد..ابوي من حّر ما فيه راح لجدّك وأنا رحت الشقة عشان آخذ صندوق الملابس للبيبي...ولا في نيّتي ارجع لك!
محمد بصرخة جعلت فيصل يتحدث
محمد: أجل وش تبين..
فيصل بتدخل: حميد هد...
محمد نظر لأخيه بعينيه المحمرتين
ليستمع: خسّرتني فرصة إنجاب...كان قدامي فرصة وحده...أنا أعاني من تكيّسات بالرحم...واحتمالية استئصاله بنسبة خمسين بالمية خذتك عشان..ما اخسر فرصتي..بالأخير خسّرتني...يا محمد خسّرتني وكثير...بعد..
محمد اغمض عينيه سحب نفسًا عميقًا: انتي خسّرتي نفسك لأنك ما صارحتيني برغباتك مثل ما أنا صارحتك يا عزيزة...انتي جنيتي على نفسك...بنفسك...واذا تشوفيني مذنب بحقك.. ارسلي لي تقاريرك الطبية ...وعلاجك راح يكون على حسابي..وراح اشرف عليه بعد!
عزيزة ببكاء: اقولك بيستأصلونه..
صرخ: ارسلي لي تقارييييييييرك...وانا اشوف...ما اقدر اساعدك إلّا بهالشي..غيره يا عزيزة مستحيل...ارسلي التقارير على إيميلي وانتي خابرته الحين فمان الله...
واغلق الخط قبل أن يستمع لصوت صوتها الذي اجهشت بهِ بالبكاء.
ألتفت عليه فيصل وهما في طريقهما إلى الشقة
: ما أنت طبيعي يا محمد.
.
.
أجل ليس طبيعي يشعر بالضغط من كل زاوية ، يشعر برغبته في البطش والطيش والصّراخ أيضًا، هو مقتنع بزواجه من دانة ولكن يشعر بغضبه الآن
يشعر بالحرقة من الأحداث التي انصبّت على رأسه لتُثقله
نظر لأخيه ولم ينبس بكلمة واحدة.
.
.
وبعد مضي بما يقارب العشر دقائق وصلا إلى الشقة أركن فيصل السيارة ثم نزلا..لم يأخذا إلّا دقائق حتّى أصبحا أمام الباب..اتصل فيصل على أخيه ليفتح الباب لهما
فأتاه صوته المشبّع بالنّوم: نعم..
تحدث: افتح الباب أنا ومحمد برا..
ليث نهض من على السرير رفع "اللّحاف" المرمي على الأرض
أخذ يحرّك شعره ويبعثره ترنّح في مشيته قليلًا
: وش مجيّبكم وراكم حرب الليلة...
فيصل ابتسم بسخرية: حربنا بتبدي معك...اخلصصصصص افتح...
ثم اغلق الخط..مضت خمسة عشر ثانية وانفتح الباب ودخل محمد بخطواته السريعة وتبعه فيصل
نظر لهما بوجه مكفهر اغلق الباب ثم تقدم لناحيتهما
: شصاير؟
محمد نظر لأخيه والغضب يشتعل، والظنون تشتعل ورغبة الشجّار تزداد في قلبه
: أشياء واجد..
فيصل بلل شفتيها نظر لليث: أمس قلنا لأبوي أنك مزوّج على رحيل وشب علينا...
ليث جلس على الكنبة: وهذا الشي المتوقّع..
محمد انفعل متدخلًا: واضطر اخوك يكذب عليه وقول له رحيل هي اللي شارت عليك بهالشور..
ليث صُعق: إييييييييييش؟
فيصل ارتفع صوته: كان بجيك ...وكنّا نبّيه يهدّأ ويجلس بالبيت وكذبت...هالكذبة...
ليث نهض من على الكنبة: أنت زدت النّار حطب يا فيصل..ما خففتها...
محمد نهض ورمق أخيه بنظرات غاضبة: ومن متى هو خففها..
فيصل بصرخة: محمد..لا تقروّشني بكلامك....سويييييييت اللي اشوفه مناسب...الحين صرت غلط؟!
ليث صُعق من أجواؤهما اشار لهما: هيييييييي أنت ويّاه...احترموني واقف قدامكم...خلاص كذبت...الباقي علي..اطلعوا منها...
محمد تقدم لناحية اخيه: ليث ابيك تفهّمنا كل شي...وش سالفتك؟...هااااا....ليش تزوّجت ثانية؟...وليش...اتصلت علي في ذاك اليوم تطلبني آخذ رحيل لهنا؟
فيصل نظر لمحمد وإلى لسانه الذي علق على كشف الحقائق
ليث بصداع: مالي خلق اتكلم...وبعدين تعال...لا تشغل راسك بأوجاعي اشغل نفسك بليلتك..
صرخ محمد: مممممما نيب فاهمك ولا نيب فاهم هالتعبان..
وأشار لفيصل..
فيصل نهض ليتدخل: وشششش دخّلني أنا...
محمد: ليث...اذا في شي مخبّى وقوي...قوله من الحين..وحطنا بالصورة...عطنا المقسوم دفعة وحدة..
ابتسم بسخرية فيصل وهو يحوقل
وليث تحدث بعصبية: ما في شي مهم أحطكم قدامه....خلاص مشاكلي احلها بنفسي...
محمد لا يدري كيف أتت إليه الجُرأة ولا يدري كيف لتوترّه أخذه لينجرف وراء أحاديث ربما ستسحق قلوب وتفتح جروح ونقاشات أخرى
هو غاضب وبدأ يخلط الأمور في قارورة واحدة: كنت..تكلم ركان....تقول له نفذّوا تهديدهم....غير كذا...صورتك مع البنت نفسها اللي خذتها الحين...حل لنا هالألغاز...
.
.
ارتجف شيء بداخل ليث..وبحلق بشكل سريع على فيصل الذي أخذ يحّك رقبته بحذر وتشتيت عظيم لعينيه، شعر أنه مفضوح بدرجة كُبرى وعُظمى.
تحدّث بشكل هامس: شقول محمد...
محمد اشار فيصل: فضول وكلام هالحمار اللي عندنا صار يضخّم براسي..وما صرت استحمل افكاري حولك!
فيصل نهض ليصرخ: محمد صاير تخلط الحابل بالنابل وبس ودّك تهاوش وتكلّم...
ليث اشار لفيصل بصرخة: اسكت انت...اتركه يقول اللي بقلبه..وقول اللي قلته أنت!
فيصل اغمض عينيه واخذ يتنفّس بعمق شديد.

محمد : ابي افهم..ابي اشوف...هل فعلًا انت عقلت ولا ما زلت على أيّامك....
حقًّا محمد بدأ يدخل في متاهات سوء الظّن وهو من سمح لنفسه بذلك من أجل ماذا؟
من أجل اللّاشيء ولكن أراد الحديث والتفسير يريد تخفيف ضغط ثقيل واقع على صدره
ليث: محمد...صوتك لا يرتفع...
ونظر لفيصل: هذا فضول هذا؟...هذا يسمّونه حقارة يا فويصل...تجسّس علي..وتسيئون الظّن فيني..
فيصل بلل شفتيه حكّ جبينه: كان فضول...يا ليث...كان فضول وانتهى...
ليث صرخ: الحرمة اللي بالصورة نفسها هي اللي الحين على ذمتّي...حبيت اصحّح غلطتي...عندك اعتراض دكتورنا العزيز؟
محمد انفعل: وسجن رحيل؟
ضحك ليث..وألتفت عليه فيصل ليردف: محمد علامك تخبّص....وش جاك اليوم؟...كل هذا توتر؟
محمد: ابوي وامي...والكل حالتهم حالة..أي شي يطلع بكرا ..بتتحمّل مسؤولية عواقبه يا ليث....الكل ما هوب حمل للصدمات....إن كان في شي وتحاول تخفيه...حاول تقتله قبل لا يقتلهم ويفلت من يدك....الكل يا ليث بيضغط عليك الكل...حط ببالك الوضع برجعتك معها بيفرق من لم ترجع بدونها ..جهّز ردودك وجهّز كلامك للناس بعد...
ثم مشى: عن اذنكم...
خرج من الشقة وتوقّف ليث ينظر لفيصل الذي اخذ يشتت انظاره بعيدًا عنه
لا يدري ماذا يفعل ولكن هو الآخر انسحب للغرفة لكي لا يجرم في حق فيصل الذي أخذ يلوذ بنفسه بمشاعر جمّا، هو لم يتوقّع محمد سينبثق لسانه لمواجهة ليث بكل ما يهذي بهِ سابقًا، لا محمد على يرام ولا حتّى هو..جلس على الكنبة وانحنى على رجله ليهمس
: وش سويت انا وش سويت!
.
.
.
تمكُث بركود، تنظر للأشياء من حولها بسكينة عقلها وبإنشغال قلبها، أدركت كل شيء في وقتٍ أضاعت فيه كل الأشياء التي خشت فُقدانها، شعرت بفداحة الأمر وتراكمه على صدرها، تحبّه أجل ولكن تخاف...تخاف من العقوبة سمعت حديث خالها راشد كيف صوته تبدّل إلى قسوة وعتاب..لا تريد أن تسمع نبرة والدها لتُماثل دور وصراعات مزون... لا تريد أن تخسر خُسران عظيم..لم تمت مزون تحمد لله على ذلك..ولكن قلبها أخذ يرتجف كالعصفور الواقف على طرف غصن شجرة اللّوز في يومٍ عاصف..يبس عظمها تيبّس وعقلها خرج من وعاؤه لا تدري كيف تقوقعة في صندوقها المليء بالمخاوف...كيف آل بها الأمر إلى الإنهيار وإلى إفضاح النّفس وزيادة مكيال الشكوك من حولها..ريّان استوعب الكذبة واجهها واتلفت الهاتف لتُعلن لهُ الحقيقة بشكل غير مرئي..ماذا بعد؟

الآن تقسم إنّها ندمت..شعرت بتسرّع مشاعرها بالخوف...فهي عقدّت الأمور..وابتعدت عن حُبّها مسافات طويلة..لا تستطيع أن تحدّثه الآن..ولا تستطيع أن تُبدي بإشتياقها له..ولكن هي تشتاقه...مُتعبة من هذا الشّوق..يقتلها ويتآكل عليها هذا الحنين..تريده..حتّى إنّها تريد احتضانه...تُخبره عن خوفها وعن ضياع عقلها في وقت الخوف ..حتى بها ارتبكت حماقات "فتّحت" عين الشخوص المخيفة وتركّزها على مركز الذنب التي تخشى من افضاحه يومًا.
ماذا تفعل؟
فقط تشتاق..تضمحل مع شوقها..تصغر وتتناهى في إمضاء الحياة بشكل سوِ وعادل
تشعر بتعبها يزداد مع زيادة رغبتها من محادثته وحديثه..نظرت لوالدتها التي
قالت: يمّك وصايف..طلعت لك الفستان..وكويته وحطيته على سريرك...قومي وانا امّك...ألبسيه وجربيه....
نهضت من على الكنبة..دون أن تردف بحرفٍ واحد..كادت تخطو أولى خطواتها على عتبات الدّرج ولكن انفتح الباب على حين غرّه
لتدخل عهود واصايل بينما هيلة ما زالت في منزل جدّها ترتّب الأوضاع لهن
عهود : اخبارك خالتي..
التفت سريعًا وصايف ووالدتها تقدمت لهما بابتسامة بشوشه: يا هلا ويا غلا ...هلا يمه دخلوا...
عهود اقبلت عليها لتقبّلها وكذلك اصايل
ثم قالت اصايل: جينا ناخذ وصايف معنا بيت جدي كلنا هناك نجهّز...ونسوي لبعض الميك آب والشعر..
ام وصايف بفرح وبتأييد: زين ما سوّيتوا..اي اخذوا معكم وصايف وهالله هالله بزينة بنتي..
عهود ضربت على صدرها: لا توصّين حريص ...والله لا تطلع قمر الليلة...
وصايف نطقت: ماله داعي تراها ملكة...
اصايل تتقدم لناحيتها وتتعلّق بيدها: وإذا ملكة...نكشخ ..ونستانس...
وعهود اتت للتعلّق في يدها الأخرى: ونرقص بعد..
ام وصايف شعرت بالإرتياح من اقتحام بنات عمها لجوّها الكئيب: خذوا راحتكم يا بنات ريّان وفهد ما هوب هنا..
عهود ابتسمت: حنا بنطلع بس
التفت على وصايف: جيبي اغراضك..يلا..
وصايف باعتراض: ما بروح..
اصايل سحبتها على عتبات الدرج: مو على كيفك حبيبتي...
وصايف: بجهّز هنا..
عهود : لا وين بنكشّخ بيت جدّي مع بعض...
لم تردف كلمة واحدة كل ما فعلته صعدت لغرفتها سحبت عباءتها وعهود سحبت الفستان من على السرير لتضعه على ساعد يدها..والآخرى
اردفت: يلا.
.
.



شتات الكون 07-04-21 06:42 PM

رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون
 

.
تُدني بالصّحن بالقُرب منه ومن أبيه ..تقلّب نظراتها بتجاعيد جفنيها عليهما كلاهما صامتّان..وكلاهما موجوعان..قدوم رحيل في ظّل هذه الظروف اشعل المزيد من الحطب في داخلهما..
: قدّم يدّك يا بو فهد وخذ لك تمرة وحدة تشد فيها عودك وأنا ميمتك...
الجد انتبه لصوت زوجته: اي وانا ابوك..كل لك وحدة...
.
.
من أمس لم يدخل في فمه أي طعام..يشعر بفقدانه الكليّ لأحاسيس الحياة
يخاف المواجهة والتصادم مع خوفه وقلقه"رحيل".
لم يجرؤ على مسح القساوة على قلبه، والسنين كفيلة من أن تزيده وجعًا وقساوةً عليها
ولكن بالأمس الحصون هُدّت وهُدمت على رأسه، شعر بالخيبة..مضت السنوات الطويلة وانطوت وراء لسانه من اعترافه بحرقة قلبه وشوقه عليها وإن كان ظهور ذلك في الصورة القاسية ولكنّه اشتاق، رحيل قلبه...رحيل هي طريق الؤنس من موت محبوبته، هي شيء يُشابه الطبطبة والتمريض..اقتلعت أعاصير الفُقد لتحتّل مكانه وتسد الفجوات وتصّم رعشات الإشتياق واللّؤم...قلبهُ متعلّق بها..وهي متعلّقة به..ولكن قتلته..هو لا يتحمّل الأذى منها ولم يتحمّل رؤيتها... "بقل" حيلة في ذلك اليوم..ضعفها زاد من وجعه..ارتجاف جسدها..خيّب أمله من نجاتها..كما أنّ
ضعفها زاد من غضبه...ما حدث ظلم..ولكن ظُلم من نوع مؤذي..من نوع يصّم أُذنيه بصرخات بكاؤها وهي في المهد، يُعمي عينيه بملامسة اصبعها الصّغير الذي مررته بحركاتها العشوائية على وجهه ليدخل في مدمع عينه، وهي تخطو وتلك السلاسل تضرب في الأرض ..كان يراها تحبو تتقدم له مبتسمة لعابها يسيل من جانب فمها الأيسر تهمس بصعوبة"ببابا"...رأى مراحل طفولتها بشكلٍ قاسي يتمحور حول سجّن الرّحيل من الواقع.
حطّمتهُ وجعلتهُ حُطامًا...يرجو لُقيا أمل لملمته في تخيّل اللّامعقول.
ولكن خبر مجيئها سيُجبره على مواجهة نفسه هو هرب منها ومن ثُقب القساوة ومن ثُقب الضيق وعدم قدرته على تحمّل الصدمة، ولكن الآن سيُجبر على المواجهة
على تقبّل رحيل المحطمّة
.
.
: تطمنوا أنا بخير..وحبيت اجي لكم...اطمّنكم علي...
الجده: وانا أمّك عاد لا تردني..
ومدّت له تمرة واحدة..اخذها واخذ يمضغها ببطء شديد...
تحدّث الجد بهدوء: يشهد الله علي يا عبد الرحمن...يوم اجيب طاريها ...واعصّب انسى نفسي...اوجعتني رحيل وانا ابوك...أوجعتني وبالحيل..
تدخلّت الجدّه: الحمد لله هذا هي جت..ولا عاد الضيم يعود عليها بإذن الله...انسوا وتناسوا...وخبّوا الحرّه في الجوف..لا تحرقونها...الله يعلم بحالها...
الجد ليغيّر مجرى الحديث: الليلة الكل بيحضر...بو الهاجس وبو الوافي وحتّى بو سعد...
الجدّه كشّرت بوجهها: الله لا يسعده..
بو فهد بهدوء: حياهم الله....يجون بس لا يضرون...ماحنا بحيل الهواش...
الجده بانفعال: الله لا يجيب الهواش..
الجد: قلت لك لأني اتوقع كل شي من بو سعد...ومتشائم من جيّته...
دخلا هنا بشكل مفاجأ ابا ليث وابا صارم..اقبلا
: السلام عليكم
ردوا عليهما السلام واخذا يقبلّان رأسي والديهما..
بو ليث ابتسم: اخبارك يا بو فهد.
بو صارم بتدخل سريع: لا اليوم الوجه ينور...
ابتسم لهما على مضض: الحمد لله نشكر الله...
الجد بجدية: اسمعوني زين...جماعتنا الليلة بتجي..ولا ادري وش بنيّتهم من خير ولا شر...حطوا في بالكم..اي شي ممكن يصير...عشان كذا مابيكم تنفعلون وتخربون فرحة ولدي وبنيّتي...
الجدّه: اي وانا امكم خلوها تعدّي هالليلة...
بو فهد بجدية: ماحد بحول الكلام اصلًا...وما ظنتي بقولون شي ...
الجد بحذر: وكلّم ولدك يا علي...لا يجي ولا يحضر الملكة..
الجده خبطت على صدرها: هاااااااو ليش؟.
بو ليث بتفهم: هو من نفسه فاهم...الوضع يا يبه...وقال ما بيحضر..
بو صارم بهدوء: الأفضل ما يحضر...وجودة بيفتح الأنظار...وبيوّج المجلس بالأسالة...
الجد بتأكيد: عشان كذا..لا يجي...
سمعوا فتح الباب وتخبطّه في الجدار مع ارتفاع صوت الضحك
فقالت الجدّه بعد أن نظرت لهم جميعًا: هذول بناتي يا جعلني فدوتهم فرحانين ببنت عمهم...بقوم اشوفهم واجيكم...لا تمشون...
ثم نهضت بثقل تحت انظارهم وابتسامتهم وخرجت من المجلس.
.
.
في الغرفة الجانبيّة...دخلن لتضّج هيلة بالصراخ والتراحيب المبالغ فيه والذي على سبيل"الهياط" والمزاح لتغيير مزاجهّن وبالأخص لتغيير مزاج وصايف، تقدمت وصايف لتجلس على طرف إحدى الكراسي، وأصايل
تحدّثت سريعًا: هيلوه ما وصلت الطلبيّة...
هيلة وهي تسحب الحقيبة لتُدخلها تحت "التسريحة"
: إلّا وصلّت ...بس الكيكة على المغرب توصل..
عهود: تكفون نبي نستانس الليلة...
هيلة: صعدت السطح وكنسته...وحطيت الخيمة المتواضعة..
وضحكت هنا لأنها لم تضبّطها
في الواقع لم تعرف!
.
.

اصايل ابتسامة: والله بتفرح دانة...على الأقل نسوي لها شي مختلف عن العادة...نعرف عاداتنا في الملكة الوضع يصير هدوء..وحنّا ما بنجلس معهم...نبي نفرح مع دانة...
هيلة بهدوء: لا يا حبيبتي بجلسين...أشويّات وبعدها نسحب دانة معنا السطح ونحتفل فيها...
أخيرًا نطقت وهي تنظر لهن: طيب يمكن محمد بعد الملكة ياخذها معه...يتعشّون برا..
عهود سُعدت بنطقها: حاسبين حساب هالشي...حتّى لو خذها ....مستحيل يطوّلون...
وصايف بجدية: طيب تعرفون هي ملكة ماله داعي نحط شي ثقيل على الوجه حتّى اللّبس...
هيلة هزّت رأسها: أكيد..فساتين بسيطة منزلية بنلبس...
عهود : هههههههههههههه منزلية مت ...شالوصف...
أصايل: اقول بس...خلونا نجلس اشويّات ونعرف وش سوّيتي أمس..
وغمزت لعهود التي بدأت وجنتاها تضجّان بالحُمرة...
فدخلت عليهنّ الجدّه هنا وهي تبتسم بلطافة وجهها البشوش..وقعت عيناها على وصايف وابتهج قلبها
: يا الله حيّ من جانا...اخبارك يمه وصايف..
نهضت وصايف لترسم ابتسامة ثقيلة على شفتيها أقبلت على جدّتها لتقّبل رأسها ويدها: بخير...
طبطبت على كتفها: جعله دوم يا يمه...
ثم نظرت لبقيّة البنات: ما جات معاكم دانة..
تحدثت عهود سريعًا: بتجي بس بعدين....
الجده هزّت رأسها: زين زين...
أصايل بتلاعب: جدّه ما تبينا نحط لك من الزّين؟
الجدّه ابتسمت على مضض: تكّفيني كحله وديرم.
هيلة قفزت أمامها: سلامات جدّه من يحط ديرم الحين..بالله سلمينا نفسك ونحط لك ألوان الفرح عشان جدّي..
وغمزت لها وما إن رمشت حتّى طالتها عصاة جدّتها لتضربها بخفة على ساقها
وتقفز هيلة للوراء
: فاسخة الحياة ما منك فود انتي...
.
.
وصايف ابتسمت لتبلل شفتيها تنهدّت بضيق وبصوت خافت وجدًا، تشعر برغبتها للجنون، كل شيء انتهى ..ربّما أوشكا على النهاية ريّان لن يُمرر الأمر وكذلك فهد ولكنّهما الآن في طور الصّدمة، لا تدري كيف تتعامل مع نبضات قلبها التي تحثّها على الجنون لا تدري كيف توقّف اهتزاز الشوق من الدّاخل..نظرت لعهود وبدأت الشيّاطين تقفز أمام عينيها ...هما أوشكا على النهاية ..لابد أن تُليق بهما نهاية تراجدية حُب عظيمة..لابد أن يودّعا بعضهما البعض.
.
.
اصايل: اتركيها عنك يا جدّه...
الجده عبس: اتركوا عنكم القرقرة...وروحي رتبوا المجلس والصالة وبخروا البيت...
عهود قبّلت كفّها: حاضرين يا ام عبد الرحمن...أنتي آمري..
وقفزت هيلة بشكل مفاجأ أمامها لتهز خصرها قليلًا: وحنا نطامر...
اصايل: هههههههههههههههههه مشتهية شكلك جلد ثاني...
الجدّه هزّت رأسها: الله يهديك بس الله يهديك...
ثم خرجت من الغرفة..
بينما وصايف تقدمت لعهود سريعًا: عهود ابي جوّالك نسيت جوالي وابي اقول لأمي تجيبه معها الليلة..
عهود سحبت الهاتف من مخبأ الجينز الذي ترتديه
: تفضلي..
ثم نظرت لأصايل وهيلة: تعالوا نصعد السطح قبل لا نرتّب ونطحن بالبيت...
اصايل: بنات ترا ما فيه وقت...بالله خلونا نخلص..
هيلة اغلقت صندوق الميك آب: جد بنات الهمّة...الساعة ثلاث إلّا العصر الحين متخيلّين؟
وصايف تحدثت أخيرا:اصعدوا وبلحقكم وبعدها ننزل على طول...ونظّف..
هيلة: تمام...
.
.
ثم تسابقوا للركض على عتبات الدرج وبقيّت هي تُبحلق في هاتف عهود، آن أوان الإنسلاخ من الخوف..وفالخوف ابعدهما..اصبحا يؤذيها هي الأخرى، اشعل فتيل الشكوك من حولها والآن أُجبرا على الفُراق..ولكن تُريد أن تشرح وتوضّح له الأمور، تريد أن تغامر هذهِ المرّة لتُرسل إليه معانِ الحُب، إن كان يظّن هو من يبادر في المخاطرة الآن تريد أن تبرهن له هي ايضًا تخاطر، لن يحدّث شيء، الأمور ستسير على ما يرام، فقط تريد توديعه، تريد أن تُحدث ذكرى ليست سيئة في عقله عنها وتريد تبديل صورة الفتاة الـ"جبانة" من خلاياه.
هو يراها جبانة..وهي تراه طائش..والآن تريد أن تريه تضحيّتها
اتصلت عليه، من هاتف عهود..انتظرت يُجيب..
.
.
كان يُنزل صناديق "كراتين" الماء..أمام منزل جدّه..ناوله المهمة صارم للذهاب وإنزال "الكراتين" من سيّارته إلى منزل جدّهم مُباشرة وفعل..كان يتذمّر..يحملهم يُدخلهم إلى "حوش" المنزل يتأفف يتذمّر يرتفع صوته بحلطمة غير مفهومة، الخادمة تنتشل ما يضعه على الأرض لتدخلهم في المطبخ سريعًا، حُبيبات العرق أخذت تتساقط من على جبينه، الشّمس حارقة، وقلبهُ مُلتهب، احمرّت وجنتيه، ومسح على رأسه المبلل جزئيًا بالماء،سمع خطوات أحدهم من خلفه..ألتفت وهو يحمل آخر صندوق للماء..ووقعت عيناه على ريّان وفهدًا..سقط بلا قصد منه الـ"الكرتون".
فتأفف وعاد يحمله ويضعه في الحوش
تقدّم ريّان، وأخذ يتفحصّه وبشدّة، كانت عينيه تخترقان جسده الضعيف
فهد: اخبارك نوّاف..
نواف وقف ليستقيم ظهره: هلا فهد الحمد لله بخير...
فهد ابتسم له على مضض: مبروك عقبال ما نفرح فيك...
نواف أخذ يضحك بخفة: ههههههههه....لا بدري علي...نترك المجال لصارم عشان افتك منه..
ضحك فهد ودخل حديث ريّان بصوت مرتفع: وينه ما شفناه؟
نوّاف نظر لريّان العاقد لحاجبيه: بالبيت..بجيب شغله وبيجي..هنا بعد اشوي..
سمع رنين هاتفه..ونظر ريّان بشكل دقيق لنوّاف
الذي قال: عن اذنكم...اختي...
ثم خرج إلى الشارع
ونظر فهد لأخيه: علامك ريّان....رجعت على طير يالّي؟...جنّيت رسمي؟
ريّان نظر لأخيه: وش فيني بعد؟
فهد: حاسب على نظراتك...ولا تخليني اجن معاك...
ثم دخل المجلس سريعًا وريّان تبعه.
.
.
وقف على الرّصيف ينظر للقط الأسود العابر أمامه، وارتعش قلبه ذلك القُط هو نفسه الذي أيقظهما من سّكرة الذّنب، ها هو يحوم أمامه
وهو يردف: شتبين عهيد؟
.
.
كيف لصوته أن يُعيدها للوراء..للأشياء التي تشتهيها ولكن تخشى القدوم عليها..تلك الأشياء التّي تُرمم الحُب وتدثّره، الأشياء التي تخشى من مواجهة النّاس فيها، حُب عميق، يثقب رأسها عُمقًا ليكرر عليها صوّره بشكل سريع وتارة ببطء شديد، ربما هذا الحُب ليس حقيقيًا ولكن لِم قلبها ينبض بشدّة، لِم تقودها رجلاها لتتخطّى الذّنب وتدعسه لتعجيل العقوبة؟
حُب المراهقين، يعجّل العقوبات..يُثير الشّبهات بإرتكاب الحماقات..يسلكون طُرق ملتوية لإفساد معانيه، هذا ما أخبرتها بهِ هيلة من إحدى الروايات التي قرأتها..لا تدري هل هيلة ادركت الحُب الذي ينبض في جسدها كلّه لتحذّرها منه؟..هل أدركت في ذلك الوقت الجنون الذي يقودها إلى هاويّة نوّاف؟

ولكن كيف تُبصر إليه دون مشاعر؟ دون رجفة تتسلل من رأسها إلى أخمص قدميها ربما تلك الرجفة محرّمة تقودها إلى الضلّال ولكن لا سيطرة على هذا الشعور اللّاإرادي، هي مستسلمة بشكل تام لكل شعور أمامه، ولكن تُردع بعضه بالخوف الذي ينفّره..اشتاقت..تاقت..ضاعت..وسطقت على أوتار البُكاء والحنين.
أتاه صوتها باكيةً: نوّاف..
.
.
هل الحُب يجعلّنا نتوّهم ونسمع ونرى سراب العاشقين؟ هل يجعلنا معتوهين بمعالم وجهها التي تخفق، تبتسم، تعبس في الثانية الواحدة، هل هذا صوتها؟
أم الشّوق والشّمس الحارة ضربتهُ على عُتمتها من الوجود ومن سماع صوتها؟

اردف بصوت متردد: وصايف؟
.
.
وصايف بكت لتنهار كليًّا وتختبأ خلف الباب وتقفله من وراؤها
أي ضجيج أحدث صوته في عالمها الصّغير والمليء بالوردود المتناهية في الصّغر
أي حديقة شوق زرعها الآن في حضرت صوته ليزيدها رغبةً في رؤيته
وإن كان ذلك مؤذيًا وإن كان ذلك ذنبًا روحها الطائشه وحُبها المزعوم
يقودونها نحو الإثم، نحو الأشياء اللّامعروفة، فهي تحبّه والحُب في بعض الحين يُعمي العَينين ويُعمي البصيرة...ويسرقنا في ارتكاب الجنون!
.
.

: نوّاف أنا آسفة...نوّاف..أنا خفت والله..خفت..والله...بس مشتاقة لك...مشتاقة...نوّاف..اسمعني عارفة أنّك...زعلان علي بس..والله خفت...
.
.
يسكت يبتعد، تدور عينيه لتُراقب الحّي بأكمله..نظر إلى القطّة وهي تتبعه في المشي..هي أليفة ولكن لا يدري النّظر إليها يُقشعر لهُ بدنه..بلل شفتيه
: ليش؟..وصايف ليش تسوّين فيني كذا؟..تحرميني منك..تبعديني..تخافين مني وكأّني باكلك..اعترف غلطت ..بس ورب اللي نفخ فيني هالرّوح ما راح أكررها يا وصايف...ما راح أكررها..خلاص بعد ما اقدر على بُعدك...ما اقدر ما اسمع صوتك...
تنخرط وراء رغبات كثيرة وتبكي: وأنا ما اقدر..احسني جنّيت نوّاف..ما اقدر ابتعد عنك...نوّاف اتركنا نهرب ونروح بعيد عنهم...ما اقدر اعيش بدونك!

يُبحلق في القط، يقف على الرّصيف المجاور لذنبهما السّابق، يضحك بخفة
: وصايف عمري...الهروب في ظّل الحُب جُبن...قد قريت هالشي..حنّا لازم نواجه حُبنا..ونعيشه على مهل..لين يجي وقت التّلاقي.
.
.
تبكي أكثر: شيضمن لي تكون لي عُمر يا نوّاف..
نوّاف : ورّب الكون يا وصايف ما تحّل علي حُرمة غيرك...لو إيش يصير...
تهمس من جديد: توعدني نكون لبعض؟
نوّاف ازدرد ريقه يجول بعينيه يخشى من صارم وقدومه المفاجأ فأخيه
دومًا ما يُفاجئة بالظهور أمامه دون سابق إنذار
: أوعدك..
وصايف مسحت دموعها ..اقبلت للأمام لتشجّع نفسها: الليلة ابي اشوفك..في المخزن..
فتح عيناه على وسعهما: وصايف الليلة عاد...الكل مجتمع...الكـ..
قاطعته بهدوء: خمس دقايق...انت تدخل...وانا انتظر ربع ساعة واجيك...تكفى نوّاف..ابي اشوفك...بس مابـ..
قاطعها: اقسم لك بالله ما راح اقرّب خطوة تضرّك...بس وصايف...ما ينفع الليلة...
وصايف تبكي: تكفى نوّاف...
مسح على رأسه ومسح حُبيبات العرق
: طيب..متى..؟
وصايف بضياع: وقت ما يملكون بالضبط..الكل بصير مشغول...
نوّاف بتردد: تمام..انتظرك..مع السلامة
.
.
وصايف اغلقت الخط بربكتها وبنفسها المتسارع، ثم خرجت من الغرفة لتركض على عتبات الدّرج..اهتّز جسدها..دخلت إلى السطح نظرت للبنات ونظرت لهنّ حاولت ان تبتسم وتمضي، ولكن تعرقلت رجلها في إحدى الأغراض التي وضعتها هيلة ليسقط "الجوال" من يدها وينكسر شهقت
: جوالك..
لا تدري ماذا تقول عهود ولكن لكي تخفف الأمر على وصايف ولا تريد أن تُنقص عليها تغيّرها: فداك..
اصايل أتت بالقرب منها مسكت يدها لتُنهضها: قومي بس قومي..رتبي معنا..
نهضت وهي في اللاواعي من التفكير..تشعر بالإضطراب كليًّا ولكن حاولت الدخول معهن في السعادة.
.
.
بينما هو كذلك، ينظر للهاتف..هو مشتاق ايضًا يريد أن يرى ملمحًا منها ولكن ما طلبتهُ سيقتل الشوق ويبعده..ولكن ما بال الجميع ربما سيفتضح امرهما الجميع موجود...لا يهم..حقًّا لا يهم..مشى بخطوات..متسارعة وهو مبتسم لتتحوّل الإبتسامة إلى ضحك ثم غناء طرب بصوته...عاد لمنزلهم بحال آخر!
.
.
قبل أربع ساعات ونصف
ارتدى بذلته سريعًا ينظر لوجهة من خلال المرآة..لتنعكس صورتها وهي جالسة على السرير..تمسح على شعرها بينما هو يعطّر بذلته، سحبت نفسها من على السرير بثقل لتنهض للذهاب إلى الخلاء. عاد ليسحب هاتفه ومفتاح سيّارته قبل ساعة نزل ليرى والدته وأخته وأخيه...ضجّت والدته بالبكاء شوقًا لقدومه المفاجأ..دمعت عيناه..تفجرّت بداخله مشاعر جمَّا لا يحبّذ في الواقع مواجهتها، بقيَ معها تسامرا..وتحدّثا في أحاديث كثيرة ثم صعد ليتأهب للخروج من منطقة الرّياض إلى الخُبر..ليعود سوزان إلى ركان..ليقتل الماضي بعودتها ويتحرر من كل شيء..تنهّد..ذاكرته بالأمس لم تتوقّف ولم ينم جيّدًا..عقله بدأ يُعيد عليه بعضًا من معاصّيه..وتذكّر أبا سلمان...هل حقًّا مات؟..هل قتلوه؟ ابعدوه عن الحياة الذي طالما أحبّها؟
ماذا سيفعل بتحرير وبحبّها..وماذا سيفعل برغباته وبحياته التي اعتاد عليها في السابق؟
هو وعده...قطع وعدًا معه..عليه أن يوفّي..عليه أن يُسيطر على نفسه الأمّارة بالسوء..تنهد اتصل عليها
اتاه صوتها سريعًا ربما هي الأخرى لم تنم
: جهزي نفسك بجيك..
.
.
كانت مستلقية على السرير..تضغط على الجرح بقوّة..لتوقف بعضًا من الدّم المتسلل منه ببطء..عيناها لم تذق النّوم..عجزت من لُقيا النّوم في الواقع..اتصلت على ابيها لتخبره بعودتها على ذمّة ركان وقرار بقاؤها معه في المملكة لم يُبدي بأي اعتراض أو قبول هو هكذا والدها اعتادت على مشاعره الميّتة..اغلقت الخط..واتصل عليها الآن بتّال
: جاهزة... وانتظرك.
.
.
وتنتظر حياة بعيدة عن اللّؤم والشؤم والأحداث القاتلة، مسحت على بطنها، تخاف أن تخسر الطّفل، تشعر بذلك..تشعر إنّها ستخسره لا تدري لِم.. لذا طيلة اللّيل كانت تدخل الخلاء..تريد التأكد من عدم وجود نزيف لها..ولم ترى قطرة دم..ولكن الوسواس أخذ يطرق عقلها..الخوف بدأ يمزّق جسدها..نهضت ارتدت العباءة من الآن..ثم عادت لتستريح على السرير وتهز برجليها علامةً للتوتر
ولكن سمعت رنين الهاتف
اجابته حينما نظرت للرقم
: هلا ركان..
.
.
لم ينم هو الآخر..غفى ربما لساعتين..بالأمس اختلطت الأمور وتقاعست الاحتمالات للوراء..أمل لم تخرج من غرفتها للآن..يسمع صوت بكاؤها علنًا من خلف الباب..تبكي وهو يحاول منها الخروج وفتح الباب..ولكن لا تجيب..
بقي واقفًا يستمع لصوت بكاؤها..لصوت همهمات غير مفهومة منها
ولكن بعدما تعب ذهب لغرفته اغلق على نفسه الباب
ضجّ بالعصبية على نفسه
وبعد مرور ساعات كثيرة اتصل عليها
: هااا مشيتوا؟
.
.
لا يثق بوجودها مع رجل غريب..ولكن الظروف تُجبره على الوثوق..ليس بيده حل..هل يترك النّار هُنا ويذهب إليها؟..يكفيه أنانية اتجاه أمل..تركها لفترة من أجل سوزان وماذا حدث بعدها؟
عانت ..أجهضت دون أن تخبره..عليه أن يثّق
عليه أن يكف عن سلبيّته
.
.
سوزان: ما جّاش للآن...ركان تطمّن..أنا بخير..
ركان بنفس عميق: اذا مشيتوا اتصلي علي..
سوزان : واخّه.."طيب"
اغلق الخط لينهض ويعود لأخته وانهيارها
.
.
بينما هي خرجت من الخلاء سقطت انظارها عليه،
: بتطلع؟
هز رأسه وتقدّم لناحيتها: أي تحرير..بروح الخُبر لشغلة وبجي..
تحرير بعينيها المنتفختين: بتبات هناك؟
هز رأسه

شتات الكون 07-04-21 06:44 PM

رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون
 
بتّال: لا...بمشي على طول..
ثم تقدم لناحيتها..امسكها من كتفيها قبّل عينيها اليُمنى..ثم وضع يده على بطنها
: ديري بالك على نفسك..
هزّت رأسها، وبللت شفتيها وكأنها ترجوه بأن يبتعد لا تريد أن تنظر له عن قُرب
فهي تشتعل بالذكريّات.
.
.
نظر لتشتيت عيناها يُدرك كل شيء هو الآخر لديه خبرة كبيرة في فهم النّساء..وفي فهم الهروب وأسبابه..وفهم الخيانة..تركها لا مجال للحروب الآن..ولا مجال ليثير عواصفها سيؤجل كل شيء للمستقبل ..عليه أن يغيّر الأمر دون حرب تُبعدهما مسافات طويلة...سيحاول إخماد حربه ونيرانه!
عاد يقبّل جبينها ثم خرج.
.
.
لتسقطت على ركبتيها باكية، قُربه مؤذي..يعود بها للذكريّات للوراء..اشتاقت لسلمان ولعمّها..اشتاقت لكل شيء..تشعر أنها وطن مُجتاح.. كثُر القتلة بداخله..وكثُرت الإنتفاضات من حوله..شعرت بعدم تحررّها من الماضي...ليست قادرة على التحرر ووجهه في الواقع يذكّرها ما بين الحين والأخرى به.
قادتها ذاكرتها للوراء..
في إحدى المطاعم في العاصمة "الكويت" تشد على يده..تنظر له بحالمية
وينظر لها بابتسامة ودودة
: أي...وبعد؟
تبتسم تتلاعب بأصابع يده: حملت المادة بسببك...شنو بعد...؟
سلمان يضّج بالضحك...ليجعلها تتلفّت حرجًا
: فشلتني سلمان...اسكت...
سحب نفسًا عميقًا: والله مو قصدي..بس انتي أدرى بقدراتج...قلت لج اذا ما تقدرين تيين معاي وتقعدين تدرسين قعدي...بس انتي...شسويتي؟
تتأفف
: سلمان أنت مستوعب إني ما شوفك إلّا مرتين في السنة وإن كثّرت ثلاث...طول حياتك برا في امريكا..وما حبيت اطوّف شوفتك عاد...وتوقّعت بقدر على المنهج بس هو قدر علي...
عاد يضحك لتضربه على يده: الشّرهة علي والله قاعده افضفض لك...
كادت تقوم ولكن مسك كفّيها وهو يضحك وعيناه تدمعان من الضحك
: تكفين عاد تحرير لا تاخذين الأمور بحساسية ..
جلست واخذ يطبطب على يدها وينظر لعينيها: دامّج رسبتي...وانا بعد ما برّد امريكا..وخليني أعيد هالترم كامل...
تحرير بشهقة: مينون لأ....ورانا ملجة وزواج...والله عمّي بعصّب وبأخّر الموعد..
سلمان أدرك الوضع: والله نسيت...عاد ابوي في الدراسة ما عنده ضمير..
تحرير تضحك: هههههههههه ما ارضى على عمّي...
سلمان شاركها الضحك، وشاكرته المُزاح
.
.
والآن تشاركه الحُزن والإشتياق والألم والبكاء، نهضت من على الأرض لتقترب من السرير...انحنت لتسحب صورته من بين فقراته..ثم عادت لتجلس على السرير..وتبكي بهدوء.
.
.
طرق بابها بقوّة: أمل...افتحي الباب...افتحي...ما توقعت ردّت فعلك بكون كذا....فكّرتك بتفرحين لي!
.
.
تفرح...لِم لا تفرح ولكن يقتلها شعور عدم إعطاء الأهميّة هي أعطته كل الأهميّة، ضحّت من أجله لا من أجلها، بعد اقترافها للجنون والدخول في دواعي الفضول المؤدي لفقدان شرفها ماذا فعلت؟ تنازلت عن كرامتها من أجله هو فقط.
ركضت وراء ليث..لهثت من أجل إخماد الحريق قبل أن تصل إليه وتحرقه، ولكن هو الآن احرقها بعدم إعطاها الأهمية بعدم إعطاؤها شعور هي أسرفت في إعطاؤه له، حتّى الآن..تشركه في اتخاذ الأمور كالطّلاق مثلًا لا تريد أن توجعه ..تُهدم صداقته مع ليث..خضعت وتخلّت عن كرامتها كثيرًا من أجل ألّا تفلق قلبه...تقبّلت أمور بشعة من أجل ألّا تبكي عينيه..ولكن هو..ماذا فعل؟
هي تريد البكاء من كل شيء..منه ومن ليث..ومن نفسها..تشعر الوطن هُنا يخنقها يضيّق عليها أبواب الهروب والتّنفيس،
اردفت: ما ابكي عشان كذا ركان...بس انا تعبانة...موجوعة..اتركني لحالي...

.
.
تنهّد بضيق شعر بعجزه من إقناعها بفتح الباب..شعر برجفة خوف عليها
: أذّن العشاء وانتي حابسة نفسك طولة اليوم...ليث قايل لك شي؟
"على طاري" اسمه سمعت صوت رنين هاتفها ونظرت للاسم" ليث يتصل بك"
ضحكت وسط بكاؤها وضج فؤاد ركان بالخوف
: أمممممل..
أمل مسحت دموعها لتردف: اتركني بحالي يا ركان..تكفى اتركني بحالي..
هو الآخر سمع رنين هاتفه ونظر للأسم"عمّي يتصل بك"
همس: مو وقتك أبد مو وقتك..
عاد يتحدّث: أمل تكفين...
عاد رنين هاتفه يرن شعر بالضغط وصرخ هنا : أمممممل فتحي..
ووقعت عيناه على اسم المتصل وكان ليث هو من يتصل فاتبعد ليجيبه
: انا تحت عند الباب افتح لي..
ركان تنهد بضيق اغمض عينيه ليمتص غضبًا عميقًا في صدره
: جايك الحين جايك...
نزل لربما ليث سيكون قادرًا على فتح باب غرفتها لربما سيكون قادرًا على الطبطبة والتخفيف عنها هو لا يفهم أخته قبل كل هذه السنوات كانت تبوح له بكل شيء تُرخي رأسها على كتفه وتبكي وتشتكي له عمّ يضايقها ويؤلمها ولكن الآن كبرت..استقلّت في وجعها وعدم مشاركتها إيّاه...قست على نفسها وعليه
حقًّا يخشى من أنّ هناك أمر..كبير لا تستطيع قوله له
.
.
وصل إلى الباب فتحه
نظر ليث لوجهه وهو يدخل
: علامك؟
ركان دون نفس: أمل عرفت إني مزوّج...ومن أمس دخلت الغرفة وهي تبكي ولا فتحت...تقول ما ابكي عشان كذا...بس مصرّه ما تشوفني.
ثم نظر لليث: اصلا أمل مو طبيعية...ليث يرحم لي والديك لا تجننوني صاير بينكم شي...
.
.
ربما أمل انفجرت ولم تعد قادرة على كبح كل ما تشعر بهِ ربما الأيّام اضعفتها وكثيرًا لتصبح هشّة وواضحة أمام أخيها الضّاج هنا
: كل شي تعرفه يا ركان...هي كذا عشان اللي صار...
ثم بلل شفتيه: وينها؟
ركان حدّق في عينه: فوق...روح لها يمكن تسمع لك..وتفتح الباب..
ثم حكّ جبينه: بجلس في الصالة...وأنت روح..
.
.

تقدما للدخول إلى المدخل.
.
.
قلبهُ طرب..متشوّق مضت الساعات واقتربت في لُقيا حُب عصّي كاد يضربه ويركله في مواطن الغِياب المؤذية، لا يدري كيف لعقارب الساعة القُدرة من لعق ذاكرته ولتوقفها إلى حيثما كانا يفترقان، إلى النُقطة التي ترك فيها يده وحررّها من يدها، تلك النُقطة المتناهية في الضجيج وارتطام الأرواح لتُبعدها عن التلّاقي موجعة وجدًا، ابتعدا ضجّا بالحنين، ودخل في معمعة إمساك النّفس من الإيذاء بالتوّقف والإبتعاد عن الرّد عليها وعلى اتصالاتها الكثيرة، ها هي العقارب ثابتة في المنحنى الضيّق من الإبتعاد وقريبة وجدًا من موعد الإلتحام، موعد ملحمة الضجيج واخراسه من جديد.
دار حول نفسه، هو حائر من أمل وإلى سوزان..ينظر لعقارب الساعة تمضي..وبسرعة ولكن لا يرى نتيجة..لا يرى قُربها.لا يرى نفسها إلّا مهزوزًا بالشوق.بالحنين..بالخوف والوساوس الأخرى.
جلس على الكنبة..تنهّد...أخذ يُتمتم بالإستغفار.
.
.
أنا المُذنب، أنا الجاني وأنا المجني عليه
أنا صاحب الدوّاهي العُظمى
أنا مُكسر جناحَين هذهِ المرأة
أنا اللّاشيء من الوجود وإلى اللّاوجود وإلى العُتمى
اكسرتُها..أحدثتُ شروخات كثيرة في قلبها لكي أُخرس جانبًا من نفسي
ذلك الجانب المُظلم..الجانب المُحطّم العالق في مُحيطات الذّنوب الكثيرة ذلك المُحيط المُزخرف بإسم"ذنوب ليث" لم ينضب ولم ينتهي ولم ينشف حتّى.
لم أتقبّل فكرة استمرارية الحياة مع فتاة كان قُربي لها كالإثم، وبعدي عنها فضيحة تصرخ للعالم للإقتصاص منّي.
كُنت ممّن أدرك خطئهُ في وقتٍ متأخر وجدًا، أدركت وأنا خاسر..خاسر ومكسور..كُنت أريد مخرجًا فقط لتصديق ما حدث..مخرج وإن كان ضيّقًا ولكن أريده
ليخرجني إلى بساتيني الضائعة ما بين هفوات حُلمٍ قادني للدخول إلى عالم الضيّاع وإلى رغبات أدخلتني في عالم الشهوّات لتزيدني تشوّهًا وحماقةً في التصرّف..أدرك أخطائي جميعها ولكن لا شيء قادر على ترميمها..لا شيء قادر على إعطائي الحق في الصُراخ والبكاء لأخرج منها هاربًا لربما تعود الأشياء كما كانت حينما اهرب...حينما أتفتت وأًصبح حُطاما يرمم تصدّعات أمل..وفجوات رحيل!
.
.
اطرق الباب بأصابع يديه الطويلة: أمل...ممكن تفتحين الباب؟
.
.
فتحتهُ مشرّعًا..وماذا أتى من خلفه؟
أتى الألم الذي يبحث عن بصيص أملي
عن بصيص الحريّة من المخاوف التي تُزيد الفضيحة على طابقٍ من ذهب
فتحته يا ليث..ولم أجد الرّاحة..ولم أجد خيرًا منه..
هُدرت كرامتي من هذا الباب..ضاعت أمل من طريقه
ضاع كل شيء من أجله..بحثت عن ثُقب النّجاة من أجله فقط يا ليث من أجله
والآن يُبعدني مسافات كثيرة..يتخلّى عن وجودي ..ليبتعد ..ليلتصق في حبّه الحقيقي
ليجعلني هُناك أعاني وحدتي بعد عودتك للوطن...ليجعلني أضّج في قرارات الإجهاض
لا أحمّله المسؤولية ...أنا مليئة بالأخطاء مليئة بالتشققات المؤذية!
.
.
لا مُجيب
يعود يطرقه وهو يغمض عَينيه ويسحب نفسًا عميقًا
: أمل...
تصمت تراقب كل شيء من حولها بنظرة انكسار: ممكن تفتحين...ابي اكلمك ...افتحي يا أمل..
.
.
تُجيبه وهي تجلس على طرف السرير تحدّق في الباب بعَينيها المحمرّتين
: اسمعك..
ليث ارتفع مستوى الغضب..هو سريع الغضب..سريع الإشتعال...سريع في إعطاء ردت فعل التي تعاكس ما يشعر بهِ من الداخل..لتظهره بالصورة المشهوّهة اكثر!
: أمل فتحي...وخلينا نتفاهم بهدوء...
أمل برمش مرتجف: قلت لك اسمعك..
همس وهو يشّد على طرف اسنانه ويقرّب خدّه الأيسر من الباب: وحتّى ركان بيسمع!

أمل سكتت نُقطة ضعفها ركان
نُقطة خوفها من الخُسران
ولكن تشجعّت بقول: ما يهم...
ضرب الباب بقوّة.
: بكسسسسسر الباب..
لم تُجيبه..بينما هو لم يتوانى عن ذلك..ابتعد..وأخذ يضرب بقوّة على الباب ليرجفه وليُسمع ركان صوت ضرباته..ركان.. نهض ليركض على عتبات الدرج ..خاف من جنون ليث ومن عِناد أخته...أخذ يركض على عتبات الدّرج..بعقل مندهش
ليصل له: ليث!!

كان مستمرًا في ركل الباب على بُعد مسافة بسيطة.
فهم ركان الأمر وخطورته: أمل فيها شي؟
أتاهما صوتها: تركونييييييييييييييييي لوحدي قلت...
ليث بصوت مرتفع: وانا قلت افتحي الباب..
ركان حال بينه وبين الباب
ادرك سوء حال أخته الجدّي: خلاص ليث اتركها بحالها...
يرتفع صدر ليث وينخفض ويرتفع صوته: جهّزي اغراضك...بكرا بجيك وبآخذك لبيتنا...الكل بيعرف عن هالزواج..
تصرخ باكية: مابيهم يعرفون وطلقققققققققققني يا ليث!
.
.
صُعِق ركان من رد أخته ومن شحوب وجه ليث على جُملتها التي أعلنتها أمام ركان من خلف الباب، احنى ركان رأسه قليلًا من ناحية اليسار،
رمش مرّتين أمام ليث الذي أخذ يمسح على رأسه بتوتر من أن تفضح أمل بانهيارها أمرهما اللّيلة.
ركان: أمل وش تقولين؟...جنّيتي؟
ارتفع صوتها وهي تشهق تبكي بحرقة
ركان لم يتحمّل الأمر.. أخته تضغط عليه والآن تؤكّد فكرة حدوث أمر سيء بينها وبين ليث ..غير أمر زعلها لوجود رحيل في منزله..انقضّ ولأوّل مرة بكل وحشيّة على ليث مسكه من ياقة ثوبه الذي ارتداه دون أي يرتدي معه "الغترة".
أخذ يهزّه بقوّة: وش مسوي أنت لها؟
.
.
سمعت صوت أخيها وادركت انهيارها الذي سيوقع الشك في قلب ركان وضعت يديها على فمها لتشد عليه بقوّة حينما أدركت إلى أي طريق سيهوي بهم هذا اللّيل
تقدمت لناحية الباب
.
.
ليث نظر لركان مسك كف يديه
: ركان اهدأ...
ركان شدّ على اعصابه وكثيرًا: شصاااااير تكلّم..
أنفتح الباب هُنا..تقدمت لركان دون أن تنظر لوجه ليث الذي أخذ يفترس ملامحها الباكية
: مو صاير شي...ركان...
ألتفت عليها ليصرخ: تكلّمي..وش مسوي لك...وش مزعلك فيه..
انهارت: انا مضغوطة...ومقهورة منه لم جاب رحيل هنا...بس لا أقل ولا أكثر....ومصدومة من خبر زواجك...ركان تكفى لا زيدني قهر...
ليث تحدّث: ركان...
ركان فلته بعد ان نفض يديه منه وهو يدفعه للخلف ثم مسح على جبينه
نظر لأخته وبانفعال: زواجي صار بشكل غير منطقي ...ولا قدرت اقولك عليه...بس الحين ما اقدر اتراجع...زوجتي حامل أمل...وهي بالطريق الحين..

ليث صُعق ارتجفت شفتيه ماذا يقول
: شقول ركان؟
ركان ألتفت عليه وبعتاب: أي...صار هجوم عليها وهي في فرساي...وواحد انقذها وبيرجع السعودية ورجّعها معه..وهم بالطريق للبيت...
ليث بصدمة: حامل؟
ركان: تخيّل!...حامل..وجبرتني اتركها تروح مصر ...
ليث بلل شفتيه أمل أخذت تبحلق بهما، هناك شيء خفي كالعادة
ليث: ركان..
ركان بنفس متسارع: مابي اسمع شي ليث..الحين هي بتجي..
انفعل ليث: ومنو هذا اللي بجيبها....وكيف تثق ويمكن فخ...
ركان : وإن كان فخ انا مرحّب فيه دامه بيتركني اشوف سوزان...
أمل خفق قلبها وجه ليث المخطوف ارعبها: ركان..شصاير..
ارتفع ضجيج رنين هاتف ركان ليقول: هذا هم وصولوا .

واخذ ينزل من على عتبات الدرّج وليث يركض وراؤه يخشى من أن يكون هناك فخًّا وركان بعاطفيّته لم يدركه، ولكن لو كان كذلك وأتوا وتجرؤوا لأذيّته وهو في المنزل هنا يُعد الأمر مصيبة ولا تعد حصانته هنا شيء بل لا تعتبر ولا يوجد من يستطيع حمايته للأبد..ركضت وراؤه أمل..وهي تتساءل..
بينما ليث وصل إلى "حوش" المنزل..وركان يركض متجهًا إلى الباب مسك
كتفه سحبه: ما تفتح لهم أنا افتح...اخاف عليك ركان..اخاف..
ركان نفض يده: لا تخاف..خف على نفسك وحريمك...اعتقني من خوفك علي...بسببك خليتني اتركها..وهي حامل...وتواجه اشياء مادري شلون قايلة..لا تجي الحين...
قاطعه يصرخ: رررركان كل اللي سويته عشانك وعشانها..لو دريت هي حامل..يمكن وقتها تصرفت ...
قاطعه ركان بصرخة: ممممما بيك تصرّف ولا ابيك تدخّل..
تحدثت أمل: قولوا لي وشفيكم..وش صاير لا توقفون قلبي معاكم...
صرخ ليث وهو يلتفت عليها ويُمسك بيد ركان: أمل دخلللللللي داخل..
صرخ ركان: اتركني..
ولكن تعدّاه ليتقدم لناحية الباب
.
.
كانت مستلقية على الكنب..تحدّق في السقف..عينيها محمرتّين للغاية..تفكّر بحديثهم
تفكّر بالحقيقة المُرّه، كيف هذا يُعني إنّها دفعت ضريبة غباء غيرها؟
دفعت ضريبة التّهاون..الترّاخي..دفعت ثمن غيرها بثمن غالٍ لا يُقدّر
الإنتقام..ما يدور في عقلها الإنتقام..من الجميع بِلا استثناء..سمعت صراخ ليث..
هل أتى؟
وتداخلت الأصوات بصوت أمل وأخيها..نهضت ازاحت الستارة من على النّافذة نظرت لليث وهو يركض للباب..يفتحه..يركض وراؤه ركان وتختبأ أمل في الدّاخل
عقدت حاجبيها ماذا يحصل؟
تنظر للباب الرئيسي للمنزل ينفتح على مشرعيه، تسمع صوت صراخ ليث يرتفع بقول
: أنتتتتتتتتتتتت؟
انشدّت خلايا الفضول.
.
.
أن تلتقي موتك، تلتقي ضميرك فجأة لتتخبّط بداخله..لم يتوقع رؤيته يومًا
اعتقد ليث انتهى من قصّة حياته، وانتهى من زُمرة تفكيره ولكن ها هو أمامه الآن
لا يخاف من غضبه لا يخاف عينيه ..ولكن لم يتوقّع ردت فعله السريعة
سحبه من ياقة بذلته
لتقف الأخرى خلفه..تحدّق في ركان الذي صُعِق
صارخًا: ليث..يا المجنون...وقّف...شسوي؟؟؟!!!
ليث سحب بتّال إلى داخل المنزل..برحهُ ضربًا همجيًّا وقاسيًا..بتّال لم يُدافع عن نفسه بسبب الصدمة..وبسبب عدم توقعه لرؤيته...سوزان دخلت..صرخت بخوف
: ركاااااااااان..
ركان اصبح يشّد ليث للوراء يحاول منه الإبتعاد عن بتّال الذي يتلوّى على الأرض
ليث لم يكن هكذا وحشيًّا ولكن كيف لا ينتقم؟
هو ذاته الرّجل الذي آراه المقطع وهم يهجمون على رحيل..هو الرجل الذي قهره في المواقف حينما خرج من المستشفى..ليطحن ما تبقى منه من حياة..ليلعكه ويلفظه على صخر ضميره...ها هو الرّجل الذي شاهد زوجته تبكي...تلوذ بخوفها بركضها إلى مواطن النجّاة ولكن لم تنجو...ها هو يأتي بين يديه كيف لا يبرحه ضربًا وهو الذي ابتدأ الضّرب حتّى ادماه...جرّده من الأمان إلى الشتّات..جعله يتجرّع غصّة ترددت في داخله لتوجع بصداها ضميره الموحش..يستمر ضرب وركل وشتم..يستمر عُنف لفظي وفعلي..من أجل انتقام السنوات...من أجل رحيل والثمان سنين...من أجل سلمان..ومن أجل ركان ووجعه...ومن أجل نفسه..نفسه الضائعة ما بين عَينين الحُب الذي يفيض بالمتناقضات...من أجل مشاعر عاطفية وضميرية تُرهق جسده...لن يتوقف..سيستمر في الضرب إلى أن يُشفى ذلك الجرح الغائر في صدره...إلى أن...جرح شفّت بتّال من صفعه...يستمر في وحشيّته اخاف الجميع...
خرجت أمل لتصرخ بذعر من ضربه القاسي: لييييييييييث.
.
.
رحيل تنظر..تدقق في ركلات ليث على مواطن الألم في ذلك الرجل..تبحلق بعينيها بهدوء..تنظر للرجل تارة...وتارة في أمل الذي خرجت بشعرها ودون عباء تمسك بيد ليث..وإلى تلك المرأة المنزوية بالقرب من الباب وتضع كفّي يديها على فاهها بدموع غزيزة عرفتها...كيف لا تعرفها فهي طبيبتها في جميع مراحل الألم!...تسمع صوت ركان الذي يُثنيه بالتوقف عن الضرب..ولكن ليث يستمر..يضرب يركل..الرجل مستسلم للضربات ربما لأنّ ليث ضربه في مواطن تجعله رغمًا عنه لا يدافع عن نفسه...ولكن بشكل سريع ابتعد...حاول النهوض ألتفت على الجانب الآخر لترى وجهه
.
.
لتتسّع عينيها..لترتجف شفتيها..لتحدّق كالمجنونة له..تُزيح الستارة أكثر..تقرّب وجهها من الزجاج...تحدّق برجفة كفّيها..تذكرت الموقف..خروجها من السجن..والسيارة...واصطدامها...ألم رجلها..ووجهه..ومساعدته...والمستشفى...وهجوم ستيفن..ذاكرتها سيئة حقيرة لا تنسى ولا تتناسى..هذا هو مغتصبها..جمدت حواسها..ابتعدت.. ينعقد لسانها لدقائق ثم ينفرد من جديد
تهمس: بتّال!!
.
.
ذلك الرّجل الذي ساعدها في المستشفى ..بعد أن صدمها أمام السجن..الرجل ذاته الذي حماها من ستيفن..وادخلها في الشقة..لتعود إلى المنزل وترى انقضاض ليث عليها بسبب الصورة..هذا هو مُغتصبها!
نهضت بشكل سريع..سحبت عباءتها ارتدتها لتجعلها مفتوحة..وضعت على رأسها الحجاب بإهمال شديد!
.
.
أوّل الإنتقامات
أوّل الانهيارات
أوّل الصدمات
أوّل الرّغبات
تركض..إلى المجهول..إلى الخاصرة المؤذية..إلى الحقيقة التي تُنثر عليها نارًا لظّى
فتحت الباب..أخذت تركض..لفتت الأنظار..حدّقت بها أمل وهي تشهق لمنظرها المبعثر..نظر إليها ليث وهو يحاول التحرّر من يدين ركان..الذي رغمًا عنه ألتفت على رحيل وهي تركض
تصرخ: بتّاااااااااااااااااااااااااااااال..
.
.
سوزان تشعر بالضغط يرتفع..تشعر بعدم التصديق لكل هذهِ الفوضى..لا تدري لِم الجميع ثائر..يصرخون..وينقضّون بشكل سريع ومُذهل شعرت بالخوف..تحدّق فقط في ركان..غير مستوعبة هذا الوجود..هذا الكيان الواقف أمامها..المختبأ خلف أسوار غضبه من محاولة إيقاف صاحبه.
.
.
بينما ليث..حينما خرجت رحيل..تركض بناحية ذلك الرجل تصرخ باسمه..تركض لناحيته..توقف عن الحركة..ابهتتهُ بمنادات اسمه..هل هو؟..هل هذا حُبّها هل هذا وجعه؟
هل خانتهُ معه؟ ارتجفت كف يديه..همس بوجع: رحيل..
ألتفتت عليه أمل هنا..نظرت لتعرّق جبينه..وارتعاش جسده..وتطبيق يدين ركان عليه
.
.
صُعِقوا حينما وصلت رحيل لذلك الرّجل..لتصفع بتّال على خدّه الأيسر
شهقت سوزان..ولم تتوقّف رحيل عن فعل ذلك فقط..بل شدّته من بذلته تهزّه
في غياب عقله والنّظر إلى وجهها، هل هم متفقون على إثارت جنونه في مكان واحد؟
هل وقع في شبّاك فوضويّة حياته سابقًا ليدفع الثمن غاليًا؟
.
.
تجرّأت رحيل..دفعته للخلف..بصقت في وجهه تحت انظار ركان وليث وأمل وسوزان
بتّال تحدث: فاهمة كل شي غلط!
نظر لهم: فاهمين كل شي غلط...
.
.
تقدمت نحوه باندفاع قوّي..صفعته على وجهة مرة أخرى ثم لكمته ودفعته على الجدار
لتصرخ تحت انظار ليث المتجمّد: حقيييييييييير واااااااااطي...
ركان نظر لليث..شعر بالخوف على صاحبه تبدّلت الأدوار الآن..ليث ربما سيذبح ضحيّتين ليس ضحيّة واحدة في الوقت نفسه!
همس حينما شعر بتحرّك ليث: ليث..لا...لـ...

قاطعة ليث انفعل بالصراخ: رحيييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييي يل.
.
.
خرجت من الخلاء...عقلها بات مشغولًا..بحديث رعد ..عقلها تشتت..قلبها يخفق خوفًا
رغبتها في الهروب من هذهِ اللّيلة تزداد..تريد أحدًا يُعيد ترتيب حياتها يطبطب على رتابة الأشياء التي تحّث ضياعها من الظهور..ولكن لا تجد..لا تجد سوى من يزيدها تشتيتًا وخوفًا..نظرت للفستان الذي سترتديه...تمعّنت بالنّظر إليه..اختنقت ..سقطت دمعة حارقة على خدّيها..لا تدري كيف ستمضي هذهِ الليلة لا تدري كيف؟
تشعر الآن بإستيقاظها على الواقع..على الحقائق..على عدم رغبتها بالزوّاج كليًّا...ولكن سحبته ..لترتديه بعجل..ليُلامس خوفها..ليحتضن رعشاتها..لتبكي هي براحة معه..لتستمع لأصوات الماضي
: لا عاد اشوف وجهك ببيتي...من عصاني ما يلقاني مرة ثانية على ما أنا اعامله عليه واسوّي له.
تشهق لتغمض عينيها
وتسمع
: ما أبي دانة..أبي رحيل...دانة أنا قلت لكمممممممم ما أبيها لو إيش يصير ما خذتها!

ترتجف يديها وهي تُغلق السحّاب ليرتفع الضجيج
لتعّم الشهقات في أرجاء الغرفة
: سوّد الله وجهتس كنتس بتموتين جدّتس بعنادتس.
.
.
"خبلة بنتك ...تبي توطّي راسي..وتشتغل بوسط الرياجيل"
"ما عاد إلّا هي يادوينة..توطين روسنا بالوطا"
"والله ماحدن يبيتس يومن يشوفونتس تشتغلين بوسط الرياجيل يا الغبرة"
.
.
ترتجف ساقيها..تتكاثف أصواتهم في أذنيها..ترتجف صورهم الغاضبة أمامها..ها هي حققت مطالبهم وهي مجروحة..داوت جِراحاتهم ولكن جراحاتها الغائرة لم يداويها أحد..حققت رغبات الإقتران...رغبات سد الحلوق وإعطاؤها الخبر المغاير للظنون...ها هي ستتزوّج وبمن بأخ ليث..الذي اخجلها..حطّم وجودها ما بينهم...

اغرقها في وحل نظرات الإنكسار والشفقة...الآن ستصبح زوجة أخيه..هي خجلة منه...ومن نفسها..ومن حتّى أخيه..ومن الزوّاج كلّه..كيف تتحمّل..تضغط على وتينها..بالقبول بهذهِ المهزلة كلّها..كانت قبل أيّام مقتنعة...تجد الصّواب فيما فعلت والآن تجد الجنون فيما احدثت وفعلت.
جلست على طرف السرير...شعرها المبلول يغّطي المساحة البسيطة التي تُكشف عن ظهرها..ترتجف اكتافها مع صور الماضي..واصوات الحاضر المتناقضة مع اصواتهم في السّابق..
نظرت لوجهها من خلال المرآة التي تُقابلها
رعد ايضًا لن تنكر أنه احدث شرخًا جديدًا وظنون كثيرة في قلبها
سحبت الهاتف من على السرير
اتصلت عليه بأنامل مرتجفة
سمعت انفتاح الخط لتردف
: ألو محمد ...
بكت: أنا مو موافقة!
.
.
.
.
.

انتهى




شتات الكون 28-04-21 04:07 PM

رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون
 
Part21
.
.
.
.
.
.

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
(لا تلهيكم الرواية عن الصلاة، اللهم بلغت اللهم فاشهد)
.
.
.
لهذهِ اللّيلة شعور مُختلف، شعور مُختلف عن سابقيّة تلك اللّيالي التي عَقد فيها
حبّاته المُتلّألّأة تحت أضواء القمر السّاطع بالشروط وبالعقود التي يُريدها
كان الشعور يمتزج ما بين رغبةٍ للخلاص من هفوات شيطانه وما بين رغبات السعادة والفرح وسد أبواب الجحيم، كان يدخل لهّن من أبواب مُختلفة تختلط وترتسم على ملامح شموخه بالأنانية، هو لا يظلمهن ربما هنّ من ظلمن أنفسهن أو الظروف تحتّم عليهّن في إلتقاؤه، ولكن لا لذّة في الشعور آنذاك أبدًا..لا يتوتّر..لا يشعر بالقلق..كان يؤمن تلك اللّيالي ستسير على ما يرغب بهِ، سيحدث ما يُريده..هو لا يُجبر أحد على ما لا يُريده، ولكن الآن.بهِ شعور يسحبه لناحية الزّاوية من النّظر إلى الأمر بجديّة
أمر الإجبار والإكراه و"لوي" اليد..لم ينسى حديث والده..وخوفه من كسر ظهر عمّه من جديد..نظرات أبيه كانت تستنجد لسانه بنُطق الموافقة في تلك اللّيلة..حتّى وإن لم توافق دانة في ذلك اليوم العاصف.
هو جُبر على الخضوع..من أجل أبيه..من أجل عمّه...من أجل أن يسّد أبواب الجحيم والقلق الذي سيظهر لفلق ظهورهم ورؤسهم.

لا شيء يُنقص دانة..لا شيء سيء يراه فيها ليجعله يرفض ولكن هو لا يُريد زواج الأقارب، لا يريد تخطيط الغير لرسم حياته ومستقبله كان يحلم في الإرتباط بشكل مُختلف ومُغاير عن عاداتهم وحتّى تقاليدهم..هو كان يُريد الإختيار..يُريد ربط القرار من عدمه بنفسه.

ولكن جدّه..اجبره على مواجهة ما لم يفكّر بهِ يومًا..أقبل عليهما بقراره في فجرٍ تتلّوى منه القلوب..لتحّث الدموع بالإنهمار وجعًا.
لم يراها..لم يسمح لعَينيِه بالنّظر إليها في ذلك الوقت
لأنه أُعميّ بالغضب، بالتردد والصّدمة من وقع ما احدثهُ جدّه في روحه
ولكن خروجها السريع لتضرب كتفه بِلا وعي جلب جُلبة القهر للفت عينيه عليها..أهانهما جدّهما بشكل مُخيف..هما بالغين..قادرين على اتّخاذ القرار بنَفسيهما..ولكن لم يترك لهما مجالًا.
وأبيه زاد الأمر سوءًا حينما..حدّثه واخبره بخوفه من إفلاق وكسر عمّه من جديد
فـ ليث لم يقصّر أبدًا في كسر القلوب..في إعماء العَيْنين..في ربط اليدين عن فعل الأمر الصّائب..لم يوّد أن "يجلجل" الأرض من تحت قدم أبيه ليعود بهِ للوارء
للماضي الذي يُشابه العُتمة وإلى الضجيج المُزعج الذي صدّع جُنبات أركان المنزل قهرًا.
وافق وإذ بها تأتيه باكية ترجوه بالزواج منها بطريقةٍ تُثير الشكوك والفضول..تُثير التنهدّات والـ"آه" في فسح التّفكير اللّامنتهي.
.
.
نظر إلى وجهه..إلى لحيته المرتبة..إلى أنفه الشّامخ..إلى رسمة حاجبيه وعُقدتهما المتلألأة ما بين غضب الضغط والجنون، بلل شفتيه..ليعض على شفتّه السفلية..يشعر بعدم إرتياحه للأمر..هو لم يستخير في الواقع لهذا الزوّاج..وإن استخار فهو مُجبر عليه..يحاول ألّا يخضع لجنون فكرة الإجبار حتّى بهِ حينما تحدّث معها بالأمس..لم يُظهر لها ذلك..ولكن الآن..في المواجهة..ينظر بعينيه اللّامعتين بطبيعة أحوالهما
ليواجهة حقيقة الأمر برمّته..هما مُجبران..لا يدري ما أبكاها في ذلك اليوم ولكن ربما سمعت الحديث الذي يربط القدمين واليدين ليقدّا الحركة ..لتقبل بهِ جبرًا ويدخلا في معمعة محاولة التقبّل..ومحاول الرّضا.
هو راضٍ..ولكن الآن متذبذب..متوتّر..بهِ شعور مُختلف ومضطرب..قام بتعديل ياقته..ثم توجّهت أنامله لغلق "الكبكات" الفضيّة..صوته بالتنهّد يرتفع ويضيق في الآن نفسه..سحب"الشمّاغ" من على سريره..بهدوء..بتفكير..
وقف من جديد أمام المرآة أخذ يضع الشمّاغ على رأسه..ليرتبّه..تذكّر أمر عزيزة
هو واثق لم يظلمها..هي من ظلمت نفسها وخدعته ولو صارحته بحقيقة رغبتها بالزواج منه..لربما انجاها من كارثة ما حدث..ولكن هي من جنّت على نفسها و أوقعتها في حبل الضّيق أكثر.

تنهدّ مرة أخرى..أخذ "يرّش" على نفسه من العطر..ثم سحب هاتفه وخرج من الغرفة..ليشتم رائحة الفرح والسعادة..يسمع صوت والدته وهي تحدّث فيصل...اقترب من عتبات الدّرج..اخذ يخطو أولى خطواته للمواجهة..
نظر لوالدته وهي تبخّر فيصل المازح
لها: والله ما عرفتك يمّه..وش هالزّين..وانا قايل على مين طالع زيني...أثاريه عليك..
تضحك تقرّب المبخر منه: عاد أنت ما تشبهني ..لا تكذّب...خذت من زين ابوك..
فيصل لم يُمهلها للإستيعاب حينما اردفت بذلك أخذ يصفّر بفمه
ليضحك محمد الذي وصل لهما
وهي الأخرى تبعد عنه المبخر وتضربه على كتفه: يا ربي هالمرجوج كان الحين طاح عليك الجمر ..
فيصل غمز لها: فداك يا الزينة...يا زوجة الزّين..
ام ليث بمزاج عالٍ: اترك عنك الحكي...وعجّل بس نبي نروح..
محمد نظر لساعته: غريبة ما رحتوا..
ألتفتت عليه والدته وتقدمت لناحيته لتبخّره: تو انتهيت من التجهيز.
ثم نظرت له بعنين حانيّتين: ربي يوفقك ويسعدك يا يمه...مبروك..عقبال اخوك..
محمد نظر لها أقبل عليها ليقبّل رأسها
: اللهم آمين..
فيصل نظر إلى اخيه، شعر بالإرتياح حينما رآه في حال أفضل من حاله قبل ساعات
فقال: يلا يمه عاد...ألبسي عباتك...
ام ليث: هذاني جهزت خلاص..بس اتركني ابخّر اخوك..
محمد حاول سحب المبخر منها: عنك يمه عنك..
رفضت: خلني ابخّرك..وافرح فيك..واشوفك قدامي فرحان كذا يا محمد..صدق السنين تطوي..
فيصل نظر للمعان عينيها: يمه...بلاش دموع فديت قلبك...
محمد نظر لأخيه ثم لوالدته: يمه...
اختلج صوتها: بعد عّيني يا محمد..اصدقني القول وأنا أمّك...أنت راضي تاخذها فرحان يمه؟
فيصل سكت وتوتر من الأجواء التي اخذت تضيق، بينما محمد مسك كف والدته وقبّله
: اي يمه راضي ومقتنع ...دانة من نصيبي..هي قسمتي ونصيبي..
ام ليث باطمئنان: الله يوفقكم ويسعدكم واشوف عيالكم..
رفع فيصل كفّيه: آمييييييييييييييين ...وعقبال ما تشيلين لي بزراني...
ام ليث ابتسمت على مضض: ربي يسمع منك..
ثم ابتعدت لتضع المبخر على الطاولة القريبة من الكنبة سحبت عباءتها تحت انظار فيصل لمحمد ..فجأ ابتسم له واقترب ليسلم عليه
: مبروك..
محمد ابتسم في وجهه وهو يسحب نفسًا عميقًا: الله يبارك فيك وعقبالك..
نظرت لهما والدتهما: يلا يمه امشوا..
تحرّكا بالمشي ولكن محمد سمع صوت رنين هاتفه توقّف ونظر لفيصل: اسبقوني وبجيكم...
ام ليث: لا تتأخر يمه...النّاس على وصول..
محمد هز رأسها: طيب يمه ...
فيصل خرج هو ووالدته
.
.
بينما هو نظر للاسم..أخذ يتنفّس بعمق..اضطرب أكثر من تلك الدقائق المُسبقة في إحداث الضجيج، حكّ حاجبيه
فتح الخط ليستمع
: ألو محمد ...
بكت: أنا مو موافقة!
.
.
سكت..أخذ يُبحلق للأثاث بعَينين دائريّتين في التحدّيق
مشى بِخُطى بطيئة لناحيّة الكنب..ويده اليسار تمتّد ليشد بكفّه عليه
ماذا تقول؟
هو أيضًا مضطرّب..يشعر برغبة مرور اللّيلة سريعًا
بهِ شعور كريه، ولكن ماذا يُعني الإنسحاب
الرّفض بعد إعطاء الموافقة؟
هل جُنّت..تأتيه ترفض بالطريقة التي أتت فيها لتُوافق عليه؟
تُثير شكوكه وفضوله.
دانة تُثير جنون التفكير لتعريّة الغضب ظاهرًا أمام العَين
كيف؟ وفي هذهِ الساعات القليلة
لا مجال للتراجع
: دانة وش تخربطين؟..أنتي مستوعبة اللي تقولينه؟
.
.
أجل استوعبت كلّ شيء الآن..استوعبت تعجّلها في إستباق الأحداث والخوف منها
في اتخّاذ قرار سريع في وقت الخوف والقلق..هي لا تقدر على جبر ذاتها على فكرة الزوّاج..لا تقدر ولكن لا تدري كيف لجنونها أوقعها في فّخ الموافقة آنذاك..تقبّلت لعدّت أيام لأنها لم تواجه مخاوفها ولكن هذهِ اللّيلة أكبر مواجهة..أكبر حسم لقرارها الذي فلت من لسانها في وقتٍ عجل
.
.
بكت: أي مستوعبة محمد...مستوعبة.. أنا مو مستعدة للزواج...مو مستعدّة للي يطالبني فيه جدّي....تكفى محمد...تكفى..تفهّمني.
.
.
هو في الواقع لا يفهمها ولا يريد حتّى تفهّمها الآن..هي تريد أن تقلب الأوضاع رأسًا على عقب..تريد أن تُغضب الجميع وتضربهم بسوط واحد
هل جُنّت؟ الجميع أتى ليبارك..ليحضر هذهِ اللّيلة الموعوده...الجميع أنفسهم اطمأنّت ودخلت السعادة لتُداعب أرواحهم
والآن تُريد أن تنتشلهم فجأة من تصديق موافقتهما إلى عدمها
.
.
ارتفع صوته بالغضب
: دانة اسمعيني زين...تعوّذي من إبليس..أنتي متوترة الحين لا أقل ولا أكثر..تلبسين وتروحين بيت جدّي....وبتمشي الليلة والأمور بكون بخير..
.
.
تهزّ رأسها تنفي الأمر..تنظر لإنعكاس انهيارها أمام المرآة
: ما اقدر محمد..
صرخ فيها: دانننننننة مستوعبة الجنون اللي انتي فيه...اذا رفضتي راح تكسرين ابوك قبل لا تكسرين أحد ثاني..إنتي وافقتي بلسانك واعطيتي الموافقة...أمس تقولين لي اذا انت ما تبي ارفض..والحين صرتي العكس...علامك؟...استوعبي نفسك..استوعبي رفضك وش ممكن يسوّي...
تبكي ترتفع نبرتها المهزوزة: ما ابي استوعبهم ..ولا استوعب شي..يكفي ضغط علي..محمد..تكفى..
قاطعها بصرخة: اقسم بالله العلي العظيم...وهذاني احلف...اذا ما جهزتي..الحين ورحتي بيت جدّي..والله يا دانة..لا أنا اجيك بنفسي...هي خاربة خاربة!
.
.
تضغط على فخذها بكف يدها المهتّز..يضيق تنفّسها..ترتفع صوت شهقاتها
تدخل في عُتمتها من الإنهيار
: كيف بعيش معاك؟...قولي كيف...وانا منبوذة منهم...منبوذة من قِبل جدّي..الحين بحبني عشاني وافقة عليك؟...بيحترمني عشاني قلت ابيك؟...محمد قولي شلون بقابل امك وعمّي...وحتّى الكل..وانا كنت محيّرة لأخوك..مابي انكسر..من جديد..مابي يجدّد الكسر..ومابي اكون مسؤولة عن احد..أنا حابة حياة العزوبية..قسم بالله حابتها ولا هي مضايقتني!
تشهق بينما هو ينظر بعنين شاخصتين لللاشيء وهو يستمع لهذيانها!
: ما اقدر..ما اقدر...

.
.
مسح على لحيته..يُبلل شفتيه ..يُدرك دانة الآن ليست في وعيها
تُخلط الأمور مع بعضها تتحدّث بِلا إتزان..رجفة نبرتها ...تُشعره بذلك
: انسي الماضي...انسي كل شي...حنا وافقنا من انفسنا يا دانة ولا فيه تراجع...
تبكي اكثر تزداد اصرار: هم ما تركوا لنا خيار يا محمد!
.
.
يُدرك ذلك ولكن لا طاقة لهُ على كسر ظهر أبيه وعمّه وحتّى جدّه
زواجهما يمثّل الإستقرار والطمأنينة لروابط العائلة
هو ليس سيّء لترفضه وهي ليست سيئّة ليرفضها
لذا
كرر: اجهزي يا دانة وروحي بيت جدّي لا تخلّيني أجيك واخرّبها!
دانة بللت شفتيها
تبكي أكثر
: برفض..
يصرخ: لاااااااا..
مسح على جبينه حاول أن يهدّأ نفسه
دار حول نفسه كيف يتفاهم معها؟
.
.
: دانة..ما اظنّك تبين تفتحين قبر ابوك بإيدينك...دانة..فتحي عقلك..رفضك لي بعد ما كنتي موافقة وفي يوم مثل هذا...بيكسر عمّي...بتفشلين جدّي قدام الجماعة...حتّى أنا حتّى أنا يا دانة راح تكسريني..
ارتفع صوت بكاؤها
ليتنهد بضيق: فكرّي بعقل دانة..تعوّذي من إبليس..
ومحاولةً للتخفيف: أنتي متوترة عشان كذا تحسين ...بالتراجع...بس أنا يا دانة...
ازدرد ريقة لا يدري ماذا يقول لكي فقط يقنعها
: شاريك....ولا ابيك تكسريني!
.
.
ازدردت ريقها نظرت للمرآة
عينيها تنهمران بالدّموع..
يأتيهها صوته: الو...تسمعيني..
تحدثت بصوت محشرج: انتهيت يا محمد...انتهيت...
.
.
قلبه خفق، خائف من تذبذباتها وحديثها الذي يُشعل فتيل عدم الإرتياح ويجذبه رغمًا عنه نحو الشّك
تمتم: دانة...تجهّزي...انا انتظرك...انتي موافقة ومقتنعة...اذكري الله...
دانة تهز رأسها بالنّفي: ما ابي اواجه..
محمد انفعل حقًا ليس لهُ القدرة على السيطرة
: بس تبين تكسرين؟...تبين صدق جدّي ياخذ بخاطره عليك؟...دانة..ارجعي لعقلك تكفين ما في وقت...
اغمضت عينيها تنهدت ليسمع تنهداتها بضيق تنفّسه
تحدثت: موافقة بس بشرط..
وبنبرة بكاء: لا تطلب تشوفني الحين.
.
.
كاد يضحك على شرطها من شدّت توتره..ولكن تحدّث: موافق..
.
.
اغلقت الخط في وجهه...ثم نهضت لتتقدّم أمام المرآة..سحبت مناديل كثيرة لتمسح بهم دموعها..حاولت السيطرة على نفسها..على متاعبها..لتبدأ بوضع المساحيق التجميلية لإخفاء هذا الوجع
.
.
بينما محمد تنهد وكثيرًا
ثم همس: الله يعدّي هالليلة على خير..الله يعدّيها!
.
.
الموت..
التّسابق على الموت هو عنواننا ربما
نحنُ غريبَيْن.نتعطّش في إحداث شروخات متفرّغة في بعضنا البعض
تتوق أرواحنا للتعّانق بالشجّار..بنزعه بالضرب والشتم
نحنُ نتسابق على الموت هروبًا من المواجهة
هروبًا من الأشياء التي تؤذينا وتوقعنا على فراش الوهن لفترة
نتسابق..ونهرب..ونواجه الحقائق بشكلٍ مُباغت لم ننوي مواجهتها هكذا قط
يُتعبنا النّظر إلى الأشياء بصمت وفي الدّاخل منّا وحش يُريد الإنقضاض ولكن نمسكه بعنف..نطبّق على عُنقه لخرسه..ولكن لا يصمت
يزأر، يخرج فحيحًا، وتارة يعوي..لينّم عن قدم قدرته على البقاء..لأنه بدأ يتضخّم
وهذا الجسد الضعيف لا يسعه..يُريد الخروج..للتآكل على نفسه وأكل من هم حوله
.
.
تُعيد الصفعات..تُعيد الضرّبات والركّلات..تحدّق بهِ كالمجنونة لا يهمها ضجيج ليث الصّادر من الغار البعيد..لا يهمها خوف أمل ولا حتّى رجفات تلك الفتاة الهزيلة..
لا يهمها صوته الصّارخ بها...تنظر لقاتلها..تنظر لنُقطة الإنتقام من بحرها الواسع..
لم تنتبه لذلك الأسد الثائر..الراكّض لناحيتها ولم تُدرك محاولات ركان في سحبه ليُعيقه عن الحركة
ليصرخ: سوزان..اسحبي رحيل وادخلوا داخل!
.
.
سمعت صوته وألتفتت على تلك الفتاة الهائجة ادركت رحيل هي من تقف أمام بتّال وتصارعه بيديها النحّيلتين..تقدمت بخطوات سريعة لناحيتها..تحاول سحبها..ولكن رحيل كانت تقاومها.. تمزّق شيء بداخلها عجزت عن تمزيقه خلال تلك السنوات الماضية..تحاول الإنتقام لإخراس أنينها وهي فتاة السابعة عشر..تركل أجل..تطأ على قدم سوزان بسبب حركاتها العشوائية لتقتل الفتاة الباكية في داخلها!..تتمسّك من جديد في ياقته..تخرس الأصوات بالصفعات..تنتقم من لياليها الباردة..تستفرغ حموضة الماء القذر..تضرب الأوساخ المتراكمة تحت شعورها الغليظ...تضرب تقاوم سوزان..وكذلك ليث كان يقاوم ركان للإنقضاض عليها..لأخذ حُزنه العميق ليصبّه علنًا لينسلخ من هدوؤه ويضّج بانتقامه لها ومنها وعليها..يريد البكاء والصراخ..يريد الاصطدام ثم الموت!

أمل شعرت بالخوف..لم تدرك وقوفها حقًا أمام الغريب بِلا غطاء..تقدمت لناحية سوزان ورحيل..التي تتفلّت من يدين سوزان للإنقاض على بتّال
الذي قال
: ما اعتديت عليك يا رحيل..وربي ما اعتديت..انا حميتك بس...حميتك!
.
.
ترمش عدّت مرّات..تنظر له بوجه محمر..ليث شُلّت اطرافه عن الحركة..ركان ينصدم لينظر إلى ليث الذي اخذت كفّي يديه ترتجفان...جسده أخذ يضطرب يهتز...يضعف ينسحب في ظلامة وفي غسق ذكرياته..ينعصر قلبه..ليعلن عقله رحيله عن هذهِ اللّحظات!
سُحبت رحيل بقوّة بيدين أمل الخائفة وسوزان ساعدتها على ذلك
احتضنت أمل جزء رحيل الأيسر وسوزان جزئها الأيمن
شعرت رحيل بالإرتخاء ليديهما..ادخلاها للداخل واقفلت أمل باب المدخل
.
.
ليقف بتّال يتنفّس بعمق شديد، ينظر لليث..ووقوفه الحائر
كاد ينقض عليه ولكن ركان تحدث: ليييييييث..تكفى هدي...
.
.
لابد من إظهار الحقيقة من عدمها لابد من اخراس ضجيجهم جميعًا
تقدم بتّال لناحيتهما
تنفس بعمق وقبل أن يهاجمه ..هجم عليه بالكلمات : ليث اسمعني...اقسم بالله العلي العظيم..زوجتك ما قرّبتها..وما فيه اشرف منها...وكلّوني مهمة خطفها..مهمة اثارت الظنون حولها ..عشان انت تفترسها..بس ستيفن خرّب كل شي...اعتدى على المستشفى...وحاول يقتلها وانا حميتها منه..وخذتها بعيد عنه..وديتها شقتي بس والله ما قرّبتها..
.
.
لا يفهم شيء..عقله توقّف عن التفكير..عُرق ضيّق ينبض في يسار رأسه عقله بات مشوّشًا..يتعرق جسده بشكل مخيف..نبضه يتسارع..عينيه اخذتا تحمر..وكأنه يتحوّل إلى كتلة من حِمم الغضب الرّاكد في صدره لسنين طويلة!
ركان نظر لليث: بتال ادخل المجلس..
ولكن هنا ليث حرر نفسه مسك ياقة بتّال ليثبّته على الباب، ضربه على صدره
: شقول انت..
ركان اتى من خلف ليث شدّه إليه: ليث هدي نفسك واتركنا نفهم كل شي منه..
ليث صرخ: وش افهم...هذا هو الحقير اللي ورّاني المقطع وهم يتهجّمون عليها..هو اللي قهرني ...يا ركان....هو معهم...هو شريكهم...هم اللي قيّدوني...هممممم اللي دمروا لي حياااااااااااااتي.....

شد بتّال على كفّي ليث: كنت معهم...يا ليث...وسويت اشياء انا مجبور عليها وانت اخبر بهالشي...بس اقدر اقولك انهم انتهوا...بو سلمان قلتهم كلّهم...
ركان نظر لوجه بتّال: مستحيل..
ليث هزّه ليسحبه إليه ويضرب ظهره بالباب بقوة، شد على ياقته..
: سالفة اغتصابها مخططين له...يعني انت ساعدت ستيفن ...صدمتها...وخذتها....وسلّمتها له؟
سرقه لتلك اللّيلة التي اصدرت صرير موجع في قلبه وهو يبحث عنها في كل مكان..حاجبه الأيسر اخذ يهتز بانتظاره للإجابه..لم تكن تلك الليلة سهلة عليه..ولم يكن طقسها دافىء ليحتضن اوجاعه..اعاد سحبته ليعود بهِ على للوراء ليتوجّع بتال!
.
.

ينظر لشتات ليث وضجيجه، فهم سوء فهمه
ليتحدث: لالا ليث...السالفة ما كانت اغتصاب..الخطة إني اطلع لها وادخل في حياتها واشكك فيها لكن ستيفن...
صفعة على وجهة وركان لم يستطع ردع ليث
ففي الواقع بتّال يستحق ذلك
صرخ: وتعترف..
.
.
صرخ بتّال وهو يدفع ليث ليوقفه من الهجوم: اعترف لأني ابي اكمّل لك وش صار...ستيفن حاول يقتل زوجتك وانا حميتها..خذتها في شقتي...خيّطت جرحها يا ليث...وسويت خطّه بديله ...باللي شفته في الصورة لكن ما صار بيني وبينها شي.
.
.
يعيش في كذبة؟..طوال حياته يعيش في كذبة يلفقونها هم ويديرونها على حسابه الضعيف
كيف له أن يقف ويعترف له بكل هذهِ الأمور بلسان مسترسل دون تأتأة وخوف
يحق له أن يقتله يقطّعه ويلقي بجثته في الصحراء الخالية من الحياة..ألم يكفيهم تشتيته؟...ألم يكفيهم معاقبته برحيل ليشعلوا ضميره طوال سنوات سجنها؟..ألم يشبعوا من الركلات وتعنيفه؟
.
.
صرخ: ستييييييييفن اعتدى..اعترف لي.....مالك مفر اصلا...ذبحك الليلة على إيديني..

ركان خاف نظر لليث
وبتّال صرخ: كذاااااااااااب يكذب عليك...اقسم لك بالله العلي العظيم..ما لمس منها شعره وحده....كانت بشقتي..وبعدها جاتك...ما لمسها يا ليث..وانا ما خططت معه على اللي في بالك....
وبصدق يحاول من خلاله احداث فرصة لنجاته من يدين هذا الغضب: اصلا أنا قتلت ستيفن...هم مخططين على قتل بو سلمان يا ليث..ومخطط اللورد ما يتركك ابد...وحطّك بداله ذراعه اليمين...عشان كذا كان يضغط عليك..هو ما كان يضغط عليك وبس..كان يضغط على بو سلمان اللي قتل ولده قدام عيونه..بس عشان يخلّيه مثل الكلب عنده وسوي اللي يبيه وصير في الواجهة بداله.
.
.
ارتعش فؤاد ركان..قتلوا ابنه أمامه وهو ما زال يعمل لديهم
صرخ هو الآخر بقهر فُقد صديقه وأغلاهم
ضجّ الحنين والإشتياق وتسارعت صور تلك اللّيلة الباردة التي لهبت فؤادة
أوجعه سماع ذلك
: كييييييييييييييف قدر يتشغل معهم بعد اللي سوّاه؟
.
.
ساعة الماضي تعود بهِ للوراء..تعود إلى الظلام ..إلى البرد..إلى الأحاديث العصيّة
إلى الذنوب الكثيرة إلى اللّحظات المخيفة..إلى الموت...قُبال المعمل..سقوط سلمان ..صرخت ركان..يستمع جيّدًا لذلك..ينظر إلى ركض رحيل..وتسارع انفاسها..ينظر لستيفن وتطبيق يديه على جسدها..ينظر لنفسه وهو يطبّق على أمل.ليوقع بها في الظلال..
جنون..كل شيء ينبثق ويظهر أمامه..يحثه على الجنون..يحثّه على لفظ وجعه بالغضب..كل شيء يحدث في الحلقة نفسها..كل شيء مرتبط ببعضه ليثقله أكثر!
شدّ على ياقة بتّال أكثر
: هم قتلوا ستيفن ...ِشفت صورته ميّت..
.
.
شفق عليه..شعر بخساسة أفعال تلك المجموعة..شعر بخساسته هو الآخر
لا يدري كيف يُقنعهم بما حدث وكيف اصبحت هذهِ المجموعة في الجحيم الآن
يخيفه منظرهما الغاضب..يشعر بصدمتهما ولكن لا يُكفيه الإعتراف بهذا عليه
أن يكمل الصورة وإلّا سيبقى محملًّا بالأثقال.

: كذبوا عليك يا ليث..اقسم بالله كذبوا عشان اللورد يحمي ولده ستيفن..
.
.صدمة اخرى جعلت ليث يبتسم بسخرية ستيفن ابن اللورد
ابن الشيطان الذي تلاعب في حياته
رفع حاجبه الأيسر..يُداعب الصداع عينيه
نظر لركان ووجهه المخطوف
يلوّح أمامه...ابتسم بسخرية ...وانقلبت هذهِ الإبتسامة للضحك..عاش في خِداع طويل..وتم معاقبته بطريقة غير مباشرة في رحيل...اثقلوا ضميره وشعوره الخائف من خسرانها من هذه الحياة...اشعلوا الروابط في رأسه ليربط ما حدث لأمل برحيل...يموت ليث الآن يحتضر في ابتسامة وينعي عزاؤه في ضحكت قهره تلك..
.
.
بتّال بجدية: هم لعبوا لعبتهم وخططوا بس عشان يضغطون عليك يا ليث..زوجتك ما حد قرّبها..وستيفن انا بنفسي موّته..وبو سلمان اشتغل معهم هالسنوات بس عشان يتنتقم لقتلهم لولده..بو سلمان عطاكم عمره...راح واجه اللورد...ومتأكد أعوان اللورد قتلوه.
.
.
لا يسعه التّصديق، لا يسعه أن يتمسّك بقشّة الكذبة للنجاة ممّا يخافه
كيف استطاع النّظر إليهم وهم قتلوا ابنه..كيف استطاع أن يلحق بهم الأذى وهو يُدرك معزّتهما لدى سلمان..هل هذا يُعد من مخططات انتقامه ايضًا؟
كيف استطاع أن ينجو من تلك اللّيلة وهو الذي لم ينجو منها إلى الآن؟
يتذكّر صعوبة تنفسّه، يشعر الآن بارتعاش جسد سلمان على كفّيه..يتذكّر سخونة الدماء التي تُعاكس برودة الجسد الخامل..عينيه لا يستطيع أن ينسى عينيه كيف كانت تُداعب النجوم وتشاركها بالألم..تُغني أغنيّة الرّحيل على حُطام الأحلام المستحيلة..لم ينسى شهقاته التي مرّت لتُلامس أوتار قلبه وتُعلن رحيلها بنوتات قهرية افلقت صدره
وألهبت عقله من الإستيعاب.
رمش مرّتين..كيف مضت تلك اللّيلة؟..كيف استطاع المضي معهم وتلك اللّيلة حدثت أمام عينيه على حد قول هذا الرجل..كيف استطاع النّوم؟
استطاع تحمّل الفُقد..والضجيج الصّارخ بالإشتياق إلى سلمان وحدة
.
.
صرخ ركان: اشتغل معاهم عشان ينتقم لسلمان؟
حاول أن يطبّق بيديه على عنق بتّال
ولكن ليث ادرك هجومه وفقدانه لوعيها
امسكه
ليسمعه يقول: كيف قدر اصلا ينام من بعد ذيك الليلة؟
بتّال تنهد وكثيرًا: بو سلمان عانى وكثير بعد وفاة ولده...هو ضحّى بنفسه عشان ولده..ما تدرون ايش عانى وايش شاف منهم...اللورد عاقبه على فكرة ولده وحرقه للمعمل..عاقبه لأنه ما قال له...ولده ناوي لهم على شر...راح عاقبه بمقتل سلمان قدام عينه...هو شاف ولده وهو يموت...ومات معاه من ذيك الليلة!
.

ليث صرخ: ليش ما قال؟..ما عترف...ليش يحط اللوم علينا؟...ليش كمّل علي...وآذاني حتى في رحيل؟!
بتّال هز كتفه: الموقف صعب يا ليث...وبو سلمان وقتها من الصدمة صاير ينتقم من نفسه ومن كل شي..اشتغل معهم وهو خايف يقتلون بنت اخوه بعد...ففضل يشتغل معهم وخطط على مقتلهم ويحميها منهم وهو بينهم!
.
.
ضحك بوجع هو الآخر: بنت اخوه تكون زوجتي...وكّلني مهمة حمايتها...وقال لي اطلع من امريكا...لين تهدأ الاوضاع..خطط على مقتل اللورد وحاول يبعدني عنهم....بس اللي صار..هم كاشفينه واللورد راسل ولده فرنسا...عشان يقتلون سوزان..يا ليث..
نظر لركان: عارفين معزتك عنده....ومقتلها مكسب ...وبيحث ليث..من انه يرجع لهم يركع لكل أوامرهم بمقابل يوقفون هجمات على اللي يحبهم...ما احكي لكم اني ضايق على بو سلمان...اكشفوه...واقل شي سويته عشان اساعده واقهر الكلب اللورد..اني قتلت ولده..واسأل سوزان عن هالشي.
.
.
ليث اخذ يتنفس بعمق شديد: وش يضمن لي انه اللورد مات..
بتّال: ما عندي ضمان...بس الإعلام ما راح يقصّر...غير كذا
اشار لهما: لا حد يطلع برا السعودية هالفترة.

وليؤكد: ورحيل يا ليث..ما قرّب لها ستيفن ولا اي احد...هذي خطة عشان يتلاعبون في اعصابك ...فاهمين الشرف عند العرب شي غالي وما ينرخص ابد...وهم يضغطون عليك من هالجانب...

ازدرد ريقه يريد الهروب سريعًا فقال قبل أن يستفيقوا من شظايا الحقائق: عن اذنكم..
خرج من المنزل..بينما ليث دار حول نفسه..نظر إليه ركان يُدرك شتات ليث
يُدرك وجعه..انحنى ليث على ركبتيه..أخذت عَنينيه تتشوّش شيئًا فشيئًا ..دومًا ما يشعر بالعجز أمام الحقائق التي أوصلت رحيل إلى الموت، غرّبها إلى عالم مُخيف..غير مرّحب بها فيه..استقام في وقفته نظر للنجوم ثم أغمض عينيه وكأنه يريد أن يستعيد نفسه من جديد.
.
.
إلى حيثما تقودنا إليه الصدمات، إلى الإنعزال..إلى الإنفصال عن العالم كُليًّا
إلى التركّيز في دوّامة الصدمة وعوّامة النجّاة..تنظر..و"تُبحلق" إلى زاوية السذاجة من تفكيرها في ذلك اليوم..كيف وثقت بهِ..كيف لم تشم رائحة الحذر منه..هي لم تجد غيره لتثق به ولكن لِم لم تهرب؟ لِم ساقيها توقفتا عن التحرّك..شعرت بالوجع من الجرح..ربما التأم الجُرح ..ولكن خيوطه ما زالت معلّقة بجلدها..ساقها تعافت بسرعة ولكن الآن تشعر بخيالها العصّي لمشاركة الوجع..هو قاتلها..خادعها على مسار الحمايّة..شتّت عقلها في لحظة شراد عقلها اللّاواعي ليتمكّن..ليصّب القهر في فؤادها ويجدد عليها لحظات الإنفصام والإنفصال..كُل شيء خسرته..تبخّر..ضربها له لم يُشفي القليل من الغّل الذي تحمله تجاه هذهِ الحياة..خُدعت وطُحنت خاصرتها تحت أقدام السفلة الذين ينظرون إليها كنُقطة ضعف عليهم الإنتباه لها من أجل الضربات والصفعات لتوجع الغير..أي سذاجة سقطتِ بداخلها يا رحيل؟
أي ألم الآن تتجرّعين؟
تهّز بجذعها..هذا الهّز يتكرر في كل مصيبة تخوضها..تهز..تُنثر شعورها اللّامرئي..تهرب بعَينيها من الواقع إلى العُتمة..فُقدان النّفس غالٍ
تشعر حقًّا بفقدان ذاتها..ترتطم في أماكن الألم منها دون أن تجد المكان الصحيح لتستقّر..ويهدّأ عقلها من التفكير الكُلّي..تتنفّس بصوت مسموع...عينيها ثابتتين كالمجنونة..وجهها شحب..ِشفتيها سريعًا ما سُحب لونهما لتبقى مبيضتّين ترجوان الحياة من فاقدة الحياة!..تريد العودة إلى حيثما الطفولة التي تتخللها الطمأنينة
والعاطفة المتدفقة بحُب من الجميع..تريد هواء نقّي وروح نقيّة كما كانت في السّابق..لا تريد هذا العُمر ..تريد العودة إلى الأحضان والإحتضان..والطبطبة..والضحك واللّعب..لا تريد أوجاع..تريد أقصى اوجاعها سقوط من أعلى الدراجة...أو تعرقل بسبب الركض ....أو حتّى التلطّخ في وحل "الثبّر" بطينة...لا تريد هذا الوجع الذي يمتّص منها كل الحياة..تريد واقع بعيد عن هذهِ المأساة...
سُجنت..طُعنت..جُرحت..تشوّهت..تجرعّت تحرّشات عظيمة كادت تُفقدها عذريتها بشكل متكرر ومتتالٍ وما زالت لا تعرف في تلك اللّحظة التي يغيب فيها عقلها من إنقاذ نفسها خلسة من الوجع إلا في آخر نفس تلفظه..الجميع يريد هذا الجسد الهزيل ..التعّب من التحرّك والمقاومات المتعددة...نساء ورجال..أياديهم تمتد ..تتحسس خوفها ليشعروا هم بالإنتشاء وسطوة وسكرة رغباتهم المحرّمة على حساب هذا الجسد المشوّه..
لا يهدأ هذا النّبض ولا الخوف..يقتتلان بداخلها الرّغبة من الإستمرارية...يخدّران عقلها من الصوّاب..
لا تشعر بشيء...كل ما تشعر بهِ..الضيّاع..على خرائط متعددة لا تفقه كيف تسير على مفاتيحها العديدة..هي ضائعة..تعبر الجبال..والحشائش..والنّخيل بضياع مُخيف..تطأ على الأشواك ولكن لا تشعر بوخزها..
.
.
مدّت لها كأس الماء..جلست بالقرب منها
: رحيل شربي لك..اشوي...
.
.
شربت الكثير..والكثير من الماء الملوّث..وحتّى الماء المُسكر بشكل مُخادع لها..كانت عطشة آنذاك شربتهُ في دفعة واحدة..وشعرت بالدّوران..يخدعونها ويتلاعبون بها وكأنها لا شيء..افقدوها وعيها ولم يفقدوه..كانت تشعر بكل حركاتهن..مزّقوا ثيابها..وابرحوها ضربًا...يريدون منها أن تتوجّع أن تفترس العالم بعَينين مقرّحتين بحزن الدموع..يحثون رغباتها في القتال..لتُقاتلهن بِلا عقل..بلا إنسانية..بِلا وجود..
جسد فقط يحارب ويركل ويدافع يريد نقطة نور في أوج الظلام ولكن لم تلمس أي نقطة..دفعت ثمنٍ غالٍ بمقابل ماذا؟
بمقابل الخُذلان من الجميع..حُمّلت بمسؤولية كبيرة على اعتاقها..وهي حماية النّفس في مواجهة ضعفاء النفوس؟
مرّت في سيناريو بشع وحقير وبكل بساطة هذا الرجل سحب منها وبكل هدوء ما يُريده.
.
.
نظرت لأمل..وهي تتنفّس بعمق
هزّت رأسها: مابي.

شتات الكون 28-04-21 04:09 PM

رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون
 
ثم نهضت...
أمل نهضت معها وسوزان تراقبهما بصمت
: رحيل اجلسي.
تتحدث: بروح الملحق..
أمل تمسك يدها بقوّة: ما راح اخليك تطلعين..
.
.
سكتت نظرت لها...لا تريد أن تؤذيها..ولكن تتشبّث بها
لتحث ذاكرتها بالعودة إلى الماضي
بوقوفها هكذا أمام العدو..تُجابه..تبحلق في عينيه..تفحص علامات توتره من خلال تجهّم وجهه ثم تنقض..ولكن لن تنقض عليها
جسدها يرتجف ليس قويًّا
: طلعيني انتي طيب..
أمل نظرت لسوزان وسوزان نهضت وكأنها تستعد لمواجهة أمر طارىء
أمل: قبل اتركيني اشوف الرجال الغريب مشى ولا..
ثم مشت لناحية الباب وبقيت سوزان تحدّق في رحيل المضطربة
.
.
أمل فتحت جزء بسيط من الباب رأت ليث وركان متقابلين ويتحدثان بصوت مرتفع فتحت الباب على مصرعيه وخرجت ونظرت رحيل لها..ومشت بخطى بطيئة
.
.
ليث: شالحقارة...شالحقارة...كيف بصدقة...الكلاب...هدموني...كسروني...
ركان طبطب على كتفه: مو مهم نصدقه...المهم طلعت منها سالم يا ليث...تكفى وانا اخوك شد حيلك..
.
.
"الحرّه" تكوي قلبه وتنزعه وتبدأ بعملية سلخه..هو غبي وساذج وهارب من المواجهة لا ينكر..ولكن هم جميعهم تعدّوا توقعاته..دمروه..بتدمير رحيل افقدوها لذة الحياة...جعلوه يشك بها ويجن..ليفقدها الحياة كليًّا..ليقتلها ولكن يحمد الله انه لم يفعل رغم أنه ما زال موجوع من فكرة خيانتها القلبية له..ليت لم يشترك في تلك المسابقة
ليته لم يبتعث كليًّا...كل شيء حُطّم..هُبطت على رأسه طائرات كثيرة وثقيلة..هو مُثقل..عقله يعصي التقبّل لحديث ذلك الرجل..مسح على رأسه..دارت عينه لتسقط على أمل..ورحيل التي خرجت لتتجّهة لناحية الملحق
اقتربت منهم قالت: شصاير منو هذا؟
ركان نظر لأمل: مو صاير شي ...مو صاير شي..
أمل تنفعل وتنهار وتنهمل دمعة من عينيها اليسار: كل هذا وما صار شي..
ليث يتنفس بصعوبة: افهمك بعدين...
ثم نظر لركان: باخذ رحيل وبمشي..
ثم نظر لها: وبكرا بجي وبآخذك..
نظرت له لثانية ثم عادت لتدخل وتصعد من على عتبات الدرج سريعًا لغرفتها..وبقيت سوزان في صالة المنزل تحدّق في الجدران بتوتر..
ليث طبطب على كتف ركان: روح شوف زوجتك...انا بروح لرحيل.
هز رأسه ركان وتقدم لناحية المدخل
.
.
يُسابق الرّيح وأي لحظة لها القُدرة على ابعاد ساقيه من التقدّم لناحيتها، قلبه يخفق بشدّة يريد رؤيتها..يشتم رائحتها..يعتصر شوقه بحضنها..فاض كأس الشوق..فاضت روحه من الإنتظار..فتح الباب..رفعت رأسها..لتسقط عينيها في عينيه..
.
.
يحتضن الأجواء بفتح يديه مشرعةً لحُبٍ عصّي افقدهُ التوّازن في حياته
يتقدم نحو اقتطاف ضياعها بلملمته في حضنهُ الواسع الوفير بالمشاعر
ركضت لتبكي: ركان..
.
.
عَين ركان وقلبه
نبض ركان وعقله
خوف ركان وقلقه
.
.
يسحبها إليه..يسحبها إلى هاوية الحُب ومنفذ نجاتهما..كيف للحُب يجدد نبض الحياة ليخرج الإنسان إليها من جديد ولكن من نافذة أخرى يُزهر الرّوح ويُلصقها في موقع جديد من النّبض..من الحرارة التي تلسع العقل لتشعره بوميض التلّاقي..يشدها إليه أكثر يقبّل رأسها وجنتيها وجبينها..يرتعش قلبه..ينخفض جذعه..لينحني إلى وردته إلى الزّهرة التي كادت تذبل ويُضيعها من يديه ليفتقد رائحتها الزكيّة التي تُعيده إلى سعادة الحضور أمام كل مصيبة لتجعله مستعد لخوض حرب جديدة من أجل الإنتصار ومن أجل البقاء بالقُرب من وتينها
.
.
اسحبيني إليكِ..دعيني أموت...دعيني أموت هُنا
بالجانب الأيسر من الحياة، اسحبيني إلى الأشياء التي تُزهر الرّوح وتغطّي العقل من اللاوجود إلى التّلاشي..دعينا نلتحم في بُستان الرّبيع..دعينا نسقط من أعلى تّل حُبنّا إلى مُحيطات تلاقّي الأرواح وعالمها
اسحبيني..احتضنيني قبّليني بشوق..اهمسي لي عن خوفك..عن قلقك..
عن حُبّك...دعينا نعصّي اللّحظات..نُربك قلبينا ونسارع النّبضات على موسيقة العودة
العودة من الرّحيل..وقطع سُبل الرّحيل..وتحطيم حُطامة..
.
.
يستل نفسًا عميقًا..يشتم رائحتها وكأنه يريد التحقق من وجودها حقًّا ما بين يديه..يشد عليها..لتزداد هي الآخرى بكاءً وشهقات متتالية..تشد على بذلته تطوّق ظهره بيديها الضعّفتين..تخبّأ رأسها في صدره وتطلبه المزيد من الإحتضان..من الدخول إلى ضلعه لتتدفأ لتختبأ من تعرّي جُبنها في مواجهة حُبها بضعف شديد ووهن..تشهق تبكي
يردفت لها وهو يُحني رأسه ويقبّله من جديد
: تدرين..ما كانت عيونك هلاك إلّا وقت الرحيل...إلّا وقت الرحيل يا سوزان
.
.
تشد عليه اكثر..تشهق من عُمق رأسها
.
.
وما كان حُضنك أدفأ إلّا وقت ضرب القلب بالحبال المتينة يا ركان..كُنت لي وطن استقرّ في مروجه المليئة بالأمان والإطمئنان..لم تُدرك هذا البُعد زعزع مواطن الأمن وشتته..اجتاح وطني الضيّاع من بعدك يا ركان..أنتَ أُغنية لا يسمعها أحدًا سواي..أُغنية حُب عظيمة لوصف أراضيك الغنيّة والمليئة بالمشاعر التي كُنت ارجو لُقياها يومًا...اضعتني يا ركان في خرائط التيه..ولكن عُدنا من جديد..عُدنا كما وعدنا بعضنا..عُدنا بشوق وبحُب آخر..ثقيل في تجرّعه وحتّى في لفظه ولكنّه ممتُع في ممارسته وإظهاره للجميع..كدليل قاطع على محاولاتنا في إبقاؤه صلب يستحيل فصله عن العالم كلّه.
.
.
يغُمض عينيه ليُكمل: قلبي مات لحظتها؟
تشد عليه ترتجف ما بين يديه تبكي أكثر
يُبعدها عنه..يطوّق وجهها المحمر..ينظر لعينيها اللّامعتين
يبتسم: والحين رجع لي نبضي بشوفة عيونك..
تبكي أكثر تُرمي نفسها عليه لتشده إليها
تبكي تُخرج الحروف بصعوبة: لا تتركني مرة ثانية...ركان..بليز...لا تتركني..اذبحني بس لا تتركني اعيش بدونك..
يطبطب عليها يحتضنها وودّ لو يدخلها في قفصه الصدري..يريد أن يشعل نفسه الليلة بمشاعر الإشتياق ليحرقها كلّها
بهذا الوجود وبهذا الإحتضان: ماترك قلبي بعد...ما أقوى على بُعدك..يا سوزان..الحمد لله ربي سلّمك من كل شر ..الحمد لله..
.
.
تشّد عليه أكثر..تلتهمه باحتضانه..تُرخي رأسها على كتفه..تبكي بصوت عالٍ
.
.
ابتسم تركها تبكي..وترك نفسه تلوذ باحتضانه المتعطّش لها.
.
.
الشعور القاتل الذي لا يترجم إلا بالأفعال الوحشية والتي تُظهر الشخص في إطار الأمراض النفسية هي عبارة عن طريق طويل وممتد لتبدد المشاعر القهرية من الداخل التي نتجت عن السكوت لفترات طويلة ليتراكم صدى الردود في الداخل وفي عُتمة الذّات ثم تخرج هذه الذبذبات في مواقف غير مناسبة أو مواقف لا يتطلب فيها حتّى الحديث، تحدّق في الرجل الذي جعلها تمارس هذهِ القاعدة لفترة وفي سن مبكر على الكُتمان أتى ليقف ينظر لها بصمت وتنظر له بضجيج تشعرُ إنّها تكره وما زالت تحمل اتجاهه كُره عميق، هو من سرق منها أشياؤها الحُلوة يكفيها الإقتناع التام من إنه ابعدها عن أرض الوطن وعن حُضن والدها وكذلك جدّها الذي تشبّثت سعادته على أطراف أهداب رمشَيها الكثيفان، ابعدها عن أشياؤها البسيطة وأوقعها بعيدًا عن كل هذا..هو جعلها تنظر لكل شيء ببهوت، أبهتها ..قلل من أهميّتها في هذا الوجود..اهداها للعدو كهديّة لا يهمها سواء تلك الهدية مباشرة ام لا..ولكن هو من جعل "بتّال" يتلاعب بها بطريقة مُختلفة وبطريقة مؤذية..تنظر وجسدها يرتجف..ما زالت تحت تأثير اللّاواعي من رؤية بتّال.
.
.
وكل شيء يتجدد بالحنين، للذكريات والماضي التي تُجبرني على تقيّأ ما عشتهُ في آخر نفس أدخلتهُ في رئتيّ، ذهبت بذاكرتي للنخيل، للواحة التي اجبرتني على رسم مستقبلٍ مشرق حاولتُ جاهدةً على تحقيقه ولكن أجبرتُ على ترك هذه الأمنيات، سُلبت مني في وهلة التفكير من تحقيق رغبات الجميع ورسم الإبتسامة على وجوههم، تركت كل شيء خلفي وتبعت إشراقة ابتسامة"أبي" ركضت وراء سعادته حتى بي، نسيت النخّيل، ونسيتُ شجرة اللّيمون الأخضر، نسيت كل شيء حتى سقوطي في ملاحقة"الأرنب"، لا أتذكر شيء سوى فستاني الأبيض..وتوديع أبي..ليبقى هذا الفُراق سنين طويلة تجرّعت تفاصيلها بصمت..وبأمنيات مستحيلة...وبخوض حرب النجاة وحفظ الشرف...للوقوع بسذاجة في لحظات فقدان الشّرف!
.
فشلت في تحقيق أمنتياتها فشلت في كل شيء وآذت نفسها..تمنت الموت مبكرا..قدمت على الإنتحار عدّت مرات حتى معصم يدها اليسار احتفظ بذنبها لآخر نفسه ادخلته في رئتيها!، ندوب متفرغة في جسدها تجبرها على تقيّأ الألم من جديد وهو طري بعد مرور السنين عليه..كل هذا تجرّعته بعد أن ألتقت به..هل يعد رجل شؤم؟ هل يعد كابوسا أم حلم؟ لا تدري ولكنه هو الهاوية التي دفعتها من أعلى القمم إلى الدّرك الأسفل من الأوجاع..قلبها يرفضه يشدد عليها الكره والتوجه إلى زاوية الإنعزال..عاد ليُكمل ما تبقى في تلك الزاوية حينما أغمي عليها بعدما قال
"اعتبريه حضن وداع.."
احتضنها ولكن لم يلملم شيء منها..أدخلها في متاهات التفكير من العودة إلى هنا وهي فاقدة نفسها هناك..خسرت كل شيء تماما انسلخت من كونها رحيل لتذهب إلى معاني اسمها بواقعية مخيفة..لا حضن قادر على جعل رحيلها عودة لا ترحل منه في اللاوجود..ولا نظرات دافئة قادرة على أن تعيد اتزانها..كل شيء تدفق أمامها دفعة واحدة..شعرت بوجع رجلها بسبب الحادث..رغم انها شفيت منها..تذكرت جرح بطنها..الذي مازالت الخيوط عالقة به اليوم ستسحبها منه تشعر بالحكة من حول الجرح. ولكن لم تسحب الخيوط لأنها نست اوجاعها الجسدية وانخرطت وراء التفكير والوجع النفسي الشديد..وبعد رؤيتها لفيصل تقوقعة وراء رغبتها المراهقية في الإقتران منه..بعثرت نفسها أمامه وبقيت صامدة كمظهر خارجي ..تشد خيوط التهور من انفعالات حبها من الداخل تسحب بانظارها جنون مشاعر تثق بمصداقيتها ولكن قطعت تلك الخيوط ليسقط كل شيء في جوفها ويجوّف لمعان عينيها بالدموع بكت فيصل كثيرًا حتى فاض قلبها بنبضاته ولم يتوقف!..العودة هنا كانت عذاب..تجرعته ببطء..وها هو عاد دون أن يتذوق أصنافا من القلق بل تدرك هو مشبع بالغضب من خيانتها ومن تلك الصورة.. اقترب واقتربت..وانشق الحديث من ثقب سواد التفكير..وارتجفت شفتيها من عُمق صدمة تواجد مُغتصبها هُنا..كل شيء تدفّق دفعة واحدة ليصّم آذانيها ويُفقدها حوّاسها التي تُشعل بداخلها الحياة..وجود ذلك الرّجل..اشعل بداخلها رحيل المسجونة على هيأة التعطّش للدماء..للتجريح والتخريب..وإحداث الشروخات..ولكن أين هو الآن خرج..لتبقى هي ناقصة..بِلا شرف!.
.
اقترب منها..يزدرد ريقهُ عشرات المرّات..ما زال هو ايضًا في طور الصدمة..في طور الإنخداع...في طور عدم التصديق أنه خاض كل هذا ..وما زال يحدّق..وما زالت هي ترتجف..
.

: لمي اغراضك بنمشي الشقة
تنظر له..ينظر لها
:تسمعين؟
تهز رأسها

ليكمل: يلا لبسي عباتك..
تهز رأسها تبلل شفتيها

تردف:ودني النخل!
يصمت
.
.

ينظر لها، ويبحلق في وجهها تنظر له بثبات..بعينين وبؤبؤ لا يهتز ولا يتحرّك من النظر بعيدًا عنه..تقف بجسد هزيل أكثر مما سبق، ووجه شاحب مائل للإصفرار وكأنه يُعلمه رحيل فاقدة للحياة مجرّد كيان واقف أمامه لا به لا روح ولا أمل في استمرارية حياتها..يتقدم يقلّص المسافات التي كان خائفًا من تجاوزها يومًا في تلك الأيام التي قرصته العقارب وبثت فيه الثعابين سمّها..كان يخاف من أن تقترب وهي تخاف الشيء نفسه فابتعدا..وبقيا على عهد بُعهدهما حتّى هذه اللحظة..يقترب بينما هي ثابتة وكأنها تُشير له بالرضا من الإقتراب ثابتة في وقفتها وفي النظر إليه لا تتحرك شفتيها ثابتتان لا بادرة لهما على الحديث..يقترب ببطء..يُدرك موتها وضياع الآلام منها..يقسم ويجزم إنها فقدت أحاسيسها..لا يشعر سوى ببرودها واشتعال سحب غضبها التي تجذبه لناحيتها..ليحرق أو ليمسك ما بتبقى منها..أصبحا تحت ضوء القمر المُنبثق من زواية النّافذة بشكل خفيف وجدًا...ذلك الرّجل اشعل بداخله حرارة لا تنطفي..اشعل بداخله رغبة المواجهة ورغبة التأكّد من عذريّة رحيل ايضًا..يخشى عليها حقًّا من إنّها فقدت الحياة كليّا..يخشى من أنه حقًّا ظلمها بشكل مُرهب ومخيف..ولكن ماذا يفعل؟ كيف يتعامل مع الأمر كيف يصدّقه وكيف يواجهها فيه؟

تقترب.. تحمل على ثغرها جمود ..ومثير لحواس القلق في نفسه
: أبي اروح النخل.
.
يسكت، يتأمل..لا توجد خطوة أخرى ليقترب منها هو الآن قريب..أصابع أقدامهم اصبحت متلامسة..ينظر لصرامتها للذهاب إلى المزرعة التي جفّت وامسكت ذكريات طفولتهم جميعًا..لم يعودون يترددون عليها كما في السابق..كانت لهم ذكريات حُلوة خلال إجازة الاسبوع..يحتضنهم نسيم هواء النخيل..يستمعون لصوت الضفادع التي تعيش في مياه الصرف الصحي..تهوى قلوبهم لرؤية الحمام الزاجل وهو يطير فوق رأس النخيل ليتبعها سربٌ من الطيور تهيم معهم للحرية التي فقدتها رحيل..فقدت المزرعة وجودهم لسنين عدّة..فقدت ضحكاتهم..لعبهم في الخارج..هذيان رحيل وملاحقتها للدجاج..ولإحتضانها للأرنب الذي كاد يبكيهم لولا انتباهه وصراخه وقتها بقوله
"رحيل طاحت في الثبر"
صراخه وقتها جلب جلبة واثار ضجّة..لن ينسى وجه جدة..خُطِف بشكل سريع اخذت سواعده ترتعش خوفًا على حفيدته..وقع على ركبتيه وهو يعاتب نفسه على غفلته من جعلها تعيش حرّيتها بهدوء تحت ملاحقة أرنبها"رجوى"..كانت تلاحق شيء هم عجزوا عن فهمه وهي تعبر عنه.."خفت تطيح وتموت ولحقتها"..تبرر سقوطها بتلك الجملة..فسقطت الحرية..وبقيت مقيّدة بقوانين جدها.
حينما تأتي للمزرعة كانت تركض..تلعب..ولكن الجد وضع بقية احفادة ابراج مراقبة ..وكان ليث منهم اصبح ينتبه لتحركاتها..واصبح مسؤولا عن اي سقوط ونهوض وركض ولعب..حتى جاء يوم وبّخ لأنها سقطت من على أرجوحتها وكُسر سنّها وهو لم ينتبه رغم انه مسؤول للانتباه عنها وهو يلاعبها في تلك الأوقات...وفي جميع الأوقات وهي على ذمّته..كان مسؤول عن حمايتها من التّنازل عن عناده وتقبّل فكرة الزوّاج منها..ولكن عصى الفكرة..رفض تصديق تهديداتهم..رمى التهديد في صندوق اللّامُبالاة...رمى نفسه في المجهول..وفي تجرّع رغباته التي تجعله حرًّا طليقًا...اهداها نُدبة ألم على خدها الأيسر لسبب عقيم وغير منطقي..ولكن كان ينتقم لنفسه..ولخضوعه لهذا الزّواج..الذي لم ينجو منه أبدًا..كسروا أجنحته كلّها..واهدوه رحيل من جديد..ولكن على شاكليّة حُطام مبعثر..يصعب لملمته ...لإنتشار حُطامه وامتزاجه به هو الآخر!
.
.
ليث يجاريها في هذا الجنون: نروح يوم ثاني.
تهز رأسها تؤكد وهي تحرك بؤبؤ عينيها يمينا ويسارا وبنبرة تنم عن السخرية اللاذعة: ما تفرق.
ثم ركّزت بنظرها عليه: خططكم مشت بالتمام..خلاص ما بيفرق شي؟
عقد حاجبيه: شقصدك؟
رحيل تسحب نفسا عميقا لرئتيها: زوجوني لك..رحت معك في الغربة.. عشت هناك..انسجنت..بعدت عنهم...نسوني..انت عشت..ضحّيت فيني عشان تعيش!
بلل شفتيه انحنى قليلا ليصل لمستواها وهو عابس لوجهه ولكن اشارت له: لحظة..عشان اوضح نقطة ولا اظلم فيها ناس..ماحد جبرني على الزواج منك...بس انا استحيت وخفت اكسر ابوي..سعادته لحظتها ما تقدّر بثمن..
ليث: ماحد جبرك عارف..واللي صار مكتوب ومقدر..
تضحك ..تبتعد لتسحب عباءتها من على الكنبة التي نامت عليها
تنظر له تربكه بنظراتها : واضح ورانا كلام طويل.
يتنهد بضيق، مُتعب..قلبه مُتعب وللغاية..يشعر بالتشوّش وكثيرًا
: وأنتي بتأخرينا عليه.
.
.
سكتت وهي تلف الحجاب حول رأسها ارتدت سريعا النقاب..لا ترجو من الحياة شيء..تعبت لم يبقى منها إلّا فُتات رحيل كل شيء أنتهى وولّى بظهره عنها، انتهت حياتها بمجرّد الذهاب في غربته..لبست بياض ليلتها المظلمة وغابت عن أحلامها السعيدة..ليث حطّم كل شيء بداخلها..وكل الظروف كانت قاسية في جَلدها..لم تتخيّل يومًا تنام بعيدًا عن أحضان خالتها ووالدها..كانت الفكرة تُربكها وتُبكيها..خشيت من زواجه المزعوم من أن يُبعدها عن أجواء العائلة السعيدة ولكن حماس والدها واخويها جعلوها توافق وتركب في سفينة ليث ليشدّا رحالهما في غربة منكوبة..بدأ كل شيء حينما اردفت "موافقة" ..وانتهى بجنون تلك الجملة " بالسجن لمدة لا تقل عن ثمان سنوات"...تلك الجملة مخيفة وقاسية تغطي العقل وتفقد صوابه..كانت باب للجحيم..باب لمواجهة أنواع اخرى من التحرشات..من إهدار الكرامة..من أشياء لم تسمع بها ولم تراها..هذه الجملة سرقت نومها..وجعلتها كالكرة التي يلعبون بها الصبية خارج أسوار منزلهم في وقت الظهيرة وتكوّر الشمس في السماء.
.
.
أيادي تمتد في الظلام..تضرب وجهها..تدفعها على الجدار..تمزّق ملابسها..تُطفي سجائرة فوق اكتافها..يتناولونها بشكل بطيء..تسمح لهم بكل هذه الدوامة حينما يصلون لنقطة الضياع..تلتهمهن..فيلتهمونها بطعن سكين..أو شظيّة زجاجية لعينة..قاست من التنمّر..عاشت تحت سطوة عذابهم النفسي ونجاسة حياتهن ونفوسهن...ثم وبشكل سريع ..وبسذاجة قاهرة تقع في حضن الخُبث في وكر الذئب"بتّال"....لذا كل شيء انتهى..ليس هناك ما هو اسوأ مما عاشته..تجزم قرب ليث الحميم لن يكون بذلك السوء الذي تصوّرته فقربه وعدمه بعد هذه الضجة لا يهمها في الواقع..لا يوجد لديها فرصة للخروج من هذه القوقعة..ولا يوجد سبيل للهروب من واقعها..تلك الندوب رسمت على جسدها خارطة الرحيل تحت عقبات حُطامها..ستتبع ما تبقى منها من حطام لعلّى تجد رحيلًا من عواصفها اللئيمة..
.
.
بينما هو يحاول..أن يُسيطر على كيانه المهتّز بعد كل هذهِ الحقائق رغم أنه مقهور لظهورها أمام بتّال وصفعة بكل جُرئة ولكن رحيل لم تعد رحيل..هي في اللّاواعي من عقلها..يخشى أن تجن..ويحمل أثمًا آخر على أعتاقه من ابوابها الجحيمية لذا
.
.
خرجا بهدوء..لم تنبس بكلمة واحدة سحب حقائبها ثم خرجا بعد أن ارتدت النقاب، مشت من المنزل..هي غير موافقة لفعلت ليث حينما اخبرها بوجوب ذهابها الى منزل ركان ولكن هو لم يترك لها خيار كما الحياة والجميع لم يتركوا لها فرصة للعيش بهدوء ..فالآن تجد عدم أهمية أخذ الامور على منطق المفترض أو الوجوب او الاحساس بها من الترهات..الجميع بلا استثناء لم يهتموا بها فكيف بالآن؟ هم اعتادوا على غيابها كما هي اعتادت ولكن تكره لحظات الضعف التي تسرقها من نفسها.. تجزم هي استطاعت العيش دونهم والآن قادرة
ولكن تتمنى لو كانت تقف على قدميها بشهادة ووظيفة لانفصلت عنهم كليا واودعتهم في ذاكرة الذكريات المنسية..ولكن هي خسرت كل شي ولم يبقى لها شيء..وجودها معهم او مع ليث لن يفرق...بعد فُقدانها لكل مقوّمات الحياة التي تنظر لها من زاويتها الخاصة!
.
.

ركبت السيارة ما إن اغلق ليث الباب حتى انطلق..نظرت للشوارع تنهدت..الشوارع تعصف بذاكرتها..تستثير حنينها الضائع ما بين غربتها وهي على أرضه..وطن تقف أمامه ويرفضها وكأنه يلومها على الثمان سنوات وعلى الفضيحة التي اقترفتها بغباؤها في ذلك اليوم لتُصبح فريسة سهلة لذلك اللّعين..لا تتحمل تغير الأشياء من حولها..إضاءات الشوارع ..الأرصفة..السيارات وحتى اشكالها والبيوت تشعر بالغربة..بالخوف..كل شيء تغير..ليستبيح دموعها التي أبت من النزول..
.
.
نظرت لليث..ووقعت انظارهما على بعضهما البعض هو الآخر..يحاول أن يجد فيها جزء من رحيل السابقة ولكن عجز..رحيل حقا توفيت دمرّت..قراره في الإلتحاق في تلك المسابقة كان قرار "نحر"رحيل..لم يرد من الأمور في أن تصل إلى هذا المنحدر..لم يحبها..تزوجها وشعر بالمسؤولية التي تثقل عاتقه ولكن هي من اهل بيته..يغار ويخاف عليها..يحاول أن يحميها من نفسه..يبعدها عن هفواته..ولكن لم يتوقع خبثهم..احنوا ظهره بضربتهم القوية على حياتها..لفقوا تهمتهم بذكاء محنّك..اشعلوا شموع حزنه واضاؤا جانب الضمير منه...رحيل بريئة من كل شيء..تستحق رجل افضل منه..ولكن ارتبطت به برباط لا يمكن الخلاص منه أبدًا..سيتمسك بها..هي خسرت كل شيء ولم يعد شيء هناك سواه..هي لا تحبه..وهو لا يستطيع تحديد مشاعره لناحيتها..ولكن هو مقهور عليها..على سذاجته التي اوصلتها لهذا الحال..ندم وبشدة على عدم اهتمامه بتهديدهم..ندم وخسر..رحيل مرآة لذنوبة..وأمل كذلك..تعددت المرايا والذنب واحد..مفلق للصخر. ويُعجز الإنسان في الوقوف لمجابهته..احزنها..جعلها تخسر حياتها..يشعر بتغيّرها الكامل..بضياعها..وحتى باستسلامها.
لم يتحمل الوقت الذي يدخله من ثقب الضيق الى أضيق الأماكن..حديث الرجل ما زال يتردد في عقله وهو يريد تشتيته من رأسه
تحدث:تغيّرت عليك الخُبر؟
.
.

كانت تنظر للشوارع وهي ترمش بعينين كسيرتين لا يراهما كان عليه ألا يسألها هذا السؤال..سؤاله لئيم على قلبها..قاسي..يفلق ذاكرتها ليؤجج عليها عدت مراحل من حياتها..تنهدت بصوت مسموع شعرت بوخز موجع في قلبها
.
.

تحدثت بنبرة ساخرة: ما عادت الخُبر على خبري ولا عاد لي وطن فيها!
.
.
يصمت..وهي تكمل مسيرة حفظ الأشياء الجديدة بعينيها التائهتين
لا كلام قادر على مواساة روحها ولا شيء قادر على لملمت واحتضان مشاعرها المبعثرة، بينما هو أحبّ أن يبدأ ببادرة جديدة تحت هذه الأضواء..أحب ان يمتص جزء ثقيل من حزنها رغم انه يدرك هذا الأمر من المستحيلات ولكن يحاول..هذه المحاولة ستخبره بأمور كُثر..مد كف يده..لتتجه لحضنها ويمسك كف يدها..المرتخي..شد عليه واسترق النظر لها لم تنظر له ولم تسحب يدها من يده..كانت يدها باردة نوعا ما..لم يشعر بتيار احاسيسها لتختلج يده بل تياره كان أقوى من كل هذا البرود الذي ألتمسه منها شد على كفها ليهديها القليل منه ولكن هي كانت تنظر للنافذة..تحدق في اللاشيء في الواقع شعرت بإمساكه ليدها ولكن لم تسحبها..ولِم تسحبها؟ هي خاسرة..هل يفهم النّاس معنى الخسارة؟ سُجنت..اُغتصبت أي حياة عاشتها؟..أيادي كُثر مسكت يديها..تعتصر كفّيها..لم تعتاد عليها أبدًا تستغفر الله خوفًا من العقوبة..شعرت بعد عدّت سنوات اعتادت على أياديهم ولكن حاولت ألّا تعتاد بالرفض..وكلما رفضت وبخّت..انتقمت لنفسها من هذا الإعتياد..حاولت الإنتحار ربما بالغت في تلك الأثناء ولكن لم يأتي الإنتحار من العدم..احدهم من قِبل المسؤولين وجد صمتها في لمس يدها رضا لِم قد يعقب هذا اللّمس البسيط..كاد يقتلها كما فعل ستيفن ولكن دافعت عن نفسها بينما هو صفعها على وجهها ووضعها في الإنفرادي..لذلك..اصبحت عديمة شعور حينما يلمسون كفّيها أو جسدها لا تشعر بإلتماس كهربائي يجبرها على سحب نفسها منهم..فكانت تكرر الاستغفار وفي بعض الحين تغمض عينيها تستغفر مليًا لتقف أمام هذا الشعور بصرامة..كل احاسيسها انطفئت ولكنها كانت تشتعل أمام ستيفن اشتعالها من باب الخوف والرفض..والآن..لا داعي للرفض..للخوف..للدخول في جولة حرب..لا شعور بينها وبينه...كل شيء انتهى لِم تُدافع وشرفها سُلب؟...يعني لا فرق في ذلك!
.
.

انعطف يمينا سحب يده ليركن السيارة..اطفأ السيارة فتحا الباب معا نزلا..سحب حقائبها..مشى بمحاذاتها..تنظر للزاوية التي بكت فيها حينما خرجت بعد إطفاء الكهرباء..ثم عادت تصعد معه على عتبات الدرج لم يستخدما المصعد لأنه معطّل..مشت وعادت الذكريات... تسمع صوت إحدى الزميلات " برم برم هو برم برم هي، برم برم هو هي" لا تعرف اسم اللعبة ولكن كانت تلعبها في مرحلتها الإبتدائية في إحدى مدارس الأحساء حيث والدهم كان يعمل هناك وأتى نقله للخُبر في وقت قياسي بعد دخولها للمدرسة..ألتفتت على الجانب الآخر..تشعر بضجيج مؤذي وهي تصعد على عتبات ذكرياتها لا تطيق الأمر ولكن يرتفع"طق طق طق مين في الباب؟، أنا الحرامي!،إيشتعمل إيه؟،أسن اسناني، عشان إيه، عشان أكلكم ..تاكل مين..."شعرت بانساحبها ولم تخبرها خلية الذكريات بقية الجملة سمعته
: رحيل..
.
.
الحرامي ألتهمها..أكلها..قشّرها من قوقعة الحماية لتبقى مُعرّاة تنظر للوجود لينظر لها بِلا وجود!
.
.
لا تجيب ولكن نظرت لمن حولها واكتشفت وصولها أمام باب الشقة..وقعت عيناها على باب الجار تذكرت موقفه مع ابنته ازدردت ريقها..فتح ليث الباب دخلت..سريعا ازاحت من على وجهها النقاب والحجاب وكذلك العباءة، اتجهت للكنبة..وتبعها ليث..اسندت راسها للوراء واغمضت عينيها..يُدرك ما حدث مؤلم وموجع..يريد أن يخفف عنها
ليث جلس بالقرب منها: ما اعتدى عليك ..هو بس حماك...
هو لا يؤمن بذلك..ولكن حالها ارعبه..يريد ان يخفف..من حدّته ومن حالتها العصيّة!
.
.
تجهدها الذكريات فتحت عينيها تبتسم كالمجنونة: مو مهم..
ينصدم يُبحلق في عينيها
ثم نظرت له وهي تستقيم بجلستها: جدك كلمك على الشرط؟
ليث تنهد، تشتت، لا يفهم نفسه..خائف من المواجهة..وخائف من جنونها وأشياء أخرى: الشرط بيتنفذ..
رحيل بسخرية: عادي عندك يعني تعيش مع وحده خاينة؟
.
.
ماذا تفعل رحيل؟ هل تحاول من جديد استفزاز رجولته وخروجه عن طور الإستعطاف الى الغضب شد على اسنانه، هو يريد فقط شرارة ليقلب كل شيء رأسًا على عقب..ذلك الرجل لم يترك لهُ مجالًا طويلًا لتفريغ غضبه يرجو منها ألا تُعطيه ذلك المجال
.
.
: تعترفين؟
تضحك وهي تعيد رأسها للوراء تغمض عينيها : هههههههههه.. ما اخون ربي ليث ما اخون..
يضحك وهو ينهض اصبح مجنونًا مثلها يحاول ان يبتعد عنها لكي لا يبدأ لا اراديا في اذيتها..فقلبه موجوع وعقله ما زال في طور الصدمة والغضب..والشكوك!
.
.

يدرك هي ضحية ولكن يؤلمه أن تخونه عاطفيا
: خنتي وخلصتي!
.
.

تستقيم ببطء من جديد تنهض.تولّي بظهرها عنه..حركاتها غريبة..تقلقه بها...رفعت جزء بسيط من بدلتها..عقد حاجبيه..لم يرى شيء..بينما هي حاولت سحب الخيوط..تعلم جيدا التأم الجرح..هي خبيرة في ذلك..سحبته..ثم..قابلة وجهه المتسائل..زمّت شفتيها..كشفت عن جزء بسيط من كتفها
اشارت للندمة التي تنم عن اثر حرق ناتج عن انغراز رأس السيجارة عليه
تحدثت بثبات: شوف .
ليث علّق عينيه على جنونها..هل تريد ان يرى نتائج السجن؟
ثم ازاحت عن طرف بذلتها لتريح الجانب الأيمن
اردفت وهي تبتسم بسخرية: هالجرح غالي..كلفني شهرين غيبوبة..
ثم رفعت عن طرف بنطالها لتشكف له عن ساقها لتريه اثر جرح طويل وممتد عليه بلا رحمة كان ينظر لها بسكون ببهوت ووجهه ثابت لا يرمش
تقتله الآن تقتله يدرك ذلك وهو يعلم لم تلك الندوب ارتسمت ع جسدها هي تظن لا يعلم ولكن هو على علمٍ كافٍ بها..وكان يجن وقتها ولكن لم يستطع المواجهة ابدا
اقتربت منه..كشفت له قليلا عن جزء بسيط بالقرب من صدرها ورقبتها ندوب متفرغة..شوهتها وحروق..وجروح ..
.
.
تحدثت : هالجروح والحروق تشهد قد ايش انا حاولت احفظ شرفي..وحتى وانا في السجن..
وبانفعال ضربته على كتفه بلا مبالاة:تجي انت تتهمني اني اخونك ومسلمة الجسد لشخص..
تتشتت تبحلق في عينيه: ما سلمته...هو خذ..
اغمضت عينيها
بللت شفتيها تنظر له بثبات بعينين تجحدان كالجمر: اوك..فهمت..تمكنوا مني..وصرت ضحية اغتصـ..
لم تكملها لم يتحمل وقوفها هكذا..تريه ما عانته ببرود..وهو كان يدرك وجعها آنذاك..حتى سمع صوت بكاؤها خلف اسوار جبنه من المواجهة! تجرعت آلامها وحيدة عاصرتها واجبرت على التعافي منها وحيدة لتظهر هكذا..امامه تخبره عن كل شيء ببرود..كمكم فمها..وهو يشدها بيده
:اششششششششش...مابي اسمع ولا كلمة..وقلت لك...ما عتدى عليك...هو حماك بس...فهّمنا الموضوع....بس انتي خاينة ...خنتيني بقلبك ...يا رحيل!
تنظر له ينفرج فمها وترتسم ابتسامة واسعة على شفتيها..يبعد يده يرى تلك الابتسامة
تكمل: ثمان سنين قضيتها عشان ماخضعت..وبلحظة..صرت فيها خاينة وصرت فيها بايعة ديني....
صرخ ليهزها من أكتافها: ما اعتدى عليك!
يريد ان يؤمن بذلك الشيء ولكن يئسها من سماعه يُزيد شكوكه!
!تضحك: هههههههههههههه ما يهم ليث..أنت مؤمن اني خنتك
ليث يبحلق في وجهها: خنتيني بقلبك يا رحيل..
شعر بانفصام عقله حقًّا معها.
.
.
وضرب قلبها بأصابعه..
.

نظرت له بثبات: ما كان بيني وبين قلبك شي..عشان مشاعري السابقة لشخص بنيت معاه قصور وحدايق يكون خيانة بالنسبة لك..
ثم دفعته بقوة للخلف بيدها لتبتعد عنه: بس حتى مشاعري اتجاه هالشخص..ترمدّت يا ليث..
وبنظرة قوية وثاقبة: كل شي فيني احتضرر ومات..وصارت ما تفرق معاي..
يبقى واقف ينظر لها تكمل:حتى شرط جدك ما غيرت رأيي فيه..موافقة عليه..لغاية في نفسي!

وولت بظهرها عنه وهي تتجه للممر الذي يؤدي للغرقة
: ما راح يفرق شيء سواء تنفذ ولا ما تنفذ..تبقى خسارتي مالها تعويض!
.
.
يفهم إشارتها بالقبول به كزوج حقيقي لها، ويؤمن بخيانتها القلبية له..وتزداد الشكوك حول مصداقية الرجل..احمرّت عيناه اكثر..شدّ على قبضة يده..يقتله عقله..لا يريد أن يقتلها ولكن يريد التأكد لوضع حد لشكوكه وتفكيره..حالها مخيف..ولكن هو ايضًا حاله مستعصي وصعب..تردد..ساقيه لم تتحرّكا..من الجميل أن تبقى رحيل بعيدة عن جسده وعن روحه..فقربه دومًا ما يُشعلها ويُطفيها..رمش مرّتين..اغمض عينيه..موجوع من نفسه..كيف سيستطيع تعويضها؟..كيف سيمحي هذهِ المأساة من حياتها؟..ازدرد ريقه..الشكوك تزداد..الضغوطات تكتمه..مشى خطوتين .ثم..تبعها للمواجهة!

.
.
مضت ساعة كاملة..أقبل الشيخ قبل الجميع..لعقد النّكاح في أجواء تمتزج ما بين الخوف والسعادة والحُزن..تلك الوجوه التي تحدّق بشفتين مبتسمة ولسان يضّج بالعبارات الفرحة تتقلّب ..تنظر بزهو إلى المكان..فعَينيه هو..خائفة..يخشى من ألّا تكون هُنا..يخشى من أن تُحدث شيئًا يُعاكس التوقّعات..فهي ليست على ما يُرام..ليست طبيعية لا في حديثها..لا في نبرتها..نظر إلى والده..إلى أخيه ..ثم إلى ابناء عمومته..تنهد بضيق..قلبه يشدو ألحان الخوف..خلاياه مستعدّة لأي هجوم صادر من قِبل دانة..سمع
صوت عمّه بو فهد: وقّع يا محمد..نسيت توقّع..ومن العجلة صارم خذاه لدانة ووقعت قبلك!

أخذ القلم..ينظر لاسمه..وينظر لاسمها..هل وافقت؟..هل تنازلت عن خوفها..وقعت عينيه على توقيها المُهتّز..اغمض عينيه واستل نفسًا عميقًا مما جذب أنظار فيصل إليه..الذي عجز عن فهم تصرّفات أخيه..وقّع..
ارتفعت التبريكات والعبارات المتفاوتة..مضت ربما نصف ساعة ليكتّظ المجلس بالرّجال..بالضجيج أكثر..بارتفاع الأصوات..ينهض ثم يجلس..يسلم على هذا وذاك..يكرر
" الله يبارك فيك...عقبالك"
يريد الإنتهاء من هذه الفوضى..يريد التأكد من بقاء دانة هُنا..يخشى من كل شيء ولكن لا مجال للهروب..لا مجال للخروج لمواجهة شيء آخر..يُلزمه في ردع جنونه.
.
.
بينما هو عَينيه تتقلّب يمينًا ويسارًا على نوّاف..لا يدري لِم شكوكه تتكثّف وتصعد إلى منتهى سفح الجبل..يخشى من أن يُصيب فيُصيب قلوب كُثر..نوّاف متهورًا وأخته لا يدري بما يصفها ولكن هي الأخرى لا تجرؤ على فعل ما تخافه..اخذ يتعوّذ من الشيطان..رأى كيف نواف يتحرّك يُباشر في الضيافة..ولكنّه اختفى أثناء عقد القِران..لم يراه...تعوّذ من الشيطان الرجيم..نظر إليه فهد..
: علامك؟
ريّان نظر له ليهمس: ولا شي..
رنّ هاتف فهد لينظر إلى الرقم
: خالي..بقوم ارد واجيك..
هز رأسه..اخذ يمشي بهدوء ..اصطدم في رجل وهو يخرج
ابتسم على مضض: يا هلا..حياكم..تفضلوا..
دخلوا اقبلوا عليه ليسلّموا ثم خرج
.
.
أصبح تحت ضوء القمر مُباشرة وتحت الأنوار المضيئة
التي تزيّن الفرح باسم محمد ودانة..انعزل قليلًا في الجانب الآخر من "الحوش"
اجاب: هلا خالي..
.
.
اخرجها من المستشفى..نظر إلى وجهها الذّابل..رأى كيف تحاول رسم الإبتسامة على وجهها،لا تريد إيذاؤه بعد ولا حتّى لمس قلبه لإحداث شرخ لئيم وواسع في صدره
أخذت علاجاتها وحاولت النّوم بينما هو لم يتركها أبدًا بقيَ معها، هذا الكَسر عمره طويل ولم تُشفى بعد منه..مضى شهر ..ولكن المضاعفات التي حدثت لها تُجدده وتُثير قوّته عليها..تنهّد قبّل جبينها ثم خرج
ليتصل على ابن أخته


الساعة الآن 10:00 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية