منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   الروايات المغلقة (https://www.liilas.com/vb3/f836/)
-   -   رواية : أنا وأخي (https://www.liilas.com/vb3/t207619.html)

ضوء سرمدي 28-07-20 05:36 PM

رواية : أنا وأخي
 
الفصل الأول ..
في منزل أم نرجس ..


صرخة مدوية ملأت أركان المنزل ، صرخة فزع وخوف ، صرخة أطلقتها نرجس بأعلى صوتها بعد رؤيتها لجثة والدتها المنهارة على الأرض ، لم تستطع أن تقترب منها فقد أصاب الوهن قدميها فأسقطها أرضا..




الأفكار السوداوية غزت عقلها ، الرعب قد امتزج بكل خلية في جسدها ، لم تتجاوز بعد صدمة موت والدها فكيف ستتحمل فراق أمها ؟؟


.
.
.
.

طرق صوتها مسمع الشاب الواقف خلف باب البيت ، أمسك بهاتفه وأخذ يحاول الإتصال بنرجس علّه يجد تفسيرا لهذه الصرخات ، لكنها لم ترد ..
ضرب الباب بقوة وبشكل متتالي وهو ينادي : نرجس ، نرجس فكي الباب ، نرجس وش صاير ؟؟


يكاد يفقد عقله وهو يجد نفسه عاجزا عن فعل أي شيء ، قبل دقائق فقط اتصل بها ليطلب منها أن تفتح الباب له ، والآن يسمع صوت صرخات مفجعة لا يعلم سببها ..

.
.
.


في الداخل كانت الأفكار السوداية هي ما تملأ عقلها ولا شيء آخر ، لم تكن ترى أو تسمع ما حولها ، لا صوت الجرس قد أيقظها مما هي فيه ، ولا صوت هاتفها الذي لم يتوقف عن الرنين ..

كانت تنتحب بشكل مؤلم .. موجع .. مأسااوي ..
تجر شعرها .. تلطم خدها .. تضرب الأرض بقبضتها .. لم تكن قادرة على فعل أي شيء ..
لم تُرد أن تقترب من جثمان أمها ، فلازالت تتذكر برودة يد والدها بعد وفاته ، كم كان شعورا مرعبا ، ولم ترغب في تكرار التجربة مع أمها ..
لذا لم تتحرك ، بل حتى لو اردات ذلك لم تكن لتستطع ..

.
.
.

فقد الأمل في أن تفتح نرجس الباب له ، للحظة هم بكسر الباب لولا أنه تذكر أن خالته قد أعطته مفتاحا احتياطيا لمنزلها ..
وكأنها كانت تعلم أنه سيحتاجه قريبا..
سمى بالله وفتح باب المنزل وهو يقول بصوت جهوري : نرجس أنا بدخل ..
بمجرد أن فتح الباب وقع عينه على الشابة المنهارة بالبكاء في نهاية الدرج الحلزوني ، لم يأبه لكونها أمامه بدون حجابها فمنظرها جعله يكسر كل الحدود التي بينهما ..




اقترب منها بخطوات متباعدة سريعة وجلس بمستواها وهو يقول : نرجس وش فيك ؟؟
لم تكن هذه المرة الأولى التي يراها منهارة بهذا الشكل ، فقد سبق وأن اصابتها هذه النوبة الهستيرية من البكاء حين علمت بخبر وفاة أبيها ..
أمسك بكتفيها يهزها بعنف : نرجس تكلمي ، خالتي صاير لها شيء !!


هنا ازداد نحيبها ليعلم أنه أصاب التخمين ..
لكن السؤال ، ماذا حدث لها ؟؟ وأين هي ؟؟
صرخ بغضب : هدي شويه وقولي لي وش صاير ؟؟ فينها خالتي ؟؟

بأصابع مرتعشة أشارت باتجاهها وهي تغمض عينيها بشدة ..
نظر عماد إلى المكان المشار إليه ليراها جثة على الأرض بالقرب من باب غرفة الضيوف ..
ترك نرجس على حالها راكضا نحو خالته ، رفع رأسها عن الأرض وأسند جسدها عليه وهو يهتف باسمها ..






لاحظ أنفاسها ليدرك أنها حيه وليست كما تحسبها نرجس ..
تكلم بنبرة عالية وسريعة : نرجس جيبي عباية خالتي بسرعة ..
لكنها لم تحرك ساكنا مما جعله يستشيط غضبا : أكلمك أنا ، روحي جيبي عباية لأمك عشان نوديها المستشفى ..
لم تجبه .. ليس لأنها تعانده بل هي حتى لم تسمع ما يقوله ، كانت غارقة بأفكارها السوداوية بعيدا عن عماد ، حتى نحيبها العالي يكاد لا يصلها ..


لا فائدة منها ، هذا ما قاله عماد في نفسه وهو يترك جثة خالته على أقرب أريكة موجودة وينطلق مسرعا نحو السلالم متجها إلى غرفة نوم خالته ..
لم يكن منزلها غريبا عليه ، بل هو بمثابة منزله الثاني لذا يحفظ كل زاوية من زواياها ..


***
في المستشفى ..


- هي الحين بخير ، حطينالها مغذي وبمجرد ما يخلص تقدر تخرج ..
تنفس الصعداء بعد جملة الطبيب ، شكره على عجالة ودخل إلى الغرفة ..
كانت مستلقية على السرير الأبيض ويبدو عليها الشرود ، اقترب منها بهدوء : سلامتك خالتي ما تشوفين شر ..
صوته أعادها إلى الواقع لترد : الله يسلمك ..
ثم نظرت باتجاه الباب : وينها بنتي ؟؟
أجابها وهو يخرج هاتفه من جيب ثوبه : هي كانت منهارة مرة فاضطريت أحطها عند أمي ، الحين بتصل عليها أطمنها عليك ..


لم تعلق على ما قال وهو كان ينتظر ردا من الطرف الآخر من هاتفه ..
- هاا طمني على أختي ..
كان هذا صوت والدته الخائفة والمترقبة ..
فقال مطمئنا : لا تخافين يمه هي الحين بخير ، مجرد سوء تغذية ، طمني نرجس كمان لا تنسي ..
- نرجس الحين نايمة ، مسكينة تعبت من الصياح ، حتى وهي نايمة ما زال دموعها ينزل ، لا فاقت خبرتها ، الحين يا يمه أقدر أكلم خالتك شويه ..


رفع عماد بصره نحو خالته جمان التي عادت للشرود ولم تبدو بحالة جيدة ..
- خالتي الحين نايمه كمان ، رح أتصل عليك لمن تقوم ، ومرة وحدة نخلي نرجس تكلمها ..
- اوكي حبيبي ، اهتم في خالتك زين خلاص ..






انهى المكالمة ليجلس بعدها على السرير بجوار خالته ليجدها على وضعها ..
قال بصوت ه‍ادئ : خالتي فيك شيء ؟؟


لم تكن طبيعية البتة ، هناك ما يشغل بالها بالتأكيد ،حتى مع نفيها لسؤاله إلا أنه واثق من أنها تخفي شيئا ..
ألح عليها مجددا بالسؤال لتقول بصوت منزعج : عماد لو سمحت ممكن تسيبني في حالي ، روح جهز أوراق خروجي او اشغل نفسك بأي شيء ..




حرك كتفيه بيأس ، لا جدوى من سؤالها هي لن تفصح عن ما يخالج صدرها حتى لو وُضع الخنجر على رقبتها ..
استأذنها ليغادر المكان قليلا وهو يبصم بالعشرة أنها ترغب في الإختلاء بنفسها ..


***

في شقة أم ريان ..


صوت بكائين امتزجا ببعضهما ، بكاء طفل رضيع وامرأة بالغة ، صياح عالي ملأ الشقة الصغيرة ووصل إلى نهاية الرواق ، صوت يخترق الجدران ليطرق مسامع الجيران ..
كانت المرأة الثلاثينية تحمل طفلتها وتهزها بعنف محاولة إسكاتها ، لكن دون جدوى .. لتشاركها النحيب بيأس ..


وحين وصلت إلى أقصى حدودها تركتها على الأرض بعجز هاربة إلى غرفة النوم لتوصد الباب جيدا وتدفن رأسها بين الوسائد محاولة الهرب من كل شيء ..
يأس وحزن وألم .. تغرق في دوامة من الظلام السرمدي ولا تجد أحدا ينتشلها منه ، وكل يوم تزداد توغلا فيه ..


أفكار تعصف برأسها كل لحظة وثانية تكاد تفقدها عقلها ..
تضرب السرير بكل أطرافها محاولة التنفيس عن نفسها لكن دون جدوى. .


دموع أغرقت وجهها الهزيل ، أي حياة هذه التي تعيشها ، ألم وحزن لا نهاية لهما ..
أحُرمت السعادة عليها دائما وأبدا ؟؟
كلما ظنت أن الحياة تبتسم لها أخيرا تجد الحياة تخسفها خسفا ، لتعود في مستنقع اليأس وحيدة .. محرومة من الحب .. والحنان .. والسعادة ... والأمان ..

.
.
.


عودة إلى الطفلة التي تركتها والدتها ، كانت لاتزال مستمرة في البكاء ولم يكن حولها أحد سوى أخيها الذي يبلغ السادسة من العمر ..
كان معتادا على رؤية هذا المشهد مرات عديدة ، وكان يعرف دوره جيدا ، أخذ جهازه اللوحي وفتح اليوتيوب على أغاني الأطفال ..
بمجرد أن بدأت الموسيقى حتى هدأت روان تدريجيا وأخذت تحدق بشاشة الهاتف باندماج تام ..


حينها ضربها ريان على ظهرها بغضب : وجع في شكلك ، بكايه ..
آلمتها الضربة فعادت للبكاء ليحرك الجهاز أمامها بسرعة : شوفي شوفي طيور الجنة ..
هدأت ثانية وبدات تصفق بيديها الصغيرتين بكل حماسة وهو ينظر إليها بنظرات مشبعة بالقهر ..
تمتم بصوت خافت : الله ياخذك ..




نعم .. هذا هو ريان ، أكثر من يعرف كيف يسكت وئام الطفلة البكاءة .. وأكثر من يكرهها ..
نعم هو يكرهها فمنذ مجيئها سلبت منه الكثير ..
اهتمام والدته .. حبها وعطفها .. دلالها .. وقتها .. وكل شيء ..

لكنه يجد نفسه مجبرا على الاهتمام بهذه المدللة الصغيرة ، فلا أحد يتحملها سواه ، ولو أصابها أي مكروه فاللوم سيقع عليه بالكامل ، والعقاب سيكون قاسيا ..


***


في بيت أم عماد ..
كانت عنان تحدق في نرجس النائمة على سريرها بحزن ، كانت تنتحب بشكل يبكي القلب قبل العين ..
سمعت صوت طرقات رقيقة على بابها قبل أن تطل أمها من خلفه قائلة : ما فاقت للحين ؟؟


حركت رأسها نافية : حتى وهي نايمة تبكي الله يصبرها ..
تنهدت أم عماد بضيق : خالتك جمانة عنيدة الله يهديها ، لو جلست عند أمي كان أحسن لها بدال قعدتها لوحدها مع بنتها ..

سألت عنان : وش صار لها يمه ؟؟
- عماد خبرني إن اللي صار لها سببه سوء تغذية ..
أرادت عنان الحديث لكن قاطعهما صوت نرجس الفزع : أمي .. أمي وينها ، تكفووون لا تقولون إنها راحت ..
تهجد صوتها وعادت للبكاء وهي تلطم نفسها ، أسرعت أم عماد باحتضانها وهي تقول : بسم الله عليك يا بنتي ، يمه لا تخافي أمك مافيها إلا العافية ..
تكلمت نرجس وسط دموعها : وينها أجل ؟؟ ودوني عندها .. يمههه وينك ؟؟
- عماد عندها لا تشيلي هم ، الحين وش رايك تنزلي معايه عشان نتعشى سواا ..
- ما أبغى ، أبغى أمي أمي وبس ..




شدت أم عماد من احتضانها : نرجس حبيبتي والله أمك رح ترجع بعد شويه ، وش رايك أتصل بعماد عشان تكلمي أمك ؟؟
- ايه ، تكفييين خالتي اتصلي ، أبغى أسمع صوت أمي ..

أبعدتها أم عماد عن حضنها قليلا وقالت وهي تنظر إلى وجهها المورم : أول شيء روحي الحمام غسلي وجهك واهدي ، أمك رح تخترع لا كلمتك وانت كذا ..
وأكملت ممازحة : الحين أخاف تحسبنا نعذبك أو حاجة لا سمح الله ..
قفزت نرجس من مكانها باتجاه دورة المياه ، بينما وجهت أم عماد خطابها إلى ابنتها التي كانت واقفة بصمت : عنان حبيبتي ممكن تجيبي جوالي في الصالة تحت ..
رفعت عنان هاتفها : استعملي جوالي يمه ..
بدأت أم عماد بالاتصال حينها خرجت نرجس من دورة المياه وهي تنظر إلى أم عماد بترقب ..


بعد ثوااني أتاها صوت عماد : هلاا ..
قالت أمه وهي تنظر إلى نرجس : يمه عماد ممكن تعطي الجوال لخالتك ، نرجس تبغى تكلم أمها ..
أجابها : أنا مو عندها ، قاعد أسوي أوراق خروجها ، قولي لنرجس كلها نص ساعة ورح تكون أمها عندها ..
- طيب خلاص مع السلامة يمه ..


ظهر الإحباط على وجه نرجس ، في حين قالت أم عماد بسرعة : وش رايك نستنى أمك تحت ؟؟
حركت نرجس رأسها دون أن تقول شيئا ، فأمسكت أم عماد بيدها وأشارت برأسها لعنان بأن تلحقهما ونزلوا معا إلى الصالة ..




جلست نرجس على الأريكة ولازالت صامتة هادئة ، قالت أم عماد بحنان : حبيبتي بروح أجيب لك شيء تاكليه استني شويه ..
ثم نظرت إلى ابنتها الواقفة بقربهم وحركت شفتيها دون صوت : حاولي تلهيها ..
غادرت أم عماد إلى المطبخ تاركة عنان مع نرجس ..


جلست عنان إلى جوار نرجس واحتضنتها بحنية : لا تخافين حبيبتي أمك مافيها إلا العاافية ..
وبمحاولة منها لإلهائها أكملت قائلة : إلا ما قلتي لي ، كيف حال الدراسة معاك ؟؟ أظن إن الإختبارات على الأبواب صح ؟؟




***


في بيت أبو صقر
كان المكان أشبه بخلية نحل ، العمال يتحركون هنا وهناك ، وكانت الورود الطبيعية في كل مكان ، ورائحة البخور تسبح في الأرجاء ..


في الدور العلوي كانت أجواء أخرى ، المكان فوضوي بالكامل ..
كانت الفتيات يضعن مساحيق التجميل ولذا تجد الأرض مفروشة بها ، كانت أسماء الخبيرة بالمكياج تضع المساحيق لبنات أعمامها بمساعدة اثنتين من صديقاتها الخبيرات في نفس مجالها ..


صلاة العشاء قارب على الأذان والبعض لم ينتهي بعد من التجهيزات ..
صرخت وفاء بعصبية : الناس بيحضروا وأنا للحين ما تمكيجت يلاا بسرعة تراني أخت العرييس ..
أجبتها أسماء ببرود وهي تضع الكحل لرهف : قلتيها بنفسك أخت العريييييس مو العروسة ..
علقت روعة : أفهموها هي تبغى تنخطب لو ما تكشخت ماحد بيطالع فيها ..
لترد عليها وفاء بغرور : أنا جمالي طبيعي ما أحتاج مكياج ..
أسماء : خلاص أجل لمن أخلص من أسيل رح أبدأ ببلسم ، انت ما تحتاجي مكياج ..
صاحت وفااء : أسمااااء والله مو وقتك ، أخلصي بسرعة ..
ضحكت أسماء وتابعت عملها بوضع اللمسات الأخيرة لأسيل ، ثم قالت : يلاا يا أم جمال طبيعي تعاالي ..
- أوووف وأخيييراا ..


تكلمت الجازي وهي تنظر إلى ساعتها الفضية : مو كأن العنود تأخرت ؟؟
أجابتها هيفاء : دقي عليها نشوف وينها ..
خرجت آية من غرفتها وبصوت شبه باكي : أسماااء وين شوزي الأسود ما لقيته ؟؟
لم تلتفت أسماء إليها فقد كانت منشغلة مع وفاء واكتفت بقول : وش دراني دوري عليه بنفسك ..


كانت الدمعة متعلقة بأهدابها ، فقد كانت سريعة البكاء ، لكن بلسم سارعت بالقول : تعالي ندور عليه سواا ..
دخلتا الغرفة لتبحثا عن حذاء آية بينما اسرعت الجازي بالإتصال بالعروس ، لكن الأخرى لم ترد ..
- أووف ما ترد ..
قالت روعة : أتصلي عليها بعد شويه ، الحين مو المفروض تجهزي بنتك ..
ضربت الجازي جبينها : أووه نسيت ، خلاص روعة انت الحين دقي عليها أنا رايحة ألبس بنتي ..
روعة : أوك مو مشكلة ..


في غرفة آية ..
إلتفت آية حول نفسها باستعراض : هاا وش رايك بصراحة ..
ابتسمت بلسم : تجنني والله ..
عبست آية: بسس هذا إلي طلع معاك ..
ضحكت بلسم: تجنني وتهبلي وقمر وش تبين أكثر ..
آية بتحلطم : ماتعرفي تمدحي كعادتك ..




ثم التفتت إلى المرآة تنظر إلى صورتها ، كانت ترتدي فستانا أصفر ليموني قصير يصل إلى ركبتيها ، بنفشة بسيطة ، وحذاء أسود بعنق طويل نوعا ما ، ابتسمت برضى ثم عادت تنظر إلى بلسم : تتوقعي نرجس بتجي ولا لا ؟؟
زفرت بلسم بضيق وهي تجلس على السرير : والله ما أعرف ، اتصلت عليها قبل شويه ما ترد ، واتصلت على أمها نفس الشيء ما ترد ..

ثم أكملت بتهجس : تهقين صار شيء ؟؟
- لا تفاولي عليهم إن شاء الله مافيهم إلا العافية ، بس انت تدري إن موت أبو نرجس أثر عليها كثير ، في المدرسة طول الوقت سرحانة ، واذا حاولنا نلطف الجو عليها بدأت تبكي ، الله يلوم إلي يلومها ، ما أظن إنها جايه ..
- اي والله ما أعتقد تجي ..


ابتسمت آية لتغير جو الكآبة : يلاا وش رايكنخرج عند البنات ، بوريهم كشختي ..
- يلاا


***


في منزل أبو عماد ..
لازالت متمسكة بوالدتها وهي تسمع النقاش الحاد الذي يدور بين والدتها وخالتها ..
تلك تصر على أن تخبر والدتها وأخيها بما حصل ، والثانية تحلفها ألا تفعل ذلك ، فالأمر بسيط كما تدعي ..


أم عماد بنفاد صبر : جماانة أتركي عنادك إلي ماله داعي ، أمي والله بتزعل لو ما خبرتيها ..
جمانة بإصرار : مارح تزعل إذا ما درت ، عبير لا تكبري السالفة ، بعدين انت طلبت مني أقعد عندك للعشا وأنا جلست بس عشان لا تخبري سيف وأمي ..


تدخلت عنان وهي تحاول أن تهدئ الوضع بينهما : يمه خلاص مو لازم نخبر أمي فاطمة ، بس خالتي تكفييين إذا محتاجة حاجة أو شيء كلمينا لا تخلينا نخاف عليك زي اليوم ..
ثم نظرت إلى نرجس بابتسامة : نرجس حبيبتي اهتمي بنفسك وبأمك ..

أومأت نرجس برأسها بينما قالت جمانة : إن شاء الله ، يلا نستأذنكم الحين ، معليش أثقلنا عليكم اليوم ..
عبير : حنا خواات مبيننا هذا الكلام ،تعالي عندي متى ما بغيتي ، أنا وعيالي كلنا تحت أمرك ..
ابسمت جمانة بامتنان حقيقي : والله ما تقصرين يا أم عماد ..


ودعوا بعضهم وركبوا سيارة عماد الذي كان ينتظرهم في الخارج ..
قال عماد وهو ينظر إلى إنعكاس نرجس من المرآة الأمامية : نرجس ماشفتي وجهك في المراية ، والله يخرع ، إلي يشوفك يقول زومبي ..
نظرت إليه نرجس متمتمة : سخييف سوق وانت سااكت ..
ابتسم عماد فقد استطاع أن يخرجها من صمتها ، ثم قال لخالته في المقعد المجاور : خالتي بكرة الصباح لا تسوي فطور ، رح أشتري لكم فطور من برى تاكلوا يدكم من ورااه ..
أم جمانة : لا يا ولدي ما يحتاج ، لا تكلف على عمرك ..
- لا والله مافيها كلافة ولا شيء .
- الله يجزاك خير والله ما قصررت معانا ، لا إنت ولا أمك ..


***


صوت الأغاني يصدح في المكان ، فتتمايل بعض الأجساد على أنغامها ، بينما البعض الآخر يكتفي بالتصفيق والتشجيع ..
وفئة أخرى أشغلتهم الغيبة والنميمة ، فلم يتركوا أحدا إلا وقد أكلوا من لحمها ..


أما أهل العرس فهن مشغولات باستقبال المعازيم ورد التهاني والتبريكات ..
لمحت بلسم صديقتها وهي تدخل إلى المكان وعيناها تبحثان عن أحد ، فأسرعت مهرولة وهي تحتضنا بحب : هلاا والله منوورة والله ، تصدقي توقعتك ما بتجين ..
عدلت عنان فستانها الأسود : صارت مشكلة بسيطة اليوم لكن ماقدرت ما أحضر ، والله العنود بتذبحني لو ما جيت ..
بلسم بقلق : خير وش صار ؟؟ أمك بخير ؟؟ أشوفها ما جات ..
- لا أمي مافيها إلا العافية ، المشكلة تخص خالتي ، بعدين أخبرك .
قاطعتها بلسم بخوف : عنان خالتي أم نرجس فيها شيء ؟؟
عنان : حبيبتي لا تخافي ، هي انهارت شويه ووديناها المستشفى ، طلع عندها سوء تغذية ..
ثم قالت مغيرة دفة الحديث وهي ترشق بلسم بنظرات الإعجاب : والله محلوه ما شاء الله ..


ابتسمت بلسم بخجل : صدق حلوو !!
- اي والله يهبببل ..


كانت بلسم قد ارتدت فستانا أحمر مخملي يصل إلى وسط الساق وساتر اليدين لكن كان لها إطلالة مختلفة ، خصوصا وأنها لا تضع المساحيق إلا نادرا ..

أخذت بلسم عنان إلى غرفة العروس حيث تجلس العنود فيها وقد بلغ بها التوتر أقصااه ..
لكن بمجرد ما رأت العنود صديقتها حتى تهلل وجهها وانفرجت أساريرها : عناااااني أخيرا جيتي ، كنت متوعدتك أحسبك ما بتجين ..
- أفااا وأنا أقدر ما أحضر ملكة عنووودي !!


أمسكت العنود بكتفيها وقد عاودها التوتر والخوف : عنان والله خايفة ما أدري وش أسوي ..
ابتسمت عنان : وليش خايفة بالعكس انبسطي اليوم يومك ..
استمر الثلاثة بالحديث قبل أن تدخل وفاء إلى الغرفة وتقاطعهم : عنووود جهزي نفسك الزفة بعد شويه ..
شهقت العنود : صدق !! قولي والله بدري تو الناس ..
نظرت ريم إلى ساعتها : وين تو الناس ؟؟ انت شايفة الساعة كم ، شويه ويدخل 12..
العنود بتوتر : وينها أسماء أبغاها تصلح مكياجي أحسه خرب ..
ريم : ايه هي قالت الحين جايه ..


.
.
في قسم الرجال ..
كان العريس يجلس وسط والده وجده والإبتسامة تكاد تمزق وجهه من اتساعها ..
وصل خبر أن الزفة ستبدأ بعد دقائق وأنه سيدخل بعد العروس بنصف ساعة تقريبا ..


كان يسمع تعليقات الشباب حوله لكنه گان يتجاهلهم تماما ، مما يجعلهم يزيدون الجرعة كل دقيقة ..


عند المجموعة المعروفة باسم شلة المشاغبين كانوا يتآمرون على وليد دون علمه وضحكاتهم المريبة لفتت أنتباه ياسر فأتى إليهم مسرعا وهو يقول بصوته الجهوري : على ايش ناوين قولوا ..
أجابه أخوه الأصغر ببراءة مصطنعة : ولا شيء بس نسولف ، حراام ..
ياسر بشك : والله إني مو متطمن لكم ، والله لو فكرتوا تعملوا حاجة ياويلكم مني ..
راكان بكذب : أفاا عليك ملكة أختي بولد عمي تبغاني أخربه ، والله لو يفكروا ذول بشيء يخرب الفرحة لأكسر راسهم ..




رغم أنه لم يصدقهم إلا أنه تجاهلهم وذهب متجها إلى صديق عمره عماد : عماد ممكن خدمة ..
عماد : آمر ..
- مايامر عليك عدو ، أبغاك تحط عينك على شلة الملاعين ذولاك ، والله إني مو متطمن لهم ، كل شويه يناظروا في وليد ويضحكوا ضحكة ابليس ..
ضحك عماد : لا تبالغ عاد ، وش ممكن يعملوا في ملكة الرجال ..
- والله ما أبالغ ،أنت راقبهم بس عشاني ..
- أوك تطمن ، إن شاء الله ما يصير حاجة ..
- ما تقصر يا خووي. ..


.
.


عودة إلى العروس المتوترة ..
بدأت موسيقى الزفة وحان وقت ظهور العروس ، كانت العنود تنظر إلى أختها الجازي الواقفة إلى جوارها والتي تبتسم لها بحب وتشير برأسها ..
تقدمت بخطوات مترددة ونزلت من على السلالم وسط زغاريد النساء ، لا تعلم كيف سارت حتى وصلت إلى الكوشة ..

أتت جدتها ووالدتها لتبريكها ثم أتى دور بنات أعمامها وصديقاتها ..
كن يراقصنها بسعادة وهي للحظة نست توترها وانسجمت معهن ، إلى أن تحدثت وفاء بمكبر الصوت : العريس بيدخل بعد شوي ، ممكن تنزلوا من الكوشة وتتغطوا ..




أمسكت العنود بأختها بتوسل : الجازي لا تسيبيني تكفين ، خليك جنبي ..
ضحكت الجازي : طيب بس خليني ألبس عبايتي أول
- لا مافي أدري إنك رح تسحبي علي ، خلييك هنا مارح أسيبك ..
تدخلت والدتها : عنوودووه بلا بلاهة خلي أختك تروح تجيب عبايتها ..


.
.
يقف العريس على استعداد للدخول وحوله أعمامه وجده ، لاحظ غياب أخوي العروس فسأل ياسر الموجود بالقرب : وين راكان وتركي مو قالوا بيدخلوا معاي يباركوا لأختهم ..
ياسر بكذب : ما أدري عنهم غيروا رايهم فجأة وقالوا موب داخلين ، ممكن مستحيين ..
رفع والد راكان حاجبه باستنكار : مستحيين ؟؟ مين راكانوه وتركي !!
ضحك ياسر : ما أدري عنهم وش نزل عليهم فجأة ، خلاص أدخلوا مايحتاج تتأخروا عشانهم ..
ثم غمز بعينه وهو ينظر إلى وليد : العرييس مو قادر يصبر ..


ما إن دخلوا حتى أسرع إلى مواقف السيارات ، كان المكان خاليا إلا من عماد وراكان وتركي وعلي ومحمود وفؤاد ..
ما إن وصل إليهم حتى صاح بهم غاضبا : وقسما بالله انتوا موب صاحين ..
فعلق علي ممازحا : أيوه احنا نايمين والنايم مرفوع عنه القلم ..
ضحك الشباب إلا عماد وياسر الذي يكاد ينفجر غضبا ..


رمقهم عماد بنظرة نارية وهو يقول : إنتوا من جدكم يا المهابيل ؟؟ كنتوا بتكبوا على وليد سطل السلايم !!
رمش تركي ببراءة مصطنعة : بس ما صار إلي خططنا له..
ضربه ياسر على رأسه : لو ما كشفنا خطتكم كان عملتوها ، والله يبغالكم ذبح ..
ثم نظر إلى عماد مسترسلا : مو قت لك إن هذولا الملاعين ناوين على شيء ، زين إنك راقبتهم ..




تكلم محمود بتأفف : خلاص آسفين ، خطتنا وكشفتوها أظن إن الموضوع انتهى كذا ..
أتته ضربة من ياسر : لا ما انتهى الموضوع ، اسمعوا بمجرد ما يرجعوا المعازيم وتخلص الحفلة تدخلوا وترتبوا كل شيء ، أبغى المكان نظيف ويلق ..
كشر راكان : خيييير !! وش فايدة العمال إن شاء الله !!
هو الآخر أكل ضربة من ياسر بعد عبارته : بأطلب منهم يرتاحوا ومهمة التنظيف عليكم ، والله لو تفكروا تنحاشوا لتكون نهايتكم ..


بعدها نظر إلى عماد فهم الآخر مغزاها فأمسك بالسطل المملوء بالسلايم وسكبها باتجاههم ، ولم يستطع الشباب تفاديه في الوقت المناسب ..


- الله ياخذك عدمت ثوبي ..
قالها فؤاد بتقزز ، لتأتيه لكمة على بطنه من عماد : إحترم نفسك ، إنتوا إلي بديتوا ، ولا في أحد عاقل يفكر تفكيركم ..
قال ياسر : أمشي يا عماد نرجع داخل وانتوا رح أشوفكم نهاية العزيمة ..


غادر الصديقان والعيون الحاقدة تلاحقهم ، وكلٌ يلقي باللوم على الآخر ..


***


صباح يوم جديد .. في بيت أبو أنس ..
كانت ترتدي شرفشف الصلاة متوجهة إلى المطبخ ، حين دخلت سعلت قليلا حين دخل دخان السجائر المنتشر في المكان إلى رئتيها ..
قالت بحاجب معقود : ضياء كم مرة أقول لك دخن براا ..
لم يجبها ذالك الشاب الجالس على الكرسي وسط المطبخ ، أما هي فقد أطلقت شهقة عالية وهي ترى صينيتاا الحلى اأمامه ..
اقتربت منه بغضب : ضياااء وش سوويييت !! أكلت الحلى إلي جهزته أمي لضيوفها اليوم ..
نظر إليها بلا مبالاة وهو ينفث الدخان : خلاص خذي الباقي ما أكلت إلا شويه ، وترااه مو لذييذ حالي مررة ..




نظىت إلى الصينيتين المأكولة من منتصفها بطريقة همجية وتمتمت بقهر : حسبي الله عليك ، يالهمجي ، كان غرفت لنفسك قطعة في الصحن مو تاكل من الصينية نفسها ، لاا ومن النص بعد ..
أكملت وهي تبتعد عنه متجهة إلى الثلاجة : كلهم واشبع فيهم الله ياخذك، بالله في أحد يفطر حلى !! ايش هذا التخلف ..
ركل الطاولة بقدمه بغضب : خلااص عااد ترى كلها حلى ..
تجاهلته وانشغلت بإعداد الفطور لها ..


قال وهو يلقي بالسيجارة أرضا ويدهسها بقدمه : وش بتسوي ؟؟
أجابته وهي تفتح علبة الحليب : شوفان بالحليب ..
ثم تابعت بحماس وهي تلتفت إليه : والله لذيذ وصحي ومشببع مرة ، أسوي لك معي ؟؟
ابتسم في داخله لكنه أظهر الإشمئزاز : الله يقرفك يا شيخة وشو شوفان بالحليب ، الناس يفطروا بيض جبن ..


كشرت في وجهه : ماجربته أصلا عشان تقول عليه مقزز ..
- ما يحتاج أجربه ، أعرف ذوقك الخايس في الأكل ، بالله في أحد يشرب حليب لووز !!
فتهجمه بقولها : ايه واشفيه حليب اللوز ؟؟ أحسن منكم ٱنتوا إلي تشربوا حليب البقر ، أنتوا أبقار عشان تشربوا حليبها ؟؟ انت تعرف إن صغار الأبقار ما يقدروا يرضعوا حليب أمهاتها عشان .......
قاطعها وهو يغلق أذنيه : أووهوووه إيش يسكتها الحين ، أنا الغلطان إلي فتحت معاك هذا الموضوع ، نكدت علي صباحي الله ينكد عليك ..


أعطاها ظهره وغادر المطبخ وهو يرسم ابتسامة على وجهه ..


***


في بيت أم بلسم ..
سمعت صوت الجرس يعلن عن قدوم أحد ، هي واثقة أنهما ليسا ابنتيها ، فهما تملكان مفتاح المنزل ، ولم تحسب حسابا لزيارة في مثل هذا الوقت المبكر ..


لم يكن أمامها خيار لتعرف من خلف البا إلا عن طريق العين السحرية ، قطبت حاجبيها حين رأت امرأة مغطية الوجه تحمل بين يديها طفلة صغيرة ..
فتحت الباب بوجه متسائل ، فبادرت السيدة بالكلام بشكل متردد : معليش أنا قريبة جارتكم جيت من المطار والظاهر إن قريبتي برى البيت ، ورح ترجع بعد شويه ، ولين ما تجي ممكن أنتظرها عندكم ، لأن الشمس حرق عيالي ..


كانت الساعة الآن العاشرة والنصف تقريبا وحرارة الشمس بدأت بالإرتفاع ..
لم يكن أمام أم بلسم سوا الترحيب بها وإدخالها ، لقد صدقتها حين رأت حقيبة السفر الكبيرة التي تحملها ، ورحمتها هي وطفليها ، رغم أن بعض الريبة راودتها فهي لم تسمع يوما عن قريبة جارتها المسافرة ..


أدخلتهم المجلس واستأذنتها لجلب الماء والعصير لها ولابنيها ..
استغرق الأمر قرابة الخمس دقائق في المطبخ لتعود إلى ضيفتها وبيدها صينية الماء والعصير ..
لكنها لم تجد سوى الطفلين المنشغلين بجهاز الآيباد وحقيبة السفر الموضوعة إلى جوارهما ..
قطبت حاجباها بتعجب ، فسأت الطفل البالغ من العمر ست سنوات : حبيبي وين ماما ؟؟
فأجابها دون أن يبعد ناظريه عن جهاز الآي باد : راحت ورح ترجع بعد شويه ..


ازدادت دهشتها ، أين يمكن أن تذهب ؟؟ تفقدت الحمام المجاور للمجلس والمخصص للضيوف لكنها لك تجد أحدا ..
عادت إلى المجلس والكثير من التساؤلات تراودها ، لاحظت ظرفا بنيا كبيرا موجودا أعلى الطاولة التي توسطت المجلس ، إضافة إلى ظرف أبيض فوقها ..
وحين فتشتهما وقرأت محتواهما بدأت معلام الصدمة ترتسم على وجهها ، ولسانها يتمتم : لاا ... مستحيل .. مو معقووول .. وشلووووووووون !!!!




نهااااااية البااااارت .


ضوء سرمدي 02-08-20 03:07 PM

رد: رواية : أنا وأخي
 

الفصل الثاني
...


كانتا تنصتان إلى والدتهما باندهاش تام ، لم تستوعبا الأمر ، فالأمر أشبه بمسلسل في التلفاز ..
عادت روعة سرد الأحداث عل عقلها يستوعب الموضوع : لحظة لحظة يمه ، الحين انت تقولي إن في حرمة ما تعرفيها دخلت البيت ولمن رحت المطبخ تقدمي لها عصير مالقيتيها ، بس لقيتي عيالها والشنطة إلي حطت فيها حاجاتهم ، وتركت لك رسالة تقول إنها مرة خالي وهي مو قادرة تربيهم لوحدها عشان كذا حطتهم عندك وهجت ، وفي أوراق تثبت كل شيء صح ؟؟ ..

أومأت أم بلسم رأسها بإيجابية والحيرة تتملكها : والله مو عارفة إيش أسوي الحين ، الله يسامح أخويه ويرحمه ، الحين ما أدري وين أوديهم ..
نطقت ابنتها الكبرى : يمه ذول عيال خالنا ومن واجبنا إننا .........

قاطعتها أمها: بس أنا ما أقدر أربيهم يا بلسم إنت أدرى بظروفي ، وانتوا مشغولين وحدة بدراستها والثانية بشغلها ..
روعة : لازم نلقى أحد يهتم فيهم ، إحنا مانقدر نستقبلهم في بيتنا ..
بلسم : قبل كل شيء مرت خالي جمانة تعرف بالموضوع


عبست أم بلسم عند ذكرها : ما أظن ، وا ماعندي استعداد إني أكلمها بالموضوع ، أنا وهي مانتفق أبد ، لو كلمتها في موضوع حساس زي دا ما أدري وش ممكن يصير ..
روعة : خلاص مو لازم تدري ، والأطفال نرسلهم لدار الأيتام ..
شهقت بلسم : لاا حراام عليكم وشلوون ما نخبر أم نرجس ، لازم تدري عشان يكون لهم حق في الوراثة ..

أم بلسم : جمانة كانت شايفة نفسها ولا أحد قدها ، رح تنجلط لا درت إن أخويه كان متزوج من وراها وعنده منها ولدين بعد ..
ثم اردفت بسرعة مدركة خطأها : أستغفر الله اللهم لا شماتة ، بلسم حبيبتي وش رايك إنت تكلميها أو تكلمي بنتها على الأقل ، أنا بصراحة ما أقدر ..

فكرت أبنتها الكبرى قليلا : أممم ولا وش رايك نكلم أخت أم نرجس وهي توصل الخبر لخالتي جمانة وبنتها ..
- ايه صح ، كذا أحسن ، أم عماد ما شاء الله عليها إنسانة عاقلة وأنا أرتاح معها أكثر ..




حينها نهضت بلسم من مكانها : تمام ، الحين بروح أشوف وش قاعدين يسووا الطفلين ..
قفزت روعة هي الأخرى : خذيني معك ..
توجهت الفتاتان إلى الغرفة التي بقي فيها وسام وأخته وحدهما ، وهما منسجمان بجهاز الآيباد الذي أمامهما ..
ابتسمت بلسم لهما وقالت بمرح : وش تسوون يا حلوين ؟؟


لم يجيباها ، بل حتى لم يكلفا نفسهما عناء النظر إليها ، فقد كانا يشاهدان أحد مقاطع الفيديو على اليوتيوب ..
سحبت روعة الجهاز : خييير إحنا نكلم جدااار ولا إيش !!
بشكل بديهي تملك ريان الغضب فيما بدأت روان بالبكاء ، صاح وسام : رجعي آيبادي ..


تدخلت بلسم وهي تحمل الصغيرة ذات السنتين : حبيبي ايش اسمك ؟؟
لم يهتم لها ، فكل ما يفكر به هو كيف يستعيد الآيباد من تلك المتطفلة في نظره ، نزل من مقعده وهم بملاحقة روعة التي فرت مبتعدة ..
أسرعت بلسم بالإمساك به بيدها اليمنى بينما اليد الأخرى منشغلة بحمل روان وهزها ..
- حبيبي أهدأ وكلمني أول ..


دفع يدها بعيدا وهو يطارد روعة حول الغرفة ولسانه لا يكف عن الشتم والوعيد ..
اصطدم جسده الصغير بالمنضدة التي توسطت الغرفة وعلى أثرها سقطت الجرة الزجاجية وتدحرجت حتى وصلت إلى الأرض محدثة صوت تكسرها ، وانتشرت شظاياها هنا وهناك ..
هنا صرخت بلسم : مكااانك يااا ريان ..


كان صوتها عاليا وصارما ، فأُجبر على أن لا يحرك ساكنا ، فيما تابعت بلسم وهي تنظر إلى روعة : روعة خذي وسام وأخرجوا برى ( وبحزم : ولا تعطيه الجوال مهما حصل ..


على أثر الضجيج أتت والدتهم مهرولة : بسم الله ويش حصل ..
سارت بلسم بحذر ووضعت روان التي لم تكف عن البكاء حتى هذه اللحظة بين يدي والدتها :أمسكيها شويه يمه ، بنظف المكان ..

خرجت روعة برفقة وسام ، ليحاول مجددا أن يأخذ آيباده منها ، فيما تحاول أمها إسكات الطفلة التي لم تكف عن البكاء حتى هذه اللحظة ، وبلسم انشغلت بتنظيف المكان من الزجاج المتناثر ..


حين فرغت بلسم عادت إلى الصالة وحين رأت أن الآيباد قد عاد إلى ريان ظهر الإستياء على وجهها .
- مو أنا قلت لا تعطيهم الجوال مهما صار ؟؟
قالتها بلسم معاتبة أختها التي كانت هي الأخرى تعبث بهاتفها ..
- إيش أسوي أزعجوني ، مارضوا يهدؤوا إلا لمن رجعت لهم أيبادهم ، وأمي مو فاضية تشوفهم راحت تجهز الغدا ..


هزت بلسم رأسها محوقلة ، ثم اتجهت إلى الطفلين ، وبخفة سرقت الجهاز من بين يد الصبي وأسرعت لتقول : ويش رايكم نلعب غميضة سواا ؟؟
ليجيب ريان بحدة : ما أبغى ، رجعي لي أيبادي ..
أما وئام فقد شرعت بالبكاء بصوت عالي ، مما أزعج روعة التي نهضت من مكانها : هياا تصرفي معااهم ، أنا رايحة أساعد أمي ..
هي في الحقيقة أرادت الهرب من المكان وهذا كان بديهيا ، وظلت بلسم تحاول أن تلهي الطفلين بطرق شتى ..


***


في منزل أم نرجس ..
تترأس أم نرجس المائدة وعن يمينها ابن اختها عماد وعن شمالها ابنتها نرجس التي كانت ترتدي ملابس ساترة وتلف حول رأسها حجابها بإهمال وإلى جوارها عنان ..
غرست الشوكة في قطعة الخيارة أمامها وهي تقول ساخرة : قلت بتفطرنا وسبحان الله تحول الفطور لغداا ..
ليجيبها : أقول أحمدي ربك ، وبعدين تراني جايب الغداا لخاالتي مو لك ..


قاطعتهما أم نرجس بوقوفها : الحمد لله ، شكرا عماد على الغداا ما قصرت ، اسمحوا لي أستأذن منكم ، بروح لفرفتي ، عماد عنان البيت بيتكم خذوا راحتكم ، وان شاء الله نرجس ما تقصر معاكم ..


لم يناقشها أحد ، فهي لم تعطهم فرصة لأن يتحدثوا ، كما أن نبرة صوتها لم تسمح لهم بالاعتراض ، فاكتفوا بتتبعها بأبصارهم وهي تصعد السلالم حتى اختفت عن مجال نظرهم ..

حينها تحدثت نرجس بصوت خرج مخنوقا : أمي فيها شيء ، ومو راضية تقول لنا عنه ..
لتحتضنها عنان المجاورة لمقعدها : حبيبتي زي ما موت أبوك الله يرحمه أثر عليك ، أكيد أثر عليها هي أكثر ..


لتهز نرجس رأسها نافية : لأ في موضوع ثاني شاغل بالها ، أمس في الليل مريت من غرفتها سمعتها قاعدة تكسر الأشياء وترميهم وقاعدة تصيح ، ما كانت حزينة ولا زعلانة ، لأ كانت معصبة ومو شويه لاا كانت معصبة مررة زي البركاان ..
عماد : يمكن هذا طريقتها لتعبر عن حزنها ..
صرخت نرجس : أمي وأعرفها يا عماد ، في فرق لمن تكون زعلانة ولمن تكون معصبة ..

شدت عنان على يدها : طيب يا حبيبتي يا نرجس أمك طول الوقت في البيت ، إيش الشيء إلي بيعصبها ؟؟
- وأنا إيش يعرفني ، أمي مستحيل تقولي شيء ..
وانفجرت بعدها بالبكاء ، تبادل عماد النظرات مع أخته عنان وهما محتاران بشأن خالتهما ..


كانت نرجس تشك في أمر ما ، لكنها لم تجرؤ على إخبار عنان وعماد , فالموضوع حصل قبل سنتين ، لكن احتمالية أن يكون هذا ما ضايق والدتها عالية جدا ..


قبل سنتين ..

حين سمعت صدفة والدها حين كان يتحدث مع امرأة أخرى على الهاتف ، كان ودودا جدا معها ..
كانت متفاجئة كثيرا ، ومن هول الأمر لم تستطع أن تعود أدراجها أو تختبئ في مكان ما ، فلاحظ الأب وجودها وبدى عليه الارتباك ، أنهى المكالمة سريعا وراح يطلب من ابنته كتم الموضوع ، واعدا إياها أنه لن يخون والدته ، وأن ما فعله كان مجرد نزوة لن تتكرر ..

بدأت التساؤلات تراودها ، ما إذا كان قد أوفى بوعده لها ، أم قال ماقاله لإسكاتها فقط ؟؟
حين أطالت التفكير وجدت نفسها تعود للإنهيار ، جاعلا من عماد وعنان في حيرة ..
عنان : نرجس يا قلبي ، لا تزعلي إن شاء الله الموضوع بسيط ، إنت بس لازم تكوني قوية عشانها ..


عماد بتأييد : عنان صادقة ، ندري إن موت أبوك الله يرحمه مو هين ، بس إنت كمان لازم تكوني قوية عشان أمك ، لازم تكوني مصدر قوة لها ، خلاص حزنت بما فيه الكفاية ، الحين دورك عشان توقفي مع أمك في ضعفها ..


صرخت بعصبية : إنتوا مو حاسين باللي أنا أحس فيه ، كيف تبغوني أتجاوز حزني ؟؟ ما جربتوا تفقدوا عزيز عليكم ، أبوكم موجود فمو حاسين باللي أنا أحس فيه ، لما تفقدوا أبوكم زيي .........
قاطعها نبرة عماد العالية : نرجس إيش الكلام إلي تقوليه إنت ؟؟ لا تتفاولي على أبويه ..
حملقت عنان في أخيها بغضب : عماااد لو سمحت خليك بعيد أنا أتكلم معاها ..



هو سريع الغضب وهذا أكبر عيوبه ، يعلم أن ما تلفظت به نرجس هو شيء لم تكن تعنيه مطلقا ، نهض من مكانه مبتعدا حتى لا يزيد الطين بله ..


هنا أتى دور عنان لتتحدث بهدوء : نرجس اسمعي ، ندري إن فراق الأب صعب ، إحنا ما قلنا لك لا تزعلي عشانه ، بس يا حبيبتي مر شهر وانت على حالك ، بس حابسة نفسك في الغرفة وتبكي ومكتئبة ، وطوال هذه الفترة أمك كانت تدعمك وتقويك ، تخفف عنك وتواسيك ، لكن هي مالقت أحد جنبها يعمل إلي عملته معااك ، مالقت أحد يشاركها الحزن إلي في قلبها ، أمك ظلت ساكتة ومتحملة عشان تعطيك القوة إلي يخليك تكملي به حياتك ، عشان كذا جا دورك عشان تكوني مصدر قوتها ..

مسحت نرجس دموعها وهي تقول بوجع : بس يا عنان أمي لو إيش ما صار مستحيل تشكي لي ، هي ما تفضفض لأحد حتى أنا بنتها ما عمرها جات وشكت لي ، علاقتي فيها مو بذاك القوة عشان تشاركني أحزانها ..


مسحت عنان ظهر نرجس برقة : يا حبيبتي يكفيها شوفتك ترجعي لحياتك الطبيعية ، وتتجاوزي موت أبوك الله يرحمه ، كوني معاها دائما كلميها ، حاوريها حاولي تقربي منها ، هي محتاجتك أكثر من أي وقت ، هي فقدت شريك حياتها إلي عاشت معاه أكثر من 18 سنة ، أكيد هذا مؤثر على نفسيتها كثير ، نرجس واللي يعافيك خليك حولها دائما ، غير كذا إنتوا ما عندكم خدامة فالشغل والطبخ كله عليها ، حاولي تساعديها وتخففي عليها يا قلبي ..



لم تجبها نرجس بكلمة بل شردت قليلا تفكر في ماقالته عنان ، فقد أصابت كثيرا ، مسؤولية البيت كلها من طبخ وغسيل وتنظيف تتحملها والدتها وحدها ، دون مساعدة من أحد ، كانت تعد الوجبات كل يوم ولم تُخلف عن تحضير وجبة واحدة حتى عقب وفاة والدها ..


وهي كانت بكل بساطة كانت تترك مائدة الطعام كما هي دون أن تمس أيا مما أعدته والدتها ، كانت تغرق نفسها في الحزن وحيدة ، لم تنظر لحال أمها ، بل لم تفكر بها حتى ...


شعرت بالذنب الشديد تجاه أمها ، فجأة تذكرت الكلمات القاسية التي خرجت منها بعد أيام العزاء ، حين نادتها أمها لتناول الغداء ، لم تستطع أن تبتلع حبة أرز ، تذكر كيف كانت أمها حازمة جدا ، وظلت فوق رأسها تجبرها على الأكل ..

ـ يمه إيش فيك ؟؟ كيف تبغي يكون لي نفس للأكل وأبويه رااح خلاص ، راح وما حيرجع أبد ، يمه إنت كيف يهنا لك الأكل والسفرة ناقصة أبوي ؟؟ يمه تكفين لا تضغطي علي ، خليني براحتي في غرفتي ما أبغى لا أكل ولا شيء ، تكفين لا تجبريني أكمل حياتي وكإن ما حصل شيئ ، مستحيل أنسى أبوي عزوتي في الحياة ، بابا حياتي هو كل شيء بالنسبة لي ، إذا ماكان له ذاك الأهمية في حياتك فهو كان يعنيني كل شيء ، عشان كذا قدري الحالة إلي أنا فيها ..



تفوهت بتلك الكلمات الغبية .. القاسية .. ولم تشعر بغلطتها حتى الآن ، هي حتى لا تذكر كيف كان تعابير وجه والدتها حين تلفظت بتلك العبارات الجارحة .. المؤلمة ..
أحست بالندم يشطر روحها ، فأخذت تنتحب بشكل موجع .. وكأن النحيب سيصحح غلطتها ..


وصل نحيبها إلى مسامع عماد الذي خرج من المطبخ وهو يحدق في أخته بتساؤل ، لتحرك الأخرى كتفيها بلا أعلم .. لكنها اكتفت باحتضانها بقوة وقلبها يتقطع على حال ابنة خالتها ..



لا تعلم كم مر من وقت وهي تبكي بين أحضان عنان ، سحبت نفسها بعيدا بعد أن هدأت وقالت وهي تعيد خصلات شعرها المتمردة أسفل حجابها : عنان شكرا لأنك وعيتيني على أشياء كنت غافلة عنها ، إنت صادقة ، أمي تحتاجني كثير هذه الأيام ، رح أكون دائما معاها من اليوم ورايح ..

نظرت عنان إلى مائدة الطعام الذي بقي على حاله ، وبمرح : أقول نرجس ترى ما أكلت إلا لقمتين ، لساتي جيعانة ..

نرجس بابتسامة باهتة : آسفة والله ، خلاص كملي أكلك بالعافية ..
تكلم عماد ممازحا : عنانوه الدبه لو أكلت السفرة كلها مارح تشبع ..
احمر وجهها بغيظ : عمااد خليك ساكت أحسن ..


***

في منزل آخر ، منزل الجد أبو صقر ..
على مائدة الطعام الطويلة تترأس الطاولة الجدة الكبيرة أم صقر ، وعن يمينها زوجات أبنائها ، وعن يسارها حفيداتها وأبنائهم الصغار ..
لاحظت غياب فردين من العائلة ، فسألت مستفسرة : وينها بلسم وروعة ؟؟
أجابتها آية : أمها اتصلت عليها الصباح وطلبت منهم يرجعوا البيت ضروري ..


أم صقر بقلق : خير ؟؟ عسى ما شر ؟؟ في شيء صار ؟؟
هزت آية كتفيها : ما أدري والله يا جدتي ..
أم صقر بنبرة مرتفعة وهي تحدق في إحدى حفيداتها بعتب : أسيل دقي على بلسم شوفي إيش فيها أمهم ..
تأففت الأخرى وامتعض وجهها كراهية : بستين داهية إن شاء الله ..
هنا هتفت والدتها بحدة : أسيل عيب إيش هذا الكلام ..
لتقول الجدة : أسييلوووه يا قليلة الحيااا اتصلي عليهم الحييين وقداامي بسرعة ..

ضربت الطاولة بغضب : كأنه ما عندك أحفاد غير بلسموووه وأختها أم لساان ، تبي تطمني عليهم دقي عليهم بنفسك ..
أنهت جملتها وتركت المائدة دون أن تلتفت إلى نداء أمها أو جدتها ..
قالت أم شادي بحرج : عمتي سامحيني ، بنتي توها صغيرة ، تعرفي يعني بنات بعمر المراهقة متمردات ما يسمعوا الكلام ..

زفرت أم صقر بضيق : الله يهديها ويصلحها ..
تكلمت رهف وهي تخرج من جيب بنطالها : جدتي الحين أتصل على بلسم وأطمن على أمها ، ولا تزعلي يا الغالية ..
ابتسمت الجدة : إيه تكفين يا رهف اتصلي ..

همست آية في أذن وفاء التي على يمينها : وييييعععع شوفيها كيف مسويه حالها ، غصب تبغى تبين نفسها طيبة ..
وكزتها وفاء على خاصرتها : اسكتي صوتك عالي ..
آية ولازالت مستمرة في الغيبة : شفتيها أمس في الملكة ، هي أختها هيفوووه راحوا عن ميك آب آرتست مشهورة ، كأنها هي العروس ، وجع قهرتني ، في ملكتي مارح أعزمها لا هي ولا أختها ..


دهست وفاء قدم آية بخفة: خلااص يا بنت قلت لك اسكتي ، ترى حركاتك واضحة ..
آية بلامبالاة : خليها تعرف .. وإذا ؟؟ أحسن بعد عشان ما أحتاج أجاملها هي ووجهها ..

تجاهلتها وفاء عند هذا الحد وحولت بصرها إلى جدتها التي قالت بقلق واضح : ها ياا رهف طمنيني ..
رهف : بلسم ما ترد على جوالها لا هي ولا روعة ..
ثم تداركت بسرعة : لا تخافي يا خالتي أنا أرسلت لها رسالة أول ما ترد رح أكلمك ..
زفرت الجدة بضيق ، لتتحدث أم ياسر زوجة إبنها البكر : عمتي لا تشغلي بالك ، إن شاء الله مافيهم إلا العافية ..
الجدة : إن شاء الله ..

.
.
.


في قسم الرجال ..


الجمعة ذاتها .. الجد يترأس المكان وحوله أبنائه وأحفاده .. لكن بدلا من الطاولات والكراسي كانت الجلسات على الأرض ..
وهنا أيضا كان العدد ناقصا بشكل ملحوظ ، والهدوء يلف المكان على غير العادة ..

تسائل الجد : إلا وينهم العيال ؟؟
أجابه سلطان : نايمين يا جدي ..
قطب الجد جبينه : وليش ما تصحيهم ؟؟ ناديهم على الغدا ..
سلطان : والله يا جدي حاولت معاهم لين ما تعبت ، أسأل عمي صقر أنا وهو ما سبنا طريقة إلا وصحيناهم فيها لكن مافي فايدة ..

الجد بصرامة : أقول روح صحيهم مو بكيفهم ، في أحد ينام لهذا الوقت ؟؟
تحدث ابنه مشاري بحبور : يبه خليهم براحتهم ، أمس لما الكل راح ينام ذولا الشباب تبرعوا بتنظيف المكان الله يعافيهم ، ما توقعت هذه المبادرة منهم والله ..
هنا قال شاكر ساخرا : عمي والله إنك على نياتك ، لو تدري على إيش كانوا مخططين أمس ما قلت إلي قلته ..

الجد أبو صقر : وليش إيش صار أمس ؟؟
شاكر كان يعلم بخططهم لكنه وكعادته لا يشاركهم أفكارهم الغبية ، فهو لا يحب أن يقحم نفسه في المشكلات ..
وليس كباقي أبناء أعمامه الذين من أعماره ..

قال شاكر وهو ينظر إلى ياسر : أسأل ياسر ، هو إلي منعهم من إنهم يسووا إلي كانوا ناوين عليه ..
إلتفت الجد والأعمام إلى ياسر الذي كان ملتزما الصمت حتى هذه اللحظة ، وحين تسلطت الأنظار عليه تحدث بصرامته المعتادة : ذول الشباب المتخلفين كانوا ناوين يعملوا أحد مقالبهم السخيفة على وليد في يوم ملكته ، بس الحمد لله كشفتهم قبل لا يتم المهمة وكعقاب خليتهم يرتبوا وينظفوا البيت ..


العم أبو وليد : زين ما سويت يا وليدي ..
الجد : الله يهديهم ما أدري متى بيكبروا ويعقلوا ..
ثم نظر إلى ياسر قائلا : مالهم عذر يناموا للحين ، روح يا ياسر وصحيهم ، واللي ما يصحى إعمل فيه إلي تبغاه ، أنا أعطيك الضو الأخضر ..

قفز شاكر من مكانه متطوعا : لا يا جدي أنا رايح لهم ..
أقعده ياسر الذي إلى جواره : لا أرتاح ، أنا إلي حقومهم ..
غادر ياسر وعيون سلطان تلاحقه متمتما : ياويلهم جااهم المووت ..



توجه ياسر إلى الملحق حيث الشباب نيام ، أطفأ أجهزة التكييف ، وبدأ ينير المكان ويزيح الستائر من النوافذ الكبيرة ..
ثم تكلم بصوته الجهوري : شـــــبــــــــــــــــااااااااااااااابـــــــــــ ــــــــــ يلا قوموا بسرعة ..
لم يحركوا ساكنا ، فأخذ يصفق بقبضته الضخمة بصوت عالي : شباب عندكم خمس دقائق لو ما قمتوا مارح يحصل لكم طيب ..

أزاح راكان الغطاء عن وجهه قليلا وهو يقول بصوت نائم : ياسر خلينا ننام شويه والله ما حطينا رؤوسنا على المخدة إلا 11 ..
أسند ياسر جسده على الحائط ، وبجديته المعتادة : مو مشكلتي ، يلاا قوموا جدي ينتظركم على الغدا ..
ثم رفع معصمه ينظر إلى ساعته السوداء والفاخرة : بدأ الخمس دقائق ..


ومن يجرؤ على مخالفة أوامر ياسر ؟؟
لم يكن أمام تركي إلا أن أرغم نفسه على النهوض وهو يترنح بنعاس ، ويركل في طريقه بقية الشباب لإيقاظهم ، الكل تذمر لكن لم يجرؤ أحد على معاودة النوم ، وفي أقل من خمس دقائق كانت الغرفة قد فرغت وتوجه الشباب إلى حيث الجد أبو صقر ينتظرهم ولسانهم يتلفظ بأبشع الشتائم وهناك تلقوا محاضرة طويلة أخرى من جدهم وأعمامهم ..


***

في منزل أم بلسم .

كانت قد عزلت نفسها في غرفتها الصغيرة ، هربا من ضجيج الخارج ، لكن حتى رغم ذلك لازال صوت بكاء الطفلة يخترق جدران الغرفة ليصل إلى مسامعها ..
حاولت أن تتجاهل الإزعاج الذي في الخارج لكن الأمر قد طال كثيرا وزاد عن حده ..
تركت هاتفها المحمول ونهضت من السرير متجهة إلى خارج الغرفة ، حيث الصالة المتوسطة والتي كانت في حالة من الفوضى ..

صرخت منزعجة : خلااااااااااااااااااااااااااااص بسسسسسسسسسسسسسس إيش هذا ، من أول ما جوو وهما للحين ما سكتوا ..
كانت والدتها تحمل روان الصغيرة وتهزها محاولة إسكات بكائها ، وأختها بلسم تلاحق ريان الذي يتعمد إحداث الفوضى ..
تحدثت والدتها بحدة وقد أرهقت هي الأخرى من بكاء الطفلة : إنت بس فالحة تصرخي ، تعالي ساعدينا إذا تبيهم يسكتوا ..

زمت شفتيها وهي تنظر إلى بلسم : أقول بلسمووه أعطيهم الآيباد وريحينا ، والله صدعنا منهم ..
توقفت بلسم عن مطاردة ريان وقالت بهدوء : لو ينطبق السما على الأرض ما أعطيتهم ..
ثم إلتفتت إلى ريان الذي كان يرمي وسائد الأريكة في كل مكان وبنبرة حازمة : ريان لو إيش ما سويت مارح أرجع لك آيبادك ، فلا تحاول ..



كان ريان متماسكا حتى هذه اللحظة ، أحدث الشغب وآذى من حوله بالأقوال والأفعال ، علّ بلسم تعيد إليه جهازه الثمين ..
لكن مع نبرتها هذا كان من الواضح أنها جادة ولن يحصل على غايته ، هنا بقي السلاح الأخير له ، ألا وهو البكاء ..
أنهار يبكي وهو يضرب الأرض بكلتا يديه وقدميه ، ليختلط صياحه بصوت صياح روان ، فبات الوضع لا يُطاق ..


عند هذا الحد قالت أم بلسم بتوسل وقد بدأ رأسها يؤلمها من الطفلين : بلسم حبيبتي خلاص إذا ما تبغي تعطيهم الآيباد فكي لهم على الأقل شيء في التلفزيون ينشغلوا شويه ..
وبنبرة أضعف : والله تعبت يا بنتي من صياحهم ..

لم يكن أمام بلسم خيار سوى أن تستجيب لطلب والدتها ، لكنها قالت بحزم : أوكي رح أفتح لهم التلفزيون بس مارح أطول ، مو زين لهم ..
ـ مو مشكلة أهم شيء يهدوا شويه ، أنا حتى غدا ما قدرت أتغدى زين منهم ..
ـ آسفة يمه ..

اضطرت إلى أن تُقعد الطفلين أمام التلفاز على مسافة متوسطة ، ثم قالت وهي تمسك بجهاز التحكم : رح تتفرجوا حلقة وحدة بس ، ولمن يخلص البرنامج رح أطفي الجهاز ..
لم تكن روان قد فهمت ما قالته ، لكن ريان وبمجرد أن رآها تفتح التلفاز حتى هدأ ، وقال بصوت مبحوح : أبغى سبونج بوب ..
لترد عليه وهي تنظر إلى عينيه : أختار يا إفتح يا سمسم يا سراج ، إيش تبغى ؟؟
عاد يعبس بعدم رضى : قلت أبغى سبونج بوب ..
بلسم بهدوء : أنا قلت يا إفتح يا سمسم يا سراج ..


تدخلت أمها بانزعاج : بلسم افتحي لهم إلي يبغوه وخلصينا ، أبغى أكلمك في حاجة ..
زفرت باستسلام : حاضر يمه ..
بحكم دراستها ووظيفتها تدرك أن الخضوع للطفل خطأ كبير ، لكن الحالة التي هم فيها الآن حالة إستثنائية ، فلا هي ولا أمها ولا أختها كانوا على استعداد لاستقبال طفلين في منزلهم ، لذا اضطرت للخضوع لهم ..

بمجرد ما إن ابتدت شارة البداية لسبونج بوب حتى هدأت الصغيرة وانصب تركيزها على الشاشة هي وأخوها ..
توجهت بلسم إلى المطبخ وقد لحقتها أمها وروعة ..

ـ رح ناكل بعدين ، الحين عندي شيء لازم أقوله ..
قالتها أم بلسم وهي تنظر إلى بلسم التي كانت تخرج طبقين من الخزانة ، لتستدير نحوها مبتسمة : حاضر يالغالية بس ممكن تستني شويه ، بأحضر وجبة على السريع لريان وأخته ياكلوه ، تعرفي ما دخل شيء حلقهم من يوم ما جوونا ..
شهقت أم بلسم : إي والله نسيت الله يسامحني ..


ثم توجهت إلى الثلاجة وهي تقول : خلينا نعمل لهم ساندويتش جبنة على السريع ..
جهزوا في وقت قصير وجبة بسيطة مكونة من خبز مدهون بالجبن وعلى جانبه أربع قطع من الخيار وعناقيد من العنب في كل طبق ..
قدمته بلسم مع كأس ماء بلاستيكي ، وضعته أمام الصغيرين وهي تقول : سموا بالله وكلوا ..
لم يعترض ريان فقد كان جائعا جدا ، حتى روان التي كانت مندمجة مع التلفاز بدأت بالأكل حين وضعت بلسم الخبز بين يديها ..


تركتهم عندها وتوجهت إلى غرفة أمها حيث تنتظرها أمها وروعة ..
أم بلسم : بنتي إنت تدري إن بكرة أبو يحيى رح يمرني صح ؟؟
أومأت بلسم برأسها دون أن تقول شيء ، لتسترسل أمها في الكلام : وانتوا بكرة عندكم دوامات صح ؟؟
أومأت ثانية بلسم ثانية ، لتقاطعهم روعة بانزعاج : يمه اختصري الكلام وقولي إننا لازم نتخلص من الطفلين اليوم صح ؟؟
ضربتها أمها على رأسها بخفة : روعوووه إيش اللي نتخلص منهم ؟؟ انتقي ألفاظك زين ..
زمت روعة شفتيها : قصدي يعني نرسلهم عند أحد ثاني ، إحنا مانقدر نجلسهم في بيتنا ..
زفرت أم بلسم وهي ترخي بصرها : إيه صدقت يا يمه ..

ثم عادت ترفعه لتنظر إلى وجه بلسم الجامد منتظرة منها أن تتكلم ..
لكن الأخيرة ظلت صامتة ، لكن نظرة الحزن التي تعتلي بلسم جعلت أمها تعود لتخفض بصرها خجلا من ابنتها ..


أما روعة فقد كانت تقف متكتفة اليدين تنتظر ردا من بلسم ، وحين طال الصمت قليلا عادت لتقول : بلسم ترى ما قلنا خلينا نقطهم في الشارع ، إيش فيك يا بنت ، كل إلي تقصده أمي إننا نرسله لاحد ثاني يهتم فيها زي أم نرجس مثلا ..
نطقت بلسم أخيرا بهدوء : طيب إذا أم نرجس رفضت ؟؟
شتت روعة أنظارها في أرجاء الغرفة الضيقة : نوديهم لدار الأيتام ..
أتاها جواب بلسم السريع : مستحيـــــــــــــل ، روعة تراهم عيال خالنا أحمد الله يرحمه ..
لتقول روعة بقوة : قلتيها بنفسك عيااال خالنا ، أسمعي يا بلسم أمهم إلي هي أمهم رمتهم ، إحنا مو ملزومين نربيهم عندنا ..


عند هذه النقطة لم تستطع بلسم أن تتمالك دموعها ، فتساقطت الدموع كحبات اللؤلؤ من عينيها العسليتين ، لتقول بصوت خرج مرتعشا : روعـ..ـة كيـ.ـف تقولـ.ـي كلام زي كـ.ـذا ؟؟ حـ.ـرام علـ.ـيك ..


ثم نظرت إلى والدتها بتوسل : يمـه ليـش ساكــتة ؟؟ قولي شيء ، مو أمـهم كتـبت في رسالتها إن خالي أحمد طلب منها تكلمك إذا احتاجت أي خدمة لأنه يثق فيك ؟؟ عشان كذا تركت عيالها عندك وهي متطمنة صح ولا لأ يمه ؟؟ خالي الله يرحمه يدري إن قلبك كبير وإنك مستحيل ترمي عياله في دار الأيتام صح يمه ؟؟ إنت مارح تخوني ثقة خالي صح يمه ؟؟



عبارة ( صح يمه ) كانت كالخناجر تخترق قلبها ، أحست بالندم الشديد يعصر روحها ، هي لم تكن تؤيد فكرة إرسال الأطفال لدار الأيتام ، لكنها في الوقت ذاته لم تعارضها ، وصمتها هذا كانت غلطة كبيرة برأيها ..
جذبت إبنتها الكبيرة لأحضانها وهي تقول بألم : بلسم حبيبتي لا تزعلي ، عيال أخويه هم عيالي مارح أتخلى عنهم لو إيش ما صار ، رح أحطهم في عيوني ورح أربيهم وأكبرهم زي ما ربيتكم وكبرتكم ..



نظرت روعة إليهم بصمت ، هي ليست متحجرة القلب ، لكن الوضع التي هم فيها لا تسمح لهم باستقبالهم ..
هتفت روعة مجددا : يمه اليوم نروح عند أم نرجس ونخبرها ، يمكن تتنازل وتوافق على تربيتهم ..
نظرت أم بلسم إليها : رح أكلمها ، لكن إذا رفضت تستقبلهم عندها وأنا متأكدة إن هذا إلي بيصير ، رح يقعدوا عندنا ..

روعة باستغراب : مو قلت إنك بتكلمي أختها ؟؟
ـ بعد ما فكرت حسيت النتيجة وحدة في النهاية هي رح تدري فماله داعي المشوار الطويل هذا ، إحنا نكلمها بنفسنا ونختصر الموضوع ..
ثم زفرت : بس الله يعيننا على ردة فعلها ..


شهقت حينها بلسم وقد تذكرت شيئا تناسته : إيه صح أمس في الزواج قالت لي عنان إن خالتي جمانة طاحت وودوها المستشفى ، كنت بأتصل على نرجس أطمن على أمها لكن نسييييت مررة ..
رفعت أم بلسم حاجبها بتفاجؤ : جمانة طاحت مو بنتها !!
ـ إيه يمه ، والله إننا مقصرين معاها هي وبنتها ، يمه وش رايك تكلميها الحين نطمن عليها ، ومنها نحدد يوم نزورها فيه ..

تخصرت روعة : لا والله ، إيش اللي نحدد يوم ، خلونا نروح لها اليوم بس ، لا يكون ناوين تخلوا ذولا الطفلين يناموا عندنا ؟؟
رمقتها أمها بنظرة حادة : روعة خلاص عاد ، أنا قلت أني رح أهتم بعيال أخويه ، يلاا روحي جيبي جوالي أتصل على أم نرجس ..
قالت بلسم : وأنا رايحة أشوف الصغار يمه ، سلمي لي على خالتي وبنتها ..


ابتدأت المكالمة وكانت \باردة جدا ، فالعلاقة بين أم نرجس وأم بلسم سطحية ، فالأولى إنسانة واثقة جدا من نفسها إلى درجة الغرور ، والأخيرة إنسانة متزعزعة الثقة ، وكلتاهما من طبقة اجتماعية متفاوتة ، فكان من المستحيل لهما تقبل الطرف الآخر ..

لم تدم المكالمة أكثر من دقيقتين ، مجرد سؤال عن الحال جوابه كان مكررا : الحمد لله بخير ..
وحين استأذنتها أم بلسم أن تزورها في منزلها كان رد أم جمانة : معليش بنتي نفسيتها تعبانة وماتبغى تقابل أحد ..
وعند هذه النقطة أنتهت المكالمة بشكل سريع ..

تركت أم بلسم الهاتف على الطاولة الصغيرة في زاوية غرفتها بغضب : والله ماتستحي ، هذا بدال ما تقول حياكم الله في أي وقت تقعد تتعذر بإن بنتها تعبانة ، والله لو ماكان في موضوع ضروري لازم أكلمها فيه كان ما فكرت أطب بيتها ..

حضنتها روعة من كتفها : يمه خالتي جمانة واضح من صوتها إن نفسيتها تعبانة ، اعذريها ..
أم بلسم بقهر : لا هي من أول مغرورة وشايفة حالها علي ، لكن هين أنا أعرف كيف أكسر خشمها هذا إلي رافعته ..


خرجت من الغرفة لتقابل ابنتها البكر التي كانت تغطي روان وأخيها ريان حين استسلما للنوم أمام التلفاز وقالت لها : بلسم بكرة رح نروح عند مرت خالك ، جهزي نفسك رح تروحي معايه إنت والأطفال ..
أقامت بلسم جذعها : لا يمه إنت روحي وكلمي خالتي ، ما أبغى الصغار يسمعوا الكلام إلي رح يدور بينكم ..

أم بلسم بحزم : لأ خليهم يجوا معانا عشان تشوفهم ، غير كذا أبغاك تكوني معايه ، ومستحيل أخلي الأطفال مع روعة لحالهم ..
تكلمت روعة من خلفها بسخرية : وأصلا حتى لو بتخلوهم عندي مارح أوافق ، خيير شايفيني جليسة أطفال مثلا ..


تجاهلتها بلسم وعادت تحدث أمها : إلا يمه ما قلتي لي ، رايحة اليوم مع أبو يحيى ؟؟
ـ ما أقدر أروح وأسيبك إنت مع النفرين ذولا ، أعرف أختك مارح تساعدك ، عشان كذا رح أتصل على أبو يحيى وأخليه ياخذني بعد يومين ..
بلسم بتردد : وتتوقعي رح يرضى ؟؟
ابتسمت أم بلسم بطريقة باهتة وهي تقول : إن شاء الله وليش لأ ، الحين بروح أكلمه ..
عادت أم بلسم إلى غرفتها لتكلم زوجها ، لتلتفت روعة إلى بلسم بحدة : بلسم تدري إنك ورطتي أمي ..


صمتت بلسم دون أن تجيب ، لتتابع روعة : أبو يحيى مستحيل يخليها تقعد عندنا في أسبوعها ..
ألقت بلسم جسدها على الأريكة القديمة بتعب : أدري والله بس أنا ما أٌقدر على الإثنين في وقت واحد ، هما لسى ما تعودوا علينا وعلى المكان ، بمجرد ما يتعودوا أنا رح أقدر عليهم لوحدي إن شاء الله ..
روعة بسخرية : ومتى إن شاء الله حيتعودوا ؟؟ لمن تطلق أمي صح ؟؟
بلسم بضيق : روعة الله يخليك لا تتفاولي على أمي ..



بلسم بضيق : فال الله ولا فالك ، إيش هذا الكلام ؟؟ إذا خاييفة عليها ساعديني أجل ..
ـ حتى لو وعدتك إني حساعدك يا قلبي ، في الصباح ورايه دوام في الجامعة وإنت وراك بزارين يستنوك في الروضة ، وين بنحطهم إن شاء الله ؟؟ لا تقولي بتوديهم الروضة معاك !!
زفرت بلسم : كلها يومين وإن شاء الله نلقى حل ..
روعة بسخرية : إيه نشووف ..


***


في قصر أبو أنس وفي غرفة إيمان تحديدا ..


تكلمت أمها بحدة : إيمان ألبسي شيء محترم وأنزلي سلمي على الضيوف بسرعة ، جدتك طفشتني وهي تطلب مني أناديك ، روحي وفكيني من حنتها ..
أيمان بتوسل : يمه تكفين ما أبغى ، تعرفيني ما أحب أقعد مع الحريم ..
أم أنس : ماحد قال أجلسي معاهم ، روحي سلمي عليهم واصعدي لغرفتك ثاني ..
إيمان بضيق : يمه .....


قاطعتها أم أنس : إيمان جف حلقي وأنا أترجاك ، ترى كلها سلام وبعدها أنا أوعدك أخليك ترجعي لغرفتك ..
ـ طيب لو جدتي أصرت إني أقعد ، إيش رح تسوي ؟؟
ـ رح أتحجج بأي شيء ، أصلا هي بس تبغى أم يوسف تشوفك ، ومارح تخليك تطولي ، تعرفك لو طولت عند الناس رح تجيبي العيد ..

ضحكت إيمان عندها بسخرية : أهاا عشان كذا جدتي مصرة أنزل ، تحاول تلقالي عريس كعادتها ، إذا السالفة كذا عنادا فيها رح أنزل لهم بالبجامة إلي لابسته وأخلي العريس يطير ..
أمسكتها أم أنس من كتفها : إيمان يا بنتي لا تدخلينا في مشاكل إحنا في غنى عنها ، خلينا نطيع جدتك بلاش نعاندها ..


زفرت إيمان لأنها تعلم أنها إن افتعلت مشكلة فاللوم كله سيقع على أمها ، لذا قالت مستسلمة : خلاص يمه استنيني خمس دقائق عبال ما أغير ملابسي ، بليز لا تروحي وتسحبي علي ، ما أبغى أدخل عليهم لوحدي ..
أم إيمان : أوكي بس عجلي تكفين ..

أخرجت إيمان فستان ترابي قصير وناعم يصل حتى الركبة ، ورفعت شعرها القصير بمشبك أبيض واكتفت بوضع القليل من الماسكرا وأحمر الخدود ومرطب شفاه ..
ألقت نظرة سريعة على نفسها بعد أن رشت بعض بعض من العطر المفضل عليها ..
كانت إيمان ذات جمال متوسط ، لكن أكثر ما يميزها هو نعومة بشرتها وبياضها الناصح المائل للحمرة .. وهي راضية جدا عن نفسها غير مبالية لما يُقال عنها ..


نزلت برفقة والدتها إلى المجلس الكبير حيث تجلس جدتها وضيوفها من النساء اللاتي بعمرها ..
دخلت بخطوات مترددة وهي ترسم إبتسامة باهتة على وجهها ، لم تجرؤ على النظر إلى أعين الحاضرات فكانت تشتت بصرها هنا وهناك ، ولم تعلم أين تجلس جدتها إلا حين سمعتها تقول : هذه إيمان حفيدتي الكبيرة ..



ثبتت أنظارها الضائعة إلى وجه جدتها بمجرد أن علمت بمكانها ، لتوجه أم سيف أمرا : إيمان سلمي على الضيوف ..
مسحت بعينيها المكان بشكل سريع وتراجعت للوراء بخطوة لولا أن والدتها دفعتها للأمام بخفة جعلتها تتدراك نفسها ، وتبدأ بالسلام على النساء الواحدة تلو الأخرى بشكل سريع ، ومن شدة توترها سلمت على جدتها حين وصل الدور عليها وما إن أنهت السلام عليهن قالت أمها تسعفها : إيمان حبيبتي روحي أشرفي على الخدم ..
لتقول بسرعة : حاضر يمه ..

خرجت من المكان بشكل سريع ، لتسأل إحدى السيدات أم سيف : إلا حفيدتك كم عمرها ؟؟
فأجابتها أم سيف بكذب : 24 تقريبا ..
لم تتفاجأ أم أنس من الكذبة التي تفوهت بها حماتها ، فهي تعلم أن أم سيف لم ترغب في ذكر عمر إيمان الحقيقي حتى لا تُحرج أمامهن ، فإيمان تكاد تتجاوز 26 ولم يتقدم أحد لخطبتها بعد ..


سألت أخرى: غريبة أول مرة أشوف البنية ، مع إني أزوركم كثير ..
أم سيف : إيه بنيتي ما شاء الله عليها مرة خجولة ، أصلا حلات البنت في حياها ..
أيدتها إحداهن : إيه وانت الصادقة ..
أم يوسف : بنتكم تشتغل ولا تدرس ؟؟
أم سيف بكذب متقن : كانت في وظيفة جاهزة لها بعد ما تنهي جامعتها ، بس أبوها حالف عليها ما تشتغل ، إيش لها في التعب والكرف ، الخير مليان الحمد لله ..


أنت عبارتها وهي ترمق أم أنس بنظرة معناها كملي ، لتتكلم أم أنس بسرعة : إيه زوجي يعاملها زي الأميرة ، تعرفوا عاد هي البنت الوحيدة بين أخوانها لازم تتدلع ..

أم سيف بمكر : حتى تركية تغار منها من كثر ما زوجها مدلع بنته وتاركها ..
عضت أم أنس شفتها بقهر حين تعالت ضحكات النساء عليها ، حماتها أم سيف كالعادة تحرجها أمام السيدات وهي تقف عاجزة عن الرد ..


نهاية الجزء ..


ضوء سرمدي 02-08-20 03:18 PM

رد: رواية : أنا وأخي
 
أعمار الشخصيات ..

الجدة أم سيف ..
ابنها البكر سيف ..
عياله : إيمان 26 أنس 22 رامي 17 وائل 15

بنتها الثانية عبير ..
عيالها : عماد 28 علياء 25 عنان 22

الإبن الثالث فؤاد ( متوفي)
عياله : ضياء 23

بنتها الأخيرة جمانة ..
عيالها : نرجس 18

***

الجد أبو صقر والجدة أم صقر
ابنهم البكر صقر ..
عياله : أسماء 28 ياسر 26 شاكر 22 محمود 20 آية 18

ابنهم الثاني مشاري ..
عياله : الجازي 26 العنود 23 راكان 20 تركي 16

الإبن الثالث محمد ..
عياله : وليد 25 سلطان 23 وفاء 22 علي 20 وافي 17

الإبن الرابع عمر ..
عياله من حرمته الأولى : بلسم 23 روعة 20
عياله من الحرمة الثانية : شادي 17 فؤاد 16 أسيل 14

الإبن الأخير ماجد ..
عياله : رهف 22 هيفاء 18


رح تتعرفوا على شخصياتهم من خلال البارتات ..
ما حبيت أعطيكم نبذة عنهم فحاولوا تحللوا شخصيات الأبطال من خلال الأحداث ..

لا تحرموني من تعليقاتك وآرائكم ..
دمتم في أمان الله ..

ضوء سرمدي 09-08-20 10:27 AM

رد: رواية : أنا وأخي
 
الفصل الثالث ..



في منزل أم نرجس ..





مسحت دموعها التي انهمرت بشكل لا إرادي بعد أن دعت لوالدها بعد أن فرغت من صلاة العشاء ، وعدت عنان أنها ستكون قوية ويجب أن تكون كذلك ، نهضت من سجادتها وهي تسحب نفسا عميقا ، لأول مرة تشعر بالراحة هكذا عقب وفاة أبيها ..





جلوسها مع عنان وعماد غير كثيرا من نفسيتها المتدهورة ، في الشهر الماضي لم تسمح لأحد برؤيتها ، فقد كانت تطرد كل من يحاول مواساتها ..

لم تسمح لأحد بمشاطرتها أحزانها ومشاعرها ، وظلت متقوقعة على نفسها ترفض فكرة أن تتجاوز أحزانها ، بل ظنت نفسها مرغمة على أن تعيش هذا الحزن إلى الأبد ..



وقفت أمام التسريحة لتجد عيناها متورمان من البكاء ، فقررت أن تكحلهما حتى تخفي آثار البكاء ، ثم أعادت ربط شعرها الطويل الناعم بعد أن كان أشعثا ..

خرجت من غرفتها متجهة إلى المطبخ وهي متيقنة أن والدتها الآن في المطبخ تجهز لها العشاء ..







حاولت رسم إبتسامة على وجهها لكن الأمر كان صعبا جدا بالنسبة لها ، ماذا ستقول والدتها حين تراها تدخل إلى المطبخ بوجه مبتسم !! هي لم تعتد على فعل أمر كهذا ..

هي حتى جهزت عذرا لدخولها المطبخ دون سبب ، فالأمر سيكون غريبا إذا ما رأتها والدتها قد غادرت غرفتها دون أن تُجبرها ..

دخلت المطبخ وهي تمسح بعينيها المكان بشكل سريع ، وأصيبت بالدهشة حين وجدته فارغا ، ولا شيء يدل على أن والدتها قد وطأت المكان ، فكل شيء بقي على حاله من الغداء ..



نظرت إلى ساعتها الملتفة حول معصمها ، هناك شيء خاطئ ، لماذا لم تنزل والدتها حتى الآن ؟؟

شهقت فجأة حين تذكرت ما حصل لوالدتها في الأمس ، أسرعت بعدها تصعد السلالم متجهة نحو غرفة أمها ..

في منتصف الطريق كادت أن ترتطم بوالدتها التي بدورها كانت تسير في الإتجاه المعاكس لها ، لولا أنها استطاعت أن تتوقف في الوقت المناسب وهي تلتقط أنفاسها بتعب ..



قالت جمانة بحزمها المعهود : كم مرة أقول لك لا تجري ، إنت بزرة !!

قالت بتلعثم : هاا .. لا بس .. قصدي ..

تجاوزتها جمانة وهي تقول مقاطعة : بما إنك هنا أمشي معايه تحت عشان تحت نتعشى ..



صمتت نرجس وهي تشعر بالإستياء ، أهكذا تكافأ على قلقلها ؟؟

هزت رأسها محاولة تجاهل الأمر وهي تتبع والدتها بصمت ، دخلا إلى المطبخ معا لتبدأ أمها بتجهيز عشاء خفيف لها ولابنتها ..

أما نرجس فقد جلست على مقعد في وسط المطبخ وهي تتبع والدتها بعينيها ، اصوات الأواني وخطوات أم نرجس هي ما تُسمع فقط ، لم يكن الصمت غريبا عليهما ، فالأمر اعتيادي للغاية ..



لو كان والد نرجس موجودا لملأ الأجواء بمرحه ، وأخذ وأعطى مع ابنته ، ومازح زوجته بلطف ، لكن الآن لا أحد هنا ليكسر الصمت الذي يغلب على المكان ..

كان والدها كالجسر الذي يربط نرجس بوالدتها ، فحين يكون متواجدا يكون من السهل والمريح لها أن تتجاذب أطراف الحديث مع أمها ، لكن عند غيابه يكون هذا الجسر الذي يصل بينها وبين والدتها منقطعا ، ويصبح بينهما فجوة عميقة ..



تنبهت على صوت والدتها التي قالت : نرجس تعالي قدمي معايه الأكل ..

نهضت من مقعدها وهي تحمل الأطباق مع والدتها إلى غرفة الطعام ..

اختارت مقعدا على يمين والدتها ، ناولتها أمها رغيف الخبز ، لتسمي وتبدأ في الأكل ببطء ، وعيناها تسرقان النظر إلى والدتها من حين لآخر ..



تنبهت لأول مرة أن والدتها لم تكن تأكل ، بل تجلس على المائدة منتظرة من إبنتها أن تنهي طعامها ، نظرت إليها وهي تقول : يمه إيش فيك ما تاكلي ..

ظهر الإندهاش على وجه والدتها ، ربما لأنها المرة الأولى التي تحثها ابنتها على الأكل ..

قطعت رغيف الخبز وهي تقول بهدوء : إنت إلي ليش تاكلي لقمة كل خمس دقائق ؟؟ كلي بسرعة ..



أومأت برأسها ، لتعود والدتها بالكلام : عماد وعنان متى رجعوا ؟؟

ـ في العصر ، قلت لهم يطولوا لين العشاا بس قالوا يوم ثاني ، عشان لا يزعجوك ..

لم تعلق أم نرجس وعادت لشرودها ، ونرجس تتمنى لو تعرف ما يدور في داخل عقل والدتها الغامضة ..



***



في منزل أبو أنس ..



ـ هذا جزاتي إني أدور لبنتك عريس يا تركية ؟؟ صدق إنك ناكرة جميل ..

قالتها أم سيف وهي تحملق في أم أنس بنظرة كادت تحرقها من حدتها ، والأخيرة تقف مطأطأة الرأس دون أن تبرر موقفها وبينهما يقف أبو أنس الذي كان ينقل بصره بين أمه الغاضبة وزوجته الصامتة ..



ثبت أبو أنس بصره إلى زوجته أخيرا وهو يقول : تركية إذا عندك تبرير فتكلمي ..

لكنها لم تنبت ببنت شفة ، لتقول أم سيف بقوتها : أكيد ما عندها شيء تقوله ، أنا أسوي هذا لمصلحة بنتك ، في النهاية إيمان حفيدتي وتهمني زي ما تهمكم ، البنت بتدخل 27 ولا أحد تقدم لها ، تبغينها تظل عانس لنهاية عمرها ؟؟

وبصرخة أفزعت أم أنس : جاوبيني ..



أومأت أم تركية رأسها بالنفي والخوف يتملكها ، لتسترسل حماتها في الكلام بذات النبرة العالية : ودام حضرتك ما ترضي ليش تمنعيها من مقابلة الناس ؟؟ كيف بتنخطب إذا ماحد داري عنها ؟؟

نزلت إيمان من غرفتها على أصواتهم العالية التي اخترقت جدران غرفتها ، وهي ترتدي شرشف الصلاة الساترة كعادتها حين تنزل إلى الصالة الأرضية ..





قالت تقاطعهم وهي تعلم عن الموضوع الذي يدور بينهم : أمي فاطمة أنا إلي هربت من الضيوف بإرادتي ، أمي مالها صلاح بالموضوع ..

ضربت أم سيف الأرض بالعكاز على الأرض الرخامية : إيمان لا تدخلي لو سمحت ..

إيمان بضيق : كيف ما أتدخل والموضوع يخصني ؟؟

ثم التفتت إلى والدها الذي يقف صامتا : يبه والله أمي مالها صلاح ، هي طلبت مني أشرف على الخدم في المطبخ بس أنا هربت لغرفتي ، تكفى يبه قول لأمي فاطمة لا تهزئ أمي ..



تكلم أبو أنس بعد صمت : إيمان إنت أطلعي غرفتك خلينا نتناقش في الموضوع بروحنا ..

صرخت بغضب : إيش اللي تناقشووا بروحكم ؟؟ تبوني أشوف أمي تتهزأ بسببي وأسكت ؟؟



تحركت من مكانها بعد أن كانت في آخر عتبة من الدرج متجهة إلى جدتها ، لتجثو على ركبتيها وهي تحتضن كف أم سيف ، وبهمس موجع مغلف بالرجاء : أمي فاطمة لو ربي كاتب إني أنخطب وأتزوج رح يحصل حتى لو كنت عايشة في كهف ، ولو ربي مو كاتب ما حتزوج حتى لو حضرت زواجات العالم كلها واترززت قدام الخلق ، عشان كذا تكفين يا أمي فاطمة لا تضغطي على أمي ، والله مالها يد في إني عانس ، هذا شيء ربي كاتبه مارح نقدر نغيره ..





لتجيب الجدة بثبات : أنا مؤمنة بهذا الكلام ، لكن لازم ناخذ بالأسباب ، يعني زيك مثلا إذا ظليتي في غرفتك حابسة نفسك وماحد داري عنك ماينفع نقول ليش يا ربي ما تزوجت للحين ؟؟ إنت أخرجي للناس خليهم يشوفوك ويعرفوك ، وإذا ربي ما كتب فإحنا عملنا بالأسباب ..



تكلم أبو أنس : يمه إيش تبغيني أعمل عشان ترضي ؟؟ رح أنفذ كل إلي تقوله ..

صمتت الجدة لبرهة وهي تفكر في أمر ما ، ثم ابتسمت قليلا وهي تقول بغموض : مايحتاج تعمل حاجة ، أنا رح أتصرف ..

بلعت إيمان ريقها بخوف من الإبتسامة المرسومة على وجهها ، يصعب التنبؤ بتصرفات جدتها ..



.

.



فتح باب الفيلا بمفتاحه وهو يدندن بسعادة ، تصادمت نظراته بنظرات جدته وعمه وزوجة عمه وإيمان ..

رفع حاجبه باستغراب : إيش عندكم ؟؟ ويش فيك يا إيمان على الأرض ؟؟

استقامت إيمان في وقفتها وهي تدخل خصلات شعرها المتمردة أسفل شرشف الصلاة : هلا ضياء ولا شيء بس كنا نتكلم ..

هز أكتافه بلامبالاة وقال مخاطبا جدته : أمي فاطمة قولي للخدم يجهزوا لي عشا ، ميت جووع مرة ، قولي لهم بسرعة عشان الحين بخرج مع الشباب ..



تقدم أبو أنس وهو يقول بحدة : وليش ما تكلم الخدم بنفسك إن شاء الله ؟؟ روح قول لهم بنفسك ، إيش له داعي تطلب من أمي ياللي ما تستحي ..

تدخلت أم سيف موبخة : سيف أنا كم مرة أقول لك لا تكلم ضياء بهذه الطريقة ؟؟ ما أسمح لأحد يرفع صوته عليه ..





ابتسم ضياء بتشفي ليغيض عمه ، وقال بوقاحته المعتادة : إنزين قول لمرتك تجيب لي العشا ، مافيني أتكلم مع الخدم تعرفهم بله ما يفهموا إلا بطلوع الروح ..

صاح أبو أنس بعصبية : يا ولد إحترم نفسك ، إنت يبغالك تربية من جديد ..





صرخت أم سيف بغضب : سيف مالك صلاح في الولد ، وبعدين إيش قصدك إنه يبغاله تربية من جديد ؟؟ يعني ما عرفت أربيه ؟؟

شد أبو أنس على قبضته محاولا كظم غيظه ، أداره ظهره نحوهم متجها نحو السلالم وهو يقول من بين أسنانه : محشومة يمه ، تركية إيمان يلا فوق ..

لم ينتظر ردا وصعد السلالم بخطوات سريعة لتتبعه زوجته بصمت ..



نظرت إيمان إلى ضياء الذي ألقى بجثمانه على الأريكة الرمادية ببرود ، بينما ذهبت أم سيف بنفسها إلى المطبخ لتغرف الطعام لحفيدها الغالي ..

كان ضياء يعبث بهاتفه المحمول الذي كان آخر إصدار من الآيفون ، وإيمان تحدق إليه بشيء من الألم والحزن ..





ضياء اليتيم الذي عاش حياته دون أن يعرف معنى الأب أو الأم ، كبر بين أحضان جدته التي دللته حتى أفسدته ، فأصبح شابا وقحا لا يعرف كبيرا ولا صغير ..

يأتيه كل ما يريد دون تعب ، ويفعل ما يريد دون أن يسمع كلمة لا ، لكن رغم كل هذا كانت إيمان تشعر بالفراغ الكبير الذي يحاصر قلبه ، بالضياع الكبير الذي يسكن روحه ..

فتجد نفسها رغم كل أفعاله تشفق عليه ، وترى أن لكل أفعاله الطائشة سببا لا يفهمه الآخرون ..





اقتربت منه وهو تضع يدها على خاصرتها : أقوول ضيااء مو عيب عليك تخلي جدتي تغرف لك الأكل وانت جالس هنا زي الملك ؟؟

ليجيبها دون أن يرفع رأسه عن الهاتف : والله مو مشكلتي ، أنا قلت لها تكلم الخدم بس هي فيها نشاط زايد ..

إيمان : طيب وين كنت قبل شويه ؟؟

ضياء : عند أصحابي ..

ـ ومع مين رايح الحين ؟؟

ـ مع أصحابي ..

ـ لفين رايحين ؟؟

ـ للإستراحة ..

ـ وإيش رح تعملوا هناك ؟؟



توقفت أصابعه عن الحركة ، ورفع بصره إلى إيمان وهو يقول باستنكار : خير ؟؟ إستجواب هو ؟؟

هزت إيمان أكتافها : بس أبغى أعرف إيش الشيء الممتع إلي تحس فيه يوم تقعد برى البيت ، إنت أغلب الوقت تكون برى وما ترجع إلا عشان تنام وأحيانا عشان تاكل ، غير كذا ما نشوف رقعة وجهك أبد ..





ضياء بسخرية : وايش تبغيني أسوي في البيت ؟؟ أقابل الحيطان مثلا ؟؟ ولا أٌقابل خشتك إلي تسد النفس ؟؟

تجاهلت إهانته لها وقالت : طيب ما تطفش من أصحابك ؟؟ ما تخلص سواليفكم مثلا ؟؟ أو ما تشتاق للبيت ؟؟

قهقه ضاحكا وهو يقول : وحدة نفسية زيك أربع وعشرين ساعة في البيت مارح تعرف شعور الدشرة ، المفروض أنا إلي أسألك ما تطفشي من قعدة البيت ومقابلة الوجيه نفسها وتكرار الروتين نفسه كل يوم ؟؟





أتاهم صوت أم سيف التي خرجت من المطبخ لتوها وخلفها الخادمة التي تحمل صينية العشاء : إيه يا ضياء كلمها ، يمكن تسمع كلامك ، عجزت وأنا أخليها تخرج ، كل وقتها في البيت ، ولا جو ضيوف حبست نفسها في غرفتها ..

ضحك ضياء : إذا ما سمعت الكلام منك تبغيها تسمع مني ؟؟

ـ ما تدري يمكن كلامك تستوعبه أكثر من كلامي ..



عدل ضياء جلسته وقال بطريقة جادة تناقض شخصيته : إيمان البنت لازم تلقالها رجال ما ينفع تعيش حياتها لوحدها ، أصلا ربنا خلق الجنسين عشان يكمل كل واحد الثاني ، حاولي تصيدي لك كم رجال ينفعوك ، استغليهم واذا طفشتي منهم أرميهم ودوري لك رجال ثانين ، رقمي لك كم واحد في المول ، ولّا عندك الإنستقراب والسناب متروسة شباب إنت نقي واختاري قد ما تبغي ..



انفجرت إيمان ضاحكة فيما ضربته جدته التي كانت بجواره على رأسه : ضياء بديت زين بس خربتها على النهاية ..

ـ ايه وأنا الصادق ، ماتوا الرجال إلي يخطبوا لهم أهلهم ، الحين الرجال يختار البنت والبنت تختار الرجال ، الأهل مالهم دور خلاص ..





مسحت إيمان دموعها التي نزلت من فرط الضحك وقالت : والله شكلك الجاد يوم تقول نصايحك الغبية تحفة ، ياليت كان معايه جوال عشان أصور ..

قال بغرور : نصايح غبية في عينك ، هذه النصايح تنكتب بماء الذهب ، أصلا أنا الغلطان يوم أسمعك مواعظي الثمينة ، ياخي أتحدى لو أحد من أخوانك المهابيل ذول ينصحوك زيي ..



إيمان بجدية : وانت كل ما بغيت تمدح نفسك لازم تذم إلي حولك ، أوكي عرفنا إنك أفضل واحد في العالم بس مو لازم تقلل من شأن اللي حولك ..

حرك يده بلامبالاة وهو يشرع في الأكل ، لتقرر إيمان العودة إلى غرفتها ..



حينها إلتفتت أم سيف إلى حفيدها قائلة : تدري من أول وأنا ملاحظة إن إيمان ما تتكلم كثير إلا معاك ، وإنت ماتعطي وجه لأحد إلا لإيمان ، علاقتكم قوية جدا ..



كشر باشمئزاز : وييع يعني مالقيت إلا إيماانووه النفسية المعقدة عشان أقوي علاقتي فيها ، أقول أمي فاطمة شكلك تتخيلي ..

ـ لا ما أتخيل أنا أقول الصدق ، إنت حتى مع أنس إلي يصغرك بسنة مو قريب منه ، أصلا ما تكلمه حتى ..





قهقه قائلا : يمه ترى أنا لمن أكلم إيمان مقصدي إني أغيظها بس ، وأتمصخر عليها ، تعرفي عاد إيمانووه عندها معتقدات غبية ، حارمة نفسها من اللحوم وما تاكل غير الحشائش والنباتات زي الأبقار ، لا ومقاطعة البلاستيك على قولتها تأذي الكائنات البحرية ، ما أدري إيش دخل هذا في ذاك ، البنت متخلفة ..



صدرت صوت أغنية أجنبية صاخبة من هاتفه معلنة عن إتصال ، رد على المكالمة التي كانت من صديقه ليسمع صوته الصاخب : ضياااااء وعمى إن شاء الله إلى متى بنستناك ؟؟ يلاا أخرج ..

شهق عاليا وهو يتذكر أنه طلب من صديقيه الإنتظار في خارج لدقائق بحجة أنه قد نسي شيئا في غرفته ، لكن الواقع أنه أراد أن يأكل من أكل البيت الذي يعشقه أكثر من أكل المطاعم الذي يفضلونه أصدقاءه ..





أغلق الخط بسرعة في وجه صديقه دون أن يرد بكلمة ، ثم قام بحشر الطعام في فمه على عجالة بينما كانت أم سيف تقول محذرة : يا ولدي بشويش لا تنخنق ..

قال بفم ملئى بالطعام : أصحابي يستنوني برى ..

أنهى طبقه في وقت قياسي ثم خرج من الفيلا دون أن يودع جدته ، ليسهر كعادته مع أصدقاءه ..



زفرت أم سيف متمتمة : الله يهديك يا ضياء ويبعد عنك رفقاء السوء ، والله مو عارفة إيش المصايب إلي قاعد تعملها برى البيت ..



هي تعلم أن ضياء فظ ووقح ، ويحتاج إلى إعادة تأهيل ، فهو عنيد لا يحترم أحدا ، يعتدي على الآخرين بالأقوال والأفعال دون مبالاة ، يرتكب المصائب دون ندم ، لأنه يعلم أنه لا يوجد رقيب على أفعاله ، ولا مرشد يهديه للصواب ..





وحين ترى أحد من أبنائها أو أحفادها يتدخل في شؤونه ويرفع صوته عليه تتدخل هي مسرعة ، ليس لأنها تشجع ضياء على أفعاله السيئة ، لكنها لا تريد أن تُشعره بأن لا أحد في صفه ..

تخشى أن يشعر أن كل من حوله ضده دائما فيهرب مبتعدا ، وتُحرم هي من رؤيته ..

ضياء هو الشيء الوحيد الذي يذكرها بإبنها الراحل فؤاد ، ضياء قطعة من فؤاد لا يمكن أن تتخلى عنه أو تتركه يضيع منها .. حتى لو عنى ذلك أن تقف في صف ضياء ولو كان مخطئا ..



***



في منزل أم بلسم ..



الوضع أصبح متأزما للغاية ، فقد بدأ ريان وروان يفتقدون منزلهم ووالدتهم ..

لم يتوقع ريان عن الصراخ مطالبا العودة إلى منزله ، وروان تنتحب منادية ماما ..





روعة كانت قد رفعت يدها عن الأطفال منذ البداية ، ومزاج أمها أصبح عكرا حين اتصلت على زوجها تستأذنه أن تبقى في منزلها لعدة أيام ، ولم يكن متفهما وسم بدنها بعدة ألفاظ نابية وانتهت المكالمة بعد أن أغلق الخط في وجهها وهو غير راض عنها ..



كانت تحمل روان في جهة وتلاحق ريان من جهة أخرى ، كان الأمر متعبا ، فحين تنزل روان تعود الطفلة بالبكاء ، فتضطر لحملها وهي تطارد ريان الذي كان يعبر عن غضبه بالتخريب ..





قررت أن تترك روان للحظة فالبكاء لن يضرها ، وامسكت ريان من يديه وثبتته على الأرض وهي تقول : أنا قلت لك إنت الليلة رح تنام عندنا هنا ومعايه ..

ليتحرك بعشوائية محاولا الإنفلات من قبضتها : أبغى أرجع البيت ، سيبيني الله ياخذك يا كلـ### يا حيـ#### ..
قالت بحزم وهي تنظر إلى عينيه : السب ممنوع ..



حرك قدمه بقوة ليصيب صدر بلسم التي تأوهت متألمة وأفلتت ريان الذي فر مبتعدا : أحسن تستاهلي ..

دمعت عيناها من الألم فقد أصابها في منطقة حساسة للغاية ، وهو قد استغل الفرصة ووقف خلفها ليركلها بقدمه معبرا عن استيائه ..
جثت على الأرض وهي تقاوم الدمعة التي في عينيها ، وريان لا يزال خلفها يركلها بقدمه ، لكن لم يكن الأمر مؤلما كألم الضربة الأولى ..



خف الألم .. لتستدير باتجاهه وهي سقطه على الأرض وتبثت يديه وقدميه بقوة ، وبحزم وصرامة : ما أسمح لك تضربني ..

خرجت أم بلسم من غرفتها بعد أن كانت تحبس نفسها وبعصبية وانزعاج : نوميهم وفكينا منهم بسرعة ..

نظرت بلسم إلى والدتها بضعف : يمه مو راضين يناموا ، أصلا كيف يناموا وللحين ما تعشوا ..







ـ والله ما بياكلوا بكيفهم ، نوميهم وخلصينا ، تراني صدعت من أصواتهم ، هذا أول وآخر يوم يقعدوا فيها عندنا ، بكرة رح أكلم جمانة وأرميهم عندها ..





لم تعلق بلسم على تغير رأي أمها السريع ، فقد اعتادت على ذلك ، فعندما تكون أمها بمزاج سيء تنسى كل وعودها ..

وهي تعلم أيضا سر تعكر مزاجها ، لم يكن الأطفال السبب الرئيسي لمزاجها المعكر ، بل زوج والدتها أبو يحيى ، فهو رجل غير متفهم مطلقا ، ولم يكن ليدع والدتها تبيت عندهم في الأسبوع الذي يفترض أن يكون هو عندها ، زوج أمها بالتأكيد لم يووافق على بقائها إلا بعد أن أسمعها كلمات تسببت في تغير مزاج أمها ..





صاحت أم بلسم بصوت عالي وعيناها تحدقان في باب غرفة روعة وبلسم المشتركة : رووووووووعـــــــــــــــــــــــــة تعاااااااااااااااااالي بسرررررررعة ..

ثوان حتى أطلت روعة برأسها بملل : هلا يمه ..

أم بلسم بعصبية : أسمعي أمسكي لك واحد من الصغار ، بدل قعدتك في غرفتك ..

أجابت روعة بسرعة : يمه أنا مالي صلاح ، إذا بلسم إلي عندها شهادة في رياض أطفال ومعلمة في الروضة ما قدرت عليهم ، تبيني أنا إلي ما أطيق الأطفال خير شر أمسك واحد منهم ؟؟ يمه من جدك ..









لم تبالي أم بلسم لتبريراتها قائلة بذات النبرة الغاضبة : قلت لك خذي لك واحد من الأطفال وحاولي تنوميه ، ما أبغى أسمع كلام زيادة ..

أنهت عبارتها وعادت إلى غرفتها وهي تغلق الباب بقوة خلفها ..





إلتفتت روعة إلى أختها وقالت وهي تقلد نبرة صوتها : يمه هذولا عيال خالنا ، حرام نقطهم في دار الأيتام ، يمه أنا رح أهتم فيهم ..

ثم أعادت صوتها إلى نبرتها الطبيعية وبغضب : ياريتك على قد كلامك ، في النهاية تورطيني معاك ، أنا قلت من البداية أنا مو مستعدة أمسك واحد فيهم ..









بلسم بهدوئها المعتاد رغم التعب الذي هي فيه : روعة الله يخليك خذي روان وروشيها وأنا رح أسوي الحليب لها عشان ننومها الحين ..

روعة باستنكار : لا والله ؟؟ ماخذة المهمة السهلة كمان ، لا يا حبيبتي إنت روحي روشيها وأنا أسوي حليب ..

أومأت برأسها : أوكي ، رح تلقي الحليب وقارورة الحليب في الشنطة إلي فيها أغراضهم ..









أشرت روعة بأصبعها على ريان الذي لا يزال محاصرا بين يدي بلسم : وهذا البزر إيش رح تعملي فيه ؟؟

زفرت بلسم : عشان كذا طلبت منك تروشي روان ، أخاف أتركه لوقت طويل يعمل مصيبة ..

ـ لا تخافي دواه عندي ، أنا أهجده ، إنت روحي روشي روان ..





نظرت إليها بلسم بشك : إنت بتهتمي بريان ؟؟

ـ إيه إيه ، يلاا بسرعة ، صدعت من بكائها ..

تركت بلسم ريان واتجهت نحو روان ترفعها عن الأرض وهي تمسح رأسها : خلاااص حبيبتي ما تعبتي من البكاا ؟؟ يلاا إيش رايك نروح ناخذ شاور ينعشك شويه ، شوفي كيف جسمك معرق ودبق ..





كانت تتحدث إليها وكأنها طفلة كبيرة ، أدخلتها دورة المياه ، لتسترخي روان وتهدأ أخيرا من نوبة البكاء تحت الماء الدافئ ..













أما ريان الذي تركته نرجس مع أختها ، كان يتلفت حوله بحثا عن شيء يمكن كسره ، لكنه لم يجد فقد أزالت بلسم كل ما هو خطير أو قابل للكسر ، كان يريد تخريب شيء ما لينتقم من بلسم ، وقع بصره على التلفاز ، فاتجه نحوه بسرعة ، وكاد يسقطه من على دولابه الخشبي ، لولا أن روعة استطاعت إلتقاطه في آخر لحظة ..





وبغضب دفعته بقوة على الأرض ليسقط ويرتطم جسده الهزيل بالأرض المفروش بالسجاد البني ، أتبعت الدفعة بصرخة : بطل تخريب للأشيااء لا أكسر راسك الحين ..

نظر إليها بتحدي وهجم عليها ينوي الإنتقام ، لكن بحكم أنها الأكبر جسدا وعمرا ، استطاعت أن تدفعه مجددا على الأرض ..





لم يستسلم وعاود الكرة والنتيجة ذاتها ، لم يكن هناك فرصة للتغلب على روعة ، فقد كانت على عكس بلسم ، طويلة وقوية البنية ، بحكم أن منزلهم لا يوجد فيه رجل فقد كانت المهام الصعبة توكل إليها ولذا كانت أقوى بقليل من الفتاة الطبيعية ..





حين كرر فعلته مرة رابعة ، طفح كيلها ووجهت له صفعة في وجهه بقوة جعل رأسه يرن من أثرها ، واحتضن جسده الصغير الأرض ولم يعد قادرا على النهوض كالمرات السابقة ..









هطلت دموعه التي كبتها طويلا بألم وغضب وعجز ، أما روعة فقد عضت شفتها بندم لم تُظهره ، لم ترغب أن تؤذيه بشدة ، لكنه أخرجها عن طورها ..

قالت بحدة تخفي خلفها القلق : أتمنى تكون حفظت الدرس زين ، لاتحاول تمد يدك على اللي أكبر منك ..





صرخ من بين شهقاته وهو يمسك كتفه بألم : جعل يدك الكسر ..

تركته لتُعد الحليب لروان كما طلبت منها بلسم ، وهي متأكدة أن ريان لن يجرؤ على فعل أمر سيء بعد الإصابة التي تلقاها ..

أخرجت الزجاجة والحليب من حقيبة السفر الكبيرة التي جهزتها أم ريان والتي وضعت بها جميع حاجيات طفليها من ملابس وألعاب ..





ثم وتجهت إلى المطبخ لتسخين الماء ، ليأتيها صوت سقوط شيء من الصالة التي فيها ريان ، خرجت مسرعة لتفقد الأمر لتشهق عاليا وهي ترى التلفاز محطما على الأرض وريان ينظر إليها بتحدي رغم الدموع التي لم تجف بعد من عينيه ..





تصاعد الدخان من رأسها لتقطع الصالة الصغيرة بخطوتين واسعتين وتمسكه من شعره قبل أن يتمكن من الفرار منها ، ثم صفعته صفعتين على وجهه وهي تجر شعره بغضب ..

ـ مجنون إنت ؟؟ مجنون !! في أحد صاحي يكسر التلفزيون ؟؟

قال وهو يحاول أن يحرر شعره المجعد من قبضتها المحكمة عليه : سيبيني يالحيـ### يالكلـ## ..

صفعته ثالثة : ولك وجه تسب بعد ؟؟ الظاهر إن أمك ما ربتك زين ..









في هذه اللحظة خرجت بلسم من دورة المياه وهي تغطي روان بالمنشفة ، وصرخت بغضب نادر : رووووووعـــــــــــــــــــــــــة سييييييييبـــــــــــــي الولــــــــــــــد ..

لكن روعة لم تتركه وهي تقول : أسلوبك ما ينفع معاه ، خليني أربيه لك ..

اضطرت بلسم لترك روان أرضا لتتجه نحو أختها وتحاول تخليص ريان من قبضة روعة وبحدة غير معهودة : الضرب مو حل يا روعة ، أتركيه الحين ورحي لبسي روان ، وأنا أتفاهم معاه ..









تركته روان وأشارت بيدها إلى التلفاز المحطم على الأرض : شوفي الولد إيش عامل ؟؟ تبيني أسيبه من غير عقاب ؟؟

نظرت بلسم إلى عينها وبهدوء غريب : روعة أنا أتصرف معاه إنت روحي لبسي روان قبل لا يدخلها البرد ..

ضيقت روعة بصرها وتبادلا قليلا النظرات بصمت قبل أن تتنازل وتذهب لإلباس روان ..





إلتفتت بعدها إلى ريان الذي كان يبكي في الزاوية ، اقتربت منه وحين أحس باقترابها انكمش على نفسه بخوف ، رق قلب بلسم لمظهره ، طفل يتيم تخلت عنه والدته ، من الفظيع أن يُعامل بهذه الطريقة ..









جلست على الأرض أمامه وهي تسمع صوت شهقاته التي تمزق فؤادها ، نطقت بصوت أقرب للهمس وهي تمسح على شعره : ريان إنت بخير ؟؟

أبعد يدها بغضب : وخري ... عني ... أبغى ... أرجع .... البيت ... ودوني .... عند ... أمي ...





عادت تمسح رأسه بإصرار وبنبرة حانية : حبيبي أدري إنك مشتاق لبيتك ولأمك ، بس اليوم لازم تنام عندنا ..

حرك رأسه نافيا بقوة : ما أبغى .. ما أبغى ..

لم تعلق هذه المرة بل استمرت تمسح على رأسه بصمت ، بقي على حاله قرابة عشر دقائق ، وصوت نحيبه يخفت شيئا فشيئا ، حتى هدأ وانتظمت أنفاسه لتدرك أنه قد نام من التعب ..





نهضت من مكانها لتتفقد روان التي في غرفتها المشتركة مع روعة ، أطلت برأسها في الغرفة المظلمة لتجد الطفلة نائمة على سرير روعة كالملاك ..

اقتربت منها وطبعت قبلة على جبينها ، ثم نظرت إلى روعة المستلقية إلى جوارها ، وقالت بهمس : ريان نام تقدري تشيليه وتحطيه في السرير ؟؟





اعتدلت روعة قائلة : أوكي مو مشكلة ..

خرجتا من الغرفة لكن قبل أن تحمل روعة ريان قالت بلسم : استني شويه ، بآخذ فرشة وأفرشه على الأرض في غرفة الضيوف وخليه ينام هناك ..

روعة بتساؤل : وليش يعني غرفة الضيوف ؟؟

ـ أخاف روان تصحى في نص الليل وتبكي وتصحي أخوها ، أو يصير العكس ، خلينا نفصلهم أحسن ..

ـ أوكي إلي تشوفيه ..









اقتربت روعة من ريان الذي نام جالسا محتضنا قدميه في زاوية الصالة ، أنبها ضميرها كثيرا وهي تتذكر منظر ارتطامه على الأرض بقوة ، حتى أن كفها لازال يؤلمها من قوة الصفعة التي وجهتها له ..

زفرت بضيق وندم ، ثم حملته بين ذراعيها بصعوبة ، رغم أن ريان نحيل الجسد إلا أنه طويل ، لذا كان من الصعب عليها حمله وكان مستحيلا على بلسم ذات الجسد النحيل والبنية القصيرة حمله ..









وضعته على الأرض فوق الفراش الذي أحضرته بلسم ، ثم فتحتا المكيف وأطفئتا الأنوار ، وانسحبا من المكان بهدوء ..

زفرت روعة وهي تقول : وأخيييييييييرا حل الهدوووووء ..











أمسكت بلسم يد أختها وأقعدتها على الأريكة الموجودة في الصالة : روعة حبيبتي بتكلم معاك شويه عن اللي صار اليوم ..

وضعت يدها أمام وجه بلسم : أنا إلي أبغى أتكلم معاك ، اسمعي يا قلبي ، بكرة لمن أرجع من الجامعة ما أبغى أشوفهم ، اليوم كله عبارة عن صياح وصداع ، أنا ما عندي استعداد أتحمل هذا الوضع أكثر ..





بلسم بقوة : روعة الأطفال أيتام ما عندهم أحد .......

قاطعتها روعة : خلينا نرسلهم عند أم نرجس ، مو هي مرت أبوهم ؟؟ وهي بكيفها بتربيهم أو بتقطهم مو مشكلتنا خلاص ..









بلسم : أ...........

قاطعتها روعة ثانية : ما أبغى أسمع شيء من مواعظك يا بلسم ، قرار زي إنك بتتكفلي فيهم لازم موافقتي أنا وأمي ، لأنهم بيكونوا في بيتنا وانت رح تضطري تطلبي مساعدتنا ، مستحيل تهتمي في الإثنين لوحدك ، عشان كذا لا تتخذي قرار فردي وتحمليني أنا وأمي نتائج قراراتك ..









لم تجد بلسم ما تقوله ، كلام روضة العقلاني ألجمها تماما ، وجعلها عاجزة عن الرد ..

وحين طال صمت بلسم نهضت روضة من مكانها لتطرق باب غرفة والدتها ، فأتاها الإذن بالدخول ..

دخلت إلى الغرفة حيث والدتها التي كانت تجلس على السرير بصمت ، اقتربت منها وهي تطبع قبلة على رأسها : إيش فيك يمه ؟؟





انفجرت أم بلسم وكأنها كانت تنتظر السؤال طويلا : في غيره أبو يحيى ؟؟ كل ما طلبت حاجة وما عجبه هددني بالطلاق ، اليوم قلت له بأجلس هنا يومين حلف إني لو ما رحت معاه ليطلقني ، بس أنا أصريت وقلت له إني ما أقدر عصب علي وقط علي كم كلمة وقفل الخط في وجهي ، ما أدري إذا بيطلقني صدق ولا لأ ، خايفة يا روعة ..





جلست روعة إلى جوارها وهي تحتضن كتفها : ما عليه يمه ، إنت نامي وارتاحي وبكرة إتصلي على أبو يحيى يكون هدأ ، واتفاهمي معاه ثاني ..

أم بلسم بضيق : واذا طلب مني أروح معاه ، إيش أسوي ؟؟ أخاف أرفض ويعصب علي ثاني ..

روعة ببرود : وليش ترفضي ؟؟ روحي معاه ، هذا أسبوعك ومن حقك تروحي معاه لشقتكم ..

ـ طيب الأطفال ؟؟

ـ لا تخافي توني مكلمة بلسم واتفقت معاها على إن من بكرة رح نودي الصغار لبيت خالتي أم نرجس ، وهي عاد تتصرف بكيفها معاهم ..

ـ أحسن بعد والله اليوم كله كان وجع راس ، بس صوت بكا وصريخ ، حتى أنا في غرفتي صوته يوصلني حرف حرف ..

ـ خلاص بكرة نروح كلنا عندها العصر بعد ما أرجع أنا وبلسم من دواماتنا ..









شهقت أم بلسم : لحظة لحظة ناوين تروحوا دواماتكم وتسيبوا الأطفال عندي لوحدي ؟؟

ـ أنا عندي محاضرات مهمة بكرة ، كلمي بلسم ما تروح دوامها بكرة ..

ـ إنت كلميها يا بنتي ، أنا تعبانة وأبغى أنام ، ما صدقت يناموا الصغار عشان أقدر أحط راسي ..





نهاية الفصل ..

ضوء سرمدي 16-08-20 11:23 AM

رد: رواية : أنا وأخي
 
الفصل الرابع ..





الساعة 11:30

أمام بيت الجد أبو صقر ..



بعد أن كانوا مجتمعين معا حان وقت عودة كل عائلة إلى منزله ، ليعود هذا القصر الكبير خاليا كباقي الأيام ، ويبقى الجدين أبو صقر وأم صقر وحدهما كالعادة ..





في سيارته السوداء الفاخرة ، كان يجلس أمام المقود منتظرا زوجته وبناته ، وابنيه معه جسدا لكن كل واحد منهما منشغل بهاتفه ، رأى زوجته وابنته الصغيرة المدللة تصعدان السيارة ..



قال وهو يحرك السيارة : ماشفت سيارة بلسم وينها هي واختها ؟؟ لايكون رجعوا من دون ما يسلموا علي ..

أجابته زوجته بجمود : رجعوا بيتهم من الصباح ، حتى الغداا ما تغدوا معانا ..

قطب حاجبه بشيء من الإنزعاج : وليش رجعوا وما أعطوني خبر ؟؟



تدخلت أسيل : يبه تراها راحوا من دون ما يخبروا أحد حتى ، مو بس إنت ما دريت إحنا إلي كنا معاها نايمين صحينا وما شفناهم ..

نطق شادي : هي كلمتني قبل لا تروح ، قالت إن في ضيووف جايين بيتهم ، واضطروا يرجعوا عشان يساعدوا أمهم ..

أسيل بسخرية : ضيوف من صباح الله خيرر ؟؟ شكلهم كذبوا عليك وانت صدقتهم زي الأهبل ..

ـ ضيووف جايينهم العصر ، بس من باب الأدب راحوا يساعدوا أمهم في تنظيف البيت وتجهيز الأكل ، يعني تبيهم يسيبوا أمهم تسوي الشغل كله ؟؟



أبو شادي : وليش ما كلموني أنا طيب ؟؟ ولا أنا مالي قيمة عندهم ؟؟
شادي : محشووم يبه ، البنات حسبوك نايم فما حبوا يتصلوا عليك ويزعجوك ، عشان كذا كلموني ..



فؤاد بسخرية : في أحد وكلك محامي عليهم ؟؟ وبعدين كان قدروا يرسلوا رسالة لأبويه مو لازم إتصال ..

تجاهله شادي فيما أكمل فؤاد : أصلا يبه إنت الغلطان في أحد قال لك طلع لهم رخصة وسيارة ؟؟ الحين كل ما بغوا يدشروا مكان راحوا له من دون ما يشاوروا أحد حتى إنت ..

أبو شادي بثقة : أنا لأني واثق في بناتي وفي تربيتي ماكان طلعت لهم رخصة ..

فؤاد بغضب : طيب وأنا ؟؟ رجال طول في عرض ما رضيت تشتري لي سيارة ، ولا بنات دلالووه غير ..

أبو شادي بحدة وهو يصر على أسنانه : فؤاد كلمة ثانية ورح أقطك في الشارع ، ما أدري متى بتعقل وتثمن كلامك ، لو ظليت على عقليتك مارح أشتري لك سيارة حتى لو شيبت ..





تدخلت أم شادي تهدئ النفوس : خلااص يا فؤاد أسكت ، وانت يا أبو شادي تعرف ولدك في عمر المراهقة ، كلها كم سنة يصير عاقل زي أخوه شادي ..

علق فؤاد بصوت غير مسموع سوى لأخويه اللذين بجواره : ليش شايفتني مجنون ؟؟



تجاهله شادي وهو ينظر إلى الخارج عبر زجاج النافذة ، هو قد تلقى رسالة من أخته بلسم تُعلمه بالسبب ، وطلبت منه ألا يُعلم أحد بالأمر سوى والدهم ، لذا لم يتكلم أمام الجميع وهو ينتظر أن يختلي بوالده ليخبره ..





كان شادي هادئ الطباع متفهم ، يتصرف بطريقة أكبر من عمره ، على عكس أخوه الأصغر فؤاد ، الفتى المتهور الطائش ..



أسيل لم يعجبها انتهاء الموضوع عند هذا الحد ، أرادت أن تشعل الفتنة أكثر ، هي تنتظر زلة واحدة فقط حتى تضخم الموضوع ..

قالت ببراءة مصطنعة : بابا تراني قلت لهم لا يروحوا قبل لا يكلموك ، لكنهم حقروني وحقروا كلامي ..

شادي : مو توك قايلة إنهم راحوا يوم كنت نايمة ، ويوم صحيتي ما شفتيهم ، متى قلتي لهم يكلموا أبونا ؟؟ لا يكون كلمتيهم في حلمك ..

اغتاظت أسيل منه فقد كشف كذبها ، فقالت بحدة : قصدك أنا كذابة يعني ؟؟

شادي ببرود : إلي على راسه بطحه ..

أسيل : يمممممممه شوفي شادي ..

أم شادي : خلاص إنت وهو ..



***

1:23 مابعد منتصف الليل ..

في منزل أم بلسم الصغير والمتواضع ..





كانت نائمة في الصالة ، وكلتا الغرفتين التي بهما الطفلين كانا مفتوحين ..

اخترق صوت بكاء مسمعها ليوقظها من النوم ، نظرت باتجاه غرفة الضيوف حيث مصدر الصوت ..









بسبب الأضواء الخافتة استطاع أن يرى ظلها فصرخ فزعا وهو يحتضن لحافه ويرجف كورقة ضعيفة في فصل الخريف ، كان خائفا بل يكاد يموت رعبا ..

كل شيء غريب ، المنزل .. الغرفة .. اللحاف .. الوسادة .. الغطاء ..

والأدهى من هذا كله هو أن أمه ليست موجودة معه ، والغرفة فارغة تماما إلا منه ، حتى أخته ليست موجدة ..









طرق مسمعه صوت ناعم يقول : حبيبي ريان صحيت ؟؟

شخصت عيناه على الباب بذعر ، وهو يحاول تذكر صاحبة هذا الصوت ، كان الضوء الذي من خارج الغرفة كفيلا بأن يجعله يرى هيئة المرأة التي تقترب منه ..





صرخ وهو يتشبث بالغطاء أكثر : أبغى أمي ، وينها أمي ؟؟

هبطت على الأرض أمامه وهي تتحدث بذات النبرة الهادئة والناعمة : حبيبي ريان أنا بلسم ، وأمك حطتك عندنا كم يوم عبال ما تنهي شغلها ..

لم يشعر بعد بالإطمئنان ، فهو لم يألف لا المكان ولا الأشخاص بعد ، لذا قال ودموعه تهطل بضعف : ومتى أمي بتيجي تاخذنا ؟؟





لم تجد جوابا لسؤاله ، فلا أحد يعلم ما إذا كانت أم ريان ستعود لتصطحب أبنائها أم لا ..

فقررت أن تغير دفة الحديث : حبيبي ريان إيش رايك تروح الحمام ، إنت نمت قبل لا تروح الحمام ..





صرخ بشكل غريب : أنا ما سويته على نفسي ، أنا كبير ما سويته على نفسي ..

ضيقت بصرها بشك ، ردة الفعل هذا تثبت أمرا واحدا ..

أنارت أضواء الغرفة لتجده يحاول تجميع اللحاف حوله وهو ينظر إليها بخوف ..

لاحظت بقعة الماء الموجودة أسفله لتدرك أنه قد تبول على نفسه ..





أرادت أن تشعره بالطمأنينة فقالت وهي تبتسم : حبيبي الفراش مبلول ، إيش رايك تنام على فراش ثاني ؟؟

ليقول منكرا : لا مو مبلول ، أنا ما شخيت في سروالي ، هذا مويه في أحد كبه ..

ـ مو مشكلة يا حبيبي ، المهم إننا لازم نغير ملابسك وفراشك يلا قوم حبيبي معايه ..





كانت بلسم تتحدث بهدوء دون أي انفعالات ، وهذا ما أراحه قليلا ، نهض من مكانه بمساعة بلسم التي طلبت منه أن يساعدها في حمل الفراشة المبلول إلى الحمام ، ويغير ملابسه بعد أن يغسل جسده ..







أثناء مكوثه في الحمام نظفت هي المكان الذي كان نائما فيه ، وأحضرت لحافا آخرا وفرشته في أرض الصالة بجوارها ، وهي تنوي جعله ينام معها حتى يشعر بالأمان ..





سمعت صوت باب دورة المياه فالتفتت وأطلقت شهقة حين وجدته قد خرج عاريا دون أن يغطي عورته والمنشفة موضوعة على كتفه بإهمال ..

قالت بسرعة : ريان غطي جسمك عيب ..

ليقول بلا مبالاة : وين ملابسي ؟؟

لتنهض بلسم وتقول بحزم : عبال ما أجيب ملابسك غطي جسمك ، ما يصير أحد يشوف منطقتك الخاصة ..





قال بنبرة عالية : أبغى ملااااابسي أقوووووول ..

سحبت المنشفة منه وغطت المنطقة التي ما بين سرته وركبته ، وقالت وهي تنظر إلى عينيه مباشرة : المنطقة هذه ممنوع أحد يشوفها غيرك سمعت ؟؟ أنا الحين بجيب ملابسك خليك هنا ولا ترفع صوتك ثاني الناس نايمين ..





أحضرت ملابسه ليرتيده وحين انتهائه قالت بلسم : إيش رايك أعمل لك ساندويتش سريع ناكله أنا وانت سوا ؟؟

كان جائعا بل يكاد يموت جوعا ، فآخر مرة أكل فيها كانت عندما سُمح له بمشاهدة التلفاز ..

أومأ برأسه لتبتسم بلسم وتقوده نحو المطبخ وهي تقول : تعال نسوي الأكل مع بعض ..





أعدت بيضا مقليا وقطعت بعض الطماطم والخيار وعصرت عليهما قليلا من عصير الليمون ، ثم قالت : يلاا ناكل برى ..

جلسوا في الصالة وحين وضعت بلسم الطعام أمام ريان كشر قائلا : ما أحب هذا الأكل ..

رفعت حاجبها الأيمن : وليش ما قلت يوم كنا في المطبخ ، وايش تحب طيب ؟؟

ـ أبغى عيش جبنة ..

ـ بس أنا عملت بيض خلاص ، كله وبكرة رح ........

قاطعها بصوته العالي : قلــــــــــت مــــــــــا أبــــــــــــغــــــــــــى بـــــــــــيـــض ..





تكلمت بهدوء عكس نبرته : أنا قلت لا ترفع صوتك الناس نايمين ، تراني أسمعك يوم تتكلم بصوت واطي مايحتاج تصارخ ..

ريان بعناد وهو يتحدث بالنبرة العالية ذاتها : أجــــل سويــــلي عيـــــــــش بالجبــــــنة ..

نظرت إلى عينيه وبهدوووووء : ماني قادرة أفهمك يوم تتكلم بصوت عالي ، قول إيش تبغى بصوت أهدأ ..

بدأ الغضب يعتريه : أبــــــغى عيــــش بالجبــــــــنة ..



نظرت إليه ببرود وهي تقول بصوت خاافت أقرب إلى الهمس : تكلم بهدوووء وأنا رح أعطيك إلي تبغى ..

قال من بين أسنانه بغيظ : أبــغى عيـش جبــنة ..

ابتسمت وهي ترى أن نبرة صوته قد انخفضت ولو شيئا يسيرا ، لتشير لعينيها : من عيووني يا حبيبي ، الحين أسوي لك ألذ ساندويتش جبنة في العالم ..









***





في مدرسة للبنات ..

الساعة 9:23 صباحا ..









تجلس في مقعدها واضعة خدها في راحة كفها الأيمن وهي تستمع إلى أحاديث صديقتها المقربة ..

كانت آية تروي تفاصيل ملكة ابن عمها بابنة عمتها بحماسة ، والأخيرة تنصت إليها بصمت دون تعليق ..





آية وسط حماسها : ايه صح شفت عنان بنت خالتك إلي دائما تكلميني عنها ، ما شاء الله عليها تهبببل فيها شبه بسيط منك ، بس إنت أحلى طبعا ..

أبتسمت بشكل بسيط على المجاملة الأخيرة ، بينما أكملت آية : ايه صح ما حكيت لك عن اللي كانوا بيعملوه عيال أعمامي ، تخيلي كانوا ناوين يكبون سطل السلايم على العريس ، ياخي والله مزحهم ثقيييييييييييييييل ..





رفعت نرجس حاجبها بدهشة وقد أثارها الأمر : لا تقولي إنهم سووها ؟؟

حركت آية يدها بالنفي : لا الحمد الله ، أخويه ياسر كشفهم قبل لا يسووها وخلاهم ينظفوا بدال العاملات ..

ثم أردفت بابتسامة : تصدقي أحسك متغيرة اليوم ، نفسيتك صايرة أحسن ..

زفرت نرجس : أمس عنان وعماد زارونا ، ولمن تكلمت معاهم وفضفضت حسيت براحة كبيرة ..









ضربتها آية على كتفها : من أول أقول لك فضفضي لي عبري عن حزنك بس إنت كله مطنشتني ، أخيرا تنازلتي لأحد ..

نرجس : تخيلي قلت كلام المفروض ما ينقال ، قلت لهم إنهم مارح يحسوا باللي أنا فيه إلا إذا فقدوا أبوهم زيي ، هنا عصب عماد لكن أشوه إن في عنان تفهمتني واحتوتني ، واللي خلاني أرتاح أكثر إن أمي ما كانت معانا ..





آية باستنكار : لحظة لحظة ، إنت كنت مع ولد خالتك من دووون أمك ؟؟

نرجس بلا مبالاة : إيه عادي ....

قاطعتها آية بصوت مرتفع : عادي في عنيك ، يا بنت تراك مرة وهو رجااال ما يصير تقعدي معااه ، هو محررم لك ..

ـ يا المزعجة وطي صوتك ، وبعدين ما سمعتيني أقول إن عنان موجودة ؟؟ غير كذا تراه زي أخويه إيش المشكلة يا المعقدة ؟؟

ـ معقدة في عينك ، ترى هذا في الشرع مو أنا إلي مؤلفته ..





ثم تابعت بمرح وهي تغمز بإحدى عينيها : زوجي المستقبلي أغاار ترى ..

رغم أنها ليست في مزاج مناسب للضحك إلا أنها ابتسمت قائلة : ما أدري إيش اللي تشوفينه فيه ..

آية : أقول أسكتي كل البنات خقوا عليه يوم شافوه أول مرة قدام المدرسة ، يا بنت ترااك في نعمة ، عندك واحد مزيون ياخذك ويوديك للمدرسة ، مو زينا مالت علينا ما عندنا إلا السواق الهندي إلي شعره كله زيت ..





هزت نرجس رأسها : أستغفر الله يا بنت ، أقول آية إيش رايك تنقلعي عني ، ترى مالي خلق لسواليفك أبد ، من أول ساكتة وأقول في نفسي دحين تحس على دمها دحين تسكت بس إنت إلي يشوفك يقول بالعة راديو ، لق لق لق لق ما تسكتي أبد ..

عبست آية وقد حز الكلام في خاطرها : خلاص رح أسكت ، آسفين على الإزعاج ..

ثم أدارت ظهرها باتجاه نرجس التي وضعت رأسها على الطاولة بلا مبالاة ..

هي تعلم أن آية حساسة جدا لكنها في الوقت ذاته تنسى بسرعة ، لذا قررت تجاهلها ..





.

.

.





انتهى الدوام المدرسي ، ارتدت نرجس عبائتها وخرجت حيث ينتظرها عماد في سيارته أمام المدرسة ..

صعدت بجواره وهي تلقي السلام ، ليرد عليها وهو يحرك السيارة ..





نرجس : أقول عمااد إنت دوامك خلص ولا لسع ؟؟

إلتفت إليها وهو يرفع حاجبه بدهشة ، هذه المرة الأولى التي تبدأ فيها حوارا معه منذ وفاة والدها ، في العادة عندما كان يأخذها من المدرسة كان هو من يحاول أن يبدأ حوارا معها لكنها كانت تصده حينا وتجيب عليه باختصار حينا آخر ..





قال بابتسامة جانبية : لا ما خلص ..

اندهشت وسألت : طيب متى دوامك يخلص ؟؟

ـ الساعة أربعة تقريبا ، ليش تسألي ؟؟





كانت المرة الأولى التي تفكر في الأمر ، عماد يضطر لمغادرة الشركة قبل إنتهاء الدوام ليعيدها إلى منزلها ، ثم يذهب مجددا للشركة التي يعمل بها ..

في السابق كان والدها من يوصلها ويأخذها ، ولكن بعد وفاته حل عماد محله ، أحست أنها عبئ ثقيل عليه ، لذا اتخذت قرارا وستتحدث مع أمها عن هذا القرار ..





وجدت نفسها تبتسم تلقائيا حين وجدت موضوعا لتتحدث به مع والدتها ، فهي في العادة عندما تريد التحدث بموضوع ما تذهب إلى والدها الذي ينصت إليها ..

انمحت الإبتسامة التي كانت ترسمها عند تذكرها لوالدها ، فتنهدت بضيق وهي تهمس بصوت غير مسموع : الله يرحمك يبه ..









ـ الحمد لله والشكرر ، نرجس شكلك إنجنيت ، شويه تبتسمي شويه تكشري ، فيك شيء ؟؟

قالها عماد الذي كان يراقب تعابير وجهها المكشوف كونها لا تغطيها ، ولاحظ تغير ملامحها فقال عبارته من باب الدعابة ..

نظرت إليه بطرف عينها وبعبوس : عماد سوق وانت سااكت والله مالي خلق لك ..

ثم تابعت بهمس وهي تتذكر كلام آية عنه : على إيش خاقين عليه ما أدري ، مالت عليه غثيييث ..

ـ هااا قلتي شيء ؟؟

ـ لا أكلم نفسي ..

عماد بضحكة : مو أٌقول لك إنت صايرة مجنونة ..







وصلت إلى المنزل فترجلت من السيارة بعد أن ودعته ، تأملت منزلها قليلا ، من ينظر إلى المنزل يحسب أن سكانه كثر ، والواقع أنهم ثلاثة أفراد ، لحظة .. أقصد فردين ..



دخلت المنزل لتجد والدتها كعادتها في المطبخ تُعد الغداء ، طلبت منها أن تغير ملابسها وتنزل لتناول الطعام ..





وعلى المائدة ..

تنحنحت قليلا وهي تقول بصوت هادئ : يمه بغيت أكلمك بموضوع ..

رفعت أم نرجس نظرها إليها لبرهة : أجليه بعدين ، أنا تعبانة مالي خلق أسمع شيء ..

شدت على الملعقة التي بين أصابعها ، لم دائما تكافأ بالصدود على محاولاتها ؟؟





لم تستسلم : يمه الموضوع ما يتأجل ..

جحظت عينا والدتها بشكل غريب وهي تقول بحدة : شنوو ؟؟ سمعتي شيء عن أبوك ؟؟ في أحد قال لك شيء ؟؟

رفعت حاجباها بدهشة ، مادخل والدها بالأمر ؟؟

لم تطرح تساؤلها فقد أرادت التطرق لموضوعها بسرعة : يمه الموضوع يخص عمااد ، ماينفع نخليه يقضي مشاورينا للأبد ، محتاجين سواق ..





تنهدت أم نرجس براحة : قلت تبغي سواق ؟؟ ما يصير البيت مافيه رجال ، مايصير نجيب رجال أجنبي ..

انتقلت مباشرة للحل الآخر الذي أعدته مسبقا : طيب يمه أبغى أتعلم السواقة ، عشان ما يحتاج نعتمد على أحد خلاص ، لا عماد ولا غيره ..

صمتت أم نرجس تقلب الموضوع في رأسها ، بينما نرجس تنتظر على أعصابها الرد ..





نطقت أم نرجس أخيرا : وليش لأ ؟؟ إذا عندك الجرأة تعلمي مو خسرانة شيء ..

ابتسمت نرجس بسعادة : خلاص أجل من بكرة بدور لي وحدة تعلمني السواقة ..

ـ وليش تدوري ؟؟ عندك عماد ..

كشرت نرجس وبسرعة : لا لا عمااد لا ، دمه حااار ما يعرف يصبر ، أذكر يوم كنت صغيرة كان يدرسني إنجليزي ، كل ما أغلط يطقني ..

ثم تذكرت : إيه صح بلسم بنت عمتي دلال تسوق صح ؟؟ بكلمها تعلمني ، هي ما شاء الله عليها صبورة وشخصيتها تجنن ..

ـ أوكي براحتك ، إذا بتكلمي بلسم كلميها اليوم العصر ..

ـ وليش اليوم ؟؟

ـ هي اليوم جايه عندنا هي وأمها أبغاك تستقبليهم انت ، أنا تعبانة رح أقعد في غرفتي مالي خلق للضيوف ..





نرجس باستغراب : مابتقعدي معاهم يمه ؟؟

ـ أقولك تعبانة ، لا تخافي بلسم قالت إنهم مو مطولين ، جايين يسلموا عليك ويمشوا ..





***



الساعة 4:35 عصرا ..





كانت تستغفر طوال الطريق ، ورغم هدوئها الظاهري إلا أن عقلها يعصف عصفا من الداخل ، كانت تلاحظ حركات والدتها التي تجلس في المقعد المجاور لها ، وكيف تفرقع أصابعها بتوتر ، وتتنهد من حين لآخر ..

الأمر لن يكون سهلا البتة ، لا عليهم ولا على نرجس وأمها ، لكنه أمر لابد من الخوض فيه ..





المكان هادئ إلا من صوت الموسيقى التي تصدر من الآيباد الذي يحتضنه ريان ، وتشاركه روان المتابعة وهي في حضن روعة المنشغلة بهاتفها المحمول ..





لأول مرة تشعر أن المنزل قريب جدا رغم بعدها في الواقع ، وجدت نفسها توقف السيارة أمام منزل خالها الراحل وتقول بهدوء : يلاا أنزلوا وصلنا ..

إلتفتت أمها إليها وانهالت عليها بالملاحظات مجددا : اسمعي يا بلسم زي ما قلت ، إذا سألوا هذولا عيال مين قولي عيال أبو يحيى ، هو تركهم عندي لأن أمهم تعبانة ، واذا انفردنا في أم نرجس نبدأ نكلمها بالموضع ..

إلتفتت إلى روعة وبتحذير : إنت ياااويلك لو تفتحي فمك بكلمة ، أعرفك رح تجيبي العيد ..





حينها قالت روعة باعتراض وهي تغلق هاتفها : يمممممممه ليش ما أتكلم إن شاء الله ؟؟ أقول ليش ما نخلي بلسم تقعد مع الصغار وأنا أكلم خالتي جمانة ..

أم بلسم بحدة : لااا انت انطقي مع الصغاار ، مالك شغل ، بلسم إنت رح تتكلمي أوك ..

أومأت بلسم رأسها بهدوء قائلة : يلاا انزلوا إنتوا أول ، وأنا رح أوقف السيارة وألحقكم ..





ترجلوا من السيارة ، وأم بلسم تمسك بيد ريان , وروعة تحمل روان ، وكلتاهما تنظران إلى المنزل المناقض تماما لمنزلهم ، وشعور الرهبة والتوجس تغلفهم ..





دخلوا المنزل بعد أن استقبلتهم نرجس بابتسامة باهتة ، وهي تنظر إلى الطفلين بحيرة وتساؤل ، لكنها لم تطرح التساؤلات التي في ذهنها ، فلم يكن الأمر يعنيها كثيرا ..

أدخلتهم المجلس وهي ترحب بهم بلباقة مدروسة ، ثم توجهت إلى المطبخ لتقدم الماء والعصير للضيوف ..





جلست بعدها معهم ليدور بينهم حوار روتيني عن الدراسة والأمور المعتادة ..

حين شعرت أم بلسم أن جمانة قد أطالت الغياب سألت عنها ، لتجيب نرجس بحرج : معليش عمتي ، أمي تعبانة شويه ، وما تقدر تنزل ..

قطبت أم بلسم جبينها بانزعاج ، أوصل بها الغرور ألا تستقبلها وتدع ابنتها تحل محلها ؟؟

بدأت تفقد أعصابها وهذا كان ظاهرا على ملامحها ونبرة صوتها حين قالت : روحي ناديها قولي لها في موضوع مايتأجل أبغاها الحين ضروري ..





نرجس برقة : عمتي معليش أجليه شويه ، واذا تحسن صحتها كلميها ..

بدأ صوتها بالعلو وهي تقول : أقولك ما يتأجـــــــــــل ، روحي ناديها ..

بدأت نرجس هي الأخرى بالإنزعاج من إلحاح عمتها المستمر ، فقالت وقد بدأ العبوس يرتسم على وجهها دون أن تنطق بكلمة

لتتدخل بلسم وهي تبتسم محاولة تهدئة الوضع : خلاص يمه ، نرجس قالت أمها تعبانة ، خلينا نأجل الموضوع ليوم ثاني ..









أم بلسم بإصرار : لا مافي يوم ثاني ، إذا ما بتناديها وصلي لها الرسالة أجل ، قولي لها ..............

قاطعتها بلسم وهي تمسك بيد أمها برفق : يمه نكلم خالتي مباشرة أفضل ..

أم بلسم بعصبية : وهي وينها عشان نكلمها ؟؟ ما همني أنا ، اسمعي يا نرجس شفتي ذولا الإثنين إلي هناك ، تعرفي عيال مين ذولا ؟؟

نرجس باستغراب : لا ما أعرف..

ابتسمت أم بلسم بمكر : ترى ذولا أخوانك يا حبيبتي ..









أغمضت بلسم عينيها وهي تشد على يد والدتها ، بينما تكلمت نرجس ببراءة : عمتي إيش هذا المزح ؟؟

نفضت أم بلسم يدها مبعدة يد ابنتها ونهضت من مكانها لتجلس بجوار نرجس وتقول وهي تشير بإصبعها نحو ريان : شوفي الولد ذاك اسمه رياان ، ما تحسي فيه شبه من أبوك ؟؟ لا لا مو بس شبه إلا نسخة مصغرة من أبوك ..





أخذت نرجس تتأمل تفاصيل وجه ريان الذي كان منشغلا بآيباده ، كانت له حاجبان متصلتان ببعضها وعينان رماديتان وأنف حاد كالسيف ، هذه الصفات التي وجدتها مشتركة بينه وبين والدها ، لكنها لم تستطع تصديق الأمر ..

فقالت بشيء من الإنزعاج : عمتي ترى هذا مو وقت المزح ..





أسرعت بلسم بأخذ الصغيرين خارج المجلس ، فهي لم تشأ لهما أن يسمعا الجدال الذي سيحصل ، تجاهلت نداء نرجس ووالدتها ، فقد كان أولويتها الأولى إبعاد الطفلين عن أي مشكلة أو مشاجرة يمكن أن تحدث بسببهم ..









أما في المجلس ، فبعد مغادرة بلسم تكلمت روعة : أمي ما تمزح يا نرجس ، هذولا أخوانك من أم ثانية ، أبوك طلع متزوج من ورى أمك ، وذولا عياله ..

بدأ الأمر يصعب عليها أكثر ، فنهضت من مكانها وهي تقول بحدة : لاا تكذبوا ، بابا ماعنده إلا بنت وحيدة وهي أنا ، أنا وبس ، ماعنده عيال ثانين ..

أم بلسم : طيب يا قلبي إيش رايك تنادي أمك عشان ..........

قاطعتها نرجس بغضب : وليش أناديها ؟؟ عشان تكذبوا عليها وتنكدوا عليها زي ما نكدتوا علي ؟؟





وانهارت باكية وهي تكمل من بين شهقاتها : كيف تتبلوا على بابا وهو ميت ؟؟ حراام عليكم ، مو لأنه ما يقدر يدافع عن نفسه تقوموا تتبلوا عليه بأشياء ما عملها ..

أم بلسم : اسمعي يا نرجس ، ترى أبوك هو أخويه قبل ما يكون أبوك ، هذا أولا ، ثانيا إحنا مو قاعدين نتبلى عليه ، هذا الواقع وعندنا دلائل وبراهين تثبت كل هذا الكلام ، آخر نقطة حابة أقول له ترى ماكنت حابة أكلمك في هذا الموضوع بهذه الطريقة ، لو إن أمك المحترمة جات واستقبلتنا كان أفضل لك ، على الأقل كان هي إلي تلقت الصدمة مو انت ..









.

.

.





في جناح أم نرجس ..





لم تكن تستطيع المكوث في غرفتها ، آلااف من الأفكار تراوادها حول سبب زيارة أخت زوجها لها ، قررت ان تنزل وتتفقد الأوضاع ..

طرق مسمعها صوت نحيب خافت أثناء نزولها السلالم ، فتسارعت خطواتها بقلق ، حين وصلت آخر عتبة من الدرج وجدت بلسم برفقة طفلين في الصالة ، قالت بصوتها الجهوري : بلسم إيش صاير ؟؟





رفعت بلسم رأسها باتجاه الصوت ، وهي تحاول أن تخفي علامات الصدمة والتوتر من وجهها ، وتقول بهدوء وتماسك : خالتي جمانة ، آآ ..........

لم يكن لديها الوقت الكافي لتسمع لبلسم ، فأكملت طريقها نحو المجلس حيث يصدر الأصوات منها ..





ـ إيش اللي قاعد يصير ..

نطقت بها أم نرجس عند دخولها ليحل الصمت فجأة وتتعلق العيون نحوها ، كان لوجودها هيبة تغطي المكان ، وتجعل الكلمات تعلق في حناجرهم ، وكل ذرة شجاعة تخونهم ..





حركت أم بلسم نظرها باتجاه بلسم التي تقف خلف جمانة ، وتستنجدها بنظراتها المتوسلة الخائفة ..

عادت جمانة تقول بصوتها القوي : إيش عملتوا في بنتي ؟؟

مسحت نرجس دموعها وهي تقول بصوت مرتعش : ولا شيء يمه ، لا تشيلي هم ، روحي أرجعي غرفتك ..

فتقول جمانة بحدة : كيف أرجع غرفتي وإنت قاعدة تصيحي ؟؟ إيش قلتوا لبنتي عشان تبكي ؟؟ هاا يا دلااال تكلمي ؟ تو كان صوتك يلعلع أشوفك سكتي يوم شفتيني ، ولا فالحة بس تستقوي على بنتي ؟؟ إذا عندك شيء بتقوليه قولي لي أنا ..









أغتاظت دلال من نبرة السخرية التي في صوت جمانة ، فقالت بقوة لا تعلم من أين أتت بها : والله يا مرت أخويه ، أقصد يا أرملة أخويه المسكينة ، إن زوجك كان متزوج عليك ثانية و إنت ...............

قطعت كلامها حين وجدت جمانة أمامها في لمح البصر ولم يكن بينهما سوى بضع سانتي مترات ..



تراجعت دلال خطوتين للوراء ، بينما قالت جمانة بفحيح أشبه بفحيح الأفعى : أدري ، وأدري إن عنده عيال منها ..

وتابعت وهي تقول بسخرية : ليش مصدومة يا دلال ؟؟ تحسبي إنك تقدري تشمتي فيني ؟؟ لا يا قلبي أنا كنت أدري وكنت راضية ، في النهاية هو رجال ومن حقه يكون عنده عيال ، ودامني مو قادرة أجيب له سمحت له يتزوج وحدة ثانية ، وأنا إلي طلبت منه ما يشهر زواجه ببساطة عشان لا تيجي وحدة مريضة مثلك تحاول تناظر فيني باستصغار بس لأن زوجي جاب ضرة علي ..






وتكتفت أمامها وهي تبتسم بثقة : والحين عندك شيء جديد تقوليه ؟؟

كانت الصدمة قد ألجمت دلال بالكامل ، هي لم تتوقع أن جمانة قد كانت على دراية بالموضوع ..




تكلمت روعة : حلو دامك عارفة بالموضوع كله ، يعني ماعندك مشكلة تاخذيهم عندك في البيت ، لأن بصراحة أمهم قطتهم عندنا واحنا ماعندنا استعداد نستقبلهم ، بصراحة عمتي إنت سهلت علينا الأمور مرة ..




نظرت جمانة إلى روعة لثوان قبل أن تقول بهدوء : طيب عندكم شيء ثاني تقولوه ؟؟ إذا خلصتوا ممكن تتفضلوا ، أشوف إن الزيارة القصيرة طولت مرة ..




عضت دلال شفتها بقهر ، أما من شيء يكسر غرور هذه المرأة ؟؟ أما من شيء يجعلها منكسرة ذليلة ؟؟ دائما شامخة وقوية ، لماذا لا تُكسر ؟؟ لماذا لا تضعف ؟؟

قطع أفكارها صوت روعة التي قالت تحدثها : يلا يمه انتهت مهمتنا ، يلاا نرجع بيتنا ..

أومأت دلال رأسها وهي تحمل حقيبتها ، وتقول لبلسم : بلسم وين أشياء روان وريان ؟؟

لتجيبها بلسم بهدوء : في السيارة ..

ـ نزليه واعطيه لعمتك ، ماله داعي خلاص لوجوده معانا دام عمتك بتهتم بعيال زوجها ..







حتى هذه اللحظة كانت نرجس غير مصدقة لما تسمعه ، أيُعقل أنها لها أخوة من أم أخرى ؟؟ ولماذا لم تخبرها أمها بالأمر من قبل إن كانت تعلم ؟؟

العديد من الأسئلة تروادها ، وتتخبط في عقلها دون أن تجد إجابات لها ..

لم تكن واعية لما يحصل حولها ، فقد غرقت في عالم آخر عالم مليئ بالتساؤلات ، ولم تنتبه إلى أنها الوحيدة التي بقيت في المجلس وأن البقية قد غاادروها ..







.

.

.




وضعت حقيبة السفر الكبيرة التي تحتوي على حاجيات الطفلين وهي تنظر إلى جمانة التي تقف بجمود دون أي تعابير ..

اقتربت منها وهي تقول بهدوء : عمتي تبغيني أقعد معاك يومين أشوفهم معاك ..

لتقول جمانة بهدوء : شكرا ما يحتاج ..

مدت كفها تحتضن يد عمتها وهي تقول : عمتي إذا ضايقناك فأتمنى تسامحينا ..




ثم صمتت وعيناها تسترقان النظر إلى الطفلين اللذين يجلسان على الأريكة خلف عمتها على بعد مسافة منهما ، لتعود وتقول : عمتي أدري إني ما يحتاج أوصيك على الأطفال ، بس عشان أرتاح أوعديني تحطيهم في عيونك يا عمتي ..

لم تجبها جمانة فقالت بتهجس : عمتي إذا مو مستعدة تهتمي فيهم أنا مستعدة آخذهم معايه حتى لو أمي وأختي مو راضين ..

فتكلمت جمانة بهدوء : بلسم أظن إن أمك وأختك يستنوك برى ..




لسبب ما لم تستطع أن تغادر ، وقلبها غير مطمئن البتة ، وما أقلقها هو أن جمانة لم تطمئنها ولم تعدها كما طلبت منها ، وهذا جعلها أكثر قلق وخوف على الطفلين ..

تكلمت بصعوبة : طيب بس قبل خليني أودع الطفلين ..




سارت نحوهما وبمجرد أن وصلت إليهما احتضنتهما والعبرة تخنقها ، كان ريان يحاول الإنفلات منها وهو يشتمها بانزعاج ، فأرخت قبضتها عنهم قليلا ، أبعدت جهازه ورفعت رأس ريان لينظر إلى عينيها فتتقابل أعينهما معا ..

تكلمت بصوت خرج مختنقا : ريان حبيبي شوف هناك ..

أشارت بأصبعها على جمانة وقالت : رح تقعد في بيت عمة جمانة ، أسمع كلامها ولا تجننها أوك ؟؟

أومأ برأسه حتى يعود لجهازه لكنها أكملت تقول : إهتم بأختك زين يا ريان ، ولا تتعب عمة جمانة أوك ..

أومأ برأسه مجددا وهو يقول بانزعاج : أوكي طيب سيبيني ..

تركته وهي تنظر إلى روان المنشغلة بلعبة خشبية ، قبلت خدها وهي تقول : روان يا قلبي ، لا تصيحي كثير وتتعبي عمة جمانة أوك ؟؟




لم تعرها روان أي اهتمام ، لتعود بتقبيل خدها الآخر وقبل أن تتركهم إحتضنتهم للمرة الأخيرة واستودعتهم الله ..




وبصعوبة نهضت من مكانها وبدأت تجر خطواتها الثقيلة مبتعدة عنهم وسارت بثقل نحو الخارج وشعور بعدم الراحة يعانق روحها ..








وضعت رأسها على المقود وهي تمنع دموعها من النزول ، وقلبها يعتصر ألما وحزنا .. وقلق وتوجس ..

تكلمت بصوت مرتعش : يمه ذولا أمانة ربي رح يسألنا عنهم ..

لم تفهم دلال ماقالته ابنتها فقالت بانزعاج : إيش تقولي إنت ؟؟ أقول حركي وخلصينا ..





رفعت رأسها وهي تقول بضعف : يمه ، ما أقدر ما أقدر أسيبهم ، قلبي مو متطمن ، ضميري يأنبني مو قادرة يمه ..

وضعت روعة يدها على كتف أختها وقالت : بلسم إيش فيك ؟؟ إلي يسمعك يقول إننا رميناهم ؟؟ ترانا سلمناهم لعمتي جمانة ، وهي إن شاء الله رح تهتم فيهم وتحطهم في عيونها ، عمتي جمانة صح مغرورة شويه وشاييفة حالها شويتين ، بس هي طيبة وذولا في النهاية عيال زوجها وأخوان نرجس ..





***





في منزل أبو أنس ..





رغم كبر سنها إلا أنها لازالت تحتفظ بقوتها ، كانت تشرف على الخدم شخصيا وهم ينظفون المنزل ، هي إنسانة نظيفة جدا ودقيقة في كل شيء ..

كانت تدقق على الزوايا والأماكن الصغيرة وتتأكد من أنه تم تنظيفها وتم إزالة الغبار والأتربة من عليها ..





أقبلت إحدى الخادمات إليها وهي تقول : مدام هذا جوال دق ..

ناولتها خادمتها الهاتف الذي كان حديثا ، والتي حرصت أم سيف على تعلمها ومواكبة العصر ..

كان اسم ابنتها جمانة ينير الشاشة فأجابت بسرعة وهي تقول بشوق ولهفة : هلااا يمه يا بنتي ..

ليأتيها صوت جمانة التي خرج ضعيفا منكسرا : يمه تعالي .. محتاجتلك ..





توسعت حدقة عينها وانزلق الهاتف من بين يديها المتجعدتين ، فقط من نبرة الصوت علمت أن مصيبة قد حل بابنتها ..

فجمانة هي النسخة المطابقة لها ، هي أكثر من ورث منها الثقة والقوة وعزة النفس ، لكن أن تسمع صوت ابنتها ضعيفا منكسرا كهذا جعل آلااف من الأفكار تغزو دماغها ..





صرخت بقوة : رييييييييتااااااااااااااااا كلمي السوااااااااااق بسرعة يجهز السيارة ..

انتفضت ريتا من الصرخة القوية فاستجابت لأمرها بسرعة ، أما أم سيف فقد أسرعت بإحضار عبائتها من غرفتها ، ولسانها يردد : يارب سترك ، يارب لطفك ..





نهاية الفصل ..


الساعة الآن 08:46 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية