منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   المنتدى العام للقصص والروايات (https://www.liilas.com/vb3/f16/)
-   -   رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون (https://www.liilas.com/vb3/t207822.html)

شتات الكون 02-03-21 08:35 PM

رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون
 
عليه بعد أن اتى في ذاكرته وعلى طريق ذكرياته!: هلا بتّال....


علم بالفندق الذي تقبع فيه....حرّك سيارته واتصل عليه
: ايوا الحين اقدر اكلمك...ونتفاهم....
بو سلمان : اولًا ليث لازم ينسحب...
بتّال عقد حاجبيه: ليش؟
بو سلمان اكمل: عشان اللورد يلتهي في المصيبة اليديدة.....اذا انسحب ليث.....بينشغل فيه....وانا اقدر اييب حقي منه بسهولة!
بتّال بصدمة: بمقابل راس ليث!؟
بو سلمان بحده: راس ليث راح يخلّيك تعيش طبيعي يا بتّال....
سكت الآخر وهو يركن سيّارته وينزل إلى الشقة التي استأجرها: مانكر...بس شلون ....ينسحب؟

بو سلمان: اترك هالشي علي....بس اسمع....من ابدي شغل حامي...ترد السعودية.....ولا تسافر بعدها حتّى الكويت لا تروح فيها....امسك مرتّك واستقر بالرياض!

ضحك هنا بتّال: ههههههههههههههههههه شكلها ما قالت لك انها تبي تطلّق؟

بو سلمان بغضب نهض من على الكرسي: ما راح تطلّقها....اصلا هي حامل ...وبشهرها الخامس كلها اربع شهور وصّير ابو.....هالطفل بعدّل اوضاعكم.....

بتّال بغضب وصرخة: انا اصلا ما ابيها...شلون تبيني احط راسي على نفس المخدة معاها وهي تشهق وتبكي وتحلم باسم خطيبها السابق!

بو سلمان بانفعال: غلطتك ما امتلكت قلبها.....كل يوم تخون .....شلون ما تبيها..
قاطعه: انا وتحرير خطّان متوازيان!....تزوجتها بس عشان امي....وعشان اسد فم عمي.....ولا زواجي منها غلط بغلط...
ابا سلمان سكت ثم نطق بجدية: بتّال.....انا بقدم لك معروف....وقدم لي انت بعد معروف.....انت عارف اني ما راح اطلع من اللي بسوّيه الّا جثة....فلا تخليني احرقك معاي!
بتّال سكت....يعلم هذه النبرة جادّة.....وعصيبة ايضًا خاف
: المطلوب؟
ابا سلمان بانفعال: تصير ريّال.....وتعدّل من اوضاعك.....بعد ما اسوي الخطة...تترك خرابيطك...وتحافظ على بنت اخوي وبيتك......وتبدي حياة نظيفة .....ولا والله يا بتّال....انا قادر اسوي كل اللي ابيه واشركك معاي فيه!
بلل شفتيه: اذا مو انت اللي طيّحتني على وجهي ستيفن بطيّحني!
ابا سلمان بحدّه: ستيفن اليوم موجود باجر لا!
بتّال سكت ليهمس: ناوي تذبحه؟
ابا سلمان سلك طريق آخر: وصيّتي لك تحرير يا بتّال....تحمّلها...واصبر عليها....اذا عطيتها فرصة تحبّك راح تنسى ركان.....بس عدّل من نفسك.....وخرابيطك بطّلها...

بتّال حّك ارنبة انفه....تحدث بهدوء: طيب...
ابا سلمان: باي......وانتبه للاشعارات اللي بتييك على رقمك الخاص....

اغلق الخط ليترك بتّال يضجّ بالتفكير....لم سيفعله ابا سلمان، اطلق زفير راحته وهو يُمسح مرارًا وتكرارًا على رأسه بكل حيرة وقلق...يعلم من الجيّد ان ينقاد وراء خِطط ابا سلمان من أجل ان يبقى سالمًا دون أن يُصبح على مشارف الموت...رأى ما حصل لليث وغيره....هُناك امثال كُثر ... لم يرق قلبه عليهم ولكن ارسلوا لهُ رسالات تحذيرية مما هو آتي فوق رأسه لو عصى يومًا امرهم...شهد على الكثير من موتى الأبرياء...ولكن كان يشد أزره بنفسهِ ويحاول التماسك وتجاهل عقوبات اللورد بولاؤه لهُ...من أجل أن يُصبح رجلًا بعين عمّه الذي يطرق اذهانه خوفًا من ان يسحب فكر والدته في القبول بهِ زوجًا من اجل الإعالة!...اثبت رجولته بتوفير الإمكانيّات الضرورية لهم ....رغم المساعدات البسيطة التي يمدّها عمّه لهم إلّا انّه يرى حاجة عائلته....فكرّس نفسه يخوض في تلك المسآل المُثيرة للشُبهات دون التفكير بطريقة المال التي تجعلهُ رجلًا كما يظن...وحينما رأت والدته اشتداد عوده....اقبلت عليه تصّر على تزويجه....ورأت الفتاة المُناسبة ...والتي تُصبح ابنت خالتها المتوفية والمتزوجة برجل كويتي ...لم يهتم للأمر...ولكن اكتشف بعدها....الكارثة التي رسمت ملامح الصدمة على وجه ابا سلمان....

لم يُبالي للأمر كثيرًا فهو كثير السفر ....لا ينوي أذيّة هذه العروس اصلًا ولم ينوي قُربها ولكن شدّت حُبّها لركان...وهذيانها ليلًا بهِ.....جعله يخطو خطوات كثيرة لتخطية الحواجز...واظهار غضبه على تكريرها لاسم خطيبها السابق...ولكن لم تهتم له.....واصبحا الاثنان في شد وجزر....وكلاهما يعرفان انّهما خائنان لبعضهما البعض....فابتعد عنها لشهور ليكتشف حملها....سافر إلى هنا ولم يعد هُناك ولم يحدّثها بما يُقارب الخمس شهور...هي تسكن مع والدته في المنزل في معتزل شقتهما في الدور العلوي.....والدته احبّتها....وهي الأخرى يشعر انها تعوّض فقد امها بأمّه...ولا تكترث لوجوده.

والآن ابا سلمان ذكّرهُ بِها فسحب الهاتف ليتصل عليها انتظر ربما لدقيقتين وهو يكرر اتصالاته ثم اجابت
ليقول: لا كان رديتي؟!
تحدثت بنبرة انثويّة تختلجها النعومة بشكل حاد ومُلفت: شتبي؟
بتّال بلل شفتيه: اخبار امي؟
ابتسمت بسخرية: كان اتصلت عليها وخذت اخبارها منها...ليش داق علي؟
بتّال: مزاج والله.....اشتهيت اسمع صوتك واتصلت عليك منها اسمع صوتك الشجي ومنها آخذ اخبار امي؟
جلست على طرف السرير وهي تضع يدها على بطنها البارز: بخير....الكل بخير...ومو محتاجين شي......ومو قاصر عليهم شي.....
بتّال زفر: وانتي؟
سكتت وهي تنظر لبطنها وكأنها علمت بسبب الاتصال
: ولدك بخير.
تهجّد صوته وكأنه رقّ قليلًا
: ولد؟
ازدردت ريقها بتعب: اي....
بتّال سكت، دار حول نفسه...سيُصبح بعد بُضعة شهور ابًا لأبن انتظرهُ والده المتوفّاه كثيرًا...مسح على رأسه من جديد وكأنه يريد إزاحة التوتر من عليه
: تحرير...ايام قليلة وبكون جنبك....
تحرير نهضت وعيناها تهتزّان بالدمع...عضّت على شفتها السفلية
: مو بحاجتك أنا...خالتي مو مقصرة وياي....اذا ما تبي تيي(تجي) مو مجبور.....وولدك بالحفظ والصون!

سكت لا يريد أن يتحدث بعد ان اهتّز صوتها في قول"ولدك" لا يدري هل اهتّز لأنها في الواقع بحاجته ام تعتب عليه لطول أمد سفرته
تحدث: ما راح اشاورك برجعتي......سلمي لي على أمي....مع السلامة.
واغلق الخط قبل أن يستمع لردّها...تأفف ثم خلع بدلته وهو يمضي في الممر الذي سيوصله للخلاء يريد الاستحمام بدلًا من التفكير وتفكيك ما يدور حوله!
.
.
.
اشغلت وانهكت نفسها في ترتيب المنزل بدلًا عن والدتها لا تريد أن تمضي وقتها في الغرفة لكي لا تفكّر بمسألة مقارنتها بتوأم روحها ولكي لا تبكي! انهت صلاة المغرب ونزلت للمطبخ تريد أن ترتشف عصيرًا....ليُثلج قلبها من النبض باسمه!
رأت والدتها التي تُمسك بهاتفها وتقول: علامك يا عين خالتك ما جيت؟....صاير شي؟
تنظر لها وهي تفتح الثلاجة وهي تسمع والدتها تقول
: طيب كان اتصلت وقلت لي ما بترجع ....قلبي زاغ عليك خفت صاير شي ....
سحبت الكأس لتسكب العصير البارد
لتكمل والدتها: طيب يا ريّان....بحفظ الرحمن...مع السلامة...
اغلقت الخط
لتلتفت عليها: تأخر كثير...
ام وصايف وهي تسحب هواء عميق: يقول الشغل اليوم مكثّف...ويمكن يتأخر اكثر....
وصايف: غريبة...
ام وصايف بعتب: ولا اتصل علي تركني احاتيه....
وصايف وهي ترتشف القليل: يمكن نسى يتصل ويعطيك خبر...
ام وصايف: اي بعد عيني يقول نسى من زود الشغل...
رنّ هاتف وصايف هنا....وسحبته من مخبأ الجينز اليمين
فقالت: مزون...
ام وصايف: ردي عليها وبلغيها سلامي ....
هزّت رأسها وهي تخرج من المطبخ وتجيب عليها
وكان صوتها مبحوح: لا كان رديتي....الله يلعنك!

تعجّبت وكثيرًا من لعنها لها بتلك النبرة الصارمة
: ما يجوز تلعنين ويّه وجهك....وش تبين؟
بللت شفتيها وهي تنهض وتقفل الباب
بكت: انا في مصيبة يا وصايف...
وصايف وهي ترتشف الكثير من العصير جلست ووضعت رجلها اليُسرى على اليُمنى: ما في شي جديد!
أتى هُنا صوت مزون باكيًا: هالمرة صدق ابوي بيذبحني...هالمرة يا وصايف مسألة شرف...
نهضت وصايف وهي تشد على الكأس وتنفعل: شنوووووووووووو؟
ثم انتبهت لنفسها والتفتت خوفًا من خروج والدتها من المطبخ
: شقولين...مزون.....بالله اذا تمزحين وربي ارتكب فيك جريمة.....وش قضيّته....
مزون هُنا بكت: رهف اللي طلعت معاها...وبسببها كسر ابوي يدي...خويها هكّر جوالها.....ونشر فيديو لي هي مصورته بدون ما ادري....ومنتشر يا وصايف......حاولت اكلّم الحسابات عشان توقف نشر بس ما فيه فايدة......وخايفة يوصل لابوي.....والله ليذبحني....
وصايف وضعت الكأس على الطاولة ....تلعثمت في الحديث....وهو نزل من على عتبات الدّرج ونظر لوقوفها
ورجفة يديها وهي تتحدث: شقولين فيديو؟.....يمه مزون.....شالمصيبة....وجهك باين؟

انشدت خلاياه جميعها ليقف جانبًا ليتصنّت عليها
اكملت مزون: نص وجهي...لبسي وشعري.....وصوتي ينعرف انه انا....
وصايف تعرّق جبينها: يمه يمه يا مزون......مصيبة مصيبة ......الله ياخذ صاحبتك كيف صورّتك ووين؟

فتح عينيه وكأنه فهم الأمر وشدّ على قبضة يده

لتستمع وصايف لقولها: وانا في المدرسة بالحمام....الحيوانة صورّتني بدون ما ادري وهو بدا يبتزها انه ينشر كل اللي في جوالها ومن قرادة حظي نشر الفيديو ....وبعدها نشر صورتها....

وصايف بانفعال: بلغتي؟....مزون....لازم تبلغين....الوضع ما ينسكت عنه....والله ....والله لو يدري خالي راشد يذبحك......ولو يدري فهد وريّان راح يسلخون جلدك....
شدّ اكثر على قبضة يده...ربما تلك المجنونة لن تكف عن جنوها قبل ان تلطّخ سمعتهم وتجعلها في الحضيض...
اكملت وصايف: انتي مالك دخل....بس هم ما راح يستوعبون هالشي...بلغي عن الحسابات اللي تنشر.....رسليه لي خليني اشوفه......
مزون بعنين محمرتّين باهتتين: اتصلت على فهد ابي اقوله يساعدني بس ما رد يمكن عشان رقمي غريب....
وصايف بتحذير: لالا فهد عصبي وما يتفاهم......اتصلي على ريّان هو نقيب ويعرف لهالسوالف.....وبيتفهم .....
مزون ببكاء: لا ريّان لا...
وصايف بغضب اشتد حنقها: يا الخبلة ...ريّان نقيب....يقدر يحل الوضع بدون ما تصير فضايح....

اغمض عينيه وابتلع ريقهُ غصةً .....بلغ غضبه منتهاه ....تقدم قليلًا ولكن تراجع وهو يزفر
مزون: خايفة يوصل لأبوي خايفة....

وصايف بقلق: سكري ورسلي المقطع....ولجا ريّان انا بقول له...ادري اصلا هالفترة كارهني.....ولا يكلمني ....واضح مصيبتي قرّبة بعد أنا!

شخصيت عيناه ...لينصدم في قوقع تفكيره هل اتفقتا تلكا الاثنتان على جلب المصائب؟
يا الله ما هي مصيبتك يا وصايف ....الذي اثارت ريّاح غضب ريّان عليك.....ما هي علّتك التي ستجعلني أُدميكِ....ضاق تنفسه في الواقع......ولكن سيبقى ليستمع ربما ستنطق بمصيبتها تلك الاخرى!

مزون بخوف: صاير شي وصايف؟.....سويتي جنون...تكفين وصايف تكفين.....لا تتركين نواف يسحبك لطريقه والله بتندمين......شوفي حالتي...ما اكلم ولا احب....وشوفي كيف المصايب تتلبّسني.....والله الخوف....يموّت يا وصايف...حذري منه....
وصايف ازدرد ريقها: ما صار شي......لا تحاتيني.....اصلا انا مو غبية....بس ريّان متغيّر ......والكل معتفس بالبيت.....فصايرة حتى انا اشك بالكل.....

لا يفهم حديثها ولا يفهم ربطه ....هل هي في مصيبة ام لا؟
مسح على وجهه
لتكمل: رسلي المقطع باي....

واغلقت الهاتف وبقيت متوترة تنتظر ارسال مزون للمقطع وهو تقدم لها...واصطدمت انظارها بعينه....ارتبكت ....وابتسمت على مضض
تحدث بصرامة: تعالي غرفتي...
سقط قلبها في محلّه هل سمع ما قالتهُ
تحدثت: اشوي واجيك فهد...
تحدّث بصرامة: تعالي الحين.....
ثم مشى بالقرب من عتبات الدّرج، واخذ وجهها يتلوّن بذعر
همست: يمه يمه......ليكون سمع ...يا رب لا لا....
ثم مشت بخطى متسارعة لناحية الدرج وتبعته من خلفه!
.
.
.
قام بالإجراءات اللازمة وهو في مكانه....اتصال محمد واخباره بكل شيء تفصيليًا جعله يتهاوى بغضب ولكن حاول ألّا يظهره .....ساذجة هيلة يقسم انها ساذجة.....كيف انخدعت وانطوت تحت لسانٍ حلوٍ لتقع على قضايا معقدّة....رفع قضيّة ضد أماني....لمحاولتها في تأذيّة هيلة ودفعها على السيّاج ....بينما القضية الأخرى .....اخبر محمد على ألّا يستعجلا ....فالأمر ليس هيّنًا......هما الاثنتان ستسيران على وجه التحقيق...فالكتب التي تم احالتها إلى الجهة المختصة للقسم الخاث....تعد من المصائب والكوارث.....وهذه قضية اخرى......ولكن يخشى على هيلة من جدّه....ويخشى عليها من خبث أماني......
خرج محمد لينظر لريّان وفيصل
التفت فيصل: كيفها الحين؟
محمد بوجه شاحب هو لم يتجاوز حدث دانة ليدخل في حدث اخته.....جلبوها في الطوارىء هنا وامسك حالتها واخبر سريعًا ريّان بالكارثة بعد أن نقلتها إليه اصايل
: بخير...بس ابوي ...يتصل علي وانا ما ارد ما دري شقوله...
فيصل : لا تحاتي كلمته قلت له خذتهم من الجامعة ورحنا نتمشى....عصّب بس تطمن اشوي...
ريّان واقف بينهما ببدلته العسكرية: الله يعدي الأمور على خير...
فيصل بغضب: وين تعدي يا ريّان وين.....ابوي لو يدري والله ليجرم فيها...
محمد: صعب نفهمه الموضوع....
ريّان بلل شفتيه: بحاول اخلي الموضوع سرّي...وبحاول ما نضطر من استدعاء عمّي....
فيصل ابتسم بسخرية: كلنا عارفين شي مستحيل...
ريّان اقترب منه: اول خطوة قبل لا يدخلون مواضيع التوجيه والارشاد .....راح يحاولون اثبات المسألة وعلى منو الخطأ......وراح يجي امر تفتيش حتى بيتكم ......الكتب اللي جاتنا.....في القسم مصيبة....
محمد بتعب: هيلة قالت...هالأماني الـ####....تجيبهم في الجامعة وتترك البنات يستعيرونها منها غير كذا البنت خربانه من الآخر ما هيب على الفطرة....
فيصل أخذ يشتمها...
ريّان اشار لهم: هد فيصل.....ما ينفع كذا......انا ووقت التفتيش بجي مع صاحبي....بدون زي عسكري....وقتها بعطيكم خبر....تلّهون فيها عمي.....
محمد مسح على جبينه: الله يعين....
فيصل: جعلها تنحكم ....قصاص .....الحيوانه...تبي تورط اختي تقول هي تجيب هالبلاوي....يا خوفي تكبر السالفة اكثر وتطيح براس هيلوه الغبية....
ريّان: لا تخاف العدالة موجودة يا فيصل......والاهم الحين نعرف....من وين تجيب هالكتب...واضح الموضوع كبير ووراه مصايب .....وأماني هذي ما راح تطلع من الموضوع سليمة.....ولحد الحين ما في شي يثبت هيلة مشتركة اصلا معاها!

محمد بلل شفتيه سكت، وألتفت على الجهة الأخرى ونظر للتي أتت بخطى متسارعة ....ترتدي معطفها باحتشام ومتنقبة بترتيب معاكس للظهور الذي قلب وضعه قبل ساعات...اقتربت منهم...القت عليهم
: السلام عليكم...
ثم دخلت لغرفة هيلة
وهم يتمتمون برد السلام
ريّان: المهم....طمنوا نفسكم ...لا تحاتون.....وانت يا فيصل لا تطيش....لا تحسس عمّي بشي....
فيصل هز رأسه: لا تحاتي يا ولد عمي.....
محمد: اتعبناك اليوم.....
ريّان طبطب على كتفه: ما فيه تعب هذا واجبي....الحين بمشي للقسم.....وبقول لكم على كل تطور يصير....فمان الله....
همسوا الاثنان: فمان الكريم...
التفت فيصل على محمد الذي اخذ يضغط على جبهته
: شفيك؟
محمد التفت عليه جانب الهدوء يسيطر عليه رغمًا عنه: منصدم....
فيصل اقترب منه: لا فيك شي....اخوي واعرفك زين...علامك....
محمد طبطب على يد اخيه: بعدين فيصل بعدين.....
.
.
داخل الغرفة ما إن دخلت دانة وكشفت عن وجهها حتى نهضت اصايل لتحتضنها وتبكي
احتضنتها واخذت تطبطب عليها وهي تقول: اصايل عمري هدّي...هيلة ما فيها شي...كلها بس غرزتين.....
اصايل وهي تشهق تشعر انّ الكون كلّه اظلم عليها حينما رأت اختها يُغمى عليها دون شعور لتسقط على الأرض ويرتطم رأسها دون توخي للحذر في الارض...صرخت فيصل دوت من جديد في اذنها...اغماء هيلة مفاجأ وناجم عن شدّت توترها....ودخولها في مرحلة انهيار بسيط....بسبب الخوف الذي اختلج قلبها
: طاحت ما مداني امسكها!
دانة ابعدتها عنها نظرت لوجهها: الحمد لله هي بخير....وبس نطمن عليها ...ساعة ساعتين بالكثير وراح تمشون....هدي وسمي بالله واجلسي...
اصايل تنهد نظرت لهيلة النائمة بهدوء: الله ياخذها هالأماني بّسبب على اختي وبتفتح لنا باب شر.....
دانة بعينين محمرّتين وجفن سفلي منتفخ قليلًا: لا تحاتين ...ريّان باذن الله بيحل الموضوع.....استهدي بالله بس....
اصايل نظرت لها: ابوي لو يدري....بسوي مثل ما سوّى عمي بو فهد في رحيل....
صُعِقت وسكتت هل تُدرك أنّ رحيل مسجونة في غربتها
تحدثت اصايل بعد ان ادركت دهشتها: اي ادري...عرفت بالسالفة بس هي
ونظرت لهيلة: والباقي ما يعرفون....
دانة بضيق: ما هوب صاير شي....والموضوع ما ينتقارن برحيل يا اصايل.....
ثم نهضت: بقوم اشتري لك ماي وعصير
اصايل مسكت عضدها: لالا خليك جالسة معي لين تجلس اذا ما عندك شغل...
تنهدت دانة: اوك.....بس بروح اجيب ماي على الاقل..
هزّت رأسها الأخرى وهي تنظر لأختها بصمت وقلق!
.
.
.
.

انتهى

شتات الكون 09-03-21 12:55 PM

رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون
 

Part16
.
.
.

.
.




قبل لا ندخل في البارت حبيت أنوّه على كذا نقطة عشان نصير في الصورة السليمة مُنذ البداية، شخصيات الرواية ليسوا منزّهين كل التنزّيه فهم بشر يصيبون ويخطئون، والأحداث فيها من الواقع والخيال النّاطق، لم اقتبس الأحداث من حياة أحد أبدًا أبدًا، وليس هدفي تزيّين الحرام، بعض تفاصيل الأحداث لم أحبّذ التطرّق لها لأسباب عدّة حفظًا للحدود التي وضعتها لنفسي، كتبت اشياء كثيرة من وجهة نظر مختلفة خاصة لشخصيات الرواية، بعض الأحداث ربما كُتبت لتكون خارج دائرة المألوف بطريقة ما، فيه تعدد باللهجات لمناطق السعودية ودول أخرى إن اخطأت فيها اعتذر للجميع حاولت بجهد أن اظهرها بشكل صحيح ولكن اعلم اني بشر أُصيب واخطأ فألتمس لكم العذر من الآن، و يُسعدني ان اشارككم ايّاها بصدر رحب..فأنا اتقبل النقد ووجهات النظر بأدب ورُقي، روايتي ايضًا تحتاج لتأني في القراءة كما أنّها معقدة بعض الشيء، كتبت أجزاء كثيرة منها ولكن اعتذر منكم لن استطيع أن اشاركم اياهم في دفعة واحدة لعدّة اسباب منها ما زالوا على قيد التعديل غير إنّي مقيّدة بظروف خارجة عن إرادتي..لذلك سيكون هناك بارت واحد في الأسبوع "اليوم" لن يكون محدد..في الواقع لا استطيع تحديده استنادًا لظروف حياتي الشخصية.








.
.

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
(لا تلهيكم الرواية عن الصلاة، اللهم بلغت اللهم فاشهد)
.
.
.
.


.


.
.
.

أمرها بأن تُغلق الباب خلفها لتضطرب اكثر، اخذت تفرّك يديها وتشّد على "جوالها" بقوّة، تخافه تخشى من أنه سمع حديثها كلّه، يوتّرها بروده وخطواته التي سحبته بالجلوس على السرير ازدردت ريقها وهي تقف تنتظر عقوبةً أو تنتظر ريحًا تنتشلها من أمامه ارتفع صدرها خوفًا حينما اعتلى صوت رنين هاتفها هُنا كتمت انفاسها ثم عضّت على اسنانها بقوّة...حينما نظرت للشاشة وهي تحدّق بالاسم بذعر"نوفة يتصل بك"،خفقت أجنحة الموت عند نظرة فهد الحادّة لها وكأنه يُعرّيها من هذا الخوف ليوقع بِها على عتبات ما تخاف منه!

سحبت هواء وكتمتهُ في صدرها، "ويلي ويلي يا نواف بجيب أجلي الحين" اعطتهُ مشغولًا ليكف عن الاتصال...ولكن استمر...نهض هُنا فهد ليتقدم أمامها... سيُقطع هذه النظرات وهذه الرجفّات التي تُصدر منها بشكل مهتز أمام عينيه أما هي لوهلة تذكّرت كل مصائبها مع نواف...تذكرت قُبلته التي اشعلت في نفس ريّان الشك وألقتها على فراش التعب والقلق من الفضيحة...

تذكرّت مكالماتهما السريّة...ولكي يضمنا ألّا يكشف امرهما احد...اخذ نواف يحدّثها برقم سري لا يعرفه احدًا من أهله سواها....بينما هي....سجلّت اسمه باسم انثى لتبعد الشكوك من حولها...

يتصل....يتابع "جوالها" الرنين ليتصاعد مع انفاسها ونبضات قلبها...يقترب فهد لتُدني بنفسها نحو الموت....نحو الفضيحة واكتشاف الأمر على مُنحنيات القلق الشديد...نظر لها..ازدردت ريقها ..سواعدها اخذت ترتجف...عقلها لا يتوقّف عن فّض شريط الذكريّات أمام عينيها لتتذكّر جميع مساوئها..وتمرداتها التي انطوت وراء ثقّة كبيرة اعطوها إيّاها بينما هي قابلت هذه الثّقة بخيانة لو ظهرت أمامهم لن تُحمد عُقباها!

وقف ووضع يديه خلف ظهره : ردّي عليها....

نظرت لهُ بعنين حائرتين...زاغ قلبها من نظراته وحدّت نبرته
تلاشت انفاسها وكُتمت في الآن نفسه..
حينما صرخ: رررردّي عليها....
وصايف شجّعت نفسها: هذي نوفة مو مزون...
ورفعت شاشة هاتفها أمام عينيه ليقرأ"نوفة يتصل بك" كانت تتمنّى زوال غضبه ، ويتوقف لهذا الحد ولا يأخذ هاتفها منها...

انفعل بالحديث: شاللي سمعته تحت؟...شالمصيبة اللي مهببه فيها بنت خالك؟

سقط الثّقل وذنب نواف في الناحية اليُسرى من قلبها ليُثقله اضعاف ثقله المزعزع في هذه اللّحظة...إن كان سيغضب لمزون فلهُ ذلك....فليغضب ولكن فاليبتعد عن أمرها.. لا تريد أن يفتضح امرها الآن لتُصبح المصيبة مصيبتان ومليئتان بالفضائح التي لن تمر عليها بسلام.

ازدردت ريقها واخذ جسدها يرتجف بتوتر: فهد.....والله...هي مالها دخل....صديقتها....
صرخ ليقاطعها: ورّيني الفيدييييييييو...
أيقنت هُنا فهد سيتحوّل لجنونه المُعتاد أثناء الغضب لذا استسلمت لحقيقة سماعهُ بكل شيء، فتحت هاتفها سريعًا للتتجة للـ"وات ساب".....نظرت لعدّت رسائل تصلها من نواف تقرأ الإشعارات قبل أن تدخل لدردشة مزون يضج قلبها بالخوف حينما قرأت " كل شيء بينا انتهى يا وصايف" ازدردت ريقها وترقرقت عينيها بالدموع...اطالت النّظر، تريد استيعاب ما كتبه..يبتدأ بالأمر ويُنهيه حيثما يشاء وكيفما يشاء ضاربًا بعرض الحائط شعورها ومشاعرها لناحيته، غصّت في شهقتها التي لو خرجت لأدمت قلبها ..طافت في عالمها الحزين ولكن صرخت فهد ايقظتها من سكرة الصدمة.

: خلصصصصصي علي....
توجهت اصابعها الطويلة والمرتجفة للذهاب لدردشة مزون
نظرت للفيديو، قامت بتشغيله ولم تنظر له في الواقع..

اعطته فهد بعقل فارغ وشارد...ضجّ فؤادها بغضب على نواف الذي ينتظر إشاراتٍ لتُغلق وصالهما ببعضهما البعض...لها الحق في ان تغضب لمقارنته بينما في الواقع لاحق لها وله في هذا الوصال المحرّم العنيف....والذي بهِ تعدّى نواف الحدود والمناطق المحظورة.....خافت ....حقًّا اختلجها الخوف....ماذا يعني بِكل شيء انتهى...هل هُما بدآ بشيء لينتهي كل شيء اصلًا....

ما باله لم يعد يحترم رغباتها ويتقبل ماهيتها ويقف أمام خوفها مهونًا بدلًا من اشعال كل احاسيسها في صُّرّةٍ واحدة، بهت لونها وأُختطف...هل هي حقًّا تضخّم الأمور...تخاف بشكل مفرط ومنفّر؟ استيقظت من جديد على صوت مزون وهي تكرر كلمات وطنية مشهورة ...مزون تعشق هذه الأغنية الوطنية وفي كل يوم وطني تُنشدها على عتبات مسرح مدرستهن....يرتفع صوتها..ضاق تنفّسها...كثيرًا حينما رأت تأجج وجه فهد بالحُمرة والغضب...كان ينظر لتمايلها...لشعرها الطويل والكثيف الذي يتمايل على ظهرها كالموج المُنبثق من لجّة البحر...ومن ثمّ يلتف للجانب الأيمن مع موجة طربها للمقطع الذي تغيّرت فيه نبرتها إلى نوتات ناعمة وصارخة،

أتت الموجة من جسد يضّج بالأنوثة المُلفتة التي اثارت غضب مُستعير بنيران الغيرة عليها.....ظهر جانب وجهها الأيمن ليستبيح النّاس النّظر إلى قُمحيّة بشرتها اللّامعة ولأنفها الشّامخ ....كحيلة العَينين "ومتوردّة" الوجنتين...وورديّة الشفتين...هو رأى وجهها متكامل من خلال جانبها الأيمن فقط!

ضغط على هاتف اخته...وألقاه على الارض لتنكسر شاشته وتشهق بعمق وهي تُلثم بكفّيها فمها تمنع خروج قلبها من فاهها.....تخاف فهدًا وهو غاضب...فهو يتحول إلى أسد سريع الانقضاض بوثبات عصبيّته....
اقترب منها: حسبي الله عليها...وعليك...وعلى اللي تارك لها المجال تسرح وتمر على هواها وكيفها!

ارتعش جسدها ورفعت نظرها له...هل يتحسب على خالها بطريقة غير مُباشرة؟ انكمشت على نفسها حينما اقترب منها يسأل وسقطت هُنا دمعة خوف من عينيها اليُسرى ودمعة حُزن على وضعها مع نواف بشكل لا إرادي، هي تخاف فهد..وقلبها موجوع من حُبٍ عصّي يأبى الإستقامة!

: من متى وهالمقطع منتشر؟

تهز رأسها وشفتيها ترتجفان، كيف تحوّل فهد الذي قبل أيّام قليلة يدنو منها ويتودّد بمشاعر اخويّة ويُطبع حنانه على جبينها الآن وحشًا تخافه وتهابه
: مادري...
أبتعد عنها، وشعر برجفة خوفها وانكماشها مُبتعدة عنه...انحنى على الأرض...ليلتقط هاتفها الذي لم يمت إلى الآن!....فقد ضجّ الرّنين ليزعج خلايا فهد...انكسرت شاشة الحماية فقط....نظر لأسم المتصل" نوفة يتصل بك" لم يتردد في الإجابة ظنّت هُنا وصايف مزون من تتصل...اجاب
وصرخ بحنق: لو سمحتي اختي....لا عاااااااد تتصلين ازعجتينا!

اغلق الخط ...وتقدم لها....فهمت المتصلة لم تكن مزون...ولكن مَن؟ هل نواف؟....جمدت أحاسيسها...تغيّبت عن الوعي وهي تُبصر لردّات فعل فهد....اصبحت قريبة من حُفرة العقوبات والموت...ولكن مزون وفضحيتها تُنقذها الآن ببطء شديد....مدّ لها الهاتف....
: ارسلي لي رقمها...بسرعة....
سحبت الهاتف من يده بأنامل مرتعشة....ضجّ قلبها...وهي تنظر للشاشة المكسورة ولإشعاره الذي أتى على قلبها المرتجف قائلًا" فهد رد علي...كشفك؟"

فقدت وعيها تمامًا لا تفهم شيء....كل ما فعلتهُ ارسلت رقم هاتف مزون لأخيها...ثم نظرت له
برجاء: بطلع...
فهد اشار لها بحذر: بس اخلص من مصيبتها....بلتفت لمصيبتك!

وقع قلبها في الأرض ماذا يُعني بمصيبتها؟...هل أن أوان الموت؟
هل تبكي الآن وتعتذر وتُخبره أنّ القلب مُعتل بالحُب الذي يُسقم الجسد؟
هل تعترف انّ لا ذنب لها في طيش افعال واشتعال نواف...ولكن مازالت تُحب قلبه النقّي؟
ارتجف جفنها همست وكأنها تريد تأكيدًا : اي مصيبة؟
صرخ: بعد تسألين عن أي مصيبة ؟...يعني الوضع فيه مصايب؟
انفعل ممسكًا بعضدها: الله ياخذك أنتي وبنت خالك كأنكم بجيبون أجل هالعيلة بكبرها!

تنفّست بصوت مسموع وتيقّنت بمعرفته بالمصيبة كادت تكشف الستّار
وهي تبكي: فهد والله...
اشار أمام فاهه: اششششششش ولا كلمة.....وطلعي الحين مابي انشغل فيك!

ازدردت ريقها هي لم تفهم هل يقصد مصيبة حُبّها أم هُناك سوء تفاهم؟ لم تتمالك نفسها أمامه بكت....وخرجت وهي تُسارع خطوات النّجاة ناحية غرفتها....بينما هو اغلق الباب ولم يهتم لها...عقله مشغول في نيران مزون...توجّه لسحب هاتفه من على السرير ....نظر للرقم الذي ارسلتهُ اخته...سجلّه باسم مزون...وذهب لناحية الاتصالات ليتصل عليها ليكتشف المفاجأة...رقمها ذاته الذي كان يتصل عليه دون أن يجيبه....فهم الأمر قليلًا....

اتصل واخذ ينتظر ردها...وهو يجول في غرفته ذهابًا وإيابًا
.
.
قرأت رسالتها التي كُتبت باخطاء إملائية تدّل على عظمة توتّرها، قرأت بشفتين مهتزّتين" فهد عرف كل شي"، ضربت على فخذها بيدها السليمة...عبء يدها المكسورة أخذ يضج بالألم لتعلن نوبة بكاء من زمن طويل لم تُدخلها...رجف قلبها...هي لو كانت تعلم أنّ صاحبتها سبق لها وقامت بتصويرها دون إذن لقلبت طاولة المدرسة على رأسها، لا يحق لها ذلك...وهي في الواقع لا تحبّذ ارسال الصور لصديقاتها أو الإحتفاظ بصورهن في هاتفها فهي لا تعلم ما قد يحدث في المستبقل...تخشى من وقوع هاتفها في مكان ما يومًا وتنتشر صورهن بسببها أو يحدث عطل في هاتفها وتكون سببًا في تأذيُتهن لا تدري ولكن ليست ممّن يحبّذ الإحتفاظ بصورهن داخل ذاكرة هاتفها...ولكن ماذا فعلت رهف؟....اقتحمت خصوصيّتها بمبدأ صداقة...لينتهي بِها المطاف لمبدأ عداوة....هي تعلم خروجها معها في ذلك اليوم يُعد من الكوارث التي لا تُغتفر ...كان عليها الإنسحاب ما إن علمت بنواياها ولكن قلبها الطيّب خشي عليها من ذلك الوحش...لتقع هي في فخّه...لا تدري ماذا حدث بعد انتشار صورتها هل وصل خبرها لأهلها...هل عاقبوها أم انتحرت بسبب خوفها الشديد

أم استسلمت لرغبته...هُناك حسنة واحدة من المقطع وجهها لم يكن ظاهريًّا للعدسة ...جانبه الأيمن ظاهر أجل صوتها واضح ولكن هوّيتّها تبقى جزئيًا مخفية...فقط اهلها من سيتعرّفون على هذا الكيان الذي يتمايل بأغنيته الوطنية!

سمعت رنين الهاتف...عضّت على شفتيها وهي تنظر" ف يتصل بك" اضطربت حواس الخوف...هي استعجلت حقًّا في اتصالها عليه لطلب النجدة والآن تشكر الله على عدم ردّه فوصايف صادقة من المفترض تتصل على ريّان ولكن بها من الداخل شيء يمنعها من فعل ذلك لتحير هكذا!

مسحت على شعرها لا تنفك الرجفة عن يدها ....ويدها المكسورة تضج بالألأم...لن تُجيب عليه وهي تتلوها العواصف...لا تريد أن تُسمعه رجفة الأحرف من لسانها المعقود...تركت الهاتف يرن...وهي تسحب وتستل انفاسًا متتالية...اخذت تجوب في غرفتها....بعينينها المحمرّتين ووجهها الشاحب....والدها بعد ساعات قصيرة سيكون في جدّه...تدعو الله أن يلتهي في عمله ولا يصله المقطع...إن وصله سيُكسر ما ترمم من كسرها العنيف!

ضاقت عليها التوقعات فيما يعقب معرفته بالفضيحة...لم تستطع أن تحدد ردّت فعله...سحبت الهاتف واخيرًا اغمضت عينيها
لتقول: هلا فهد...

أتاها صوته الغاضب والمعاتب: بلاويك متى تخلص؟....ابي افهم متى رااااح تخلص؟

تسكت وتجلس على سريرها لتسمع: ناوية على ابوك ولا على امي ولا على من انتي؟

تحدثت بصوت مهزوز : فهدددددد قل خيرًا أو اصمت!

صرخ ناسيًا نفسه: من وين يجي خيرررررر وهذي بلاويك....تعرفين وش معنى الفضيحة؟.....وشمعنى ينتشر لك فيديو وانتي تترقصّين قدام الكاميرا؟...اصلًا انتي تعرفين وش معنى الشرف يا ....

ثم سكت واخذ يتمتم بالاستغفار
فانهالت عليه بغضب: اي اعرف...وانا حريصة على نفسي اكثر من اي احد....بس اللي صار...خارج عن سيطرتي...ولا هوب برضاي.....

بلل شفتيه هزّ رأسه حانقًا: كيف صوّرتك؟....هااا....كيف تسمحين اصلًا لصديقاتك يصورونك ويحتفظون بصورك بجوالاتهم هاااا؟

اهتز جفنها: ما ارضى احد يصوّرني وهي صوّرتني بدون ما ادري...وكانت بتحذفه لكن نست....والزفت خويها هكّر جوالها ونشر اللي فيه....ما هوب بس أنا اللي صورتها انتشرت!

شتمها بقساوة ثم تحدث منفعلا: خويها؟....بالله كيف تصاحبين هالدشيرات ....وين عقلك فيه....ولا انتي من نوع لكل ساقط لاقط!

انفعلت لتصرخ: حدّك عععععاد فهد....ماسمح لك تغلط وتضغط علي.....دام هذا حكيك سكر الخط....وانا بتصرف بنفسي....

فهد: كان تصرّفتي قبل لا ينتشر زود......وش كنتي منتظرة؟
سحبت هواء عميق لرئتيها لتردف: مابي اغلط عليك فهد!

ضحك مقهورًا ليردف باستصغار: هههههههههه لا غلطي...يا ام الاغلاط....صدق شين وقوي عين!

روحها تنزف ألمًا وخوفًا .....اتاه صوتها باكيةً وهي تشتمه وتسبه بألفاظ وقحة لا يعلم ممّن سمعتها وممِن تعلّمتها ولكن يقسم لو كان أمامها لصفعها على فمها ليُعيد تكوينه من جديد!

صرخ: وقص اللي يقص لسانك.....فيك حيل والله.....ما الومك ما لقيتي من يوكلك تراب...ويعيد تربيتك من جديد....و ما عندّك من اللي تراقبك طول اليوم وتوقفك عند حدّك...خالي لاهي بشغله ومعطيك ثقة كاملة يحسبك كفو وانتي من وراه....تخبصين ....حسبي الله عليك هذا اللي اقول...

استوعبت تعيرته اللامباشرة كونها يتيمة الأم، مال حاجبها حُزنًا لفُقدها لوالدتها ولشعورها الذي يلّح عليها بتذكيرها ورغبتها في احتضانها لتنتشلها من هذا الوجع....قاسي فهد حينما يغضب ينهمل لسانه ليوجع قلوب كُثر....عضّت على شفتيها لتختنق في غصّة يُتمها الذي جاء مُبكرًا!
شهقت لم تستطع كبح هذه الشهقة
مزون بانهيار: الحين انت متصل علي عشان تهاوش يعني؟...عشاننننن تستفرد علي بغرورك....وتزيدني هم؟

فهد استل نفسًا عميقًا، حينما أدرك نبرة وجعها تلك: حطي ببالك زين...ما تصلت عليك إلّا عشان خالي.....وعشاني ما راح اعدّيها لك يا مزون.....

وبجدية: راح اقدم بلاغ.....بس ابي رقم الزفت خوي صاحبتك....
مزون في الواقع اخذت رقمه من رهف من أجل التبليغ ولكن تراجعت لأنها خافت من امر الفضيحة
تحدثت بثبات هذه المرة: بسكر الخط وبرسله لك...
اغلقت الخط في وجهه ليعود إلى ضوضاء غضبه وهو يشتمها وبدأت تجول بعقله افكار سوداء حول الأمر ، سحب نفسه وخرج من الغرفة "ليرقع" الباب بقوّة..
.
.
كُل شيء تغيّر ،الحياة هُنا لم تكن الحياة التي تعرفها...المباني...الشوارع...حتّى رائحة التُربة الحامضة اثر المخلّفات وأثر الحشرات الميّتة لم تعد نفسها، تغيّر ربيع هذا الهواء الذي بات يخنقها...تنظر للأشياء بانكسار...هي أتت هنا دون تخطيط بل بشكل سريع وصادم لتطأ على هذه الأرض دون أن تحس بالتغيّرات فالصدمة أمنعتها من رؤية ما آل عليه زمانها...أتت هُنا لتدخل في وكرٌ جديد يمنعها من رؤية الأشياء وتحسسها لها، ولكن تجزم الآن الأرض لم تعد نفسها ولا تدري هل الأرض تغيّرت حقًّا أم هي من تغيّرت في الواقع؟ تذكّرت ايامًا خلّدت حُبها لهذه الأرض والبُقعة التي تستنشق عبير الهدوء والطمأنينه منها تذكّرت وقوفها على عتبات المسرح طفلةً تُنشد أغنية وطنية خاصة لدولة الكويت الشقيقة ولكن استبدلت كلمة "يا كويت يا كويت يا نبض الحياة" إلى "يا سعودي يا سعودي يا نبض الحياة" لم تُختمها بالتاء المربوطة لتخفف من وزنها ورغم ركاكة الجُملة إلّا انها اكملتها أمام الأمهات.

تنظر لخالتها بعينين تقدحان بريقًا ينّم عن براءتها البريئة من زُقاق التفكير الظالم هذه الأغنية ترددها حتّى في المنزل كما أنها تخلّدت في عقول الكثير من الشعب السعودي حُبهم للكويت كأخوة جعلهم يدندنون الأغاني الوطنية ويتبادلونها كالأرض الواحدة والجسد الواحد وهذا لا يقتصر على الكويت فقط بل على جميع دول الخليج، هذه الأغنية لها ذكريات وطابع خاص في قلبها تتذكر كانت تحاول أن تعلّم وصايف ومناهل وحتّى مزون حفظ كلماتها ولكن ثلاثتهن لم يستطيعوا حفظها في وقت وجيز ولكن وعدتهن من تحفظها أولًا.. وهنّ صغار وجدًا ستعطيهن هديّة لطالما تمنّوها، حفظوها ولكن كانت جملهن غير مفهومة ونطقهن يجعلها تضحك لدقائق معدودة. تنهدت ثم أخذت

تنظر لتلك الزاوية لتعلو في آذانيها" وطني حبيبي، وطني الغالي" هو غالٍ لم يتغيّر شيء في معزّته وإلى الآن لم تروي ظمأ عشقها لإنتماؤها لهذا الوطن ولكن ما بال الأشياء لا تذّكرها بالوطن الذي ينمو ويغرق بداخلها ما بالها؟ تلتفت لضجيج تجمّع الرّجال الذين خرجوا متساءلين عن سبب اطفاء الكهرباء في العمارة ...وجدتهم يرتدون الزّي السعودي الرسمي "الثوب" نفسه لم يتغيّر"الغترة\الشّماغ" ايضًا نفسها لم يتغيّر شيء..."الله الله يا شمس الحياة"... أين شمس حياتها؟ أين نَجمَيْها اللّذان يُضيئان دربها؟ أين غَيْمتّي حياتها؟... "وطني النجم العالي وطني"...رفعت رأسها للسماء...تنظر لضوء القمر وتخبّأ النجوم خلف الغيوم الحمراء...لا تستطيع أن تكبح مشاعر اشتياقها للوطن وهي على أرضه...هل تقف أمام نفسها لتعترف أنّ الوطن تغيّر خلف صدى صوتها؟ في ترديد "الله الله يا أرض أهلي وأجدادي" لم تتحمّل تذكّر صوتها الطفولي في ترديد هذا المقطع...أين اهلها أين اجدادها؟ لِم هم مصرّين على نزعها منهم وقذفها بِلا هوية على ارضها الجدباء؟ أين وطنها الغالي؟ أين ارضها الخضراء؟ تدمع عينيها وهي تُهمس بجنون" يا شوق ما بعده بعد" بكت...اهتّزت اشواقها جميعها تارة واحدة ودفعة تُسابق عبراتها التي تُخنقها...هو وطنها...هو عَينيها التي تُبصران بهِما

تشتاقهُ...تمشي خطوتين للوراء لتختبأ عن تجاعيد حُزنها تُهمس بشفتين تهتزّان شوقًا على أوتار وعلى نمط آخر بيت من أغنيتها المفضلة " والحافظ الله يا بوي والحافظ الله يا بوي"...خبّأت بكلتا يديها وجهها المختبأ خلف " النقّاب" ها هي تتعرّى أمام الشوق وافتضاحه...تاقت روحها لأبيها...ارتجفّت خلايا عقلها حينما نظرت للشوارع وإلى الإنارات

والأعمدة الكهربائية التي تغيّرت عليها كليًّا وكأن لهذه الأعمدة وهذه الأرصفة القدرة على إثارت انتباه شوقها ناحيّة أبيها التي تتعمّد في السّابق على تجاهل الشعور والإختباء خلف قسوة سجنها اللّئيم...

كم وكم تمنّت أن تُخبره عن ضياعُها المستميد من السّجن...طال صبرها وانتظارها في رؤيته لتُخبره عن ضجيجها الداخلّي عن خوفها وعن نزعات الشيطان التي تمر مرورًا ثقيلًا ما بين أوردتها وشرايينها ولكن لا تدري كيف خرجت من هذه النّزعات سليمة؟

..هي تُدرك لا تملك إيمانًا كاملًا لتقف أمام هذه النزعّات دون أن تُبدي بحركات جنونية....فلو كانت تمتلكه لأمسكت نفسها عن الإقدام على فكرة الإنتحار لتأخذ قرار إخراس روحها من استمرارها في العَيش من دون وجه حق...لَمَا قنطت في لحظات ضعفها ....ولكن لا تدري كيف كانت تعود لرشدها حتّى ولو كانت الفترة طويلة كانت تعود...تعود لتنهزم وتفوز وهي ترجو المغفرة من الله والرحمة....تلك الجروح التي خُطّت على جسدها تشعر أنها كالتكفير لأفكارها ومحاولاتها في الإنتحار....لن تنسى الألم الذي ذاقتهُ...لن تنساه وستخبر والدها عنه لعلّه ينتقم لها منه...لن تنسى تلك اللّحظة التي خشيت فيها من الموت...أجل خافت أن تموت...وقتها الزّمن توقّف ضجّ صفير في آذانيها بشكل مُخيف وكأنه يريد أن يُخبرها أنّ الموت قد آن أوانه رغم انّها تقسم وقتها لم تجّهز سريرتها لتعيش في عالمها الآخر،تكرر بضعف وبصوت يتردد في جوفها"رَبِّ ارْجِعُونِ"، ضاق تنفّسها مُباشرةً حينما غُرزت حافّة الزجاجة في خاصرتها، توقف كُّل شيء يتحرّك أمام عينينها ادركت انّ أمنيتها تتحقق ببطء أمام هذا الألم زاغ قلبها وشخصت عينيها ....ظنّت انها ستظفر بالراحة ولكن في آخر لحظات

الإختناق خشيت من الموت، ترآت أمام عينيها امرأة ترتدي ثوبًا اسود وكأنها تُعزّيها، فهمت هذا السّراب خاص لوالدتها التي رسمته في مخيّلتها مُنذ الصغر ولكن هذا السراب لا يمتلك وجهًا، لا ترى ملامح وجه والدتها بوضوح بل تراه رماديًا تتخله خطوط متعرجة وكأنها تنّم عن عبوسها وحزنها عليها...سقطت على الأرض تذكر جسدها اخذ يرتعش خوفًا فهي خائفة من الموت...ومن حُزن والدتها التي تقف على رأسها بخيالات تراجيدية مع نوتات الألم....تلك الطعنة افترشت جسدها على السرير لشهرين متتاليين لتبقى في سجن الجسد...وأي سجن كان؟
سجن يمنعها من البُكاء، يمنعها من الصّراخ، يمنعها من الحركة...هي تذوّقت اصنافًا من السجون ولكن لا تريد الآن أن تُحبس في نوع آخر....نوع يحبسها على ارض الوطن ليُبعدها عن وطن قلبها....لا تستطيع....فهي تريد ذلك الوطن الذي يُخبّأُها ما بين يديه...يشدّها على صدره...ليُمسك بخيوط سعادتها ويفترشها أمام عينيها حُبًّا....
.
.
اغمضت عينيها، وتداركت وجودها في الشارع على صوت بوق السيارة القادمة من الشارع الرئيسي، فتحت عينيها ونظرت لمن حولها بشتات جازم في أن يُنهي كيانها ، نظرت للسيارة التي أُركنت جانبًا بالقرب من العمارة مشت بخطى ضعيفة على الرصيف حينما ادركت عودة الكهرباء على العمارة، فالرجال عادوا لشققهم ولم يعد هناك تجمهر امام حارس العمارة، اخذت تتنفّس بعمق تختنق برائحة الدخان الصادر من رجلين عبرت امامهما، علقت عيناها على تبعثر الدخان وتصاعده بشكل خفيف ومتناغم امام عينيها، تذكرت الدخان المتصاعد في السماء صباحًا تذكرت ارض النخيل في واحتها الواسعة، تذكرت ايّام طفولتها وحنينها الآن

ينتشلها للمكان الذي تعشقه وللرائحة التي نستها أو تخشى من انها نستها في الواقع، توقفت لوهلة وكأنها تريد استيعادة حسّية شمّها للأشياء تريد أن تسترق رائحة تذكّرها بأيّامها الجميلة مشت خطوتين وهي تسحب اطنانًا من الهواء تُريد ان تشتم رائحة الطمأنينة، رائحة الصباح في طريقهم نحو النّخيل تريد أن تشتم عبير نخيل الأحساء ليحتضنها قليلًا تريد ذلك الدخان المتصاعد من تراكم السعف فوق بعضه لتمسكه ويحرق باطن كفها كما فعل قبل سنوات حينما امسكت بهِ.

ارتعشت سواعدها على هذه الذكرى الشارع هُنا ايقض قلبها من سباته وانعش ذاكرتها من غيبوبتها الطويلة، دخلت إلى وجهة العمارة لا تدري كيف اشتمّت رائحة "الطبينة" فجأة وتغلغلت في انفاسها لتختلط برائحة الخبز الأحمر الحساوي والذي يشتريه جدها على طريقهم المؤدي للمزرعة،

ضاق صدرها عقلها بات يتذكّر كل شي وهي التي خشت نسيان الأشياء التي عاشتها مسبقا مشت بخطى سريعة، ركضت على عتبات الدرج لتهرب من واحتها الظلماء وقفت امام باب الشقة لتسمع صوت من جانبها الأيسر" بطة يا بطة شيلي الشنطة، شنطة خفيفة زي الريشة، تلعب كورة في راس تنورة" ، ألتفتت سريعا لتلبّي الحنين المتدفق من رأسها، نظرت لطفلة تحمل حقيبة حمراء بطابع طفولي ممسكه بيد والدها الذي يغنّي لها تلك الأغنية التي تنتشر بين اطفال الأحساء آنذاك، تذكر انها حفظتها من طفلة تمر مع ابيها ليسلم على جدها في مزرعتهم تجلس تلعب معها تُنشد تلك الطفلة بالأناشيد المحلية والشعبية لأهالي الأحساء حتى حفظت منها الكثير، فتح الأب الباب وحاول ان يدخل ابنته هل اهالي الاحساء انتقلوا لهنا او شوقها يُجلب لها الهواجس؟

فتحت الباب سريعًا واغلقته سمعت صوت الطفلة يرتفع"بابا خلنلعب سلام سلام" اختفى صوتها وارتعشت شفتي رحيل، تضيق ذاكرتها في الدائرة التي لم تتسع لها في قعر السجون حتى بها جعلتها عاجزة .

دخلت الشقة نزعت العباءة بقوة من على جسدها تتعبها الذاكرة ، ليس وقت الانهيار.
جالت بنظرها على ارجاء الغرفة ندمت من خروجها منها لو بقيت هنا في الظلام لمَا تذكرت وجهه ابنت صديق جدها وهي تقول"نلعب سلام سلام؟" تجهل اللعبة تماما،

تهز برأسها، لتبدأ الطفلة" سلام سلام" تمد يديها الصغيرتين وكأنها تريد ان تصافحها مدت لها يدها لتصافحها ولكن الاخرى سبقتها حينما سحبت كفّها ثم ارسلت لها تحية عسكرية بلحن يشدو على اوتار مسامعها شوقا الآن"تحية الاسلام" ضمّت اصابع يديها لتفرج الابهام والبنصر وتقربهما من اذنيها"الو الو" ثم قبضة يدها لتشير بإبهامها ناحية فاهها سريعا" شراب برتقال"

صفقت كفيها بيعضهما البعض ثم اشارت لها بأن تضرب بيدها اليمنى على يدها اليسرى ليكملا اللعب ولكن لم تنجح فتململت منها لتقول"ماتعرفين تلعبين؟"
اهتز جسدها لا تعرف اللعب ابدًا كانت واضحة في حياتها ولكن لا تدري كيف دخلت في متاهات هذه اللعبة التي تشعل نيران مُحرقة في جوفها، بكت واطرقت الذكريات ذاكرتها الفولاذية، الآن ايقنت ان عقلها اشد قسوةً منهم ادرج على عينيها ومسامعها وعلى انفها ذكريات في ضجيج واحد وجماعات واحدة بللت شفتيها نظرت لضعفها بينما هي كذلك سمعت قرع الجرس، انشدت هنا خلاياها وانطفأت قناديل الذكريات، هل يعقل محمد؟ ولكن لِم لم يرسل لها رسالة.. بقيت واقفة حائرة تتقدم وترى من الطارق ام تبقى هنا واققة، ولكن قرع الجرس لا يهدأ تقدمت بقيت خلف الباب، تنفست بضيق ذكرياتها قبل عدة ثوانِ همست: مَن؟
لا يحق لها ان تسأل ولكن انجرفت لتستعلم لم هو خلف الباب لتُبعد ضجيج الذكريات، والاخرى من خلف الباب نطقت: طليقة محمد!

وقفت تنظر ببهوت، لم تنصدم فهي تدرك هناك امور حدثت دون ان تعلم بها ولكن السؤال طليقته ماذا تريد بهذا الوقت خاصة؟
.
.
تشتاقهُ، لا يهدأ جفنها من الارتعاش، تلك الأفكار كفيلة من أن تُسلبها راحتها، يُبعدها ويُبقيها على ذمته وكأنها لا شيء، تكره قربهُ الحميم لا تنكر ذلك ولكن تحب وجوده في حياتها هي ليست متناقضة ولكن وهبت مشاعرها كلها له وكأنها بذلك تنتقم من شيء ثقُل بداخلها، لن تنكر يؤلمها أن تعيش معه وهما ينظران لركان بوجه يمثّل السذاجه والفرح لخداعه، لو كانت تعلم انها ستعيش هذه الأيّام لمَا ذهبت هُناك .
تخشى من ان يصطدم اخيها بالواقع وتخاف من الأيام التي ستضم رحيل معهما، ها هو معها أجل ابقاها معه لتؤنسه في وحدته لم يجعلها تنزل معهما من أجل ان يحظى بلحظات سعيدة بعيدة عن ضجيجها وضجيج اهله، هو مشتاق ترى اشتياقه يخرج من بؤبؤ عينيه ربما تتخيّل ولكن احاسيسها لا تخطأ، يُتعبها هذا الشعور، تحاول التناسي والإنقياد وراء رغباتها المندفعة لناحيته ولكن هو لا يشجعها على ذلك يوقفها قبل ان تقترب ويقترب منها في لحظات تُشعل امامها ضميرها بالنيران يأخذها على موجات إلقاء اللوم والعتاب ويضربها على صوتها الداخلي المرتطم في جدران خوفها، يقترب بشكل مُخيف وعلى أنماط تكرها ويبتعدا مسافات قصوى!

لا يريد منها حبا،لا يريد منها عشقا حياتهما على طريق تأدية الواجبات فقط لا يهتم لشعورها ولكن في الأوان الأخيرة بات متغيرًا وهي تعلم جيّدًا هذا التغير طرأ عليه بسببب ركان وشدّت ملاحظاته التي اوقعتهما تحت اضواء تساؤلاته اللامنتهية حتى جعله يتنازل عن إلقاء ذنبه كليًّا عليها واخذ يحاول على الا يذكّرها بما مضى، ازدردت ريقها تذكرت ايامها وبداية زواجهما لن تنسى فرحة ركان ولن تنسى نفورها منه"لا نمثل على بعض نامي حنا اصلا خلصنا من هالليلة"
اوجعتها جملته واشعرتها بالرخص هو لم يكن يعلم انها عاشت ايام صعبة تحاول بهم لملمت كيانها الضائع في لُقيا طريق لينتشلها من الفضيحة كانت تحمل على اعتاقها الخوف من ركان والخوف من انكساره الذي كسرها قبل ان يقع ليصبح واقعاً!

كانت ايام طويلة وهي تركض خلف ليث تتشبّث بكفّيه بعد خروجه من الجامعة تدخل معه في زُقاق ضيّقة بعد أن تتوسّل اليه بالتحدث ترتجف خوفًا"تكفى استر علي" يُبعدها عنه، يسير امامها تنكسر وتتحطم، معرفته بأصلها وفصلها وعائلتها سببًا في تغييره وتكوينه على طور آخر ولكن حينما علمت بالسبب بطل عجبها منه.

تزوجا وعاشت معه على جُمل وافعال ابكتها" لا تنتظرين مني شي"،"أنتي غلطة"، "الرخيص للرخيص" تلك الجملة القاها عليها حينما أدمى قلبها إجابةً على جملتها التي فلتت من لسانها كرها لتوبيخه وتذكيرها له بتلك اللحظة صرخت" لا تلومني يا الرخيص حتى انت شاللي خلاك تروح هناك؟"
ابكاها بعد جملتها تعايشت مع طبعه اجزمت حياتها ستكون تحت جحيمة لن تستطع حب شخص آخر فهي اذنبت دون ان تحس وهو ألتهمها بذنبه وابتلعها لتدخل في ثقبٌ اسود ذو جاذبية صارمة في سحبها بداخله، من سيتقبلها بعد الآن؟
عمرها مضى، اخيها ركان يعامله وكأنه اخيه الأصغر يشد بهِ أزره و يستند عليه يشعر به وترا خوفه وتقلباته المفاحأة حينما يلتمس الخطر يحاول إلتهام ليث وكذلك ليث لم يكن اقل شعورا بالاخوة لناحية اخيها فهي تجزم الانفصال عن ليث لا يعنيها فقط بل يعني ركان لذلك حاولت ان تحب ليث، وهامت به لا تتخيل حياتها دونه تشعر انها غفرت له خطيئته ولكن جزءًا منها لا يقبل هذا..وينازع قلبها!

يؤلمها انها احبته بعد كل هذه العواصف ، يؤلمها انها اعتادت عليه، والاشد الما غيرتها من ميوله لرحيل، مسحت على شعرها عدت مرات، اغمضت عينيها تذكرت تلك الليلة الحالمة لا تدري كيف قلبتها رأسا على عقب تكره قربه وتشعر انه يفهم ذلك ويعاقبها عليه حاولت التخلّي عن مشاعر الخوف والرعشة الجسدية التي تصيبها وترهقها حاولت ألا يتطور الأمر معها ولكن لم تتجاوزه اغمي عليها كما هي العادة، بعثر الوسط اتهمها بالكذب"تسوين كذا وتمثلين علي تفكرين بحبك؟".

ابعد نفسه آنذاك لا تدري ماذا حدث ابكاها وادماها ثم خرج لتبقى بقلة حيلتها على السرير تنظر للجدران التي اخذت تتلوّن بلون خيالاتها السوداء، بكت تحاول أن تخرج من طور الهلع الذي تشعر به حينما يقترب ولكن قربه الحميم خانق ، ضيّق، يُمنع رئتيها من سحب الهواء تختنق وهي تحاول الصمود من ألّا تبكي لا تستطيع ان تتجاوز تلك الليلة، مر شهرين لتكتشف حملها صارحته به وانقلب ليث لرجل مُتعب شكّاك يرمي حديثه القاسي بلا مُبالاة حينما ادركت لا حياة معه رغم حُبها له اتخذت قرار اجهاض الجنين، كانت تتمنى قبوله به، تتمنى ان يساعدها في تخطي فزعها ولكن هو لم يحاول بقدر محاولاتها في تقبله...بقدر تمسكها بالحياة وذهابها إلى طبيب نفسي!، بكت ولم تتردد في اجهاضه وها هي الآن تبكي ندما على فعلتها

سمعت رنين الهاتف، سحبته بيد مرتجفه وهي تتنفس بصوت مسموع نظرت للاسم وارتسم على وجهها ضيق لا تريد محادثته ولكن اشتاقت لصوته
اجابته: هلا ليث..

ما زال مستلقي على الكنب يحدق بالسقف تفكيره متعب اتصل عليها ليطمأن:أخبارك؟
امل: بخير..

ليث رمش حينما ألتمس نبرة الضيق ونبرة الاهتزاز:باكية؟

شدت على أسنانها لِماذا هي مفضوحة امامه لِم يستطيع قراءتها هكذا بكل وضوح رغم عدم محبته لها؟

:لا
ليث وكأنه يريد اطالة المكالمة والهروب من جنون ما يعيشة..ليواجه صدق مشاعره: لا تكذبين علي يا أمل...انا اعرف نبرات صوتك....انتي باكية بس على شنو بالضبط؟
سكتت، ضاقت روحها على جسدها يعرفها تماما وهي باتت لا تعرفه بسبب صراحته المسبقة لها في مشاعره كيف يفهمها؟ رغم كُرهه لها!

تحدث بصوت ثقل: أمل....فيك شي؟

تداهمه بصوتها المحشرج: لو مت راح تزعل علي؟ راح تبكي ليث؟ راح تندم على اللي سويته فيني؟

عقد ذكرياته لتتجه لناحية ذنبه، جلس سريعَا واسند ظهره على المسند، مسح على وجهه بضيق: علامك صاير شي؟

امل بدموع وبصوت متنهّد: هو لازم يصير شي يعني؟

ليث: لا مو لازم....يا أمل.....
قاطعته: راح تزعل لم...
قاطعها: راح تضيق علي روحي!

بكت بصوت محشرج: ندمانه على حياتي اللي انهدرت.....ندمانه على فضولي...ندمانه على شعوري وانت قريب مني وخوفي...ندمانه على ولدي اللي ذبحته...ندما...
قاطعها وهو يشد على جبينه وبصوت مهزوز: أمل...
تسكت عن الحديث وتسترسل في البكاء
ثم تعود تأخذ نفسا : انا ذنب؟






شتات الكون 09-03-21 12:57 PM

رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون
 


.
.
أنتِ عقوبتي المؤجلة
أنتِ سراب الذنوب الوحشية
أنتِ ضياع مفتاح الخارطة
أنتِ وجعي
أنتِ رحيل بصورة أخرى
أنتِ كل الأشياء الحزينة يا أمل
.
.
ليث بثبات: ومُوجع!
أمل ابتسمت وسط انهياراتها: لكل ذنب كفارة...
يفهم ما ترمقه إليه، يتنفس بعمق: هالنوع بالذّات ماله تكفير...

أمل ترتجف كفيها الممسكة بالهاتف: إلّا ليث فيه...
ليث يغيّر مجرى الحديث لا يريد منها الاطالة في الهذيان: وش جاك بذا الوقت اظن الوقت عندكم متاخر؟

تنظر لساعة الحائط تجيبه : علقت في دائرتك يا ليث...
عادت به من جديد على الموال:علقنا اثنينا في بعض وما نقدر نطلع من هالدائرة....

تبكي بوجع تمني نفسها في احلام تنبثق من املها الضيّق: عشان ركان؟
ليث: سبق وقلتها لك وعشان امل.
امل:ركان متعلق فيك مو تارك لي مجال اقدم على اللي ببالي

ينهض توتر من كل شي، صوتها يغوص في ذكرياته..يهدأ تارة وتارة اخرى يرتفع بوجع "بحّتها" التي لا يقوى على سماعها!

: اصلا اللي في بالك مستحيل يصير..

تغمض عينيها لتسقط دموعها واحدة تلو الاخرى: مستعدة اضحي بنفسي ولا يزعل علي ركان.

لا شك في ذلك
يفهم كل شيء لا داعي ان تشرح له فمطاردتها له في الأيام الماضية تبرهن له مدى حبّها وخوفها على مشاعر اخيها، هي تخلّت عن كرامتها اسهبت في مطاردته إلى ان اوقعتهُ على واقع مَن تكون؟ رأى انكسارها خُذلانها وهو خائن وموجوع من نفسه ومن خيانته لصاحبه يذكر جيّدًا مجيئها إليه ليلًا في الشقة لايدري كيف علمت بعنوانه ولكن يُجزم انها عاشت ايامًا صعبة من تغيّر شكلها مضى على الامر بما يقارب الاربع سنوات ولم تكف عن ملاحقته، في وقتها كان يعلم انها اخت صاحبه ولكن لم يتجاوز صدمته من كل شيء، كان صوت ركان وهو يقول"أيا الجلب الجبان.!......ما تبي تزّوجها؟.....ولك ويّه تطل بويّه
اخوها؟......قسم بالله أنك مو ريّال...أنت خنت اخوك وصاحبك ركان اللي
ما فيه مثله...تزّوجها يا ليث......ولا وربي لا اروح واقوله عن سواد
ويّهك يا الصايع!"

يتردد في مسامعه حديثه ولكنه كُبّل ما بين الاعتراف وما بين الخضوع لرغبتها من الزواج بها، ولكن حينما فتح الباب والتقى بوجهها الشاحب وعينيها المنتفختين وجسدها الهزيل شعر انها استهلكت نفسها لكي تقنعه، هو موجوع وهي تزيده وجعًا بهذا الاصرار، يذكر وقتها اردف" بكون بينا اتصال روحي لاخوك" هزت رأسها بخضوع وكأن الاحرف جمدت في فاهها وتأملت في اشراق حياتها من جديد، فهمّها يريد وقتاً ريثما يتجاوز اموره الصعبة وفي الأشهر الاخيرة من السنة الخامسة من محكومية رحيل تزوجا.

شعر انّ روحها هدأت ولكن خوفها كان يضجره، كان يلتمس خوفها من قربه ولكن لا يدري كيف انقلب الامر في تضاد مشاعرها تحبه ولكن لا تريد قربه في الآن نفسه!
شعر انها جنّت ولكن وقتها هو وجد ضالته لتفريغ غضبه، شعوره السيء، مزاجه العكر لم يكف عن اذيتها في سحبها في ثقبه الاسود من جانب شق رأسه الأيسر، لن يطلقها من اجل ركان ومن اجلها ايضا يريد ان يتعايش ويعيش من ان يكون زوج لزوجتين احداهما تحبه والاخرى تبغضه وهو يقف على اهداب شعوره لناحيتهما!

اطرق مهتما: ركان فيه شي؟
تجيبه سريعا: لا..
ليث : امل لا توجعين نفسك بالماضي اذكري الله ونامي.
امل ترمي قنبلتها التي هو في الاصل لا يعرفها: تدري اني كرهتك لم تركتني ابكي في الظلام....كنت تحسبني امثل عليك عشان الفت نظرك لي.....بس وقتها كنت اموت ليث...أنا ما كنت فاهمة شعوري...وأنت كنت تزيدني تذبذب....وتزيد وجع ضميري علي!

سكت وشتت ناظريه على الأثاث سيمهلها للفضفضة
لتكمل: لم عرفت بعدها اني حامل خفت....وفرحت...رغم انه اللي صار غصب عني.

ليث وكانه فهم ما ستقوله: خذتي حقك مني وطيحتيه!

ابتسمت وسط انهياراتها: لا ليث لا.....ما اجهضته عشان هالسبب....اجهضته عشانك شككت في أخلاقي.....حسيت وصلت لمرحلة ما منها رجا ومسدودة معاك.....واجزمت وقتها مابي منك غير الطلاق فاجهضته.....ندمانه ...حتى لو انفصلنا....ما راح يفرق بينا طفل ولا لا....بس اخذت قرار مستعجل وندامنه عليه....احس قلبي يوجعني ودي ارجعه ببطني ليث اشتقت له!

ليث، تشخص عينيه ليُداري دمعات ثقيلة كادت تسقط بسبب ما يشعر بهِ من ضغط وشعور يكره أن يألفه!:الله يعوضنا.

امل وهي تنهي المكالمة: والله يعوض قلبي.

ليث، اتصل عليها ليشتت تفكيره عن رحيل ورأى نفسه مشتت في ماضيها وماضيه الذي يُعلن قسوته بشكل كارثي على حياتها اغمض عينيه ليغلق الخط:تصبحين ع خير أمل.

ضاق صدره بعد أن اغلق الهاتف، اعادته أمل على ماضيه الذي عجز عن الانسلاخ منه اصبح ملتصقا به يتماشى مع دروبه ليؤذيه، مسح رأسه متمللا من وضعه الحالي، يريد العودة في اقرب وقت ممكن يريد ان يعيد تركيبة الاشياء واعادتها في مكانها الصحيح سينهي الامر غدا سيستلم مستحقاته كلها من المستشفى وبعدها سيغادر هذا المكان اللئيم سيطوي صفحته ويتركها هنا ليعود لحياته المتفرقة ما بين أملٍ ورحيل، نظر لساعة معصمه ود لو يتصل ع اخيه محمد لكي يطمئن على رحيل فصوتها وطريقة محادثتها له اشعلت في فؤاده القلق ولكن لا يريد ان يثقل عليه، توجه للممر الذي يؤدي به لغرفة النوم سيأخذ غفوة بسيطة ثم سيتصل عليها.
.
.
دخلوا الى المنزل وتوجهت إليهم بنان الأسالة حول الجرح الذي أُحدث في رأس هيلة تولى امر الكذب فيصل اخبر والديه انها سقطت بعد ان دفعها مازحا على الرصيف وجُرح رأسها بسب شظية زجاجية كانت ترقد عليه، وبخه والده ولقبه بعدم المسؤولية بينما محمد كان ساكتا عقله مشغول بأمور شتّى اولها دانة وآخرها اخته ورحيل، تحدثت والدته
: لا عاد تمزح بذا المزح الثقيل تراهم بنات يا فيصل ما يتحملون مزح الرجال.
ابا ليث زفر: عدت ع خير يا ام ليث...
فيصل نظر لهيلة التي تتكأ على اختها: هذا هي قدامكم ما جاها شي....قطوة ام سبعة ارواح...

اصايل تقطع الحديث:هيلوه روحي ارتاح....
ام ليث بحنية: بعد قلبي ما تشوف الدرب من تعبها ...الله يهديك يا فيصل...
ثم مشت لناحية ابنتها وقادتها نحو عتبات الدرج فيصل نظر لوالده الذي ينظر بثبات لمحمد وكأنه ينتظر ذهاب زوجته وابنتيها لينطق: محمد ابيك بموضوع مهم..

محمد سكت لا طاقة له على الحديث اليوم روحه استنفذت وكثيرا يريد ان يذهب ليخلد للنوم، هز رأسه
ليقول ابيه:انتظرك بالمجلس..
ثم خرج ليذهب للمجلس الخارجي
فيصل نظر لتقلبات وجه اخيه:علامك؟
محمد التفت عليه سريعا:مصدّع...
فيصل:روح شوف ابوي شنو يبي وبعدها اصفق لك حبة بنادول واخمد...

تبسم على كلمات واسلوب اخيه هز رأسه والآخر سبقه ليركض على عتبات الدرج ليردف: بروح انام بكرا وراي جلسة عشان مسألة اختك..
تنهد :الله ييسر الامور
ثم اتجه للخارج ليدخل للمجلس الرجالي نظر لأبيه، كانت ملامحة راكدة لاتدل على انّ هناك عاصفة تريد اقتلاع مقلتيه ،جلس على الكنبة
:آمرني يبه...
ابا ليث: ما يامر عليك ظالم....يابوك ابي اكلمك بموضوع...بس مابي منك تستعجل بالرد...ولا ابيك تظهر لي طيشك!

اختفت ملامح محمد، التقى نبض عرقه في عقدة حاجبيه لينبض بصداع عميق لا يريد ان يفكر بماهية ما يريد قوله ابيه ولكن اتى في عقله موضوع خطبته لدانة، لا يوجد شيء آخر في الواقع مسيطر عليهم جميعًا الآن سوى هذا الموضوع!

قال ابا ليث :تعرف يا محمد علاقتي بعمامك كيف هي قوية...وكيف ابوي الله يطول لنا بعمره ربانا نشد ظهورنا ببعضها...علمنا كيف نستند ببعض بتمسكنا وحبنا ولا عمره فرّق بينا...وربانا على العدل والتساوي...وهذا أهم شي!

نظر لأبيه يريد أن يفهم إلى اي منحنى سيأخذه لتفجير القنبلة التي تلي موضوع الاخوة ويا ترى هل علم زوجة ليث هنا؟ هل ليث اتصل به؟

اكمل والده:والله انها صعبة علينا كلنا...نزعل من بعض ولو بمقدار بسيط...ما تعودنا ننام وحنا زعلانين من بعض...مير الظروف حدتنا والايام والعيال اجبرتنا على الزعل والشقى....مقيولة العيال فتنة!....وفتنتوا بينا!

محمد ازدرد ريقه اكمل ابيه:ليث اكثر واحد فشلني قدام اخواني وقد قلت له هالشي الا انه هجد وحفظت لساني من يأذيه....
محمد، خفق قلبه، واندفع قائلًا :الحمد لله هذا هو عقل وصار رجال قد المسؤولية ....ومالنا حق نذكره بالماضي ونحاسبه عليه....اللي فات مات يبه لا تضيق خلقك ولا تكدر عمرك...

هز رأسه: انا نسيت بس اخوك قد كسرني قدام اخوي وخلاني عاجز من اني ابرر....والحين اخاف يتجدد هالكسر فيني!

عقد حاجبيه ظن ان هناك مصيبة عن ليث لا يعلم بها: ما عاش من يكسرك يا بو ليث....

ابا ليث بثبات نظر الى ابنه: دانة وانا بوك....البنت ما هيب لعبة تترمّى مرة عليك ومرة على اخوك....لكن حكم القوي على الضعيف ابوي مصمم على هالموال وحاس باخوي سلطان منحرج مني وحتى منك.....خايف على بنته ولا يبي يضيّق لها خاطر.....بس انا كلمته وقلت له والعالم الله نصيب هالبنت واحد من عيالي لا ضيق عليك الدنيا وخذها من جانب ثاني...

سكت محمد فهم الامر ترك والده يكمل: الله حق البنت رافضتك يا محمد وانا اعرف دانة مثل ماعرفك انت واخوانك... هي حسبة بنتي وافهمها وربة قدام عيني اعرف شاللي يزعلها وشاللي يفرحها ويحرجها....واخوك ليث احرجها برفضة...كانت محيّرة له سنين وفجأة قال مابيها وفوقها اختار بنت عمها البنت من زود الحرج ما عادت حتى تجي تسلم علي....وابوي الحين زاد الطين بلة...بس طلبتك يا محمد ...

رفع رأسه بتعجب من نبرة الانكسار: توافق عليها.....يمكن لعرفت انك موافق مو مجبور تغير رايها انا مابي اكسر سلطان مابي رفضك لدانه يكسره....كلم عمك وقوله موافق ورغبان في بنتك واترك لها شور الخيار...

محمد نهض سريعا قبّل رأس والده ويده: ما عاش من يكسرك ويكسر عمي يا بو ليث...ابشر....انا موافق ودانة بنت عمي ما راح احصل بنت مثلها عاش من رباها وعاشت من ربتها.......لا ضيق عمرك ازهل الموضوع.....باذن الله بكلم عمي...

ابا ليث نهض: اعذرني وانا بوك بس والله ما عاد لي وجهه...منحرج من اخوي....وصدقني دانة تناسبك يا محمد.....وانت تناسب لها....لا تاخذ بخاطرك على ابوي...انسى موضوع انه جابركم على بعض...ما تدري وين الخيره فيه.

هز رأسه، وصدره يستفيض نيران اليوم بشكل متكرر هو في الواقع كان ينوي المجيء لمحادثة ابيه في هذا الأمر ليُخبره عن رأيه الذي لا يدري كيف تمرّغ في وحله! هُناك اسألة كثيرة تُجبره الآن على الهروب..قبّل رأس أبيه طمأنه: لا تشيل هم ما بصير إلّا يرضيك يا يبه...
مسك كف يده ليبتسم: الله يرضى عليك يا محمد.
.
.
خرج محمد..وعقله مليء بالشتات الذي لا يجعل الإنسان يهدأ ليتأنى في تفكيره بل يجعله يتسابق مع تلك الأفكار التي تهدم من طرفه الآخر الشيء الكثير، دانة اليوم أوقعته على ثقل قرار لم يفكّر بهِ ابدًا هو اصّر على قرار الرفض ولكن اليوم بشكلها وانهيارها المخيف..وطلبها منه اجبرته على الخضوع..ربما الآن هدأت وربما هو الآن اشتعل شيء في صدره هو مرر الأمر وكأنّ شيئًا لم يكن قبل ساعات قصيرة وحادثة هيلة اوقعتهُ على الارض مرة اخرى وبصدمة اوقفت تفكيره عن دانة أمّا الآن..يريد تفسيرًا..قبل أن تضّج النوايا السيّئة في عقله..مشى متجهًا لناحية السلالم

متأكّد هي الآن مستيقظة فبعد ما حدث احتمال نومها سريعًا يعد ضيئلًا لشخصيّة معروفة بالقلق والتوتر مثلها..تنهد قبل الدخول لغرفته...
ثم اغلق الباب وراؤه....جلس على طرف سريره...واخرج هاتفه سريعًا..يذكر انّها سبق وقد اتصلت عليه من أجل ان يبقى ثابةً على رفضه ورأيه ولكن لم يقم بحفظ رقمها في هاتفه..ولكن سيتتبّع التواريخ للمكالمات الواردة سيحاول أن يرى الارقام الغير مسجلة..
بينما هو كذلك نظر للإشعارات فوق الشاشة ..شدّه اشعار صادر من "رحيل" عقد عُقدة الحيرة والتأفف..ليث حمّله اصرًا على الإهتمام بمسؤولية ثقيلة وعواقبها شديدة!

مسح على وجهه...هي أمانة أخيه..الذي لا يدري ماذا حدث هُناك ليجعلها تعود هُنا بتخفي وخوف وقلق..
دخل على الإشعار..نظر للسطر الوحيد الذي كتبتهُ له
"طليقتك عزيزة جات الشقة ،واعتقد انها فهمت وجودي فيها غلط"
توقف عن الحركة..أخذ يقرأ جملتها مرارًا وتكرارًا..رمش مرّتين...ماذا يُعني عزيزة ذهبت لشقتهما؟ ماذا يعني ان تظهر في ظروف كهذه؟
ما الذي يحدث؟ شتم عزيزة بصوت مسموع..الآن يقسم أنّ يومه اكتمل بمفاجآته..قبل ثلاثة اشهر والدها أتّى لجدّه ليُثير زوبعة الغضب والآن في هذه الظروف التي تقيّدة بتواجد رحيل وحادثة اخته ودانة تظهر هي بنفسها..دار حول نفسه حائرًا وشاتمًا إيّاها لن ينكر..تورّطه معها...ولكن لم يتوقع أبدًا الأمور هذه ستأخذه لمُنحنيات طويلة وعريضة ومعقدة هكذا...
هي قبلت بالزواج منه دون الإنجاب..ولكن خدعته أجل..خدعته من أجل إعلان الزواج...وكأنها بذلك تُجزم انها امسكتهُ من عُنقه...ولكن هو طبّق على عنقها وأوجع رغبتها تلك...في الواقع هي تُكبره بسنتين ...أرملة ولكن ليس لديها اطفال واخبرتهُ بسبب عدم انجابها...ففي الواقع زوجها عقيمًا لا يُنجب...وكانت رغبتها في الإنجاب كبيرة ولكن اخفتها خلف اسوار عينيها لكي لا تُوجعه فهي تحبّه...لم تود ان تكسره.....أخفت كل شيء خلف اسوارها لا تريد أن تُصبح لئيمة...لا تريد أن تُحزن عينيه الجميلتين اللّتان تنظران بعينيها لهما بكل حالمية...لذا..صمتت وتعايشت من ألم رغبتها...حتّى بِها فُجعت بوفاته المفاجأ...لم يكن مريضًا ولم يشتكي من بأس ولكن وافتهُ المنية في وقتٍ مبكر من حياتهما...

نظر لهاتفه وعينيه تجدحان بالتوعّد والوعيد، كفّيه بدأتا ترتجفان غضبًا وحُنقًا...هل عادت من أجل ان تنتقم منه؟ أم تريد أن تُصبح كالسراب الذي يُلاحق حياته ويُطفيها ويُعدمها ايضًا.

اتصل عليها سريعًا...لا محاله سيوبخها ...رغم إنّ لا ذنب لها ولكن لا يحق لها ان تفتح الباب لها...كان عليها ان تبقى في فم هذا الظلام دون المحاولة من الخروج منه او تمكين اقحام الآخرين فيه....
رن الخط مرة ومرتين وثلاث
ثم اتاه صوتها ليتحدث بغضب ناسيًا نفسه ومع من يتحدث: رحيييييل...كيف تفتحين الباب لها؟....كيف؟

هي مصدومة في الواقع من مجيء طليقته ودخولها سريعًا للغرفة وفتح صندوق صغير اسفل السرير اخرجت ما بداخله دون أن تلحظ ما بداخله ثم نظرت إليها بنظرات سخرية وقبل أن تخرج
اخبرتها
"والله ويعرف يختار حميد..هالمرة الأختيار وقع على الصّغار!"

ثم تلّتها بضحكة وخرجت سريعًا..كان بودّها لو خنقتها فعينيها التي استحقرت وقوفها وجملتها الاحتقارية تلك اشعلت في وسط نيران ذكرياتها ذرعًا للهبوط على ارض "التّنفيس" ولكن خرجت سريعًا وكأنها في سباق، ولم تمكّنها من الإنفجار في وجهها لتخفف من ثقلها الداخلي!

والآن صوت محمد ذكّرها بصوت ليث في الواقع...ليس لأن نبرتهما تتشابهان ولكن الأسلوب نفسه، تعجرف نبرتهما واحدة، صوته أعادها لليالٍ طوال لم تنجلي عنها بخير، مسحت على وجهها وكأنها تريد أن تُمسح الذكريّات التي حكّمت ردات فعلها

تحدثت بعقل مُتعب مما حدث لها ومن صراع ذكرياتها التي تتدفق من الضّلع الأعوج والمؤلم!
تحدثت بصوت مرتفع: وش تبيني اسوي يعني؟....دقت الباب وفتحت!...ما اظنها جريمة.

اشتعلت نيرانه،هو منفوخ بالحديث، بالشجّار الداخلي النّفسي، مشحون بطاقته السلبيّة، موجوع من كل شيء مر عليه ويمر على ذهنه الآن...صبّ غضبه في الصراخ: مو من حقك تفتحييييييييييييييييين الباب لأي أحد ....أنتي أمانة ليث عندي.

رحيل ابتسمت بسخرية،"أمانة" تذكر كيف اردف والدها جملته لليث في ليلة زفافهما" رحيل أمانة عندك يا ليث" وضعها أمامه ليردف بجُملته الأخيرة، كانت ترغب في لحظتها باحتضانه، ولكن خجلت من وقوف فهد وريّان أمامهما وليث بجانبها الأيسر يقف ويستمع لعمّه وعمّها ينظر لهما ويتبسم خجلت من ان تُبادر باحتضانه امامهم وفي الشارع، اخفت هذه الرّغبة والآن ندمت، فكانت تلك الليلة ..."وداعية" مر عليها ثمان سنوات من التحسّر ومن .....انفعلت: اضطريت افتح...هي اصلًا واضح عارفة الشقة فيها احد......بس ما عطتني مجال اقول لها منو أنا..وكانت تفكرني زوجتك!

محمد بنفس متسارع: لو يكسرون الباب عليك لا تفتحين لأحد يا رحيل...لا تفتحين...
رحيل لا تريد الإسهاب في الحديث معه، تريد الهروب من صوته، ومن ذكرياتها تريد الخلود للنوم: تطمن اعرف ادافع عن نفسي...مع السلامة....

اغلقت الخط في وجهه نظر لسماعة هاتفه وهو يشتم عزيزة، تنهد عشرات المرّات، الموقف صعب ومخيف ومليء بالظنون....لن تهدأ ليلته هذه لن تمر مر السلام ....قرر أن يتصل على عزيزة ولم يتوانى اتصل عليها
سيرى ما في جُعبتها...وضع الهاتف على اذنه
ينتظر استجابةً منها، يرن
مرة
ومرتين
وثلاث
واربع
ينقطع
يُعيد الإتصال
ينتظر عشر دقائق، وهو يفكّر...يجول في غرفته يعيد محاولات اتصالاته عليها إلى أن..
اجابته: خييييييييييييييير؟

محمد بصرخة: وش عندكككككككككك رايحة الشقة؟
اجابته مندفعة : اخذت غرض....وطلعت فيها شي؟
محمد اندفع بجسده أمام المرآة: عزيزة....اعرفك....زين .....وش تبين؟
عزيزة ضحكت باستفزاز: والله ما كان في نيّتي شي...بس لم شفت عروستك الحلوة...جا ببالي اشياء واشياء.....

محمد بصرخة: أولًا هذي ما هيب زوجتي...وثانيا...إن شفتك قدام باب الشقة مرة ثانية ...اقسم لك بالله لا اورطك يا عزيزة....
عزيزة بتهديد مبطن: نشوف من يورّط الثاني ياحميد.
.
.
ثم اغلقت الخط في وجهه لم تمهلة في الأخذ والعطاء، كان سيتحدث ولكن اغلقت الخط ليضج في انفعالاته الظاهرية ...شدّ على اسنانه بقوة...اخذ يصارع الاحتمالات التي من الممكن ان تنطوي وراء مجيئها إلى الشقة، واقرب احتمال إلى عقله في الواقع ذهابها واخبارها لأبيها ليذهب هو الآخر ليخبر جدّه عن زوجة جديدة تعيش تحت جناحه، وهذا الأمر يُعد من الكوارث...التي ستهدم كيان رحيل وليث قبل أن تهدمه....ماذا يفعل؟ لا يدري...اليوم يقسم انّ ضغط دمه ارتفع بشكل مذهل...لا الأحداث ولا الافكار ترحمه ....هذه المخبولة يقسم انّها ستسارع في نشر الخبر...تريد أن تنتقم لِم فعله بها...اجبرها على الإجهاض وهي تتوق إلى حملها...تتوق إلى الأمومة ....وتخشى من تقدم عمرها وخُسرانها لهذه الرغبة وحينما وصلت إليها هو قطعها....مجنونة
لن تتوقّف ولن تكف عن الجنون...
رمى هاتفه على السرير ....واخذ يضغط على جبينه...الصدّاع بدأ يزداد...مع ازدياد قلقه....رحيل...ستتضرر اجل...إن ذهبت تلك المخبولة إلى ابيها واعلمته بما رأته في الشقة...حتمًا " عائلته" ستصبح رمادية..وستتعقد الأمور...ومن المحتمل ليث لن يستطيع ان يسيطر على اللاشيء من الأمر!


اخذ يجول في غرفته...تارة يشتم عزيزة...وتارة يحاول التفكير ماذا يفعل برحيل....عليه ان يخرجها من الشقة ولكن اين يذهب بها؟ فمن الصعب وجدًا ان يجد شقة أخرى ليجعلها مطمأنة فيها بعيدة عن الانظار...فهي ليست زوجته...الأمور بدأت تأخذ طريقًا للتعقيدات التي لا مفر منها...شدّ على ذقنه حانقًا...لتبرز عروق الغضب وتخط منحنياتها إلى منحنى آخر ..باله بات مشغول بالجميع الآن...سيترك دانة على جانب التأوّلات...وسيلتفت لجانب إن احترق سيُدمي قلوب كُثر.... يُكثر السِباب والشتم...لا ينفك لسانه عن اللّعن رغم معرفته بحكمه الشرعي ولكن الغضب طريق لدخول الشيطان ووسوسته للإنسان الضعيف...انفتح الباب على حين غرّه...وانغلق ليصدر ضجيج في رأسه
تقدم: وش فيك تصرّخ؟
وبسخرية: هذا انتم تتكلمون بانفعال واصواتكم توصلني بعدين تقولون اتجسس...علامك؟...استخفيت؟...لو يسمعك احد؟ بقول في احد ماتّ...وش صاير؟
ألتفت عليه ليشير بسبابته بوجهِ محمر وغاضب ونبرة منفعلة : فيصصصصصصلوه اطلع برا....اطلللللللللع برااااااااااا....

ألتمس الجديّة في الأمر..ضاقت روحه بقلق حينما وقعت عيناه على عُنق أخيه والعروق البارزة باحتقان شديد....انقلب حال محمد بشكل مخيف...يتحرّك بتوتر وكفّيه ترتجفان قلقًا...يمسح على وجهه ...ولّى بظهره لينحني قليلًا على "التسريحة"...يرى حيرته....وانفاسه باتت مسموعه
تقدم وبخوف: محمد لا توخفني شصاير بعد؟
اغمض عينيه: لا تكلم فيصل...يرحم لي والديك لا تكلم.....
سكت فيصل لا يريد أن يضغط عليه ولكن بقي واقفًا يرى تقلّب حال اخيه مابين الثانية والأخرى...ثم التفت عليه ليرفع شاشة هاتفه ويتصل
ويشتم في الآن نفسه
لم ينبس بكلمة واحدة يريد ان ينتظر اخماد حريقه
بينما محمد ضغط على جبينه وهو يكرر: رد يا ليث...رد....
ولّى محمد بظهره عن اخيه
الأمر بهِ ليث إذًا؟
ماذا حدث يا تُرى لينقلب محمد هكذا
شعر بخفقان يسير من ناحيته اليُسرى لا يدري لماذا مشاعره بدأت تذهب للجرف الذي يؤدي بهِ للهلاك، هل آن أوان مواجهة مشاعره، هل أتى الوقت الذي يقف أمامها ويستوعب عظائم توابع هذا الشعور؟
اخذ نفس عميق، كتمه في صدره..لا يريد أن يخرج رماديّته في قاعه الذي جاهد على الخروج منه ولكن حينما اقترب موعد الظهور والتحرّر خرجت وكأنها تُقسم انها صادقة، هزّ رأسه وبشدة ولكن لم يلحظهُ محمد حركته تلك
ارتجف شيء في عقله وآخر في قلبه...أجل الحرب نشأت في هذه اللّحظة ما بين المنطقية واللامنطقية لهذه الأحاسيس يُدرك انه مُخطأ وجدًا..ولا مجال لهذه للمشاعر من ان تُنبت جذورها في أرضه ولكن لا يدري لِم تتكاثر عليه وتضج كلما حاول الهروب منها، لا يدري ..يشعر انه يغرق...ولكن لن يسمح لنفسه بأن يموت غريقًا..يكفي هراء...يكفي جنون يا فيصل توقف!

محمد بصرامة: الو ليث...اسمعني زين...تراك في مصيبة...أنت ورحيل...يمكن هالمصيبة لطاحت على راسي انا مباشرة ما راح تأثر فيني كثر ما راح تأثّر فيكم!

فيصل انشدّت خلاياه هُنا اي مصيبة؟
ليث بلل شفتيه ، حاول ان يفتح عينيه للتو اغمض عينيه لكي يأخذ غفوة صغيرة ولكن رنين هاتفه اختلج خلايا الراحة
: اي مصيبة؟
محمد مسح على فمه بتوتر: طليقتي....اللي مزوجها مسيار....الله يحرقها......راحت الشقة ورحيل افتحت لها...الباب
سريعًا هنا نطق فيصل بعد ان خلاياه ادركت وجود رحيل على ارض الوطن: ايششششششششش؟
تملّكته رهبة من هذا الخبر...شعور مخيف وفي الآن نفسه يقسم أنه لم يستعد لهذا الظهور ابدًا، هو لم يتوصل لأمور ربما تكون فاصلة لهذه المشاعر، هو ينوي اظهار الحقيقة وإن كانت مؤذية يريد ان ترى النّور ليُسلب المثالية من ذلك الكيان الذي ادرك في الواقع انه مهدوم..هو لا يكره ليث...ولكن اجتاح جزءًا كان يريد أن يتصل بهِ ليُكمل بهِ حياته..بعد هذه الزلازل ادرك شيء آخر لا يستطيع أن يمضي وراؤه...عليه ان يتزن...تلك الحقيقة وإن خرجت لن تُظهر شيء ..فقط ستُهدم أنفس..وستبعثر رباط قرابتهم..ثم سينفصلا...لن تكون له...ولن تكون لليث...سيتزن...سيعود في الدائرة ذاتها لمحاربة النّفس وتهذيبها...سيعود لضرب هذه المشاعر..سيتوجّع بصمت..سيبتعد هو بعد الآن.. لا مكان لهُ في حضور رحيل!

لم يكترث محمد لردت فعل اخيه انتظر حديث ليث الذي قال بعد ان شتمه: وأنت من متى تزوّج مسيار؟
وبصرخة: علمممممممممممممني؟
محمد بانفعال: خلّك في الأهم يا لييييييييييييييث....
فيصل يحدّق بهِ بشرر، اخذ جسده يتعرق سريعًا من شدّت توتره!
ليث نهض من على السرير: يا #####....اقسم بالله ما فيه احد فيكم صاحي.......الله ياخذك أنت وحريمك فوقك!
محمد: وياخذك معنا....ورطّتني بزوجتك.....مادري وش اسوي....دبرني....قدامك ساعة تلقى حل...وبعدها باتصل عليك... باي...
اغلق الخط ليشتم اخيه بغضب
وتقدم إليه فيصل
: شاللي سمعته؟
محمد يمسح على وجهه بكفيه مرتين متتاليتين: مو وقتك فيصل مو وقتك....
فيصل بحنق: شجالس يصير...قول طيب...يمكن يطلع مني شي يفيد.....كل ساعة والثانية قلت مو وقتك مالك دخل...شفيك انت....
محمد جلس على السرير: حدّي مصدع ولا لي خاطر بالحكي....روحي ضايقة علي اليوم...اشوي وانفجر....
تقدم لناحيته: شلون رحيل هنا واخوك بامريكا؟....وش سالفة طليقتك هذي بعد...
محمد اغمض عينيه وادرك اصرار اخيه: رحيل هنا بشقتي....ليث قد وكلمني وقال هي امانه عندك وهو بينزل...بس الشي اللي صار...يمكن يسبب لنا فوضى بالعيلة...عزيزة راحت الشقة والهانم فتحت لها الباب وفكرتها زوجتي...وخذلك الحين الفضايح ولو دروا اهلك....بيعرفون انها رحيل....وبصير مصايب...

لُجِم فمه لا يدري بما يردف وبما يقول؟ رحيل هُنا...في شقة اخيه...والآخر مُغترب وما زال هُناك ..ماذا فعلت يا ليث برحيل؟
هُناك شيء يتكاثر ويتكثّف بداخله مُنذ سنوات...يخبره رحيل ليست بخير...والسبب ليث...لذلك هو حانق على اخيه...كاره تصرفاته....جالب له الفضول والتتبّع من وراؤه...يريد أن يطمئن عليها...ولكن لم يستطع!

: وليش ما نزل؟
محمد اغمض عينيه يحاول كبح غيضه: مادري عن اخوك....
فيصل بانفعال: لو يدرون ريان وفهد قسم ...
قاطعه وهو ينهض: قول هالحكي لليث...لا تقوله لي....
فيصل سكت وفجأة شتم ليث وكأنه يريد أن يخرج فيض الماضي الآن وينفجر، ضحك محمد بسخرية: هههههههههههه خلقه انت عاد تكره....
فيصل مسح على رأسه وبانفعال: اخوك ما عاد يوزن افعاله...لو يدري عمي عنها ولا ابوي....والله لا تقوم القيامة في هالبيت....
وقف هنا محمد: كل هذا مو مهم...بس لو بجيهم خبر في بنت بشقتي ....هنا المصيبة....والكل بيجلس يلومني ويمكن يروحون الشقة وتصير المصيبة كارثة....الافكار بتدخل في بعضها!

فيصل مسح على ذقنه: وش بسوي؟
محمد بعينين ذابلتين: اخوك اللي بسوي ما هوب انا!
سكت الآخر واخذ يحدّق به مطولًا
.
.
.
.
.




شتات الكون 09-03-21 12:58 PM

رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون
 

.
.
.
.
.
أنا لستُ ساذجة ولكنني، لم أتخيّل أنّ العالم يضم في صدره جُنبات الشر الذي اسمع عنه حتى إنني ظننته خيالا لأنني وبكل بساطة لم ألتقيه في حياتي قط.
كُنت أرى النّاس بطُهر تفكيري، أعلم الجميع لديه اخطاء وقد تؤدي به اخطاؤه إلى منحنيات وعرة ولكن لم أكن أؤمن بوجود "مُختلّي الفطرة " في محيطٍ أنا امشي حوله.
اسميتهم بمختلي الفطرة لأنني أخجل من نطق مسماهم الصحيح بينما هم توجوا رغباتهم المنحرفة بلقب" المثلية" هناك مسميات تصف شناعة ما يفعلوه وتختلف باللهجة المحلية ولكن لم أكن في الواقع اعي بوجودها، وهذا لا يعني انّ المجتمع يضم نسبة كبيرة منهم لا، ولكن لكل قاعدة شواذ ونسبة شذوذهم تخرج للظاهر بنسبة ضيئلة ومختبأة خلف الأعين ربما بنسبة فارقة! ولكن ما رأته عينياه، أدمى قلبي.

اريد أن استوعب جلية الأمر..هل أنا فعلا رأيت مثالا في واقعي يصف خُبث افكارهم؟ كُنت أيام المدرسة أرى فتيات يتشبهن بالرجّال حتى حينها تم اطلاق عليهن لقب"بويات" ولكن اذكر لم تكن لديهن افعال الشذوذ، او ربما انا لا ارى شيء مما رأيتهُ الآن.

الذنب العظيم أصبح الآن يسيرًا في ممارسته، باتت القلوب ميتة تهوي الدنيا بما فيها تنجرف وراء ألف رغبةٍ ورغبة، تستميلهم نفوسهم الأمارة بالسوء مع شياطينهم تحت عناوين مختلفة، فهم يرون هذه الذنوب التي تفكك الصّخر وتُجلب الكدر مفتاحا للإنفتاح، مفتاحًا لمواكبة التقدّم، سوء فهم أو ربما وحوشهم الداخلية استيقظت وتأمرهم بتعليق شناعة افعالهم تحت مسميات ربما يقتنع الطرف الآخر بِها، ليتهم يواكبون التطوروالانفتاح العقلي الصحيح لكانت امورهم بخير.
كانت تظن أماني ستصبح قدوة ومثالية من الكتب التي تراها في يديها تقرأ وتلتهم فلسفية ما كتب تقرأ عناوين هي بالواقع قرأتها كتب منتشرة بكثرة هنا لا مانع منها لا تؤذي الافكار ولا تؤثر سلبا، يومًا ما هي من بادرت بالتصافح حينما ادركت هذه الفتاة لديها ميول يشابه ميولها القرائي تعرفتا في لحظة واندمجتا في الأخذ والعطاء عن اسماء كتب لكتّاب كبار يشهد لهم التاريخ في حفظ اسمائهم واسمائهن، ولكن لم تلحظ وقتها اي شيء يثير الغرابة، في الواقع هي لم تصبح صديقتها بل زميلة في وقت الفراغ تتجاذبان اطراف الحديث ولكن الآن ايقنت انّ أماني اوقعتها في الفخ، اول كتاب محظور اخذته منها في يوم توبيخ عهود لها بأخذها لكتاب من هذا النوع، لم تفكر كثيرًا بالأمر ولكن ما حدث بينها وبين أماني جعلها تستوعب نواياها، هذه النواياه

جعلتها ترتجف الآن هل هي مغفلة بدرجة السذاجة ام اماني تمتلك أسلوبا في تخفية ما تفكر به؟
"موجوعة" من الأمر خوف محمد عليها وهو يضمد جراحاتها اوجع قلبها ،احتقان وجه فيصل وشتم تلك الفتاة ارعبها ،دخول ريان في الامر جعلها تستيقظ من اللاتصديق..الأمر باتا ضخما..ومخيفا واماني رمت اللّوم عليها، لا تدري كيف ستسير الامور ولكن تقسم لو علم اباها وامها بالامر سيصيبهما شيء، كيف ستتحاكم؟ولماذا؟

هل سيزج بها في السجن؟ متعبة من التفكير، تحدق للسقف ووالدتها تمسد على شعرها بينما اصايل هربت بنفسها للغرفة تعلم انها بكت، وجهها يدل على اختناق عبرتها، اضطرت قبل ربع ساعة ان تتظاهر بالنوم تريد من ذلك خروج والدتها من الغرفة، هي بحاجة للاختلاء بالنفس، وفي الواقع تريد الاتصال على اماني رغم انها تعي خطورة الامر.
وفعلا بعد عشرون دقيقة والدتها قرأت عليها ما تيسر من القرآن ثم خرجت،وبقيت هي الأخرة تحدق بعنيها التي تهتزان، هي منقهرة من عدم تصديق عهود بشكل واقعي كانت تظن هذه الامور لا تحدث هنا، فعالمها بعيد عن هذه الافكار ولكن رأت نفسها امامهم وضحية لهم، بكت، تريد البكاء والبكاء يريد ان يدمع عينها وجعا، نهضت من على السرير بحذر، سحبت هاتفها واتصلت عليها تريد ان تشتمها، تنفجر بحديث مطوّل يبيّن مدى اشمئزازها مما تفعله.
كيف قلبها يميل لأنثى مثلها؟ كيف؟ هي لا تعي هذا الأمر حقًا لا تفهم شعورهم ولا تريد ان تفهمه شعور محرّم يؤدي للهلاك، خارج عن الفطرة السليمة، يُهدم ألف كيان وكيان، لا تريد التفكير بهذه الامور لا تريد.
سمعت " إن الرقم المطلوب مغلق حاليا أو خارج نطاق التغطية"
رمت هاتفها جانبا، لا تجيب..والأفضل انها لم تجيب ماذا ستقولين يا هيلة؟ لن ينفع الحديث ولن يخمد الحريق المُشتعل بداخلك، مسحت دموعها وعادت لتستلقي على السرير.
.
.

في الغرفة الجانبية، ادخلت جسدها تحت الفراش واخذت تكمكم فمها بكف يدها اليُسرى لا تريد هذه الشهقات تتسلل للخارج، قلبها يخشى أمور كُثر لا تريد اختها تأخذ من نصيب رحيل في الزج بالسجن، لا تريد احدًا يكرهها وتخشى من كره ابيها لها، فهي ترى معاملة محايدة من الجميع ضد رحيل كانت ترى الأمر طبيعيا ولكن بعد معرفتها بالسر المخفي بدأ عقلها يستوعب كل حركة وقول مبطن.

الآن تجزم عمها لا يحب رحيل لو كان يحبها لفعل المستحيل لإخراجها من هناك، تخشى من انّ الواقعة تتجدد لتصبح اختها عنوانًا بديلًا من رحيل ولكن بقضية تجزم انها اقوى من قضية الشروع بالقتل، انهارت ترتجف تحت الفراش، عينيها بدأتا بالانتفخاء، الجميع سيلقي باللّوم على سذاجة هيلة كما فعل فيصل، قبل ساعات كان يلومها على سذاجتها التي مكنّتها بالوثوق بتلك المشؤومة، واوقفه محمد عن الصراخ بعد أن رأى حال هيلة الجدي، هل سيكرهها جدها كما كره دانة فقط لأنها تعمل في المستشفى وفي محيط رجالي بحت؟

هل سيتخلون عنها ليجعلوها تذوق مرارة السجن ويخبروا الجميع أن هيلة بخير تدرس في الخارج ولا تتمكن من النزول للوطن بسبب ضغط الدراسة عليها؟ هل سيأوولون الأحاديث لسد فجوات الفضيحة؟ اخذت تعتصر بيديها وسادتها قلبها اخذ يحترق..لماذا عائلتها تتصادم بالأحداث مع الفتيات في امور عظيمة كهذه؟
هذا الأمر سيمتزج مع قضية رحيل تشعر بذلك، ستكون الفضيحة فضيحتان سيعيّرونها قائلين" مثل بنت عمها" تشعر بذلك، تؤمن به تخشى على هيلة وعلى والدها ايضًا، شهقت بصوت عجزت عن كتمه، تشعر بدأ الهواء يضيق عليها تحت اللحاف ولكن تريد ان تبكي وتتخلص من افكارها المشؤومة تريد مخرجًا من ضيق ما تفكر به بهذا البكاء، لا تدري كم مضى عليها وهي تبكي وهي ايضًا تفكر بطريقة سوداوية، هل والدتها ستتبرأ من هيلة؟ فهي كرهت رحيل..لن تنسى يوم الصدمة يوم كشف الستار عن امر رحيل، رأت قساوة ابيها ووالدتها فيه والآن تخشى من تحول هذه القساوة على جانب هيلة.

بكت بأنين، بكاء الخوف اقسى أنواع البكاء، يمتص جزء كبير من طاقة الإنسان، يجثو على صدره ويكبّل كفّي يديه المرتجفتان، يجعله يضعف ولا يستطيع حتى النهوض، بدأتا ساقيها بالتنمل من كثرت الشد على أعصابها، هي الآن تمر في حالة شبه الانهيار لا تريد أن تتخيل تخلّي الجميع عن هيلة وهي بحاجتها لهم، انفتح الباب على حين فجأة من لحظات ارتفاع صوت الأنين تحت اللّحاف لم تسمع لا صوت صرير الباب ولا حتى وطأ الاقدام، كانت تبكي وتكح وتخرج انين خوفها بلا حواجز، شعرها ألتصف في مقدمة جبينها وخديها ، احمرّت أرنبة أنفها، جسدها يرتجف..لا تريد ضياع يزخرفونه بقضية مثالية، فجأة ارتفع اللحاف عن جسدها...شدت على وسادتها واثنت ساقيها اكثر.

تحدث الآخر: سكر الباب...سكر الباب...

الآخر بخوف وبوجه شاحب اغلقه وتقدم...

بينما هو جلس على طرف السرير، رفعها من على وسادتها شعر بجسدها كالخشبة تشد على اعصابها بجنون تبكي بجنون شعر بعدم سيطرتها على نفسها، وقف الثاني امامهما تذكر دانة وانهيارها هل فتيات العائلة توّاقين للانهيارات؟ تواقين للجنون؟ والبكاء المخيف؟

احتضنها فيصل لم يترك لها مجالا كانت ترتجف تبكي تخرج كلمات مقطعه، مسح محمد على رأسه لا يدري ماذا يفعل
هذا اليوم فعلا لا يدري ماذا يفعل به، متى سيخرج ضوء فجر اليوم الجديد؟ هل عقارب الساعة توقفت؟
طبطب فيصل على رأسها، سمع صوت انينها وهو خارج من غرفة اخيه، صوتها كان مسموع بشكل واضح وصريح، خاف هنا ودخل لمناداة محمد وأتا هما الاثنان لها، ربما هيلة سمعت صوتها ولكن حالها استوقفها من المجيء بينما غرفة والديهما تبعد خطوات عنهم ربما لا تمكن من صوتها للوصول لهما، هي كانت تظن تبكي بلا صوت ولكن في آخر الدقائق اخرج صوت خوفها علنا.

جلس على طرف سريرها محمد ليصبح خلفها تماما وفيصل امامها يحتضن رأسها لصدره يتمتم بصوت هامس بأيات قرآنية
يسردها بتلاوة
” هُوَ الّذِيَ أَنزَلَ السّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوَاْ إِيمَاناً مّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلّهِ جُنُودُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً “
اخذ يكررها، وهي تزداد بكاء وكلمات متقطعة، محمد طبطب على ظهرها تحدث بهدوء: اصايل اهدي...
فيصل أتمم الآية للمرة الثالثة ثم قال: شفيك اصايل...ليش منهارة كذا؟

ابتعدت عن فيصل وهي تخبأ وجهها عنه بينما محمد نهض سحب كرسي(التسريحة) وجلس عليه بعد ان وضعه امام السرير،
سحب فيصل كفيها: بتخنقين عمرك؟ شفيك؟
محمد اقترب من سريرها:اصايل....تكلمي شاللي خلاك تبكين كذا؟
اصايل سقطت انظارها لحضنها شهقت لا ارادي بسبب بكاؤها المطوّل ثم اردفت بصوت متقطع: بصير لهيلة مثل ما صار لرحيل؟
محمد جمد لسانه، بينما فيصل ذابت كل مشاعره هنا بقسوة اردف
: يا سخفك ويا سخف دموعك...
وبانفعال: الحين هذا همّك؟
محمد نظر لفيصل ليردف:اصايل لا تفكرين كذا...السالفة واضحة وواضح منو الجاني ومنو المجني عليه على قولهم..اماني ما راح تطلع منها سليمة...وهيلة راح تطلع منها ما عليها لا ضرر ولا شي....

فيصل باندفاع: يا حبكم لتهويل المواضيع....ذابحه عمرك بكاء عشان بس لا صير نفس رحيل؟

اصايل انفجرت باكية ومنفعلة: اي تصير مثلها والكل يكرها....صعب على البنت تنسجن..وصعب على العيلة تتقبل...شوف عمي..روووح شوووف عمي....انا اشوف مانيب عميا اول ما كنت فاهمة ردات الفعل هذي بس بعد ما عرفت فهمت حتى كلامهم المبطن.....مابي اختي تعيش اللي عاشته بنت عمك....مابي يقولون هي بخير...وهي موجوعة...مابي بكرا ابوي يدخل البيت ولا يحط عينه بعينها...مابي امي تكرها...وتلومها....مابيكم انتوا تتخلون عنها.

سحب محمد هواء عميق لرئتيه، ثم مسح على وجهه وهو يغمض عينيه بتعب شديد اثر الصداع الذي يختلج دماغه

كاد يتكلم:اصا....

ولكن رأى اندفاع فيصل يخرسه بشراسة: هيلة ما هيب مجرمة عشان نتخلى وعشان الكل يكرها...

اصايل ببحة بكاء وانفعال شديد : يعني رحيل مجرمة؟

كاد يصرخ فيصل متحدثا ولكن نهض محمد وهو يقول:اصايل هدي لا ترفعين صوتك لا يسري لأمي و ابوي واختك تعبانة لازمتها الراحة...تركي عنك هالكلام اللي ما منه فايدة....لا هيلة مجرمة ولا رحيل مجرمة...ردات الفعل اللي تشوفينها تجاه رحيل تعتبر طبيعية.....قلتيها صعب على البنت تنسجن وصعب على المجتمع يتقبل حتى لو كانت مظلومة والناس مالها الا بالظاهر....وهيلة باذن الله ما عليها لا قضية ولا خوف..وانا بحاول بقدر استطاعتي ما راح اخلي هالسالفة توصل لا لأمي ولا ابوي ولا حتى ليث.....هدي من نفسك قومي صلي لك ركعتين تطمأنين فيها قلبك ونامي...

فيصل زفر: يكون افضل....ولا عاد تحطين مقارنات....لا تعبين راسك...الوضع غير...تفهمين شلون غير يعني؟

اصايل مسحت ارنبة انفها: هذي مظلومة وذيك مظلومة...

تدخل محمد سريعا: القضاء العادل موجود هنا يا اصايل....كل شي واضح وصريح....بمجرد امساك الادلة....راح نسكر هالسالفة...
فيصل اشار لها بحنق: بطلي تخاريف ونامي....
محمد نظر لفيصل ثم لها: هدي نفسك....ونامي يا اصايل....لا تدخل عليك امي وانتي كذا والله لا تستخف....لا تزيدينها علينا ....صيري عون لنا مو فرعون....
هزت رأسها وهي تحاول النهوض ولكن جسدها ما زال يحتفظ ببقايا رعشات خفيفة اخلّت باتزانها وكادت تسقط ولكن امسكها محمد وفيصل تقدم لها بحذر : اسم الله عليك...
اصايل ابتعدت وهي تقول: بروح الحمام...
هز محمد رأسه وفيصل اردف: لا تبكين في الحمام....
هزت رأسها ثم خرجت من غرفتها
جلس على طرف سريرها ليردف: ما كان المفروض تعرف بقضية رحيل...
محمد: هالموضوع صاير لها مثل الكابوس جالسة تربط وتحلل على كيفها...
فيصل نظر له بثبات:إن جيت للحق كلامها صح....
محمد انفعل:اسكت بس اسكت لا تسمع الحين ....كلامها غلط....هيلة بريئة من افعال هالواطية...
..
نهض فيصل يتأهب للخروج من الغرقة: ما اضمن لك ردت فعل ابوي لو عرف...حتى جدي ما ضمن لك اياه.....
محمد بنرفزة: ماحد بيعرف يا فيصل ما حد بيعرف...
فيصل وكأنه يريد مواجهة الحقائق بعين ضيّقة: حتى ليث ما ضمنه.....والله يستر...ان شاء الله تعدي سليمة....
ثم خرج
وتبع محمد وهو يزفر بضيق.
.
.
.
أحببتُك كُنت أجد نفسي أمام هذا الحُب شخصًا آخر، يتأرجح في حياتهُ مُبتعدًا عن حُزنه ووجعه، اتخبّط ما بين هفوات ما يحدث لي ولكن كُنت سعيدًا لأنني وجدتُ حُب حيّاتي الذي لطالما بحثت عنه، كُنت اتخيّل كيف ستكون عروستي؟ وبأي صفات؟ فأنا لم اتخيّل ان تكون فتاتي مثاليّة في معاييرها الظاهرية لا...كُنت فقط اتخيّل فتاتي التي تملك قلبًا كبيرًا لتحفظني بداخله...كُنت اتخيّل كيف تتوه بي عُشقًا...تركض في مضمار حُبّها لي لتغنّي لي أغنية العُشق متتبّعًا شجي صوتها..ووجدتُك أجل...وجدتُ الفتاة..ووجدت جمالها وجمال قلبها وروحها يختطفون

كياني...اسهبتِ في حُبّكِ لي...وأنا اسحبتُ في النّظر لعينيك التي تقتلان قلبي بسهمهم المتملّك لكل ما يُعني ركان، كُنت اخشى الفُراق بعدما وجدتك، كُنت أُمنّي نفسي من ألّا ألتقيه...حتّى إنني كُنت ادعو الله أن يميت قلبي قبل قلبكِ فأنا لا اتحمّل ألحان الفُراق وأدعية الموت تُميت روحي..تجعلها تخفق في جانب آخر من الحياة ...فأنتِ لا تعلمين ماذا حدث لي حينما توفّى والدي ووالدتي...شعرت وكأنّ قلبي اصبح فارغًا...مجوفًا...انعدمت منّي الأحاسيس الفرحة....كان الحُزن يتآكل على لحمي ويتكاثر على عظمي ويقتات على دمي...لم يكن الشعور حُلوًا....كان يسحبني من اللاشيء ليجعلني أقف عاجزًا أمام مسؤولية تُركت على عاتقي، ولكن هل تعلمين؟
تلك المسؤولية جددت بداخلي الحياة، اعطتني شعورًا آخر...جعلتني اركض من اللاشيء للشيء الذي اريد تحقيقه....كُنت اريد أن أُبني حياةً طيّبة لأمل وبنيتها يا سوزان...وحينما وجدتُك انتِ من بنَت حياتي الطيّبة وجعلت لها مذاقًا حُلوًا....لا ادري لماذا اكتب لكِ هذا الكلام....ولكن اشتقت لكِ....ولرؤيتك ....اشتقت لأحتضانك...ولرائحتُك التي تُداعب أنفي....اشتقت لكل شيء مرتبط بك....ضحكتك...ابتسامتك....عينيك....وقوفك الشامخ...وحتّى عنادك....سوزان...اعلم حديث اللّيل اصدق حديث....كُنت اهرب من نفسي ومن رغباتي في ظهور هذا الضعف....ولكن اردت ان تعلمي...شيء واحد فقط....احبك....احببتُ كل شيء يُعني سوزان...اصبحتِ اشيائي التي لا تتلاشى عن عيني....في وقتٍ افكّر بالمجيء لكِ ولكن...
.
.
توقفت اصابع يديه عن الكتابة والنقر على احرف "الكي بوورد" بعد ارتفاع صوت رنين هاتفه...عقد حاجبيه من يتصل في هذا الوقت..ظنّ عمّه"بو عبد المجيد" من يتصل فاليوم اتصل عليه وحدّثه وانهلّا عليه بحديث عصبي للغاية ...واشتعل غضبه اكثر لصراحة ركان حينما قال له"راح نستقر بالخبر"، طال الامر بينهما ولكن انتهى بعدم رضا العم، فظن اتصل ليُكمل ما تبقى منه من غضب....سحبه...اجابه دون ان ينظر للرقم
كان واثق عمّه من اتصل فقال: هلا عمي...
الآخر اتاه صوته المتعب: هلا خالي!

انتبه لنبرة الصوت ضحك بخفة ثم قال: هههههههه هلا ليث.....افكرك عمي بو عبد المجيد....المهم اخبارك؟

ليث تنهد: مو بخير....ركان....مو بخير...
سكت ركان ثم نهض من على الكرسي ليبتعد عن طاولة حاسوبه
تحدث: شفيك؟.....وبعدين تعال....ليش تأخرت ما نزلت....السعودية....
ليث: هانت بنزل....بنزل قريب....بس ركان انا في ضيقة لا يعلم بها إلّا الله وانت....وابي فزعتك....
ركان باندفاع: وانا لبيتك....علامك....شصاير؟
ليث يعلم الأمر مُحرج، وموقفه صعب ولو علموا اهله بذلك لحملوه آثام كُثر
ولكن هذا الخيار الصائب، والمناسب.

: رحيل......مابي من الاهل يعرفون انها هنا.....تعرف شرط جدي...وما رتبت اموري زين....واحتمال كبير يعرفون انها هنا بسبب وحده شافتها....عشان كذا.....ابي احطها أمانة عندك....
ركان بصدمة: شقوووووووووووول ليث؟

ليث عض على شفتيه: عاااارف انها صعبة.....عليك وعلى امل....وعلي....
ركان بجدية: ليث ما عدنا حنّا بامريكا.....
ليث سكت، ثم قال: عارف ثقّلت عليك....
ركان قاطعة: المسألة مو مسألة ثقّلت ولا ما ثقّلت.....ليث....أنا اخوك....وأنا لك عون .....وابشر باللي تبيه لكن ...اذا أنا اعتبر رحيل اخت لي....فأمل اختي اللي من لحمي ودمي....أنا يا ليث ياما وقفت معك في امور كثيرة ولا نيب مان عليك فيها... وانت بعد وقفت معي في ازمات حتى أمل ما تعرف عنها ...بس اذا في امور بضّايق أمل ما اقدر....ولا اقدر على حزنك....حيّرتني معاك!
ليث بتفهم: لا تحيّر نفسك ولا شيء......خلاص اعتبر هالمكالمة ما صارت....
ركان اغمض عينيه وبنفس عميق: لا والله انها صارت...وانا ما نيب موافق إلّا اذا امل قبلت بهالشي...كلمها...وفهمها الوضع....وانا ما راح يكون عندي مانع....
عضّ على شفتيه، هو ايضًا لا يريد انقاض الوعد لها، سبق ووعدها بألّا يؤذيها والآن يعلم جيّدًا وجود رحيل في بيتهما....أذيّة بشكل آخر....مسح على رأسه، الأمور باتت اكثر تعقيدًا..لا يدري ماذا يصنع....تنفّس بعمق شديد....
: تامر امر ركان...بتصل عليها ....
ركان يكرر: اذا وافقت أنا لهالأمانة...بتنحط على راسي وبقفل عليها بعيوني....
ليث ابتسم رغما عنه يعلم ركان قلبه طيّب لا يستطيع ان يكسر بخاطره ولكن فعلا الأمر الآن مغاير، وصعب....فوضع امل جدًا حساس
تحدث: تسلم ما عليك زود....مع السلامة...
ثم اغلق الخط، وعاد ينظر لرسالته من جديد....انقر باصبعه دون تفكير "delete"، وكأنّ مكالمة ليث ايقظته من جنون العشق الليلي،و ارسل لسوزان" اخبارك طمنيني عليك؟"
ثم اغلق الحاسوب...ورمى بجسده بتأفف على السرير.
.
.
لا ينفك عنها شعورها بالغثيان، وكأنّه يذكرها في كل ثانية وأخرى انّها تحمل في رحمها جزءًا من ركان..جزء تحاول أن تُخبّأه الآن ولكن غدًا سيظهر...نظرت لحقيبة الملابس جهّزت كل ملابسها غدًا ستعود لمدينة "ليون" رغم انها في إجازة تستطيع البقاء هُنا ولكن لم تُليق بها فرساي لا تريد البقاء هُنا..ستعود إلى حيثما تريد وترتاح نفسها فيه....حتّى انها قررت بأن تعود لتمارس مهنتها لتشتيت ذهنها ومعدتها من اثر الغثيان الملازم لها...نظرت لهاتفها....لم تجد اي اتصال من والدها...ابتسمت بسخرية على هذا الحال...

ثم فتحت الأيميل....بتلهّف تنتظر منه اي رساله تُجدد بداخلها الحياة...تريد ان يشعرها بوجوده رغم المسافات الطويلة التي بينهما...تريد هذا الإهتمام وإن كان بكلمات عادية...قرأت رسالته....ابتسمت وكتبت"مشتاقة لك" ثم ارسلتها دون ان تُجيبه هل هي بخير ام لا....تفكّر هل من المُناسب أن تُخبره أنها حامل في هذا الوقت ام لا...وهي تتيقّن انّ الوقت غير مُناسب ولكن لا تدري ماذا تفعل...تخشى من ان تخبره ويخاطر بحياته ويأتي إليها ويحدث له ما حدث له قبل اسابيع عدّة....بينما هي تشعر انها بدأت تضعف تنسحب خلف أجنحة الحياة...تريده ان ينتشلها من هذا الجانب قبل أن تضيع...مسحت على بطنها...وهي تتنفّس بعمق...ثم خرجت ...من الشقة تريد أن تحظى بوقت للمشي للتخفيف من ضيقها....خرجت لضوضاء....الممر ...ثم عبرت منه متجهة للمصعد لم تأخذ إلّا ثوانٍ عدّة حتّى خرجت من الفندق بأكمله، سحبت هواء عميق لرئتيها ومشت على الرّصيف.
.
.
الوحدة، التي يتمناها البعض بسبب ضيقته من الفوضى والضوضاء والتدخّلات الفرعية التي تُنقص معيشته..شيء جنوني....يدعو الإنسان في بعض الحين للجنون وارتكاب الحماقات تُشعره بعدم أهميّتة للحياة تمتص منه اشياء كُثر اهمّها السعادة...الوحدة هي موت بطيء....تشعر أنّ يومك يتكرر وإن وجدت بهِ احداث مُختلفة عن الأمس....لا أحد هُنا يطبطب على أوجاعك....يخفف عنك وحشتك لا أحد.
.
.
بللت شفتيها...تنظر لهُنا وهُناك....سقطت انظارها على الشاب نفسه...يخطر من الشارع الرئيسي وكأنه متجهة لجانبها...ادركت انه يقطن في احدى الفنادق القريبة هنا او حتّى في الفندق التي تقطن فيه، لا يهم ...وضعت كفي يديها في الجاكيت ....
وعبرت من الشارع لتغيّر مجرى اتجاهها
.
.
بتال
خرج وأتى سريعًا ليراقبها في الواقع لا شيء هُنا يُثير فضوله، يريد شيئًا يسليه ويظن سوزان هي الشيء الذي سيذكّره بجمال سفرته المملة...اخبرته أنها حامل...في الواقع لا يهم...هو لن يُمارس عليها دور العاشق أو دور الحبيب...فقط يريد إمضاء الوقت....ليتلذذ به....ولكن عكس طريقه بشكل سريع حينما سمع رنين هاتفه نظر للرقم...
اجابه: هلا بو سلمان...
بو سلمان بلا مقدمات وبصوت مرهق: قدرت ادخل القبو....وحطيت فيه القنابل...
بتّال نظر لمن حوله: متأكد من هالخطوة؟
ثم غيّر نبرة صوته: انتبه احد يشوفك....
بو سلمان بثقة : ماحد بشوف...ولاحد بيسمع....ثقته فيني ....عالية ما بيشك...
بتال: ومتى اليوم الموعود؟
بو سلمان مسح على وجهه: قريب....بس لازم اشتت ذهنه...
بتال بادراك: بليث؟
بو سلمان: ما في قدامي احد غيره....
بتّال انعطف يمينًا في مشيته لكي لا يصطدم في طفلة تركض وتضحك دون ان تنظر لأمامها: بايعها على الآخر يا بو سلمان....
بو سلمان بضيقة وكأن العالم بأجمعه مظلم: روحي فدا لوليدي سلمان ولبنتي تحرير...وهذا انا اعيد عليك....صير ريّال....وحط تحرير بعيونك....ولا تخليها تحزن....
داهمه بسؤال خطر في عقله سريعًا: تحرير تحملتني تعرف ليش؟
يفهم ما يرمقه إليه، تحملته بذات السبب الذي جعل اللورد يوافق على توظيف بتّال معهم وتوكيله مهام خاصة لتأذيّة ليث.
: لا تردنا على نفس الموّال...
بتّال بحنق: لأني اشبه حبيبها...اسكتت طولة هالفترة عشاني اشبه سلمان اللي جننكم....وبالأخير تخوني ....
صرخ بو سلمان وهو يركب سيارته: ما خانتك ....خياناتك اللي تكررت ....عوّرت قلبها....المره(المرأة) كل شيء تتحملّه إلّا الخيانة يا بتّال...وانت ما قصّرت لآخر نفس قاعد تخون!
مرر لسانه على اسنانه العلوية: والرجل بعد ما يتحمله!
بو سلمان بنفس عميق: بتتحملها غصبن عليك يا بتّال...انا قاعد اقدم لك خدمة ......ومو عشان سواد عيونك...عشان بنت اخوي....بحفظ حياتك وبنظفك....وبردّك من هالانعواي اللي صار لك...بس اتمنى تكون قد اللي عطيتك....
بتّال يغيّر مجرى الحديث: المهم ستيفن وينه ؟
بو سلمان بدأ بالقيادة: ارسلت له اللي بقومون بالواجب.
بتّال ضحك: ههههههههههههههههههههههه .......
ثم قال: واثق فيهم...
بو سلمان: بعد دقايق بكون تحت التراب.....
بتّال بتنهد: ان شاء الله.
بوسلمان: فمان الله...
اغلق بتّال الخط، يشعر ابا سلمان حاقد لدرجة يُرمي بنفسه للهلاك، ليس من حقه ان يُثنيه عمّ يفعله فهو بافعاله هذه واجراماته سيُحقن دمه وسينهي اللورد ليعود محررًا بلا قيود، يتمنى ان تمشي خطّته في الخط المستقيم دون انحراف ليحظى بعيش هنيء بعيد عن كلبٌ ينبح فوق رأسه يُلزمه في تنفيذ الأوامر.
.
.
تنظر لهُ بعبوس...لم تكن تتوقع زوجها يُخفي امورًا كهذه التي سمعتها...قدمت له كأس الماء...
: خد دواك يا بو عبد الرحمن...
سحب الكأس من يدها ونظر لها: علامك ما نمتي...
جلست الجدّه عن يمينه: وين انام ....مير النوم عيّ يجي لعيوني....بعد اللي سمعته وعرفته.....
الجد وضع الكأس على الطاولة الجانبية: اذكري الله ونامي...
الجدّه نظرت له: حلّفتك بالله.....لا عاد تقسى على احفادي....لا توجعهم بسبب وجع قلبك من هالبو سعد اللي ما يخاف الله.....
الجد نظر لها: ما سويت شي له دخل بالقساوة يا حسنا...
الجده ضربت على صدرها: يا ويلي...كل اللي سويته ولانت حاسبه من القساوة.....اجبرت وليدي ليث ما يرجع إلّا وحرمته بحضنها ولد....واجبرت محمد يخطب دانة....وش بقى؟ ما سويت وقسيت؟

الجد بنفس عميق: لا توجعين راسك وراسي....كل اللي سويته في مصلحة الجميع.....
الجده بنبرة حزن: وين المصلحة فيه يومنك تجبر ليث يقعد هناك ببلاد الكفر....لين يجيه ولد؟....ما تشوف ولدك عبد الرحمن...يبس قلبه وتفطر على بنيّته المرمية بالسجون؟

سكت، لا تفيد الكلمات ولا الجُمل في التعبير..وإن اخرجها ستُلفظ على محمل الظنون والشكوك..كل ما يحدث الآن يؤلمه..ويوجعه..يتغذى عليه بشكل كبير...يحمل في صدره ثقل سنوات عميقة..هو ليس حاقد ولكنه مريض...مريض وخائف على الجميع وبشكل خاص على حفيدته القريبة من قلبه...تلك الحفيدة التي زرعت في حياته شوكًا بدلًا من الياسمين ذو الرائحة الزكية..تلك الطفلة التي جددت عليه حيويّته قبل سنوات واطفأتها سريعًا دون أن تُعطيه اشارة..لا يريد لها حياة تماثل حياته في السابق، لا يريد أن تتجرّع أذيّة العَيش بشكل منبوذ..وبألقات تستحقر الوجود على الأرض!
.
.

لتردف:اشهد انك تبي تطوّل من عمر هالغيبة...عشانك مو عشان كلام الناس....
انفعل وكأنها وطئت على الجانب الذي يوجع قلبه: اي نعم ....ابي اطوّلها.....ما تدرين رحيل وش سوت بقلبي!

حركت رأسها وهي تتبسم في وسط غضب عينيه: اعرف بالله اني اعرف...رحيل يبّست النخّل...ونشفّت الماء من العيون!

واشارت لقلبه: واملت هالمكان بالوجع و بالحيل يا عبد العزيز....لكن انت تشوف....العين بصيرة واليد قصيرة يا بو عبد الرحمن!

سكت، ذهبت تجاعيده للوراء...لعق الماضي عقولهم بقساوة
رحيل ستبقى الحفيدة التي امتطت وجدان قلبه، تعلّقت به وكأنها تريد منه حنانًا يضوي ايّامها السوداء، أتت يتيمة ....ولكن الجميع اصبح لها أب وكل الأمهات اصبحوا لها أم....لا يدرون كيف تاهت هكذا هو لا يعلم كيف اصبحت على هذا الدور القاسي!

تنهد: ليت الساني انقطع لم وافقت على شور ولدك علي.
طبطبت على فخذه: انت وانا والناس كلهم ما نعلم بالغيب....الحمد لله عدّت....
الجد بنظره شارده: عدّت وتركت بصمة يا حسنا...بصمة ما تنمحي....
الجده بمغزى عظيم: هالبصمة هاللي اوجعتك هالكثر بالله قولي وشلون صاحبتها أجل؟
الجد بلل شفتيه وهز رأسه: لا توجعيني يا حسنا...لا توجعيني...إلّا وجعها ما اقدر عليه!
الجده: انا ما اوجعك ...انا ابي اصحّيك...بالهون على رحيل....وبالهون على وليدي عبد الرحمن يا سندهم.
الجد نهض: تصبحين على خير...
الجده بتنهد: وانت من اهل الخير.
.
.
لم أكن اتمنى أن اخضع لرغبات الآخرين، لم أكن افكر بهم حتّى كُنت ممَّن يصارع رغابتهم في خنعي تحت اقدامهم، ولكن تذبذبت جميعُ حواسي أمام رعد، اخشى منه ليس لأنه فعل ما فعله أمامي هكذا، ففعلته تُجبر العقل على الخوف وايضًا هو يعد من إحدى افراد العائلة من قرابة بعيدة نلتقي في إحدى اجدادنا ونحمل الكُنية نفسها، اخشى من هذا الأمر، واخشى من نفسي الضعيفة تخضع لقوله حتى اصل إلى سقف معيشته
زوجه! اجل انا ضعيفة

استمد جلّا طاقتي من أبي وارى ابي الآن مُتذبذب ما بين فعلت جدي وبين رفضي والزمان يعود عليه بغبارٍ سيّء، لا أرغب بالزواج ولا اكترث للرغبات ولكن وصلتُ لمنحنى ربما إن لم اتخطّاه سيقتلعني ممّن احبه، اعلم ربما سأخسر وظيفتي التي طالما حربتُ من أجلها وانا لا اريد ذلك.
زواجي من "محمد" سيضع حدًا لجنون "رعد" سيُبعد الشكوك من حولي وسيجبره على ابعاد عينيه على ما لا يخصه،
.
.
لا تريد كوارث وعواقب لئيمة، تقتلعها من مكانها لتجلسها على شوك احداثها،
.
.
مشت امام المرآة، امسكت شعرها الذي يتخبط على ظهرها بكثافته وطولة امسكته بيديها وبعقلٍ شارد ارفعته للأعلى"وربطته" ، نظرت لوجهها المخطوف، تنهدت عدت مرات تريد أن تستعيد اتزانها ولكن بات كل شيء مختل، سمعت رنين الهاتف بنغمة خاصة تدل على وصول رسالة نصيّة سحبته من على وسط سريرها نظرت للرسالة"آسف على اللي صار..رعد"، عقدت حاجبيها وعضت بقوة على شفتيها رمت الهاتف بعيدًا عنها، جرئته تخيفها، كيف حصل على رقم هاتفها؟
وكيف له يتجرأ بارسال رسالته تلك ، سحبت هاتفها من جديد حذفت الرسالة وحظرت رقمه ايضًا تحاول أن تبعد نفسها عن المشاكل، تسحب جسدها بعيدًا عن الهاوية ولكن هو مصر وجًدا في الاقتراب، نظرت للسقف..انفتح باب غرفتها
ألتفتت ونظرت لصارم
وهو يقول: ممكن اكلمك اشوي؟
هزت رأسها بابتسامة باهتة وجدا
اغلق الباب وراؤه تقدم بخطى بطيئة
نظرت له ونظر لها

ثم قال: شفتي نواف اليوم؟

زمت شفتيها:اي على العشاء؟

صارم بعينين جديتين: بالله دانة انا استخفيت وبديت اهوجس ولا حتى انتي تحسين وراه مصيبة....ياخي ماهوب طبيعي سكوته وهروبه منّا مخوفني.

نواف يرعبهم، صمته يعني جلب المصائب لن ينسون تلك الحادثة التي فلقت قلوبهم، خرج لنزهة مع اصحاب السوء ولم يخبرهم اختفى بقرابة ثلاثة ايام، اتاهم خبره صريعًا على سرير المستشفى وقتها ابيه لم يتحمل الضغط الهائل عليه أُصيب بنوبة قلبية اوقعته هو الآخر على فراش الموت ولكن رحمة الله وعنايته شملتهم في ذلك اليوم، نواف كسر فخذ رجله الأيسر وشقّ رأسه من الناحية اليسرى ولكن نجى من هذا الحادث، دون خسائر وخيمة.





شتات الكون 09-03-21 01:00 PM

رد: رواية: أحببتُ حُطاما سَبق أوان الرحيل\ بقلم شتات الكون
 




تحدثت: يمكن صرنا شكاكين حوله عشان ماعنده شي يشفع له وخلينا نحسن الظن فيه....بس انا اقول لا نضغط عليه عشان لا يطلع من ايدينا كليًّا...

صارم بضيق: خايف عليه وعلى ابوي....نواف مراهقته تخوّف....خايف طايح بمصيبة وساكت...حاولت اصير له الاخ والصديق لكن هو مو متقبل....

دانة تقدمت لناحيته سحبت هواء عميق: نكلمه....الحين ونشوف...
واشارت له: بس مابيك تشتط معه وتنقلب السالفة هواش...نكلمه بالهون...
صارم مسح على رأسه: بحاول...

خرجا من الغرفة، توجها لغرفة نواف، فتحت الباب دانة لم يكن مقفلا
.
.
بينما نواف بعد هذه العواصف، وبعد أن شعر بالخوف من ردت فعل وصايف بعد أن قام بمقارنتها بأختها جلس يفكّر بقلق، لم يقصد في الواقع وضع مقارنة كبيرة بينهما ولكن هو لا يعجبه هذا الخوف والتردد الذي يبعدهما عن بعض مسافات طويلة، هو يحبها أجل ولكن لا يحب هذا الفزع الذي يراه خالدًا في عينيها، ارسل رسالته ليخيف قلبها يريد ان يرى ما ستفعله؟

ولكن بعد ان سمع صوت فهدًا شعر حقًا هو يضغط على عرق الحياة من جسدها لم يتصل خشي من ان يكون الهاتف بيد الشرس فهد، كف عن الاتصال ولكن جفاه النوم وبقي جالسًا يهز برجله ينظر للأرجاء بعينين شاردتين، يخشى من ان يضغط عليها فهد بالحديث وتقوم أمامه مرتجفة وتخبره بـكل شيء حتى يصيبه الأمر، تنهد بضيق، نظر للكتب الدراسية المبعثرة على السرير، ثم انفتح الباب دخلت دانة وصارم الذي رمقه بنظرات هو يفهمها جيّدًا اشاح بنظره عنهما

قالت دانة بابتسامة:ما نمت؟
نواف بكذب: بشوفة عينك الكتب قدامي وراي اختبار.
صارم يحاول أن يتمالك نفسه: ما خلصت؟
هز رأسه وهو يخرج صوتًا حازمًا:هأ...
لملمت دانة الكتب ووضعتها جانبا لتجلس على السرير: فترة وبتعدي يا نواف....صحيح فترة حساسة ومهمة لأنها الواجهة الأولى للمستقبل اللي ممكن يكون مشرق ويمكن يكون معتم على حسب صاحب الشأن.....
نواف نظر لها: ان شاء الله تعدي على خير...

صارم بتشجيع: درجتك في القدرات ماهيب شينة بس جد واجتهد في التحصيلي عليه نسبة كبيرة...فلا تتهاون فيه....

نواف سكت ثم نظر لهما يفهم مجيئهما جيّدًا فقال: من الآخر شفيكم جايين لي...
دانة نظرت لصارم وصارم نظر لنواف ليقول: أنت وش تظن؟

نواف ضحك بسخرية يفهم استدراج اخيه له نهض وهو يدخل هواء عميق لرئتيه: ما سويت هالاسبوع مصايب...
دانة بجدية: هذا اللي مخوفنا!
نواف: شنو؟
صارم بلهجة صارمة: سكوتك هذا يذكرني مصيبتك اللي سويتها قبل سنة ...السنة اللي ربي ستر فيها وما مت ولا تسببت في موت ابوي فيها...

نواف رفع صوته منفعلا: ما راح تنعاد....اخلصوا علي بذاكر...
دانة نظرت لصارم
أدنت برأسها وكأنها تحذره من ان يلبي رغبة نواف في اثارة غضبه
تنهد صارم ثم قال: نواف ياخوي.....انا اعرفك زين....فيك شي...ولانيب مخطي...ما راح اجلس واصير لك حارس يصيّد عليك الأخطاء....انت راقب نفسك بنفسك....وحط في بالك شي واحد...ابوي...تراه ما هوب على خبرك واسأل دانة هي دكتورة وتعرف كل شيء عنه.

دانة بتدخل سريع نظرت لنواف: ابوي صحته على قده....وحتى انت نواف....خايفين عليك...توّك ببداية عمرك....مانبيك تأذي نفسك وتحرق قلوبنا عليك......حنا واثقين من....

قاطعها بانفعال: لو واثقين فيني ماجيتي انتي واخوك تهذرون فوق راسي...

صارم نهض سريعا: من حقنا نجي وننصح.....انا فاهمك زين يا نواف.....فاهمك وانت بعد فاهمني....مابي اجن عليك.....اعقلها....

دانة بخوف نظرت لصارم ثم انفتح الباب ودخلت عهود وهي تنظر لدانة: وينك انتي تعالي بكلمك.

عم الهدوء لثانية واحده لتقلّب انظارها في وجوههم، ثم قال نواف: صارم حط شي ببالك ما عندي شي اخاف منه...

عهود ابتسمت بخبث وبتشفي كتفت يديها واغلقت الباب وراؤها وسريعا ما دخلت في مزاجهم العكر: قول والله؟

نواف اشار لها حانقا: انتي سكتي....لا...

قاطعته دانة: نواف....حنا اخوانك ونبي مصلحتك....ونبيك توسع من مداخل ادراكك للأشياء اللي تسويها....
نواف بانفعال شديد: طيب انا وش سويت؟
عهود بتدخل سريع: هروبك من المدرسة...وتدخينك....ومكالماتك اللي ما تخلص...
وبغمزة: ترانا مو عميان ما نشوف ومو صمخان ما نسمع....انا ملاحظتك في هالشي...وبقوّة!

صارم بلل شفتيه نظر لاخيه: ان شفتك تدخن او شميت فيك ريحة دخان لا تلومني على اللي بسويه فيك...وان هربت من المدرسة والله ماحد بردني عنك!
نواف باستهزاء: بابا صارم.....ايش فيه؟....مالك دخل فيني...
كاد ينقض عليه ولكن احالت بينهما دانة:صاااارم....

ثم نظرت لنواف: نواف.....هي كلمتين.....انت ما تضر إلا نفسك....التدخين وبهالعمر راح يعدم لك حياتك في الحاضر والمستقبل.....وهروبك من المدرسة....انت حر وانت من يحدد مستقبله بس هاااا...
اشارت له بحذر: لا تجي بكرا وتطلب مساعدات منا....كون رجال وقد قراراتك المتخبطة....

صارم بنبرة مرتفعة: مدري وين الرجولة فيه....الرجولة ما تجي بهالمقاييس...... فاهمة يا دانة انا....والله فاهمة...يماشي هالدشير...وخذ لك من الحكي كنّك رجال دخن....كنّك رجال اطلع معنا نفحط...كنّك رجال رقّم لك بنات....هذا حدودهم في مقاييس الرجولة....بالفرعنة وقلّة الحيا...
عهود بجدية: اللي عنده عقل ما ينجر ورا هالاشياء التافهة.....
نواف منفعل:انتي انطمي...
عهود : لا ما راح انطم...انت متعّب امي وابوي....كل يوم الصبح امي ينتفخ قلبها لم تقومك تروح للمدرسة....قسم بالله كأنك بزر....

صارم اشار له: اذا ما تبي تدرس....نكلم جدي يشيل العامل اللي بالمزرعة اليابسة ونحطك بداله الاقربون اولى....ودام اقصى طموحك ما تدرس بنخليك تشتغل غصبن عنك....ما راح تجلس سرداحي مرداحي في البيت....

دانة بتنفس عميق: افهم شي واحد حنا مو ضدك...حنا معاك ونتمنى انك ترجع للصواب...

عهود: والله مانت غبي وفاهم اللي تسويه غلط بس تعاندنا فيه....

نواف بتنهد: مانيب غبي ارمي نفسي بالنار...ولا تجلسون تضغطون علي....والحين تصبحون على خير..

صارم اشار له : اتمنى ما اتصادم معاك في مصيبة اتمنى يا نواف....

نواف: لا تحسسني اني مجرم.....وش مصيبة ما مصيبة....
صارم: انا حذرتك عاد...

ثم فتح باب الغرفة ونظر لوجهة والدته امامه وهي تقول: شصاير؟ فيكم مجمعين كلكم عنده....
ثم دخلت الغرفة ليردف نواف: اكملت والله...
وبسخرية: نادوا ابوي بعد....اتركوه يجي يقول لي اللي في خاطره!

عهود رمقته بنظرات
دانة : ما في شي يمه....

ام صارم نظرت لنواف: وش مسوي يا اسود الوجه...
ضحك بسخرية نواف وتحدث صارم: مو صاير شي يمه...
عهود بتدخل: بس تجمعنا نسولف يمه شفيك....
دانة تقدمت لها:ما فيه شي يمه...تعالي نروح غرفتي...
ام صارم بنبرة عالية: ما جيتوا عند هالعاق الا لانه فيه شي..

نواف : الله صرت بعد عاق...ارموا علي بعد ارموا....
صارم التفت عليه: ....اسسسكت...

نواف بانفعال:مانيب ساكت....تهاجموني وكاني مسوي لكن بليّة واذا قلت ما سويت تصّرون الا سويت...شالعيشة ....
ثم نظر لوالدته: ارتاحي يمه لحد الحين شياطيني نايمين ما فيه مصايب....واضح ودكم اسوي لكن اثارة وتشويق....ولهتوا على الصرقعة!

اردف كلمته تلك بسخرية
عهود منفعلة: سخيف...

دانة رمقته بنظرات ثم التفتت على والدتها: ما في شي يمه...بس تعالوا اتركوه يذاكر...
نظرت له والدته ثم خرجت وتبعوها البقية
نواف زفر: لا اليوم علي وعلى أعدائي!
ثم سحب هاتفه واتصل على وصايف وانتظر ردها عليه
.
.
.
دخل المنزل في وقتٍ متأخر حينما خرج من المستشفى لم يذهب إلى المنزل مباشرةً بل بقي يجول في الشوارع في سيارته ببذلته الرسمية، مُتعب تفكيره، يحاول لملمت نفسه من أمور كُثر ولكن يشعر انّه وصل لدرجه استنزاف الطاقة لم يتبقى من طاقته شيء، يُدرك حينما يصبح الأمر قريب من الأمر يشعر انه لا يمتلك طاقة تمكّنه من الصّمود، كل شيء يصرخ يكفِ، توقف وصلت إلى حادة الانهيار والسقوط، رغم انه متماسك من قبل ولكن الآن لم يعد بداخله تلك الخيوط التي تجذبه من الحياة طوعًا لم يعد هناك.. شيء من هذا القبيل..كيانه مُتعب من هذا البُعد..مُتعب...

واليوم ..الحدث الذي رآه انزلهُ على نُزلات الإدراك من قُرب الميعاد..ما حدث لابنت عمه أيقظ عقله..سجن...قضية..خوف...تردد..عينين تائهتين..كل الدلائل والإشارات تذكرّه برحيل....تذكره بنظرتها الخالدة في قلبه...تذكر وقفتها التي لا يتمنى أن تقفها هيلة....قربها اصبح كأقرب من حبل الوريد...ولكن لا أحد يحس بذلك...يسمع صوتها...يشم رائحة عطرها..آن أوان المواجهة...البقاء على المنحدرة بقتال عنيف.."ريّان بقولك شي؟"...ذلك الشيء الذي تخافه وهو شجّعها عليه...ذلك الشيء الذي يراه شيئًا جميلًا اليوم يطأ على قلبه..خفف عنها ذلك التوتر ...تنظر له "اخاف لتزوجت ما اشوفك كل يوم وانا ما اقدر ما اشوفك كل يوم احسني ضايعة" تختمها وهي تتبسم على خجلٍ منها...هي تشعر بأنها ضائعة وهو يشعر الآن انه مُغترب عن حياته، يكتم بصدره أشياء كثيرة، يكتم ألف مشهد ونظرة وصوت يدوي في أُذنيه كل ليلة على مدار السنوات الماضية" ريان انا ما اخاف من شي لأنك معي"..وهو الآن ليس معها...ليس بجانبها لا احد كان في الأصل بجانبها يخفف عنها، يسلّيها في وحشتها وغربتها لا احد...رمى بنفسه على الكنبة...اضواء المنزل خافتة...كقلبه الخافت..يسمع نبضات قلبه...يسمع صوت ضميرة...


يسمع صوت غضبه من كل شيء...فاض كل شيء عليه....ليخنقه ويطوّقه من جديد....إلى حيث كان قبل سنوات...إلى الضعف...إلى الإستماع لنفسه ولصوته الداخلي الذي يوبخه...."انتي بنتي....احسّك مثل بنتي يا رحيل...والأبو طبيعي يخاف على بنته"...يخاف ولكن يبتعد..ينطوي وينزوي بنفسه في ركنه الأسود...في عتمته الظلماء التي تُدعس في قلبه صوت الضمير....صوت القلاقل.....نظرة العيون....تردد الشفتين من اظهار الحديث علنًا....للمشي للأمام بظهر مقوّس....تعاتبه....تقتله...تردد صوته بنظراتها التي تشعل الحديث بداخله....لم يستطع إقناع والده من ان يشيح بهذه القساوة عنها لم يستطع..

جميعهم قسوا...حتى هو ..قلبه قسى في بداية الأمر قسى ولكن الآن هو ندم...متعب....ثمان سنوات مضت...وهي بعيدة عن عينيه ولكن قريبه من قلبه..يحفظها بالدعاء لها للخلاص مما هي فيه...يدعو لها...يبكي....ثم ينام...يعاتب كل شيء في غرفته.....ولكن يجزم انه لن يكون قادرًا على معاتبتها يومًا لا يريد أن يثقلها...."ما اقوى على عتابك ترا والله ماكلته عليك" ...لا تقوى على عتابه على امرٍ تافه فكيف في امر كهذا؟...هيلة اليوم صفعت ضميرة بقسوة...بات يحاتي الاثنتين...يخشى تفاقم الأمور لتأخذ طريق رحيل بشكل معاكس رغم انه واثق من كونها بريئة ....

.يثق بذلك ولكن لا يثق بالجميع لا يثق بردت فعله عمّه...يخشى من أفكار جدّه ها هي تتحقق....جلب لهم ما يخافه ..الفضيحة...قد تأتي إليه يومًا قد تأتي بشكل مفاجأ....وها قد ظهر قدومها كالسراب ليختطف الابصار والقلوب مقدمًا!....ينظر للزاوية المحببة لها...هُناك بالقرب من التلفاز...كانت تجلس...تؤدي واجباتها سريعًا في يوم الأربعاء من أجل الذهاب في يوم الخميس مع جدّها للمزرعة....من أجل ان ترى أرنبها الذي اسمتهُ"رجوى"...ذلك الأرنب الذي كاد يسقطها على شفى حفرةً من الموت وهي ابنت الثمان سنوات....ابتسم وسط عينيه المحمرتين حينما تذكر" رحت هناك عشان رجوى كانت بطيح في الثبر ريان"....

لم يفلتها من يده في ذلك اليوم ...لم يترك لها مجالًا للعب بهدوء في المزرعة حتى انها تململت...نظر لملابسها التي اتسخت بعد سقوطها في "الثبر"...اخبرها بوجوب تغيير ملابسها في الداخل...واجبرها على الدخول للذهاب بجانب خالتها حتى يضمن بذلك عدم خروجها للخارج....ازدرد ريقه...كل مكان هنا يذكره بطفولتها....المقرونة بوجود مناهل ايضًا تلك الشقية الأخرى التي تركت في قلبه جرح غائر لا يبرأ ابدًا توفت كلمح البصر...وكأنها تقسم انها لن تقوى على بعد رحيل...رحلتا الاثنتان في وقت قصير وكفيل من ان يجعله يجن...

نهض من على الكنبة...مشى بخطواته الثقيلة...وهو يمسك بيده اليسار هاتفه...تنهد كثيرًا وهو يصعد على عتبات الدرج....عينيه تائهتين....قلبه يخفق بشدة...عقله يتوقف عن كل شيء سوى التفكير برحيل....مشى بخطوات بطيئة إلى أن وجد نفسه أمام باب غرفة اخيه...طرقه مرة...ومرتين...ثم انفتح الباب على مصرعيه تلاقت اعينهما ببعضها البعض....
فهد نغزه قلبه وكأنّ فهم حالة ريّان تلك
تحدث بخوف: ريّان....
ريان تقدم ابعد اخيه عنه ودخل إلى الغرفة، اغلق فهد الغرفة ونظر لأخيه...تحدث بقلق:خذت حبوب الضغط؟...عيونك ما تبشر بالخير!
ريّان يشد على جبينه، يعلم ضغطه الآن ارتفع ...يشعر بذلك...من شدت الصداع والزغللة التي اجتاحت عينيه، هز رأسه
ليتقدم له فهد: اشهد انك كذاب...
ريّان بتحذير: قصّر حسّك لاحد يسمع...
فهد بانفعال بسبب كل شيء: وشفيها لو اعرفوا فيك ضغط؟
وبطنز اردف: ولا خايف تخسر الوظيفة؟
ريان ينظر له: مابي خالتي تحاتيني كفاية اللي تحاتيه!
وبهدوء: والوظيفة مالها دخل..الضغط جاني بعد كل هاللي صار...
سكت فهد ثم مسح على وجهه: شفيك؟
وبشك:رحيل؟
ضحك ريان هنا بقهر تحت نظرت اخيه، الذي تعجب من حاله
فقال له: وش اللي تعرفه عنها وخبصك؟
فهد سكت اغمض عينيه وهو يستل انفاسا متتالية
: أنت عمرك ما...
قاطعة: ريّان....لا تضغط علي....قوم ارتاح راجع من تعب وتحتاج ترتاح....
ضرب ريّان على صدره ووجهه محتقن بالحمرة ارتفع صوته وكأنه يصرخ في الواقع: عمره هذا ما ارتاح....ما ارتاح..أبد...

فهد شخصت عيناه تقدم له: ريّان اذكر الله..

ريان ابتلع غصته وتمتم" لا إله إلّا الله"..
فهد: عمري ما نسيتها ريّان...عمري كله ما نسيتها....هي اختي...بس اوجعتني بالحيل....بالحيل....
ريّان: وش حيلتها وهي موجوعة ومغتربة وابوي شايل يده من سالفتها؟ وحنّا جالسين هنا عششان خاطره ؟
فهد : يعني وش تبينا نسوي؟ نروح امريكا ونترك اللي هنا وهم بحال ما ينترك؟!
ريّان نهض: عمرك ما قلت شي يوقف مع رحيل ...
فهد بعصبية: وانت عمرك ما فكرت بهالموضوع بعقل...
ريّان بانفعال:العقل برأيك يقول نتركها بالسجن تخيس....ونصد عنها وهي في وقت حاجتها لنا؟
فهد : ما تركها ليث....
ريّان شتم ليث هنا، وفهد تنهد بضيق
: ريان ....هانت..ايام وتشوفها قبالك....لا تضغط على نفسك...
ريّان نهض، ودون ان ينطق كلمة واحدة فتح الباب وسمع صرخة وصايف في الآن نفسه
فهد بذعر: ايش فيههههههه؟
ريان ركض هنا دون أن يلتفت على اخيه الذي خرج يركض بلا عقل.
.
.
.
.
.

انتهى




الساعة الآن 05:18 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية