منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء (https://www.liilas.com/vb3/f498/)
-   -   زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان (https://www.liilas.com/vb3/t206496.html)

SHELL 30-12-18 02:47 PM

زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 



https://www.gulf-up.com/i/00081/lklbx45gmb5q.gif


فى البداية كنت نزلت روايتى الطويلة الأولى هنا فى المنتدى

(( لؤلؤة تائهة فى بحر العواصف ))

وكانت الجزء الأول من سلسلة طويلة (( أسرار وخفايا عائلة الحيتان ))

والنهارده وبعد اكتمالها قررت أنزل الجزء الثانى للسلسلة وهو مكمل ومتمم للرواية الأولى

&&&&& زواج على حد السيف &&&&

https://www.gulf-up.com/i/00081/j6ql1r3pd5u0.jpg

وأسيبكم مع

الملخص

https://www.gulf-up.com/i/00081/ex4zl1ynakx6.gif

تشابكت أقدارهما دون ارادة أحدهما فحاول جاهدا الفرار الا أنها أوقعته بورطة مدبّرة أطارت صوابه ,فعاد ليحاصرها بقلاع عواطفه ,وأدركت يوما بعد يوم أنه ربما هو من قادها بدهاء نحو الفخ لتخطو ناحيته بقدميها ,فهل تبقى أسيرة ماضيها المظلم تاركة له زمام الأمور بينهما ؟ أم تتحرر بينما يظل قلبها معلّقا الى الأبد بدوامة حبه ؟

**************

الثنائيات

_ _ _ _ _ _

سيف & مها
هى :
سيأتى يوما عندما أمر بجانبك
ستقول كانت ( لى )
هو :
أخبريننى أين ينتهى الفراق
حتى أنتظرك هناك ...

#######

جاسر & ريم
هى :
لم أكن أريد وعدا بقدر ما أردت صدقا
ولم أكن أتمنى بقاءً دائما بقدر ما تمنيت احساس وافٍ
هو :
أين تباع المسافات
لأشترى أقربها اليك

#######

كريم & هديل
هى :
يقتلنى فيك أنك لا تذكرنى
ويقتلنى فى نفسى أنى لا أنساك
هو :
وهل للغائب قلب يحن
أم ترك الحنين لقلبى ورحل

()()()()()()()()()()()()

وباذن الله غدا أنزل المقدمة

https://www.gulf-up.com/i/00081/qewc1js8brae.gif



SHELL 30-12-18 07:28 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
لقراءة الجزء الأول ( لؤلؤة تائهة فى بحر العواصف )

https://www.liilas.com/vb3/t206280-35.html#post3709000

bluemay 31-12-18 07:34 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،


عوداً حميداً

سعيدين بعودتك من جديد عزيزتي

بتمنى تلاقي التفاعل والحضور اللي تتمنيه


تقبلي خالص ودي

SHELL 31-12-18 03:41 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة bluemay (المشاركة 3709273)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،


عوداً حميداً

سعيدين بعودتك من جديد عزيزتي

بتمنى تلاقي التفاعل والحضور اللي تتمنيه


تقبلي خالص ودي

وعليكم السلام

شكرا حبيبتى على ردك وتشجيعك

نورتينى يا مايا

SHELL 31-12-18 03:44 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
https://api.ning.com/files/HrJMLaNSV...NzP5cct/02.gif


والآن موعدنا مع ....

المقدمة

https://lh6.ggpht.com/ninhascrapsami...-byaninhab.png

-بم تفكرين يا حبيبة القلب ؟
كان يداعب أرنفة أنفها بخفة وهو يحيطها بذراعه الأخرى بشوق جارف فابتسمت له رامية برأسها على كتفه تنظر الى مشهد غروب الشمس الحزين قبل أن تقول بشجن:
-فيك أنت , لا أحد سواك.
-أخبريننى يا أميرتى ونحن وحدنا ولا يشهد علينا سوى البحر الهادئ ... أتحبيننى ؟
دفنت رأسها أكثر فى أحضانه وهى تضحك بخجل لتهمس فى أذنه بهيام:
-أحبك كثيرا ,,, لدرجة أننى أخشى أن يفسدك كثرة عشقى لك.
منحها ابتسامة جذابة وهو ينحنى نحوها أكثر ليرفعها بين ذراعيه بينما يقضى على اعتراضاتها الواهنة بقبلات رقيقة تغمرها على كل شبر من وجهها وعنقها وهى تصيح فزعا:
-أنزلنى ,, رفيق أرجوك أنزلنى حالا ,, ماذا لو رآنا أحد ما ؟
-لا يوجد أحد غيرنا واذا حدث فسيقول أننا عاشقان متيمان.
-هل تحبنى حقا ؟
أكمل دغدغة مشاعرها باثارة لا متناهية وهو يترنم بكلمات أغنية عاطفية:
أنا من الليلادى العمر كله هعيشوا ليك-
وهقدر أعمل اي حاجه عشان عينيك
قرب..عيوني بشوق ياغالي بتناديك
أنا مستحيل أعيش حياتي الا بيك
طول مانت جنبي أحتاج لايه
بتقولي أحلم تاني ليه
ده انا كل حاجه حلمت بيها لقيتها فيك
نظرة عيونك رقتك لمسة ايديك
خوفك عليا ولهفتك الله عليك
أنها المرة الأولى التى تسمعه يغنى من أجلها ,, وحدها ,, هى من يعنيها بكلماته العاشقة ,, هتفت به بتمتمة هائمة:
-يا ليت لو نستطيع البقاء هنا ولا نعود أبدا ؟
قهقه عاليا وهو يمازحها بشغف دون أن يتخلى عن حملها وكأنها لا تزن شيئا:
-آه لو سمعتك أمك فى هذه اللحظة لأتت مسرعة حتى تلقنك درسا لن تنسيه ,فهى لا تفتأ تتصل بنا كل ساعة لتطمئن على أننى لم أفترسك بعد.
شدته من أذنه بمحبة خالصة وهى تؤنبه:
-لا تتحدث عن أمى هكذا ,أنت تعرف كم تحبنى ولا تطيق فراقى لهذا فهى خائفة علىّ لا أكثر ولا أقل.
-أخائفة عليكِ منى أنا ؟
طبعت على جانب عنقه قبلة ملطفة وهى تقول لتهدئ من غضبه المتصاعد:
-لا طبعا يا حبيبى , فأنت لا يمكنك أن تؤذينى أبدا ولكن ما بيدى حيلة ,,, ماذا تريدنى أن أفعل ؟ أأخبرها ألا تتصل بنا مثلا ؟
قال بتعقل وقد نجحت باخماد نيران ثورته:
-لم يكن هذا ما قصدته فعليا ,, ولكننى ظننت بأنها سوف تتلهى عنا قليلا بعد زواجها من مجدى ,فاتضح لى العكس , لقد صارت متفرغة تماما لملاحقتنا حتى ونحن نبعد عنها مئات الأميال.
قالت أميرة بضيق:
-يبدو أن تأثير العم مجدى السحرى قد زال سريعا ,لندعُ الله أن تجد ما يشغلها قريبا.
كانت تعنى العودة الى ممارسة عملها الذى تفضله بمجال التصميم والديكور الا أن الله قد استجاب لدعائها بأسرع مما تصورت وبشكل مختلف عن كافة توقعاتها.
وعادت لتتساءل باهتمام ممزوج بفضول:
-ترى كيف حال الجميع بمصر ؟ هل تحدثت اليهم اليوم ؟
هز رأسه ايجابا قبل أن يقول بقلق:
-نعم فقد اتصل كريم فى وقت باكر وكل الأمور تسير على ما يرام باستثناء ...
وصمت عن المتابعة فقطبت جبينها تنظر له باستفسار فعاد لمرحه قائلا:
-ألم أحذرك من أن تقطبى جبينك ؟ ألا تستمعين الىّ ؟
أطاعته بسرعة قصوى حتى لا ينالها عقابه الفورى كلما خالفت أوامره الصارمة فهى تريد التمتع بهذا العقاب اللذيذ فى خلوتهما وليس هذا بالمكان المناسب وقالت تستحثه بذكاء على استكمال عبارته المبتورة:
-باستثناء ماذا ؟
أجابها شاردا:
-لا أدرى بالضبط ولكن صوته ليس طبيعيا كأنما يحاول اخفاء أمر ما ... باختصار لست مطمئنا.
-حبيبى اذا كنت قلقا عليهم , فلنعد فورا الى مصر.
صاح مستنكرا بعنف:
-ونقطع شهر عسلنا !! كلا وألف كلا يا سيدتى الجميلة لن تفلتى منى بهذه البساطة ,, انسى !!
وصعد الدرج الخشبى المؤدى الى بيت الشاطئ الصغير الذى يقضيان به اجازتهما وهو يتوعدها بعبث عاشق.



http://cbjanskanoc.wz.cz/Slnovratrov...iles/pohyb.gif

SHELL 11-01-20 11:08 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
https://akhawat.islamway.net/forum/a...197e0fe86915b3

والآن وبعد إعادة فتح الرواية

نبدأ بـ

الفصل الأول

http://4.bp.blogspot.com/-5mtaDqBYSe...ador-rosas.gif

-فلتتفضلى بالدخول يا مدام , الى بيتك الجديد.
رنة السخرية فى صوته ألجمت لسانها عن أى رد فلم تجد فى ذهنها الخاوى كلمة مناسبة لتقولها فى هذه المناسبة فالتزمت الصمت بينما هو يغلق باب السيارة خلفه بعنف مكبوت ,يكاد يتميز غيظا من هذه الوافدة التى خططت بمهارة تنم عن عقلية حقيرة وكادت له حتى أوقعته بشر أعماله.
أما هى فاكتفت بأنها قد نالت ما سعت اليه بتدبير مكيدة الزواج له حتى استسلم لرغبتها درءا لأية فضيحة علنية قد تمس سمعة عائلته وتؤثر على أعمالهم المتسعة , فرأس مال التجاريين هو السمعة الطيبة.
كانت متأكدة بأنه لن يسمح لأن تطاله أية اشاعة ولا أن يقف مكتوف الأيدى وهى تكيل الاتهامات لهم فلجأ الى الحل المنطقى الوحيد : أن يتزوجها رسميا , ولكن بلا حفل بلا ثوب زفاف بلا مدعوين بلا رجل يتأبط ذراع عروسه فى سعادة منتشية ,فقط اثنان يعقدان قرانهما بصمت وكأنهما يحاولان ستر فضيحة بلا ضجة بلا تهنئة.
وقفت مسمرة تتطلع برهبة نحو شبح البيت الرابض فى الظلام ,كان بنيانا شاهقا ضخما وودت بهذه اللحظة أن تطلق لساقيها العنان وتفر من هذا الموقف بأسره ,تهرب من نظرات الرجل الهازئة وسم عباراته اللاذعة لها تكويها بلا رحمة حين قال بعدم صبر:
-ما لك تقفين هكذا ؟ فلتتقدمى يا عروس ... أم أنكِ قد غيّرتِ رأيك الآن ؟
رفعت رأسها عاليا بكبرياء لتقول فى تحدٍ صارخ:
-ولماذا أغيّر رأيى ؟ أليس هذا حقى باعتبارى عروسا لحفيد الشرقاوى العظيم ,, أن أعيش هنا ؟
تراشقا بالنظرات النارية المتصارعة لثوانٍ قبل أن يقرر سيف التخلّى عن أى ذرة لباقة فى معاملتها كامرأة ليسبقها بخطوات منتظرا منها أن تتبعه منصاعة وتوجه نحو الباب يرن الجرس لتفتح سماح وهى تقول ببشاشة مرحبة:
-أهلا سيد سيف.
دخل أولا وقبل أن تغلق الخادمة الباب منعها باشارة من يده للخارج وهو يقول بلا مبالاة:
-لا تغلقى فثمة امرأة قادمة معى.
اتسعت عينا سماح بدهشة مكتومة قبل أن تغمغم باضطراب:
-أهى ضيفة ؟
منحها ابتسامة خفيفة وهو ينتظر دخول مها:
-كلا , فهى ستبقى هنا.
ترددت مها قليلا قبل أن تطأ أرضية الفيلا اللامعة بحذائها ذى الكعب العالى الذى أخذ يدق مع خطواتها المتباعدة وهى تحاول أن ترسم بسمة على وجهها دون جدوى , كانت مستاءة من طريقة تعاطيه مع أمر تعريفها للخادمة كما يبدو فهو لم يقدمها على أنها زوجته فقط اكتفى بأنها ثمة امرأة باقية هنا ,سترى ماذا سيقول لعائلته عنها ؟ فلا بد أنهم سيتساءلون بفضول ملحٍ عن هويتها وحينها لن يجرؤ على التقليل من شأنها كما فعل الآن.
-مرحبا ... كيف حالك يا أنّا ؟
وانخفض بركبتيه حتى لامست الأرض منحنيا على يد امرأة عجوز على وجهها سيماء عزة النفس والشموخ الراقى ليلثمها بتواضع قبل أن تضع المرأة يدها الأخرى تمسح بها على خصلات شعره الأشقر بحنان وهى تعاتبه برقة:
-أين اختفيتِ كل هذه المدة يا ولد ؟ ألأن والديك مسافرين فلا تعتقد أن هناك من سيحاسبك على غيابك ؟
انطلقت من بين شفتيه ضحكة رنانة وهو ما زال جاثيا عند قدميها وهو يقول متصنعا الخوف:
-وهل أجرؤ على اغضاب حسناء العائلة الأولى ؟ حبيبة قلبى ,, أنا طوع بنانك.
كادت أن تجيبه الا أن عيناها استقرت على الفتاة الهيفاء بارعة الجمال والتى تقف على مسافة ليست بالبعيدة عنهما تتطلع نحوهما بفضول مهذب قابعة فى سكون مذل تنتظر منه أن يقدمهما لبعضهما فقالت الجدة شريفة بحزم:
-ما هذا يا سيف ؟ هل تصطحب معك ضيوفا ؟ ولماذا تترك الشابة واقفة هكذا دون تقديم واجب الضيافة ؟ ماذا ستقول عنّا الآن ؟
غمغم سيف بتوتر مشيحا بوجهه عنها متضايقا من وجودها بهذه اللحظة العائلية الخاصة:
-لا تقلقى على مشاعرها لهذا الحد فهى معتادة على التطفل.
نظرت له جدته مغضبة ثم وجهت حديثها الى مها قائلة بلباقة جمة:
-تفضلى يا عزيزتى ,,ولا تهتمى لما يقوله حفيدى فهو معتاد على اظهار قلة ذوق متعمدة , من أنتِ يا حلوة ؟ هل هى صديقة ؟
-لا.
كلمة واحدة نافية بحدة منه جعلتها تجفل فها هو بوضع لا يحسد عليه ومضطر الى الاعتراف بصلته بها , ألهذا الحد يخجل منها ؟
ضاقت عينا جدته باستفسار ملح وهى تقول ببطء:
-أنا فى انتظار جوابك يا سيف , من هذه الفتاة ؟
زفر سيف وهو يضع يديه فى جيبى بنطاله الجينز بهذه الحركة التى ضاعفت من جاذبيته المدمرة قائلا بهمس وكأنه يعترف بذنبه:
-أنها ... مها .. زوجتى.
-زوجتك ؟؟؟ لا بد وأنك تمزح ,,, سيف ,,, تكلم.
نقلت الجدة بصرها بين الاثنين ,ثم أخذت تلح على حفيدها باصرار متساءلة بحنق:
-سيف ... هيا أخبرنى ما الذى يدعوك لهذا الكلام ؟ هل تختبر صبرى ؟ أننى أحذرك من مغبة التلاعب بأعصابى فأنا لم أعد أحتمل المزيد.
بدأت تشعر بالاختناق وقد ظهرت على وجهها دلائل المعاناة الشديدة التى تصارعها فهرع سيف نحوها وهو يناولها كوبا من الماء الى جوارها لتتجرع منه ثلاثا قبل أن يعيده الى مكانه وهو يقول لها بأسف بالغ ممسكا بذراعيها يتوسل الغفران:
-أنها الحقيقة يا أنّا , مها زوجتى ,, لقد عقدنا لتونا القران.
نظرت له الجدة باستغراب وقالت:
-لا أفهم ما الداعى لعدم اخبارنا بأنك تنوى الزواج , ثم لماذا فى مثل هذا التوقيت بالذات ؟ ألا تنتظر عودة والديك على الأقل ؟ أنك حتى لم تستشر أحدا منّا !
نظر لها متفهما ضيقها وعدم استيعابها لموقفه الذى يبدو منافيا للعقل وقال محاولا تخفيف الصدمة عليها:
-يمكنك القول أننى كنت مضطرا لهذا بسبب ظروف خاصة سوف أشرحها لكِ لاحقا ,, أما الآن فعلينا أن نتقبّل أمر هذا الزواج و ..
وبتر عبارته الا أن مها فهمت ما يعنيه عليهم أن يتقبّلوا الزواج ويتقبّلوها كأمر واقعى مفروض ,,,
نظرت لها الجدة باستياء وهى تقول:
-هو ولديه من الطيش ما يكفيه ليفعل أسوأ من هذا , ولكن أنتِ لماذا توافقينه على القيام بأمر متسرع كهذا ؟ وأين عائلتك , هل وافق والداها على هذا التهوّر ؟
ترقرقت الدموع فى عينى مها الخضراوين دونما ارادة منها حينما أتت على ذكر والديها ولكنها مسحتها بارادة حديدية رافضة السماح لضعفها بالظهور على السطح لتقول بصوت مرتعش:
-لقد توفىّ والدىّ منذ ومن بعيد ,, وأما عن عائلتى فليس لى أحد فى هذه الحياة يهتم بشؤونى.
شعرت شريفة بالعطف البالغ على هذه الفتاة اليتيمة بالرغم من ضيقها السابق لهذا الموقف المحرج برمته الا أن عبوسها تلاشى فجأة , فمدت يدها اليها تجذبها الى حضنها لتضمها بحنان افتقدته سنوات وهى تمسح على شعرها المصفف بعناية فوق رأسها ,سمعت صوتها المنساب بنعومة فى أذنيها:
-لا تشغلى بالك يا صغيرتى , فمنذ الآن وصاعدا نحن عائلتك يا حلوتى.
تمتمت مها بتلقائية:
-شكرا لكِ يا جدتى.
اعترضت الجدة بقوة قائلة:
-يمكنك أن تنادينى بأنّا كما يفعل أحفادى جميعهم , فأنتِ أصبحتى فردا من العائلة بزواجك من سيف ... هل أفهم من قراركما السريع بالزواج أنه لم يكن ممكنا لكما الانتظار لأنكما واقعان فى الحب ؟
التحوّل السريع فى منحى الأحداث أدار رأس مها بعنف لتجد نفسها أمام امرأة قوية حازمة صادقة لا تقبل سوى بقول الحقيقة ردا على أسئلتها فردت بصراحة:
-سأترك لسيف الاجابة عن سؤالك يا أنّا.
ابتسمت الجدة بسعادة وقد ظنّت أن كنتها الجديدة خجلة من اظهار مشاعرها نحو زوجها فركزت بعينيها على وجه حفيدها الجامد كالصخر حتى لان قليلا وهو يحاول تجنب الاعتراف الصادق فقال مغيرا دفة الحديث:
-حبيبتى بالتأكيد أنتِ متعبة وتحتاجين الى الراحة ... بالاذن منك يا أنّا سأصعد الى الطابق الأعلى لأريها غرفتى ,, أقصد غرفتنا المشتركة ,,
قالت مها برقة:
-اسمحى لنا يا أنّا ...
أشارت لها الجدة بيدها وهى تقول :
-خذى راحتك يا بنيتى فالبيت بيتك.
والتفتت الى سيف لتقول بمغزى:
-اذهب مع زوجتك الآن , ولنا حديث فى وقت لاحق بعد أن تنال قسطا من الراحة.
-أمرك.


*****************

SHELL 11-01-20 11:12 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
-هذه هى غرفتى المتواضعة .. ومنذ الآن ستشاركيننى فيها يا سيدة مها .. هل تعجبك ؟
كانت يسخر منها بكسل وهو عاقدا ذراعيه أمام صدره يراقبها بجرأته المعهودة ونظراته المتفحصة بوقاحة فأجالت ببصرها فى أنحاء الغرفة تتأمل أدق تفاصيلها قبل أن تجيبه بصدق:
-أنها .. بسيطة وتبدو مريحة.
-أكنتِ تنتظرين منى اعداد قصرا من أجل خاطر عينيك الجميلتين ؟
لقد أساء فهم عبارتها العادية عن عمد ليوجه لها اهانة بصورة فظة ,وتساءلت لماذا يتفحصها بهذا الشكل الملّح الذى يثير توترها فهزت رأسها نفيا وهى تعترف بصراحة:
-كلا , كنت أعرف أننا سننتقل الى منزل العائلة الذى تتشاركون جميعا فى سكناه .. وهذا لا يهمنى.
اقترب منها بخطوات واثقة ليقف على بعد سنتمترات قليلة منها وهو يقول بصوت كالفحيح:
-نعم لا يهمك أين تسكنين , المهم أنكِ حصلتِ على مبتغاكِ بالانتماء الى عائلة الشرقاوى , أليس كذلك ؟ ولكننى أحذرك يا أيتها المتحذلقة من أن تتفوّهى بأية حماقات أمام جدتى أو أيا من الآخرين تخص موضوع زواجنا ,, نحن متحابان وقد تزوجنا بهذه الطريقة لأننا لم نطق صبرا حتى عودة والدىّ , هه أفهمتِ ؟
أومأت برأسها خوفا من معاندته حتى لا يسئ التصرف معها فهى بهذا اللحظة أيقنت من لمعان عينيه أن غضبه المستعر بداخله يكاد أن يفلت من عقاله ليطالها بأذى وهى من سعت بقدميها نحوه.
ابتسم لها بتهكم قبل أن يقول بخفوت:
-جيد أننا اتفقنا , أعتقد أننا بحاجة الى حمام دافئ لنزيل آثار تعب اليوم ,,,
ونظر حوله فى أنحاء غرفته لتستقر عيناه أخيرا على الخزانة الواسعة قبل أن يتجه اليها فى خطوات واسعة ليخرج منها قميصا قطنيا وبنطالا منزليا ,وقبل أن يتجه الى الحمام تأمل زوجته الفاتنة ليجدها مسمرة بمكانها فصاح بها ليخرجها من شرودها:
-ما بكِ ؟ أتعانين من صممٍ ما ؟ هيا ألا تريدين تغيير ملابسك ؟
قالت له بغضب واضح وهى تشير للفراغ من حولها:
-طبعا , أحتاج هذا بشدة ولكنك اذا أمعنت النظر حولك ستجد أننى لم أحضر معى قطعة ملابس واحدة من منزلى بناءا على رغبة سعادتك ,فماذا أفعل الآن ؟
عقد حاجبيه بتفكير عميق قبل أن تلمح نظرة خبيثة متراقصة فى عينيه وهو يقول ببراءة شديدة:
-حسنا , لا داعٍ لأن ترتدى أى شئ ,, فأنا أفضلّك هكذا ,,وعلى كل حال فأنا زوجك لن أمانع فى بقائك عا ...
قاطعته بعنف وهى تهجم عليه تحاول الوصول الى وجهه لتنهشه بأظفارها المطلية بلون أحمر قانٍ أضاف جمالا صارخا لأصابع يديها الرشيقة قائلة بوحشية:
-أنت أيها الوقح ... النذل .. كيف تجرؤ ؟
تراجع خطوة واحدة للوراء قبل أن يقبض على ذراعيها سويا بقبضة يده القوية تاركا ملابسه النظيفة تقع على الأرض تحت أقدامهما ,ثم لف ذراعه الحرة حول خصرها يدنيها منه الى درجة خطيرة وأنفاسه الحارة تلهب وجهها الذى اشتعل احمرارا ,شدد أكثر من احتضانها وهو يقول بهمجية:
-اذن أنتِ تفضلين انهاء الأمر بهذا الشكل , كما أخبرتك لا مانع لدىّ أبدا اذا كانت هذه هى رغبات السيدة.
صاحت وهى تقاومه بكل قوتها الواهنة لتفلت من براثنه المحكمة حول جسدها الخائن:
-كلا , اتركنى ,,, سيف ,دعنى وشأنى.
قهقه بصوت مرتفع دون الشعور بمتعة حقيقية وهو يحملها بقسوته التى تمكنّت منه نحو فراشه الذى بالكاد يتسع لاثنين ثم رماها فوقه لتشعر بانضغاط جسدها على الحشية القطنية بأسفلها وهو يتابع محاولتها الفاشلة للافلات منه فقام بتقييد ذراعيها فوق رأسها وهو يحل أزرار قميصه بغل مكبوت وينزعه أمام عينيها المفزوعتين ثم سحق شفتيها بقبلة أودعها كامل غضبه واحباطه ,أما هى فوجدت أنه لا جدوى من مقاومته وهو على هذه الحالة من الانفعال الأعمى ولن تجلب لها الا الأذى ,,ثم تحوّل الأمر بينهما لشئ آخر جديد .. شعر بارتخائها بهدوء فى انتظار انتهائه من معاقبتها , وكانت قبلاته القادمة أكثر نعومة فأيقظت بنفسها أحاسيسا متناقضة ما بين الخوف المترقب والتوق الشديد ,أغمضت عينيها حتى لا ترى نظراته الشامتة بينما انسابت عبرات الذل من عينيها مغرقة وجهها الملائكى القسمات فشعر سيف بمذاق مالح يبلل شفتيه فتركها فى الحال وابتعد عنها بحركة عنيفة يلوم نفسه على تسرعه بوصوله لهذه الحالة من الهمجية وهو يشاهدها تنتفض كعصفور ذبيح بينما تحاول تغطية جسدها الشبه عاري بذراعيها فى مشهد أدمى قلبه من أجلها فرماها بغطاء خفيف وهو يأمرها بحزم فيما أشاح ببصره عنها باحتقار شديد للذات:
-غطِ نفسك ,اسمعى يمكنك أن ترتدى شيئا من خزانتى فلا بد ستجدين بها شيئا مناسبا ريثما نذهب لنتباع لك بعض الملابس.
مجرد انسحاب بارد بلا اعتذار أو مواساة , وماذا كانت تأمل منه ؟
التقط قميصه وملابسه الملقاة باهمال على الأرض واتجه نحو باب الغرفة عازما على الخروج فقالت مها بصوت مهتز بعد أن استطاعت أن تفتح عينيها بصعوبة وهى تراه ينتوى المغادرة:
-الى أين أنت ذاهب ؟
أطلق ضحكة هازئة متقطعة وهو يشخر ساخرا:
-وكأنك تهتمين حقا , على أى حال أنا ذاهب الى جناح والدىَ فهما ليسا موجودين الآن ويمكنك أن تستخدمى حمام الغرفة بحريتك , وأعدك ألا أزعجك مجددا يا زوجتى.
وانسحب من الغرفة بهدوء يتناقض مع الغليان الذى يفور بداخله ,وكل خلية من خلايا جسده ما زالت تشتعل بنيران رغبته الهائجة وشعوره بالخزى من انفلات قدرته على السيطرة على أعصابه ,وحدث نفسه بمرارة : كل هذا من جراء بضعة دقائق معها , فماذا ينتظرك بعد هذا يا سيف ؟
بينما هى أسرعت تغادر الفراش وكأنها تخشى أن يضمهما من جديد وقد لفت الغطاء حول جسدها باحكام تتساءل بأسى : ما الذى فعلته بنفسك يا مها ؟ ألقيتِ بها الى الجحيم بيديكِ , هل كانت تتخيّل أنه قد استسلم بهذه البساطة ,تصرفاته المثالية معها أثناء عقد القران ومعاملتها برقة وحنان أمام المأذون والشاهدين ,, كلها كانت تمثيلا زائفا استطاع أن يلهيها به عن نيته الحقيقية فى تعذيبها وايلامها جراء اقدامها على فعلتها الشنعاء بتهديده واجباره على الزواج منها ,, وكل هذا بأول نصف ساعة بها فى المنزل فما ينتظرك يا مها بعد ؟
اندفعت بخطى مترددة نحو الحمام الداخلى البالغ الأناقة برخامه الرمادى اللون , تنشد الدفء وازالة آثار لمساته المحرقة على بشرتها البيضاء الرقيقة , والأنكى أنها قد تمتعت بكل ما حدث على الرغم من رعبها الكامن ,, تتوق لمعذبها وجلادها.



***********

SHELL 11-01-20 11:14 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
أخذت تقلّب فى صفحات الألبوم الضخم الذى يضم الصور الخاصة بحفل زفاف أخيها رفيق ,تشعر ببهجة متولدة بطاقة رهيبة بداخلها .. من كان يصدق أن يتزوج شقيقها فى يوم من الأيام , وهو الذى كان يطلق عليه لقب ( العازب العنيد ) رغم عدم تجاوز عمره الثانية والثلاثين فهى بالنسبة لريم لا تعد سنا متقدمة جدا للرجل حتى يدخل الى القفص الزوجى ,وها هو قد خطا بداخله بمحض ارادته بفعل قوى الحب السحرية ,لنتوخى الدقة هو متزوج منذ ما يقارب أربعة أعوام ,, للآن لا تستطيع أن تتصور كيف أخفى عنهم هو ووالدهما الأمر ,كيف أقنع أباها الرجل المستقيم الصادق بأن يشاركه كتمان السر حتى عن أمهما ... أحيانا تشعر بالحيرة من تصرف بعض الرجال .. ربما لم يظن أن هذا يعد خداعا للمرأة التى شاركته عمرا بأكمله فى السراء والضراء ,,ولكنها هى لا تتقبّل الأمر بصدر رحب ,مرت العاصفة الهوجاء بسلام على أسرتها حتى أن والديها قررا السفر الى بلد بعيد بقارة تقع فى النصف الآخر من العالم لينعما باجازة طويلة الأمد بعد تقاعد الوالد رسميا من منصبه كمدير لمجلس ادارة الشركة ,أنها تغبطهما على نعمة الحب والتفاهم بمجرد نظرة عين , ليتها تصل الى نصف ما هما عليه من ترابط ومودة مع شريك حياتها القادم .. سيف .. كلا لا يمكن أن تسمح لهذا بالحدوث ,, سيف هو ابن عمها وصديق طفولتها ومشاعرها نحوه لا تتجاوز حدود الأخوة وتعده كأخ ثالث لها بعد رفيق وكريم ,, دوما كانت تتشدق قائلة : أن الله منّ عليها بثلاثة اخوة وليس واحدا .. وها قد صارت لها أخت أيضا فهى وأميرة تمتلكان الكثير من القواسم المشتركة بينهما ,لا تجرؤ على تخيّل نفسها زوجة لسيف بأكثر أحلامها جرأة وتطرفا ,ما زالت تتذكر كيف شعرت بخجل رهيب حينما ضمها بين ذراعيه ليراقصها يوم الحفل مع أنه لم يأتِ بأى اصرف خارج عن اطار المألوف فى الرقصة الهادئة التى تشاركا بها ,واعترفت لنفسها على كره منها بأن ما جعل وجنتيها تتوردان بذلك اليوم هو احساسها بعينين زوقاوين تخترقان جلدها لتذيبا عظامها الرقيقة وتشعرها بوهن بالغ ,كان يراقبها باصرار وازدراء ,, لم يغفر لها خطيئة خطبتها لابن عمها ,وهو ... أكان عاديا بالنسبة اليه حينما أشار لابنة خالته ذات الحضور الطاغى على أنها خطيبته , ليلى تلك الشقراء المثيرة التى لفتت انتباه الجميع بمن فيهم سيف مرافقها الذى بدا عليه التوتر لمجرد رؤيتها متأبطة لذراع جاسر , حدسها الذى لا يخطئ ينبئ بحلول كارثة محققة , ما كل هذا التعقيد ؟ ألا يكفيها أنه قد خدعها وتلاعب بمشاعرها المرهفة واستغل اعجابها نحوه ليتودد اليها لغرض فى نفس يعقوب ,أراد التقرب منها لمعرفة تفاصيل أدق عن عائلتها ,, بينما لا يتذكر عقلها أنه قد سألها مرة واحدة عن شئ يخص أسرتها وهما فى خضم مقابلاتهما العديدة ,بدا شغوفا بها هى بما تهواه بما تفكر فيه بما ترغب فى تحقيقه مستقبلا ,تبا له هذا الكاذب الغشاش ! صدّقت أنه ربما يود مشاركتها بهذا المستقبل ,اعتقدت أنه تمناها رفيقة لدربه ,, وتسربت الأوهام سريعا من بين يديها كما تنسل حبات الماء.
سمعت طرقا خفيفا على باب غرفتها فتراجعت للخلف قليلا قبل أن تتساءل عن هوية الطارق بهذا الوقت من المساء حيث لا بد أن جدتها قد أخلدت للراحة وكريم كعادته أصبح نادرا بقاؤه بالمنزل أما زوجة عمها هناء فقد بدأت تنشغل بمشروعها الجديد لتأسيس مؤسسة خيرية لمساعدة الفتيات اليتيمات على تعلم حرفة يدوية ليعتمدن على أنفسهن بدلا من الوقوع فريسة للزواج المبكر أو لاستغلال البعض من ذوى النفوس الضعيفة فى أعمال غير مشروعة ,وعمتها فريال بعد زواجها وسفر ابنتها لم تعد تتردد كثيرا على المنزل ولكنها تهاتفهم يوميا وتستفيض بالحديث مع جدتها أما بقية العائلة فمسافرون للخارج , لم يتبق سوى ...
-سيف.
نطقتها بدهشة وهى تفتح الباب بعد أن عقدت حزام معطفها المنزلى حول خصرها جيدا ,شاهدته واقفا أمام عينيها بملابس بيتية مريحة وما زالت آثار المياه عالقة بخصلات شعره الناعم ,كانت أمارت الشعور بالذنب متجليّة بقسمات وجهه الحادة ,خاطبها بينما أطرق برأسه الى الأرض قائلا بصوت مبحوح:
-ريم ,هل يمكننا أن نجلس قليلا لنتحدث ؟
نظرت للممر الخالى حولهما فشعرت بتوجس غريب وقالت مقترحة:
-حسنا لننزل الى الطابق السفلى فيمكننا أن نتحدث بحريتنا وكما تعلم فالطابق هنا خالٍ الا منا و...
لم يشأ أن يخبرها بأن الجانب الآخر من الطابق مشغول بالفعل فأومأ برأسه متفهما قبل أن يتقدمها وهو يتمتم:
-سأنتظرك بالأسفل , لا تتأخرى علىّ.
-حسنا.
غمغمت ببطء وهى تغلق باب غرفتها ورائها بعد أن وضعت الألبوم على المنضدة ,ولحقت بابن عمها كما طلب منها.
كان قد سبقها الى غرفة الجلوس وجدته واقفا يستند بمرفقه على الجدار مقابلا لها فاتخذت مقعدا قريبا منه وهى ترسم ابتسامة جدية على وجهها لتقول باندفاع:
-سيف ,, هل تعلم أنا أيضا كنت أود التحدث اليك ,, أعنى بخصوص موضوع ارتباطنا ,ولكن طبعا أنا على استعداد لأن أستمع اليك أولا ,, الحق يقال أنك أثرت فضولى لدرجة كبيرة.
ابتعد عن الجدار وهو يمرر أصابعه فى خصلات شعره كلما شعر بالتوتر ,ثم حاول أن يقلّدها برسم بسمة على ثغره وقال بعد أن أجلى حنجرته متنحنحا:
-احم ,ريم منذ فترة قصيرة كنت قد تقدمت طالبا ليدك وطالبتك أن تكتمى الخبر عن الأهل حتى لا يتأثروا بالرفض اذا أتى من جانبك ولنحافظ على روابطنا الأسرية.
شعرت ريم بالقلق يستبد بها فلماذا هذه المقدمات الطويلة .. فسيف اذا أراد قول شيئا ما فهو يتحدث بصورة مباشرة دون اللجوء الى أسلوب اللف والدوران الذى ينتهجه بمثالية فى هذه المرة.
استطرد سيف حديثه وهو يذرع الغرفة ذهابا وايابا قائلا:
-لا أدرى حقا ماذا اقول ؟ لا أعرف كيف أصيغها لكِ دون أن أجرح مشاعرك ,, ربما أنا تسرّعت كثيرا بعرضى للزواج ,ليس هذا معناه أنك لستِ ملائمة ,, العيب فىّ أنا.

SHELL 11-01-20 11:16 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
كانت ريم مصغية باهتمام دون أن يبدو على وجهها أية اشارة للضيق الذى كان ينتظره ,ولكنها استرخت أكثر بمقعدها وهى تعيد خصلة نافرة من شعرها الطويل الى ما وراء أذنها قائلة بشكل تقريرى وكأن الأمر لا يعنيها:
-بصراحة لم تخب آمالى.
نظر لها متعجبا قبل أن يقول:
-ماذا ؟ هل كنتِ تعرفين مسبقا بالأمر ؟
أشارت برأسها نفيا لتقول برضا نفس:
-لا ,ظننت أنه من الواضح أننا لسنا متلائمين أبدا فدوما كنا كالقط والفأر , ألا تذكر ايام طفولتنا شجاراتنا العديدة والتى لم تكن تنتهى حتى الى وقت قريب جدا لم يختلف الأمر بيننا .
زفر ارتياحا لأنها قد أزاحت عن كاهله ثقل هذا الاعتراف المرير وأتم جزءه الأول وبقى الشق الثانى الا وهو اخبارها بزواجه من مها فقال ممازحا لها بود:
-نحن متنافران كالأقطاب المتشابهة ,, ألم يخطر هذا ببالك يوما ؟
حكّت رأسها مفكرة وهى تقلّب جملته من جميع الزوايا فوجدتها منطقية الى حد بعيد فنحن ننجذب لمن يمتلك مقومات عكسية لشخصيتنا ,وأكبر دليل على هذا هو شعورها بالانجذاب نحو جاسر الذى لا تتفق معه فى كثير من الآراء ولكنه كان يحترم هذا الاختلاف بينهما ,قبل أن تكتشف حقيقته المؤسفة.
كاد سيف أن ينتهز فرصة انشغالها بالتفكير ليكمل اعترافه فقال مدمدما:
-هناك شئ آخر أود أن تعرفيه قبل أن ...
جاءت سماح مهرولة الى غرفة الجلوس وهى تشير بيدها بحركات خرقاء الى الخارج قبل أن تقول بصوت خفيض:
-أرجو المعذرة لدخولى بهذا الشكل المفاجئ ولكن هناك ضيوف بانتظاركما ...
قاطعها سيف محتدا وهو يشير الى ساعة يده باعتراض:
-ضيوف ؟ فى مثل هذا التوقيت ؟ من هم ؟
وضاعت جملتها المتوترة التى جاهدت لتخرجها من حلقها:
-أنهما السيدان عبد الله و..
-مساء الخير , كيف حالكما ؟
صوت الجد الرخيم الذى انطلق من خلف الفتاة التى كانت ترتعش بخوف من غضب مخدوميها لأنها سمحت للضيفين بالقدوم الى غرفة الجلوس دونما تمهيد لهما ففوجئت بأن ريم غير مستعدة بارتدائها لملابس منزلية خفيفة ,اضافة الى وجود مرافق الجد الذى بدا هو الآخر مصدوما بشدة مما وقعت عليه عيناه الزرقاوان من مدى الحميمية والألفة فها هى بطلة أحلامه الليلية والتى تؤرق أيامه ببراءتها المذهلة تجلس بأريحية فى جلسة خاصة مع ابن عمها ذاك الذى يود أن يلكم أنفه واقفا ويديه على خاصرته متحديّا لنظراته المترقبة ,, وكلاهما يرتديان ملابسا بيتية مريحة ,هل قاطعا حديثا وديا بينهما ؟ هل كانا يتعاطيان بشأن مسألة خاصة بزواجهما المرتقب ؟ هل كانا يتناقشان بخصوص شهر عسلهما ؟ كانت الظنون تتلاعب به كيفما تشاء وبدت هى متوترة من شئ ما ,بينما أجاب سيف بتهذيب بالغ وهو يمد يده للمصافحة:
-الحمد لله ,أهلا بك يا جدى .. تفضلا بالجلوس ,سماح ... أعدى لنا شيئا نحتسيه , ماذا تفضلان ؟
أجاب جاسر بأريحية وهو يمنح سماح ابتسامة خاصة جعلتها تذوى بمكانها بخجل فطرى:
-قهوة.
أسرعت تقول بمبالغة:
-أعرف كيف تفضل قهوتك.
اتسعت ابتسامته مع حفاوة استقبالها له فاستطرد بثقة:
-وجدى أيضا لديه نفس الذوق ,كيف حالكما أنتِ وسعد؟
-بخير والحمد لله , لا نعرف كيف نرد لك جميلك حقا ,, فنحن على أعتاب استلام الشقة بفضل توصيتك.
أجابها بتواضع حقيقى:
-لم أفعل شيئا ,فأنتما تستحقان كل خير ,ولكن ان كان لا بد من توجيه الشكر الى أحد هنا فأنتِ تعرفين من تستحقه عن جدارة.
وأرسل نظرة متأملة لريم التى حاولت جاهدة أن تضم أطراف معطفها أكثر الى صدرها لتخفى ياقة كنزتها القطنية المنخفضة قليلا كاشفة عن جزء من عظمة توقوتها وتمنت لو أتيحت لها الفرصة حتى تصعد الى غرفتها وتستبدل ملابسها بما هو لائق لاستقبالهما.

SHELL 11-01-20 11:17 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
كان يحادث سماح بصوت منخفض لم يصل معظمه الى ريم فأخذت تتكهّن بما يدور بينهما ,وازدادت دهشتها حينما رأت سماح ترميها بنظرة ماكرة وتعود لتومئ من جديد لجاسر ,تبا لكِ يا سماح ! انضممتِ الى معسكر الأعداء يا لكِ من خائنة وناكرة للجميل !
ألقى عبد الله بسؤاله بشكل بدا عرضيا:
-أين هى شريفة هانم ؟ لا أراها حاضرة ترى هل جئنا بوقت غير مناسب ؟
أسرعت ريم لتزيل عنه الحرج قائلة بصوت يفيض عذوبة:
-كلا ولكن أنّا تفضّل الخلود مبكرا الى النوم فهى معتادة على الاستيقاظ فى تمام السابعة صباحا قبل أى أحد آخر فى المنزل.
تمتم عبد الله وكأنما يحادث نفسه:
-لم تتغيّر فهى كانت دوما مثالا للنشاط والنظام.
راق لريم حديثه عن جدتها فأخذت تسأله بفضول:
-ترى هل تعرفان بعضكما جيدا , أعنى أنت وأنّا , هل تقابلتما بالماضى ؟
حدجها سيف بنظرة غاضبة مستشيطة فضمت شفتيها بشكل تلقائى وهى تقول فى شبه اعتذار:
-لم أقصد التطفل ولكن يحدونى الفضول لمعرفة تفاصيل ما جرى سابقا.
ربت الجد عبد الله على كتفها بحنو بالغ وهو يقول بتبسط:
-لا عليكِ يا صغيرتى ,ولأروى فضولك المتعطّش ,, نعم لطالما عرفنا بعضنا فى الماضى فقد كانت الأسرتان صديقتين ,وترعرعنا سويا ,لن تصدقيننى اذا أخبرتك أنه لا يفصل بيننا فى العمر سوى عامين فقط.
رفعت حاجبا مذهولة وهى تهتف بجموح مندفع:
-يبدو لى أنكما كنتما مقربين للغاية ,فحينما أرى الفارق بينها وبين جدى - رحمه الله - فى العمر أتساءل لماذا لم تتزوجها أنت ؟ فهذا يبدو منطقيا أكثر.
هتف بها سيف وقد فاض به الكيل :
-ريم !
منحها الجد ابتسامة متعاطفة وهو يقول بصدق:
-ليس كل ما يبدو منطقيا يحدث على أرض الواقع يا بنيتى فأحيانا تكون الحقيقة أكثر غرابة مما تتصورين.
اضافت هى بحالمية شديدة دون أن تأبه لاعتراض سيف الجلىّ على قسمات وجهه الممتعض من حديثها التافه من وجهة نظره:
-نعم لديك الحق فيما تقول .. مثلا حينما أنظر لزواج رفيق وأميرة أجده منافيا لكل عقل ومنطق.
لم تلحظ العبوس الذى حل على وجه جاسر حينما تطرقت نحو هذا الحديث الشائك ,أما هو فكان يحاول أن يحلل سبب قولها ذاك , ترى هل تعرف بالحقيقة كاملة ؟ عاد عقله ليعمل بمنتهى السرعة : لا يمكن لرفيق أن يعترف لأى فرد من أسرته لعلاقة زوجته السابقة به حتى ولو كان أقرب الناس اليه مثل شقيقته البريئة ,فعاد محاولا الاسترخاء بمقعده وهو يأمل فى ألا تتعقّد الأمور بينهما أكثر من هذا الحد.
-أنه الحب بلا شك , هذا ما يجعلنا نسلك سبلا لم يكن مخططا لها فى حياتنا.
نطق بها عبد الله عن قناعة تامة ,ثم التفت نحو حفيده الصامت باستغراب قائلا:
-ما لى أراك هادئا على غير عادتك يا جاسر ؟ لماذا لا تشاركنا بالحديث ؟
تتبعها بنظرات عينيه الثاقبة وهى تحاول عبثا اخفاء اهتمامها بما سيقوله فما لبث أن ابتسم بشكل ساحر الى أن قال بسخرية لاذعة:
-الحب ! نعم أوافقك الرأى يا جدى أنه يجعلنا نقوم بخطوات غير محسوبة العواقب ,بل الأدهى أنه يجعلنا نبدو كالحمقى.

SHELL 11-01-20 11:18 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
لم تخفِ امتعاضها من رأيه المسفه للمشاعر فانبرت مدافعة عن رأى الجد لتقول بحماس:
-لا أتفق معك أبدا , فليس معنى أن هناك بعض الأشخاص ممن يستغلّون الحب كستار لتحقيق أغراض دنيئة أن ندين الحب فى حياتنا ونحمّله أوزارنا.
انعقد حاجبا الجد بشدة مما يدور حوله من حدة فى النقاش تصاعدت حتى كادت تحرق الجميع فقال محاولا تلطيف الموقف المشتعل :
-على العموم , لقد جئنا اليوم من أجل دعوتكم لحفل خطبة حفيدتى ليلى.
ارتجفت ريم رغما عنها وبداخلها نبضات الألم أخذت تضرب متصاعدة فها هو حبيب القلب آتيا بنفسه من أجل دعوتها لحفل خطبته من فتاة أخرى سواها ,, يا ربى ! الطف بى ! رحماك من هذا العذاب !
جاهدت لتخرج صوتها طبيعيا بقدر الامكان فتمتمت بضعف:
-مبارك لكما.
قال الجد بحبور:
-العقبى لكما أيضا ولهذا الفتى المضرب عن الزواج.
نظرت له بعدم فهم وهى تتساءل عن قصده:
-من تعنى ؟
-هذا الولد أتعبنى فهو عازف عن الارتباط ,وحجته كلما واجهته أنا أو أمه أنه لم يجد بعد الفتاة التى تستحق منه أن يتخلّى عن حريته من أجلها.
تدخل سيف فى الحديث مستفسرا بوقاحة:
-ألم تخبرنا منذ قليل بأنه على وشك اتمام خطبته من ليلى ؟
تراجع الجد مصعوقا للوراء وهو يهتف بدهشة:
-من قال هذا الكلام الفارغ ؟ ان ليلى سوف تزف لشاب هادئ رزين وعلى خلق ,, خالد صديق جاسر , أما هذا الشاب فنحن ما زلنا نبحث له عن عروس.
-ولكنه ...
اشتعل خداها احمرارا بينما جاسر يطالعها بنظرات متحديّة ان تنطق كلمة معارضة واحدة فأخذت تسعل بشدة مبتلعة ما كانت تنوى لفظه فى وجهه احتراما لوجود جدهم ما جعل الاثنين سيف وجاسر ينهضان بذات اللحظة التى دخلت فيها سماح حاملة صينية فضية تتراص فوقها فناجين القهوة الخزفية بصورة منمقة ,فالتقط كلاهما كأسين من الماء ووقفا أمام الشابة التى كادت تختنق منذ لحظات ,, وجدتهما ريم متقاربين طولا الا أن جاسر كان أميل الى النحافة من ابن عمها ومع ذلك فهو يمتلك بنية جسدية قوية ,أظهر قميصه الداكن الذى يضيق بأكمامه عضلات ذراعيه المتصلبّة حينما قررت ريم أن تتناول كأس الماء من سيف وهى تمنحه ابتسامة مجاملة فتطلّع الأخير نحو غريمه ساخرا وكأنما يخرج له لسانه مغيظا ويقول : لقد فضلتنى أنا عليك أيها الأحمق.
فما كان من جاسر الا أن اعتدل فى وقفته أمام عينيها يشرف عليها بشموخ من عليائه وتجرع بضعة رشفات من كأس الماء بيده قبل أن يضعه على حافة المنضدة ليرتطم بسطحها بعنف وقال مغيّرا مجرى الحديث بعد أن عاد لمقعده الفارغ ثانية:
-كيف حال عمى محمد ؟ هل هو بخير ؟
أومأت برأسها ببطء وهى تقول بجمود:
-أنه يقضى وقتا ممتعا برفقة أمى , لم يسبق له من قبل التقاعد أن استطاع الحصول على اجازة طويلة بعيدا عن العمل.
-آسفة للمقاطعة ,,, سيف.
شعر سيف بأن روحه قد سحبت منه فما الذى كانت تفعله مها فى هذا الوقت بغرفة جلوس العائلة ؟ يبدو عليه أنع قد نسى أمرها تماما وها هى قد أتت لتذكره بواقع وجودها المرير وقد اختارت التوقيت الخاطئ جدا.
التفت نحوها يحدجها بنظرات غضب بارد بينما شهقت ريم فزعا وهى تطالع تلك الفاتنة أمامها وهى ترتدى ثوبا يكاد يصل الى ركبتيها كاشفا عن ساقين بيضاوين كالقشدة ,تساءلت : من تكون ؟ ولماذا تنادى سيفا ؟

SHELL 11-01-20 11:20 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
تطلّع نحوها جاسر بتفرس واضح على ما يبدو أنها قد أعجبته هكذا خيّل لريم فضاقت ذرعا بكل ما يجرى حولها فها هى قد تخلصت من شقراء لتنبثق لها واحدة أخرى من العدم , هل يفضل الحسناوات ذوات الشعر الباهت اللون واللاتى تمتلكن قواما كعارضات الأزياء ,أنها لا تنكر تمتعها برشاقة ملحوظة الا أنها تميل أكثر الى النحافة أنا هذه الماثلة أمامها كشبح يهدد أمنها واستقرارها فهى تمتلك اكتنازا فى الأماكن الصحيحة ,بدا لها أنها تتشابه مع ليلى فى كثير من الملامح حتى فى مشيتها المتدللة بكسل حتى وقفت بالقرب من سيف وهى تضع يدا متملكة على ذراعه بشكل حميمى وتسأله بينما ترفرف بأهدابها الطويلة:
-حينما تأخرت علىّ وطال انتظارى لك بالأعلى , شعرت بالقلق يجتاحنى عليك فقررت أن آتى لأبحث عنك.
نظرت لها ريم ببلاهة وقد راعها هذه التلميحات الصريحة عن عمق علاقتهما فهبت واقفة على قدميها تصيح فى وجه ابن عمها متسائلة بعنف:
-من هذه الفتاة يا سيف ؟ وكيف تأتى بها الى منزل العائلة هكذا دون اخبارنا ؟
ظل جاسر مراقبا لما يدور من بعيد شاعرا بالتسلية مما يحدث ,فلأول مرة يراها غاضبة منفلتة الأعصاب وثائرة بشكل جعلها فاتنة للغاية , أما سيف فقد نفض يد مها عنه بحركة بدت طبيعية الا أنها حملت الكثير من الحزم فى طياتها وهو غارق بأفكاره المتلاطمة : ما هذا الحظ السيئ ؟ لماذا أتيت الآن يا مها ؟ لماذا لم تنتظرى كأية زوجة مهذبة فى غرفتنا ؟ ريثما أنتهى من استقبال ضيوف المساء غير المتوقعين ,وأجد الوقت المناسب لاخبار ريم عن زواجنا ...
ارتفع حاجبا مها بتأنيب لتصرف زوجها الغير لائق معها فقالت بشكل مسرحى مبالغ فيه:
-ألم يخبركم بعد من أكون , ظننتكِ تعرفين هويتى جيدا ,, الا أننى سأقوم عنك يا عزيزى بواجب التعريف ...
واستطردت بشماتة واضحة:
-أنا زوجة سيف ,, من تكونين أنتِ ؟
-زوجته !!!
كادت عينا ريم تخرجان من محجريهما وهى تصرخ ,ثم عادت لتردد بيأس:
-لا يمكن , أنتِ كاذبة , قل شيئا يا سيف ,, أخبرها أنها تكذب وأن كذبتها رديئة للغاية.
بقى سيف واجما ليؤكد للجميع بذلك أن الفتاة ليست كاذبة على الاطلاق ,واشتعلت عينا جاسر بغضب أزرق يكاد يحرق هذا اللعين الذى آذى حبيبته الى أقصى درجة , كيف جرؤ على أن يفعل بها شيئا مريعا كهذا ,ثم أخذ ينظر شذرا للشقراء المتكبّرة وهى تلتصق بزوجها بشكل أصابه بالغثيان وهو يتساءل : كيف فضّل تمثال الرخام البارد هذا على كتلة الحيوية المشتعلة التى تفيض رقة وعذوبة ؟
بالرغم من سعادته الداخلية التى لم يستطع ايقاف تدفق سيلها بعروقه لازاحته هذا المنافس من طريقه الى قلب ريم فقد تألم قلبه من أجل رؤيتها ضائعة مطعونة بغدر وخيانة خطيبها المزعوم .
ود لو يستطيع أن يضمّها الى صدره يسكن وجيب قلبها النازف , ان يخفف عنها ويمسح عن وجهها الملائكى أمارات الحزن والبؤس المحفورة عميقا ... كاد أن ينهض ليواجه هذا الرجل الحقير ويلقنه درسا لا ينساه , فهى المسؤول عن حزنها الذى يتراقص بعينيها اللوزيتين .
-لا أكاد أصدق ما أراه أمام عينى , أنت يا سيف كيف فعلتها من وراء ظهورنا ؟
حاول أن يمسك بمرفقها مسترضيا ليقول:
-اسمعينى يا ريم , لقد أردت اخبارك قبل أن يصلوا ,, لقد كنا نتحدث ,,
انتزعت ذراعها من بين اصابعه وهى تواصل صياحها الغاضب:
-لا تحاول ايجاد مبرر لما قمت به , فما فعلته لا يغتفر أبدا , لقد خنت ثقتى بك , للأسف.
وغادرت الغرفة كالعاصفة الهوجاء دون أن تعتذر للحضور ,وكان سيف محاولا اللحاق بها فأوقفته حركة من أصابع قوية كالفولاذ قبضت على ذراعه باحكام ,وجد جاسر أمامه يحذره بتوعد هادر:
-ابتعد عنها منذ الآن فصاعدا , وأحذرك من محاولة الاقتراب منها أو مضايقتها مرة أخرى ,واهتم بشؤونك الخاصة فقط.
واشار باهمال الى زوجته المستكينة بخضوع الى جذعه ,ثم خرج من الغرفة يحاول تتبع تلك التى اختفى أثرها كذوبان فص من الملح.

SHELL 11-01-20 11:21 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
وقف حائرا الى أين ذهبت ريم حتى وجد سماح تشير له من وراء شجرة زينة ضخمة الحجم وحينما اقترب منها متسائلا عما تريده أجابته قائلة:
-هل تبحث عن الآنسة ريم ؟ أنها بالطابق العلوى.
أجابها بنفاد صبر ملحوظ:
-نعم , وهل تعرفين بأية غرفة هى ؟
قالت سماح بطريقة من استشعر أهميته البالغة فجأة:
- بغرفتها طبعا يا سيد جاسر.
حوقل جاسر بتسامح عجيب وهو يعود لسؤالها مجددا:
- وأية غرفة هى غرفتها ؟
وصفت له باسهاب فشكرها بحنق واتجه يتتبع تعليماتها المستفيضة وهو يلعن بسره : لقد أضاعت خمسة دقائق كاملة بالثرثرة معه.
توقف لدى باب الغرفة التى ظن أنها هى الغرفة المقصودة ,جرب أن يطرق الباب عدة مرات ,, فى البداية أتاه الصمت المطبق فاعتقد أنه قد أخطأ بالحجرة وهم بأن يبتعد لولا أن سمع صوت بكاء متقطع ,فأعاد الكرة مرة أخرى وهذه المرة أتاه صوتها مجيبا بضعف:
-اذهب من هنا.
كاد أن يمتثل لرغبتها الا أن واتته الشجاعة بلحظة احباط قاتل ليدير مقبض الباب فلم يطاوعه قلبه على تركها وحيدة تتخبط بألمها ,خطا برهبة الى الداخل وكأنه ينوى ارتكاب جرما ,كانت متقوقعة على نفسها تدفن رأسها بين ذراعيها بينما خصلات شعرها الطويلة تنسدل كستار ليل بهيم محيطة بكتفيها فى نعومة ودلال ,وصوت نهنهة بكائها الحارق تقطع نياط القلوب .. التمس بأطراف أنامله طريقه نحو ذراعها العارى فقد كان معطفها المنزلى قد انحسر عن كتفيها ليكشف كنزتها قصيرة الكمين ,انتفضت بقوة وهى تصيح فى وجهه بغضب مكبوت:
-لقد أخبرتك أن تذهب عنى , لا أريد أن أراك أيها الغشاش المخادع , ألا تكفيك امرأة واحدة ؟ لماذا جئت الىّ ؟ اذهب الى زوجتك وارتمى فى أحضانها , اليك عنى يا سيف.
انغرست اصابعه بقوة أكثر فى لحمها الطرى وهو يجبرها على النهوض فأخذت تقاومه بعنف وهى تطوح بذراعيها ورجليها فى محاولة لضربه وهو ما زال مصرا على شل حركتها بتكبيل يديها خلف ظهرها وهى على حالها من محاولات الافلات حتى تخمش وجهه بأظفارها قبل أن ينساب صوته الساخر الى أذنيها كجرس انذار:
-أنا لست بسيف , أنا جاسر .
وأجبرها على أن تنظر الى وجهه عن قرب وهو يحيطها بذراعيه مقيّدا لحركتها التى وهنت بفعل البكاء والمقاومة العنيفة ,فصاحت برعب:
-وما الفارق بينكما ؟ أنت أيضا غشاش حقير , كاذب لعين , نفس الطينة.
جذبها عنوة الى حضنه وهو يزيح عن عينيها خصلات الشعر الممزوجة بدموعها الغزيرة قبل أن يقول بحزم:
-انظرى الىّ يا ريم , أنا جاسر ,, ولا تخلطى بينى وبين أى شخص آخر لا سيما ذلك المتعفن ,واحذرى منذ هذه اللحظة أن تقاريننى بأى رجل آخر , فلن أسمح لكِ حتى بأن تحلمى به فى خيالك.
كانت تشعر بالارهاق يتوغل بجسدها والضعف يتسلل الى مفاصلها بينما ذهنها مشتت الأفكار ,فبقيت هادئة باستسلام بين ذراعيه علها تجد الراحة المنشودة من الدوامة التى جذبتها الى أعماقها محاولة اغراقها فأخذت تتمتم من بين اسنانها التى اصطكت ببعضها:
-فقط اتركونى بسلام , لا أريد أحدا , أريد أن ابقى وحدى , أرجوك.
صوتها المتوسل بأسى توغل الى أعماقه فأيقظ شياطينه من سباتهم وغادرته كل ذرة تعقل باقية فجذبها أكثر الى صدره وهو يمسد قمة رأسها برفق ولين قائلا بصوت هامس بحنين دفين:
-هشش ,فقط اهدأى يا حبيبتى ,فلا أريد لكِ الأذى , وكيف تطالبيننى بالرحيل وأنا لا أملك خيارا أخر سوى البقاء ؟
همساته العاشقة تلاعبت بأوتار قلبها صانعة أنغام متناسقة داعبت جفونها كتأثير منوم مغناطيسى فاستسلمت لسلطان النعاس بعد لحظات دون أن تشعر , كانت بحاجة الى أحد بجوارها أيا كان فى هذا الموقف حتى ولو تحوّل معذبها بفعل معجزة الى الصدر الحنون المواسى الذى تدفن به أحزانها ,أما هو فقد أحس بجسدها يرتخى بلا مقاومة وصوت أنفاسها التى انتظمت كانت خير دليل على غرقها بالنوم العميق فحرك ذراعه تحت ساقيها يرفع جسدها الغض بوزنها الخفيف كالريشة ليضعها فى فراشها بهدوء وهو يصارع رغبته بالبقاء الى جوارها ليتأملها دونما انقطاع وليتلمس وجنتها بأنامله فيروى تعطشه لتنسم عطرها ,وشعر بأن زمام الأمور سوف ينفلت من بين يديه فآثر الهروب من حصار براءتها له وخرج من غرفتها كأنما هو آدم المطرود من الجنة بغير ارادته ,كما أنه ليس من اللائق بقاءه فى غرفتها فاذا ما رآه أحد فى هذا الوضع سيحدث ما لن يُحمد عقباه ,هو لا يخشى على نفسه انما لا يتحمّل كلمة واحدة تمس حبيبة قلبه الضائعة ,وهى بحاجة الى راحة حتى تتغلّب على اثر الصدمة التى صفعها بها سيف ,سوف يجعله نادما أشد الندم على جرحه لها وان كان هذا قد أضاف لمصلحته هو شخصيا فليس مضطرا لازاحته من طريقه بعد الآن ,, وأعتقد أن السبيل الى محبوبته بات مفروشا بالورود ,وقد أثبتت الأيام القادمة أنه يحيا فى وهم كبير.



**************

SHELL 11-01-20 11:24 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
انتهى الفصل الأول ....

قراءة ممتعة

https://66.media.tumblr.com/tumblr_m...He41rqliaa.gif

نسرين نينا 16-01-20 05:43 PM

مساء الخير عليكم جميعا
شكرا جزيلا على الرواية 😍😍😍😍😍😍

نسرين نينا 16-01-20 05:44 PM

تسلم أناملك يا قمر
أبدعت 💖💖💖💖💖💖💖💖💖💖💖💞💞💞💞💞💞💞💞💞💞💞💞💞💞💔💔💔💔💔💕💕💖💖💗💙💙💙💚

SHELL 18-01-20 07:47 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
الفصل الثانى

http://dl.glitter-graphics.net/pub/2...zmf650i2wt.gif

غادر جاسر فيلا العائلة مع جده بعد أن تبادل مع سيف نظرات غير ودية على الاطلاق مع وعود باهتة بحضورهم لحفل الخطبة الوشيك ,ودّ لو استطاع أن يؤدب هذا الهمجى على تصرفه الجارح اللامبالى بمشاعر ابنة عمه المحطمة ,كيف يجرؤ على الاقدام على فعلته تلك ؟ ولماذا فى الخفاء ؟ هناك سر عظيم يكمن خلف هذه القصة الوهمية حول زواجه السريع ,أبدافع الحب هى أم الكراهية ؟ فلم يفته لمحة من نظرة قاتلة صوّبها نحو زوجته الفاتنة الشقراء ,ما باله هذا الرجل فى انجذابه نحو الشقراوات ؟ وهو - جاسر - الشخص الأكثر علما بهذه الحقيقة المؤكدة , ألم يكن هذا السيف مرتبطا بعلاقة عشق مع ابنة خالته الحسناء ليلى ,قبل أن يظهر معدنه الرخيص بتنصله من هذه الرابطة بدون سبب وجيه ,لا يدرِ لمَ أصر على أن يراقب ملامح وجهه عن كثب حينما علم بنبأ خطبتها ,هل كان ينتظر منه تأثرا ؟ أى دليل ولو باهت على أنه ربما حمل لها يوما أية مشاعر ,, فقط الخواء هو ما شعر به فى نظراته عينيه الحادة وكأن ليلى هذه لم تكن تعنى له يوما أكثر من فتاة عابرة بحياته ,يدرك أخطائها العديدة وتصرفاتها الطائشة فقد نشآ سويا وان كان يكبرها بعدة سنوات الا أنها تظل رفيقة طفولته وصباه التى يدين لها بالولاء ,, كان بعيدا عنها حينما ارتبطت بسيف ,الى أن عاد فجأة ليجدها واحدة أخرى غير ابنة خالته المليئة بالحيوية والمرح ,صاحبتها الكآبة ولازمها العبوس فما كان منه الا أن يلازمها حتى لا تقع فى المحظور ... تم تشخيص حالتها كاكتئاب حاد وحذّرهم الطبيب من احتمالية اقدامها على انهاء حياتها ,وتراءت بمخيلته الصور تباعا وهى ملقاة بالمستشفى فاقدة للوعى حينما أقدمت على تنفيذ مخطط الانتحار بمحاولتها لابتلاع علبة كاملة من الأقراص المهدئة كادت أن تودى بحياتها فى لحظة تهور ويأس ,وحينما استعادت القدرة على التفكير بذهن صافٍ أنكرت ما اقترفته يداها من اثم وقطعت على نفسها عهدا بألا تتورط ثانية فى هذا النوع من العلاقات المدمرة ,فتحوّلت الى هذه النسخة المعدّلة من ليلى ابنة خالته التى عرفها بالماضى الى ليلى أخرى جديدة لا يشغلها سوى نفسها ,ولكنه هو الوحيد القادر على التسلل عبر طبقات الجليد المتراكمة الى قلبها الدافئ ,النابض بحب الخير ,كان مضطرا لحمايتها بشتى الطرق فأطلق لها العنان حتى لا تعاودها نوبة الاكتئاب مرة أخرى ,مطالبا خالته وزوجها بأن يسمحا لها بالتصرف كيفما تشاء فى ملابسها وخروجها وحتى عملها بدلا من تحمّل خسارة فقدها وهذه المرة ربما تكون الى الأبد.
آه منكِ يا ليلى ! ويا خوفى عليك يا خالد ,, من تقلبات مزاجها ,ونزق طباعها ,الى أين ستؤدى بك الطرق يا صديقى ؟ ألم تتحمل مرة ألم الهجران من حبيبة عمرك ؟ تلك التى لم تكن تمل الحديث عنها أمامى متشدقا بقوة حبها لك وتمسكها بحياة تجمعكما معا.
لم يرها ولا مرة واحدة وان كان يعرف أنها تسكن بالقرب من منزل صديقه فهى وأمها كانا من الجيران ,وضنّت الحياة على خالد بهذه السعادة البسيطة فابتعد منزويا بناءا على رغبتها فى الانفصال ,وهو من نجح فى اخراجه من شرنقة اعتزاله بعد محاولات مستميتة ليتسلّم عملا فى مكتب السيد فهمى والذى يعد واحدا من معارف جده الكثيرين الذين يدينون له بالولاء والاخلاص فقد احتضن جاسر وليلى فيما سبق وها هو يعاود سيرته المعروفة بمد يد العون لخالد فوافق على توظيفه متغاضيا عن خبرته المعدومة فى مجال العمل متيحا له فرصة لاكتسابها بمكتبه الجديد ,وهو أحد الفروع التى انشأها بالعاصمة الكبرى وبضعة محافظات بالوجه البحرى ,ولم يمض بضعة أشهر حتى قام بتعيين أميرة أو لبنى كما كان اسمها فى ذلك الحين ,ضاقت عيناه تلقائيا حبنما وصل بأفكاره عند هذا الحد ,, لبنى ,, أميرة الشرقاوى ,,زوجة رفيق ,, شقيق ريم ,, وهو يرغب بالزواج منها , يا له من تعقيد محكم ,كيف سيتغلّب على كل هذه الصعاب ,فريم مجروحة كفاية بسبب تصرف ابن عمها اللئيم وهو أضاف الى آلامها تلالا تكفيها لسنوات ,وفجأة برق بذهنه خاطرا مزعجا ,, هل صارحها رفيق بحقيقة علاقته السابقة بأميرة ؟ وعاد بهدوء نافيا هذا الناقوس المزعج فى رأسه والذى أخذ يرن بلا توقف ,كلا فرفيق رجل شديد الاعتداد بنفسه وفخور بزوجته ,لن يسمح باهانتها أبدا مهما كلفه الأمر حتى ولو أخفى هذه المعلومة الثابتة عن أقرب الناس اليه ,هذا يصب فى مصلحته ,تنهد محترقا بنيران اللوعة ,, لماذا لم ألقاكِ أنت أولا ؟ لماذا أجل القدر حبنا حتى بات مستحيلا ,ولكنه سيفعل المستحيل من أجلها هى وحدها , مالكة قلبه وعقله.

****************

SHELL 18-01-20 07:48 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
-لا بد أنكِ قد جننتِ يا امرأة ,ما الذى دفعك للخروج من غرفتك دون استئذان ؟
قذفها سيف بهذه الكلمات الجارحة بلا توقف وهو يقبض على ذراعها بقوة ضاغطة جعلتها تصيح ألما وهى تحاول التملص منه قائلة بصوت متقطع:
-آآى , اترك ذراعى يا سيف ... أنا لم أخطئ , هل كنت تنتظر أن أظل حبيسة فى الغرفة كالجارية بانتظار أمر من سيدها ؟
مشطّها بنظراته الغاضبة من قمة رأسها الى أخمص قدميها وهى مازالت ترتدى نفس الثوب الذى تمتّع بازاحته عن جسدها منذ قليل ,وتكفّلت تلك الذكرى بسريان الدماء حارة فى عروقه ,كأنها حلوى لاذعة تعطيك مذاقا شديد العذوبة بأول الأمر ثم تتحوّل الى طعم مر كالعلقم لا يزول , فخفف من ضغطه على ذراعها كأنه يحاول الابتعاد عن نطاق لمستها الا أن لم يطلق سراحها كلية ,وبدا أنه يحاول السيطرة على براكين رغبته المتجددة بها فقال بتؤدة:
-أنتِ من اخترتِ لعب دور الجارية يا مها فلا تلوميننى اذا ما تقمصّت شخصية السيد , أنتِ من بدأتِ اللعبة ولكن أنا من سيضع قواعدها منذ الآن فصاعدا ,أسمعتِ يا زوجتى الحبيبة ؟
أومأت لها باشارة ضعيفة من رأسها فأفلتها بغتة حتى كاد توازنها أن يختل لتقع أرضا فتمالكت نفسها وهى تشعر بالذل والهوان اللذين ينتظرانها فى المستقبل ,وأى مستقبل هذا الذى تتوق له برفقة هذا الوحش الكاسر الذى أٌطلق من محبسه ,وعاد هو ليتنفس ببطء مشيحا بوجهه عنها فلم تر ملامحه وهو يقول بهدوء:
-انتظرى هنا , سأصعد لأرتدى ملابسى حتى نذهب لشراء بضعة ملابس لكِ ..
ثم أخذ يتفحصها مجددا بنظراته الجريئة وهو يقول بخبث:
-فلا يٌعقل أن تظلى هكذا بثوب واحد وأنتِ زوجة وريث عائلة الشرقاوى ,, كما أنكِ لا تفضلين خلعه أيضا , أليس كذلك يا حبى ؟
احمرّت وجنتاها خجلا وغيظا من تلميحاته الفجة فقالت تعترض بقوة:
-لا حاجة بك الى ذلك لم أشكٌ لك من ضيق ذات اليد لدىّ ما يكفينى من مال , كما أنك أنت من رفضت ...
قاطعها هادرا وقد تذكّرالشيك الذى أصرّ على رفع قيمة المبلغ المدوّن به بقدر يكفل لها حياة كريمة ظنا منه أنه سوف تكتفى به تعويضا عن الوظيفة التى فقدتها :
-هذا يكفى لا مجال للنقاش هنا , أنسيتِ أننى السيد فأوامرى مطاعة ,ولا تتحدثى ثانية عن أية أموال تخصك والتى لن تنفقى منها قرشا واحدا مادمتِ فى عصمتى ,فأنتِ مسؤولة منى أنا.
قالت على مضض:
-حسنا , لن أصل الى نهاية فى جدالى معك , ولكن أرجوك كف عن مناداتى بحبى وحبيبتى فكلانا يعلم أن هذا ليس صحيحا.
أطال النظر الى وجهها هذه المرة وعيناه لا تفصحان عما بداخلهما من مشاعر حقيقية ,ثم أسبل جفنيه للحظة وهو يتمتم:
-اذا أردنا ألا تتسرب ذرة شك واحدة الى عائلتى حول السبب الحقيقى لزواجنا السريع فعلينا أن نجيد تمثيل دور العاشقين الغارقين فى حب عميق ,وهكذا تجدين أنه من البديهى أن أناديك بحبيبتى أمامهم.
كادت أن تخضع لقوله لولا أنها تذكرت فقالت متسرعة:
-ولكننا الآن وحدنا , فما الضرورة لهذا الادّعاء ؟
أشار لما حوله اشارة خفية وهو يقول بتقرير:
-المنزل يعج بساكنيه فلا يمكنك التأكد من أنكِ لن تصطدمى بأحدهم بين لحظة وأخرى كما أن سماح تدور هنا وهناك على الدوام فلا يصح أن تعطيها فكرة خاطئة عن العروس الجديدة السعيدة.
-سماح ؟؟
قال بنفاد صبر واضح وهو يكمل صعوده للدرج:
-نعم , الفتاة التى تعمل بمنزلنا , تلك التى استقبلتك على الباب الرئيسى.
-تعنى الخادمة ؟؟
توقف بمنتصف الدرج والتف نحوها بحدة قبل أن يقول متوعدا:
-لا نطلق هذه الألقاب البائدة على مستخدمينا , وحذارِ أن توجهى لها اهانة أو تعاملينها باستحقار فهى فتاة حساسة للغاية.
تعجبت بشدة من دفاعه عنها وكأنها فردا من عائلته وليست مجرد خادمة .. عاملة , استبدل عقلها الكلمة على الفور وكأنما يخشى من اغضابه حتى ولو كانت مجرد فكرة تدور بذهنها ,وأيقنت من نظراته الثاقبة أن يعى جيدا ما وصلت اليه بتفكيرها حتى أومأت برأسها مهادنة فالتمع الرضا بعينيه قائلا:
-لا تثيرى مشاكل منذ يومك الأول فقدماكِ لم تثبتا بعد بأرضية المنزل.
كادت أن ترضخ لطلبه لولا أن انزلقت الكلمات على لسانها:
-وريم ؟
-ما لها ريم ؟
-لماذا كنت خائفا عليها لهذه الدرجة ؟
رفع سبابته محذرا وهو يهتف بصوت كالرعد:
-مها ... اذا أردتِ الوصول لمبتغاكِ بالعيش هنا تحت سقف هذا البيت فايّاك والمساس بريم , أنها خط أحمر لا يمكنك تجاوزه مهما حاولتِ , مفهوم ؟
قالت والغيرة تتآكلها دون رحمة بينما تجاهد لترسم شبح ابتسامة زائفة على شفتيها الورديتين:
-حسنا يا زوجى الحبيب.
نظر مقيّما لها بتمعن ثم قال بلا انفعال:
-فتاة عاقلة.
وأكمل طريقه فى خطوات ثابتة دون أن يرنو اليها مرة أخرى.

****************

SHELL 18-01-20 07:51 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
اعتادت فريال بصعوبة على وضعها الجديد فى منزل زوجها مجدى ,فقد بذلت قصارى جهدها للتأقلم مع محاولاته المثابرة لاشعارها بأنها سيدة المنزل ولها كل الحق فى التصرف فى أى صغيرة أو كبيرة تتعلّق بادارة حياتهما المشتركة دون الرجوع اليه ,بيد أنها فى كل مرة تخيّب ظنّه لتعود فريال المترددة الخجول تستشيره فى كل واردة عما يجب عليها أن تفعله ,لا تمل من سؤاله عما يود تناوله على الغداء أو العشاء , اذا أرادت أن تحرك قطعة أثاث من مكانها , حتى مع اجابته الوحيدة ( افعلى ما ترينه أنتِ مناسب , فهذه مملكتكِ أنتِ ),كان ردها الثابت ابتسامة باهتة خالية تماما من الثقة ,, كيف يستطيع أن يعيدها لسابق عهده بها حينما كانت البسمة الصافية النابعة من القلب لا تفارق شفتيها ,, ألم يرد لها ابنتها سالمة الى أحضانها ؟ ألم يتحمّل من تجاهلها ونفورها الكفاية على مر سنوات طوال ,لم يشأ أن يضيف الى متاعبها ولا أن يحمّلها ما لا طاقة لها به ,لا ينكر أنها تقدمت كثيرا بعلاقتها معه فقد توثقت بينهما أواصر المحبة الحقيقية التى تتجلّى بالعشرة ,وتزدهر بمرور الوقت .. لم تعد تخفى نفسها بقوقعة صمتها بعيدا عن أحضانه بل سارعت لترتمى بداخل قلبه محتلة جميع زواياه ,وهل اختلف الأمر حينما كانت بعيدة عنه مئات الأميال ؟ لم تبرح خياله لحظة ولم تنافسها أية امرأة فى مكانتها الفريدة بحياته ,هى حب صباه وحلم شبابه ومكافأة خريف العمر ,, فجأة لطمته الحقيقة أنه يقترب من الخمسين بسرعة البرق ,, لماذا لم يلاحظ هذا الشئ من قبل ؟ ببساطة لأنه لم يكن يهتم على الاطلاق ,لم يكلف نفسه عناء البحث عمّن يدفئ حياته الباردة الخالية من العاطفة ,اكتفى بأن يقتات على فتات الذكريات القديمة المتناثرة يلملمها من هنا وهناك صانعا دفترا صغيرا يؤنس وحدته ,أرادت فريال أن تعوّضه عما فات بأن تخرجه هو الآخر من دائرته المغلقة ما بين عمله بالمكتب ومرافعاته بالقضايا التى يتولاها ,وبين هوايته المفضلة الوحيدة .. القراءة .. يمكنه الجلوس لساعتين متواصلتين حابسا نفسه بغرفة مكتبه بالمنزل دافنا رأسه الذى بدأ الشيب يتعمّق أكثر بخصلاته مرادفا للخبرة والحنكة التى اكتسبها من تجاربه العديدة سواء بالحياة أو ساحات المحاكم بداخل كتاب يلتهم صفحاته بلهفة ولا يخرج مطلقا حتى ينهى ما بدأه الى آخر كلمة بسطر النهاية.
حاولت مرارا أن تقنعه بالبقاء الى جواره وهو منهمك بالقراءة تعده عشرات المرات بأن تبقى ساكنة لا تصدر صوتا ,الا أنه لم يستطع التركيز فى القراءة بسبب شروده الدائم لمراقبتها بصمت هو الآخر فأقنعها بالعدول عن هذه الفكرة متعللا بحاجتها الى الراحة , لماذا يصر على اقصائها بهذا الشكل المستميت ؟ أنها تشعر بالفراغ الرهيب خاصة بعد سفر وحيدتها مع زوجها لقضاء شهر العسل والذى امتد الى شهر ثانٍ ,كانت تهاتفها يوميا فى البداية وربما أكثر من مرة حتى لفت مجدى انتباهها الى أنها ربما ودون قصد تحرمهما الفرصة لقضاء وقت أطول مع بعضهما ,فوافقته فى النهاية على مضض حتى تباعدت اتصالاتها كل ثلاثة أيام وهذا أقصى ما استطاعت تحمّله , بالكاد أقنعها زوجها بأن تشغل نفسها بالعمل ,, تتذكر جيدا يوم محادثتهما التى كادت تنقلب الى شجار حاد لولا أن تداركا الأمر.
كانت جالسة تؤرجح قدميها بصورة رتيبة على الكرسى الهزاز بينما كان مجدى عائدا من مرافعة باحدى القضايا الهامة ويبدو على وجهه دلائل التعب والارهاق ,سمعت صوته الهادئ من خلفها يطلق تحية المساء:
-مساء الخير , كيف حالك يا حبيبتى ؟
أوقفت على الفور اهتزاز مقعدها بحركة مفاجئة وهى تلتفت لتواجهه بوجه عابس:
-بخير كما ترى وحيدة على الدوام.
استنشق نفسا عميقا وهو يعد الى عشرة فى سره راسما بسمة مرهقة على محياه وهو يقترب منها ليضع حقيبته السوداء على المنضدة الصغيرة بينما أصابعه تتسلل الى خصلات شعرها القصيرة مبعثرا الكثير منها وهو ينحنى أخيرا ليطبع قبلة على خدها قبل أن يتساءل باهتمام:
-ما الذى يكدّر بال حبيبة القلب ؟
أنه يحاول ملاطفتها قدر استطاعته فهى امرأة حساسة للغاية وان كانت تتظاهر بالقوة والصلابة فهى هشة داخليا ,فأجابته بضيق ملحوظ مشيحة بوجهها عنه:
-لا أجد من أتحدث اليه , أجلس وحدى بالبيت لساعات طويلة خاصة فى الأيام التى تذهب فيها الى المحكمة ,لا أعرف حقا ما السر وراء تمسكك بالمرافعات فيمكنك تكليف أى محامٍ ممن يعملون بمكتبك.
رفع حاجبيه اندهاشا من سبب انفعالها , أهو الشخص المسؤول عن توتر أعصابها ؟
أجابها ببساطة وهو يربت على كتفيها بحنان:
-فريال ,, حبيبتى لماذا لا تشغلين وقتك بممارسة أية هواية ,مكتبة البيت تعج بالكثير من الكتب المختلفة ,يمكنك أن تشاهدى التلفاز مثلا ,, ألا تتابعين برنامجا معينا ؟
زفرت بضيق متأففة وهى تواجهه هذه المرة بوجه غاضب وهى تصيح:
-أنت تعرف أننى لست من هواة التلفاز ولا أتحمل أن أقرأ كتابا يحتوى على مئات الصفحات ,ثم ما الذى يمنعك أنت من قضاء وقت أطول برفقتى ؟ أمللت منى بهذه السرعة فأصبحت تهرب من صحبتى للمكتب تقضى فيه أوقاتا مضاعفة عن ذى قبل بحجة العمل ؟
تراجع قليلا للخلف يراقبها ببطء .. بينما تسللت تقطيبة قوية الى جبينه العريض ,, تساءل بينه وبين نفسه : الأمر أكبر مما تصور .. أنها تسعى الى الشجار عمدا ,هو يعرفها جيدا لن تهدأ حتى تنال مبتغاها فاستسلم منصاعا لرغبتها وهو يسألها :
-بحجة العمل ؟ وما الذى يمكننى أن أقوم به فى المكتب سوى العمل يا فريال ؟ ماذا تقصدين من هذا التلميح ؟
زمت شفتيها استياءا قبل أن تكمل ما أصرت عليه منذ وصوله الى المنزل .. لن ترتاح حتى تصل الى الحقيقة .. فقالت بنزق:
-أقصد لماذا تصر على توظيف مثل تلك الفتاة المستفزة ؟ لا تلبث أن تجيبنى متبجحة حينما أتصل بك أنك مشغول للغاية ولا يمكنها تحويل المكالمة لك , كل مرة بحجة مختلفة.
-ندى ؟؟
قلّدت لهجته ساخرة :
-نعم , ندى .. لماذا هى بالذات ؟
اتسعت ابتسامته لتشمل وجهه بالكامل وهو يحاول تصنّع الرزانة حتى لا ينفجر فى الضحك أمام عينى زوجته فيزيد من وقود اشتعالهما بالغضب الجامح , ثم تنحنح مجليا حنجرته وهو يجيبها بثقة:
-لا أجد سببا لانهاء خدمتها , فالفتاة متفانية للغاية بعملها اضافة الى ميزة كتمانها للأسرار ,فخلال فترة عملها الطويلة لم تتسرب كلمة واحدة عن قضية أتولاها ,وتعرف جيدا ما أريده قبل حتى أن أتفوّه به.
لم يدرك أن اجابته العملية الدقيقة هذه سوف تثير شياطينها أكثر ,فقالت بتهور:
-كل هذه المآثر تمتلكها وحدها ,ياه لم أكن أعرف أنها تعنى لك الكثير.
لطمته حقيقة صادمة أنارت دربه .. فريال .. زوجته وحبيبة روحه تشعر بالغيرة , لا يوجد تفسير منطقى لثورتها المفتعلة ضد ندى مديرة مكتبه الا أنها تغار عليه , هو فقط دونا عن كل الرجال ,رقص قلبه طربا كرد فعل طبيعى لادراكه أنه قد ملك قلبها وروحها بالفعل ,فاقترب منها مجددا بتصميم أقوى وهو يجبرها على النهوض من مقعدها ليضمها بين ذراعيه فيما هى تحاول التملص من أحضانه وهى مصرّة على ألا تتراجع ,ومجدى لا يترك لها فرصة سانحة للهرب بينما يهمس قريبا من أذنها بصوت مغرٍ:
-لا توجد بهذه الحياة من تعنينى سواكِ أنتِ ,,أنها فقط مجرد موظفة أمينة ربما لا أجد مثلها اخلاصا وتفانيا وهذا ما أحتاجه بشدة فى عملى.
توقفت محاولاتها للفرار وهى تقول بصوت يفيض رقة وعذوبة:
-ولكن .. يا مجدى .. أشعر بأنها لا تحبنى ,وتتمادى فى استفزازى كلما حادثتك ,وكأنها تخبرنى أنه لا حق لى فى التحدث الى زوجى وهذا ما يثير جنونى.
أجابها موضحا وذراعاه تتسللان الى خصرها الذى ما زال محتفظا برشاقته بالرغم من تقدمها بالعمر:
-لا أحد يجرؤ على منعك من الحديث معى ,واذا كان هذا ما يضايقكِ فسوف أتحدث اليها غدا حتى لا تعود لفعلتها هذه مرة ثانية , أأنتِ راضية الآن عنى ؟
أذابها برقة حديثه ولمسات أصابعه التى كانت تمسد عنقها بخطوات مدروسة فجعلتها تشعر بالاسترخاء وهى تتنهد بحرقة قبل أن تغمغم بخفوت:
-أنا دائما راضية عنك يا حبيبى ,فقط شعرت ببعض الوحدة فى غيابك عنى ,كل ما هنالك أننى أرغب فى تمضية وقت أطول برفقتك ,أريد التعويض عن السنوات التى فاتت من عمرينا .. أردت أن أختصر المسافات بيننا.
نظر لها بحنان ليقول متفهما:
-لا بأس حبيبتى , أنتِ تعرفين أن هذا منايا أنا أيضا ,ولكن ما باليد حيلة فالقضايا تتراكم الواحدة تلو الأخرى فوق رأسى ,وهناك الكثير منها لا أئتمن عليها أحد من المحامين الصغار .. فأصبح مجبرا على توليها بنفسى.
داعبت جانب وجهه بأناملها الرقيقة بحب وشغف وهى تقول باقتناع:
-حسنا , علىّ اذن أن أتنازل قليلا من أجل عملك الذى لا ينتهى ,ولا يهم أن أقضى جل وقتى وحيدة.
ظهرت على وجهه دلائل التفكير العميق وبدا أنه يقلّب أمرا برأسه قبل أن يعلنه على الملأ فقال بتردد:
-فريال ... ما رأيك أن تمارسى عملا ؟
نظرت له فريال باستفسار وهى تتساءل :
-ماذا تعنى يا مجدى ؟
-ألم تعملى كمهندسة للديكور حينما كنتِ تعيشين بالخارج ؟
أجابته بحسرة:
-أتقصد بالمنفى الذى اختاره أبى لى ؟
زجرها بلطف قائلا:
-هاه ماذا قلنا سابقا ؟ أن نضع الماضى وأحداثه جانبا , فريال ,, ألم تغفرى له بعد ؟
على الرغم من أنه لم يقلها مباشرة الا أنها فهمت ما يعنيه ,, يقصد أباها وما فعله بها وبابنتها ,فطأطأت برأسها للأسفل وهى تتمتم:
-لقد سامحته منذ فترة طويلة ولكننى لا أستطيع ادّعاء النسيان بهذه البساطة ,لا يمكن أن أمحو خمسة وعشرين عاما من الغربة والعذاب بجرة قلم , أحتاج الى المزيد من الوقت.
كانت ضعيفة للغاية وبحاجة الى الحماية فأثارت بداخله هاجسا مرّا ,يود لو تواتيه الجرأة لأن يسألها عن زوجها السابق ناجى وماهية مشاعرها نحوه الآن ,لن يخاطر بهذه اللحظة بسعادتهما الوليدة ,لن يكسر هالة الود والتفاهم التى تحيط بحياتهما الجديدة ,ربما فى يوم من الأيام يجد فى نفسه الشجاعة لسماع اعترافها أيا كان.
-حسنا يا حبى خذى كامل وقتك وحريتك , فلنعد لموضوعنا الأساسى .. لمَ لا تؤسسى عملا خاصا بكِ ؟
-أنا ؟؟ لا أعرف.
أخذت تهز رأسها يمينا ويسارا كأنها تستنكر فكرة انشاء عمل خاص بها وحدها لتتحمل هى كافة مسؤولياته ,, بدت فكرة معقولة .. لديه الحق بهذا الاقتراح , هى تحتاج الى شغل وقت فراغها فى ظل غيابه وغياب ابنتها التى حتى بعد عودتها ستنشغل بحياتها الزوجية مع رفيق ,كما أنه عليها هى الأخرى بدورها أن تولى زوجها كامل اهتمامها وعنايتها فقلبها يخبرها بأن القادم لا يبشر بخير ,, وظلت علامات استفهام تحيط بالمدعوة ندى ,, تلك الفتاة التى لم تشعر نحوها بأى ارتياح منذ اللقاء الأول ,, ماذا تخبئ لها الأيام ؟

**************

SHELL 18-01-20 07:52 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
تذكّر وهو يجلس وحيدا يتأمل صورة القمر المنعكسة على صفحة مياه النيل بهذا الوقت المتأخر من الليل آخر حوار دار بينه وبين ابن عمه والذى انتهى بكارثة محققة ,كان كريم مصرّا على ألا يتسرع سيف باتخاذه قرارا خطيرا كالزواج من واحدة متسلقة ساعية خلف انتقام أحمق مثل مها والتى تمتلك بذات الوقت جمالا صارخا ,وقد اختبر ضعف ابن عمه مرة من قبل تجاه الشقراوات الفاتنات فقد انطوى على نفسه بعد علاقة قصيرة الأمد مع الفتاة التى أدرك بوقت قريب أنها تنتمى لنفس العائلة .. عائلة الشرقاوى ,اتضح أنها حفيدة للجد عبد الله الذى ظهر فجأة من العدم مطالبا بنصيبه من الميراث وحقه الأصيل فى ادارة أعمال العائلة.
كانا يقفان كفارسين يتبارزان فى عتمة الليل البهيم ويتراشقان بالكلمات كيفما اتفق.
قال كريم باندفاع:
-لا أفهم حتى الآن كيف تترك لها المجال حتى تبتزك بهذه الصورة المبتذلة ؟
أجابه سيف بمرارة:
-لأننى لن أضحى بسمعة العائلة أبدا ولن أسمح لأى شئ أن يدمر صرحا هائلا كالذى بناه جدنا.
-يمكننا أن نوقفها عند حدها بأية طريقة أخرى الا أن تستسلم لطلباتها.
أشاح بوجهه بعيدا قبل أن يقول ساخرا:
-وما هى هذه الطريقة التى تتحدث عنها بمثل هذه الثقة ,وكيف تتأكد من صلاحيتها ؟
قال باصرار:
-لا أدرى حتى الآن , لا بد أن هناك حلا بيد أن عقلى عاجز عن التفكير ,أشعر بنفسى مقيّدا دون ارادتى هذه الفترة.
ابتسم هازئا لابن عمه وهو يقول ببرود:
-اذن دعنى أقم بدورى تجاه انقاذ العائلة فهذا واجبى نحو والدى على الأقل ,لا أريد أن أخذله أبدا.
هتف به كريم بانفعال واضح وهو يمسك بتلابيبه يهزه بعنف:
-أنت تهذى يا ابن العم ,وهل بهذا التصرف تسدى الى والدك خدمة ,, أن تتزوج من ابنة عدوه اللدود ,ألا تفكر ماذا سوف تكون ردة فعله حينما يعلم بقرارك ؟
جذب سيف نفسه بقوة من براثن قبضة كريم الفولاذية بعد جهد جهيد وهو يضيف بهدوء أغاظ ابن عمه:
-لن يعلم أبى الا بعد اتمام الزواج.
صاح كريم معنّفا:
-ماذا ؟ هل تود اخفاء الأمر عن عمى ؟ هل جننت ؟
أردف سيف متعمّدا ألا يواجهه بالنظر:
-بل سوف أخفى الأمر عن الجميع ,لن يعلموا الا فى وقت لاحق.
-انظروا ماذا يقول هذا المختل عقليا ! لقد فقدت عقلك كليّا ,لست أنت سيف الذى أعرفه ,ما الذى يدفعك الى المثول لرغبة فتاة حمقاء تسعى الى الانتقام ؟
-لأنه لم يعد لديها ما تخسره كما قالت فحتى وظيفتها قد خسرتها وهى لا تملك عائلة تخشى عليها أما أنا ...
صمت للحظات حتى يبتلع غصة بحلقه قبل أن يستطرد:
-لدىّ ما أخسره ,لدىّ ما أخشى على ضياعه ,, أنتم عائلتى ,وأبى الذى عدت الى أحضانه بعد أن فقدت الأمل بأن يلاحظنى ,ألا يستحق هذا التضحية من وجهة نظرك يا كريم ؟
-ما زلت مصرّا على رأيى ,لأجل خاطر أبيك لا ترمِ بنفسك الى الهاوية ,ألا تعتقد معى أنه قد لا يحتمل سماع هذا الخبر فكيف اذن بتقبّله ؟
أشار سيف بيده بعلامة قاطعة وهو يقول بتقرير:
-لقد اتخذت قرارى ولن أتراجع عنه مطلقا ,سبق السيف العذل كما يقولون.
-وماذا تنتظر منى أن أقف فى صفوف المهنئين أبارك لك زواجك الميمون من ربة الصون والعفاف ؟
قال سيف ببطء:
-أنتظر منك أن تقف الى جوارى ,تساندنى ,أريدك أن تشهد على عقد القران ؟
صرخ كريم بعنف:
-لا ,لن يحدث أبدا ,لن اشارك فى جريمة نكراء كهذه فى حق نفسك أولا وحق عائلتك بأكملها.
وقفا متواجهين بعينى سيف نظرات رجاء صامت تتوسل كريم أن يعيد النظر فى قراره الظالم ,وكريم يقف شامخا بذقنه المرفوعة بكبرياء متفجّر يتحدّى ابن عمه محاولا زحزحته عن الخضوع لرغبة مجنونة أو نزوة عابرة سوف يندم عليها فيما بعد.
قال سيف بصوت خفيض محاولا أن ينفض عنه أية دلائل ضعف أو ذل:
-كما تشاء يا ابن العم ,أنت حر بقرارك , فمن أنا على كل حال حتى ألومك.
هز كريم برأسه نفيا وهو يحاول أن يتمسّك بأية بادرة أمل حتى يتراجع عن قرار الانتحار بهذه الكيفية فقال متساءلا:
-وريم ؟
-ماذا عنها ؟
-ألم تفكر بمشاعرها وأنت تتخلّى عنها لتقترن بأخرى بعد أن تقدمت لها ؟ ألا تهمك ابنة عمك ؟ ألم يتركها عمى وزوجته أمانة بأعناقنا ؟ ألا يعنى لك خاطر رفيق شيئا وأنت تجرح كرامة أخته ؟
رفض سيف أن يمنحه الفرصة لتأنيب الضمير , يكفيه أنه لا ينام ليلا الا لساعات معدودة بعد أن ينهكه الأرق والقلق وينال من جسده التعب فيسقط بغيبوبة لفترات متقطعة ,تتخللها الكوابيس المزعجة ,ولا راحة له نهارا فيتملك منه اليأس بعد عناء التفكير العميق شاعرا بوحدة غريبة ولأول مرة بعمره الذى يقارب الثلاثين عاما.
-سوف يعذرنى بالتأكيد حينما يعرف بالحقيقة.
-أتنوى اخباره ؟
قال نافيا:
-ليس الآن ,ربما فيما بعد.
-بعد أن تنفذ رغبتك المندفعة بالانتحار.
-لا تبالغ ,فالزواج ليس انتحارا كما تظن.
-ان كان على هذا المنوال فهو أسوأ من الموت بحد ذاته ,أتوافق على منحها اسمك بهذه السهولة , وأنت تعرف أنها تسعى لتدميرك.
-لا تقلق علىّ , فلن أمنحها الفرصة ,سوف تدفع الثمن غاليا ,أعدك بذلك.
-أتمنى لو كنت أستطيع تصديقك ,مما أراه الآن أجدك رجلا ضعيفا خاضعا لكيد امرأة حقيرة ,وما الذى يمنعها فيما بعد من اذلالك بطريقة أخرى ؟ ألا تفهم أن هذا هو مرادها ؟
اندفع الغضب يعمى سيف بسبب كلمات صديقه الجارحة المهينة فدفع بقبضته فى فك كريم يضربه بحقد هاتفا بغل:
-اخرس.
أخذ الآخر على حين غرة فتأوّه متألما من قوة اللكمة الموجهة اليه وتراجع بضعة خطوات ,قبل أن يحاول سيف معاودة الهجوم مرة أخرى الا أن كريم صد ضربته القادمة دون أن يؤذيه ,فقط مجرد حماية لنفسه من تهور ابن عمه اللا محدود وهو يهتف حانقا:
-اهدأ يا سيف , كفى , أنا لا أريد ايذائك.
كان يحادثه وهو يدور حول نفسه يتلافى لكمة هنا أو ركلة هناك وكأن سيف قد مسّه درب من الجنون ,لم يهدأ الا بعد أن فاجأه كريم بالدوران من خلفه قابضا على عنقه بساعده القوى ليمنعه من الحركة فيما هو يكافح لأستنشاق أنفاسه المتقطعة فهمس كريم بأذنيه:
-كفى يا سيف , لا تحاول الفكاك فتتسبب لنفسك بأذى كبير.
هدأت أنفاسهما اللاهثة بعد فترة دامت لدقائق فأرخى كريم قبضبه قليلا عن عنقه وهو يهدر محذرا:
-سأتركك الآن ولكن حذارى أن تتمادى مرة أخرى.
وأفلته بسرعة ثم تراجع مبتعدا عنه الى الوراء وكانه لا يثق بحكمة ابن عمه فى اتخاذ القرارات الا أن سيف وقف بمكانه مبهوتا مما صار ,هل حقا تشاجر هو ورفيق عمره بسببها ؟ ها قد بدأت تسبب له اذى بالغا قبل حتى أن ترتبط باسمه ,لم يمحى من ذاكرتيهما هذا اليوم ومصارعة أحدهما للآخر وان كان هو البادئ أما كريم فاكتفى بالدفاع عن نفسه.
اندفع كريم صائحا بألم:
-منذ الآن يا سيف , أنت بطريق وأنا بطريق آخر يا صديقى , أقصد يا من كنت صديقى ,لن أنسى أنك قد قاتلتنى من أجل فتاة كهذه لا تستحق حتى منك مجرد شفقة.
أطرق سيف برأسه خجلا الى الأرض قبل أن يتساءل بحذر:
-أيعنى هذا أنك لن تشى بسرى ؟
ضاقت عينا كريم تلقائيا وقال بأسى:
-أهذا كل ما يعنيك فى الأمر ؟ لا تخشَ شيئا فلست أنا هذا الرجل الذى يتصرف بدناءة مع صديق سابق.
ثم أردف بصوت خافت بالكاد وصل الى مسامع سيف الذى نكّس رأسه:
-وداعا يا ابن عمى.
وانصرف دون أن ينتظر كلمة واحدة منه ,وماذا كان بوسعه أن يقول ؟ أيطالبه بالصفح ؟ كلا لم يعد هذا ممكنا ,فقد اتخذ قراره بسلوك هذا الطريق حتى نهايته ,,قرر التضحية من أجل العائلة وهذه كانت نقطة فاصلة فى حياته ,بل فى حياة الجميع.
ارتسم الأسى على محيا كريم وهو يستعيد كل لحظة من لقائهما الأخير ,ما زال عقله غير قادر على الاقتناع بما فعله سيف ,لا بد أن كان واقعا تحت تأثير ضغوط أكبر من مقدرته على التحمّل ,ربما كان عليه البقاء الى جوار صديقه حتى ولو لم يرغب هو بذلك ,لقد فات أوان التراجع عن قراره ,,لم يعد لديك من يهتم لأمرك بعد الآن يا كريم ,صرت وحيدا ,تزوج رفيق وابتعد وسيلحق به سيف تباعا ,وأمك أيضا .. لم تعد هى ذاتها ,انشغلت عنك بمؤسستها الخيرية الجديدة ,اتخذت قرارها دونما الرجوع اليه بتحويل نصيبها من الميراث الضخم الى الأعمال الخيرية ,طبعا تركت جزءا ضئيلا لتنفق منه وكأنها بهذا تنفض يديها عن ولدها ,يحق لها أن تحيا كيفما تشاء بعد أن دفنت حيّة لبقائها منزوية بركن قصى كأرملة وحيدة.
رحماك يا ربى !
نظر الى ميناء ساعته الفضية ليجد أن الوقت على مشارف الفجر ,استمع الى الآذان يصدح مجلجلا يشق صمت الليل فتنبّه الى وجود مسجد قريب من المكان الذى يقبع به ,أخذ يردّد وراء المؤذن حتى شعر بيد خفية تسوقه نحو الجامع الكبير الذى تفاجأ بازدحامه بالمصلّين الذين أخذوا يتوافدون واحدا تلو الآخر لأداء الفرض ,لم يكن متوضئا فاحتار قليلا قبل أن يحسم أمره ودلف الى دورة المياه الملحقة بمبنى المسجد ,حلّ رباط حذائه الرياضى الأنيق وخلع جوربيه ثم انحنى أمام الصنبور ليسبغ الوضوء كما علّمه عمه محمد -جزاه الله عنه كل الخير - فى صغره فهو من تولّى رعايته وتنشئته مع رفيق كابن ثانٍ له باذلا قصارى جهده ليعوّضه عن الأب الغائب ,لذا فهو يعدّه بمثابة الأب وليس العم فقط , أنهى الوضوء واستعد للتوجه الى الصلاة وكان عليه أن يرتقى عدة درجات قبل أن يصل لباب المسجد ,اصطدم برجل أمامه وكادا أن يتعثرا هما الاثنان الا أن ذراعى الرجل قد تمسكتا بقميصه حينما التف اليه وهو يتمتم بكلمات اعتذار هامسة:
-أستمحيك عذرا ,فلم أنتبه لخطواتى.
هتف الرجل فرحا:
-من ؟ كريم الشرقاوى ؟ أى رياح طيبة ألقت بك الى هنا يا رجل ؟
انتبه كريم من شروده بعد أن كاد أن يكتفى بالاعتذار ويكمل طريقه بصمت , فتطلّع نحو مرافقه بفضول وقد أحس بالألفة فى صوته ,أنه يعرف صاحب الصوت جيدا ,وما أن وقعت عيناه على الشاب القوى البنيان ذى العينين السوداوين واللحية الخفيفة حتى صدرت عنه آهة خفيفة وهو يمد يده اليه بالتحية:
-أحمد المنشاوى ,, حقا الدنيا صغيرة ,, يا لها من مفاجأة.
تراقص حاجبيه بشقاوة وهو يسأله:
-أهى مفاجأة سارة ؟
كاد أن يجيبه لولا أن وقوفهما بهذه الوضعية كان يعيق وصول المصلين الذين انهالوا توافدا على المسجد وقد سمعا الكثير من الاعتراضات بعد أن أتاهما صوت المؤذن وهو يستعد لاقامة الصلاة فجذبه أحمد من كتفيه الى الجانب الآخر ثم دفعه برفق نحو الباب المفتوح ,وانطلقا يبحثان عن الصف الذى لم يستكمل بعد ووقفا متجاورين ,فيما بدأ امام المسجد بالصلاة فحاول كريم جاهدا التركيز فى صوت الشيخ وهو يتلو بضعة آيات من القرآن الكريم بصوت رخيم ,حتى شعر بعضلات جسده المشدودة تسترخى تلقائيا الى أن وصل الى مرحلة الخشوع التام فى الصلاة.
بعد انهاء الصلاة والتسليم التفت أحمد نحو كريم يمد يده اليه مصافحا بقوة هذه المرة وهو يقول بسعادة:
-لم أسلّم عليك جيدا ,أين أنت يا صديقى منذ زمن ؟
تنهد كريم ارتياحا وهو يقول بانشراح عجيب بعد أن كان يشعر بانقباض فى صدره:
-الدنيا مشاغل يا ميدو.
ابتسم صديقه بمحبة حينما لقبّه بلفظة التدليل المعتادة بينهما منذ بضعة سنوات حينما تعرفا الى بعضهما بالمصادفة كما التقيا الآن وقام واقفا على قدميه يسحب كريم بدوره حتى ينهض قائلا:
-أستعجب أنك ما زلت تذكرنى ,فقد مرّ على آخر لقاء لنا فترة طويلة وظننت أننى أصبحت طى النسيان.
خرجا من المسجد سويا وانحنى كريم بجانب الرصيف يعقد رباط حذائه بينما كان أحمد مرتديا لخف منزلى بسيط فسأله كريم بفضول عن السبب حتى أجابه صديقه بخفة:
-لأننى أسكن قريبا من هنا ,وعلى الدوام آتى الى هذا المسجد من أجل صلاة الفجر ولكنها أول مرة اشاهدك فى الجوار.
مشيا الهوينى جنبا الى جنب فيما صرّح كريم قائلا:
-كنت مارّا من هنا وصادف أننى سمعت آذان الفجر فقررت الدخول الى أقرب مسجد.
صدرت عن أحمد ضحكة خافتة وهو يقول بمرح:
-هل كتب علينا أن نلتقى دائما بالمصادفة ؟ حتى تعارفنا كان مصادفة غريبة !
اعترف كريم:
-نعم أنها صداقة من نوع مثير للدهشة والعجب , أخبرنى يا ميدو هل ما زلت تعمل بنفس المجال ؟ أعنى بالتسويق العقــارى ؟
أومأ له أحمد برأسه وهو يستفيض فى الحديث قائلا:
-أنا كما أنا منذ أن تعرفت الىّ ولكننى أتساءل عن أحوالك أنت ,يبدو لى أنك قد تغيّرت كثيرا يا كيمو.
دوّى صوت ضحكاتهما المشتركة مجلجلا فى الفراغ وقد بدأت خيوط النهار فى الظهور كعذراء خجول على استحياء ,وأخذ كريم يستنشق الهواء النقى المتجدد قبل أن يلوثه زحام السيارات المارقة وزقزقة العصافير فوق الأشجار تعزف لحنا نادرا حيث أن هذه المنطقة تشتهر بأشجارها الكثيفة التى تظلل جانبى الطريق ,كرّر أحمد عبارته الأخيرة بصيغة مختلفة:
-ما بك يا صديقى ؟ ما لى أراك شاردا وكأنك تحمل هموم الكون على كتفيك ؟
ابتسم كريم بتكلّف هذه المرة قبل أن يجيب بصراحة قائلا:
-بعض المتاعب.
-فى العمل ؟ أم فى حياتك الشخصية ؟
-حياتى ... !! أعتقد أنه لم تعد لى حياة من الأساس حتى تواجهنى المتاعب بها.
اندهش أحمد فقال مصدوما:
-الى هذا الحد وصل بك الضيق ؟ اسمع ,, منزلى على بعد خطوتين لمَ لا تأتى معى ونفطر سويا ؟
حاول كريم التملّص من دعوة صديقه المفاجئة الا أنه ما لبث أن اذعن تحت اصرار أحمد الذى لا يلين وهو يقول غامزا بعينه:
-وسنفطر كما الأيام الخوالى , ألم تشتاق للفول والفلافل يا ابن الذوات ؟
اعتاد أن يطلق عليه هذا اللقب بعد معرفته بانتماء صديقه لعائلة من أكثر العائلات ثراءا ونفوذا بالبلد كله وكما كانت على الدوام علاقتهما الوطيدة المثيرة للعجب والتى تكمن الاثارة فى تفاصيلها الى اختلافهما الشديد سواءا بالشخصية أو بطبيعة العمل أو بالنشأة حيث ينتمى أحمد لما يعرف بالطبقة المتوسطة بينما كريم يعد واحدا من أبناء الطبقة المخملية.
-اذا كان الفول بالزيت الحار فلا مانع لدىّ على الاطلاق.
أكمل أحمد حديثه بخفة ظل:
-ولا تنسَ الفلافل المقليّة فى زيت السيارات.
وضرب الاثنان كفيهما ببعض متجهين نحو منزل أحمد القريب ,وهذه كانت المرة الأولى بالنسبة لكريم فصداقتهما اقتصرت فى الماضى على الخروج سويا اضافة الى بضعة مكالمات كل فترة.
تلّهى كريم عن مصيبته بالاستماع الى ثرثرة أحمد التى لا تنتهى.
وقد توقفا أخيرا أمام احدى البنايات التى لا يتجاوز عدد طبقاتها أصابع اليد الواحدة وتحيط بها حديقة صغيرة مسيّجة بسور قصير قبل أن يقول أحمد بفخر واعتزاز:
-ها قد وصلنا , تفضل بالدخول الى منزلى المتواضع.
-فى أى طابق يقع منزلك ؟
سأل كريم وهو يندفع نحو باب البناية المعدنى الا أن أحمد استوقفه ليدير وجهتهما نحو باب جانبى صغير يصل الى الحديقة قائلا:
-يمكنك اعتبار الـعـقار كله ملكى , الا أننى أسكن بالطابق الأرضى , تعالَ معى وتمتّع بالزهور والخضرة من حولك.
ارتفع حاجبا كريم اندهاشا فقد فوجئ هذه المرة بحق ,يبدو أن جعبة صديقه لم تخلُ بعد من المفاجآت التى تنتظره ,ثم تبعه كظله الى الداخل.

**************

SHELL 18-01-20 07:54 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
أطل الصباح مشرقا ببهجة لم تشعر بها على الاطلاق ,واتخذت قرارها المتسرّع فور استيقاظها من النوم ,, لن تتراجع ,سوف تتحكّم مسار حياتها من الآن فصاعدا ,لن تنتظر غيرها ليقرّر نيابة عنها وكأنها قاصرا أو لديها قصور فى التفكير ,أمسكت بالمقص الكبير وأدارته عدة مرات فى خصلات شعرها البنيّة الطويلة والتى كانت تصل الى منتصف ظهرها.
تطايرت خصلاتها المقصوصة فى الهواء تتساقط تحت قدميها كأحلامها التى ذهبت أدراج الرياح ,كانت تتحرك كالآلة التى لا تشعر ولا تتألم بينما عبراتها الخائنة تغرق وجهها كدليل دامغ على ضعفها الواضح ازاء قرارها الجرئ ,لن تعود مرة أخرى الى خنوعها واستسلامها لكل من حولها يدير حياتها ويتحكّم فى مصيرها ,,ستتمسّك بدفة القيادة هذه المرة ,لن تبقى فى انتظار أحدهم ليعتذر أو ليطيّب خاطرها المكسور ,ستشق طريقها بنفسها ,وستصبح سيدة نفسها ,ريم القديمة قد ماتت واندفنت واليوم ستولد ريم جديدة مختلفة تماما عن السابق.
وأول قرار اتخذته أن قامت باخراج جميع ثيابها القديمة المعلّقة بالخزانة ورميها على الفراش ثم أسرعت الى أعلى الدرج تنادى على الخادمة بصوت جهورى أفزع الفتاة التى لم تكن معتادة على طريقتها الجديدة وهى تصرخ عدة مرات:
-سماح ,, سماح ,, أين أنتِ ؟
فأتت الأخيرة مهرولة بخوف وفزع وهى تجيب بخضوع:
-نعم يا آنسة ريم , أنا هنا.
فعادت ريم الى غرفتها تلحق بها سماح على وجل وهى تتضرع الى الله ألا يكون مكروه قد أصاب سيدتها الصغيرة ,شهقت الفتاة حينما دلفت الى الغرفة وهى ترى أكوام الثياب الملقاة هنا وهناك بيدى ريم التى لم تكف عمّا تفعله وكأن مسا من الجنون قد أصابها ,وحاولت سماح أن تمنعها مهدئة لها بقولها :
-ماذا يجرى يا آنسة ريم , لماذا تلقين بثيابك على الأرض ؟ كفى الله الشر !
اقتربت منها تنشد التقاط القطع الطائرة بالهواء فمنعتها ريم بحركة من يدها لتقول بصرامة:
-خذيهم كلهم ,تخلّصى منهم , ألقى بهم فى صندوق القمامة أو فلتحرقينهم .. لا تتركى شيئا أبدا.
وقفت الفتاة تحملق فى سيدتها ببلاهة وقد راعها ما لاحظته ,فعلى ما يبدو أن يدا آثمة قد امتدت الى خصلات شعرها الحريرى لتغتال خصلاته الطويلة باجحاف بيّن , فعاودت ريم الصراخ فيها قائلة:
-ما لكِ تقفين جامدة كالتمثال ؟ ألم تسمعيننى ؟
تلجلجت سماح بالرد وهى تغمغم:
-و .. ولكن ,, يا آنسة ريم ,, كيف يمكننى احراق كل هذه الثياب , أنها ... أعنى لماذا ؟
-ليس من شأنك مناقشة اوامرى يا سماح , فقط نفذى ما أطلبه منكِ , لا أريد أن تقع عيناى عليهم مرة أخرى.
مطت سماح شفتيها بحسرة تنوح بمرارة بينما تلتقط الملابس الأنيقة ذات الماركات المعروفة من كل صوب:
-يا للخسارة ! يا للخسارة !
كانت بعض الثياب ما زالت بحالتها جديدة وأخرى لم تمس من قبل ,ولم تعرف سماح أكانت تنعى جريمتها بقص شعرها أم رغبتها باهدار هذا الكم من الأموال لتذروه الرياح أو تلتهمه النيران ,راقبتها ريم وهى تقوم بعملها صامتة بعد أن حدّجتها بنظرة رهيبة جعلتها تبتلع لسانها ,شعرت بالتعاطف معها وهى تتأمل ما تلتقطه بين أصابعها باعجاب وذهول وكأنما قرأت أفكارها فقالت بصوت أهدأ:
-سماح , يمكنك أن تأخذى منها ما تشائين.
رفعت الفتاة بصرها نحو ريم وكأنها تتساءل هل حقا تفوّهت بهذه الكلمات أم أنها تحلم من شدة رغبتها باقتناء ولو قطعة واحدة من هذه الثياب البالغة الأناقة ذات الأقمشة الثمينة , فاستطردت ريم بجدية:
-ولكن لا ترتديها وأنتِ قادمة الى هنا ,فقط احتفظى بهم جميعا لجهازك.
-جميعهم ؟ ولكن هذا كثير يا آنسة ,ألا تريدين الاحتفاظ حتى ببعضهم على الأقل ؟
هزت ريم رأسها نفيا بحدة وهى تعاود الانفعال مجددا لتقول بحزم:
-كلا ,لا تشغلى بالك فأنا لست بحاجة اليهم ,هيا أسرعى باحضار صندوق لترتبى ثيابك الجديدة بداخلها.
ومنحتها ابتسامة مريرة لم تصل الى شفتيها فأومأت الخادمة ايجابا وهى تهرع الى الأسفل حتى تنفّذ رغبة ريم بيد أن قلبها على سعادته بهذه المنحة كان يصرخ ألما من أجل سيدتها التى لا يبدو عليها أنها بخير على الاطلاق ,منذ الأمس وهى على حال غير الحال ,كأنما تبدلت الى فتاة لا تعرفها ولا تفهمها ,ماذا حل بها ؟
قالت بصوت منخفض تدعو الله:
-فلتحمها يا رب وتمنع عنها كل شر.

****************

SHELL 18-01-20 07:55 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
انتهى الفصل الثانى

http://mahfelgalery.persiangig.com/%...%D9%86/190.gif

SHELL 20-02-20 07:30 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
الفصل الثالث
************

هل أتصل به ؟ أم لا ؟
ظلت فكرة اجراء هذه المكالمة تراودها بين الحين والآخر ,لا تجرؤ على الاقدام على هذه الخطوة كما لا تستطيع اقصائها من بالها ,عانت الأمرين مع ابنها بعد كشفه لحقيقة العلاقة القديمة بينها وبين صلاح على الرغم من نقاء هذه العلاقة وخلوها من كافة الشبهات ,وهى تتفهم مشاعر كريم جيدا فهو نشأ دون أب الى جواره وكانت هى بالنسبة له الأم والأب معا ,تعلّق بها بشدة واعتبرها آية مقدسة لا يمكن المساس بها فمن الطبيعى أن يشعر بالصدمة ويغار عليها أيضا ,فيرفض الاعتراف بحقها فى الاحساس بمشاعر الحب مع رجل آخر حتى وهى أرملة لرجل هجرها بارادته واقتسم الحياة بحلوها ومرها مع امرأة أخرى ,أجمل منها وأصغر سنا ... بينما بقيت هى زوجته اسما فقط حتى توفاه الله.
ولا تنكر أنها خائفة للغاية من رفضه لأية صلة بها خاصة وقد سبق وأعلنها صراحة أنه لا يقبل أية علاقة تربط بين ابنته وابنها ... ابن وجدى ,وفى قرارة نفسها تولّد شك رهيب بأنه رافض لوجودها هى بحياته بأية صورة من الصور ... فكيف تجرؤ على الاتصال به لتسأله المساعدة ؟
حسمت هناء ترددها أخيرا وقررت أنه من الخير أن تقوم بالمحاولة وتتحمّل كافة نتائج هذه المغامرة الغير محسوبة العواقب ,,, لا يمكن أن تبقى بهذا الوضع تتقلّب على نار هادئة فلتفعلها والآن ... نعم الآن حتى لا يغلبها التردد فتتراجع مرة أخرى ,, سوف تهاتف صلاح ... وببطء شديد لمست بأطراف أناملها شاشة هاتفها تبحث عن اسمه مسجلا فى قائمة الاتصالات ,وكادت أن تضغط على زر التأكيد لاجراء المكالمة قبل أن تندم على ضياع الفرصة ,فظل أصبعها معلقا على بعد سنتيمترا واحدا وتسمّرت كليا وكأن عقلها قد شل عن التفكير أو القدرة على التصرف ,فقدت احساسها بمرور الوقت وهى على ذات الحال ... ثم تنهدت بعمق وأسبلت جفنيها لتتراقص صورة بخيالها ... صورة وجدى التى أخذت تتضخم وتتضخم بينما تحاول هى يائسة أن تمحوها من ذاكرتها لتحل محلها صورة أخرى لرجل وقور , ربما هو ليس أكثر وسامة بيد أن ملامحه مألوفة وعينيه تشع دفئا ملحوظا وصوته يرن بأذنيها .. حانيا رقيقا ,ثم وبأقل من جزء من الثانية أجرت اتصالها ,ظنت أن صوت الجرس أخذ يرن الى ما لا نهاية ,وأملت أنه ربما لن يجيب على مكالمتها ,تجاهلا منه لها أو ...
-آلو.
صوته الرزين تردد حتى ملأ كيانها وتشعب الى أعماق خلاياها فتسلل الى قلبها الذى كان يدق متسارعا وكأنها عادت فتاة مراهقة تتخفى لترتشف قطرات العسل من حبها الأول ,,, مهلا لم يكن أبدا حبها الأول ,, كان وجدى هو من أسر قلبها الصغير البرئ وكيف لا وهو صديق طفولتها وفتى أحلام مراهقتها ,, الأدق بالتعبير هو أنها كانت مفتونة به الى درجة أعمتها عن رؤية أى شخص آخر ,حملها اعتقادها بأنها بزواجها من ابن عمها سوف تحافظ على نصيبها من الميراث وتنال حقها الذى حرمها منه عمها المتسلّط المتحجر القلب ,لم تدرك أنها بيديها حفرت قبرها ورسمت لوحة بؤسها وشقائها الأبديين فخسرت نفسها.
-آلو ... هناء ؟ هل أنتِ معى ؟
صوته الذى عاد يتردد فى اذنيها أعادها للواقع فابتلعت ريقها بصوت مسموع قبل أن تنجح فى قول كلمة واحدة :
-نعم.
خرج صوتها خائفا مرتجفا يكشف عن مدى توترها وقلقها ..
-هل أنتِ بخير ؟
-نعم ,كيف حالك ؟
-الحمد لله.
-وهديل ؟
اعتقدت بسماعه يزفر بحرقة قبل أن يقول بجمود:
-بخير كما تعرفين.
ضاقت عينها وهى تقول بتمعن:
-ما هو الذى أعرفه ؟ هل ألم بها شئ ما ؟
-أتحاولين خداعى أم اقناعى بأنكِ لا تعرفين حقا يا هناء ؟
-ما هو الذى أحاول خداعك بشأنه ؟ صلاح أنا لا أفهمك .
-بخصوص هديل ... لقد قام ابنك بازاحتها من طريقه فنقلها الى قسم آخر لا يتناسب معها أبدا ألقاها بعيدا كلفافة من القمامة حتى لا تلوّث مكتبه.
-ماذا تقول ؟ هل أنت جاد ؟
كان صوتها مستنكرا صريحا فعلى ما يبدو أنها صادقة فى نفيها لمعرفتها بالأمر حتى أخذت حدة لهجته تخف تدريجيا فاستطرد بهدوء:
-نعم هذا ما حدث فعليا.
-وما هو السبب ؟
-لا أكاد أصدق نفسى ,, هل تمزحين معى ؟ السبب ؟ السبب بسيط هو ينتقم منى بازدرائه لابنتى الوحيدة ... قرة عينى .. يؤذيها هى ليؤلمنى أنا ... ولو كان رجلا حقا لواجهنى شخصيا دون اللجوء لمثل هذه الطرق المتدنية ...
- مهلا يا صلاح .. ربما ليس الأمر كما تتصور ..
-أرجوكِ يا هناء .. لست غرا حتى لا تصلنى الرسالة الغير مكتوبة ,أنتِ لا ترين كيف هو حالها الآن ,لن تعرفينها بلا شك اذا مرت الى جوارك ,أصبحت صامتة مكتئبة , تأكل بالكاد ما يكفيها لتعيش وبعد الحاح وضغط منى ,,, لم تعد ابنتى التى أعرفها حتى ملامحها تغيرت .. وبعد هذا كله تقولين أن الأمر ليس كما أتصور.
-أقسم لك أننى لك أكن أعرف بما جرى ,صلاح ... أنت لا تظن بأننى أنا وراء هذا القرار ؟
كان فى صوتها رنة استعطاف ورجاء أن يبرئها من هذه الجريمة بحق وحيدته فأجابها ببطء :
-لا يهم يا هناء من كان وراء هذا القرار , كل ما يعنينى هو ابنتى ,أننى أفقدها كل يوم ... أريد استعادة هديل , أريد ابنتى التى أعرفها ...
وكانت آخر كلماته صراخا وكأنه يستجير بها لتنقذ غاليته من الضياع ,فشهقت هناء متألمة ثم أردفت قائلة بنشيج باكٍ :
-صلاح أهدأ بالله عليك , لا تفقد تماسكك وثباتك فهديل الآن بأمس الحاجة لمساندتك ودعمك ,,, لا أدرى ماذا اقول ولا كيف أتصرف ,أنا نفسى لم أعد أصدق تصرفات كريم هذه الايام ,صار شخصا غريبا عنى ليس هذا ولدى الذى ربيته بيدى ,بحياته لم يؤذِ أحدا عن عمد ...
قاطعها صلاح هادرا:
-ولكنه مع ذلك أذى ابنتى , مع سبق الاصرار والترصد.
هتفت هناء بلا وعى :
-هو يحبها ...
ردد صلاح مذهولا:
-يحبها !! كيف تريدين منى التصديق ؟
-نعم ,أنا متأكدة من ذلك ,هو اعترف لى بنفسه ...
-بالرغم من عدم اقتناعى بما تقولينه الا أنه هذا لا يفيد بشئ ,فما نفع هذا الحب اذا ما كان دافعا لالحاق الأذى بها بهذا الشكل ؟
أغمضت هناء عينيها وقالت بصوت مرتعش:
-أحيانا نؤذى من نحب بدون ارادة منا ,أو على الأقل نتصرف هكذا باضطرار.
-لااااااا ,عندما نحب حقا نضحى من أجل من نحبهم ,نبذل النفيس والغالى من أجل اسعادهم ,ربما يصل الأمر الى حد ايلام النفس حتى نحميهم من الأذى , ولو وصل الأمر الى اتخاذ قرار الابتعاد عن حياتهم ولو كان هذا هو الموت بعينه.
عبارته اصابتها فى الصميم مباشرة ,أنه يتحدث عن مشاعره نحوها التى دفنها عميقا حتى لا يؤثر على حياتها مع وجدى بعد أن فضلّته عليه ... كان جرحه ينزف بغزارة رافضا الالتئام حتى مه مرور كل هذه السنوات ... غاضبا منها ومن قرارها الظالم بحقه .. اعترفت ببساطة:
-أحيانا ... نتصور أننا نحميهم بهذا القرار والعكس هو الصحيح ,ربما كان علينا أن نقاتل من أجلهم بدلا من الانسحاب.
قال بسخرية مريرة:
-الحب ليس معركة ... طرف يفوز والآخر خاسر ,,, أنه اتحاد روحين ,تؤامة قلبين ,اندماج عقلين ,توافق كيانين سويا ,, ينتصر الطرفان معا أو يهزم كلاهما ...
قالت بأسى:
-أنت محق .. ولكن الندم لا يفيد ولا يعيد ما كان.
صاح وكله أمل ورجاء:
-هل أنتِ نادمة يا هناء ؟
اكتست ملامحها بالحزن وهى تجيبه بهدوء:
-نحن لا نتحدث عنى يا صلاح.
قال بجرأة:
-حقا ظننت لوهلة أنكِ ... تحاولين الاعتذار.
تساءلت هناء مدعية البراءة:
-لمن ؟
-لى.
-وهل أنا مدينة لك باعتذار ؟
أجابها بصراحة:
-أنتِ مدينة لى بحياة كاملة يا هناء.
لم تكن تريد أن يأخذ الحوار منحى شخصيا خاصا بهما فكامل اهتمامها كان منصبا بالأساس على كريم وهديل وعلاقتهما المستحيلة.
-لا أظن ذلك.
-لماذا تتصلين بى اذن ؟
تهربت من الرد بذكاء فبادرت بالقول:
-اسمعنى جيدا يا صلاح ,أنا لم أتصل لهذا الغرض ,كنت أود أن أقدم لك عرضا ,, وأعتقد أنك لن تستطيع رفضه.
قال مستنكرا:
-الى هذا الحد أنت واثقة ؟ ما هو هذا العرض ؟
-اذا التقينا يمكننى أن أشرحه لك تفصيليا.
-واذا أخبرتكِ أننى غير مهتم بهذا العرض المغرى.
-أعتقد أنك ستندم اذا لم تفكر بكلامى ,فلتعطِ لنفسك فرصة لاتخاذ القرار السليم ,كما ان هذا العرض سوف يساعدك على استعادة هديل.
لا ينكر صلاح أنه شعر باغراء شديد لمعرفة كنه هذا العرض الذى تقدمه هناء كما أنها قد أثارت فضوله واهتمامه أكثر حينما أتت على سيرة ابنته ,ما الذى يمكنه أن يعيد اليه هديل المرحة الباسمة مجددا ,والأهم هل يستطيع قبول مثل هذا العرض ؟
-أما زلت معى على الخط ؟
قال وهو يشعر بضيق بالغ :
-طبعا ,حسنا سوف أقابلك لأرى ما تعرضينه علىّ وان كان يستحق التفكير أم لا ,وأحذرك من مغبة التلاعب بى وبابنتى ,فأنا لن أتهاون فى حقها بتاتا.
تسللت ابتسامة خفيفة الى شفتيها وهى تقول بحبور:
-لا تخش شيئا فأنا الأخرى لا أقبل بالمساس بهديل ,مقامها غالٍ لدىّ وأعتبرها كابنة لى.
وأضافت فى سرها : مقامها غالٍ مثل أبيها.
-حسنا ,أين تحبين أن يتم اللقاء ؟
قالت حالمة بصوت خفيض:
-أفضل نفس المكان الذى التقينا فيه سابقا ,هل هذا يناسبك ؟
-وبنفس الموعد ؟
-وهل تذكره ؟
-لا أنسَ شيئا يخصك يا هناء.
غزا الاحمرار وجنتيها رغما عنها وحمدت ربها أنه لا يستطيع رؤيتها وهى على هذه الحالة من الخجل الا أنه يبدو كمن استشعر ما يجرى لها فأضاف بثقة:
-أراهن على أن خدودك قد صارت مثل ثمار الخوخ الطازجة ,هل أنا مخطئ ؟
تمتمت معترضة:
-صلاح ... لا يصح أن يقال هذا الكلام.
-ولمَ لا ؟
-لأنه ... لأننا ...
وعقدت الحيرة لسانها فلم تفلح فى اكمال عبارتها حتى أنقذها هو بقوله مباشرة:
-لأننا سنلتقى وحينها يمكننا أن نتحدث بحرية وجها لوجه.
-أنت غير معقول !
ورنت ضحكتها القوية فى أذنيه مما حدا به أن يتخيّلها كصورة حقيقية مرئية أمام عينيه وود لو استطاع أن ينزع عنها قناع الحزن الذى يكسو ملامح وجهها على الدوام فتكافئه بابتسامة دافئة تنير دربه فنادرا ما كانت تبتسم بالآونة الأخيرة على ما يتذكر.
-لنرَ من هو الغير معقول بعد الاستماع الى عرضك.
-حسنا , اتفقنا.
-الى اللقاء اذن.
وبعد أن أغلقت هاتفها ظلت تحتضنه بصدرها وكأنها تتمسك بآخر بصيص من الأمل لها لاستعادة حياتها الضائعة وابنها الشارد.
أنها تعلّق آمالا واسعة على قبول صلاح بما تريد فهو منقذها الأخير.


#############

SHELL 20-02-20 07:33 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
فى حفل عائلى بسيط ضم الأهل والأقارب تمت خطبة ليلى وخالد بمنزل الجد عبد الله والذى كان مكونا من طابقين ,وقد تمت دعوة جميع أفراد عائلة الشرقاوى للحضور ,فلم يتخلّف منهم أحدا الا من كان مسافرا الى الخارج.
كانت ريم قد جاءت بصحبة كريم وقد تألقت بثوب من الشيفون الأزرق يعلو احدى كتفيها بحمالة عريضة بينما يترك الكتف الآخر مكشوفا ويصل الى ما فوق ركبتيها بمسافة متوسطة كاشفا عن ساقين رشيقتين مائلتين الى النحافة لينتهى بحذاء صيفى باللون الذهبى الفاتح ذى كعب مرتفع مما أعطى لقامتها طولا اضافيا منحها ثقة أكثر بينما مشطت خصلات شعرها البنية القصيرة بطريقة عصرية مواكبة واكتفت بطلاء شفاه وردى خفيف وظلال عيون بنفس لون ثوبها , ولم يبدر عنه أى اعتراض على تغيير نمطها الكلاسيكى المعتاد بل بدت فى عينيه نظرة مشجعة وكأنه يؤازرها فى مواجهة سيف الذى كاد أن يشتعل غضبا حينما لمح قصر ثوبها البالغ من وجة نظره الا أن آثر التزام الصمت خشية اثارة فضيحة علنية وافساد الحفل ,وقد راوده هذا الخاطر كثيرا ... افساد حفل خطبة ليلى ,, اذا أخبره أحد منذ سنوات خلت أنه سوف يكون من ضمن المدعوين لحضور مثل هذه الخطبة لكان ثار بوجهه واتهمه بالجنون المطلق ,الا أنه يجد فى نفسه السكينة والهدوء الآن لولا شرارات خضراء متطايرة من عينى المرأة التى أصبحت زوجته اسما فقط تنبهه الى ضرورة أخذ الحيطة من تصرفاتها التى ربما قد تتسبب بكارثة محققة وقد وجد نفسه يتأملها مرة بعد أخرى بثوبها الساتان الأحمر الطويل والذى يصل الى كاحليها وله كمين من الدانتيل المخرم بالكاد يصلان الى مرفقيها ,
كانت تسير الى جانبه محاولة الحفاظ على خطوة متناسقة وأنيقة بينما قلبها يدق معلنا عن سباق ماراثون وهى تتنسم عطره الرجولى المثير وتشبع جوع عينيها لتقاطيع وجهه الوسيمة بينما بزته الرمادية الفاخرة تشى بذوق رفيع وثراء فاحش لتشعر بفخر كونها زوجة لرجل مثله يتمتع بكافة مقومات الزوج المثالى فتحسدها عليه الكثير من الفتيات ,وقد أطاعته تماما دونما أى اعتراض حينما وجهها نحو العروسين لتقديم التهنئة لهما.
كان هناك الكثير من المدعوين يلتفون حول العروسين السعيدين مما جعل الرؤية عسيرة عليها فلم تتبيّن وجه العريس جيدا الا أنها شعرت بحركة جسده مألوفة لها أكثر من اللازم.
ثم وجدت نفسها تقف أمام خالد وخطيبته الحسناء التى تبتسم له بطريقة حميمية ,شعر سيف بها تتجمد مكانها فحدجها بنظرة متساءلة قبل أن يمسك بيدها بتملك واضح متقدما لمصافحة الرجل الذى تعرفه أكثر من أى شخص آخر بهذا المكان ... مد يده يصافحه بقوة قائلا ببرود:
-تهانىّ لك يا ... خالد.
والتفت الى ليلى التى تجلس الى جوار خطيبها المزهو فانحسر فستانها الأرجوانى القصير والذى كان متدرجا من اللون الفاتح الى الداكن كاشفا عن جزء لا بأس به من ساقين بلون الحليب ,فقام بتهنئتها هى الأخرى بجمود:
-مبارك لكِ ليلى ...
مدت يدها اليه فالتقطها واحتفظ بها لفترة دامت لثوانٍ معدودة وهو يضغط عليها برفق ,ارتجفت ليلى قليلا من جراء لمسته العفوية كما بدت وهى تتمتم بصوت منخفض:
-شكرا لك
سمع همسة خالد التى أفلتت منه مرغما:
-مها ..
أخذ يراقب نظرات خالد التى تلتهم وجه زوجته بنهم فشعر بضيق لا يعرف له سببا قبل ان يستطرد مردفا:
-أقدم لكما زوجتى ... مها ,بالمناسبة هل تعرفان بعضكما ؟
أمام نظرات الثنائى المذهولة وقد فغر خالد فاه وحركه عدة مرات قبل أن يقول بصعوبة دون أن يعى نظرة التحذير التى رمته بها مها:
- نعم , مبارك لكما يا ... سيدة مها.
نظر سيف بتساؤل الى زوجته وهو يستجوبها آمرا:
-عذرا ,لم أفهم ما هى الصلة التى تربطكما .
أجابت مها بخوف وهى تجاهد لتدفع بابتسامة واهية على شفتيها الا أن الأوان قد فات وأدرك سيف مدى ترددها وارتباكها:
-أننا جيران.
-جيران !
-نعم بمنزلى ...أقصد بمنزل عائلتى القديم.
بينما قالت ليلى بشفتين مرتعشتين:
-متى تزوجت ؟ ثم ألم تكن ... ريم ...
وتعثرت بكلماتها المتقطعة فبادر هو بالقول قبل أن يصدر عنها أى تصريح عن علاقته بريم:
-لقد تزوجنا منذ مدة قصيرة ... بعد قصة حب طويلة , أليس كذلك يا حبيبتى ؟
ورنا بنظرة ذات مغزى الى مها فأخذت تهز رأسها موافقة وهى لا تجد فى نفسها القدرة على تبادل الأحاديث فاستطرد مقررا:
-نأسف اذا لم ندعوكما ولكننا ماذا اقول ...
وفرك جبهته باحثا عن الكلمة المناسبة قبل أن يفرقع اصبعيه قائلا بانتصار:
-كنا على عجلة من أمرنا ,أنت تعرف كيف يتصرف المرء حينما يصير عاشقا .. يا خالد.
ونظر له ثم الى ليلى يراقب ردة فعلها التى لم تفلح فى اخفائها فأشاحت بوجهها بعيدا حتى لا يلمح دموعا وليدة تترقرق بعينيها ولكنه أدرك أنها تعانى وبشدة حتى لا تفلت عبراتها مما أثلج صدره فها هو يستغل زيجته المدبرة والتى أقدم عليها مرغما فى الثأر لكرامته الجريحة ,أما خالد فكان أكثر براعة من خطيبته فى اخفاء مدى تأثره برؤية مها ... محبوبته السابقة ... وهى زوجة لرجل آخر ,والأنكى أنه قريب لخطيبته فعلى ما يبدو أنهما سوف يلتقيان كثيرا بعد الآن ,مع الاعتراف الجزئى بالحقيقة : انهما حقا جيران ولكن ما أخفته مها كان أكبر بكثير.
قال سيف بطريقة مسرحية مبالغ فيها:
-آه ها هى ريم يا ليلى قد أتت تبارك لكِ , كنتِ على ما أعتقد تسألين عنها ... وكريم أيضا ,يا له من اجتماع لجميع الأقارب !
تقدم الاثنان السابق ذكرهما لمصافحة العروسين يتبعهما السيد مجدى وزوجته فريال ,بينما تقدمت السيدة شريفة بخطوات بطيئة ثابتة تستند الى ذراع كنتها هناء لتطبع قبلة على خد العروس قبل أن تمنحها ابتسامة عذبة وهى تقول بحبور:
-تهانىّ القلبية , بارك الله لكما.
فضمتها ليلى الى صدرها وهى تقول بتأثر:
-شكرا لكِ أنّا شريفة ,مشاركتك لنا أنتِ والعائلة فى هذا الحفل يشرفنا ,,, جدى سوف يسعد للغاية حينما يعلم بحضوركم.
تألقت عينا السيدة شريفة ببريق لامع حينما أتت سيرة عبد الله قبل أن تتراجع مفسحة المجال لهناء حتى تقدم مباركتها هى الأخرى وقالت بطريقة عادية نجحت فى اخفاء لهفتها:
-أين هو ؟ أننى لا أراه قريبا.
كانت تتلفت حولها تبحث عنه وفوجئت بالشخص الذى تاقت لرؤيته ماثلا أمامها بشحمه ولحمه ,كان مرتديا حلة كحلية اللون أنيقة زادت من وسامته قبل أن يقول برصانة ووقار بينما يمد يده يلثم ظاهر يدها:
-شريفة هانم ... يسعدنا أنكِ قد لبيّتِ الدعوة ,والعائلة أيضا.
-كيف حالك ؟
-بخير.
وأخذ بيدها يقودها فى الزحام بعيدا عن رفقتهم قائلا برفق:
-اسمحِ لى ,سوف نذهب لمكان بعيد عن الضوضاء والصخب, أنتِ تعرفين كم يصبح الشباب مزعجين فى حفلات هذه الأيام.
رافقته الجدة شريفة وقد حركت رأسها بموافقة ضمنية دون أن ينتبها لنظرات أحفادها وابنتها وكنتها المشيّعة لهما باندهاش ما عدا مجدى الوحيد الذى وقف صامتا لا يبدو عليه الانتباه لما حدث أمام عيونهم حتى قامت زوجته بتوجيه الحديث اليه فقالت هامسة فى أذنيه:
-مجدى , هل رأيت ما حدث ؟
أعارها كامل اهتمامه فابتسم لها برقة وقال متساءلا:
-ماذا حدث يا فريال ؟
أجابته بانفعال وهى تشير الى والدتها التى اختفت بين المدعوين هى والجد عبد الله:
-ماما وعمى ؟
-ما بهما يا حبيبتى ؟
-لقد اختفيا فجأة ودون أن تخبرنا بأية كلمة.
قال ببساطة وهو يتأمل المكان من حولهما:
-لا بد أنهما منزعجان من صوت الموسيقى المرتفع.
-عم تبحث يا مجدى ؟
انحنى نحوها قبل أن يقول باغراء واضح:
-كنت أبحث لنا عن مكان هادئ , فلا طاقة لى على احتمال مثل هذه الاحتفالات بازدحامها وصخبها ... هاه وجدته تعالِ معى فريال.
وجدته فجأة يسحبها من ذراعها بحنان دون أن يترك لها فرصة للاعتراض أو حتى ابداء الرأى فقالت بصورة مشاكسة بينما تتبعه برضا داخلى:
-ولكن ماذا اذا أردت أن أتابع الحفل ؟
ارتفع حاجباه بتساؤل وهو يضيف بقلق:
-هل تقولين أنك تفضلين الاستمتاع بالحفل على مرافقتى ؟
توقف عن متابعة السير فأخذت فريال تتأمله بحب بالغ وهى تهز رأسها نفيا قبل أن تقول بصوت غريب عنها:
-كلا طبعا ,أنا سوف أتبعك الى آخر العالم اذا طلبت منى ذلك.
واستطردت بقوة وهى تشير الى صدره:
-فمكانى بقلبك أنت فقط.
اتسعت ابتسامته الجذابة فوق شفتيه فرفع يدها الأخرى الى شفتيه وهو يقول غامزا:
-حسنا يا سيدتى الجميلة , أتسمحين لى بالذهاب معكِ ولكن ليس الى آخر العالم فقط الى ركن بعيد فى نهاية هذه الحديقة.
سارت الى جواره متأبطة ذراعه بحب وسعادة وهى تقول باستسلام:
-كلى ملكك.

#############

SHELL 20-02-20 07:39 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
انتحى كريم بها فى جانب أكثر هدوءا محافظا على مسافة بينه وبين سيف منذ تلك الليلة المشهودة ,ثم بادرها بالقول بلهجة مؤنبة:
-ريم .. أرى أنكِ قد تسرعتِ بمسألة قص شعرك ,لماذا فعلتِ هذا ؟
نظرت له بملل قبل أن تقول بلا مبالاة:
-أف ألا يمل أحد من هذا الحديث المكرر ؟ جميعكم صار فجأة مهتما بأمر قصة شعرى , لا ادرى لم تلوموننى على اتخاذى لقرار يخصنى أنا وحدى ؟ بينما لا أجد واحدا منكم اعترض ولو بحرف واحد على تصرف السيد سيف ... لقد تزوج ودون علمنا ,وماذا ايضا ؟ كان لديه الجرأة لاحضارها الى منزل العائلة ولم يكتفِ بهذا أنه يطالب بالترحيب بها وكأن هذا حق اصيل لها.
وضع يديه بخاصرته وقال متذمرا:
-اسمعينى , أعرف أنك تشعرين بضيق لما حدث ولكن ...عليكِ التحلّى بالهدوء والصبر فلا أعتقد أن هذه الزيجة سوف تدوم.
قاطعته بنزق هذه المرة وهى تلوح بيدها فى الهواء بعصبية:
-لا يا كريم , اسمعنى أنت ... لمَ علىّ أنا أن أكون الصبور التى تتحمّل نزوات الجميع , تلهون كما تشاؤون وتتصرفون على هواكم بينما أنا الوحيدة المقيّدة بالعادات والتقاليد والأصول ...وبصراحة شديدة لا يهمنى اذا دام زواجهما أم انفصلا.
نظر لها كريم بتمعن يحاول استكشاف حقيقة مشاعرها بالنسبة الى ابن عمه فسألها بفضول:
-هل هذا يعنى أنكِ لستِ غاضبة من زواج سيف ؟
-كلا أنا غاضبة جدا , اشعر بأن ليس لغضبى حدود كدت أن أجن حينما علمت وبهذه الطريقة المهينة ,ولكن كما يقال أن تصل متأخرا أفضل من ألا تصل على الاطلاق.
-ماذا تعنين ؟
أشاحت بوجهها بعيدا عنه حتى لا يرى نظراتها المتألمة فقالت ببؤس:
-أقصد أننى قد تعلمت الدرس هذه المرة جيدا ,ولن أعود مجددا الى الخضوع والاستسلام.
أمسك بمرفقها يديرها نحوه وهو يقول بحنان:
-ريم .. لا تجعلى ما حدث يدمرك ويغيّر من شخصيتك ,أنتِ الأفضل بلا شك , لقد تصرّف سيف بتهوّر ...
قاطعته قائلة بمرارة:
-يغيّر من شخصيتى ؟ وأين هى شخصيتى هذه التى تتحدث عنها ؟ لقد قام الجميع بالغائها تحت مسمى الاهتمام والحماية.
هز رأسه بشدة وهو يقول بتفهم:
-أعرف أنك تشعرين بالوحدة فجميعنا مشغولون ولكن لدى عودة رفيق وأميرة سوف تجدين من يرافقك ويسليك ...
اشارت له باتهام واضح:
-تعرف أننى وحيدة ؟ حقا يا كريم ! وهل تظن أنه بعد عودتهما من شهر العسل سوف تتحسن الأمور , كلا يا عزيزى سوف تصير للأسوأ ,ولكن مهلا أنا لست بحاجة الى أحد لا رفيق ولا أميرة ولا سيف ولا حتى أنت.
تراجع كريم للوراء مصعوقا بكم الألم والمرارة فى صوتها أهذه هى ريم ابنة عمه الصغرى ؟ مدللة العائلة ؟ ترى أهناك ما يجهله عنها ؟
-ريم ! نحن سنحاول معا من جديد .
هتف بها بتأنيب وهو يحاول ضمها الى صدره كما اعتاد أن يفعل ليهدئ من روعها الا أنها أبعدته عنها بخشونة متعمدة وهى تصيح بانفعال بالغ:
-ابتعد عنى , لا تقترب منى ! أخبرتك أننى لم أعد ريم القديمة المستسلمة لكل من هب ودب يتحكّم بحياتها ليسيّرها على هواه ,من الآن فصاعدا سأعيش بطريقتى الخاصة وأتصرف كما اشاء ,لم يعد هناك مجالا لنحن يا كريم , للأسف جئت متأخرا ...
وأردفت باصرار:
-لا يوجد سوى أنا ... أنا فقط ,أفهمت يا كريم ؟ لن يتحكّم بى أحدكم مجددا حتى يرضى تسلطه الذكورى ورغبته بالسيطرة ,سئمت من أنانيتكم المفرطة وسعيكم للحصول على ما تتمنونه دون الاهتمام بمشاعر الآخرين فلا يهم اذا ما انجرحت ريم سوف نواسيها ونحاول مداواة جراحها , بسيطة ... أليس كذلك كما سبق وفعلت مع هديل ؟
ثم هربت من أمامه بلمح البصر وهى تشهق بالبكاء فانتفض قلبه ألما من أجلها ,, آه كيف لم ينتبه من قبل لتصرفاتها التى تغيرت ؟ ومزاجها الذى صار سيئا ؟ أم بريق عينيها الذى خبا ؟
تبا لك يا سيف ! قالها وشتم بسره وهو يفكر : كيف سيتعامل معها بعد الآن ؟ أنها مجروحة بشدة ومنهارة نفسيا الى درجة لم يكن يتخيّلها , أكان أنانيا الى هذا الحد معها ؟ وتذكر كلماتها .. ثم انحرف تفكيره الى فتاته الرقيقة الحالمة ... التى آذاها بيديه دون أن تهتز شعرة برأسه ؟ أكان قاسيا أكثر من اللازم ؟ كان يراها باستمرار عندما تحضر الى الشركة فيراقبها عن بعد دون أن تلمحه ,افتقد الى وجودها بحياته ,بعمله ,بقلبه , كلا أنها ما زالت تحتل قلبه ,لا يجرؤ على اخراجها تماما من حياته وكان يمكنه أن يفصلها من عملها نهائيا مقدما لها تعويضا ماليا كبيرا كما فعل سيف ولكنه آثر ابقائها تحت نظره مكتفيا بابعادها عن مجرى حياته ,وهل صار حاله أفضل ؟ اتهم نفسه بالكذب والخداع اذا ما حاولت اقناعه بذلك كما أنها هى الأخرى ,, هديل ,, لم تكن أحسن حالا منه ,فقدت الكثير من وزنها وهى بالأصل لم تكن يوما ممتلئة القوام وفقدت وجنتيها توردهما اللذيذ بينما غارت عيناها اللوزيتان وعرف أنها تقوم بعملها صامتة لا تجيب الا على قدر الحاجة ولا تبتسم أبدا ,واذا ما صادف أنها اضطرت الى المجاملة فابتسامتها لا تصل الى شفتيها ,الا أنها ما زالت كفؤة تعمل بجد ولا تفوّت ثانية واحدة الا لتستغلها لصالح عملها ,أتراه أخطأ بحقها ؟ ظلمها ... أنه ظالم ,وراعه الأمر كثيرا فأشد ما يكرهه بالحياة أن يظلم شخصا متعمدا ... وهو فعلها بدم بارد ,,, ظلم روحه ,,, نصفه الآخر ... هديله الحلوة ... عليه أن يصحح غلطته وبأسرع وقت ممكن ... هكذا اتخذ قراره.

#############

SHELL 20-02-20 07:41 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
حينما حاصرها كريم باصرار فرّت بارادتها الحرة قبل أن يقع القناع المزيّف التى تحاول التمسّك به حتى تستر به ضعفها البالغ وجرحها العميق ,ولكن الى أين المفر يا ريم ؟ اذا هربتِ من العالم بأكمله كيف لكِ أن تبتعدى عن عواطفك ؟ ماذا تفعل بقلبها الخائن الذى ما زال ينبض بعشقه حتى وهى تعلم بخداعه لها ,حتى وهى تراه أمام عينيها الآن واقفا متجمّد الملامح وهو يكوّر قبضتيه معتصرا بقوة ,لماذا يبدو غاضبا بهذا الشكل وهو ينظر اليها ؟ صرف جاسر على اسنانه بعنف وهو يشاهد معذبته على مرمى بصره ... فاتنة جدا ... هشة جدا ... والأدهى أنها ترتدى ثوبا قصيرا جدا ... يكشف الكثير من أجزاء جسدها البض ,كان يتأمل تفاصيلها بتمهل حتى وصل الى وجهها فارتفع نبض عرق بصدغه ,ثم أخذ يتقدم منها وهى تشعر كالفريسة التى تمت محاصرتها ,حاولت أن تفلت من بين يديه الا أن قدميها خانتها فكأن لا وجود لهما ,تسمّرت بذهول مكانها حتى دنا منها على بعد سنتيمترات معدودة وتحركت يده لمصافحتها وهو يقول مرحبا:
-أهلا ... ريم ...
كادت أن تستسلم لرغبة دفينة بداخلها حتى لا تصافحه الا أن عينيه الزرقاوين امتلأتا بغضب أعمى ترسلان تحذيرا صامتا لها بألا تتجاهل يده الممدودة فتركت نفسها تتصرف بحرية وقامت بحركة جريئة تقترب من جاسر وهى تقول ببشاشة مصطنعة :
-مرحبا جاسر ...
تصلبّت عضلات جسده حينما مست بشفتيها خده الأيمن تطبع قبلة خفيفة قبل أن يقبض على ذراعها بقوة مبعدا ايّاها لمسافة كافية حتى تواجهه وهو يهتف متساءلا:
-ما الذى فعلته للتو ؟
استطردت بثرثرة حتى تخفى دوافعها:
-لا بد أنك مندهش ,,, أتعنى تلك القبلة على خدك ؟ آه أنها عادة سيئة لا استطيع التخلّص منها للأسف , فأنا حينما أحيي سيف وكريم أفعل بالمثل ,, وأنت الآن أصبحت قريبا لنا , أليس كذلك ؟
ضافت عيناه لا ارادايا مما تناهى الى مسامعه ,هل تجرؤ على الاعتراف بهذه الجرأة والوقاحة أمامه بأنها تقبّل ابناء عمومتها بهذا الشكل الحميم كلما التقتهم ,والأكثر اثارة للغضب أنها تعتبره مثلهما ,اشتعلت نارا مستعرة بقلبه ,, هو يغار وبجنون , ألهمنى يا ربى الصبر والقدرة على التحمّل حتى لا أقدم على خنقها بيدىّ.
عض على شفتيه حتى كاد أن يدميهما وهو يقول مهددا بعنف:
-سبق وأخبرتك من قبل يا ريم لا تجرؤى على مقارنتى بالآخرين .. أنا .. جاسر اذا كنتِ لا تذكرين أستطيع أن أنعش ذاكرة السمك خاصتك بطريقتى .
شعرت برهبة من لهجته القاسية الا أنها تمادت باندفاع أحمق لاغاظته فقالت بتؤدة :
-هل أفهم أنك تريد معاملة خاصة ؟ ربما امتيازا آخر ؟
لم يكن قد أفلتها بعد فسحبها بعنف حتى أصبحت ملامسة له قبل أن يهمس بأذنها بصوت كالفحيح:
-احذرى يا ريم من استفزازى بهذا الشكل ,وتأكدى بأننى على قدر التحدى الذى تريدينه .
ارتعشت رغما عنها بفعل قربه منها وشدت نفسها من بين ذراعيه لتقف أمامه بتحدٍ واضح وهى تقول بحنق:
-ولماذا تظن أننى أتحداك ؟
نظر لخصلات شعرها القصيرة المتماوجة ثم الى عينيها المتسعتين عن آخرهما وهو يقول بضيق:
-أنتِ تستحقين الشنق بسبب جريمتك النكراء.
صاحت بانفعال وهى تتراجع للخلف خطوتين:
-ماذا فعلت لك ؟
زم شفتيه استياءا وهو يشير الى رأسها قائلا:
-لم تكن جريمتك بحقى أنا , ماذا فعلتِ بشعرك ايتها الحمقاء ؟ لقد جززته كالعشب الضار ... لماذا ؟
شعرت ريم باندهاش حقيقى وهى ترى أمارات الجزن والألم مرتسمة على وجهه فأخذت تحاول الدفاع عن نفسها قائلة:
-لقد قصصته ,مثلما تفعل الكثير من الفتيات غيرى , لا أرى فى هذا موضوعا يستدعى كل هذا الانفعال ...
ثم استدركت بعد أن وعت محاولتها للتبرير له غاضبة من نفسها التى ضعفت أمامه:
-ثم أن هذا شعرى أنا , وأنا حرة أفعل به ما أريد ,واذا راق لى الأمر ربما أحلقه تماما ...
بترت عبارتها بغتة حينما أمسك بها مجددا يعتصر كتفيها بفبضة من فولاذ ثم أخذ يهزها بعنف ناهرا ايّاها:
-ايّاكِ يا ريم ومجرد التفكير بهذا الأمر ,لا تحلمى بأننى سأتركك تتصرفين على هواكِ لتحطمى أجمل ما فيكِ ... على جثتى.
تساءلت ريم بمرارة لم تنجح فى اخفائها:
-أتعنى شعرى ؟ هذا هو أجمل ما فىّ !
-لم أقصد هذا المعنى بالضبط ...
-ماذا تعنى اذن ؟
تسللت لهجتها المتوسلة الى داخله فعلا دبيب قلبه معلنا عن مدى جهلها بقيمة نفسها فقال محاولا أن يمحو بؤسها الشديد:
-أنتِ تمتلكين العديد من المقومات المميزة التى تتمناها اية فتاة.
-أنت مجامل حقا.
هتفت به ساخرة فأردف بصراحة:
-أنتِ جميلة حقا ,ولا داعٍ كما أعتقد لأن أخبرك بأننى لا أجاملك فهذه هى الحقيقة الواضحة كالشمس.
أخذت تحاول التلهّى عنه بالنظر الى ما حولها فلعن نفسه بسره على تردده حتى حسم أمره فقال ببساطة وكأنه يحادث نفسه:
-لقد عنيت جمالك الداخلى الكامن فى براءتك فى رقتك ,فى اهتمامك باسعاد من حولك ,أنتِ تتفننين فى ابهارى كلما عرفتك أكثر.
أدارت رأسها نحوه ببطء تحاول التأكد من أنه قد تفوّه بهذه العبارات التى سمعتها منذ لحظات فوجدته محدّقا بعينيها برجاء صامت ,ولكنها رفضت ان تمنحه أى أمل فتساءلت هازئة:
-هل عرفتنى حقا يا جاسر ؟ لا أظن ذلك , كنت منشغلا بالتودد الىّ حتى تستغلنى وصولا الى مرادك.
وقبل أن يحاول تصحيح خطأ مفهومها عن طبيعة العلاقة التى ربطت بينهما فى السابق ,رأى الجميع يتجه الى منتصف القاعة بعد أن أعلن مقدّم الحفل عن افتتاح الرقص ...
فوضع يده على خصرها بسيطرة محكمة ليجبرها على الانضمام اليه كثنائى فى الرقصة الأولى على أنغام الموسيقى المنسابة عبر ارجاء القاعة الواسعة فلم تتمالك نفسها من الشعور بأنها دمية تتلاعب بها الايادى كيفما تشاء وكأنها بلا ارادة ,أدارها بقوة لتمسك بيده وتلقائيا رفعت يدها الأخرى تلقيها فوق كتفه وهو يمسكها بحزم بالغ كأنه لا يثق بأنها لن تحاول الهرب منه ,كان يمكنها أن تفلت منه بعزم شديد اذا ما أرادت الا اذا لم تكن ترغب باثارة ضجة فاضحة هى فى غنى عنها.
قالت متأففة بصوت خفيض:
-لماذا تصرفت هكذا ؟ كان يمكنك أن تطلب منى بتهذيب أن اراقصك ! دون الحاجة لأساليب رجل الكهف هذه.
همس لها بدوره وان كان غاضبا:
-وهل كنتِ ستقبلين ببساطة ؟ أم كنتِ ستتمنّعين رافضة !
-ولو ! أليس هذا من حقى ؟
-ثم ما أدراكِ بأساليب رجل الكهف ,أننى حتى الآن أتعامل معكِ برفق ولين , أحاول جاهدا التحكّم بأعصابى حتى لا أؤلمك.
-حقا ! لا تؤلمنى ! فلتأتِ أحدثك عن الألم.
-لست أنا من ... آذاكِ ,أنه ذلك الحقير ابن عمك التافه ,ذلك الذى يدّعى خطبتك ثم يرمى بنفسه على واحدة أخرى ليتزوجها.
شهقت بقوة قبل أن تقول ساخطة:
-انظروا من يتحدث ! السيد المثالى الذى أخفى حقيقته عنى ,وادّعى ببراءة اهتمامه بى ليصل الى غرض دنئ ,ثم كيف تتحدث عن الخداع وقد سبق وأخبرتنا انك وليلى مخطوبان لنفاجأ بأنها مرتبطة بشخص آخر , أنت ... أنت لا أجد وصفا ملائما لأمثالك.
-اهدأى ! فالجميع سوف ينتبه لنبرتك الغاضبة وربما تتلاعب بهم الظنون حول ما أفعله بكِ.
-أف لكم , أنتم معشر الرجال ,أنانيون متحذلقون.
ارتسمت ابتسامة جذابة على محياه وهو يقول بتسلية:
- يا الهى ! أنك حادة الطباع الى درجة مخيفة , لم أكن اتصور أنه خلف قناع الرقة والعذوبة الذى أراكِ به تخفين هذا الكم من الغل والحقد على الرجال ... من فعل بكِ هذا ؟ هه ؟
صاحت باندفاع وهى تود لو استطاعت أن تمحى هذه الابتسامة التى تضايقها:
-أو تجرؤ على سؤالى ! يا لك من غشاش منافق !
قال وهو يحاول كتم ضحكاته المتعالية:
-لم أعرف ايضا أنك سليطة اللسان الى هذه الدرجة , ما كل هذا الكم من السباب المهذب !
-أكرهك !
كادت تقسم أنها تجمّدت مكانها من الرعب بسبب ما قرأته فى عينيه الزرقاوين من غضب صارخ وتهديد قوى ,لم تحلم بأنها سوف يتأثر لهذا الحد بكلمتها البسيطة كما تبادر الى تفكيرها المحدود ,ولم يستغرق الأمر أكثر من عشرة ثوانٍ قبل أن يكسو الجمود ملامح وجهه كالصخر وعاد ليراقصها بشكل آلى كأن لا حياة تنبض بداخله وهو يهمس معترفا:
-صدقيننى وأنا أيضا مثلك.
دفنت وجهها فى صدره حتى لا يرى مدى حزنها باعترافه أنه يكرهها هو الآخر وقالت تهنئ نفسها بوصولها الى هذا الانتصار : ألم يكن هذا هو مبتغاكِ يا ريم ؟ حينما تعاملينه بازدراء فتدفعينه لكرهك حتى يتألم مثلك ؟
ولشدة الغرابة فهى لم تكن سعيدة أبدا بتحقيقها لهذا الانتصار بل كانت على أتم الاستعداد للتنازل عنه حتى يعاود الاعتراف لها بحبه حتى ولو كان كاذبا.
أما جاسر فلم يكن هذا هو ما يعنيه ,أراد أن يبلغها برسالة مقتضاها : أنه هو الآخر يكره نفسه مثلها , لأنه آذاها وآلمها بالرغم من هيامه بها.
انتهت الأغنية الكلاسيكية لتبدأ أخرى ذات ايقاع أكثر سرعة فحاولت ريم الابتعاد عنه الا أنه جذبها مرة أخرى يراقصها ببراعة وهو يديرها حول نفسها ثم يشدّها بقوة الى أحضانه وقبل أن يتلامسا يبتعد دون أن يفلت ذراعها ويحيطها من الجانب الآخر ,كانا يشكّلان سويا ثنائيا مذهلا متناسقا ومتجانسا بتحكراتهما السريعة على الأنغام الراقصة :
قدري اختارني اكون ليها وانا سلمت وقلبي اختار شفت الجنة فى عينيها ازاى اسيبها واعيش فى النار
أصلها بتفرق فى حياتك واحدة
من اول ما تعيش وياها ملهاش بديل
أصلها بتفرق وأنا عاشق واحدة
وبحب ودايب فى هواها وعينيها فى ليل الغربة دليل
حبها فى قلبى ودى اجمل واحدة ملقتش جمالها ف ولا واحدة
والله ملهاش بديل
أصلها بتفرق فى الشوق والوحدة
ف حياتى وهى هنا معايا الدنيا بحالها مبتسعنيش
أصلها بتفرق وأنا روحى فى واحدة
وبفكر ليل ونهار فيها والشوف بيزيد ما بينتهيش
أصلها بتفرق من واحدة لواحدة .. في واحدة بتنساها بواحدة
وواحدة مبتتنسيش
...........
وبآخر مقطع بالأغنية أخذ يدور بها وهو يحيط بخصرها رافعا ايّاها عن الأرض ثم أفلتها ليجثو على ركبتيه تحت قدميها ممسكا بأناملها الرقيقة صارت جميع الأنظار معلّقة بهما دونا عن العروسين ,ثم أخذ يتأملها بشوق ولهفة قبل أن يعلن بجرأة :
-أود أن أعلن للجميع أننى قد تقدمت طالبا يد الآنسة ريم سليلة عائلة الشرقاوى ,وقد شرّفتنى بالقبول.
ثم أخرج من جيب بنطاله علبة من المخمل الأحمر وفتحها عن آخرها ليخرج منها خاتما من البلاتين مكونا من قلبين متقابلين من الماس الأزرق تحيط بهما عدة فصوص صغيرة من الألماس الأبيض ودسّها ببطء وثقة فى خنصرها الأيمن وهى على حالها من الوجوم والذهول غير قادرة على أن تتحرك قيد أنملة ,تشعر بأن العالم كله قد خلا الا منهما وعيناها تتساءلان تبحثان عن اجابات لأسئلة متشابكة تتوسلّان اليه حتى لا يمزّق روحها بهذا الشكل ,لن تحتمل صدمة أخرى منه هو بالذات ... جاسر ... ما الذى يهدف اليه بهذه الكذبة ؟ أنه لم يطلب منها الزواج وهى بالتأكيد لم تمنحه موافقتها.
كان جميع الحضور يصفقون بسعادة وانهالت المباركات فوق رأسيهما الى جانب النكات التى أطلقت بشأن ازدواج حفل الخطبة الواحد الى اثنين ... وقفت ريم شاردة تشعر بأن البساط قد انسحب من تحت قدميها ... وحيدة ... بلا عائلتها ... بلا والديها ... بلا أخيها ... بلا سند ... عليها أن تقرر مصيرها بنفسها ... كان عليها أن تختار بين الانصياع لرغبة جاسر بالتلاعب بها وبعواطفها مجددا وبين الرفض الذى هو قطعا الحق الأمثل والأكثر واقعية الا أنه أكثر اثارة للجدل والفضائح لسمعة العائلة وأفرادها ... نظرت اليه تواجهه بحدة وكأنها تستنجد به أن يرحمها من عذابها وألّا يجرحها بهذه الصورة فجراحها ما زالت تنزف ولم تلتئم بعد ,أتستمد منه هو قوتها ؟ أتناشد جلّادها بانقاذها ؟ وهل يعقل هذا ؟
راعها اختلاف نظراته عمّا توقعته ,, كانت تنتظر رؤية الشماتة والانتصار واضحين بعينيه ,الا أنها شعرت به خائفا مترددا وهو ما زال جاثيا على ركبته فى انتظار اشارتها بالموافقة على كلامه ,كان يتأملها كمن يراها المرأة الكاملة الوحيدة ويدرك أنها هى فقط من يتمنّاها دونا عن النساء الأخريات ... امرأة حياته ... حبه الأزلى ...
تزلزل كيانها وانهارت قشرتها الواهية التى تظاهرت بصلابتها وهى تحيط نفسها بها , عادت لوهلة الى سيرتها السابقة .. ابتسمت ببطء وبشكل مدروس وهى تهز رأسها بحركة خفيفة فنهض جاسر على قدميه ليحيطها بذراعيه وكأنه يهدف الى حمايتها من الجميع الذين اخذوا يتهافتون عليهما للتهنئة ,الا أنه فى قرارة نفسه كان يحاول حمايتها من اندفاع مشاعره نحوها فها هى كان لديها القدرة على رد الصفعة الى وجهه بتكذيبه او على أقل تقدير اعلان الرفض ,وبالنهاية اختارت أن تجاريه بلعبته , قالت لنفسها : اذا كنت تريد اللعب بهذه الطريقة فلا بأس ,أنا مستعدة للمباراة.
لم تتحمّل رؤية الغضب ماثلا فى عيون أبناء عمومتها ,فلا بد أنهما يعتقدان بأنها قد أخفت هذا الأمر عنهما عن سبق اصرار ... وانكمشت على نفسها حينما دنا منها سيف وكأنه يبارك لها فقال مؤنبا:
-ريم .. ما الذى تفعلينه بنفسك ؟ فلا ضرورة لالقاء روحك الى الجحيم بسببى ...
قبل أن تستطيع اجابته بكلمة واحدة ( مغرور ) كان الرد جاهزا على لسان جاسر الذى أخذ يضمها اليه بحماية قائلا بحزم:
-شاكرين لك نصيحتك ولكننا لسنا بحاجة اليها ,فاحتفظ بها لنفسك.
كاد سيف أن يحطم وجهه بقبضة يده الا أن كريم قد سبقه فأحكم سيطرته على ذراعه ليجبره على خفضها بينما غمغم ببضعة عبارات مجاملة فارغة حفاظا على المظاهر الاجتماعية فزفر سيف غضبا وقال مهددا:
-سوف تدفع الثمن غاليا يا هذا ,,, فنحن لن نسمح لك بايذاء ابنة عمنا أو استغلالها لمصالحك الشخصية.
-هذا هراء ! أنا أحب ابنة عمك وأرغب بها زوجة لى.
-حتى تحصل على أكثر من نصيبك بميراث العائلة ثم ترميها بعد ان تنال غرضك.
-أنت مخطئ للغاية , أنا أريدها شريكة لحياتى حتى ألفظ أخر أنفاسى.
ثم استطرد بصرامة:
-واذا كنت أنت لا تعرف الأصول وتجهل كيف تصون جوهرة نفيسة مثل ريم فأنا غيرك ... أقدّرها جدا.
-كفى ! أرجوكما ... لا نريد أن تصبح سيرتنا علكة تلوكها الألسن.
توسلّتهما ريم بصوت مرتعب خشية أن تتناثر الأقاويل حولهما هنا وهناك ,فشدّها جاسر اليه أكثر وهو يهمس بأذنها:
-لا تخشى شيئا وأنا الى جوارك فلن أسمح لمخلوق بأن يأتى على ذكر سيرة زوجتى ولو بحرف واحد.
نظرت له بعمق وهى تقول بأسى:
-اذا كنت جادا بكلامك فلمَ اقدمت على هذه الفعلة من الأساس ؟
انعقد حاجباه بقوة وهو يسألها باندهاش:
-ماذا تقصدين من كلامك ؟
-أنت تفهم ما الذى أعنيه ,هذه التمثيلية بدءا من الرقصة وعرض الزواج وانتهاءا بالخاتم.
ثم حدّقت بالخاتم الذى كان يلتمع تحت الأضواء متلألئا بقوة وأنكرت على نفسها اعجابها بذوقه الراقى فى الاختيار ,فأدارها نحوه قبل أن يضع يده تحت ذقنها ليرفع وجهها الذى اخفضته تنظر الى الأرض قبل أن يقول بجدية:
-من قال بأنها تمثيلية ؟ الرقصة كانت أكثر من رائعة وقد استمتعت بكل ثانية منها وعرض الزواج حقيقى بلا جدال أما عن الخاتم فقد سبق وابتعته لأنه راق لى.
أجابته بصوت مرتجف:
-أنت لم تطلب منى الزواج ؟ ولا أنا وافقت ؟
تراقصت ابتسامة متلاعبة على شفتيه قبل أن يهتف :
-وماذا حدث للتو اذن ؟ لقد شهد علينا أكثر من مئة شخص ويمكننى الاستعانة بشهادة أقرب الناس اليكِ على موافقتك , هل تريدين التخلّى عنى الآن يا ريم بعد لحظات من اعلان خطبتنا ؟
-أنت مجنون بلا شك ! لقد ...
-لقد وافقتِ يا حبيبتى على الاقتران بى ونحن الآن بحكم المخطوبين كليلى وخالد تماما ,بل واجرؤ على القول بأننا قد خطفنا منهما الأنظار وقد ارتديتِ خاتمى قبل العروس صاحبة الحفل.
كان يتشدّق امامها بحصوله على موافقتها دون مراعاة لأية اعتبارات أخرى فقالت تتهمه:
-كنت مجبرة على مجاراتك.
رفع حاجبا بنزق وهو يقول مصرحا:
-كان يمكنك الرفض ...
-كيف ؟ وأثير فضيحة علنية لعائلتى ؟
-حبيبتى لا تنكرى أنكِ أردتِ الموافقة بداخلك حتى ولو كنت تحاولين اظهار العكس ,أنا فقط اخترت التوقيت المناسب لا أكثر ولا أقل.
-يا لك من مخادع حقير ! أتدّعى أننى أنا من سعيت لهذا كله ؟
حدّجها بنظرة قاتمة وهو يضغط على مرفقها ليدمدم من بين اسنانه:
-اسمعى يا جميلتى من الآن فصاعدا لن أسمح لكِ بالتجاوز معى بهذه الألقاب التى تطلقينها علىِ بلا هوادة ,لقد نفد صبرى معكِ ... أنتِ حقا طفلة أفسدها التدليل ... ولكننى أعرف كيف أروّض الوحش الصغير بداخلك ,وعليكِ منذ هذه اللحظة أن تعامليننى بمنتهى الاحترام فأنا خطيبك وسوف اصبح عمّا قريب زوجك حتى يفرّقنا الموت.
صاحت باندفاع على الرغم من ألمها:
-عشم ابليس بالجنة !
قست قبضته أكثر وهو يتوعّدها قائلا :
-اذن أنتِ لا تودّين تسهيل الأمور علينا ,, ألم أخبرك أن تكفّى عن نعتى بهذه الألقاب السيئة ,,والا ...
-والا ماذا ستفعل ؟ هل ستضربنى ؟
ضحك ساخرا من سذاجتها واقترب منها أكثر هاتفا بحنق:
-كلا , سأفعل هذا.
قبل أن يغرفها بعناق قاسٍ حاولت جاهدة أن تدفعه عنها الا أنه كان أكثر قوة منها فاستسلمت مرغمة حتى ينتهى من عقابه لها والذى تحول مع الوقت الى عناق اشد حرارة من صيف أغسطس ,ثم أزاحها بعيدا عنه بخشونة وهو يردف بصوت متهدج تأثرا بما حدث:
-أنتِ رأيتِ بنفسك ما يمكن أن يوصلنا اليه عنادك فلا تبدأى باختبار طول بالى على تصرفاتك الطفولية ,لأننى بالمرة المقبلة قد أفقد السيطرة على نفسى ولن أتوقف عند هذا الحد ... هل تفهميننى ؟
ارتبكت احراجا مما يعنيه فأشاحت بوجهها بعيدا ,الا أنه أصرّ على الحصول على جوابها فصاح قائلا :
-لم أسمع جوابك.
كزّت على أسنانها بحقد وهى تقول:
-حسنا.
-وشئ آخر ؟
-ماذا هناك ؟
أشار بيده اليها من قمة رأسها الى أخمص قدميها بمغزى قم قال بصوت كالرعد:
-عليكِ أن تغيّرى من طريقة ارتدائك لهذه الملابس , لا أثواب قصيرة ولا أكتاف عارية بعد اليوم.
نظرت له فاغرة فاها وهى تقول بصوت متقطع من الانفعال:
-هل سوف تتحكّم بملابسى منذ الآن ؟ هذا تجبّر وظلم ,لماذا تريد منعى من ارتداء الملابس التى تليق بى ؟
-ليست المسألة تحكم ولا تجبر أنا فقط أغار ... لا اريد لأحد أن يرى منكِ شعرة واحدة ولو كان الأمر بيدى لأخفيتك عن عيون البشر ,واذا كان على هذا النوع من الملابس فاذا كنتِ ترغبين باقتنائه فلا بأس يمكنكِ ارتدائه لى أنا وحدى .
غزا الاحمرار وجنتيها بعد أن غمزها بوقاحة وهى تضرب كفا بكف قائلة:
-لا أصدق نفسى هل من يتحدث هنا رجل يعيش بالألفية الثالثة ؟ أنت تريد العودة بنا الى عصر الجوارى ,حيث السيد المطاع الذى يأمر وينهى وعلى امرأته السمع والطاعة العمياء.
ضاقت عيناه قبل أن يقول بصوت عذب:
-سوف أتمتع جدا بتنفيذ كلامك هذا بنفس الصورة التى رسمتها ,والأيام بيننا يا ريم لأثبت لكِ صدق كلامى.
-هل من أوامر أخرى ؟
-نعم أمر أخير ... ممنوع منعا باتا أن تعبثى مرة أخرى بخصلات شعرك ,ستتركينه حتى يستطيل أكثر مما كان عليه سابقا ,مفهوم ؟
- يا ربى ! أنت لا تطاق !
-ماذا ؟
-حاضر , أية خدمات أخرى ؟
-الى اين أنتِ ذاهبة ؟
اشارت نحو جدتها الجالسة على مقعد وثير بالقرب من الجد عبد الله وقد اندمجا بحديث ودىّ وقالت باختناق:
-سوف اذهب لأرى أنّا شريفة ,أم أنه علىّ أن أستأذن قبل أن أتحدث الى أحد ؟
جذبها اليه وهو يقول بجدية:
-كلا اتركيهما لحالهما , ولا تقاطعى حوارهما.
سألته وقد أحست بأن هناك أمرا يخفيه عنها جاسر:
-لماذا ؟
-لا بد أنهما يتحدثان بأمر خاص ,ثم ألا تتفقين معى على أنه من الأجدر بالعروس السعيدة أن تبقى الى جوار خطيبها بدلا من التنقّل هنا وهناك ,هذا حتما سوف يترك مجالا خصبا للشائعات.
-.............
-هذا أفضل حتما.
وتأبط ذراعها مزهوا قبل أن يوجهها نحو والدته لتقبّلها بمودة وهى تشير نحو ابنها الذى ابتعد قليلا ليتحدث الى أحد الضيوف الذى استوقفه قائلة:
-ها هو جاسر يفاجئنى من جديد ,أرجو يا عزيزتى ألا يضايقك ما قام به.
غمغمت ريم بتوتر:
-لا بأس.
كانت قد تعرّفت الى والدة جاسر مسبقا وتآلفت معها سريعا فوجدتها سيدة رقيقة تتمتع بالأناقة والذكاء اضافة الى خلقها الراقى الذى يتمثل فى سلوكها المرحب ونبرتها الودود على عكس شقيقتها والدة العروس والتى صافحتهم جميعا بتكبّر وخيلاء بكلمات مقتضبة ,فلم تشأ أن تسبّب لهذه السيدة الجميلة الخلق أى ازعاج حينما وافقتها على قولها:
-أعرف بأنكما متفقان على كل شئ منذ مدة وهو كان يتحيّن الفرصة المناسبة لاعلان ارتباطكما ,, ولكننى لمته بشدة فكان عليه الانتظار حتى رجوع والديكِ من السفر,ولكن تسرّعه غلبه أخيرا أو لنقل أن الغرام هو السبب.
-غرام ؟؟؟
ربتت السيدة شريفة والدة جاسر على كتفى كنتها المنتظرة بحنان الأم وهتفت بجذل:
-نعم يا حبيبتى فجاسر أخبرنى بلقائكما السابق ,, هذا شئ فى منتهى الرومانسية أن تتقابلا وتقعا بالغرام دون أن تعرفا بالصلة التى تربطكما سويا .
لم تنتبه المرأة لشرودها فواصلت ثرثرتها المتواصلة قائلة:
-لا تعرفى كم كانت سعادتى حينما ذهب الى الجواهرجى منذ أربعة اشهر ليوصيه من أجل اعداد هذا الخاتم الذى يتألق باصبعك.
-آسفة , لم أنتبه جيدا لما قلته .. منذ اربعة أشهر ؟
-نعم يا عزيزتى ,لقد كان يعد الأيام لينتهى جده من الشؤون المتعلّقة بالميراث حتى يتقدّم الى والدك ...
-أمى ...
صيحته القوية أفزعت ريم التى انتفضت بشدة فيما أضاف بصوت أكثر نعومة وهو يرسم على وجهه ابتسامة دبلوماسية لوالدته التى بترت عبارتها:
-أعتذر اذا أجفلتك يا أمى ولكننى أرى خالتى واقفة هناك تحاول لفت انتباهك .
-حسنا ساذهب لأرى ما تريده فريدة , بعد اذنك يا بنيتى.
تمتمت ريم بصوت يكاد يكون مسموعا:
-تفضلى.
وهى تحدّق بوجه جاسر المتصلّب الذى أخذ يتساءل عن كم الأسرار التى باحت بها والدته خلال الدقائق المعدودة التى غابها عنهما هى وريم راجيا الله ألا تكون قد تمادت كثيرا فأخذ يحاول أن يستشف من ملامحها أية دلالة على معرفتها بسره الغالى وحينما أخفق فى معرفة ما حدث سألها مباشرة:
-هل كنتما تتحدثان عنى ؟
تصنّعت ريم البراءة وهى تقول بعفوية بصوتها الرقيق:
-لم أكن أنا ,والدتك هى من تبّرعت برواية كافة التفاصيل.
-هل تحاولين اخبارى بأنه لم يراودك أى فضول بخصوصى ؟
اعترفت ببساطة وهى تعض على شفتيها خجلا:
-لم أقل هذا ابدا ...
خصّها بابتسامة رقيقة وهو يداعبها بلمسة خفيفة على خدها قائلا:
-جيد فاذا كنتِ أنكرتى لكان لى معكِ شأن آخر.
كانت عيناه تغازلانها بنظرات خاصة تحمل الكثير من المعانى الخفيّة مما اضطرها لأن تخفض بصرها حياءا مما أثاره بداخلها من أحاسيس ظنّت أنها قامت بدفنها بفعل خداعه لها ,مما أكّد لها أن هذا الحب الذى تكنّه له لن يموت أبدا.
سمعته يحدّثها بأمر ما الا أنها كانت شاردة البال فلم تميّز جيدا ما قاله حتى أعاد عبارته ثانية:
-ريم ...
نظرت له بفضول وهو يتلفظ باسمها بهذه الطريقة الساحرة:
-نعم يا جاسر.
-عليكِ أن تعديننى بالتزام الحدود المتعارف عليها فى التعامل مع كريم وسيف.
تنهدت بعمق وهى تتساءل باشمئزاز:
-أتصدق عنى أننى قد أتجاوز مع أيا كان ؟ لقد نشأنا معا فى بيت واحد والى الآن نحيا سويا وبالرغم من اعتقادك السيئ الا أننى أعرف حدودى جيدا.
وأولته ظهرها بنفور واضح فأحاطها بذراعه خشية ان تفر منه الا أنها ظلّت ثابتة بمكانها لا تنظر الى وجهه , فقال بصوت هادئ:
-لا يمكننى أن أظن بكِ شيئا ,فقط مجرد هذا الخاطر الذى ترددينه ببساطة عن حياتك معهم بذات البيت يثير جنونى الى أقصى الحدود ,وأنا أتخيّلكِ تقضين يومك بأكمله فى رفقتهم تبتسمين , تتحدثين , تشاركينهم فرحهم بينما أنا ... بعيدا جدا عنكِ.
وفجأة انهمرت الدموع غزيرة من عينيها مما جعله يمد يده ليمسح آثارها التى بللت وجنتيها بلمساته الحانية فقالت من بين نحيبها:
-أنت لم تكن يوما بعيدا عنى.
-اذن لا قبلات ولا أحضان من أى نوع ولو كانت أخوية.
ضحكت على الرغم منها بسبب حديثه ,أيعقل أنه قد صدّق ادعائها السابق ؟
فعاد يسألها باهتمام:
-يا ترى هل يمكنك أن تشرفيننى بمعرفة سبب ضحكك الآن ؟
لم ترد عليه بل استغرقت أكثر فى ضحكاتها التى بدات تتحوّل الى نوع من الهستيريا فهزها بعنف حتى تهدأ معاودا سؤاله هذه المرة بحدة أكبر:
-ريم ... ما الذى يدفعك لهذا الضحك ؟ نحن نتحدث هنا بجدية.
أخذت تشير له من حين لآخر وهى تقول بصوت متقطع من أثر الضحك بينما تعد على اصابع يدها الواحدة:
-لأننى لم أقبّل رجلا بحياتى سوى اثنين هما : أبى وأخى ... اممم انتظر , وأظن جدى ربما قبّلته مرة أو اثنتين أما عمى فلم يحدث قط.
بدأت البسمة تعلو وجهه بينما يجاريها بالحديث حتى يصل الى الحقيقة التى ترضيه فقال :
-ألم تنسى أحدا فى تعدادك ؟
قطبت حاجبيها الرقيقين قبل أن تغمغم :
-أتقصد سيف وكريم ؟لا أعتقد أنك تصدق هذا عنّا فلا أبى ولا عمى كانا سيسمحان لنا بتبادل القبلات حتى ولو كانت أخوية كما تقول.
نظر لها بابتسامة ظافرة قبل أن يضيف منتشيا:
-نحن لا نتحدث هنا عنهما ... أنا أتكلم عنى أنا.
حاولت أن تتذكر ما الذى يدفعه لهذا الحوار حتى شهقت فزعا حينما راودتها الذكرى فحاولت أن تتوارى عن مرمى بصره الا أنه كان أسرع منها فسبقها يسد عليها المخرج الوحيد المتاح للهروب ووضع يديه بخاصرته قبل أن يقول مشاكسا:
-اذن فأنا الوحيد الذى نال شرف الحصول على قبلة منكِ بغض النظر عن أبيكِ وأخيكِ وجدكِ.
-جاسر !
هتفت به مؤنبة ثم استطردت بحرقة:
-أرجوك يا جاسر دعنى أذهب.
أمسك بمرفقيها وهو يغالب فكرة شيطانية تختمر بذهنه ألا يسمح لها بالمرور أبدا قبل أن يحصل على اجابة شافية فبادر بسؤالها مجددا:
-ليس قبل أن تروى فضولى ,, هل أنا مميز لديكِ الى هذه الدرجة لتمنحيننى أنا وحدى هذا الشرف ؟
أجابته متصنّعة اللا مبالاة:
-كنت أحاول اغاظتك فقط ليس الا ...
- ريم !
حذرتها لهجته المتوترة بألّا تكذب عليه فأضافت ببساطة:
-وعلى كل حال لقد كانت فعلا قبلة أخوية.
-ريم !
نظرت له ناعسة وقالت بعد أن عرفت موطن قوتها الجديدة:
-واحزر ايضا لن يتكرر هذا الأمر مرة ثانية.
-حتى ولا بعد زفافنا ؟
-يمكنك أن تحلم كما شئت فالأحلام مجانية.
زيّنت وجهه نظرة رضا تام بعد أن أدرك لعبتها فأفسح لها مجالا للخروج وهو يشيّعها بنظراته الوالهة قائلا:
-حسنا يمكنك الهروب الآن ولكن لا تظنى أنه سيكون بوسعك الاستمرار على هذا المنوال ,سيأتى يوما لن تهربى الا لتسكنى الىّ أنا فقط.

############

SHELL 20-02-20 07:43 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
انتهى الفصل الثالث

قراءة ممتعة

سيريناد 16-03-20 01:57 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
يسلمو ايديكى :peace:

SHELL 15-04-20 11:03 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
الفصل الرابع بعد قليل

SHELL 15-04-20 11:06 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
https://pa1.narvii.com/6563/e863c89d...1f3d874_hq.gif

الفصل الرابع

عندما تعود ريم بذاكرتها لختام حفل الخطبة لا تصدّق نفسها بأن اليوم قد انتهى على خير ,فبعد أن قام خالد بتقديم خاتمه الثمين والذى لا بد كلّفه ثروة صغيرة وأودعه برقة ورمانسية فى أصبع عروسه الحسناء لم يغب على أحد أن والدة العروس - السيدة فريدة - لم تكن أبدا راضية فملامحها أظهرت الكثير من الامتعاض دلالة على عدم اعجابها بهذه الهدية المتواضعة كما أخبرت شقيقتها بصوت مرتفع فوصل الى كافة المدعوين ومنهم ريم التى كانت تقف الى جوار جاسر ,وندّت عنها آهة اندهاش أفصحت عن الكثير مما تخفيه فمنحها الرجل الفارع الطول بجانبها ابتسامة رائعة ومال نحوها ليقلّص الفارق بينهما هامسا بتهكّم:
-هذه هى خالتى العزيزة ... متأففة على الدوام ولا يرضيها العجب بحد ذاته.
لم تفهم مغزى حديثه فهل هو يحذرها من شئ ما تجهله ؟ انتفض جسدها لا اراديا حينما شعرت بيد رجولية خشنة تلمس بشرة ذراعها العارية وصوت تعرفه جيدا يتردد بحزم:
-هيا يا ريم ,فلنعد الى المنزل.
كان هذا ابن عمها سيف يقف خلفها مباشرة ولأول مرة منذ أسابيع تجده وحيدا بلا مرافقته الملتصقة به على الدوام كجلد ثانٍ له ,وقبل أن تجد الفرصة المواتية للرد تحرّك جاسر سريعا محيطا بخصرها تاركا ذراعه الأخرى ترتاح بأريحية فوق يدها ليبعدها عن محيط غريمه وشعرت بأنه يبذل جهدا خارقا لئلا يتشاجر معه فى هذه الليلة ,واندفع قائلا بصوت يشوبه الغيرة والضيق:
-لا ,اترك ريم معى ,فسوف أقلّها أنا حتى باب الفيلا بعد انتهاء السهرة.
تصاعد الغضب الى ملامح سيف فقسا وجهه حد الصلابة قبل أن ينفث بصوته كتنين نارىّ:
-ربما تكون قد تجاوزت حدودك بكثير عندما قمت باعلان خطبتك عليها على الملأ هكذا بدون مراعاة لأية تقاليد أو أعراف ولكننى لن أتركها لقمة سائغة لك ,ريم أتت معنا وسترحل بنفس الكيفية.
صرف جاسر على أسنانه متظاهرا بالابتسام لمن حوله حتى لا يدرك أحد ما يدور بينهما وصوته يعلو الهمس قليلا:
-حينما تتحدّث عن خطيبتى فعليك بالتزام الاحترام ,,, لا أسمح لك بأن تصفها هكذا ,,, كما أنه عليك سؤالها قبل أن تحاول اجبارها على تنفيذ رغبتك أنت ,,, ربما هى لا تريد المغادرة الآن.
نظر له سيف بتحدٍ صارخ ووضع يديه فى جيبى بنطاله بكبرياء بينما يواجه ريم وحدها دون أن يعطى جاسر أدنى قدر من الاهتمام فقال متذمرا:
-هيا يا ريم ماذا تنتظرين لتخبرى هذا المتحذلق أنكِ لن ترافقينه فى رحلة العودة ؟
تناقلت نظراتها الحائرة بينهما وهى ممزقة الى أقصى حد فلا تريد أن تخذل ابن عمها وبذات الوقت تخشى من ثورة جاسر.
حسم الموقف نداء زوج خالته السيد سليم له بيأس كأنه يستنجد به حتى يفض اشتباكا قائما بين فريدة ووالدة صديقه خالد ,كان موقفا أشبه بصراع الحماوات ... فلم يتردد جاسر لثانية واحدة بل قال بصوت حاسم:
-ابقى هنا يا ريم ,لحظات قليلة وسأكون معكِ.
واتجه نحو عائلته بيقوم بواجبه نحوهم على أكمل وجه ,لمحته ريم بقامته المديدة وهو يحادث خالته التى كانت تلوّح بكلتا يديها فى الهواء وتشير نحو خالد بازدراء بيّن محاولا كبح جماح غضبها المتعالى شعرت بشفقة نحوه وهى تراه بموقف لا يٌحسد عليه بينما لم يمنحها سيف فرصة للاعتراض بل جذبها من مرفقها بقوة ويدفعها أمامه ,وهما فى طريقهما الى الخارج مرّا بجانب زوجته التى كانت مندمجة بالنقاش مع عمته حول أمر ما ,فخاطبها بحدة قائلا وهو يطوّح بكفه الأخرى ليسحبها عن مقعدها دون أن يفلت ريم :
-هيا يا مها ,فلنذهب.
أثار الموقف برمته انتباه فريال فهتفت به منزعجة وهى تتأهب للقيام بدورها:
-سيف , ما بك ؟ لماذا تتعجّل الرحيل ؟ ولماذا تصطحب ريم معك ؟
حاولت ريم أن تتكلم فتمتمت باستغاثة ضعيفة وهى تكشّر متألمة من قبضته:
-عمتى ! أرجوكِ ... اجعليه يتركنى , فلا أريد الذهاب معه.
وقبل أن تستطيع اللحاق بهما كان سيف يدفع المرأتين أمامه بقسوة وهو يضيف بصوت لا يلين:
-الى اللقاء يا عمتى.
وقفت فريال مسمرة فى مكانها لا تدرِ كيف تتصرف ,واستغرقها الأمر أكثر من دقيقتين لتنخذ قرارها بالبحث عن زوجها ,فمجدى هو الوحيد القادر على السيطرة على شعلة الغضب المنفجرة التى تتفجّر بعينى ابن أخيها وعلى ما يبدو فهو لا ينوى خيرا.


###########

SHELL 15-04-20 11:07 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
لم تتفوّه أيا منهما بكلمة اعتراض واحدة على تصرفه الفج فكلتاهما تعرفان ردة فعله فى مثل هذه المواقف ... حينما يفقد سيف السيطرة على أعصابه ,فالحل الوحيد للنجاة هو التظاهر بالامتثال لارادته ,,والا فالأمر سيتفاقم للأسوأ.
حينما اقترب من سيارته الفارهة التى صفّها فى مكان بعيد نسبيا أخرج جهاز التحكم عن بعد وضغط زرا مما جعلها تصفّر بنغمة معروفة فهمّ بفتح الباب الأمامى لمها فكان لزاما عليه أن يفلت ريم دون أن يرخى قبضته عن الأخرى ,وفى اللحظة الأخرى شعرت ريم بمن يجذبها مرة ثانية لتصطدم بصدر قوى فرفعت بصرها وجلة فتلاقت أعينهما ... كانت ترتعد كقطة صغيرة حتى تواجهت بعينين لهما زرقة السماء الداكنة ,أصابتها الحيرة والاندهاش .. فكيف لحق بهما بهذه السرعة ؟ قرأت الغضب والغيرة بهما فقست لهجته وهو يصرخ محتجا:
-كيف لكِ أن تخالفيننى وتأتين معه ؟ أانتظرت حتى أدرت لك ظهرى ففضلتِ الهروب معه ؟
قال سيف بعد أن صفق باب السيارة بعنف هادرا:
-اترك ذراعها حالا ,فريم ستأتى معى.
ارتفع حاجبا جاسر بدهشة مصطنعة ولسان حاله يقول ( أرنى ماذا يمكنك أن تفعل ؟ ) بدون أن يتحرك قيد أنملة.
ردّت ريم ببرود وهى تشعر بالاستفزاز الرهيب:
-ألا تعير لرأيى الخاص فيما يحدث لى أدنى اهتمام ؟
أشار سيف للفتاة الذاهلة بينهما وهو يقول بصرامة:
-اصعدى الى السيارة فلا نريد فضائح أخرى , يكفينا ما فعله هذا الأخرق واستجبتِ أنتِ الأخرى له.
-لن ترحل خطيبتى الى أى مكان بدونى ,وأنا كما ترى باقٍ هنا بالحفل ,فتفضل أنت تصحبك السلامة أنت وزوجتك المصون.
ظنّت ريم أنه سيعاند بشدة بعد أن رأت طاقتى أنفه تتسعان بشكل مرعب الا أنه كتم غضبه وقال بحكمة:
-لم تنتهِ الحرب فلا بأس ان انتصرت بهذه المعركة ولا تغتر بأنها الى جانبك الآن فهى تعاقبنى بذلك.
دار حول السيارة ليفتح بابها الآخر ثم يدلف الى مقعد السائق وانطلق يقودها بسرعة غير آبها لخوف رفيقته الواضح.
وريم تتعجب : لماذا يصرّ سيف على لعب دور العاشق الغيور ؟ بينما هى شبه أكيدة من أنها ليست المعنية بهذا الحديث ,عقلها يرفض الانصياع لهذه الفكرة الحمقاء ابن عمها يحاول استغلالها ربما لاثارة غيرة زوجته بهذه الكلمات الكاذبة.
أغمضت عينيها حتى تهرب من حصار عينى معذبها الذى لم تأخذه بها شفقة ولا رحمة خاصة بعدما ألقى سيف بوجهه تلك الكلمات المستفزة ,سمعت صوت تنفسه الحاد قبل أن يقول ببطء وهو يهزها بين يديه عدة مرات:
-افتحى عينيكِ وأجيبينى يا ريم ... هل ما نطق به هذا الأحمق صحيحا ؟
حاولت ألا تستجيب لندائه بيد أن قلبها الخائن تعاطف معه وأصرّ على محاربتها من أجله ,,, فنظرت له بأمل وهى تغمغم:
-أتصدق هذا عنى ؟ هل تظن بأننى جئت الى هنا برغبتى ؟
كان فى صوته رنة ألم حينما أفلتها وقال:
-أخبرينى أنتِ هل تفعلينها ؟
اندست أصابعه فى خصلات شعره المصفف بعناية وأخذت تعبث بها حتى أحالتها لفوضى عارمة فيما هى شاخصة ببصرها الى السماء التى تلتمع بعدد كبير من النجوم فى هذه الأمسية الرائعة ترفض أن تمد له يد العون بالاجابة التى تخفف عنه وتزيل كافة شكوكه التى تتلاعب به الآن كريشة فى مهب الريح , الا أنها أجبرته على النظر الى الآثار الحمراء على بشرتها الصافية ... آثار اصابع قوية ,,, وهى تدفعه بشدة فى صدره تواجهه باتهام آخر:
-أنه يستخدم القوة عمدا لتنفيذ رغباته كما تفعل أنت بالمثل.
بعد فترة صمت دامت قطعها بتمتمة :
-ريم ... للمرة الأخيرة أسألكِ ما الذى يجمع بينك وبين سيف ؟
ما الذى يمنحه هذا الامتياز لديكِ ؟ أعرف بأنكِ تكنين له مشاعرا خاصة لقد شهدت بنفسى على انهيارك بعد علمك بزواجه المفاجئ.
أولته ظهرها حتى لا يرى عبراتها المنسابة على خديها تحرق قلبها قبل بشرتها ,ثم قررت أن تصارحه بالحقيقة ولم يكن هذا قرارا هيّنا على كرامتها الأبيّة فقالت موضحة:
-نحن أبناء عمومة نشأنا سويا ,, والى وقت قريب قبل أن أتعرّف اليك كنت أعتقد أن مآلنا أنا وهو الزواج.
شحب وجهه دفعة واحدة بعد هذا الاعتراف الصريح فأطلق سبة بذيئة أدنت لها جبينها حينما اخترقت اذنيها ولكنها فضلّت اكمال حديثها حتى لا يحدث التباس مرة أخرى:
-ليس لأننا على حب أو حتى على وفاق ,على العكس نحن متنافران كالأقطاب المتشابهة ... الذى دفعنى لهذا الاعتقاد أننى وبعد انهائى لسنوات دراستى بالجامعة انقطعت كل صلة لى بالعالم الخارجى عن محيط عائلتى بعد أن رفض أبى فكرة أن أعمل رفضا قاطعا بحجة الخوف علىّ مما قد أواجهه فى عالم قاسٍ لا يرحم ,ولم يكن لى اصدقاء أو زملاء مقربين جدا منى فأصبحت وحيدة .. لقترة طويلة ... حتى ...
ترددت قليلا بعد أن أحسّت بأن جاسر ربما ملّ حديثها ولم يعد مصغيا لها فهمس يحثها بفضول:
-حتى ماذا ؟
-حتى قررت خوض غمار تجربة الدردشة على الانترنت ولم يكن هذا عن عمد وتخطيط يوم حادثتك لأول مرة ..
قاطعها محاولا اضفاء بعض البهجة على هذا الحديث القاتم قائلا بعزة نفس:
-أنا من بدأ الحوار معكِ وليس العكس صحيح ,أتذكرين ؟
ابتسمت لا اراديا وهى تتمتم:
-حسنا لديك من الكبرياء والغرور ما يكفى لأقتنع بأنك تنتمى لعائلة الشرقاوى.
قال باستغراب:
-وهل كان هناك شكّا فى انتمائى ؟
-ليس بعد أن اختبرت طريقة تعاملك معى وأنت غاضب.
كانت تلومه برقة مؤنبة له فقال معتذرا:
-أنا آسف حقا ولكنى لا أحتمل حينما يتعلّق الأمر بمن أحب.
قالت مردفة وهى تدير رأسها اليه هذه المرة دون أن تحاول التهرّب من نظراته المتفحصة:
-المهم أننى بدأت صفحة جديدة فى حياتى بعد أن اعتدت على تبادل الحديث معك يوميا ووجدت من ينصت لى مهتما بأدق تفاصيلى التافهة ويشاركنى اهتماماتى الصغيرة ولأول مرة أنحى أوهام ارتباطى بسيف جانبا فقد كنت أعتقد أننا سوف نتزوج يوما ما لأننى لن أجد غيره وكما أنه هو شخصيا لم يكن جادا لسنوات بخصوص مسألة الارتباط.
-لم يكن جادا ؟؟ لماذا ؟؟
مطت ريم شفتيها دلالة عدم المعرفة وهى تقول بحيرة:
-لا أعرف بالضبط ,كان ذات يوم شغوفا بفتاة الى درجة كبيرة واعتقدنا جميعا أنه سيتزوجها لا محالة.
-هل تعرفينها ؟
هزت رأسها نفيا فاستطرد متسائلا:
-لماذا اذن اعتقدتِ بأنه ينوى الارتباط بها ؟
أجابت ببديهية:
-لأن رفيق وكريم لم يكفّا يوما عن ازعاجه بنعته بكلمات عن العشق والهوى فتأكّدت بأنه غارق حتى أذنيه فى حبها.
-واذا صدف أنه لم يتزوجها فهذا يعنى أنه قد حدث أمر جلل منعه من الاقتران بمحبوبته.
هتفت مندهشة وهى تبحث فى وجهه عن سر يقينه:
-كيف عرفت ؟
-لأنه حينما يعشق رجل من آل الشرقاوى فأنه لا يتوانى عن الاقتران بحبيبته الا اذا حدث أمر جلل يمنعه عن اتمام الزيجة ,فلم يصدف مرة أن تلاعب واحد منهم بامرأة دق لها قلبه.
-من أخبرك بهذه المعلومة ؟
-جدّى.
-هذا صحيح.
-ولكن هناك شئ لا أفهمه ذلك لا يفسّر ما قمتى به حين أوهمتنى بأنكما مخطوبان فى تلك الليلة حينما قدمنا لحفل التعارف فى الفيلا.
أخذت تبلل شفتيها الجافتين من أثر القلق فاعترفت هامسة:
-لم أكن أكذب فسيف بنفسه تقدّم طالبا يدى فى يوم ونحن باجتماع بالشركة و ... أنا .. كنت أفكّر بالأمر بشكل ... أنت تعرف كنا على خلاف وقتها ..
-لا عليكِ , هذا كله خطئى , وأنا من سيقوم باصلاح الأمر برمته ,ولكن ابن عمك هذا يتمادى كثيرا ,يحاول زجّ نفسه فى كل مايخصّك ولا يدع لى مجالا للشك بأنه يكنّ لك عاطفة قوية.
ربتت على كتفه مهدئة وقالت:
-بعد زواجه من مها أؤكد لك أن شكوكك هذه وهمية يا عزيزى ,فهو لن يقدم على مثل هذه الخطوة الا اذا كان عاشقا حتى النخاع ,فالمعلومة الثانية التى شوف أمدّك بها عن عائلتنا أنه لا يتزوج أحدهم الا عن قصة حب عظيمة كما فعل أخى رفيق هو وأميرة.
ظهر على ملامح وجهه بعض الارتباك حينما تحدثت ببساطة عن زواج أخيها فقال مغيّرا مجرى الحديث:
-تعالى الى الداخل ,فالجميع ينتظروننا.
استسلمت ليده تقودها مجددا الى الداخل بينما يعترف ببساطة:
-أشكر الله على حسن طالعى أننى سمعت صفارة السيارة فلحقت بكم قبل أن ترحلى معه.
نظرت له بشغف قبل أن تسأله:
-وهل كان هذا سيصنع فارقا ؟
أجابها باندفاع:
-لقد أنقذته العناية الالهية منى قبل أن أحطّم فكه بقبضتى اذا كان قد جرؤ على مضايقتك واصطحابك رغما عن ارادتك.
انكمشت بجواره يرتعش جسدها بفعل هبات الريح الباردة فخلع سترته على الفور يحيط بها كتفيها فحاولت الممانعة فصاح
لاعنا بقوة:
-أنت عنيدة للغاية ,لا تخلعيها حتى ندخل فالجو هنا أصبح باردا وأنتِ لا ترتدين ثوبا ملائما لهذا الطقس.
شعرت بالدفء يتسرب الى خلاياها الباردة بمزيج رائع من الأمان والخدر بفعل رائحة عطره المميزة التى علقت بالقماش وهى تشعر بأنه هو من يحتضنها لا سترته فاحمرّت خجلا حينما راودها هذا الخاطر ,أما جاسر فلاحظ تورد وجنتيها وقد ظنّ بأن هذا تأثير شعورها بالدفء فارتخت عضلات جسده المتصلبّة وشعر براحة لا مثيل لها.
وأول ما خطت بقدميها الى داخل البيت أعادت السترة لصاحبها بسرعة فائقة وكانما تخشى أن تحرقها بعد شعورها بارتفاع فى درجة الحرارة جرّاء قربه منها فما أن لمحت عمتها واقفة الى جوار زوجها يتحدثان بحميمية حتى اندفعت نحوهما تنشد الأمان المفقود قبل أن يحاول جاسر الاعتراض على هجرها لرفقته.
وانتهى الحفل بسلام وكان ختامه مسك فقد أوصلها جاسر بنفسه الى المنزل ولم يتركها الا وهى على باب الفيلا حينما فتحت لها سماح بعد عدة طرقات متخبّطة ومنحته ابتسامة وداعية رقيقة بينما وقفت الفتاة ترمقه ببلاهة وهى تراه محدّجا لسيدتها الصغيرة بنظرات عاشقة لا يمكنها أن تسئ تفسيرها .
ترقرق الدمع بعينيها وهى تتذكّر الأيام التى تلتها متواترة على نفس المنوال ,لقد استفاقت من جنة أحلامها الوردية على الواقع ... كيف تسرّعت بقبول الخطبة من جاسر ولو كانت بصفة مؤقتة من أجل مداراة احراجها أمام نظرات الناس ... التى كانت تتابعهما فى ذلك اليوم بفضول وشغف ... ماذا عن قرارها بأن تعيش وفقا لراحتها هى فقط وألا تترك مصيرها بين يدى رجل آخر مجددا ؟ لا تلبث تعود الى حالتها من الشعور بالضعف والوحدة بلا والديها , حينما يعود والدها سترجع الأمور الى نصابها بدون أية مشكلات سوف تشرح له باستفاضة ما جعلها تتمتم بموافقتها وهو وحده سيقوم باللازم من أجلها ,وما خفّف من شعورها الحاد بالذنب أن جاسر هو الآخر قد التزم بوعده لها بالبقاء بعيدا حتى عودة والديها ,بالرغم من الشكّ الذى يساورها بأنه ما قطع على نفسه وعدا كهذا الا استجابة لرغبة والدته التى تهتم كثيرا باتباع الأصول أو ربما لاعلان جدّه بأنه لا يمكن المضى قدما فى مشروع ارتباطهما الا بحضور ولىّ أمرها الا أنها اعترفت لنفسها بأن مؤشره قد ارتفع مؤخرا لقدرته على ضبط نفسه واتبّاع كافة شروط الهدنة التى فرضتها عليه بلمحة سيطرة تمتعت بكل لحظة فيها مكتفيا بأنها ما زالت تضع خاتمه الماسى فى خنصرها دلالة على انتمائها اليه ...وهذا لا يمنع أنه على كل ما يحاول أن يفعله لابهارها فلا رجل مميّز بحياتها سوى أباها .. فالجميع دونه كشفوا عن وجوههم القبيحة بعقلية الذكور المتبجحة بتفكيرها الأنانىّ المتحيّز الذى يكفل لهم كامل الحرية للتصرف دون الاهتمام بغيرهم ,حسنا هى مضطرة للانتظار ومكالمتها الهاتفية الأخيرة لوالدتها كشفت عن قصر هذا الانتظار ... فهما على وشك العودة ... تنهدت أخيرا بارتياح قبل أن تغمض عينيها اللتين لم تجف دمعتهما بعد.

#############

SHELL 15-04-20 11:08 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
اعترف صلاح لنفسه بأن هناء ما زالت لديها القدرة على مفاجئته بصورة عجيبة , بل قادرة على قلب كيانه رأسا على عقب ,بعد لقائهما هذا المساء والذى كشف عن رغبتها بمشاركته لها فى مشروعها الخيرىّ الجديد ... ليس فقط بصفته مستشارا للشئون القانونية ولكن منفذا ومتابعا لكافة الاجراءات الخاصة بادارة المشروع من الألف للياء ,,, أخبرته بأنه لا طاقة لها بتولّى زمام ادارة مشروع ضخم كالذى تنتوى افتتاحه من أجل مساعدة الفتيات اليتيمات من أجل تعلّم حرفة يدوية ومن ثم مساعدتهن لتسويق أعمالهن المختلفة حتى يحصلن على دخل ثابت يعينهن على الحياة.
كان يعتقد فى البداية بأنه مجرد احسان وعطف على فتيات فى مقتبل العمر يتعرضن يوميا لمشكلات لا حصر لها بدءا باستغلالهن لوحدتهن وضعفهن فى أعمال أقل ما يقال عنها أنها قذرة ... سقوطهن فى يدى من لا يرحم لأعمال ربما تكون منافية للآداب أو مخالفة للقانون ,أو على أفضل حال اجبارهن على الزواج بدافع الستر فتقبل احداهن طوعا أو قسرا ,, ولكن هناء قامت بتصحيح المفهوم الخاطئ الذى تكوّن لديه بأنه فى المقام الأول هو مشروع خيرىّ ويهدف للربح بذات الوقت كما أتها تريد انشاء قسم خاص من أجل الفتيات الأصغر سنا لمتابعة هواياتهن المفضلّة ,انشاء مكتبة وملعب صغير يضم ممارسة بعض الرياضات الخفيفة ... والجزء الأكثر اثارة للدهشة ... مساعدة الراغبات منهن فى استكمال دراستها سواء الأساسية وحتى الثانوية أو اللاتى تطمحن من أجل نيل شهادة جامعية أو الالتحاق باحدى المعاهد ,,, قالت هناء بحرقة وهى تسرح بخيالها الى البعيد:
-لا يمكننا اغفال هذا الجزء التكميلى لحياة الفتيات ,,, التعليم وليس فقط محو الأمية بل أتحدث عن حصولهن على مؤهلات متوسطة أو حتى عليا تكفل لهن مستوى معيشى أفضل وأكثر رقيّا ,كما أنها تمنحهن فرصا لا حصر لها فى مجال العمل ,ولا تنكر أنها ستشكّل فارقا فى حياتهن الخاصة بعد الزواج وانجاب الأطفال.
آلمه قلبه من أجلها ... أتراها نادمة على قرار سابق بالاكتفاء بزواج دونا عن استكمال دراستها الجامعية ... يذكر جيدا أنها كانت متفوقة بدراستها وحصلت على مجموع مرتفع بالثانوية العامة ... أهلها لدخول أفضل الكليات على مستوى الجمهورية الا أنها اختارت الالتحاق بواحدة منهن أثارت استياء عمها المتسلّط فى حينها ,ما زال يراها حبيبته الصغيرة بضفائرها الطويلة التى تتدلى على كتفيها ونظرات الحيرة تتجلى فى عينيها .. هل عاد بهما الزمان للوراء حينما فاجأته بقرارها لترك الدراسة حتى تتفرّغ من أجل اسرتها الناشئة ,كان موقنا يومها أنها لم تكن سعيدة بهذا القرار وأنها قبلت له مرغمة .. ولعن صمته وضعفه ذلك اليوم ... لماذا لم يقف الى جوارها يشد من أزرها ؟ بل لماذا لم يمنعها من ارتكاب تلك الحماقة ؟
تخلّى عنها اخلاصا لصديقه الذى تزوجها واحتراما لقدرها الكبير فى قلبه وعقله ,,, هو من دفع الثمن غاليا فيما بعد ,ومن يجزم بأنها لا تفعل بالمثل وربما أزيد ... ان حلمها لاسعاد الآخرين وحمايتهم جزءا من احساسها بانعدام الأمان والثقة .. كاد أن يرفض عرضها فهو ليس بحاجة الى عمل آخر ,لولا رؤيته لرجائها الصامت فى عينيها بألّا يكرّر خطأه السابق ,ومع ذلك طرح سؤاله عليها:
-لماذا لا تستعينين بشخص آخر ؟ أحدا من أقاربك مثلا ؟
-أحتاج الى شخص له خبرة فى الشئون القانونية.
-كان يمكنك اللجوء الى مجدى العمراوى فهو محامٍ ذو شأن عظيم كما أنه قد أصبح فردا من العائلة.
أجابته يائسة:
-أيعنى هذا انك ترفض مساعدتى ؟
نظر مباشرة الى عينيها رافضا أنصاف الحلول ,يبغى الصراحة كلية بلا أسرار وبلا أكاذيب فقال معتدّا:
-لماذا أنا بالذات يا هناء ؟
-ربما لأنك الوحيد الذى لن يتهمنى ثائرا بالجنون ,فأنا قررت وضع ميزانية ضخمة لهذا المشروع ربما تلتهم أكثر من نصف ميراثى ,,, ربما أحتاج الى من يدعمنى دون الخوف من طمع أو جشع .. والأهم لأننى أثق بك ثقة عمياء ,أنت صديق وفىّ.
كانت اعترافاتها تتوالى واحدا تلو الآخر تعدّد له الأسباب وتغمره بسعادة لا مثيل لها ,فعلى مر السنوات ما زالت تكن له كل احترام وتقدير ,أهذا هو ما تريده يا صلاح ؟ أن تظل حبيسا فى خانة الصديق المخلص ؟
-أنا موافق ,بشرط واحد ... لن أمس قرشا من أرباحك سوف أكتفى فقط براتبى الشهرى.
أسقط فى يدها ,,, كيف لم تنتبه لرنة الكبرياء فى صوته معلنا باباء متمنّع عن حق أصيل له ,حاولت بلا جدوى أن تثنيه عن شرطه هذا قائلة بوضوح:
-ولكنك ستبذل جهدا لاقامة هذا المشروع وسوف يستهلك أغلب وقتك ,,, فمن حقك أن تنال جزءا من الأرباح التى يدرّها.
هزّ رأسه بنفى قاطع وهو يقول بصرامة:
-أما أن توافقى على شرطى أو أنسحب نهائيا من الموضوع برمته.
سارعت للموافقة خشية أن يقدم فعليا على الانسحاب فأضاف مستطردا:
-وسوف نضيف هذا البند الى العقد الذى سوف نقوم بالتوقيع عليه ... لا أريد لأى شخص أن يتهمنى باستغلالك.
-لا أحد يجرؤ على مسائلتك كما لا يجرؤ على محاسبتى !
ضاقت عيناه قبل أن يقول بنبرة متهكمة:
-ولا حتى ابنك ! ما هو رأيه أم أنك لم تخبريه بعد بنيّتك ؟
-كريم ... أنه .. لا يملك الا موافقتى على ما أريد ,فأنا أمه وأدرى الناس به ,ربما يعارض فى البداية ولكنه سيتقبّل الأمر بالنهاية.
-أنتِ المسؤولة عن أقوالك.
-ماذا تعنى ؟
-لا أظنّه متقبّلا لوجودى بحياتك.
-حسنا فالأمر متبادل بينكما.
أجاب ببطء :
-أنه ابنك فكيف يمكننى استنكار وجوده بحياتك ؟
-لا أقصد هذا , ما عنيته أنك سبق ورفضت أية علاقة له بهديل.
أشاح بوجهه بعيدا قبل ان يقول بانفلات أعصاب:
-لن أسمح له بأن يتلاعب بمشاعر ابنتى ليتركها بعد ذلك محطّمة بعد أن ينال تسليته.
شهقت هناء بقوة من فسوة اتهامه فطفقت تدافع عن ابنها بحرارة:
-كريم لا يحاول اللعب بعواطفها ... لم يفعلها بسنوات مراهقته أبدا وهو الآن رجل بمعنى الكلمة .. ويمكنك أن تسألها بنفسك ان كان قد حاول تجاوز الحدود ولو بكلمة واحدة ,أتصدّق أنه كان عازما على نية الزواج منها ؟
قطّب جبينه مفكّرا وقد اصابته جملتها الأخيرة بالدهشة فقال متسائلا:
-كيف تكونين أكيدة مما تقولين ؟
-هو أخبرنى بنفسه كما اعترف بحبه لها.
-ربما ... كان هذا قبل أن يعرف ... بطبيعة العلاقة القديمة التى كانت تربطنا ...
قالت بصوت معذب:
-كريم هو الآخر يعانى مثل ابنتك وربما أكثر ,اشعر بأنه بات غريبا عنى ,كما أن غيابه المتكرر عن المنزل صار يقلقنى لأبعد الحدود ,, أننى أفقده يا صلاح كل يوم ... ولا أجد من يعيده لى.
أخذ يدير كلماتها فى ذهنه : أمن الممكن أن يكون عاشقا لابنته فعلا ؟ وهل برفضه السابق حطّم قلبين متحابين كما انهار حبه القديم ؟
قاطعه صوت هناء الآت من بعيد:
-أنت الذى تنتقم منه يا صلاح ,ولكنك لا تدرك فداحة خطئك.
-ولمَ أنتقم من كريم ؟ هل عدتِ لخيالاتك عن كرهى لأبيه ؟
-كلا أنت تنتقم منه بسببى أنا , بحرمانه ممن يحب.
أمسك بيدها دون سابق انذار ليضغط على أطرافها برفق وهو يقول معترفا:
-لا يمكننى أن اؤذى من ينتمى اليكِ فكيف بابنك ؟ أنتِ غالية على قلبى ومقامك لا يمكن المساس به أبدا.
-هل تعدنى بأنك على الأقل لن تمنعهما اذا ما قررا الدفاع عن حبهما واستئناف علاقتهما ؟
ضربت على وتر حساس للغاية فأفلت يدها كالملسوع وقال بصوت غائم:
-ربما ... ينجحان حيث فشلنا نحن.
أغمضت عينيها ببؤس وهى تشعر بشقاء الدنيا يتملّكها ,تدعو الله ألا يكون نصيب ابنها من السعادة كحظها العاثر ... فقدت الحبيب والزوج وفى طريقها لخسارة الابن ...
احترم صمتها لفترة طويلة قبل أن يقول بعمليّة:
-سأحتاج منكِ الى اجراء توكيل لى بخصوص انشاء المشروع ,كما أننا سنضطر الى البحث عن عقــار يصلح لهذا الغرض.
-من الغد سوف أذهب للشهر العقــارى ,ويمكننا أن نستعين بأحد المكاتب للتسويق العقــارى من أجل البحث عن المكان المثالى.
هتف باعجاب واضح:
-ياه لقد خطّطتِ لكل شئ ,هل كنتِ متأكدة من موافقتى لهذه الدرجة ؟
أجابته بمكر:
-ألم أخبرك أن عرضى غير قابل للرفض ؟
رد بمودة :
-بل قولى أننى لا أستطيع أن أرد لكِ أمرا.
ابتسمت له برحابة صدر وقالت بسعادة:
-الله لا يحرمنى وجودك الى جوارى.
منحها ابتسامة صافية بينما ظلّ حائرا ومشتت الفكر هل يستسلم لمشاعره التى سبق ووأدها فهى تعاود محاولة الطفو على السطح من جديد ,وكبتها لن يولّد الا الانفجار.

#############

SHELL 15-04-20 11:09 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
منذ عودتهما من ذاك الحفل المشؤوم وسيف يحاول تجنّب الانفراد بها ولو لأقل من دقيقة واحدة ,لا تصدّق بأنه بعد أن أمطرها بوابل من الكلمات عن حقوقه التى سيحصل عليها منها هى بالذات يوما ما اتخذ لنفسه مكانا للنوم بأريكته الكبيرة التى تنقلب الى فراش على بعد عدة أمتار منها وكأنها تحمل مرضا معديا ,كل مساء يحولّها الى فراش ثم يسحب وسادة صغيرة متلحفا بشرشف نظيف يجلبه من الخزانة ,ليرميه جانبا فى الصباح التالى معيدا الأريكة الى صورتها الأولى حتى لا تعرف سماح التى تقوم بمهام التنظيف يوميا أن هذا الفراش قد ضمّ جسدها وحيدة طوال الليل فزوجها ينأى عنها باصرار ... لم تفهم سماح ببرائتها وسذاجة تفكيرها لماذا تجد صباح كل يوم بغرفة السيد سيف غطاءا جديدا ملقيّا فى سلة الملابس ولا يبدو عليه أية آثار لاتساخ .. بالرغم من أنها هى من تقوم بتغيير ملاءات الفراش بنفسها فلماذا يستخدم هو وعروسه هذه الأغطيّة ثم يقذفونها بحالتها الجيدة ,ما زالت هذه المسألة تحيّرها بشدة ولا تجرؤ على طرح السؤال فربما يعتقدونها وقحة أو فضولية بشأن خاص .. كانت تفرغ محتويات السلال بصمت رهيب لتضعها بالغسّالة الكهربائية الكبيرة الموجودة بغرفة منفصلة بالطابق السفلى.
وبعد مرور أسبوعين وهما على ذات الحال بينما كانت مها تنشغل بمحادثة أنّا شريفة فى غرفة الجلوس التى تصرّ عليها أن تحضر لترافقهم احتساء شاى الظهيرة , فبعد الانتهاء من تناول الافطار مع بقية أفراد العائلة يذهب سيف الى عمله بالشركة فيخرج بعد القاء التحية عليهم وطبع قبلة خفيفة على جبين زوجته من أجل الحفاظ على المظاهر فقط ,ثم يتبعه كريم بعد عدة لحظات شاردا ,وبهذا اليوم كانت السيدة هناء متأنّقة بشكل مبالغ فيه لمجرد تناول وجبة افطار عادية ولكنها بعد أن غادر ابنها استأذنت من حماتها لأن لديها موعدا هاما فتأملتها السيدة شريفة بحب ومودة وأشارت لها بالانصراف مرحبّة بالتغيير الكبير الذى طرأ على ملامح وجهها فقد توردت وجنتاها باحمرار طفيف وصارت عيناها لامعتين ببسمة نابعة من القلب , أن كنتها تستحق أن تنال من اسمها بعض الشئ بعد سنوات الوحدة والترمّل والجفاف ,فلتهنأ بحياتها وترتشف قطرات السعادة.
انضمت مها وريم الوحيدتين الباقيتين الى الجدة شريفة فى غرفة الجلوس الفسيحة وأصرّت ريم أن تنأى بنفسها بعيدا عن هذه الفتاة الدخيلة على حياتهم فى نظرها بينما كانت مها فضولية جدا بخصوص ريم فهى تتساءل عن طبيعة علاقتها بزوجها ... منذ ذلك المساء المشتعل حينما عرفت بزواجهما وثارت بصورة عارمة , ابتسمت لنفسها بسخرية : زوجها ؟ ذاك الذى يتجنّي لمسها أو مجرد الاحتكاك بها بأية صورة ولو كانت مجرد كلمة ( صباح الخير ) التى يحرمها منها وكأنه يعاقبها على جرم ارتكبته ,وماذا كانت تتوقع من هكذا زواج .. بالحيلة والاحتيال .. بالاجبار ,وهل تخيّلت أنه سيف الشرقاوى يمكن أن يكون مجبرا على الزواج منها ؟ حتى ولو تدبرت مسألة العقد المزيّف بصورة احترافية كلّفتها الكثير من نقود التعويض التى نالتها من الشركة ,ولولا هذه الخطة التى وضعتها ما مدّت يدها لقرش واحد من أموالهم القذرة بنظرها ... فهى ثمنا لروح أبيها وحياة أمها وطفولتها الضائعة !
بعد أن فرغت مها من احتساء آخر قطرات الشاى اللذيذ المنكّه بالنعناع الطازج وهمّت بوضع فنجانها على المنضدة بالقرب منها ,فوجئت بزوجها يدلف الى الغرفة كالعاصفة المنذرة وألقى تحية عابرة على جدته وابنة عمه بينما يرمقها هى بنظرات حادة كالسهام اختنقت بالسائل الدافئ فى حلقها حينما شعرت بقبضته الفولاذية فوق معصمها يجذبها بقسوة غير مبررة متجاهلا نظرات جدته المعارضة وشهقة ريم المفزوعة وهو يقول بصوت كالفحيح يجبرها على مواجهته :
-تعالى معى ...
وجرّها خلفه يسد أذنيه عن تساؤلات جدّته المتكررة:
-ماذا بك يا بنى ؟ ماذا حدث ؟
-لا تشغلى بالك يا أنّا ... فقط سنتناقش بأمور خاصة.
وصمّ قلبه عن سماع توسلاتها الصامتة بكبرياء وعزة نفس فهى لن تمنح تلك المتكبّرة الرضا لمجرد محاولتها الاستنجاد بها أو بالجدة الرقيقة لانقاذها من هذا الوحش الرابض فى أعماقه.
ظل على حالته من الغضب والهياج الى أن وصلا الى غرفتهما المشتركة كما أخبرها فى أول ليلة لها بالفيلا ,وشعرت كأنه زمنا طويلا قد مضى منذ تلك الليلة .. فكأنما أفراد عائلته تقبّلوا تواجدها الغير مرغوب فيه واعتادوا على حضورها حتى أن زوجة عمه هناء كانت تعاملها كابنة غائبة لم تنجبها , هل بدافع الشفقة عليها لأنها يتيمة الأبوين ؟ أم بدافع مجهول لا تعرفه ؟
زجّ بها فى ركن بالغرفة ووقف ينظر لها شذرا من علوٍ بينما افترش جسدها الأرض , أنّت بألم من جراء اصطدام ظهرها بالحائط الصلب خلفها الا أن خوفها الذى أخذ يتزايد بعنف كان منبعه نظرات الرجل الجامد الوجه فوقها ,وصاح بغضب وهو يشدّ خصلات من شعرها الذى كان مصفّفا بحرية الى الوراء بينما ينحنى بقامته الطويلة ليضع ذراعه حول خصرها يعتصرها بجموح يجبرها على الوقوف على قدميها بوضع لا تٌحسد عليه :
-أيتها الحقيرة ! ألا يوجد لدنائتك وقذاراتك نهاية ؟ ألا تعرفين التوقّف عند حد معيّن ؟
لم تكن تعرف عمّا يتحدث فشهقت متألمة بقوة وهى تحاول جذب جسدها من براثنه:
-عمّ تتكلم ؟ لا أفهم ... لا أفهم ...
كانت تردد عبارتها من بين صرخات الألم والخوف تستطرد بخفوت:
-ماذا فعلت ؟ أرجوك ...
ابتسم متهكما وهو يقول بصوت متقطع :
-لا تعرف الجميلة ماذا فعلت , أوووه يا له من أداء تمثيلى رائع , أتعرفين أنتِ تستحقين نيل جائزة لدور البراءة المصطنعة الذى تجيدين ادّعائه , ألم يخبرك أحد أن اللعب بالنار يحرق صاحبه أولا قبل الآخرين ؟
نظرت له بعينى غزال تائه مرتعب وقع فى الشباك وأيقن من استحالة نجاته الا اذا استيقظ قلب الصيّاد وتركه يفرّ .. وهذا كان المستحيل بعينه.
-خالد ...
كلمة واحدة حملت لها بعضا من التبرير ,هل عرف بعلاقتهما السابقة ؟ هذا هو سر غضبه اذن ؟
تمتمت :
-خالد ... خطيب ليلى ؟
صفّق لها بحرارة يهنئها على ذكائها الحاد ويمنحها أكثر ابتساماته سوادا وصاح بانتصار:
-برافوو .. عليكِ نور هو بشحمه ولحمه ... حبيبك السابق ... أليس كذلك ؟
وقبل أن تهز رأسها بالايجاب قبض على عنقها الطويل المرمرىّ يضغط على حنجرتها بغضب أعمى وهو يكيل لها الاتهامات واحدا تلو الآخر:
-اذن أنتما تلعبان سويّا ... اتفقتما على اقتسام الغنائم معا ,أنتِ تورطيننى بزواج دافعه الظاهرى الانتقام وباطنه الطمع , بينما هو الخبيث المتدنى يغرر بعواطف الفتاة البريئة التى صارت شريكة هى الأخرى فى ميراث عائلة الشرقاوى.
حاولت ابعاده عنها فقد بدأ الهواء يتناقص برئتيها بصورة مفاجئة ... كانت تختنق ببطء فحرّكت ذراعيها بالفراغ كأنها تستجلب الأكسجين الشحيح من الجو المحيط بهما ... وسيف يتابع مشدوها:
-هكذا المكسب يكون مضاعفا فلم تكتفِ بى أنا , حسنا بدأنا اللعب بأوراق مكشوفة يا حلوتى.
وخفّف احكامه حول عنقها عندما بدأ جسدها ينتفض بقوة من أثر نقص الأكسجين وشعرت بالدوار يكتنفها مسيطرا على عقلها فلم تتمكّن من الحديث وظنّ سيف هو الآخر أنها بصمتها هذا تعلن اعترافها المؤكّد ,حاولت أن تتمسّك بقميصه الذى يلتصق بجسده العضلىّ ... فلفّ ذراعيه حول جسدها يحتضنها قبل أن يحملها ببساطة وكأنها ريشة لا وزن لها وصوته القوى يتردد فى جنبات الغرفة قائلا:
-سأمنحكِ جزءا مما تريدينه حبيبتى وأنال أنا ما حرّمته على نفسى مراعاة لكِ ... لواحدة ظننت أنها تستحق ,وكلما أحاول تصفية نفسى من ناحيتك تفاجئيننى بضربة أقوى ..
وضعها فوق فراشه الذى لم يشاركها فيه منذ زواجهما وألقى بنفسه الى جوارها بينما هى منهوكة القوى يهدّدها الدوار اللعين فتمتمت بصوت ضعيف:
-سيف ... لا .. تفعل هذا , سوف أكرهك حقا!
شخر ساخرا بينما قهقهاته ترتفع مجلجلة:
-هه تودّين التراجع الآن ,, لا يا حبى فات أوان الندم بعد أن أحرقتِ سفنك بالكامل ... كان عليكِ أن تحسبى العدّة لذلك قبل ان تتورطّى معى ... أنتِ تريدين التحدّى وأنا سأعلّمك كيف تتلاعبين برجل مثلى .
قالت وجسدها ساكن لا تقوى على تحريكه:
-أنت .. لا تصدّق بأننى متواطئة مع خالد ! يمكننى أن أشرح لك .
رفع حاجبا قبل أن يندفع قائلا بسخط:
-تواصلين أداءك الردئ من أجل استدرار عطفى ولكنك تجهلين تأثير ذلك علىّ ... أنا متشوّق لمعرفة ما تستطيعين تقديمه لى.
وغاب معها فى لجة بحار من نار الأشواق واللهفة ... وهى تذرف دموعا صامتة تغالب فقدانها للوعى بسبب مرضها فهى مصابة بفقر دم حاد وقد توقفّت عن تناول دوائها الذى سبق وابتاعه لها سيف ,نفس الرجل الذى رعاها بمنتهى الحنان والرقة هو الذى يذيقها العذاب ألوانا وصنوفا شتى ,وقلبها الذى يهفو اليه معلنا احتجاجه على غيابها عن عالم الوعى متمتعا بكل لحظة فى أحضان الحبيب القاسى.
-أنتِ ,,, لى.
همسته العاشقة أيقظت كافة حواسها الغافلة لتشعل بها نارا مستعرة تحرقهما معا.
-أحبك.
أفلتت من بين شفتيها دون ارادة منها فشعرت به متصلبّا لثوانٍ قبل أن يبادلها مشاعره الملتهبة وقد أفلت زمام الأمر من بين ايديهما تماما ,فلم يعد ممكنا التوقّف أو التراجع ...يشقّان طريقهما الملئ بمختلف التناقضات من عشق وكره ,رغبة واعراض ,لهفة وتمنّع ,قسوة وغفران.

###########

SHELL 15-04-20 11:10 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
اتبّع كريم التعليمات بحذافيرها التى ألقاها صديقه أحمد على مسامعه حينما هاتفه لسؤاله عن موقع مكتبه قاصدا ايّاه فى عمل هام ,وأوقف سيارته أمام البناية الصغيرة ليترجّل منها مسرعا قبل أن يتوجّه بنظره الى معالم المكان المحيطة به وهو يتعجّب من اصرار صديقه على البقاء فى هذه المنطقة التى تعد شعبيّة الى حد ما ... تذكّر فى هذه اللحظة منزل هديل البسيط وكونه واقعا بمنطقة مشابهة لها الا أنه يمتلئ بالمودة ويبّث مودة وسكينة فى نفس زائره ...هو مدين لأمه كثيرا وعليه أن يسدّد جزءا من هذه الديون ... غمغم لنفسه بسخرية : ها قد بدأت مشوار التنازلات يا كريم ,وما زلت فى بدايته .. لنرَ ما يخبئه لنا القدر .
استقبلته فتاة رقيقة تبتسم بمودة عرّفت عن نفسها أنها المساعدة الشخصيّة للمدير وكان هو فى انتظاره كما اتفقا ,فقادته نحو غرفة المكتب الخاصة بصديقه وهناك بعد أن نهض أحمد محتفيا بقدومه بترحاب واضح اشار للفتاة قائلا:
-عبير ,, لو سمحتِ ,, أحضرى لنا فنجانين من القهوة ,, من البن الخاص بى ...
حاول كريم أن يبدى اعتراضا وهو يقول بعد أن استرخى بمقعده:
-لا داعٍ لكل هذا يا أحمد ,فلن آخذ من وقتك كثيرا.
-لن نعطّلك نحن يا كريم فأنا أعرف أن وقتك ثمين للغاية.
قالها أحمد قم أردف موجّها حديثه لعبير التى وقفت بأدب جم فى انتظار قرارهما الأخير:
-عبير ..سريعا.
أشارت الفتاة الى عينيها البنيتين الواسعتين بمعنى ( من عيونى ) وهى تشدو بصوتها العذب:
-حاضر ,لن أتأخر فقط بضعة دقائق.
واتخذ أحمد مقعدا مقابلا لصديقه متسائلا بعد انصراف عبير:
-أى ريح طيبة ألقت بك يا ابن الذوات فى طريق العبد الفقير ؟ أتعرف أنها المرة الأولى التى تشرّفنى فيها بهذه الزيارة ؟ لم أصدّق حينما طالبتنى بالعنوان.
كان أحمد يمازحه بخفة ظل معهودة يتقبّلها كريم منه على وجه الخصوص بسعة صدر واريحية حينما يصرّ على مخاطبته بلقب ( ابن الذوات ) ,ومنذ لقائهما الأخير أثناء صلاة الفجر تعدّدت الاتصالات الهاتفية بينهما بصورة شبه يومية حتى وجد لدى أحمد ضالته المنشودة المتمثلة فى مكتبه للتسويق العقــارىّ .
استهلّ كريم حديثه قائلا بجدية:
-أحمد ... بصراحة أريد منك خدمة ولن أثق بأحد سواك ...
-تفضل كلى آذان صاغية.
-ولكن ... هذا شأن خاص جدا , أريد للأمر أن يبقى طى الكتمان.
واشار بمغزى الى الخارج حيث سمعا طرقا على الباب تلاه دخول عبير حاملة لصينية أنيقة رصّت فوقها فنجانين خزفيين تفوح منهما الأبخرة الساخنة المعبّقة برائحة عطرة ثم انحنت برشاقة تضعها أمام الرجلين كاشفة عن صفين من الاسنان اللؤلؤية وهى تقول:
-بالهناء والشفاء .. أية أوامر أخرى ؟
-شكرا يا عبير , أتعبناكِ معنا.
-تعبك راحة , عن اذنكما .
بعد أن غادرت بخفة كما دخلت فجأة وكأنها لم تكن موجودة قال أحمد بصراحة:
-أنها مساعدتى الخاصة ,وهى كتومة للغاية لا يمكنك أن تستخرج منها معلومة واحدة بخصوص العمل.
هز كريم رأسه نفيا وهو يقول بعدم رضا:
- لا يا أحمد , هذا الأمر بينى وبينك فقط .. هذا هو شرطى , أتوافق أم لا ؟
ابتسم أحمد بصخب وهو يقول بلهفة:
-حسنا ,يا صديقى لا تغضب هكذا .. أعدك بأن سرك ببئرعميق لا قرار له.
اقترب منه كريم وقال بصوت خفيض:
-أريدك أن تبحث عن مكان مناسب فى موقع راقٍ يصلح لبناء منزل متسع ..
-وكم هى المساحة المطلوبة ؟
-لا تقل عن خمسمائة مترا مربعا ولا تزيد عن ثمانمائة.
صفّر أحمد بشفتيه انبهارا ,فهو لم يتسلّم من قبل عمل ضخم كهذا ... صاح مستفسرا:
-ألا يمكن البحث عن منزل مشيّد بالفعل ؟
-كلا , أريد أرضا فضاء فقط ... هل تسدّ فى هذه العملية ؟
-طبعا , طبعا يا عزيزى أنت اخترت الأفضل ,ولكن اسمح لفضولى أن يتغلّب علىّ ,,, هل هذه الأرض لك أنت شخصيا أم لصديق ما أو ..
-سوف أشتريها أنا ولكنها سوف تسجّل باسم آخر.
هز أحمد رأسه بتفهم وقال:
-ألا يوجد بأملاك العائلة أرضا تصلح لهذا الغرض ؟
ابتسم كريم بهدوء متوقعّا هذا السؤال فأجاب ببساطة:
-لا أريد هذا المنزل لأحد من أفراد عائلتى لهذا أودّ شراء أرضا جديدة بمواصفات خاصة سوف أبعثها لك برسالة على الهاتف.
ثم استطرد بخبث:
-هل يحتوى جهازك على تطبيق الواتس أب ؟ ام أنك ما زلت عدوا للتطوّر ؟
أجابه أحمد بقهقهة عالية وهو يقول متفكّها:
-بعد أن عيّنت عبير منذ سنتين تغيّر حالى كثيرا يا صديقى.
هتف كريم ممازحا:
-أهكذا الأمر ؟ بارك الله فى عبير ... لقد قامت بفعل المعجزات حقا !
وشاركه صديقه الضحك واحتساء القهوة اللذيذة قبل أن يقول متباهيا بتفاخر واضح:
-أرأيت هذه القهوة الرائعة ليست آخر مميزاتها المتعددة ... دعنى أخبرك بالمزيد عنها.

##########

SHELL 15-04-20 11:12 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
هبطت الطائرة القادمة من رحلة أوروبا فى مطار القاهرة الدولى فى تمام الساعة السابعة مساءا ,وكان الازدحام والصخب يعمّان الميناء الجوى فى مثل هذا التوقيت المتأخر نسبيا ,وما أن وطأت أميرة أرض المطار حتى زفرت ارتياحا وهى تتنسم هواء الليل البارد متأبطة ذراع زوجها الوسيم بفخر واعتداد حيث همست بأذنه قائلة:
-أخيرا عدنا يا حبيبى الى مصر ,لكم أوحشتنى بكل تفاصيلها ,مشتاقة لأعانق أم الدنيا.
رفع حاجبا بتعجب وهو يقول مازحا:
-تعانقين أم الدنيا أم تفتقدين حضن أمك ؟
كورت أنفها بشكل مضحك وهى تقلب شفتيها كالأطفال قائلة بغضب واهن:
-ما بك يا رفيق ؟ فى كل حوار أراك تحرّف كلماتى حتى تحوّل مجرى الحديث ليدور حول أمى ؟
-وهل تركت لى أى مجال لأنفرد بزوجتى ,فحتى فى أشد لحظاتنا خصوصية أجدها محشورة باحدى الزوايا ؟
صاحت أميرة تزجره:
-رفيق ,, ايّاك والحديث هكذا عن أمى.
داعب أرنبة انفها بمحبة بينما يندفعان لعبور البوابة سويا وهو يقول منشرحا:
-أمزح معكِ يا حياتى ,وهل يحلو لنا العيش بدون عمتى الحلوة ؟
ابتسمت بمحبة وهى تشير بسبابتها محذرة قبل أن تقول:
-هذا جيد أنك ثبت الى رشدك وعدت الى الحق.
هز كتفيه قبل أن يقول بخبث:
-ولكننى أشفق عليها من تشتيت انتباهها هنا وهناك ,هذا كل ما فى الأمر.
-ماذا تعنى ؟
-أنسيتِ أنها عروس جديدة ؟ ويستحق مجدى أن توليه جزءا أكبر من اهتمامها ورعايتها بدلا منا .
ضربته بخفة على كتفه وهى تقول بمرح:
-أيها اللئيم ! لا تقلق على العم مجدى فهو الوحيد الذى يستطيع السيطرة على نوبات غضبها كما أنه يجيد التعامل مع أعصابها الثائرة دائما.
-وماذا قلت أنا غير هذا ,فالرجل أولى بالمكافأة , اليس كذلك يا حبى ؟
منحته أحلى ابتساماتها عذوبة ورقة قبل أن تشيح بوجهها تتأمل ما حولها متساءلة :
-ألا ينتظرنا أحد ؟
أشار برأسه نفيا وهو يقول:
-كلا , فلم أخبرهم بموعد الطائرة.
قطبت جبينها عابسة وهى تتساءل:
-ولماذا ؟
-أردت مفاجئتهم بوصولنا ,ثم ماذا اخبرتك سابقا ,, لا تفسدى بشرتك الناعمة بالتقطيب فهو لا يليق بكِ.
سرعان ما تراخت ملامحها العابسة على الفور وهى تتبعه بعد أن أشار لسيارة أجرة بالوقوف ,وأسرع السائق بالنزول ليحمل الحقيبة التى كان يجرها رفيق خلفه ,وفى دقائق معدودة كان يتوجه بهما الى منزل العائلة.
-أتمنى أن أرى التعبيرات المرتسمة على وجوه الجميع حينما نصل فجأة وخاصة ماما , أتصدق يا رفيق أنها فكرة رائعة للغاية.
-أنتِ على الرحب والسعة يا حبيبتى ,ولكن مهلا كيف عرفتى أن عمتى ستكون بالبيت ؟
-هى أخبرتنى بنفسها فى آخرة مكالمة أنها صارت تذهب اليهم يوميا تقضى معظم الوقت برفقتهم .
عقد رفيق حاجبيه بتفكير عميق وهو يتساءل بضيق لم يستطع اخفائه:
-وما الذى يدفعها لترك منزلها ؟
فغرت أميرة فاها دهشة فانتبه هو لفظاظة عبارته فرسم على شفتيه بسمة جذابة وهو يضمها بين ذراعيه ملّطفا ليقول بلهجة أكثر ودّا:
-أعنى كيف تترك مجدى وحيدا وهما ما زالا ببداية زواجهما ؟
أجابته بحيرة وقد استطاع اطفاء نيران غضبها بسرعة فائقة:
-أمى تشكو من الوحدة يا رفيق فعمى مجدى على ما أعتقد يقضى معظم الوقت منشغلا بمتابعة أعماله ,وماما تكره الوحدة فلا بد أنها وجدت سلواها فى قضاء الوقت مع العائلة.
قال رفيق بصوت غائم:
-أتمنى أن يكون هذا هو السبب فعلا ...
-لماذا تكره وجود أمى الى هذا الحد ؟
صاحت تهاجمه بعنف وقد ظنّت أنه يقصد مجيئها الى بيت العائلة بصورة يوميّة ,فلم يتمالك نفسه من كتمان ما يؤرقه عنها بعد أن أخذ يمسّد على بشرتها الحريرية بأطراف أصابعه القوية بحنان وهو يقول موضحا:
-لا أكرهها أبدا بل أننى أحبها كثيرا أليست عمتى ؟ وهى التى أنجبت لى زوجتى الغالية التى أعشقها حد الجنون ,هناك أمر آخر يشغلنى ..
-ما هو ؟
-أشعر بأنهم يجاهدون لاخفاء أمر ما عنّى ,حينما تحدثت الى كريم على الهاتف وسألته عن سيف ولماذا لا يرد على اتصالاتى أجابنى باقتضاب أنه ربما يكون مشغولا على الرغم من تأكيدى عليه بأن يبلّغه رسالتى بأن يهاتفنى فى أسرع وقت ممكن الا أنه الى وقت وصولنا هذا لم يكلمنى.
-ربما يكون مشغولا فعلا ولم يجد وقتا .
-حتى ولو لدقائق من أجل محادثة تليفونية ؟
-لا أدرى !
-وريم أيضا ... صوتها يشوبه الحزن ,سألتنى متى يعود والدىّ من السفر وحينما قلت لها : لا علم لى بموعد رجوعهما أغلقت هاتفها بدون حتى أن تودّعنى.
ابتسمت من اهتمام زوجها المبالغ فيه بأدق التفاصيل ,هذه هى طبيعته التى لا يد له فيها وهى تحبه كما ما هو عليه ولكنها أشفقت عليه من القلق الذى استبدّ به قالت تخفّف عنه بتربيتة على ظاهر يده :
-ربما انقطع الخط أنت تعرف كم يصبح الارسال ضعيفا أحيانا.
-ربما تكون مجرد هواجس ,, أعترف بأننى أشعر بالذنب لغيابى عنهم كل هذه الفترة الطويلة تاركا الأعمال فوق رؤوسهم .
تساءلت بمرارة بداخلها : هل يشعر زوجها بالندم لأنه استجاب الى رغبتها بمد رحلتهما الى شهر ثانٍ ؟ ولكنهما يملكان كل الحق باجازة طويلة بعد كل ما مرّا به من أحداث سابقة ,نجحت فى أن تنحّى عن صوتها أى أثر للحزن وقالت تتصنّع المرح:
-على كل حال لقد عدنا , ومنذ الغد سوف نذهب الى العمل ويمكنك أن تسمح لهما بفترة من الراحة بينما نتحمّل نحن كافة المسؤوليات.
سحب يدها من حضنها ورفعها نحو شفتيه يقبّلها بقوة وهو يقول بامتنان:
-هكذا هى زوجتى الحبيبة وشريكة عمرى لا تتخلّى عنى أبدا.
-نحن معا الى الأبد فى السراء والضراء.
اختبرا السراء سويا ,ولم يعلما أن فى انتظارهما اختبار أشد وأكثر صعوبة مما يعتقدان.

#########

SHELL 15-04-20 11:13 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
-رياض ... هل وضعت كافة الحقائب بالسيارة ؟
أومأ السائق برأسه مجيبا بتهذيب:
-نعم يا سيد محمد ... هل ننطلق ؟
أشار له بحركة من يده بينما يصعد الى جوار زوجته القابعة بالأريكة الخلفيّة ترمقه بنظرات محبة رقيقة قبل أن يقول بعد استقراره بمقعده:
-هيا يا رياض.
قالت سوسن وهى تلقى برأسها على كتف زوجها:
-ألا تأمره بزيادة السرعة قليلا ؟ أشعر بأنه يسير كالسلحفاة زاحفا.
صاح ضاحكا:
-يا ربى ! أنتِ من بين جميع الناس يا سوسن والتى كانت تنهرنى بشدة اذا ما قدت السيارة بسرعة أكثر من ثلاثين كيلومترا فى الساعة على طريق عام خالٍ من المارة والسيارات وتتهمنى بالجنون المطبق يصدر عنكِ مثل هذا القول.
ربتت برفق على يده وهى تقول بتضرّع:
-أرجوك يا محمد ,أريد العودة بسرعة الى المنزل ,, لكم أوحشتنى ريم .. وقلبى يحدثنى بأنها تحتاج وجودنا بجانبها فصوتها لم يعجبنى بأخر مكالمة لنا.
ابتسم الزوج بحنان معهود وهو يضم كتفيها بذراعه اليسرى بينما يشدّ بيده الأخرى على كفّيها المضمومتين فى حضنها قائلا بتفهم:
-حسنا يا سيدتى طلباتك أوامر ... رياض .. أسرع قليلا ولكن بحذر ..
والتفت الى وجه سوسن الذى يحكى قصة اشتياق وحنين قبل أن يقول هامسا:
-هه هل يرضيكِ هذا ؟
قالت بصوت متوتر وهى تلوم تقسها:
-لا أعرف كيف طاوعتك على القيام بهذه الرحلة الطويلة الى خارج مصر ؟
هتف باندهاش ممازحا ايّاها:
-يا للنساء ! ألم تكن هذه هى رغبتك بالأساس بعد تقاعدى أن نذهب بعيدا لنستجم فترة من الوقت ؟
قالت بصراحة وهى تهز رأسها يمينا ويسارا بخفة:
-نعم ,ولكننى لم أحسب حسابا لمشاعر ريم ,فلم أكن أظن وقتها أن سفرنا سينزامن مع شهر العسل لرفيق وأميرة ... لقد تركنا المسكينة وحدها لنقضى نحن وقتا ممتعا !
أجابها بقوة:
-هى ليست وحيدة ,فأمى الى جانبها وهناء أيضا.
قالت بمرارة:
-ربما احتاجت الى مساندة رجل.
اشار لها أن تصمت وهو يقول بحزم:
-كفّى عن هذه الأوهام ,ريم بخير ولقد تركتها فى رعاية ابنىّ عميّها ,هما قادران على حمايتها ولو كلفّهما الامر غاليا.
-لا تغضب لم أقصدهما بشر فهما بمثابة اخوة لها كرفيق تماما.
-حسنا , فننهِ هذا النقاش العقيم فورا.
التزمت سوسن الصمت حتى نهاية الرحلة الى المنزل وهى تتذمر بداخلها من الكبرياء الشديد الذى يمتلكه رجال هذه العائلة ويحول دون اعترافهم بالقصور حتى فى أحلك المواقف.
ولكن كيف تسكت وجيب قلب الأم الذى يصدح بصدرها مخبرا ايّاها بأن ابنتها الوحيدة بحاجة الى حضنها فى هذه اللحظة ,ونادرا ما خاب حدس الأم !
توقفّت السيارة لدى وصولهما فترجّل منها محمد أولا قبل أن يقوم السائق بفتح الباب المجاور لزوجته وهو يتابع بعينيه سيارة أجرة فى طريقها عائدة نحو البوابة ,فتساءل محمد وهو يشيّعها بنظرات مقيّمة :
-ماذا تفعل هذه السيارة هنا ؟
أجابت سوسن ببساطة:
-ربما كانت تقلّ ضيوفا.
نظر محمد الى ميناء ساعته الأبيض قبل أن يغمغم متعجبا:
-فى مثل هذا التوقيت ! غريبة !
واسرع رياض مفرغا السيارة من كومة الحقائب المكدّسة بها بينما محمد يراقبه باشفاق موجّها تأنيبه لزوجته:
-سامحكِ الله ... كل هذه المشتريات.
رفعت رأسها بشمم وهى تجيبه بوداعة:
-أنها بعض الهدايا البسيطة لأفراد العائلة.
-أيتها الظالمة , لقد قمنا بنقل محتويات سوق صغير الى هنا وبطاقة الائتمان تشهد على ذلك.
-وما الضرر من ذلك ؟ لقد أردت شراء بعض الأغراض من أجل ريم , ألم يكفِ أننا سافرنا بدونها ؟ ثم أتضنّ على ابنتك الوحيدة ببعض المال ؟
-حسنا يا أم ريم لكِ ما تشائين دائما ,ولكِ كل ما أملكه مالى وحالى.
صاحت بغضب مصطنع:
-أنا أم رفيق !
-أليست ريم ابنتك هى الأخرى ؟
قالت بحنان بالغ وحزم شديد:
-بلى ,ولكن رفيق هو الابن البكرىّ ... أول فرحة لنا , وكما أطلق عليه عمى عبد العظيم - رحمه الله - لقب ( ولىّ عهد الشرقاوية ).
أحاطها بذراعه ليسيرا الهوينى بممر الحديقة وهو يقول مؤمنّا :
-رحمه الله وغفر له كان يحبه لدرجة لا يمكن وصفها.
ثم أضاف مشيدا بها:
-أنتِ لا مثيل لكِ ,,, نعمة من الله أن منّ علىّ بوجودك فى حياتى , نعم الزوجة والأم حقا.
-لا حرمنى الله منك أبدا ولا من أحد من أبنائنا.

#######

SHELL 15-04-20 11:14 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
انتهى الفصل الرابع

قراءة ممتعة :iU804754:

SHELL 15-06-20 08:27 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
الفصل الخامس

https://up.movizland.com/uploads/13587838745.gif

ألحّت فريال على زوجها لمرافقتها ذلك اليوم فى ذهابها الى منزل العائلة حيث اعتادت الاجتماع معهم .. لم يكن أهمية وجوده تقل عن الخبر السعيد الذى تودّ أن تزفّه اليهم ولم تكن بقادرة على مواجهتهم بمفردها وخاصة أن الأمر لا يخصّها وحدها.
هل ما تشعر به حقا هو الخجل الفطرىّ الذى ينتاب أية امرأة فى مثل حالتها ؟ أم أنها تعانى نوعا مرضيّا من الرهاب الاجتماعىّ يحول دون انسجامها ببساطة وسط الجموع حينما تتعلّق الأنظار الفضولية بما سوف تتفوّه به من كلمات.
كانت تجلس الى جوار أمها وتلقى برأسها على كتف المرأة العجوز , على كثرة المآسى التى مرّت بها فى حياتها ما زالت صامدة كشجرة عتيقة فى وجه الرياح العاتية ,تشعر بحيرة بالغة كيف تبدأ حديثها ,, قررت أن تطلع والدتها على سرها الصغير بينما يدى الوالدة تربت على ظهرها من الخلف كأنما تهدهد طفلة فى مهدها لا امرأة ناضجة قاربت على تجاوز منتصف الأربعينات .. ستظل بعينيها وقلبها ... طفلتها المدللة .. ابنتها الوحيدة .. أميرة العائلة ,وان كانت حفيدتها قد استولت على هذا الاسم فهذا لا ينفى أنها صورة مكررة من الأصل , فهمست بالقرب من أذنها بصوت يكاد يكون غير مسموع:
-ماما , هناك ما أود اخبارك به .. أنا ..
أولتها السيدة شريفة كامل اهتمامها وحينما أتمّت فريال عبارتها ارتسمت دلائل الدهشة ممتزجة بالسعادة على وجه المرأة المتغضن فكأنها عادت الى الوراء عشرين عاما.
بهذه اللحظة سمعوا رنين الجرس الخارجى معلنا عن وجود زائر , تلتها عدة طرقات مميزة على باب الفيلا الزجاجى ,شهقت ريم بفرحة وهبّت مسرعة نحو الباب وقد خمنت شخصية الطارق المتلهف ,وأشارت لسماح التى أتت بدورها لتقوم بعملها اشارة أن تبقى بمكانها ثم تجاوزتها لتفتح الباب وتروى ظمأها لرؤية الغائب الذى عاد سالما بصحبة زوجته ,وما أن لمحت طيفه حتى ألقت بنفسها دون وعى بين ذراعيه وهى تمطره بالقبلات الصغيرة المليئة بشوق غامر هاتفة:
-اشتقت لك كثيرا يا رفيق.
تلقفها رفيق فى أحضانه وهو يرفعها عن الأرض من خصرها ليدور بها مرتين قبل ان يصيح مختنقا:
-مرحبا حلوتى ,,أنا أيضا افتقدتك يا صغيرتى .. مهلا .. مهلا ..
وأزاحها بلطف حتى يستطيع التقاط أنفاسه وهو يتأملها بعين ناقدة قبل ان يقول بفتور:
-ما الذى فعلته بشعرك ايتها المجرمة ؟
يا له من حوار مكرر حتى بات الملل يتسرب من كل حرف منه ,لماذا يتهمها الجميع بالاجرام لمجرد أن اتخذت قرارا يخص شعرها هى ,الا أنها ما لبثت أن ابتعدت قليلا وهى تحاول أن تتصنّع المرح فقالت بلا مبالاة:
-ما رأيك يا عزيزى ؟ لقد غيّرت تسريحة شعرى ,, قمت بعمل ( نيو لوك ) كما يسمونه ,أليس مناسبا لى ؟
وأخذت تحرّك رأسها يمينا ويسارا باستعراض أمامه بينما عيناه تحاولان اختراق حاجزها الواقى لينفذ عقله الى معرفة ما تخبئه بداخلها.
أجابها ببطء:
-ربما ,ولكننى أفضلّ خصلات شعرك الطويلة.
دار هذا الحديث بين الأخ وأخته غافلين عن أميرة التى وقفت خلف زوجها كأنما هى غير مرئية بالنسبة لهما ,فلوّحت بيديها فى الهواء قائلة بمرح:
-هاى نحن هنا ..
التفتت ريم اليها قبل أن تغرقها فى حضنها بقوة وهى تقبّل وجنتيها قائلة بحماس:
-مرحبا بالعروس الجميلة ... زوجة أخى .. حمدا لله على سلامتكما.
بادلتها الأحضان وهى تقرصها بلطف فى ذراعها قبل ان تهتف مؤنبة:
-زوجة أخى .. هه ماذا قلنا سابقا يا فتاة ؟ أنا أميرة ,,واذا كان ضروريا أن تجدى لى لقبا مناسبا فليس هناك أفضل من ابنة عمتى.
تشاركتا الضحك سويا وريم تمازح أخاها قائلة بينما تقود أميرة من ذراعها الى الداخل:
-ها قد بدأت زوجتك بالتسلّط واتخاذ القرارات .. لماذا لم تخبرا أحدا بموعد عودتكما ؟
أخذت سماح جانبا وهى تتمتم بسعادة:
-حمدا لله على السلامة.
أجابها رفيق بينما يتأبط ذراع زوجته من الجهة الأخرى:
-أردنا أن نفاجئكم ,سلمك الله يا سماح , كيف حالك ؟
أجابته وهى تتجه لتحمل الحقيبة الكبيرة قبل أن تمد يدها لتغلق الباب:
-بخير حال عندما رأيتكما.
صاحت ريم وهى على أعتاب غرفة الجلوس بصوت عالٍ:
-مفاجأة ... انظروا من حضر !
انتفضت فريال بصدمة وهمّت بالنهوض لملاقاة ابنتها العائدة وقد أضناها الاشتياق والحنين الا أن أمها منعتها بحزم وهى تهمس:
-اهدأى قليلا , فالتوتر ليس مفيدا فى حالتك هذه ,وتصرفى برويّة.
همسة متضائلة من أمها:
-أميرة , ابنتى.
لم تمهلها ابنتها الفرصة لتنهض من مجلسها بل قطعت المسافة بينهما فى ثوانٍ معدودة وهى تجثو على ركبتيها بالقرب منها لتعتصرها بين ذراعيها وهى تقول بصوت متهدّج تتخلله عبرات تساقطت رغما عنها تحكى قصة شوقهما:
-ماما ... أوحشتنى كثيرا , كثيرا.
-أنتِ .. أمام عينىّ .. حبيبة قلبى وقرة عينى .. لا تغيبى عنى مجددا يا اميرة.
بينما حاولت الجدة أن تزيحها قليلا عن جسد أمها لتعطيها مساحة للحركة والتنفس بأريحية قائلة بحنان حازم:
-حمدا لله على سلامة الغاليين , حبيبتى ... خففى من احتضانك لأمك , على الأقل اسمحى لها أن تتنفس بحرية.
ابتعدت بحركة عنيفة وهى ما زالت تتحدث بعفوية من آثار نشوتها بلقاء أهلها بعد غياب شهرين متواصلين:
-آسفة يا أنّا لم أنتبه ... حبيبتى .. لكِ وحشة كبيرة.
وعانقت جدتها ثم عمتها هناء التى استقبلتها بترحاب وقالت بغبطة:
-مرحبا بأحلى عروس فى العائلة .. وجهك كالبدر فى تمامه.
هتفت فريال بانقباض:
-ما شاء الله ! قولى ما شاء الله يا هناء !
رفعت هناء حاجبا واحدا وهى تزم شفتيها باستياء واضح قائلة:
-وهل أحسد ابنى أخى يا فريال ؟ أنها بمثابة ابنتى التى لم أنجبها.
ورمت ابنة عمها بنظرة سوداء ,فابتسمت أميرة مجاملة لها وهى تقول بصوت مهتز لتغيّر مجرى الحوار:
-أين كريم وسيف ؟
بينما كان رفيق يضم مجدى الى صدره وكلاهما يربت على ظهر الآخر بصداقة ومودة قبل أن يقول الأخير بعتاب:
-عود أحمد يا عريس ,ولو لم تخفِ عنّا خبر عودتكما لكنّا الآن فى شرف استقبالكما بالمطار.
قال رفيق مقررا بينما يتبادل الأدوار مع زوجته ليمنح عمته قبلة على جبينها ثم يلتفت الى جدته يقبّل يديها وهى تمسح على شعره بحنانها المعهود:
-أردنا أن نصنع مفاجأة لكم , كما اننا لم نشأ أن نزعجك أنت فأنت الآخر عريس أيضا.
غمزه بوقاحة وهو يتساءل ببراءة مصطنعة:
-لماذا لم تقررا الحصول على اجازة ولو قصيرة ؟
أجابه مجدى بعد أن عاد الى مقعده قريبا من زوجته التى احتقن وجهها غضبا من جراء تلميح زوج ابنتها:
-لو تعرف بم كانت تفكر حماتك لحمدت ربك على أننى كنت مشغولا بالعمل هذه الفترة.
ثم اضاف بصوت أكثر انخفاضا غير عابئ بنظرات فريال الملتهبة:
-كانت تود مرافقتكما بالسفر ,والحمد لله أننا لم نفعل .. فظروفها الصحية لم تكن لتسمح بذلك.
زجرته هى بعنف:
-مجدى ... ما هذا الذى تقوله ؟
ربت على يدها التى كانت تكوّرها فى حضنها وهو يقول بهدوء:
-اهدأى حبيبتى ,أليسوا عائلتك ؟ لا أجد مبررا لاخفاء الأمر عنهم .
نظرت له أميرة بتساؤل قبل أن تقول بقلق وهى تحيط كتفى أمها بذراعها:
-ما بها أمى ؟ هل أنتِ بخير ماما ؟
همّ مجدى بالتحدث نيابة عن زوجته الا أن جرس الباب دق مرة ثانية ,فقطّب رفيق حاجبيه قائلا بتساؤل:
-هل تنتظرون أحدا ؟
ضربت الجدة شريفة على جبينها بباطن كفها وهى تشهق:
-ياه ! لقد أنستنى الفرحة العارمة برؤيتكما .. أن أخبركم بعودة محمد وسوسن اليوم.
هتفت ريم بنزق:
-أبى وأمى ! أهما قادمان اليوم حقا ؟
هرعت سماح هذه المرة لتصل قبل ريم ففتحت الباب تستقبل العائدين بحرارة.
حينما قام محمد وزوجته بمصافحة الجميع ووصل الى ابنتهما ,نظر لها مندهشا من مظهرها الجديد فما لبث أن قال بصوت غريب:
-ريم .. عزيزتى .. أية مصيبة حلّت بشعرك الجميل ؟
قامت الفتاة جاهدة باخفاء رغبة دفينة تجيش بصدرها أن تضم نفسها اليه لتبثه شكواها وآلامها الجسيمة واكتفت برفع كتفيها عاليا وهى تقول بخفة:
-ليست مصيبة يا بابا , قررت أن أجارى أحدث الصيحات الخاصة بقصة الشعر.
هتف والدها باستغراب بعد أن منحها قبلة أبوية على جبينها:
-عشنا لنرى عجب العجاب.
فيما بعد اتخذ رفيق مقعدا مجاورا لشقيقته ثم اقترب من أذنها هامسا:
-أخبريننى أنتِ ,,, أين شباب العائلة ؟ ما لى لا أرى أيا منهما فى استقبالنا.
ترددت كثيرا قبل أن تجيبه ما جعله يتراجع بمقعده يرمقها بنظرة استفسار ,فقالت بعدم رضا:
-أحوالهما هذه الأيام لا تسرّ عدوا ولا حبيبا.
-هاتِ ما لديكِ أيتها الصغيرة .. بدون مقدمات.
-حسنا .. سوف ترى بنفسك .. كريم نادرا ما يتواجد هنا , أما عن سيف فها هو قادم مع عروسه.
رمت بجملتها الأخيرة وهى تنظر بغيظ الى نقطة ما خلفه.
التفت بكتفه وهو يردد بعدم تصديق:
-عروس من ؟ أهذه هى ؟
كان سيف يتقدم بخطوات واثقة الى الأمام بينما مها تتبعه بصمت مطرقة نحو الأرض وهى تئن بداخلها : لم أكن أعلم أن الأمر سيكون بمثل هذه الصعوبة! كل هؤلاء الأشخاص عليها أن تواجههم دفعة واحدة , سوف تصاب بالاغماء ثانية ,, رباه لماذا صار الهواء شحيحا لهذا الحد ! ماذا عن زوجها لا بد أنه سيتعرض لموقف أشد صعوبة منها ... ساخرة لامت نفسها فهو بكامل لياقته وأناقته وثقته بننفسه لا تتزعزع ,لا تدعى قلبك الطيب يشفق عليه ,أنه ليس بحاجة الى مساندة أو دعم ,أنتِ بمأزق يا مها ,لماذا وافقته على الحضور فى هذا الاجتماع العائلىّ ؟ وهل كان فى يدها أن ترفض ؟ هيهات أن يستسلم سيف لرغبتها , ألم يثبت لها منذ ساعات خلت أنه ينفذ مشيئته متى أراد بل ويرغمها على القبول ... كانت تحاول اخراس صوت صغير يخبرها بأنها لم تكن مجبرة على التجاوب معه .. كانت تريده مثلما أرادها وربما أكثر منه.
صاح مهللا بترحاب بالغ وهو يحتضن عمه بقوة ثم يتجه نحو رفيق فيفعل بالمثل:
-وأنا أتساءل عن مصدر هذا النور كله ,حمدا لله على السلامة .. ولكن لماذا لم تخبروننا بموعد قدومكم كنت انتظرتكم بنفسى فى المطار؟
بعد تبادل العبارات التقليدية والتحيات العميقة كان سيف الوحيد الذى يتحدث بأريحية تامة دون أن ينتبه للصمت المطبق الذى حل على الجميع وهم يحدجون مها بنظرات تكاد تصرخ هاتفة بها : من أنتِ ؟ وما الذى حشرك بيننا ؟
كانت سوسن أول من استطاعت أن تتغلّب على دهشتها وهى تمنح الوافدة ابتسامة حانية تذيب القلب وهى تتساءل بفضول:
-من أنتِ ؟
-أنا ... مها ... سيف ...
وأشارت الى زوجها بيأس واحباط علّها ينقذها من حرجها.
-سيف يا عزيزى ... هل جاءت معك ؟ أوه , أعتقد أن أمك ستسعد كثيرا , وأخيرا ...
قالتها بغبطة وتركت بقية جملتها معلّقة فقد وضح أنها استنتجت أن سيف قد اصطحبها معه الى منزل العائلة لتعريفها اليهم كخطيبته المستقبلية .
وفعت الجدة يدها فى الهواء لتشير للجميع بالصمت بعد أن تعالت الهمهمات الغير واضحة من الجالسين حولها وقالت بتأنٍ ورزانة:
-مهلا يا جماعة ... احم ... أود أن أعرّفكم الى كنّتنا الجديدة ... مها .. زوجة حفيدى سيف.
غمغم محمد بتوتر وهو يتراجع بمقعده:
-زوجته ؟؟
بينما اندفع رفيق هائجا نحو ابن عمه يمسكه من تلابيبه وصاح مهددا بعنف:
-أيها الأخرق .. ماذا فعلت بنفسك وبنا ؟ تزوّجتها هكذا بمنتهى البساطة ؟
حال بينهما صوت العم الصارم هاتفا:
-رفيق ... اترك ابن عمك وشأنه.
التفت الشاب الى ابيه وهو ما زال قابضا على ياقة قميص الآخر يقول بصوت متهدج:
-بابا .. أنت لا تعرف ... هى ..
وأشار بسبابته نحو مها التى انكمشت على نفسها بخوف واضح تحاول البحث عن ملجأ لها تحتمى به مما جال بخاطرها أن ينالها على يد ذاك الغاضب المتهور والذى كان فيما مضى رئيسا لها.
استطرد رفيق بعد أن قام سيف بانتزاع نفسه من بين أصابع يده:
-هى تلك ال.. لا أجد لها وصفا ملائما .. بقاموس المفردات اللائقة .. كيف استغلّتك لتحقيق مرادها ؟ أم تراك كنت ساعيا خلفها منذ البداية ؟
هتف سيف بانزعاج وهو يشيح بذراعيه بلا مبالاة:
-وما شأنك أنت يا رفيق ؟ من فضلك لا تتدخل فيما لا يعنيك .. أنها زوجتى ,ومنذ الآن فصاعدا عليك معاملتها باحترام.
نظر لها رفيق شذرا قبل أن يقول متهكّما:
-أها .. الآن السكرتيرة المطرودة صارت سيدة المنزل وعلينا احترامها .. هل يكفى أم علينا الانحناء حينما تمر وتقبيل يديها ؟
قال سيف بمرارة:
-أنت سبق واخترت زوجتك دون أن تشاورنا بالأمر ,وفرضت علينا القبول بها واحترامها ,ولا يخصك اذا ما كنت سكرتيرة أم عاملة نظافة ؟
وضع رفيق سبابته امام أنفه محذرا وهو يقول منذرا:
-ايّاك ووضعها بالمقارنة مع زوجتى ,فليست ابنة الحسب والنسب من تنتمى لعائلة الشرقاوى تشبهها بهذه الفتاة التى .. أقل ما توصف به أنها متسلقة وخائنة ,,, ويكفى أنها ابنة كمال الراوى.
كانت عبارته الأخيرة بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير بالنسسة لمحمد ,, فهو الوحيد من بينهم على دراية تامة بقصة كمال الراوى وعلاقته بعائلة الشرقاوى وشراكته لوالده.
فهتف مرددا وأمارات الذهول بادية على وجهه المتقلّص الملامح:
-ابنة كمال الراوى !! هل سكرتيرتك يا رفيق هى ابنة كمال ؟
كان الوالد يعرفها حق المعرفة بحكم رئاسته السابقة لمجلس ادارة الشركة وكانت هى تعمل سكرتيرة لابنه فتعوّد على رؤيتها كثيرا ولم يخطر بباله يوما أن يسألها عن اسمها بالتفصيل مكتفيا باسمها الأول ,وأضاف بلهجة حانقة:
-اجبنى يا رفيق هل كنت تعرف أنها ابنة الراوى ؟
تساءلت الجدة وقد استشعرت بالخطر يهدد استقرار عائلتها من جديد:
-ما القصة يا أولاد ؟ ومن هو كمال هذا الذى تتحدثون عنه ؟
بينما غطّت فريال فمها بيديها لتمنع صرخة مكتومة أطلقتها وهى ترتعش:
-أهى ابنة كمال وسهام ؟
رمتها مها على الفور بنظرة مترجية فهى الأولى التى تأتى على سيرة أمها الراحلة , اذن فهذه العائلة حقا كانت على معرفة وثيقة بوالديها أو على الأقل لم تكذب أمها حينما حدثتها عن شراكة أبيها للجد المتوفىّ ..
صاح محمد هادرا بعد أن هب على قدميه:
-رفيق !!
أطرق الابن براسه نحو الأرض خجلا من مواجهة أبيه فتمتم بوهن:
-هى ابنته ,ولكننى لم أكن أعرف حينما استلمت العمل.
هز الوالد رأسه يمينا ويسارا وهو يقول بصوت محتقر:
-خيّبت أملى فيك يا بنىّ ,للأسف لم تكن على قدر المسؤولية التى وضعتك بها.
رفع رفيق رأسه ببطء وهو يتحرك نحو والده يطلب الصفح قائلا بأسى:
-أبى .. اقسم لك أننى حينما عرفت بالحقيقة طردتها من الشركة بأكملها ..
أوقفه محمد باشارة حازمة من يده قبل أن يقول ناهرا ايّاه:
-قف مكانك .. لا أريد سماع مبرراتك الواهية , أنت لم تحافظ على الأمانة التى سلمتك ايّاها بل وكدت تتسبب بانهيار صرح شامخ باستهتارك وضعفك ..كيف سمحت لهذا ان يحدث تحت بصرك ؟
قاطعه سيف محاولا الدفاع عن ابن عمه وصديقه فقال بتردد وهو يتقدّم بدور نحو عمه:
-عمى .. أنا السبب فى كل ما حدث , لا تلقِ باللوم على رفيق ,, أنا من أخطا وليس هو.
رمقه محمد بنظرات نارية وهو يخاطبه بحدة:
-أنت ؟؟ هل كنت تعرف بهويتها الحقيقية حينما عيّنتها ؟
طأطأ راسه خجلا من اعترافه بخطئه الشنيع منذ البداية ,مما حدا بمحمد أن يتقدم منه ليرفع رأسه مجبرا ايّاه على معرفة مدى فداحة فعلته وهو يلقى بالكلمات فى وجهه كطلقات مدفع تصيبه فى الصميم:
-حسنا , الصمت خير دليل على الاعتراف , أنت الآخر لم تكن على قدر المسؤولية .. هل تدرك ما الذى يمكن أن يصيب أباك اذا عرف بزواجك من هذه ... هذه الفتاة .. تكلّم ... لا تقف كاللوح الخشبىّ ... تكلّم ...
-آسف ...
تمتمة مرتعشة حوت على ثلاثة أحرف كان كل ما يملكه سيف للدفاع عن نفسه وهو متأكد من عدم جدوى أسفه .
قهقه محمد ساخرا وهو يقول مقلّدا ابن أخيه حتى ان زوجته نفسها قد تعجبّت من ردة فعل زوجها فهذه هى المرة الأولى التى تراه هازئا:
-آسف .. بهذه السهولة ؟ يا ليت الأمر يتوقف على اسفك يا سيد سيف .. ولا تتوقع يا رفيق أنك ستفلت من نصيبك أنت أيضا , فالحسنة تخص والسيئة تعم ,ولا تحاول أن تتهرّب من غلطتك .. فلا يشفع لك جهلك بالأمور , أنت تدير مؤسسة ضخمة تقدّر بملايين الجنيهات وهفوة واحدة كهذه تذهبك وراء الشمس ..
وأشار بأصابعه الى نقطة بعيدة عاليا نحو السماء واستكمل مردفا بضيق:
-وتذهب الجميع معك ,, يا لخيبة أملى فيكم أحفاد الشرقاوى !
اعترض رفيق على الرغم من احساسه بالذنب قائلا:
-أبى .. أيمكننا مناقشة هذا الأمر على انفراد ؟ فلا ضرورة لأن يشهد الجميع على حوارنا .
رفع محمد حاجبيه دلالة الاستياء الشديد بينما قالت سوسن بهدوء يتناقض مع الغليان بداخلها وقد شعرت بالرأفة لحال زوجها الذى كان محمر الوجه من فرط انفعاله:
-محمد ... فلتهدأ ,كل الأمور يمكن أن تعالج بروية وحكمة .. لا نريد أن يرتفع ضغط دمك فلقد سبق وحذرك الطبيب من مغبة هذا الانفعال .. رفيق .. لا حاجة بك لمواصلة هذا النقاش ,ألا ترى كيف يشعر والدك بالاعياء ؟
كان محمد فى هذه الأثناء يحاول التماسك جاهدا وقد شعر بأن رأسه على وشك الانفجار من شدة التفكير فسقط جالسا بمقعده تلحق به ريم التى جثت الى جوار قدميه تربت على كتفيه وتمسد على رأسه بحنان بالغ وهى تهمس بقلق:
-بابا .. حبيبى .. ارجوك لا تفكر بالأمر نهائيا , كل ما تريده سيكون ولكن رفقا بنفسك وبنا.
فكرت الابنة أنها أرادت اللجوء الى أبيها لتعلمه بما صار معها فى غيابه حتى يتفهم تصرفها ويساعدها لتتجاوز أزمتها ,ولكن نظرة واحدة مجددا نحو وجهه المكفهر وقد بدا أكبر بسنوات من عمره الحقيقى ,تسلل الى قلبها شعور بالشفقة نحو هذا الرجل العظيم بنظرها وقررت أنه لا ضرر من تأجيل موضوعها لما بعد فيكفيه المصيبة التى ألقاها سيف فى وجهه حتى أثقل كاهله ,,ولكن أبوها يبدو غاضبا لسبب آخر .. ليس لمجرد أن ابن أخيه قد تزوّج من سكرتيرة وضيعة كانت تعمل لديهم ,يبدو أن هناك سرا خطيرا وراء غضبه العاصف .. لم تره يوما منفعلا بهذه الصورة.
دوما كان والدها مثالا للرجل الهادئ الأعصاب رابط الجأش ذى الرأى السديد والحكمة المجسّدة فى قراراته ,تولّى شؤون عائلته وترأس مجلس الادارة حتى قبل وفاة جدها بعدة سنوات .. فالأخير عانى من صعوبة بالحركة بعد اصابته الأخيرة بنوبة قلبية شديدة لازم على اثرها الفراش لبضعة اشهر ممنوعا من الانفعال والمجهود الزائد ,وحتى بعد تعافيه لم يعد مجددا ذات الرجل الصلب قوى الشكيمة , وأكبر دليل على تغيّره كان قراره باشراك الحفيدة .. لابنه المنبوذ سابقا بالوصية .. ترى لو كان جدها ما زال حيّا هل كان تجرأ أيا كان عليهم يوما ما ؟
تجمعت الدموع بمآقيها فحركت يدها تمسح عينيها بظهر كفها فى حركة أسرت قلبه على الفور .. أنها زوجته وحبيبة قلبه وتوأم روحه .. تشعر بما يعتمل فى نفسه فى هذه اللحظات الحرجة .. هل كان يظن أن تدوم سعادتهما الى الأبد ؟ ساذج غر هو من يتوقع الحصول على كل شئ دون أى خسارة .. أميرته تحاول أن تتظاهر بالقوة ولكنها بالنهاية اقتربت منه بصمت لتلقى برأسها على صدره تنظر له مشجعة فابتسم لها مطمئنا .. وتمسّك بيدها التى التفت أصابعها حول أصابعه متشابكة تضغط عليها بثبات تبثه مساندتها ودعمها .. أنت محظوظ بها يا رجل .. هتف صوت بداخله.
قال محمد بعد ان هدأ قليلا وكان يتبادل نظرات ذات معانٍ كثيرة مع أمه:
-اسمعوننى جيدا وأنصتوا لى جميعا .. لا أحد .. أكررها وأعيدها .. لا أحد بعد الآن .. يتخذ قرارا دون الرجوع الىّ ,, فى كافة الشؤون .. مفهوم ؟
-طبعا .. طبعا يا بنىّ لديك كل الحق.
كانت والدته صاحبة الاجابة الأسرع والتى تهدف الى تهدئة غضبه وتطييب خاطره.
بينما تمتمت ريم وهى تحاول اخفاء أصبعها الذى يحمل خاتم جاسر الماسىّ ,وعلى ما يبدو أن أحدا لم يلاحظه على الرغم من بريقه الذى يلمع مشعا فقد كان الجميع منشغلا بالعاصفة الهوجاء التى اثارها كلا من سيف ورفيق:
-حاضر يا بابا.
واكتفى الرجلين السابق ذكرهما بالايماء ايجابا برأسيهما ,فأشار هو لهما قائلا بصرامة بالغة:
-وأنتما الاثنان .. اتبعانى الى غرفة المكتب .. لنا حديث لم ينتهِ بعد.
متجاهلا محاولة زوجته لاثنائه عن الاتيان بأى مجهود
وقف على قدميه مجددا متجاهلا محاولات زوجته لاثنائه عن الاتيان بأى مجهود فأخذت تتبعه وصوتها يتردد يائسة من عناده:
-محمد .. أرجوك اسمعنى , أتوسل اليك .. فلترتاح قليلا ثم تناقش معهما فى الصباح كما يحلو لك.
لم يجبها وانما توجه على الفور نحو غرفة مكتبه وقبل ان يختفى طيفه بالداخل قال بصوت مرتفع:
-رفيق ... سيف .. أريدكما على جناح السرعة .. لا تتأخرا ..
رمق الأول الثانى بنظرة لائمة وقد زم شفتيه استياءا وهو يدمدم لاعنا:
-هل تشعر الآن بالراحة يا سيف ؟ أين كان عقلك ؟
ضافت عينا سيف لا اراديا وهو يجيبه باحباط بينما يسيران جنبا الى جنب نحو مصيرهما الغامض:
-أنت لا تفهم ما حدث , لم يكن بيدى .. الأمر أقوى منى.
وضع رفيق اصبعه أمام فمه وهو يهتف مغتاظا:
-اششش .. توقف عمّا تفعل ,ولا تحاول استدرار العطف نحوك ,فما قمت به لهو التهور بعينه ... ثم أين هو ابن عمك العزيز ؟ لماذا يختفى دائما فى هذه الأوقات العصيبة ؟ حسابه معى فيما بعد .. كيف لم يمنعك من ارتكاب حماقة أخرى ؟
توقف سيف بغتة عن متابعة السير وهو يلتفت بحدة نحو مرافقه قائلا:
-أنا لست طفلا صغيرا لأنتظر الاذن منك أو من كريم ,, وما قمت به لهو أمر شخصى يخصنى أنا فقط ..وان كنت لزمت الصمت سابقا فكان هذا احتراما لعمى الكبير .. ولست خائفا ولا نادما .. لقد تزوجت ,, لم أرتكب جرما.
ابتسم رفيق ساخرا بزاوية فمه وهو يهتف بغضب ممتزج بالأسى:
-أنت أجرمت فى حقنا جميعا .. وصمت العائلة بعار لن تمحوه الأيام .. هيا الى الداخل لنرى ما الذى ينتظرنا يا ايها الناصح.
ولكزه بمرفقه فى جانبه يدفعه الى داخل الغرفة قبل أن يصفق الباب ورائه.


##########

SHELL 15-06-20 08:29 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
اعتدل السيد مجدى بجلسته وهو يتأهب للنهوض قائلا بصوته الرخيم:
-حمدا لله على سلامتكم جميعا .. فريال , أعتقد بانه علينا المغادرة الآن حتى نترك لهم فرصة للراحة.
تململت زوجته قليلا قبل أن ترمق ابنتها الشاردة الى جوارها بنظرة متحسرة وهى تقول باستسلام:
-لديك الحق فهم مرهقون بلا شك من أثر الرحلة الطويلة للعودة.
ابتسمت السيدة شريفة بدبلوماسية وهى تحادث زوج ابنتها بأريحية تامة ,فقد باتت تتقبّل وجوده وانتمائه لعائلتها وتناست الماضى بكل آلامه وأخطائه:
-لماذا لا تبقون هنا الليلة ؟ فغرفة فريال ما زالت فارغة وبها فراش واسع ..
قاطعتها ابنتها وهى تقف على قدميها بينما عيناها ما زالت معلّقة بوجه أميرة:
-لا يا أمى .. فمجدى لديه عمل فى الصباح الباكر ولن يستطيع تأجيله ,كما أن حقيبته الخاصة فى البيت.
ومنحت زوجها ابتسامة عذبة فبادلها بواحدة أكثر رقة وهو يقول بامتنان:
-فعلا لن استطيع أن أبيت خارج المنزل هذه الليلة ولكن اذا أردتِ استبقاء فريال فلا مانع لدىّ .. لا بد أنها تريد قضاء وقتا أطول برفقة أميرة.
راقبت شريفة ردة فعل ابنتها وقد تكهنت بأنها سوف تؤيد هذا الرأى الا أنها قلبت الموازين كلية حينما أمسكت بيدى أميرة وهى تناشدها الانتباه ثم قالت بشكل صادم:
-طبعا أود اختطافها من بينكم جميعا والاحتفاظ بها فى أحضانى للابد .. ولكنها الآن صارت امرأة متزوجة ومن حق زوجها فقط ابقائها معه ,كما أنه لدىّ انا الاخرى زوج بحاجة الى من يعتنى به , أليس كذلك ؟
وقفت أميرة مشدوهة بالمحاضرة التى القتها أمها للتو على مسامع الجميع .. عن حقوق الأزواج .. أيعنى هذا أنها قد رفعت الراية البيضاء ولن تحارب رفيق مجددا ؟ ابتهلت الى الله أن يكون رأيها هذا عن اقتناع فعلى ما يبدو ان ايام العسل قد انتهت من حياتها مع رفيق وفصل جديد يبدأ فى حياتهما المشتركة بموقف عصيب للغاية , زوجها فى مأزق خطير .. تشعر بأن اجتماعه هو وسيف مع والده لن يسفر عن خير ,حاستها السادسة ,, كما سبق واخبرتها صديقتها ليلى أن النساء يمتلكن وحدعن هذه القدرة الفائقة على التكهن بوقوع المصائب ,, ليلى ,, اين أنتِ الآن يا فتاة ؟
وجدت بنفسها القدرة اخيرا على الكلام فغمغمت قائلة:
-نعم يا ماما ,, انتِ الأفضل على الدوام ,وأعدك بأننى سوف اعوّضك عن هذا الوقت الضائع ,, ستملّين من صحبتى.
طبعت فريال قبلة دافئة على وجنتها وهى تقول آملة أن تتحسن الأوضاع والظروف:
-سوف أحادثك غدا ان شاء الله ,تصبحون على خير.
وأرسلت تحياتها للجميع قبل ان تغادر برفقة زوجها المحامى.
كانت مها ما زالت مسمّرة بوقفتها غير قادرة على الاتيان بأية حركة وقد بدا لها أنها غريبة جدا عن هذا المكان لا تنتمى بأية صفة للموجودين به ,, تحاول لملمة شتات روحها الممزقة جراء كلمات السيد محمد المهينة وقد عرفته فيما مضى رجلا مهذبا معتدا بنفسه لا تفلت منه العيبة كما يقال ,لطالما تساءلت كيف لهذا الرجل ان ينتمى لعائلة مثل تلك ؟ الفكرة الوحيدة التى سيطرت على عقلها منذ وعت على هذه الدنيا أنهم ظالمون يفترون على الضعفاء ليسلبونهم حقوقهم ,هذا ما زرعته أمها فى سنوات ,, وها هى تحصد النتيجة وحدها .. لعنت ضعفها ,وحدتها ,شعورها باليتم والحرمان من نعمة الأهل ,بلا أقارب ولا أصدقاء .. كلا هديل .. تذكرتها فجأة وكأنما عادت اليها الذاكرة المفقودة ,صديقتها الوحيدة والأثيرة .. هديل ,تشعر بالتقصير فى حقها ,من منهما كان عليها أن تسأل عن الأخرى ؟ أنّبت نفسها بحدة : منذ متى وأنتِ تلقين بالا لهذه الأسئلة ؟ كلا منكما كانت تشارك الأخرى فى أدق تفاصيل حياتها كالأخوات.
-لماذا تقفين هكذا بمكانك ؟ تعالى واجلسى معنا.
نظرت بطرف عينها نحو تلك التى أحرقتها بنظرات عينيها القاسية بينما لسانها يظهر خلاف ذلك ,ريم تلك الفتاة الجميلة ,ابنة عم زوجها والتى الى الآن تجهل طبيعة علاقتها به والى أى مدى تكن له مشاعرا خاصة ؟ هى على يقين بأنها تكرهها أو على الأقل لا تحبها ,تكره فكرة تواجدها بالمنزل وحقيقة زواجها من سيف.
قامت هناء بتشجيعها بدورها على الاختلاط بهم فأشارت لها بمحبة نحو مقعد فارغ تدعوها للجلوس ,ترددت لبرهة حتى تتخذ قرارها مما حدا بالجدة أن تهتف بفروغ صبر:
-هيا يا فتاة .. تقدمى واجلسى هنا .. لن يأكلك أحد منّا.
بينما منحت موافقتها الضمنية لانصراف كنتها وحفيدتها قائلة باشفاق:
-سوسن .. أميرة لماذا لا تصعد كلا منكما الى غرفتها لترتاح ,لقد قطعتما شوطا كبيرا فى رحلة العودة ولا بد أنكما بأمس الحاجة للنوم.
أصدرت مها همهمة تدل على الموافقة وجلست تضم يديها معا متشابكتى الأصابع تعد الدقائق التى مرت على غياب سيف بداخل غرفة مكتب عمه .. أتراه تشتاق له بعد كل ما حدث ؟ كلا سارعت بالنفى أنها فقط قلقة بخصوص موضوع زواجهما والذى صار شوكة فى حلق الجميع على ما يبدو ,لم يعد يشغلهم سوى السكرتيرة الوضيعة التى تجرأت على الاقتران بمن يفوقها مركزا ونسبا .. يا لكبريائهم اللعين ! أيعتقدون أنهم بمرتبة تعلو بقية البشر .. لقد خلق الله الجميع سواسية كأسنان المشط ,ولا يفرّق عبدا عن آخر الا بعمله.
بينما حاولت المرأتان الممانعة فى الاستجابة لطلب السيدة المسنّة بحجة البقاء حتى انتهاء الاجتماع الثلاثى بغرفة المكتب الا أن اصرار الجدة على انفاذ رغبتها تم بسلاسة فما لبثت أميرة ان ألقت عليهن تحية المساء متمنية لهن الخير بينما رافقت ريم والدتها الى الطابق الأعلى حتى تساعدها على افراغ حقائبها فقد سبق وأعلنت سوسن أنها لن تخلد الى النوم حتى تطمئن على حال زوجها وابنها.
ساد صمت رهيب لا يخترقه سوى دقات الساعة الكبيرة المعلّقة على الجدار الحجرى معلنة وصول الساعة الى العاشرة مساءا فوضعت شريفة يدها فوق فمها لتخفى تثاؤبها المتكرر حتى أشفقت عليها هناء فقالت بمودة:
-ماما ,, لماذا لا تذهبين الى غرفتك حتى تنالى قسطا من الراحة ,لقد تجاوزتِ موعد نومك بكثير.
أنكرت شريفة هذا الخاطر وهى تؤكد أنها لن تنام قبل أن تعرف ما توصل اليه الرجال الثلاثة قبل ان تلقى بعبارتها التالية بشكل عرضى:
-ألم يكن الأجدر بابنك أن يكون حاضرا الآن مع عائلته ؟
أخذت هناء تحاول التهرّب من الاجابة على هذا السؤال الافتراضى فهى لم تكن على دراية بما يفعله فى هذا الوقت خارج المنزل حتى استطردت حماتها بلوم:
-كريم يحتاج الى وقفة شديدة منكِ يا هناء ,, وأعتقد أنه بانشغالك الدائم عنه سوف تفقدينه ببطء ,امنحيه جزءا من وقتك واهتمامك.
نظرت هناء بطرف عينيها الى مها وهى تتمتم بضيق:
-ماما .. ليس هذا هو الوقت الملائم لهذا الحديث.
تتبعت السيدة العجوز نظراتها حيث توقفت لدى مها التى شعرت بحرج بالغ وهى تسمع اعترافها بصراحة:
-أتقصدين من أجل وجودها ؟ هه عليكِ ان تعتادى على ذلك فعلى الأرجح أن ابنك على وشك القيام بتصرف مماثل لابن عمه اذا لم تنتبهى قبل فوات الأوان.
تحدثت عنها وكأنها ابتلاء عليهم تقبّله رغما عن ارادتهم ,هى كالدواء المر الذى يتجرعونه على كره منهم.
التزمت هناء الصمت احتراما واكتفت بتنكيس رأسها أرضا لتأخذ مها انطباعا خاطئا عنها فلماذا تستسلم هذه المرأة بخنوع لهذه السيدة المستبدة ,لماذا لا تقف وتدافع عن حقها وحق ابنها فى العيش كما يحلو لهما.
ركنت شريفة الى مسند الأريكة بذراعها الواهنة حتى بدأت عيناها تغلقان لا اراديا وارتخى رأسها بشعره الأشيب فوق كتفها فتبادلت هناء النظرات مع مها كأنما تخبرها بأن هذه السيدة تحمل هموما كالجبال فوق أكتافها , أليست هى رأس العائلة الآن بعد وفاة الجد ؟
أرسلت هناء فى طلب سماح حتى تساعدها من أجل الاعتناء بالمرأة العجوز ونقلها الى غرفتها ,فما أن شعرت بهما تحاولان اسنادها لتقف حتى حاولت التملص منهما بقوة اذهلت مها نفسها ,حتى ربتت هناء على كتفها بلطف وهى تتضرع اليها ألا تقاوم:
-ماما , ارجوكِ اذهبى مع سماح الى غرفتك .. لا تنسى أوامر الطبيب بالتزام الراحة.
-وأية راحة أجدها يا هناء بهذه الأوضاع ؟ وكل أحفادى مشتتون يصارعون دوامات ماضٍ ,لا ذنب لهم فيه.
منحتها ابتسامة مشرقة تزهر بالأمل وهى تقول:
-ثقى فى رحمة الله وعنايته ,لا بد أن نجد لكل مشكلة حل.
تنهدت الجدة برضا:
-ونعم بالله يا ابنتى.
ثم رافقتها سماح الى غرفتها تحيطها بذراعيها بحنان كأم تحاول حماية وليدها الصغير من أى خطر مما دفع مها الى التركيز عليهما حتى بعد ابتعادهما بمسافة كافية وكانها لا تستطيع أن تمنع نفسها من الانبهار بطبيعة هذه العلاقة بين الجدة والفتاة التى تعمل لديهم ,ما زالت غير قادرة على التفكير بها بأية صورة أخرى منذ أن حذرها سيف من اهانتها أو التقليل من شأنها بألا تعاملها كخادمة .
تناهى الى مسامعها صوت هناء وهى تراقبها بشغف:
-أنها ليست مجرد عاملة .. نحن نعدها بمثابة ابنة لنا.
تراجعت مشدوهة وهى تتساءل هل أفلت لسانها بما يعتمل فى صدرها حتى أنقذتها هناء من حيرتها وهى تضيف بمودة:
-لا ولكنه كان واضحا فى عينيك .. عيناكِ صافيتان تعكسان ما بداخلكِ .
هل تصدّق أن أناسا بهذه العقلية والقدرة على الاهتمام بمستخدميهم بهذا الشكل يمكنهم اللجوء الى الخداع ؟هل تصدّق عنهم الأسوأ كما ادّعت أمها انهم بلا شفقة ولا رحمة ؟ بل هى المخادعة الوحيدة كما يبدو لها فى هذا النطاق.
-أنتِ تشبهين أمك كثيرا , لم ترثى من أبيك الا النذر القليل ولهذا لم أتعرّف عليكِ فى البداية.
اتسعت عينا الفتاة بذهول تام ونظرت اليها مستنجدة قبل أن تقول ببطء:
-أنتِ تعرفين والدىّ ؟
لم يكن سؤالا بقدر ما كان تعلقّا هشا ببادرة أمل أن تمنحها قدرا من الطمأنينة التى تفتقدها ..
كانت هناء تنظر الى البعيد وتقول بصوت يأتى من هوة سحيقة:
-أعرفهما .. طبعا.
توسلّت لها بصورة مذلة تناشدها الكثير:
-أخبريننى عنهما , أرجوكِ.
ولم تستطع أن ترفض استجدائها الذى نهش بقلبها فهى بالنهاية أم , ولكن هل سترتاح الشابة بعد هذا الحوار أم ستزداد تعاستها ؟


#########

SHELL 15-06-20 08:30 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
بعد اغلاق الباب الذى يفصلهم عن العالم الخارجى تماما وما يدور به ,اتخذ محمد مجلسه خلف المكتب بينما اشار للشابين بالجلوس أمامه متقابلين وجها لوجه ,بدأ تحقيقه بطرح السؤال الأكثر أهمية قائلا:
-متى كنتما تنويان اعلامى بالأمر ؟أود أن أسمع من كليكما تفصيليا.
قام رفيق بفك أزرار قميصه العلوية حتى يتحرر قليلا من الشعور بالاختناق الذى بدأ ينتابه وهو يجيب بصراحة:
-لقد اعتقدت اننى قد قمت بمعالجة الأمر وتوصلّت الى نهاية مناسبة لهذا الاشكال ,لقد اتفقنا أنا وسيف على طردها من الشركة ,ولكن هذا الغبى ,, اضاع كل ما فعلناه هباءا.
اشار له سيف بتهديد وهو يصيح حانقا:
-لا تتهمنى بالغباء , أنت لا تعرف كل مجريات الأمور كما تتوهم , ولا تنس بأنك تركت لنا الجمل بما حمل لتغرق فى العسل حتى أذنيك مع ,,, زوجتك.
هب رفيق على قدميه ليوجّه قبضته نحو عنق ابن عمه كأنما يود اسكاته فتملص منه الأخير بذكاء وقد تكهّن بنيّته قبل أن يضرب محمد سطح المكتب بقبضتيه بشدة وهو يصيح بهما ناهرا:
-توقفا .. كفاكما تسرعا واحترما وجودى قليلا ,وأنت يا رفيق ماذا دهاك ؟ ألم يعد لك كبيرا ؟ وأنت يا سيف هل بغياب والدك صرت حرا تتصرف على هواك كأنه لا عائلة لك ؟ ثم ماذا بشأن العمل . كيف تخاطران بوجود واحدة من عائلة الراوى فى مركز حساس كسكرتيرة لك أيها السيد المدير ؟
عاد رفيق الى مقعده وهو يشير باتهام نحو ابن عمه قائلا بغضب:
-اسأل هذا المحترم كيف سمح لهذا بأن يحدث ؟ لقد أخفى الامر عنّا كليّا وحينما عرفت لم أتوانَ عن فصلها نهائيا والقائها بالشارع ,الا أنه والفضل يعود للأخ .. عادت لتخطو بقدميها الى قلب العائلة ,منح هذه الساقطة اسمه ببساطة.
صاح سيف منتفضا بحدة وهو يضع ذراعا بخصره والآخر يلوّح به أمام عينى رفيق:
-لا تصفها بالساقطة , ايّاك يا رفيق أنها زوجتى الآن ولن أكرر تحذيرى مرة أخرى.
صاح محمد وهو يتلوّع غضبا وحنقا:
-اصمتا ... لا أحد منكما يتحدث الا بعد اذنى , اجلس يا سيف ,وأنت يا رفيق لا يصح هذا الكلام عنها فهى بالنهاية اصبحت زوجته.
-أنت تدافع عنه يا أبى !
-أنا أتحدث بالعقل ووفقا للمنطق الصحيح ,ولن أقبل بأن تهين هذه الفتاة كما لن أقبل أية اشارة بها اساءة لزوجتك أنت.
ضرب رفيق كفا بكف وهو يقول متبرما:
-عجبا ! هل أصبحتا فى نفس الكفة ؟
أنهى محمد هذا النقاش المحتدم هادرا:
-نعم يا رفيق أنا أرى هذا , هل ستعارضنى ؟
أطرق برأسه وهو يغمغم:
-حاشا لله يا أبى !
ثم خاطب ابن أخيه بحدة بعد أن وجده يسترخى بمقعده حينما رأى دفاعه عن زوجته:
-ولا تظن أننى موافق على هذه الزيجة ,على العكس انا ضدها ولكن ما باليد حيلة , أنت وضعتنا أمام الأمر الواقع بطيشك وتهورك ,وأحب أن أنبهك الى انك لن تدفع الثمن وحدك ..
-عمى أرجو منك أن تستمع لما أود قوله ,أنا .. لم أقم بشئ خاطئ , لقد تزوجت مثلما يفعل كل الرجال ,ولا اجد داعيا لكل هذه الضجة .
-حقا ؟ اذن أهنئك فأنت ترى خلافنا جميعا.
-بماذا اخطأت يا عالم ؟ اذا كان على أبى فأنا كفيل باقناعه.
-اذا كنت ترى الموضوع برمته من هذا المنظار الضيّق فلن أكلّف نفسى عناء توضيح الأمر لك ,سأكتفى فقط بتحذيرك ... لن يعجبك ما سوف تعرفه عن عائلة زوجتك المحترمة.
-أنا أعرف كل شئ يا عمى ,لا تخش علىّ.
قطب محمد جبينه بشدة حتى كاد حاجباه أن يلتقيا قبل ان يتبادل نظرات متسائلة مع ابنه قبل أن يهتف بدهشة حقيقية:
-ربما لا تعرف كافة التفاصيل يا بنى .. ألم يكن جديرا بك أن تترك الماضى حيث كان مدفونا ؟
ضحك سيف بسخرية قائلا:
-أأنت أكيد يا عمى أنكم قد أجدتم اخفائه بالكامل عنّا ؟
-ماذا تقصد ؟
-لا شئ.
تراجع سيف مصعوقا من نفسه , هل كان مستعدا لفضح أمه ؟ لا سيدفع هو الفاتورة كاملة دون أن تمس سمعة والدته بكلمة واحدة ,قدره الذى كُتب عليه ولا مناص من الرضا به.
-ولكن عليك بالتفكير منذ الآن كيف ستبرر زواجك من هذه الفتاة بالذات دونا عن نساء العالمين لوالدك ,ولا يمكن لأحد أن يتصوّر ردة فعله حينما يعرف ,سيحرق غضبه الأخضر واليابس.
تراءى لسيف أن عمه على دراية كاملة بعلاقة أمه السابقة بوالد زوجته فلا يوجد مبرر معقول لكلامه الا هذا التفسير.
نظر الى عينى عمه مطولا علّه يقرأ ما بداخلهما من نظرات خفيّة الا أن محمد سرعان ما أخفض بصره هربا من مواجهة عينى سيف المترقبتين ثم عاد ليسأل من جديد بذهن صافٍ:
-لماذا لم تنتظر عودتنا قبل اتمام عقد القران ؟
أجاب سيف بغموض:
-ربما لأنكم ما كنتم ستمنحوننا مباركتكم على هذا الزواج فقررت ..
قاطعه رفيق بحدة :
-قررت أن تضعنا أمام الأمر الواقع ,ولكننى أملك حلا لهذه المشكلة العويصة قبل عودة عمى عادل من سفره.
نظر له محمد مستنجدا وهو يقول بلهفة واضحة بينما عيناه تتراقصان بمحجريهما:
-ما هو هذا الحل يا بنىّ ؟ تكلم سريعا.
تعلّقت الأعين بشفتيه اللتين انفرجتا ببطء وئيد عن حله السحرىّ كما يتخيّل هو ليتلفّظ بكلمة من أربعة أحرف:
-الطلاق , يمكنك أن تطلقها يا عزيزى وتلقيها بالأزقة حيث تنتمى حقيقة ..
هتف سيف مصعوقا وهو يضرب الأرض تحت قدميه بعنف لا مثيل له:
-ماذا ؟ أجننت يا رفيق ؟ لا يمكن طبعا.
رفع الأخير حاجبيه بصورة مبالغ فيها وهو يكاد ينفجر غيظا ,وتساءل محمد بالحاح:
-لماذا لا يمكنك تطليقها ؟ أرى أنه ربما يكون هذا هو الحل الأمثل ,اسمع .. هل ورطتك بمؤخر صداق كبير , اذا كان هذا ما يمنعك من تطليقها سوف اقوم أنا بدفع المبلغ كاملا ...
حاول سيف أن يقاطع استرسال عمه بالحديث قائلا:
-ليس الأمر كما تتصور يا عمى ... أنا ..
-ماذا تخفى عنّا أيضا ؟ اطرب أذنىّ بسماع اعترافاتك كاملة.
أخذ الشاب يحرّك أصابع يده بحركة عصبية مستمرة أثارت أعصاب الرجلين الآخرين حتى انفجر أصغرهما سنا متوعدا:
-لا تقل بأنك تحبها ولا تستطيع الاستغناء عن وجودها بحياتك , سبق وتناقشنا بهذا الأمر ,لا يمكنك أن تأمن مكر امرأة كمها ,تلك التى ادّعت البراءة بمنتهى السهولة ,, أنها ناعمة كالحيّة بالضبط .. لا تسلّمها عنقك يا سيف .
شحب وجه أبيه وهو يضغط بطرفى اصبعيه على جانبى رأسه حيث يدأ يشعر بصداع نابض يتصاعد ألمه فى كل لحظة الى حد لا يحتمل ,أسرع رفيق نحوه ليحمله على النهوض من مقعده غير آبه لاعتراضه الجلىّ وهو يقول مترأفا بحاله:
-بابا , لا ترهق نفسك أكثر ,,, تعالى الى فوق لترتاح قليلا ,ويمكننا ارجاء هذه المناقشة لما بعد .
ردد محمد بحسرة وهو يستند الى ذراعى ابنه القويتين بينما خطواته تتثاقل تدريجيا حيث شعر بأن قدميه لا تقويان على حمله:
-كلما مر الوقت كلما تفاقمت الأمور بشكل لا يحمد عقباه ,كنت أود انهاء المسألة برمتها قبل رجوع عمك , المسكين لن يحتمل صدمة كهذه , ربما تودى بحياته.
ونظر الى ابن أخيه الذى تسمّر واقفا على بعد خطوات قليلة منهما وقد أصابته الجملة الأخيرة لعمه فى الصميم ,, هل من الممكن أن يخاطر بايذاء والده بهذا الشكل ؟ وأمه أيضا ,, لن تتقبّل الأمر ببساطة وتمنح عروسه قبلة المباركة ,لربما أقامت الدنيا ولم تقعدها أبدا ... بيد أنه عازم على المضى قدما فى تنفيذ خطته فقال بصوت خفيض:
-عمى .. لدى اقتراح ... اذا تكرمت بسماعه ..
أغمض محمد عينيه لوهلة قبل أن يرغم جفنيه على الانفتاح مجددا وهو يشير بيده الى أريكة قريبة منهما ففهم رفيق على الفور أنه يريد الاستماع الى حديث سيف مما جعله يتراجع بعيدا عن باب الغرفة المغلق ويعود أدراجه الى الداخل ,ارتمى الرجل على الأريكة فأصدرت صوتا مسموعا كأنها تئن من ثقل جسده المنهار وقال يبتلع ريقه بصعوبة:
-قل ما تريد ,لا أظن أنك ستأتى بشئ مفيد ولكن لا بأس من الفضفضة ..
-علينا اخفاء الأمر عن أبى وأمى حتى أهيأ لهما الموضوع بصورة تدريجية حتى لا يصدما.
لم يستطع رفيق امساك لسانه عن الانزلاق ليقول متهكما:
-يا له من اقتراح ذكى ! وكيف تتوقع منا اخفاء السيدة زوجتك عنهما , أنلبسها طاقية الاخفاء مثلا , أم نضع عصبة على عينى عمى وزوجته فلا يرونها.
طوّح سيف بذراعه بحركة دلّت على شدة استيائه وهو يقول منتصبا فى جلسته:
-أقسم بالله لم أعد أحتمل سخريتك وتقليلك من شأن الآخرين , دعنى أنهى كلامى للآخر ,وبعدها لك مطلق الحرية لسلخ فروتى بمبرد لسانك الحاد هذا.
رفع العم يده بصعوبة بالغة أظهرت تدهور حالته الصحية بوضوح وهو يتمتم :
-دعه يكمل يا رفيق , تعلّم الانصات لحديث الغير قبل أن تقاطع معترضا.
ها هو والده يعطيه درسا تعليميا فى الأخلاق والفضل الكبير يعود لابن عمه الأحمق ,تجرّع مرارة كالعلقم فى حلقه وانصاع لأمر والده صاغرا فاستكمل سيف عرض اقتراحه:
-الحل بسيط للغاية ,سوف نغادر أنا ومها الى أى مكان آخر قبل رجوع والدىّ من السفر .
حملق الاثنان فى وجهه مليّا حتى يتأكدا أنه قد أنهى حديثه وبالفعل أخبرهما صمته أنه لن ينطق بحرف آخر فقال عمه بتملّق:
-ونعم الرأى يا ولدى ,هذا بالنسبة لوجودها هنا فى البيت .. وماذا عن الآخرين الذين رأوا مها وعرفوا بزواجكما ؟
-يتجاهلون الأمر وكأنه لم يكن ,لا يوجد شخص غريب بيننا ,فنحن عائلة واحدة ,سوف نطالبهم بادّعاء عدم المعرفة.
-والى متى تتوقع بنظرك أن يستمر الوضع بهذه الكيفية ؟ الى ما لا نهاية !
-كلا ... حتى أفاتحهما بالأمر بنفسى.
-وفجأة .. هوب .. عمى لقد كنت معنا فى برنامج الكاميرا الخفيّة.
وفرقع رفيق بأصابعه أمام عينى ابن عمه ليفيق من غفلته.
قال محمد بنفاد صبر وهو عازم على النهوض للمغادرة النهائية هذه المرة :
-ربما أنت تراه حلا مثاليا ,,وأنا أجده دربا من خيال بحت ,, الأوقع والأسهل ان تطلقها يا سيف .. لا أطالبك بأن تظلمها , كلا سوف تمنحها حقوقها كاملة ,, اشترى لها بيتا خاصا , أعطها نفقة شهرية ضخمة تكفل لها حياة كريمة .. ولكن أنت تدرك أن زواجكما لا يمكنه أن ينجح ولا أن يدوم .. العقل يقول هذا .. فكّر مليّا فى حديثى قبل أن تتخذ قرارك النهائىّ.
- عمى ...
صاح سيف محاولا ان يثنيه عن هذا القرار بدون فائدة فقد اشار لابنه حتى يقترب منه ,ثم تحامل عليه ليخرج من غرفة المكتب تاركا ابن أخيه متخبّطا فى دوامات حيرته اللا نهائية والتى ابتلعته الى قاعها ,, هذه المرة عليك أن تصارع وحيدا .. دون اللجوء لمعونة أحد ولو كان أقرب الناس اليك ,, أشخاص من لحمك ودمك قد تخلّوا عن مساندتك ,ولم يتبقّ لديك سوى الغريب.


########

SHELL 15-06-20 08:31 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
كانت سماح قد نقلت كافة الحقائب التى عاد بها محمد وزوجته الى جناحهما بالطابق العلوىّ وهى تئن تحت وطأة حملهم ببنيتها الضعيفة وقوامها الضئيل ,تحاملت على نفسها وحينما أنهت مهمتها فوجئت بدخول السيدة سوسن وابنتها الى الغرفة قبل أن تسنح لها الفرصة للخروج وسمعت آخر عبارة من حديثهما الخاص.
-لا تحاولى اقناعى بأنكِ اردتِ مجاراة الموضة ,, اذا استطعتِ خداع العالم بأسره أنا أمك التى تعرفك أكثر من نفسك.
كان هذا صوت الأم المتهدج بتأثر واضح لما فعلته ابنتها ثم أضافت بحسرة:
-كنتِ تقدسين شعرك لدرجة انك لم تسمحى لى بقصه ,حتى ولو جزءا من أطرافه بعدما وصلتِ لعمر المراهقة ..
ارتبكت الفتاة لدى سماعهما تتبادلان حديثا خاصا وشعرت بأنها متلصصة حقيرة فأصدرت صوتا خشنا علهما تدركان بأن هناك طرف ثالث يستمع لهذا الحوار ,وتزامن مع وصولهما الى الباب الذى كان مواربا فبادرت سماح بالقول:
-حمدا لله على سلامتك يا سيدتى , لقد وضعت الحقائب كلها هنا بجوار الحائط , هل تودين منى أية خدمة أخرى ؟
منحتها سوسن ابتسامة جميلة وهى تربت على كتفها النحيلة قائلة بمودة:
-شكرا لكِ يا سماح , أتعبناكِ معنا ,على كل حال أنا لم أنسى نصيبك من الهدايا , أعرف أنكِ على وشك الزواج وبحاجة الى ملابس جديدة.
أجابت الفتاة بعفوية وقد انهالت الكلمات من فمها المفتوح بسرعة البرق قبل أن تستطيه ريم منعها من البوح بسرها:
-خيركم سابق دائما يا هانم , منحتنى الآنسة ريم ملابسا كثيرة خاصة بها كانت تنوى التخلّص منها ثم عدلت عن ذلك بآخر لحظة , أعتقد اننى لن أجد خزانة كبيرة لتتسع لهم ,أستأذنكما فى الانصراف الآن.
وغادرت الفتاة لا تلوى على شئ بينما تشيّعها ريم بنظرات حاقدة ,هذه الفتاة ثرثارة للغاية وتوّرطها بالكثير من المواقف المحرجة ,تتبعت بنظرها ملامح والدتها المتغضنة .. استوعبت المأزق الذى وقعت فيه بعدما هزّت الوالدة برأسها متوعدة وهى تشير لابنتها حتى تجلس الى جوارها وأخذت تستجوبها بحزم:
-والآن يا آنسة ريم , أخبريننى ماذا يجرى معكِ ؟ أولا قصصتى شعرك ثم تحاولين التخلّص من ملابسك ...
مسحت ريم على شعرها بيدها اليمنى تعدّل من وضع خصلاته القصيرة وأدركت بعد فوات الأوان مدى سوء تقديرها لهذه الحركة البسيطة , أخطأت حينما لمحت بريقا مرعبا يلتمع فى عينى أمها وهى تمد يدها لتقبض على أصابعها متمعنة النظر فى خنصرها بالذات حيث يستقر خاتم ألماسى أزرق كلون عينى خطيبها المفترض جاسر ,,استطردت سوسن بصوت حاسم:
-ثم هذا أيضا .. خاتم جديد ؟ أليس هذا خاتما للخطبة يا ريم ؟
أطبقت ريم على شفتيها تقضمهما بتوتر ظاهر وهى تعى وقوعها بقدميها فى شباك من لن ترحمها اذا حاولت اخفاء الحقيقة عنها ,أمها سيدة رقيقة ومراعية لأقصى الحدود لكنها أم قاسية بصرامة ان لزم الأمر .. الصدق وحده هو المنجى من المهالك فى مثل هذه الحالة ,وخرّت على ركبتيها تعترف لأمها بكل شئ دونما كذب أو تجميل.


########

SHELL 15-06-20 08:32 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
فى غرفة جلوس تتسم بالبساطة والذوق الرفيع قام صلاح بالاسترخاء على مقعده الهزاز المصنوع من الخيزران ,سامحا لجسده بالتأرجح بصورة ثابتة رتيبة علّه يخفف من التوتر والقلق الذى ينتابه كلما يفكّر بأنه قد استسلم لارادة هناء دونما أية بادرة اعتراض واحدة , بالرغم من نبذها له بالماضى يبقى دوما رهنا لاشارة منها ,هى بحاجته هذه المرة لغرض انسانىّ نبيل كيف يمكنه التملّص من وعده لها بالمساعدة .. هتف ضميره بيقظة قوية:
-ليست مساعدة فقط بل هى شراكة .. لن يقتصر دورك على انجاز الأوراق الرسمية ولا انشاء المؤسسة بل ستتولّى ادارة شؤونها بالكامل , فهناء لا خبرة لها بالمجال العملى ولا حتى النظرى .. تركت دراستها بالعام الأول عقب التحاقها بكلية الحقوق لتتفرّغ لرعاية بيتها وزوجها ثم ابنها الذى انجبته بعد مرور أقل من عام على زفافها ,, وهو كان معيدا بذات الكلية .. انتشلها من الضياع الذى يصيب غالبية الطلاب فى سنتهم الدراسية الأولى عارضا عليها مساعدتها فى استذكار دروسها والتبّرع بشرح أية معضلة تواجهها حتى ولو لم تكن بمادته التى تخصص بها.
ولجت هديل الى الغرفة بهدوئها المعتاد مرتدية خفا منزليا خفيفا فلم ينتبه لوجودها فى البداية حتى همست بآلية:
-أبى .. هل تحب أن أحضّر لك العشاء الآن ؟
توقف بغتة عن اهتزازه وهو يضع قدميه بثبات على الأرضية ثم يمد لها ذراعيه بطولهما حتى تلقى بنفسها بين أحضانه كما يعتاد على تدليلها منذ كانت بعمر الزهور ,فامتثلت لرغبته طائعة وهى تناشده بعينيها الذابلتين أن يمنحها الراحة التى تبتغيها وتسعى اليها بجهد .. أثّر على اتزانها النفسىّ وقضّ مضجعها ليالٍ طوال ,أجلسها على فخذه الايمن بينما أصابعه تتلاعب بخصلات شعرها الحريرىّ مبعثرة ايّاه فى كل اتجاه , قالت تستجديه بضعف:
-أبى , أرجوك توقف عمّا تفعله بشعرى , لا أحب لخصلاته أن تتناثر هنا وهناك.
مازحها قائلا وهو يبعد اصابعه عن شعيراتها المشعثة:
-أحب أن اخرجك من اطار المعلمة المتزمتة الذى تتبعينه الآن فى حياتك .. ما ينقصكِ الآن هو نظارة طبية ذات اطار بلاستيكى سميك وبنظرتك المتجهمة هذه تصلحين لأداء الدور بكفاءة منقطعة النظير.
همّت بالنهوض حتى تهرب من مواجهة الحقيقة المرّة التى يقرّها والدها ببساطة الا أنه استبقاها ليدير اليه وجهها المحتقن وهو يضيف بمحبة:
-أدفع ما تبقى من عمرى ثمنا لعودة ابتسامتك الحلوة الصافية ونظرة عينيك البريئة التى تشع حبا وحنانا .. ألم يحن الوقت لعودة ديلى حبيبة قلب بابا الى سابق عهدها ؟
أهدابها الكثيفة ارتعشت لا اراديا بمحاولة فاشلة لتمحو آثارا لعينيها الغائمتين تنذران بهطول دموعهما الغزيرة .. فدفنت رأسها بصدره تجهش بالبكاء الذى أفلت من عقاله متحررا ببسالة وهى تنهنه مرتجفة:
-لقد ضاعت يا بابا , ضاعت منى ولا سبيل لايجادها مرة أخرى ,تغيّر الكثير فى حياتى ولم أعد أقوى على ادّعاء القوة , لا أستطيع مواجهة الألم الذى يعتصر قلبى .. أنا متعبة جدا .. جدا.
ربت على ظهرها مهدئا ومواسيا قبل أن يحاول كفكفة دموعها التى انغرزت بقلبه كأشواك دامية ,ليهتف متألما:
-آه يا حبيبتى , لماذا تخفين بداخلك كل هذا الألم ,اصرخى عاليا ,, حطمّى قيودك .. طهرى جراحك حتى تندمل .. لقد اكتفيتِ بالصمت ,أراك تذوين كل يوم على مرأى ومسمع منى وأقف عاجزا عن مد يد العون لكِ يا ابنتى ,, اذا أردتِ حتى أن تلوميننى فافعلى لن أمنعك ,ربما أسأت التفكير باتخاذ قرار غير مناسب ,ربما أكون قد قررت نيابة عنك لظنّى بأنكِ تحتاجين لمن يوجهّك الى الصواب ,وأعترف أمامك بأننى مخطئ وأقر بذنبى ,, هل تسامحيننى يا بنتى ؟
نظرت له هديل بذهول وهى تعاود ارتمائها فى حضنه الدافئ الذى يتسع لها دوما وقالت تدافع عنه بشراسة:
-كلا يا ابى , انت لم تكن مخطئا ,دائما كنت تسعى لحمايتى وما فعلته كان لمصلحتى من وجهة نظرك ,, لست عاتبة عليك ولا ألومك حتى ولو فى قرارة نفسى ,, أنت لى الأب والصديق والسند والرجل الوحيد الذى يستحق أن أضحى بحياتى من أجله.
قال بروح جديدة تحضر من بين أطلال الماضى:
-بارك الله فيكِ يا بنتى ,اذا كنتِ قادرة على التسامح بهذا القدر وما زلتِ على نقائك الذى اعرفه فهل تغفرين لأبيكِ زلة صغيرة أخرى ؟
نظرت له بترقب فى انتظار ما يسفر عنه حديث القلوب المنفتحة فأضاف عابسا:
-لقد أصبحت شريكا فى مشروع خيرى ,لا زال فى بدايته فحتى الآن لم نستقر على كافة التفاصيل ,ولكننى سوف أنشغل عنكِ كثيرا فى الايام التالية فعلى عاتقى تقع المسؤولية كاملة من الألف للياء.
ازدردت لعابها ببطء وهى تتساءل عن السبب الذى حدا بأبيها أن يطالبها بالسماح من أجله ؟ ما أخبرها به شئ عادى للغاية الا أن استطرد الوالد بصوت أجش:
-أخبرتك أننى مجرد شريك بالادارة ,والطرف الآخر المكلّف بالتمويل .. شخصية انتِ تعرفينها حق المعرفة ... السيدة هناء .. والدة كريم , ما رأيك ؟
وكأن هذا ما ينقصها أن يذكّرها به , وهل استطاعت يوما أن تنساه ؟ هل تغلّبت على لوعة فراقه ؟ صحيح انها ما زالت تعمل بنفس الشركة الا أنها محرومة من رؤيته ,منبوذة بقسم بعيد يقع فى الجهة الأخرى من موقع مكتبه , كأنه أجاد الاختيار بدقة حتى لا يترك للمصادفة ان تلعب دورا لجمعهما سويّا ولو عرضا .. لماذا يا أبى دونا عن كل البشر تقبل بمشاركة هذه السيدة ؟ تعرف الاجابة جيدا .. هو بنفسه قد سبق واعترف بما كان فى ماضيهما البعيد على الأقل مشاعره القوية من جهته هو أما هى فيبقى الأمر غامضا حول كنه احساسها.
وقفت بوهن وساقاها تجاهدان لحمل جسدها الخفيف كالريشة خاصة بعد فقدانها الواضح لعدد لا بأس به من الكيلوجرامات ,وملابسها التى صارت فضفاضة أكبر شاهد على هذا .. وتحاملت على نفسها لترفع عينيها فى مقابل عينى والدها راسمة بسمة وهمية وقالت بشفتين مرتجفتين:
-ما دمت راضيا بمشاركتها يا بابا فلا اعتراض لدىّ وصدقنى لن اقف فى وجه سعادتك ابدا.
قال صلاح بصورة مباشرة:
-لا تفسرى الأمور بشكل خاطئ ,أنها مجرد شراكة فى العمل فقط.
نظرت له بقوة ثم انسحبت من أمامه هاتفة:
-سأعدّ عشاءا خفيفا من أجلنا نحن الاثنين.
لم يحاول منعها من الهرب , تفهّم حاجتها للاختلاء بنفسها لتستجمع قواها التى خارت ولتلعق جراحها المتقيّحة قبل ان تشفى منها وتعود كالسابق ابنته التى يعرفها ,, مبتسمة ,, مشرقة ومتسامحة.


########

SHELL 15-06-20 08:33 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
بعد أن قطعا رحلة العودة الى المنزل والتى لم تستغرق سوى عدة دقائق فالطرق كانت شبه خالية من السيارات والمارة على حد سواء ,وبعد أن قامت فريال باستبدال ثيابها بأخرى منزلية مريحة استلقت على فراشها ممدة فى انتظار خروج زوجها من الحمام .
ما أن رآها مستكينة الجسد مغمضة العينين حتى شعر بقلبه ينتفض من أجلها ,لا بد أنها تشعر بالارهاق ,, وحاول أن يتجاهل نداءا خفيّا بداخله أن يذهب اليها مفضلا أن يتركها تنعم ببعض الراحة ,لم ينسَ بعد تحذير الطبيب الواضح لهما بأن تمتثل لكافة تعليماته بحذافيرها حتى تمر هذه الفترة بسلام عليهما.
لا بد أنها قد شعرت باحساس المراقبة فارتعشت أهدابها عدة مرات كمن ينفض عنهم احساسا بالخدر اللذيذ ,, تراءت لها صورة مجدى فى ضوء الغرفة الخافت مسمّرا على قيد خطوات معدودة منها ويديه بجيب منامته الداكنة اللون يراقبها بحنان وشغف كأنما يخشى عليها من اقترابه فبادلته النظرات بأخرى عميقة تحتشد بها مشاعر أقوى مما يمكنها اخفاءها ,مدت يدعا نحوه تدعوه بصمت لأن يطأ محراب عشقها المقدّس ,ربما تردد قراره لنصف دقيقة قبل أن يمنحها ما تريده فانحنى جالسا على الحافة بقربها يمسّد على شعرها وقال مشفقا:
-ظننتك نائمة فلم أشأ أن ازعجك , أعرف بأن اليوم كان عصيبا عليكِ وما مر به من أحداث تفوق القدرة على الاستيعاب.
احتوت وجهه بين كفيّها تداعب بشرته الملوّحة بسمرة خفيفة تضفى على ملامحه مزيجا من الوسامة والوقار ,تحاول أن تبعث فى نفسه الطمأنينة بقولها الهادئ:
-ربما استسلمت قليلا لسلطان النوم بينما أنا أنتظرك.
صاح مجدى بزمجرة خفيفة حينما صارت أناملها تتلاعب بصورة أكثر حميمية ترسم برقة قسمات وجهه :
-فريااال ... لا بد أنكِ مرهقة حبيبتى.
وأمسك بيديها ليقرّبهما من شفتيه طابعا قبلات صغيرة خفيفة على باطنهما تحكى عن شوق بلا حدود.
اعترضت باصرار وهى تحاول أن تزحف قليلا حتى تلتصق بجسده المتصلّب:
-لست متعبة على الاطلاق , أشعر ببركان من الحيوية يتفجّر بداخلى.
لامس بطرف أصابعه بطنها المسطحة وهو يهمس بهيام:
-أخشى عليكِ كثيرا , لن أتحمّل أن يصيبك أذى بسببى.
لفت ذراعيها حول عنقه لتدنيه منها الى درجة لم يعد لديه القدرة على المقاومة أكثر فاستسلم ببساطة وهى تقول بصوت مغناج:
-الحب لا يمكنه أن يؤذى أبدا ,الجفاء .. التجاهل .. هو ما يغذى الألم.
تراجع قليلا بحركة متأنية حتى لا يحبطها قبل أن يسألها:
-لماذا لم تخبريهم ؟ ألم نتفق على هذا ؟
تنهدت بأسى وهى تقول:
-لقد رأيت ما حدث اليوم ,لقد كان الأمر أشبه بانفجار قنبلة ذريّة ,, ولم أجد الفرصة مواتية لاعلان مثل هذا الخبر الهام فى مثل هذا التوقيت السيئ.
انعقد حاجباه بشدة وهو يتساءل باهتمام:
-ولكننى لمحت شبح ابتسامة غامضة على وجه شريفة هانم حينما همستِ لها بشئ.
لم تتمالك نفسها من الضحك بشدة من اصراره الرهيب على مناداة أمها بلقبها الرسمى كما اعتاد منذ أن أن تولّى شؤون العائلة القانونية حتى بعد زواجهما ,وقالت من بين ضحكاتها التى أنعشت روحه:
-لقد أخبرتها لم أحتمل اخفاء الأمر عنها ,أردتها أن تسعد من أجلى أن تشاركنى الفرحة التى حُرمت منها سابقا.
-كنت أحاول مساعدتك فألمحت الى أميرة ولكننى التقطت نظراتك المترددة حينما سألتك عن صحتك ؟
تراجعت زوجته باحباط وهى تتساءل بقلق:
-يقلقنى حقا ردة فعل أميرة حينما أخبرها , هل ستغضب ؟ أم ستتقبّل الأمر ؟
أجابها بعفوية وهو يرفع كتفيه عاليا:
-ولماذا تغضب ,أنه أمر طبيعى للغاية.
أشاحت بوجهها مغمغة:
-أتمنى ذلك ,سوف أقوم بفتح الموضوع معها فى القريب العاجل باذن الله ,لا أحب أن تظن بأننى تعمّدت ابعادها عن حياتى بعد أن تزوجنا.
داعب طرف أنفها ملاطفا وهو يتصنّع الجدية:
-حسنا والآن يا سيدتى الجميلة , عليكِ بالخلود الى الراحة على الفور ,, هيا الى النوم.
وقام ليطفئ نور المصباح الجانبى تاركا الغرفة غارقة فى ظلام دامس الا من شعاع من نور القمر الفضى قبل أن يخلع خفيه مندسا بالفراش الى جوار زوجته المسترخية بدلال ,وعدّل من وضعية نومه ليحتضنها بين ذراعيه حينما شعر بحركتها المتقلبّة الدؤوب وهمس برقة:
-يكفى هذا ,استرخى قليلا يا حبيبتى.
همست بصوت شبه نائم:
-مجدى ... أحبك.
قبّل قمة رأسها مردفا بعاطفة قوية:
-وأنا أذوب بكِ عشقا يا مليكتى.


#######

SHELL 15-06-20 08:34 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
انتهى الفصل الخامس


https://m5zn.com/sfari_uploads/2017/...4e6128b16e.gif

SHELL 08-07-20 08:25 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
الفصل السادس

https://1.bp.blogspot.com/_pjhiymuDw...r-line-058.gif

لو ... تلك الأداة المكوّنة من حرفين فقط ,, لو نملك من القوة ما يجعلنا نتراجع مفكّرين اذا استطعنا تغيير الواقع ,محو الأخطاء ,العودة الى الوراء حتى نتصرف بشكل مغاير لما قمنا بفعله ,هل كنّا حقا سنمتلك تلك الشجاعة لنمنع وقوع كوارث أو احداث أضرار ,ربما لو عاد الزمن ثانية لكررنا ما فعلناه بقدم ثابتة وفكر موحد ... عشرات المرات ,هكذا كان يفكّر كريم أنه ما كان عليه أن يتسرّع بالحكم على أمه خاصة فيما يتعلّق بالماضى الملئ بالعلاقات المتشابكة ,, والقرارات المصيرية ,, والتى كان منبعها الكبرياء والعناد وربما أيضا الرغبة فى ايذاء الغير والنفس على حد سواء ,تصوّر وهمىّ بأننا نعاقب المذنب فى حقنا وننسى أننا بهذا نقوم بجلد للذات .. نحرّم على أرواحنا الاستقرار فتظل هائمة على وجوهها ,والعاقل هو من يتمكّن من انتشالها من بئر الظلمات الدامس ,اعترف لنفسه : أنت أنانى لم تفكر سوى بنفسك ,بماذا تشعر ؟ هل نعمت براحة البال ؟ الاجابة ظاهرة تسد عين الشمس فقط لا يمكن حجبها الا اذا أصررت على ادّعاء عدم الرؤية باغلاق عينيك والغوص فى وحل الأوهام .. لست سعيدا.
تطارده الهواجس المرّة نهارا وتزدحم لياليه بالكوابيس المزعجة ,ما باتت لديه القدرة على تجاهل نبض قلبه الصادق ,, أمك ليست مذنبة , أنها امرأة من زمن مضى ,, زمن الوفاء والاخلاص .. امرأة لكل العصور ,أم رؤوم لم تبخل عليك أبدا بعطائها اللا محدود .. قامت بدور مزدوج لتعويض غياب الأب ,والحق يقُال أنها تفننت لتشعره بأنه شخص طبيعى لا يقل عن أحدا من أقرانه ,وحافظت على اطار الصورة المثالية الباهتة لوالد تغيّب قسرا أو بارادته لم يعد يهمه ولا يشغله ايجاد المبررات والأعذار لتخلّفه عن مكانته فى حياة ولده الوحيد ... هل يعتبر هذا تصالحا مع النفس المشتتة ؟
أخذ يفنّد فى الخيارات التى كانت متاحة أمام والدته بعدما هجرها الزوج والحبيب وابن العم ووالد طفلها ,, عرض عليها جده أن يجبر ابنه على تطليقها اذا ما أرادت الانفصال مع احتفاظها بكافة حقوقها ومكانتها بمنزل وعائلة الشرقاوى ,فهى على كل حال ابنة أخيه وأم حفيده ... الجميع شهد لها اهمالها لنفسها على حساب الآخرين ,فضلّت مصلحته زاهدة فى الدنيا ومآثرها .. قبلت بلقب زوجة .. بلا زوج ,ثم حملت لقبة الأرملة وحيدة.
لم ينسَ ذلك المشهد الذى اثار ريبته قبل دهشته بعد رجوعه الى البيت .. رأسين لامرأتين متقاربين وحديث ودىّ للغاية يدور بينهما .. كانت أحداهما أمه والثانية ... يا للعجب مها ,لكن مهلا لا يبدو أنها بخير .. تلتمع عيناها بغيوم مائية مترقرقة كأنها طفلة تائهة تبحث عن ملاذها .. يبدو انه قد فاته الكثير .. رفعت الأم بصرها تلقائيا تحو ابنها الذى كان واقفا يحدّق بهما بفضول ممزوج بالاستياء فقالت تخاطبه بصورة وديّة:
-كريم .. جئت أخيرا ,عمك سأل عنك كثيرا.
-عمى !! هل عاد اليوم ؟
وخبط بكفه على جبهته العريضة وقال باعتراض:
-يا لى من غبىّ ,هل تصدقين لقد نسيت تماما موعد الرحلة .. لن ترحمنى أنّا سوف تلومنى على تقصيرى واهمالى.
-ورفيق ايضا.
-لا ,لم يخبرنى بموعد طائرته , كيف ؟
-أراد أن يفاجئنا.
-أين هو عمى الآن ؟
اشارت هناء الى الأعلى وهى توضح:
-عاد مرهقا من السفر وكان بحاجة الى النوم , فصعد الى جناحه كما فعل الآخرون.
أخفت بتعمّد التفاصيل الأخرى المتعلّقة بثورته على الشابين الآخرين لن تزيد من هموم ابنها ,, كما أنها لن توبّخ ابنها الرجل الناضج على مرأى ومسمع من مها , فى الصباح الباكر سوف تعلمه بكافة الأحداث التى دارت.
تردد كريم قليلا حيث أراد البقاء مع والدته حتى يتحدث اليها على انفراد ريثما تنتهى من هذا الحوار المثير للتساؤل ,عوضا عن ذلك اكتفى بمنحها ابتسامة لطيفة وهو يتمنى لها مساءا طيبا ,متوجها نحو الدرج ,استوقفه سؤالها الذى يفيض حنانا:
-هل تناولت العشاء أم أحضّر لك شيئا لتأكله؟
توقف بمكانه وأدار رأسه بنصف التفاتة مجيبا بصوت هادئ:
-سلمتِ يا أمى , لا حاجة لأن ترهقى نفسك أنا لست جائعا.
لم تعقّب هناء على رده فهى بنفسها لاحظت قلة شهيته ليس الى درجة خطيرة ولكنه صار يكتفى بالقليل وأحيانا كثيرة يتجاهل تناول الوجبات برفقتهم.
اضافت برقة لا مثيل لها:
-حسنا يا حبيبى كما ترغب.
وأولت الفتاة الى جوارها كامل اهتمامها مرة أخرى مكتفية بأنه قد تراجع عن مقاطعتها فى الآونة الأخيرة وبات يعاملها بشكل مهذب بارد.
ولم تتخلّف والدته عن القاء خطبة عصماء بصباح اليوم التالى عن مدى سوء تصرفه ولا مبالاته بعائلته.
دافع عن نفسه بحماسة وهو يقاوم شعورا تسلل اليه بأنها حقيقة ليست منزعجة من نكوصه عن دوره العائلىّ بقدر ما هى متكدرة من غيابه الدائم عن المنزل:
-نسيت .. كنت منشغلا للغاية بعدة أمور فنسيت موعد عودة عمى ,لم أرتكب جرما ,يصدف أن ينسى الكثير منّا أشياءا تعتبر هامة ويجد له الآخرون الأعذار ,,, الا أنا طبعا ,الوحيد الذى يحاسبه الكل على أقل هفوة ,هل تعرفين لماذا ؟ لأننى نشأت كاليتيم ,اعتدت على رؤية الشفقة مجسدة فى عيون العائلة ولكن مع ذلك لأنه لا أب لى فمن الأيسر القاء اللوم علىّ ,فرفيق لا يمكن أن يمسّه أحد بكلمة واحدة أنه الحفيد البكرىّ حامل الراية .. راية الشرقاوية ,وسيف .. الجميع يحتمل أخطائه ولو كانت فظيعة لأنه ما زال صغيرا بالسن ومصيره الى التعقّل يوما ما , أما كريم فهو المسكين الذى لا حول له ولا قوة فلنحمّله فوق طاقته على الاحتمال.
سارعت هناء بوضع يدها على فمها تكتم أنّة صارخة كادت تفلت منها ,انفطر قلبها على وليدها أيعقل أنه يشعر بهذا الكم من المرارة ويخفى عنها ألمه الجسيم ,دفعت يديها الى رأسه تحاول جذبه الى أحضانها وقد تقلّص الفارق الكبير بين قامتيهما بفعل معجزة فها هو الابن الشارد يخضع مجددا لسلطة أمه وأخذت تمسح على شعره العسلىّ المجعد تقول مستنكرة:
-لا ترثى حالك يا حبيبى , أنت أفضل بكثير من غيرك ,على الأقل حظيت بعم كمحمد ربّاك وعاملك كواحد من أبنائه , الله يشهد أنه لم يفرّق يوما بينكم.
لثم ظاهر يدها بعد أن أمسك بها مشددا قبضته حولها يبثها امتنانه واعترافه بفضلها قائلا بصوت مرتجف:
-وأنتِ يا أمى كنتِ وما زلتِ أفضل أم بالكون ,أنا حقا رجل محظوظ بوجودك فى حياتى لولاكِ ما كنت أنا ,ضحّيت بالغالى وارتضيتِ بالنذر اليسير من أجلى.
اعترضت هناء بقوة وهى تشيح بوجهها عنه حتى لا يرى دموعها التى غلبتها وانهمرت على خديها قائلة:
-لا تقل هذا ... لا تقل هذا ,أنت ابنى الوحيد فلذة كبدى وذكرى حب خالد لن يموت .
نظر لها باستجداء يتحيّن اعترافها الصريح وهو يقول برجاء:
-أحقا يا أمى ؟ أما زلتِ تذكرين أبى ؟ بعد كل ما صار بينكما!
أجابته بمزيج من الخوف والرهبة تسترجع ذكرياتها الماضية:
-أذكره بقلبى مهما طال الزمن ويكفى أنه قد وهبنى قطعة غالية منه .. أنت ... أجمل هدية وأثمنها على الاطلاق ,هو زوجى ووالد ابنى ,,, ألا يكفى هذا ؟
احتضنها بين ذراعيه بحيطها بحبه واهتمامه كأنما هى الابنة وقال هامسا برقة بالغة:
-يكفى ويزيد يا ست الكل .. أنتِ وردتى الجميلة وحبيبتى الوحيدة.
شدت نفسها من بين أحضانه لتدفعه فى صدره بلطف وهى تقول مداعبة:
-أنا ؟؟ حبيبتك الوحيدة ؟؟ أيها المنافق الكبير !
قلب شفتيه بحركة طفولية اعتادها منذ صغره وهو يهتف مدعيا الاستياء:
-جرحتِ قلبى فى الصميم يا حبيبتى , أتشكّين فى حبى الخالص ؟
-لا بل أشكّ فى كونى الوحيدة بقلبك يا عزيزى ,ألم تعترف سابقا بالوقوع فى الحب ؟
كانت تعرف بأنها ربما تخاطر بمصالحتهما وتجازف بعلاقتهما الهشة الجديدة ,ربما هى واقعة ببحر رمال متحركة فلزاما عليها أن تتحسس خطواتها بعناية ,لم يكشف وجهه عن أى دليل على التأثر ,فاحتفظ برباطة جأشه وهو المحترق بنيران شوق لا يلين ,وعدّل من ياقة قميصه للأعلى ناكرا لأى نقطة ضعف قد تسجّلها ضده بفعل أى تصرف طائش يصدر عنه وقام بتغيير الحوار بذكاء شديد متسائلا:
-الى أين وصلتِ بمشروعك الخيرى الذى تزمعين تنفيذه ؟
راقبته مطولا وهى تدرك سبب هذا السلوك الغريب , ابنها الذى ربته وأنشأته وتعرف سكناته وخلجات نفسه يخشى الاعتراف بالحب حتى لا يُتهم بالضعف ,وتأبى نفسه الاعتراف بعجزه الواضح عن جهاد قلبه العاصى الذى يرفض غياب حبيبته بل ويزيد من تأنيبه ليلا نهارا على تصرفه المشين بحقها ,استلمت طرف الخيط فقالت تحاول مجاراته:
-كل شئ على ما يرام ... على فكرة .. أتعرف من الذى سيتولّى ادارة هذا المشروع ؟
مط شفتيه دلالة عدم المعرفة وقال ممازحا:
-وكيف لى أن أعرف ؟ أأضرب الودع ؟ أم أقرأ الفنجان ؟
قالت بجرأة وهى تتحاشى النظر مباشرة الى عينيه حتى لا تتراجع عن قرارها الذى اتخذته لتعترف بالحقيقة وتنهى الصراع الدائر بين عقلها وقلبها:
-لقد كلّفت صلاح بهذا الأمر ,وقمت ايضا بتوقيع التوكيل الرسمىّ له للتصرف فى كافة الشؤون المتعلّقة بهذا المشروع ,وهو بالمقابل رفض أية نسبة من الأرباح المتوقعة ,, هو شريك فقط فى الادارة.
ردد مذهولا:
-صلاح .. صلاح السنهورى شريكا لكِ , هل قبل بذلك ؟
-نعم.
أطبق فمه على الكلمات التى كادت أن تفلت منه دون تريّث ,عاد ليتحكم بانفعاله ,لن يضايقها مجددا باتهامات ظالمة أو عبارات جارحة .. هذا وعده أمام نفسه وضميره .. هى أمه ... ومن حقها أن تحيا كيفما تشاء بعد سنوات قضتها فى الحفاظ على صورة الأسرة البائسة فى نظر الكل ,من أجل أن تصون كرامة ابنها الوحيد ,, لن يعارضها بأى قرار تتخذه منذ الآن ,,, حتى ولو كان الثمن سعادته وراحة باله ,, سيقدّمه تحت قدمى هذه السيدة العظيمة فداءا رخيصا لتضحياتها السابقة من أجله.
قام ناهضا وسار نحو الباب دون أن تحين منه أدنى التفاتة الى أمه ,فهمست بصوت متهدج تأمل ألا يردّها:
-كريم ... أهذا هو كل ما لديك لتقوله بخصوص الموضوع ؟
أسبل جفنيه بألم يدفن صرخاته المكتومة قبل أن يقول بصوت غريب:
-اذا كنتِ قررتِ ونفذتِ .. فلا فائدة ترجى من حديثى .. أنت حرة التصرف فى أموالك وحياتك .. أنتِ أمرأة حرة الآن بلا قيود ,افعلى ما شئتِ يا ... أمى.
وغادر مسرعا كما فعل بالمرة السابقة اثر مشادتهما الكلامية والتى انتهت بسقوطها لتصيب كاحلها ,وحتى الآن يعاودها الألم على هيئة نوبات متفرقة كلما تحاملت على نفسها وأجهدت ساقها بالوقوف لمدة طويلة , ولكنها هذه المرة لم تحاول اللحاق به فهى تدرك أن الجرح هذه المرة أعمق وأكثر مرارة وقسوة ... بيد أنها تحرّرت من قيودها أخيرا ,هل هى فرحة بهذه الحرية الجديدة ؟ أم أنها ألفت البقاء حبيسة السجن مسلوبة الارادة ؟


###########

SHELL 08-07-20 08:27 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
اليوم الذى تلا عودتهم من السفر مرّ بصورة بطيئة كئيبة الى درجة ألقت بظلالها حتى على سماح المرحة بطبعها ,فصارت تتجنّب الضحك وارتدت قناعا وهميا من الجدية ,, أحست بدون أن يؤيد احساسها دليل مادىّ أن هناك سحابة دخانية عبقت المنزل حتى كادت تخنق الجميع ,تضاءلت اجتماعاتهم اليومية وصارت فقط وجبة الغداء هى الرابط المشترك بينهم ,وما أثّر فى نفسها بشدة أن سيدتها الصغيرة ريم انطوت على نفسها بحزن دفين ... متى كان ذلك ؟ آه أنها تتذكّر جيدا عندما استدعاها والدها وقد تبدّلت أحواله كثيرا فلم يعد الرجل الهادئ الطباع الذى يفيض صبرا بل تحوّل الى شخص آخر لا يفتأ يؤنبها على أقل هفوة ويتهمها بالاهمال والتقصير ,, كان هذا فى الصباح .. استدعاها لتبلغ ابنته بأنه ينتظرها بغرفة المكتب .. أو غرفة الاعتراف كما صارت تطلق عليها ... لم يبد على وجهه أية دلائل على الغضب أو الانفعال ,استعاد طبيعته الرزينة ,تستطيع أن تقسم برؤية شعاع النور يتقافز من عينيه حينما نظق باسم ابنته المفضلّة فلا يخفَ على أحد مقدار حبه واعزازه لهذه الفتاة ,,, لم يرفض لها طلبا باستثناء موضوع عملها السابق والذى تراجع عن موقفه تماما بخصوصه .
جاءت ريم استجابة لنداء أبيها تسير بخطى متعثرة وبعقلها مئة سؤال وسيناريو لما سوف يدور بينهما , يتآكلها الفضول هل لرغبته بالاجتماع بها علاقة بالموضوع الذى يؤرقها كل ليلة ويخاصم جفونها النوم معاندا لحاجتها بالاستقرار .. اعترفت لأمها بما يجيش فى صدرها دون اغفال أى تفصيلة ,بالتأكيد هى من أخبرت والدها .. تكهّنت بخوف ورهبة .. أسيعاقبها على تهورها ؟ أم سيكتفى بمجرد زجرها ؟ لا تريد أن تضيف المزيد من التعقيدات الى حياتها ,ما بها يكفيها لسنوات .. رسمت خطتها بسرعة ومهارة .. ستنهار باكية تجثو على قدميها وتلثم يدى أبيها معترفة بذنبها ,وتضع باللوم على جاسر ,, سوف تحمّله المسؤولية كاملة .. هو من أحرجها واستغلّها لتمنحه موافقتها المسلوبة منها رغما عنها ,وعليه أن يواجه غضب عمه محمد كما يدعوه بمحبة وحيدا دون تدخل منها .. نعم ستنفض يديها من الموضوع برمته متخلّية عن مساندته , أنه يستحق أكثر من هذا كعقاب.
ابتسمت لنفسها بتشجيع وهى تهز رأسها راضية عن خطتها الجهنميّة التى تبلورت فى ذهنها ,, مع كثير من الدموع حتما سيعفو عنها الوالد متأثرا بمشاعر ابنته المرهفة الحس .. توقفت أمام الباب المغلق تعدّل من هندامها بيد مرتعشة قم سحبت نفسا عميقا وزفرته حارقا .. هيا يا ريم تستطيعين القيام بذلك يا فتاة !
دقّت على الباب ثم أدارت المقبض بعد سماع صوت والدها يحثّها على الدخول ,فدلفت الى الداخل تسير برشاقة فراشة ببنطال قصير يصل الى منتصف ساقها وبلوزة رقيقة بدون أكمام تربط طرفيها بعقدة على خصرها النحيل ,تهلّلت أسارير محمد حينما وقع بصره على ابنته وقال مرحبا يفتح ذراعيه من أجلها :
-ريم حبيبتى أشرقت الأنوار بحضورك يا شمس النهار.
ارتمت فى أحضانه تعانقه بشغف فجذبها لتجلس بجواره وحاجتها الى الشعور بالأمان والطمأنينة يجتاحها لتظل على وضعها الا أنه أزاحها قليلا ليتأمل ملامحها البريئة ,ورثت الكثير من والدتها ... اعتاد على ممازحتها بأنه يحبها لأنها تذكّره بها وهى بمثل عمرها فيشعر بأنه عاد لمرحلة الشباب من جديد وهو يرى حبيبته تولد أمام عينيه يراقبها مستمتعا بكل لحظة من مراحل تطوّرها العمرىّ .
لمحة واحدة أظهرت امتعاضه فى زمة شفتيه وهو يتلمّس خصلاتها القصيرة ,ثم انفرجت تلك الشفتان مرددة انذارا سبق أن سمعته مرة من قبل:
-لا تفعليها مرة ثانية يا ريم .. لا تقصّى شعرك.
تململت الفتاة بجلستها وقالت باستياء:
-بابا .. أنها مجرد قصّة للشعر .. موضة حديثة تتسابق الفتيات جميعهن لتقليدها.
وضع سبابته مدغدغا أرتبة أنفها وهو يقول بحبور:
-ابنتى ليست كأى فتاة ,وكل الحديث عن الموضة ومجاراتها لهو محض كلام فارغ.
وضعت يدها بتحية عسكرية وهى تصيح:
-تمام يا فندم أمرك سيدى.
-ريم هذا ليس أمرا .. أنه مجرد نصيحة من أب لابنته العزيزة على قلبه لا يحب أن يراها بصورة غير مناسبة.
طبعت قبلة دافئة على خده وهى تحيط عنقه بذراعيها تتعلّق به قائلة بدلال:
-اذا ضايقك الأمر الى هذا الحد فأنا أعتذر منك لن أكررها ,هل أجرؤ على زعل حبيبى ؟
-يا لك من مشاغبة .. حسنا لن تلهيننى عما أردت محادثتك بشأنه .. لن تفلتى منّى بهذه البساطة يا بنت محمد.
ها قد تجاوزا مرحلة المزاح ولم تعد لديها أية فرصة للهروب من المواجهة الوشيكة .. ستلزم الصمت منتظرة حتى يفاتحها هو بالأمر.
ابتدأ محمد حديثه بينما ابنته منصتة له بامعان ممتزج بالاحترام:
-أمك فاتحتنى بموضوع .. أقلقها كثيرا .. موضوع يخصك أنتِ ..
صمت لوهلة بينما امتدت أصابعه تتلاعب بخاتمها الماسىّ وهو يقول بهدوء:
-أنه جميل جدا .. ونفيس ..

تسارعت دقات قلبها تضرب بضلوعها وأنفاسها تلاحقت تباعا ,جاءت لحظة انكشاف الحقيقة .. ترددت وهى تطرق برأسها خجلا قائلة:
-بابا .. أنه ... لقد تفاجأت ... و..
ثم رفعت وجهها فجأة لتجد نظرات أبيها مسلطة عليها بتفرس فى قسماتها المرتبكة وتلاعب شبح ابتسامة على شفتيه ,مما أثار الريبة فى نفسها .. حاولت أن تستعيد ثقتها بالنفس وتماسك أعصابها الا أن صوتها خرج مرتعشا كصاحبته:
-جاسر .. هو من .. أعنى أنه هو المسؤول ..
لم يحاول والدها مقاطعتها ولا معاونتها على اكمال عبارتها الغير مفهومة ,فتوردت وجنتاها احمرارا ثم عادت لتطرق برأسها أرضا لا تتحمّل رهبة هذا الموقف .. ماذا سيكون نصيبها من اللوم والتقريع ؟ وهل سيكتفى والدها بتعنيفها أم سيمتد عقابه الى ما هو أسوأ ؟
توقعّت أى شئ منه .. ردا قاسيا ... تصرفا جافيا ... صراخا حادا الا أنها لم تتهيأ لضحكته المجلجلة عاليا والتى صاحبها صوته الذى يفيض مرحا :
-اذن نجح فى الحصول على موافقتكِ .
لم يكن هذا سؤالا ,, بدأ ذهنها بالعمل من جديد بعد لحظات توقف يحلّل كلمات والدها وهو يستطرد مهنئا:
-يبدو أنه يجيد الاقناع ,فها قد نال موافقة وحيدتى المدللة .. مبارك لكما حبيبة بابا.
غمغمت بالكاد قبل أن تغشى عيناها الدموع:
-أنت موافق .. عليه.
ربت على كتفها مضيفا باعجاب:
-جاء الىّ طالبا يدكِ قبل سفرنا فأخبرته بما يتعيّن عليه فعله .. أن يسعى لينال رضاكِ بنفسه .. طبعا أنا موافق والا لما أعطيته الضوء الأخضر لسؤالك عن رأيك ..
رددت بنفسها فى سخرية من جهلها : سؤالى عن رأيى ؟ لم يكن هذا وصفا دقيقا لما حدث بالفعل على أرض الواقع.
استطرد محمد غير واعيا لحالة ابنته الكئيبة :
-اسمعى جاسر قريب لنا ,ومع ذلك لم أكن لأمنحه مباركتى للزواج من جوهرتى الغالية الا بعد أن لمست بنفسى مدى حبه وتقديره لكِ ,, هو رجل بمعنى الكلمة وسيحافظ عليكِ ويفتديكِ بروحه.
استمعت مرغمة الى ابيها وهو يعدّد مآثر الرجل الذى جرح قلب ابنته وخدعها .. يتحدث عنه كابن وليس كمجرد قريب لهم .. آه لو تعرف يا أبى ؟
-أمك كانت ثائرة بحق ولم تكف عن تعنيفى لأننى أخفيت الأمر عنها ,, واضطررت الى التنازل كثيرا حتى أهدئ غضبها وأرضيها.
-صغيرتى .. لمَ أنتِ صامتة ؟ آه هذا خجل العذارى .. لكن يا بنيّتى لزاما عليكِ منذ الآن أن تتكلمى لتعبّرى عن رغباتك وأود أن أعرف ما تتطلّعين اليه .
أجابته شاردة الذهن :
-بخصوص ماذا ؟
رفع حاجبيه تعجبا وهو يقول بجدية:
-بخصوص الزواج طبعا ,اطلبى ما تشائين يا ريم ,أنا كفيل بتلبية كافة أمنياتك كما أن جاسر لن يتوانى عن فعل المستحيل لاسعادك.
حسنا يا جاسر , أنت تخطّط وتتصرّف بذكاء ,لتصل الى مبتغاك ,وتعتقد أنك قد انتصرت علىّ ,فليكن لك ما تشاء ... انتظر .. حتى ترى وتسمع بنفسك.
أزاحت أفكارها الانتقامية السوداء جانبا وتصنّعت الاهتمام بتجيب على والدها بحياء:
-أنت كفيل بهذا الأمر يا أبى أعرف أنك لن تخذلنى أبدا ,سأترك لك الاتفاق معهم فيما يتعلّق بالأمور المادية وخلافه ,أما طلباتى الخاصة فسأناقشها مع خطيبى .. جاسر.
ابتسم ملء فيه وهو يردد بانتشاء:
-عظيم .. عظيم , هذه هى ابنتى التى أفخر بها.
نهضت ووقفت تقول بحسم:
-شرطا واحدا يا بابا .. لن يتم الزواج الا بعد فترة خطبة أحدّد مدتها.
هز رلأسه ايجابا وهو يقول موافقا:
-لكِ مطلق الحرية فى تحديد موعد الزفاف ,, فأنتِ العروس.
وأضاف بعد أن نهض بدوره متوجها نحو مكتبه الفاخر وفى نيّته اجراء مكالمة هاتفية:
-سأتصل بعمى عبد الله لأحدد موعدا لحضورهم حتى يتقدّموا رسميّا ونتفق على كافة التفاصيل.
رمت بسؤالها عرضا:
-ألن تأخذ رأى رفيق بالأمر ؟
عقد الوالد حاجبيه بشدة وهو يتساءل بحدة:
-ولماذا ؟
رفعت كتفيها عاليا وقالت بنزق:
-ربما يغضب أنك لم تستشره.
أجاب نافيا:
-أنا والدك وولىّ أمرك والوحيد الذى يحق له القبول أو الرفض ,سوف أبلغّه بالطبع بموعد قدومهم حتى يكون حاضرا معى.
نظرت له بفخر قائلة:
-أنت الأفضل يا أبى.
وانصرفت تاركة أباها ليجرى اتصاله بمفرده فهى لن تتحمّل سماع كلمة واحدة مما سوف تُقال .. تربط مصيرها بمصير جاسر ,لن يجبرها والدها اذا ما رفضت أو تراجعت عن قرارها ,, أكيدة هى من ذلك الاحساس الا أنها تقبّلت الأمر بروح التحدّى .. لن تفرّ من مواجهته بعد الآن ,, ولن تختبئ فى انتظار من يأخذ القرار نيابة عنها ,ريم المقاتلة وُلدت على يديه وستذيقه الأمرين حتى تلقنّه درسا بحياته لن ينساه ,التلاعب بمشاعر الآخرين لهو جريمة نكراء .. تجرّع الدواء المر لا مفر منه حتى نحصل على الشفاء التام.

##########

SHELL 08-07-20 08:28 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
فى منزل الجد عبد الله ,تجمعّت العائلة على طاولة الطعام وكان خالد مدعوا الى الغداء فى السابقة الأولى لمثل هذا الحدث ترحيبا به كعضو جديد ينضم الى العائلة .. كان مقرّرا أن تقام هذه المأدبة فى منزل والد ليلى الا أن الجد قد أعلن عن تولّيه هذه المسؤولية باعتباره رأس العائلة وكبيرها .
ساد جو من الألفة والمرح بينهم خاصة وجاسر لا ينفك يلقى بالنكات على الثنائى الجديد ممازحا بخفة صديقه قائلا:
-يا لك من محظوظ ! نلت الدرّة المكنونة التى لم نكن لنفرّط بها الا لمن يستحقها.
جعل تعليقه البسمة ترتسم على وجوه الجميع ما عدا السيدة فريدة التى لم يعجبها ما يحدث فمصمصت بشفتيها حسرة على حال ابنتها قائلة بصوت مدوٍ:
-المهم أن نرى ماذا سيقدّم العريس المحظوظ لهذه الدرّة ؟
تمايلت ليلى بحركة رشيقة لتتراجع فى مقعدها بينما نظراتها تنتقل من ابن خالتها الى خطيبها ,قائلة بدلال يليق بها:
-لا تشغلى بالك يا ماما فخالد لن يقصّر ابدا فى تحقيق ما أريده , أليس كذلك يا عزيزى ؟
لماذا تصرّ على احراجه بهذه الابتسامة المغرية التى تمنحها له فقط فى المناسبات العامة وأمام حشد من الناس فيعجز عن الخروج من دائرة جاذبيتها المغناطيسية ,ظل يحملق بها بانبهار واضح فلكزه صديقه فى جانبه دون أن يلمحه أحد منقذا ايّاه من هذا المأزق بقوله المداعب:
-كما أن خالد الآن اصبح هو المدير المسؤول عن مكتب السيد فهمى ,وفى غضون بضعة أشهر سيتحسّن وضعه أكثر ..
تنحنح خالد مستعيدا قدرته على الكلام بصعوبة بالغة وهو يجل حنجرته أكثر من مرة قائلا بصوت مبحوح:
-أنا تحت أمر ليلى فى أى شئ ...
ونظر الى والدة ليلى برهبة قبل أن يضيف ببسالة نادرة:
-ورهن اشارتك يا .. حماتى.
شهقت فريدة وهى تضرب على صدرها بقوة قائلة بابتذال:
-حماتى ... آه ,, صبّرنى يا رب.
كاد الوضه أن يحتدم لولا أن تدّخل الجد سريعا فقال بابتسامة عريضة:
-بالمناسبة لقد ذكّرتنى بنفسى عندما تقدمت لخطبة زوجتى أم شريفة وفريدة - رحمها الله - وكانت والدتها سيدة فاضلة رائعة بحق أخذتنى على جانب منفرد لتبارك لى ثم تؤشر لى بتحذير قائلة :ايّاك أن تغضب نور الهدى أو تضايقها والا سوف ترى من حماتك وجها آخر ... طبعا غرقنا بالضحك سويّا لم تكن تقصد تهديدى فعلا انما ودّت أن تبعث لى برسالة مغلّفة بالضحك أن أعنى بزوجتى جيدا ومن يومها وأنا أنفّذ توصيتها هذه الى أن فارقتنى الغالية الى بارئها ,, حبا فيها وليس خوفا من حماتى ... أصرّت علىّ بعد عقد القران ألّا أناديها سوى بأمى .. لأن والدتى كانت قد توفّت بذلك الوقت.
تمتم خالد باحراج:
-شرف عظيم لى أن أناديها بأمى طبعا فهى أم الغالية.
نظرت له فريدة شذرا وهى تقلب شفتيها بحركة مستاءة لتهتف:
-لا .. لا داعى لذلك .. حماتى أفضل بكثير.
أمسك جاسر نفسه عن الانفجار بالضحك وقال مقترحا دون أن يجرؤ على مواجهة خالته:
-لماذا لا تلقبّها بخالتى مثلى ؟
تحدّث السيد سليم لأول مرة بعد صمت طويل مصدّقا على هذا القول:
-فكرة جيدة .. وبهذا نحل المعضلة الكبيرة لا ماما ولا حماتى ,, أنت عبقرى بحق يا جاسر.
حدّجته زوجته بنظرة غاضبة قبل أن تعلن اعتراضها الصارم:
-هذا هراء ...
فكفّ زوجها عن تناول طعامه الذى غص حلقه بآخر لقمة منه وتناول كوبا من الماء يتجرعه بلهفة غريق موشك على النهاية مما جعله يصدر صوتا عاليا أثناء ارتشافه للماء ,ضجّ الجميع بالضحك الا فريدة التى زجرته بعنف:
-سليم .. لا تتجرع الماء هكذا ,كم من مرة أخبرتك أنه غير لائق ,نحن لسنا ببيتنا.
أشار لها والدها بلطف وهو يقول بتساهل:
-فريدة .. اتركيه على راحته فالمسكين كاد أن يختنق بكلماتك .. كما أننا عائلة , لا يوجد أى غريب بيننا.
ثم أولى اهتمامه الى صهره قائلا :
- بمَ تشعر الآن يا سليم ؟ هل أصبحت أحسن حالا ؟
تنفس الرجل الصعداء وهو يلقى بالشهادتين قبل أن يهتف بارتياح:
-الحمد لله يا عمى ... سفرة دائمة .
ونهض من مقعده ناويا المغادرة فسألته شريفة بمودة:
-سليم .. لماذا لا تكمل صحنك ؟ ألم يعجبك طعامى ؟
قال سليم بصراحة:
-وهل هذا كلام يا شريفة ؟ أنتِ تعرفين كم أحب تناول الطعام الذى تتولّين طهيه وخاصة أصابع الكفتة المشويّة , لا أجرؤ على مقاومة التهامها .. سلمت يداكِ والعقبى حينما نفرح بجاسر وعروسه قريبا ان شاء الله.
انتهز الجد هذه الفرصة ليعلنها على الملأ قائلا ببشر :
-حسنا بمناسبة الكلام عن جاسر .. أبشّركم بأن والد العروس هاتفنى منذ قليل ليخبرنى بموافقته على تحديد موعد لزيارتهم.
صفقت ليلى بجذل معبّرة عن سعادتها الجمّة وأخذت تترنم بصوت حالم:
-يا له من يوم جميل لا يُنسى أبدا ,ربما استطعنا أن نجعل الفرح اثنين كما فعلت فى حفل خطبتى يا جاسر ,أفسدته بنجاح منقطع النظير ..
بينما اقتربت شريفة من ابنها تحتضن رأسه مهنئة وزوج الخالة يتمنى له السعادة والخير حتى فريدة المتأففة على الدوام تخلّت عن عبوسها لتحل محله ابتسامة حنون ,, أما خالد فقد ربت على ظهره متلاعبا بحاجبيه بشقاوة قائلا:
-مبروك يا عريس نحن السابقون وأنتم اللاحقون.
وجاسر غارق بأفكاره الخاصة تساوره الشكوك هل حقا وافقت ريم على الزواج منه ,هو الوحيد الذى يعرف بحقيقة موقفها يوم الحفل حيث وضعها أمام الأمر الواقع .. استسلامها الغير متوقع أثار الريبة والشكوك بنفسه ,رآها فتاة مختلفة تماما عن سابق معرفته بها .. واحدة مقاتلة على أتم استعداد للسعى وراء تحقيق أهدافها بروح مثابرة ,حرة الارادة مستقلة بعناد .. وظلّت دوائر تساؤلاته تتسع وتتقاطع حتى انتبه لسعال جده الذى جعله يفيق من شروده فتابع الأخير قائلا:
-ما رأيك أنت يا جاسر ؟
فتح عيناه عن آخرهما كأنما يحاول استيعاب ما يحدث معه فأدرك أن العيون كلها مسلطة عليه ,فرك كفيه بتوتر وهو يحاول تصنّع المرح ليسأل ببساطة:
-تريد معرفة رأيى فى ماذا يا جدى ؟
مال الجد برأسه بزاوية حادة كأنه يبحث عن شئ ما وصاح يزجره بلطف:
-أنت .. أفق من أحلام اليقظة التى غرقت بها .. أنا أتحدث بشأن الموعد المنتظر ,, قال محمد بأنه لا مانع أن نحضر هذا الأسبوع ,وان كنت أفضل ان ننتظر بضعة ايام ريثما يستريح من عناء السفر وتبعاته ,هه ماذا قلت ؟
أومأ برأسه موافقا على اقتراح الجد العقلانىّ وتحيّنها فرصة مناسبة ليختلى بنفسه بعض الوقت قبل أن يراها مجددا وجها لوجه ,وهناك أيضا رفيق الذى عاد هو الآخر من رحلة شهر العسل التى طالت كثيرا .. أهو غارق بالعسل حقا أم سيتذوق طعم البصل ؟
-كما ترى يا جدّى الرأى النهائى لك .
-حسنا فلنذهب الى غرفة المعيشة ... حتى نحتسى القهوة هناك .. تفضلوا ..
بينما غادر الرجال قاعة الطعام المطلّة على البهو الرئيسى توجهت النساء الى المطبخ لاعداد القهوة بعد الانتهاء من ازالة بقايا الطعام ولملمة الصحون الفارغة بغرض جليها ,, وقفت ليلى حائرة لبضعة ثوانٍ فقد دق هاتفها بهذه اللحظة معلنا عن اتصال من آخر شخص توقعّت رؤية اسمه ,, يملك تأثيرا كالسحر على قلبها .. كلما اعتقدت أنها باتت قادرة على التخلّص من ذكراه الأليمة واستئناف حياتها التى تحطّمت على يديه يظهر من حيث لا تحتسب.
حسمت ترددها بقرار متراخٍ ,ستجيب على هذا الاتصال فالفضول يتآكلها لمعرفة سبب اهتمامه بمحادثتها وقد انقطع بينهما كل سبيل لاجراء حديث متحضّر بين اثنين .. ارتبطا يوما بعلاقة حب باءت بالفشل الذريع.
بينما عقلها يكيل لها الاتهامات واحدا تلو الآخر ,, كاذبة أنتِ ,, ليس الفضول هو دافعك لاجابته .. أنما الحنين .. والشوق لما مضى .. احذرى أنتِ مخطوبة لرجل آخر لم تعودى حرة ,كما أنه رجل متزوج .. باغتتها الذكرى بجفاء ملهبة قلبها النابض بقوة.
نظرت حولها بترقب ولما وجدت أنه لا أحد يراها انسحبت بخفة كالقطة الى موقع يصلح للاختباء .. شعرت بأنها تتصرف بخسّة ونذالة , وتغلّب تهوّرها على تعقلها فى ثانية واحدة .. ارتعشت اصابعها حتى كاد الهاتف يسقط محطّما على الأرض فأنقذته يدها الأخرى واستقبلت المكالمة قائلة بصوت متهدّج من أثر اشتعال عاطفتها:
-آلوو .. سيف.

#########

SHELL 08-07-20 08:29 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
-للمرة الألف أحذرك يا مها من مغبة تدخلك فى خصوصياتى ,لا تدسّى أنفك الجميل هذا فيما لا يعنيكِ.
ألقى بعبارته فى وجهها ككرة صلبة ارتطمت بكيانها, فعلى الرغم من أنها قد ابتهجت لاطرائه العفوىّ بقى جزء بعقلها يشعر بالاضطراب من جراء انكاره لحقها فى معرفة تفاصيل حياته.
مدت يدها متضرعة نحوه وهو تسأل من جديد:
-أرجوك ,فقط هذه الاجابة البسيطة لن تضرّك بشئ لكنها تعنى لى الكثير .. أتراك تنتظر منى أن أتوّسل لك راكعة حتى تمنحنى هذا الشرف.
زفر متنهدا بينما يرفع ساقا فوق الأخرى بوضعية شامخة تطل من عينيه نظرات التعالى والكبرياء يرمقها كمن يجدها ليست بمقامه حتى يتبادل معها أطراف الحوار ,ثم نظر الى ساعته التى انبأته بمضى الوقت سريعا ,وعليه أن يبدأ بالتحرّك فورا فهب واقفا على قدميه بينما زوجته ما زالت معتدلة بجلستها ,قاصدا الخروج من الغرفة انتبه لهمستها المتأففة:
-تبا لعناده وغروره الذكورىّ !
توقفت أصابعه على مقبض الباب الذى لم يكمل دورته فظل مغلقا ,وأدار وجهه بالتفاتة بسيطة لينظر لها من فوق كتفه باشمئزاز هاتفا من بين أسنانه:
-لو لم أكن متعجلا للخروج للقنتك درسا جديدا فى كيفية تعاملك مع زوجك واحترامك له ,وأطمئنك لاحقا سيتاح لنا وقتا طويلا حتى أنظف عقلك هذا مما يختزن به من قاذورات .. فقط كونى عاقلة والزمى مكانك ريثما أعود من مشوارى ,لا أريدك أن تتسكعى هنا وهناك تثرثرين مع أيا كان ,لم يعد الوضع كالسابق .. الجميع على علم بهويتك ولا بد أنهم يدركون جيدا الهدف من زواجنا.
اندفعت تكرر سؤالا مصيريا:
-ما ذنبى أنا فى كل هذا ؟
ابتسم ساخرا وكل حرف ينهال فوقها كسوط جلدى يلهب روحها:
-ذنبك ؟ حبيبتى لا تدّعى البراءة أنتِ من سعيتِ الى هذا بقدميكِ ,ثم أليس هذا هو ميراث عائلتك ؟ من المقدّر أن تدفعى عنهم الثمن ,فكما يقول المثل الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون ,أنتِ مدينة لى يا مها وليس العكس وأنا أنوى جعلك تسددين كاملا.
ثم لوّح لها بكفّه يمينا ويسارا عدة مرات قائلا:
-الى اللقاء يا حلوتى ,, انتظري عودتى.
وتركها تتلوى بحسرتها وقهرها فمنذ تلك الليلة الحاسمة حيث عرف عمه بهويتها الحقيقية وتبدلّت معاملة الجميع لها ,فان كانوا بأول الأمر تحركهم مشاعر الاشفاق عليها أو حتى الاستغراب من قبولها بهذه الزيجة ,فقد انتهوا الى احتقارها بالتجاهل أو التقليل من شأنها .. حيث لا أحد ينظر اليها ولا يتبادل معها الحوار كأنها تحمل وباءا قاتلا.
ما عدا تلك السيدة اللطيفة المعشر هناء والدة كريم ,الوحيدة بينهم التى تشعرها بأنها ليست وحيدة بهذا العالم القاسى تغدقها بحنان ومشاعر فيّاضة .. لن تنسى لها حسن صنيعها ما حيّت ,وهى التى أطلعتها على حقائق لم تكن لتصل اليها بسهولة ساعدها على تفهّم الموقف السائد فى العائلة من ارتباطها بواحد منهم ,سلبتها معرفة الحقيقة سلاحها الوحيد الذى شحذته ضد سيف وعائلته بأكملها ,بل صار الشك طريقها نحو اليقين .. ماذا لو كانت أمها تكذب ؟ لا , لا يمكن أن تفعلها .. وان ثبت ذلك فكيف تتصرف على هذا الأساس الجديد الذى يقلب عالمها رأسع على عقب.
الرغبة فى الانتقام تلاشت كالسحر ,, هل يمكنهما البدء من جديد وكأن شيئا لم يكن ؟ تشعر بأن زوجها يدبّر أمرا فى الخفاء لا يفصح عنه أمامها.
توجهّت على الفور الى الحمام لتتوضأ ,وخرجت تبحث عن ثوب الصلاة الفضفاض الذى أصرّت على سيف أن يبتاعه لها بعد أن انتهيا من التسوّق فى محال الملابس فى ذلك اليوم البعيد... امتثل لرغبتها دونما سؤال وان ظلت تعابير وجهه غامضة بالنسبة اليها وما أن قامت البائعة بلفّه فى كيس ورقىّ حتى سألها صراحة:
-هل هو لكِ ؟
رفعت حاجبا وهى تسأله بعدائية واضحة:
-نعم , هل هناك ما يمنع ؟
واصل استفساره وكان الأمر لا يعنيه حقا بل ليشغل وقتهما فى طريق العودة:
-لا , أعنى هل ستستخدمينه للصلاة ؟
تأففت هى بشدة وأخذت تعض على شفتيها توترا ثم قالت:
-وهل يستخدم لغرض آخر ؟
أجابها ببساطة:
-نعم هناك بعض النساء اللاتى يرتدينه لقضاء بعض المشاوير ,ولكنهن محجبات أما أنتِ ف ...
وتوقف برهة يطالعها بتفحص مشيرا الى شعرها وملابسها القصيرة ففهمت اشارته سريعا وتقلّصت ملامح وجهها الملائكى بقوة وهى تنفى عن نفسها اتهامه الصريح:
-أنا لا أرتدى الحجاب , ولا أرتدى الأزياء المحتشمة ولكن هذا لا يعنى أننى لا أصلّى ولا أعرف فروض دينى.
لما رأته جامد التعابير لا يتراجع عن تقديره الخاطئ لها اضافت بمرارة:
-أنت لا تصدّق أنه يمكننى أن أصلّى واقوم بكافة الفروض الأخرى , أليس كذلك ؟
قال مدعيّا اللا مبالاة:
-هذا شأنك الخاص ولا يعنينى من قريب ولا بعيد .
وكأنه يخبرها بأنه ليس سهل الانخداع بالمظاهر فهو يعلم كيف دبّرت لايقاعه بهذه الورطة ,وهذا بنظره كافٍ لاصدار حكمه عليها.
عادت الى واقعها بعد أن انسدل الثوب عليها مخفيا معالم جسدها بالكامل وثبتت الجزء العلوى منه كغطاء لشعرها ,وولّت وجهها شطر القبلة وهى تبدأ صلاتها بصوت خاشع , لاجئة الى رب العالمين أن ينجّيها ويخلّصها مما هى فيه.
أنهت صلاتها ثم أخذت تتلو بعض الأذكار وهى مفترشة سجادة الصلاة على الأرض ,ثم تناولت هاتفها الخلوىّ تفتش عن اسم بذاته وأجرت اتصالها تنتظر اجابة الطرف الآخر داعية الله أن يعينها على الصبر ويهيّأ لها من أمرها رشدا.

#########

SHELL 08-07-20 08:31 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
أنهت هديل ارتداء ملابسها على عجل والقلق يسيطر على كل خلية منها .. صديقتها يائسة الى حد بعيد تقسم أنها لمست بصوتها رنة الهزيمة والشعور بالانكسار مجسّدا أمامها .. أخطأت بل ارتكبت أكثر الأخطاء حماقة وظنّت أنها ستفلت من عواقب فعلتها , رمت بتحذيراتها عرض الحائط تصم أذنيها عن سماع توسلات الصديقة الصدوق لها بألّا تنزلق لهذا المنحدر الشائك ,بل وصل الأمر الى حد تهديدها بمقاطعتها الأبدية اذا ما أقدمت على تنفيذ خطتها الشيطانية ,ليس هذا وقت البكاء على اللبن المسكوب .. هذه هى عبارتها التى ألقتها على مسامع مها حينما اتصلت بها ترجوها أن تأتى لرؤيتها فهى غير قادرة على البوح بمكنونات صدرها لأى كائن سواها ,هى محاطة بالأعداء فى كل زاوية بهذا المنزل .. ارتجفت لا اراديا وهى تفكّر بأنها ذاهبة الى منزل عائلة الشرقاوى .. عائلة كريم .. وبالرغم من أن مها حلفت بأغلظ الأيمان أن البيت خالٍ الا من نساء العائلة ,لم تتمكن من تهدئة ضربات قلبها المتزايدة فى سرعة عجيبة .. هى الأخرى تجلس وحيدة بالبيت فوالدها خرج فى موعد مع هناء ليتناقشا بخصوص مشروعهما المشترك ,حمدا لله فلن تكن مضطرة لاختلاق الأكاذيب بشأن ذهابها الى مها .. أسرعت بوضع لمسات خفيفة من أحمر الخدود لاخفاء شحوب وجنتها الملحوظ وظلال كحلية لعينيها أبرزت اتساعهما وجمالهما الرقيق .. ورشة عطر برائحة الورد والياسمين أكملت الصورة النهائية ,ابتسمت لصورتها المنعكسة بالمرآة مشجعة تحاول اقناعها أنه لا بأس بمظهرها .. استنشقت بعمق ثم اختطفت حقيبة يدها الصغيرة لتغادر المنزل ,لم تترك اية ملاحظة لوالدها على أمل عودتها سريعا قبل رجوعه.
أوقفت سيارة أجرة وأعطت السائق العنوان بدقة كما وصفته لها صديقتها بالضبط.
أوصلتها السيارة الى الحى الراقى والمشهور بروعة منازله ورفعة مستوى ساكنيه ,دفعت حسابها قبل أن تغادر السيارة التى توقفت أمام منزل عريق تحيط به حديقة غنّاء ,تنسمّت رائحة الزهور العطرة التى هبّت مع النسيم الخفيف لوقت ما قبل المغيب .. شعرت ببرودة غريبة فى أطرافها .. هذا هو بيته .. بيت معذبها وحبيبها .. قرعت الجرس الموجود على جانب البوابة الحديدية .. أتاها صوت رجل يسألها بآلية عن هويتها فتحدثت عبر جهاز الاتصال .. لتخبره بأنها ضيفة للسيدة مها ,وكان رجل الأمن قد سبق وتلقّى الأوامر بادخالها .. انفتحت البوابة الالكترونية بكبسة زر كاشفة عن ممر طويل متعرج ,ووجه رجل أسمر يطل مبتسما بلزوجة وهو يشير لها بالتقدّم فأطاعته صامتة الا أنها توقفت بعد خطوتين لتسأله عن الاتجاه الصحيح ,فقال باستياء وكأنه أمر مفروغ منه :
-سيرى بمحاذاة هذا الممر حتى نهايته ستجدين باب الفيلا.
شكرته بهمهمة خجول وقد ضايقها تحديقه المستمر فيها ببلاهة كأنها آتية من كوكب غريب ,شعرت بأنها تتضاءل كلما تقدمت الى الأمام .. منزعجة من كل مظاهر الثراء الفاحش حولها .. تعمل فى شركتهم منذ سنوات ولكنها لم تعِ جيدا مقدار نفوذهم ومكانتهم العالية الا الآن .. فوجئت بأنها أمام الباب الزجاجى للفيلا كما أخبرها الرجل السمج .. ضغطت على الجرس ,وتململت فى وقفتها حتى طالعها وجه فتاة بمنتصف العشرينات ترتدى زيّا يوحى بأنها الخادمة ولدهشتها كانت تبتسم بترحاب وهى تسألها :
-أنتِ الآنسة هديل , أليس كذلك ؟
هزت رأسها دلالة الموافقة , فأفسحت لها سماح طريقا وهى تدعوها للدخول قائلة:
-السيدة مها فى انتظارك ,تفضلى.


##########

SHELL 08-07-20 08:33 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
تعانقت الفتاتان بلهفة عطشان فى الصحراء رأى نبعا بواحة خضراء فارتمى ينهل منه بلا ارتواء ,,وهكذا كانت حاجة كلتاهما للأخرى .. همست مها بعتاب الأصدقاء:
-أهانت عليك سنوات عشرتنا وصداقتنا ؟ هل نسيتِ صديقتك التى هى بحاجة اليكِ ؟
ضمتها هديل أكثر الى صدرها غامرة ايّاها بحنان كأنما تعتذر عن غيابها وهى تقول بأسى:
-لو تعرفين فقط ما مررت به لعذرتنى ..
أبعدتها مها قليلا لتمعن النظر الى هيئتها وقوامها الذى ازداد نحولا عن طبيعته وعينيها اللتين فقدتا بريقهما اللامع .. وشفتيها المضمومتين بحزم .. أطلقت من صدرها تنهيدة عميقة وهى تتساءل بصورة مباشرة:
-أهو السبب فى معاناتك ؟
حاولت هديل فى البداية أن تتصنّع عدم الفهم حفاظا على كبريائها فرددت وراءها:
-من تقصدين ؟
جذبتها مها من يديها وهى ترمى بنفسها على الأريكة لترغمها على الجلوس بجانبها وقالت متعجبة:
-ومن غيره ؟ السيد كريم المتحذلق الآخر ؟ سليل عائلة الحيتان ..
قامت هديل بانكار التهمة المنسوبة اليها وقالت وفى عينيها تصميم:
-لم أعد أهتم لأمره , فأنا لست سكرتيرته الخاصة وشؤونه لم تعد تشغل حيزا من تفكيرى.
رفعت مها حاجبيها الرفيعين باندهاش حقيقى وقالت بخبث:
-هديل .. على من تمثلين ؟ علىّ أم على نفسك ؟ انظرى الى عينىّ مباشرة وأخبريننى أنكِ لا تهتمين لأمره مثقال ذرة.
وأمسكت بذقن صديقتها لتواجه نظراتها الثاقبة فأشاحت الفتاة بوجهها الى الناحية الأخرى وهى تهتف بضيق:
-مها .. توقفى حالا عن أساليبك البغيضة تلك فى استجوابى كمذنبة ارتكبت جرما مشهودا.
اضطرت مها الى تنفيذ رغبة هديل فأفلتتها بحركة مفاجئة ,ثم اعتدلت بجلستها قبل أن ترميها هديل بسؤالها الفضولى:
-ماذا بخصوصك أنتِ والسيد المستبد ؟ ماذا حلّ بزواجكما ؟
سرعان ما تقلّصت ملامح مها الرقيقة بألم جارف وصاحت بأنين روح تحتضر:
-زواجنا ؟ أنها أكبر خدعة فى حياتى .. تلك الفكرة التى زرعتها أمى برأسى .. أننى قادرة على الانتقام من هذه العائلة ..والثأر لما حل بوالدىّ من مآسى على يدى الجد المتوفى ,يبدو أننى عشت بوهم كبير .. آآآه.
ودفنت وجهها بين كفّيها منتحبة ببكاء مرير اثار شفقة ورأفة صديقتها عليها فاحتضنتها بقوة تهدهدها كطفلة صغيرة:
-اششش .. اهدأى يا حبيبتى , انا بجانبك ولن أتركك مجددا.
انتفض جسد مها الغض بارتجافة لا ارادية وهى تجاهد لتقول من بين شهقاتها:
-لا أقدر , لا أقدر ,, أنا متعبة .. أنا .. آآآه.
ربتت هديل على رأسها وهى تقول مشجعة:
-حسنا اذا كان البكاء يريحك فافرغى فيه كافة شحنات طاقتك السلبية , اخرجى ما بداخلك .. اصرخى اذا شئتِ.
ثم أخذت تمسح بخفة على شعرها وهى تتلو عدة آيات قرآنية بصوت خفيض ولكنه مسموع ...
ارتخت أطرافها المتشنجة ,واستكانت روحها الى جوار رفيقتها الأثيرة وهى تدفن وجهها بصدر هديل تستمع الى دقات قلبها المنتظمة .. ثم بعد لحظات رفعت بصرها نحو الفتاة الصامتة وهى تقول بتمتمة :
-أنا آسفة يا هديل .. حقا آسفة ,كنت فى غاية الأنانية .. لم أهتم سوى لحالى ..ونسيت أنكِ تعانين مثلى وربما أكثر.
-لا عليكِ يا مها فنحن صديقتان ,وما نفع الأصدقاء ان لم يكن وقت حاجتنا الى وقوفهم ومساندتهم لنا فى الشدائد.
استعادت مها بعضا من مرحها وهى تقوم منتفضة من مقعدها:
-يااه أنستنى لهفتى اليكِ واشتياقى لرؤياكِ أن أسألك ماذا تشربين ؟
ابتسمت هديل دون رغبة حقيقية وهى تقول لتتجنّب اشعار صديقتها بالحرج:
-وهل أتيت الى هنا لأحتسى الشراب ؟ مجيئى كان فقط من أجل الاطمئنان عليكِ .. احم ,, أخبريننى كيف يعاملك ذلك الـ ... زوج ؟
تاهت مها بأفكارها الخاصة وقالت تغالب دموعها المتساقطة:
-سيف ... أنه فقط لا يشعر بوجودى .. بالنسبة له مجرد سكرتيرة حقيرة نصبت له فخّا لتوقعه بمصيدة الزواج.
قالت هديل باندفاع محموم:
-يا ربى ! كيف تحتملين الحياة معه اذن ؟ مها ,, تعالى معى فلتعودى الى بيتك .. اتركيه .. وارحلى قبل أن تخسرى أكثر.
هزت مها رأسها الجميل يمينا ويسارا برفض قاطع وهى تعود لأنينها الخافت متوجعة:
-لا ... لا يمكن ,لن يسمح لى قبل ... قبل أن ..
وبترت عبارتها فلم تقوَ على البوح لصديقتها ببنود اتفاقهما المشين يوم عقد القران ..
استحثتها الأخرى على الحديث وهى تمسك بمرفقها :
-مها .. ما الذى أجبرك عليه هذا الوحش القاسى القلب .. معدوم الضمير ...
وصبّت عليه سيلا من الصفات المذمومة تشفى به غليلها من تصرفه اللا معقول بحق صديقتها الا أن قاطعتها مها باشارة من يدها قائلة بصوتها المرتعش:
-كفى .. لا فائدة مما تقولينه ,أنا راضية بالبقاء هنا الى جواره كزوجة ,, ولو كلفّنى الأمر حياتى .. أتصدقين أننى بدأت أرى الأمور بمنظار آخر ,ماذا لو كنت أعيش طوال حياتى بوهم كبير من نسج خيالى أو خيال أمى .. أتعرفين والدة كريم .. هناء .. تلك المرأة هى الوحيدة التى تعاملنى بانسانية وكأننى ابنة لها .. ذات يوم حينما عرفوا بحقيقة هويتى وانقلب الجميع ضد سيف وضدى أخبرتنى بأشياء كنت أجهلها .. عرّت الحقيقة أمامى , هل تعتقدين أن امرأة مثلها قادرة على ادّعاء الكذب ؟
أخذت هديل وقتا مستغرقة فى التفكير فى ما تفوّهت به صديقتها وقالت بعد تأنٍ:
-الحق يُقال أن أبى دائما ما يشيد بها .. أنه يعتبرها كملاك يحيا وسط البشر.
قطبت مها جبينها وهى تتساءل:
-أيعرفها والدك ؟
ابتسمت هديل بمرارة وهى تعترف بأسى:
-يعرفها .. نعم يعرفها حق المعرفة .. المهم أننى أنا ايضا لمست طيبتها وحنانها ورقة قلبها ,وبرأيى أنه لا يمكن لها أن تزيّف الحقائق ,, بماذا أخبرتك ؟
أخذت تعض على أناملها بغيظ وهى تتمتم بضعف:
-لا يهم ذكر التفاصيل .. اذا صدقت هذه المرأة فأبى كان شيطانا مريدا وأمى لم تكن بأفضل حالا منه ... كأنها تحكى لى عن شخصين غريبين عنّى لا أعرفهما ,فى البداية أنكرت باصرار ورفضت تصديقها زلكننى رأيت بعينىّ ردة فعل عم سيف .. تعرفينه السيد محمد .. حينما علم بزواجه منى أقام الدنيا ولم يقعدها وكان هذا فقط بعد أن قدّمنى رفيق له باسمى الكامل .. مها كمال الراوى ,, كأن عقربا لدغه ,تكهرب الجو بعدها ... آآآآه , رأسى سينفجر لم أعد أحتمل ,أريد معرفة الحقيقة ...
ثم قبضت على ذراع هديل بشدة وقد طرأت لها فكرة جديدة فقالت بتوسل:
-هديل .. الوحيد الذى اثق بع كثيرا هو والدك ,, لا يمكنه أن يكذب ولو على رقبته سيف مسلط ,اسمعى بما أنه يعرف أبى وهناء ايضا فلا بد أن لديه بعض المعلومات التى ... ربما تنقذنى من حيرتى .. أريد برّا آمنا أرسو عليه .. أرجوكِ يا هديل هل يمكن أن تسدى لى هذا المعروف ؟
ربتت هديل على كتفها بلطف وهى تطيّب خاطرها المكسور بحنان تعدها:
-حسنا , سوف أسأله ولكن هل أنت متأكدة من أنكِ على استعداد لسماع الحقيقة ؟ أعنى ماذا لو لم تكن لصالح والديكِ ؟
ركزّت مها نظرها على نقطة مجهولة من العدم وقالت بصوت آتٍ من هوة سحيقة:
-الحقيقة أحيانا تجرحنا ولكنها تريحنا ,, أنشد السكينة وراحة البال .. تعبت .. تعبت.
ابتلعت هديل ريقها بصوت مسموع وهى تشعر باحساس غريب بعدم الراحة .. تململت فى جلستها ثم نظرت الى ساعة يدها وشهقت بفزع :
-يااااه لقد سرقنا الوقت ولم أشعر بمروره ,مها علىّ أن أعود الى البيت حالا فأنا لم أخبر أبى بخروجى واذا عاد ولم يجدنى سوف ينتابه القلق علىّ ,, حبيبتى سأتصل بكِ يوميا حتى اطمئن عليكِ ,رجاءا لا تغلقى هاتفك كعادتك اذا ما أردتِ الهروب من شئ يزعجك فهذه وسيلتى الوحيدة للاطمئنان عليكِ ومعرفة أحوالك.
شعرت مها بأن توتر صديقتها ليس مرده فقط قلقها على والدها أنها تكافح من أجل الظهور بشكل عادى وكأنها لم تفقد وزنا هائلا ,ترفض باباء أن تعلن عن ضعفها ازاء الوحش الكاسر المدعو كريم .. هى دونا عن غيرها تعرف أن رجال هذه العائلة قساة عديمى الرحمة وحينما يمس الأمر كرامتهم فهم يتصرفون كأسود جريحة هائجة .. ترى ماذا فعلت صديقتها حتى يدّمرها بهذه الطريقة ؟ أنها تتلاشى تدريجيا ,قالت مها بشبه اعتذار:
-أنا آسفة لأننى أثقل عليكِ بحمل همى وأنتِ تحملين فوق أكتافك جبلا منه .. اعذرينى يا حبيبتى فلم يعد لى سواكِ أنتِ وعمى صلاح.
انخرطت الأخرى ببكاء تأثرا بما قالته صديقتها وقالت تمسح عينيها وأنفها بمنديل ورقى قدمته لها مها وهى تغمغم بعد أن هبّت على قدميها تنوى الرحيل:
-لا عليكِ عزيزتى أنا لا ألومك أبدا كان الله فى عونك .. أنت فى عرين الأسد .. أما أنا على الأقل نجوت بأعجوبة.
همّت بايصالها الى الطابق السفلى الا أن هديل منعتها بحركة حادة متشددة وهى تأمرها:
-كلا أنا أعرف طريقى جيدا , ارتاحى أنتِ ,لا يعجبنى شحوب وجنتيك كما أننى سأختنق اذا ما ودّعتك على الباب.
استسلمت مها لارادتها فلم يكن لها طاقة للمجادلة معها ,, ولكنها همست أخيرا:
-لا تنسى اتفاقنا , سأنتظر منكِ مكالمة عاجلة.
أومأت الفتاة برأسها ايجابا وهى تؤشر لها مودّعة فقالت مها :
-تصحبك السلامة يا حبيبتى.
خرجت هديل من الغرفة بهدوء والعاصفة بداخلها تضرب كل أوتادها الثابتة .. انصدمت لمرأى صديقتها تذبل هى الأخرى مثلها وان كانت تدّعى الجلد والصبر ,فلن تحتمل قسوة زوجها ,لن يصمد قناع القوة الذى تتمسّك به ,, هى هشة وحساسة للغاية.
كان الطريق الى الأسفل مشوّشا بسبب بقايا عبراتها التى لم تغادر عينيها صانعة ما يشبه الغيوم أمامها , أطرقت برأسها تمشى الهوينى .. حتى اصطدمت بجدار بشرىّ أمامها فتأوهت بقوة قبل أن تتمتم باعتذار خافت:
-آآه , آسفة.
ورفعت رأسها ليتحقق لها اسوأ توقعاتها ... تعرف انه ليس يوم سعدها .. رأت عينان ناريتان ترمقانها بغضب مستطير بينما صوته القوىّ تردد صداه فى أنذيها برنين مزعج:
-هديل .. ماذا تفعلين هنا ؟
لم يكن بحال افضل منها ,ظهر الانزعاج جليّا على ملامح وجهه الذى ابيّض فجأة وكأن اللون انسحب من بشرته .. حاولت أن تتحرك مبتعدة لتهرب الا أن ساقاها خانتاها شعرت كأنهما لم تعودا موجودتين .. وقبل أن تهوى التفت ذراعان قويتان حول جسدها تمنعها من السقوط.
ازداد ارتباكها وتوترها بصورة ملحوظة فهى لم تكن مستعدة لهذه اللمسات الحارقة التى ألهبت كيانها وأحرقت ما تبقى من منطق سليم تفكر به ,هتفت بهذيان:
-أتركنى ... دعنى وشأنى .. أنا .. كنت فى زيارة لمها.
قاومت بكل ما تملك من بقايا قوة منهارة حتى تتملص من بين ذراعيه لن تسمح لمشاعرها الضعيفة لأن تطفو على السطح مجددا تتغلّب على كبرياء الأنثى بداخلها ,فشدّد قبضته بقسوة وهو ينهرها بضيق:
-كفّى عن محاولاتك الصبيانية ,اذا أفلتّك الآن فسوف تقعين أرضا.
-وما شانك أنت بى ؟ أقع أرضا أم ينكسر عنقى , فلا فارق لديك , لا تدّعى الاهتمام بى ولا تتصنّع الرأفة معى.
شعر بغضبه المكبوت الذى طال كتمانه لأسابيع ينفجر بغتة وهو يراها رؤى العين على قيد أنملة منه وبمنزله ,, آخر مكان توقّع أن يقابلها فيه .. شعر بهزالها ووهنها وصوتها المرتجف خوفا .. أيمكن لها أن تخاف منه هو ؟ لا تفسير آخر لرهبتها ازاء هذا الموقف ورغبتها بالفرار منه .. صاح مؤنبا:
-أنا لن أؤذيكِ ,وما قلته عن عدم اهتمامى غير صحيح اطلاقا .. بدليل أننى لم ولن أتركك تسقطين طالما أنا موجود ..ولا ضرورة لأن تشعرى بالخوف منى .. والآن أعيدىّ علىّ سبب هذا الشرف العظيم بالزيارة ؟
كفّت عن محاولاتها للابتعاد بعد أن أرخى ذراعيه قليلا وان لم يكن كافيا للسماح لها بالتقاط أنفاسها المتلاحقة ,بداخلها كانت ممتنّة حقا لمساندتها فهى وان كانت على شفير الموت لم تكن لتسأله المساعدة ,لن تمنحه السعادة بشعور التفوّق عليها .. لقد أزاحها من حياته كحشرة وضيعة ونسى وجودها .. أجابت وهى تحاول التماسك:
-دعتنى صديقتى لزيارتها .. فهل هناك من مانع لأن تستقبلنى هنا ؟ أم أننى قد أهنت قدر العائلة الكريمة بزيارتى الوضيعة ؟ انظر أنا لم ألمس شيئا ولم ألوّث الهواء المعقّم بالفيلا بأنفاسى.
باغته هجومها المفاجئ ونبرة صوتها التى احتدت بانفعال وهى تسخر منه بمرارة شديدة .. أفلتها بحركة واحدة متراجعا الى الخلف ليتمكن من رؤية تعابير وجهها بوضوح فترنحّت قليلا حتى استقرّت على قدميها تثبتهما بقوة على الأرض وهو يقول بتهكّم:
-أرى أنه قد نبتت لكِ مخالب حادة أيتها القطة الصغيرة .. لوم أعهدك ساخرة هكذا فى الماضى يا هديل , أم ترانى قد انخدعت بمظهر الملاك البرئ ؟
-لم أعد مهتمة برأيك فى شخصى .
رفع حاجبا مترفعا وهو يهتف بدهشة:
-ومنذ متى ؟
-منذ أن نقلتنى الى قسم آخر ,فلم أعد سكرتيرتك الخاصة.
هتف بانزعاج:
-ولكنك ما زلتِ تعملين بشركتنا ؟ أليس كذلك ؟
رفعت سبابتها فى وجهه بحركة لم تكن لتحلم أن تفعلها سابقا ولا فى أحلامها وهى تدمدم:
-وان يكن .. هذا لا يعطيكِ الحق فى تحليل شخصيتى ومحاسبتى على أفعالى .. أنا حرة ,, واذا أردت زيارة صديقتى فلن تمنعنى ..
تشدّق ساخرا وهو يضع يديه على خصره بعد أن أخفض اصبعها المهدد بحركة متسلّطة أثارت الرجفة فى أوصالها:
-أنتِ واثقة من نفسك جدا .. اذا كنتِ تجهلين الحقيقة يشرفنى أن أخبرك بها .. للمصادفة الغريبة ان هذا المنزل هو بيتى الذى اقطن فيه .. هه ما رأيك الآن ؟
أجابته بترفع وقد اكتسب صوتها بعض الثقة والقوة:
-وان يكن .. لست مالك المنزل أنت مجرد فرد من العائلة يسكن فيه ..
فغر فاه بدهشة حقيقية هذه المرة وهو يقهقه هازئا:
-ماذا تقولين أيتها الحمقاء ؟ لا أصدّق أنكِ .. أنتِ .. هديل التى أعرفها ..
قاطعته بحدة وهى تصر على أسنانها:
-أنت لا تعرفنى يا سيد كريم ,واذا سمحت لى أريد الانصراف حالا ,, هل يمكنك أن تفسح لى طريقا ؟
رمقها بنظرة متسلية وهو ينظر الى الممر المتسع أمامها بينما هو واقفا على جانب منه وقال بخفة:
-حسنا اهربى ,, وكما أرى فالطريق واسع وأنا لا أسدّه أمامك.
همّت بالمغادرة واذ دنت من موقعه التفت لها هامسا:
-وليكن فى علمك .. أريدك غدا أن تحضرى الى مكتبى باكرا ,مفهوم ؟
رفعت بصرها اليه بعينين حائرتين تمتلآن ألما لطريقته الرسميّة معها وقالت بتساؤل:
-لماذا ؟
شمخ برأسه عاليا فى حركة مقصودة مظهرا كبريائه العنيدة وقال بحزم:
-أنتِ موظفة لدينا ,, وأوامر رؤسائك لا تُناقش .. فقط التزمى بما أقوله دون تعقيب سوى بنعم وحاضر.
زمت شفتيها قبل أن تقول بحقد:
-حاضر , غدا سأكون فى مكتب سيادتك ... يا شهريار.
وجرت مسرعة بعد أن اضافت الكلمة الاخيرة بنزق قبل أن يستطيع اللحاق بها لتلقينها درسا فاستوقفته ريم التى خرجت من غرفتها بهذه اللحظة تناديه:
-كريم .. مع من تتحدث ؟
التفتت هديل اليها قبل أن تخطو قدماها لتنزل أول الدرج ,وحدّقت بها بفضول تحاول أن تنعش ذاكرتها اين رأتها من قبل , فأنقذتها ريم بندائها المذهول:
-هديل ؟؟ ألا تذكريننى .. أنا ريم ..
تسمّرت هديل بموقعها ثم اشارت بطرف اصبعها نحوها وقد عاودتها الذكرى فصاحت بحبور:
-ريم محمد ... أهذه أنتِ ؟
تراجع كريم الى الوراء حينما تلاقت الاثنتان بعناق قوى وكلتاهما تهمس باسم الأخرى فقال بهدوء:
-هل تعرفان بعضكما ؟
هتفت ريم بسعادة وهى تضم شفتيها بقبلة فى الهواء الى الأخرى:
-أنا وهديل .. كنا زملاء بذات الكلية , هل نسيت يا كريم أننى خريجة كلية سياسة واقتصاد مثلها ؟ وقد سبق واخبرتك أننى أعرفها حينما ..
أرجع رأسه للخلف مقاطعا لها قبل أن تذكّره بموقفه السابق يوم قرّر الاستغناء عنها قبل ان يقول بانتباه:
-حقا ! نسيت هذه المعلومة تماما.
أدركت ابنة عمه أنه لا يريد أن يذكر تفاصيل خاصة أمام هديل فاستطردت بمكر:
-الا أن هديل تكبرنى بعام واحد ..وتعرّفت اليها بسنتها قبل الأخيرة فى الكلية .. ياااه لكم افتقدتك يافتاة.
صاحت هديل متعجبة وهى تشير لها عدة مرات :
-ولكن شعرك لم يكن بالغ القصر هكذا ,كنتِ مميزة بخصلاته الطويلة لم أرَ فتاة من قبل تمتلك شعرا حريريا بذات الطول فى الكلية كلها.
رفعت ريم رأسها الى السماء مستنجدة فلم تعد تتحمّل أن يعاتبها كل من يراها على شعرها وما فعلته فى حقه من جرم ,لكنها لم تتمالك نفسها حين انفجر كريم ضاحكا لرؤيته هذا المشهد المتكرر فسارعت لتوجه له لكمة خفيفة فى معدته انحنى اثرها بجذعه متلويّا وهو يتصنّع الألم والمعاناة هاتفا بحنق وغيظ:
-أصبتنى فى مقتل يا بلهاء ..
-بلهاء !! من تلك البلهاء ؟ سوف أريك ..
وبسرعة البرق خمّن نيتها لأذيته هذه المرة بحق فتراجع خطوتين قبل أن يكتّف ذراعيها معا بقبضته مشدّدا عليهما حتى أنّت بألم صارخة:
-يا لك من جلف ,كيف تتعامل بهذا الأسلوب الخشن معى ..
قال منذرا:
-أنتِ من بدأ التحدى فلا تبكى شاكية اذا ما حاولت الدفاع عن نفسى .. اهدأى .. سوف أتركك اذا ما أقسمتِ الا تعاودى فعلتك مرة ثانية.
راقبتهما هديل بمزيج من الغيرة والحسد ,فهما يتصرفان بعفوية نادرة وكانهما على معرفة وثيقة .. نعم ,, لقد رأتها تخرج من احدى الغرف المجاورة .. اذن هى ... هل من الممكن أن تكون خطيبته ,بالتأكيد فحينما أفلتت يدها تدلّكها مكان قبضته الحديدية التمع بخنصرها الأيمن خاتما ماسيّا , لا يمكن أن تخطئ تفسير وجوده مزيّنا لأصبعها .. هى مخطوبة ولمن ... لكريم .. حبيبها.
-استمحيكم عذرا للمقاطعة ولكن علىّ الرحيل على الفور , فرصة سعيدة أننى رأيتك مجددا يا ريم.
أجفلت ريم للهجة الفتاة الغير وديّة وهى تودّعها بجفاء فمطّت شفتيها دلالة عدم الفهم وهى تسألها:
-ولكنك كنتِ هنا فى بيتنا .. بهذا الطابق لا يوجد سوى غرفنا .. هل كنتِ فى زيارة لكريم ؟
اتسعت حدقتا هديل رعبا من تفسيرها الخاطئ لوجودها بالمكان فاسرعت تنفى عن نسها هذه التهمة النكراء بحدة:
-كلااااا طبعا .. أنا .. أتيت بناءا على دعوة من صديقتى ... مها.
وأشارت بيدها للباب المغلق بعيدا وهى تتعجب كيف لم تسمعهم مها على الرغم من ارتفاع اصواتهم ثم رددت ببلاهة أكثر حينما انتبهت :
-بيتكم ؟ وغرفكم ؟ هل تعيشين هنا يا ريم ؟
أٌغرق القريبان فى الضحك سويا من جهل الفتاة الواضح بصلة القربى بينهما حتى تلوّن وجهها بالأحمر القانى ظنّا منها انهما يسخران من حديثها فقالت باستياء:
-هل يمكنك لأحدكما أن يخبرنى بالنكتة التى ألقيتها للتو حتى تكادان تموتان من شدة الضحك ؟
سعلت ريم لتجلى حنجرتها وقد راعها كم الضحك الذى اثارته فيها هذه الصديقة القديمة وهى التى لم تبتسم من قلبها منذ أشهر مضت وحتى كريم انتابه ذات الشعور لمجرد أنها هديل ملاكه الجميل هى من تسعد قلبه .. ثم قالت باستخفاف:
-ولمَ لا أعيش هنا ؟ هل لديك اعتراض ؟
هزّت هديل كتفيها وهى تقول بلا مبالاة مصطنعة:
-وما شأنى أنا لأعترض ,أنا فقط أتساءل بدافع من الفضول.
-لا يمكن ألا تكونى على دراية بأننى أنتمى لهذه العائلة .. يا هديل.
-أنتِ ؟ ولكن ما الصلة بينكما ؟
تساءلت هديل وقد استولى عليها الغباء فلم يعد عقلها بقادر على التفكير.
-اسمى ريم محمد عبد العظيم الشرقاوى وهذا الذى لا يقوَ على الوقوف ثابتا فقد ضحك حد الثمالة هو كريم وجدى عبد العظيم الشرقاوى ,, هل وجدتِ الرابط المفقود بيننا ؟ لا يمكن .. أنا ابنة عمه يا هديل , ماذا حلّ بذكائك الخارق ؟ كان الجميع يشهد لكِ بالعبقرية ؟
أطبقت جفنيها على عينيها وهى خجلة من اظهارها لمدى سذاجتها وبلاهتها أمامه ,يقع اللوم عليه فلو كان أخبرها كأى سيد محترم بصلة القربى بينهما ما وقعت بهذه الورطة السخيفة.
ربتت ريم على ظهرها بود وهى تهمس بهدوء:
-لا بأس يا هديل ,, لا بد أنها كانت صدمة مفاجئة لكِ شلّت تفكيرك تماما .. أنا أمزح معكِ يا صديقتى وسعيدة أيضا بهذه المصادفة لولا ..
وقطع عبارتها المبتورة وصول رفيق وأميرة الذين عادا لتوهما من زيارة لفريال فى منزلها الجديد ,وقد هتف الأول متسائلا :
-ما هذا الاجتماع الغريب ؟ ما الذى جمع شملكم هنا ؟ خيرا يا ترى أم ؟؟؟
حدّقت به ثلاثة أزواج من العيون وهم لا يدرون حقا كيف يفسّرون له الموقف.

############

SHELL 08-07-20 08:37 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
انتهى الفصل السادس

قراءة ممتعة

https://static.wixstatic.com/media/9...22d7d3d1f1.gif

SHELL 04-08-20 10:07 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
الفصل السابع

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...9c55f6f2b1.gif

-اشش .. توقفى عن هذا الهذر .. سوف يصل صوتك الى الجميع .. تعالى معى .
أنذرها بلهجة حادة وهو يمسك بمرفقها يقودها الى ركن قصىّ بعيدا عن المنزل .. حيث بدأ الظلام يعم المكان فقط الانارة الخافتة التى تنطلق من مصباح قديم شاحب تنير دربهما حيث يستطيع أن يحادثها فى خصوصية ودونما مجازفة بأن يعرف أهل البيت جميعهم بهذا اللقاء شبه المستحيل .. أدركت أنها أقدمت على تصرف طائش غير معلوم النتائج وان كان عقلها قد أصابه الخدر من جراء اتصاله الغير متوقع فأعاد لها ذكريات أليمة ,جعلتها تتجاهل آلاف الاشارات المحذرة بأنها سوف تندم لاحقا على استسلامها لنداء القلب .. وقفت فجأة وقد شعرت بالخطر المحدّق بها فلماذا تصدّق ادّعائه على الهاتف ولماذا تركت نفسها تنساق وراء تلك النزوة المدمرة ؟ قالت بترفع وهى تنظر له بتعالٍ:
-اترك يدى .. يا سيف .. ماذا تريد منى ؟ ولماذا طلبت رؤيتى ؟
أشار لها أن تهدأ وهو يواجهها بذات الهيئة المتكبرة بينما عيناه تدوران فيما حولهما ليتأكد من أنه لا أحد بالجوار .. ثم تنهّد ببطء وهو يحادثها ببرود:
-لأمر هام جدا .. لن أضع نفسى بهذا الموقف لولا الضرورة ,اسمعينى حتى النهاية ولا تقاطعيننى مهما حدث .. فما سأخبرك به لهو العجب بعينه .. تتذكرين فى حفل خطبتك على ذاك المدعو خالد حينما تقدمت أنا وزوجتى لتقديم التهنئة لكما ولم يتمالك خطيبك نفسه من ابداء الدهشة لرؤية مها وهى الأخرى ارتبكت بشدة .. مما أثار ريبتى فتساءلت عن الصلة بينهما وقالا بأنهما جيران ,, لا , لا انتظرى حتى أكشف لكِ ما توصلّت اليه .. كان يمكن للموضوع أن ينتهى عند هذا الحد لولا ... أن هاتفا داخليا تصاعد ليلقى بظلال الشك حول هذه القصة .. فان كان الأمر يقتصر على مجرد الجيرة فمن الطبيعى أن يتبادلا التهانئ بصورة عادية بدون توتر ,الا أن كلا منهما كان يتفادى النظر مباشرة الى الآخر ..
قاطعته بشكل مستفز بالرغم من تحذيره السابق لها وقالت مترقبة وهى تتلفت الى ما حولها بقلق:
-سيف .. صراحة أنا لست مهتمة ... لم أعد أشعر بفضول تجاه أى شئ يتعلّق بك أنت أو زوجتك ,كما أننى أخشى أن يفتقدوننى بالبيت فيأتى من يبحث عنى هنا.
واشارت بيدها نحوهما بالتتابع لتضيف بمرارة:
-ويرانا سويا هكذا ..
قال بهمس كالفحيح وهو يطالبها بالصبر:
-الأمر يخصك ويخص خطيبك المحترم أيضا .. فلم أخاطر بالمجئ الى هنا ومتخفيّا حتى أكلمك كالمراهقين تحت ظلال الأشجار .. رجاءا لا تقاطعيننى مجددا .. اتفقنا ؟

أومأت له ايجابا وقد شعرت بأنها وقعت فى ورطة كبيرة اذ وافقته على اقتراحه المريب بأن يتقابلا بعيدا عن المنزل لأمر طارئ وتنهدت بقلة حيلة وهى تنصت له حينما استطرد بانفعال:
-كان للأمر أن يمر بسلام حتى تناهى الىّ كلمات متناثرة من حديث يدور بين امرأة ّورجل تكهّنت أنهما يمتان بصلة الى عريسك المستقبلىّ ... كانت تنظر الى زوجتى وتشير اليها بذهول قائلة:
-مها ... هنا فى الحفل ؟
-مها من ؟
-مها ابنة كمال وسهام .. جيراننا يا رجل ,ألا تذكر بأن خالد كان على وشك أن يخطبها ؟
-ما الذى جاء بها الى هنا ؟ هل يمكن أن .. أنها جاءت لتفسد حفل الخطبة ؟
ووجدتنى دون وعى منى أتسمّع لحديثهما البعيد .. فقد قالت المرأة الأخرى بشماتة:
-لا أعرف ولكنها بصحبة زوجها .. ذلك الشاب وريث عائلة الشرقاوى التى تنتمى لها حماة ابنك.
-يا لها من مصادفة !
-أهى مصادفة ؟ هذا الأمر لا يصدّقه عقل.
استطرد سيف مقرّرا:
-ثم أننى لم أكتفِ بهذا بل سعيت وتوصلت لبعض التحريّات التى أكّدت ظنونى, والآن ما رأيك ؟ أما زلتِ غير مهتمة على الاطلاق بمعرفة ما توصلّت اليه ؟
سألها متهكّما وهو يرمقها بنظرات مقيّمة ليرى مدى تأثير كلماته عليها فرآها تقف واجمة مطرقة برأسها أرضا وهى تسأله بصوت مرتجف:
-وهل أتيت فقط الى هنا لتبلّغنى بأن زوجتك وخطيبى كانا على علاقة سابقة ؟
تراجع للخلف مذهولا وهو يهتف بها :
-ألا يستحق الأمر ؟ هل .. هل كنتِ تعرفين مسبقا ؟ وأنا الوحيد المغفّل فى هذه القصة ؟
أجابت بتسرّع:
-كلا , لم يكن لدىّ علم بما تقول .. ولكن .. ألا ترى معى أن الأمر يتكرّر ؟
-ماذا تعنين يا ليلى ؟ لقد أخفيا الأمر عنّا بتعمّد.
استدارت بجسدها لتخفى عنه عبرات عينيها اللاتى تترقرق منذرة بالنزول وهى تجاهد لجعل صوتها طبيعيا وهى تقول :
-ألا يذكّرك هذا بشئ نعرفه نحن الاثنين ونخفيه مثلهما ؟أم تراك أصبت بمرض النسيان ؟ ألم نكن يوما عاشقين حتى قرّرت أنت أنهاء الأمر .. بدافع الملل.
أصابته فى الصميم باتهامها المبطّن فلم يتمالك نفسه من الغضب فأجبرها على مواجهة نظرات عينيه الحارقة وهو يهتف بها:
-انظرى الى عينىّ يا ليلى .. لا لا تحلمى حتى بالهروب , أتجرؤين على اتهامى .. بعد .. بعد أن .. رأيتك بنفسى .. معه .. مع ذلك الرجل البغيض .. وتأتين الآن لتلقى باتهامك الحقير فى وجهى .. أتجرؤين يا ليلى ؟
وانغرزت أصابعه فى لحمها يذيقها الأمرين .. الألم الجسدى والنفسى .. صاحت منتفضة بعنف وهى تحاول التملّص من قبضته التى تؤلمها وتثيرها بذات الوقت:
-أيها .. الدنئ .. كيف تجرؤ وتلفّق لى اتهاما باطلا كهذا ؟ عن أى رجل تتحدث ؟ من هذا الذى رأيتنى برفقته ؟ ومتى كان ذلك ؟
أفلتها بحركة مفاجئة ليزفر بحنق وهو يركل صخرة صغيرة بقدمه تنفيسا عن غضبه الحارق قبل ان يقول بصوت خافت:
-كان هذا فى اليوم الذى اتفقنا فيه على اللقاء كما اعتدنا بعد أن تفرغى من عملك , الا أننى ولشدة شوقى ولهفتى لرؤياكِ لم استطع صبرا فاستسلمت لرغبة حمقاء بأن أذهب الى مقر عملك لأوفّر عليكِ عناء المشوار وأختصر المسافات حتى لا أضيّع ثانية فى انتظارك .. فوجئت بكِ تنزلين برفقة رجل أكبر منك فى السن .. تتأبّطين ذراعه بمودة وهو يهمس فى أذنيك بكلمات احمرّت لها وجنتيك .. ولم تكتفيا بذلك بل قمتِ بمرافقته حتى سيارته الفارهة وقد اتخذتِ المقعد المجاور له ثم انطلقتما سويّا ... لا يمكنك أن تتصوّرى شعورى بهذه اللحظة .. بحياتى لم أنسَ ما شاهدته فى ذلك اليوم ..
نظرت له مصعوقة وهى تبكى منهارة لتسأله بمرارة:
-أتركتنى من أجل هذا الرجل ؟ هل عرفت من هو ؟
قال ببساطة وكأنه اعتاد الألم:
-نعم , لم اهدأ حتى عرفت هويته , وهذا لم يخفّف وطأة الشعور بالخيانة أبدا ..أنه مديرك بالعمل .. صاحب المكتب الذى تعملين سكرتيرة به .. لماذا ؟ ألأنه ثرىّ ؟ ألأنه يملك النفوذ والسطوة ؟ أكان هذا كافيا لترمى بحبى وعشقى لكِ ؟ أتدرين كم من ليالٍ سهرتها أعيد التفكير مرارا وتكرارا .. أتساءل لمَ خنتِ ثقتى بكِ وفضلّتِ رفقته علىّ .. كنتِ تعرفين بأننى أفوقه ثراءا ونفوذا اضافة الى تمتعى بالشباب والوسامة التى يفتقر هو اليها ..
رفعت رأسها عاليا بكبرياء أثار تعجبّه فهى لم تشعر بأدنى خجل وهى تعترف متبجحة:
-وهل عرفت الاجابة أيها الذكىّ ؟
-لم أجد اجابة تشفى غليلى سوى بأنكِ مجرد انسانة وصولية انتهازية تسعين الى جمع المعجبين حولك .. لا تفوّتين الفرصة أبدا ,فما المانع من حصد كافة الجوائز وان كان هذا على حساب اثنين وليس واحدا فقط ؟
هدرت به صارخة ولم تنتبه أنها بهذا قد تلفت الأنظار اليهما:
-اخرس ... اخرس .. أنت لست فقط أحمق وغبىّ بل منحطّ التفكير .. نعم أوصلنى السيد فهمى .. وهو رئيسى بالعمل فى ذلك اليوم .. هل تريد أن تعرف لماذا ؟ لأننى أخبرته بموعدى معك وكنت على عجلة من أمرى فعرض علىّ توصيلى فى طريقه حتى لا أقف فى انتظار سيارة أجرة .. وكان يهمس لى بأنك لا بد محظوظ بحبى لك فهو كان على علم بعلاقتنا ..
-هراء ! ولماذا اصدّق أن رجلا لا تربطك به أدنى صلة سوى العمل تسمحين له بمرافقتك بل وتعترفين له بخصوصيات علاقتنا ؟ أى رجل ذو كرامة يقبل بهذا ؟
رمت باعترافها بوجهه كأنها تبصق :
-لأن السيد فهمى .. ليس مجرد رب عمل .. أنه .. صديق لجدّى و ... وزوج عمتى.
وكانت مفاجأة مذهلة بحق أو لنقل صدمة قاتلة .. لم تترك له ليلى فرصة ليستجمع شتات عقله فأضافت بسخرية:
-وان كنت ما زلت لا تصدقنى يمكنك أن تسأل جدى بنفسك .. أنه بالداخل .. اذهب اليه أم أنك ستتهمه هو الآخر بالكذب ؟
-ليلى .. أنا ..
وكان سيف قد أصيب بالوجوم لبرهة فأخذ يتأتئ بحروف متناثرة غير قادر على استيعاب تفسيرها بينما حاول أن يمد لها يدها فضربتها بقوة تمنعه من ملامستها حينما سمعا صوتا آخر قلقا :
-ليلى .. ليلى .. اين أنتِ ؟
وتبعه صوت رجولى آخر يهتف مناديا:
-ليلى .... ياااااا ليلى.
وجدها الرجلان اللذان كان يجدّان فى التفتيش عنها اثر سماعهما لصراخها تقف منكّسة الرأس الى جوراها سيف ينظر لهما بتحدٍ سافر.
هجم عليه خالد محاولا شلّ حركته بينما يندفع سيل من الشتائم من بين شفتيه صائحا:
-ايها الحقير ... ماذا فعلت بها ؟
تراجع سيف للوراء بصورة غير متوقعة وصد لكمة كانت موجهة الى فكه بحركة دفاعية متمرسة ثم اندفع بدوره يلوى ذراع مهاجمه قبل أن يعيد المحاولة ,نظرت اليهما ليلى بذهول تتجمّد الكلمات على شفتيها المرتجفتين , بينما قام جاسر بمنعهما من مواصلة القتال حيث وقف بجسده الفارع الطول حائلا بينهما وهو يسحب صديقه بعيدا عن قبضة سيف المتكوّرة تأهبّا لأية ضربة جديدة وهو يصيح مغضبا :

-توقّفا على الفور .. ابتعد عنه يا سيف أننى أحذرك ..
وقف سيف شامخا يرمق جاسر بنظرات محتقرة قبل ان يقول ساخرا:
-هو من بدأ .. أنا فقط كنت أحاول الدفاع عن نفسى فى حال أنك كنت أعمى البصر .. والبصيرة.
كادت ثورته تفلت من عقالها اثر سخريته الواضحة الا أنه آثر الحلم والصبر فرماه بنظرة مستاءة ثم التفت الى ابنة خالته يسألها باهتمام:
-ليلى ,, ماذا جرى ؟ هل آذاكِ ؟
هزّت رأسها نفيا ولمحها خالد تبكى بصمت فاقترب منها محاولا أن يطمئن عليها مواسيا فما أن شعرت به الى جانبها حتى حدّجته بنظرة لوم واضحة سمّرته مكانه تخبره بألا يتقدم أكثر .. كانت وحيدة وسط ثلاثة رجال تربطها بكل منهم علاقة مختلفة فالأول ابن خالتها والثانى خطيبها والثالث حبيبها السابق .. موقفها عصيب وهناك من ينتظر تبريرها لتواجدها مع سيف بهذا الوقت فى هذا الجزء المنعزل بالحديقة .. قال خالد متراجعا بحدة وقد أدهشه موقفها الغريب منه فقد بدت وكأنها تتهمّه على الرغم من شعوره بالعكس .. لديه كل الحق فى أن يحصل على تفسير ملائم لانفرادها بهذا الرجل .. والذى يكن له عداءا واضحا .. تزوّج بمن دقّ قلبه لها والآن هل يحاول الاستيلاء على قلب خطيبته ؟
أدار جاسر دفة الحوار من جديد متسائلا بصبر وأناة:
-ما الذى يدعوك الى المجئ الى هنا دون دعوة صريحة بل وتتخفّى عن أعين اصحاب المنزل .. أمن أجل اختلاس لقاء ليس من حقك ؟
وضع سيف يديه فى جيبى بنطاله ينظر بكبرياء شامخ للرجلين المشحونين بالغضب والاستياء وان بدا على محياهما الهدوء الظاهرىّ ثم ألقى نظرة عابرة على تلك الواقفة بعيدا عنه .. يبدو على ملامحها دلائل الارهاق والتعب .. يخشى من انهيارها فى هذه اللحظة , لن يمكنه التغلّب على عاطفة قديمة ربما ظنّها قد ماتت وجاءت الصدفة لتحيى ذكراها فى نفسه .. تنفّس بعمق وهو يتمتم بصوت خفيض:
-فقط اردت أن اخبر ليلى بشئ ما .. ظننت أنه ضرورىّ .. يبدو أننى كنت مخطئا .. لا يهم .. أعتذرعن ازعاجكم .. وتقبّلى اسفى يا ليلى عمّا صار من قبل .. حقا .. كنت غبيّا .. أسأت تفسير الأمر ولم أترك لكِ فرصة للشرح .. أتمنى لكما السعادة فى حياتكما المشتركة .. والآن اعذرونى فعلىّ ان أغادر فورا .. جاسر .. بلّغ تحياتى لجدّى وجميع أفراد الاسرة .. سنلتقى فى القريب العاجل ان شاء الله.
-أنت لا شك تحاول التورّط بأمور تفوق قدرتك يا هذا .. ماذا تقصد من هذيانك بأنه كان عليك اخبار خطيبتى بأمر ما .. لماذا لا تفصح عنه أمامنا ؟ ولماذا لم تقوله على مرأى ومسمع من الجميع ؟ بل لا أفهم كيف تسمحين لنفسك أن تقابلينه على هذا النحو المريب ؟
قاطعه الاثنان ليلى وسيف بذات التوقيت بانفعال تام:
-كيف تجرؤ !
ولم تقوَ الفتاة على أن تتفوّه بكلمة أخرى بينما استطرد سيف باحتقار وهو يرمقه بنظراته المتعالية:
-لا تحلم بأن تفلت من فعلتك أنت وتأتى الآن بكل وقاحة لتقف متشدّقا بنزاهة لا تملك منها ذرة واحدة ..
سأل خالد والشرر يتطاير من عينيه :
-لست أنا من يتسلل من وراء ظهر العائلة لأنفرد بفتاة .. لا حق لى بالمساس بها لأنها ببساطة قريبتى وخطيبة لرجل آخر .. أليس كذلك ايها السيد المهذب ؟
شخر سيف ساخرا وهو يمط شفتيه ازدراءا:
-حسنا انت تسعى وراء الفضائح ,لا تريد الستر من الله .. على الأقل لا ألهث سعيا وراء امرأة متزوجة .. وهذه الفتاة التى تشير لها على أنها خطيبة رجل آخر .. ربما جئت أنقذها من خداعه لها .. فما أدراك أنت ؟
أشار جاسر بيده للجميع بالتزام الصمت فهو على دراية بما يمكن أن تؤول اليه الأحداث اذا ما تطوّرت الى حد خطير بانكشاف الكثير من الاسرار والتى من شأنها أن تعكّر صفو العلاقة بين الخطيبين ثم قال بحكمة:
-أيها السادة .. ليس هذا مكانا مناسب للحوار .. سيف لماذا لا تذهب الآن ونستأنف الحديث فى وقت لاحق ؟
ابتسم له سيف باستهزاء قبل أن يقول بصوت بارد كالصقيع:
-لا .. لا حاجة لذلك .. لم يعد لدىّ ما أضيفه , سأرحل تاركا لكم حرية النقاش سويا كما يحلو لكم .. الى اللقاء.
وغادر بخطوات سريعة متعجّلة وشيّعته ليلى بنظراتها المتحسّرة حتى اختفى طيفه تماما .. رمى بقنبلة موقوتة فى وجهها وأدار جهاز التحكم عن بعد ثم تخلّى عنها ببساطة لتواجه هى العد التنازلىّ وحدها .. وخطيبها على صفيح ساخن لم يمهلها ثانية واحدة لاستجماع أفكارها فسألها باتهام صريح:
-كيف تتصرفين بهذا الاستهتار؟ كنت على أتم استعداد لاقتلاع عينىّ من محجريهما فداءا لتصديقهما لرؤيتك بصحبة هذا الرجل .
صرخت كالمجنونة تضع اصبعها فى وجهه:
-وأنا لم أكن لأصدّق لولا ان سيف يملك من الكبرياء وعزة النفس ما يجعله غير قادر على الاعتراف لأيا كان بأن زوجته العزيزة على علاقة وطيدة بخطيبى المحترم ,فهل هذا محض افتراء وأكاذيب أم أنها مها تلك من كنت مدلّها بحبها الى أن رفضت الارتباط بك وفضلّته عليك ؟
تنقّل جاسر ببصره بينهما ثم استقرّ على وجه صديقه الشاحب ولسان حاله يقول : ألم أنصحك ان تخبرها من قبل ؟
لازم خالد الصمت غير قادر على تكذيب خطيبته .. وأطرق برأسه الى الاسفل فتحقّقت هى من صدق رواية سيف .. لم يكن ليخاطر بالحضور الى هنا ولقائها على هذا النحو ان لم يكن واثقا من صدق حديثه .. غمغمت وهى تستقيم بوقفتها فى استعداد للمغادرة بدورها:
-الصمت خير دليل على الاعتراف ..
حاول خالد أن يستوقفها بحركة واهنة متوسلّا بذلّ:
-انتظرى يا ليلى .. سأشرح لكِ .. أقسم ..
فرمته بنظرة حقود مشيحة بوجهها نحو ابن خالتها قائلة:
-لم يعد هناك ما يُقال .. جاسر سأذهب لأتحدث الى جدى .. هناك بعض الأمور التى يجب أن توضع فى نصابها الحقيقى.
وغادرت لا تلوى على شئ ,بينما اكتفى الصديقان بمراقبتها تسير بكبرياء شامخ وهى تدّعى التماسك حتى لا تفقد ماء وجهها.
أمسك جاسر بذراع صديقه يقوده نحو الداخل ,رافضا السماح له بالاعتراض وهو يقول بتأثر:
-هيا بنّا يا خالد فليس بأيدينا الآن شئ سوى انتظار قرارها هى وقرار جدى فيما بعد.

*****************

SHELL 04-08-20 10:09 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
ظل الجميع على وجومهم الصامت يتبادلون النظرات المختلفة ما بين حيرة وارتباك وضيق حتى هديل لم تجرؤ على تفسير وجودها بهذا الوقت فى المنزل الخاص بمرؤوسيها فى العمل ,كان يمكنها أن تخبره بالحقيقة بيسر وسهولة لولا نظرات عينيه الفضيتين واللتين تشبهان عينىّ المحققين البوليسيين فكأنما شعرت بأنها فى قفص للاتهام وعليها أن تدافع عن جريمة نكراء ارتكبتها .. زادت حدة نظرات رفيق الموجهة اليها هى بالذات فتلعثمت مجددا وهى تتمتم بشبه اعتذار:
-آسفة على الازعاج .. يا سيد رفيق كنت فى طريقى للانصراف قبل حضورك .. ريم .. وداعا.
سارعت ريم باحتضانها لتودّعها هامسة:
-بل الى اللقاء يا عزيزتى .. منذ الغد سأراكِ بالشركة.
ابتعدت هديل قليلا لتلتقط أنفاسها المتسارعة وهى ترمق رفيقتها بفضول ملحّ تسألها:
-حقا ؟ هل تعملين بالشركة ؟
قهقه كريم عاليا وهو يقلّدها بمرح:
-تعملين بالشركة يا ريم ؟
تخضّب وجهها باللون الأحمر وقد شعرت بها يسخر منها فأردفت تصحّح خطأها:
-ما أقصده فعليا أنك تتولّين عملا ما هناك ؟
أومأت ريم برأسها ايجابا وقد أشفقت على الفتاة من تنمّر ابن عمها الواضح تجاهها وقالت تغيظه باسهاب:
-نعم ,وسوف أطالب بضمّك لاحقا الى فريق العمل الخاص بى ,فلن أجد من هى أكثر منك ذكاءا وتفانيا كما أننا نعرف بعضنا جيدا فلن نحتاج لوقت طويل حتى نتآلف وننسجم معا.
-وهل أملك الاعتراض ؟
بادلتها المزاح بأريحية تامة وقد منحتها أميرة ابتسامة تشجيع خاصة فهى تميل كثيرا لمنح الفتيات فرصة أكبر لاظهار طاقتهن بالعمل ,على عكس زوجها الذى يتحيّز ضدهن كما رأت من قبل.
-حسنا .. أستأذن أنا بالانصراف.
وهمّت بالمغادرة الفعلية حينما رأت ظلا عملاقا يتبعها لم تجرؤ على الالتفات نحوه ,تشعر بوجوده بكل كيانها حتى ولو لم تره مباشرة .. سمعته يعتذر للآخرين قائلا :
-سوف أقوم بتوصيلها الى الخارج وأعود فورا.
تعجبّت من تصرفه البالغ التطرّف ماذا سيظنون بها وهم على علم بأنها لم تعد تعمل كسكرتيرة خاصة له , هى مجرد موظفة بقسم آخر وليس من واجبه أن يقوم بما يفعله الآن.
تصاعد توترها الداخلى الى أقصى حد فحتى لو كان يتبعها دون أن يلمس شعرة منها كل خلية فى جسدها تئن وتصرخ معلنة الاحتجاج على هذا العذاب .. وصلت الى الطابق الأرضى وقبل أن تتجه نحو الباب الخارجى حدث ما لم تكن تتوقعه على الاطلاق .. وجدت نفسها وجها لوجه مع السيدة هناء التى عادت لتوها من الخارج .. رمقتها والدة كريم بمزيج من الذهول والمحبة ثم استوقفتها باسمة وهى تقول بترحاب:
-أهلا .. أهلا .. هديل .. يا لها من مفاجأة لم تكن تخطر على البال .. أنتِ هنا .. مرحبا بكِ يا ابنتى.
ثم جذبتها الى أحضانها تعتصر جسدها الهزيل وقد بادلتها الفتاة مشاعرها الفيّاضة وان شابها بعض الخجل فقالت مغمغمة:
-مرحبا .. كيف حالك يا سيدتى ؟
قطبّت جبينها باستياء مصطنع وهى تنهرها بلطف:
-سيدتى ؟؟ ما هذا الكلام ؟ لا أحب أن تتعاملى معى برسمية شديدة !
ارتبكت الفتاة ونظرت الى الرجل الضخم الذى كان يراقبهما متسليّا وكانها تستنجد به لمساعدتها فمط شفتيه بلا أعلم وبقى على حاله فأردفت متلعثمة:
-ولكننى .. أعنى لا يمكن .. لا يصح فأنا أعمل موظفة لديكم بالشركة ,و...
جذبتها هناء هذه المرة بقوة وقرصتها من أذنها بلمسة حنون تزجرها كأم لها:
-هاااا ما هذا الكلام الفارغ ! من أقنعك بهذا اللغو ؟ أأنت يا كريم من أدخل برأسها هذا المفهوم ؟
هز رأسه نفيا وهو على صمته ثم اشار الى رأس هديل وقال ممازحا:
-رأسها عنيد كالصلب ,, واذا آمنت باعتقاد ما فلا شئ أو شخص يستطيع أن يجعلها تقتنع بالعكس.
حذرتها هناء مجددا وهى تتقمّص دور المعلمة:
-حسنا سيكون علىّ تعليمك من أول وجديد .. تنادينى بخالتى فقط .. نعم ولا أريد سماع أية اعتراضات فأنا ووالدك صرنا شريكين وعليكِ أن تعتادى على وجودى دائما.
أجابتها هديل بخنوع هذه المرة:
-حسنا كما تشائين يا سيدت .. ى .. أقصد .. خالتى .
-عظيم , الى أين أنت ذاهب يا كريم ؟ هل ستخرج ككل ليلة ؟
-لن أبرح مكانى الليلة يا ست الكل فقط سأقوم بايصال هديل وأعود من أجلك.
لم تعقّب السيدة هناء بكلمة فقط اكتفت بهزة من رأسها وأكملت طريقها مباشرة ,الا أنها وبعد لحظات اختلست النظر اليهما يسيران جنبا الى جنب فقامت برفع ابهامها الى أعلى تهنّئ نفسها على ما أسمته ( عودة المياه الى مجاريها ).
-لا ضرورة لأن ترافقنى الى الخارج فأنا أعرف طريقى جيدا دون الحاجة الى ارشاد.
وقفت هديل بغتة والتفتت لتودّع مرافقها فكاد أن يصطدم بها الا أن تفادى هذا فى اللحظة الأخيرة بسرعة بديهة وذهن حاضر فقال وهو مستاء:
-أنا مضطر للعودة فعلا ولو لم أكن قد وعدت أمى بعدم خروجى الليلة لأوصلتك بنفسى الى المنزل ...
ودون سابق انذار استدعى السائق الخاص هاتفا:
-عم رياض ..
أتى السائق العجوز مهرولا استجابة لنداء كريم وهو يقول بابتسامة عريضة:
-تحت أمرك يا استاذ كريم.
-عم رياض من فضلك سوف تصحب الآنسة هديل الى منزلها ..
-على الرحب والسعة .. اين يقع المنزل ؟
-سوف تبلغك الآنسة بالعنوان وأنت فى الطريق , اذهب لتعد السيارة.
-حالا.
حاولت هى أن تعارض رغبته فقط لتعاكسه وهى تردّد بلا توقف:
-لا يوجد داعٍ ,, أنا جئت فى سيارة أجرة وسأغادر بذات الطريقة .. لا تعذّبه معى.
صاح كريم بغضب:
-هديل .. لا تناقشى أوامرى .. فلست على استعداد لأن أتركك تغادرين فى مثل هذا الوقت من الليل وحيدة فى مثل هذه البقعة الهادئة من الحى ..
-ولماذا لا ؟ انا لست قاصرا واستطيع الاعتناء بنفسى ,ولا أحب أن أفرض نفسى على الآخرين وأمر آخر .. هذه تعد توصيلة مجانية أنا لا أقبل بالاحسان.
اجابتها كانت تفوح بالكبرياء والاعتزاز بالنفس مما أشعره بالفخر تجاهها ولكنه أخفى سعادته تلك بمهارة وقام باسكات آخر اعتراضاتها بعبارته التى نطقها بحزم شديد:
-اعرف أنكِ فتاة عنيدة وحرة الارادة وتمتلكين استقلالا ذاتيا .. وهذا لا يمنع أن يصيبنى القلق عليكِ اذا ما سمحت لكِ بالانصراف وحدك .. امنحينى بعض المهادنة .. أتوق الى الراحة والهدوء بعد طول عناء ,, فأرجوكِ أن تتقبّلى هذه التوصيلة المجانية لأجل خاطرى هذه المرة فقط واذا كنتِ قلقة على راحة عم رياض فيمكنك دعوته على فنجان ساخن من الشاى عندها سينسى كافة همومه ومتاعبه ويدعو لكِ من قلبه.
اجابته المرحة البسيطة الخالية من كافة التعقيدات التى تملأ علاقتهما منذ البداية أشعرتها بقلة الحيلة فى مواجهة حجته القوية فخضعت مستسلمة غير راغبة بارهاقه أكثر خاصة وأنه طالبها بالمهادنة .. أوقف السائق السيارة أمام المنزل على بعد خطوات قليلة من الدرج الصغير وقبل أن تعى هى ما يحصل معها دفعها كريم بلفتة بالغة الرقة والتهذيب للأمام ثم توقّف ليفتح لها باب السيارة الخلفى قبل السائق الذى وقف على قيد خطوات يتأمل المشهد بحبور وعاد على الفور الى مكانه خلف عجلة القيادة باشارة انطلقت من يد كريم الذى دعاها للصعود ممازحا:
-تفضلى آنستى ..
رنّت له بنظرة تائهة محمّلة باستفسارات وتساؤلات بلا نهاية ثم قالت بامتنان:
-شكرا لك يا سيدى .
كانت تحاول مجاراته فى المزاح الا أن صوتها خرج جديّا وبلهجة حادة أدهشتها هى نفسها قبله فاعتدل وهو يصفق الباب بقوة خلفها ثم أضاف بنبرة رسمية:
-لا تنسى غدا .. فى الصباح الباكر أريدك فى مكتبى .. قبل أن تطأ قدماكِ أى مكان آخر .. مفهوم ؟
اضطرت الى أن تقدّم له تحية عسكرية وهى تهتف بصوت هامس:
-تمام يا أفندم.
وانطلق بها السائق العجوز لتغادر فيلا الشرقاوى .. وبعقلها تتصارع الأفكار والخيالات .. ترى ماذا يريد منها غدا ؟


*************

SHELL 04-08-20 10:14 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
عاد كريم ادراجه نحو الفيلا التى ترك بابها مواربا فأغلقه بدفعة من قدمه حينما أتاه اتصالا هاتفيا من صديقه فأجاب بلهفة عاجلة:
-أحمد .. اين اختفيت الايام الماضية يا رجل ؟
أتاه صوت رجولى خشن بالرد الصاعق على الجانب الآخر:
-كنت أعمل يا ابن الذوات فكما تعلم أننى أسعى وراء لقمة عيشى فلم ..
قاطعه كريم ضجرا وهو يحاول تقليد أسلوبه الساخر:
- فلم تولد وفى فمك ملعقة من ذهب مثلى .. الخ الخ .. فلتلخّص فى حوارك .. فأنا الآخر لدىّ بعض الأعمال الغير منتهية ولا وقت لدىّ لاضاعته مع أمثالك من عامة الشعب.
تناهى الى مسامعه قهقهة عالية أعقبها الرد الذى أثلج صدره:
-حسنا حسنا أفحمتنى يا كيمو .. أقصد يا سيد كريم .. لقد وجدت ضآلتك المنشودة أخيرا .. بذات المواصفات التى طلبتها كما يقول الكتاب تماما .. هه ما رأيك ؟ هل أتفاوض مع المالك لشرائها ؟
أفلتت صيحة انتصار من كريم وهو يجيبه بنشوة:
-وماذا تنتظر ؟ طبعا قم بالاجراءات اللازمة وعلى جناح السرعة.
تململ أحمد قليلا قبل ان يقول بتخاذل:
-ولكن .. السعر .. أنه يطلب رقما خياليا.
-كم ؟
وسمّى أحمد المبلغ المطلوب بتردد فقاطعه كريم سريعا ليسأل من جديد:
-وهل تقع فى مكان راقٍ كما أردت ؟
أملى عليه أحمد كافة التفاصيل دون أن يهمل أى جزئية ولو ضئيلة فظهرت على وجه كريم دلائل الرضا والراحة وهتف منشرحا:
-حسنا يا ميدو .. توكّل على الله يا بنى ولا تخش شيئا .. اسمع سأهاتفك لاحقا فأنا مشغول الآن ... الى اللقاء.
كان ينهب الدرج صاعدا الى أعلى وقد انزاح عن كاهله همّا كبيرا وعاد ليجتمع بالثلاثة الآخرين الذين كانوا فى انتظاره على أحر من الجمر وما أن لمحه رفيق يبتسم ملء فيه حتى بادره بالسؤال:
-ما لى أراك سعيدا هكذا كأنك كسبت لتوك ورقة اليانصيب الرابحة ؟
أخذ كريم يتمشى على مهل مطلقا صفيرا منغوما للحن شهير قبل أن يتخذ مقعدا مجاورا لابن عمه ويقول متخليّا عن وقاره كاملا:
-يمكنك التخمين منذ الآن وحتى مطلع الفجر ولن أرضى فضولك أبدا يا عزيزى.
-يا للهول !
صاح رفيق مقلّدا لهجة ممثل مسرحى اشتهر بأدائه المبالغ فيه ثم تظاهر بالألم وهو يمسك بصدره فى توجع متنهدا:
-ياه قلبى لم يعد يحتمل , يا لقسوتك المتعمّدة يا كريم.
أغرقت الفتاتان فى الضحم على هذا المشهد التمثيلى للثنائى وبالنهاية قامت ريم بالتصفيق الحاد لهما هاتفة بجزل:
-تستحقان نيل جائزة اسوأ أداء تراجيدى .. أف لكما ! ما رأيك أنتِ يا أميرة ؟
غمز رفيق لزوجته بحب وهو يشير بيده للأعلى متشدقا:
-لا أميرة اليوم فى عالم آخر تحلّق فى سماء السعادة .. لن تنالى منها على الاطلاق ..
تساءلت ريم بفضول وهى تقوّس حاجبيها لأعلى:
-ولماذا اليوم بالذات ؟
خبطها كريم على جبهتها وهو يقول مذكّرا:
-أصبحت تعانين من داء النسيان يا ريرى .. لا بد أنها منتشية لأنها قضت اليوم بأكمله فى صحبة عمتنا الغالية .. بالتأكيد أوحشتك للغاية يا أميرة.
قالت أميرة تؤيد رأيه بحماس:
-نعم ولكن ليس هذا هو السر يا ابن خالى.
-ما هو اذن ؟ تكلمى يا أميرة فقد نجحتِ باثارة فضولنا الى حد بعيد.
كانت هذه هى ريم التى أخذت تلّح بشكل طفولى اثار رغبة الجميع بالضحك وأميرة التى تبادلت نظرات ذات مغزى خاص مع زوجها قبل أن تقول بعناد:
-هل أخبرهما يا رفيق ؟ ام أنتظر حتى يقتلهما الفضول كالقط ؟
-هيا هيا .. تحدثى.
هتفت بها ريم وهى تقضم أظافر يدها من فرط انفعالها الى أن جاءهم صوت سيف المتهكّم يرن بآذانهم:
-ما هو الشئ الهام الذى جمعكم هنا ؟ باذن الله مجتمعون فى زيارة النبى ( صلّى الله عليه وسلّم ).
ردّد الجميع فى صوت واحد :
-عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
دعته أميرة لمشاركتهم الجلوس وهى تقول بغموض:
-اجلس يا سيف ,فلدىّ خبر سارّ أعلنه لكم.
نفّذ سيف طلبها دون مناقشة وجلس متجهما الى جوار ريم التى تجاهلت وجوده تماما .. وانطلق كريم يستحثها على الحديث وهو يقول بملل:
-هيا ... هاتِ ما فى جعبتك فأنا لن أقضى الليل بأكمله هنا فى انتظارك.
رمقه رفيق بنظرة سوداء وقال بلهجة تحذيرية:
-ايّاك وأن تضايق أميرتى بكلمة واحدة , اترك لها مساحة كافية لتلتقط أنفاسها فالخبر مفاجأة بحد ذاته.
ثم التفت الى زوجته مشجّعا بلطف وقال:
-هيّا عزيزتى ,, الجميع على نار متشوقون لسماع الخبر.
هبّت أميرة واقفة على قدميها وأخذت تراقب الجميع الذين سكنوا وكأن على رؤوسهم الطير ,وحينما عمّ الصمت المكان حتى لتسمع رنين الابرة أن القيت أرضا فتحدثت قائلة:
-لن اطيل انتظاركم أكثر من هذا ... المفاجأة هى أننا على وشك استقبال مولود جديد فى العائلة ...
قاطعتها ريم متحمسة:
-هل تعنين بأنكما .. ستصبحان عن قريب ..
واشارت بيدها بيأس الى الزوجين غير قادرة على انتقاء الكلمات المناسبة الا أن أميرة هزت رأسها بأسف وهى تقول:
-كلا تخمينك خاطئ يا ريم ,, لسنا نحن المقصودين بهذا الخبر.
اتجهت الأنظار تلقائيا الى سيف الذى كان يتظاهر بالانشغال بالنظر الى الجهة الأخرى حتى لا تلتقى عيناه مصادفة بعينى تلك الجالسة على يساره ,الى أن شعر بأنه قد أصبح محط أنظار الجميع فرفع بصره اليهم ببطء متسائلا بجرأة:
-ما لكم ؟ لماذا تحدّقون بى ؟ آه فهمت ,, تظنون أننى المعنى بالأمر .. آسف لأن أخيّب آمالكم , على حد علمى لست أنا من أنتظر طفلا.
قال كريم وقد اصابه الذهول:
-من اذن ؟ لم يتبقّ سواى أنا وريم .. وكلانا على ما أتذكّر غير متزوج .. فهل هو اللهو الخفىّ ؟ أن ماذا ؟
تبادلت أميرة النظرات الضاحكة مع زوجها حتى أعلن رفيق بالنهاية مخلّصا الجميع من حيرتهم البالغة:
-اسمعوا وعوا .. ما سأقوله ذكرى للتاريخ .. أنه حدث فى مثل هذا اليوم أننى .. عرفت أن حماتى ستنجب لزوجتى أخا أو أختا ...
هتفت ريم غير مصدّقة:
-لاااا رفيق أميرة انتما تمزحان بلا شك .. عمتى ؟؟؟ فريال !!
قهقه رفيق بمرح وهو يردّد:
-نعم عمتك فريال وهل هناك غيرها ؟ ولماذا التعجب أليست متزوجة من مجدى ؟
قالت ريم ثانية :
-ولكن .. أعنى السن ..
واخفقت فى اكمال عبارتها احراجا من وجود أميرة التى استطردت حتى ترفع عنها هذا الحاجز:
-تقصدين السن .. نعم يا ريم يمكنها أن تحمل بهذا العمر فأمى لم تتجاوز منتصف الاربعينات بعد .. ما زالت لديها الفرصة للانجاب مرة ثانية , الحمد لله على نعمته .. طبعا كان لدى الطبيب مخاوفه الخاصة وقد أعرب عن قلقه فنصحها بالتزام الراحة التامة مع التوصيّة ببعض العقاقير فى فترة لاحقة من الحمل ..
أطلق كريم صفيرا طويلا وهو يقول بوقاحة:
-لا بد أن مجدى يطير الآن سعادة بهذا الخبر .. وهذا ما يؤكد نظرية ( الدهن فى العتاقى ) .
تلاعب سيف بحاجبيه وقد انتقلت اليه عدوى المرح ليهتف بدوره:
-سيصبح لدينا ابن عمة .. ونحن بعمر الثلاثين .. حتى أنتِ بنفسك يا اميرة تصلحين لأن تكونى أمه لا أخته .. شئ مدهش !
سألتها ريم بحالميتها القديمة وقد عادت للعب دورها المرح بعد أن غلب الطبع التطبّع:
-أنتِ فرحة من أجلها ,, أليس كذلك ؟
هتفت أميرة بسعادة جمة:
-بالتأكيد , لا تسعنى الدنيا فرحا ,, أمى ظُلمت كثيرا وحُرمت من فرحتها بى والآن يعوّضها القدر بفرحة جديدة لها مذاق خاص .. وانا الى جانبها أتلقّى معها هذه السعادة فكأنى كما قال سيف أما لهذا الجنين الذى لم يولد بعد .. لن تصدقوا اذا ما أخبرتكم أننى أنوى أن أتقاسم معها رعايته والعناية به بعد الولادة.
ربت رفيق على كتفيها بحنان ثم أردف بخبث قائلا:
-ولكن يا حبيبتى ما أدراكِ الا تكونى أنتِ الأخرى حاملا فى وقت قريب جدا .. وبهذا لن تكونى قادرة على العناية بطفلين فى آن واحد.
تخضبت وجنتيها احمرارا لتلميحه المبطّن الا أنها نجحت فى أن تهمس بخجل:
-ربما من يدرى ! حينها سأضطر الى البقاء مع أمى وأتركك وحيدا.
اشار لها بأصبعه نفيا وهو يتوعدها قائلا:
-لا تحلمى قط بالتفكير فى هذا فما بالك فى الابتعاد عنّى .
وقف سيف فجأة قاطعا عليهما تغريدهما المنفرد وهو يقول بحدة:
-حسنا بعد سماع الأخبار الجيدة أود أن ابارك لكما ,, يتعيّن علىّ الذهاب الى غرفتى .. فأنا أشعر بارهاق فظيع .. طاب مساؤكم.
استوقفه رفيق وقد شعر بتغيّر مزاجه الملحوظ قائلا:
-هل أنت بخير ؟
أومأ برأسه ايجابا وغادر موقعه بدون اضافة كلمة أخرى.
بعد انصرافه مباشرة تساءلت أميرة باهتمام:
-ما به سيف ؟ لدى شعور بأنه يخفى شيئا ما ,كان مرحا يبادلنا المزاح ثم تبدّل حاله فجأة الى النقيض.
هتف كريم ورفيق بذات النفس:
-بالتأكيد هى السبب.
قطبت أميرة جبينها بصورة لا ارادية مغمغمة:
-من هى ؟
قالت ريم بصوت شبه هامس وهى تشير للغرفة البعيدة المغلقة:
-زوجته ... السيدة مها.
-أما زالا على خصام ؟
-وما شأننا بهما يا حبيبتى ؟ دعى الخلق للخالق وهيا بنا نحن الى جناحنا فأنا الآخر اشعر بحاجة ماسة للراحة.
ثم تصنّع التثاؤب وهو يضع يده على فمه ثم قال بصوت خافت:
-تصبحان على خير .. هيا حبيبتى.
وأمسك بذراعها يتأبطها بينما ذراعه الأخرى تستقر بأريحية حول خصرها فألقت بدورها تحية المساء بابتسامة خالصة.
-لم يبقّ هنا سوانا .. أنا وأنتِ يا ريم ,, ماذا ترين ؟
نهضت هى الاخرى مؤشرة بيدها الى غرفتها لتقول بفتور:
-لا أرى شيئا على الاطلاق .. أنا ذاهبة لأنام .. وغدا لنا حوار خاص.
-بخصوص ماذا ؟
-الأمر يتعلّق بك وبهديل .. يا عزيزى.
وألقت له بقبلة فى الهواء بأطراف اناملها غامزة ايّاه بجرأة ثم اختفت عن نظره قبل أن يجد ردا مناسبا .
فلم يجد بدّا من اللجوء الى غرفة والدته تلبية لمشيئتها وهو على يقين من انها لن تفوّت تلك الفرصة السانحة للحديث عن الموضوع الأكثر شعبية الآن فى البيت ... هديل .. آه , عجلة الزمن تدور .. انتهى دور مها ,, وحلّ الدور على ملاكه البرئ.


****************

SHELL 04-08-20 10:16 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
بعد أن أقلّها عم رياض السائق الخاص بعائلة الشرقاوى الى منزلها وطبّق تعليمات كريم بحذافيرها حتى أنه انتظر لعدة دقائق بعد صعودها قبل أن يعود أدراجه الى حى جاردن سيتى , ولم تنس هديل قبل مغادرتها للسيارة الفارهة التى شعرت بداخلها أنها ملكة متوّجة أن تشكره بلباقة على ايصاله لها .. وما أن فتحت باب الشقة حتى طالعها وجه أبيها الغاضب .. صاح فى وجهها وربما لأول مرة منذ ان تخطّت مرحلة المراهقة :
-أين كنتِ يا هديل ؟ ولماذا بالله عليكِ لا تجيبين على اتصالاتى ؟
ارتبكت للغاية وهى تشاهد نظرات عينيه الزائغتين قلقا عليها ,أخرجت هاتفها المحمول لتجد أن هناك العديد من المكالمات الفائتة .. لماذا لم ترد على اتصاله ؟ الاجابة ابسط مما يتخيّل .. قالت بصوت خفيض وهى تعتذر له:
-آسفة حقا أنك انشغلت علىّ ,, لم أسمع صوت الهاتف لأنه كان فى الوضع الصامت.
لم يتزحزح والدها من مكانه متربصا بابنته وهو يكمل بصرامة:
-ولماذا من الأساس حضرتك خرجتِ من البيت دون اعلامى ؟ ولأين ذهبتِ حتى هذه الساعة ؟
اقتربت بخطوات مهزوزة من أبيها وقد جاهدت لتقف على أصابع قدميها حتى تصل الى رأسه الشامخة تقبّلها بحب ومودة قبل أن تتمتم:
-أعتذر منك يا بابا ,حقا أخطأت التقدير حينما ظننت أننى سأعود قبل رجوعك ,سرقنى الوقت فلم أشعر بمضيّه.
نظر لها معاتبا قبل أن يسألها بحدة:
-كل هذا اللف والدوران من أجل ماذا يا هديل ؟ لم تجيبى بعد عن سؤالى ؟ هل علىّ أن أعيده للمرة الثالثة ؟
أمسكت بيده تقوده الى غرفة الجلوس وهى تقول:
-أيمكن أن نجلس حتى أستطيع اخبارك بكافة التفاصيل , اشعر بأننى سأقع أرضا من شدة الارهاق.
كانت لهجتها أقرب الى التوسل والتضرع وقد أحس صلاح بصدقها فرق لها قلبه خوفا على صحتها وامتثل لرغبتها حتى اذ جلست الى جواره أعارها كامل انتباهه وهى تقول بصوت مرتجف:
-قبل أن أتحدث عليك أن تعدنى بالصبر حتى النهاية يا أبا هديل.
لم تكن تناديه بكنيته تلك الا حينما تقع فى مصيبة وتحاول استدرار عطفه عليها لتفلت من العقاب أو التأنيب الشديد ,فأوجس خيفة فى نفسه مما هى مقدمة على حكايته الا أنه التزم الهدوء التام واشار لها بيده أن تتكلم فانصاعت لأمره قائلة:
-هاتفتنى مها وكانت بحالة مريعة من القلق والتوتر .. كان صوتها حزينا ,, طالبتنى بالذهاب اليها .. كانت بأمس الحاجة لوجود صديقة .. لم أستطع رفض طلبها .. كيف أخذلها فى وقت الشدة ؟ أو ليس الصديق وقت الضيق ؟
وصمتت لتلتقط أنفاسها بينما والدها محافظ على وعده بالانصات لها قبل أن تستطرد فى السرد:
-ذهبت وأنا آسفة أننى لم أتصل بك لأخبرك أو أترك لك ملاحظة حتى .. ظننت أن الأمر لن يستغرق وقتا طويلا .. كانت بحاجة لأن تفرغ ما بداخلها واستمعت لها .. ثم .. ثم عدت الى هنا على الفور.
ظل الصمت مخيما على جو الغرفة بعد أن اختصرت هديل الكثير مما حدث فى الواقع بل أسقطت العديد من المواقف الهامة .. وبقى صلاح مكفهر الوجه يدير الأمر فى رأسه قبل أن يتحدث معلنا عن رأيه فيما حدث ,فتذكّرت الابنة أنه عليها اخباره برؤيتها لهناء .. يمكن لهذه السيدة وهى التى صارت شريكة لأبيها ويلتقيان بصفة مستمرة أن تقص عليه الحكاية من وجهة نظرها الخاصة فارتأت أن تسبقها بخطوة فأضافت وجلة:
-بالمناسبة .. وأنا فى طريقى للمغادرة رأيت السيد ..ة أعنى الخالة هناء و..
قاطعها حانقا:
-ماذا ؟ التقيتيها هناك ؟ والخالة هناء ؟ ما الذى فاتنى هنا ؟
-أبى أرجوك لا تنفعل .. لا أريد أن يرتفع ضغط دمك فنحن بالكاد نسيطر عليه .. سامحنى .. أنا المخطئة فى كل ذلك ,وعلى كل حال هى من طالبتنى بأن اناديها بالخالة هناء لم تكن فكرتى مطلقا.
تصوّرت هديل ان مرد غضب ابيها يرجع الى هذا السبب الا أنه كظم غيظه بجهد وهو يتطلّع اليها بحسرة قائلا بأسف:
-أنتِ ذهبتِ بقدميك الى منزل عائلة الشرقاوى ؟ ابنتى أنا تقدم على التصرف الطائش ؟ كيف تجرؤين على اذلالى بهذا الشكل ؟
تراجعت الفتاة مصعوقة وهى تهتف بذهول:
-أنا يا بابا لا عشت ولا كنت .. يا ليتنى أموت قبل أن تنسب لى تهمة كهذه .. لا أعرف بمَ أخطأت ,ذهبت الى هناك من أجل مساندة صديقتى ..
-اعتقدت حينما أخبرتنى باتصالها أنها كانت موجودة ببيتها .. بيت عائلتها .. لم أدرك أن ابنتى يمكنها أن تكون بهذه الحماقة والتهور .. تذهبين اليهم فى عقر دارهم , أبعد كل ما قصصته عليكِ فى السابق وبعد معرفتك للماضى الذى يجمع بينى وبينهم .. تطأ قدماكِ أرضهم .
اسرعت تدافع عن نفسها فقالت:
-أنا أعمل فى شركتهم يا بابا وانت لم تعترض ابدا حتى مع وجود الماضى بكل تعقيداته وآثاره .. ما الفارق ؟
أجابها صلاح بحزم:
-الفارق كبير .. هذا عمل .. علاقة شغل .. تختلف تماما عن زيارة ودية فى منزل العائلة الكريمة.
لم تقتنع هديل بمبررات والدها فاستطردت تقول بعناد:
-لم اقم بزيارة لأفراد العائلة .. ذهبت من أجل مها فقط ..
اشار صلاح بيده دلالة انهاء النقاش وهو يقول حاسما:
-انتهى الموضوع يا هديل .. فلتقسمى أمامى أنكِ لن تعيديها مرة أخرى .. هيا .
زفرت بحرقة وهى تلبّى رغبته:
-حسنا اذا كانت هذه هى رغبتك ..
استعاد الاب بعضا من هدوء أعصابه وهو يسألها عن مها:
-وكيف يعاملها حمواها ؟ اقصد هل ضايقها أحدهما بأى تصرف ؟
هزت هديل كتفيها النحيلتين وهى تقول:
-لا أعرف لم نتطرق لهذه النقطة وان كانت قد اشتكت من سوء معاملة الآخرين لها .. كما أنها .. تريد منك أن تسدى لها خدمة يا أبى .
-منى أنا ؟
وانعقد حاجباه بشدة قبل ان يضيف متعجبا:
-وان كنت لا أميل لهم على الاطلاق ومع ذلك لا يمكن لومهم ازاء هذه المعاملة ,ما زلت لا اصدّق أنهم تقبّلوا وجودها بينهم ككنّة بهذه البساطة !
عادت هديل تلح على أبيها من أجل معرفة بعض من أسرار الماضى الدفينة فسألته مباشرة:
-بابا هل تعرف ما هى طبيعة العلاقة التى كانت تربط بين والد مها وهذه العائلة ؟
أطلق تنهيدة حارة من صدره وهو يتهرّب من ملاقاة عينى ابنته الباحثتين عن الحقيقة والتى حتما لن تكون لصالح صديقتها ,ولمّا لم يجد مفرا من الاجابة قال وهو منكس الرأس:
-أنتما تنبشان الماضى بحثا عن الحقيقة ,,حسنا سأخبرك بها ولكننى أحذرك لن يعجبك ما سوف تسمعينه لا أنتِ ولا هى.
وأعاد على مسامعها القصة القديمة بحذافيرها كاملة دون اقصاء أى جزء منها .. فشعرت هديل بالندم يجتاحها وقالت فى نفسها : يا ليتنى ما سعيت لمعرفة الماضى ,ربما كان ينبغى له أن يُترك كما هو مدفونا تحت الأرض , اذا هى شعرت بأنها تتقلّب فوق فراش من جمر فما بال صديقتها اذا عرفت بالحقيقة ؟


**************

SHELL 04-08-20 10:17 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
دخل سيف الى غرفته ناشدا للراحة التى بات يفتقدها فى هذه الايام .. مجرد أحلام وأمنيات ذهبت أدراج الرياح حينما رآها مستلقية على فراشه وقد استغرقت فى النوم ,بدا وجهها ملائكيا للغاية وقد سقط عنه كل الأقنعة التى تحاول دائما أن ترتديها فى حضوره هو بالذات ,فقدت مصدر اثارتها لغضبه المستعر واقترب منها بخطوات وئيدة محاولا ألا يثير ضجة حوله .. يتأمل ملامح وجهها الجميلة حتى استوقفه رؤية آثارا لدموع قديمة تساقطت من عينيها الخضراوين اللتين تشبهان عينى قطة برية ,وصفا ملائما تماما لشراستها المصطنعة وانحيازها ضده اذا ما أقدم على استفزازها ,لا ينكر أنه يهوى القيام بهذا الدور معها .. لتدافع عن نفسها ,تقاتله باستماتة ,ربما يقنع نفسه بأنها بريئة .. مهلا يا سيف ما الذى تفكّر به ؟ عن أية براءة تتحدث ؟ أنّب نفسه على مشاعر الشفقة والرأفة التى باتت تهدّد بتحطيم حواجزه المنيعة التى بناها لتحصين قلبه وعقله من اختراقهما على يدى تلك الحسناء الوضيعة.
لماذا يشعر برغبة عنيفة تجتاح كيانه حتى يلمس بشرتها الحريرية والتى تظهر بسخاء من فتحة ثوب نومها القصير الشفّاف ,يكاد يقسم أنها تعمّدت ارتداء هذا اللون بالذات .. الأسود .. لكم يعشقه بأناقته وغموضه .. ويعشقه أكثر فوق منحنيات جسدها المغرية .. تنهّد محترقا بنيران لهفة وليدة فى نفسه ,ما الذى يحدث له كلما رآها تتجدد رغبته فى اسكانها روحه وجسده ,وما الجديد فمنذ وقعت عيناه عليها لأول مرة وهو يقاوم هذا الاغراء القاتل بأن يرمى الحاضر بتفاصيله وتعقيداته وراء ظهره ,ليبدأ معها صفحة جديدة .. ناصعة البياض دون أن تلوّثها دناءة الماضى وعلاقاته المريبة ,التمس لها عذرا واهيا .. هى تظن أنه وعائلته مدينون لها ولأسرتها .. تلك الحمقاء الغبية ..ذات الرأس العنيد والعقل اليابس .. وابتسم لدى تذكّره فعلتها الجريئة بالاقدام على تهديده من أجل اجباره على الزواج بها .. لم تكن مفاجأة بالنسبة له ,, كان متوقعا لردة فعل عنيفة من ناحيتها بعد أن أصرّ رفيق على قرار فصلها من الشركة .. أرسل فى طلب من يراقبها عن بعد ليطمئن عليها .. لأنها وببساطة نالت منه فى آخر مرة التقت عيناهما بعد أن حملت حالها لتغادر مقر العمل الذى أمضت فيه عدة سنوات .. حتى وهى تواجهه بشجاعة وبسالة دون أن تتسلل اليها ذرة من خوف .. طعنته بانكسارها المذل .. شعر حينها بالندم لأنه تقاعس عن حمايتها .. ألم يعد بذلك ؟ لم يكن كافيا أن يحاول تعويضها بمنحها المزيد من الآلافات من الجنيهات من حسابه الخاص .. والذى بعثرت جزءا لا بأس به منه ثمنا لوثيقة الزواج العرفىّ المزيفة ,شعر برغبة عارمة فى الانفجار فى الضحك على سذاجتها .. قاوم بشدة وحتى يلهى نفسه قام بخلع ملابسه المبللة بالعرق ثم قذفها باهمال فى السلّة البلاستيكية قرب الحمام واندفع بداخله ليغرق جسده بالماء الدافئ فى حوض الاستحمام البيضاوىّ حيث اضاف بضعة قطرات من الزيت العطرىّ لمساعدة عضلات جسده المشدودة على الاسترخاء .. فبعد مواجهته الصعبة مع ليلى واكتشافه لجزء من الحقيقة التائهة عنه والتى غابت لسنوات .. اصابت حياته بدمار شامل .. أعتقد فى خيانتها له وعدم اخلاصها والذى كان مجرد وهم مضلل تاه فى دروبه كثيرا اضافة الى ظنّه الخاطئ بأن أمه لم تكن وفيّة لأبيه شكّلا واقعا مريرا أفقده الثقة فى جنس النساء .. صار يتمسّك بعلاقات سطحية مع الفتيات دون أن يدع مجالا لقلبه أن يتوّرط مجددا مع أيا منهن ,فقط متعة زائلة لعدة ايام ثم وبلمح البصر .. يختفى من حياتها بأناقة ورقى مخلّفا ورائه هدية ليست بالزهيدة .. وباقة من الورد ,ليعيد الكرة مرة تلو الأخرى مع فتاة أخرى ولم تكن احداهن بالتى ترسخ فى عمق ذاكرته بعد انهائه للعلاقة قصيرة الأمد فما أن يتركها حتى ينسى ملامحها بالكامل وتبقى مجرد اسم باهت على ورقة ممزقة حتى انتزعته من برجه العاجىّ تلك الفاتنة البلهاء بمجرد رؤيته لها ومعرفته بهويتها شعر بروح التحدى تتغلغل بداخله , راق له كثيرا هجومها المباشر وأضاف لنقاط رصيدها لديه .. بينما اشتمت غريزة الصيّاد رائحة مميزة لفريسة جديدة ,ولم تكن أية فريسة .. كانت صعبة المنال الى درجة بعيدة .. لم تمنحه أكثر من غيره كأى شخص آخر فى الشركة ولا حتى امتياز الاحترام الذى عاملت كريم به ولا امتياز الاخلاص الذى سارت على دربه فى خلال عملها مع رفيق .. شعر وقتها بأنها تميل الى احتقار نوعه من الرجال .. لا يمكنه أن يلومها فهو صاحب السمعة السيئة التى فاحت رائحتها لتصل بالرغم من حرصه على الكتمان الى مقر عملهم ,وضعت بينهما عشرات الحدود للالتزام بها دون أن تهتز شعرة من رأسها ,ضميره الحى أنباّه بأنه يكن لها تقديرا ومنذ اللحظة الأولى .. فقط !! أيها الكاذب المنافق !!مها تتسلل خلال مسام جلدك لتقبض روحك الهائمة ,, ربما فى ذلك الحين تهدأ روحها المتعطّشة للانتقام ..أووووف .. كتم أنفاسه وأغمض عينيه وانزلق فى عمق المياه الدافئة .. أنه بحاجة الى وقت مستقطع من التفكير والقتال .. على حد سواء.
شهقة مكتومة أفزعته وصوت صارخ يهتف بلوعة باسمه قرب الحوض أعاده لواقعه ففتح عينيه وتمسّك بمقبضى الحوض على الجانبين ليخرج منه وجسده يقطر ماءا ليندفع جسد دافئ فى أحضانه .. التفت ذراعاها العاريتان حوله تضمّه بشغف لتؤكد لنفسها أنه ما زال على قيد الحياة .. لم يفلتها حتى حينما أدركت بحياء فطرىّ أنه كان .. يستحم ,وشهقت مجددا بعد أن تلاعبت على شفتيه ابتسامة ساخرة تهدد باغراقها فى بحر خجلها أكثر .. ضربته بقبضتيها على صدره العارى تقاومه حتى تذهب وهى تنتفض هاتفة:
-سيف .. اتركنى .. لا يمكن أن أظل هنا ..
واشارت للمكان من حولهما وهو ما زال غارقا فى ضحكات ممازحا بخفة:
-ولمَ لا ؟ ألم تأتِ الىّ بقدميك .. الحافيتين...
وتتبّعها بنظراته النهمة من قمة رأسها حتى قدميها الخاليتين من الخفّ ,فأدركت مدى غبائها وسذاجة تصرفها ,, امتلأت عيناها دموعا غزيرة انهمرت على وجهها وهى تصيح مختنقة:
-لااااااا .. لااااا دعنى ..
لم يصرّ على موقفه ولدهشتها أنه ابعدها عنه برفق فقط ليلتقط منشفته الخاصة يلفّها حول وسطه فانتهزت هذه الفرصة الذهبية لتفر من حصار عينيه وذراعيه .. هربت جريا الى داخل الغرفة ,أما هو فأخذ يمشط خصلات شعره العسلية التى تدلت بفعل المياه وأعادها للوراء بينما يصفّر براحة بال ونظر لصورته المنعكسة فى المرآة برضا تام ثم خرج بدوره , لم يكن ليتركها تفلت منه بدون استجواب .. وجدها جالسة على حافة الفراش وقد غطت جسدها بمئزر طويل بلون داكن تستند الى وسادة خلف ظهرها ,على يقين من أنها ادركت وجوده .. بينهما اتصالا غير مرئيا .. انتظر الى أن ارتدى منامته ثم قطع الخطوات بينهما فى خفة ورشاقة فهد .. وقف مسمّرا متصلب الوجه وسؤاله الحائر انفلت من بين شفتيه بنعومة:
-لماذا فعلتِ هذا ؟
ظلت مطرقة برأسها الى الأرض تحاول كسب المزيد من الوقت الا أنها تدرك أن دفاعاتها قد تهاوت منذ لحظات متساقطة تحت قدميه وبين أحضانه .. صرختها الملتاعة ولهفتها الغير واعية للاطمئنان عليه أفصحت عما حاولت اخفائه طويلا .. اقترب لدرجة أكثر ثم وضع أصابعه تحت ذقنها يجبرها على لقاء عينيه الابنوسيتين بعينيها الممطرتين ,, كرر بهمس اكثر نعومة:
-لماذا يا مها ؟
غمر فيضان عينيها وجنتيها مزهرا وهى تتمتم بلا وعى:
-ظننت أنك ... خشيت أن تكون قد غرقت ..
وارتعش جسدها مرتجفا بينما صوتها يقصّ حكاية جديدة من نوعها:
- لقد غلبنى النعاس وكنت أحلم بكابوس مزعج .. كنت تغرق .. ولم أعرف كيف أتصرف .. كنت عاجزة كأن يدىّ مغلولتان وحينما فتحت عينىّ سمعت جلبة بالحمام وصوت مياه ثم ران الصمت فتملكنى القلق , لم أعرف كيف اندفعت نحو الحمام و.. لم أحتمل رؤيتك هكذا .. كان جسدك ساكنا ولم تكن تتنفس ..
ضمّها بقوة الى صدره يهدئ من روعها بصوت حانٍ ومراعِ لأقصى حد:
-كنت بأمان تام .. فقط كنت أنشد بعض السكينة.. فأنا معتاد على ذلك.
قالت بصوت متهدّج خجلة من تصرفها:
-أنا آسفة .. أزعجتك بغبائى وتهوّرى .. لا بد أنك تظننى مغفلة.
أخذت أنامله تكفكف دموعها وتمسح أحزانها بينما شفتاه افترّت عن ابتسامة خاصة لها ألف معنى وهو يقول بصوت مشحون بالعاطفة :
-لا لم تزعجيننى .. على الاطلاق .. ولا تنعتى نفسك بالمغفلة ثانية .. أنتِ .. بهجة للعين وللقلب .. شعرت بالخوف علىّ فعلا ؟
لم تكن عبارته الأخيرة سؤالا بل تأكيدا لما جاهدت على اخفائه عنه خوفا من سخريته أو قسوته .. الا أن سيف هذا لم يكن ذات الشخص الذى توهمّت أنها عرفته من قبل .. كان حنونا لطيفا مراعيا لشعورها .. أزاحها بلطف حتى يتخذ لنفسه مكانا الى جانبها .. وهو على ذات الحال .. ثم جذبها لترتكن برأسها الى كتفه ,قبّل شعرها بقبلات خفيفة متناثرة وهو يهمس مجددا:
-لا تخجلى من الاعتراف بمشاعرك الحقيقية يا .. حبيبتى.
أجابت بوجل:
-الحقيقة .. مؤلمة ..
-ربما.
ودّت لو تسأله أين ذهب اليوم وتركها خائفة حائرة تلاحقها الكوابيس .. لم تكن لتخاطر فى هذه اللحظة الفاصلة ,اختارت أن تبتلع شكوكها وتتظاهر باللا مبالاة .. فقط لتنعم بحنانه ودفء مشاعره المفاجئ .. هى الأخرى بحاجة الى السكينة والهدوء.
هدنة غير معلنة لاحت فى الأفق بينهما ,وأدركهما صباح اليوم التالى وهما غارقان فى سبات عميق بعد أن انزلق جسد سيف مندسا بالفراش ساحبا جسدها معه بعد أن انتصف الليل.


*******************

SHELL 04-08-20 10:23 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
انتهى الفصل السابع

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...b88dfbc7d1.gif

Emah 12-08-20 11:19 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
شكراااا ليكم على الرواية

SHELL 01-09-20 03:51 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Emah (المشاركة 3732090)
شكراااا ليكم على الرواية

https://up.graaam.com/p16ic/18293bbe42.gif

SHELL 01-09-20 03:53 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
سيتم تنزيل الفصل الثامن بعد قليل

SHELL 02-09-20 02:17 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
الفصل الثامن

https://new-girls.ws/images/img_1/fd...f1bf8c44a5.gif

لم تكن السيدة شريفة قد تخلّت عن عزلتها الاختيارية بعد أن شعرت باستتباب الأمن فى جوانب منزلها ,منذ أن هبّت تلك العاصفة الهوجاء بخصوص زوجة حفيدها المفضّل سيف ومعرفتهم لحقيقة نسبها الى عائلة الراوى .. شكّل الأمر صدمة للجميع وخاصة لابنها البكرىّ محمد ,فُزعت حين تذكّرت ثورتة العارمة وهو يلقى باللوم على عاتق حفيديها .. لا تعلم الى الآن مدى توّرط رفيق بهذا الأمر ,بيد أنه ربما كان مظلوما ,تعرف مقدار تحمّله للمسؤولية الملقاة على كتفه فلم يصدر عنه أى تصرّف طائش ,دوما كان شديد الحذر فيما يخص عائلته والعمل ,عادت للموضوع الذى يشغل بالها ويؤرقها كثيرا .. مها .. تلك الفتاة الرقيقة ذات الملامح البريئة والمظهر الهادئ .. سلكت طريقا الى قلبها بدون واسطة فقط حينما عرفت أن والدها هو كمال .. شريك زوجها السابق .. الذى اصابه الطمع فى مقتل فكتب نهايته بيده .. كل ما تعرفه عمّا حدث وقتها أنه حاول التلاعب بشأن صفقة مشتركة فقرّر عبد العظيم ألا يمرّر الأمر ببساطة ,ليتعلّم مع من يتعامل .. اذا تركته بلا عقاب فسوف يتمادى .. هذه الكلمات تردد صداها فى اذنيها بصوت زوجها الصارم ,هى من عاشرته لعشرات السنوات ربما لم يكن شخصا رؤوفا أو متفهما ولكن فيما يتعلّق بعمله كان طاغية بحق .. لا يتهاون بشأن امبراطوريته ويذود عنها باستماتة .. أخبرها مرة تلو الأخرى أن اسم الشرقاوى اللامع لا بد أن يظل محافظا على رونقه وبهائه ,تركة متوارثة منذ عهد أبيه الراحل الذى وضع حجر الأساس ولتنصف زوجها فقد ازدهرت هذه الأعمال على يديه لتتضاعف الى حد مرعب .. ومع تصاعد أرصدته البنكية توطدت صلاته بذوى النفوذ والسلطة .. ما أوصله لمكانة فريدة فى عالم الأثرياء ,لكم عانت من رفاهية حياتها الخالية من أبسط المشاعر الانسانية بين اى زوجين .. لن تسمح لنفسها بالانزلاق لعقد المقارنة بين حياتها الفعلية وما كانت لتصبح عليه حياتها اذا ما تزوجت رجلا غيره ..ليس رجلا بعينه .. لم تعد قادرة على الذهاب الى أبعد من هذه النقطة .. هى أرملة لرجل رحل عن دنياها بينما يبقى كل شبر يذكّرها به .. بسطوته وصلابته التى لم تهتز ولا مرة واحدة ,ربما لم تحصل على الرجل الذى تحبه كما تحلم أى امرأة بزوج رومانسى يدللها حتى النخاع ويسمعها أحلى كلمات الغزل ولكنها اقترنت برجل حقيقىّ .. عصامىّ .. لم يفرّط بحق من حقوقها يوما وان لم يشعرها بأنها ملكة الاناث على عرش قلبه فصرّحت بالحقيقة لنفسها بأنها هى أيضا لم تمنحه أكثر مما تمنحه المرأة لزوجها فقط وليس لحبيبها ومالك قلبها.
تنهّدت ارتياحا وهى تبدأ فصلا جديدا فى حياة عائلتها .. نعم .. كانت تتحدث الى زوجها الغائب وكأنه ما زال موجودا .. اثنين من الاحفاد تزوجوا .. و .. رن جرس الهاتف بغرفتها الفسيحة يشق الهدوء السائد فى المكان لينزعها من تسلسل أحلامها فالتقطت السمّاعة مدركة تماما بأن المكالمة لها , وكان هذا خطّا منفصلا عن الخط الأساسى بالفيلا .. كما سبق وطالبت زوجها به حتى تشعر ببعض الخصوصية فى حياتها .. قالت بصوتها الدافئ:
-آلو .. مرحبا.
أتاها الصوت الرجولى النافذ قائلا:
-مرحبا .. شريفة كيف حالك اليوم ؟
من المستحيل أن تخطئ معرفة هذا الصوت الذى لم يفارق مخيلتها لأيام عديدة حتى بعد رحيل صاحبه واختفائه من حياتها ,ارتجفت لأنها عادت الى صندوق ذكرياتها المغلق فأدركت أنه مفتوح على مصراعيه ينبعث منه الحنين للماضى وأغمضت عينيها تستمد بعضا من القوة الخائرة فتمسّكت بأصابعها بالسمّاعة ,جاءها صوت عبد الله قلقا هذه المرة يتساءل بجموح:
-شريفة .. هل ما زلتِ على الخط ؟
أجابت ببطء:
-نعم .. نعم .. كيف حالك أنت يا .. عبد الله ؟
خيّل اليها أنه يبتسم فى هذه اللحظة لأنه صوته انساب مشبوبا بالسعادة :
-بخير طالما سمعت صوتك الشجىّ .. وماذا أتمنى أكثر من هذا.
هتفت بتمنّع:
-عبد الله .. أرجوك لا يجوز أن تحادثنى بهذه الطريقة.
قاطعها بدوره متسائلا ببراءة:
-وماذا يعيبها طريقتى فى الحديث ؟ على كل حال أردت أن أقول أننى سعيد لسماع صوتك ,يبدو أن صحتك تحسّنت كثيرا , أليس كذلك ؟
جلست على المقعد القريب من الهاتف وقد انتبهت من شرودها على أنها ما زالت على وقفتها منذ تلقّت اتصاله ثم مدّدت قدميها أمامها وهى تقول برضا:
-الحمد لله على كل شئ .. أود الاطمئنان عليك وعلى العائلة .. ابنتاك وليلى وجاسر .. كيف حال الجميع ؟
أجابها بتصميم:
-جميعهم بخير ,,شريفة وفريدة .. أحوالهما على ما يرام ,وقد سمحت لنفسى باجراء الاتصال بكِ فى هذا الوقت المبكّر من أجل أمر يخص جاسر .. وريم.
-خيرا ان شاء الله ؟
تجاهلت ذكره المتعمّد لاسمى ابنتيه ليؤكد عليها أنها قد أطلق على ابنته الكبرى اسمها هى ,أنها تعرف وبذات الوقت تحاول أن تتصنّع عدم المبالاة ,فقال عبد الله يائسا من ردة فعلها المبتورة:
-حسنا .. هاتفنى محمد لاعلامى بتحديد موعد مناسب من أجل زيارتنا لكم حتى نطلب يد حفيدتك المصونة لحفيدى الغالى بصورة رسمية ..
علت شفتيها ابتسامة بسيطة معبّرة عن سعادتها الداخلية بهذا الأمر وهى تقول بحبور:
-مبارك لهما ان شاء الله .. هذا أفضل خبر سمعته منذ زمن .. ومتى الموعد ؟
تساءل مندهشا:
-أيعنى هذا أنكِ لستِ على علم بالموعد ؟
أجابت ببساطة:
-كلا , محمد أخبرنى بأنه قد فاتح ريم فى الأمر وحصل على موافقتها الضمنية ولم نتطرق للموعد ..
-ألا يشعرك هذا بالسعادة ؟ أقصد ارتباط جاسر بريم.
رقّ صوتها وأجابته:
-اذا كان هذا اختيارهما الخاص فلا أملك سوى أن أدعو لهما بالتوفيق والهداية .
-أتصدقين بأننى أغبط جاسر لأنه استطاع النجاح حيث فشلت أنا ؟
أغمضت عينيها مرة أخرى تعى تماما مقدار الاحباط والمعاناة فى صوته وتشعر بالمثل فحفيدتها الأثيرة ستتزوج من حفيده .. استفاقت من عالم أحلامها لتقول بعزيمة واصرار:
-عبد الله .. اذا أردنا لهذه الزيجة أن تنجح وتدوم فعلينا أن ننسى الماضى بحلوه ومره ,لا يمكننا أن نجازف بتحطيم أحلامهما البريئة .. أنت تفهم ما أعنيه ؟
سكت عبد الله وقد لطمته عبارتها بقوة على وجهه فأدرك ما ترمى اليه تحاول أن تجنّبه وايّاها الاحراج بمجرد أن يأتى ذكر الماضى يراها تتقوقع على نفسها تنأى عنه وكأنها بعيدة بآلاف الأميال .. غريبة لا يعرفها .. تتحوّل لهجتها أقرب الى الرسمية منها الى الطريقة المألوفة التى اعتادت محادثته بها ,تضع مئات الحدود والسدود فى وجهه لتخبره بلا كلمات أنه لم يعد يشغل ذات المكانة فى قلبها وحياتها كما فى السابق .. هو مجرد عم لأولادها لا أكثر ولا أقل ,ابتلع غصة فى حلقه وهو يجاهد لتخرج الكلمات من فمه واضحة ثابتة بلا توجع:
-أفهمك تماما.
أضافت شريفة بعد جهد جهيد عليها أن تقتلع آماله من جذورها:
-وآمل أن تتفهّم رغبتى بألّا تهاتفنى على الخاص ثانية ,فاذا أردت اخبارنا بأى شئ يمكنك أن تتحدث الى ابنى محمد أو أحد أحفادى .. رجاءا.
جاءها صوته قويا وهو يتصنّع رباطة الجأش:
-أوافقك الرأى مجددا يا شريفة .. هانم , وأعدك بألّا أزعجك باتصالاتى ,سوف أنتبه لمراعاة الحدود بيننا من الآن فصاعدا ,أعتذر عن خطئى الفادح .. وداعا يا سيدتى.
وضعت سمّاعة الهاتف بعد لحظات تشبثت بها وكأنها طوق لنجاتها ثم أخذت تقول بعقلانية لتقنع نفسها : كان لا بد أن أفعلها بذلك الدم البارد .. هكذا أفضل لكلينا وللجميع , ما الفائدة من ارجاء الأمر لما بعد الا أن نزيد عذابنا ووجع قلوبنا .. نعم أحسنتِ التصرف يا شريفة ... هانم ,لسعتها الكلمة كأنها اهانة لاذعة .. وأطلقت زفيرا عميقا علّها تهدئ ضربات قلبها الموشكة على القفز كعدّاد السرعات بسيارة حديثة انطلق بها سائقها فى سباق لانقاذ حياته.



*************

SHELL 02-09-20 02:18 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
ذهبت ريم برفقة أخيها وزوجته الى الشركة ليستأنفوا عملهم بعد فترة انقطاع طويلة عن الحضور ,ولم تكن هى بأقل حماسة منهما لمباشرة التصرف بجد فى شؤون الأعمال المتراكمة وقد نالت بعضا من الخبرة فى الشهرين الماضيين على يدى سيف وكريم اللذين لم يبخلا عليها بأية معلومة أو استشارة , فى غياب رفيق كانت عونا كبيرا لهما باعتراف كليهما ,ورغما عن تباعدهما الملحوظ فى الآونة الأخيرة الا أنهما كانا يتعاملان بمهنية واحتراف فى نطاق ادارة العمل .. لاحظت هى الأسلوب البارد الجاف فى أحاديثما المشتركة التى يفرضها سير العمل .. وما أن تدير لهما ظهرها حتى يسود الصمت بينهما كأنما هما مجرد غريبين لا صديقين تربطهما أواصر القربى .. لم تحتج الى كثير من الذكاء لتستنبط أن الأمر له علاقة وثيقة بزواج سيف من مها ,لا بد أن تكون تلك الفتاة هى منبع الشرور التى تتعرّض لها عائلتها .. وبينما اشار لهما رفيق أن تسبقاه حتى يصف سيارته فأطاعته ريم باذعان بينما اعتذرت لها أميرة برقة عن مرافقتها متعلّلة برغبتها فى انتظار زوجها قالت ريم بلا مبالاة:
-كما تشائين , سأذهب أنا وأراكما لاحقا بالمكتب.
فى الطابق الثانى اصطدمت بلقاء هديل الذى جعل الفتاة الاخرى تعتذر بهدوء وهى تقول:
-هل أنتِ ذاهبة الى مكتب ك.. السيد كريم ؟
-لا ,أنا فى طريقى الى مكتب رفيق.
شعرت بأنها مبهوتة لرؤيتها مما اثار تعجبها فارتأت أن تسألها لتروى فضولها:
-لماذا أشعر بأنكِ تستغربين وجودى أو ربما لا تميلين الى رؤيتى هنا ؟
-على العكس تماما , أنتِ صاحبة الحق بالتواجد هنا أما أنا فمجرد موظفة تعمل بالشركة ,كل ما فى الأمر أننى لم أراكِ من قبل بالشركة.
شعرت باتهام مبطّن فى لكنتها الغريبة فأصرّت على انتزاع الحقيقة منها ولكن بلطف فتساءلت تتصنّع المزاح:
-لماذا ظننتِ فى البداية أننى متوجهة الى مكتب كريم ؟
أجابتها هديل بارتباك واضح:
-لأن مكتبه يقع بهذه الجهة ف.. أعتقدت .. آسفة على التطفّل ولكن بدا لى منطقيا أن .. أنكما لا بد ستلتقيان ..
- لماذا يبدو منطقيا ؟ ولماذا لم تفكّرى بأننى ربما أرغب برؤية سيف مثلا ؟
-لأنه .. لأنكِ مخطوبة ..
تراجعت ريم مندهشة وهى تقاطعها بانفعال:
-ما دخل خطبتى بالأمر من أصله ؟ أيمكنك أن تفسّرى لى أكثر ؟
قالت هديل تنفض عن كاهلها هذا الحمل الجاثم:
-لأنه من الطبيعى أن تذهب المرأة للقاء خطيبها خاصة اذا كانا يعملان بنفس المكان ..
فجأة انقشعت الغيوم من عقل ريم فهتفت باستخفاف:
-آه .. هل تعنين أنكِ ظننتِ أننى وكريم مخطوبان ؟ يا الله ! يا لخيالك الواسع يا عزيزتى .. وهكذا فهمت لماذا تضطربين لرؤيتى بهذه الصورة المفزعة.
توقفت عن متابعة حديثها لترى مدى تأثير كلماتها على هديل التى كانت ممتقعة الوجه بشكل رهيب ثم استطردت بجدية أكبر:
-اسمعى يا هديل لو لم تكونى زميلتى سابقا وأودّ أن أجدد أواصر صداقتنا من جديد لكان لى تصرفا آخر بشأنك .. أنتِ .. ساذجة لدرجة فظيعة .. حسنا , لو أخبرتك بأننى لست مخطوبة لكريم ولا هو ينوى أبدا الزواج منى هل تقبلين بالعمل معى ؟
-ولماذا انا بالذات ؟ أعنى أنه توجد الكثيرات ممن تمتلكن خبرة أكثر منى ..
-تستطيعين القول بأننى أميل الى الانصاف والعدل ولم يعجبنى تصرف كريم تجاهك بابعادك عن عملك السابق.
فتحت هديل عينيها على اتساعهما لتقول بدهشة:
-أكنتِ على علم بما فعله ؟
-للأسف كنت متواجدة يومها وفشلت فى منعه من هذا الاجراء الذى أراه مجحفا بحقك .. ماذا تقولين .. يتعامل الرجال بحماقة بالغة حينما يمس الأمر كبرياءهم الذكورى ,ويمتلك رجال عائلة الشرقاوى الفيض الغزير منه .. اسأليننى أنا التى عاشرتهم دهرا من الزمان .. والآن ما رأيك فى عرضى ؟
أجابتها هديل بغمغمة بينما تتصارع الأحاسيس المختلفة بداخلها من سعادة غامرة لمعرفتها بأن كريم ليس خاطبا وخوف ووجوم من قبولها بهذا العرض :
-أيمكن أن تتركى لى فرصة للتفكير بالعرض ؟ أم أنه أمرا مباشرا ؟
-لا طبعا , ماذا تظنين بى ؟ أتشبهيننى بهؤلاء الطغاة المتكبرين .. الذين يتعاملون بكل غطرسة مع الآخرين , لا يا هديل أنا سوف أنتظر قرارك وسأحترمه فى كل الأحوال سواء قبلتِ أم رفضتِ وهذا حقك المطلق.
منحتها ابتسامة هزيلة وهى تستأذنها للانصراف بينما هى تستدير لتنطلق فى طريقها فوجدته على بعد أمتار قليلة منها يراقبها بتأنٍ ونظراتها متلهفة تتعطّش لملامح وجهها الرقيقة يحاول أن يسكن صوت قلبه الذى ينهش بصدره مطالبا باللقاء بعد حرمان طويل .. أنه هو جاسر بشحمه ولحمه .. واقفا يضع يديه فى جيبى بنطلونه بينما يرمقها بنظرات تفيض حبا ,لا يمكنها أن تخطئ تفسير هذه المشاعر الواضحة كالشمس .. لماذا لا يقترب منها ؟ أينتظر منها أن تقدم على الخطوة الأولى ؟ أنه واهم اذا اعتقد أنها ستفعلها ,والأهم ماذا يفعل هنا ؟ الاجابة بسيطة .. أتى لرؤيتها هى .. توقفت وهى تضع يديها على خصرها تنظر له بتحدٍ أن يتخطّاها الا أنه تقبّل المخاطرة فأخذ يسير نحوها قاطعا المسافة الفاصلة بينهما فى خطوات سريعة حتى لم يعد باقيا الا خطوتين فتسمّر فى موقعه رافضا الكشف عن شوق يهدد بالاكتساح فى لمحة خاطفة ,بادرت بالحوار تسأله بتمهل:
-يا لها من مفاجأة ! جاسر بنفسه هنا فى شركتنا.
أخذت نظراته تتعلّق أكثر بها وهو يقول مشدّدا على حروف كلماته:
-أهى مفاجأة سارة ؟ أم ..
مطت شفتيها وهى تقول بعد أن هزت كتفيها:
-هذا يتوقف على سبب مجيئك .. الى هنا.
قال بصراحة مطلقة دون تفكير:
-أتيت لرؤيتك طبعا .. اشتقت لكِ حد الموت ..
-وما الذى منعك فى السابق من المجئ لرؤيتى ؟ أتذكرت هذا بعد كل هذا الوقت ؟
كانت تؤنبه بهدوء معلنة عن رفضها الاقتناع ببساطة مغلّفة بالانكار فقال ويداه تعبثان بخصلات شعره كعادته كلما شعر بتوتر:
-فضّلت أن أبرّ بقسمى لتجنب رؤيتك أو الاتصال بكِ حتى عودة والديكِ من السفر ,, رغم أن هذا كان يقتلنى من الداخل ..
-فهمت .. والآن ترى أن الامور تغيّرت وصار من حقك أن تأتى الى هنا وقتما تشاء ..
ضاقت عيناه من استقبالها الخالى من الترحاب وهو الذى كان يظن أنها ستفرح لرؤيته , لم يبدُ على ملامح وجهها الشوق ولا كان للحنين اثرا بصوتها الجاف .. قال بضيق لم يستطع اخفائه:
-أترانى جئت بوقت غير مناسب ؟
-بل أرى أنه لم يجدر بك المجئ الى هنا من الاساس ,ماذا تظن نفسك فاعلا لتجرؤ على التعرّض لشقيقتى بهذه الصورة الحقيرة ؟
لطمه صوتا قويا لرجل ذى ملامح حادة ووجه أسمر يحدّق فيه بعداء واضح بينما يضع ذراعا متملكة يحمى بها زوجته التى كانت ترتعش مرتجفة لدى ادراكها بهوية الزائر المفاجئة .. استطرد رفيق قائلا بثورة:
-ما لك تقف واجما هكذا ؟ لا تحرك ساكنا .. هل تحاول مضايقة ريم ؟ لأننى أقسم بأنك لو آذيتها مقدار شعرة ل...
قاطعته ريم بدون وعى خائفة من ردة فعله المتشددة:
-لم يحدث شئ يا رفيق , لم يضايقنى بوجوده أبدا.
ساورته الشكوك لدفاع أخته عن هذا الرجل ,ترى لماذا تهتم بانقاذه من بين براثن غضبه ؟ فأضاف متوعّدا:
-أعتقد بأنك أخطات العنوان يا جاسر , فموقع شركتك ليس بهذه الناحية الا اذا كنت تعانى من اختلاط بالاتجاهات .. هذا مكان محظور عليك تخطّيه.
جاء الآن دور ريم لتصيبها الدهشة وهى ترى العداء والكراهية تنبعث من حديثهما اذ اندفع جاسر يقول بصرامة :
-لم أخطئ يا رفيق فأنا قادم لرؤية خطيبتى .. فما العيب فى ذلك ؟
-خطيبتك !!
هتف به الاثنان رفيق واميرة فى نفس الوقت فتمطى هذا قليلا فى وقفته وهو يمسك بكف ريم اليمنى برقة متناهية يرفع أصابعها ليتلألأ خاتمه الماسى فى خنصرها ببريق لامع يخطف الانظار قبل أن يطبع قبلة حانية خفيفة على باطن يدها ليردف قائلا دون أن يتركها:
-نعم ,, فقد سبق وطلبت من شقيقتك الزواج وهى شرفتنى بالقبول , ألم تخبريه بعد يا عزيزتى ؟
ونظر بعمق الى عينى الفتاة الذاهلة من هذا العرض لا تدرِ ما الغرض منه ؟ فاشاحت بوجهها بعيدا تبتلع ريقها وهى تتلعثم باجابتها :
-لم .. لم أجد فرصة مناسبة لاخباره بعد.
تجهّم وجه رفيق وهتف مرددا بحنق بالغ:
-لا يمكن أن يكون هذا صحيحا .. لا يمكن .. انت تخطب أختى .. لا .. لن يصير الا على جثتى.
ثم وبنزعة غيورة قفز يهجم على جاسر ليبعده عن شقيقته التى فوجئت بهذا التصرف العنيف من جهة أخيها وأمسك بتلابيبه يهزه بعنف وهو يتوعّد هادرا:
-الا ريم .. افهمت يا جاسر ؟ لن أسمح لك أن تمس شعرة منها .. على جثتى ... سوف اقتلك.
حاولت أميرة أن تتدخل لتحول بينهما وهى تجاهد لتجذب زوجها بعيدا عن الرجل الذى يكاد يتسبّب فى انهيار عالمها الوردى بهذه البساطة بينما تتراقص على شفتيه ابتسامة واثقة وهو يزيح غريمه جانبا بحركة حادة ويعيد ترتيب ثيابه من أثر قبضته القوية هاتفا ببرود:
-لا , لا أفهمك يا رفيق ,ولا يعنينى ماذا تظن بى , جل ما يهمنى هو ريم فقط .. ورأيها وحده يعنينى ..
-ايها الحقير ! ابتعد عنها ,لن أتركك تحقق انتقامك مرورا بقلبها وحياتها.
فطنت ريم فى هذه اللحظة الى أن غضب أخيها موجها نحو شخص جاسر بالذات وليس لجهله بموضوع الخطبة كما كانت تعتقد ,فآثرت التماسك لمعرفة الحقيقة حول هذا الأمر الغامض ,فاقتربت بتردد من أخيها تسأله:
-رفيق .. لماذا تقول هذا الكلام ؟ ماذا تعنى بانتقامه ؟
نظر رفيق الى جاسر شذرا وهو يدمدم:
-يريد الانتقام منى على حسابك .
قطبت جبينها بشدة وهى تتساءل برعب:
-منك ؟ لماذا تظن أنه يريد الانتفام منك ؟
وقف جاسر متحديا بقوة وعيناه ترسلان انذارا رادعا لرفيق بأنه لن يتجرأ لاخبار شقيقته فتراجع هذا يشعر ببعض الضعف يعترى مشاعره نحو شقيقته فتمتم :
-لا تنسى موضوع الميراث .. لا بد أنه ما زال ناقما علينا.
-لا يمكن الموضوع تم حله مند عاد الحق الى اصحابه , فما الجدوى من مثل هذا الانتقام اذن ؟
حاول رفيق أن يخفف الصدمة قليلا عليها كما أنه لن يكن مستعدا للاعتراف بالحقيقة فصاح باندفاع:
-كما أننى أعرف أنه كان على وشك أن يخطب فتاة أخرى لكنه أدرك أنها متزوجة .. فليس معقولا أن يأتى فجأة ليعلن عن رغبته بالاقتران بكِ.
-لا,هذا ليس صحيحا , أليس كذلك ؟ لماذا تقف صامتا يا جاسر ؟ تصلّبت ملامح جاسر وكأن وجهه قدّ من صخر بعد أن حدّج رفيق بنظرة قاتلة تفيض كرها وهو يحاول أن يتهرّب من مواجهة نظرات حبيبته الملتاعة وقد انقسم قلبه شطرين لتوجعها وألمها ,يستحق هو كل هذا العذاب ,أما هى فلم يحتمل أن يكون مصدر حزنها وانكسارها .. غطّت ريم فمها بيديها تكتم شهقة كادت تفلت من حلقها بينما يتأكد لها أن ما يحدث لها ليس مجرد كابوس ليلى سوف تفيق من نومها لتجده سرابا ,, أنه حقيقة واقعة وملموسة .. لهذا الغرض تعرّف عليها واراد التقرّب منها لم يكن بهدف الانتقام من عائلتها لحرمان جده من حقه بالميراث ,كان لسبب آخر ..ارادها بديلة عن حبيبة سابقة .. لا يا ريم .. لقد تلاعب بكِ الجميع .. وأرادت فجأة الهروب من المواجهة .. الاختفاء .. تود لو تنشق الأرض لتبتلعها فى باطنها ,حتى قرّر جاسر انه قد اكتفى بلعب دور المدافع وتشجّع ليقترب منها مجددا وهو يهمس بأسى:
-هذا ليس صحيحا تماما .. أنا .. لم أكن .. أحب ..ها
نظرت له غير عابئة بما قد يراه فى عينيها من ألم مشبّع بالحزن وقالت باتهام:
-ولكنك فعلا أردت الاقتران بتلك الفتاة.
-حسنا , الأمر معقّد يا حبيبتى ولو منحتنى الفرصة لأرشح لكِ.
ومد يده ليلتقط كفها فى راحته فقاطعه رفيق وهو يقف حائلا بينهما:
-اتركها فورا , لا تلمسها.
انفجر هذا فى وجهه بغضب لاذع وهو يشير الى رأسه:
-فلتتعقّل يا هذا قليلا , الا يمكنك أن ترى مدى الأذى الذى تسبّبت فيه لها .. أنت تحاول تحطيمى فليكن ولكن ما ذنبها هى ؟
احمرّ وجه رفيق بشدة وهو يقول بصوت أقل حدة:
-أنت الذى تسأل بكل صفاقة عن ذنبها .. ويداك ملوّثة بدماء قلبها النازف ..سأكون ملعونا لو تركتك تتلاعب بها وبعواطفها.
سحبه جاسر بعيدا عن مرمى سمع الفتاتين وقال بصوت هامس:
-ثأرك عندى أنا , فلتفعل بى ما شئت .. أما ريم فابتعد عنها ,لا تجرحها بحديث قديم دُفن فى الماضى ولم يعد له اية أهمية فى الحاضر .. ما الذى ستفيده من مثل هذا الاعتراف ؟
-أتريد أن تقنعنى بأنك تهتم فعلا لأمرها ولا تريد لها الأذى ؟
-صدّق أو لا تصدّق فأنا أعشق أختك الى حد الجنون وأريد الاقتران بها دونا عن أية امرأة أخرى بالكون واذا اقتضى الأمر ازاحتك من الحياة بأسرها لأنال رضاها فهنئيا لك بما سوف أفعله.
-كيف تريد منى التصديق بزعم حبك لها ؟ وأنت الذى .. كان ..
ولم يتم عبارته فقال جاسر ساخرا:
-هيا فلتقلها .. كنت .. فى الماضى .. وربما كانت لى اسبابى الخاصة التى لن أفصح عنها الآن ,ولكن ما أريدك أن تفهمه جيدا اننى لم أحب ولن أحب سوى ريم حتى آخر عمرى.
-وتريدنى أن أقبل بك صهرا لنا ؟
-هذا أقل ما يمكنك أن تقدمه من أجل حبك لشقيقتك كما تدّعى أم أنها لا ترقى لمستوى حبك لزوجتك ؟
وضع رفيق سبابته فى وجه الرجل الآخر مهددا وهو يحذره بصرامة:
-ايّاك والحديث عن زوجتى ,, ابتعد عنها فهذا أفضل للجميع.
هز جاسر كتفيه بلا مبالاة وقال ببرود:
-ومن قال أننى أهتم لأمرها .. وليكن معلوما لك أننى لن أتسامح اذا ما راودك عقلك أن تخبر ريم بما تظنّه أنت الحقيقة ..دع لى الأمر برمته فأنا قادر على التعاطى مع هذه المسألة.
التزم الرجلان الصمت بعد هذا الاعلان عن هدنة أجبر الاثنان على القبول بها من أجل صالح فتاة واحدة .. ريم.


*****************

SHELL 02-09-20 02:20 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
تمهّلت هديل كثيرا فى خطواتها وهى تتجه نحو مكتب كريم كما أشار لها بمنتهى الدقة .. أرادت أن تعاند ارادته ورغباته هذه المرة ,لماذا لا تجرؤ على مخالفة أوامره بالرغم من أنه لم يعد يملك سلطة فعلية على قرارها ,وعادت لتذكّر نفسها بأنه ما زال مالكا لقلبها الذى يدق نابضا باسمه وله وحده ,حسنا لا تجد فى نفسها القوة الكافية لمقاومة مشاعرها فى هذا الصباح المشرق الذى يبعث على التفاؤل والأمل كما أنها لمحت بريقا خاصا مختلفا بعينيه فى الأمس ,لتنتظر ريثما تلتقى به لتنتهى من حيرتها الواقعة فيها ,دلفت الى الحجرة التى كانت تشغلها هى فى السابق لترى السكرتيرة الجديدة تحتل موقعها خلف المكتب بثقة وتملّك ,لأول مرة منذ غادرت هذا المكتب تواجه بديلتها الفائقة الجمال .. أنها من ذات الطراز المتأنق كطاووس متفاخر .. تختنق فى وجودها وكأنما تسحب الهواء من الغرفة بأناقتها المفرطة وزينتها الكثيفة على وجهها كأنما هى لوحة ألوان غير متناسقة .. ألقت عليها التحية بصوت خافت فلم تعرها تلك أى انتباه مما أشعل غضبها فاضطرت الى تكرار ما تفوّهت به بنبرة عالية وأكثر حدة مما أرادت:
-صباح الخير .. أودّ مقابلة السيد كريم.
للحظات ظنّت ان تلك المرأة الفخورة بنفسها لن تلتفت لها ,لكنها خالفت كافة توقعاتها لتمسحها بنظرات متعالية من قمة رأسها الى أخمص قدميها قبل أن تمط شفتيها استياءا وهى تتساءل بلهجة رسمية متجاهلة رد التحية:
-من أنتِ ؟
غرست هديل أظافرها فى راحة يدها تحاول السيطرة على براكين ثورتها قبل أن تقول بصوت متحشرج:
-لدىّ موعد معه هذا الصباح.
رفعت الفتاة الأخرى حاجبا رفيعا تتظاهر بدهشة غير حقيقية وهى تقول بتكلّف:
-حقا ؟ لم يخبرنى السيد كريم بهذا الموعد.
تأففت هديل وهى تشعر بأنها على وشك أن ترتكب جريمة فما بال هذه الفتاة السخيفة تحاول اغاظتها ثم هتفت بحنق:
-فقط اذهبى لتخبريه بأننى فى الخارج ..
قالت لها بذات اللهجة الممطوطة:
-أنا لا أتلقّى أوامرا منكِ .. وسبق أن أخبرتك بأنه لو كنتِ على موعد معه لأخبرنى ,, الأفضل لكِ أن ترحلى من هنا قبل أن تتسببى فى مشكلة لنفسك.
عدّت هديل الى الرقم خمسة فقط ببطء فلم تستطع أن تكمل وقالت بصوت مهدد :
-اسمعى أيتها الحمقاء اذا لم تذهبى حالا لتفعلى كما أشرت لكِ سوف يغضب منك السيد كريم جدا لأننى أؤكد لكِ أنه على علم بحضورى فى هذا الوقت المبكّر واذا أخبرته بأنكِ السبب فى تعطيلى عن موعده لن يغفر لكِ ولن يرحمك مطلقا .. أنصحك بأن تدخلى لتعطيه خبرا بقدومى.
شيئا ما فى لهجتها أثار القلق فى نفس السكرتيرة فربما تكون على حق .. هبّت من مقعدها لتتوّجه الى الغرفة الداخلية ثم اخرج بعد ثوانٍ معدودة وهى تشير لهديل أن تتقدّم بصمت فمنحتها الأخيرة ابتسامة ظافرة قبل أن تقول بشماتة:
-ألم أقل لكِ ؟ وعلى فكرة أنا كنت بمحلك ذات يوم لذا فنصيحة منى هو لا يحب ابدا طراز الفتيات الغبيات واللاتى تضعن الأولوية لمظهرهن على تفكيرهن .
وتركتها تغلى غاضبة من اهانتها الواضحة لتدلف الى الغرفة وتغلق الباب خلفها بصوت مسموع ,توجهت نحو مكتبه مباشرة لتجده مشغولا بمحادثة هاتفية فأشار لها حتى تجلس ريثما ينتهى .. كان يقول بمرح:
-حسنا فلتقم باللازم .. لا .. لا يهم التكاليف ,ها ماذا تقول ؟ طبعا أتوق لفنجان قهوة من صنع يديها .. أخبرها أننى بحياتى لم أتذوّق نكهة لذيذة ومنعشة بهذا الشكل .. اتفقنا .. سوف آتى قريبا لأجعلها تفى بعهدها.
تململت هديل فى كرسيها وقد تملكّها الفضول لمعرفة هوية محدثه على الطرف الآخر .. ومن هى تلك التى تصنع قهوة لذيذة لدرجة أنه يتوق لاحتسائها من يديها ,وعضّت على شفتها السفلى بقوة حتى كادت تدميها أتشتم رائحة غزل بالموضوع ؟ وهتفت بداخلها : ايها الخائن الناكر للجميل .. أعدّ قهوتك الخاصة منذ سنوات ولم أسمع منك كلمة اطراء واحدة كتلك التى تمطرها بوابل منها .. أنك كالقطط تأكل ثم تنكر ... يا للرجال !
لم تنتبه أنه أنهى محادثته وظلّ صامتا يراقبها بشغف واهتمام بينما هى تنظر لما حولها بملل وفجأة صاح ممازحا ليخرجها من شرودها:
-كفى بالله عليكِ ! فلترحميهما قليلا.
-هه ؟ آسفة ماذا كنت تقول ؟
أشار لفمها بجرأة وهو يعود بمقعده للخلف بينما يقول بجدية:
-شفتيك .. اللتين تأكلينهما بنهم ,هذه عادة غير صحية على الاطلاق .. وتنم عن توتر وقلق ,لماذا أنتِ كذلك ؟
كفّت بسرعة عمّا كانت تفعله شاعرة بخجل لا حدود له من ملاحظته الدقيقة وقالت بنزق لتدارى احراجها:
-طلبت منى الحضور مبكرا لأمر ضرورى فلننهِ هذه المسألة على جناح السرعة لأننى لا أريد أن أتأخر عن مباشرة عملى يا سيد كريم.
فوجئ بلهجتها الحادة وهجومها المباشر فارتفع حاجباه لا اراديا وهو يقول مقلّدا:
-بالتأكيد ما أريده منكِ يتعلّق بالعمل الذى عليكِ القيام به ولا تظنّى أننى أتساهل بوقت العمل فلدىّ ايضا مشاغل أنا الآخر يا آنسة هديل.
أطرقت برأسها خجلا فأضاف موبخّا بلطف:
-أم انكِ قد نسيتِ أننى أقدّس عملى مثلما تناسيتِ أشياءا أخرى ؟
رفعت وجهها نحوه تنظر اليه وقالت باستنكار:
-أنا ؟؟ لا أفهم بما اخطأت.
أشار بيده بحركة قاطعة هاتفا:
-لا عليكِ , لا يهم الآن .. اسمعينى .. سوف تعودين الى عملك السابق .. فلتذهبى على الفور وتلملمى اشياءك الخاصة حتى تنتقلى الى مكتبك بالخارج كما كنتِ.
فغرت فاها بدهشة وهى تتلقّى منه الاوامر الخاصة بنقلها الى عملها السابق ,كيف يجرؤ على معاملتها بهذه الاستهانة بمشاعرها والتلاعب بمصيرها ببساطة .. يوما اذهبى لا اريدك ,فى اليوم التالى عودى لقد صفحت عنكِ .. وهى ألا يهمه رأيها ؟ لقد أزاحها جانبا بجرة قلم ودون أن تهتز شعرة من رأسه لألمها ,لا لن تعود .. قالت تناطحه بقوة:
-ولكننى لا اريد أن أترك عملى , أحب جدا هذا القسم الجديد, و ..
قاطعها كريم بغير تصديق:
-ماذا تقولين ؟ أنتِ لا تدركين خطورة رفضك هذا , ثم أنا الذى اقرر هنا اين تعملين يا هديل ؟ فلا تتجاوزى الحدود لمجرد اننى صابر على اسلوبك هذا ..
-وماذا ان رفضت يا سيد كريم ؟ أستفصلنى من العمل ؟
-لا لن أفصلك ,ولكنك لن تعودى لهذا القسم اللعين فقد أصدرت أمرا وحالما تعودين الى هناك فلن تجدى لكِ مكانا ..
-وهكذا أصبح مضطرة للقبول بهذا الموقع بدلا عنه ؟
نظر لها ظافرا وهو يقول بثقة تامة:
-شيئا من هذا القبيل ..
قفزت هديل على قدميها وهى تجاهد لتقف بثبات فى مواجهة نظراته المتسلطة:
-وماذا عن سكرتيرتك المتبخترة كالطاووس فى الخارج ؟
-ستعود لموقع عملها السابق.
قالت هديل تتهمّه بقسوة وهى تشير لتبادل المواقع:
-وهكذا تتلاعب بنا كقطع الشطرنج .. نزيح هذا ونستبدل ذاك ونعيد تلك الى هنا .. بمنتهى اليسر والسهولة.
-ماذا دهاكِ يا هديل ؟ أجننتِ ؟ كيف تحدثيننى بهذه الطريقة ؟
-لا لم أجن بعد ولكنى فى طريقى الى الجنون حتما اذا استمرت محادثتنا لوقت أطول , لعلمك يا سيد كريم فلقد سبقتك ريم الى عرض للعمل معها وأنا .. قررت القبول به .. عليك أن تواجهها هى لا أنا ,ولتضع نصب عينيك أن المرأة قد تحررت منذ أمد بعيد فلا جدوى من محاولة اعادتها للقمقم .. عن اذنك , لا أريد أن أعطّلك عن أعمالك .. وداعا يا سيدى.
ثم غادرت برشاقة وخفة دون أن يجد الفرصة للرد عليها وهو يضرب كفا بكف متسائلا بغيظ عمّا حل بالحمل الوديع ؟ وكيف تحولت الى قطة شرسة تنشب انيابها بوجهه محاولة تمزيقه اربا .. لم يعد الامر سهلا كما اعتقدت يا كريم .. سيكون عليك أن تقاتل باستماتة لتكسبها الى صفك مجددا ,, والمعركة الآن فى الساحة .. معركة ارادات بينه وبين ريم التى لم تعد بذات الوداعة هى الأخرى وبدا له الأمر مثيرا للسخرية : لم تعد الفتيات خانعات مستسلمات كما فى الماضى , تبا لك يا محرر المرأة !.


****************

SHELL 02-09-20 02:21 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
استسلمت مها لهذا الاحساس الجميل الذى يدغدغ مشاعرها بكونها دافئة فى حماية ذراعين قويتين ,وشعرت لأول مرة منذ وطئت قدماها أرض الفيلا بأنها استغرقت فى نوم عميق هدائ بلا أحلام مزعجة أو خواطر مقلقة تنتابها لتعكّر صفو ليلها .. انفتحت عيناها فجأة بفزع مدركة أنها كانت فى أحضان زوجها الوسيم بينما أنفاسه الدافئة تلفح وجهها وعنقها لتذيب كيانها الى حد خطير .. أفلتت الشهفة من حلقها قبل أن تستطيع كتمانها فعلى ما يبدو أنها أيقظته بهذه الحركة , فتمطّى سيف بأريحية وهو ما زال على وضعه الملاصق لها وتثاءب ملء فيه قبل أن يتظر الى الضوء القوى المتسلل من زجاج النافذة معلنا ميلاد يوم جديد فصاح لاعنا بنعومة:
-يا الله ! كم الساعة الآن ؟
أخذ يفرك عينيه بقوة يحاول ازالة آثار النوم العالقة بجفونه المتثاقلة وهو يهب جالسا على حافة الفراش ينظر الى المنبه الصغير الموضوع على الكومود الى جواره فأكمل بحدة قائلا:
-أنها العاشرة , أف .. لم أشعر بتاتا بمضى الوقت ,ألم يرن جرس المنبه أم أننا كما قتلى فى عالم آخر ؟
ورمق زوجته التى نهضت بدورها واقفة على الجانب الآخر تراقبه بنظرات قلقة فأيقنت أن الحديث موّجه اليها هى بالذات فهزت كتفيها بقلة حيلة وهى تتمتم باعتذار لم تدرِ ما سببه:
-آسفة حقا , انا أيضا نمت بعمق ولم أكن على علم بأنك تود الاستيقاظ باكرا والّا كنت ...
قاطعها متسليا بعد أن راق له حوارهما الصباحىّ الذى اتخذ منحى جديدا بعد تجاهل رهيب دام بينهما لأيام عديدة:
-كنت ماذا يا مها ؟ كنت ايقظتنى أنتِ ..يا للعجب !
أومأت له برأسها وهى تقول مذهولة:
-وماذا فى ذلك ؟ أليس من الطبيعى أن تقوم المرأة بهذا الواجب تجاه زوجها ؟
ابتسم بحرارة مما جعل دقات قلبها تزداد وهو يقول مشاكسا:
-حسنا ,, حسنا ,, بدأتِ تعترفين بأننا زوجين وأنه قد آن الأوان لتقومى بواجباتك نحوى .. هذا رائع حقا.
دارت حول الفراش لتقف ازائه تمنعه من التقدم نحو الحمام وهى تلف ذراعيها أمام صدرها لتقول بانزعاج واضح:
-لماذا تسخر منى .. من محاولاتى لتقبّل هذه الحياة التى نتقاسمها ,كلما حاولت أن أقوم بأية بادرة للصلح والمهادنة أجدك تقف لى بالمرصاد ..
ارتفع حاجباه عاليا قبل أن يمد ذراعيه اليها ليشدها الى حضنه وطبع قبلة رقيقة ملحّة على شفتيها مما جعلها تجفل انها لم تتوقع منه هذا الرد الصامت فأغمضت عينيها بصورة حالمة ,وارتخت كافة دفاعاتها لتستسلم بمنتهى البساطة .. هى متعبة من الحركة فى دائرة مفرغة ,وربما تترك له دفة القيادة بكامل ارادتها .. تركها فجأة ولكن ببطء فنظرت له مصدومة فتعالت ضحكاته بمرح هاتفا:
-أيعنى هذا أنكِ تراجعتِ عن مخططاتك السابقة ام أنها مجرد مناورة لكسب المزيد من الوقت ؟
-لا طبعا ..
ارتبكت وهى تحاول نفى التهمة عن نفسها فعاد الى ضمها وقد أسعده نجاحه الساحق فى هجومه الذى شنّه ضدها فتقوقعت بدون أن تبدى اعتراضا وهى تتنشق رائحته الرجولية الفذة ,ثم عادت لتبعده عنها بهلع وهى تهتف:
-ألست متأخرا جدا على العمل ؟ أوه , عليك بالاسراع حتى تلحق بموعدك.
نظر لها متفكها وهو يقول بعنجهية واضحة بينما يقترب منها :
-وان يكن ؟ حتما انكشف أمرى لا بد أنهم الآن يحللون سبب تخلّفى عن الذهاب باكرا ..
ثم انحنى يهمس لها باغراء:
-وعرفوا أن لزوجتى يد بالموضوع ..
غمزها بجرأة بينما خطواته تتابع ثابتة متمهلة نحو الحمام أما هى فقد احمرّ وجهها حتى جذور شعرها بعد تلميحه الوقح فأسرعت تحاول الهروب من مرمى بصره وان أيقنت أنه قد اختفى بالداخل .. رمت بنفسها على المقعد متهالكة وهى تؤنب نفسها : أنا من تسببت لنفسى بهذا .. لو أبقيت فمى مغلقا , ترى هل لاحظ ؟
وظلّت هكذا غارقة بحيرتها الى أن سمعت وقع خطواته بالقرب منها ويداه تتسللان نحو خصرها من الخلف هامسا برقة غير معتادة:
-أيمكنك أن تحضرى لى ثيابى من أجل الخروج ؟
ردّت بسرعة:
-آه .. طبعا .. طبعا
وقامت لتعد له ثيابا من خزانة الملابس فلم يتركها لحالها بل وقف خلفها يراقبها بمتعة جديدة عليه وهو يراها تفكر فى اختياراتها بعمق وفى النهاية أخرجت له بنطلونا أسود اللون وقميصا بلون التبن .. رفعت الثياب أمامه لتأخذ رأيه فصفّر برضا تام ثم التقطها من بين يديها وهو يشير لها باستعجال:
-هيا .. لا وقت لدينا .. اغتسلى سريعا وارتدى ثيابك.
وقفت فاغرة فاها بينما ذراعاها وقعا الى جوارها ترمقه ببلاهة فأعاد عليها الأمر مجددا:
-هااا .. ماذا تنتظرين يا مها ؟ أأصابك الصمم حبيبتى ؟
-أذهب الى أين ؟ هل قررت التخلص منى ؟
غمغمت برعب ظاهر فيما قطّب جبينه بقوة وهو يتعجب منها:
-يا لخيالك الخصب ! هيا يا امرأة تقدمى سريعا , سوف أصطحبك معى الى الشركة ... مهاااااا ..
انتبهت على صيحته الهادرة الأخيرة لتهرع بعدها فى استجابة لأمره النافذ دون أن تحاول مناقشته وان شعرت بقلق يكتنفها .. ما السبب وراء قراره بمرافقتها له الى العمل ؟
وقفت تنظر الى انعكاس صورتها بمرآة الحمام الكبيرة بينما تجفف وجهها بالمنشفة القطنية فوجدت عينين غريبتين تطلان عليها .. ملونتين بعشق .. وهيام .. أين توارت رغبتها الملحّة بالانتقام ؟
بينما كان سيف يقوم باغلاق أزرار قميصه بعناية وعقله يعمل كخلية نحل .. ماذا دهاه حتى يقرر اصطحابها الى الشركة ؟ كان قراره مفاجئ جدا لها .. وله هو أيضا ,بيد أنه تيقن من عدم قدرته على تركها وحيدة بالمنزل كل يوم فهى قلما تغادر غرفتهما المشتركة ,متجنّبة الاصطدام بأيا كان فى غيابه .. رق قلبه لسجنها الاختيارى فاتخذ قرارا متهورا لتنعم ببعض الحرية بعيدا عن جو التوتر السائد بالمنزل .. أين المفر ؟ على كل حال فالمواجهة آتية لا محالة .. بعد عودة والديه من سفرهما الذى امتد وطال كثيرا .. والعواقب ستكون وخيمة .. سينهار سقف المعبد فوق رؤوس الجميع بلا استثناء ..


*****************

SHELL 02-09-20 02:23 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
-هديل .. هديل .. انتظرى.
هتاف صديقتها المباغت صدمها فلم تكن لتحلم بسماع صوتها وهنا ,, فى الشركة .. انعقد حاجباها بذهول وهى تلتفت لتطالع مها تسير نحوها بلهفة متأنقة للغاية فى ثوب طويل ذى اكمام وبحذائها العالى الكعبين حتى أصبحت أمامها مباشرة فقالت تنبهها بصوت مرتفع:
-هااى .. أنتِ ما بكِ ؟ ألا ترحبين بصديقتك ؟
وانحنت نحوها تعانقها بشوق فكانما هذه الواقفة أمامها لا تمت بصلة لذات الفتاة التى كانت تولول بالأمس منتحبة على كتفها بينما هى تواسيها , يبدو الآن أن الاوضاع قد انقلبت وعليها هى أن تتلقّى المواساة من صديقتها الحميمة .. قالت مها بينما نظراتها تدور هنا وهناك:
-لن تصدقى مبلغ اشتياقى للشركة بكل ما فيها.
هتفت هديل بصوت متكّسر:
-لا أصدق عيناى .. كيف جئتِ الى هنا ؟
وقفت مها بطريقة استعراضية وهى تشير نحو مكتب سيف البعيد ثم قررت بانتصار:
-أتيت معه .. مع زوجى فى سيارته , هل أجبت عن سؤالك.
تراجعت هديل الى الوراء وهى تطلق تكشيرة واضحة بينما لسانها انزلق دون وعى منها قائلة:
-زوجك ! هل هذا الصفيق هو من أتى بكِ الى هنا , كيف يجرؤ بعد كل ما فعله بكِ .. ألا يمتلك ولو قدرا ضئيلا من الاحساس ؟
نظرت صديقتها اليها وهى فى قمة اندهاشها من الأوصاف اللاذعة التى نعتت بها سيف ,فسحبتها من ذراعها الى جانب الحائط بعيدا عن الأعين مستترتين بنبتة صناعية طويلة بداخل اصيص فى الركن ثم سألتها محتدة:
-لماذا تهاجمينه بهذا الشكل ؟ هل ضايقك بشئ ما ؟
نظرت لها هديل كأنها تهذى فابتلعت ريقها بصعوبة لتتمتم بحقد:
-لم يفعل لى أنا شيئا .. لكنه آذاكِ أنتِ كثيرا .. كما .. أنه .. أعنى ابن عمه المتغطرس .. يظن أنه باشارة من يده سأخر مصعوقة تنفيذا لطلبه المشين .. يا لهم من رجال فظيعين .
-ابن عمه .. أيهما تقصدين .. آه بالتأكيد ابن العم الأصغر سنا والأكثر تأثيرا عليكِ ..
وابتسمت مها بحلاوة وهى تستحث صديقتها على الكلام:
-ماذا طلب المتغطرس منكِ ؟ قلتِ انه شي مشين .. هل طلب منك زواجا سريا ؟
واعترتها فجأة رغبة بالانفجار فى الضحك رغما عن همومها ,فلم تستطع مقاومتها كثيرا حتى دمعت عيناها وقالت بصوت متهدّج بعد محاولات جهيدة للتوقف عن الضحك:
-يريدنى أن أعود للعمل معه .. كسكرتيرة له .. تصوّرى يطالبنى بهذا بعد أن ألقانى بعيدا كأننى كرة مطاطية يتلاعب بها بين يديه كطفل صغير لاهٍ ..
-وبماذا أجبته ؟ لا تقولى أنكِ قد رفضتِ ..
رفعت تلك رأسها عاليا بكبرياء مصطنع وهى تقول بتأفف:
-رفضت وباصرار .. فقد سبقته احداهن بعرض عمل مغرٍ .. وقبلت به.
-هو يعرف ذلك , ثم من تلك التى استطاعت الصمود فى وجه عاصفته الهوجاء ؟
-ريم .. ابنة عمه.
-ريم ؟؟ تبا لها هذه الفتاة , هل مكتوبا أن ألقاها كلما تلفّت حولى.
-لماذا تتحدثين عنها بصورة غير لائقة ؟
-لا أعرف لا أطيق رؤيتها بالمنزل وعلى كل فهى تبادلنى هذا الشعور.
- لا حق لكِ يا مها ,أنها شخصية محترمة جدا ومتواضعة وأنا أعرفها منذ كنا زميلتين بالكلية.
أشاحت مها برأسها فى ضيق مغمغمة:
-ربما !
-لم تخبريننى كيف أقنعتِ هذا الغول باصطحابك معه ؟
حدّجتها مها بنظرة قاتلة وهى تنهرها:
-كفّة عن نعته بهذه الصفات السيئة , فهو بالنهاية زوجى .. ولعلمك هو من قرر ولست أنا .. ,واحزرى أيضا .. سوف أعود لممارسة العمل بالشركة ..
هتفت هديل وهى تكتم فرحتها:
-لا ,, هذه أخبار جيدة جدا ..
-وحصرية جدا .. أنتِ اول من يعرف ..
-هل تعنين بأن السيد رفيق ليس لديه علم بأنكِ ستصبحين سكرتيرته من جديد؟
ضربتها مها بخفة على رأسها وهى تقول ممازحة:
-أيتها البلهاء .. لن أعود للعمل مع رفيق .. سأظل الى جوار زوجى .. سأعمل برفقته هو .. هو فقط ولا أحد سواه.
لاقت نظرت استحسان من صديقتها الفخورة بها ولكنها عادت لتعبس مقطبة حينما سألتها بفضول:
-صحيح .. هل تحدثتِ مع عمى صلاح بخصوص الموضوع الذى طلبته منك ؟
لم تشعر هديل بالخوف والتوتر فى حياتها مثلما أحست فى هذه اللحظة الفاصلة حتى خلال فترة مرض والدها العصيبة كانت مؤمنة بالقضاء والقدر قانعة بأن أباها بين يدى الله .. تضرعت الى الله أن يشمل مها برحمته ورعايته حينما تسمع منها ما لن يسعدها .. ترددن للحظات بينما مها تمسك بمرفقها تتوسلها بنظرات مليئة بالأمل والرجاء:
-تكلمى يا هديل .. مهما يكن سوف أتحمّله .. أعدك.
قالت هديل باشفاق وتعاطف:
-لنرجئ حوارنا الآن .. بنهاية اليوم سيكون لدينا متسع من الوقت.
-كلا .. سوف تخبريننى الآن بكل كلمة نطق بها والدك كما هى ولا تخفى عنى شيئا مهما بدا لكِ بسيطا .. أريد الحقيقة كاملة وبدون تجميل.. كفى خداعا.
كفى خداعا .. ظلّت تتردد فى اذنيها صدى كلماتها هى بعد أن انطلقت هديل تقص على مسامعها الحوار الذى دار بينها وبين والدها بحذافيره دون أن تغفل ذكر أى واردة أو شاردة بناءا على رغبتها .. وبالنهاية هى لم تعد قادرة على سماع المزيد .. ساقاها لم تعودا قادرتين على حملها .. ارتج كيانها بزلزال الواقع .. أيعقل انها كانت مخدوعة تعيش بوهم كبير ؟ ولماذا كذبت أمها عليها ؟ ظلّ هذا السؤال يدور ويدور بذهنها وان كان من المستحيل ادراك اجابته فالشخص المنوط بالرد أصبح فى ذمة الله .. تلقّت فى ذهول وانعدام توازن النبأ الذى قضى على آخر قصور أوهامها الباطلة بضربة واحدة كان بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير ... شعرت بغثيان رهيب يسيطر على معدتها ,فوضعت يدها لا اراديا على فمها تمنع آهة نابعة من أعماقها .. لمحت ذعر صديقتها .. سمعت صيحاتها البعيدة تستنجد بمن حولها .. ومادت الدنيا بها .


*****************

SHELL 02-09-20 02:24 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
وقفت ليلى واجمة على باب الغرفة مترددة فى الدخول ,يبدو أنها أخيرا حسمت أمرها فطرقت مرة واحدة وأدارت المقبض بتصميم لتواجه من بداخلها فى نظرات متحدية بتكبّر وعناد ..
رفع رأسه من فوق الأوراق التى كان يقرأها بعناية ,بحاسته الفائقة التى تشعر بوجودها ولو كانت بآخر الغرفة تطلّع اليها بشوق وترقب .. لم تمنحه فرصة للرد أو ايضاح الأمر لها , فقط رمت باتهامها فى وجهه وهو على الأقل لم يعاملها بالمثل وان كانت بحلقه غصة ما زالت تخنقه كلما تذكّر رؤيتها الى جوار سيف فى الركن البعيد من الحديقة .. يشعر بغليان دمه لدى مرور هذه الذكرى المؤلمة فى باله .. هل يغفر لها وهل ستسامحه على اخفائه أمر هام كهذا ؟
بادرها مرحبا ببشاشته المعهودة:
-صباح الخير لكِ أيضا.
نظرت له باستعلاء وهى تجلس قبالته قبل أن تشير لما بين يديه قائلة:
-هل سأعطّلك عن متابعة عملك ؟
ضاقت عينا الرجل بشدة متوجسا من تهذيبها المبالغ فيه ثم اشار بيده فى الهواء بالنفى دون أن يجرؤ على الكلام فاستطردت هى بتلعثم ونبرة خائفة لم تشعر بها من قبل:
-أود أن أحادثك بأمر خاص .. يخصنا نحن الاثنين .. هل أتكلم هنا أن أنتظر لما بعد موعد انتهاء العمل ؟
تنحنح متوترا وهو يتساءل بصوت منخفض:
-هل تعنين أن نبقى فى المكتب بعد انصراف الموظفين لنتبادل الحديث بمفردنا ؟
أشاحت بوجهها فى حركة عصبية وهى تزفر بحرقة متأففة لتقول بكبرياء:
-لا طبعا .. كنت أظن أنه ربما لو لم تكن مشغولا .. أن نتناول الغداء معا بأى مطعم قريب .. ونتحدث.
ليلى التى تفيض حيوية وثقة بالنفس .. التى تمتلأ نفسها زهوا وفخرا .. تعرض عليه دعوة للغداء .. تتنازل ؟ خطيبته الحسناء فائقة الأنوثة تتورد وجنتاها الآن خجلا ؟
لما رأته صامتا لا يجيب على دعوتها فأسقط فى يدها , ترى هل سيرفض اعطائها فرصة ثانية بعد أن هدأت أعصابها الثائرة وتروّت كثير فى تفكيرها لتجد أنها قد بالغت كثيرا بردة فعلها متناسية ما رآه هو بعينيه .. هى وسيف معا .. يتبادلان حديثا هامسا خفية عن أعين أهلها .. قالت يائسة وقد تبدلّت ملامح وجهها ليظهر بجلاء معالم الحزن والقلق عليها:
-أرجوك .. يا خالد .. لا تقل لا .. يبدو ان كلينا قد تسرّع ,فهل نمنح أنفسنا فرصة للنقاش ؟
أنها تتمسّك بقناع عزة نفسها فتطالبه بفرصة , أنه يتعذب منذ تلك الليلة يهفو لأن يترجّاها ألّا تطلق حكمها الأخير عليه قبل ان تسمع كامل اعترافه .. لو تعرف كم حلم بهذه اللحظة التاريخية الفاصلة فى حياتهما .. ولكن ارتسمت على وجهه دلائل التفكير العميق متظاهرا بأنه يناضل من أجل منحها الموافقة , ثم أخيرا اطلق رصاصة الرحمة وهو يقول مترويّا:
-ليكن يا ليلى , أنا موافق .. لدىّ الكثير لأخبرك به .. ولا بد أنكِ قادرة على ارواء فضولى بالنسبة لموقفك الغامض من ذلك المدعو .. سيف.
نطق باسمه ببذاءة وتقزز وكأنه سبة تلوّث فمه فلم تتمالك ليلى نفسها من الابتسام لرؤية الغيرة تتلاعب بعواطف خطيبها الحنون .. لوهلة فقد هو القدرة على التمثيل وبانت مشاعره الدفينة جليّة على وجهه ونبرة صوته وحتى حركات جسده النحيف الذى تصلّب لدى ذكره هذا الاسم الذى يكن لصاحبه عداءا رهيبا .. وكان مدركا أنه لا يكرهه لزواجه من مها وانما انفجر بركان هذا الغضب حينما تعلّق الأمر بحبيبته الفاتنة والتى ما زالت ترتدى خاتم خطبته فى اصبعها .. ذلك الخاتم الذى كلّفه ثروة .. واتهمته أمه بالتبذير واختلال العقل لسماحه لليلى وامها بأن يجرّاه الى هذا الفخ كما ادّعت بالضبط.
تراءت لها ابتسامته وهو يتذكّر كيف هدأته ليلى بحنان بالغ بعد جداله يومها مع حماته حتى تخفف من ضغطها المستمر عليه وعلى أعصابه التى باتت على حافة الانهيار جرّاء معاملتها التى لا يمكن وصفها باللطيفة ابدا .. نحوه.
ألا يقال أنه من أجل الورد ينسقى العليق ؟ وهى وردته الفوّاحة الجميلة .. لأجلها هو على أتم استعداد لأن يمشى على سرير من الشوك و.. يتحمّل مزاجية أمها وتعاليها الواضح .. برضا وسعادة.
-حسنا , سأتركك الآن لتباشر عملك فيبدو أنك منزعج من وجودى.
لم يدرِ أن العبوس قد تسلّل دون وعى الى وجهه فصبغه بلون داكن ,هذه أقصى استفادة ينالها من ذكرى حماته المصون ,, ان تظن تلك الحمقاء أن غضبه وعبوسه موجهين نحوها هى .. مالكة القلب والعين .. تأوّه هاتفا وهو يهب لايقافها:
-ليلى ,, لا يمكننى أن أشعر بالانزعاج فى وجودك على الاطلاق .. كل ما فى الأمر أننى مشغول البال بعدة أمور فى العمل ..وفى الحياة أيضا ,لكننى أعدك بأن نتناول الغداء معا اليوم ونتفاهم .. لا أريد أن أراكِ غاضبة منى .. لا أحتمل زعلك.
-أحقا ؟
هتفت بأمل متسائلة ,فلمس ظاهر يدها بأصابعه يضغط عليها برقة وهو يهمس :
-أنتِ تعرفين هذا جيدا .. أحبك ..
سحبت يدها بسرعة وهى تقول متلجلجة:
-يتوجب علىّ الذهاب حالا .. لدىّ عمل هام لا بد من انجازه ..
كادت أن تضعف وتسمح له بالتأثير على عواطفها المتخبّطة ,وأدركت بنفس الوقت أنه عليهما وضع النقاط فوق الحروف قبل التمادى فى علاقتهما أو السماح بانتقالها لمستوى آخر .. وهو الزواج .. فليس هذا قرارا سهلا .. أنه زواج العمر .. يدوم للأبد.
غادرت على الفور دون انتظار اجابته وسمعها تسرع فى خطواتها بينما صوت كعبيها يرنان بأذنيه بطنين متصاعد .. حتى أغلق الباب خلفها وهو شارد الذهن غير قادر على التركيز من جديد فى الأوراق الملقاة على مكتبه , ضرب على سطحه بقوة وهو يلوم نفسه:
-تبا لك ولضعفك ازائها , فقط بضعة دقائق فى حضورها وتنسى العالم بأسره .. ولا تعد قادرا على عمل أى شئ سوى التفكير بغمازتيها الرائعتين وعينيها اللوزيتين وشعرها ال.. ماذا دهاك يا خالد حقا ؟ فرك وجهه بعنف علّه يفيق من عالم أحلامه , ثم دفن رأسه بكومة الأوراق يجبر ذهنه على التركيز فى الكلمات التى طبعت بلون أسود دونا عن تلك الابتسامة المتراقصة على الصفحة البيضاء .. هذه ليست بداية مبشرة ليوم جيد!


**************

SHELL 02-09-20 02:28 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
وقفت هناء الى جوار صلاح يتابعان سويا العمّال يتحركون ذهابا وايابا بهمة ونشاط لانجاز العمل المتراكم من أجل تجديد ذلك المبنى العتيق الذى قاما بشرائه من مالكه بثمن باهظ من اجل مشروعهما الخيرىّ .. قامت هناء بالانفاق بسخاء دونما حساب حتى يتحقق المطلوب لهما ..وصلاح لم يقصّر بدوره فى السعى هنا وهناك من أجل انهاء كافة الأوراق الرسمية لانشاء هذه المؤسسة ,ولم يكتفِ بذلك بل بذل جهدا ووقتا مضاعفا من أجل راحتها الخاصة فقد كانت قلقة للغاية من خروج الأمور عن نطاق السيطرة ,وعدها بثقة ولم يخلف عهده معها .. كل يوم يثبت لها أنه أهل للثقة ويمكن الاعتماد عليه .. منحته ابتسامة مشجعة وهى تراه دائم الحركة يتابع هذا ويتأكد من ذاك ثم يعود اليها ناصحا ايّاها بالتزام الراحة مشيرا عليها بأنه سوف يتكفّل بكل شئ دون الحاجة لارهاقها .. لم تنسَ أنه ألحّ عليها باهتمام جلىّ أن تبقى بمكان ظليل حتى لا تعرّض نفسها لأشعة الشمس المباشرة قائلا برصانة وحكمة:
-من الأفضل أن تظلّى هنا حتى لا تصابى بضربة شمس .. الجو حار جدا.
-لا أشعر بأى تعب أو ارهاق .. صدقنى.
أصرّ بقوة:
-لن تشعرى بالأعراض فى التو .. حينما تعودين للمنزل ستبدأ فى الظهور.
قالت باستسلام وهى تركن الى الظل:
-حسنا , أوامرك مجابة يا سيد صلاح.
كانت تمازحه الا أنه استقبل الأمر بجدية قائلا:
-ليست أوامر .. كل ما فى الأمر اننى قلق على صحتك .. تصرّين على الوقوف منذ الصباح وتتجاهلين نصيحة الطبيب بعدم ارهاق كاحلك.
-شكرا على قلقك واهتمامك .. لكننى لا أشعر أبدا بالتعب وأنا هنا.
وفجأة سقط أحد العمال أرضا وهو يتلوى من الألم فهرع صلاح نحوه ليرى ما حل به وسط مجموعة من العمال الذين هبّوا لنجدة زميلهم أما هناء فقد شهقت بخوف وحينما حاولت ان تقف على قدمها شعرت بآلام رهيبة تسرى .. عبر كاحلها ممتدة لأعلى فندت عنها صرخة متألمة مكتومة جذبت انتباه صلاح فعاد أدراجه مسرعا نحوها ,وباللحظة المناسبة أمسك بمرفقها حتى تستند اليه وهو يهتف بقلق غامر:
-بمَ تشعرين يا هناء ؟ هل أنتِ على ما يرام ؟
تحاملت على نفسها وهى تغمغم بصعوبة من شدة الألم:
-لا شئ .. ربما أكون .. آه .. تحاملت على نفسى كما قلت ,أشعر ببعض الألم الخفيف.
كذبت متعمدة تحاول اخفاء الحقيقة بيد انه أدرك مرادها فى ثوانٍ معدودة ,فقادها بحزم نحو السيارة ... سيارته التى كانت مصفوفة بالقرب من المبنى المرتفع .. وفتح لها الباب ثم ساعدها برفق لتجلس بالمقعد الأمامى ,وأغلق الباب قبل ان تراه يختفى وسط العمال لينتحى جانبا برئيسهم ,تبادل بضعة كلمات معه فأومأ هذا برأسه متفهما ,وتركه صلاح عائدا أدراجه نحو سيارته التى قادها بحكمة ومهارة ليقلها الى منزلها .. رغما عن اعتراضاتها الواهنة ,فقد ظهر خط رفيع على جبينها بفعل الألم المستمر .. توقعت أن يؤنبها صلاح بكلمات قاسية أو يلومها على عنادها الا أنه تصرّف بتهذيب ورقة بلا حدود ,أخذ يطمئن عليها بين الفينة والأخرى وكلما انعطف بالسيارة يلقى عليها نظرة شاملة ليتأكد من أنها بخير ولم تحتك بجانب الباب الى جوارها .. سألها قبل أن يصل الى الفيلا :
-ألا تريدين الاتصال بكريم لاعلامه بما حدث ؟
نفت برأسها بشدة وهى تقول بقلق:
-كلا , اذا أخبرته الآن سوف يصاب بالفزع وقد يتهور بقيادته حتى يصل سريعا الى البيت .. أنا بخير الآن .. سأرتاح قليلا وستتحسن حالة قدمى .. شكرا صلاح على تعبك .. أرهقتك كثيرا معى.
وقف أمام البوابة قبل ان يطلق زمور سيارته باستعجال لينفتح الباب الحديدى .. وسار الى نهاية الممر حيث انتهى المشوار .. تعرف هناء جيدا أنها تتسبب له بآلام نفسية ضاغطة اذ أجبر على أن تطأ قدماه أرض الفيلا التى أقسم ألا يخطو على شبر منها ..ساعدها لتنزل من السيارة وهو ما زال يمد لها يد العون فتراجعت هى بخجل ترفض أن تحمّل عليه اكثر فنظر لها باستغراب حتى قالت هامسة:
-اسمع , لا داعٍ لأن أتعبك أكثر , يكفى أنك أوصلتنى الى هنا .. سوف أقطع الدرجات القليلة الباقية وحدى .. شكرا يا صلاح مرة ثانية.
لوهلة كاد أن يفلتها من هول الصدمة التى تلقّاها على يديها بهذه اللحظة ثم شدّد قبضته المحكمة على ذراعها قائلا بقسوة:
-لا تخشى شيئا يا هناء هانم .. فأنا لن أحاول بتاتا التطفّل على خلوتكم .
-لا , لم أقصد هذا .. البيت بيتك طبعا .. لكننا نعرف جيدا أنك لست راغب فى الدخول .. و.. أنت لديك كل الحق , ليتنى كنت أمتلك بيتا آخر لما ترددت فى دعوتك اليه .. هل تفهمنى ؟
زفر بغضب قبل أن يقول بحزم:
-البيت ليس بيتى ولن يكون أبدا , ولكننى سأتأكد من وصولك سالمة الى الداخل قبل أن أغادر .. فلا شئ يمكنك أن تقوله أو تفعليه من شأنه أن يغير من قرارى.
-حسنا.
هتفت بيأس واستسلمت له يقودها حتى باب الفيلا وما أن دق الجرس حتى أتت سماح مهرولة وما أن لمحتها تستند على ذراع صلاح حتى استوعبت ما حدث بفطنة ,وبعد أقل من دقيقة كانت تتبادل الأدوار مع صلاح .. الذى وقف مسمّرا على أول درجة يتابع هناء وهى تسير الهوينى ببطء وقبل أن تختفى بالداخل استدارت بوجهها لتنظر له بامتنان عميق وهى تقول بصوت جاهدت ليكون مسموعا:
-شكرا .. لا يمكننى أن أوفيك حقك فعلا ..وأعرف أنه قد أصبح لدى من أعتمد عليه .. هل ستعود الى الموقع لمتابعة العمال ؟
أومأ برأسه ايجابا وقال ببطء وتأنٍ:
-نعم , سأعود على الفور ولا أريدك أن تشغلى بالك بسير العمل ,فقط اعتنى بنفسك ولا تتحاملى على كاحلك مجددا حتى لا يتضرر.
-الى اللقاء يا صلاح.
-الى اللقاء.
وانصرف كأنما شياطين الأرض تطارده فقد هبّت رياح الماضى تلفحه بحرارة .. يقود بسرعة غير اعتيادية , ماذا فعلت بنفسك يا صلاح ؟ ألم يكن مقدّرا لك أن تنسى ؟ وعاد ليقول بصرامة: وماذا كنت سأفعل ؟ هل أتركها تعود وحدها وهى متألمة بهذا الشكل ؟
لا , لا يمكن أن أخذلها ابدا ,, هناء .. كلمة السر دائما .. فى سرائه وضرائه .


***************

SHELL 02-09-20 02:37 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
انتهى الفصل الثامن

https://upload.3dlat.com/uploads/128711247516.gif

SHELL 18-10-20 01:22 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
الفصل التاسع

https://forums.alkafeel.net/filedata/fetch?id=856878

بعد أن تم اللقاء العائلى بين الأسرتين على خير ما يرام , أو على أفضل تقدير دون خسائر تذكر .. فشقيقها كان متأففا على الدوام وحينما تمت المصافحة بينه وبين جاسر شعرت بأنه على وشك الانفجار .. ودمدم بكلمات التهنئة على كره منه .. ثم انسحب مصطحبا زوجته بعد انصراف الضيوف دون أن يقول المزيد ,تعجبت ريم من تصرفه فهو وان كان علىعلم بماضى جاسر المشين كما سبق واخبرها الا أنه أصرّ وباستماتة على كتمان الأمر عن والدهما ورفض أن يبوح لها باسم المرأة المتزوجة التى كان على علاقة بها كما ادّعى هو .. متعللا بأنه لا يعرفها شخصيا وكان جوابه :
-وما نفع المعرفة باسمها ؟ لا مزيد من الفضائح .. يكفى أنه لم ينكر ما قلته , أليس هذا دليلا كافيا لتصديقى ؟
وأضاف بحنق:
-ثم انك لم تتأثرى بهذا الخبر , وسوف تمضين قدما فى هذه الزيجة , فلا أرى ضرورة من نبش الماضى.
لم يدرِ رفيق ان أخته تعانى الأمرين وتتذبذب مشاعرها بين القبول والرفض .. كانت بأمس الحاجة لمن يمد لها يد العون يخرجها من حيرتها ,, ومن كان أفضل من شقيق لها وهو بذاته من قض مضجعها ودمّر سعادتها الهشة باعترافه المذل .. ولمزيد من الدهشة أحست بأن أميرة صارت تتحاشاها وتحاول تجنّب الحديث معها ,مما أيقظ ثورتها المكتومة فى نفسها ضد زوجة أخيها .. وعادت لتكن لها بعض المشاعر العدائية ,فيما التزم كلا من سيف وكريم الصمت بخصوص ارتباطها لجاسر وان شعرت بأن سيف لم يعد متذمرا للغاية فعلى ما يبدو أن ذهنه كان منشغلا بشئ أهم ,وكريم الذى بدا تائها , نظراته زائغة , وتكهّنت بأن لرفض هديل العودة الى عملها معه الاثر الأكبر عليه ,وهى أوفت بعهدها للفتاة المسكينة وضمّتها الى فريق العمل الخاص بها .. لا تنكر أنها نشيطة وتفنى نفسها باخلاص الا أن لمسة الحزن التى تغلّف نظراتها دوما جعلتها تقارن بينها وبين ابن عمها الذى يبدو مكتئبا .
أضافت ريم لشروطها التى فرضتها على جاسر عدة بنود جديدة اثر معرفتها بعلاقته السابقة على الرغم من تكراره لعدم معرفته بزواج الفتاة من قبل , وانه ما أن علم حتى قطع كل صلة بها ودون انتظار ,ومن أهمها : ضرورة الانتظار مدة ستة أشهر حتى تتوطد معرفتهما أكثر قبل اتمام الزفاف ,والابقاء على عملها بشركة العائلة حتى بعد الزواج الى أن تقرر هى العكس ,والشرط الأكثر صعوبة كان ... أن تكون عصمتها بيدها فيكون لها حق تطليق نفسها منه , وهذا ما أقار دهشة البعض وضيق البعض الآخر .. وصولا الى جاسر نفسه الذى اتسعت طاقتى أنفه غضبا ورمقها بنظرات قاتلة دون أن يتكلم , أما هى فبدا عليها اللا مبالاة وقالت ببرود:
-ان لم يكن موافقا فلن تتم هذه الزيجة , ولا أرى عيبا فيما أطلبه فهذا حلال شرعا وقانونا.
نظر الجد عبد الله الى حفيده متسائلا قبل أن يقول بهدوء ورزانة:
-جاسر وحده هو من يملك حق الموافقة أو الرفض , فما هو قولك يا ولدى ؟
زفر جاسر بعمق قبل أن ينجح فى ادهاش الجميع بلا استثناء بمن فيهم ريم قائلا بثقة :
-طبعا لا أنكر حقها أبدا فى هذا الطلب ,ولكن يمكننى الآن وأمام الجميع ان أعدها بأننى لن أخالفها ان ارادت الطلاق فيما بعد ,فما عليها سوى أن تخبرنى برغبتها تلك فى أى وقت ولن أمسكها الا بمعروف .. ولكن اذا كانت مصرّة على أن تكون العصمة بيدها فلا مانع لدىّ على الاطلاق , أعتقد أنه لم يكون هناك داعٍ أصلا للانفصال .. فزواجنا سيستمر العمر كله باذن الله.
أضاف عبارته الأخيرة بثقة زائدة مالت الى الغرور مما دفع التضرّج الى وجهها وهو ينظر لها نظرة خاصة لم تدع مجالا للشك فيما يعنيه بحديثه ,فشاع المرح بين الحضور حينما أضاف هو مقررا:
-لا تندهشوا فكل ما فى الأمر ان ريم تحب الشعور بالاستقلال وأنها ليست مجبرة بأى شكل من الاشكال ,وهأنذا أعلن موافقتى على كافة شروطها على الملأ.
وبختام قوله اسدل الستار على اية مناقشة قد تبدو عقيمة بلا فائدة ,وأنهوا اجتماعهم بقراءة الفاتحة بعد تحديد موعد لحفل الخطبة ,ولن تهتم ريم كثيرا بشكليات هذا الاحتفال .. حتى أنها استأذنت للانصراف ,فيما تبعها جاسر وهو يغمز بعينيه لأفراد العائلتين ,ما دفع الجد ومحمد الى اعطائه الاذن بايماءة من رأسيهما دون كلام.
أسرع جاسر مهرولا وقد اتسعت خطواته ليلحق بها قبل أن تختفى عن ناظريه وقد أمسك بمرفقها بقوة مما جعلها تجفل وصدرت عنها أنّة خافته تعبّر عن انزعاجها:
-ماذا تريد ؟
أوقفها بجرأة عن التقدم ولا يفصل بين وجهيهما سوى بضعة سنتيمترات قليلة حينما انتفض صارخا:
-انتظرى , لا أريد شيئا الا محادثتك ..
حاولت التملص من قبضته دون أن تنجح وهى تقول ثائرة :
-لا يوجد بيننا ما يُقال , ألم ينتهِ الاتفاق بعد ؟
-نعم من جهتك أنتِ , لقد أمليت شروطك وألقيتِ بالشرط الأخير فى وجهى ثم انتهزتِ الفرصة لتهربى.
رفعت حاجبيها عاليا بدهشة مصطنعة قبل ان تقول هازئة:
-ألم توافق عليها جميعا ؟ أم أنك تريد التراجع الآن ؟
نظر لها بغضب قبل ان يهتف حانقا:
-لست أنا من يتراجع عن كلمته .. وأن كنت أفضل أن نتناقش سويا بامورنا الخاصة دون الحاجة لنشرها على الملأ هكذا , لم أكن لأعارض رغبتك أبدا ..
-أحقا ؟ أخبرنى يا جاسر ألم تشعر باهانة عميقة لكرامتك وأنا أطالب بأن تكون العصمة بيدى ؟
هز رأسه نفيا وهو يدمدم من بين أسنانه:
-ولماذا ينتابنى مثل هذا الشعور ؟ سبق وأخبرتهم كما سأخبرك الآن بأننى أهتم كثيرا لأمرك الى درجة أننى مستعد للموافقة على كافة متطلباتك الغبية والتى تتفننين باغضابى بها ارضاءا لكبريائك الجريح.
تراجعت مصعوقة للوراء وهى ترتعش لا اراديا تغمغم بضعف:
-أهذا ما تظنّه فىّ ؟
-وماذا غير ذلك ؟ منذ ان أخبرك شقيقك الغالى بتلك التفاهة عن علاقتى السابقة بتلك الفتاة وانا أراكِ تبتعدين عنى من جديد , تحاولين الاختباء من قوة مشاعرنا .. حسنا يا ريم سأمنحك الوقت الكافى لتستعيدى ثقتك بى وان كان الثمن هو اهانتى بهذا الشكل فليكن .. دعينا ننهِ هذه المرحلة بسلام.
ثم أدناها منه الى درجة كبيرة قبل أن يقول بنعومة خطيرة:
-لم يعد لدىّ القدرة على الصبر والاحتمال أكثر , فلن أجازف بخسارتك مرة أخرى , ألا تفهمين أننى على استعداد للتضحية بحياتى فداءا لكِ ؟ وبهذا فموافقتى على شروطك التعجيزية لا تعد شيئا بالمقابل , ضعى فى حسبانك أنكِ لن تحبطيننى بتصرفاتك الطائشة ,لن أرضى سوى بكِ فى حياتى .. حبيبتى وزوجتى وشريكة حياتى وأم أطفالى.
انغرز صدق كلماته القوية على الفور فى كيانها مخلّفا ورائه عاصفة من المشاعر المهتاجة التى أخذت تعصف بعقلها وقلبها ,أيمكن أن يكون صادقا الى هذا الحد ؟ تشعر بأنها تتوق الى رمى الماضى خلفهما لتمضى قدما بحياتها معه جنبا الى جنب ,بعد اعتراف رفيق الصادم لها بهذا الجانب المظلم من حياة جاسر السابقة والذى اضاف نقطة الى بحر التيه الذى ابتلعها كان يمكنها أن تبلغ والدها برفضها لاتمام الخطبة وبالتالى الزواج , الا أن شيئا ما منعها من الاقدام على هذه الخطوة .. ادراكها لقوة حبها , أنها لا تتخيّل رجلا آخر سواه , لن تسمح لغيره ابدا ان يحل مكانه بقلبها ولا حياتها ولا بعد مئة عام .. هى له وحده , وهو يقسم لها بدمه أنها محفورة بقلبه ولا أحد سواها يرغب بأن تشاركه حياته .. كما أنه قد تحدث عن حياة وأطفال .. أيعنى هذا أنه من المقدر لزواجهما أن يدوم الى الممات ؟
استسلمت مجددا لضعفها ازائه وبداخلها تضاعفت رغبتها لاستجوابه عن المرأة الأخرى , اذا فقط استطاع أن يصارحها بالحقيقة كاملة لربما منحته صك غفرانها ,وعادت لتثق به من جديد .. لم تعِ أنها قد تفوّهت بهذا السؤال الا حينما أجابها بجدية:
-حبيبتى ... أعدك بأننى سأحاول يوما أن اشرح لكِ الأمر بالتفصيل .. حينما تتاح لى الفرصة ,أما الآن فلن اجرؤ على التصريح بأى شئ يخص امرأة متزوجة من رجل غيرى .. يعد خوضا فى الأعراض .. أطلب منكِ فقط الصبر والثقة لنجتاز تلك الأزمة العابرة ,ثم ننعم بعدها بالسعادة الأبدية.
لم تملك سوى أن تطلق تنهيدة مغتصبة من صدرها وهى تترك أصابع يدها تسترخى فى أحضان كفّيه القويتين ,أسبلت جفنيها حالمة وهى تقول بصوت غريب على أذنيها:
-ربما أستطيع ذلك اذا ما ساعدتنى أنت.
ثم فتحت عينيها بقوة وهى تضيف بتصميم:
-منذ الآن فصاعدا ,, لا أسرار تخفيها عنى ..
أومأ لها موافقا برأسه وهو يمنحها ابتسامة جذابة أربكتها على الفور ,فقالت تخفى تأثرها الشديد :
-والآن .. أخبرنى عن والدك , ولماذا لم يأتِ معك ؟
وكان هذا السؤال بداية لاختبار صعب بالنسبة الى جاسر , ولكنه وعدها ولن يخلف عهده .. فقال متوددا:
-الحديث عن والدى سيطول كثيرا , ألا يوجد مكان أكثر راحة نجلس فيه دون أن يزعجنا أحدهم بدلا من الوقوف هكذا فى الممرات ؟
ابتسمت ريم بدورها متخليّة عن قلقها الدائم لأول مرة وهى تترنم بصوت مغناج:
-طبعا , تعالَ معى.
وسارت نحو الخارج يتبعها ظله العملاق بينما أيديهما ما زالت متشابكة الأصابع لا تنفصم.


**************

SHELL 18-10-20 01:26 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
وقفت تتأمل نفسها أمام المرآة تتساءل عمّا حل بها ,وما الذى تغيّر بداخلها ؟ لا تنكر أن علامات الحمل قد ظهرت بوضوح بالغ عليها .. لا يمكنها أن تخفى بروز بطنها الخفيف اذا ما استمرت بارتداء ذات الملابس الضيقة التى اعتادت عليها ,ستخبر زوجها بحاجتها الى ملابس جديدة أكثر اتساعا .. وأكثر احتشاما لتتلاءم مع وضعها الجديد كأم لطفله القادم ,عندما تعود بذاكرتها لذلك اليوم الذى فقدت فيه وعيها اثر معرفتها بالحقيقة التى ظلت مجهولة لسنوات طوال ,عزت اغمائتها الى التوتر الرهيب الذى انتابها اضافة الى قلة شهيتها للطعام بسبب ظروف حياتها الجديدة فى منزل الشرقاوى والتى أثرت سلبا على راحة بالها ,جعلتها ممزقة بين رغبتها بالبقاء الى جوار سيف والهروب من هذا الجحيم المستعر .. حتى حسمت ترددها بعد أن شكّت كثيرا بأن العوارض المتلازمة والتى باتت تتكرر بشكل يومى أنها تحمل فى أحشائها ثمرة حب من طرف واحد .. هى واثقة من عشقها لذلك الرجل المتكبّر الفظ الذى عاملها بشكل سيئ للغاية فى بداية زواجهما ,ثم تحول الى الرقة واللطف بمرور الأيام .. حتى أحست بأنها تحيا فى حلم جميل وردى يدغدغ مشاعرها ويتلاعب على أوتار عواطفها الفيّاضة ,ربما تعزو هذا الى تأثير الهرمونات المتفاعلة بجسدها وهى نتيجة طبيعية للحمل .. أصبحت أكثر حساسية وقابلية للعطب .. من أقل كلمة تنهار دموعها مدرارا .. ولأتفه الأسباب باتت تغرق بجو من الكآبة القاتمة ,هى غير أكيدة من مشاعر زوجها نحوها .. حاولت ألا تخبره عن حملها .. خائفة وقلقة من ردة فعله العنيفة تجاهها , ثم تذكرت ذلك الشرط الرهيب فى عقد زواجهما , اذا منحته طفلا تصبح حرة وهى وافقت يومها بمنتهى البساطة .. ربما لأنها لم تخطط فعليا لاتمام زواجهما .. ظنت أنها مجرد لعبة لتنتقم وتنال حقها المسلوب دون أن تخسر شيئا .. لم تضع فى حسبانها أن سيف الذى ارتبطت به ليس رجلا لين العريكة ولا يمكن أن يترك زمام أمره بيد امرأة مهما كانت ,تحوّلت الى فريسة سهلة بمنتهى السذاجة وقد بدا لها أحيانا أن زوجها كان على علم بمخططاتها أو على الأقل تنبّأ بجزء منها .. حينما أصبحت عادتها اليومية صباحا أن تستيقظ مهرولة الى الحمام لتفرغ ما بمعدتها الخالية وباتت تتقزز من رائحة عطره الأصلى وعافت نفسها الكثير من الأطعمة .. لمحت بعينيه نظرة متسائلة باصرار تزايدت بمرور الوقت حتى أنه سألها بطريقة مباشرة عن صحتها .. كان صوته متوترا مليئا بالاهتمام الشغوف حتى أنكرت بشدة كونها راغبة فى عدم المصارحة ,حتى جاء اليوم الذى اصطحبها فيه الى المستشفى دون علم منها ,وضعها أمام الأمر الواقع وهى يقودها نحو الاستقبال ليملى اسمها كاملا الى الموظفة فى انتظار تحويلها الى الطبيب المختص ,وذهبت اعتراضاتها الواهنة أدراج الرياح ,فالرجل المصاحب لها قبض على ذراعها بتصميم وهو يخطو معها الى حجرة الكشف هاتفا بمرارة:
-لا داعٍ لمحاولة الاعتراض , علينا أن نطمئن على صحتك , فأنتِ تذبلين يوما بعد يوم كما أننى أراكِ تفقدين الكثير من وزنك.
وهناك بعد اجراء الفحص السريرى واجراء العديد من التحاليل المطلوبة انكشفت الحقيقة بجلاء .. كان الطبيب مستبشرا وهو يقدم التهنئة الى الرجل الواجم قربها بأنه على وشك أن يصبح أبا ,وأملى عليهما العديد من النصائح الطبية اللازمة فى مثل هذه الحالة كما أشار بضرورة متابعة الحمل لدى اخصائى النساء والتوليد .. ورشّح لهما ثلاثة من الأسماء اللامعة من ذوى الخبرة فى هذا المجال ,تقبّل سيف نصيحته شاكرا ايّاه بفتور قبل أن ينظر الى مها بعينيه الحادتين كاشفا عن صدمة تلقّاها للتو وقادها مرة أخرى نحو السيارة بصمت شامل غلّف الجو بينهما فهى أيضا لم تجرؤ على الاتيان بكلمة واحدة , تموت شوقا لمعرفة احساسه الذى يخفيه جيدا .. أهو غاضب منها ؟ أم أنه قد طرب لسماع الخبر ؟
بعد أن ولجت الى المقعد الأمامى , اغلق سيف الباب بحركة عنيفة مصدرا صوتا رنانا ودار حول السيارة ليستقر بجوارها .. صامتا .. قبل أن يقرر الالتفات اليها صائحا بحدة:
-مبارك يا مدام مها ,, والى متى كنتِ تنوين اخفاء الأمر عنى ؟
ارتبكت مها كثيرا وقالت بصوت منخفض:
-لم .. أكن .. أعرف ؟ ...
قاطعها محتدا وهو يقبض على معصمها ليجبرها على النظر اليه تتوسلّه ألا يؤلمها:
-لا تكذبى .. لم تكونى تعلمين أنك حامل فى الشهر الثانى ...
أجابت بسرعة:
-كلا لم أقصد , لم أعرف كيف أخبرك ؟ .. خشيت من اثارة غضبك كما حدث الآن .. وخفت من ردة فعلك .
أومأ برأسه ايجابا قبل أن يقول متهكما:
-نعم .. أنت محقة .. هل تودين معرفة شعورى ؟ أرغب بلى عنقك أو ربما ..
زفر حانقا وهو يضرب المقود بيديه بعد أن أفلتها ثم صاح شاتما بحقد:
-لا أعرف كيف أتصرف معك ِ ؟ حقا أنتِ تثيرين أسوأ ما فىّ .. لديك قدرة غريبة على اثارتى واغضابى حتى أكاد أشعر بأنه يكفى منكِ نظرة واحدة لاشعالى .. مها .. ألهذه الدرجة تهوين تعذيبى ؟
نظرت له بعدم فهم وهى تتمتم قائلة:
-أنا ؟؟ ظننت أنك أنت من يحب ايلامى .. مضت ليالٍ وأنا افكّر كم يرضيك رؤيتى خائفة ومنكمشة على ذاتى فى انتظار تقرير مصيرى الذى بيديك .. أتعاقبنى يا سيف ؟ طبعا لأننى تجرأت وتحديت السيد العظيم سليل العائلة العريقة .. أجبرتك على الزواج من مجرد سكرتيرة حمقاء نكرة لا تمثل لك سوى صفرا على اليسار.
انتفض سيف ثائرا فى وجهها , يحاول كبح جماح غضبه الذى تطلقه من معقله ببساطة ,فهتف ساخرا وهو يصفّق بقوة:
-برافو .. تستحقين جائزة لتمثيلك هذا .. أتحبين أن أذكّرك بما فعلته بدم بارد ؟ أنسيتِ أمر رسالة التهديد ووثيقة الزواج المزوّرة ؟ أكنتِ تريدين منى الاستسلام لكِ واستقبالك بذراعين مفتوحتين ؟
صاحت مها بدورها منفجرة بغضب حاد:
-لااااا , لست بحاجة لتذكيرى بما أخطأت به .. ألا تدرك أننى كنت يائسة لدرجة الموت ؟ حاولت أن اصل اليك بأية طريقة , لم أحسن التصرف .. أعرف , كان ذهنى مشلولا فلم أجد حلا آخر سوى ما قمت به ,كنت متهورة وطائشة .. ولكننى أيضا كنت وحيدة وضعيفة .. بعدما قمت باقصائى من عملى , الشئ الوحيد المتبقى لى .. واهانتى بعرض المال الوفير ..
قاطعها بنفاد صبر هاتفا:
-بالله عليكِ لقد كان مبلغا محترما يكفل لكِ حياة كريمة .. ممَ كنتِ تشكين ؟
-هل تعتقد أن المال هو ما كنت أسعى اليه ؟ كلا يا سيد سيف .. أنت مخطئ .. أردت الاهتمام والرعاية .. كان العمل يؤمّن لى الراحة لأننى أكسب قوتى بجهدى .. بدلا من الهبة .. المجانية الكريمة التى قرر السيد رفيق منحها لى .
قال بنزق:
-لم يكن هو .. أنا ..
ثم ابتلع بقية عبارته شاعرا بالندم لتسرعه فقد كان على وشك الاعتراف بالسر الدفين , التقطت مها طرف الخيط منه وسألت بفضول:
-من اذن ؟ أخبرنى الرجل فى ذلك اليوم أن الشيك هو تعويض عن طردى من الشركة حتى لا أحاول ملاحقتكم قضائيا وكأننى كنت سأستطيع الصمود فى وجه عائلة الشرقاوى بنفوذها الهائل وأنا مجرد فتاة .. عاملة ,أيعقل أنك أنت الذى ؟؟
ولم تتم كلمتها فقد أدركت فجأة الجزء الناقص من هذه الأحجية الغامضة , شهقت بذهول وهى تضع يديها على فمها ,أشاح سيف بوجهه بعيدا عنها وهو مدرك بأنه لا فائدة من الانكار .. فقال بصوت ضعيف :
-لا تجعلى خيالك الخصب يصوّر لكِ أشياءا وهمية , كل ما فى الأمر أن رفيق اقترح مبلغا معقولا كتعويض ,, الا أننى قررت وبسذاجتى طبعا لأننى توهمت أنكِ مظلومة أن أزيد من حصتك بالمال من حسابى الخاص .. كان هذا قبل أن تقررى التلاعب بى وأنه لا يكفيكِ خمسة أصفار , الطمع هو ما أوحى لكِ بهذه الفكرة الحقيرة , أليس كذلك ؟
-أنت تشوّه الحقيقة الى درجة مقيتة تسير السأم ,لم يكن غرضى هو المال أبدا.
-حسنا , وماذا كان هدفك الأساسى من هذه اللعبة ؟
ترددت مها وقد شعرت بالخجل يجتاحها فاعترفت بوهن:
-أردت الزواج منك ..
صفّر سيف ساخرا وهو يقول:
-أوه , لا تطرينى يا سيدتى الجميلة , أتريدين منى التصديق بأنكِ تورطتِ مع مزوّر قذر وتخلّيت عن بضعة آلاف من الجنيهات من أجل أن تتزوجى بى , أنا الشخص الذى تحتقرينه وتكرهين عائلته الى درجة بعيدة , يا له من تفسير غير قابل للتحقيق !
فاجأته مها بحركة من يدها , تلمست بأصابعها وجهه لتواجه نظراته الحادة بشجاعة منقطعة النظير وهى تقول بتوتر:
-نعم .. تستطيع أن تنكر كما تشاء ,ولكننى أكيدة بأنك فى داخلك , بقلبك تعرف أننى صادقة .. أتود أن تكمل هذا الطريق حتى نهايته ؟ حسنا , كنت أعتقد أننى بهذا أحقق انتقاما حتى تأخذ العدالة مجراها .. وأنا وأنت لسنا سوى ضحايا لماضٍ قاسٍ أليم , تشابكت فيه الحقائق واختفت بعض التفاصيل أو لنقل أنه قد تم تزييفها لتخرج بصورة مختلفة يتبادل فيها الجانى والمجنى عليه الأدوار .. لا ألومك على تكذيبك لى .. فأنا نفسى لم أعرف الحقيقة الا منذ فترة بسيطة .. عائلتك ليست مدينة لى بشئ أبدا ,, ربما كان العكس هو الصحيح ..
قال بصوت شبه مسموع:
-أتعنين انكِ قد عرفتِ بما كان يربط بين العائلتين ؟
أطرقت برأسها الى الأسفل وهى تنوح:
-عرفت ان أبى كان رجلا .. غير أمينا على .. على التجارة التى جمعت شركته بشركة جدك ,ومن أجلها انتقم منه بضياع ثروته , ربما استحق والدى ما حدث له , ولكن ما ذنبى أنا وأمى فيما حدث ؟ لماذا لم تأخذه بنا شفقة ولا رحمة ؟
-أتقصدين جدى ؟
أومأت برأسها ايجابا وهى مصرة على تحاشى نظراته اليها فغاب عنها رؤية الحنان والحب يتألقان فى ومضات عينيه الأبنوسيتين فقال مشفقا:
-أنت مخطئة يا عزيزتى بحق جدى , أنه لم يكن بهذا السوء أبدا , ربما يظهر للجميع أنه رجل مادى متسلط الا أن هذا ما يفرضه عليه التعامل مع الآخرين فى مجال العمل .. فقد سبق ان أهدانى نصيحة أن أعمل بالمقولة : لا تكن ليّنا فتعصر ولا قاسيا فتكسر ,
فكان دوما يتعامل بقوة لا يظهر ضعفا حتى لا يغرى أعداءه فيتجرأوا عليه ولكنه يخفى بضلوعه قلبا رحيما ..
-ربما أنت تحبه ولهذا فلا تريد الاستماع الى صوت آخر يحطّم صورته فى ذهنك ,ومما لا شك فيه أنه قد دمّر والدى وتجارته بقسوة ثم استولى عليها لنفسه , لا يمكنك أن تنكر أن هذه الشركة التى تتولى ادارتها أنت وعائلتك كانت تنتمى فى الأساس لأبى.
أدار سيف محرك السيارة متغافلا عن منحها اجابة على اسئلتها والتزمت هى بالصمت طوال الطريق الى الفيلا , وحتى هذا اليوم لم يتطرقا مرة ثانية الى هذا الحوار المعلّق.
أخذت تعيد النظر الى ثوبها الفيروزى والذى ينعكس متلألئا على ثنايا جسدها التى بدأت فى الامتلاء قليلا ومنحت نفسها ابتسامة رضا تستعيد تحذير زوجها لها بالأمس :
-عليكِ أن ترتدى أفضل ثيابك على الاطلاق , فهذه المرة الأولى التى ستلتقين فيها مع أبى وأمى وجها لوجه ,وأريدك أن تبهريهما .
ثم طبع قبلة خفيفة على جبينها قبل ان يبتعد مختفيا وكأنه لم يكن ,فى الآونة الأخيرة كان يتحاشى ملامستها أو الانفراد بها .. منذ علمه بخبر حملها , لا تعرف ان كان متضايقا منها أو خائفا عليها.


****************

SHELL 18-10-20 01:27 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
بمرور الأيام بدأ الصرح العظيم الذى حلمت هناء بانشائه يظهر للعيان رويدا رويدا .. بمساعدة صلاح لها ووقوفه الدائم بجوارها , يقدّم لها الدعم المطلوب ويساندها دونما انتظار لأى مقابل ولو كانت مجرد كلمة ثناء أو نظرة عرفان بالجميل ,وكان هذا هو اليوم الأول بعد الحصول على الرخصة النهائية من وزارة الشؤون الاجتماعية .. حيث كان الافتتاح البهيج .. وكانت المؤسسة قد حملت اسم ( الهنا والصلاح ) بعد عدة مشاورات ومداولات بينهما كانت تنتهى دوما برفضه القاطع لأن تحمل المؤسسة جزءا من اسمه مشيرا عليها بالاكتفاء باسمها هى .. وجاءت المصادفة لتلعب دورها حيث أن هناك العديد من المؤسسات الخيرية التى تحمل اسم الهناء أو الصلاح فكان القرار النهائى هو الجمع بين الاسمين على اللافتة الضخمة المضيئة فوق مدخل البناية الضخم.
أرادت هناء أن تجعل الاحتفال مهيبا لائقا بالمستقبل المشرق الذى سوف تمنحه الدار للفتيات اليتيمات , بينما اصرّ صلاح على الاقتصار فى المصروفات التى يتم اهدارها دون عائد ,معطيا افادته بأن يحوّل حفل الافتتاح الى مائدة عامرة بالأطعمة لصالح الفقراء والمساكين وهو يؤكد على هناء أنها بهذا ترسّخ مبدأ جديدا فى حياتها لتنتهجه فيما بعد ,وهو أن المظاهر لا تفيد وعليها أن تستغل أموالها وجهودها لتعم الفائدة الاشمل والأكثر تأثيرا دون الحاجة الى تبذير وبهرجة بلا طائل .. فامتثلت لارادته بصدر رحب ,وأضاف لسعادتها أن ابنها الوحيد كان واقفا الى جانبها يدا بيد .. لا يتركها الا لماما , عاد ولدها الى أحضان أمه المحبة .. وعرض عليها أكثر من مجرد مساعدة شكلية , بل وقام بأول تبّرع رسمىّ فى هذه الليلة الى الدار بمبلغ ليس بسيطا على الاطلاق وان كان قال كريم عنه بتواضع حقيقى:
-هذه مجرد بداية يا أمى .. وبعون الله نتشارك فيما بعد من أجل توسيعه.
ثم انحنى على يديها يغرقهما بالقبلات الحانية فيما هى تربت على كتفيه ثم تحتضنه مغرقة ايّاه بدموع الغبطة والفرحة فأخذ يقول ممازحا وصوت قهقهاته تتعالى:
-ماما .. يكفى دموعا .. سوف تفسدين حلتى الجديدة.
وأخذ يسوّى ملابسه الثمينة بصورة مبالغ فيها مما دعاها لأن تشاركه الضحك والمرح ..
لم ينتبه وهو فى غمرة انشغاله بوالدته الى تلك العينين العسليتين اللتين تراقبانه من بعيد , شاعرة بألم حاد فى صدرها لرؤية الحميمية العفوية فى علاقته بأمه وهى التى اتخذت قرارها الخاص بحرمانه من رفقتها حتى ولو سويعات قليلة فى العمل , مما جعل السحر ينقلب على الساحر فباتت هى تتعذّب من فراقه , تعانى لوعة فى قلبها .. فجأة رفع بصره نحوها وكأنه شعر بمراقبتها له .. كانت ملاكه البرئ واقفة الى جوار والدها متألقة بثوب بنفسجى طويل ينساب حتى كاحليها ,ومر بوجهها الخالى من أى اثر للزينة ولم تكن لحاجة لها فعليا , وصولا الى شعرها الذى انسدل على كتفيها كشلال من العسل الداكن يحتوى وجنتيها بدلال مثير ,لمحته يقترب منهما بجرأة وثقة ,لم تجد وقتا للهروب فهو انسل بين الجموع حتى وقف على مقربة من أبيها الذى صافحه بأريحية وهو يشد على كتفه بحرارة:
-مرحبا يا بنى , كيف وجدت الحفل ؟ هل ينقصه أى شئ ؟
أجابه كريم بمودة أثارت اندهاش هديل بعد أن اشار لها برأسه بخفة محييا:
-وهل يعقل يا أستاذى أن أنتقد أى عمل لك , فأنا بالنهاية مجرد تلميذ يتعلّم فى مدرستك.
قهقه صلاح عاليا قبل ان يقول ببساطة:
-وهل هذا كلام ؟ لقد كان هذا فى الماضى يا كريم , أنت الآن الأستاذ ورئيس القسم أيضا.
هتف كريم بصدق ونزاهة وهو يرمقه بنظرات الامتنان:
-لا يعقل أبدا أن يحدث هذا , أنت يا سيدى رئيس القسم .. وتعلّمنا منك الكثير ,ومن علمنى حرفا صرت له عبدا.
-سابقا يا كريم .. أنا مجرد رجل عادى .. آه يبدو أن والدتك تشير لى .. عن اذنكما سأذهب اليها.
وانسحب والدها سريعا دون أن يترك لها مجالا للاعتراض على بقائها مع كريم ,ولما رآها هو متوترة بشكل كبير قال لها برفق:
-مرحبا هديل , كيف حالك ؟
-بخير.
ولن تضف حرفا واحدا الا أنه لمحها تتلفت حولها يمينا ويسارا علّها تجد منفذا للهرب فاقترب منها ثم مال ليهمس فى أذنيها:
-لا تخشى شيئا فأنا لن أعضّك , ألا يمكننا ان نبقى قليلا لنتبادل حوارا متمدنا بين اثنين ؟
نظرت له بعدم تصديق وابتعدت قليلا عن مرمى شفتيه اللتين كادتا أن تلامسا صوان اذنها الا أنها شعرت كأنه لمسها متعمدا وقالت باستنكار:
-وما الذى يمنعك يا سيد كريم من ذلك ؟
رفع حاجبا قبل أن يقول متسليا:
-أنت من تمنعنى يا هديل .. أنسيتِ آخر لقاء لنا كيف جابهتنى بحدة برفضك لعرضى ؟
هزت كتفيها اعتراضا وهى تقول موضحة:
-هذا شئ آخر , نحن الآن لا نتحدث عن العمل , أليس كذلك ؟
-صحيح , اسمعى لماذا لا ننسَ خلافاتنا القديمة اليوم ,ونتظاهر بأننا مجرد اثنين التقيا بحفل ولأول مرة .. ما رأيك ؟
وقبل أن يدع لها مجالا للرد مدّ يده اليها مصافحا وهو يقدّم نفسه بشكل رسمى اثار لديها الرغبة فى الضحك:
-أنا كريم الشرقاوى .. سعيد للتعرف بكِ يا آنستى , عذرا لم أتشرف بالاسم ؟
لم تجد بدا من مبادلته المصافحة رغما عنها ارتعشت اثر تلامس اصابعها المرتجفة بأصابعه الثابتة وكادت تنسى فعليا ما حولها وهى تتقمّص الدور جيدا قائلة:
-وأنا هديل السنهورى .. تشرفت بمعرفتك يا سيدى.
أشار لها نحو مائدة بعيدة وهو يمنحها ذراعه للتعلّق بها قائلا:
-ما رأيك بأن تجلسى هناك , فعلى ما يبدو أن اصحاب الاحتفال بخلاء جدا ... ولا مفر من أن نبحث بأنفسنا عن مشروب لنا.
أزاح لها مقعدا فجلست دونما مناقشة تكتم سعادتها الجديدة بهذه الاثارة فى محاولتهما التعرف على بعضهمنا من جديد ,وتركها باحثا عن النادل .. ترى هل ينجحان بعيدا عما حدث فى السابق ؟ ولمَ لا تحاول هى أن تجاريه فى تصرفاته الغريبة ؟ من يدرى ربما كانت هذه هى الوسيلة المثلى نحو بداية مشرقة ؟



*****************

SHELL 18-10-20 01:30 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
-رفيق .. ما لى أراك شاردا ؟ فيمَ تفكر حبيبى ؟
استفسرت زوجته باهتمام فيما هى تلقى بذراعيها حول عنقه بمحبة تحطيه بهما فانتفض جسده كأنما عاد للواقع فجأة من رحلة سفر طويلة فابتسم بتكلف وهو يجيبها :
-لا شئ , أفكر فى ملكوت الله ..
استلقت الى جواره بدلال وهى تضع رأسها على صدره تحاول اثارة اهتمامه الى أقصى حد ,ثم قالت مقترحة:
-ما رأيك أن نذهب لتناول العشاء بالخارج ؟
قطب جبينه بحدة وهو يزيحها بلطف الا أنه لم يفلتها قائلا بموضوعية:
-ألا يمكننا أن نؤجل مشروع العشاء هذا ليوم آخر ؟
رفعت حاجبيها استنكارا وهى تتهيّأ للشجار ,فعلاقتهما ليست على ما يرام منذ عدة اسابيع ,هو متباعد ينأى بنفسه عنها مفضّلا الوحدة ,وهى تشعر بأعصابها تفور حد الغليان تثور لأتفه الاسباب , قالت متخصرة:
-ولماذا ؟ أتنوى التعلل بالارهاق والتعب ككل يوم لتبتعد عنى ؟ أم أنه لديك الجرأة لتصارحنى بحقيقة ما يحدث معك ؟
تأفف زوجها بحرقة قبل أن يهب واقف وهو يقول بملل:
-أصبحتِ لا تطاقين هذه الايام , عصبية وثائرة على الدوام.
نهضت بدورها تتبعه وهى مصممة على استكمال الحوار الى النهاية فقالت بصوت مرتفع:
-أنا ؟ تكيل لى الاتهامات وتنسى نفسك و ماذا عنك يارفيق ؟ لماذا صرت تتجنّبنى وكأننى مصابة بمرض معدى ؟ كلما اقتربت منك تبعدنى عنك بنفور واضح .. بمَ اخطأت فى حقك ؟
وضع يديه فى خصلات شعره يفرك رأسه وهو يستغفر الله قائلا:
-لا شئ , أكل هذه الضجة لأننى رفضت اصطحابك للعشاء بالخارج ؟ حسنا , أتريدين معرفة السبب ؟ لأن عمى عادل وزوجته عائدان اليوم الى البيت.
نظرت له رافضة ان تمنحه الرضا بانهاء الجدال وقالت متبجحة:
-وماذا يعنينا فى عودتهما ؟ أهذا يمنعنا من التمتع بحياتنا ؟
اشار الى رأسها وصاح هادرا:
-فكّرى قليلا بعقلك هذا , أنهما غائبان منذ فترة طويلة فلا بد أن نكون باستقبالهما , كما أنكِ نسيتِ على ما يبدو وضع سيف وزواجه من مها .. علينا أن نبقى تحسبا لأى ظروف طارئة.
هزت كتفيها باستهتار وهى تقول ممتعضة:
-هذه مجرد حجة أخرى .. تضاف للقائمة السابقة , فكل يوم تخترع مشكلة عويصة بحاجة الى حل حتى تتهرّب من البقاء معى.
نظر لها فاغرا فاه فهو لا يصدّق أن هذه المرأة التى تقف أمامه تتحدّاه وتستفزه بوقاحة هى ذاتها الفتاة الرقيقة .. حبيبته الاثيرة وزوجته الهادئة التى لا يجد راحته الا برفقتها , قال وهو يصرف على أسنانه بغلّ:
-أميرة .. لا حاجة بنا الى الشجار يوميا , مللت تلك الحياة ولم أعد اقوى على تحمّل غضبك وثورتك لسبب وبلا سبب.
هزت رأسها عدة مرات وهى تكمل ما بدأته بتصميم:
-مللت ؟ منى ؟ ومن حياتك معى ؟ لماذا لا نكون صريحين .. أنت تغيّرت كثيرا بعد هذا اللقاء العائلى الدافئ .. بعد خطبة أختك الى ذاك الشخص ال ...
فى اقل من ثانيتين كان الى جوارها قابضا على ذراعيها وهاتفا بصرامة مخيفة:
-آهه .. هكذا أنتِ تدورين فى حلقات مفرغة منذ البداية حتى تصلى الى هذا الموضوع بالذات , وما الذى يؤرقك عزيزتى فى خطبتها ؟
شعرت بألم يسرى فى ذراعيها من جراء امساكه لها بهذه الصورة الا أنها تجرأت ونظرت الى عينيه فهالها رؤية مبلغ غضبه المشع منهما فحاولت أن تتراجع وهى تقول يائسة:
-لا شئ , فقط أتعجب أنك وافقت وبهذه السهولة على أن تتزوج منه بالرغم من .. أن ..
أتم هو عبارتها بنزق:
-من أنه كان عاشقا لزوجتى وراغبا بالزواج منها .. وصلنا اخيرا للب الموضوع , أتشعرين بالضيق يا مدام لأنه قرر اخيرا الخروج من دائرة عشقك والحياة من جديد مع فتاة أخرى ؟
-ماذا تقول يا رفيق ؟ ليس هذا ما ..
-بل هو السبب فى ثورتك الدائمة وعدم قدرتك على البقاء لأكثر من دقيقة بجانب ريم , ألا تحتملين رؤية منافسة لكِ ؟ أتظنين اننى غافل عما أراه بعينىّ وأرفض تصديقه بعقلى حتى لا أصاب بالجنون الحتمىّ , أتعتقدين بأن هذا أمر هيّن علىّ ؟ الاعتراف لنفسى بأن زوجتى ما زال بنفسها بقايا من هوى قديم ؟
شهقت مصدومة ومتألمة بذات الوقت .. هذا هو تبرير زوجها الذى تعشقه أكثر من الحياة لموقفها .. يراها تحن للماضى الذى لم بكن لها يد فيه ,فهتفت برعب:
-أتتهمنى بالخيانة يا رفيق ؟ أهنت عليك وهان عليك حبنا ؟
تركها فجأة ليجيب بعنفوان:
-لا , لا أتهمك بالخيانة , فأنا أعرف أنه لا يمكنك فعل ذلك.
-بلى , مجرد تصوّرك لى أفكّر فى هذا الشخص وبهذه الصورة المهينة هو محض خيانة.
-وماذا تقترحين علىّ وأنا أراكِ تتحولين لامرأة غريبة كليا عنى , أكاد لا أعرفها .. ليست هذه هى حبيبتى التى تزوجتها ..
صاحت تعترف بمرارة:
-ولا أنت الرجل الذى تزوجته ,, أحيانا أشعر بأننى أحيا مع رجل غريب .. لا يشبه لحبيبى بصلة , كيف تقف هكذا مكتوف الأيدى بينما أختك تتزوج من جاسر ؟ كيف ؟
شعر بالاختناق من هذا الحديث ولكنه أصر على الرد قائلا:
-وهل بيدى شئ لم افعله ؟
-اذهب الى والدك , لتقنعه بايقاف هذا الزواج.
اشار لها علامة التأكيد بابهامه وهو يشخر ساخرا:
-وأخبره بالسبب .. أقول لأبى : من فضلك لا تزوّج شقيقتى من الرجل الذى كان يحب زوجتى ويتمنى الاقتران بها , بل والأنكى أنها كانت راغبة بدورها فى الزواج منه.
وارتفع صوته بآخر مقطع بصورة طاغية مما جعلها تضع يدها فوق اذنيها تسدهما عن سماع نبرة صوته الغاضبة وهى تهتف بضعف:
-كفى ! كفى , لا تصرخ , لا أريد سماعك .. أكره ما تقوله.
أزال يديها من فوق اذنيها بحركة عصبية وهو يصيح مجددا:
-لماذا لأنها الحقيقة , والحقيقة دائما ما تكون مؤلمة , ألا تعتقدين أننى قضيت ليالٍ عديدة لا يغمض لى جفن أدير الموضوع برأسى مرارا وتكرارا لعلّى اصل الى حل مناسب , وكلما توصلت لقرار , أجده غير ملائما على الاطلاق باليوم التالى .. حتى بت عاجزا عن التصرف .. نعم , أنا غير قادر على صنع المعجزات يا أميرة , أنا مجرد انسان عادى .. تنتابنى الحيرة مثل بقية البشر ,وأعجز عن حمايتك لأننى بذلك سوف اؤذى أقرب الناس الىّ , لسوف يتحطم قلب ريم .. ألم ترينها كيف وافقت على الزواج بالرغم من علمها بأنه كان على وشك الزواج من واحدة أخرى ؟ ألا يثبت لكِ هذا انها غارقة فى حبه حتى أذنيها.
أجابته بأسى :
-وهذا ما يخيفنى , أنت تعتقد أننى لا أحب رفقتها وترانى اصبحت أتحاشاها , لأننى ببساطة اشعر بأننى مذنبة بحقها , ماذا ستكون ردة فعلها اذا ما عرفت أننى تلك المرأة التى تحدثت عنها أنت ؟
رفع سبابته فى وجهها محذرا وهو يدمدم:
-ايّاكِ ومجرد التفكير بهذا الاعتراف , لن يفيدها بشئ ة على العكس سيزيد من آلامها وجرحها النازف , الحل الأمثل ان نلتزم الصمت ..
-وجاسر ؟ لماذا يريد الزواج من عائلتنا ؟ وبالأخص لماذا اختار ريم .. أختك ؟
أشاح بوجهه عنها وهو يقول بصوت هامس كأنها يحادث نفسه:
-هذا هو السؤال الأهم ,وبناءا على اجابته ستتضح الكثير من الامور .. أخبرتى انه يحبها الى حد كبير ولا يتمنى فى الحياة سواها .. فلننتظر ونرى صدق كلامه من عدمه ,واذا تيقنّت من كذبه فسوف لن تأخذنى به شفقة , سأسحقه بيدىّ جزاءا على فعلته.
واعتصر قبضته بعنف جامح بينما تغرق العبرات وجه زوجته المذهولة بصمت.



******************

SHELL 18-10-20 01:31 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
-آنسة ريم .. آنسة ريم.
استوقفها النداء الخافت باسمها والذى كان صادرا عن سماح التى وقفت على استحياء تنظر لها بمحبة , فأعارتها كامل انتباهها وهى تقول بمودة:
-ماذا هناك يا سماح ؟ ولماذا تقفين بعيدا هكذا ؟
اقتربت الفتاة بخجل وهى تتمتم قائلة:
-أرجو معذرتك , لن آخذ من وقتك كثيرا.
-ماذا هناك يا فتاة ؟ لماذا اشعر بأنك مترددة .. هاتِ ما لديكِ .
أخذت الفتاة تقضم شفتيها فى حركة عصبية وهى تحاول أن تجد السبيل لمفاتحة سيدتها الصغيرة بما تريد حتى اصابت ريم بالتوتر لرؤيتها متمسكة بالصمت فلوت فمها استياءا وهى تستحثها على الكلام قائلة بلهجة وديعة كمن تخاطب طفلة:
-سماح يا حبيبتى .. اذا لم يكن لديكِ ما تقولينه فدعينى أذهب .. علىّ الاستعداد جيدا فأنتِ تعرفين أن عمى عادل سيعود اليوم مع تنت منى .
ترددت الفتاة قليلا قبل ان تستجمع شجاعتها لتهتف بسرعة:
-لم تسنح لى الفرصة للمباركة أنا وددت أولا ان أهنئك على الخطبة .. الاستاذ جاسر بصراحة شخص لا يمكن أن يعيبه شئ ..
نظرت لها ريم نظرة فارغة وقد بدأ صبرها ينفذ فاستطردت سماح قائلة:
-كما أنه يبدو عليه .. اقصد أنه يعزّك كثيرا .. منذ اليوم الذى التقينا فيه به فى مكتبه وأنا رأيته مهتما بكِ و... دعوت لكِ أن يجعله من نصيبك .. فهو ابن حلال ..
اشارت لها ريم بيدها علامة الاستعجال وهى تقول بضيق:
-حسنا سماح , شكرا على مباركتك لى .. واذا كنتِ قد أنهيتِ تحليلك الخاص عن عمق مشاعره نحوى فأرجو أن تمنحيننى الفرصة لتغيير ثيابى وتمشيط شعرى قبل أن يأتى عمى وزوجته ويشاهداننى بهذه الحالة المزرية .. حينها لن اسامحك.
-ولكننى وددت لو .. أخبرك بموعد زفافى يا آنسة ريم.
برقت عينا ريم باهتمام مفاجئ وقد تنبّهت الى أنها قد أهملت سماح بدون قصد فى الايام الماضية ولم تعد تسألها عن أحوالها ,وشعرت فجأة بتأنيب الضمير لتقصيرها فى حق هذه الفتاة الرائعة التى تكن لها كل المحبة والاحترام فهى تعاملها كمثل أعلى لا ينبغى التقليل من شأنه ابدا .. احتضنتها ريم بقوة وهى تقول بحبور :
-مبارك لكِ انتِ وسعد , أحددتما الموعد ؟
-نعم يا آنسة , بعد اسبوعين تقريبا .
-يا الله ! أنه قريب .. لن نجد وقتا للخروج وشراء كافة المستلزمات كما وعدتك.
أطرقت الخادمة بخجل وهى تغمغم :
-لا ضرورة .. اعنى لم أفاتحك بالأمر من أجل هذا .
اعترضت ريم وهى تصر قائلة:
-ولكننى وعدتك ,ولن أخلف وعدى.
قالتها وندمت سريعا فقد تذكّرت هذه العبارة وكيف استخدمها جاسر لاقناعها بعمق مشاعره نحوها وحثها على الموافقة على زواجهما , لماذا لا تفتأ تتذكره بين الحين والآخر حتى عندما يكون غائبا عنها ,عادت الى الواقع سريعا لتؤكد الى الفتاة الصغيرة الواقفة الى جوارها أنها لن تتخلّى عن مساندتها ودعمها ماديا ومعنويا .. قالت سماح بفرحة غامرة لن تستطع اخفائها:
-شكرا يا آنسة ريم .. أنتِ الأفضل دائما لا مثيل لطيبتك ورقة قلبك.
تأوهت ريم وهى تنعى نفسها بصمت : أما من نهاية لهذه الطيبة التى تجلب لقلبى المتاعب دوما ؟
نظرت الى سماح بعتاب وهى تقول:
-غدا سوف نتفق سويا على كل شئ , اما الآن فلدىّ ما يشغلنى يا سماح ..
طأطأت الفتاة برأسها وهمّت بالانصراف تبدو على ملامحها خيبة الأمل فاستوقفتها ريم وهى تطلق تنهيدة حارة قائلة:
-سماح .. انتظرى .. هاتِ كل ما عندك وأمرى الى الله .
تهلهلت اسارير الفتاة المحبطة وقالت باندفاع:
-كنا نتعشم .. نأمل أنا وسعد أن يشرفنا السيد جاسر بحضور حفل زفافنا .. نحمل فى أعناقنا دينا .. فقد أسدانا معروفا لن ننساه مطلقا .. اذا امكن أن تسأليه أن يلبّى رجاءنا هذا.
هزت ريم رأسها دلالة الموافقة وصاحت بهذر:
-هيا الى المطبخ يا فتاة , لديك أعمال كثيرة غير منتهية عليكِ بانجازها.
-حاضر من عيونى يا آنسة ريم , أوامرك نافذة.
وهرولت الخادمة الى عملها تكاد تطير من الفرحة بينما وقفت ريم مذهولة من تصرفها .. ها هى ريم القديمة عادت من جديد لتطفو على السطح .. أف .. وصعدت الدرج قاصدة غرفتها حيث عليها الاستعداد للاستقبال الحافل ,وقدوم عمها وزوجته بعد رحلتهما الطويلة حول العالم.


*****************

SHELL 18-10-20 01:33 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
شعر سيف بقليل من الارتباك الممزوج بالحيرة وهو يستعد للتوجه الى المطار بسيارته ,فوالداه سوف يصلان فى أية لحظة وعليه أن يكون فى انتظارهما ,لكم يشتاق لرؤيتهما حيث انقضى على غيابهما حوالى الأربعة أشهر ,يتفهم حاجتهما بعد المصالحة التى تمت فى الاختلاء بنفسيهما وتغيير الجو ,بيد أنه بات يحس بشئ غامض بعد أن قرّر أبوه أن يمد فترة الاجازة الى شهر رابع .. وبدأ عقله يعمل بسرعة الصاروخ .. ترى ما السبب وراء هذا القرار ؟ أأخبره عمه محمد بما حدث خلال تغيّبه عن المنزل ؟ لا يمكن , التفكير السليم ينفى هذه الاحتمال الغريب ويجعله غير وارد على الاطلاق , عمه ليس بالرجل الهوائى الذى تتلاعب به العواطف ودائما ما يتأنى فى اتخاذ القرارات لا سيما تلك التى تتعلّق بمصالح العائلة .
ظلّت الأفكار تتصارع داخل عقله مخلّفة دوامات متشابكة تهدد بالانهيار فى أية لحظة , ضاقت عيناه بصورة لا ارادية حينما مرّ طيفها بخياله .. تلك الشقراء الفاتنة .. زوجته المخادعة بجدارة .. مها .. وابتسم تلقائيا بسعادة غامرة .. سيصبح أبا , لم يظهر لها سابقا كم كان متشوّقا لهذا الخبر السارّ .. اكتفى باظهار الجزء الغاضب من شخصيته بعد اصطحابها للطبيب وتأكده من أن طفلهما ينمو فى أحشائها .. ورأى نفسه بعين مستقبلية يحمل رضيعا جميلا يهدهده بمحبة وهو يترنم بأغنية هادئة بينما جفون الصغير تتراقص حتى غلبه النعاس , شعر باستكانته اللطيفة وهو يقرقر بسعادة متنعما بدفء حضن أبيه ,وصورة أخرى لمها تضع الصغير فى مهده الخشبى وملامح الرضا بادية بوضوح على وجهها الجميل .. وانسابت صور كثيرة متعددة آخرها كانت عينا أمه اللائمتين بحدة وهى تصرخ فى وجهه ليترك ذلك الوليد البديع التكوين ناهرة ايّاه وهى تشير لمها بالخروج من البيت ,وأبيه متقوقعا على نفسه ملتزما بالصمت .. مستسلما لارادة أمه .. سلّم الصبى لمها وهو يتألم بشدة , حملت زوجته طفلهما تضمه بكلتا ذراعيها كأنها تحميه من خطر مجهول .. غادرت المنزل بخطوات متعثرة تنظر للخلف علّه ينجدها أو يقدم لها يد المساعدة .. شعر بنفسه متصلبا غير قادر على الحركة وطيفهما يتلاشى تدريجيا حتى ابتلعهما الضباب الكثيف الذى كان يحيط بالمنزل من الخارج .. وجد فجأة نفسه يجرى كالملسوع فى كل اتجاه بعد انقشاع الغيوم محاولا اقتفاء آثارهما الذائبة فى العدم .. بعد فوات الأوان عاد أدراجه خائب الأمل ليجد البيت خاليا من والديه.
وصل الى المطار شاعرا بانقباض غريب ينغز فى صدره بتمكّن , صف سيارته بمهارة فائقة .. وخلال لحظات كان يقفز واقفا على الرصيف المجاور .. بعد أن تأكد من اغلاقها وقف متأملا برهة فيما حوله .. مئات البشر يجيئون ويروحون .. غير آبهين لما حولهم .. هكذا هى الحياة تستمر بلا توقف .. لا تنتظرك اذا تأخرت ثانية ولا تتعاطف معك اذا تعثرت بكبوة ولا تمنحك الا ما هو مقدر لك .. الحمد لله على كل شئ .. تنهد بقوة قبل أن يتجه بخطوات واثقة الى الداخل ..
كان ما زال واقفا يتأمل الشاشات العملاقة حوله وهو يحاول أن يجد أية معلومات عن رحلة والديه القادمة من أوروبا .. بالنهاية أعلنت المذيعة عن رقم الرحلة وموعد الوصول بصوت رسمى رنان خالٍ من أية مشاعر .. نظر الى ساعته المحيطة بمعصمه فى احكام .. انتظر كثيرا .. بدا له أن الوقت لا يمر والدقائق تكاد تتحوّل لساعات من الانتظار المرير ..
لمحهما قادمين من بعيد .. والدته متأبطة ذراع أبيه .. بدت له حتى وهى بعيدة نسبيا شاحبة الى حد ما .. يسيران الهوينى .. من يراهما بعتقد بأنهما متيّمان بالعشق يتناجيان بهمس .. رفع ذراعه عاليا ليؤشر لهما بعد أن أنهيا اجراءات المغادرة بمدة أقل من المتوقعة , ما أن وقعت عينا منى على ابنها حتى كانت تستحث زوجها للاسراع اليه فهى تكاد تموت شوقا لضمّه الى صدرها .. وما أن خطت من البوابة حتى هرع سيف نحوها بخطوات متسارعة متلهفة للقاء .. وأخذها من بين ذراعى والده ليغرقها بحضنه القوى مقبّلا يديها بينما هى ترتب على رأسه برأفة وعبارات الترحيب تتزاحم حولهما مخترقة جو الزحام الشديد .. رفعت له عيناها .. كانتا مرهقتين .. تعجب قليلا واضطربت مشاعره حينما قالت ببساطة :
-سيف .. حبيبى أوحشتنى , ما لى أراك متغيّرا ؟
انحنى على قامتها الأقل طولا وهو يجيب بتردد :
-حمدا لله على سلامتكما ,, فقط هو مجرد الشوق والحنين لكما.
ثم استقبل والده بشوق مماثل لا يقل ذرة عمّا يشعر به نحو أمه .. وتلاحم الرجلان المتشابها كليّا .. مع فارق العمر ولون الشعر فقط ...
قال والده متأنيّا:
-فلنذهب الآن يا ولدى ونؤجل السلامات والأشواق الحارة لما بعد .. فوالدتك مرهقة وبحاجة للراحة.
رمق زوجته بنظرات شفوق وهو يستعيدها الى جانبه , توجس سيف قليلا من تلك النظرات الا أنه نحى هذا الاحساس المقيت جانبا .. احساس بأنه ثمة أمر ما .. وتساءل أهو الاحساس المتضخّم بالذنب من جانبه الذى يصوّر له هذا ؟ رضخ الى رغبة والده بسهولة وهو يقول منصاعا:
-هيا سنذهب على الفور .
ونادى على الحمّال الذى يجر عربة الحقائب حتى يتبعهما الى حيث سيارته رابضة فى انتظار المسافرين العائدين .
كانت منى تبذل جهدا مضنيا من أجل رسم ابتسامة على شفتيها متغلبّة على تعبها .. وان شعرت بأن المسافة الى السيارة غدت أميالا طويلة ,همس عادل بأذنها دون أن يصل صوته الى ابنهما الذى كان يسبقهما بخطوتين:
-حبيبتى .. هل أنتِ قادرة على السير ؟
تمتمت من بين اسنانها التى جزت عليها :
-حتما أستطيع التحمّل .. كلها بضعة أمتار .. لا تخشّ شيئا فلن أقع مغشيا علىّ .. هيا يا عادل , أنت تدللنى كثيرا الى درجة أننى سوف أعتاد على ذلك.
رمقها بنظرة عاشقة أصابت سهامها ذلك القلب الخافق بحبه وهو يميل اليها أكثر ليشد على كتفيها مساندا فأخرجت زفيرا عميقا من صدرها وهى تعد الدقائق الى أن وصلا اخيرا .. ففتح لها سيف الباب الخلفى ,وساعدها عادل حتى استقرت بوضع مريح على المقعد الوثير وتوجه هو الى جوار ولده , انطلق بهما سيف بعد أن وضع الحمّال الحقائب فى صندوق السيارة ومنحه سيف نفحة مالية سخيّة جعلت لسان الرجل ينفك عقدته بسيل منهمر من الدعوات له بتيسير الحال والرزق الوفير وعناية الله .. قال سيف فى سره : أنا فعلا بأمس الحاجة لهذه الدعوات .. اللهم آمين .
وانطلقت السيارة تنهب الطريق بسرعة الى حيث ينتظرهم الجميع فى منزل العائلة .. وحتى مها كانت فى انتظار وصولهما .. الكنّة الجديدة .


***********

SHELL 18-10-20 01:34 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
انتهى الفصل التاسع

https://upload.3dlat.com/uploads/12871127405.gif

SHELL 08-11-20 04:21 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
الفصل العاشر

https://www.dol.go.th/personnel/Publ.../122273688.gif

كانت ريم هى الأولى التى تستقبل العائدين من السفر بابتسامة جميلة وسعادة جمة , صافحت عمها واحتضنت زوجته التى انبهرت بمظهرها الجديد قائلة بمودة:
-غير معقول , ريم قصصتِ شعرك لدرجة أننى كدت ألا أتعرف عليكِ.
كانت هذه بالطبع مبالغة من جهتها الا أن ريم تقبّلتها بصدر رحب لأنها ادركت أنها لا تقصد شرّا من ورائها , فقط أرادت التعبير عن مبلغ دهشتها لهذا التجديد الغير متوقع .. فى مظهرها الخارجى .. وماذا ستقول زوجة عمها اذا ما رأت تصرفاتها الغريبة ؟
اندفعت ريم تقول بترحاب لتغطّية نفسها وتغيّر دفة الحوار:
-عمى .. أرى أنكما قد جددتما شهر عسلكما مثل أبى وأمى الا أنك تفوّقت على أخيك .. كنا ننتظر عودتكما منذ شهر مضى ..ترى من كان صاحب القرار بتمديد الاجازة ؟
وتلاعبت بحاجبيها بشقاوة محببة دفعت الاحمرار الى وجه منى بينما قطّب عادل جبينه بعبوس خفيف وهو يقول لائما:
-احتشمى .. يا فتاة .. ماذا ارى هنا ؟ أغيب أربعة أشهر لأعود وأجد ريم الخجول التى تتوارى خلف الجدران .. تطلق تلميحات خبيثة كتلك .. ترى ما السر وراء ذلك التغيّر ؟
قاطعهما صوت سيف الصارم وهو يقول بجدية :
-ربما من الأفضل لو نذهب لغرفة المعيشة ونؤجل هذه الأحاديث الجانبية لما بعد .. أعتقد أن أمى مرهقة جدا بتتحمل الوقوف هكذا .. أليس كذلك ؟
كانت نبرته الغاضبة عامة الا أن ريم شعرت بأنها موجهة ضدها هى بالذات .. لن تلوم ابن عمها على غيظه منها .. فقد اصرّت على موقفها المتجاهل له على مدار الأسابيع الماضية دون أن تتراجع ولو لمرة , ما زالت غير قادرة على مسامحته .. خطؤه كان عظيما وعلى قدره يجب أن تعاقبه وبشدة.
سارع عادل الى جوار زوجته يتأبط ذراعها بمحبة وهو يغمغم معتذرا برفق:
-آسف حبيبتى .. انشغلت قليلا بتلك الشقيّة .. هل أنتِ على ما يرام ؟
أومأت برأسها وهى تسير بمحاذاته الى غرفة الجلوس الفسيحة , بينما تبعهما سيف دون أن يعير انتباها لريم التى وقفت مسمّرة بمكانها , فهى لمحت مها تنزل الدرج على مهل ووقفت أسفله تنظر حولها بحيرة ..
قدّرت ريم أنها تبحث عن زوجها , قررت فى نفسها ألا تهتم واستدارت بغية اللحاق بأقاربها حيث همست مها بقلق :
-ريم .. لو سمحتِ .. أيمكن أن أتحدث اليكِ قليلا ؟
ارتفع حاجبا ريم باندهاش وهى تقول بتأفف:
-أنا ؟ هل أنتِ متأكدة أنكِ لا تبحثين عن سيف ؟
ابتلعت مها ريقها بصعوبة , تكاد تشعر بجفاف حلقها كالصحراء فى أوج النهار وقالت مترددة:
-اذا لم أكن سأعطّلك عن شئ.
هزت ريم كتفيها وهى تقول ساخرة:
-فقط .. صدف للتو أن وصل عمى وزوجته بعد غياب اربعة أشهر عن المنزل , واذا لم تمانعى يا سيدة مها فأنا أريد الذهاب للترحيب بوصولهما كما يجب.
أطرقت مها برأسها الى الأرض فى خجل وهى تتمتم:
-أعرف , لهذا أردت مساعدتك.
فغرت ريم فاها تعجبا , ثم انتبهت لتصرفها الأحمق فعادت تتخذ هيئة الجمود السابقة وهى تقول بتعالٍ:
-حسنا , ولكن ليس أكثر من خمسة دقائق فقط.
-لن أحتاج سوى ثلاثة فقط.
يا لها من متحذلقة ! استنكرت ريم فى داخلها تصرف مها ولكنها أشارت لها بسلطة أن تتبعها فأطاعتها الأخيرة مستسلمة .
كانت ريم تصارع رغبة قوية فى معرفة كنه هذا الحوار .. وتتلهف لانهائه حتى لا تفوتها لحظة من التجمع العائلى الدائر.


****************

SHELL 08-11-20 04:27 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
-عادل .. أخى .. حمدا لله على سلامتك.
وتلاقى الشقيقان .. يضم الأكبر أخاه الاصغر باشتياق بينما وقفت زوجته قريبا جدا منه .. شعرت منى ببعض الدوار الذى سرعان ما زال حين جلست على الاريكة الوثيرة الى جوار زوجها وابنها الذى كان يقبّل يديها بين الفينة والأخرى ويلقى بكلمة ممازحة .
اجتمع بقية العائلة سويا بعد أن قام الجميع بالترحيب بعادل ومنى على أفضل وجه .. جلسوا يتبادلون أحاديثا ودية , وشاع جو من الدفء والألفة بينهم من جديد.
حتى فريال وزوجها مجدى كانا حريصين على التواجد مع العائلة احتفالا بهذه المناسبة ,وقد أثارت فريال الشكوك فى نفس أخيها وزوجته لدى رؤيتهما لها تجلس بهدوء واضعة يدها على بطنها لا اراديا وقد رفضت تناول اية مشروبات معتذرة لسماح برقة بالغة وقد تقبّلتها تلك بابتسامة واسعة وهى تدرك سبب هذا التمنّع.
كان سيف جالسا بينهم وان كان عقله شاردا يفكر في المرأة التى قلبت كيانه ,ونظر الى ساعته مليا قبل ان يقرر النهوض لملاقاتها واصطحابها لتتعرّف الى والديه .. حانت اللحظة الحاسمة فى حياته , لا مفر من المواجهة وقد اقتنع تماما كما أقنع عمه بأن الحل الأمثل هو عدم الهروب والتخفّى لئلا تزداد حجم الصدمة فيما بعد.
استعد للوقوف بنية المغادرة فأثار انتباه والدته التى قالت بقلق :
-ماذا هناك يا حبيبى ؟ الى أين أنت ذاهب ؟
ربت بحنان على كفها الذى التقطه بين اصابعه القوية وهو يقول بصوت دافئ :
-لا تشغلى بالك يا أمى , لن أتأخر كثيرا .. سأعود على الفور.
نظرت له متأملة بحدة فقد استشعرت بحاسة الأم التى قلما تخطئ أن ابنها ليس على سجيته , كان صامتا أغلب الوقت .. على غير عادته.
فجأة سحب يده بعد أن ترك كفّها يسقط برفق فوق حجرها وهو يحاول أن يرسم ابتسامة على شفتيه لعلها تطمئن الا أنها جاءت بالنتيجة العكسية فقد زادت من همّها وضيقها حيث رأت تصرفه مرتبكا ونبرة صوته ترتعش رغما عنه.
وخرج مسرعا ليبحث عن مها فى غرفتهما المشتركة حتى يقدّمها الى أمه وأبيه .



*****************

SHELL 08-11-20 04:31 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
-ليلى .. تعالى لتجلسى الى جوار خطيبك .. هنا.
نطق الجد بهذه العبارة بصوته الرخيم وهو يشير لحفيدته بأصبعه الى المقعد المجاور لخالد الذى جلس صامتا يتأمل ملامح الفتاة الحسناء بشغف وقد تلونت وجنتيها بلون أحمر خفيف زاد من فتنتها التى تصعقه كلما رآها وكأنه يراها لأول مرة .. وما كان منها الا أن أطرقت برأسها خفرا وهى تسعى لتنفيذ أمر جدها بخطوات خجولة مترنحة , متجاهلة نظرات أمها الحادة التى أعلنت بوضوح عن تذمرها وعدم رضاها عما يحدث.
ما أن شعر بها قد استقرت بجواره حتى التفت نحوها يهمس بحب:
-اشتقت لكِ كثيرا ..
ثم ألقى نظرة خاطفة على حماته المستشيطة غضبا واستطرد بلهجة هزلية:
-وان كنت أعتقد أننى لن أنجو سالما هذه المرة بعد انتهاء الزيارة , فأمك لا تكف عن رميى بنظرات سوداء محرقة لأننى أتجرأ وأتحدث اليكِ.
لم تستطع ليلى أن تمنع نفسها من الابتسام بخفة وهى تهمس بدورها:
-لا تخشّ شيئا .. فجدى يقف الى صفنا ولن يتخلّى عنّا أبدا ..
-أتظنين أنه قادر على اقناعها بالموافقة ؟
-طبعا.
أجابته بثقة وهى تتحاشى النظر الى والدتها كما قررت حتى لا تفسد خطتها السرية مع جدها الحبيب الذى ما لبث أن اعتدل فى جلسته وهو يقول برزانة بالغة موجها حديثه لأفراد عائلته المحيطين به:
-لقد جمعتكم اليوم حتى أعلن لكم نبأ سارا .. بداية فلنفتتح جلستنا تلك بقراءة الفاتحة ..
وأتم تلاوته بخشوع تام كما حذا حذوه الجميع بلا استثناء , ثم أكمل حديثه بصوت متهدج قليلا:
-الحمد لله على نعمه التى لا تعد ولا تحصى , والتى يمن بها علينا , أشكر فضله علىّ وعلى أسرتى .. عاد لى حقى المسلوب سابقا بتركة أبى - رحمه الله وغفر له - وجمع شملى بأبناء أخى ,ثم انتقل الخير الى أحفادى الأعزاء .. وها قد تمت خطبة ليلى وسيتبعها جاسر باذن الله ,, وقد أنعم الله على كليهما بالزوج الصالح .. أجد أنه لا داعٍ لتأجيل فرحتنا أكثر من ذلك , فقد فاتحنى خالد منذ فترة بموضوع اتمام الزواج وأجد أنه قد أوفى بعهوده كاملة كما أردتِ يا فريدة فأهدى ليلى الشبكة كما حلمتِ بها فى منامك والآن انتهى من توضيب شقة الزوجية فلا مانع من أن يبدآ باختيار الاثاث الملائم لبيتهما الجديد ثم نحدد موعدا لعقد القران و ..
-عذرا يا أبى ..
قاطعته فريدة التى وصلت الى درجة الغليان وهى تستطرد بعنف:
-أرى أنك تتسرّع كثيرا , ما الذى يدفعنا لمثل هذه العجلة ؟
رمقها عبد الله بحدة وهو يقول معنفا بلطف:
-ولا أرى سببا يدعو لعدم الاستعجال ؟ فخير البر عاجله يا فريدة.
كان زوجها ملتزما الصمت بينما تقوم هى بشن الهجوم وحدها فأضافت بلهجة خشنة:
-كلامك صحيح ولكن هناك عدة أشياء لا بد أن نأخذها بعين الاعتبار.
-وما هى ؟
-أولا لا يعجبنى موقع الشقة أصلا , فهى بمكان غير لائق لمكانتنا الجديدة , أيعقل أن تسكن ابنتى فى منطقة أقرب للأحياء الشعبية ؟
انتفض الجد غاضبا وهو يهتف حانقا فى وجه ابنته المتكبرة:
-سبحان الله ! ألم توافقى عليها سابقا وقد التزم الرجل بكلمته معنا الى آخر حد .. كما أننى لا أراها بموقع سيئ , فهى بمنطقة حيوية ومنظمة كما أنها قريبة من المكتب فلن يجدا صعوبة فيما بعد فى الذهاب الى العمل .. ماذا أيضا لديكِ ؟
تراجعت فريدة قليلا الا أنها ناضلت باستماتة من أجل هدفها فتمتمت بصوت واهن متصنّعة الصدمة:
-لا شئ فقط لا يمكننى أن أتحمل ابتعاد ليلى عنى بهذه السرعة.
ثم أخذت تنتحب بصوت مسموع ولما لم تجد استجابة من الآخرين لتمثيلها البارع ذرفت بعضا من الدموع , فسارع سليم يمد اليها محرمة ورقية حتى تجفف دموعها الغير حقيقية , نقل الجد بصره بين الاثنين وهو يضرب كفا بكف على حالهما ثم قال بأسى:
-والله أننى لآسف على حالكما وعلى حال ابنتكما , ما لك يا رجل لا تتدخل أبدا فيما يخص شأن ابنتك الوحيدة ؟ أيرضيكِ ما تقوله زوجتك ؟
ارتبك سليم وأخذ ينظر حوله بعينين زائغتين قبل أن يدرك أنه هو المعنى بهذا الكلام فقال مترددا وهو بنظر الى زوجته بين الحين والآخر بوجل:
-فريدة تريد الأفضل لليلى ,, وهى أمها وأدرى منى بهذه التفاصيل ..
ثم نظر الى حماه متوسلا وعيناه ترسلان رسالة غير مكتوبة بأن يعفيه من هذا الجدال حتى لا يتورط أكثر مع زوجته المتسلطة.
-حسنا , اذا كنت تتنازل عن دورك بهذه البساطة من أجل ارضاء فريدة , فأنت حر بتصرفك وقد تخلّيت عن حقك وواجبك الأبوى تجاه ابنتك , الا أنه لا يمكننى أن أقف فى صفوف المتفرجين وأنا أراك تحطم حياة ليلى أنت وأمها بهذا الشكل السافر .. وأنتِ يا فريدة كفاكِ بحثا عن أعذار واهية من أجل التأجيل , وسعيا وراء مظاهر شكلية خداعة .. لا تهم .. ما يعنينى أكثر هو سعادة هذين الشابين واستقرارهما .. لذا فسوف يسرى الاتفاق بيننا كما سبق وقلت .. هل أنتِ راضية يا ليلى عن هذا أم لا ؟
لمعت ابتسامة رضا على شفتيها المكتنزتين وهى تغمغم بحياء:
-ما تراه مناسبا يا جدى أنا موافقة عليه.
-اذن قضى الأمر.
جلست فريدة مبهوتة لا تعرف ماذا تقول ولا كيف تتصرف ,فقال عبد الله وقد لمح نظرات ليلى الخائبة الأمل بسبب موقف أمها العدائى:
-ماذا ؟ ألن نسمع الزغاريد يا أم العروس ؟
أشاحت الوالدة بوجهها وهى تقول من بين أسنانها:
-لا أعرف كيف أزغرد.
أطلقت شقيقتها شريفة زغرودة مجلجلة من حنجرتها ثم أتبعتها بواحدة أطول وأعلى صوتا ثم أخذت تهنئ ليلى بسعادة وهى تتولى الدور الذى استهانت الأم به فى حياة ابنتها.
وتبعها الوالد الذى قام بدوره ليقبّل ابنته صاغرا متمنيا لها السعادة والهناء تحت نظرات فريدة الغير راضية.
تلألأ الدمع فى عينى ليلى وهى ترى أمها متباعدة عنها , تألمت كثيرا من اهمالها لأهمية هذه اللحظة فى حياة أية فتاة , فمهما بلغ جمالها وثقتها بنفسها وتأكدها من حب خالد لها .. أملت فى أن تنال احترامه لها ولأسرتها ,, بالنهاية هى ستتزوجه ولن تجعل أفكار أمها المغلوطة تفسد دنياها الجديدة.
بعد أن قدم جاسر التهانى لابنة خالته وصديقه الذى ربت على كتفه داعيا بالعقبى له هو وريم , ارتسمت معالم الاشتياق على وجهه بمجرد ذكر اسمها , وكأنه كان بانتظار من يذكّره بها , أنها لا تغيب عن باله أبدا.
انسل من بينهم بخفة الفهد قاصدا الشرفة الخارجية .. وبعتمة الليل أشعل سيجارة بقداحته الثمينة ,وأخذ يطلق دخانها الكثيف فى الهواء صانعا سحبا رمادية , هيئ اليه أنها تتشكل بملامح محببة الى نفسه وقلبه متخذة هيئتها الملائكية الرقيقة وهى تزجره بلطف قائلة:
-ألم تعدنى بالاقلاع عن التدخين ؟
كانت هذه هى المرة الاولى له منذ فترة طويلة بعد أن اوشك على ترك هذه العادة السيئة تماما .. يشعر بحاجته لاستنشاق هذا السم فى هذا الوقت تحديدا , ربما لأنها بعيدة عنه كما النجمة فى سمائها العالية , وربما لحاجته بأن يعاندها على قراراتها المجحفة بحقه , هو استسلم لرغباتها بالكامل حتى لا يثير مشكلة بينهما , فهو بأمس الحاجة لهدنة .. بينهما , علاقتهما مشتعلة الى أقصى حد .. ولا شك أنها ستنفجر يوما ما اذا ما عرفت بالحقيقة التى يخفيها عنها حتى الآن , صحيح أنه قد صارحها بالكثير عن حياته واسراره الدفينة عن والده .. الا أنه ما زال يشعر باحساس الدونية ... لأنه أبقى اكثر الأسرار بشاعة طى الكتمان .. علاقته السابقة بزوجة أخيها ..
فى النهاية بعد أن أنهى سيجارته سحقها بحافة السور ثم ألقاها أرضا ليدهسها بقدمه وقد انتابه شعور جارف بالندم لضعفه المفاجئ فقد استسلم لرغبته فى معاودة التدخين دون أن يتحلى بارادة قوية تمنعه من العودة الى هذا الطريق ومصارحة حبيبته بالحقيقة .. أيكفى استسلامه لرغباتها الانتقامية منه لتطهيره من ذنبه الكبير ؟
عرف فى قرارة نفسه أن الجواب هو : لا , بيد أنه نجح فى اخماد صوت ضميره ليقنعه بأن هذا كافيا فى الوقت الحالى , بصورة مؤقتة.



*********************

SHELL 08-11-20 04:32 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
بعد انتهاء حفل الافتتاح الكبير وقد انفض الجميع من حولهم , نظر كريم الى ساعته ليجد أن الوقت قد مرّ سريعا بدون أن يشعر به فألقى بنظرة خاطفة الى أمه وهو يشير لها اشارة خاصة التقطت مغزاها على الفور فاعتذرت بتهذيب من صلاح وهى تخبره بضرورة عودتهما للمنزل ,قبل اعتذارها ببساطة شديدة مؤكدا على بقائه حتى ينتهى العمّال من أشغالهم ,انتهز كريم هذه الفرصة عارضا عليه أن يقل هديل الى منزلها ,نظر لها صلاح متسائلا عن رأيها ,حاولت هى أن تتعلل برغبتها البقاء الى جوار والدها مشددة على عدم تركه وحيدا الا أنه لمح بعينيها بريقا خاطفا من السعادة قبل أن تستعيد هدوئها لتنضم اليه وهى تمسك بيده بمؤازرة وهى تقول بفخر:
-لن أترك أبى وحده وسوف نعود سويا الى البيت بعد أن يفرغ من عمله.
لم يحاول كريم اثنائها عن رأيها هذه المرة بل تقبّل اعتراضها بصدر رحب ما أثار دهشتها فقد أرادت فى قرارة نفسها أن يلح عليها بل وتمنت لو اصرّ على اصطحابها معه دون أن يتأثر برفضها.
تعانقت هناء وهديل بحرارة وقبل أن تغادر بصحبة ابنها أوصتها بالعناية بوالدها وأن تمنعه من التأخر فى العودة لأن اليوم كان طويلا ومرهقا بالنسبة له ,فتعهدت هديل لها بأن تبذل قصارى جهدها لحثه على الراحة.
وتصافح الرجلان بقوة ,وقبل أن يبتعد كريم الى حيث كانت سيارته قابعة فى شارع جانبى اقترب من هديل مودّعا وهو يقول بصوت خفيض:
-كان يوما لطيفا بحق , وان كنت قد تمنيت أن يطول أكثر , سأنتظرك غدا فى الشركة .. هناك موضوع أريد أن أحادثك بشأنه.
رمقته بنظرات عميقة وهى تقول بحيرة:
-ماذا هناك ؟
-غدا .. سأخبرك , هديل .. الأمر لا يحتمل أى تأجيل.
-حسنا.
أجابت بخفوت وقد شعرت بقلبها يخفق بشدة جراء نظراته المتفحصة فأضاف سريعا:
-أشكرك يا هديل.
وقبل أن تسأله عن سبب شكره لها استطرد بعفوية:
-أشكرك على هذه اللحظات السعيدة التى شاركتنى بها اليوم .. أضفتِ لهذا الحدث مذاقا خاصا بوجودك.
ارتعشت أهدابها وقد أخجلها اطرائه البرئ فغمغمت بحياء:
-أنا لم أفعل شيئا.
-بلى , يكفى أنكِ بقيتِ الى جوارى.
ثم فجأة تأبط ذراع والدته وانصرف تاركا ايّاها غارقة بحيرتها وخجلها .. أحقا كريم أثنى على تصرفها ؟ وهل شعر بالسعادة لوجودها اليوم ؟
بالنسبة لها أمضت يوما جميلا بصحبته وقد أثبت لها أنه مرافق جيد .. حادثها بلباقة وعاملها كأميرة مدللة , لم تنسَ لمساته الرقيقة وهو يناولها كأس العصير ولا لمحات الرقى من جانبه وهو يزيح لها المقعد قبل أن تجلس .. اضافة الى انصاته بعمق لحديثها الطويل وثرثرتها الفارغة دون أن يبدو عليه الضجر أو التذمر.
تنهدت وهى تضع يديها على صدرها قبل أن تنظر الى ثوبها الغالى الثمن والذى أصرّ والدها على أن تبتاعه لهذا الحفل خصيصا , وفى سرّها كانت ممتنة له بعد أن أبدى كريم اعجابه بأناقتها وذوقها الرفيع فى اختيار ملابسها التى تشى بالرقى والبساطة وأسلوبها الذى يتسم بالعفوية وعدم التكلف.
وظلّ السؤال دائرا بعقلها : ماذا يريد منها غدا ؟ ألم يحن الوقت لايقاف تلك اللعبة المزعجة ؟ الشد والجذب بينهما ... الشوق والتمنّع .. هى من أرادت الابتعاد عنه هذه المرة ولكنه استسلم لقرارها حتى حينما عرض أن يوصلها الى المنزل ورفضت هى بدافع أنثوى بحت حتى تدفعه للاصرار ,وعوضا عمّا تخيّلته .. لم يكرر عرضه مكتفيا بالتنازل من أجلها .. شعرت بغصة فى حلقها .. فهى لم تعد تتحمّل هذا الاسلوب الجديد فى معاملتها .. اشتاقت لرئيسها المستبد .. شعرت بالحنين للهجته المتعالية .. وان كانت تحمل شيئا من دفء يجاهد لوأده دائما ,وتعجبت من نفسها : كيف تفكر هكذا ؟



******************

SHELL 08-11-20 04:33 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
لم يجد سيف زوجته بغرفتهما , فتش عنها بكافة أنحاء الطابق العلوى بدون جدوى , شعر فجأة بخوف قوى يسيطر على مشاعره .. ترى هل فرّت مها من المنزل ؟ ولكن كل ثيابها واغراضها الشخصية ما زالت موجودة ,لن يهدأ له بال أو يرتاح الا عندما يعثر عليها .. أتظن أنها تستطيع الهرب والاختباء منه وهى حامل بطفله ؟ لا , سيكون ملعونا لو سمح لها بهجره خاصة بعد أن اكتشف عمق المشاعر التى يكنّها لها بغض النظر عن الماضى الأسود الذى يربط أسرتيهما بلعنة الكراهية والحقد .
هى الوحيدة التى نجحت فى ازاحته عن الخط المستقيم الذى رسمه لمسار حياته بعد علاقته السابقة بليلى والتى انتهت نهاية مأساوية ,ورغم أنه قد عرف بالحقيقة الا أن أحساسه بها قد اختلف تماما , لم يتأثر كثيرا لرؤيتها وهى تصارحه بصدق حبها له فى ذلك الوقت الذى آمن فيه بخيانتها ,لا ينكر أن شعورا عارما بالراحة قد اجتاحه بعد اعترافها , فكبرياؤه كرجل لم يتحمّل فكرة أن تخدعه امرأة وتتلاعب بعواطفه الصادقة آنذاك , الا أن هذه العواطف صارت باهتة وأصبحت تمت للماضى فقط.
-مها ... مها .
أخذ صياحه يتعالى وهو ينزل الدرج بخطوات رشيقة , عيناه تدوران فى محجريهما تبحثان هنا وهناك ,وقد بدت ملامح الجزع واضحة على محياه فقد باتت شكوكه أكيدة .. هذه المجنونة هربت منه بلا شك , وأقسم بداخله أن يجعلها تدفع ثمن فعلتها تلك غاليا ولكن عليه أم يجدها أولا .. قرر أن يخرج للبحث عنها .. أين يمكنها الذهاب ؟ لا يوجد سوى شقتها القديمة .. لا , لا هذا هو أول مكان تعرف أنه سيفتش عنها فيه , سيجوب الطرقات ويتفحص الفنادق واحدا تلو الآخر .. وقبل أن تصل أصابعه الى مقبض الباب , أحس بلمسة رقيقة على كتفه وصوت هش يقول:
-سيف .. أكنت فى طريقك للخارج ؟ هل ستتركنى هنا وحدى ؟
تنهد ارتياحا والتفت على الفور الى زوجته الواقفة خلفه تنظر له بعينين وجلتين تستجديه ألا يخذلها ,فابتسم بصورة محببة وهو يتناول كفيها الضئيلين فى راحة يده الضخمة ,أحنى رأسه قليلا ليلثم أطراف أناملها برقة واحدا بعد الآخر مؤكدا لها ودون كلمات أنه باقٍ من أجلها .. شعرت مها بساقيها تهتزان وترنحت قامتها الهيفاء مما دفعها لتستند الى صدر زوجها وقد اطمأنت بعض الشئ لسكونه ,قالت بصوت ضعيف ترجوه:
-سيف , لا تتركنى أبدا مهما حدث , لن أحتمل هذا.
مسح على شعرها بحنان وهو يتمنى فى قرارة نفسه أن يدوم الانسجام بينهما على هذا المنوال بعد أن تنقشع الغيوم من علاقتهما , وهمس لها بصوت دافئ :
-لم يعد هذا ممكنا .. من الآن فصاعدا لن نبتعد عن بعضنا ,لم يعد لكِ الخيار فى ذلك , أنتِ تنتمين لى وحدى .
ثم وبحركة مباغتة مسح بخفة على بطنها وقد طغت على ملامحه دلائل السعادة والزهو ,فانتابتها موجة من المشاعر المتضاربة بين الشعور بالأمان والخوف حينما أضاف بصوت ينضح بعاطفة قوية:
-كما أنه اصبحت هناك بذرة لحياة تنمو بأحشائك .. فلا مجال للعودة الى نقطة البداية , علينا أن نمضى فى طريقنا حتى نهايته.
تسلل صوتها مرتعشا وهى تتوسله:
-أتعدنى يا سيف أنه مهما كان ردة فعل والديك على زواجنا أنك لن تتخلى عنى ولا عن طفلنا ؟
ضاقت عيناه السوداوان وقال ببطء متعهدا:
-أعدك يا مها .. والآن تعالى معى لأعرفك على والدىّ.
أدارها وهو يلف ذراعه حول خصرها بتملك يقودها الى غرفة المعيشة حيث ينتظر والداه.
سألته بوجل:
-هل .. هل ستخبرهما عن .. حملى ؟
وأشارت الى حيث يستقر الجنين فى رحمها ,فداعبها بأصبعه ملاطفا وهو يقول باصرار:
-بالطبع .. ولمَ سأخفى عنهما شيئا هاما كهذا ؟
قالت مترددة:
-لأنها المرة الأولى .. ستفاجئهما بخبر زواجنا ثم حملى .. اضافة الى أننى .. أقصد ماذا سيحدث حينما يدركان من أنا فى الواقع ؟
ضغط اصبعه على شفتيها مسكتا ايّاها وهو يتشدق مزهوا:
-أنتِ زوجتى .. وأم ابنى .. فقط لا شئ آخر.
-أتعنى أنك لن تطلعهما على حقيقة نسبى ؟
-كفاكِ اسئلة واستجوابات يا مها , أنا أكيد بأنهما سيعجبان بكِ.
رفعت مها حاجبا بدهشة وهى تتمتم :
-أحقا ؟
-نعم , مثلما حدث لابنهما بالضبط.
-أنت أعجبت بى ؟ متى كان ذلك ؟
ضحك من عدم ثقتها الواضحة فى نبرة صوتها المذهولة وهو يقول بصوت مقطوع الأنفاس:
-متى ؟ منذ وقعت عيناى عليكِ للمرة الأولى أثناء اجرائى لمقابلة العمل معكِ , رأيتك تتقدمين نحوى كملكة متوجة لها كامل حقوق الولاء على رعاياها , كنتِ واثقة جدا من نفسك وأزعجنى أننى لم أقوَ على ابعاد عينىّ عن رؤية جمالك ,, وأنتِ تعرفين البقية .
-لا أصدقك , فقد بدوت لى حينها كأنك تكرهنى ,, لمحت بعينيك نظرات احتقار .. و ..
قاطعها قائلا بنزق:
-كان هذا بعد معرفتى لاسمك كاملا وقد تكهنت بدوافعك للتقدم لمثل هذه الوظيفة , ولكن مع هذا لم استطع أن أتوقف عن التفكير فيكِ .. رغم أننى حاولت كثيرا حتى لا يزداد تعلقّى بكِ بمرور الوقت.
-اذا كنت عرفت حقيقة هويتى , لماذا وافقت على منحى الوظيفة ؟ هذا ما لم أفهمه الى الآن.
منحها ابتسامة واسعة كشفت عن اسنانه البيضاء اللامعة فهوى قلبها فى قدميها .. يا لها من جاذبية مشعّة ! وقال بغموض:
-ستعرفين يا حبيبتى .. ولكن ليس هذا هو الوقت المناسب.
وكانا قد وصلا الى وجهتهما المنشودة .. فارتفعت الوجوه نحوهما وتلاقت الأعين بنظرات اندهاش مختلطة بعدم التصديق وساد الوجوم غالبا على الوضع بأكمله.
تقدّم سيف نحو أبويه وهو يجر مها خلفه فقد تخلّت عنها شجاعتها ولم تعد قادرة على محاذاته بخطواته الواسعة ,وهو يقف الآن على قيد خطوتين من رجل وامرأة فى منتصف العمر يجلسان متجاورين وعيونهما مليئة بالتساؤلات بينما سمعت صوت زوجها جليّا وهو يقول بثقة واتزان:
-ماما ... بابا .. أحب أن أقدّم لكما ... مها .. زوجتى .
شحب وجه منى فجأة وبدت كأنها ترى شبحا ماثلا أمامها تتطلّع نحو ابنها ثم تحدج الفتاة التى يدّعى أنها زوجته بنظرات مريرة ,حاولت أن تتحدث .. أن تصرخ .. كأن صوتها قد انحبس فباتت شفتاها تتحركان بلا كلمات مسموعة ... والأسوأ كان التالى .. ازدادت ضربات قلبها الى درجة خيّل اليها أن طبولا تقرع بصدرها ,وكادت أن يغمى عليها لولا أن انتبه عادل فى اللحظة المناسبة وهو يحيط خصرها بقوة فارتمت برأسها على صدره وأنفاسها تتلاحق متخبّطة وعادل يحاول أن يجعلها تنظم من تنفسها آمرا بحزم:
-افعلى كما أخبرنا الطبيب بالضبط .. توقفى عن التنفس لثانيتين قبل أن تأخذى شهيقا عميقا .. حسنا .. اكتميه جيدا .. أطلقى زفيرا من فمك .. هيا يا منى .. كرريه ثانية.
أطاعته يالبداية ثم رفضت بتصميم وهى تهز رأسها بحدة قائلة:
-كلا .. أنا بخير الآن.
جثا سيف مذعورا على ركبتيه وهو يمد يداه متوسلا الى أمه يتساءل بجزع:
-ماذا بكِ يا ماما ؟ أأنتِ بخير الآن ؟
ولما لم يجد منها استجابة حوّل اهتمامه الى والده الذى أخذ يحدّق بقسمات وجهه قبل أن يهب منتفضا ليمسك بتلابيب ابنه مجبرا ايّاه على النهوض وهو يهتف بصرامة مخيفة:
-كيف تجرؤ ؟ كيف تجرؤ على هذا ؟
هتف سيف بصوت مختنق من جراء ضغط اصابع ابيه الفولاذية على عنقه:
-لماذا كل هذه الانفعال ؟ ألمجرد أننى تزوجت دون علمكما ؟
لم تحتمل منى البقاء صامتة وهى ترى ابنها بهذا الوضع الرهيب .. تحدّت شعورها الرهيب بالدوار وصرخت ملتاعة:
-كفى .. عادل .. اتركه فورا ..
اخترق نداءها الأمومى كيان زوجها فتوقف فجأة عن الضغط على عنقه ابنه وقد أدرك ما كان يفعله بذهول ,أفلت ياقة القميص من يديه ووقف شاعرا بالخزى وهو يرى وجه سيف محتقنا بالدماء المحبوسة يسعل بعنف ليدفع بالهواء الى رئتيه .. وقد اندفع رفيق نحوه ليطمئن عليه , أخذ يربت على ظهره بقوة حتى يساعده على تنظيم أنفاسه ,الا أن سيف استعاد رباطة جأشه على الفور وقبض على ذراع ابن عمه ليوقفه بنظرة حازمة من عينيه النافذتين فامتنع رفيق عن مقاومته لئلا يزيد الطين بلة .. فاذا أصر على مد يد العون له سيعتبرها بمثابة اهانة له أمام الجميع خاصة بعد تصرف عمه العنيف نحوه.
تمتم عادل متخاذلا وهو يدفن وجهه فى راحتى يديه:
-لماذا يا سيف ؟ ألم تجد سوى هذه الفتاة لتقترن بها ؟
قالت منى بصوت واهن:
-أما زلت تسعى لعقابنا يا ولدى ؟
عقد سيف حاجبيه مقطبا , غير واعيا لما يُقال فاندفع صائحا وهو يشعر باحباط كبير:
-عمّ تتحدثان ؟ لماذا أريد معاقبتكما ؟ كل ما فى الأمر أننى تزوجت ,, وقد اخترت الفتاة التى تناسبنى , ربما تسرّعت فى اتخاذ هذا القرار لظروف معينة الا أننى لم اقصد الاساءة لأى منكما.
-ابنة سهام وكمال .. هى الفتاة الملائمة لك يا سيف .
انطلقت هذه العبارة من بين شفتى أمه على شكل استفسار أو ربما تخمين .. فتعجب كيف عرفت من هى مها دون أن يتفوّه هو بكلمة عنها و كما أنه من المستبعد أن يكون عمه محمد هو الواشى لأنه وعده بعدم التدخل فى هذا الموضوع بعد أن سبق وأقنعه بأنه سيحسن التصرف ويتعامل مع الوضع بحكمة ,ولا يمكن أن يقدم رفيق على تصرف وضيع كهذا .. وكريم ... لا .. صحيح أين هو الآن ؟ عاد للوضع المربك الذى علق فيه .. حاول أن يركز تفكيره بصورة سليمة دون تشويش فلم يفلح فى استنتاج كيف توصل والداه لحقيقة نسب زوجته بهذه الدقة .
أراد أن يصل الى هذه النقطة ,, ولكنه لم يتخيّل أن تتحوّل المناقشة كليا الى هذا الاتجاه الجديد , ظن أنه سيكون البادئ بالهجوم لا متمركزا فى خط الدفاع محاولا تهدئة ثورة أبيه العارمة وتجنّب نظرات أمه العاتبة التى تشعره بمرارة لا مثيل لها ,عليه أن يشرح لهما الوضع سريعا قبل ان تتأزم الأمور أكثر , عدّل من هندامه واستوى فى وقفته قبل أن يحوّل انتباهه الى تلك المرأة الرائعة التى تسمّرت فى مكانها كأنها تمثال رخامىّ تستمع للحوار الذى يدور بخصوصها دون أن تكون طرفا فيه , أشفق عليها لرؤيته للدموع المتلألئة فى عينيها الزمرديتين .. أنها بموقف عسير كما أن حملها زاد من وطأة هذا العبء عليها , اتجه اليها وسحب ذراعها ليجبرها على الجلوس بينما يعتذر بتهذيب بالغ لوالديه قائلا:
-أستمحيكما عذرا , ولكن هل يمكن أن نستكمل حديثنا جلوسا , فالوضع هكذا يصبح أكثر ارهاقا .. ومها لديها ظروفها الخاصة.
طلّت من عينى منى نظرات استفسار فلوى سيف فمه بابتسامة صبيانية قبل أن يهتف مزهوا:
-نعم يا أمى .. أنها حامل وبنهاية شهرها الثالث.
عضت مها على شفتيها تكاد تشعر بالنظرات المارقة كأنها سهاما حادة ترشقها حيث اتجهت أنظار الجميع لا اراديا الى بطنها فعقدت يديها بدون وعى فى محاولة بائسة لحماية صغيرها بغريزة دفينة .. أنه أغلى وأعز ما تملك , لا سيما أنه ابن سيف ذاك الذى ينمو بجوار قلبها .. سيف .. الحبيب والزوج.
-حسنا , هلا بدأت بالحديث .. أننا فى انتظارك.
قالها عادل مغضبا الى ولده وقد عاد لبجلس بجوار منى محتضنا كفّها , يمنحها الدعم الذى تحتاجه , يمدّها بالقوة وقد مال نحوها يسألها باهتمام:
-أتشعرين أنكِ قادرة على مواصلة هذا الحوار ؟
أومأت له برأسها وهى تقول بجلد:
-لا تقلق علىّ , سأصمد.
انتاب سيف الفضول لمعرفة سبب هزال والدته وشعوره بأن والده يحاول حمايتها بصورة مبالغ فيها , الا أنه قرر ارجاء هذا التساؤل ما بعد , وتنحنح بصوت عالٍ قائلا:
-أود فى البداية أن أخبركم جميعا بأننى أنا اتخذت قرار الزواج هذا دون اللجوء الى أى احد من العائلة , لذا اذا اردتم القاء اللوم على شخص فأنا وحدى المسؤول عن هذا .. حتى مها لم تكن قادرة على مجابهتى بالرفض ..
-لا أشك بذلك , فأنت عنيد جدا ... واذا أصررت على شئ فلا يمكن أن يوقفك أحد.
صوت عادل الملئ بالسخرية اللاذعة والانتقاد نحو سيف تسبب فى أن تسرى قشعريرة باردة فى جسد مها ,هى بدورها تمنت لو تتحمّل هى اللوم عن زوجها , كانت تشعر بأن هذا هو واجبها خاصة بفعلتها الدنيئة فى اجباره على اتمام هذه الزيجة وفى وقت قصير .. كادت أن تتكلم وتبوح بالسر الا أن نظرة واحدة من عينيه أرسلت افكارها أدراج الرياح , كانت نظرة تحذيرية حادة وقد زم شفتيه بحزم قائلا:
-مثلك تماما يا بابا .. ألم تخبرنى من قبل انك قد تحديت أبيك والعالم بأسره لترتبط بمن دق لها قلبك .. أمى ..ضاربا بالتقاليد والأاعراف عرض الحائط .. ثم جاء خبر حملها بى ليطيح الجميع عن اقدامهم .. مما اضطرهم للقبول بهذا الزواج والاعتراف به.
-وهأنتذا تحذو حذوى .. الولد سر ابيه كما يُقال , أليس كذلك ؟ أتعرف يا بنىّ ما الذى فاتك فى هذه القصة التى حكيتها لك ؟ أن تعرف المغزى ورائها ؟ شتان الفارق بين هاتين الحالتين .. ولا مجال طبعا للمقارنة بين أمك وهذه الفتاة .. التى تشبه الحرباء فى تلوّنها حتى تصل الى غرضها .. لا بد أنها قد أوقعتك فى حبائلها بحيلة رخيصة.
لا هذا كثير جدا , اعتدلت مها بجلستها فى حركة محتدة وقد ظهر العصيان واضحا على ملامح وجهها الفاتن ,وقبل أن تفتح فمها لترد بما يناسب فوجئت بسيف يقول بصوت هادئ لم يخلُ من بعض الحزم :
-أرجوك يا بابا لا يوجد ما يدعو لهذا الحديث , وأنا لست غر ساذج ليدفعنى أحد الى ما لا أريده ,أنا أردت أن أتزوجها .. لأننى أحببتها.
لماذا يدافع عنها بهذه الحرارة ؟ والأدهى أنه قد كذب لتوه على والده .. ودون أن تطرف له عين , أكل هذا من أجل حملها ؟
-رغما عن انتمائها لعائلة الراوى ؟؟ بصراحة لا أفهمك ,لقد تصرفت بشكل مخزٍ وأسأت للعائلة كثيرا .. وكأنك لست ابنى .
شعر سيف بطعنة نجلاء تخترق ضلوعه تمزقها وتستقر بقلبه ,كان واثقا من قدرته على تدارك الأمر والدفاع عن مستقبله المشترك مع مها , الا أنه بات من الواضح سوء تقديره للوضع ككل ..
-عادل ... عادل.
نداء زوجته الواهن والذى انبعث بصعوبة من بين شفتيها مرتعشا جعله يتوقف عن متابعة حديثه ويوليها كامل اهتمامه ,رقّت نظرات عينيه وتغيّرت لهجته تماما وهو يسألها بلين:
-ماذا هناك يا عزيزتى ؟
أشارت له بأصابعها المرتجفة الى الأعلى وهى تتعثر بحروف كلماتها:
-أود الذهاب الى غرفتى لأستريح.
هب واقفا على الفور ثم انحنى يسندها حتى وقفت على قدميها وغمغم متوترا:
-أتشعرين بالارهاق ؟ أم استدعى لكِ الطبيب ؟
-لا , مجرد احساس بالتعب , أنت تعرف أن رحلتنا كانت طويلة للغاية , كما أن الأجواء هنا خانقة ... جل ما أريده هو الخلود الى النوم.
أسرع سيف بدوره ليساعد والدته فى الصعود الى الطابق العلوى وهو يقول بمودة:
-ماما .. استندى الى كتفى.
الا أنها انتزعت ذراعها منه بحركة عنيفة لا تتناسب مع ضعفها وشعورها بالتعب , أجفل متراجعا وقد اهتز لرؤية نظراتها الحانقة مسلطة عليه توخزه كأشواك دامية .. تخبره أنه قد خذلها , وأى خذلان ؟
-لست بحاجة اليك.
ثم تجاهلت نظراته المتألمة وألقت التحية على الجميع دون أن تلتفت الى مها بلمحة واحدة وقالت بعزم:
-هلا تعذرونى ,فأنا أشعر بأننى لست على ما يرام .
سمعت همهمات تسرى بينهم بأمنيات بالشفاء العاجل لها.
وانطلق الزوجان العائدان فى طريقهما تاركين ابنهما يقف وحيدا متحسرا بعد أن خسر معركته قبل أن تبدأ.



********************

SHELL 08-11-20 04:36 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
لم تحتمل مها هذا المشهد والذى أثار لديها شعورا قويا بالغثيان ,وأخذت تقاوم بيأس لعل اضطراب معدتها يهدأ ,بيد أنها أدركت أنه لا مناص من الذهاب الى الحمام حتى لا تفتضح أمام الجميع ,فسارعت بالاندفاع الى حيث اقرب حمام لها بالطابق الأرضى .
لم يكن مشهد تقيؤها محببا للنفس على الاطلاق .. وبعد أن أفرغت محتويات أمعائها المتقلبة ,غسلت وجهها بالماء الفاتر ثم ولدهشتها وجدت يدا سمراء قوية تمتد لها بالمنشفة .. اذن فقد تبعها سيف الى هنا ورأى هذا المشهد المقزز .. رفعت رأسها ببطء تتجنّب نظرات عينيه .. لا بد أنها نظرات اشمئزاز ,وتناولتها من يديه حتى تجفف بشرتها المبللة .. وشعرت به يقترب الى جوارها وتسللت ذراعاه الى خصرها يطوّقه باحكام فقد شعرت بالضعف المعتاد اثر نوبات القئ المتكررة فارتجف جسدها كليّا ,كانت ممتنة له حيث ظل على صمته يراقبها بمتعة جديدة عليه .. والتمعت بعينيه نظرة خطيرة وهو يلاحظ التغيرات التى طرأت على جسدها الجميل وقد التصق الثوب ذو القماش الرقيق بمفاتنها الأنثوية ,تراءى له أن يبعد تفكيره عمّا يدور به حتى لا يصل الى نتيجة غير مرضية .. عليه أن يتعامل معها بحرص شديد فى هذه الفترة الحرجة من حملها , قال أخيرا بصوت عادى:
-أعتقد أنه علينا أن نقوم بجولة أخرى للتسوّق , من أجل شراء ثياب جديدة تتناسب مع مقياسك الجديد.
كيف يستطيع أن يحادثها بأمر كهذا فى مثل هذا التوقيت وكأنهما لم يتعرضا لأسوأ موقف بحياتهما منذ قليل ,وقد تم رفضها من قبل والديه .. أنها منبوذة وهو يتكلم عن ضرورة التسوق , لم تعِ الا وهى تسأله بحنق:
-أهكذا أصبحت ترانى بدينة وأحتاج الى مقياس أكبر ؟
أفلتت من بين شفتيه ضحكة عصبية قصيرة لم تلبث أن تحولت الى قهقهة مرحة عالية وارتفع حاجباه بينما يقول بتسلية:
-أهذا كل ما يضايقك بالأمر ؟ هل تريدين معرفة رأيى حقا بهذا الشأن ؟
كان وسيما بشكل مذهل وقد أضفت ابتسامته الكبيرة الى جاذبيته المزيد .. ما جعلها تشعر بخفقان قلبها يتزايد ,وحبات العرق تسللت الى جبينها فهى تبذل جهدا مضاعفا للحفاظ على ثباتها وقوتها ,قالت بتحدٍ:
-حسنا ,ماذا ترى ؟
تلفت حوله بمغزى قبل أن يغمز لها بعينيه بصورة صبيانية دفعت الدماء الى وجهها وهو يحثها على التحرك الى الخارج قائلا باغواء مثير:
-سأريكِ ولكن ليس هنا .. بل فى الأعلى.
شهقت من تلميحه الجرئ وتساءلت فى نفسها : كيف يستطيع السيطرة على انفعالاته السابقة محتفظا بهدوء أعصابه ورباطة جأشه ؟ بل والأنكى أنه يحاول اغرائها بشكل صريح ومحبب الى النفس .. لم تجد فى نفسها القدرة ولا الرغبة فى مقاومة هذا الشعور المتسلل بخبث اليها .. شعور لذيذ بالخدر يسرى فى جسدها جراء لمساته الدافئة الخبيرة .. ونحت التفكير بالغد جانبا ,واستسلمت للحاضر فقط.


**************

SHELL 08-11-20 04:38 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
-لماذا التزمت الصمت ولم تتدخل فى النقاش يا محمد ؟
طرحت فريال هذا السؤال بفضول شديد على أخيها الكبير .
كان محمد جالسا على مقعد مواجه لها مسندا رأسه على ذراعه يتأمل بعمق ما حوله قبل أن يقرر الاجابة بتمهل:
-لم يكن هناك مبررا للتدخل , كما أن الأمر شائك للغاية بينهما وقد يأتى حديثنا ولو كان عفويا بتأثير عكسى ,اضافة الى أننى قد سبق وقدمت لسيف النصيحة وهو لم يستمع الىّ ,أخبرنى أنه قادر على التعاطى مع هذا الأمر دون حاجة لمساعدة منّا.
قالت فريال بحسرة:
-مسكين عادل ! لم ينعم برحلة الاستجمام هو ومنى , كان فى انتظارهما صدمة قاسية ..
تدخلت سوسن فى الحديث قائلة بصوت غريب:
-ولكن ألم تلاحظوا تغيرا طرأ على منى ؟ أعتقد أنها ليست بخير ,شحوب وجهها وضعفها .. كما أن نبرة صوتها واهنة.
قال رفيق بفتور:
-ربما كانت تعانى اجهادا من السفر .. لا تضخّمى الأمور يا أمى.
اندفعت أميرة تهتف بنزق وهى تواجهه بنظرات غاضبة:
-أعتقد أن تنت سوسن على حق ,الأمر واضح كضوء الشمس .. شعرت أنا أيضا بأنها مريضة.
قلب رفيق شفتيه استياءا وهو يشيح يوجهه بعيدا عن زوجته قائلا ببرود:
-هكذا أنتن النساء تصنعن من الحبة قبة , فورا جعلتِ منها مريضة .. وربما تعانى من داء عضال , أليس كذلك ؟ يا لخيالك الواسع !
-ولماذا لا تعترف بأنكم أنتم معشر الرجال لا تبالون بمن حولكم ,هذه أنانية مفرطة من جانبك ألا ترى سوى نفسك فقط ؟
ران الصمت على الجميع وقد اعتراهم الاحساس بوجود توتر قوى بين الزوجين ,فلم يكن هذا مجرد جدالا عاديا حول صحة منى بل حربا باردة شعواء بين الاثنين يتراشقان بالألفاظ المبطنّة.
فقد رفيق القدرة على السيطرة على هدوئه والذى بالكاد تفلت أعصابه فهبّ واقفا كالطود وهو يقول متأففا:
-سأذهب لأرى أين ريم ؟ فقد اختفت فجأة دون مبرر ,عن اذنكم.
ولم يكلف نفسه عناء القاء نظرة على زوجته المبهوتة ,بل خرج مندفعا لا يلوى على شئ.
ما أن اختفى طيفه حتى أجهشت اميرة بالبكاء دون سابق انذار واندفعت ترمى نفسها فى حضن أمها التى احتوتها بحنان وألفة , تربت على شعرها محاولة التخفيف عنها بكلمات مواسية .
تبادل محمد ومجدى النظرات فيما بينهما ولم يعجبهما بالطبع ما آل اليه الموقف .. طرف محمد بعينه باشارة خفية ليتبعه المحامى الى غرفة المكتب دون أن ينبس أى منهما ببنت شفة.
شعرت سوسن ببعض الاحراج نظرا لتصرف ابنها الغير مبرر وعدم مبالاته الواضحة تجاه زوجته التى لم يراعِ مشاعرها أمام العائلة حتى ولو حفاظا على المظاهر فقط , كان عليه أن يضع هذا فى حسبانه .. سوف تفاتحه بالموضوع حين تأتى الفرصة المواتية لذلك .
همست فريال فى اذن ابنتها:
-ماذا هناك يا أميرة ؟ ما الذى حدث يا بنيتى لكل تبكى بهذه الحرقة ؟
أجابتها وهى تنتحب بمرارة:
-ألم ترى كيف تجاهلنى وكأننى كم مهمل ؟ لقد تغيّرت معاملته لى كثيرا يا ماما .. اشعر أنه لم يعد يحبنى كالسابق.
اندهشت فريال بشدة ,ولكنها زجرت ابنتها بلطف قائلة:
-لا يا أميرة لا تقولى هذا .. ليس كل خلاف يدب بين الزوجين معناه انتهاء الحب ,لا بد أن تتعلمى المرونة فهناك لحظات تمر عاصفة لا تقفى فى وجهها متصلبة فتنكسرى ,لا بد أن هناك شيئا ما يؤرقه وأنتِ لا تعرفين.
لم تعرف كيف تصارح والدتها بالحقيقة المرة .. هى أن زواجهما على وشك الانهيار ليس فقط بسبب جاسر وخطبته لريم .. هناك ما يشغلها ويضنيها .. تأخر حملها الى هذه اللحظة .. صحيح أنه لم يمر سوى أربعة اشهر وبضعة ايام على عقد قرانهما الا أنها كانت تتوق بشدة لطفل .. طفلها من رفيق .. وقد زاد الطين بلة حينما شعرت بقليل من الغيرة وربما الحسد من مها التى سرعان ما ستتكوّر بطنها كاشفة عن حملها ,وحتى أمها .. السيدة التى تجاوزت الخامسة والأربعين من عمرها لم يمر علي زواجها سوى القليل حتى بانت عليها عوارض الحمل وستلد قريبا جدا .. مجرد خمسة اشهر أو أقل وسيصبح لديها أخا أو أختا ... وهى ستظل كالصحراء الجرداء بلا حرث ولا نسل ..
-ماما ... أخشى كثيرا من تأخر حملى.
اعترفت بتردد بصوت منخفض ,ما جعل أمها تتوتر بشكل كبير , ألهذا السبب هى قلقة وكأنها قطة على صفيح ساخن , قالت قاصدة أن تبث الطمأنينة فى نفسها:
-حبيبتى لم بمض على زواجكما سوى بضعة أشهر , لا يمكن اعتبار هذا دليلا على تأخر الحمل ولا أنكِ تعانين من مشكلة - لا قدّر الله - انتظرى فقط بلا ترقب , وسوف يمن الله عليكما عن قريب بما تشتهيان .
أحنت أميرة رأسها مطأطئة بخجل تتهرّب من عينى أمها المتفحصتين .. فكيف تخبرها بأن سر قلقها ليس لوجود خلل أو عيب يمنع انجابها للأطفال .. وانما لأن زوجها ومنذ عدة اسابيع وهو يتحاشاها كأنها تحمل عدوى الطاعون .. نعم , ربما يشعر بنفور منها .. ومردّه طبعا الى دخول جاسر من جديد الى حياتهما وبأصعب طريقة .. سيصبح صهرا لزوجها .. بعد أن يتزوج شقيقته الوحيدة.


*********************

SHELL 08-11-20 04:39 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
لم يكن السبب الحقيقى لابتعاده هو البحث عن شقيقته كما ادّعى وقتها ,ولكنها رغبة جامحة فى الهروب .. أيعقل انه هو دونا عن جميع الناس والذى اعتاد أن يواجه اصعب الظروف فى احلك المواقف أن يتبنّى سياسة الهرب وممن , من أميرة زوجته وحبيبته وشريكة دربه .. يشعر بالتقصير فى حقها .. هو وعدها بالحماية التامة , فماذا كانت النتيجة ؟ لم يبرّ بقسمه ولم يكتفِ بذلك بل آلمها الى أقصى درجة .
خرج الى الشرفة الجانبية التى تطل على الحديقة بأشجارها الباسقة وزهورها العطرة التى نشرت شذاها عبر الهواء الذى تسلل الى صدره فاستنشق عبيرها بعمق واستمتاع , أنه بحاجة الى الاسترخاء .. ولو للحظات معدودة , ليستعيد نفسه مرة أخرى ..
-أنت هنا وحدك ؟ ألا تمانع لو انضممت اليك ؟
التفت خلفه ليجد شقيقته المفضلة واقفة على عتبة الشرفة الزجاجية تنظر له بتمعن محاولة سبر أغوار عينيه الفضيتين .. تقدمت منه بخطوات وئيدة تفيض ثقة وقوة .. لمَ ينتابه دائما هذا الاحساس بأن ريم قد تغيّرت وربما للأفضل , اصبحت أكثر نضجا وخطواتها أكثر ثباتا وتفكيرها أكثر عمقا .. الا أنه يفتقد لنظرات عينيها الطفولية والتى كانت تغلب على طبيعة تصرفاتها .. دوما يشعر بحاجتها للحماية .. وهذا هو واجبه تجاهها , وللمرة الثانية يشعر بمرارة الخذلان .. فشل مجددا فى الاعتناء بها .. معرّضا ايّاها لخطر جسيم .. كيف يتركها تتزوج من جاسر غريمه السابق حتى ولو تراجع عن المعركة تاركا له الساحة خالية بعد علمه بزواحه من أميرة أو لبنى فى حينها ,الا أنه يظل رجلا أراد يوما حبيبته هو لنفسه والآن عليه أن يتقبّله كعضو فى اسرته ولس هذا فقط يل وزوجا لريم ... التى ان اشتمت رائحة الماضى لن يهدأ لها بال ولن يغمض لها جفن.
مالت بجذعها على سور الشرفة تاركة النسيم يداعب خصلات شعرها القصيرة التى استطالت قليلا , سرحت بنظرها الى البعيد وقالت بصوت متهدج:
-أتذكر يا رفيق حينما كنّا صغارا واعتدنا اللعب فى حديقة النادى الصغيرة .. وذات مرة قام فتى أكبر منى سنا بدفعى عن الزحلوقة المرتفعة فوقعت أرضا وأصيبت ذراعى ,, أتذكر حينما رأيتنى مجروحة ماذا فعلت ؟
أطلق رفيق من صدره زفيرا حادا وعقله يستعيد ذكرياته البعيدة مع شقيقته .. قال بصوت حانٍ:
-نعم , جئتِ نحوى تركضين وذراعك ينزف من جرح غائر , كنتِ تبكين من شدة الألم ,سألتك من فعل بكِ هذا ؟ فأشرتِ الى ولد ضخم قوى البنية برعب وكنتِ ترتجفين حينها كورقة شجر فى فصل الخريف ...
استكملت ريم السرد بحالمية قائلة:
-لم تتردد وقتها , سارعت نحوه لتتشاجر معه , اندفعت نحوه كالقنبلة لتلكمه فى معدته ثم فى وجهه حتى لقنته درسا معتبرا , أذكر أننى رأيته خائقا مرتجفا فى مواجهتك وهو يتوسل لك حتى ترحمه ...
قال رفيق بصوت حانق من اثر الذكرى:
-ولكننى أجبرته على الاعتذار منكِ وقلت له : لو سامحتك هى سأعفو عنك وأتركك ترحل .. وبالفعل كنتِ كريمة جدا معه بالغفران .. وقد خاب أملى لأننى أردت أن اضربه الى حد فظيع لا يعود معه الى محاولته للتجبّر على الفتيات والضعفاء الذين لا قبل لهم بالوقوف فى وجهه.
قالت ريم وهى تتمسّك بذراعه بقوة:
-كنت خير سند لى .. شعرت حينها بأننى لست وحيدة وأنه مهما يكن فلن تخذلنى .. كنت فخورة جدا بكونك شقيقى وحاميى .. المدافع عنى ..
-لطالما كنت ألومك على تهاونك فى حقوقك , دوما تقبلين الاعذار الواهية ولا تتعلمى من أخطائك السابقة ..
-كنت تنعتنى بالساذجة , أتذكر ؟
أشاح بوجهه الى الجهة الأخرى وهو يتمتم بأسى:
-كنت مخطئا يا ريم للأسف , حينما اعتبرت التسامح ضعفا ..
ثم عاد لينظر مباشرة الى عمق عينيها وهو يقول بتصميم:
-التسامح والغفران هما نقاط قوة وليس ضعف , الذى يعفو هو القوىّ .. الانتقام لا يمكن احتسابه قوة .. أعتذر منكِ.
تراقصت ابتسامة ضعيفة على شفتيها الورديتين وهى تسأله بصورة مفاجئة:
-من هى يا رفيق ؟ أخبرنى ..
أطلّت من عينيه نظرات اندهاش قبل ان يغمغم حائرا:
-من تعنين يا ريم ؟
قالت بلهجة حادة وهى تغرس أظافرها فى لحم ذراعه دون أن تشعر:
-من هى المرأة التى كان جاسر على علاقة بها ؟ المرأة المتزوجة الذى تحدثت عنها .. لا تقف صامتا , أرجوك تكلم ..
بات الصراع الآن بين عقله وعواطفه .. أيخبرها باسم المرأة ويخاطر بعلاقته الوثيقة بها ؟ بل كيف ستستقبل نبأ كهذا ؟ أم يكتم الآهة فى صدره متجلدا ليجابه ألما اقسى من حمل الجبال ؟ ويتركها كالمخدوعة تعيش بالأوهام ؟
فى لحظة طيش اتخذ قراره أن يصارحها بالحقيقة مهما كلفه الأمر ,ولو كان عليه أن يدفع هو الثمن غاليا فهو على أتم استعداد , شعر بألم جسدى فى ذراعه حيث كانت تضغط عليه دون توقف ,ازدرد لعابه وهو يتأهب للاعتراف قائلا:
-المرأة التى كان يحبها ...
-رفيق !
هتاف ملح شق سكون الليل ,ولثوانٍ وقفا الاثنان متواجهين دون كلمة , هل انطلق هذا النداء حقا أم هو محض خيال ؟
-رفيق , ريم .. ها قد وجدتكما .. ماذا تفعلان هنا ؟
حدجت ريم ابن عمها كريم بنظرة حاقدة سوداوية فقد قاطع حوارهما بلحظة حرجة وحاسمة أما رفيق فقد ثاب لرشده وضرب على جبهته بقوة ماذا كان فى نيته أن يقول ؟ كان سيخبرها باسم زوجته .. الى أين كنت ستقود عائلتك ؟ حمد الله على تدخل كريم فى الوقت المناسب حتى دون أن يدرك سبب لهفة رفيق الى عناقه وهو يربت على كتفه بقوة محتضنا ايّاه :
-بل قل اين كنت أنت يا رجل ؟
تلاعب رفيق لحاجبيه الى الأعلى مداعبا وهو يتصنّع الأهمية:
-هل افتقدتمونى الى هذا الحد يا رفاق ؟
-طبعا , وهل نستغنى عنك يا ابن العم ؟
نقل كريم بصره الى ريم الواجمة وتراجع بحركة تمثيلية هزلية قبل أن يقول ساخرا:
-يبدو أن هناك من لا تشاركك رأيك هذا ؟ لماذا يبدو عليها وكأنها على وشك أن تقتل شخصا ما ؟
قال رفيق ملاطفا:
-احذر فقد تكون أنت الشخص المرشح.
-أووه ! يا لكِ من فتاة !
هتف كريم صارخا عندما دفعته ريم بعنف حتى تزيحه من طريقها.
واستطرد بعدم تصديق موجها حديثه لرفيق:
-أتصدق هذا ,, ريم الرقيقة تجبرنى أنا على التراجع بهذا الشكل.
دلفت ريم الى الداخل وهى تتلظى بنيران الحقد والغضب .. لقد كادت أن تصل لمبتغاها لولا وصول كريم الغير متوقع.



*********************

SHELL 08-11-20 04:41 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
انتهى الفصل العاشر

https://www.arabwebnet.com/vb/imgcac...2.imgcache.gif

SHELL 05-12-20 12:18 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
سوف أقوم بتنزيل الفصل الحادى عشر

SHELL 05-12-20 12:24 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
الفصل الحادى عشر

https://upload.3dlat.net/uploads/13486966436.gif

-صباح الخير يا أمى.
قالها عادل بعد أن دلف الى غرفة والدته وانحنى على يدها يقبّلها بحنان فيما هى تشده الى حضنها تستقبله بوجه بشوش وصوت رقيق:
-حمدا لله على سلامتك يا بنىّ .. آسفة أننى لم أستطع رؤيتك البارحة , تعرف أننى أخلد الى النوم مبكرا , لم تعد لى طاقة على السهر الى ما بعد العشاء.
ابتعد قليلا عنها وهو ينظر الى وجهها بمزيج من اللهفة والقلق .. كان صوتها متهدجا وتتنفس بصعوبة , ما جعله يشعر ببعض التوتر لحالها , أهى مريضة الى درجة كبيرة ؟ أم أنه يتوهم فقط لشعوره بالذنب بسبب ابتعاده عنها لفترة طويلة ولكنها لم تكن رحلة اختيارية .. أبدا.
-اشتقت لكِ يا أمى كثيرا.
توسد المكان الى جانبها وهو يتكأ بمرفقه على جانب الفراش بينما يتلمس وجهها المتغضن والذى ازدادت تجاعيده عمقا كاشفة عن عمر طويل انقضى ولم يكن سهلا .. انحدرت دمعتان غادرتان على خديها ,مسحتهما بأصابع معروقة بكبرياء وشموخ ..
-أتبكين يا أماه ؟
-كلا ,هذا فقط مجرد .. تأثر لرؤيتك يا حبيبى ,فقد غبت عنّا كثيرا ,لأول مرة بعمرك تغيب عن عينىّ حتى بعد أن تزوجت وصرت أبا , كنت دوما الى جانبى .. لم أحتمل أن تذهب .. فبعد سفر فريال الطويل ووفاة وجدى - رحمه الله - لم يتبق لى فى الدنيا سواك أنت وأخيك ,ولست مستعدة لخسارة أيا منكما .
ربت عادل بحنان على كتفى أمه المتهدلين وهو يحيطها برعايته واهتمامه واعدا ايّاها:
-لا يمكن لأى منّا أن يستغنى عنكِ يا ست الكل ,نحن نعيش فى ظلك وتحت جناحك .. مهما بلغنا من العمر كبرا أو خط الشيب رؤوسنا .. كما أن فريال قد عادت أخيرا و...
قاطعته شريفة برزانة:
-أختك بحاجة الى الراحة فيكفيها تعب حملها ومشقته عليها.
فوجئ قليلا بحديث والدته الا أن الشك قد تسلل الى ذهنه بالأمس فعلا بخصوص غرابة أطوار شقيقته التى لم تكن تتحرك كثيرا ورفضت تناول المشروبات معهم ,صاح بانفعال وهو ينهض واقفا:
-فريال حامل .. أوليست بمعجزة ؟
تفهّمت شريفة صدمته لدى سماعه للخبر ,وكيف لها أن تلومه فهى بنفسها قد سبق وأحست بما يعتمل فى نفسه حين خصتها ابنتها بهذا السر دونا عن الجميع حتى أنها صرّحت بخوفها من معرفة أميرة وتوجست من ردة فعلها الا أن الفتاة طارت من الفرحة لدى علمها بهذا الحمل المعجزة ..
-أنها فرحة غامرة يا عادل لنا جميعا ,, كما أنك ستصبح جدا عن قريب .. فمبارك لك أيضا.
انعقد حاجباه بشدة وهو يلتفت بحدة ليواجه أمه فى غضب قائلا:
-أكنتِ على علم بزواج سيف من وراء ظهورنا ؟ هل شجعته يا أمى على عصيانى ؟
قالت السيدة العجوز بتأنٍ وحكمة اكتسبتها بمرور الزمن:
-اهدأ يا ولدى , واعرف أنه لا ضرورة لهذا الغضب الجارف .. ما فعله سيف لم يكن بالشئ الصواب طبعا ونحن لم نعرف الا بعد وقوع الأمر .. جاء الينا وهى بصحبته يخبرنا أنه قد تزوّجها وأخفى عنّا الأمر لسبب فى نفسه .. بالتأكيد قمت بتأنيبه على ما أقدم عليه فلم يعجبنى أن يتصرف هكذا على هواه بمسألة خطيرة كالزواج وخاصة أنه لم يستشر عمه أيضا وقد كان محمد ثائرا أكثر منك .. الا أننى نصحته بألا يتسرّع فى حكمه عليهما وأن ننتظر رجوعك حتى نتشاور بالأمر جميعا ونصل الى قرار حكيم.
قال عادل مستهزئا:
-وهل يفيد الآن ؟ لقد صارحنا وبكل وقاحة أن زوجته المحترمة ابنة الأصول .. حامل , ها هو يضعنا أمام الأمر الواقع ,وعلينا أن نقبل بها كنّة وأم لحفيدنا .. لم يجد من بين جميع الفتيات سوى هذه ليقترن بها.
صمتت والدته قليلا لتسترجع ذكريات ماضية .. وقالت بصوت غريب:
-أتذكر منذ ما يقرب من ثلاثين عاما ؟ حينما تعاملت مع رفض أبيك لزواجك من منى بذات الطريقة , ألم تتزوجها دون ارادتنا وتمسكّت بها أكثر بعد أن عرفت بحملها ؟
هتف عادل بغير تصديق:
-ماما .. كيف تساوين ما فعلته أنا بما قام به سيف ؟ وكيف تسمحين بالمقارنة بين منى وهذه الفتاة ؟
-وما الفارق ؟
-الفارق كبير , شتان بينها وبين زوجتى .. على الأقل لم تكن هى من عائلة تكن العداء لنا , وأنا أحببتها بصدق وجئت متوسلا لوالدى حتى يوافق على خطبتى لها , هو من رفض وباباء لأسباب واهية .. لمجرد أنها كانت تعمل سكرتيرة وتنتمى لعائلة متواضعة ماديا .. أما هذه ... التى تزوجها .. ألا يكفى أنها ابنة كمال الراوى ؟ أين كان عقله وهو يقدم على أمر بغيض كهذا ؟ فهو لم يراعِ مشاعرى أنا وأمه .. كان يعرف جيدا من هى ولهذا فقد استغل غيابنا وخان الثقة الموضوعة به ..
-لأنه كان يعرف باستحالة الحصول على موافقتك اذا ما فاتحك بهذا الشأن .
صاح عادل هادرا بعنف:
-ماما , ماذا تقولين ؟
-لا تريد أن تسمعنى لأنها الحقيقة التى لا تجرؤ على الاعتراف بها ,كنت ستتصرف كوالدك تماما بذات الطريقة الظالمة الاستبدادية التى طالما كنت تشكو منها.
-أهذا رأيك فىّ يا أمى .. أننى أشبه أبى ؟
لم تكن مخطئة فى اعتقادها .. كانت بمثابة ضربة قاصمة له أن يسمع الحقيقة من بين شفتيها , تلك الحقيقة التى يحاول انكارها أو على الأقل تجاهلها .. الا أن جزء صغير من عقله ظل على عناده .. لا يوجد مجال للمقارنة بينه وبين ابنه .. ومها تلك حتما ليست مثل زوجته منى .. الحبيبة.
-لم أقصد التشابه الكلىّ .. رد فعلك الذى تظهره الآن يجعلنى أندهش منك ,لماذا لا تتقبّل أنه أحبها وتزوجها كما فعلت أنت بمنتهى البساطة ؟
-وأرحب بابنة كمال كزوجة لابنى وأتناسى أنه كان ..
وبتر عبارته فجأة وارتسمت على وجهه معالم الأسى والشقاء ,فشعرت شريفة بالشفقة على ابنها وما يعانيه من صراع داخلى .. كيق يقبل بابنة رجل .. كان مرتبطا بزوجته من قبل.
قالت الوالدة فى حزم وهى تعقد ذراعيها فوق صدرها:
-لا أرى سببا يمنعك من المحاولة .. وخاصة فى ظل هذه الظروف الجديدة .
-كيف تطلبين منى ذلك وكأنه شئ عادى ؟
أزاحت الغطاء من فوق جسدها برفق وقامت بمحاولة مضنية لتقف على قدميها بالاستناد على عصا أبنوسية ,سارت بقامتها الضئيلة الى حيث ارتمى عادل جالسا على مقعد بتراخٍ واستسلام أوجع قلبها .. مسدت على شعره الذى غزاه اللون الأبيض .. وقالت بصوت يفيض عذوبة وحنانا:
-من قال أنه شئ عادى ؟ أعرف مدى صعوبة الأمر عليك .. عادل .. لقد أمضينا عمرا كاملا فى عذاب قاسٍ بسبب الماضى الأليم ,وأنت بنفسك اختبرت هذا , فلمَ لا تدعه وشأنه ؟ انسَ يا بنىّ .. ولتمنح لابنك فرصة ثانية للبدء من جديد .. اصفح عن الخطأ .. وتسامح .. لتتصالح مع نفسك.
رفع وجهه نحوها ببطء وابتسم بخفة , ثم ما لبثت ابتسامته أن تحولت الى عبوس قاتم وهو يقول متألما:
-واذا افترضنا أننى أستطيع نسيان الماضى كما تقولين ولو أنه مستحيل ,كيف ستتجاوز منى هذه الصدمة يا أماه ؟ أتعرفين أنه لم يغمض لها جفن طوال الليل من هول ما عانته ؟
جلست الى جواره بتهالك وهى تقول بذات القوة التى تحاول التمسك بها:
-اذا كان هذا هو السبيل الوحيد لسعادة ابنكما فما عليها سوى أن تحاول مثلك .. ألا يستحق سيف منكما بعض التضحية تعويضا عما تكبّده من آلام دامت سنين .. والفضل فيها يعود اليكما , أنه ثمن بخس يا عادل.
-ليس الأمر كما تتصورين يا ماما .. لا أعتقد أن صحتها تتحمّل هذه المشقة.
سألته وقد انتابها قليل من التوتر:
-لماذا ؟ أتشعر منى ببعض التوعك ؟
دفن وجهه مجددا بين راحتى يديه وهو يئن بصوت يقطع نياط القلوب ,قال بعد برهة:
-توعك ! يا ليت الأمر يتوقف على بعض التوعك , أمى .. ان منى مريضة .. مريضة جدا.
اتسعت عيناها عن آخرهما وهى تسأله بلهفة قلقة:
-ماذا بها يا عادل ؟ تكلم .. تكلم.
قال من بين شفتين ترتجفان ألما بصوت خفيض:
-منى ... مصابة بمرض خطير .. اكتشفنا أنها تعانى من السرطان.
شهقت فزعا قائلة:
-سرطان ! لا حول ولا قوة الا بالله ..
أغمضت عيناها التى اغرورقت بالدموع وهى تشيح بوجهها منتحبة بألم بالغ:
-يا للمسكينة ! ولكن يا بنى هل تأكدتم من هذا .. التشخيص ؟ ربما اختلط الأمر على الأطباء.
ابتسم ابتسامة مريرة من محاولة أمه لتبرير الأمر من وجهة نظرها , فعقلها يرفض استيعاب ما حدث , كما صار معه بالضبط أول مرة يستمع للطبيب الذى أكّد له بما لا يقطع الشك أن زوجته تعانى ورما خبيثا ,, بعد اجراء العديد من التحليلات .. ساوره القلق عليها أثناء رحلتهما بالخارج حينما لاحظ شرودها الواضح وازداد الأمر خطورة بعدما لمحها خفية تتفحّص ابطها فى المرآة دون أن تعى أنها تحت المراقبة .. كان متورما بشكل فظيع ,قاطعها بشكل مفاجئ وكانت تكتم آلامها عنه بصبر ..ما دفعه الى اصطحابها لأفضل الأطباء المعروفين بالبلد الأجنبى الذى كانا يزورانه .. وهناك اصطدما بالواقع المرير .. زوجته وحبيبته ,, منى ,, مريضة بسرطان الثدى.
-أخبرنى يا عادل .. أليس محتملا أن التشخيص ...
-كلا , يا أمى , أرجوكِ .. توقفى عن محاولاتك هذه , فلا فائدة ترجى منها , لقد أجريت علاجا اشعاعيا لها ونحن بالخارج .. وقد تطلّب الأمر وقتا أطول مما كنا نعتقد ليطمئن الأطباء المعالجين على استقرار حالتها حتى نتمكّن من العودة الى مصر.
-ألهذا السبب أمددتما الاقامة هناك ؟ ونحن الذين تخيّلنا .. أنكما ..
قاطعه بأسى:
-أننا استمرأنا الوضع وقررنا تجديد شهر عسلنا .. نعم فى البداية كان الامر كذلك .. وساء الوضع أكثر .. كانت متعبة للغاية , فجلسات العلاج الاشعاعى ليست هيّنة على الاطلاق .. كانت ترجع كل مرة منهكة القوى .. اضافة الى أن الطبيب قد أوصى باستكمال العلاج الكيميائى.
-ربنا يشفيها ويعافيها ,لماذا لم تخبرنا يا عادل من قبل ؟
-لم أشأ أن أزعجكم قبل أن أتأكد من قابلية الورم للعلاج ,وبالنهاية رضخت لرغبتها باخفاء الأمر عنكم حتى لا يصل الخبر الى سيف , كانت قلقة جدا بشأنه .. ولم أجرؤ على مخالفة ارادتها نظرا لحالتها النفسية المتدهورة.
-كل هذا الهم تحمله وحدك يا عادل ..
-وجاء سيف بك ليجهز علينا بهذه الزيجة , أيمكن أن تتخيلى مدى الاحساس بخيبة الأمل الذى أصاب منى وهى ترى ابنة كمال أمامها .. والأنكى أنها صورة مصغرة عن أمها .. سهام .. التى عادت كالحرباء المتلونة فى صورة ابنتها لتنتزع ابننا من بين أحضاننا .. لماذا يا سيف ؟ فعلت بنا هذا ؟ رحماك يا ربى !
-كل الأمور تناقش بالهدوء وكل الصعاب تهون بمرور الزمن .. لا تتسرّع فى حكمك عليه.
-الا هذه المشكلة , الأمر تجاوز حدود التصديق , عقلى يكاد ينفجر من شدة التفكير.
-وماذا عن منى ؟ كيف حالها الآن ؟
-لقد تركتها نائمة بعد أن ظلت مؤرقة طوال الليل , لم تنم سوى بعد صلاة الفجر .. والله أعلم بما سيكون عليه الحال بعد أن تستيقظ لتعود الى أرض الواقع بمرارته وآلامه.
-ربنا ييسر الأحوال , أنه قادر على كل شئ .. باذن الله سنجد وسيلة ما للوصول الى حل وسط يرضى جميع الأطراف.
-أتمنى ذلك يا أمى ,, أتمنى.


*****************

SHELL 05-12-20 12:25 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
بعد أن قضى النصف الأول من الليلة السابقة مسامرا لابن عمه كريم متشاغلا عن انتظار زوجته لعودته ,اتفق كريم معه على قضاء اليوم التالى بأكمله فى النادى على أن يجتمعوا كلهم هناك .. وقد لاقى الاقتراح استحسانا من جانبه ,فهم فى أمس الحاجة للترفيه عن أنفسهم لبعض الوقت ,وهو على وجه الخصوص يريد متنفسا له بعيدا عن ارهاق العمل وتوتر حياته الشخصية ومشادته مع زوجته.
-ماذا عن سيف ؟ هل سيأتى هو أيضا ؟
-اترك هذا الأمر جانبا ,لن أحاول حتى أن أفاتحه بالموضوع..
قطب رفيق جبيه وقال بعد تفكير عميق مستجوبا:
-ماذا هناك يا كريم ؟ أرى أن الأمور بينكما ليست على ما يرام , هل تخاصمتما ؟
-هذا أمر منتهٍ يا رفيق , لا تحاول التدخل فيه.
أخبره كريم بلهجة تحذيرية وهو يقلب شفتيه استياءا حينما مر بخاطره ذكرى شجاره مع ابن عمه بسبب تلك الفتاة التى تزوجها رغما عن الجميع ,وأثار زوبعة مدمرة تكاد تطيح باستقرارهم العائلى.
-يا بنى , لا تحادثنى هكذا .. أنا من أقرر اذا كنت سأتدخل لأصلح ذات البين أم لا ؟
ورفع اصبعا أمام أنفه محذرا بلهجة هزلية فانفجر كريم فى الضحك ,لا ينكر شعورا غامرا بالراحة اجتاحه فها هو رفيق قد لاحظ أخيرا المياه الراكدة فى علاقته بابن عمهما وقرر التصرف .. لن يتغلب أيا منهما على كبريائه الجريح ويقوم بالخطوة الأولى أبدا .. فكان مناسبا لكليهما أن يلعب رفيق - ابن العم الأكبر - دور الوسيط بينهما.
-حسنا.
قال كريم باختصار على مضض مدّعيا اللامبالاة ,فالتقط رفيق تلك الاشارة وهز رأسه موافقا برضا .. كان حدسه صائبا .. لن يقف مكتوف الأيدى بعد الآن ,على جميع الأمور أن تأخذ مسارها الصحيح وهو الوحيد القادر على القيام بذلك , لم يكن هذا غرورا من جانبه وانما ثقته التى بلا حدود هى التى تكفلت بهذه المغامرة.
بعد أن ينتهى من أمر الخلاف بين أبناء عمومته , سيتفرّغ بعدها لزوجته وشقيقته .. وقد بدأت فكرة جهنمية تختمر برأسه.
بعد أن ألقى تحيه المساء على كريم الذى تعلّل ببقائه بعض الوقت وحيدا لحاجته الى التفكير بأمر يشغله ,دفع رفيق الى أن يغمزه بخبث صائحا بصوت قطع سكون الليل :
-يا لها من حسنة الحظ تلك التى تشغل بالك .
انتفض كريم بمقعده وهو يشير باصبعه فوق شفتيه مسكتا ابن عمه:
-اشش ,اخفض صوتك يا رجل ,أنه كفيل بايقاظ الموتى من رقودهم .. الأمر ليس كما تتصوّر.
خرجت عبارته الأخيرة بارتباك بعد أن تلفّت حوله يمنة ويسرة حتى يتأكد من أن لا أحد سمعهما بالرغم من خلود بقية أفراد العائلة الى النوم ,هتف رفيق بمرح:
-أيها الجبان ! لماذا لا تعترف بأنك قد وقعت فى الفخ ؟
-أهذا واضحا ؟
-يا للعاشق الولهان .. وما سبب أرقك اذا لم يكن هذا ؟
-أنت مخطئ فى ظنك , ليست هديل هى سبب سهرى .. هناك أمر آخر يشغلنى ,وهذا لا يعطيك الحق للسخرية منى أيضا فأنتم السابقون ونحن اللاحقون.
وتلاعب بحاجبيه ساخرا فى اشارة اثارت المرارة فى نفس رفيق وقد ظهرت جليّة فى صوته وهو يتمتم:
-أعتقد أن العشق لا يدوم للأبد .. فبعد الزواج تتغيّر الأمور كثيرا.
نظر له كريم بذهول وهو يسأل باهتمام:
-أتعنى أن الأمور ليست مستقرة بينكما ؟
- شئ من هذا القبيل ,لا تشغل نفسك بأمرى .. يكفيك ما أنت فيه , تصبح على خير يا ابن العم.
-وأنت من أهله يا عزيزى .. ألقاك غدا .
-فى موعدنا.
وانصرف هو الى جناحه الجديد بخطوات متثاقلة ,توقف للحظة على باب الغرفة منصتا للهدوء الذى يعم المكان .. اطمأن الى نوم زوجته ثم أدار مقبض الباب بليونة ,ثم دلف الى الداخل وقد تسلل ضوء خافت اعتادته عيناه على الفور ,ألقى نظرة طويلة متأملة على جسد أميرة المستكين وهى غارقة بنوم عميق تحتضن وسادتها .. ها قد وجدت بديلا عن الزوج الغائب .. قال لنفسه بسخرية مريرة .. اذا استمر الوضع على هذا المنوال , لن يكون مستغربا لو انهار زواجهما وعندئذ سيكون هو المسؤول الوحيد عن هذا الفشل الذريع فى علاقتهما ,يا لها من مشقة يتكبّدها ليقاوم ميله الجارف ليضم هذا الجسد اليه ويدفن نفسه فى أحضانها الدافئة ..و ..نهر نفسه مؤنبا : أفق من أحلام يقظتك , قبل أن تعود أدراجك الى قلب أميرتك .. عليك أن تحل هذه الأزمة أولا .. وتصلح ما أفسدته بيديك .. ثم تنعم بحبيبتك من جديد.
خلع قميصه المبلل بالعرق ورماه جانبا ثم اتجه الى الحمام ,أنه بحاجة الى علاج سريع لحالته .. الماء البارد ..
بعد أن أنهى استحمامه السريع وغيّر ملابسه الى أخرى مريحة .. عاد الى واقع أنه لن يكون قادرا على التحكم بمشاعره اذا ما اندس فى الفراش الى جوار زوجته الجميلة والتى يشتاق لها بجنون , فاتخذ قراره .. سينام على الأريكة .. القاسية .. الباردة .. وحيدا .. هذا هو العقاب الملائم لك يا رفيق .. لن تكون ليلة سعيدة على الاطلاق .. أطفأ المصباح الجانبى وارتمى فوق الأريكة التى أنّت تحت ثقل جسده المنهك .. قبل أن يغمض عيناه .. تذكّر بابتسامة خفيفة طفت على وجهه الليلة التى نامت فيها أميرة بغرفته فيما استلقى هو بنفس الوضعية هنا .. وان كان الاثاث قد تم تغييره الا أن حاله كما هو .. ليلته كانت مؤرقة مسهدة وقد ظهر الانتقاخ تحت عينيه بصباح اليوم التالى .. كما أن مزاجه سيئا للغاية حتى أنه لم يأبه لعبوس أميرة التى فوجئت بنومه بعيدا عنها ولم تحاول هى أن تلقى عليه بتحية الصباح فتجاهلها متألما قبل ان يتوجه الى الحمام .
نظر الى صورته المنعكسة على سطح المرآة وقال يحدث نفسه هازئا:
-ألهذه الدرجة وصل الشقاق بينكما ؟ ليس هذا مبشرا لبداية يوم جديد على الاطلاق ..
ورش المياه الباردة على وجهه بقسوة .. يبدو انه قد اصبح العقاب الدائم لنفسه.
خرج مسرعا ليفسح لها مجالا لاستخدام الحمام بعده ,لمحها بطرف عينيه .. متكوّرة على نفسها تنتحب بمرارة وهى تدفن وجهها بين يديها .. تصدّع قلبه لمرآها على هذا الحال ,اندفع نحوها ,وأمسك بيديها يزيحمها عن وجهها باصرار وهو يجبرها على النهوض لمواجهته وهى تصرخ بانتفاض:
-اتركنى لحالى ,, رفيق ...
-كلا .. لن أتركك أميرتى ..
-وماذا فعلت سوى هذا ؟ ألم تفضل أن تقضى ليلتك بعيدا عنى ؟ الى هذه الدرجة أنت تشعر بالاشمئزاز منى ؟ حتى أننى كنت أتساءل أين ذهب الرجل الذى تزوجته والذى قال لى ذات مرة : أنه من أجل عيونى فهو مستعد للقفز من فوق الشلالات.
احتضنها بقوة وهو يضغط على خصرها بذراعيه بينما يهمس وهو يتنشق عطر شعرها:
-أنا اشعر بالاشمئزاز ! ومنكِ أنتِ يا حبيبتى ! ما هذا الكلام ! ثم أن هذا الرجل ما زال موجودا وعلى أتم استعداد لأن يقدم عمره ثمنا لسعادتك.
زفر بحرقة وهو يسحبها معه ليجلس على الفراش وهى على حجره مكبّلا ذراعيها اللتين حاولتا التملص :
-اهدأى يا حبى .. لن أؤذيكِ ..
-ألن تفعل ؟
ثم طغت ابتسامتها على وجهها وهى تسأله بأمل كبير:
-أيعنى هذا أنك مستعد للحوار ؟ علينا أن نتكلم بدلا من الصمت ,لماذا ندفن رؤوسنا بالرمال كالنعام ؟
مسح على شعرها البنى الذى استطال الى حد أن وصل الى منتصف ظهرها فى انسيابية كالشلال وقال باصرار:
-آسف يا حبيبتى .. الأمر لم يكن بيدى , ولكننى أعدك أننا سنصل حتما للحل الذى يرضى جميع الأطراف وأولهم أنتِ بالطبع.
مالت نحوه وطبعت قبلة خفيفة على شفتيه بطيش وكادت أن تنسحب واقفة لتهرب من الحصار الفضى لعينيه اللتين اشتعتلا بحرارة جراء تصرفها , الا أنه منعها بحزم وأطال قبلته لها .. كانت دافئة مثيرة ... وتعد بالكثير.



**************

SHELL 05-12-20 12:26 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
سمعت صوت أقدام تقترب من مكتبها الصغير ثم شخص ما سعل ليجلى حنجرته وهو يقول مغمغما:
-صباح الخير يا هديل ..
رمت القلم من بين أصابعها ليسقط فوق سطح المكتب .. انتابتها حالة من الارتباك .. وتناثرت بضعة أوراق كانت تعمل عليها هنا وهناك ,هبّت من مقعدها لتحاول انقاذ الأوراق الهامة .. لم تجرؤ أن ترفع عينيها لترى القادم .. وان كان من المستحيل أن تخطئ فى التعرّف على هويته .. صوته العميق .. نبرته المرحة .. بينما وقف كريم ثابتا يراقبها بمزيج من المتعة والسعادة .. ثم تقدّم منها خطوتين ليقول :
-أرى أنكِ مشغولة للغاية , هل أتركك لتنتهى من عملك ثم آتى مجددا بوقت لاحق ؟
تسمّرت بمكانها وتركت الأوراق تسقط من بين يديها مرة أخرى بينما تحدّق فى وجهه الوسيم ببلاهة وقد أذهلها ما تفوّه به هذا الرجل المسيطر المتحكم من عرض مدهش .. أيعنى ما يقول حقا أم أنه يسخر منها ؟
رفع حاجبا قبل أن يسألها مستعلما وهو يشير الى الخارج:
-هل أذهب .. يا هديل ؟ أم أنتظرك ؟
ابتلعت ريقها وهى تشعر بفيضان يجتاح مشاعرها .. فيض من حنين وشوق ولهفة الى صحبته .. وهو الذى قضت برفقته الكثير من الوقت بالأمس .. لكنه أوحشه الى درجة أنها منعت نفسها بصعوبة من أن تلقى بنفسها بين أحضانه .. وتخيّلت ماذا ستكون ردة فعله اذا ما أقدمت على هذا التهوّر الغير معتاد من جانبها وهى المتعقلة الرزينة .
قالت أخيرا متلعثمة بخجل وارتباك:
-طبعا تفضل .. آسفة أننى جعلتك تنتظر .. أعنى أننى ...
تلاعبت الابتسامة المرحة على شفتيه وهو يجلس على المقعد الآخر المقابل للذى أشارت عليه بأريحية مادا ساقيه الطويلتين أمامه محاولا تجنب الاصطدام بالمنضدة الزجاجية الصغيرة .
ما زالت هديل غير قادرة على الاتيان بأية حركة فقد ظلّت هائمة فى ملامح وجهه المحببة اليها .. الى أن فاجأها بقوله المتأنى:
-ألن تجلسى يا هديل ؟ اسمعى لن أعطلّك عن عملك كثيرا فأنا أعرف أن مديرتك ليست بالشخص المتساهل .
ثم غمز لها بعينه بشقاوة فى اشارة الى ريم ابنة عمه والتى تعمل الآن تحت امرتها المباشرة .. قالت بتؤدة تدافع عن الفتاة الرقيقة التى أعجبت بها كثيرا , فعلى الرغم من معرفتهما القصيرة السابقة الى أنها وبعد احتكاكها المباشر بها عرفت عنها الكثير مما كانت تجهله وقد تعاملت معها ريم كصديقة وزميلة عمل أكثر من علاقة مديرة بمرؤوستها:
-أنها شخصية رائعة وتعمل بجد .. كما أنها صبورة جدا.
أجاب كريم متفكها:
-أها ... اذن فهى أفضل من رئيسك السابق .. أهذا ما تقصدينه يا هديل ؟
انتبهت الى أنها ما زالت واقفة على قدميها المتحجرتين فحركتهما قليلا قبل أن تنجح فى الجلوس مقابلا له وهى تندفع بقولها ثائرة:
-لا تدفع بالكلمات على لسانى .. يا سيد كريم .. أنا لم اقصد شيئا مما قلته ,وان كنت اقدّم شهادتى المتواضعة فى حق واحدة أراها أكثر من جديرة بمنصبها وبذات الوقت تتعامل مع مرؤوسيها بمزيج من الحزم والمرونة.
مد ذراعيه أمامه باستسلام هاتفا ببساطة أعجزتها عن النطق:
-حسنا .. حسنا أيتها الموظفة الكفؤة .. لا داعٍ لكل هذه الثورة العارمة , فأنا لا أقلل من شأن ابنة عمى أبدا ,وأدرك قدرتها على المثابرة فى العمل لتصل الى ما تريد بعزيمة واصرار لا يمكن للأعمى أن ينكرهما.
استرخت قليلا بمقعدها تحاول أن تتجاهل ما يثيره وجوده الطاغى فى نفسها من أحاسيس تهدد بالانفجار معلنة عن نفسها .. قالت لتغيّر الموضوع :
-حسنا يا سيدى , بمَ استطيع أن أخدمك ؟
ظل يحملق فى وجهها للحظات بذهول تام ,لا يدرِ ما الذى حلّ بها ؟ ويتساءل هل يعجب بشخصيتها الجديدة التى تتناقض تماما مع خلفيتها القديمة بخضوعها واستسلامها أم يغضب لفتور مشاعرها الواضح .. ألم تفتقد وجوده ؟ وهو الذى يجن من فورة مشاعره المتلهفة لنظرة من عينيها الناعستين ,قال بانزعاج لم يحاول اخفائه:
-كفّى يا هديل عن مخاطبتى بلقب سيد ,لا أعرف بالضبط ما هى لعبتك التى تتسلّين بها الآن معى ؟
-أنا لا أتسلّى هنا , أنا مجرد موظفة أعمل بشركتكم وأحاول الحفاظ على عملى بمعاملة مدير الشؤون القانونية باحترام يليق بمنصبه.
حديثها يمتاز بالمنطق والمعقول .. الا أنه استشاط غضبا من لا مبالاتها فاقترب من مكتبها مهددا:
-هديل .. أنا لا أتحدث اليكِ الآن بصفتى مديرا للشؤون القانونية .. بل بصفة ودية ..
-صفة ودية ؟
-نعم .. ولا تتظاهرى بانكار ما بيننا.
وقبل أن تتفوّه بكلمة تعترض على قوله أضاف بلهجة جدية:
-أود أن أعرض عليكِ قضاء اليوم بالنادى .. طبعا بعد انتهاء ساعات العمل الرسمية ,فلا أريدك أن تعتقدى أننى أتجاوز قوانين العمل , فما رأيك ؟
ندت عنها آهة مصدومة وهى تردد كلماته:
-قضاء اليوم فى النادى ؟
أومأ برأسه موافقا وهو يقول:
-نعم ,اذا كنتِ موافقة فسوف يكون من دواعى سرورى أن أصطحبك معى الى هناك.
-أتعنى أن أذهب برفقتك الى النادى ؟
رد بسرعة مذهلة:
-نعم ,ولكن قبل أن يذهب عقلك الى بعيد .. أود أن أشرح لكِ أننا لن نكون وحيدين , بل سيكون جميع ابناء عمومتى هناك ,فقد اتفقنا على قضاء اليوم معا.
بلحظة اطاح بأحلامها الوردية وهدم برج سعادتها .. كانت تظن أنها دعوة شخصية تشملهما فقط هما الاثنان ,وها هو يعيدها بقسوة الى أرض الواقع ,فمطت شفتيها باستياء قبل أن تقول بلهجة رسمية:
-لا أفهم .. أنت تعنى أن هذا اللقاء عائلى بالدرجة الأولى , فما شأنى أنا به ؟
وقبل أن يجيبها ,انطلق رنين هاتفه الخلوى مدويّا فاعتذر منها بتهذيب ليستقبل المكالمة وسمعته يقول بعد فترة انصات لمحدثه:
-مرحبا يا عبير .. لا , لا على العكس لقد جاء اتصالك بوقته .. لست مشغولا .. آه .. اليوم .. نعم سآتى على الفور ..حسنا ,هذا الموعد مناسب تماما .. سألقاكِ هناك اذن .. لا , لن أتأخر .. الى اللقاء.
أشرفت عيناه ببريق السعادة والحبور الذى طغى على صوته وهو يلتفت الى هديل التى لم تنجح فى اخفاء تقطيبة عابسة انتشرت على ملامح وجهها ,وقال مفكرا:
-أين كنا ؟ آآآه .. ماذا كنتِ تقولين ؟ أنه اجتماع عائلى لا دخل لكِ فيه , أؤكد لكِ أنه لا يمكن أن تكونى مخطئة أكثر من هذا .. أولا أنتِ صديقة لريم ومها أيضا .. ثانيا لا أعتقد أن هناك ما يمنع من حضورك ,فالنادى مكان عام وليس حكرا على أفراد العائلة وحدهم.
كانت الغيرة تعصف بكيانها كله .. عبير .. هذا الاسم تكرر فى الآونة الأخيرة , أليست هذه التى سبق واشار لها على أنها صانعة القهوة اللذيذة التى لا ينافس مذاقها أى شئ آخر .. والآن على مرأى ومسمع منها يواعدها على اللقاء بكل جرأة ووقاحة ثم يطلب منها مرافقته الى اللقاء العائلى ببراءة وكأنه شئ عادى.
قالت لتعاكسه فقط:
-لا أجد رابطا بين حديثك وذهابى معكم .. كما أننى لم أعتد أن أترك أبى وحيدا لفترة طويلة.
كان يعرف أنها كاذبة ,وتحاول التملص من مرافقته لسبب مجهول لا يعلمه ,فقال وهو يستعد للمغادرة:
-حسنا ايتها المتذاكية المدعية .. اذا كنتِ لا تعيرين مشاعر صديقتك أدنى اهتمام وتتصرفين بأنانية مفرطة فهذا شأنك وحدك.
هبّت بدورها واقفة لتحاول مجابهة قامته الشامخة فوقها قائلة بأسى:
-من تقصد ؟ مها ؟
-ومن غيرها ؟
-ماذا ألم بها ؟
قال بازدراء واضح:
-وهل تهتمين ؟ أنها حامل ووحيدة .. ألا تشعرين بأنكِ مدينة لها بالمساندة فى ظل هذه الظروف الصعبة ؟ كما أن عمى وزوجته قد عادا بالأمس ,ولعلمك لم تكن المقابلة ودية على الاطلاق.
-هل تأذت مها ؟
-للحقيقة لم أكن موجودا , فأنتِ تعرفين أين كنت البارحة ,ولكن أن قصدتِ الاذى المعنوىّ فبالتأكيد لم تسلم منه .. لم يكن من المتوقع أن يستقبلونها بذراعين مفتوحتين نظرا للتكتم على زواجهما .. كما أنها .. ابنة كمال الراوى.
-حسنا , كيف حالها الآن ؟
-أعتقد أنها بخير .. لا تشغلى بالك ..
تراجعت قليلا عن رفضها القاطع وحاولت أن تتمسك بأية حجة معقولة فقالت:
-ولكن أبى ...
قاطعها محتدا باشارة من يده:
-لا حاجة بك لاصطناع الأعذار الواهية , أعرف أنه مشغول فى المؤسسة ولن يعود قبل حلول المساء الى المنزل.
-لم أكن أعنى هذا .. قصدت أنه يتعين علىّ استئذانه قبل مرافقتك ,أليست هذه هى الأصول ؟
قال متسامحا:
-لا توجد مشكلة .. أنا سأتصل به لأعلمه ..
وقبل أن تتاح لها الفرصة للرد ,قام كريم بمهاتفة والدها وقد صاغ له الامر بشكل استثنائى حصل معه على مباركته التامة بدون عناء.
بعد ان أنهى الحديث نظر لها بتحدٍ ولسان حاله يقول : أرأيتِ أن الامر لم يكن بمثل هذه الصعوبة ؟
عقد ذراعيه أمام صدره وهو يقول متسائلا:
-حسنا ؟
-متى تريدنى ان أكون جاهزة ؟
منحها ابتسامة صافية وهو يتأملها بهيام أطل من عينيه:
-فى تمام الساعة الرابعة .. سأقوم بمشوار صغير قبل أن أمر عليكِ ..
لماذا يقوم بتذكيرها ؟ ها قد عادت لها الهواجس المرّة بخصوص تلك المدعوة عبير ..
قال لها بتكشيرة مداعبة وهو يلمس خدها بأصبعه:
-أعدكِ أننى لن أتأخر .. أنه مشوار ضرورى .. وبعدها سأكون متفرغا تماما لكِ.
بعد انصرافه .. لم تحاول هديل تحليل ماهية شعورها .. فقد اختلطت بذهنها الأمور وتشوشت الرؤية .. ماذا يريد منها هذا الرجل ؟ والامَ يسعى ؟ لا بد أنها مجنونة لموافقتها على مرافقته .. هذا يعنى أنها ستكون معه بمفردها .. وكيف تستطيع تجاهل ما يثيره وجوده من مشاعر تتناقض وتتداخل كليّا .. تحب رفقته وتخشى ضعفها.


*******************

SHELL 05-12-20 12:30 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 

-لا أعرف كيف أرد لك معروفك هذا ؟
قالتها سماح بامتنان ورضا وهى تضم ريم بقوة متناسية كافة الفوارق التى تفصل بينهما ,وريم تداعب ذقنها بلطف قائلة:
-أف ! لا أريد سماع هذه العبارات السمجة .. يا سماح .. أنتِ واحدة من العائلة .. وهذا اقل ما يجب علينا تجاهك .. فتوقفى عن ترديد هذا الكلام السخيف.
كانت ريم تشعر بسعادة فيّاضة تغمرها وهى تصطحب سماح الى المحال لشراء الملابس وكافة اللوازم الخاصة بالعروس .. أخذت الفتاتان تدوران هنا وهناك وتصرّ ريم على ابتياع كل ما يقع عليه نظر سماح وتحاول جاهدة اخفاء اعجابها به ,وكان فى انتظارهم عم (رياض) السائق الخاص بهم , وسرعان ما امتلأ صندوق السيارة الخلفى بمشترياتهم الكثيرة ..
وبينما تنهب السيارة الطريق عائدة بهم الى المنزل ,سرحت ريم بأفكارها الخاصة .. الى آخر حوار دار بينها وبين جاسر حينما سألته عن والده .. وقد أجابها مستفيضا دون أن يهمل أدنى تفصيلة ولو صغيرة .. تحدّث عن انفصاله عن والدته وهو بعد فى سن صغيرة .. واتخاذه لقرار السفر والابتعاد الاختيارى عن القيام بدور الأبوة لجاسر .. الطفل الصغير .. ثم المراهق .. ثم الشاب فى مقتبل عمره .. الى أن وصل الى مرحلة الرجولة الكاملة ,, ولم يعد فى حاجة الى أبيه على الاطلاق ,, وهنا عاد الى حياته محاولا استعادة ما فاته ,فاصطدم بابنه العنيد الذى رفض اية محاولة له للمصالحة .. قال لها ببساطة أليمة : وما نفع وجوده فى حياتى الآن ؟ لم أعد بحاجة اليه !
شعرت بالتعاطف مع احساسه بالتجاهل من أقرب الناس اليه وهى التى أمضت حياتها فى ظل والدين متحابين .. رسما لها اروع مشاهد الحب والمودة بين زوجين .. والاحترام الذى كان وما زال يسيطر على طبيعة علاقتهما .. لم تسمع والدها يوما ينهر زوجته ولا رأت من أمها تذمرا تجاه تصرفات والدها .. دوما هناك شعور بالأمان والراحة يغلب على الجو الاسرى الذى عايشته ,وهو بذاته ما حرم منه جاسر وافتقده ,هل هذا ما يدفعه الى النظر الى الزواج بقدسية لا تمس ,لن تنسى أنه أخبرها بأن زواجهما سيكون أبديّا ,لا وجود لاحتمال الطلاق أو الانفصال عنه ورغما عن ذلك فقد وافق على اعطائها الحرية لتتخذ هى هذا القرار.
لو فقط يمنحها تفسيرا مقبولا لعلاقته بتلك المرأة بدلا من التهرب من الاجابة .. لكانت اسعد أمرأة بحبيبها الذى ستقترن به .. أتحاول تناسى الماضى كما نصحها بذلك ,أم تصر على المعرفة ؟ حائرة .. كرهت هذا الشعور بالخذلان من شقيقها الوحيد .. هو يعرف كل شئ ويتحامل على نفسه لاخفاء الحقيقة عنها , أيحاول حمايتها من المجهول ؟ ام أن الأمر أكبر مما تتصور ؟ تأففت بحنق دفع الفتاة الحالمة الى جوارها أن تنظر لها بفضول متسائلة عما بها , الا أنها منحتها ابتسامة مجاملة رقيقة ,, وما أن اشاحت بوجهها الى الجهة الأخرى تنظر عبر زجاج النافذة الى الطرقات حتى شعرت بوخز الدموع فى قاع عينيها تحرقها .. يا ليتها كانت فتاة بسيطة مثل سماح تتزوج بهدوء من الشاب الذى يعجبها دونما تعقيدات اضافية.



***************

SHELL 05-12-20 12:31 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
منحتها صحبته الدائمة شعورا بالأمان والاهتمام المفقود من حياتها السابقة فى ظل زوج غائب .. كانت هناء أكثر من مسرورة بمشاركتها لصلاح فى أداء هذا العمل الخيرىّ , ليس فقط لاحساس السعادة النابع من العطاء بلا حدود .. ولكن لوجودها الى جواره .. هذا الرجل المعتدل الرزين الذى يتحكّم جيدا فى انفعالاته ويؤخذ بمشورته لآرائه الصائبة التى تتسم بالحكمة والقبول ممن حوله.
أعاد صلاح ندائه لها مجددا فانتبهت من شرودها هاتفة:
-هه ؟ هل كنت تحدثنى يا صلاح ؟
-يبدو أنكِ بعالم آخر بعيدا عن هنا آلاف الأميال .. ماذا بكِ ؟ لقد كنت أخبرك بأن كريم قد هاتفنى ليحصل على موافقتى من أجل اصطحاب هديل الى النادى .. يقول أنهم سيجتمعون كلهم هناك .. هو وبقية الشباب .. اضافة الى ريم ومها.
-وماذا كانت اجابتك ؟ أنت بالتأكيد لم توافق.
تراجع فى مقعده ليناظرها بعبوس ما لبث أن تحوّل الى ضيق ظهر واضحا بنبرات صوته:
-ولماذا تفترضين رفضى ؟ أأنا والد مستبد بنظرك ؟ هل أحرم ابنتى من حقها للترفيه عن نفسها ولو قليلا ؟
رفعت هناء كفيها باستسلام تقدّم له اعتذارا فوريا:
-لم اقصد أية اساءة يا صلاح , اقسم لك , فقط أرى أنك تبالغ كثيرا فى حماية هديل .. أخشى أن تشعر الفتاة بالاختناق .. فالبنات فى مثل سنها تخرجن للتنزه ,تمرحن مع صديقاتهن , اما هديل المسكينة فهى لا تهتم الا بعملها .. بالطبع هى مخلصة ومتفانية كما أنها تعشقك ولا تود مفارقتك ولو للحظة بيد أن روحها بحاجة للانطلاق بعيدا دونما قيود .
-أوافقك الرأى .. ولطالما ألححت عليها أن تخرج مع صديقاتها أو أن تسافر فى اية رحلة سياحية .. وكان ردها الوحيد والدائم أنها لا تريد الا رفقتى ولا تتمتع دون وجودى الى جوارها .. لقد اثقلت كاهلها بحملى حينما وقعت فريسة للمرض فأغرقت نفسها بالعمل حتى تكفل لنا المصروفات التى تكبدناها فى تلك الفترة ..
قاطعته بلهجة حنون:
-لا بد أنها كانت فترة عصيبة عليكما .. واذا كنت تقنعها بحقها للترفيه عن نفسها , فلماذا تنسى أنت نفسك فى غمار انشغالك بالعمل وغيره ؟
-أنا بخير تماما , كل ما أتمناه قبل أن أقابل وجه ربى أن أطمئن على زواجها من رجل محترم أثق به ويمنحها ما تستحقه من حب ورعاية.
قالت هناء بصوت متهدج من أثر العاطفة:
-أنها تبحث عن شبيه لك .. ولهذا فهى ستبحث كثيرا جدا ..قبل ان تجد بغيتها.
ران الصمت عليهما لفترة وآثر صلاح أن يغيّر الموضوع متعمدا فقال برزانته المعهودة:
-هناء .. ألم تفكرى أنتِ فى نفسك بعد كل هذه السنوات الطويلة ؟ ثم أن كريم قد أصبح رجلا يعتمد عليه .. فلماذا لا تهتمى بحالك ؟
اسقط فى يدها فقالت بتردد:
-وما بى ؟ أنا بأفضل حال , أم أن لك رأيا آخر ؟
هل يسمع بصوتها رنة اتهام خفىّ .. قال موضحا:
-رأيى بكل بساطة : أنه عليكِ الالتفات لنفسك ,لماذا لا تحاولى انهاء دراستك الجامعية التى سبق وتخلّيتِ عنها .. عندما .. تزوجتِ ؟
اثار اقتراحه دهشة فى نفسها فهى لم تتوقع ابدا أن يفاتحها بهذا الموضوع وقالت تحاول أن تهزأ من نفسها:
-يقولون : أبعد ما شاب ودّوه الكتّاب ؟ أنت بلا شك تمزح يا صلاح.
اعتدل بجلسته قائلا بصراحة:
-كلا , أنا جاد فيما أقوله ,لماذا لا تقدّمين فى الجامعة المفتوحة ؟
-أأنت واثق مما تقول ؟
ابتسم لها بمودة قائلا:
-ولمَ لا ؟ لقد كنتِ طالبة متفوقة جدا ,كان تقديرك بالنصف الأول من العام الدراسى ممتاز بكافة المواد.
نظرت له بذهول وهى تهتف غير مصدقة:
-صلاح !! هل ما زلت تذكر تقديرى العام منذ ما يقرب من ثلاثين عاما حتى الآن.
أجابها بلا تحفظ:
-نعم ,ولو مرت ثلاثون سنة أخرى لن أنسى أى شئ يخصك.
ثم عاجلها باعترافه الصريح مستطردا:
-هناء لماذا لا نكون صريحين ونكف عن اللف والدوران ؟ أنتِ تدركين تماما أن مشاعرى نحوك كما هى لم تتغير أبدا.
-صلاح .. غير معقول.
-وما هو المعقول بنظرك ؟ أن تعودى الآن الى حياتى كمجرد شريكة فى العمل .. هل كنتِ تظنين أن الأمر سيقف عند هذا الحد ؟ ظننت أنكِ قد أصبحت اكثر حنكة وقدرة على التعاطى مع مجريات الأمور .. هناء .. لست قادرا على تجاهل هذه العاطفة القديمة التى تصورت أنها قد ماتت أو على الأقل تضاءلت بمرور السنين ,خاصة وقد تزوّج كلانا وأنجبنا .. الا أنه بمجرد رؤيتى لكِ تجددت تلك المشاعر ,بل وأكاد أجزم بأنها قد صارت أعمق وأقوى من ذى قبل ,حبى لكِ لم يكن مجرد هوى عابر أو طيش شباب .. أنه ما يطلقون عليه .. حب العمر ..
-ماذا بوسعى أن أقول يا صلاح ؟ هل أخبرك بأننى قد تجرعت مرارة الندم مع خيبة الأمل التى أصابتنى ,أم أتظاهر بأننى على ما يرام كما اعتدت دائما حتى لا تهتز صورتى أمام الجميع .. أنا امرأة مستقلة ولست بحاجة الى أى رجل .. هكذا عشت وربيّت ابنى كنت له الأم والأب .. الا أننى بداخلى أدرك النقص الذى اعانيه ,وحيدة .. بدون شريك .. لم أوافق على الطلاق من وجدى , ليس لأننى كنت ما أزال اشعر نحوه بعاطفة , كلا .. لأننى لم أشأ أن أقهر ابنى الوحيد ,حافظت على الصورة الاجتماعية المزيفة لزواجنا حتى مات واصبحت أرملته بعد أن حملت لقب زوجته اسما فقط بعد زواجه من أخرى ..
-وماذا عن الآن ؟ كيف تشعرين حيال الأمر ؟
-أشعر بأننى حرة .. نعم تحررت أخيرا وللأبد من كافة القيود التى كبّلت نفسى بها .. ولن أعود مجددا للأسر ..
ثم تنهدت ارتياحا ما دفعه لأن يقف على قدميه مقتربا منها قبل أن ينحنى أمامها برصانة , ولدهشتها الجمة تناول كفّها براحة يده وقال بصوت رخيم:
-هناء , أعرف أنه دوما كانت هناك فوارق كبيرة تحول بيننا ,لا , لا تتكلمى , اعرف هذا ولا أنكره ,وما زلت أرى أن الفارق المادى يشكل عائقا لا يمكن انكاره .. الا أننى أستطيع القول وبكل صراحة : أننى أحتاجك الى جانبى .. ليس كمجرد شريكة ولا صديقة بل رفيقة حياتى .. والله أعلم بأجلى ولكننى أعدك أن أحيا ما تبقى لى من عمر لأسعدك وأمنحك ما تستحقينه من حب واهتمام , هناء .. حبيبتى , هل تقبلين الزواج بى ؟
ألجمتها المفاجأة الرهيبة وشلّت ذهنها عن التفكير .. لم تكن اجابتها سوى تأتأة متكررة ,وايماءة بلا معنى من رأسها .


*******************

SHELL 05-12-20 12:32 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
-لا أحتمل مجرد رؤيتها فكيف بقبولها كزوجة لابنى الوحيد ؟ لا , لا يمكن يا عادل.
صاحت منى منهارة قبل أن ترتمى على المقعد الجلدى .. وعادل يجثو الى جوارها محتضنا يديها هاتفا بأسى:
-اهدأى حبيبتى , لا نريد أن تنتكس حالتك مرة اخرى , ألم يحذرك الطبيب من مغبة الانفعال ؟
دفنت وجهها المبلل بالدموع فى صدره وهى تشهق منتحبة:
-وماذا تتوقع أن أفعل ؟ أأرقص طربا أم آخذها بحضنى ؟
-لا هذا ولا ذاك .. فقط لنمنحه فرصة للتفسير.
-وأى تفسير ستحصل عليه يا عادل ؟
-اذن فقد انقضى الامر ولا بد أن نتقبّله.
أجابته بعناد:
-لا يمكن , هذا مستحيل , لن أقبل بابنة سهام وكمال ..
-وماذا بيده أن يفعل ؟ لا تنسى أنها حامل ؟
-لم أطالبه بتطليقها ,ولكننى لا أريدها بذات المنزل الذى أعيش فيه.
كان عادل قد ابتعد عنها بضعة خطوات موليا ظهره لها حتى لا ترى تأثره البالغ على ملامح وجهه ,ثم قال بصوت خافت:
-ألا يمكنك أن تتركى الماضى يرحل ؟ أكتب علينا أن نعيش آلامه حتى بعد أن مات كليهما ؟
-لا يا عادل .. ليس رفضى لها أننى ما زلت أهتم بأى منهما ,ولكننى لا أحتمل .. هذا شعور أقوى منى , صدقنى ليس بيدى ..
-حسنا , اذا كانت تلك رغبتك ,سوف أفاتحه بالأمر.
-نعم ,عليك أن تفعل هذا وفى أقرب وقت.


******************

SHELL 05-12-20 12:37 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
مضى الوقت سريعا وكان الجميع قد شعر بالاستمتاع الحقيقى فى لمتهم الرائعة التى أذابت خلافاتهم القديمة بكاملها وقد نجح رفيق فى اصلاح ذات البين بين ابنى عميّه معالجا الأمر بحكمة نادرة .. دونما ان يشعر ايا منهما بأنه قد تنازل عن كرامته ,, مفسحا المجال للفتيات الاربع أن يجلسن سويا .. يتحادثن ويثرثرن بلا توقف .. حتى علت قهقهاتهن بينما الرجال عائدون الى الطاولة التى كن يجلسن حول نصفها ..
هتف سيف مذهولا:
-ما شاء الله عليكن , ما أن غفلنا عنكن بضعة دقائق حتى علت صوت ضحكاتكن .. يا له من مشهد يستحق الانتظار ,ألا تتفقا معى ؟
ونظر مستفسرا الى رفيق وكريم اللذين أعلنا موافقتهما الضمنية على حديثه ,بينما أزاح كريم مقعدا فى منتصف المسافة بين هديل وريم متجاهلا قواعد اللياقة .. انحنى الى الفتاة ذات الشعر الطويل هامسا برقة:
-يبدو لى انك مستمتعة بالحوار معهن.
-بالطبع , أنهن رفيقات مسليات ,وأنا اشعر بأننى أعرفهن منذ زمن بعيد.
-أهكذا ؟ اذن لم تعودى تشعرى بالغربة وسط هذا الاجتماع العائلى ؟
تراجعت برقة وهى تقول نافية:
-كلا ..
-لو كنت أعرف أنك ستحبين رفقتهن وتشعرين بتلك السعادة لقمت بدعوتك منذ أمد بعيد ؟
-وما أهمية هذا ؟ لقد أتيت خصيصا من أجل مها .. وحتى لا أخذل ريم .
رفع حاجبيه بعد رضا وهو يقول بغضب مكبوت:
-من أجل مها وريم فقط ؟
أجابت سريعا:
-كلا .. وأميرة ايضا أنها انسانة مرهفة الحس ومليئة بحب الخير والتواضع.
-وأنا ؟
-ماذا عنك ؟
-ألا أستحق أن أنال ولو جزءا صغيرا من اهتمامك ومديحك ؟ على الأقل لدعوتى لكِ للانضمام الينا ؟
-أتعنى أنه علىّ أن أكون ممتنة لك ؟ حسنا , شكرا لك .
قالتها بجفاء واضح مما أجفله وقرر أن يمتنع عن الرد اللاذع الذى كاد أن يرميه بوجهها واكتفى بابتسامة سمجة وهو يتمتم:
-لا شكر على واجب .
لم يشعر الزوجان سيف ومها اللذان كانا مستغرقين بحوار هامس يبدو أنه لن ينتهى بغياب رفيق وأميرة .. فقد أصر رفيق على زوجته أن يصطحبها الى مكان منعزل عن بقية المجموعة ليحادثها على انفراد .
الوحيدة التى شعرت بأنها لم تكن بمكانها المناسب هى ريم .. لأنها كانت بلا مرافق .. وأين هو الآن ؟ وماذا يفعل ؟ هل يفكر بها كما تفعل ؟ أم يتمتع بوقته مع اصدقائه أو عائلته دونما ذرة احساس بما تعانيه هى ؟
وكأنه قد قرأ افكارها فى البعد .. رن هاتفها بنغمة مميزة , أرسلت رجفة فى أوصالها وهى تتردد فى اجابة اتصاله .. أخذت تراقب من حولها وحينما تأكدت من انشغال الجميع , انسحبت بدورها بعيدا حتى تستقبل مكالمة خطيبها .. بعيدا عن الأعين الفضولية ..
قالت بصوت مغناج:
-آلو ..
-آلو .. ريم .. أوحشتنى.
-..........
-ريم .. أنتِ معى ؟
-امممم.
-قلت لكِ أوحشتنى ... كثيرا.
-نعم.
-أهذا كل ما لديكِ لتقولينه ؟
-كلا .. ماذا تريدنى ان أقول ؟
-الحقيقة ... ألم تشتاقى لى ؟
ابتسمت كالبلهاء وهى ترنو الى السماء بنظرة حالمة قائلة:
-كلا ,, فلا وقت لدىَ أنا مشغولة للغاية.
أطلقت كذبتها وسرعان ما ندمت حينما أتاها صوته غاضبا:
-هكذا , أين أنتِ ؟
-أننى أقضى وقتا ممتعا للغاية بالنادى.
-مع من ؟
-مع ابناء عمى , ومن غيرهم ؟
أغفلت ذكر وجود الفتيات بتعمد لكى تثير غيرته ,وقد نجح مسعاها حينما أجابها محنقا:
-وحدكم ؟
-آآآآآآه .. ربما.
جاءها صوته غامضا وهو يقول:
-وكيف سمح لكِ أخوكِ بذلك ؟ أين هو ؟
-أنه بالتأكيد مع زوجته ,وما شأنى بهما ؟
-حسنا يا ريم .. سوف أتركك لتتمتعى بوقتك ,, عمتِ مساءا.
وأنهى المحادثة بينهما تاركا ايّاها محبطة تشعر بالضيق البالغ من لا مبالاته , أرادت أن تثير غيرته لتشعر باهتمامه وحبه .. هى بحاجة دائمة الى تأكيد على عمق مشاعره نحوها.
لم تعِ أنها كانت تقف وحيدة بثوبها القطنى الطويل الذى احتضن جسدها بأناقة مفرطة وقد زيّنت وجهها بزينة خفيفة أضفت مزيجا من البراءة والسحر على ملامحها الطفولية .. كانت مقطبة الجبين .. تعض على اصابعها من الندم لتهورها ..
لمسة يد حطّت على كتفها ,من فوق قماش فستانها الرقيق جعلتها ترتعش بخوف ,ثم صوت مغازل يقول:
-مساء الخير يا جميلتى.
استدارت لترى حبيبها الذى سكن خيالها واقفا أمامها مجسّدا بشحمه ولحمه ,أخذت تتفرّس فى ملامح وجهه لتتأكد أنه ليس خيالا ,قالت بصوت خافت:
-غير ممكن , كيف ؟ أنت هنا ؟ ومتى ؟
قهقه بصوت عالٍ وهو يحيط كتفيها بذراعه :
-كل هذه الاسئلة دفعة واحدة .. تريدين أجوبة .. حسنا يا حبيبة القلب ,سأمنحك ايّاها بشرط ..
-هه ؟
-أن تخبرينى لماذا كذبتِ علىّ ؟ لماذا جعلتنى أتلظى بنيران الغيرة والشك ؟
كانت عيناه الزرقاوان تحاصرانها وقد ارتجف صوته ألما ,فطأطأت برأسها أرضا مخافة أن ترى نظراته اللائمة الا أن لم يسمح لها بالهرب ابدا وسألها بصوت أكثر لطفا :
-لماذا أردتِ أن تعذبيننى ؟ يا ريم , أنا لا أكره بحياتى سوى الكذب والخداع.
-آسفة.
تمتمت بخجل وهى تشعر بوجنتيها تشتعلان احمرارا ,فلمسها بأنامله برقة مرسلا موجات من الاحساس بالذنب لأنها تعمّدت ايذائه ,وقال أخيرا:
-لا , حبيبتى لا تعتذرى ابدا , أنا المخطئ.
-ولكن كيف جئت بهذه السرعة ؟ بل كيف عرفت اننى هنا ؟ أهى مصادفة ؟
تردد لبرهة وهو يقول:
-أعتقد أنه قد حان دورى لتقديم الاعتذار .. أنا مدين لكِ بهذا .. بصراحة شديدة .. هناك من دعانى لمرافقتك هذه الليلة.
-من هو ؟
-خمنّى !
-لا أدرى.
أجابته حائرة.
تسلل صوت عميق من خلفهما:
-أنا يا ريم من وجهت له الدعوة.
استدارا سويا قبل أن تهتف ريم بلا وعى:
-رفيق !


******************

SHELL 05-12-20 12:39 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
انتهى الفصل الحادى عشر

https://upload.3dlat.com/uploads/13486975738.gif

SHELL 22-12-20 07:44 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
الفصل الثانى عشر

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...ws-7925188.gif

لماذا ؟ ظل هذا السؤال يدور فى عقلها بينما هم عائدون الى البيت .. ستكون ساذجة لو لم تلحظ التوتر السائد فى علاقة أخيها بخطيبها .. حتى ولو قام بدعوته لينضم اليهم فى هذه الجلسة العائلية .. انما كان هذا بدافع الواجب لا أكثر أوأقل ,أو بدافع الحفاظ على المظاهر الاجتماعية .. بالنهاية هى متأكدة من أن رفيق لا يحمل شعورا طيبا نحو جاسر ,الا أن الأخير لم يبدر منه أى تصرف أو كلمة تدل على تحامله على أخيها أبدا بالرغم من نفور أميرة الواضح كلما وقع نظرها عليهما معا .. قررت ريم أن تحملها على المصارحة بما يعتمل فى نفسها ولكن ليس الآن ,ستنتظر الفرصة المواتية ولو بعد حين ,وحتى اذا ما فشلت لن تستسلم ,ستبحث بنفسها عن الاجابة .. ولكن لماذا لا تشعر بالراحة ؟ لماذا لا تزال تشعر بأنها تقف على حافة الهاوية ؟ مجرد خطوة غير محسوبة قد تدفعها الى السقوط ,تراءى لها محاولة صديقتها هديل لتجذب انتباهها فالتفتت اليها بينما ذهنها مشتت التفكير وقالت بجمود:
-ماذا هناك يا هديل ؟
-أود أن أسألك ما الدافع الحقيقى وراء اجتماعنا هذا ؟ أحقا أرادوا الترفيه عن مها بسبب .. أنتِ تعرفين يا ريم .
وبترت عبارتها بغتة حينما وجدت نفسها مدفوعة من قبل كريم لتقف على قدميها وهو يمسك بساعدها معتذرا لريم بقوله:
-أستمحيكِ عذرا يا حلوتى ,, ولكننى أريد أن انفرد بهذه الجميلة قليلا.
وقبل أن تجد هديل فرصة لتبدى اعتراضها كان هو قد انسحب بعيدا وما زال قابضا على ذراعها فاضطرت الى مجاراته حتى لا تتأذى ,وذهب تحذير ريم له أدراج الرياح :
-لا تضايقها يا كريم.
ما أن ابتعدا لمسافة قصيرة حتى انتزعت هديل نفسها بحركة حادة من قبضته ووقفت قبالته تنظر له بغضب قائلة:
-كيف تجرؤ على سحبى بهذا الشكل كمن لا رأى لها ؟
رفع كريم حاجبا قبل أن يهتف مغتاظا:
-وماذا حدث ؟ لقد اعتذرت من ريم لأننى وددت أن أحادثك بأمر هام ولم يكن باديا على وجهك أية دلائل على رفضك ؟
وضعت يديها بخصرها وهى تواجهه بشجاعة وثبات قائلة بحدة:
-وماذا كنت تنتظر منى أن أصرخ محتجة أم أستنجد بالآخرين حتى تثار فضيحة من العيار الثقيل .. كلا يا سيد كريم أنا أحاول أن أحافظ على المظهر المتحضر فى وجود أفراد عائلتك الذين لا ذنب لها فى سوء تصرفاتك ,ولكن الى هنا وعليك أن تتوقف .. يكفينا ما نلته منك حتى نهاية عمرى.
نظر لها مشدوها فقد فاقت جميع توقعاته .. هديل الرقيقة الراضية دائما تثور وتصرخ فى وجهه دون خوف أو وجل ,يبدو أن أمامه تحدٍ كبير عليه أن ينتصر فيه حتى يحصل عليها بالنهاية ,فعلى الأرجح هى مستعدة لخوض معركة ضارية حتى تثبت له أنها ليست ذات الفتاة الهادئة التى عملت معه لسنوات دون أن يشعر بوجودها.
-هل انتهيتِ من حديثك ؟
قالها ببرود بينما يقف متجمدا دون حراك ,مما دفعها لتتخذ موقفا مضادا لما كانت تنتويه فى الأساس وقالت متبرمة:
-نعم , أعتقد أننى انتهيت تماما ,وسوف أرحل أيضا لأن الوقت قد تأخر كثيرا.
وهمّت بالانصراف دون كلمة وداع أخرى الا أنه فجأة قطع عليها الطريق بجسده الضخم وقال بحنق بالغ:
-اسمعى أنا أيضا اكتفيت من لا مبالاتك وبرودك ,, لن تذهبى الى أى مكان قبل أن أسمح أنا بذلك.
ثم استطرد قبل أن تحاول مجددا الفرار منه:
-علينا أن نتحدث .. لا يمكن أن يستمر الوضع على هذا المنوال ,سوف أجن فى القريب العاجل ان لم أضع النقاط فوق الحروف لعلاقتنا هذه.
لم ترضَ بأن تكون الكلمة الأخيرة له فقالت معترضة:
-لا توجد علاقة بيننا , اقصد أنه لم يعد هناك ما يربطنا ببعض ,فأنا لست سكرتيرتك بعد الآن ..ولا أرغب بأن تكون لى بك أية صلة ..
قاطعها بأن أمسك بمرفقها يجرّها خلفه وهو يزأر محتدا:
-كفى ! أيمكنك أن تبقى فمك مغلقا لبضعة دقائق فقط , أمضيت وقتا طويلا وأنا أحاول أن ألبّى رغباتك وأترك لكِ فرصة لاعادة التفكير فيما بيننا , من الآن فصاعدا سأتحدث أنا وسوف تستمعين لى.
-اترك يدى , أنت تؤلمنى.
وقفا متقابلين كلاهما يحدّق بوجه الآخر ,مضت لحظات قبل أن يفلت ذراعها وهو يتمتم معتذرا:
-أنا آسف , لم أعِ أننى أؤلمك ,آسف حقا يا حبيبتى.
فغرت هديل فاها وكتمت شهقة كادت أن تفلت من بين شفتيها الرقيقتين بأطراف أصابعها المرتجفة وهى تنظر الى عينى كريم بمزيج من الذهول وعدم التصديق .. ربما أخطأ دون قصد.
-ماذا ؟ ماذا قلت ؟
-قلت أننى آسف .. ألهذا الحد أنتِ مندهشة ؟ أبسبب اعتذارى لكِ ؟
-لا .. لا , ليس هذا .. أنا سمعت .. هل قلت حبيبتى ؟ أم أننى كنت واهمة ؟
تلاعبت ابتسامة متراقصة على شفتيه وعيناه تعترفان بسرّه الدفين قائلا ببساطة:
-نعم , قلتها ..
-لماذا ؟
-لأنكِ حبيبتى.
أشارت له بأصبعها نافية وهى تهمس:
-هذا غير صحيح , أنت لست جاد فيما تقول.
-ولماذا تفترضين هذا ؟ أنا لا أتفوّه بأية كلمة دونما حساب .. ولا يوجد ما يجبرنى على ادّعاء الكذب .. فاذا قلتها فأنا أعنيها تماما بكل ما تحمله من معانٍ .. أنتِ طبعا حبيبة قلبى وحدك يا هديلى.
شعرت هديل بخجل رهيب يجتاحها واصطبغت وجنتاها بلون وردىّ داكن ,وأخذت تتلفت حولها تبحث عن مكان لتختبئ فيه من حصار عينى محدّثها الذى اقترب منها وقد كان عاقدا النية على شئ ما ,فشعرت بذراعه تلتف محيطة بكتفيها وهو يدنيها من شفتيه اللتين همستا بتصميم وعزم:
-لا تحاولى أن تهربى منى ولا حتى فى أحلامك الأكثر جموحا .. فلم أعد صبورا .. انتظرتكِ طويلا وحان الوقت لأن يهدأ قلبى ويرتاح عقلى.
أطلقت تنهيدة ارتياح عميقة وهى تحاول السيطرة على انفعالها الداخلى ,أتصدقه ؟ ولمَ لا ؟ كان محقا فى قوله : أنه ليس مجبرا على الكذب عليها.
ثم ما لبثت أن تذكّرت حواره السابق مع تلك المدعوة عبير واتفاقه على لقائها قبل اصطحابها الى النادى بعدة ساعات فاشتعلت نار الغيرة مستعرة لتلفحها فانتفض جسدها وهى تزيح ذراعه عنها بخشونة متعمدة اثارت حيرته ,ونظر لها متسائلا:
-ماذا الذى أثارك مجددا ؟
رفعت ذقنها عاليا وهى تقول بترفع:
-وماذا عن تلك الفتاة .. التى تواعدت معها على اللقاء ؟
انعقد حاجباه بقوة وهو يسألها مندهشا:
-أية فتاة ؟
-وهل هناك أكثر من واحدة اذن ؟
-أنتِ تتخيلين أشياءا وهمية بلا شك.
-تلك التى تدعى عبير ,صانعة القهوة المثالية والتى اتفقت معها على أن تلتقى بها .. ألا تذكر تلك المكالمة فى مكتبى هذا الصباح ؟
صاح فجأة منتبها:
-آآآآآهه ,فهمت ... لا يمكن أن تكونى ...
ثم انفجر مقهقها وهو يمسك ببطنه من شدة الضحك مشيرا اليها بتفكّه وهو يحاول الامساك بها بعد أن دفعته بعيدا عنها وهى تقول بامتعاض:
-لا أرى سببا لضحكك هذا سوى أنك تتسلّى يا سيد كريم ,,وعلى حسابى .. ولكن أتعلم أنا المخطئة من الاصل ,أنا من سمحت لك بالاستهزاء بى ,وتلاعبت بمشاعرى منذ البداية ...
-شششش .. اخفضى صوتك يا حبيبتى , فالجميع بدأ ينظر نحونا وأعتقد بأنهم يشكّون فى صحة قوانا العقلية ..
وأكمل قوله بضحكة صاخبة ,ما لبث أن قطعها وهو يستطرد بجدية مفاجئة:
-اسمعى .. يوجد سوء تفاهم ,لا بد أن الأمور اختلطت عليكِ .. فعبير مجرد ..
قاطعته وهى توشك على الانفجار:
-لا يهمنى أن أعرف من هى ؟ وماذا لديك لتقوله عنها ؟ أهى مجرد صديقة أم نزوة عابرة ؟ لم أعد أهتم .. اتركنى وشأنى.
-لا يا حبيبتى ,لن أتركك وشأنك ,,أخبرتك أن هذا كان فيما مضى ,, لن ترحلى عنى ,فأنا حاضرك وماضيك ومستقبلك , ثم أننى سعيد بغيرتك تلك.
-يا لغرورك ! وعلى فكرة .. أنا لا أغار ..
-اصمتى قليلا لتعرفى الحقيقة قبل أن تطلقى أحكامك النارية كالسهام .. أردت أن أقول أنها مجرد مساعدة تعمل لدى صديق لى .
-وما دخل كونه صديقك بمقابلة مساعدته خارج نطاق العمل ؟
-ومن أخبرك أيتها العبقرية أنها خارج نطاق العمل ؟ بل كان لقاء عمل من الدرجة الأولى.
-على من تنطلى هذه الخدعة ؟ أنا لست طفلة ساذجة لأقتنع بما تقول.
قرص خدها بلطف مداعبا وهو يقول برقة:
-بل أنتِ طفلتى الساذجة المدللة التى لا تفقه شيئا .. لو منحتنى دقيقتين بدون أن تقاطعيننى لفهمت كل شئ.
ارتعشت من لمسته البريئة وقالت بارتباك محاولة تحاشى النظر اليه:
-حسنا .. فقط دقيقتان.
-لن أحتاج الى المزيد.


****************

SHELL 22-12-20 07:46 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
لم يعد كريم معهم الى المنزل بل انطلق بسيارته ليقلّ هديل الى البيت ,ولم يخفَ على سيف أن يلمح السعادة الناطقة تقفز من عينى ابن عمه وهو يتأبط ذراع الفتاة الجميلة قبل أن يختفيا تماما عن أنظار الجميع ,وما هى الا غمزة سريعة أعلمته بأن كريم قد وصل الى مبتغاه .. وتأمل ريم هى الأخرى تسير مبتعدة الى جوار خطيبها جاسر متمتمين باعتذار واهٍ لم يفهم منه حرفا واحدا عن انفرادهما ببعضهما .. ولم يتبقَ سواه هو ورفيق ليرافقا زوجتيهما فى طريق الرجوع الى منزل العائلة.
فتح الباب لزوجته وساعدها لتجلس بأريحية على المقعد المجاور له قبل أن ينطلق الى الجهة الأخرى مستقرا على مقعد السائق ليقود بهما الى حيث بؤرة الصراع الدائر فى حياته الآن .. والده ينتظره على أحر من الجمر ليعلنه بقراره النهائى بالنسبة لزواجه من مها .. وهو أكثر من قلق على حالة زوجته الغير مستقرة .. كانت تضحك من قلبها على مزحاته التى أطلقها متندرا وهما جالسان سويا بجوار أشجار الياسمين يتنسمان شذى أزهارها الفواحة وان أيقن أنها كانت متوترة بشدة تحاول أن تبدو خالية الذهن غير مهتمة بما يجرى حولها .. وكأن الأمر لا يعنيها من قريب ولا بعيد ,لكنها تعلم أن مصير زواجهما لم يعد بيده ولا بيدها بعد عودة والديه ,وخاصة بعد رفض أمه القاطع واستقبالها الغير حافل لوجودها تحت سقف واحد معها .. تلك التى أطلقت عليها .. ابنة كمال وسهام .. وكأنها سبّة بذيئة ..
هى الأخرى كانت شاردة بأفكارها الخاصة .. حقا كان يوما جميلا بحذافيره ,اضافة الى أن معاملة سيف لها قد تبدلت تماما ,أنه يحنو عليها ويبادر الى مساعدتها حتى ولو لم تكن بحاجة اليها ,لمساته أكثر رقة وتحمل معانٍ تبطن أكثر مما تظهر ,مجرد تصرفات بسيطة لكنها أدخلت البهجة الى قلبها الحزين, يتعمّد اطالة الوقت الذى يستغرقه ليغلق سحاب فستانها ,يسألها بلباقة عمّا تريد فيلامس يدها بحنان عندما يناولها كوب الماء أو العصير ,يطيل النظر اليها باعثا برسائل غير مقروءة تتضمّن الكثير ,ولا يترك يدها أبدا عندما يسيران جنبا الى جنب وكأنه يعدها بصمت ألّا يتخلّى عنها فهما روح واحدة فى جسدين .. وجاء هذا دليلا على صفاء نيته من ناحيتها وصدق كلامه , تحمّله للمسؤولية الملقاة على عاتقه بعدما أصبح محاصرا بين خيارين أحلاهما مرّ : ارضائه لوالديه ,وحرصه على انجاح زواجهما خاصة بعد علمه بنبأ حملها المؤكد.
-ماذا ستفعل الآن يا سيف ؟
لم تنتبه أنها أطلقت هذا السؤال بصوت مرتفع ,التفت سيف نحوها متسائلا قبل أن يعيد انتباهه الى الطريق أمامه وقال مجيبا وقد التقط المعنى الخفىّ لسؤالها الغير محدد:
-تقصدين رفض والدىّ للقبول بزواجنا ,أعتقد أننا نستطيع تجاوز هذه الأزمة بالصبر والحكمة .. فلنمهلهما بعض الوقت للتكيّف مع الوضع الجديد ,الصدمة لم تكن سهلة .. خاصة على أمى.
ولم يخبرها بقلقه على صحة والدته فقد انتابته الوساوس حول اعيائها الواضح ,كان من المفترض أن تكون رحلتهما للاستجمام والراحة ,ولكن على ما يبدو أنها لم تأتِ بنفع يعود عليهما سوى الارهاق والتعب.
-حسنا , وماذا عن وضعى أنا ؟
-ماذا به ؟ أنتِ زوجتى ,وستبقين كذلك.
سألته بارتباك :
-حتى بعد أن ألد الطفل ؟
ران عليهما الصمت لحظات ,مرت بطيئة .. طويلة .. مليئة بالتوتر والترقب ,ترى ماذا سيقول ؟ هل يخبرها بالحقيقة أم يكذب عليها ؟
-ماذا تعنين يا مها ؟
قالت تذكّره باتفاقهما القديم :
-ألم يكن اتفاقنا على الطلاق بعد أن أمنحك ولدا ,, وريثا ؟
ضغط بقوة على مكابح سيارته فتوقفت السيارة واطاراتها تصدر صريرا مخيفا جراء احتكاكها بالأسفلت ,وقد كادت مها أن تصطدم بالزجاج أمامها لولا حزام الأمان الذى يصر عليها سيف أن تربطه كلما كانا معا.
بينما اندفع سيف نحوها بغضب أعمى يمسك بمرفقها مدنيا رأسه من وجهها ويصيح منفعلا:
-أتريدين الحصول على حريتك بعد الانجاب ؟ كيف تجرؤين على هذا ؟ أبعد كل ما تحمّلته من أجلك ؟ أبعد مخاطرتى برضا أبى وأمى ووقوفى متحديا لجميع افراد عائلتى الذين لم يقبلوا بزواجنا ؟ تكون هذه المكافأة جزاءا لى ! أهكذا تقابلين الاحسان بالاساءة يا ابنة الأصول ؟
ارتعشت أهدابها مرفرفة بقطرات الدمع من عينيها الخضراوين ,وانكمشت على نفسها تحاول تخليص ذراعها من قبضته التى زادت قوة وضغطا وهى تئن مذعورة:
-سيف .. أرجوك اترك ذراعى ,أننى أتألم ..
-تتألمين ! وهل شاهدتِ ألما بعد ؟ سترين يا مها وجها آخر اذا ما عدتِ لهذه السيرة مرة أخرى , أنتِ زوجتى وستظلين هكذا الى أن أقرر أنا العكس , مفهوم ؟
غمغمت بصعوبة بينما شحب وجهها:
-أرجوك .. اشعر بآلام رهيبة .. آآآه , آآآه.
أفلتها بحركة حادة وهو ينظر لها محتقرا ,وكاد أن يعاود انطلاقه بالسيارة لولا ملاحظته لها تمسك ببطنها متألمة وهى تقاوم نوبات متتالية من الاتقباضات التى تهدد استقرار حملها ,فأحاط بكتفيها بذراعه وهو يسألها بهلع:
-مها , أأنتِ بخير ؟ بمَ تشعرين بالضبط ؟
أطلقت صرخة ألم مكتومة وهى تشهق ,ثم تلوّت بمكانها بعنف صائحة:
-بطنى ... أشهر بآلام رهيبة تمزقنى ..
-اهدأى حبيبتى ,, اهدأى وحاولى التنفس بعمق حتى تخف هذه الآلام.
أخذت مها تهز برأسها يمينا ويسارا وهى تقول بخفوت:
-لا أستطيع أنها تنتشر بسرعة .. وتزداد قوة .. آآآآه سيف , أننى أشعر .. آآآه أرجوك انقذنى ..
ربت على شعرها بحنان بالغ وهو يحاول بث الطمأنينة بداخلها وان عكس صوته مدى التوتر الذى يشعر به:
-حسنا ,, مها ,, هل تستطيعين الصمود قليلا ؟ سوف نذهب الى أقرب مشفى وبسرعة.
وأخذ ينظر حوله عدة مرات فتبيّن موقعهما بالضبط ,وقاد سيارته الى مشفى خاص قريب كان على بعد خمسمائة متر فقط .. حمد الله على حسن حظه فقد كانت زوجته تنتفض ألما وازداد رعبه حينما صار تنفسها سريعا ومتلاحقا .
أوقف سيارته قرب المدخل ثم حمل مها بين ذراعيه بخفة وهو يجرى بها الى داخل المشفى حيث استقبلته ممرضة الطوارئ وحينما وقع بصرها على جسد مها سألته عما بها فأجابها بأنها حامل بشهرها الثالث وتعانى من انقباضات مؤلمة فضغطت الفتاة على جرس ما ,وما هى الا دقائق وجاء مسعفان بمحفة متحركة ,طالبت سيف بصوت آمر أن يضع المريضة برفق فوق المحفة ,ثم قام الرجلان بدفعها الى جناح الطوارئ بحرفية عالية ,ظل سيف يراقبهما حتى اختفيا تماما عن الأنظار وكانت الممرضة قد أنذرته بضرورة بقائه بمكانه حيث أنه من غير المسموح له بمرافقتها وكانت قد قرأت فى عينيه تصميما علنيا ففضلّت أن تقطع عليه اية محاولة لخرق قوانين المشفى الذى تعمل به منذ سنوات .. بينما أخذت تملأ بيانات المريضة على شاشة الكمبيوتر وهو يجيبها بآلية وجمود .. ماذا لو اصابها مكروه ؟ هى أو الجنين ؟ هتف صوت داخلىّ : لا يهم لو أجهضت الطفل .. ابنه .. ابنهما - الوريث كما أطلقت عليه , المهم ألا يخسرها هى .. حبيبته وزوجته .. أحقا ؟ نعم فمها لا يمكن تعويضها أبدا ولو بعد عشرات السنوات .. اذا ماتت لن يغفر لنفسه على الاطلاق ولن يتسامح مع أى شخص أضاف لمتاعبها الجمّة .
بعد أن أنهى ملأ استمارة البيانات وقام بالتوقيع عليها ,انسحب بهدوء الى جانب بعيد يراقب المارة بلا انتباه حقيقى .. يسمع بوق سيارة الاسعاف المميز قادما ,ومسعفون يجرون هنا وهناك ,يحملون مريضا ما .. هكذا تستمر الحياة وتدور عجلتها , بالطبع هى لا تتوقف عن أحد ولو كان اهم شخص بحياتنا .. ولكن حياته هو ستتوقف لو غابت مها عنه , لا يتخيّل يوما جديدا لا تكون ابتسامتها الرقيقة هى شمسه التى تشرق .. بل لا يتصور أن يدق قلبه بعدها ,, حتما سيتوقف نبضه الى الأبد .. رمت بوجهه ذلك الاتفاق الدنئ يوم عقد قرانهما .. وذلك الشرط البائس .. أن تمنحه طفلا مقابل حريتها , لم يدرِ أنه سيأتى يوما يتمنى فيه أن تنقطع ذريته من أجل ألا تتركه وترحل ... وها قد أتى هذا اليوم وبأسرع مما كان يعتقد .. من يصدّق أنه سيف الشرقاوى .. سليل تلك العائلة العريقة .. ذو الكبرياء العنيد والقلب المتجمد .. هو بذاته من يذوب قهرا ويتألم عشقا لتلك الحورية ومن أجلها هو على أتم استعداد لأن يفتديها بعمره.


*******************

SHELL 22-12-20 07:47 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
-سيف ... يا بنى , ماذا حدث ؟
صوت والده الوقور أخرجه من دائرة همومه التى كادت أن تغرقه بدوامتها اللانهائية ,اقترب عادل من ابنه ببطء وهو يربت على كتفه مؤازرا بينما لمح دموعا حبيسة تترقرق بعينيه وربما لأول مرة منذ كان طفلا فى العاشرة من عمره وحتى خطا الى مرحلة الشباب وأصبح رجلا يراه باكيا .. وبحرقة شديدة ,ارتمى سيف بين ذراعى والده ينشد المواساة المفقودة .. تمتم بوهن:
-مها .. يقولون أن حالتها خطرة للغاية , أبى أنها تنزف .. وقد هبط مستوى الحديد بكرات دمها الحمراء الى حد مرعب .. بابا سوف أفقدها هى وابنى.
-لا عليك يا ولدى , هوّن عليك .. الله رؤوف رحيم وهو خير الحافظين .. وهو قادر على كل شئ.
منذ أن اتصل به سيف منذ ما يقرب من ساعة واحدة وصوته الملتاع انساب عبر الهاتف ليصل الى والده مختنقا بالأسى والمرارة وهو يخبره بحاجته الى وجوده الى جانبه ,وأعطاه عنوان المشفى بالتفصيل ,والحقيقة أن عادل لم يتوانَ ولا ثانية واحدة عن اللحاق به ,كان الأمر بالنسبة اليه غامضا لم يستوعب من كلمات ابنه المتلاحقة الغير مفهومة سوى أن زوجته وابنه بخطر .. بلا تفاصيل محددة ..
-لن اسامح نفسى ما حييت اذا ما أصابها مكروه .. أنا السبب ,, أنا السبب .. أنا المجرم.
شدد عادل من احتضانه لابنه الراشد وهو يقول بحزم:
-لا تترك عواطفك تتحكّم بعقلك ,فقط انتظر لنرى ما هو رأى الأطباء فى حالتها , ولماذا تتهم نفسك بهذا الشكل يا بنى ؟ ألم يبلغك الطبيب أن حالتها الصحية متدهورة ؟ ليس الذنب ذنبك أنت.
قاوم سيف ضغط ذراعى والده المحكمتين وهو يجاهد ليبتعد قليلا عنه وينظر مليّا الى وجه أبيه بحزن دفين وهو يغمغم:
-بلى , أنا المذنب .. لا أعرف كيف غاب عنى مرضها ,فأنا أعلم بمعاناتها مع فقر الدم الحاد ومنذ فترة طويلة ,ولم انتبه لنظام غذائها فقد مرت أيام كاملة لم تتناول فيها سوى بضعة لقيمات لا تسمن ولا تغنى من جوع ,اضافة الى حملها الذى زاد من تفاقم حالتها.
جذبه عادل من مرفقه بحدة وهو يصرف على أسنانه قائلا:
-اسمع يا سيف .. لا تحمّل نفسك ما لا طاقة لك به ,فمن اين كنت ستعرف أنها ستصاب بنزيف حاد ؟ هذا فى علم الغيب يا ولدى .. وأنت لم تقصّر معها بشئ .. نقلتها على الفور الى أفضل مشفى وها أنت باقٍ الى جوارها لم تتخلّ عنها...
هتف سيف بقسم :
-ولن أفارقها ولا ثانية واحدة .. أنها حياتى ..
-أعرف .. فالولد غالٍ .. كان الله فى عونك.
-لا يا بابا , ليس هذا ما أعنيه .. أنا أتكلم عن مها زوجتى وحبيبتى الوحيدة والتى لن أرضّ بغيرها ابدا ,ولا يمكننى العيش بدونها.
سحب عادل نفسا عميقا ثم أشاح بوجهه بعيدا حتى لا يرى مدى تأثره بتلك العاطفة الصادقة التى انبعثت من كل خلية فى جسد ابنه معلنة عن تمسكّه بتلك المرأة .. التى أراد هو ابعاده عنها .. أشفق على ابنه .. يا للمسكين ! كيف كان سيعلمه بقرار أمه النهائى ألا وهو التفريق بينه وبين توأم روحه.
-حسنا يا سيف , لا ترهق نفسك بالتفكير .. ادعَ الله أن يشفى زوجتك ويعيدها لك سالمة معافاة هى وابنك ,ثم يفعل الله ما يريد.



******************

SHELL 22-12-20 07:49 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
أخذت ريم تذرع غرفة الجلوس ذهابا وايابا بقلق بالغ وهى تشبك أصابع يديها معا ,كانت ما زالت ترتدى ثوبها الأنيق وحذائها المرتفع فأخذ وقع خطواتها يدوىّ بصوت رنان ,مما دفع بشقيقها أن يهب فجأة لايقافها وهو يصيح منفعلا:
-كفى يا ريم .. بالله عليكِ لقد أصبتنى بالتوتر .. ألا تستطيعين البقاء جالسة بهدوء ؟
طوحت بذراعها فى الهواء باعتراض وهى تكاد تصرخ:
-ألم يكن من الواجب أن يرافق أحدكما عمى عادل فى طريقه ؟ أنا خائفة عليه .. فصحته هذه الأيام ليست على ما يرام كما أن الخبر الذى سمعه لا يبشر بأى خير على الاطلاق.
تراجع رفيق خطوة قبل أن يغمغم شاعرا بالتخاذل:
-لم يستمع لأى منّا حتى أننى عرضت عليه ان أقود بدلا منه أو حتى أصحبه فى سيارته الا أنه اعترض بقوة ولم يترك لنا خيارا آخر.
وتبادل النظرات مع كريم الذى أخفض رأسه الى الأرض متحاشيا عينى ريم الغاضبتين .. التى كانت تؤنبهما بصمت ,قبل أن تقول بصوت متهدج:
-كان يتعيّن عليكما أن تصرّا على مرافقته , لا أن تتركاه وحده .. ألا يعرف أى منكم عنوان المشفى ؟
تدخلّت أميرة فى الحوار قائلة بحكمة:
-لم يكن هناك بدا من الاستسلام لرغبته , أنا رأيته فى لحظتها .. كان يبدو عليه الاصرار والعناد ,ولكننا نستطيع التوصل العنوان بسهولة اذا ما عرفنا اسم المشفى .
قالت ريم بتسرع وهى تطرقع بأصابعها فى الهواء:
-فليتصل أحدكما بسيف ويسأله عن الاسم ؟
حدّجها الثلاثة بنظرات نارية قاتلة قبل أن يقول رفيق ساخرا:
-يا لكِ من عبقرية حقا يا ريم ! وهل كنّا فى انتظارك كل هذه المدة دون أن نحاول فعلا , لقد اتصلت به عشرات المرات بلا جدوى .. مجرد رنين متواصل حتى ينقطع الخط , وأنا لن ألومه حتى فالموقف لا يحتمل الرد.
تأففت الفتاة باحباط فهى قد عادت متأخرة عن أخيها وابن عمها الى المنزل حيث أن جاسر هو من أقلّها فى رحلة العودة وقد انتهز الفرصة من أجل اطالة الحديث معها ولم تعرف أن هناك كارثة تنتظرها بالبيت.
-حسنا هل سنبقى مكتوفى الأيدى هكذا ؟ ما العمل الآن ؟
أخذ كريم يحك جبهته العريضة مفكّرا , ثم ما لبث أن هب واقفا كالطود وهو يقول بصيحة انتصار:
-هااه وجدتها .. علينا أن نبحث عن أسماء المستشفيات الموجودة فى منطقة وسط البلد ,فقد كانت سيارة سيف تتبعنا الى حيث وصلنا الى جسر ( ... ) وبعدها لم أعد ألمحها , فلا بد أنهما كانا قريبان جدا من تلك المنطقة .. هيا يا جماعة.
قاطعته ريم بسذاجة قائلة:
-وماذا بعد ؟ أسنجرى اتصالات بعشرات المستشفيات ؟ أن هذه المنطقة مليئة بالكثير منهم ..
-أيتها النابغة التى لا يوجد منها نسختين .. اذا قام كل واحد منّا بالتصال بواحدة أو اثنتين بالتأكيد سنصل الى نتيجة حاسمة ,, ومن السهل جدا أن نسأل عن حالة طارئة جاءت خلال ساعات باسم مها ..
لم يستغرق البحث عن أسماء المستشفيات وقتا طويلا وقد استقرّت اللائحة على ستة أرقام ,وبدأ كل واحد منهم فى الاتصال برقم معيّن ..
لم يحالف الحظ كلا من ريم وأميرة ,وقد كاد اليأس أن يحبط رفيق وهو يغلق هاتفه بعد اتصالين فاشلين حتى تناهى الى مسامعهم صوت كريم الصاخب وهو يندفع قائلا بعد أن أنهى مكالمته الأولى التى استغرقت دقيقتين:
-حسنا , شكرا لكِ يا آنستى ..
ثم اردف مبتهجا وهو يشير لابن عمه أن يتبعه:
-تعالَ معى يا رفيق .. لقد توصلّت لاسم المشفى ,وبالفعل هناك حالة باسم مها الراوى قد سجلّت منذ ساعتين.
-انتظرا ,,, سوف نأتى معكما ,, هيا يا أميرة.
-كلا , ابقيا أنتما هنا ... فسوف نحتاج الى وجود أحد هنا بالمنزل ليكون همزة الوصل بيننا وبين العائلة .. كما أنه ليس مناسبا أن نذهب نحن الأربعة الى المشفى ,فهو ليس بمكان للتنزه.
أضاف رفيق جملته الأخيرة بصرامة مرسلا نظرة جليدية الى أخته التى كانت على وشك الاعتراض فابتلعت الكلمات فى حلقها وهى تشيح بوجهها عنه تعبيرا عن استيائها من ديكتاتوريته وتسلطه الذكورىّ.
فيما قالت أميرة برقة:
-حسنا يا حبيبى , اذهبا أنتما ,وفقكما الله وسوف ننتظر اتصالا لنطمئن على حالة مها ,لا تتأخرا علينا.
قبّل زوجها قمة رأسها بامتنان قبل أن يسرع للانضمام الى ابن عمه الذى سبقه الى الخارج ولكنه وجّه حديثا أخيرا لشقيقته الغاضبة:
-ريم .. لو سمحتِ ابقى أنتِ الأخرى برفقة أميرة ,فقد تطول المدة قبل أن نعرف تطورات حالتها , فاذا ما غلب النعاس أحداكما تستقبل الأخرى المكالمة .
أومأت ريم برأسها على مضض وقد أنهكتها المجادلة مع أخيها , وهى تعرف مسبقا بخسارتها المحققة أمام عزيمته واصراره ,فقررت أن تطيع أمره دونما نقاش ,, واعترفت لنفسها أنه على حق فيما أشار به عليهما ,فقد مضت الدقائق ثقيلة ببطء رهيب .. كانت تشعر بدقات الساعة المعلّقة فوق رأسها تضرب بأذنيها كأنها نعيق بومة تبعث على التشاؤم.
وتبادلت نظرات صامتة مع زوجة أخيها دون أن تجرؤ أيا منهما على الحديث .. حتى ولو من باب تمضية الوقت ,, كان موقفا دقيقا .. وقد استعادت هى ذكرى حوارها مع مها فى اليوم السابق ...


******************

SHELL 22-12-20 07:50 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 

-هأنذا .. كلى آذان صاغية .. ما الذى تريدين قوله ؟
عقدت ريم ذراعيها أمام صدرها وهى تستند على حافة جدار المكتب الخاص بوالدها بعد أن أغلقت مها باب الحجرة خلفهما وهى تتبعها الى الداخل ,كان الفضول دافعها للانصات الى تلك الفتاة الغريبة كليا عنها ,وشئ آخر .. النظرة التى تمتلئ بالرجاء والتوسل ألّا ترفض .. تلك التى انبعثت من عينيها الشبيهتين بعينى قطة بريّة حبيسة ..
-ألا يمكننا أن نجلس أولا ؟
أطلقت مها سؤالها بدعوة صريحة ,فتبرمت ريم ضيقا وهى تدور حول المكتب برشاقة لتجلس على المقعد الوثير واضعة مسافة كبيرة بينها وبين مها التى توسدت الأريكة الواسعة وقد أخذت تلهث محاولة استنشاق أكبر قدر ممكن من الهواء لتدفعه الى رئتيها ,ثم سعلت عدة مرات وهى تعتذر بعينيها لريم وكأنها تقول ( أرأيتِ ليس الأمر بيدى ).
أخذت الفتاة تنقر بأصابعها فوق سطح المكتب برتابة وقد بدأت تستشعر عدم الراحة فيما يحدث حتى تنحنحت الفتاة الشقراء وقالت فجأة بدون مقدمات:
-أعرف أننى كالضيف الثقيل , ليس مرغوبا بوجودى هنا ,كما أننى أكيدة أنكِ لا تحبين رفقتى كثيرا .. لذا سأدخل فى صلب الموضوع .. لا أدرى ما الذى تعرفينه عنى بالضبط .. عائلتى .. علاقتى بسيف .. أعنى قبل الزواج طبعا .. ولكننى أود كثيرا أن أطلعك على سر .. بيد أنه عليكِ أن تعديننى بأن تكتميه حتى عن اقرب الناس اليكِ.
توقفت ريم عن التلاعب بأصابعها وقد ركزّت انتباهها على شفتى محدثتها المكتنزتين اللتين انفرجتا لتردف قائلة:
-هل أستطيع الاعتماد عليكِ يا ريم ؟
غمغمت ريم بارتباك وهى تصارع تناقضا فى مشاعرها بين الاستجابة لرنة الأمل فى صوت مها وقرارها السابق بتجاهلها تماما:
-لا أعرف صراحة .. هذا يتوقف على طبيعة هذا السر .. ولماذا اخترتنى أنا بالذات ؟ فنحن لسنا صديقتين ولا حتى ...
ولم تتم عبارتها فقد شعرت بالاحراج من اعترافها أن تقول : أنها لا تشعر بمودة نحوها فلماذا تأتمنها على أسرارها.
أنقذتها مها من حيرتها بقولها بتصميم معقود:
-أنتِ على حق .. لا تكنين لى أية مشاعر ودية وهذا حقك فأنا بالنسبة لكم مجرد دخيلة على عائلتكم .. واحدة لا ترقى بمستواها لتتناسب مع أصحاب المقام الرفيع ..
وسكتت لتلتقط أنفاسها بصعوبة جراء انفعالها الواضح فانتابت ريم حالة من الشفقة اللا ارادية على حالها وهى تحاول التكهّن بما تريد قوله وان أدركت أنه لن يكون سارّا بأية حال ,فمعالم وجهها المتقلصة بألم تشى بأنها تخفى سرا عظيما ..وخطيرا.
-أنتِ تسخرين الآن يا مها , أليس كذلك ؟
هزّت تلك رأسها نفيا وهى تقول ببطء:
-كلا ,أعرف جيدا المسافات الشاسعة التى تفصل بينى وبين سيف .. ولا أتحدث فقط عن الفارق فى المستوى المادى والاجتماعى .. كلا أنها مجرد حدود وهمية .. ما عنيته ذلك الماضى الغير مشرف والذى تطاردنا لعنته الى وقتنا هذا .. لن يفيدك اعترافى بأننى أخطأت تقدير الأمور بدون عمد وأننى عشت بوهم كبير عمرى كله .. كانت كذبة متقنة من والدتى التى - ولسبب غير معلوم - أفهمتنى أن جدك هو من تسبب فى افلاس أبى وجرّده من كافة أملاكه واستولى على شركته التى بناها بجهده وعرقه بدون وجه حق ... مما .. أصابه بنوبة قلبية حادة فارق على اثرها الحياة.
شهقت ريم لا اراديا وهى تتراجع حتى اصطدم ظهرها بالمقعد الصلب خلفها وتمتمت بانكار:
-لا يمكن أن تكونى جادة ! وما علاقة جدى بهذا ؟
-كانا شريكين ببعض الأعمال التجارية ,ولم تعد تهم التفاصيل كثيرا .. اكتشفت زيف هذا الاتهام وأن جدك برئ من هذا الذنب ,, وظهر العكس .. والدى هو من حاول ... أن يتلاعب .. ولهذا فقد نال جزاءه .. فالجزاء من جنس العمل.
-وأين هى تلك الشركة التى تتحدثين عنها ؟
نظرت لها مها بتمعن وهى تجيب على سؤالها باستخفاف:
-ألم تخمنّى بعد ؟ أنها ذات الشركة التى تمتلكونها الآن وكنت أعمل بها سكرتيرة الى وقت قريب.
-لااااااا , أأنت أكيدة ؟
وضربت بيدها على جبهتها لتهتف بذهول:
-ألهذا السبب كنتِ تعملين بها ؟ اعتقدتِ أنه من حقك لأنها كانت تخص والدك ؟
-لا , ليس لهذا السبب .. كنتِ أنوى الانتقام من مالكى الشركة الجدد ...
-يا ربى ! كل هذه المدة وأنتِ تختفين خلف قناع مزيّف ,لقد صدمتنى بحق يا مها .. رغم أننى لم اشعر بالارتياح نحوك لم أكن أتوقع هذا على الاطلاق .. استمرى بالحديث , ماذا جرى بعد ذلك ؟
-لا شئ .
فقط مجرد كلمتين لا تسمنان ولا تغنيان من جوع .. رددت ريم ورائها مصعوقة:
-لا شئ !
أومأت مها برأسها وهى تحاول الاسترخاء بجلستها أكثر وقالت بصوت ناعم:
-لم أجرؤ على ايذاء أحد منكم ولم أحاول التلاعب بأية مهلومات تخص الشركة بالرغم من حساسية منصبى وقدرتى على بيع اسراركم الى الأعداء المنافسين فى السوق ,, حافظت على عملى بجد واتقان وكنت نعم السكرتيرة باعتراف أخيكِ بنفسه ..
-ولماذا لم تنفذى مخططك الانتقامى ؟
-قررت التراجع مؤقتا أو لنقل تغيير الأسلوب فقط .. حينما حاول سيف التودد الىّ فى اكثر من مناسبة سابقة اختمرت الفكرة بذهنى .. لماذا لا أوقعه فى شباكى حتى أصل الى قلب العائلة ؟ وقد أسكت ضميرى بأنه هو من سعى الىّ بقدميه ولست أنا من جرّه الى هذا.
قامت ريم واقفة وأخذت تتمشى حول المكتب حتى عادت لتجلس على أقرب مقعد لمها وقد بدأ حديثها يؤجج فضولها واشتياقها لأن تعرف المزيد منها .. وأشارت له بيدها أن تكمل فاستطردت الأخيرة قائلة:
-كانت خطتى بسيطة وهى أن أظهر تمنّعى لمحاولاته الحثيثة للتقرب منى مما يدفعه أكثر لاثبات قدرته على النجاح فى ايقاعى وخاصة أنه رجل وسيم وجذاب وثرى مما يجعله عريسا لقطة كما يُقال ولكن جرت الأمور بما لا تشتهى السفن.
-ماذا حدث ؟
-كان هو على علم بكل شئ ومنذ اللحظة الأولى لعملى .. كان يعرف اسمى وحقيقة نسبى لكمال الراوى .. وكنت أجهل معرفته أيضا للشراكة القديمة بين عائلتينا .. وهكذا ترين أننى أنا من وقعت بالفخ ..
تدلى فك ريم السفلى ونظرت حولها ببلاهة تقول:
-سيف .. أكان يخطط هو الآخر للنيل منكِ ؟
-نعم ,ولكنه نجح حيث فشلت أنا ..
-قام باصطيادك قبل أن تنجحى باصطياده.
وتوالت اعترافات مها بكل التفاصيل الهامة التى تلت وصولا الى تهديدها له بالعقد المزيف وانتهاءا بزواجهما.
-لماذا تعترفين لى بهذه الأسرار الخطيرة ,وأنا أنتمى للعائلة المعادية لكِ ؟
-لأننى أخبرتك أنها كذبة .. أخطأت بحقكم وحق نفسى .. وها أنا أدفع الثمن غاليا .. أردت أن أخبرك بهذا حتى ينزاح الهم عن صدرى وخاصة أننى على وشك ملاقاة والدى سيف .. وهما بالتأكيد لن يقبلا بى مرحبين بوجودى بينكم.
تنهدت ريم بحرقة وهى تقترب أكثر من مها المنكمشة على نفسها تنعى وجعها بأسى .. رغما عنها تعاطفت مع تلك الفتاة اليتيمة التى أسقتها الحياة من كأس العذاب والهوان مرارا .. وفارقها الأحباب واحدا تلو الآخر حتى صارت وحيدة بلا سند أو معين .. هى عاشت حياة قاسية مؤلمة ,افتقدت للحنان والحب , تلك المشاعر الفيّاضة التى أغدقها والداها عليها هى - ريم - المدللة الصغيرة - بلا حساب.
وشعرت فجأة بأنها مجرد فتاة تافهة سطحية كانت أكثر مشكلاتها عمقا أنها محرومة من ممارسة العمل ,مقارنة بمها التى كان عليها أن تعمل ليلا نهارا لتوّفر لنفسها قوت يومها وثمن علاج أمها المريضة .. لشد ما تخفى المظاهر البرّاقة خلفها واقعا مريرا مشوّها .
كما أن خلافها مع خطيبها جاسر والذى امتدّ وتشعّب الى حد بعيد .. أحسّت فجأة بضآلته ,اذا ما أخذت بعين الاعتبار وضع مها الصعب كزوجة لرجل اجباريّا .. لا تملك رفاهية الاعتراض على قراراته الخاصة فيما يتعلّق بحياتهما المشتركة على عكس جاسر الذى ترك لها الدفة حتى توّجه حياتهما فيما بعد راضيا قانعا بشروطها القاسية المعقّدة ..
أنها ترفل فى النعيم بينما غيرها يتلظى بالجحيم.
-أنا آسفة على الاطالة .. لم يكن فى نيتى أن أقص عليك الحكاية كاملة .. فقط مجرد تفاصيل هامة .. وآخر طلب .. لو تعتبرينه رجاءا .. هل لى بسؤالك عن شئ ؟
نبرتها المتوسلة الضعيفة .. انكسار نظرات عينيها الخصراوين .. تهدّل كتفيها بذل .. أغرق آخر حصون دفاعات ريم تجاه تلك المرأة المسكينة .. اندفعت اليها تحتضنها بقوة وهى تربت على ظهرها مشجعة بينما تهمس بصوت متهدج:
-اطلبى أى شئ يا مها .. وأعدك أننى سأنفذه طالما لن يضر أحدا.
فهمست الأخيرة بدورها فى أذنها بما جعل بدنها يهتز .. من هول الصدمة.


*****************

SHELL 22-12-20 07:52 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
قال الطبيب بلهجة رسمية باردة :
-لقد تم ايقاف النزيف .. والسيدة والجنين بخير الآن ,ولكن الوضع الصحى للأم غير مطمئن .. حالتها مستقرة وانما تحتاج لعديد من الفحوصات لتلافى المزيد من المتاعب المستقبلية فى الحمل ..
قاطعه سيف بلهفة غير عابئ بنظراته الغير ودية:
-هل أستطيع رؤيتها الآن يا دكتور ؟
قال الطبيب بنزق وهو على عجالة من أمره لينصرف:
-ليس الآن .. عليك الانتظار حتى الغد .
استوقفه سيف مجددا قبل ان يغادر وهو يقول ونظراته الزائغة تعبّر عما يجيش بصدره من قلق وخوف:
-أرجوك يا دكتور .. اريد أن أطمئن عليها فقط.
نظر له بحدة قبل أن يقول على مضض:
-حسنا يا سيدى .. ولكن لا تحاول محادثتها فهى نائمة بتأثير المخدر .. ولدقيقتين لا أكثر.
هزّ سيف رأسه موافقا وهو يقول باستسلام غريب:
-نعم دقيقتان فقط لا غير.
أشار الطبيب الى ممرضة فأتت مهرولة وهى تتلقّى أوامره بخصوص الحالة وقد كانت آخر كلماته تحذيرا قاسيا:
-اصطحبيه الى غرفة الحالة 102 وتأكدى بأنه سيغادر بعد دقيقتين.
ردت الممرضة بآلية :
-حسنا يا دكتور... تفضل .. اتبعنى من هنا يا أستاذ.
نظر سيف بصمت الى أبيه مستنجدا فأشار له بايماء من رأسه قائلا بعطف بالغ:
-اذهب يا بنى معها .. وأنا سأكون بانتظارك .. اذهب ليطمئن قلبك عليها.
مشى سيف الى جوار الممرضة بخطواتها الثابتة يشعر بكيانه كله يهتز مع وقع خطواته المرتجفة .. ربما يشعر بانعدام الثقة والخوف لأول مرة منذ شب عن طوق الطفولة وتركها على أعتاب مراهقته البعيدة .. منذ تلك الليلة المظلمة التى تلصص فيه على حوار والديه وشجارهما الحاد .. ها قد عاد للظلام مرة أخرى .. بسبب امرأة أخرى .. أهو مقدر له الشقاء على يد امرأة .. الأولى أمه ,,, والثانية حبيبته ,,, والثالثة زوجته وأم طفله ؟
توقفت المرأة أمام باب الغرفة التى تستكين زوجته على فراش بداخلها ممددة بلا حراك .. لا دليل على بقائها على قيد الحياة سوى أنفاسها الهادئة التى تترد فى جنبات صدرها بثبات وانتظام .. رفعت الممرضة أصبعين أمام وجهه وهى تعيد تنبيهه:
-فقط دقيقتان كما أمر الطبيب.
وانصرفت الى عملها تاركة ايّاه مسمّرا بجانب الفراش ذى الشراشف الناصعة البياض وزوجته الجميلة مسجاة فوقه كالأميرة النائمة فى قصص الاطفال التى كانت تحكيها له أمه فى صغره قبل النوم حتى يغلبه النعاس .. اقترب منها بخطوات وئيدة حتى انحنى فوقها يتلمس أصابعها المرتخية ويطبع قبلة حانية على باطن كفّها أودعها حبه وعشقه ولهفته عليها .. وهمس بصوت أجش من اثر العاطفة:
-حبيبتى ... لا تتركيننى وحيدا .. أنا بدونك طفل ضائع تخلّت عنه أمه .. نعم يا حبى .. أنتِ الحياة .. أنتِ النفس الذى استنشقه .. أنتِ النور لظلماتى .. نصفى الآخر الذى طالما بحثت عنه بلا جدوى .. أمام عينىّ طوال الوقت ومع ذلك رفضت التصديق .. ادّعيت اللا مبالاة .. بأنكِ أنتِ منقذتى من عذابى ووحدتى.
ارتعشت أهدابها لوهلة .. وظنّ أنه لمح حركة شفتيها .. اللتين يتوق لتقبيلهما بشوق عنيف .. حتى لا يعود هناك مجالا للتوقف ولا للكلمات .. أترى أنها تنتظر قبلة الامير العاشق لتفيق من نومها ؟ يا ليت الأمر كان بهذه البساطة كما فى قصص قبل النوم والتى أدرك بعد نضجه أن الحياة أكثر تعقيدا .. وأكثر قسوة .. حبيبته تحتاج الى أكثر من مجرد قبلة على شفتيها .. قبلة الحياة .. التى تعيدها سالمة اليه.


****************

SHELL 22-12-20 07:53 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
-منى .. كيف حالك يا حبيبتى ؟
كان عادل يهاتف زوجته وهو ما زال فى قاعة الانتظار , أتاه صوتها القلق على الطرف الآخر:
-كيف حال .. حالها ؟ أهى بخير ؟
-لا تخشى شيئا .. لقد سيطر الاطباء على النزيف وهى الآن نائمة بغرفتها.
-عادل .. أرجوك لا تترك سيف وحده , ابقَ الى جواره ..أنه بحاجة ماسة اليك.
-حبيبتى لا تشغلى بالك ,, فرفيق وكريم معنا بالمشفى هنا .. نعم وصلا لتوهما.
وألقى نظرة خاطفة على الرجلين المنشغلين بحوار جانبى عنه.
قالت منى وهى تتحامل على آلامها الخاصة:
-اسمعنى يا عادل .. مهما كان لا تغادر قبل أن تتأكد أنها بخير هى والطفل , لن اسامح نفسى اذا ما أصابهما مكروه.
-وما دخلك أنت فى حالتها ؟ لقد كانا بعيدين عنّا حينما أصابها النزيف .
-ولكننى أشعر بالمسؤولية ... لقد أردت ابعادها عن البيت وعن ابنى .. ماذا كان سيحدث لو لا قدّر الله وهى وحيدة ؟
قال عادل بلهجة حاسمة:
-كلا يا منى .. لستِ مسؤولة بأية صورة عن هذا .. على العموم ليس هذا وقت المحاسبة والنقاش .. هذا قدر الله وليس لنا دخل فيه .. فقط اهتمى بنفسك وبصحتك , لا أريد أن تنتكس حالتك .. حبيبتى , أتسمعيننى ؟
أجابته زوجته بخنوع:
-حسنا , سأفعل , لا تقلق .. واتصل بى اذا ما استجد فى الأمر شئ .. أو اذا استفاقت مها ..
-حسنا , الى اللقاء حبيبتى , علىّ انهاء المكالمة الآن فأنا أرى سيف قادما ..
-انتظر ... أود محادثته .. أخبره .
وضع يده على الهاتف لكيلا تسمعه منى وهو يرجو ولده أن يرد على مكالمة أمه .. بدا سيف جامد الملامح متصلب العضلات فى وقفته الشامخة .. استجاب له ببطء وهو يمسك بالهاتف قائلا:
-آلو .. ماما ..
-سيف حبيبى .. قلبى معك ..
-ماما .. مها .. أنها .. كدت أن افقدها هى والجنين ..
-باذن الله ستتحسن حالتها .. ستصبح بخير .. كل النساء تعانين الصعاب فى حملهن وخاصة الأول .. أنا عندما كنت حاملا بك .. أصابنى أيضا نزيف حاد بالشهر السادس وكدنا أن نفقدك أنا وأبيك لولا رحمة الله وفضله.
هتف سيف ملتاعا:
-حقا ؟ وماذا شعرتما وقتها ؟ أنا أكاد اجن يا أمى .. اقف عاجزا عن مساعدتها , ليس بيدى سوى مراقبتها وهى تتألم ,, أشعر بالضعف .. ماما أننى احتاجك .. لا تتخلّى عن مساندتنا .. لا أريدك أن تغضبى علىّ .. لم أقصد أن أؤذيك .. أتعلمين لم يكن الأمر بيدى ؟
كانت كلماته تقع على قلبها كالخناجر المسمومة فها هو ابنها الوحيد يتعذب من أجل ارضائها .. حائر بين ولائه لعائلته وحبه لزوجته .. عرفت أن الأمر بم يكن بيده ..
هتفت منى:
-أنت تعشقها يا بنى ..
كان تأكيدا لما أحسته ومنذ اللحظة الأولى .. واستطردت بحنان:
-ليس العشق بأيدينا .. ولا الموت ولا الحياة .. أعرف.
-أتسامحيننى على ما فعلت بحقك ؟
ارتجف صوتها ألما وأسى:
-وكيف لى ألا أسامحك وأنت فلذة كبدى ؟ أنا سوف .. سكون لنا حوار آخر حينما تفيق مها وتعودا الى البيت سويا .. ان شاء الله.
لم يصدق سيف أذنيه .. يعودا الى البيت سويا ! أخذا يعنى انها ربما تتراجع عن رفضها لزواجهما .. أهو مؤشر لبداية جديدة ؟ لم يتمالك نفسه من السعادة رغم دقة الموقف .. فالأمل انتعش بداخله ..
-ماما .. أحبك كثيرا ..
-وأنا ايضا أحبك ... كثيرا ..
-اهتمى بنفسك , فصحتك لا تعجبنى هذه الايام .. وسوف يكون لنا حديث آخر بهذا الصدد.
أجفلت منى فهل عرف سيف بمرضها ؟ أم أنه مجرد حدس .. أو هو رابط خفىّ يجمع بين الأم وابنها كالحبل السرى الذى ينقطع يوم الولادة ولكن هذا الرابط أبدىّ الى الممات.
-ماما .. أنتِ بخير ؟
غمغمت بصعوبة:
-نعم حبيبى ..
-علىّ أن أنهى المكالمة ... سوف أهاتفك لاحقا.


*****************

SHELL 22-12-20 07:54 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
-هيا يا عمى فلتذهب أنت لتنل قسطا من الراحة ,يبدو عليك الارهاق ,كما أن آذان الفجر على وشك أن يُرفع.
انطلقت العبارة من بين شفتى رفيق بمزيج من الاشفاق والحزم وهو يتطلع الى ساعته الأنيقة مشيرا الى عمه , فهز عادل رأسه نفيا عدة مرات وهو يجيب بتقرير:
-لا يا رفيق .. سأبقى هنا مع سيف , لن أتركه قبل أن تفيق زوجته ونعود جميعا الى البيت.
ثم استطرد قائلا:
-لمَ لا تعود أنت الى المنزل ؟ فزوجتك لا بد قلقة عليك .. وأنت أيضا يا كريم .. لقد قمتما بأداء الواجب وأزيد ...
فقاطعه كريم محتجا وهو يهتف معترضا:
-لا يا عمى .. لن نفارق سيف نحن أيضا حتى نطمئن على مها .. هو بحاجة الى وجودنا الى جواره فى هذه اللحظة الحرجة .. ونحن لسنا غرباء حتى تصرفنا بهذه الطريقة يا عمّاه .. وبقاؤنا ليس من باب الواجب ولا التعاطف .. نحن عائلة واحدة .. اخوة ..
أمّن رفيق على كلام ابن عمه وقال مؤيدا بينما ابتسامة خفيفة تزيّن شفتيه:
-كريم محق يا عمى , أعتقد أنه يمكنك الاعتماد علينا فى هذا الشأن ,أرجوك يا عمى عادل .. لا ترفض .. يبدو على ملامح وجهك التعب .. ألا تثق بقدراتنا ؟
ولوى فمه بحركة مازحة تعبيرا عن غضب مصطنع مما دفع عادل لأن يضحك بقوة رغما عن همومه وأحزانه ,ثم قال بجدية بعد أن توقف عن الضحك:
-حسنا يا رجال .. البركة والخير فيكم .. سأعود أنا الى البيت لأطمئن على منى ,فهى تحادثنى كل نصف ساعة لتعرف الأخبار الجديدة ,ولن تهدأ ولن يغمض لها جفن الا اذا كنت معها.
أطلق كريم صفيرا طويلا من بين شفتيه وهو يتلاعب بحاجبيه قائلا بهزل:
-انظر يا رفيق .. هذا هو الغرام الذى لا يقُاوم .. اللهم اوعدنا يا رب , أخبرنى يا عمى كم مرّ على زواجكما ؟
وأخذ يمد يديه متضرعا الى السماء فلكزه عادل فى خاصرته بخفة وهو يقول بزهو وفخر:
-يا حبيبى هذه قدرات خاصة .. كما أن الحب كالآثار تزداد قيمته ويصبح أثمن بمرور الزمن .. ويتغيّر ايضا ..
سأل رفيق باهتمام :
-كيف يتغيّر الحب يا عمى ؟
قال عادل بصوت رزين اكتسب الحكمة والمعرفة من سنوات عمره التى تجاوزت الخمسين:
-بمعنى أن الحب فى بدايته كالطفل .. يبدأ صغيرا فضوليا .. تؤجج نيرانه الغيرة وحمية الشباب ,ثم يتحوّل الى الهدوء .. والثبات والاستقرار بمنتصفه ,الى أن يمتد شامخا عاليا كشجرة ضخمة ذات جذور عميقة .. كالجبل لا يهزّه ريح .. ولكن تظل أفرعها المتشعبة ليّنة تتلاعب بها النسمات من حين لآخر ..
نظر كلا من رفيق وكريم بانبهار فاغرين أفواههما حتى بعد أن فرغ العم عادل من حديثه .. أنه يتحدث عن الحب الحقيقى الصادق الذى ينمو بمرور الوقت ويؤكّد وجوده وأهميته .
نجح كريم أخيرا فى أن يهتف مشدوها :
-أيعنى هذا انك ما زلت تشعر بالحب نحو تنت منى كما كنت فى أول تعارفكما ؟
هز عادل رأسه نفيا وهو يجيب بمودة:
-كلا , لقد توطد حبى لها أكثر وازدادت غلاوتها فى قلبى .. اذا سألتنى أأحبتها فى الماضى ؟ سأقول نعم وولكن ان سألتنى اليوم هل أقوى على فراقها ؟ سأجيبك بكلمة واحدة : مستحيل .. أتعرف لماذا ؟ لأنها حياتى ,وهل يستغنى أحد عن النفس الذى يتنشقه يوميا ؟
انتبه الرجال الثلاثة الى وجود سيف فى هذه اللحظة فقط .. وعلى ما يبدو من معالم وجهه المذهولة أنه قد استمع الى حديث أبيه الأخير كله ,فقد ظل واقفا يحدّق فى وجه عادل وكأنه يحاول استكشاف ما وراء قناعه الجامد الذى كان دوما يرتديه فى معاملته لزوجته حتى كان يخيّل اليه أمه يكرهها الى أبعد حد ولا يطيق رؤيتها .. وقد ظهرت دلائل العشق واضحة على محياه وهو يتحدث عن حب عمره وشريكة حياته بهذه القوة .. معلنا عن حب أقوى من الزلازل .. ابعد من حدود السماء .. أنقى من قطرات الندى .. أوسع من محيط البحار .. حب خالد.
-بابا ؟
وارتمى فى أحضان والده يستمد منه الشجاعة والمؤازرة فى محنته , الأمر ليس سهلا .. فشدّد عادل من احتضانه لولده بذراعيه القويتين اللتين لم تفقدا بعد عزم الشباب ..
-تجلّد يا بنى , وتحلّى بالصبر .. هذا اختبار من الله .. كما أنه عليك الرضا بالقدر مهما كانت النتائج .. أفهمت ؟
ثم أبعده عنه برفق قائلا بصوت جاهد أن يخرج ثابتا على الرغم تأثره البالغ:
-علىّ أن أكون الى جوار أمك الآن .. تعلم أنه ليس هيّنا علىّ أن أتركك فى هذا الوقت العصيب ,,ولكن منى تحتاجنى أكثر منك.
ضافت عينا سيف لا اراديا وهو يتراجع قليلا حتى يفسح مجالا لوالده متسائلا بفضول:
-بابا .. أتخفى عنّى شيئا ؟ وجهك يقول أن الأمر أخطر مما تحاول تصويره لى ؟
أخفض عادل بصره غير قادرا على مواجهة نظرات ابنه المتوسلة التى تخترق شغاف قلبه كسهام حادة ,ثم أطلق زفيرا حارا وهو يقول بتأنٍ:
-كنت أنوى اخبارك بالوقت المناسب .. لم يعد بامكانى اخفاء الأمر عنك .. أمك مريضة جدا يا سيف ,مرضها خطير للغاية ...
قاطعه سيف بلهفة وهو يمسك بمرفقى والده مناشدا:
-خطير ؟ ما هو هذا المرض بالضبط ؟ تكلّم يا أبى.
-منى ... تعانى من ورم بصدرها.
-سرطان ؟؟
هتف سيف مصعوقا قبل أن ينهار مستندا على الجدار خلفه حتى افترش الأرض متربعا وهو يدفن وجهه بين يديه يتمتم لنفسه بلوم وعتاب:
-أنا .. لقد تسببت لها بآلام جسيمة تفوق احتمالها .. لم أكن أدرك معاناتها الخاصة ,يا أمى .. سامحينى .. ضغطت على جرحك النازف مرارا دون أن أعلم .. لم أرحم ضعفك .. وبدلا من أن أطيّب جراحك كالبلسم الشافى .. كنت كالسم الزعاف الذى يلسعه ويجعله مميتا ..
اندفع عادل منحنيا نحو ابنه يسحبه من كتفيه لينهض واقفا على قدميه غير عابئ لمحاولاته الرافضة للتملص منه ,ثم ضربه فى صدره بقوة هاتف بحنق:
-اصمت .. لا مجال لهذا الهراء الذى تتفوّه به الآن .. اصمد .. الرجال لا ينوحون ولا يبكون عند المصائب ..
كان وجه سيف غارقا بدموع ندمه وحزنه على مصاب أمه , فأخرج عادل منديلا من جيبه وناوله لابنه آمرا:
-جفّف دموعك يا بنى .. واشدد عودك .. سنمر من هذه المحنة باذن الله .. لقد تمت معالجة والدتك أثناء سفرنا بالخارج ,وهى الآن أفضل حالا ,لكنها تحتاج لعدة اجراءات تكميلية حتى يتم الله شفاؤها على خير .. وآخر ما تود رؤيته هو ابنها القوى منهارا من أجلها .. علينا أن نساندها بدون أن تخور قوانا .. فهى بحاجة اليك بكامل قوتك وعافيتك , كما أن زوجتك هى الأخرى بحاجة اليك .. لا تترك نفسم فريسة للضعف ابدا .. خذها نصيحة من والدك الذى أدمن الوجع والتلذذ بجلد الذات على مدار السنوات الماضية .. استسلمت للأحزان ولم أقاوم .. وكانت النتيجة التى نعرفها أنا وأنت جيدا .. كدت تضيع منى الى الأبد .. وأنت ابنى الوحيد .. لا تكرر مأساتى.
مسح سيف على وجهه عدة مرات قبل أن ينجح فى الوقوف بثبات وهو يقول بصدق:
-سأفعل يا أبى .. من الآن فصاعدا سترى شخصا جديدا .. وأعدك أن أكون عند حسن ظنكما بى أنت وأمى.
ربت عادل على كتفه بحنان وقال بصوت واضح بينما يساعد للمغادرة نهائيا:
-هذا ما كنت أود سماعه منك .. سنتخطى هذه المرحلة الصعبة .. ونحن معا .. كتفا بكتف .. كعائلة واحدة .
-ان شاء الله .. سأرافقك الى الخارج .
واستأذن الاثنان من الرجلين الآخرين قبل أن ينصرفا سويا .
رفع كريم حاجبا الى أعلى وهو يضم شفتيه قائلا بغبطة:
-يا له من مشهد مؤثر !
نظر له رفيق بتمعن بينما يتأبط ذراعه بمرح وهو يقول محاولا سبر أغواره العميقة:
-أأسمع نبرة حسد هنا ؟ تعالَ لنذهب الى كافتيريا المشفى , ونحتسى فنجانين من القهوة .. يكاد رأسى ينفجر من شدة الصداع.
قال كريم بنعومة:
-كلا يا ابن عمى , أنا لا أغار من أيا منكما .. فأنتما تمتلكان أبا واحدا أما أنا فلدىّ اثنان .. بالعكس أنا أشعر بالسعادة لأجله .. أخيرا ستحقق له ما تمنّاه .. وسيلتم شمل الأسرة.
طلبا اثنين من القهوة المضبوطة .. وأخذا يرشفان السائل البنى قوى الرائحة ببطء واستمتاع على الرغم من رداءة البن المستخدم ,, هتف كريم بامتعاض واضح:
-أين قهوتك يا عبير ؟ هذه لا تقارن بها على الاطلاق.
عقد رفيق حاجبيه مقطبا قبل أن ينفجر ضاحكا وهو يتساءل:
-عبير !! هل غيّرت فتاتك اسمها ؟
أجاب كريم بغموض:
-كلا .. أنها واحدة أخرى.
-حقا ؟!!! ومن هى ؟
-صانعة القهوة الممتازة .. لا بد أن تتذوقها من صنع يديها ,وبعدها لن تستطيع احتساء هذا الكوب.
-على العموم أنا أتفق معك أن هذا السائل بشع المذاق ,ولولا اننى أحتاج الى جرعة الكافيين تلك حتى أحتفظ بصفاء ذهنى وقدرتى على المواصلة لقذفته فى وجه عامل الكافتيريا, ولكن ما حكاية تلك صانعة القهوة .. ما اسمها ..
-عبير.
انضم اليهما سيف وبيده هو الآخر كوبا ورقيا تنبعث منه رائحة النعناع العطرية ,جلس بأريحية تتناقض مع مشاعره السابقة وقال بتعجب:
-من عبير هذه ؟ هل فاتنى شئ هام يا رجال ؟
اشرأب كريم بعنقه متأملا الكوب بيد ابن عمه وسأل بضيق:
-ماذا تشرب ؟ شاى ! منكّه بالنعناع ! كيف فعلت هذا ؟
-لا شئ فقط طلبت شايا ,واذا كنت ستموت فضولا على كيفية وصول النعناع الى كوبى ...
وأخذ سيف يعدّل من هندامه ويسوّى خصلات شعره الناعمة التى تهدلت على جبينه قائلا بغرور:
-فقد استعملت سحرى الخاص .. بمجرد أن أشرت الى الفتاة العاملة الى أننى لا استطيع تحمل مذاقه بدون النعناع سارعت لاحضار بعضا من الأعواد الطازجة ..
-لو كنت أعلم لطلبت أنا أيضا.
ألقى كريم عبارته بمزيج من السخط والتبرم واستطرد وهو يرمى ابن عمه بنظرات حقودة:
-فهذه القهوة لا تطاق .. مجرد رائحة بلا مذاق.
اقترب سيف بوجهه من كريم وهو يرفع أصبعا محذرا فى وجهه قبل أن يغمزه بخبث قائلا:
-لا تحلم بأن تهرب من الاجابة .. من عبير هذه , أهى تخصك ؟ أم ..
وترك جملته معلّقة وهو ينظر الى رفيق بطرف عينه بمغزى مفهوم ,مما دفع الأخير لأن يرفع يديه باستسلام وهو يهتف:
-لا , لا تنظر الىّ ... أنا رجل متزوج الآن .. ومخلص جدا لزوجتى .. اسأل هذا الفتى اللعوب عن فتاة القهوة .
-فتاة القهوة ؟
-يا الله منكم ! لا تلبثوا أن تصنعوا من مزحة بريئة قصة وحكاية ,, لا شئ من هذا الذى يدور بخيالكم القذر .. أنها مساعدة صديقى كما سبق واخبرتك يا رفيق .. وبارعة فى صنع القهوة التركية.
اعترف كريم صاغرا وقد احمرّت أذناه وهو يحاول التبرأ من تهمة التلاعب والعبث الذى رماه بها رفيق ,الذى قهقه عاليا وهو يحك ذقنه مفكّرا ثم شخر ساخرا:
-أهذا فقط كل ما يمكنك أن تقوله عنها ؟ لا شئ آخر تخفيه يا خبيث , لك الحق فى اللهو قليلا قبل ان تدخل الى القفص الذهبى مثلنا.
وأشار بسبابته اليمنى الى نفسه ثم سيف تباعا الذى صرخ عاليا وهو يضرب كريم على كتفه:
-يا لك من محظوظ ! فأنت الوحيد بيننا الذى ما زال محافظا على حريته حتى الآن ,ولكن الى متى ؟ ستقع قريبا ..وتنضم الى شلتنا.
واندفع الثلاثة يتمازحون ويلقون النكات حول هذا الموضوع متناسيين دقة الموقف .. أو بالأحرى يحاولون التشاغل عنه , فالأمر ليس بيدهم .. تاركين القدر يأخذ تدابيره.


********************

SHELL 22-12-20 08:00 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
انتهى الفصل الثانى عشر

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...3899288829.gif

SHELL 23-12-20 11:18 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
باقى 3 فصول فقط

SHELL 30-12-20 11:24 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
الفصل الثالث عشر

https://up.ibtesama.com/upfiles/drw56898.gif

كانت تستند الى ذراع زوجها القوية والذى كان يحيط خصرها بذراعه الأخرى بتملك واهتمام .. خطت مها بقدميها الواهنتين الى داخل أرض الفيلا والتى كان بابها مفتوح على مصراعيه ,ترحيبا بعودتها وربما فى اشارة الى هدنة واستسلام بالأمر الواقع الذى فُرض على أهل هذا البيت.
-حمدا لله على سلامتك يا حبيبتى ,خذى وقتك لا تتعجلى فى خطواتك , فأنتِ ما زلت متعبة.
كلمات زوجها المبطنّة بعشق وحنان سكبت بروحها المرهقة شعورا بالراحة والسكينة ,طالما افتقدته فى الشهور القليلة الماضية التى قضتها فى فيلا هذه العائلة التى كانت تكن لها كراهية وحقد بلا حدود فيما مضى.
استقبلهما الجميع بلهفة وانطلقت عبارات الحمد والثناء لتنهال عليهما حتى أن ريم قد اندست الى جانبها من الجهة الأخرى واحتضنتها للحظات وهى تهمس برقة فى أذنها:
-حمدا لله على سلامتك يا مها ,, لقد أرعبتنا حقا .. يجب عليكِ أن تعتنى بنفسك وبطفلك , منذ الآن لا حاجة بكِ الى ارهاق جسدك أو عقلك بالحركة الزائدة أو التفكير .. لن نسمح لكِ بهذا .. أحذرك.
وأضافت كلمتها الأخيرة مازحة تتصنّع الحزم الا أنها ما لبثت أن انفجرت فى الضحك حينما ابتسمت مها أولا وهى تنظر لها بامتنان شاكر على تعاطفها ومساندتها لها.
عقد سيف حاجبيه ونظر الى الفتاتين بتساؤل ملح قبل أن يتلفظ بما يشغل باله:
-ما هذا الحوار الهامس ؟ ماذا كنتِ تقولين لزوجتى يا ريم ؟
تبادلت الاثنتان نظرات ذات دلالة واضحة قبل أن تقول ريم بمكر:
-وما شأنك أنت ؟ أنها أسرار تخصنا وحدنا .. لا تتدخل فيما بيننا لو سمحت.
-هكذا .. أسرار .. مرة واحدة ,حسنا فلتهنآ ببعضكما وأسراركما الخاصة ,ولكن هذا ليس الوقت المناسب لتبادل الأحاديث , فمها بحاجة الى الراحة التامة .
وكانوا قد وقفوا بالقرب من أولى درجات السلم الرخامى ,وقبل أن تعى مها ما سوف يحدث ,انحنى سيف نحوها وطوى ذراعيه أسفل ساقيها وظهرها ليحملها بخفة ساعدا بها الدرج كأنها ريشة لا وزن لها دون أن يمنحها أية فرصة للاعتراض .. غير آبه للنظرات المراقبة بفضول واستغراب .. حتى أن ريم ظلّت واقفة بمكانها تتابعهما الى أن اختفيا عن الأنظار .. ربما شعرت ببعض الضيق الممزوج بحسد أو احساس آخر غامض لم تتبيّن كنهه .. لماذا لا تحظى هى الأخرى بمثل هذا الحب الصادق الخالى من أية شبهات.
فى النهاية تحركت بدورها الى حيث انصرف الجميع الى غرفة الجلوس لاحتساء شاى الظهيرة .. ولكنها لم تشاركهم أحاديثهم .. كانت شاردة البال , ترتشف من فنجانها ببطء دونما تلذذ أو متعة حقيقية ,قلبها وعقلها مشغولان بشئ أكثر أهمية .. واتخذت قرارا متهورا ,بعد أن تخلّت عن مشروبها الدافئ ,نهضت واقفة لتعتذر من الموجودين فجأة ,أشارت لها أمها بايجاب وان كانت ملامح وجهها معلنة عن دهشة حقيقية من تصرف ابنتها ,فيما ترك رفيق فنجانه من يده وقام مسرعا ليلحق بها قبل أن تغيب عن ناظريه.
هتف كريم متسائلا بحدة:
-ماذا بهما ؟
وأشار بسبابته حيث اختفى طيفهما تباعا ,فقلبت أميرة شفتيها دلالة عدم المعرفة وهى ترفع كتفيها دون أن تنبس ببنت شفة ,فهى الأخرى كانت قلقة على ريم وتصرفاتها الغريبة هذه الأيام خير دليل على ما تعانيه من توتر وقلق لا يبشر بأى خير .. هى تعرف جيدا ما الذى يؤرق بال ابنة خالها , بل ويقع على عاتقها جزءا من المسؤولية فيما آلت اليه الأمور بينها وبين خطيبها الى وضع سيئ للغاية .. ولكنها اقتنعت بمحاولة رفيق لرأب هذا الصدع بعد أن أظهر تفهما وتقبّلا للوضع وعلى ما يبدو أنه قد عاد الى تعقله فأدرك أنه لا ذنب لها فى بؤس شقيقته ,بينما كان يقف هو عاجزا عن اتخاذ القرار المناسب ليزيح الهم عن ثلاثتهم .. وانما بدأ هو بالخطوة الأولى .. يوم قام بدعوة جاسر للانضمام اليهم فى النادى ,وقد كانت الدهشة من نصيب هذا الأخير الذى لم يصدّق أن رفيق هو من يهاتفه عارضا هذا الأمر .. وربما ظن فى البداية انها مجرد خدعة أو مقدمة للايقاع به فى فخ لا فكاك منه , ولكنه فى النهاية وافق مرحبّا, فلم يكن يملك رفض هذه الفرضة الذهبية لرؤية محبوبته ومرافقتها.




***************

SHELL 30-12-20 11:30 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
صوت طرقات متتالية على الباب انتشله من حالة التيه والارتباك الذى كان غارقا فيهما .. نهض من فراشه حيث كان مستلقيا ودس قدميه فى خفيّه المنزلى واتجه الى الباب ليفتحه .. ترى من الطارق ؟ لا بد أنها أمه ,لا تلبث تلك المرأة أن تشعره بالذنب ,فهى تحاول جهدها أن تنسيه الماضى بكل ما يحويه من أحزان وبؤس ,تعطيه كامل اهتمامها ,تحيطه برعايتها ,لعله ينسى ذلك الرجل .. الأب الذى تخلّى عنه بارادته ,, وهو .. ماذا فعل بالمقابل ؟ لا يمكن أن ينسى ما سبّبه لها من متاعب وهو بعد فى سن المراهقة حتى شبّ رجلا .. لم يتغيّر سلوكه تجاهها الا قريبا .. ربما بعد لقائه بريم ومعرفته بها .. بنقائها وبرائتها وطيبة قلبها .. أخرجته من أحزانه ودفعت به الى الطريق القويم.
-ريم !! ماذا تفعلين هنا ؟
هتف غير مصدقا وهو يتراجع قليلا الى الوراء حتى يتمكن من النظر لها بصورة أوضح .. نعم كانت هى .. ريم .. حبيبته .. مصدر سعادته وسر ألمه ,واقفة أمام عينيه ,, جميلة ,, رقيقة ,, هشة ,, والأهم أنها تطأطئ برأسها أرضا تتمتم بخجل:
-يا له من استقبال حافل ! يبدو أننى قد تسرعت بالمجئ .. عن اذنك.
وكادت أن تستدير عائدة أدراجها من حيث أتت الا أن يدا رجولية قوية قد قبضت على معصمها الرقيق وشلّت حركتها تماما بينما انبعث صوته أجشا مدمدما:
-ايّاك ومحاولة الهرب منى , ياه يا حبيبتى .. لقد انتظرت هذه اللحظة طويلا .. طويلا جدا .. وتودين الآن بكل بساطة أن تحرميننى متعتها.
وسحبها برفق لتقترب منه وهى ما زالت تخفض بصرها حياءا وخوفا من ملاقاة نظرات عينيه العميقة والتى تشعر بهما تخترقان روحها الى الداخل ,لا تريده أن يكشف حقيقة مشاعرها .. مترددة .. هل ندمت على قرارها المتهور ؟ كان يتعيّن عليها أن تفكر مرة واثنتين قبل أن تقدم على لقائه دونما تخطيط ..
-حسنا , والآن ألن تخبريننى بسر هذه الزيارة التى شرفتنى بها ؟
حاولت أن تجذب ذراعها من قبضته المحكمة حولها ,فقد بدأت تشعر بأنها محاصرة بين يديه وجعلها هذا الاحساس تختنق بكلامها ,فلم تستطع اجابته.
شدّد من قبضته عليها ولكن دون أن يؤلمها .. فقط شعرت بقلبها يرفرف عاليا من جراء لمساته التى أشعلت نيران الجوى ,, فتنهدت لا اراديا وهى تنظر لما حولها بارتياب وغمغمت بتوتر تتوسلّه:
-اتركنى يا جاسر ,, اتركنى وسوف أنتظرك بالأسفل ريثما تنتهى من تبديل ثيابك ,,أعدك بأننى لن أهرب.
غاصت نظرات عينيها الناعستين فى بحار عينيه الزرقاوين .. كانتا هائجتين بشتى المشاعر .. ولم يجرؤ أيا منهما على كسر سحر تلك اللحظة .. بينهما معركة دائرة .. بين ارادتين .. وقلبين .. متحابين .. وماضٍ مظلم يغلّف حاضرهما ويهدد مستقبلهما .. وهى وحدها من تملك حق القرار ,لتنهى تلك الحرب الباردة ما بين كر وفر .. وهدنة تم خرقها ,أنها تغش بقواعد اللعبة ,تأتى اليه دون مقدمات تكتسح كيانه بهجومها المباغت ثم تتصنّع الضعف لتتراجع مبتعدة ,ولكنه لن يسمح لها ,صبر على عنادها ودلالها كثيرا حتى يكاد يشعر بأنها هزمت رجولته ,, وكل هذا مرده الى حبه الجارف واحساسه بالذنب تجاهها ,منذ الآن ستتغيّر معالم خارطة طريقهما سويّا ,سوف يتولّى هو القيادة مديرا الدفة نحو الهدف.
أخبرها بحدة وهو يقول من بين أسنانه بينما عينيه ترسلان شررا متطايرا تحذرها من مغبة وعواقب تصرفاتها اذا لم تنصاع لارادته:
-سأوافقك هذه المرة فقط ,ولكن عليكِ أن تلتزمى بوعدك لى دون أى قيد أو شرط.
أومأت برأسها ايجابا وشبح ابتسامة رقيقة تتلاعب على شفتيها الورديتين وقالت مستسلمة:
-هيا أسرع ,فلا نملك مزيدا من الوقت لتضييعه , ألا يكفى ما أهدرناه حتى الآن من عمرينا ؟
فغر فاه بدهشة بالغة وقد أفلتها منذ ثوانٍ قليلة .. أخذ يتأملها محاولا استكشاف ما تقصده .. وأخيرا صاح بحذر:
-هل معنى هذا الحديث أنكِ قد قررتِ أخيرا ؟
ارتعشت أهدابها مرفرفة ,ووضعت يديها بخصرها بدلال وهى تقول بغنج:
-نعم ..
ثم نظرت الى ساعتها بمغزى وهى تشير له بسبابتها النحيفة:
-أمامك فقط خمسة دقائق لتستعد يا سيد جاسر ,, وان استغرقت ثانية واحدة أزيد فسوف تقضى بقية عمرك وحيدا .. وتأكد بأننى لا أمزح.
وفرّت من أمامه مهرولة الى الطابق الأرضى قبل أن ينجح فى القبض عليها ,فما كان منه الا أن أسرع بدوره الى غرفته لتبديل ثيابه المنزلية بأخرى لائقة للخروج وهو يتعجّل اللحاق بمحبوبته التى تثير جنونه ببرائتها وعفويتها وتستفزه فى كثير من الأحيان بلا مبالاتها وعجرفتها المصطنعة.



*****************

SHELL 30-12-20 11:33 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
لا تعرف هديل كيف منحته موافقتها على مرافقته بهذا المشوار .. المصيرى كما أطلق عليه كريم وهو يلح عليها بدون كلل ليصطحبها معه ولم تنجح فى استدراجه حتى يمنحها أية معلومة بخصوص طبيعة هذا المشوار ,وان كانت نبرة صوته وهو يعرض عليها الأمر تشى بأهميته القصوى لديه ,كادت أن ترفض وباصرار .. متعللة بأنه لا يوجد ما يربطهما .. فعلى الرغم من اعترافه البسيط لها بحبه سابقا , الا أنها لم تعد تكتفى بمثل هذا الاعتراف السطحى .. أنها تتوق الى رابطة أكثر استقرارا وعمقا تجمعهما ببعضهما.
أنها مضطرة الى الانتظار .. حتى يفاتحها هو بأمر ارتباطهما .. بالزواج .. مع أنها قد استنبطت من اصراره اليوم على وجودها أنه بات لا يستغنى عنها فى حياته ,وقد ألمح لها أنه بحاجة الى استشارتها لاتخاذ قرار من شأنه أن يقلب حياته رأسا على عقب .. وأضاف بخبث : أنه قرار لا يخصه وحده.
أكان يحاول جرّها لسؤاله عمّا يعنيه ,, باثارة فضولها .. فضول المرأة الذى لا غبار عليه ,, أنه كفيل لاعلانها الموافقة باستسلام , ولو من باب المعرفة فقط .. الا أنه موقن من قوة مشاعرها نحوه والا فلماذا تغار عليه كلما ذكر اسم عبير - مساعدة أحمد - صديقه ؟
والحق يُقال أنه صار يتعمّد تكرار هذه العبارات كثيرا على مسامعها بطريقة تبدو تلقائية .. مثل التقيت عبير وأخبرتنى ب .. وهى اتصلت أكثر من مرة ل... وهكذا ,شعور غريب بالنشوة والسعادة يجتاحه كلما رأى نظراتها المستنكرة أو نبرتها المتبرمة من تلك المدعوة عبير ,ودون أن يشفِ غليلها باعلامها سر اهتمامه بعبير .. ولكنه ملّ هذه اللعبة .. كانت مجرد خطوة ضرورية لمعرفة كنه احساسها نحوه ,, وهل ما زالت تحبه ؟ أم لا ؟
لم يتبادلا سوى التحية الصباحية بشكل رسمىّ مهذب حينما مرّ عليها بمنزلها ليصطحبها كما اتفقا .. والعجيب أنها وطوال الطريق لم تلقِ عليه سؤالا واحدا عن وجهتهما بل اكتفت بمراقبة الطريق الى جانبها تاركة له مساحة لمراقبتها خلسة بين الفينة والأخرى دون أن تشعر.
محاولة حثيثة منه للفت انتباهها , فشاكسها بقوله ممازحا:
-ألا تودين معرفة الى أين سنذهب ؟
نظرت له متعجبة ولكنها ألجمت لسانها على السكوت فاستطرد ممازحا:
-ألا تخشين أن تكون نيتى غير سليمة تجاهك ؟ ربما أردت اختطافك مثلا لأعاقبك على تجاهلك لى ؟
ثم اشار لما حوله بمغزى خاص فقد كانت المنطقة التى يتجهان نحوها شبه منعزلة عمّا حولها ,وبدا لها أنه طريق خاص عندما دار بالسيارة ليسلك منحنى على جهة اليمين ,ثم بدأ يهدئ من سرعته .. تدريجيا ,حتى توقف أمام بوابة حديدية مطلية باللون الأبيض.
أمعنت هديل النظر اليه وهى تتحدث بجدية قائلة:
-كريم .. أنا أثق بك ثقة عمياء .. وليس معنى اختلافنا بوجهات النظر أننى أراك شخصا طائشا ومتهورا , على العكس لقد عملنا سويا لسنوات .. وقد رأيت مبلغ جديتك وحكمتك اضافة الى أنك تتمتع بمزية خاصة جدا ..
ثم صمتت متعمدة فاستحثها بقوله:
-ما هى تلك المزية ؟
كان واضحا أنه مهتم للغاية بما ستتفوّه به من اجابة على سؤاله ,فتراجعت للوراء بثقة وهى تقول بلهجة جاهدت لتجعلها عادية:
-أنت تتمتع بالنزاهة والعدل .. حتى مع أعدائك .
أطلق كريم صفيرا عاليا وهو يقول متسليا:
-أعدائى ! هل وصل الأمر الى هذا الحد ؟ ومن هم هؤلاء الأعداء بنظرك يا هديل ؟
ارتبكت قليلا فحاولت أن تخفى توترها بمحاولة لتصنّع الغضب قالت بحدة:
-أنت تحاول أن تتسلّى على حسابى , أليس كذلك يا سيد كريم ؟
وأضافت عبارتها الأخيرة تتعمّد اغاظته بهذا اللقب الذى يكرهه ,فرمقها بنظرة غاضبة رادعة ثم تنفس بقوة ليسمح لأعصابه بالاسترخاء قبل أن يقول بتمهل :
-حسنا يا آنستى العزيزة .. والآن لننهِ هذا الفصل الاخير من تلك المسرحية الهزلية السخيفة .. تعالى معى .
نزل من سيارته ثم أشار لها بأن تحذو حذوه .. واتجه نحو البوابة يدفعها ببساطة وكانه يمتلك الحق لفعل ذلك , كادت أن تعترض على تصرفه .. كيف يدخلان لمكان خاص كهذا دونما استئذان ,نهرت نفسها بحدة : لا يعقل ان يتصرف كريم بدون حساب فهو متعقل ومتوازن بأفعاله وخطواته .. لا مفر من اتباعه فقد قطعا شوطا لا بأس به ولن تتراجه بآخر لحظة خوفا أو رهبة من شئ مجهول.
التفت اليها كريم ليتأكد من متابعتها له وهو تحث الخطى لتلحق بخطواته الواسعة .. كان الممر غير ممهد وملئ بالحصى .. لهذا فقد ترك سيارته بالخارج .. سألته بفضول:
-لمن هذا المكان ؟
نظر لها بمودة وهو يجيبها بغموض:
-انتظرى قليلا لتعرفى , فات الكثير ولم يتبقّ سوى القليل .
فوجئت بعد عدة أمتار ببناء ضخم يمتد على مسافة عدة مئات من الكيلومترات .. كان عبارة عن فيلا واسعة تحتل جزءا كبيرا من الأرض المسيّجة مكونة من طابقين وتحيط بها مساحة لا بأس بها .. زرع بها بضعة أشجار ما زالت فى بداية طريقها للنمو .. يبدو أنها الحديقة ..
ما أن خطت الى الداخل حتى فوجئت بالعمل يجرى على قدم وساق ,, الكثير من العمّال والصنايعية .. كل مشغول بما بين يديه ,فلم يلتفتوا لهما حينما وصلا .. رأت رجلا طويلا ضخم الجثة ذى شعر أسود .. كان يسرع لملاقاة كريم وهو يحتضنه بقوة هاتفا:
-كريم .. ابن الذوات .. ما هذه المفاجأة يا رجل ! أين أنت ؟
ربت كريم على كتفى الرجل وهو يقول :
-هأنذا قد جئت .. ومعى ضيفة .. هديل .. أقدّم لكِ أحمد المنشاوى صديقى.
والتفت نحو هديل التى كادت أن تتوارى خجلا من نظرات الرجل المحدّقة بها , ثم لم تلبث أن رفعت بصرها اليه تتأمل ملامح وجهه الوسيمة والتى اختفت تحت لحية كثيفة ,ثم مدّ يده اليها يحييها بحرارة قائلا:
-أهلا وسهلا .. تشرفنا بمقابلتك يا آنسة هديل .. ارجو أن تكون الفيلا حازت على اعجابك .. صحيح أنه ما زال هناك الكثير لانجازه ,الا أننى لا أريدك أن تشغلى بالك فلن نحتاج وقتا طويلا لانهاء كافة التشطيبات.
أخذت هديل تنقل نظراتها الحائرة بين الرجلين الواقفين أمامها وبالنهاية استقرت على وجه كريم الجامد تبعث له برسالة تستنجد به .. ولكنه قبض على ذراع صديقه وجرّه لينتحى به جانبا بعيدا .. كان يحادثه بلهجة معاتبة ,, لم تصل الى أذنيها أية كلمات واضحة الا أن نظرة واحدة لوجه كريم المحتقن بالدماء كانت كفيلة بالكشف عن غضبه المستعر.
وقفت تتأمل ما حولها بانبهار وهى ما زالت غير قادرة على استنباط السر الذى يحاول كريم اخفائه عنها جاهدا , ثم لماذا يخبرها ذلك الصديق بتفاصيل عن هذه الفيلا ؟ فجأة ضربتها الحقيقة .. كيف كانت بهذا الغباء والسذاجة ؟ لا بد أن هذه الفيلا ملك لكريم ولهذا فهو له كامل الحق بالدخول والخروج منها ... حسنا هذه هى اجابة الجزء الأول من السؤال , يبقى الجزء الأخير والأهم : لماذا يصطحبها معه ؟ قال أنه يريد استشارتها بأمر ما , هل يود معرفة رأيها فيها ؟ ولماذا يهتم الى هذا الحد ؟
قطع عليها استرسال أفكارها الخاصة صوته الفولاذى الثابت وهو يرن بأذنيها:
-هديل .. تعالى .. ألا تريدين مشاهدة الفيلا من الداخل ؟
وانتزعها من مكانها بدون انتظار موافقتها .. فأخذت تهرول خلفه محاولة الحفاظ على مسافة مناسبة تفصل بينهما وأصابعه قابضة على يدها .. ندمت على انتعالها حذاء ذى كعب متوسط .. فلم يكن من السهل السير على الأرض المليئة بمواد البناء وبقايا الرمل متناثرة هنا وهناك ,حتى أنها كادت تصطدم بلوح خشبىّ لولا أن انتبه كريم فنحّاها جانبا وهو ما زال ممسكا بها ,شكرته بتمتمة خافتة شكّت أنها وصلت الى مسامعه ,الا أنه بادلها الابتسام بمنتهى المودة حينما وصلا الى الداخل وشهقت بسعادة حينما رأت الدرج الخشبى الدائرى الذى يصل الى الطابق العلوى .. دفعها أمامه بلطف زائد وهو يقول بتهذيب:
-السيدات أولا ..
لم تجد بدا من ارتقاء السلم وان كانت خطواتها حذرة متمهلة على الدرجات الخشبية .. التى اتخذت منحنى دائريا أفعوانيا ..
أخذها من يديها ودار بها فى أرجاء الطابق .. غرفة تلو الغرفة .. وهى ساكنة تتابعه بصمت بينما تنطق عيناها بالاعجاب والانبهار ..
-والآن ما رأيك ؟
أجابت بصورة عادية وهى ما زالت تجهل الداعى لهذا السؤال:
-جميلة .. بل رائعة .. أعتقد أنها تخصك , أليس كذلك ؟ مبارك عليك ..
اقترب منها ببطء ثم دار حولها نصف دورة حتى بات خلفها تماما ثم انحنى نحو أذنها هامسا:
-بل قولى مبارك عليكِ أنتِ .. علينا ..
ارتعشت شفتاها وهى تناضل حتى لا تظهر انفعالها المتزايد:
-ما .. ماذا تقصد ؟ ما دخلى أنا بذلك ؟
أجابها ببساطة:
-لأنها ملك لكِ ..
-كيف ؟ أنا لم .. لم أشتريها ولم أرها سوى الآن ؟
-هناك من ابتاعها لكِ يا عزيزتى.
دارت حول نفسها بحركة مفاجئة لتواجهه بعنف متحدية:
-أنت ؟ طبعا ومن سواك ؟ ولكن كيف تظن أننى سوف أقبل منك شيئا كهذا ؟ لا .. شكرا جدا ..
-تمهلّى , سوف نعيش بها سويا .. ولكن .. هى ملكك ..
لم تتمالك نفسها الا وهى تصفعه بكل قوتها على وجهه وهى تصيح بوجهه صارخة:
-كيف تجرؤ ؟ أيها الحقير القذر .. كيف تطلب منى ذلك ؟ .. وأنا التى كانت تظن أنك .. أنت شخص دنئ لا تحتمل.
نظر لها كريم بقسوة وهو يضع يده على خدّه الذى احمرّ من اثر ضربتها وهو ما زال مذهولا غير قادر على التصديق بأن هديل .. حبيبته الرقيقة المهذبة .. تصفعه ..بل وتتفوّه بهذه الشتائم البذيئة.
انهمرت العبرات من عينيها وهى تواصل صراخها:
-أجرؤت أن تطلب منى العيش معك ؟ هل تظننى فتاة رخيصة الى هذا الحد ؟ أو اعتقدت أنك يمكن أن تشترينى بثمن فيلا .. حتى ولو كانت بهذه الفخامة .. ولو وضعت كنوز العالم تحت قدمىّ فلن أقبل بتاتا ..
فجأة انقشعت الغيوم المتلبّدة بعينيه واندفع يقهقه عاليا وهو يقترب منها ,فلم تتمالك نفسها من تكرار محاولتها لضربه الا أنه تمكّن هذه المرة من منعها تماما من الحركة وهو يقبض على معصميها معا مدنيا وجهه من وجهها لتلفحها أنفاسه الحارة اللاهثة بعناء وهو يهمس بعشق:
-ايتها الحبيبة المتهورة .. ذات العقل الصغير .. أأنت حقا هديلى .. الذكية الواثقة .. لقد فوجئت بردة فعلك هذه الى أن أذهلتنى بحق بعد أن خرجت تلك الحماقات من فمك الجميل .. أمعقول أنكِ فهمتِ من كلامى هذا المعنى الرخيص ؟ أنتِ تبخسين نفسك قدرها كما أنكِ لا تقدّرين عمق مشاعرى نحوك ولا تأخذيننى على محمل الجد , أتظنين أننى مجرد شاب ثرى عابث ؟ لماذا اعتقدتِ أننى أعرض عليكِ شيئا مشينا ؟
استكانت بهدوء بعد محاولاتها الفاشلة للتملص منه فأيقنت أنه من الخير لها أن تستمع له أولا .. ابتلعت ريقها بصعوبة وهى تتساءل باستجداء:
-أنت قلت أننا سنعيش سويا ؟ فلا يوجد معنى لهذا غير أنك تعرض علىّ أن أصبح .. اممم ..
وأطرقت برأسها خجلا حينما قال بنزق ليكمل عبارتها المبتورة:
-عشيقة ..
-نعم.
- تبا لكِ ! ولماذا لا يكون هذا عرض زواج ايتها الحمقاء ؟
-زواج !! مستحيل !!
قطب حاجبيه بغضب وهو يقول مستنكرا بينما يهزها بعنف:
-لماذا مستحيل ؟ أهناك ما يمنع ؟
كانت تنتحب بشدة وقالت من بين دموعها:
-أنت تعرف ما هو المانع , أمك وأبى .. لا تحاول اقناعى بأنك قد نسيت .. فهذا شئ لا يمكن نسيانه.
-اسمعينى يا هديل .. ما حدث يمت للماضى فقط ,ونحن الآن نعيش بوقت آخر لا مجال فيه للحديث عما مضى ,اذا كان هذا هو السبب الوحيد لرفضك فيمكننا التغاضى عنه .
-أنت الذى تقول هذا ؟ لا أصدّق.
نهرها بعصبية قائلا:
-لا , عليك أن تصدقى وتؤمنى بأننى لست متحجر العقل والقلب الذى تظنينه .. أنا انسان .. من لحم ودم ,, أحب وأكره ,, أشعر وأتألم .. هذا شئ طبيعى.
-ولكنك تكره أبى ..
قاطعها باشارة من يده قائلا:
-لا , أنا لا أكرهه .. أنا أحترمه وأقدّره , فهو أستاذى .. ولا أنكر أننى فى البداية كنت متضايقا من علاقته بأمى ,فوجئت .. شعرت بأننى مخدوع .. ربما لفترة ليست قصيرة ظننت أننى لن اتحمّل مجرد رؤيته ,وبهذه الفترة اتخذت قرارى بنسيانك ومحوك من حياتى ..
-أكان هذا هو سبب قرارك بنقلى الى قسم آخر ؟
-نعم ,للأسف كنت مشوش التفكير اشعر بالضياع .. غضبت من أمى ,وأبيكِ بل وتماديت فى القاء اللوم عليكِ رغم أنه لا يد لكِ بالموضوع .. حسنا لكم كنت مخطئا حينها بابعادك عنى .. تصورت أنى سوف أنساكِ وأتخلّص من مشاعرى العميقة نحوكِ .. فالمثل يقول : البعيد عن العين بعيد عن القلب ..
سألته متألمة:
-ونجحت ؟
ابتسم بطرف فمه واندفع معترفا بمرارة:
-كلا .. ازداد حبى وتعلّقى بكِ .. ضد ارادتى , ولشدة غبائى .. تماديت فى قسوتى وحتى بعد محاولتى الفاشلة لاستمالتك الىّ من جديد .. رفضت الاعتراف بسوء تقديرى للأمور ولم أتفهم رفضك أبدا ..
وقال أخيرا محاربا أخر ذرة من كبريائه الرجولى وغطرسته:
-حتى فى تلك اللحظة .. بعد أن اعتقدت أننى باغرائى لكِ عندما ترين هذه الفيلا وأخبرك أننى بنيتها خصيصا من أجلك سوف توافقين على زواجك منى على الفور دون تفكير.
لكزته بقوة فى كتفه بوعى لواقع جديد عليها أنها تمتلك من السلطة عليه ما يفوق أقصى أحلامها خيالا .. وقفت أمامه كالمعلمة التى تعطى تلميذها درسا لا ينساه:
-ظنِك بى فى غير محلّه يا كريم .. ما يغرينى للموافقة على الزواج بك ومشاركتك الحياة الى آخرها هو أنت .. وحبك لى .. واحترامك وتقديرك لشخصى ,وليست حفنة جنيهات أو فيلا ضخمة كهذه .. فأنا لن أتزوّج الا بدافع الحب والاحترام .. اذا ما كنت قادرا على منحى ايّاهما الى أن يفرّقنا الموت فسوف أكون سعيدة بقبول طلبك هذا.
وقفت هديل شامخة ترفع رأسها بفخر واعتزاز فى انتظار معرفة مدى تأثير كلماتها عليه ,وبلمح البصر أشعت عيناه ببريق السعادة والرضا .. ثم كان الى جوارها يلتقط أناملها ليلثمها برقة وهو يقول بصوت عميق النبرات رنّان كأنه آتٍ من هوة سحيقة:
-يشرفنى يا حبيبتى أن اقدّم لكِ قلبى وكل ما أملكه وأضعه بين يديكِ .. أنتِ الفتاة الوحيدة التى دقّ لها القلب وأعجب بها العقل ولن أفرّط فيكِ ما حييت يا هديلى.
وضعت أصبعا أمام فمها وأنفها قبل أن تقول بعزة نفس:
-والأهم من موافقتى ,, أن تنال رضا أبى .. هل أنت مستعد لهذا ؟
-طبعا يا حبيبة قلبى , بكل تأكيد .. فهذا هو اليوم الذى طال انتظارى له بفارغ الصبر .. أن تصبحى لى .. وفى سبيله أنا مستعد لخوض غمار الحرب ..
تمتمت هديل بأمنية تحلم بتحققها:
-أرجو ألا نضطر الى هذا.



**********************

SHELL 30-12-20 11:43 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
وجدها جالسة مع والدته تثرثران بمرح وانسجام تام .. أتيحت له الفرصة لتأملها دون أن تشعر به .. كانت ترتدى بنطالا من الجينز الأزرق الداكن يلتف حول وركيها النحيلين وفوقه كنزة ضيقة سوداء اللون موشاة بخيوط فضية لامعة ولها اطار من الدانتيل على الحواف ,أما شعرها فقد استطال الى حد ما وها هى تكبح جماح حريته برباط مطاطى تاركة بعض خصلاته الشاردة تتهدل فوق أذنيها الصغيرتين .. بدت كالأرنبة المذعورة حينما لمحته واقفا يراقبها بعينيه الحادتين وكأنه صقر على وشك الانقضاض على فريسته ... التزمت الصمت وهى تراه يتقدم منهما بخطوات واثقة متباطئة وهو يضع يديه فى جيبى بنطاله القماشى.
تهللت اسارير والدته انفراجا حينما رأته فنهضت من مكانها على الأريكة المستطيلة وهى تدعوه لأن يحل محلها الى جانب ريم قائلة بحبور:
-ها قد أتيت أخيرا يا جاسر , تعالى واجلس هنا .. ما رأيك بهذه المفاجأة الحلوة ؟ أنا لم أصدق عينىّ حينما دقّت جرس الباب ووجدتها أمامى ..
ثم لكزته برفق وهو يأخذ موقعها السابق هامسة:
-وأنت ألا تبتسم ولو قليلا , لا يصح يا بنى .. فليس هذا استقبالا مناسبا لخطيبتك.
زمجر جاسر محتدا:
-ماما ! لو سمحتِ .. لماذا لا تذهبى لتحضرى لنا العصير الرائع الذى تتفنين فى اعداده .. فالجو حار ولا بد أن ريم تشعر بالظمأ.
ابتسمت شريفة مجاملة وهى تحادث الفتاة قائلة:
-اسمعى يا ريم .. سأذهب الى المطبخ لأعد لكما كوبين من العصير الطازج وفى هذه الاثناء أريدك أن تعرفى سبب عبوسه المستمر وأن تعالجى الأمر بأسرع ما يمكن ..
هزت ريم رأسها ايجابا وهى تهتف بمرح:
-حاضر يا تنت , لا تحملى همّا سوف أتصرف بطريقتى الخاصة.
ضمت الوالدة يديها معا فى اشارة للسعادة وهى تنصرف مبتعدة بعد أن ألقت الى كنتها المستقبلية بقبلة فى الهواء وهى تتنهد : ما الذى يجعل واحدة برقة وحلاوة ريم هذه تقبل بهذا العابس معقود الجبين .. أف ! يا لكم من رجال !
ساد الصمت من جديد بعد انصراف شريفة التى تركت الاثنين جالسين على ذات الأريكة وان كانت المسافة الفاصلة بينهما صغيرة الا أن أفكارهما كانت بعيدة كل البعد .. تنحنحت ريم متعمدة وهى متحيرة من تصرفه اللا مبالى حيالها ثم قالت محاولة تخفيف حدة التوتر السائد فى الجو:
-الطقس لطيف اليوم , أليس كذلك ؟
نظر لها جاسر بطرف عينه ثم قال بفتور:
-ربما ..
-بالمناسبة .. لقد تحدد موعد زفاف سماح وسعد.
أجابها بذات الطريقة:
-مبارك لهما ..
-هل ستذهب ؟
-نعم , فسعد قام بدعوتى وأصرّ علىّ للحضور.
كانت ردوده قصيرة ومختصرة ,فآثرت التزام الصمت ثم لجأت لموضوع آخر:
-ما أخبار العمل ؟ أتسير الأمور على ما يرام ؟ أعنى هل تعوّدت على نظام العمل الجديد ؟
انتفض غاضبا وهو يرميها بسهام عينيه الناريتين هاتفا:
-ماذا تقصدين بالضبط يا ريم ؟ أننى غير كفء لادارة شركة عملاقة من شركات عائلة الشرقاوى ؟
تراجعت مصعوقة للوراء وقالت بنعومة:
-كلا , طبعا لا .. كل ما فى الأمر أن هذا النوع من العمل يختلف عما كنت تمارسه فى السابق فى مجال الـعقارات .. لم يكن الأمر يستحق كل هذا الضجة يا جاسر.
رفع حاجبيه متعجبا وهو يواصل شنّ هجومه الحاد عليها:
-طبعا أنا مهما فعلت ومهما كنت لن أرقى لأصل الى مستوى شقيقك الغالى أو أبناء عمومتك الأعزاء .
احتقن وجهها بالدماء .. ولم تعرف ما الخطأ فى سؤالها والذى استدعى كل هذا الغضب والضيق من جانبه ,فقالت ببراءة:
-لم يكن سؤالى هذا الا من باب التواصل معك .. أردت فقط تلطيف الجو بيننا.
-لا تشغلى بالك بى .. ولا بعملى .. فلست بحاجة الى اهتمامك المزيف ولا مجاملتك .. اهتمى بشؤونك الخاصة.
هبّت واقفة على قدميها وهى تصرخ بوجهه حانقة:
-حسنا , اذا كنت ضيفة ثقيلة الظل الى هذا الحد وغير مرغوب فى وجودى سأنصرف فورا ,, وأعدك أننى لن أحاول مجددا أن أهتم بك أو بأى شئ يخصك .. أيها الأحمق الأنانى المغرور ..
أوقفها قبل أن تجد الفرصة لتنفيذ تهديدها وجذبها الى حضنه مجبرا ايّاها على دفن وجهها فى صدره العضلىّ القوىّ ,لم تستطع ايقاف عبراتها التى انسلّت من عينيها بينما هو يضمّها اليه بعنفوان وقوة متمتما باعتذارات متلاحقة:
-آسف .. آسف يا حبيبتى .. لا أدرِ حقا ما الذى دهانى ؟ أعتذر منكِ يا حلوتى ..
ثم قبّل مقدمة رأسها عدة مرات وهو يردد اعتذاره لها ,ثم أبعدها قليلا لتلتقط أنفاسها المكتومة وهو يزدرد ريقه بصوت مسموع قائلا:
-لا أعرف .. أصبحت أتصرف بغرابة هذه الأيام .. حتى أمى لم تعد تحتملنى ولا تطيق أفعالى .. آسف يا ريم , وأعرف أننى لا أستحق ملاكا بريئا مثلك .. أنتِ برقتك وجمالك وطيبة قلبك ورهافة احساسك تستحقين من هو أفضل منى بلا شك .. وربما هذا هو سر تعبى وقلقى.
اختتم اعترافة بتنهيدة حارة خرجت من صدره كأنها موجة ساخنة تهدد باحراق ما حولها ,تأملته ريم بصمت وقد بدت الرؤية مشوشة أمام عينيها حتى أخذ بيدها وطبع قبلة على أطراف أناملها وظل ملامسا لها بشفتيه بينما يطوّق خصرها بيده الأخرى .. وأدركت أنه ينتظر منها أن تعلن عن مسامحتها له فغمغمت بتوتر:
-حسنا .. كلنا نشعر بالقلق والتوتر .. لا تعرف مبلغ الحزن الذى عايشناه بالأسبوع الماضى .. مها .. وما أصابها .. كنت أشعر بالضعف وقلة الحيلة تجاهها .. لو تعرف كم بدت مثيرة للشفقة وهى مستلقية على فراش المرض .. وسيف .. كان يتصرف كالمجنون .. أننى أعذره ,فحياة زوجته وابنه كانت على المحك .. يا الله !
التمعت عيناه بابتسامة متخابثة وهو يقرّبها منه بحركة سريعة فاجأتها ثم قال بصوت ملتهب:
-ريم .. توقفى عن الحديث عن ابن عمك والا فلن يكون لعواصف جنونى حدود.
شهقت مصدومة وهى تهمس له:
-جاسر .. أنا أكلمك عن موقف عصيب مر به هو وزوجته , لقد كادت مها أن تفقد جنينها .. لا يمكن أن تفكّر بهذا الشكل , أن اهتمامى به لا يعدة كونه ابن عمى الذى أكن له كل محبة أخوية و ...
-أننى أغار .. وبجنون ..
-ولكننى خطيبتك .. ما الذى يجعلنى أوافق على الزواج منك اذا كان فى نفسك ذرة من الشك حول حقيقة مشاعرى.
-لا تلوميني يا حبيبة فؤادى .. فعندما زاد حبي لك، جعلني أغار عليكِ حتى من نفسي.
ثم استطرد معاتبا:
-ريم .. هل أتيتِ لترحميننى من عذابى أم أنكِ كنتِ تلعبين ؟
رقت نظراتها وهى تطالع وجهه الوسيم وقالت بصوت عذب:
-لقد كانت هذه نيتى فى البداية ,ولكنك أفسدت خطتى بمنتهى البراعة .. ببرودك ولا مبالاتك تجاهى ..
-أكرر اعتذارى للمرة الألف .. أنا أحمق وغبىّ .. وأستحق الشنق .. أيكفيكِ هذا أم تريدين المزيد ؟
وضعت اصبعها على فمه لتغلقه وهى تهمس بدلال:
-يكفى .. يكفى ... هششش .. ألا يرضيك أننى قد جئت اليك بنفسى ؟
لقد بدأ يشعر بالحرارة الخانقة .. أتكون للمستها البسيطة هذا التأثير القوى عليه .. يكاد يشعر بقلبه يذوب .. وغضبه يذوى .. يا لها من ساحرة !
-ريم ..
هتف بلهجة تحذيرية وهو يستطرد:
-ستنهار قدرتى على السيطرة على مشاعرى تماما ولن اصبح مسؤولا عن أفعالى .. وأنا الذى كنت دوما أتفاخر بنفسى وبأنه لا توجد أية أمرأة أو فتاة قادرة على امتلاكى.
سألته بفضول ملح وهى تنسل مبتعدة عنه الى الأريكة:
-ومتى كان هذا بالضبط ؟
رمى بنفسه على الأريكة بجوارها معترفا بتردد:
-قبل أن ألقاكِ ..
مالت برأسها بزاوية حادة لتنظر له بدهشة ,بينما انزلق لسانها بدون وعى قائلة:
-ألم تحب من قبل ؟ تلك المرأة .. المتزوجة !
وندمت سريعا فور نطقها بتلك الكلمات .. يا لها من غبية ! لماذا تعاود نكأ الجراح وهى التى اتخذت قرارا صارما بعدم الضغط عليه مجددا بصدد هذا الأمر ,والذى يؤرقه كثيرا .. ستضحى من أجله ,حتى ولو كان الثمن راحة بالها وسلامة عقلها.
تأفف جاسر وهو يشيح بوجهه بعيدا عنها قبل أن يدير رأسه نحوها ويقبض على كتفيها مسلطا نظراته العميقة على عينيها المتوسلتين قائلا بحدة:
-فلننهِ هذا الموضوع مرة واحدة وأخيرة الى الأبد .. لقد سئمت الحديث عن تلك المرأة .. وذلك الذنب الذى ارتكبته .. ولأكن صادقا معكِ .. فى الواقع أنا لم احبها ابدا .. فقط كانت تبدو مناسبة لخططى فى ذلك الوقت .. كنت ما أزال أعانى من آثار هجران والدى لنا .. غير واثق من أننى أستحق الحب , فأقرب الناس الىّ تركنى .. وعشت لسنوات أفكّر أننى غير جدير بحب أبى ولا بحب أية أمرأة ...
كانت عيناه تحكيان مدى العذاب الذى تحمّله طويلا .. شعرت بأنها راغبة فى ضمّه الى صدرها واشعاره بمدى أهميته بالنسبة لها .. حتى تزيل عن وجهه معالم البؤس والشقاء وتبعد عنه الوساوس المؤلمة .. كان ببساطة يحتاج الى الحب .. الى من تأخذ بيده الى بر الأمان .. تمنحه بلا حدود حتى يرتوى ويكتفى .. وهى قادرة على هذا العطاء .. لن تتخلّى عنه مهما كان الثمن .. ستكون له الى آخر العمر .. كما أخبرها مرة ..
-الى أن قابلتك .. وأنتِ تعرفين البقية .. لم أشعر بقلبى ينفتح لأى انسان كما فعل معكِ ,ولهذا ايضا أخبرتك أن الزواج هو قرار مصيرى يجمعنا الى الابد .. فلست أنوى أن أعيد مأساتى من جديد .. سيترعرع أولادنا فى ظل أبويهم معا.
شعرت بفراشات خفيفة ترفرف حولها تدغدغ مشاعرها المرهفة .. اعترف بحبه لها .. هى وحدها دونا عن جميع النساء .. أنها تصدّقه هذه المرة ,فلا يوجد ما يستوجب الكذب أو الادّعاء .. نبرة صوته هادئة ورزينة .. عيناه الزرقاوان تلتمعان ببريق العشق .. التقت طرقاتهما بعد أن استمرت متوازية ..
-احممم ... أحضرت لكما العصير ..
تنحنحت شريفة وهى تتوجه اليهما حاملة صينية عليها كؤوس العصير الزجاجية ,وقد كانت تصدر صوتا عاليا بقدميها حتى يتنبها الى قدومها ,فابتعدت ريم سريعا الى الخلف بينما سحب جاسر يده التى كانت تداعب وجنتيها ودسّها بين خصلات شعره يبعثرها كعادته كلما شعر بالتوتر.
هتفت ريم بتهذيب محاولة استعادة قدرتها على الحديث:
-سلمت يداكِ يا ست الكل ,, أتعبناكِ.
وضعت شريفة الصينية على المنضدة وهى تجلس قبالتهما قائلة بمودة حقيقية:
-تعبك راحة يا حبيبتى , وهل يوجد أغلى منك لأتعب من أجلها ؟ فأنتِ لستِ خطيبة ابنى فقط ولكنك بمثابة ابنتى التى لم انجبها.
اتسعت ابتسامة ريم وهى تقابل حفاوة حماتها بذات المشاعر قائلة:
-القلوب تتلاقى معا .. أنا ايضا أعتبرك مثل أمى بالضبط.
أطلق جاسر صفيرا منغوما وهو يراقبهما بتسلية بينما تقوس حاجباه وهو يقول:
-ما كل هذا الانسجام والتفاهم , من يراكما لا يقول أن هذه حماة وكنتها.
ضربت شريفة على صدرها وهى تهتف معترضة:
-حماة .. أنا حماة يا جاسر .. لا , لا أنا غاضبة منك.
وأخذت تنتحب متصنّعة الحزن فنهض جاسر وأخذ بيدها محتضنا وهو يقبّل قمة رأسها قائلا :
-اغفرى لى يا ماما .. حقك علىّ .. لن أعيدها مرة أخرى .. أنتِ ست الحبايب والخير والبركة ..
وقامت ريم بدورها تحتضنها من الجانب الآخر وهى تقلّد خطيبها قائلة:
-ولا يهمك يا حبيبتى .. سوف أتولّى أمره أنا فيما بعد .. وأعدك أنه لن يجرؤ على مجرد التفكير بنطق هذه الكلمة ..
وقبّلت ريم خديها حتى انفرجت أسارير السيدة وقالت بسعادة جمّة وهى تحتضن ابنها وخطيبته الجميلة:
-يا أحبائى الغاليين .. ربنا يسعدكما ويبارك لكما .. أنتما فرحتى وسرورى .. لقد طال انتظارى لليوم الذى أرى فيه ابنى الوحيد متزوجا من الفتاة التى يحبها ,وقد تحققت أمنيتى فلا أريد من الحياة أى شئ آخر .. وسأموت وأنا سعيدة.
هتف الاثنان بنفس الوقت :
-بعد الشر عنكِ .. ربنا يبارك لنا فى عمرك وصحتك .
وطقطق جاسر بلسانه اعتراضا وهو يستطرد بحبور:
-ثم من الذى سيحمل أبناءنا ويربيهم ؟ من غيرك أنتِ يا قمرى ؟
قالت شريفة :
-سيكون هذا يوم السعد والهناء .. أسرعا باتمام الزواج وأنا سأنذر نفسى لرعاية هؤلاء الأبناء عندما يأتون ..
نظر جاسر الى ريم بامعان وهو يقول متخابثا:
-أنا عن نفسى على أتم استعداد لأن أتزوج ريم اليوم قبل الغد .. هه ما رأيك أنتِ ؟
أخفضت ريم رأسها خفرا وحياءا بينما كانت تقضم شفتيها هامسة:
-فلتفاتح أبى فى هذا الموضوع , لا شأن لى بتحديد المواعيد .. هذا من اختصاص الرجال , أليس كذلك ؟
اندفع جاسر اليها يطوّق خصرها بذراعيه وهو يرفعها عاليا عن الأرض ثم يدور بها غير مباليا بنظرات أمه الزاجرة ولا صرخات ريم المتوالية وهى تضحك:
-جاسر .. أنزلنى .. جاسر .. لا يصح ,فوالدتك تنظر لنا.
هتف جاسر وقد كفّ عن أرجحتها فى الهواء وأنزلها على الأرض وان ظل ممسكا بها:
-لا أصدق .. اخيرا نطقتِ بها .. أخيرا رحمتِ عذابى .. آه منكِ يا حبى ,, يا عصفورتى الصغيرة.



**********************

SHELL 30-12-20 11:44 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
كان يتأمل الرسم التخطيطى على شاشة جهاز السونار أمامه ويحاول متابعة حديث الطبيب الذى توالى وهو يشرح له ولزوجته أدق التفاصيل عن طفلهما القادم .. مجرد روتين اعتاد عليه هذا الطبيب وهو يفحص عشرات السيدات الحوامل .. مكررا ذات النصائح ,الا أنها المرة الأولى له .. سوف يصبح أبا .. وهى وحدها من ستحقق حلمه الكبير .. انتظرها كثيرا .. ما يزيد عن خمسة وعشرين عاما .. ولم يذهب صبره سدى .. نال ما كان يصبو اليه أخيرا .
كانت فريال مستلقية على سرير الفحص وكاشفة عن جزء من بطنها الذى تكوّر قليلا بينما يحرّك الطبيب ذراع الجهاز بحركة دائرية على جلدها الرطب بفعل سائل الهلام .. لم تشعر بسعادة مماثلة فى حياتها كهذه اللحظة .. مسترخية وهادئة الأعصاب .. تستمع لحديث طبى ملئ بالتفاصيل الصغيرة عن جنينها الصغير .. الابن أو الابنة التى ستربط بينها وبين زوجها مجدى .. ليست المرة الأولى لها .. ولكن هذا الحمل يختلف تماما عن السابق .. لعدة أسباب وأهمها أن الرجل الذى تحبه واقفا الى جوارها يمسك بيدها بحنان بالغ ,يبدو عليه السعادة والنشوة .. والفخر ..
ما أن أنهى الطبيب اجراءات الفحص حتى قام بمسح السائل المتبقى على بطنها وتركها لتعدّل هندامها بينما أشار لزوجها أن يتبعه .. بدأت الوساوس تساورها .. لماذا يريد الطبيب أن ينفرد بزوجها ؟
أعادت تسوية كنزتها الرقيقة وانتعلت حذاءها بسرعة فائقة وهى تغادر غرفة الفحص .. وقفت بمحاذاة الباب الفاصل بين الغرفتين .. وأصاغت السمع ..
4d-لا بد من اجراء السونار الرباعى الأبعاد
-لماذا يا دكتور ؟ هل تشك فى شئ ما ؟
-كلا ,, أنه مجرد اجراء روتينى لأن السيدة فريال .. احم .. تجاوزت الخامسة والأربعين .. والحمل فى هذا السن يعتبر خطرا , كما أننا لا بد أن نطمئن على سلامة الجنين وصحته وأنه لا يحمل عيوبا خلقية ..
-حسنا اذا كان هذا هو رأيك طبعا .
-لا تخشّ شيئا فهو يشبه السونار الذى أجريناه باختلاف بسيط وهو يصوّر الجنين كاملا ..
-ما أخشاه هو أن تعود فريال الى الشعور بالقلق .. أننا نحرص دائما على اراحة أعصابها وابعادها عن مصدر التوتر ..
دخلت فريال فى هذه اللحظة على الفور ووقفت الى جوار زوجها تقول بتصميم وارادة:
-لا يا مجدى , أنا بخير .. وسوف أنفذ تعليمات الدكتور بحذافيرها .. والآن هل أتابع تناول ذات الوصفة الطبية السابقة ؟
أومأ لها الطبيب الخمسينى برأسه بينما يكتب فى ملفها بضعة ملاحظات ثم رفع رأسه اليها وهو يمد يده بالتذكرة الطبية قائلا:
-لقد أضفت لكِ xxxxا من الفيتامينات المتعددة سوف يمد جسمك بالعناصر اللازمة له فى هذه الفترة وعليك بألا تتكاسلى عن تناوله يوميا .. أنه ضرورى جدا.
أجابت فريال بحماس وقد كان هذا حالها منذ علمت بالحمل:
-بالتأكيد.
-شكرا لك يا دكتور.
قالها مجدى بامتنان كبير وهو يصافح الطبيب مودعا ,ثم تأبط ذراع زوجته بمحبة لينصرفا مغادرين العيادة المشهورة التى تقع بأرقى مناطق المدينة.
-ها حبيبتى , كيف تشعرين الآن ؟ لا قلق , ولا توتر , أليس كذلك ؟
ربتت فريال على يده التى تشتبك بيدها وهى تقول مطمئنة ايّاه:
-كل شئ على ما يرام , لم أكن يوما بحال أفضل من اليوم .. أتعرف ؟ أننى أتوق ل .. تناول ..
استحثها بقوة قائلا:
-هيا يا فرى .. أخبريننى ما الذى تريدين تناوله وأنا أجلبه لكِ فى الحال ؟
-أشتهى الأناناس ..
قالتها بخجل وقد توردت وجنتاها ,فاستوقفها مجدى وهو يتلفت حوله يمينا ويسارا كمن يبحث عن أحد ,فاثار تصرفه استغرابها وسألته مندهشة:
-عمّ تبحث يا مجدى ؟ هل وقعت سلسلة مفاتيحك أم ماذا ؟
أخذ يلوّح لها بالسلسلة الفضية والتى أصدرت قلقلة مميزة بينما جذبها اليه وهو يهمس مترنما:
-أننى ابحث عن محل بهذه الناحية يمكننا شراء الأناناس منه .. انتظرى سوف اسأل هذا الرجل هناك.
وكاد أن يتحرك ليستوقف أحد المارة الا أن فريال سارعت لتمسك بذراعه حتى تمنعه وهى تغرق فى ضحك مجلجل هاتفة به:
-مجدى .. توقف .. ليس هذا وقته ,لنعد أولا الى البيت ثم نذهب الى السوق لشرائه فيما بعد , لا أصدق ما تفعله ...
نظر لها معاتبا وهو يقول مدافعا عن نفسه:
-ألم تقولى بأنك تشتهينه الآن ؟ ما العيب فى سؤال هذا الرجل .. يبدو عليه الطيبة .. ولا بد أنه سيقدّر موقفى ..
لم تتوقف فريال عن الضحك وان خفّت حدته وهى تقول بصوت متقطع:
-وماذا كنت ستخبره ؟ هه هل تستوقفه لسؤاله عن محل لبيع الأناناس ؟ لا بد أنه كان سيعتبرنا مختلين عقليا ..
انعقد حاجبا مجدى بتقطيبة خفيفة وهو يحك جبينه مفكرا قبل أن يغمغم:
-لا أرى خطأ فيما كنت سأفعله ,, سأخبره أن زوجتى الحبيبة .. حامل ولديها وحام للأناناس .. لا أرى عيبا أبدا ..
كان يكرر كلامه كأنما يحاول اقناع نفسه قبل زوجته ..
- على كل حال , لقد ابتعد الرجل ولن نجد واحدا آخر لنسأله .. هيا اركبى.
وقام بفتح باب السيارة لها ثم ساعدها حتى استقرت على المقعد .. عيناها لامعتان .. ثغرها باسم .. هكذا يفضل دوما أن يراها .. سعيدة ومرتاحة.
فكّرت هى بعقلها : ما الذى دهاه هذا الرجل ؟ لا يمكن أن تتخيّل مجدى المتعقل الرزين , ذلك المحامى اللامع المعروف .. يتصرف بهذا الطيش والتهور .. من أجلها ,ومن أجل طفلهما .. لا توجد سعادة أكبر ,قلبها الكسير الذى اعتاد الحزن وتوّحد مع الألم لا يحتمل هذا الكم من الحب والحنان والعطاء .. ماذا فعلت بحياتها لتستحق رجلا كمجدى ؟
ارتقى زوجها الى المقعد المجاور وأدار المفتاح ,ضاغطا على دواسة البنزين بقوة عدة مرات قبل أن يتحرك بالسيارة .. كان يقود بسرعة متوسطة وحذر .. ولكنها وجدته يسرع بعض الشئ هذه المرة , فسألته مستفسرة:
-مجدى , لماذا تسرع فى قيادتك ؟
-هل ضايقتك يا حبى ؟ أأخفف من السرعة قليلا ؟
وبالفعل اذعن لرغبتها فلم تلبث أن عادوت سؤالها :
-لم تجبنى .. لماذا تبدو مهموما ومشغول البال ؟
أجابها بعد أن منحها نظرة دافئة:
-أريد العودة سريعا حتى أتمكن من اللحاق ببائع الفاكهة قبل أن يغلق دكانه ..
انفجرت فريال بالضحك وجسدها يهتز بقوة ما حدا بمجدى أن يحذرها برفق قائلا:
-مهلا يا فريال , لا أعرف لماذا ينتابك الضحك اليوم كلما تحدثت ؟
وضرب كفا بكف متعجبا فقالت فريال وقد التمعت عيناها بالدموع من أثر الضحك:
-حسنا .. لم أكن أعرف ان موضوع الأناناس سيصبح هاجسا ملحا .. والله ما كنت أخبرتك به.
ظهر عليه الرضا الكامل وهو يتأملها بشغف قبل أن يهتف قائلا:
-أوامرك يا سيدتى لا بد أن تُجاب , وهذا الطفل الصغير .. لا نريد أن نحرمه من أى شئ .. أليس كذلك ؟
ألقت برأسها تستند الى المقعد وهى تنزع فردتى حذائها قبل أن تتكوّر على نفسها وهى تقول بصوت ناعس:
-أتعرف فقدت رغبتى بتناول الأناناس .. جل همى الآن أن أصل الى السرير لأنااااام ... هااااااوم.
وتثاءبت بقوة ,ثم تثاقل جفناها حتى أغلقا نهائيا ..
شعر مجدى بالاشفاق والحنو عليها ,ونظر الى ساعة يده .. كانت العاشرة مساءا .. يا له من وقت متأخر بالنسبة لزوجته أن تظل ساهرة الى هذا الوقت يعد أمرا شاقا وهى المعتادة على النوم مبكرا .. ربت على خدّها بأطراف أصابعه وهو يردد:
-نوما هانئا يا حبيبتى .. تصبحين على خير.
وأكمل بقيادته المتمهلة حتى وصلا الى منزلهما بسلام.



**********************

SHELL 30-12-20 11:50 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
انتهى الفصل الثالث عشر


https://m5zn.com/sfari_uploads/2017/...e090369cbf.gif

SHELL 30-12-20 11:16 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
متبقى فصلين فقط

SHELL 01-01-21 09:12 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
إن شاء الله أنزل الفصل قبل الأخير

SHELL 04-01-21 12:28 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
الفصل الرابع عشر


https://s51.radikal.ru/i133/1002/31/589371de9ffe.gif

-هيا .. استيقظى أيتها الكسولة .. حبيبتى .. ألم تكتفى من النوم ؟ لقد أصبح الوقت ظهرا ..
صوت زوجها المحب ومداعباته اللطيفة لوجنتيها أيقظتها من نومها ,تمطت وتثاءبت بكسل وهى تقول بصوت ما زال يغلب عليه آثار النوم:
-آآآآه ... كم الساعة الآن ؟
اقترب أكثر بوجهه حيث أخذ يمرر شفتيه فوق خديها المتوردين بقبلات خفيفة متناثرة أرسلت الى جسدها الواهن ارتعاشة .. مثيرة .. لذيذة وقد انتابتها موجة هائلة من أحاسيس متضاربة .. من السعادة والخوف .. حقيقة هى أيقنت أن سيف يحبها الى درجة كبيرة والا لما ظهر عليه هذا القلق الرهيب والفزع حينما كانت راقدة بالمشفى تعانى من نزيفها السابق والذى تم ايقافه والسيطرة عليه وأن بقى لديها ما تخشاه .. والآن تضاعف وجلها من القادم .. صار لديها ما تتمسك بالحياة من أجله .. زوج عاشق .. وطفل صغير ينبض بجوار قلبها .. تنهدت بارتياح حينما سمعت زوجها يقول بمزيج من المداعبة والحزم بينما يبتعد عنها ليتوجه نحو النافذة الزجاجية جاذبا الستائر بشدة سامحا لأشعة الشمس بالدخول الى الغرفة:
-لقد تجاوزت الواحدة ظهرا .. ألا ترين ضوء الشمس المشرقة ؟ وتشعرين بدفئها يغمر المكان ؟
-آسفة يا حبيبى .. فقد أخرتك عن موعد العمل ,كما أنك لا بد تشعر بارهاق وتعب , شعرت بك وأنت ساهر الى جوارى بالأمس .
ارتفع حاجبا سيف بدهشة غامرة وهو يتمعن فى النظر الى وجهها الجميل فقد باتت تلك الملامح البريئة محفورة بقلبه ووجدانه .. ثم عاد ليجلس بجوارها على الفراش بينما كانت تستند الى وسائده الوثيرة مخففة الصغط عن ظهرها المتعب .. وقال بعد برهة بحنان:
-ولو قضيت ما تبقى لى من العمر ساهرا على راحتك ما شعرت بلمحة تعب واحدة وما اكتفيت من مراقبتك .. أنتِ حبى الأبدى .. أنتِ وحدكِ.
وأخذ يعبث بخصلات شعرها الذهبية الناعمة مزيحا بعضا مما تدلى فوق وجهها ليعيده الى ما وراء اذنيها , ثم أحاط وجهها بكفيه قبل أن يلثم جبينها بعفوية بالغة وهو يتمتم:
-أنتِ يا أم أبنائى ...
هتفت بدهشة ونظرات عينيها معلّقة بعينيه المغازلتين:
-أبناؤك ؟؟ ماذا تقصد ؟؟
التمعت عيناه السوداوان ببريق عابث وهو يقول بمكر:
-هذا يعنى أنكِ قد حققتِ المعجزات يا عزيزتى .. فقد عرفت وبالمصادفة البحتة أثناء اقامتك بالمستشفى وبعد اجراء عدة فحوصات لكِ بأنكِ تحملين توأما فى أحشائك ..
فغرت فاها ببلاهة وهى تغمغم باضطراب:
-توأم !! حقا !!
استطرد سيف غير واعيا لنظراتها المصدومة وهو يشعر بفخر واعتزاز كبيرين:
-نعم حبيبتى .. أنهما توأم متماثل .. كلا منهما ينمو بذات الكيس داخل الرحم.
واصلت تقول وهى غير مصدقة:
-كيف حدث هذا ؟
لم يفطن زوجها للمغزى الحقيقى وراء سؤالها فأجاب بطريقة علمية بحتة كما سمع من الطبيب بالضبط:
-أخبرنى الطبيب أنهما ينشآن من بويضة واحدة ملقحة بأكثر من حيوان منوى ,وبعد ذلك تنقسم الى اثنتين أو ماشابه ..
ثم استطرد وقد انتفخت أوداجه زهوا:
-هذا يعنى أننا سنحصل على طفلين متشابهين بالشكل والجنس دفعة وحدة .. أليس هذا رائعا ؟
ثم هب واقفا وهو يصفق بيديه فرحا رافعا أصبعين فى الهواء مشيرا الى رقم ( اثنين ).
فى النهاية ابتسمت مها ببطء وهى تقول بهمس غير مسموع:
-أن قدرة الله ورحمته وسعت كل شئ .. ربما كان هذا خيرا .. نعم , لعله خير.
انتبه سيف الى حركة شفتيها الواهنتين فاقترب منها متسائلا بلهفة:
-ماذا قلتِ لتوك يا مها ؟ أتريدين شيئا حبيبتى ؟
أشاحت بوجهها بعيدا عنه حتى لا يرى عينيها المغرورقتين بالدموع ,وقالت بصوت مرتجف:
-كلا يا عزيزى .. فقط أشعر ببعض التعب.
صاح بلهفة:
-هل تتألمين من جديد ؟ مها .. أفصحى عما بكِ ؟
-لا .. لا شئ , أنا بخير ..
رمى بنفسه الى الفراش وأمسك بذقنها بتنظر اليه ففوجئ بعبراتها المنسابة على وجنتيها بغزارة فتساءل بنبرة هادئة:
-مها .. أما زلتِ غاضبة منى ؟ يا حبيبتى .. أنا آسف .. اعدك أننى لن أضايقك مجددا ولن أتفوّه بالحماقات .. فأنتِ غالية عندى وسعادتك وراحة بالك تعنى لى الكثير.
وجذبها الى احضانه بدون انتظار لردة فعلها فأراحت رأسها على صدره باستسلام وهدوء تنشد الراحة والسكينة .. ربما بقى لديها فرصة أخيرة .. ربما تمنحها الدنيا مكافأة لصبرها واحتمالها الآلام المريرة على مدار سنوات طويلة .. وربما تتلاعب بها مرة أخرى فترتفع أحلامها محلقة فى السماء قبل أن تهوى الى بئر بلا قرار ..
انتزعهما من عناقهما الحار سماع صوت طرقات متتالية خافتة على باب الغرفة ,فأزاح سيف ذراعيها المحيطين بعنقه برفق وهو يتأهب ليرى من الطارق .. توجه الى الباب بخطوات واسعة رشيقة .. ووقف يتأمل برهبة خيال أمه الماثل أمامه ,نقل بصره بينها وبين زوجته الراقدة بفراشهما بقلق ووجل .. كانت زاوية الباب اضافة الى وقوفه بطريقة تسد عن مها رؤية القادم الا بعد أن يدلف الى الغرفة .. مما أتاح له الوقت حتى يسأل والدته باستفسار ملح متجاهلا ابسط قواعد الذوق واللياقة :
-ماما .. ما الذى أتى بكِ الى هنا ؟
نظرة أمها المصعوقة اليه وشحوب وجهها أعاد اليه صوابه فى ثانية واحدة .. فأردف قائلا بأسف:
-أعتذر يا أمى عمّا أفلت من لسانى .. ولكننى أقصد ما الذى جعلك ترهقين نفسك وتأتين الى هنا ؟ فأنتِ بحاجة الى الراحة التامة.
أطرقت منى برأسها الى الأسفل قبل أن ترفع عيناها تتطلّع الى ابنها بنظرات راجية متوسلة لتقول بتردد:
-جئت لأطمئن على .. على زوجتك .. كيف حالها الآن ؟ كان لا بد أن آتى قبل هذا ولكن الأمر لم يعد خافيا عليك ,أنا .. أشعر بضعف ووهن ..
وشعرت هى فجأة بارتخاء عضلات ساقيها فترنحن الى الأمام وكادت أن تقع لولا أن سارع سيف الى اسنادها ومنحها القوة اللازمة لتتماسك بفضل ذراعيه القويتين .. وقال بنبرة اعتذار:
-ماما .. آسف جدا .. تعالى .. استندى الىّ ..
أجابته الأم بانكسار:
-أنا التى يتعيّن عليها الاعتذار يا ولدى , فما كان علىّ أن أسبب لكما ازعاجا ,, وأنا أعلم أن .. أنها تحتاج الى راحة ..
هز سيف رأسه يمينا ويسارا بحدة وهو يقول نافيا:
-ماما .. لا تعتذرى فلم تخطئى , اللوم كله يقع علىّ , تعالى الى الداخل.
اعترضت منى بحركة ضعيفة وندت عنها آهة حارة قائلة:
-لتعيدنى الى غرفتى يا سيف , فهذا ليس الوقت المناسب لـ ..
قاطعها بسرعة قائلا:
-كلا .. أنه الوقت الأنسب لتواجدك وحضورك .. أن مها ستفرح بشدة لرؤيتك.
-وما الذى يدعوها لذلك ؟ كما أنه كان يتعيّن علىّ الاستئذان أولا قبل مجيئى هكذا فى مثل هذا التوقيت ..
فى أثناء المداولة بين الأم وابنها تناهى الى مسامعهما صوت أنثوى رقيق يقول بتهذيب بالغ:
-تفضلى .. فأنتِ لستِ بحاجة الى استئذان .. البيت كله بيتك وأنا مجرد ضيفة هنا ...
فوجئ سيف بزوجته تقف خلفه تماما قبل أن تتبتعد مفسحة مجالا لمروره هو ووالدته الى غرفتهما ,فسارع بقوله وهو يوّجه أمه الى مقعد قريب من الباب:
-مها .. عودى فورا الى فراشك ,لم يكن عليك النهوض فجأة بهذه الصورة , فقد حذرنا الأطباء من الدوار وما قد يسببه لكِ من مضاعفات نحن فى غنى عنها خاصة وأنكِ تعانين من فقر الدم الحاد.
ابتلعت مها ريقها بصعوبة وقد وقفت مسمّرة بمكانها تتحاشى النظر مباشرة الى عينى حماتها ,فقد خشيت أن ترى نظرات الاحتقار والكراهية التى تشعر باستحقاقها التام لهما .. غمغمت منى باهتمام:
-اذهب لمساعدة زوجتك .. حتى ترتاح.
ابتسم سيف بمحبة وهو يسبق كلمات أمه الى مها ليلتقط ذراعها معيدا ايّاها الى السرير ,ونثر فوق جسدها الهزيل غطاءا خفيفا قبل أن يولى والدته اهتمامه من جديد قائلا:
-ماما هل تشعرين بتحسن ؟ أم ..
قاطعته الأم باشارة من يدها قائلة بحزم:
- صرت أفضل كثيرا .. والآن لتتركنا وحدنا قليلا يا سيف.
شعر سيف بمها وقد تغلّب عليها خوف مبهم وظهر هذا جليّا على قسمات وجهها المتقلصة وفمها المزموم وعينيها الشبيهتين بعينى قطة حبيسة تخشى الافتراس ,حاول أن يعترض قائلا:
-ولكن يا ماما .. مها .. متعبة ..و..
قالت الأم بنبرة متثاقلة وهى تسترخى بمقعدها:
-لا تخشّ على زوجتك منى يا سيف , فلست أنوى ايذائها مطلقا أو زيادة متاعبها .. فقط سنتبادل حديثا وديّا تأخر أوانه كثيرا.
أجاب سيف باستسلام وهو يرفع يديه :
-حسنا .. يا أمى , ولكن حذارِ أن ترهقى نفسك ..
ثم اتجه نحو زوجته ومال اليها يطبع قبلة حميمة على وجنتها قبل أن يتمتم:
-سوف أترككما بعض الوقت ثم أعود ثانية .. لن أتأخر .. هه حبيبتى اتفقنا ؟
رفعت مها رأسها عاليا بكبرياء وهى تومئ بالايجاب.
اندفع سيف مغادرا الحجرة ولكنه التفت الى أمه قائلا بحماس:
-ماما .. سأترك مها فى عهدتك ,, ولكن رفقا بها فهى تحمل اثنين لا واحدا ..
ثم غمز لها بشقاوة محببة وأغلق الباب خلفه مختفيا عن أنظارهما.
جاهدت مها لتبتسم عدة مرات ولكنها كانت تخفق فى كل مرة ,بيد أن منى ما لبثت أن قالت بصوت هادئ رزين:
-مبارك لكما .. هذا نبأ سعيد جدا .. ويبشر بالخير.
لم تجد مها ما تجيب به هذه السيدة التى تشعر بوجودها يملأ المكان من حولها فيما يتضاءل وجودها هى أو يتلاشى تدريجيا فهى سيدة المنزل ولها كامل الحق بالتواجد فيه على عكس وضعها هى .. الفتاة التى اختطفت ابنها بزواجها منه دونا عن ارادتها أو موافقتها سوى القول:
-نعم ,,ولكننى أتعجب من حصول هذا الأمر ..
ضاقت عينا منى لا اراديا وهى تستفسر بروية:
-ولماذا العجب ؟ فوجود التوائم يخضع لقوانين الوراثة.
قالت مها بنبرة خفيضة:
-لم أكن أعرف أن الأمر وراثيا بعائلتكم ؟
شعرت منى بالوجوم قبل أن يتغلب اندفاعها على حذرها وهى تقول:
-أنه ليس وراثيا بعائلتى ولا عائلة عادل .. أنتِ السبب فى هذا.
اشارت مها بأصبعها نحو نفسها بتعجب وهى تصيح بانفعال:
-أنا ؟؟ وما دخلى بالموضوع ؟؟
حسمت المرأة الأكبر سنا ترددها وقالت بأسى تحاول اخفاء ألمها:
-لا أعرف اية لعبة تلك التى تلعبينها معى ؟ ولكن لنضع النقاط فوق الحروف .. السبب هو أباكِ وعمك .. أنهما توأمين متماثلين .. ولا بد أنكِ تحملين توأما مثلهما ,, ربما كانتا فتاتين ..
شهقت مها بفزع وسألتها بحدة:
-أكان لأبى أخا ؟؟ هل أنتِ متأكدة ؟
أمالت منى وجهها باستغراب وقالت بضجر:
-نعم بالطبع ..
-ولماذا لم اسمع عنه أو أعرفه ؟
مطت منى شفتيها تعبيرا عن عدم معرفتها ثم تشدقت قائلة:
-لقد كانا متشابهين فى الملامح وحتى فصيلة الدم ولكن ما اشد اختلاف شخصياتهما .. كان كمال متعقلا رزينا فيما سامى أكثر تهورا وطيشا .. وربما أخفيت أمك عنك أمر وجوده عمدا , فهذا كان يتناسب أكثر مع تفكيرها ورغبتها الانتقامية ...
تردد صدى الاسم فى أذنيها برنين متواصل .. سامى .. الأخ التوأم لأبيها كمال .. سامى .. لم يبدُ أن الاسم غريبا عليها .. أين سمعته من قبل ؟
وعادت اليها ذاكرتها التائهة حاملة أدق التفاصيل .. ذلك اليوم المشؤوم .. البعيد جدا .. منذ ما يزيد عن خمسة عشر عاما .. اختفت جدران ذلك المنزل الأنيق وتبدلت بأخرى متشققة متصدعة ذات طلاء باهت .. وأثاث قديم مهترئ .. وشقة ضيقة .. من غرفتين فقط وصالة ..
يعود أبوها منهزما مكسور الخاطر يجر أذيال خيبته ويبدأ فى تحطيم اثاث منزلهما الصغير .. يصرخ منهارا .. كل هذا وهى لم ترَ شيئا فأمها أخذتها بأحضانها وأقفلت باب الحجرة من الداخل .. تظن أنها مجرد نوبة غضب ستمر كسابقتها .. تضعها بفراشها الخشبى محاولة اقناعها بالبقاء فى غرفتها , قبل ان تغادر هى الى الخارج .. لتطمئن على زوجها .. ويتناعى الى مسامها ذات الصوت الملتاع بجزع :
-أرجوك يا سامى , أجبنى , انهض , لاتتركنى وحيدة.
من سامى هذا ؟ ربما تكرر المشهد بحذافيره بعقلها مئات المرات كل ليلة ولكن لسبب ما فقد أغفل ذلك العقل عن الانشغال بهذه النقطة .. لماذا كانت تنادى أمها أباها ب " سامى " ,وليس " كمال " ,هناك سر غامض ,, لا بد وأن تجد له تفسيرا .. ومن أجدر من تلك المرأة التى يبدو أنها تعرف الكثير عنها وعن عائلتها ,والأرجح أنها تخفى الأكثر.
-قلتى بأن اخفاء أمر وجود سامى كان متعمدا من جهة أمى , فلماذا تتوقعين هذا ؟ وما الذى تخفينه بجعبتك ؟
-أنا متأكدة مما اقول وليس مجرد تخمين .. فسهام لم تكن بالمرأة التى يسهل الاعتراف بهزيمتها ,, وهى كانت عنيدة جدا لا تستسلم ببساطة .
-تتحدثين عن أمى وكأنك على دراية بتصرفاتها ؟ ما الذى يدفعك لذلك ؟
-أنا أعرف والديكِ جيدا .. كليهما .
اثارت فضول مها بشدة حتى أنها شعرت بجسدها كله يتوتر وأعصابها مشدودة .. قبل أن تعاود سؤالها من جديد:
-تعرفين أبى .. هذا أمر مفروغ منه , ولكن أمى كيف ؟
ابتسمت منى بلا روح وقالت بخفة:
-ألا تتذكريننى حقا يا مها ؟
قطبت الفتاة جبينها مفكرة بعمق .. قبل أن تتنهد بضيق وهى تغمغم:
-وهل علىّ أن أفعل ؟
-نعم , فلقد سبق والتقينا من قبل .. بعزاء والدتك.
كانت مها تحك جبيبنها محاولة عصر ذهنها للوصول الى هذه النقطة البعيدة المختفية من ذاكرتها ,وبدا على ملامحها بوادر الفشل فهزت رأسها بقهر وهى تقول:
-كلا .. لا أذكر..
قالت منى بصوت هادئ رصين:
-أنا السيدة التى احتضنتك وأنتِ تبكين منهارة ,ثم عرضت عليكِ العمل فى شركة الشرقاوى ..
انتفض جسدها بارتجافة حادة وقد ضربتها الحقيقة العائدة من أرض الضباب ,, فشهقت من هول الصدمة وهى تهتف:
-نعم .. تذكرتك .. أنتِ .. أتيتِ الى عزاء أمى .. وواسيتنى حتى هدأت ,ثم أعطيتنى ذلك الكارت قبل انصرافك وأخبرتنى أن أتقدم لشغل وظيفة بشركة الشرقاوى .. أنتِ لم تخبريننى وقتها بهويتك الحقيقية والا كنت تذكرت بسهولة ..
وأردفت بتمعن:
-لقد رفضتِ تماما الافصاح عن اسمك .. مرددة أنكِ كنتِ صديقة للمرحومة أمى ...
ونظرت لها مها باتهام واضح وهى تكشف كذبتها ,الا أن منى قامت بسحب البساط من تحت قدميها عندما قالت بلهجة قاطعة وهى تنظر اليها بثقة:
-أنا لم أكذب على عكس توقعاتك .. فسهام ليست مجرد صديقة لى .. بل كانت أكثر من ذلك كانت ... أختى.
ضربت مها على صدرها بفزع وهى تصرخ ارتياعا:
-أختك ؟؟ لا يمكن !! هذا مستحيل.


*****************

SHELL 04-01-21 12:29 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
غادر كريم مقر الشركة الذى يحمل اسم عائلته العريقة مبكرا على غير عادته ,ودونما تقديم أية أعذار الى ابن عمه رفيق ,الذى كان جالسا بمكتبه يضرب اخماسا بأسداس من حال ابناء عمومته ,وصل الأمر الى حد لا يمكن السكوت عنه , فسيف امضى اليومين السابقين فى المنزل مرابطا الى جوار زوجته بحجة الاطمئنان على صحتها ,, وها هو كريم الآن يغادر دون انذاره وقد كانا على موعد هام مع ممثل الشؤون القانونية لاحدى الشركات التى ترتبط معهما بأكثر من عمل واحد .. لا يمكنه أن يغفل عن مثل ذلك الموعد .. هتف بهذه الجملة هادرا بغضب أعمى فى وجه شقيقته التى تجرأت وأخبرته أن يلتمس العذر له .. وقال ووجهه محتقن بالدماء:
-ومنذ متى وأنتِ تتعبين نفسك بايجاد مبررات لتصرفاتهم اللا مبالية ؟
طوحت بيديها فى الهواء باعتراض قبل أن تقول متذمرة:
-لأن بالفعل الأمر بسيط ولا يستحق كل هذا القدر من الغضب ,تتصرف وكأنها نهاية العالم .. لن يتضرر العمل من بضعة ايام ,كما أن لقاءنا بهذا الممثل القانونى يمكن أن يؤجل للغد.
وقف رفيق يحملق فى وجه أخته التى انفرجت اساريرها اثر رنة قصيرة من هاتفها الخليوى معلنة عن وصول رسالة .. كانت تقرأ باهتمام نص الرسالة التى بعث بها جاسر:
" ويأتى يوم لا تشرق فيه الشمس لأن ابتسامتك لم تزيّن سماءها "
" وتتوقف فيه الأرض عن الدوران لأن طيفك غاب عنها "
" ويظل قلبى خافقا بنبض عشقك رغم انهيار تل آماله "
يا له من محتال منمق الحديث معسول الكلمات !
ربما قبل أن يتصالحا كانت لتفكّر فيه هكذا الا أنها لم تعد تشك فى صدق مشاعره نحوها ولا اعترافه بأنها الحب الأول والحقيقى فى حياته.
-ريم !! ما لكِ شاردة التفكير ؟ خيرا ان شاء الله ؟
صياحه الحاد كسر دائرة السحر وأخرجها من تيهها بعالمها الخيالى .. مع الحبيب .. المتفانى .. وعدها بأن يبذل قصارى جهده لتعويضها عما فات ,وحتى لا تندم على ما هو آتٍ ..
-هه .. لا شئ يا رفيق .. اسمع لا بد أن أذهب أنا الأخرى ..
-ماذا ؟ لا بد أنكِ تهذين , ستتخلين عنى الآن ؟
-اذا كان بمقدور كريم وسيف أن يتغيبا عن متابعة العمل ,فأنا أطالب بمبدأ المساواة ..
ثم ما لبثت أن اردفت بلهجة انتصار وهى تشير الى المرأة التى دخلت لتوها بعد أن سارعت لاحتضانها:
-وها قد أتت أميرة .. جئتِ بوقتك يا عزيزتى .. حسنا لن تصبح وحيدا الآن ,, معك حبيبة القلب وشريكة العمر وزميلة العمل ,فماذا تنتظر ؟هنيئا لكما .
ومنحت أميرة قبلة دافئة على خدها قبل أن تلتقط حقيبتها وتغادر على الفور قبل ان تفهم الأخيرة مغزى الحوار بينها وبين رفيق ,الذى وقف مبهوتا يراقب طيف شقيقته الذى اختفى .
جلست أميرة وهى تضع ساقا فوق الأخرى قبل أن تشير لزوجها متسائلة:
-ما الذى يجعلها تسرع بهذا الشكل للانصراف ؟ ولماذا كنت تمانع أنت ؟
لوى شفتيه استياءا قبل أن ينهار فوق كرسيه الجلدى المريح بثقل جسده قبل أن يغمغم بامتعاض:
-أعتقد أن السبب واضح كالشمس .. أنه هو السبب ..
-من هو ؟ لماذا تتكلم بالألغاز ؟
استطرد بملل:
-جاسر طبعا , اين ذهب ذكاؤك الخارق ؟ أيوجد غيره ؟ هو فى كل مرة .. أف ..
منحته ابتسامة دافئة مليئة بالحب والمودة قبل أن تكوّر أنفها بحركتها المشهورة وهى تداعبه بقولها:
-ألم نتفق أخيرا على نسيان هذا الأمر ؟
هتف بنزق:
-وكيف تريدين منى أن أنساه بهذه البساطة ؟
وفرقع باصبعيه بصوت مسموع وهو يردف بفتور:
-فى غمضة عين .. سيستغرق الأمر منى الكثير من الوقت.
-حسنا على الأقل تجاهله أو حاول التلهى عنه ..
-أننى أحاول جاهدا .. صدقينى الأمر ليس سهلا.
منحته ابتسامة تشجيعية وهى تمد يدها تتلمس أصابعه من فوق حافة المكتب وهى تقول والفرحة تغمرها:
-هذه خطوة للأمام وتعد تقدما ملحوظا .. وأنا واثقة بأنك قادر على تخطى هذه المرحلة الصعبة .
مد جسده الى الأمام ليداعب بشرتها الحريرية بأنامل خبيرة تدرك حركاتها ,وقد شلّ حركة يدها تماما قبل أن يضيف مبتهجا وقد تبدلت ملامحه الى النقيض:
-أميرتى .. لقد تخلى عنا الجميع , وكل مضى فى طريقه .. ألا يحق لنا نحن أيضا أن ننعم ببعض الراحة والاستجمام ؟
رفعت حاجبيها المقوسين عاليا بتعجب فيما أردف هو بلهجة ناعمة مثيرة:
-ما رأيك برحلة قصيرة ؟
-الى أين ؟
-لن أخبرك يا حبى .. فسوف أختطفك.
ثم غمز بعينه لها مداعبا .. كانت نبرات صوته ونظرات عينيه مغرية ,فغمرها الارتياح .. لقد عادت علاقتهما الى طبيعتها المنفتحة بحب وتفاهم .. وقد انتهت آثار العاصفة التى نثرت الرمال فى وجهيهما .. واستسلمت بكليتها تاركة له دفة القيادة , حيث السعادة تقبع فى انتظارهما .. لينهلا من نبعها المتدفق.



******************

SHELL 04-01-21 12:31 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
ترددت هناء كثيرا فى ذهابها الى المؤسسة الخيرية وانما فى نهاية الأمر حسمت ترددها وقررت المواجهة .. لن تخشَ شيئا بعد اليوم .. ولن تقبع متهربة من قرار هام مصيرى .. صلاح ينتظر ردها على عرض الزواج الذى قدّمه لها بفارغ الصبر .. لم يحصل منها سوى على همهمة خافتة ونظرات زائغة غير مصدقة .. بدا وكأن الزمن قد توقف بهما لحظتها ,بل شعرت أن العالم بأسره قد خلا الا منهما ,اختفت معالم الدنيا من حولها وعادت شابة صغيرة تخطو بقدميها تتعثر بخلجات الحب الأولى .. تغمرها نظرات الحبيب العاشق بجنون فى حنان ورقة ,ربما تاقت بشدة لأن تسمع منه هذا العرض وأحلامها كل ليلة خير شاهد على ذلك ,الا وأنه لشدة العجب حينما تحقق على أرض الواقع شعرت برهبة كبيرة وصلت لمرحلة الهلع .. كيف يمكنها أن تتزوج ثانية وهى على مشارف الخمسين من عمرها ,بل وكيف تخبر ابنها الوحيد بهذا ,لا ... لن تحطّم حياته وتبعثرها اشلاءا .. أنه يحب هديل - ابنة صلاح - فقد سبق واعترف لها بمشاعره العميقة تجاهها ونواياه الجادة فى الارتباط بها .. حينما أخذها لتشاهد الفيلا الجديدة التى يشيّدها .. أدركت الأمر دون أى تفسير منه ,هو لم يقلها صراحة أن المنزل من أجل هديل ولكنه أخبرها بأن الفيلا سوف تقسم الى جزءين واحدا من أجلها والآخر سوف يصبح له بعد زواجه .. أمسك بيدها فى حنان وقال بصوت متهدج ملئ بالعاطفة:
-هذا بيتك يا امى .. شيّدته خصيصا لأجلك .. سوف نعيش هنا سويا .. بعد أن أتزوج.
سألته باندهاش:
-ومنزل العائلة ؟
انحنى ليلثم أناملها بشفتيه الدافئتين قائلا بمودة:
-سيظل منزل العائلة .. ولكننا سنسكن هنا , أريدك أن تكونى مرتاحة وسعيدة.
مسحت على شعره ذى الخصلات المجعدة عدة مرات وقالت بصوت يفيض امتنانا وحبا:
-بارك الله فيك يا بنى .. ورزقك الخير ..
أحس كريم بها دون أن تنطق بكلمة .. شعر بغربتها وسط عائلتها .. وآن الأوان لتحصد ثمار زرعها الذى بذرته فى تربة صالحة .. وروته بمحبة واعتنت به حتى نما .. وجاء الدور عليه ليرد لها تضحيتها وان لم تنتظر منه مقابلا أبدا .. أصبحت تمتلك بيتا باسمها .. هى سيدته الأولى والوحيدة ..
عادت لواقعها من جديد وارتدت أبهى ثيابها .. كانت واقفة أمام المرآة تضع زينة خفيفة على وجهها .. بعض الحمرة فوق خديها .. ولمسة من طلاء شفاه بلون فاتح .. لن تهرب من صلاح , سوف تذهب اليه لتعلن رفضها من أجل مصلحة ابنها .. لن تتخلى عنه الآن .. كيف ستقترن برجل يتمنى كريم أن يصاهره ويتزوج من ابنته ؟ لن تفعلها طبعا .. ولكم تود لو يتفهمها صلاح ويقدّر موقفها .. اعتمرت قبعة أنيقة فوق رأسها ووضعت نظارتها الشمسية لتخفى عينيها المسهدتين الذابلتين من آثار الأرق والتفكير.
واتخذت طريقها الى الأسفل ,وقبل أن تخرج مرّت على غرفة حماتها .. طرقت الباب عدة مرات ثم سمعت صوتا واهنا يطالبها بالدخول.
مشت بخطوات متمهلة بينما انطبعت ابتسامة حقيقية على شفتيها وهى تتطلع الى زوجة عمها التى كانت تجلس على مقعد مواجه للشرفة الزجاجية بينما توليها ظهرها ,أدارت المرأة العجوز رأسها ببطء لترى من القادم وبادلتها الابتسام بمحبة وهى تقول مرحبة:
-أهلا هناء .. تقدمى يا ابنتى .. تعالى .
انحنت فوق قامة المرأة الضئيلة لتطبع قبلة رقيقة على وجنتيها وهى تقول:
-صباح الخير يا ماما .. كيف حالك اليوم ؟
-بخير والحمد لله , اجلسى بجوارى وأخبريننى عن أحوالك أنتِ .. والمؤسسة الجديدة .. هاه هل تسير الأمور كما خططتِ لها ؟
أجابت هناء وهى تتمدد فى جلستها سامحة لكاحلها المريض أن يتراخى فى أريحية تامة وكانت آلامه تعاودها من حين لآخر:
-الحمد لله .. بدأنا العمل بجد ونشاط .. ولكننا ما زلنا بحاجة الى موظفين آخرين .
ربتت العجوز على يديها بعطف وهى تقول بصوت مرتعش:
-اعتمدى على صلاح فى هذا الأمر , ألا يعاونك فى ادارة المكان ؟
رغما عن ارتدائها لنظارتها ذات العدسات البنية والتى تخفى عينيها الا أنها شعرت بنظرات حماتها المدققة تعريها كاشفة عن روحها .. لن تصمد طويلا .. سوف تعترف لها بالأمر .. تحتاج الى شخص تثق فيه لتفضفض اليه بما يعتمل فى نفسها ,قالت بهزة من رأسها :
-نعم ,يساعدنى فى كل شئ.
قالت شريفة بمغزى :
-أكثر الله من خيره ,, فلولاه لما كنتِ .. استطعتى انجاز أى شئ ,أنه رجل نزيه ويُعتمد عليه ..
رقص قلب هناء طربا لاطراء حماتها الصريح لصلاح ,فيما أردفت العجوز متسائلة وهى تتصنع البراءة:
-أعتقد أنه أرمل .. أليس كذلك ؟
سارعت هناء تجيب قائلة :
-نعم .. توفيت زوجته منذ مدة طويلة.
-أنه رجل يصون العشرة ويقدّرها .. فقد استطاع البقاء عازبا وتفرّغ لتربية ابنته رافضا الاقتران بأية امرأة أخرى .. صحيح ؟
لم تدرِ هناء ما الغرض من وراء هذا الحوار الذى يدور عن صلاح والثناء عليه ,فالتزمت الصمت مكتفية بايماءة من رأسها من حين لآخر.
الى ان فاجأتها بقولها:
-أليست ابنته .. تلك الفتاة التى تعمل سكرتيرة لكريم ؟ ماذا كان اسمها ؟
وأخذت تحك جبهتها متظاهرة بالتفكير العميق فلم تجد هناء بدا من أن تقول ببساطة:
-اسمها هديل .. وهى فتاة جميلة ومهذبة جدا.
-نعم .. نعم .. هديل .. يا له من اسم رقيق لفتاة جذابة .. هناء .. ألم يحن الوقت للبحث عن زوجة من أجل كريم ؟
تراجعت هناء فى مقعدها مذهولة من تغيّر مجرى الحديث الفجائى وقالت تحاول مداراة ارتباكها:
-بالطبع يا ماما .. ولكننى أنتظر أن يفاتحنى هو بالموضوع .
-لقد تجاوز الثلاثين من عمره .. واذا ما انتظرنا الى أن يتحرك هو بالخطوة الأولى فأعتقد اننا سننتظر طويلا ولن اعيش لأرى أبناءه ..
قاطعتها هناء بلهفة ممزوجة بقلق حقيقى:
-بعد الشر عنك .. أطال الله لنا فى عمرك وبارك لنا فيكِ .. لا تقولى هذا الكلام مجددا يا ماما.
ابتسمت شريفة بهدوء وقالت فى رصانة:
-حبيبتى ان الموت علينا حق ,, ومن ينكر هذا فهو اعمى البصر والبصيرة .. عليكِ أن تمسكى بزمام الأمور يا هناء .. لو كان والده حيا لكان تولّى هو الأمر بنفسه ..
واختنقت الكلمات فى حلقها بينما امتلأت عيناها بالدموع .. دموع الحزن واللوعة على فراق ابنها الحبيب ..
ما زالت تتأثر بذكرى وجدى كلما مرت عليها .. حتى بعد مرور ما يزيد عن عشرة أعوام ..
-ماما .. أرجوكِ .. لا تبكِ .. حسنا سوف أحادثه , لا تحزنى .. ارجوكِ.
مسحت شريفة عينيها بطرف اصابعها بكبرياء وقالت منتحبة:
-لا , لا .. سيقوم محمد بهذا الدور بدلا منكِ .. ولكننى اتكلم عن اختيار العروس .. الجديرة بكريم والتى تليق به وبمقامه ومستواه الاجتماعى.
هتفت هناء متوسلة:
-بالله عليكِ يا ماما .. أما حان الوقت لنتوقف عن ترديد مثل هذا الكلام , لم تعد هناك اية اعتبارات للمقامات ومسألة الغنى والفقر , فالزواج يُبنى على التفاهم والتوافق الفكرى والمستوى الثقافى .. وايضا على العواطف والمشاعر.
لاح شبح ابتسامة ضعيفة على شفتى المرأة الاكبر سنا وهى تقول موضحة:
-لم أقصد هذا بتاتا .. عنيت بالملائمة الاجتماعية له ان تكون ذات مستوى ثقافى عالٍ وتصلح لأن تكون زوجة مناسبة وأم مثالية ,, ولم اشر مطلقا الى المستوى المادى .. فالثراء الحقيقى هو ما ينبع من النفس ورقيّها وليس مجرد رزمة أوراق نقدية بالجيب أو بحساب فى البنك.
لكم تغيّرت نظرتها الى الزواج والارتباط بشكل خاص والى الحياة بشكل عام .. بعد أن دفعت الثمن غاليا هى وأبناؤها .. ثمنا فادحا كلفّهم الكثير من سنوات العمر الضائعة.
تأهبت هناء للانصراف وهى تودّع حماتها بقبلة على جبينها بينما تقول فى حماس:
-لا تقلقى سوف أبحث هذا الأمر معه قريبا وان كنت أعتقد أنه لن يستمع الىّ فهو عنيد متصلب الرأى ,, ولن يسمح لى بالتدخل فى اختياره الخاص لمن ستشاركه حياته , أراكِ لاحقا يا ماما.
-الى اللقاء يا بنيتى .. وفقكِ الله وسدد خطاكِ.
وشيّعتها بنظرات مودّعة وهى تأمل أن تنعم هى وابنها بالسعادة على حد سواء بعد معاناة طويلة ,, فلم تملك هذه المرأة من اسمها شيئا ,, لم تهنأ يوما واحدا منذ تزوجت ابنها .. وهى مصرّة أن تعوّضها عن الماضى وآلامه ,لن تقف حائلا بينها وبين راحتها .. لم تصارحها بأن صلاح قد طلب وساطتها من أجله لتفاتحها بموضوع الزواج منه ,, ستنتظر الوقت المناسب .. طمأنت نفسها أن تأخير بضعة ايام لن يضر أحدا .. ستقف محايدة وان كانت تشعر بطعنات حادة فى صدرها , كلما فكّرت أن هذا الرجل سوف يأخذ مكان ابنها الراحل ,وهى تشهد بنفسها على مدى اخلاص كنتها ووفائها لذكرى المرحوم حتى بعد هجره القاسى لها ,فلترتشف بعضا من قطرات السعادة المؤجلة .. هذا هو حقها الأصيل الذى لا يمكن انكاره عليها.
كما أنها تعد هناء بمثابة فريال فقد ربتها كابنتها لم تفرق بين أحداهما .. وهى لم تعترض على زواج فريال من مجدى بعد أن توفى زوجها ناجى فلا يمكن أن تقف عند هناء وترفض ذات الشئ بالنسبة لها , فالاثنتان كانتا أرملتين بظروف متشابهة كثيرا.



****************

SHELL 04-01-21 12:34 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
-ليلى .. حبيبتى .. ألا يكفى هذا اليوم ؟
هتف خالد بصوت متعب وقد بدت على وجهه آثار الاجهاد والارهاق.
تصاعدت ضحكات ليلى عالية وهى تدور حوله بسعادة قائلة:
-ماذا ؟ أأصابك التعب مبكرا هكذا يا حبيبى ؟ أننا ما زلنا فى أول الطريق.
شاركها الضحك وهو يجذبها نحوه قائلا:
-كلا .. لا أشعر بأى تعب وأنتِ الى جوارى .. أنا على أتم استعداد لأن أقضى عمرى كله معكِ فى اى مكان تريدينه ,ولو كان مصيرنا اللف والدوران فى الشوارع.
قالت بدلال وهى تتمايل برأسها فى حركة محببة جعلت خصلات شعرها تلامس وجهه برفق:
-سوف أطالبك يوما بالوفاء بهذا الوعد .. حينما تغضبنى سوف أقوم بتذكيرك به.
قال وهو يضم خصرها بذراعه الحرة بينما الأخرى محمّلة بأكياس المشتروات :
-أنا ؟؟ أغضبك ؟؟ لا يمكن أبدا ان يحصل هذا ..
قاطعته بلهفة قائلة:
-أبدا ؟؟ ابدا ؟؟
-والى آخر يوم فى عمرى .
تباطأت خطواتها وأشارت الى كافتيريا قريبة وهى تقول بتثاقل:
-حسنا .. ولكننى عطشى للغاية .. اشعر بأننى سأموت .. لمَ لا نتوقف لنحتسى مشروبا منعشا ؟
نظر لها مندهشا وهو يقول ممازحا:
-هاه .. من منّا المتعب الآن ؟ اذن تعترفين بالهزيمة ؟
مطت شفتيها استياءا وقالت بلهجة طفولية:
-لا .. لست متعبة فقط ارغب فى تناول عصيرا طازجا .. أهى جريمة ؟
داعبها برقة هاتفا:
-ليست جريمة طبعا .. أحلامك أوامر يا غاليتى.
صاحت بلهجة انتصار منتشية:
-هكذا يكون الكلام .. هيا ..
توقف ليسمح لها أن تتقدمه الى الداخل بينما يتبع خطواتها الرشيقة الواثقة وهى تدلف الى داخل الكافتيريا المعروفة التى تقع باحدى المجمعات التجارية الشهيرة حيث كانا يتسوقان طوال النهار.
أزاح لها الكرسى الى الوراء بحركة أنيقة بينما جلس هو قبالتها واضعا أحماله على الطاولة فمنحته ابتسامة جذابة وهى تقول برقة:
-أتعرف .. لم اشعر بمتعة كبيرة منذ وقت طويل كاليوم ؟ اشعر بأننى حرة أطير وأرفرف كالطير فى السماء.
رفع حاجبيه عاليا وهو يقول متسائلا:
-ألهذا الحد أنتِ سعيدة ؟
هتفت بسرعة:
-طبعا ..
ثم أردفت بصوت أقل ارتفاعا وأشارت له حتى يقترب منها كمن يود قول سرا:
-ولا أخفى عنك أن سر سعادتى الحقيقية يكمن فى استطاعتى الانسلال من وراء ظهر أمى والا لكنت الآن .. ترافقنا نحن الاثنتين معا.
تراجع الى الوراء يتنهد ارتياحا قبل أن يقول:
-لا هكذا افضل .. والا ما كنا اشترينا أى غرض ,فوالدتك لا يعجبها العجب بحد ذاته.
قالت تداعبه بخفة:
-آه لو سمعتك ماما .. لأفسدت الزيجة بأكملها.
أخذ يتلفت حوله وكأن من يتحدثان عنها ستأتى فور ذكر اسمها ثم قال بحنق:
-لا أعرف لمَ تكرهنى أمك الى هذا الحد ؟
ربتت ليلى على كفه الذى أراحه على الطاولة وهى تقول مشجعة:
-هى لا تكرهك يا خالد .. ولكن هذه هى طريقة أمى فى الحياة .. لا تريد الا أن تُطاع ,لا تحب من يناقشها بأوامرها .. حتى ابى لا يجرؤ على معارضتها.
وأردفت عبارتها الأخيرة بمزيج من الحزن والانكسار.
مما دفع خالد فى محاولة لدرء الهم عن محبوبته الحسناء أن يقول بجدية وان طغت رنة المرح على صوته:
-هذا من الماضى .. فأنا لا أقبل بتاتا بهذا الوضع مع كامل احترامى وتقديرى لعمى سليم ,لا تحلمى بأن أسير على هواكِ ..
قلبت شفتيها وقالت معاتبة ايّاه:
-أهكذا ؟؟ حسنا سوف أخاصمك.
غازلتها عيناه بلا هوداة وهو يقول متلاعبا بالألفاظ:
-ولكننى أسير هواكِ .. يا منى القلب.
ما كادت أن تبتسم حتى عادت للعبوس من جديد وهى تقول بتكشيرة عريضة:
-من منى هذه ؟
ورفعت اصبعا أمام وجهه بتهديد هزلى وهى تستطرد بلهجة عابثة:
-اذكر اسم أية أمرأة اخرى أمامى وسوف لن تعجبك النتائج يا سيد خالد.
فيما جاءهما النادل بطلبهما من عصير المانجو الطازج ,كان خالد يرتشف من كوبه ويحدّج ليلى بنظرات شاملة حتى صاح فى تلذذ واضح:
-لذيذة جدا.
سألته ليلى بغيظ واضح:
-أتحبها الى هذا الحد ؟
هتف ببراءة مصطنعة:
-نعم ,, أهواها الى درجة لا يمكننى الاستغناء عن وجودها بحياتى ...
ثم أردف بصوت أجش من العاطفة الفياضة التى تدفقت من عينيه وهو يكاد يلتهمها بنظراته :
-ترى هل توافق والدتها على تقديم موعد عقد القران ؟ ما رأيك أنتِ ؟
انتبهت ليلى الى المعنى الخفىّ المزدوج لكلماته فارتبكت بعض الشئ قبل أن تغمغم بخجل وحياء:
-لا أعرف .. ربما يتعيّن عليك أن تحاول بنفسك مع أمها هذا اذا كنت تحبها كما تدّعى ولا تقوى على بعدها عنك.
غمز لها بخبث وهو يقول بهدوء:
-عين العقل .. هذا هو الكلام الصحيح ,سأفعل.
وجلسا باسترخاء يتبادلان أحاديثا وديّة ويتسامران بدون ان يشعرا بتسرّب الوقت من بين أيديهما.
كانت ليلى تفكر بصمت : أن خالد هو النقيض تماما لوالدها , كما أنه يختلف كثيرا عن سيف وهذا ما كانت تبحث عنه .. لا تريد ان تتجدد مأساة حياتها , أنها تسعى وراء الاستقرار والهدوء.


*******************

SHELL 04-01-21 12:36 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
عاد سيف أدراجه الى غرفته بعد حوار طويل دام لساعة كاملة مع والده .. والذى من خلاله عرف الكثير والكثير عن ماضى والديهما المشترك ,هو ومها زوجته الأثيرة من دفعا فاتورة الذنوب كاملة ,ولكن لهول الصدمة التى وقعت عليه كالصاعقة أن مها ليست مجرد فتاة تنتمى لعائلة معادية لهم وليست مجرد ابنة الرجل الذى كان خاطيا لوالدته قبل أن تتزوج من أبيه بعد قصة حب عنيفة مليئة بالتحدى والصراعات الطويلة مع عائلة والده وبالأخص جده عبد العظيم الذى لم يستسغ فكرة ان تكون تلك السكرتيرة النكراء كنة له وأما لحفيده , أن مها تمت له بصلة قربى أكثر التصاقا مما يمكن لخياله أن يتصور .. أنها ابنة خالته , نعم والمفاجأة أن سهام - أمها - أختا غير شقيقة لأمه هو ... كان قرار والديه بعد اتفاق بينهما ألا يخفيا عنهما أية تفصيلة ولو كانت صغيرة تتعلّق بهذا الماضى الأسود الذى انغمس الجميع فيه دون جريرة منهم ,, مها .. حبيبته .. لها كامل الحق فى نيل رعاية وحماية والديه ... وان تخلّت أمه عن لعب دور الخالة لعدة أسباب .. أحداها أن علاقتها بأختها سهام لم تكن على ما يرام حتى قبل أن تتزوج من كمال الراوى ,والسؤال الذى كان ملحّا هو لماذا لم تعترف أيا منهما بصلة الدم التى تربطهما معا بعروة لا تنفصم ؟
لم يروِ فضوله تلك الكلمات المتناثرة بحساب والتى ألقاها والده على مسامعه عن خلافات قديمة بين الأختين , حيث كانت منى هى الابنة الكبرى لزوجين سعيدين متحابين ولكنهما يعيشان على هامش الحياة يملكان فقط قوت يومهما .. حتى توفى الزوج الذى كان يعمل بشركة احدى العائلات الثرية التى تنتمى للطبقة المخملية بالمجتمع ,, وبالطبع سقطت الزوجة فى دوامة الحياة التى ابتلعتها حتى توفّر لابنتها الصغيرة التى لم يتجاوز عمرها الثلاثة اعوام الضروريات اللازمة من مأكل ملبس وغيره ,وداخت كثيرا حتى تنال معاش زوجها الذى لم يكن يكفيها هى وابنتها عشرة ايام بالشهر ... ولم تجد مفرا من اللجوء لمالك الشركة , الرجل القوى صاحب النفوذ الواسع والثراء الفاحش .. وتكررت القصة القديمة المستهلكة .. رجل فى أوائل الأربعينات يملك كل شئ وامرأة صغيرة السن جميلة بمنتصف العشرينات فقيرة تسعى وراء تلبية احتياجات ابنتها الوحيدة دون سند أو معين فى الدنيا الواسعة , سال لعابه حينما وقع بصره عليها وظن أنها ستكون مجرد لقمة سائغة له الا أنها فاجأته برفضها لعرضه المشين حيث كان متزوجا من أخرى ولديه منها ولدين ولم يتردد فى أن يراودها عن نفسها فى مقابل حفنة من الجنيهات كمرتب شهرى لها نظير خدماتها الخاصة .. وبعد رفض قاطع أذلّ الرجل ومرغ كرامته فى التراب من أجلها .. توّسلها حتى توافق على الزواج منه وقد ايقن أنه السبيل الوحيد للحصول على تلك المرأة رائعة الجمال والتى يضاهى حسنها نجمات السينما اللامعات ... وبالنهاية حصل عليها كزوجة ثانية بالخفاء ثم انتهى به الأمر مجبرا على اعلان زواجه منها بعد أن ظهرت معالم الحمل جلية عليها ولم بعد هناك بدا من الاعتراف بهذا الطفل القادم ,, فى مقابل التخلّى عن ابنتها الكبرى .. ولم يتزحزح الرجل عن شرطه القاسى ... وهكذا افترقت الأم عن ابنتها منى التى ذهبت لتعيش مع جدّيها لوالدها بينما بقيت هى ترعى ابنتها الوليدة سهام فى كنف زوجها الثرى.
دامت القطيعة الجبرية بين الأم وابنتها البكريّة لسنوات حتى وقعت الأم صريعة لمرض قاتل , كانت تصارع الموت تتعلّق بالحياة بخيط قصير وأرسلت فى طلب ابنتها ,, منى ,, التى هرعت اليها رغم المرارة والحزن الدفين فى قلبها فقد نشأت يتيمة الأب ومحرومة من حنان الأم , وتعرّفت الى أختها لأول مرة منذ خمسة عشر عاما ..
أفاق سيف من رحلته الطويلة مع أفكاره الشاردة .. وهو يتطلّع بصمت رهيب الى وجه زوجته الشاحب دلالة على أنها قد عرفت بالقصة كاملة مثله .. قامت أمه بمهمة تعريفها .. بينما قام والده بالمثل معه .. كانت للعداوة أصول وجذور ضاربة بعمق ... سيكون عليهما أن يتغلّبا عليها لاستمرار الحياة بينهما بصورة طبيعية ..
كانت مها مستلقية بفراشها تحس بمرارة العلقم فى حلقها بعد أن تم ايجاد الحلقات المفقودة فى الحكاية وايصالها ببعضها البعض حتى أضحت السلسلة مكتملة وظهرت الصورة البشعة للواقع , وهى التى كانت تعتقد أن ما عرفته حتى صباح اليوم كان كفيلا بجعل حياتها مستحيلة مع سيف , فما بالها بعد أن رمتها خالتها منى بتلك الحقائق المروعة بوجهها دونما رحمة أو شفقة , او مراعاة لظروف حملها الغير مستقرة ...
تتبعت بنظراتها الضائعة المنكسرة وصول زوجها وقد بدت على وجهه معالم الاستياء والأسى .. لم تكن بحاجة لذكاء خارق حتى تستكشف أنه على علم الآن بما تعرفه هى .. وخفق قلبها مرتجفا فى صدرها كطير ذبيح يتراقص فوق منصة الاعدام ... ولم تكتفِ حماتها بكشف المستور عن علاقتها بوالدتها ولكنها بذرت فى نفسها الشك تجاه أمها حينما أعلمتها وبكل صراحة ووضوح أنها - أى أمها - كانت تهيم عشقا بسامى - شقيق والدها التوأم - وهذا قبل اقترانها بكمال ... الا أنه ما لبث أن تخلّى عن حبهما مفضلّا السفر الى الخارج ليحصل على فرصة افضل للعمل تاركا ورائه قلبا جريحا وجرحا لا يندمل.
ما أكّد حديثها وانها لا تدّعى كاذبة على أمها أن العلاقة بين والديها كانت دائما متوترة مشوبة بالحذر والتربص .. حتى كان يوم وفاة والدها .. وصوت أمها الملتاع يتردد صداه فى اذنيها :
-سامى ارجوك لا تتركنى ... سامى ..
كانت تنادى على حبيبها الذى هجرها بينما زوجها يلفظ انفاسه الأخيرة , أتكون قد رضت بالزواج من أبيها لمجرد التشابه الخارجى فى الشكل بينهما لأنهما توأم متماثل , أم أنها قد أحبته باخلاص ؟
ظلت دوائر الاسئلة المتشابكة تتقاطع وتتقاطع حتى شعرت بالدنيا تظلم من حولها وأنها تسقط فى بئر عميق جدا ... صرخة انطلقت من حلق زوجها كانت آخر ما تناهى الى سمعها وهو بهتف باسمها بمزيج من الحب واللوعة .. وساد السكون الرهيب ...




********************

SHELL 04-01-21 12:38 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
قادر سيارته بسرعة غير اعتيادية كأنه يحاول سباق الزمن أو كأن حياته متوقفة على تلك المقابلة .. لن يتوانى عن اثبات حبه وتقديره العميق لها .. وهو على أتم استعداد لمواجهة الكون بأسره من أجلها .. لتصبح له ,, حبيبة وزوجة وشريكة لعمره .. حينما يعود الى الوراء بذاكرته لا يصدّق انه قد اضاع سنوات وهى أمام عينيه بدون أن يراها حقيقة أو يشعر بوجودها .. حقا كانت تلك النسمة الرقيقة التى تهب فى العصارى , كانت الوردة الندية التى ينتشر شذاها , كانت أيقونة للبراءة والاخلاص والتفانى .. سيخطو بقدميه العاريتين فوق جمرات مشتعلة فقط لأجل خاطر عينيها العسليتين الناعستين , ليمحو من على وجهها علامات الاشمئزاز والاحتقار حينما اعتقدت خطأ أنه يعرض عليها أن تصبح خليلته بدلا من زوجة شرعية , ليرسم البسمة من جديد فوق شفتيها الورديتين الناعمتين , ليحظى بحبها وحنانها الفائقين اللذين أغدقتهما عليه سابقا بلا حساب ,, سيدفع نصف عمره ليعود أدراجه الى تلك الايام البعيدة وهى تطل عليه كل صباح مشرقة كالشمس التى تنير حياته وتذيب جليد قلبه .. يا لها من ذكريات ! وهو كان اشبه بالتمثال الشمعىّ متحجر القلب متصلب الفكر .. لا ينظر لها الا بخيلاء من عليائه .. هزمت تلك الفتاة الضئيلة الحجم الرجل القوى ضخم الجثة وبالضربة القاضية دونما أن تحرك أصبعا أو تهتز لها شعرة برأسها ..
وصل الى حيث مقرالمؤسسة الخيرية وقلبه ينبض بأمل فيما عقله يعمل بسرعة الصاروخ من أجل ايجاد الطريقة المثلى لمواجهة صلاح وحمله على الموافقة على زواجه من ابنته .. هديل .. الحبيبة .. الغالية.
ما أن وطئت قدماه أرض المبنى المتسع حتى أحس بضربات قلبه تتزايد بسرعة جنونية .. ولم تخفت تلك الدقات حتى وهو يدلف الى داخل الغرفة التى يحتلها صلاح حيث رآه جالسا خلف المكتب الخشبى وهو يعقد ذراعيه مستندا على السطح الزجاجى ويبدو أنه غارق بعالم آخر ..
انطلق النداء قويا من بين شفتى كريم:
-عمى صلاح ..
الا انه لم تصدر عن الرجل الخمسينى أية اشارة تدل على انتباهه لوجوده مما اضطره لأن يعيد النداء بصوت أكثر علوا وهو يقترب من المكتب حيث وقف شامخا أمامه مشرفا عليه ,انتفض صلاح هذه المرة وقد بدا على وجهه دلائل الذهول والدهشة فهتف قائلا:
-كريم .. ما الذى أتى بك الى هنا ؟
ارتسمت على شفتى كريم ابتسامة مرتبكة وقد تفاجأ بهذا الاستقبال الغير مرحب فسارع ليقول متلعثما:
-آسف على ازعاجك .. ولكننى ..
قاطعه صلاح وقد نهض من مقعده ليصافح اليد الممدودة اليه ثم أردف بلهجة أكثر ليونة ودفئا:
-مرحبا بك يا بنى .. لا يوجد ازعاج أبدا فى مجيئك .. المكان مكانك .. كل ما فى الأمر أننى كنت شاردا بعض الشئ فلم أنتبه لحضورك .. تفضل بالجلوس يا كريم.
شعر كريم ببعض الراحة تنسل الى نفسه وهو يجلس كما اشار له صلاح بينما يضغط على زر الى جواره وهو يسأله بلهجة ودية:
-ماذا تشرب ؟ قهوة ؟
-نعم من فضلك.
جاء الساعى مسرعا لتلبية طلب المدير ثم اختفى بذات السرعة حاملا طلبهما.
قال كريم ببساطة:
-وددت المرور عليك فى وقت أبكر .. ولكن أنت تعرف مشاغل العمل ومسؤولياته.
-كان الله فى عونك ..
التفت اليه صلاح بكامل اهتمامه وهو يستطرد مرحبا :
-وأهلا بك فى أى وقت .. يسعدنى أنك قررت المجئ , لن تصدق فقد كنت أفكر فى المرور عليك بنفسى .. اردت محادثتك.
ارتفع حاجبا كريم عاليا وهو يميل برأسه قليلا يحدّق فى وجه محدثه محاولا سبر أغواره قبل ان يسأل باهتمام:
-خيرا ان شاء الله ؟
تراجع صلاح بمقعده الى الوراء وأصابع يديه تتشابك معا فى دلالة واضحة على تردده ولكنه أخيرا حسم أمره وقال بلهجة جدية ورزينة:
-خيرا طبعا .. لا يوجد ما يجمعنا سوى الخير.
أومأ كريم برأسه ايجابا وقد اتسعت ابتسامته وهو يقول بشرود:
-وأنا أيضا كنت أود مفاتحتك بأمر ما .. ولكن لتبدأ أنت أولا .. تفضل.
رمقه صلاح بنظرة تساؤلية عميقة وهو يقول ببساطة:
-ألم تتحدث معك والدتك مؤخرا ؟
انعقد حاجباه بقوة قبل أن يغمغم متوترا وقد داهمه احساسا بعدم الارتياح:
-ماما ؟؟ وما شأنها بالموضوع ؟
هز صلاح رأسه وهو يقلّب الأمر فى ذهنه .. على ما يبدو أنها لم تصارح ابنها برغبته فى الزواج منها .. ايعنى هذا أنها مقدمة على رفضه ؟ والا لكانت حاولت استشارة كريم فى هذا الأمر اذا كانت نيتها بالموافقة عليه.
نظر اليه مطولا وعميقا ثم هتف:
-لأن الموضوع الذى أريد محادثتك بخصوصه يتعلّق بوالداتك .. وبى.
-حقا ؟؟ يا لها من مصادفة اذن , فالامر الذى يشغلنى يتعلّق بهديل .. وبى.
تبادل الرجلان نظرات حادة مدققة كلا منهما يراقب غريمه ليصل الى مدى قوته .. محاولا السيطرة على الوضع .. ايعقل أنهما ستحدثان عن ذات الشئ ؟؟
هتف الاثنان فى نفس واحد بأول كلمة تبادرت الى ذهنيهما:
-الزواج ...



******************

SHELL 04-01-21 12:41 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
انتهى الفصل الرابع عشر


https://pa1.narvii.com/6879/0b8c1c10...320-139_hq.gif

SHELL 04-01-21 12:44 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
باقى كده فصل واحد والخاتمة بإذن الله

bluemay 04-01-21 09:10 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

نظراً لانتظامك في تنزيل الرواية ، واستمرارك في العطاء رغم عدم التشجيع

*تم تثبيت الرواية*


مع تمنياتنا لك بدوام التوفيق والنجاح

تقبلي خالص ودي



°•○اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي○•°







SHELL 22-01-21 07:55 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
الفصل الخامس عشر والأخير

https://www.sqorebda3.com/vb/attachments/38802/

ارتدت ريم ثوب السهرة البنفسجى والذى انتقته بعناية فائقة من بين عدة اثواب بعد عناء وبحث طويل .. حيث أنها شعرت بأنه مصنوع من أجلها أول ما وقعت عيناها عليه .. أنه أكثر من ملائم لحفل عقد قرانها .. على حبيب الروح والقلب .. جاسر .. وقد استسلم لرغبتها المصرّة على أن يُقام هذا الحفل بمنزل العائلة وتعللت بأنها تريد السير على نهج أخيها الذى سبق وفعلها بالرغم من عرض الجد عبد الله السخىّ من أجلهما .. وهو يحاول مناشدتهما الموافقة على اقامة الحفل فى أحدى كبرى القاعات التى تليق باسم وسمعة الشرقاوية .. وربما كان منبع اصراره الى أن جاسر هو حفيده الوحيد وأراد أن يمنحه شيئا مميزا خاصا به هو وعروسه والتى تنتمى لذات العائلة العريقة .. بيد أن جاسر كان قد سبق وأخبره بأنه لن يتراجع عن وعد قطعه لخطيبته .. وهو أنه سيحقق لها كافة رغباتها دونما مناقشة أو مراجعة .. وأضاف بتصميم واصرار:
-أنه حفلها الخاص وهى ملكة هذه الليلة فرغباتها أوامر بالنسبة لى.
وحتى ووالدته تبذل قصارى جهدها لاثنائه وحمله على تغيير خططه بحجة أن هذا الاحتفال يخصه هو الآخر فعلّق بصبر وأناة قائلا:
-يرضينى ما يجعلها سعيدة وهانئة ومرتاحة.
فاكتفت والدته بمصمصة شفتيها فهى على الرغم من العلاقة الطيبة التى تربطها بكنتها المستقبلية لا تريد ان يصبح ابنها لعبة بين يديها .. أرادت منه أن يثبت قوة شخصيته وقدرته على اتخاذ القرارات وان تناست أنه من الرجولة أن يبرّ بوعده وأن يحافظ على الأمانة التى تعلّقت بعنقه مراعيا لمشاعرها ومحاولا اسعادها بكافة الطرق ..
ابتسمت ريم لنفسها وهى تنظر لانعكاس صورتها فى المرآة بعد أن أنهت ارتداء ثيابها ووضعت ظلالا خفيفة على جفونها ولمسات رقيقة من طلاء شفاه أظهر امتلاء واكتناز شفتيها بينما تلونت وجنتاها بلون وردى دون الحاجة الى حمرة صناعية .. وتألقت عيناها ببريق مشع جذاب .. رأت فتاة حسناء هيفاء بقدّها الرشيق وقد منحها حذاؤها ذى الكعب المرتفع طولا اضافيا ,, هى فى أمس الحاجة له لأن جاسر يفوقها طولا بأكثر من عشرين سنتيمترا .. والأهم أن رضاها الداخلى وراحة بالها قد تركت أثرا واضحا على ملامحها التى تراخت فى هدوء واشراق .. كانت باختصار عروسا بارعة الحسن .. بينما ابتسامة عريضة لا تفارق شفتيها ..
سمعت وقع طرقات متتالية على باب غرفتها وصوت شقيقها يتعالى محتجا:
-ريم .. ريم .. افتحى الباب .. الجميع بانتظارك.
هرولت مسرعة باتجاه الباب وهى ترش بضعة قطرات من عطرها الانيق ذى الرائحة الوردية حول معصميها وخلف أذنيها ,وفتحت الباب لتطالع رفيق الذى كان مرتديا حلة رمادية اللون ومن تحتها قميصا باللون الأزرق السماوىّ تاركا أعلى زرين مفتوحين بلا ربطة عنق فى اشارة واضحة لميله للجموح ورفضه القيود .. وما أن لمحها حتى أطلق صفيرا طويلا قبل أن يهتف باعجاب واضح:
-ما هذا الجمال ! من هى هذه الغادة الفاتنة .. أين ذهبت شقيقتى ريم ؟ هيّا .. اعترفى فورا ..
قطبت ريم جبينها باعتراض قبل أن تهتف بغضب مصطنع:
-يا سلام .. أيعنى هذا أننى لست جميلة يا سيد رفيق ؟ لن أكلمك ثانية !
انطلقت قهقهاته العالية من حلقه قبل أن يغمغم فى خفوت:
-كلا , ولكننى لست معتادا على رؤيتك بمثل هذا التألق والـ ...
وتوقف لاختيار الكلمة المناسبة بعد طول تفكير ثم قال:
-واللمعان .. أنتِ تشبهين قطعة من الجواهر النادرة .. ببريقها وجمالها .. كما أننى لا أقوى على خصامك يا حبيبتى الغالية .. ريم أنت درتى وتاج رأسى .. فأنا لست مجرد أخ لكِ .. أنا أعدّك بمثابة ابنتى الكبرى.
-حسنا .. حسنا ,, سوف اغفر لك تسرعك وأعتبر حديثك مجرد زلة لسان .. ولكننى عاتبة على زوجتك .. فأميرة قد تهرّبت من مساعدتى رغم انها وعدتنى.
اقترب رفيق من شقيقته وضمها بين ذراعيه مربتا على ظهرها ومقبّلا لمفرق شعرها بحنان بالغ وهو يغمغم معتذرا بلباقة:
-لا يا ريم .. لا تظلمى أميرة .. فأنتِ تعرفين كم كانت مشغولة جدا بالأسبوع المنصرم .. بعد ولادة عمتى فريال ,, واضطرارها للبقاء معها ليلا نهارا .. حتى تسترد صحتها وعافيتها .. فهى غير قادرة على الحركة ولا رعاية المولود الصغير بعد ولادتها المتعسرة فى الشهر السابع ..
طأطأت ريم برأسها بخجل قبل أن تهمهم بحبور:
-حمدا لله على سلامتها .. الجميع انتابه القلق عليها وخاصة وأن الطبيب لم يكن متفائلا بسبب سنها الكبير ..
-ولكنها باتت أفضل وحالتها الصحية قد استقرت كثيرا وان ظلت بحاجة لمعاونة أميرة المستمرة خاصة فى هذه الفترة الحرجة من عمر الطفل ..
تساءلت ريم بفضول:
-وما هو الاسم الذى اطلقوه على المولود ؟
-أكرم .. لأن الله أكرمهما به ليصبح قرة عين لهما ..
تمتمت ريم:
-اسم جميل .. والعقبى لكما أنت وأميرة.
تطلّع رفيق الى ساعته وقال مغيّرا دفة الحديث:
-هيّا يا ريم ... لا وقت لثرثرتك الفارغة , فالعريس فى الأسفل فى انتظراك على أحر من الجمر .. لا تجعليه ينتظر أكثر حتى لا يفرّ ...
وصدحت ضحكاته بينما تشاركه هى بابتسامة رقيقة وقد تلاعبت بحاجبيها وهى تقول بثقة:
-ولو .. لا تشغل بالك .. فجاسر لن يهرب منى أبدا .. ولو اضطر الى انتظارى العمر كله.
التقط ذراعها حتى تتأبطه وهما فى طريقهما للطابق السفلى وهو يقول بسعادة:
-فليبارك الله لكما ويرزقكما السعادة والهناء .. أنه محظوظ للغاية لينال فتاة جميلة رائعة مثلك بهذا القدر من البراءة والصفاء وطيبة القلب , وأنتِ ايضا عليكِ ان تحبيه وتراعيه فهو سيصبح زوجك.
ما أن رآها تتقدم نحوه بصحبة أخيها تمشى بخطوات واثقة رشيقة تتألق بجمال مبهر وابتاسمة أخّاذة تتراقص على شفتيها الكرزيتين .. واللتين تغريانه باقتطافهما .. حتى نهض واقفا يحدّق فى وجهها بحب وهيام.
ما أن وقع بصرها على زوجها المستقبلىّ وهو متألقا بأناقة وبساطة فى بزة كحلية اللون ذات تصميم حديث وقميص بلون يضاهى زرقة عينيه اللامعتين وهما تبثانها نظرات عاشقة مغازلة .. وقعت أسيرة لهم .. وهى تقترب ببطء منه بينما اتجه اليها والدها ليحل محل أخيها الذى تنازل بكل بساطة وأريحية مكتفيا بالوقوف مراقبا لهما ..
شدّها محمد الى أحضانه وهو يقبّل جبينها بمحبة أبوية خالصة وأمها من الجانب الآخر تطلق زغرودة مجلجلة تخللتها بنشيج منتحب وفد فقدت السيطرة على عبرات سعادتها .. مما دفع بريم لأن تضمها وهى تهمس قائلة :
-ماما .. لا تبكِ يا حبيبتى .. لن أحتمل دموعك وصوف أنهار بدورى باكية مثلك.
مسحت سوسن دموعها بطرف يدها وهى تعتدل بكبرياء وشموخ قائلة بحماس:
-لا يا حبيبتى .. أنا بخير أنها فقط دموع السعادة والفرحة .. فصغيرتى الجميلة سوف تتزوج .. كما أننا لا نريد ان تفسدى زينة وجهك ..
كان الماذون حاضرا بين الجلوس فى المنتصف وقد قام بفتح دفترا كبيرا وبيده القلم الحبرى .. كان ما زال يدوّن البيانات الخاصة بالعروسين.
استغل جاسر هذه الفرصة ليتقدم من عروسه بخطوات جريئة واسعة وهى تقف بجانب والدها واخيها مبهورة النظرات تكاد تشعر بأنها تحلم .. ويا له من حلم جميل وردىّ ,بينما وقف فارس أحلامها لليالٍ طوال على مقربة منها ثم التقط يدها ليلثم أطراف أناملها برقة متناهية وصوته الهامس الأجش يدغدغ مشاعرها كأنما يداعب أوتار الكمان:
-حبيبتى .. لقد جاء اليوم الذى طال انتظارى له .. وأخيرا ستصبحين لى وحدى ,ولن نفترق أبدا.
أطرقت بنظراتها الى الأرض بينما ظل رأسها مرفوعا بشموخ وكبرياء لم تعد تتخلّى عنهما حتى وهى عاشقة وبجنون فأردف جاسر بنبرة عشق خالصة:
-تبدين كالملاك .. ملاكى أنا يا ريم.
رنت اليه بنظرة خاطفة وهى تقول بغمغمة خافتة:
-وأنت ايضا تبدو وسيما متألقا .. يا جاسر.
توجه الجميع الى حيث يجلس المأذون فى انتظار العروسين ليبدأ مراسم عقد القران الذى تم فى جو من البهجة والسعادة شمل العائلة بأسرها.
لم يتخلّف عن حضور الحفل سوى فريال وأميرة التى كانت الى جوارها ترعاها وتعتنى بالمولود الجديد , الا أن مجدى لم يقصّر بأداء الواجب , وها هو يتوسط المجلس بين عادل والجد عبد الله وقد اندمج ثلاثتهم فى حديث ودىّ بانسجام تام.
بينما كانت مها جالسة الى جوار حماتها وخالتها منى تتبادلان أطراف الحديث .. ولم تنتبها الى نظرات سيف الصقرية وهو يراقبهما سويا وتلتمع عيناه بالرضا والقناعة حيث كانت الشهور الأخيرة خير دليل على عودة المياه الى مجاريها بعد المصارحة التى تمت بين الاثنتين من جهة وبينه وبين زوجته من جهة أخرى .. بدأت منى فى التقرّب من ابنة أختها فعليا بعد أن رمت الماضى خلف ظهرها وارتأت أن الفتاة لا ذنب لها فى كونها ابنة كمال وسهام .. وهى ايضا لم تتخلّ عنها فى السابق ولا عن أختها كما كانت تدّعى سهام دوما وهى تصرّ على ابنتها أنهما وحيدتان فى هذا العالم بلا معين ولا سند .. كانت منى ترسل مبلغا شهريا ولمدة سنوات عديدة اليهما حتى وفاة أختها , ولكن تلك الأخت استقبلت الأمر فى جحود ونكران بينما تقبل بهذه الأموال الا أنها رفضت الاعتراف لابنتها بالحقيقة مضللة ايّاها بأوهام وخيالات مريضة ..

*********************

SHELL 22-01-21 07:56 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
كانت مها قد اعتقدت خطأ بأن علاقة امها السابقة بـ سامى شقيق والدها التوأم لا بد وأنها قد تمادت الى حد كبير وهى تظن بهما السوء , حتى أنقذتها منى بحجة قوية وهى تنفى من الأساس انحراف أفكارها بهذا الاتجاه مؤكدة على أنها لا بد ابنة كمال وليس سامى ,, فى حينها صدح صوت منى رنانا وهى تنهر ابنة اختها وتعنّفها على مسار تخيّلها قائلة:
-لا يمكنك ان تظنّى بأمك هذا القدر من السوء وانعدام الأخلاق .. نعم ,, أعترف أن سهام كانت متكبرة ومغرورة حتى وبعد أن تعارفنا قبل موت أمنا وصرنا أصدقاء ولكنها لم تكن أبدا بتلك الصورة الوضيعة التى تتخيّلينها .. لم تصل علاقتها بـ سامى الى هذا البعد , ولكنها أحبته كثيرا وهو كان يبادلها مشاعرها الا أن أنانيته وطموحه الجامح جعله يهجرها مسافرا الى الخارج بعد ان بنى لها قصورا وهمية من الأحلام الجميلة عن العش الهادئ الذى سوف يجمعهما بعد الزواج .. ولا أنكر أننى لم أشعر بارتياح أبدا نحوه بنظراته الثقيلة وحضوره السمج .. باختصار أظنه انجذب اليها لأنها جميلة وثريّة ,ولكنه يئس بعد رفض والدها طلبه للزواج منها فقد كان ذلك الأخير ينظر الى الأمور بمقياس مادىّ بحت .. وبعد سفر سامى بحوالى سنتين توفى والد سهام واصبحت وريثة لثروة ضخمة مشاركة مع أخويها من ابيها .. كان الاثنان يحلمان بالهجرة الى أوروبا ,فقاما بتصفية اعمالهما وبيع كافة ممتلكاتهما متخلفين عن مسؤولياهما تجاه الأخت الصغيرة بدون أن يشعرا بوخز الضمير وهما يصطحبان أمهما معهما تاركين سهام وحيدة بلا أهل ولا اصدقاء .. وان لم يحرماها من ميراثها .. وهذه كانت الحسنة الوحيدة التى فعلاها.
وأضافت منى هذه العبارة الأخيرة بمزيج من السخرية والتهكم مما دف بمها وقتها أن تنظر لها بعينين متسائلتين فاستطردت بمرارة وأسى:
-بعد سنة من وفاة والدها علمت - ولدهشتى - أنها وكمال قد تزوّجا .. ومنذ تلك اللحظة انقطعت صلتى بأمك , ليس لأننى أردت قطع صلة الرحم أو لغضبى على تصرفها بدون الرجوع الىّ واستشارتى ولكن لأنها لم تسمح لى بالتواجد فى حياتها ورفضت ان تجيب على اتصالاتى وتهربت من مقابلتى ...
قاطعتها مها بصوت مرتعش يفيض يأسا واحباطا:
-ولماذا ... تزوج والدى من أمى ؟ أطمعا بأموالها أم ... ؟
لم تتوانَ منى لحظة عن محاولة التهرّب من الاجابة على ذلك السؤال المصيرى طوال المحادثة والذى كان لا بد منه فلم تستطع الا أن تقول بصراحة:
-لا أعرف حقيقة .. جميع الظروف والملابسات التى أوصلتهما الى الزواج يا مها .. وما أستطيع قوله هو أننى فى هذا الوقت كنت قد التقيت بعادل حيث كنت أعمل سكرتيرة فى احدى شركات والده وأحببته منذ أول نظرة وهو بدوره كان يبادلنى ذات المشاعر .. وفى ذلك الوقت كنت مرتبطة بوالدك بصورة غير رسمية لأننا كنا جيرانا ,كانت والدته تقطن بالبناية المجاورة لمنزل جدىّ وقد ترعرنا سويا ونشأنا معا فتولّد نوع من الألفة والمودة بيننا وحينما كان الأهل يخبروننا بأننا سوف نتزوج حينما نكبر لم أعترض .. كنت صغيرة السن بلا خبرة ولا تجربة وأحببت ذلك الشعور بأن هناك من يهتم بى ويشعرنى بأننى ملكة متوّجة وأظن أنه هو الآخر كان مستسلما لهذه الفكرة لارضاء والدته وساهم فى ذلك أيضا أننا ننتمى لذات الطبقة الكادحة العاملة فبدت كافة الظروف ملائمة لزواجنا ..
صمتت منى برهة لتلقط أنفاسها المتسارعة ثم أردفت بحسرة قائلة:
-حينما اعترف لى عادل وقتها بحبه لى كدت أطير من فرط سعادتى , وشعرت بأن الدنيا قد ابتسمت لى لم افكّر فى انه كان شخص واسع الثراء ومن عائلة عريقة ذات نفوذ .. ولكنه كان يمطرنى بنظراته الملهوفة العاشقة وكلماته المغازلة الرقيقة كما أنه دائما كان الى جوارى فى كل محنة حينما توفّى جدى ظهر عادل فى الصورة وأتمّ كافة الاجراءات لاستخراج تصريح دفنه والحصول على المعاش وتولّى أمر الجنازة والصوان .. كنت غارقة فى أحزانى واشعر بارتباك هائل ولم يكن لى فى الحياة سوى جدتى التى تجاوز عمرها السبعين ومريضة بالقلب فأحسست بالامتنان والعرفان لوجود عادل بجانبى واهتمامه الواضح بى .. ولم يمض سوى بضعة اشهر على هذا الحادث حتى فاتحتى برغبته فى الزواج منى , وكنت قبلها قد تشاجرت مع كمال لأنه قد اتهمّنى صراحة بسوء الاخلاق وأننى قد استمرأت علاقتى بعادل رغم أننى لم أخرج برفقته يوما الى أى مكان خارج العمل ولم يحاول هو أن يتجاوز حدود الأدب واللياقة فى معاملته لى .. فثرت ولأول مرة على كمال وحاولت انهاء أمر الخطبة المعلّقة بيننا الا أنه قابلنى بالرفض والهجوم الكاسح وقال لى بثورة حرفيّا :
-لا تنتظرى منه ان يكون جديّا بخصوصك .. فهو مجرد شاب عابث مستهتر وقع بصره على فتاة جميلة ظنّها سهلة فأوقعك فى شباكه بكلامه المعسول المنمّق ولكنه لن يحاول الاقتران بك .. ببساطة لأنكِ دون المستوى.
استعادت منى ذكرى ذلك اليوم وقد اغرورقت عيناها بالدموع قبل أن تتمتم بضعف ووهن:
-ووقتها لم اشعر بنفسى الا وأنا أصفع خده بقوة وعزم ثم طردته من منزلنا بعد ان أخبرته بأنه لم يعد يربط بيننا أى شئ , ولم أندم على ذلك القرار حتى وأنا اقضى ليالىّ مؤقة مسهدة من اثر التفكير فى حديث كمال لى ,وأخذت اتساءل ترى هل عادل بهذا السوء حقا ؟ هل يمكن أن يتلاعب بى وبعواطفى مستغلا براءتى وسذاجتى ؟
ولكننى قررت ألا ألعب دور الخادمة والسيّد ,, فحاولت أن أختصر علاقتى بعادل وقصرها على حدود العمل ,فما كان منه الا أن أعلننى برغبته فى الزواج منى بعد أن تأكد من اننى لم أعد مرتبطة بغيره .. لهذا تصرّف والدك كرجل مجروح مطعون بسكين الغدر والخيانة ولكننى من هذه التهمة بريئة .. لم يكن كمال يحبنى ولكنه أعتقد أنه قد تملكّنى وهذا ما اساء اليه حينما تزوجت فعلا بعادل ,لم يصدّق أن ذلك الشاب الوسيم بكل ثرائه وأخلاقه الطيبة ومستواه الاجتماعىّ اللامع أصبح زوجى .. ربما حقد علىّ لفترة من الزمن وان لم تطل ,وبقية تفاصيل القصة ليست عندى .. رحم الله والديك وغفر لهما , يا حبيبتى لا تحاولى نبش القبور ,, اتركيهما بسلام وعيشى حياتك وتمتعى أنتِ وزوجك وأطفالكما القادمين و فلن تفيدك معرفة الحقيقة بشئ ولن تزيدك الا حسرة وندما .. وما أدراكِ أن تدبير القدر كان لصالحك .. فقد التقيتِ بسيف ووقعتما بالغرام ,, بذات الطريقة التى شعرنا بها أنا وعادل من قبل , اتعلمين انه قد تحدّى والده وعائلته كلها من أجل الارتباط بى , ولم يعترفوا بى ككنّة لهم الا بعد معرفتهم بأننى أحمل حفيدهم الغالى .. سيف .. تصرّف بالضبط كوالده.
ورقّت نظرات منى وهى تتابع ابنة أختها بعينيها الذابلتين من آثار بكائها قبل ان تنتفض الاخيرة فى مكانها وهى تسألها فى مزيج من اليأس والرجاء:
-أيعنى هذا أنكِ لست ناقمة علىّ ؟
ضاقت عيناها وهى تهب من مقعدها لتحتضن تلك الفتاة الوحيدة والتى ترتجف خوفا وألما ثم تنسح على خصلات شعرها الحريرية بحنوٍ بالغ قبل أن تهمس مبتسمة:
-يا حبيبتى .. مها .. أنتِ كل ما تبقّى لى من أختى الوحيدة ,, عائلتى .. يستحيل أن أحقد عليكِ كل ما فى الأمر أننى قد تفاجأت بزواجك من سيف فلم استوعب الصدمة .. اضافة الى ظروف مرضى وعلاجى التى تجعلنى متوترة ومرهقة .. لو عرفتِ الحقيقة .. حاولت أن اتواصل معكِ من بعيد لأننى لم أكن واثقة من ردة فعل عادل على اهتمامى بكِ ورعايتى لكِ ,وحينما قدّمت لكِ الكارت لتحصلى على عمل بشركة العائلة ظننت أننى بهذا أكون قد أدّيت دورى على أكمل وجه , ولكن سامحينى يا ابنتى فقد قصّرت بحقك .. لم يجدر بى أن أترككِ تعانين وحدك ..
استكانت مها فى أحضان خالتها وقد شعرت ولأول مرة منذ وفاة امها بالأمان والحنان .. فاطمأنت بعض الشئ وهدأت ضربات قلبها المتسارعة ثم تنهدت بارتياح تام وهى تغمغم:
-هل معنى ذلك أن عمى عادل قد تقبّل وجودى بينكم ؟
-طبعا يا مها , عادل طيب القلب وحنون كما أنه يتمتع بنية صافية ,ستعرفين طباعه جيدا حينما تعاشرينه يا حبيبتى , ويا لسعادته حينما تلدين وتجعلين منه جدّا فسوف تعلو مكانتك ويرتفع شأنك لديه.
حلّ صمت متوتر بينما مها تقول بحذر:
-ان شاء الله يا .. تنت .. أتسمحين لى بأن ...
قاطعتها منى صيحة هادرة وهى تضع اصبعا أمام وجهها :
-اشششش ... ما هذا الكلام ؟ لن تناديننى بهذا اللقب ابدا.
انكمشت مها على نفسها وقد بدأت دموع الذل والانكسار تتجمّع فى مآقيها لولا أن عاجلتها منى بتعنيف محبب:
-لن تقولى سوى ماما .. هذه هى الصفة الوحيدة المسموح لكِ بها .. أفهمتِ يا ابنتى ؟
ولشدة فرحتها وسعادتها فقد احتضنتها مها بلهفة واشتياق وهى تطبع قبلات كثيرة متوالية على وجنتيها ثم اتبعتها بقبلتين على يديها وهى تقول بقوة:
-فهمت يا ماما .. يا احلى ماما فى الدنيا.
ربتت الام على رأسها بمودة وهى تقول بتضرّع:
-حفظك الله ورعاكِ يا بنيتى .. يا حبيبتى.



********************

SHELL 22-01-21 07:57 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
ما أن شعرت مها بأنها مراقبة من قبل أحد ما حتى رفعت بصرها نحو زوجها وهى تمنحه ابتسامة حلوة فبادلها الابتسام ثم وجد نفسه مسيّرا نحوها بلا اردة وتوقف الى جانب مقعدها حيث تجلس بأريحة محاولة الاسترخاء وقد انتفخت بطنها بصورة واضحة معلنة بجلاء عن وجود طفلين بداخل رحمها .. مال على اذنها وهمس مغازلا:
-لم أكن اعرف ان الحمل يزيد من جاذبية وجمال المرأة الى هذا الحد .. أتعرفين بمَ اشعر الآن ؟
سألته بفضول:
-بمَ تشعر يا حبيبى ؟
ازدادت نبرته همسا وخفوتا وهو يقول متخابثا:
-اشعر بأننى أود اختطافك من وسط هذا الحشد الغفير وأحملك بعيدا , بعيدا جدا .. الى حيث لا يوجد سوانا .. ثم ... أبادلك الحب.
وغمز لها بوقاحة معبّرا عن رغبته الجامحة بها تاركا لها تخمين ما يفكّر به حتى تصاعد اللون الاحمر على وجنتيها مضيفا جمالا وبهاءا الى حسنها وهى تعض على شفتيها قبل أن تتلفّت حولها وهى تغمغم بحرج:
-سيف .. ليس هذا مجال الحديث عن ..
وتوقفت كلماتها بغتة وتعثرت بخجلها الفطرىّ حتى أتم هو عبارتها المبتورة بجدية وثقة:
-عن الحب .. ولمَ لا يا حبى ؟
نظرت لها مؤنبة بعد أن انتبهت أمه الى محور حديثهما فتألقت شفتاها بابتسامة وقور وهى تقول:
-الحب فى كل وقت واى وقت .. لا حدود له يا ابنتى.
ثم تبادلت مع زوجها الجالس فى الطرف الآخر نظرات كلها عشق وهيام وكانها تؤكد لهما على أن الحب الحقيقى قائم وموجود كما أنه يتحدّى كافة الظروف ويستمر بمرور الوقت بل أنه يزداد عمقا وقوة مع العمر.
صفّر سيف بصوت خفيض قبل أن يهتف بمرح:
-أرأيتِ أن أبى وأمى يتفقان معى ؟
نهرته منى بغضب مصطنع وهى تربت على ظهر مها التى كانت تسعل محاولة تبديد حرجها :
-ألف سلامة عليكِ يا مها .. سيف .. كفّ عن ازعاجها واثارتها ..
حاصرها بنظراته الهائمة قبل أن يعود ليهمس من جديد بعيدا عن مسامع والدته:
-حسنا .. لقد انتصرتِ ولكن مؤقتا فهذه مجرد جولة .. وحينما تخلد أمى الى النوم لن تجدى من ينقذك من بين يدىّ .. وحينها لن تكون مجرد كلمات عن الحب .. بل أفعال ..
شهقت مها مصدومة وهى تتحاشى نظراته ,فقد تلاعبت بها هرمونات الحمل حتى باتت تتأثر كثيرا بمغازلاته الصريحة وتلميحاته الجريئة ,وان كانت لا تنكر مدى سعادتها بهذا الحب والاهتمام:
-سيف .. لا يصح .. ثم اذهب .. هيّا فعمى محمد يشير لك .
انتصب سيف معتدلا بوقفته وقد لمح فعلا عمه محمد يحاول اثارة انتباهه , لم تكن تلك مجرد محاولة من زوجته لتشتيت ذهنه ,فلوّح بيده قبل أن يتجه نحو عمه بعد ان التفت اليها وهو يقول باحباط:
-جميع الظروف تأتى لصالحك اليوم .. لولا عمى ما كنت تركتك قبل أن ترفعى رايتك البيضاء.
رفعت رأسها بكبرياء وهى تقول بشمم:
-فى أحلامك فقط !
هتف متوعدا:
-سنرى.


****************

SHELL 22-01-21 07:59 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
كانت هديل ووالدها مدعوين الى حفل عقد القران بصفتها خطيبة لكريم وان ظلّت هناء على عنادها ورفضها الزواج من صلاح بحجج واهية .. كل مرة تفتعل سببا مزيفا بينما صلاح يتقبّل هذا الرفض بصدر رحب وان بقى على علاقته بها يساعدها فى ادارة المؤسسة الخيرية التى تحمل اسميهما ويعاونها على استذكار دروسها فقد عملت بنصيحته بعد الحاح وجهد لتعود الى صفوف الجامعة المفتوحة وتكمل دراستها بكلية الحقوق .. وكل هذا بتشجيع ودعم من كريم وهديل اللذين تصالحا أخيرا بعد اعتراف طويل مفصّل من الاول بخطئه فى حقها , واجحافه لقدرها على مدار سنوات .. واعترافه الصارخ بحبه العميق لها ووعده لها بتحقيق السعادة معا .. الى آخر العمر .. اضافة الى مباركته لزواج والديهما الا أنه لم يسعه اقناع امه بقبول هذه الزيجة حتى بعد أن توسطّت الجدة شريفة من أجلها لاقناعها بالقبول .. وكانت ردها الوحيد الذى تشبثت به بقوة:
-لقد تزوجت من قبل بوجدى - رحمه الله - والد ابنى كريم , ولن أعيد هذه التجربة مجددا.
قالت شريفة بنبرة متزنة مليئة بالثقة :
-ولكنك لم تعودى زوجته .. فقد توفى وجدى وأنت الآن وحيدة , حتى وهو على قيد الحياة كنتِ وحيدة .. يحق لكِ الآن أن تستمتعى بحياتك وتقضى بقية عمرك مع رفيق لك يؤنس وحدتك ويمنحك الحب والرعاية التى تستحقينهما ,حبيبتى الحياة تستمر حتى بعد فراق من نحبهم , هذا ما تعلمّته بسنوات حياتى التى تخطت الخمسة والسبعين عاما .. وهذا لا يشكّل خيانة لهم ولا عدم وفاء لذكراهم .. مطلقا ..
هتفت هناء فى ارتياع:
-لا أنكر أن وجدى قد جرحتى فى الصميم بزواجه من مهجة وهجره لبيت الزوجية ولنا ,, ولكننى وعيت على هذه الدنيا وأنا معه وله .. تزوجته وانجبت منه ولدى الوحيد .. أتصدقيننى يا أماه لو اخبرتك بأننى لا أحتمل مجرد التفكير برجل آخر سواه .. يمكنك أن تسمى هذا عشرة .. تعوّدا .. أو هى مجرد حماقة منى ,, ولكن الأمر ليس بهذه البساطة .. لا ,, لا يمكننى التفكير فى الزواج من رجل غيره.
-ولكن صلاح يحبك يا هناء .. وهو رجل جدير بكِ وبامكانه منحك السعادة والحب الذى حُرمتِ منه , فلتعطِ نفسك فرصة لاعادة التفكير فى الأمر.
-وكريم ؟؟ أنه يحتاج الىّ !
-ما به ؟ لقد شب رجلا ولم يعد مجرد طفل صغير بحاجة الى رعايتك , كما أنه قد اقترن بفتاة جميلة ومهذبة وفى سبيله لانشاء اسرته الخاصة ..
وبعد مرور السنين و حتى وان ظل على برّه وعنايته بكِ , وهو حتما سيفعل الا أنه سينشغل باحتياجات زوجته واولاده , ستبتلعه دوامة الحياة بدون عمد .. وهذا مصيرنا جميعا .. فماذا ستجنين غير الوحدة وأنتِ فى خريف العمر , لا تنظرى الى نفسك الآن وانتِ قادرة على تلبية احتياجاتك وتسلية اوقاتك .. صدقيننى الوحدة قاتلة وخاصة فى سنّى المتقدم ذاك .. حتى وان كنت محاطة بالابناء والأحفاد ..
-ولكن كريم لن يتركنى , لقد خصص لى قسما كبيرا من الفيلا الجديدة وأهدّها من أجلى لأكون بقربه حتى بعد زواجه.
ابتسمت شريفة ابتسامة باهتة وهى تقول بحكمة ورزانة:
-لا أنكر أنه ابن بار ,, كما أبنائى جميعهم ,, أنا أحدثك عن الرفقة الدائمة .. التى تمنحكِ دفئا واحساسا بالأمان وراحة البال .. لا تتخذى قرارا متسرعا .. فكّرى مرة أخرى ,ولا تردّى هذا الرجل المحترم خائبا.
ولم يحاول صلاح فرض نفسه عليها أكثر من ذلك ,بل ولم يحاول اعادة مطلبه مرة اخرى ,يبدو انه قد اكتفى بلعب دور الصديق الوفىّ والشريك فى العمل اضافة الى كونه صهرا لابنها , وقد ظنّت خطأ انه سوف يتعنّت بمسألة زواج كريم وهديل .. ربما انتقاما من رفضها أو حتى انكارا لأية صلة قد تربط بينه وبين عائلة الشرقاوية التى ابتعد عن مجالها لفترة طويلة من الزمن , بل لم تصدّق عيناها حينما وقع بصرها عليه قادما الى الحفل يصطحب ابنته معه وقد بدا أنيقا وجذابا للغاية فى حلّته الكلاسيكية الداكنة اللون وقد صفف شعره الرمادى الناعم الى الخلف فبدا اصغر سنا من عمره الحقيقى .
اتجه اليها وصافحها بلباقته المعهودة وهو يقول مجاملا:
-مبارك للعروسين.
فبادلته المباركة بابتسامة حانية قائلة وهى تشير الى الزوجين المتشابكى الأيدى الى جوارهما:
-الله يبارك فيك يا صلاح .. والعقبى لهذين الاثنين .. هاه كريم وهديل .. ألم تكتفيا بعد من هذه الخطبة ؟ لقد آن الأوان للتفكير جديا بعقد القران .
قال كريم بدون أن يرفع عينيه عن خطيبته الرقيقة التى توردت وجنتاها حياءا:
-لا يا أمى , لقد سبق واتفقنا أنا وهديل على تمديد فترة الخطبة الى ستة اشهر , لم يمض منها سوى النصف .. كما اننا بحاجة الى تأثيث منزلنا أولا , وهذا سوف يستغرق وقتا لا بأس به.
تمتمت هديل بصوتها العذب الرقيق:
-نعم .. كريم لديه الحق , وما الداعى للعجلة ؟ علينا أن نتعرّف جيدا على طباعنا ونختبر مدى قابليتنا للزواج فى هذه الفترة حتى نضمن باذن الله النجاح والتوفيق دون أن ندع مجالا للأوهام والمظاهر الخادعة.
شعر صلاح بفخر واعتزاز بابنته وتفكيرها المتعقّل الرزين فأومأ برأسه موافقا وهو يقول :
-سلم لسانك يا هديل .. أنتِ محقة يا ابنتى فالزواج ليس مجرد علاقة حب أو اعجاب متبادلة بين اثنين , أنه يُقام على التوافق والتفاهم والاحترام .. وعليكما أن تمنحا أنفسكما الفرصة السانحة لمعرفة مدى الانسجام فى علاقتكما المستقبلية.
اشاحت هناء بيدها بضيق ظاهر وهى تقول بفتور:
-حسنا .. حسنا .. لقد اتفقتم أنتم الثلاثة معا , وعلىّ ان ألتزم الصمت وأعترف بأننى لا أحبذ التفكير بهذا المنطق الغريب.
نظر لها صلاح متعمقا وهو يحاول سبر أغوارها لمعرفة السبب وراء ضيقها قبل أن يقول معتذرا:
-ابناى .. اسمحا لى أود الانفراد بهناء لمحادثتها بأمر خاص .. تعالى معى يا هناء.
وقبل أن تجد فرصة لمعارضته أو ابداء اية ممانعة أمسك بمرفقها بحزم وهى ترسل نظرات متوسلة تستنجد بابنها وخطيبته , الا أنهما هزّا كتفيهما بعجز سامحين لهما بفرصة الانفراد حتى يستغلّاها بدوريهما ليهتف كريم متشدقا وهو يحيط كتفى هديل بذراعه اليمنى يقودها بعيدا عن الجموع:
-تعالى معى .. أشعر بأن الجو هنا أصبح خانقا.
-ألن ننتظر أبى وأمك ؟
رمقها بنظرة شمولية قبل أن ترتفع قهقهاته مجلجلة وهو يقول باستخفاف :
-اعتقد أن حديثهما سيطول , وان كنت أتمنى أن يسيطر عمى صلاح على الوضع ...
-عن أى وضع تتحدث ؟
-يا لكِ من فتاة بريئة ساذجة .. تعالى معى لأشرح لكِ الأمر برمته.


***************

SHELL 22-01-21 08:00 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
ما أن انتحى بها جانبا قصيّا حتى نفضت يده عن ذراعها بحركة احتجاجية وهى تهتف معاتبة :
-ما لك يا صلاح ؟ لماذا فعلت هذا ؟ ماذا سيظن بنا الأولاد الآن ؟ بل ماذا سيقول الناس عنّا وهم يروننا بهذا الوضع ؟
أشار لها صلاح بأصابعه حتى تهدأ وهو يحاول التمسك بهدوء أعصابه بلا جدوى فهذه المرأة تستنفذ قدرته المشهور بها على التعامل مع الأمور بشكل عملىّ ودونما انفعال , تستخرج منه أسوأ ردة فعل ممكنة نسبة الى سنه ومركزه بوقاره المعهود ورزانة فكره , ثم غمغم متنهدا:
-مهلا .. رويدك يا هناء .. كل هذا الكم من الأسئلة لن أستطيع الاجابة عنه دفعة واحدة .. أعطنى فرصة للشرح وتوضيح الأمور.
قالت باستسلام:
-حسنا .. تفضل.
اعتدل فى وقفته وهو يقول بصوت مهيب:
-ما بكِ يا هناء ؟ لماذا يبدو عليكِ الضيق ؟
شعرت بنظراته العميقة تخترق دفاعاتها وتذهب بعيدا فاشاحت بوجهها عنه فى توتر وهى تغمغم:
-لا شئ .. كل ما فى الأمر أننى أود الاطمئنان على ابنى وأراه مستقرا فى زواجه سعيدا وسط أسرته الخاصة ,, أأجرمت لأننى أرى أن كل هذا الوقت .. ستة اشهر .. فترة طويلة ؟
ابتسم لها بود قبل أن يقول متفهما:
-ومن لا يوافقك الرأى ويتمنى أن يرى ابنته ببيت زوجها اليوم قبل الغد ؟ ولكننى اريد لهما الأفضل .. أن يكون اختيارهما عن قناعة تامة بأنهما يصلحان الواحد للآخر , حتى لا يندما فيما بعد .. لضمان سعادتهما الابدية.
غمغمت هناء فى توتر:
-لا توجد اية ضمانة للسعادة الابدية ؟ أنها مجرد وهم نخدع به أنفسنا لنسكت صوت العقل ونخمده.
قال صلاح وهو ينظر لها باشفاق:
-لماذا تشعرين بكل هذا القدر من المرارة ؟ هناء .. اخرجى من دائرة الماضى .. استيقظى من سباتك .. أيتها الحالمة .. لقد مضى زمن طويل .. لا فائدة تُرجى من حبس ذاكرتك فى حدود ضيّقة بذكريات قديمة استحالت رمادا .. اتركى الزمن يداوى جرح قلبك ويهيل التراب على ذكرى قاسية ماتت واندفنت , بينما تصرّين بعزيمة على اعادة احيائها.
كان يهزها بقسوة متعمدا حتى يجعلها تفيق من شرودها وتعود الى حاضرها ,فنظرت لها مندهشة تؤنبه على ايلامها وهى تقول باتهام:
-وأنت الامَ تسعى ورائه من جراء دفعى للنسيان ؟ لمَ لا تتركنى وشأنى ؟ فأنت لست ذلك الفارس النبيل الذى تدّعيه والذى يسعى بشهامة من أجل انقاذ الأميرة الحبيسة فى برج التنين ؟ كما أننى قد كبرت على لعب دور الفتاة المغلوبة على أمرها والتى تستطيع هزيمة ماضيها وتبدأ من جديد !
صاح غاضبا وهو ينظر لها بازدراء واضح:
-ما هذا الذى تقولينه ؟ أنا لا أحاول ادّعاء الشهامة فى تصرفاتى معكِ ولا حاولت اخراجك من دوامة الماضى لأننى نبيل , أنا قمت بما أملاه علىّ قلبى .. قلبى الخائن الذى - وللأسف - ما زال ينبض بحبك برغم مرور السنين , وبرغم من انكارك لهذه العاطفة فى الماضى وحتى الآن ما زلتِ ترفضينها , لم أسعَ اليكِ ولا للعودة الى حياتك بارادتى , فالقدر هو من جمعنا ثانية كما فرّقنا من قبل ,وهو ذاته الذى ربط بين ابنتى وابنك بعاطفة قوية صادقة , ولكنك تعاندين نفسك واحساسك .. أنتِ تعرفين بداخلك أن سعادتك تكمن فى حياتك معى .. وما زال كبرياؤك الجريح ينازع مقاتلا ويأبى الاعتراف بالحقيقة.
مالت برأسها معترضة وهى تمط شفتيها باستياء قائلة:
-وما هى تلك الحقيقة التى لا أعترف بها ؟
قال بنبرة واثقة حازمة رافضا التراجع عن موقفه:
-الحقيقة .. أنكِ تحبيننى كما أحبك .. وتخشين الاعتراف بها حتى بينك وبين نفسك.
فغرت فاها دهشة وهى تهتف ببرود:
-أنت واهم يا صلاح !
هتف صلاح فى ضجر:
-حسنا يا هناء .. لقد وصلنا لمفترق الطرق اذن .
رددت ورائه بذهول:
-مفترق طرق ؟ ماذا تعنى ؟
-لقد سئمت كل هذا ,لم اعد قادرا على الاحتمال .. يعنى هذا اننى سوف أتنازل عن شراكتى لكِ بالمؤسسة وسأخرج كليا من حياتك ..
قاطعته مذعورة:
-ماذا تقول ؟ ولمن ستترك الادارة ؟ بل .. وماذا عن الأولاد ؟
تنهد بحرقة وهو يضغط على اسنانه قائلا:
-لا يهم ,, فلتبحثى عن غيرى .. ولا تقلقى بشأن كريم وهديل فلا علاقة لهما بما يدور بيننا ,وبالتأكيد فلن احاول قطع علاقتهما فقط ارضاءا لغرورك وكبريائك الذى يصوّر لكِ أننى قد أتصرف على هذا النحو .. وهذا أكبر دليل على أنكِ لا تعرفيننى حقا فلست هذا الرجل الذى يخبّئ فشله وراء الآخرين أو يحاول الانتقام ..
صاحت وهى تتأوّه من شدة الألم:
-صلاح .. لا تفعل ذلك , لا تتركنى .. فأنا ,, ...
صاح محنقا وهو يهم بالانصراف:
-أنتِ ماذا ؟
-آه .. كاحلى ... آه.
وكادت أن تتهاوى ارضا بعد أن خذلتها ساقها المصابة فسارع صلاح لنجدتها وهو يحيط خصرها بذراعه القوية فتحاملت هناء عليه وتركت العنان لمشاعرها الخائنة بالانفلات كما انهارت دموعها مدرارا ,وهمست بانكسار:
-صلاح .. لا تتركنى أرجوك.
أطلق زفرة حارة من صدره وهو يسحبها الى أقرب كرسى لترتاح عليه وهو يقول ببساطة:
-لن اتركك .. اجلسى هنا.
-أحقا ؟ لن تتركنى أنت ايضا !
حوقل صلاح وقال بنفاذ صبر:
-يا ربى ! رحماك ! لا يا هناء .. لن أتركك ..
وما أن اطمأن الى جلستها المريحة فتأهب للانصراف الا أن نبرة صوتها اليائس استوقفته وهى تقول:
-الى اين ستذهب ؟ لا تتخلّى عنّى الآن.
أجابها بنبرة ملاطفة كمن يهدئ طفلة صغيرة:
-اهدئى قليلا يا هناء ريثما اذهب لأبحث لك عن مسكّن لآلام قدمك.
-انتظر !
تأفف صلاح متضايقا وهو يتساءل:
-ماذا هناك بعد ؟
أطرقت برأسها أرضا وهى تبدو كمن يصارع وحشا جبّارا قبل ان تردف بشجاعة:
-لا أريد مسكّنا لآلام قدمى يا صلاح , استطيع التحمّل .
ران عليهما الصمت حتى قطعته بصوت متوسل ترجوه:
-أريد مسكّنا لأوجاع قلبى .. أريدك أنت الى جانبى يا صلاح .. أنت وحدك من تستطيع مداواة جراحى .
ابتلع صلاح ريقه بصوت مسموع وهو لا يكاد أن يصدق أذنيه .. هل سمعها حقا تتفوّه بهذه الكلمات ؟ هل اعترفت بحاجتها اليه هو فقط , ما زال يحتاج الى تأكيد أن ما اخترق عقله لم يكن مجرد هلاوس أو أمنيات صعبة المنال ..
اقترب منها ببطء وهو يسألها بصوت يشوبه بعض المرارة:
-أتعنين ما فهمته ؟ أم أنكِ تتلاعبين بى ؟
-ألهذا الحد وصل انعدام ثقتك بى ؟ أمعقول ان تفكّرأنت ودونا عن جميع الناس بى هكذا ؟ صلاح .. انت تعرفنى أكثر من نفسى .. أحتاج اليك ..
-فقط ؟ تحتاجين الىّ فقط ؟
كان يستحثها على منحه الاعتراف كاملا وهى كانت تتمنّع بخجل وحياء كالعذارى , الا أنها ما لبثت ان أزاحت عن صدره ما يثقله وهى تهتف ببساطة شديدة:
-أحتاج لك وأحبك .. وأوافق على الزواج منك ..
هتف بسعادة غامرة وهو يمسك بكفّها بين يديه يعتصر أناملها الرقيقة:
-لا أصدّق ما تسمعه أذناى ولا ما تراه عيناى .. أخيرا يا هناء .. نطقتِ بها .. أعتقدت أننى سأموت قبل أن تمنحيننى هذا الشرف.
أسبلت هناء جفنيها وهى تتمتم باعجاب وتقدير:
-نعم اعترفت بها .. وأود أن أضيف شيئا آخر : أنت لست مسكّنا لوجع قلبى , أنت البلسم الشافى لجروحه .. وحدك.
وذاب الاثنان فى غمرة شوقهما ولهفتهما وهما يرتشفان رحيق السعادة المؤجلة.


*******************

SHELL 22-01-21 08:01 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
بينما يتلقّى الزوجان الجديدان جاسر وريم التهانئ القلبية والمباركات بحياة جديدة هانئة وقد ارتسمت معالم السعادة والفرحة جليّة على وجهيهما ,وجد سيف وزوجته من يقترب منهما محييا وهو يقول بشكل رسمى:
-كيف حالك يا سيف ؟ وأنتِ يا مها .. مبارك لكما ,ان شاء الله تقومين بالسلامة.
انعقد حاجبا سيف وهو ينظر لخالد بعينين تقدحان شررا وهو يمد يده لمصافحة زوجته فابتسم ابتسامة صفراء وهو يسحب يده الممدودة اليه ويصافحه بقوة كادت ان تخلع كتف خالد النحيل قائلا من بين اسنانه:
-شكرا لك , العقبى لك أنت وليلى.
وابتسمت مها فى رقة قبل أن يقع بصرها على ليلى تتهادى فى مشيتها نحوهم ثم تقف الى جوار زوجها برشاقة وأناقة أوغرت صدرها , فها هى منافستها السابقة ترفل فى ثوب ناعم قصير من الشيفون الذهبى وتتمايل باغراء تلامس وجنة زوجها بحب وشغف وهى تعاتبه بدلال:
-هكذا أنت هنا ,, وانا أبحث عنك ..
هتف خالد سريعا وقد ايقظته رنة الغضب التى لم يلتقطها سواه فى صوت زوجته الحسناء:
-لقد جئت لأبارك لهما على الحمل.
وأشار الى بطن مها المتكوّرة بمغزى ,فقال سيف بلا اكتراث:
-العقبى لكما ان شاء الله
فارتفع حاجبا ليلى بترفع قبل ان تقول بغنج:
-لا , ما زال الوقت مبكرا على هذا , فقد قررنا أنا وخالد ان نتمتع بحياتنا قليلا قبل أن ننشغل بتربية الأطفال.
لم يتمالك سيف نفسه من أن يحيط بخصر زوجته الممتلئ باشارة تملكية واضحة وهو بقول بصوت أجش مانحا مها ابتسامة جذابة اذابت مفاصلها:
-ولكن من قال أن انجاب الأطفال يمنعنا من التمتّع بحياتنا , بل اكاد أجزم أنه يزيد رونقها تألقا ويمنحنا سعادة غامرة بلا حدود , اليس كذلك يا حبيبتى ؟
خزّت مها رأسها ايجابا قبل أن تتأوه بصيحة متألمة وهى تمسك ببطنها فمال اليها سيف يسألها بلهفة قلقة:
-ما لك حبيبتى ؟ أتشعرين بألم ؟
رفعت رأسها بتحدٍ واضح وهى تنقل بصرها بين زوجها والزوجين الآخرين قبل أن تقول بصوت عذب يفيض أنوثة:
-لا يا حبيبى , ولكننى شعرت بركلة فى بطنى , لا بد أن ابناءك يلعبون الكرة بالداخل.
-ابناءك !
هتفت ليلى بلهجة ممطوطة من أثر الدهشة والذهول ,فأسندت مها رأسها الى كتف زوجها بأريحية وهى تقول بفخر:
-نعم , فأنا حامل بتوأم .. اثنين.
ورفعت اصبعين فى وجه ليلى مؤكدة بينما ابتسم خالد مجاملا وهو يتمتم:
-مبارك مرة أخرى .. على التوأم ..
-عن اذنكما.
ألقى سيف بعبارته بمزيج من البرود واللا مبالاة وهو يبتعد برفقة زوجته الحامل عن أعينهما المدققة الحاسدة كما يعتقد , فعلى الرغم من تصنّع ليلى الواضح لهدم الاكتراث بمسألة الحمل وانجاب الاطفال الا أنه يجزم بأنها أطلقت على زوجته نظرات الحسد الذى لم تستطع اخفائه , كما أنه ضاق بنظرات خالد الى زوجته رغما عن أنه ادّعى البراءة التامة بمحاولة تبرير مقاطعته لهما بالمباركة على الحمل ..
شعر بنيران الغيرة تكوى قلبه بينما يرسم على شفتيه ابتسامة مجاملة وهو يدور بزوجته بين الحضور للقيام بواجباتهما الاجتماعية نحو الضيوف.
انتهز فرصة سانحة حينما أخذ المدعوون يتجمعون حول البوفيه لتناول الطعام وقاد مها نحو الحديقة الخارجية على نحو اثار دهشتها قبل أن يقفا بجوار شجرة عملاقة وارفة يتلاعب النسيم بأغصانها المورقة ..
هتف وهو يطحن بأسنانه متهما:
-ما الذى يدعوك لمصافحته ؟
كانت هى الأخرى تتلظى بدورها فى حمم بركان غضبها الاعمى وغيرتها اللا معقولة فانتفضت معترضة وهى تقول:
-من تقصد ؟ خالد ؟
قلّد نبرتها وهو يردد:
-نعم .. خالد .. ومن غيره ؟
بادلته الاتهام وهى تشير باصبعها أمام عينيه:
-أنها مجرد مصافحة باليد .. ماذا عن عينيك اللتين لم تفارقا الست ليلى وكادت أن تلتهمها بنظراتها المعجبة ؟
صاح فى استنكار:
-أنا ؟؟ وليلى .. غير معقول , لم أنظر لها الا بصورة عادية , ولا تنسى اننا قريبان.
فجأة توقف الاثنان وهما يتأملان بعضهما البعض قبل أن تلين ملامحهما دفعة واحدة وهما يغرقان بضحك هستيرى حتى تأوهت مها تناشده باستجداء:
-كفى يا سيف , سأموت ضحكا ,, أن بطنى تؤلمنى من كثرة الضحك .. قلت لك توقف.
ولما لم تجد منه استجابة لندائها الصارخ اقتربت منه مهددة وهى تمسك بتلابيبه لتشده اليها فطوّقها بذراعيه باحكام استحال أن تفلت منه بينما أدنى وجهه نحو شفتيها ليقبّلها بحرارة وشوق , استجابت له بحميمية وهى تبادله القبلات قبل أن تحاول الابتعاد مجددا وهى تلتقط أنفاسها اللاهثة قائلة بصوت متهدج:
-سيف ,, توقف ,, قد يرانا أحدهم.
نظر لها متخابثا قبل أن يضمها من جديد الى حضنه وهو يقول بمكر:
-لا تقلقى , فالجميع مشغولون بتناول الطعام الشهى فلن ينتبه احد لغيابنا.
ثم اردف متلاعبا بحاجبيه:
-ثم انك كنتِ غارقة لتوك فى أحضانى وقبلاتى ولم تمانعى أبدا , ما الذى استجد ؟
-وقح !
هتفت مغضبة بمودة بينما تتعالى ضحكاتهما معا وهو يجيبها مشاكسا:
-ولكنك تحبين وقاحتى , وهذا خير دليل.
واشار الى بطنها الممتدة أمامها فلكزته بمرفقها فى جانبه وهى تنهره:
-ان لم تتوقف عما تفعله , فسوف أخاصمك.
وأدارت له ظهرها تنفيذا لتهديدها وهى تقلب شفتيها فلمال سيف بجسده ليحتضنها من الخلف مسندا ظهرها الى معدته المسطحة بينما ذراعاه تلتفان حول جسدها الذى امتلأ قليلا فى أنحاء عدة مضيفا عليها جاذبية واشراقة وهو يتحسس بطنها بينما يهمس بانفعال:
-لن تجرؤى على مخاصمتى , ولعلمك سوف أشكوكِ لأطفالك حينما يأتون , سأخبرهم بأن أمهم تتدلل كثيرا علىّ مستغلة عشقى وهيامى بها.
غشت عينيها نظرة غامضة واكتسى وجهها بلون شاحب قبل أن تجيب بنبرة حزينة بها الكثير من الشجن:
-أريدك ان تعدنى بأن تعتنى بأطفالنا يا سيف وأن تغدق عليهما بعطفك وحنانك.
استغرب سيف من حديثها فقال باندفاع :
-طبعا , ولكن لماذا اعدك ؟ فسوف تكونين موجودة معنا لتتأكدى بنفسك.
-ان شاء الله.
تاهت بغمار الذكريات واشجانها تتذكر طبيعة علاقتها بخالد , وقد نشآ سويا بحكم الجيرة .. تآلفت معه ببساطة محيّرة وقد تقبّلت اهتمامه الذى اخذ يصبّه عليها ويزداد يوما بعد يوم , وربما لأنها كانت وحيدة فقد فسرّت مشاعرها التى تسللت نحوه على أنها حب , ولسنوات خلت ظلّت تعتقد أنه هو حبها الأول , الا أنها وبعد لقائها بسيف وحياتهما المشتركة معا كزوجين اثبتت لها مدى الخطا الذى وقعت فيه , أن سيف هو حبها الحقيقى .. الأول والاخير .. حبها الوحيد.
لكم تتشابه قصتها مع قصة خالتها منى - والدة سيف - فى اطارها الخارجى الا انها تختلف فى بعض التفاصيل الصغيرة .. ولكم تتمنى لو تبقى العمر بأكمله الى جوار حبيبها وزوجها ! يا لها من أمنية بعيدة المنال كنجوم السماء !


*********************

SHELL 22-01-21 08:02 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
ترقرقت الدموع فى عينى شريفة الرماديتين وهى ترى حفيدتها الأثيرة متزوجة أخيرا بمن اختاره قلبها , جاسر , حفيد عبد الله ... وأخذت تتلاعب بخاتم زواجها الذهبى العتيق الذى لم تخلعه حتى بعد مرور اكثر من عام على وفاة زوجها ,شعرت بحركة الى جوارها فاستدارت تنظر وراءها لتراه واقفا يتأمل السماء المظلمة التى يتألق بها عدة نجوم مشكّلة لوحة فنية بديعة .. قال بصوت عميق:
-ها قد حقق هذا الاثنان ما عجزنا نحن عن الوصول اليه بالماضى.
أجابته بصوت مبحوح :
-نعم .. أن هذا الجيل يختلف عنّا كثيرا , يتمتع بقوة وعزيمة ومثابرة لتحقيق أمنياته والوصول الى أهدافه.
هتف عبد الله معترضا:
-أننا لم نكن ضعفاء يا شريفة .. أبدا .. لقد تعوّدنا على اتباع التقاليد والأعراف .. لا نخرج عن الاطار المألوف والا كان مصيرنا النبذ.
-كما حدث معك يا عبد الله .
ابتسم ابتسامة مريرة قبل أن يردف بتهكّم:
-نعم , كما حدث معى.
عادت لتتأمل المشهد الكونى البديع بدورها وهى ترزح تحت وطأة الشعور بالذنب فقالت بخفة:
-عبد الله .. أنا آسفة حقا لما آل اليه الوضع بيننا.
تقدم عبد الله منها ببضعة خطوات حتى صار بمحاذاتها وهو يقول بصوت مشبوب بالعاطفة:
-لا عليك يا شريفة , كنتِ على حق .. فزماننا قد ولّى الى غير رجعة .. لم يعد بامكاننا استعادة لحظاته الضائعة منّا , علينا أن نتعلّم الصبر والرضا بالنصيب .. يكفينا أن نجلس سويا نتأمل هذا المشهد الجميل .. ونتابع أحفادنا وهم ينهلون من نبع الحب والسعادة .. أنا راضٍ بهذا القدر يا شريفة , فقد اعتدت على الحرمان من كل ما أحببته فى حياتى.
ابتسمت برضا نفسى وهى تطلق أنّة واهنة بينما تتبّع بنظراتها النجوم الفضية وهى تتخذ شكل قلبين متقاطعين فى السماء العالية بعيدا جدا عن متناول أيديهم.


******************

SHELL 22-01-21 08:03 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
بعد مضىّ قرابة الثلاثة أشهر .....
ترددت صيحة ألم صارخة لتشق سكون الليل البهيم وقد صاحبها صوت سيف الذى استيقظ مفزوعا من نومه على صوت زوجته التى تنوح باكية بألم جسيم وتمسك بظهرها شاكية :
-سيف .. الحقنى .. أعتقد بأننى سوف ألد .. آآآآه.
-الآن ؟؟
تثاءب بكسل وهو يتمطى محدّقا بالساعة الى جواره وهو يقول بصوت يغلب عليه آثار النعاس:
-الساعة الثالثة فجرا يا مها .. وأنت ككل يوم تقريبا تنهضين من فراشك تصرخين من ألم وهمىّ وتدّعين أنكِ على وشك الولادة .. ونهرع الى المشفى .. لنتأكد فيما بعد انه انذار كاذب .. أرجوكِ يا حبيبتى ,, توقفى ,, فأنا على وشك السقوط على وجهى .. لا أكاد أرى أمامى .. أتوّسل اليك بكل عزيز وغالٍ .. لدىّ عمل فى الصباح الباكر أريد أن أنام.
ثم لم يلبث ان عاد الى نومه متجاهلا نظرات مها المذهولة وقد توقفت عن البكاء بفعل معجزة بعد ان خفّت آلام ظهرها فابتسمت بضعف لنفسها وهى تقول:
-أنت محق ... أننى أضخّم الأموووور ,,,, آآآآآه.
شهقت متألمة بقوة حينما عاودها احساس بألم فظيع شق ظهرها وقبضت على ذراع زوجها تجذبه اليها وهى تصيح :
-سيف .. سيف .. استيقظ ..
عاد سيف ليفتح عينيه مجددا وقد طار عنهما أى اثر للنوم هذه المرة , فاستقام فى الفراش واتكأ على وسادته يقاوم رغبة عنيفة بالانفجار بالضحك وهو يسألها بعد أن منحها نظرة تنازلية ودية:
-ماذا الآن يا حبى ؟ هل تكرر الوجع ؟
أومأت برأسها ايجابا برقة قبل أن تعاودها نوبة الآلام فتصرخ فيه ناهرة:
-سيف .. قم وانهض .. هيّا خذنى الى المشفى ,, أنا سوف ألد ... هذه المرة .. اشعر بآلام مخيفة .. آآآآآآه ... آآآآه.
وتصبب العرق فوق جبينها باردا مما أكّد له على صدق حدسها , على ما يبدو أن ساعة الولادة قد حانت ,, وطفليه فى طريقهما للقدوم ..
هب واقفا على قدميه وهرع نحو الحمام حافيا قبل ان يعود ليبحث عن خفيّه متوجها الى الداخل ,غسل وجهه بماء بارد حتى يزيل آخر أمل للنوم مجددا .. ووقف متأملا وجهه فى المرآة وهو يحادث نفسه بحماس:
-ستصبح أبا ... يا سيف .. أخيراااا.
ثم وبّخ نفسه وهو يحث الخطى مبتعدا عن وجهه المنتشى سعادة والذى يطالعه فى المرآة :
-لا وقت لهذا ,, فمها على وشك الولادة.


*******************

SHELL 22-01-21 08:05 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
بعد وقت قصير قضته مها بين آلام المخاض العنيفة وسعادتها المتلهفة لاستقبال وليديها ,تم نقلها الى المشفى الاستثمارى الخاص المعروف و وحالما رأتها الطبيبة المتابعة لحالتها بدا على وجهها دلائل عدم الرضا وهى تلاحظ شحوب وجه مريضتها واحباس أنفاسها المتلاحقة فقد كانت تشهق بقوة فى محاولة لدفع الهواء الى رئتيها .. فهتفت بفريق الطاقم الطبى من أجل نقل مها سريعا الى غرفة العمليات لأجل اجراء عملية قيصرية عاجلة ..
استوقفها سيف قبل أن تندفع بدورها الى غرفة التعقيم لتلحق بمريضتها وهو يتساءل بقلق وتوتر:
-دكتورة .. لحظة واحدة .. ماذا بها زوجتى ؟ لماذا اصررتِ على دخولها بهذه السرعة ؟
نظرت له الطبيبة بدهشة بالغة وهى تهتف بسرعة وبطريقة عملية باردة:
-ألا تعرف يا سيد ؟ أن زوجتك تعانى ضعفا بقلبها كما انها مريضة بفقر دم حاد .. مما يعرّضها لمخاطر مضاعفة اثناء الولادة .. من الاساس .. الحمل كان مخاطرة غير محسوبة العواقب الا أن زوجتك رفضت الاجهاض وهو الحل البديل لحالتها وخاصة بعد علمها بأنهما طفلين وليس واحدا .. عن اذنك.
وغادرت مهرولة تاركة لسيف منهارا يدفن وجهه بين يديه وهو يغمغم بعدم تصديق :
-لا يمكن .. مها .. حبيبتى .. لماذا أخفيتِ عنى الامر ؟ لماذا ؟
وضرب على الجدار بكلتا قبضتيه بقوة حتى كادت عظامه تتحطم من قوة الخبطة وعنفها .. وقف كلا من رفيق وكريم الى جانبه وهما يحاولان أن يشدّا من أزره حتى يتماسك وقد قال رفيق بنبرة صارمة:
-سيف .. لا بد أن تكون قويا .. فمها بحاجة اليك .. وليس هذا وقت الضعف أو الانهيار ..
تهدّج صوته وهو يجاهد ليمنع نفسه من الارتجاف:
-لا يمكننى أن أتخيّل الحياة بدون وجودها .. أنا احبها بل أعشقها ,, هى من أعادت البسمة الى وجهى والثقة الى نفسى والراحة الى حياتى.
ثبّت كريم نظره على نقطة بعيدة .. وتماثل امامه خيال هديل التى أخذت تقترب منهم شيئا فشئ , استأذن منهم للحاق بها قبل ان تصل اليهم وهو يلتقط كفّها الرقيق الذى تألق خاتم خطبته الماسىّ فى بنصره ,تمايلت على جسده بانحناءة وهى تسأله بقلق بالغ:
-كيف حال مها ؟ واين هى الآن ؟
-ادعِ لها يا هديل , فقد تم نقلها فورا لغرفة العمليات والطبيبة المختصة بالولادة تقول بأن حالتها خطيرة .. حيث أن حالة قلبها لم تكن تسمح بالحمل ولا مرورها بآلام المخاض.
شهقت هديل ارتياعا وهى تهز رأسها يمينا ويسارا:
-قلبها !! لا أصدق أن مها مريضة .. فهى لم تشكو يوما من قلبها ..
قاطعها كريم قائلا وهو ما زال ممسكا بيدها:
-أيعنى هذا انك لم تكونى على علم بحالتها المرضية ؟ غريب جدا .. فقد أكّدت الدكتورة على أن مها رفضت اختيار الاجهاض بارادتها .
انسلت عبرات غزيرة على وجه هديل البيضاوىّ وهى تنتحب بحرقة:
-يا حبيبتى يا مها .. يا حبيبتى .. اللهم نجّها .. اللهم احفظها .. لم تعانِ فى حياتها من اية امراض سوى فقر الدم .. هذا ما أعرفه .. لو كنت أعرف ما سمحت لها بالمخاطرة بحياتها .. يا الله !
ربت على شعرها فى حنان وهو يحاول تهدئة انفعالها الجارف قائلا:
-لا بأس يا حبيبتى .. هدأى من روعك .. أنه مقدّر ومكتوب .. فعلينا الرضا بقضاء الله وقدره ..
دفنت وجهها فى صدره دونما قدرة حقيقية على مواجهة الواقع القاسى المرير .. صديقة عمرها فى خطر .. قلبها عليل .. لأول مرة تعرف.
أشار سيف نحو أميرة التى كانت تجلس على مقعد معدنى مزدوج وهى تتمتم بدعوات صامتة تناجى الله وهو يقول لرفيق:
-اذهب الى زوجتك .. خذها وعودا الى البيت فهى لن تتحمّل الانتظار فى مكان كهذا.
حاول رفيق أن يبدى اعتراضه وهو يغمغم بانفعال:
-لن أتركك وحدك فى ظرف كهذا .. محال.
-اذن فلتقلّها هى الى المنزل حتى ترتاح .. لا تنسَ بأن حالتها غير مستقرة .. ولا نريد ان تصبح خسارتنا مضاعفة.
التقط رفيق المعنى الخفىّ لعبارة ابن عمه .. فأميرة حامل بشهورها الأولى ,, وأخيرا تحقق حلمهما بالانجاب بعد أن طافا على العديد من الأطباء فى مصر وفى الخارج , فتم اكتشاف خللا طفيفا فى نظام التبويض لدى زوجته مما حدا بهم الى وصف بعض العقاقير المنظمة والتى آتت بثمارها بنجاح مذهل حيث أخبرته منذ ما يزيد عن الشهر ببضعة ايام بأنها قد أجرت الاختبار المنزلىّ للحمل وظهرت النتيجة ايجابية .. يومها لم يتمالك نفسه من السعادة فحملها وأخذ يدور بها حتى شعرت بدوار وطالبته بالتعقّل , وأى عقل تبقّى لديه فقد طار صوابه من فرط ابتهاجه بهذا الخبر , لا ينكر انه كان متشوقا لانجاب طفل يحمل اسمه الا أنه تمنّى هذا الحمل من أجلها هى .. زوجته وحبيبة قلبه .. أميرة عرشه .. فقد تحمّلت وصبرت كثيرا وهى ترى أمها السيدة التى تخطت منتصف الاربعينات أما لمولود صغير ,ومها حامل بشهورها الاخيرة .. وكانت شقيقته التى تزوجت مؤخرا حامل بشهرها الثانى .. كانت تلك القشة التى قصمت ظهر البعير .. ولكن الله منّ عليهما بهذه النعمة , ليرتاح قلبها وتعود الى طبيعتها الهادئة بعد فترة من العصبية والانفعال لأتفه الاسباب ..
توّجه الى حيث تجلس زوجته فلمس كتفها بأطراف اصابعه ليخرجها من حالة الخشوع وهى تتضرع الى الله لانقاذ مها والطفلين .. نظرت له متسائلة بصمت فقال بنبرة تفيض عاطفة جيّاشة:
-حبيبتى .. تعالى لآخذك الى المنزل ,يبدو عليك التعب .
اعترضت بقوة هاتفة:
-كلا يا رفيق , سأبقى هنا معكم .. فلن أحتمل البقاء فى البيت وحدى.
-أميرة ..لا داعٍ من تواجدك هنا .. ثم ان بقاؤك بالمنزل له اكثر من فائدة .. أولا لتنالى قسطا من الراحة .. وثانيا لتبقى الى جوار تنت منى.. فأنت ِ تعرفين ان حالتها لا تسمح بذهابها الى المشفى , لن تحتمل هذا الجو المشحون بالتوتر والترقب ,, كما أننى ساكون أكثر اطمئنانا عليكِ وعلى الجنين ..
-ولكننى ..
-لا يوجد لكن .. هيّا.
وتأبط ذراعها متوجهين الى الخارج بعد أن ألقت هى التحية على هديل التى هزت رأسها بتحية مماثلة دون أن تتكلم ,, لم تجد فى نفسها القدرة ولا الطاقة على الاتيان بأية فعل أو ردة فعل .. مجرد حالة من الخواء الرهيب تلفّها وتغمرها .. هل من الممكن ألا تنجو مها ؟ لا تريد ان تفكّر فى هذا الحتمال الوارد .. بل لا تجرؤ على مجرد تخيّل حياتها بلا صديقتها المفضلة ..
مرت حوالى الساعتين وهم على نفس الحال ... بينما التزم سيف حالة من الصمت القاطع فجسمه قد تصلّب فى وضعبة الوقوف وهو يستند بظهره الى الحائط البارد .. وانما يشعر بالبرودة تغلّف قلبه .. وتنسل الى عقله .. عاجزا عن مساعدتها .. ليختبر ابتلاءا جديدا .. فالمال والسلطة والنفوذ وكل شئ .. بلا فائدة تُرجى .. كله هباءا منثورا .. أمام الموت.
أحس بقشعريرة باردة جعلت شعر جسده يقف حينما أطلّت الممرضة من غرفة العمليات وتوجهت نحوهم بخطوات متثاقلة بطيئة وغمغمت بصوت حاولت أن تجعله طبيعيا وهى تقول:
-مبارك لك يا استاذ .. لقد رزقك الله ببنتين جميلتين.
شعر بدقات قلبه تتقافز متسارعة فى صدره حتى خيّل اليه أنه يسمع صوت هذه الضربات القوية .. حمدك يا رب .. رزقهما الله - هو مها - بفتاتين .. ثم تنبّه الى أنها قالت رزقك الله ولم تقل رزقكما الله , الفارق الشاسع بين المفرد والمثنّى جعله يرتاب ,, فاقترب منها متسائلا بحدة:
-وزوجتى ؟ كيف هى الآن ؟
لم ترد الممرضة واكتفت بالتحديق الى الباب المغلق وهى تغمغم:
-سوف يخرج الطبيب الآن لاخبارك بحالتها.
-أى طبيب ؟ ألم تكن هناك طبيبة بالداخل .. هى التى قامت بعملية التوليد ؟ عن اى طبيب تتحدثين يا امرأة ؟ جاوبينى.
وسارع كريم للحيلولة بينه وبين الممرضة التى تراجعت الى الخلف مذعورة من حالة الهياج التى انتابت الرجل الواقف أمامها , وقد همّت بضغط زر استدعاء رجال الأمن لولا أن منعتها هديل برجاء متوسل وهى تلتمس له العذر قائلة:
-أرجوكِ لا داعٍ لهذا ..
هتفت الممرضة بارتياع:
-ولكنه كاد أن يتهجّم علىّ ..
-أنه بحالة من اللا وعى .. صدقينى هو ليس برجل يهاجم النساء .. فقط يريد معرفة ما حلّ بزوجته .. وهذا أبسط حقوقه.
كان سيف ثائرا بقوة وقد تطلّب من كريم بذل مجهود عضلى كبير حتى يشلّ حركته ويمنعه من أن يتهوّر .. وهو يصيح منفعلا:
-اهدأ يا سيف .. اهدأ .. ليس الحل فى العنف .. اصبر وسوف يخرج الطبيب لاعلامنا بحالة مها..
-أى طبيب هذا ؟ من هو ؟ فليخبرنى احدكم.
من يرى سيف بهذه اللحظة يجزم بأنها قد فقد عقله تماما .. كان يصيح ويهذى ..
حتى خرج طبيب فى أواسط الخمسينات من عمره من غرفة العمليات وهو ينظر حوله كمن يبحث عن أحد ثم تكلم أخيرا:
-من منكم زوج المريضة التى كانت تلد ؟
تملّص سيف من قبضة كريم واندفه نحو الطبيب بحركة حادة وهو يجيبه بصوت مرتعش ونظرات عينين زائغتين:
-أنا .. أنا زوجها .. كيف حال زوجتى يا دكتور ؟ بل اخبرنى اولا من أنت ؟
أجابه الطبيب بلهجة رسمية باردة:
-انا الدكتور يوسف أبو العلا .. أستاذ امراض القلب والاوعية الدموية .. يؤسفنى يا سيدى ان أخبرك بأن زوجتك ... سقطت فى غيبوبة ونحن نحاول افاقتها بلا جدوى.
-لماذا ؟ ألم تتم الولادة على خير ؟
-بلى , ولكن قلبها لم يتحمّل .. لقد توقف القلب تماما.
وهوى قلبه بين ضلوعه ... هوى صريعا , بينما قدماه لا تقويان على حمل ثقل جسده الذى سقط على ركبتيه ... بارتجاج عنيف.
ودوّت صرخته الملتاعة حزنا وأسى فى أرجاء المشفى :
-مهااااااااا.


********************

SHELL 22-01-21 08:08 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
انتهى الفصل الأخير

وتبقى فقط الخاتمة



https://pa1.narvii.com/6616/60163e99...03f791d_hq.gif

SHELL 07-02-21 01:45 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
والآن حان وقت نزول الخاتمة

SHELL 07-02-21 01:48 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
الخاتمة

https://1.bp.blogspot.com/-p9TCqsGnm...6014522813.gif


عزائى فيك ..
عزائى فيك .. لا تواسيه الكلمات
عزائى فيك .. لا تمحيه السنوات
عزائى فيك .. أبكيك حتى الممات
وازرع فى القلب سنابل الآهات
واشعل الأحزان فى صدرى كأنها الشمعات
واقف أتأملها وأنا مخنوق العبارات
أأكذب نفسى أم أعانق الخيالات
رحل القلب والجسد تائه فى الطرقات
وهل يرحل القلب والروح تموت آلاف المرات
لما أنت يا قلبى .. لماذا انت بالذات
لما أنت ولست أنا لما لست أنا الذى مات

SHELL 07-02-21 01:52 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
بعد مرور عام ....
كان واقفا أمام مقابر عائلة زوجته .. بعيدا بمسافة كافية ليمنح المرأة الأكبر سنا والتى نال منها الارهاق والتعب بعضا من الخصوصية التى تحتاج اليها وهى تقرأ الفاتحة على روح أختها الراحلة .. كانت تلك السيدة هى أمه .. منى .. والتى أصرّت على مرافقته بهذا المشوار ,دون أن تعير اهتماما لاعتراضاته التى انهالت وهو يحاول جاهدا أن يقنعها بالعدول عن تلك الفكرة , حتى بعد شفائها التام من مرضها العضال .. يخاف عليها من انتكاسة جديدة وقد حذرهم الأطباء من أنه قد يعاودها الألم من جديد اذا ما ظهر ورما آخر , وهو ما كان غير مستبعدا , كما أن العلاج الكيماوى قد ترك اثرا كبيرا عليها , دون ذكر تساقط شعرها , غزت بعض التجاعيد بشرتها الحريرية والتى كانت يوما مثالا للجمال والحُسن , كما أن عينيها أصبحتا غائرتين توحيان بالضعف والوهن.
تململت الطفلتان الصغيرتان فى عربتهما الصغيرة المزدوجة والتى هى معدّة لمثل حالة ابنتيه التوأم .. وردتان رقيقتان .. أورقت أغصانهما .. وتفتحت أوراقهما .. كانتا تقرقران بسعادة بالغة , دون أن تحملا همّا لغدٍ .. هو فقط من عليه أن يقلق .. فقد ترنحت أمه قليلا وهى تنتحب بحرقة , فتقدّم منها عدة خطوات حتى صار بمحاذاتها .. لمس كتفها برفق وهو ينحنى فوق قامتها الضئيلة مقارنة بطوله الفارع ومنكبيه العريضين .. همس فى اذنها بحنان واشفاق قائلا :
-ماما .. يكفى هذا القدر .. تعالى لأوصلك الى السيارة ..
كان جسدها كله يرتجف وهى تغمغم من بين عبراتها المنسابة على خديها:
-رحمك الله يا سهام وغفر لكِ ... لكم اشتقت لها ..
ربّت على كتفها الآخر وهو يضمها اليه مشيرا نحو الطفلتين اللتين أتمتا اليوم عاما واحدا وهو يقول بفخر وسعادة:
-ولكن الله عوّضنا عنهما بسهام الصغيرة ...
ابتسمت منى رغما عن أحزانها الدفينة وهى تمنح الطفلتين نظرة حب ورضا قبل أن تستطرد برقة:
-وأيضا منى الصغيرة .. أنهما بهجة العين ومهجة الفؤاد ...
اعتدل سيف فى وقفته وهو يهتف بسرعة ونزق:
-حسنا يا امى ... هيا بنا الى السيارة , فأبى لن يرحمنى اذا ما أصابك أدنى قدر من التعب ..
مدّت يدها تتناول منديلا ورقيا أخرجه سيف من جيب سترته الخفيفة ثم كفكفت له دموعها قبل ان تعتدل بشموخ وكبرياء لتسير الى جواره ,ولكنها ما لبثت أن توقفت بغتة وهى تضيف فى قلق واضطراب:
-هل ستترك منى وسهام هنا ؟
-لا تخشى شيئا يا ماما , أنها فقط بضعة ثوانٍ ريثما نصل الى السيارة .. أنها ليست بمسافة بعيدة , ثم أنهما برفقة أمهما .. لا تدعى القلق يتملكك.
رنت بنظرة خلفها وهى تشاهد الفتاتين تلوّحان لها بأكفهما البالغة الصغر ,فرفعت يدها ملوّحة بدورها لهما ...
ما أن اطمئن سيف الى أن أمه قد جلست بالمقعد الأمامى فى سيارته فى استرخاء وهدوء حتى عاد متلهفا الى طفلتيه ... والى أمهما.
كان يخاطب طفلتاه بمزيج من الحب والشغف وهو يسألهما:
-أتنتظرانى هنا أن تأتيان معى لنرى ماما ؟
انتظر برهة ينصت لمحاولة ابنته الكبرى منى وهى تتأتئ بحروف مبعثرة ,ونظر الى الصغرى سهام وهى ترنو اليه بنظرات بريئة ممتلئة بكثير من المعانى وهى ترفع ذراعيها عاليا فى محاولة للفت انتباهه حتى يحملها كعادتها كلما لمحته مبتعدا عنها ,, لمدة عام كامل تولّى هو رعايتهما بدون أن يشعر بأى قدر من التعب أو الملل .. أنه يجدد طفولته الضائعة بمعايشة كافة التفاصيل الدقيقة معهما .. كان رافضا لأية مساعدة من أمه أو جدته , لأنه أراد أن يحتفظ بكل الذكريات لأول سنة من عمر ابنتيه له وحده .. وما زال يفعل حتى هذه اللحظة باصرار عنيد.
قال أخيرا لالهاء طفلته التى بدأت فى البكاء حينما تجاهل دعوتها الصريحة ليحملها وهو يدفع بالعربة أمامه:
-حسنا .. لن اترككما بالطبع , كنت فقط أمزح .. بابا لا يمكنه الاستغناء عن أيا منكما ..
توقف أمام قبر آخر صامتا للحظات فى خشوع , تلا الفاتحة ثم استغفر ربه وهو يناجى زوجته قائلا:
-مها .. حبيبتى .. لقد اشتقت لكِ كثيرا ,, والبنتين أيضا .. لا تتركيننا فى الانتظار .. سوف نذهب الآن.
وعاد أدراجه مسرعا نحو السيارة المتوقفة امام مدافن عائلة الراوى حيث تهفو روحه بالقرب من هذين القبرين .. وضع الطفلتان فى مقعديهما المخصصين للسيارة وتأكّد من ربط حزام الأمان لكل واحدة ,ثم استقرّ فى مقعد القيادة بينما والدته تتساءل باهتمام:
-هل وضعت هديل طفلها ؟
أجابها سيف بنبرة خافتة متوترة:
-ليس بعد , فقد هاتفت كريم منذ أقل من نصف ساعة وكانت ما زالت تعانى من آلام المخاض .. حتى أننى قد سمعت صوت صراخها الحاد ,كما أن كريم كان فى حالة يرثى لها حقا.
تنهدت منى بحرقة وهى تتمتم قائلة :
-بالطبع يا بنى , ان الولد غالٍ ,, وغلاوته تأتى من تلك الآلام الرهيبة التى تعانى منها الأمهات أثناء الولادة ..
رفع سيف حاجبا واحدا بطريقة مسرحية وهو يقول بمغزى:
-هذا بالنسبة للأم , ومن أين تأتى غلاوته فى قلب الأب اذن ؟
-لا يشعر الرجل حقا بأبوته الا حينما يحمل طفله بين ذراعيه أما المرأة فهى تحمله تسعة اشهر بالقرب من قلبها ,وتشعر بكافة حركاته ,,وسبحان الله فالأمومة غريزة طبيعية تنشأ منذ البداية .. ولكنها تنمو وتتغذى مع مرور الوقت .. بعد الانجاب.
تناهى الى سمعه صوت انفتاح الباب الخلفى للسيارة ثم بصفعة قوية يُغلق قبل أن يتسلل صوتها العذب الشجىّ مغردا فى وجدانه قبل أذنيه وهى تقول:
-آسفة حبيبى .. هل تأخرت عليكم ؟ بناتى الحلوات .. هيا بنا.
وانطلقت السيارة تشق طريقها نحو العمران مبتعدة عن طريق المقابر بسكونه ووحشته .. حاملة أفراد الاسرة جميعهم.

**************

SHELL 07-02-21 01:54 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
بعد أسبوع واحد ....
كانت عائلة الشرقاوى مجتمعة بكافة افرادها فى فيلا العائلة .. احتفالا بعقيقة المولود الجديد للعائلة .. أحمد .. الابن البكرىّ لوالديه الفخورين كريم الشرقاوى وهديل السنهورى , بحضور جدته لأبيه هناء وجده لأمه صلاح .. وكانا قد تزوّجا منذ ما يقرب من ستة أشهر فى مفاجأة سارّة للعائلة وخاصة الجدة شريفة التى شعرت بالراحة والرضا لأن كنتها أخيرا قد نالت ما تستحقه .. بعد عمر طويل قضته وحيدة تربّى ابنها ومحافظة على ذكرى زوجها الراحل بوفاء واخلاص نادرى الوجود.
امتلأت القاعة الفسيحة بأصوات أطفال صغار ممتزجة بضحكات أبائهم وأمهاتهم .. والكل ملتفون حول الجدة .. التى أخذت تحمل طفلا تلو الآخر .. من أبناء أحفادها .. تقبّله وتقرأ له الرقية الشرعية بصوت يفيض خشوعا وعذوبة .. وما أن فرغت من عملها هذا حتى أقبلت حفيدتها ريم مسرعة وهى تحمل طفلها الصغير الذى لم يتجاوز عمره الخمسة اشهر .. عمرو .. وهى تهتف بلهجة مرحة مخاطبة الجميع:
-هيّا .. هيّا .. هلموا بنا الى التصوير .. هأنذا قد حجزت أول مكان لى ولعمرو.
تتابع الجميع فى اجابة لطلبها بينما شعرت بمن يدنس الى جانبها وهو يحيط كتفيها بذراعه بنزعة متملكة غيور وهو يهمس فى اذنها بعشق وهيام:
-أهكذا تتركيننى وحدى ؟ ما كان هذا عشمى بكِ .. أرأيت يا عمرو ما تفعله أمك بى ؟
دنت بجسدها تلتصق به وهى تهمس فى خفوت:
-سيقف بصفى , فلا تحاول .. أنه ابنى.
حدجها بنظرات حادة قبل أن تلين الى درجة هائلة عندما بادلته هى النظرات بحب بالغ ,ثم لم يلبث أن همس مدغدغا أحاسيسها بقوة:
-حسنا .. ولو أنه ابنى أنا ايضا , الا أننى سأرى من سينقذك منى أيتها المتحذلقة حينما يغفو ذلك الصغير بفراشه مساءا ؟
ضحكت ريم برقة متناهية وهى تعدّل من وضع ابنها ليصبح قريبا من أبيه , الذى لم يستطع تجاهل نداء الأبوة أكثر من هذا فلانت ملامحه وهو يدنى وجهه قريبا من أسرته الصغيرة.
والى الجانب الآخر وقف رفيق حاملا طفله الاصغر بشهر واحد من ابن أخته ,وأميرة تكوّر نفسها فى أحضانه وغير بعيدة عن ابنها الذى كان يتثاءب لشدة رغبته فى النوم فمازحت زوجها قائلة:
-رفيق .. انظر من يتثاءب الآن ؟
انتبه رفيق على ندائها وهو يراقب حركات طفله بحنان قبل أن يهتف مغتاظا:
-أهذا وقت النوم يا أدهم ؟ أنك تذهب بعقلى حينما يحل موعد النوم الحقيقى رافضا الاستسلام له .. يا لك من مشاغب.
وتوسط الأبوان الجديدان الصورة وكريم يغمز لهديل بخبث وهو يشير الى ذلك الملاك القابع فى حضنها فى لفافته الناصعة البياض.
وانضم الجيل الأكبر سنا الى الصورة ,, يجلسون الى جوار والدتهم بالتتابع كل الى جوار زوجته , وفريال بالجهة الأخرى هى وزوجها وابنها الصغير أكرم الذى بات يمشى الآن ولكن بخطوات متعثرة.
وباللحظة الأخيرة أتى سيف مهرولا وهو يحمل طفلته الكبرى منى هاتفا :
-انتظروووواااا .. أننى قادم.
وبعد بعدة ثوانٍ .. جاءت هى الأخرى تمشى بثبات ورأسها مرفوع بكبرياء واعتزاز تتهادى فى ثوبها الأزرق الطويل وصوت كعبى حذائيها يطقطقان على الأرض الرخامية اللامعة .. وهى تحمل الطفلة الأخرى التى تعلقّت بعنقها مطوّقة ايّاه بقوة , فخطفت الأنظار .. بينما صوت زوجها يصدح عاليا:
-هيّا يا مها .. أسرعى لتلحقى بالصورة.
وما أن خطت الى قرب زوجها الذى منحها ابتسامة أخاذة سلبت لبّها حتى ضغطت سماح على زر الكاميرا بعد أن عدّت الى ثلاثة.
وصوت ريم ينبع معاتبا:
-كعادتها تأتى دوما متأخرة , لتلفت أنظار الجميع اليها ...
وصوت جاسر يرن بأذنيها:
-الا أنا .. فنظرى دوما سيظل معلّقا بكِ وحدك يا حبيبتى.


******************

SHELL 07-02-21 01:55 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
وظلّت تلك الصورة الجماعية معلّقة على جدار القاعة ... تمر عليها السنوات .. وتزداد قدما , بينما تتعمّق أواصر المحبة والمودة بين أفرادها ... الى يومنا هذا .. ومن يدرى ربما الى أمد بعيد ... بعيد جدا .. جدا ..
ومن جيل لآخر ظلّت الحكايات التى تُحاك عن عائلة الشرقاوى مثارا .. للتعجّب والتندّر .. وهى تُلقى على مسامع الناس .. تلك العائلة الملقبّة بعائلة ( الحيتان ).


**********************


تمت بحمد الله

SHELL 07-02-21 01:58 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 

وبهذا نكون وصلنا لختام الجزء الثانى ( زواج على حد السيف )

ونهاية رحلتنا مع تلك السلسلة ( أسرار وخفايا عائلة الحيتان )

وأحب أن أتوجه بالشكر إلى هذا المنتدى الرائع ومشرفاته الجميلات .. شكرا على تثبيت الرواية

وشكرا لكل من تابعنى بصمت وبهدوء

هيا العامر 12-09-21 01:20 AM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
رواية جميله جدا

بيدو احمد 05-06-23 08:41 PM

رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان
 
تسلم ايدك
لو ممكن رابط pdf

وردة هه 24-09-23 11:17 PM

راااااااااااائعة 💕💕💕💕


الساعة الآن 11:11 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية