منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء (https://www.liilas.com/vb3/f498/)
-   -   (رواية) الباسمة (https://www.liilas.com/vb3/t205894.html)

روتيلا 02-05-18 07:19 PM

الباسمة
 


الباسمة


روايتي الثانية ... يسعدني أن أبدأ من اليوم بعرض فصولها الاثنى عشر يومياً ..
باستئناء اليوم الذي ساعرض فيه فصلين متتاليين ..
فكرتي بالباسمة تتوافق مع تصوري عن نقل مشاكلنا الأسرية اليومية ..
حاولت أن أُسلط الضوء على فكرة بسيطة أتمنى تنول إستحسانكم ..
وعد مني لن تجدوا ما يسيء لدينا الحنيف أو تقاليدنا ..
أدعو الله أن أوفق وأتمنى أن تشاركوني بالتصحيح إذا حدث وأخفقت في العرض ..
بالنسبة للباسمة أتمنى من قلبي سماع رأيكم بعد كل فصل بتعليق بكلمات ولو قليلة تعبر عن رأيكم بمجريات الفصل ..
بالنهاية اشكركم جميعاً ..
بحبكم في الله





باسم الله أبدأ ..















سكَنَ اللَّيلُ والأماني عِذاب وحنيني إلى الحبيبِ عَذاب
كُلَّما داعبَ الكرَى جَفنَ عيني هزَّني الشَّوقُ وأضناني الغياب
يا حبيبي هواكَ أضنى فؤادي وكأنَّ الجَوى بجسمي حِراب
أضرمَ النَّارَ في الحنايا لهيباً مثلَ ليلٍ أضاءَ فيهِ شِهاب
و أنا في ذُرَى الغرامِ غَريقٌ مِلأُ عيني دُجىً كساهُ الضَّباب
أنا و الشَّوقُ في الغرامِ ضحايا سرَقَ البُعدُ عُمرَنا و الغياب
قدَرٌ نُهدرُ السِّنينَ سَهارَى ليلُنا غُربةٌ فكيفَ المآب
قدَرٌ نعشَقُ الصِّعابَ و نَمشي في طريقٍ به الشُّجاعُ يُهاب
كيفَ ألقاكَ و الدُّروبُ شِراكٌ وعلى البابِ حاجِبٌ و حِجاب
بيننا يا ضياءَ عيني بحورٌ يملأُ العينَ حرُّها والسَّراب
ننشُّدُ الوَصلَ قد يكونُ قريبا هل على العاشقين ثَمَّ حِساب
ربَّما نلتقي غداً و نغنِّي لحنَ حُبٍّ غِناؤهُ مستطاب
و غداً تُنبِتُ الرِّياضُ زهوراً ويعودُ الهَوى لنا و الشَّباب
كُلَّما طالَ بُعدُنا زِدتُّ قُرباً يجمعُ الحَرفُ بيننا والخِطاب


محمد بن عبود العموري










الفصل الأول

بحركة متباطئةٍ تودع كل مكان تخطو فيه.. تتذكر أمها مع كل خطوة بمواقف مر عليها سنين من الشوق لها ... الشوق للمساتها الحنون... الشوق لبسمتها ..الشوق لصوتها ونغماته الشوق لأحضانها التي كانت تحيطها بطبقات وطبقات من الصمود والقوة والكبرياء والحب ..

كانت تلمس بحنين قادم لا محالة أثاث منزلهم البسيط وقفت أمام حائط بغرفة المعيشة كان من تنسيق والدتها الحنون التي أرادت بذلك الحائط أن تجمع كل ذكرياتها من القرية عندما تركتها مرغمة ولمستقبل ابنتها .... صور عديدة تضم الأهل الذين رحلوا والأخرين الذين كانت تشتاق لهم .. حتى أصبحت هي نفسها صورة حملها الحائط تحت عنوان رحلت بالجسد لكن بقيت بالروح والحب الذي نشرته حولها ..

مررت يديها على صورة كانت الأقرب لقلبها لأنها كانت تحمل كل من تحبهم فلمست بأطراف أناملها الرقيقة كل من بها ..
والدها الحبيب الرجل السبعيني الذي يحمل قلب طاهر برئ كالأطفال ..
ثم رفعت أناملها عن وجه والدها وانتقلت لتلك التي كان يحاوطها بإحدى ذراعيه وهي ترفع رأسها لتنظر له كأنه الرجل الأوحد بالعالم وهو كان كذلك أفلم يرحل كل أهلها عن الدنيا فلم يتبقى سواه حبيب و زوج وصديق وطفل ..

لتنتقل بيديها لوجهها هي الطفلة الصغيرة التي كان يحملها والدها بالذراع الأخرى فتسعد بالتشابه الكبير بينها وبين أمها ببشرتها القمحية والشعر الكستنائي اللامع بينما طولها وعينيها البنية فأخذتهم من أبيها لتشبه ذلك الذي لمسته بطرف أناملها بلطف ابن عمها الذي كان شاب صغير بالصورة ويكبرها بخمسة أعوام يحمل كل ملامح أمه الوسيمه ببياض البشرة الخفيف لكن برجولة تصيب قلب الفتيات بسهام الحب الوهمية ..وتضحك عندما تشاهد هاتان الجميلتان اللتان تشبهان الدمى الشقراء بعيون زرقاء رباب وابنة خالتها ليلى التي كانت لا تفارقها بالبيت أو حتى الأن بالصورة ..
ثم عمها علي الرجل الطيب الذي يصغر والدها وهو ينظر لتلك الذهبية القصيرة المكتنزة إعتماد زوجته وعشقه الذي لا يرفض لها طلبأ أبداً...
وبالمنتصف تماماً كانت تجلس الجدة صباح كأخر صورة لها قبل أن تلحق بالأحباب بين التراب ..
تركتها مكانها و لم تحملها بين أغراضها التي ستنقلها معها فهي في طريقها إليهم على كل حال ..
في طريقها للأحباب...




تأكدت من إغلاق النوافذ وهي تسترق النظر مع كل واحدة للشارع والبيوت المحيطة ...
لم تنسى إغلاق محابس المياه والغاز وبالنهاية وصلت للباب الأخير والذي يفصلها عن ثماني عشر عام عاشت بها بهذا المكان الذي حضرت إليه طفلة لم تتجاوز الثانية عشر لتغادره ابنة الثلاثين بقلب نابض بالحنين للماضي القريب هنا والبعيد بقريتها والخوف من القادم ...

مدت يدها أخيراً لقابس الكهرباء الرئيسي لتغلق معها كل الأنوار وتقابل عينيها ظلمة تخشى أن تكون ممتدة للمستقبل ... ومع خطواتها الأخيرة لغلق الباب أخذت نفس عميق وأخرجته ببطئ مع تقابلها مع النظرات الهاربة لجارها أحمد وخطيبها السابق الذي طأطأ رأسه بعد رؤيته لوقفتها القوية أمامه وكأن ثلاث سنوات من الخطوبة لم تُسرق من عمرها وكأن الواقف أمامها لم يخذلها
لينطق بخزي واضح : أسف

تخطته هامسة بسخرية : أنا لست كذلك ...

تطرق الأرض بخطواتها القوية مبتعدة عن من تخيلته يوماً إنه عوضها وسندها ..
عن من تخيلت إنه الجار الصالح الذي وجد بها الزوجة المناسبة وهي كذلك... فخطوبتهم التقليدية والتي وافقت عليها وساندته يوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر حتى اتيحت له فرصة سفر ليغيب أكثر من عامين ويعود بوجه أخر ونية أخرى ...

طوال اغترابه تحملت لسان أمه وبكائها على تغرب ابنها الوحيد على ثلاثة بنات ليحقق أحلامي من وجهة نظرها بالحصول على سكن زوجية خاص وكأنه لا يحق لي... وكانت تطالبني بالزواج والإقامة مع أبي والذي لا يحتاج لكل مساحة الشقة ذات الايجار المنخفض طمعاً لم انتبه له سابقاً ..

تخطت بوابة العمارة السكنية القديمة للشارع الصغير حيث تقبع سيارة والدها الأجرة مصدر رزقه الوحيد ..
عدلت حجابها ورفعت عينيها للسماء لتشاهد الغيوم البعيدة ثم انتبهت لنداء والدها
: ابنتي هل انتهيت من إغلاق الشقة جيداً
: نعم يا أبي
يعود الوالد الذي تناول من يدها حقيبة صغيرة تحمل بعض المعجنات وماء للطريق ويضعها بالسيارة
ثم يدور ليجلس على مقعد السائق بينما تلحقه ابنته : هيا صغيرتي نريد أن نصل للبلدة بالنهار
توكلنا على الله .
ثم أخذ يردد بصوت مسموع

(الله أكبر ، الله أكبر ، سبحان الذي سخرلنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون .اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ، ومن العمل ما ترضى ، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطوي عنا بعده ،اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل ،اللهم اني أعوذ بك من وعثاء السفر ،وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والاهل)

والذي رددته ابنته خلفه و هي تودع الشارع الذي شبت به والحي ثم ينطلقوا لخارج المدينة الكبيرة التي لجأوا إليها من سنين ليلحقوها بمدرسة مناسبة لظروفها الخاصة بعيداً عن القرية التي نبذت إعاقتها واستهانت بها ...كلما زاد الشارع اتساعا داخل المدينة كلما اتيح لها التفكير بوالدها الذي يقود السيارة بتركيز تنظر له بتنهيدة خافتة تحدث نفسها
: والدي تغير أكاد أجزم بذلك منذ شهرين ساندني بقراري للإنفصال عن أحمد ليبدل رأيه من اسبوعين فقط ويبدي استعداده حتى لترك شقته لأتزوج بها ...
ما الذي دعى ابي للتخلي عن رأيه بأن أحمد لا يستحقني ...
لترد نفسي على سؤالي بإن ما اختلف هو اغماءاته المتكررة ونوبات الصداع التي تهاجمه بضراوة والتي أجهل سببها بالرغم من محاولاتي الحثيثة لمعرفتها واصراره إنها فقط إهماله باخذ علاج السكر أو إرهاقه
ومع اصراري برفض العودة لأحمد يصر والدي بإنه حان الأوان للعودة للقرية ...

ومع نطقي باسم قريتي أجد نفسي وقد بدأ الطريق الفردي المؤدي لها والذي يحيط به النيل من جانب والمزروعات من الجانب الأخر ...
أفتح النافذة بجانبي لاستنشق عبير الهواء والذي أعادني لذكرى عودتي القليلة للقرية والتي كانت كثيرة بالبداية ثم تباعدت بالتدريج بعد وفاة جدتي لأبي حتى أصبحت مرات معدودة تركت علامات حزن بقلبي حتى أصبح الطريق لهناك طريق للجنازة مرة بدفن أمي وأنا في السادسة عشر بعد صراعها مع المرض ومرة اخرى بعدها بستة أعوام لدفن قلبي عندما قرر هارون الزواج
...تعود وتغلق النافذة عن الذكرى التي أشعلت بداخلها نار الحنين وحب المراهقة لابن العم لتبتسم لنفسها كيف كنت صغيرة بتفكيري ومراهقة مشاعري تصورلي عطفه واهتمامه بالحب... الحمد لله الذي جعلني استفيق لنفسي بزواجه وحتى عند انفصاله منذ خمسة أعوام لم تتحرك بي نفس المشاعر أو دقات القلب الخجولة ويبدو أن المثل القائل بعيد عن العين بعيد عن القلب هو حقيقة ثابتة في عالمنا ....
وفي غمرة أفكارها مدت يدها لداخل حقيبتها تملس حجاب رقيق من الحرير الوردي وهي تبتسم وتعود برأسها للخلف وتغمض عينيها في راحة وتذهب بأحلامها بعيداً دون الانتباه لفعلتها التي تقوم بها منذ وفاة والدتها باحتضان ذلك الحرير مبعدة عن تفكيرها بإنه هدية هارون لها
عندما حثها بعزاء أمها بارتداء الحجاب حين وجدها على درجات السلم خارج شقتهم تبكي وسمع شكوتها ليجلبه لها باليوم التالي لتداري سماعة الأذن التي كانت بحجم كبير نوعاً وقتها وكانت جاذبة للأطفال بحبهم للاستطلاع و نظرات وأسئلة السيدات الفضولية على قدرتها على الاستماع الأن عما كانت وهي صغيرة ..
تنسى وتنام قريرة العين كلما قابلها موقف بحياتها اليومية باحتضانها لقطعة الحرير تلك متخيلة إنها مصباحها السحري لتحقيق الأمنيات وجلب السعادة .....
تستيقظ على صوت والدها ولمس يده ليدها القريبة منه: هيا يا صغيرتي استيقظي لقد اقتربنا والحمد لله .
تفتح عينيها وهي تنظر لخارج النافذة باحثة عن الأشجار والمزروعات فلا تجدها وتجد مكانهم كتل خرسانية قبيحة المنظر عشوائية التصميم ..
: يا إلاهي ..ماذا حدث ..أين قريتي
يبتسم الأب بمرارة : لقد تغير كل شيئ أصبحت القرية مجرد مسمى تتهرب به أي إدارة حكومية لتأخير إمدادها بمقومات الحياة من ماء وكهرباء ومدارس ومستشفيات فمن وجهة نظرهم القرى لا تحتاج لكل هذا التبذير وهكذا فعلها الناس بعشوائية بناء بدون ترخيص ومد مياه للشرب والكهرباء بالجهود الذاتية دون تخطيط وطبعاً مخالف ..
وكما تري تلك هي النتيجة.
ترد وقد غلب على نبرتها الحزن :
نعم أصبحت القرية بلا أرض زراعية ولا أشجار مجرد اسم لذكرى قديمة ..
إلتفتت لأباها بتنهيدة
:أتمنى أن شجرة الصفصاف التي زرعتها لي وأنا صغيرة أمام نافذة حجرتي قد سلمت من هذه المذبحة فهي كانت أول شيء أفتقدته عند انتقالنا للمدينة
يبتسم الأب : لا أعتقد إنها أزيلت لا تقلقي ستجديها ..وخاصة إنها بقطعة الأرض خلف منزلنا والتي جزء من بيتنا وتعتبر كحديقة صغيرة يطل عليه كامل البيت
ثم يضحك عاليا : وسنجد أيضا تعريشة العنب التي كانت مكان جدتك المفضل
تضحك الباسمة : نعم والتي كانت إعتماد زوجة عمي تنهي على أوراقها معاندة لجدتي بحجة حب عمي علي لطواجن ورق العنب وكانت جدتي تجن منها
يضحك الأب عاليا : نعم نعم ...يرحمك الله يا أمي
تبتسم الباسمة بحنين : يرحمها الله ..و يرحم موتانا جميعاً
ينظر الأب بطرف عينه لأبنته وهو يقود ببطئ ليصل بها للمكان الذي يأمل أن يكون هو الأمان لها من بعده ...يا الله ساعدني حتى أضعها عند من يصونها
أعلم إنه مقدر ومكتوب ولكني لن أشعر بالراحة حتى اطمأن على صغيرتي الوحيدة ..
يا رب يكون عودتي هو القرار الصحيح...
حدثته بتردد : أبي هل تعتقد أن المدير بمدرسة القرية سيتقبل نقلي اليها مع ظروفي الخاصة
ينظر لها والدها وهو عاقد جبينه بحركة تعودت عليها ابنته عندما يريد توبيخها بلطف
ثم يعاود النظر للطريق : وماهي تلك الظروف
: أنت تدري يا أبي ... فقد السمع بإحدى أذناي والضعف الشديد بالأخرى حتى إني لا استطيع السمع إلا بواسطة سماعة الأذن الطبية
: نعم والتي والحمد لله تقوم بدورها والتي والحمد لله لم تمنعك من إكمال دراستك والتفوق فيها حتى أصبحتي مدرسة تاريخ ..ونقول أيضا الحمد لله إن اصابتهم كانت عندما أصبح عمرك تسع سنوات عندما أصابتك الحمى الشوكية فنجاكي الله من فقد النطق وقدرتك الطبيعية على الكلام حتى يخيل لمن لا يعرف بظروفك إنك طبيعية تماماً..ولكنك تفقدي أو تنسي قدرتك على الكلام عندما تتوتري ...وهذا ما يزيد خوفي عليكِ
لماذا القلق يا حبيبتي .... لماذا يا ابنتي
أشارت له والدموع بعينيها لا تعرف
: عندما تستعملي لغة الإشارة أعرف أن وحيدتي عادت لقوقعتها التي تحيط نفسها بها ..عادت للخوف ..وهو أمر يصيبني بالضعف ..لا أريدك خائفة أريدك صلبة كما ربيتك واثقة من نفسك
مررت يدها بضعف على وجهها ثم جففت أثر الدموع : لا أدري يا أبي .. أشعر أني لا أعود لموطني بل أشعر إني تركت موطني ..هناك بالمدرسة التي كنت أعمل بها حيث أجد نفس ظروفي .. هناك كنت أساعد طلاب يعانوا أكثر مني كنت أشعر إني ببيتي لكن هنا مكان جديد وحياة جديدة ولا تنسى إنك بنفسك تركتهم بالماضي عندما شعرت إنهم كانوا يأذوني ويأذوا أمي
: الوضع غير
: كيف
الأب بدعاء صامت أجابها : ابنتي أعتقد إن أهل القرية قد تغيروا عن الماضي... بالماضي كانت هناك صور مكررة من جدتك رحمة الله عليها بالتفكير الفطري الذي ولدوا به أن االأبن لابد وأن يكون له ذرية كبيرة والأفضل طبعا يكونوا من الذكور فكان تأخر أمال بالحمل دعوة لهم بالتدخل وإقتراح الزواج من أخرى وهذا ما كنت مستحيل أن أفكر به وخاصةً إنها كانت نعمة الزوجة المحبة لي والمقدرة لظروفي فكيف كنت أكافئها بهذا وخاصة وإن مصابنا واحد بل بالعكس هي كانت أكثر بإحتمالها بصبر جميل لسان المقربين منا وخاصة وإن أخي الأصغر تزوج وأنجب هارون ...
ثم قطع كلامة بضحكة وعاطفة تحاوط ابنته دائماً: وبعد صبرنا منحنا الله صغيرتي الجميلة والتي ترافقني الأن لرحلة العودة ..
بنظرة ساخرة أجابته : هل تعتقد يا أبي الحال تغير وأصبحوا أكثر تفهماً وإحتواء لنواقص بعضهم البعض ..و لأصدقك القول إذا حدث هذا بقريتنا سأشعر بالندم على تركنا لهم وأنا صغيرة ..على الأقل كنا لم نعاني بغربتنا داخل وطنا
ثم صمتت ....
نعم لابد وأن تصمت ابنتي فهي قابلت الكثير بحياتها وسمعت الكثير وخاصة عندما كبرت وأصبحت عروس جميلة متعلمة وموظفة فكانت بالنسبة لشباب اليوم فرصة جيدة ولكن بمجرد علمهم ومع اصرارها الدائم بالمصارحة من البداية يهربوا ويختفوا وكأن ما بها مرض يصيبهم بالخوف والعدوى ...
لو يعلموا كيف كانت بسمتها وهي بالمهد هي البلسم الذي مدني بالحياة عندما حملتها أبكي أمها التي كانت تنزف بعد ولادتها وتفقد رحمها وتقاوم الموت ..كيف بتلك البسمة التي لا أدري إذا كانت دموعي التي غشيت عيني هي السبب في تخيلي انها تبتسم أم كانت بسمة حقيقية لأنطق لأخي الذي كان يجاورني
: باسمة
علي بتعجب من الاسم : ماذا قلت يا حسن ..تقصد بسمة يا أخي
: اكتبها بالدفاتر الرسمية الباسمة حسن
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

يخرج من مكتبه بطوله الفارع وجسدة الرياضي ووسامة ورثها من أمه ذات الأصول الشامية يحاول أن يداريها بوجهه الصارم وانعقاد جبينه دوماً و قصة شعره القصير جداً والتي يعتمدها حتى يخفي لونه البني المائل للشقار مع سمرة وجه حصل عليها بكثرة تمارينه تحت اشعة الشمس مع خطواته الواثقة التي من يسمعها يشعر كـأنها مطارق على رؤسهم تعكس بوضوح مواصفات صاحبها فيقفوا لتحيته وهم ملتصقين بالحائط متأملين أن لا يراهم فيكون نهارهم مثل سواد طبعه الذي أختبروه العديد من المرات من وقت استلامه القريب للعمل بينهم .. يقتحم كأعصار مكتب تصدر منه أصوات عالية ليجد مأذون يجلس بين شاب يظهر على وجهه أثار صفعات وملابسه ممزقة وفتاة مشعثة الشعر يلطخ وجهها مساحيق تجميل ثقيلة وكحل يسيل على وجهها ورجلان وامرأة كبار في السن يقفوا في الخلف
صمتوا عن تراشقهم بالكلام بمجرد دخوله

ينظر بضيق للشرطي صغير السن الذي يقف امامه وبصوته الجهوري : ماذا يحدث هل تحول المخفر لقاعة أفراح

يخفض الشرطي يده التي رفعها بالتحية العسكرية ويشرح بتردد وخشية : سيدي .. المتهم اختار عقد القران والأوامر..

يقاطعه بإشارة من يده وهو يتناول ملف القضية من على سطح المكتب الذي يفصله عنه : اغتصاب أم أداب
يقاطعه أحد الرجلين باعتراض : لا يا بك .. ابني مظلوم الشرطة قبضت عليه ظلم كان وخطيبته بالشقة لمعايناتها قبل تأجيرها لتكون بيت الزوجية لكن منهم لله من لفق له التهمة

لا يعير الشرطي الكبير أهمية بكلام الرجل وهو يتصفح محضر الضبط وهو يبتسم بسخرية
: لا فعلا مظلوم مقبوض عليه في شقة مشبوهة وفي حالة تلبس هو والسيدة
لتنطق السيدة الكبيرة حبزن : ابنتي مظلومه
ينظر هارون للمأذون : هل انتهيت يا شيخ
: نعم
يلقي بالملف الذي بيده على المكتب وبصوت عالي : اغلق المحضر وأخرجهم من القسم ...مردداً في نفسه : استغفر الله العظيم
يعود لمكتبه الذي حصل عليه بترقيته لرتبة مقدم شرطة من أسبوعين فقط مع حركة تنقلات كان يأمل أن يصيبه الحظ بمكان يساعده على الوصول لمراكز أهم في الوزارة ولكن كالعادة منح الابتعاد عن حلمه .. فعكس كل احباطاته على كل المحيطين به في مكان عمله فأصبحوا يتجنبوا غضبه بشق الأنفس ....
يعود ويرمي نفسه على مقعد مكتبه بإرهاق وهو يمرر يده على شعره بعصبية ثم يسمح للقادم بالدخول
: السلام عليكم
يقف بابتسامة ليسلم بترحاب على صديقه وابن خالته : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..كيف حالك يا هشام

: الحمد لله ...كنت قريب فجئتك مباركاً على الترقية والنقل

يجلس هارون بضيق واضح : تفضل بالجلوس يا أخي
هشام بتوجس : ما بك
:علام المباركة... الترقية والنقل و التي انتظرتهم منذ أعوام جاء بصورة بعيدة عن تطلعاتي الشخصية

:لما ..

يتحرك بقلق في مكانه مقربا من المكتب سانداً عليه بمرفقيه :هل تعلم كم قضية تتحول من المخفر للمأذون لدرجة ان الرجل يخبرني بفكاهة أن عقود القران التي يحصل عليها من هنا تفوق ما يتحصله من خارجه ...أشعر كأني بإدارة توفيق رأسين بالحلال وليست مكافحة الأداب

يضحك هشام بتسلية :ما المشكلة يريدون تخفيض تكاليف الزواج وأنت بالمقابل تكسب ثواب

تغيب الضحكة من على وجه هشام عندما يسمع هارون

: الثغرة بالقانون يستغلها أصحاب القلوب الضعيفه أتدري هناك حالات شاذة بالمجتمع تستحق انتزاعها من الجذور مثل حالات الاغتصاب والتحرش وحتى البغاية وكل تلك الحالات لن تنتهي ما لم يكن القانون رادع ...لن أتحدث عن الحالات الانسانية والتي كل همها التستر على شرف البنت ولكن كيف ستستقيم الحياة ما لم يوقع أشد الجزاء بالجاني ..
هشام بتنهيدة : لديك كل الحق.. لكن الحل لن يرضي الجميع والقوانين كانت تحمي بالأساس الفتيات التي يغرر بهم فيرد لهم حقوقهم وسمعتهم
: أي سمعة يا صديق وعقد قرانها يتم بمخفر شرطة ...
ثم يشيح بيده ويحدثه بلطف : أعذرني لقد أشغلتك بالأمر
يبتسم هشام وبواقعية
: لا تنكر يا هارون أن النقل كما فيه من عيوب فيه جانب آخر وهو عائلتك التي طال غيابك عنهم وخاصة بالأعوام الأخيرة
ثم يصمت هشام قليلا لينقل لهارون بعض عتابه بنظرات ذات مغزى
: وحتى لتبتعد عن شقة المرح التى اعتدت أن تقضي بها الأجازات مع أصدقائك
يضحك هارون عاليا وهو يعود بكرسية للخلف بصخب واضح وكأنه تحول لشخص أخر غير الرجل القيادي الذي لمسه صديقه منذ قليل
: تحولت يا ابن خالتي بالعشرة إلى محقق ناجح ...لكن لا تخشى على هارون العابد فكلها جلسات مرح وتسلية ولا يتعدى وجود الجنس الناعم بها عن المحادثات البريئة... أنا لا أقرب الحرام يا أخي ..ولكي يطمأن قلبك تعال معي فقريباَ سيعدوا لي احتفال بمناسبة الترقية منها تسلي وقتك ومنها يطمأن قلبك على ابن خالتك
يضحك هشام : لا...أنت تعرف خالتك إحسان إذا تأخرت ساعة واحدة عن موعد عودتي تبحث عني كطفل تائة وليس شاب تعدى الثلاثين منذ عام
هارون بجدية :
وبما إنك تخطيت الثلاثين ألم يحن آوان الزواج وخاصة وإنك استقريت بالعمل أخيرا أنت الآخر بالقرية بتعينك هناك بالمدرسة الإعدادية
: الحمد لله وهذا ما أفكر به حاليا ..
ثم نظر ضاحكا لهارون : لكن أبداً لن أقدم عليها حتى يسبقني الأخ الأكبر الذي تعدى عمره الخامسة والثلاثين
: لا أعفيني ..لقد جربته وبرأت منه ...
صمت هارون قليلاً وهو يبلع غصة بحلقه بوضوح لم تخفى عن هشام ثم يواصل حديثه بهدوء
: هل وصلتك أخر الأخبار عن عمي حسن ..
:نعم ..أخيراً عاد الطير المهاجر ..على ما يبدو إن نقلك وعودة عمك ستكون حديث قريتنا بالفترة القادمة
يقف هارون يجمع أشيائه من على المكتب وبقلق حقيقي على أحوال عمه الغريبة : نعم ربنا يسمعنا خير عنه ..هيا نعود معاً حتى نكون باستقبالهم أنا أنتهيت حالياً من العمل الموكل لي .,,
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

وهناك كانوا بالانتظار العم علي و زوجته اعتماد وابنتهم رباب والتي بالرغم من بعد المسافات وتلاهي الدنيا ظلت على اتصال مع الباسمة بالرغم إنها تصغرها بست أعوام . ..تجمعهم صداقة جميلة عمقتها كثرة التلاقي بوسائل التواصل الحديثة ....
كانت الفرحة بعودة الغائبين كبيرة ظلت رباب تساعدها ليلى التي جاءت خصيصا لتمد يد المساعدة لخالتها من الصباح الباكر ليعدوا وليمة ومن قبلها تنظيف شقة العم حسن بالدور العلوي التي كانت مغلقة على الذكريات ..
اقتربت ليلى تحت انظار خالتها التي تمتلئ إعجاب و تقدير لجمالها الصارخ ورقتها الشديدة تحمل بيدها وعاء يحوي أكثر ما يحبه هارون من طعام وهي الفطائر المحشية : تذوقيه من أجلي خالتي
أخذت الخالة واحدة وهي تستطعمها تردد على اسماعها ما تتمنى كلتاهما : ماشاء الله...تسلم يديك حبيبتي فطائر لذيذة تستحق فم من يحبها ويحب من صنعتها
رباب باندفاع بينهم وهي تستولي على طبق الفطائر من يد ليلى : نعم فأمي تعلم يا ليلى كيف أنا أحبها وأطلبها دوما منها ...
تنظر ليلى ليدها الخالية بخيبة أمل فتمسكهما خالتها بحب : إذهبِ لتنعشي نفسك قليلاً لتكوني معنا في استقبال هارون..
.ثم تستدرج كلماتها بحنكة :اقصد عمك حسن و بسمة
وعندها سمعوا صوت سيارة هارون قادم من عمله : أرأيتِ حبيبتي ابن خالتك وصل سأذهب لإستقباله ...وأنتِ إفعلي ما أمرتك به ..
ثم قبلتها وخرجت في حين ليلى هرولت لنافذة جانبية تطل على الطريق وهي تحاول التمتع برؤية هارون الذي امتلك قلبها بوسامته وهيبته وسيطر على تفكيرها من كثرة ما أوحت لها خالتها بقرب الوصال ..
هامسة لقلبها : متى يا ابن خالتي لقد انتظرت طويلا ... عامين يا هارون أنتظرك منذ طلاقي العمر يعدو يا ابن خالتي وحلمي بالأطفال يخبو وكأن ذنب زوجي السابق الذي تركته من أجل عدم قدرته على الإنجاب اصابني بالنحس ..والصبر الذي تغذيه خالتي وأمي اوشك على النفاذ
: ليلى
: نعم يا رباب
: تعالي يا حبيبتي أحتاجك
ذهبت لها ليلى هامسة : قادمة ..الصبر يا رب
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

بغرفة نوم والديه أدخلته إعتماد باصرار وهو يغالب ضحكته على أمه التي تصل رأسها بالكاد لقرب صدره ولكن تظهر قوة يخشاها الرجال عند مواجهته ...يعلم سبب تلك المواجهة التي يتهرب منها منذ أسبوعين ولكن يبدو أن اعتماد نفذ صبرها
فتودد لها بنبرة ناعمة يستخدمها عادةَ معاها فتلين : أم هارون لماذا اصريتِ أن تختلي بي الأن تاركين هشام خارجاً بمفرده
: هشام ليس بمفرده فأبوك يجالسه .... ولكن أنت يا هارون الذي تريد التهرب مني إعتقاداً منك إني لا أدري ما تحاول فعله
يجلس على أريكة صغيرة بالغرفة وهو يريح رأسه للخلف ويغمض عينيه بتنهيدة : لا أتهرب ولكنك تعرفي يا أمي إني ما زلت في طور الاستقرار بعملي ومع ذلك أنا كلي أذان صاغية
تنظر له إعتماد بحزن على حال ابنها الذي تغير منذ طلاقة لتلك النجلاء... فاقتربت منه تجلس بجانبه تأخذ رأسه بحضنها وهي تربت بيديها الحنون عليها : هل صعب عليك أن تريح قلب أمك يا هارون ..
يعتدل هارون ويقبل رأسها : طلباتك أوامر يا قلب هارون .. إبعدي عن أمر تزويجي وأي أمر أخر اشيري فقط وعليا التنفيذ
تقبض إعتماد علي يده لينتبه لها : لولا خوفي أن تضيع ليلى من يدك كنت تركتك على هواك ولكن يا قلب أمك البنت وخالتك صبرهم سينفذ وخاصة وقد مر عامين على طلاقها
هارون بدهشة : مرة أخرى يا أمي ليلى .... إنها بعمر رباب أنا أعتبرها أختي الصغيرة

تقف إعتماد هاتفة بغضب : ليست أختك ثم إنها أكثر نضج من رباب لا تنسى انها تزوجت بمجرد ان انهت الثانوية لأنها كانت تبغض الدراسة ثم إنها تعشق الحياة الأسرية والأطفال خلافاً لزوجتك السابقة ...ليلى جميلة وتربية يدي وأيضا ظروفها مشابهة لظروفك أنت وهي مطلقان ..كما إنها ستوافق على مشاركتنا حياتنا غير تلك ناكرة الجميل التي كانت تريد التفريق بيننا

ينظر هارون للأرض يغالب شعوره بالإمتعاض من مبررات أمه :أنا جربت الزواج
لتنهره أمه وهي تشيح بيديها : زواجة الندامه لا تذكرني بها
ينظر لها نظرة ذات مغزى فتحرك فمها بامتعاض :ماذا

هارون ضاحكاً :وتسألي يا أمي

:كانت تريد أن تستأثر بك وتجعلك تهمل أهلك بالرغم من اتفاقنا أن حياتنا مشتركة .. وهو أمر عادي ببيوت العائلة ولست أنا من إخترعته إلا إنها كل يوم والأخر تغضب وتذهب لأهلها قال ماذا تريد حياة منفصلة وبالأخر أنت من طلقتها فأنا أعرفك جيداً إذا كنت تحبها كنت حققت لها كل طلباتها دون الرجوع لنا ..
ثم تجز اعتماد على اسنانها غيظا ً
:عندما أراها وهي تمسك بيدها ابن وتحمل آخر أكاد أجن
هي وجدت ضالتها وتزوجت بينما أنت اضعت دربك وتعيش على هواك ...
أه يا هارون يا ابن بطني لو تريحني وتعود عن طريق الهلس الذي تتبعه
يضحك هارون ويقترب منها ليحتضن كفيها مقبلا لهما : لا يا غالية يا ابنة هارون جدي العظيم الذي دللك حتى اسميتني باسمه إلا غضبك لا تجعليني أقلق عليكِ فضغطك حساس لأي توتر
تقاطعه وهو تمنع ابتسامتها حتى لا يلهيها :أفعل ما يريح قلبي وأنا أصبح بخير ثم ما به اسم جدك لا يعجبك أيضاً ..فقط كنت أتمنى ان تكون مثله لكن أخذت كل طباعك من والدك
يحتضنها ضاحكاً : بل يعجبني وهل أستطيع الإنكار ..
هامساً لها بحب ...
:الله يعينني كلما خالفتك قلتِ طباع أبيك أما العكس فأنا تربية ايديكِ وجدي
تبعد عنه ضاربة يديه التي تحتضنها :ها ماذا قلت عن ليلى
:لا
اعتماد بنيرة مغتاظة : هارون
:لا يا أمي لكن أعطيكِ كلمتي إن أردت الزواج قلت لكِ فورا لتخطبي لي وتكون نقاوة عينيك فتسلم هي وأنا من مشاكل الحما والكنة
تضحك اعتماد :يا ولد أنت سندي اردت لك الأفضل
قبل يديها الأثنتين بحب واحترام : أعلم يا قلب هارون لكن كل شيء نصيب
اعتماد بتنهيدة : لن أعتبر هذا رأيك النهائي وسأتركك قليلاً لتفكر ليلى بنت أختي هي الزوجة التي ارتضيها لك وكما قلت نقاوة عيني ..
أراد هارون الرد ولكن رباب تفتح الباب فجأة مقاطعة لحديثهم بصخب وضحك
: وصلت يا أمي ...وصلت يا هارون
الباسمة وعمي حسن وصلوا ...

رأها وهو يخطو سريعاً خارج البيت ليسلم على عمه أراد أن يكون هو الأول باستقبالهم عندها لفتت نظره برشاقتها داخل ملابسها المعتادة من بنطال جينز يعلوها قميص أسود بالكاد يغطي خصرها فنظر حوله يتأكد من عيون تأكلها بتفاصيلها و بالرغم إن نظرها كان بعيد عنه حاول لفت نظرها ولكنها كانت كأنها تعيد ترتيب محيط غاب عن نظرها منذ زمن بعيد حتى تهيأ له إنها لم تسمعه
مرددا لنفسه : نعم أكيد لم تسمعني دائماً ما أنسى ظروفها ...

كانت تقف بجانب السيارة تنتظر والدها يخرج الحقائب منها لمحت هارون ولكن البيت خطف أنفاسها لذكرى أو لخوف.... فكانت كل الأصوات الأن بعيدة عنها وهي تحدق ببيت عائلة العابد
والذي يسكن بطابقة الأول العم علي وزوجتة اعتماد وابنتهم رباب ومنه استقطع عمها غرفة اعدها كمكان لعمله بتجارة الغلال حينما عاد من غربته الطويلة والطابق التالي شقة والدها أما الطابق الثالث والأخير ففيها كانت شقة هارون والذي لم يتركها حتى بعد انفصاله عن زوجته......

على مائدة الطعام العامرة جلسوا جميعاَ تملؤهم روح جميلة في استقبال الغائبين استغلتها اعتماد لتحضر اختها احسان ام ليلى وهشام والذي تصبو لتزويجه هو الأخر من رباب التي أنهت دراستها منذ عامين وتنتظر هي الأخرى وظيفة والأهم عريس مناسب ..

بروحها الحلوة وابتسامه ناعمة تألقت بها شفتيها تأقلمت سريعاً على عودتها بينهم وإن كانت معظم الوقت لا ترفع وجهها لتواجه عيون خصتها من البداية بالتحديق أو الفضول ..... و العيون الأقرب للقلب قلقة ومراعية

نهاية الفصل الأول












بسم الله الرحمن الرحيم

آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ( 285 ) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ( 286 )
صدق الله العظيم
(سورة البقرة)



لا أبيح ولا أحلل نقل الباسمة دون الرجوع لي
اللهم بلغت اللهم فاشهد

روتيلا 02-05-18 07:29 PM

رد: الباسمة
 


هل للفراق رائحة ؟

نعم ..تشعر بذراته تحاوطك بكل مكان فتفقدك روحك وإتزانك ..

وهل للفراق رائحة !!

نعم للأسف .. تشعر به كظل يبلغ عنان السماء فتظهر كغيمة سوداء تحيط عالمك ..

وهل لها رائحة ..

صدقني نعم... تشعر كأنه إمتص كل الهواء المحيط بك فيطبق على صدرك الألم ..

وهل تشعر بكل ذلك ولا تعرف إنه أتٍ ...

نعم تشعر بكل ذلك فتسير بغير هدى تتخبط بأفكارك حتى تكاد تجن فيجثم فجأة فوقك ليصدمك بالشفافية التي كان عليها يخبرك بكل دقيقة إن الفراق أكثر الأمور وضوح وأكثر الروائح تميزاً....


R.H



الفصل الثاني


انتهى من عمله الذي تأخر اليوم لقرب الفجر ...ركن السيارة بمكانها بجانب المنزل وهبط منها وبينما يغلق بابها بمفتاحها الخاص رفع رأسه لأعلى كي يرى بالتحديد الطابق الثاني في عادة تملكته منذ شهر ... الظلام يغلب على جميع الغرف ما عدا نور هاديء ينبعث من غرفتها ثانية إثنتان ويُغلق النور وكأنه مبرمج على موعد عودته الغير مقنن بميعاد ثابت ...

وهو يصعد السلم ببطئ بدأ المؤذن بترديد الأذان بالمسجد القريب ..
متوقع الأن خروج عمه ينادي على والده ليصاحبه لصلاة الفجر في عادة محببة لوالده الذي أصبح فجأة أكثر نشاط وحيوية بمرافقة شقيقه الأكبر العم حسن ..
وصل أمام شقة عمه تلكئ بخطواته يقاوم رغبة ملحة أن يطرق على الباب .. ابتسم لإحساسه الجديد بالانتعاش... من لحظة وصولهم وأصبح بالبيت حياة وروح مختلفة ..قاطع أفكاره
صوت مكتوم خلف باب شقة عمه وصوت الباسمة الباكي لم يجعله يتوانى لحظة ليضرب الباب بعنف بقبضة يده القوية
: بسمة افتحي ..بسمة ...عمي... افتحوا الباب ...
ظل يطرق ويصرخ عالياً وعلى صوته صعد ابيه
: ماذا يا هارون ماذا حدث
واصل طرقاته القوية التي زادت أكثر مع بكاء الباسمة المتزايد من خلف الباب الموصد
حدثه هارون بتوتر : لا أدري صدقني لا أدري ..سمعت صوت الباسمة تبكي ولا أعرف السبب ...لماذا لا تفتح أشعر بها قريبة من الباب
جاوره أبيه في وقفته والطرق على الباب وبصوت عالي : حسن ..بسمة ..

صعدت إعتماد على أصواتهم مع رباب مرددة بصوت عالي : وكيف ستسمعك ..هل نسيت
نظر هارون بحيرة لوالدته الصلبة ورباب الباكية بجانبها بينما أبوه يواصل طرقاته
: كان لديك نسخة من المفتاح يا أمي
ابتسمت ساخرة وهي تحرك شفتيها بامتعاض : أخذته بسمة
علي بجزع : دعك من أمك وساعدني بكسر الباب
فوراً تعاونا بكسر الباب القديم ذو المصراعين ودخل هارون ومن خلفه الجميع مهروليين باحثين بأعينهم عنهم ليجد الباسمة باكية تجلس على الأرض بجانب قريب من الباب وعمه يستند على كتفها تسقيه قطرات من الماء وتمسح على وجه وهو يستعيد وعيه ...
كل ما حدث بعد ذلك أصبح ضبابياً بالنسبة لها كيف تعاون هارون مع عمها بحمل أبوها ونقله لغرفته كيف اقتربت منها رباب وعاونتها على استعادة بعض من تركيزها الذي فقدته عند رؤيتها لأبيها وهو يحيط رأسه بيديه ثم يسقط بالقرب من الباب عند استعداده للنزول للصلاة ..لا تدري سوى إنها كانت على بعد خطوة لفقد عقلها من شعور الفقد ...
بمجرد ما استعادت نفسها هرولت سريعا لغرفة والدها وجاورته تبكي بحضنه تحت أنظار الجميع
مد يده الحانية ليربت على كتفها برفق : يكفي حبيبتي هيا إرفعي رأسك وانظري لي لتتأكدي إني بخير ...
لم تسمعه فقط حضنه الذي أرادت أن تتمتع به... فقط يده التي تربت عليها ما أرادت ان تشعر بها
: أبي أرجوك صارحني ما الذي يحدث معك
سؤالها الباكي اهتزت لها حدقية عينيه تحت انظار هارون الثاقبة الذي أشار لوالده أن يتدخل لابعاد الباسمة عن والدها ولكن وجده هو الآخر يجاهد لإخفاء دموعه فقال بهدوء : الطبيب في الطريق إلينا ..هيا يا باسمة
ليرد حسن سريعاً : لا أحتاجه يا بني .. ما أحتاجه حقاً أن أستريح قليلاً
ثم رفع رأس الباسمة بيده ومسح دموعها : هيا ابنتي اذهبي صلي واتركيني
أشارت له بلا فيعيد عليها طلبه بتأني حتى تقرأ حركة شفتاه
: عمك سيظل معي هيا حبيبتي لا تقلقي
تحركت الباسمة بتردد ولم تترك عينيها والدها لحظة بينما يتبعها هارون مغلقا الباب خلفه
ثم فجأة مد يده لمعصمها يوقفها وهو فاقد السيطرة وهو يشير لها ناحية أذنيها بيده الأخرى والتي كانتا يغطيهما شعرها الذي حاوط وجهها
: لماذا لم تسمعينا... هل تتخيلي كمية الرعب الذي شعرت به وأنا أسمع بكائك و لا أعلم ما أصابك ..ثم ما فائدة تلك ..قالها وهويقبض على شعرها ويرفعه بعنف كاشفاً عن وجهها بسمرته الخفيفة الأخاذة الذي كان يختفي تحت ليل شعرها المنسدل ويحيطه بنعومة

ليفيق على نظرة الرعب بعينيها البنيه اللامعة بدموعها وشهقتها وهي تسحب شعرها من يده وتغطيه بكلتا يديها ثم تجري لغرفتها باكية تتبعها رباب التي عاتبت أخيها بنظرة من عينيها ..
ظل بمكانه يستوعب ما أقترفه بحقها هامساً : لم تكن ترتديها ..
أخرجه من سكونه صوت أمه بعتاب: هل جننت ماذا فعلت
تراجع هارون وهو يجلس وما زال نظره على باب غرفتها المغلق : لا أدري ..لقد أرتعبت عليهم..
تقف أمامه إعتماد وهي تعقد ذراعيها على صدرها بتحفز واضح : لا يحق لك أن تعاتبها ..أبوك وعمك وحتى أنا سوف نلفت نظرها ..
ثم مدت يدها بحنو تمسك يده ليقف أمامها : هيا أصعد لتستغل بضعة ساعات بالنوم والراحة
: الطبيب قادم
:أبوك سيستقبله وأختك ستظل مع بسمة وأنا سأجهز لهم الإفطار ..هيا حبيبي لا تقلق هيا
وظلت تحثه على الصعود لشقته حتى استجاب لها وصعد تاركاً ورائه قلق حقيقي أصاب قلب الأم ...
اقتربت بهدوء ناحية الباب المغلق لغرفة حسن حيث يرقد ويجالسه علي ... تعلم أن في عودة حسن لقريتهم بعد مرور تلك الأعوام أمر ما ..ستجن إن لم تعرفه ...و زوجها لا يساعدها أبداً فمن وقت وصول حسن وهو أصبح لا يشاركها أي أسرار لأخيه وكأنه أصبح شخص آخرغير علي الذي عاشرته كل تلك الأعوام بل أصبح كثير من الأحيان يحتد عليها إذا سألته عن أمر يخص حسن أو ابنته وهو أمر لم تعتاده منه..
وكل ما يخبرها به أن حسن عاد لأنه أفتقد الحياة البسيطة بالقرية وأن يبعد ابنته عن خطيبها السابق الذي يجاورهم بالسكن ...ولذلك قررت الإعتماد على نفسها بالتسمع لهم كل حين وحتى الأن لم تصل لشيئ يشبع فضولها ..
رددت هامسة : ماذا حدث لكم لم أعد استطيع سماعكم أم أصابني ما أصاب بسمة وأمكم ..
رحمة الله عليكِ يا خالتي لم تتركي شيء إلا ودعوتي بها علي ظلم وإفتراء ..

بالداخل كان ما زال حسن راقد مغمض العينين يجاوره على مقعد قريب أخيه الذي كان يحثه ببكاء : أخي ..لماذا لا تريد أن تريحني ..كل ما قلته لي لا أصدقه ..أعرف إنك لا تريد مشاركتي همك لأنك تعتقد إني ضعيف ولن أتحمل ..هي فقط دموعي القريبة هي ما جعلتك تكتم سرك عن أخيك ..لكن صدقني هذا تأثير حبي وخوفي عليك ..أنا أصبحت اقوى صدقني وستجدني إن شاء الله السند الذي ترجوه
يقاطعة حسن بحزم : كفْ يا علي لازلت صغير تتخيل الأشياء وترتعب وتبكي ثم عندما تعرف الحقيقة وتجدها أبسط من تعقيداتك الخيالية تخجل من تصرفاتك وتوعدنا ألا تعيدها وتعيدها ألن تكبر يا رجل .. أصبح الشيب يغطي كامل رأسك ومع ذلك أشعر إني أحادث طفل ..
يضحك علي وهو يمسح على وجهه : إذا كان الشيب يغطي رأسي فأنت الشعر هرب من رأسك حتى إني أحتاج لمنظار مكبر حتى أعدهم
يضحك حسن عالياً حتى أدمعت عينيه : نعم هكذا عد أخي المرح ...
ثم يصمت قليلاً ناظراً للسماء من خلال زجاج النافذة المغلقة التي بدى منها أول شعاع الصباح : علي أنا بأحسن أحوالي عودتي لقريتي ردت لي روحي..طالما باسمة قلبي بينكم ومعي ... لا تقلق وتقلق الجميع معك ..هل تسمعني
: نعم يا حسن لكن ..
يقاطعه حسن بنظرة قوية إعتادها مع أخيه الصغير : لا تقل لكن ...واسمعني عندي رجاء أريدك أن تساعد بسمة في ايجاد وسيلة مواصلات يومية للمدرسة التي ستداوم بها بعد يومين وتكون محل ثقة ..كما أريدك أن تحضره من اليوم حتى اتفق معه بنفسي وأيضا ً ليرافقها بمشوار للمدينة القريبة حتى تودع الأموال التي حصلت عليها من بيع السيارة بالمصرف ..هذه الأموال ستكون مخصصة لجهازها إن شاء الله
علي بدهشة : ولماذا تذهب مع غريب حتى لو سائق ثقة هارون يذهب معها حتى يساعدها بإجراء المعاملات بسرعة بحكم منصبه
يعود حسن للنظر للجزء من السماء الظاهرة له من النافذة وبتنهيدة : كنت سأطلبها منه لكني أعلم جيداً إنه ليس بمقدوره تحقيق حلمي ..
: ماذا ..لا أفهم
يستدرك بقوله سريعاً ناظراً له : أقصد بأن يرافق الباسمة ولكنه مشغول بعمله الذي يستهلك كل وقته أعانه الله ...
ثم يصمت لوهلة ينظر ليديه التي عقدها أمامه بحزن واضح كان يأمل أن يكون هارون عنده رغبة بالاستقرار والزواج ويقسم إنه لو كان لديه تلك الرغبة كان طلبها منه بنفسه أن يقترن بالباسمة حتى يرتاح قلبه ..يالله ساعدني حتى أطمئن عليها
يقاطع تفكيره طرقات على باب الغرفة وهتاف إعتماد : الطبيب أمجد وصل يا علي ..

عندما خرج الطبيب كانت الباسمة تمالكت نفسها وأرتدت ملابسها كاملة بدلا من ملابسها البيتية التي قابلت بهم الدخول المفاجئ لأفراد عائلة عمها وهي تحمد الله انها تلك الليالي الباردة التي تحكم عليهم إرتداء كل تلك الملابس الثقيلة فلم يظهر من جسمها شيئ فقط حجابها التي تأكدت الأن أن ترتديه بإحكام وهي تواجه الطبيب لتسأله عن حالة والدها
: كيف حاله أنا واثقة إنه يأخذ علاج السكر بموعده لإنني أتأكد من ذلك بنفسي
يبتسم الطبيب بمهنية : إنه بخير تماماً الأن لكني طلبت منه بعض التحاليل ولكنه عنيد ويرفض
تتبع بإعجاب عينيها التي غطتها دموع شفافة وهي تومئ برأسها : نعم عنيد أنا أكثر من تدرك ذلك لقد حاولت معه كثيراً..
: سأحاول معه مرة أخرى فقط لا تقلقي
قاطعهم دخول هارون الذي لم يستطع النوم دون الإطمئنان على عمه وهو يدير بعينه بالمكان يبحث عن مرافق للباسمة بوقفتها المنفردة بالطبيب وبصوت جامد : أهلًا بالطبيب أمجد أعتذر عن تأخري ..ثم نظر للباسمة بجمود : إدخلي لوالدك
ابدت الباسمة رفض : كنت أريد ...
قاطعها هارون وهو يشير برأسه لغرفة عمه : الأن
تحركت الباسمة بغضب من ابن عمها لغرفة والدها
بينما هارون وجه نظره للطبيب الشاب والذي يعمل بالوحدة الصحية للقرية من وقت قريب فوجده يتتبع بنظره انصراف الباسمة فوقف أمامه بطوله الفارع وجسده العريض واضعاً يديه بجيبي سرواله فيهرب الطبيب بنظراته بعيد : هل هناك ما يمكننا فعله بحالة عمي المتكررة
يتنحنح الطبيب بإحراج : فقط يوافق على إجراء التحاليل وعموماً سأتي له بعد انتهاء عملي اليوم لأحاول إقناعه مرة أخرى
هتف هارون بحدة : لا
ثم استدرك عندما لاحظ حدته وتأثيرها على وجه الطبيب : أقصد نحن جميعاً سنقوم بإقناعه أرجو أن لا تشغل وقتك الثمين بنا
: هذا عملي
: نعم أشكرك ... تفضل معي حتى أوصلك بنفسي
تحرك الطبيب بإحراج : لا داعي أعرف الطريق وأنا بالخدمة بأي وقت سيادة المقدم
خرج علي من غرفة أخيه بنفس الوقت ناظراً بحيرة لوقفة هارون المتحفزة
: اشكرك بني على حضورك بهذه السرعة ..تفضل معي أريد ان اسألك عن بعض الأمور التي تشغلني بخصوص أخي ..
تحرك الطبيب للخارج مع علي بينما توجه هارون لغرفة عمه وعنده كلام كثير سينزل به على رأس تلك الباسمة ليعيد لها الذاكرة بتقاليد بلدتهم الريفية ..

مع والدها تحاول إقناعه تتحرك بمساحة الغرفة الصغيرة ذهاباً وإياباً بطريقة أصابت والدها بالإرهاق : إجلسي وكُفِ عن الحركة ألن تَكُفي عن تلك الطريقة التي تصبني بالدُوار
ظلت بحركتها : لن أجلس أنت تعلم إن تلك الحركة الأن ما تجعلني أعرف أفكر وتجعلني أتمالك نفسي من الإنهيار باكية أمامك حتى تستمع لي
يضحك والدها : أنا بخير ..ولا تتوقفي أصبحتِ سمينة وتحتاجي للحركة لانقاص وزنك
توقفت الباسمة صارخة ناظرة لنفسها : ماذا أنا سمنت... أنا مثل عمود الإنارة في طولي ونحولي
يضحك حسن عالياً : الحمدلله الذي جعلك تعترفي ..تعالي حبيبتي
سكنت الباسمة بمكانها فترة تحاول أن تنظم تنفسها وتقنع نفسها أن والدها بخير لتنطلق له بعدها تجلس بجانبه ناظرة لعينيه تتلمس منه الصدق ... ثم وضعت رأسها على صدر والدها مرددة بهدوء: أريحني
يربت حسن على رأسها : أنا بخير ..
لم ترد الباسمة لكن لم تمنع أفكارها التي ظلت تتردد بعقلها ..لا..لا لست بخير أبي ...لست بخير.. أنا أعلم... قلبي يحدثني أن القادم صعب ...
أكاد أن أشم رائحة الفراق ..

قاطع حديثهم الصامت طرقات على الباب ثم دخول هارون وحديثه المباشر
: باسمة لا يصح أن تقفي مع رجل بمفردك لا تنسي إنك عدت للقرية وتقاليدها و للعلم لم تختلف كثيراً عن الماضي إذا كنتِ نسيتِ
رفعت الباسمة رأسها عن صدر والدها ونظرت بضيق لهارون الذي لم يؤثر به نظرتها ثم وقفت أمامه بتحدي ولهجة قاطعة
: لم أنسى سواء هنا أو بالقاهرة تقاليدنا .. ولكنه طبيب والدي ولو كنت نسيت أنت أنا لست صغيرة حتى توجه لي تعنيف على سلوكي وأيضاً ليكون بمعلوماتك أنا أكثر من قادرة على إدارة حياتي دون وصاية يا ابن عمي ومادمت واثقة من أخلاقي وتربيتي لن أنتظر رأي الأخرين
رد هارون بحدة : ماذا ..
ثم وجه نظرة لعمه
: هل تسمع يا عمي
تدخل حسن بهدوء : باسمة اسمعي كلام ابن عمك
نظرة لوالدها بعتاب هاتفةً: أبي
ابتسم حسن لها : حبيبتي هارون لم يقصد إلا أن يذكرك وليس تشكيك بأخلاقك أبداً
ثم نظر لهارون بعتاب مبطن
: أليس كذلك يا بني
نظر له هارون بخجل من حدته معها : طبعاً يا عمي أعتذر إن كان كلامي فهمت منه الباسمة أي تشكيك بها فابنة عمي تاج على رؤوسنا جميعاً بأخلاقها ..كنت فقط ....
ثم صمت لا يجد ما يقوله ليكمل عمه بضحكة
: غيور على أهل بيتك
رفع هارون رأسه ليواجه نظرة عمه العميقة بحيرة لمست قلب الرجل الكبير ليقطع دخول والده تردده
: حسن لقد أحضرت السائق وهو بالانتظار وقد اتفقت معه على كل طلباتك
ليرد هارون : لماذا سائق
حسن : طلبته ليرافق الباسمة اليوم للمصرف بالمدينة القريبة وأيضاً لتبتاع بعض الأشياء التي تحتاجها.. وبعد ذلك يكون مرافقها في الذهاب والعودة من عملها بعد يومين
هارون بتصميم : وأين أنا يا عمي من تلك الترتيبات .. بعد إذنك لا حاجة لذلك السائق وأنا من سيتولى تلك المهمة ابنة عمي لن ينقصها أي شيء وأنا موجود
: حبيبي انا أدري بانشغالك
هارون بتصميم أكثر : أرجوك يا عمي الموضوع بسيط ووقتي وعملي لن يتأثروا أبداً
أرادت الباسمة الاعتراض : لكن ..
علي بسعادة متناهية يقاطعها : والله هذا أفضل حل ما رأيك يا حسن
يحرك حسن رأسه بالموافقة بهدوء : توكلنا على الله ..هيا حبيبتي جهزي نفسك لإتمام مشوار المصرف
ظلت الباسمة تنظر له بحيرة وتنقل بنظرها بينهم ليقاطعها هارون بضحكة
: هيا يا ابنة عمي لما التردد الموضوع كله لن يكلفني من الوقت سوى بالكثير ساعة ثم أنا سوف أخذ أجرة الطريق منك في صورة معجناتك الشهية التي تبرعي بصناعتها وأنا لا أتنازل عن أجري أبداً
ليضحكوا جميعاً والباسمة تردد : لك ذلك يا ابن عمي ...

كان يعدل من هندامه البسيط سريعاً أمام المرآة ثم إلتفت ليفاجئ بإعتماد تقف بوجه تضع يديها على جانبيها أمام باب الغرفة وهو في طريقه للخروج ليحولق وهو يأخذ نفس عميق ويغمض عينه :لا حول ولا قوة إلا بالله ...
لقد افزعتني يا إمرأة
: لماذا هل رأيت أمامك عفريت
ردد هامساً : وهل استطيع قول غير ذلك
تنزل يديها وهي تقترب منه فترفع رأسها لتنظر لوجهه : ماذا قلت
مد علي يديه ليربت على كتفيها مبتسماً ببرود ثم يزيحها جانباً قليلاً: لا شيء يا أم هارون ..دعيني أمر لازال النهار بأوله ولا أريد ان أتأخر بفتح المتجر
أزاحت إعتماد يديه : كما قلت النهار لازال بأوله وعموماً من يريدك سينادي عليك ..الأن لا تتهرب مني وأخبرني لماذا خرج هارون مع بسمة وما سر أخيك ولا تكذب أنت تدري إنه لا تخفى عني خافية
:لا حول ولا قوة إلا بالله ...
ثم تحرك وجلس على طرف السرير الذي ينتصف الحجرة الصغيرة الخاصة بهم ونظر لها بضيق
: وإن كان كذلك فدعيني أعرف منك ما به أخي إني أكاد أجن حتى أعلم ما يحدث معه ويخفيه عني .. ثم تعالي هنا وأخبريني ما وجه إعتراضك على إن هارون يرافق الباسمة وأنتِ تعلمي تماماً إنها تجهل الكثير هنا ..دعيه يرافقها حالياً ثم بعد ذلك لن تحتاج لمساعدته أو لغيره... وهذا وأنا كنت أعتقد إنك من ستطلب ذلك من ابنك يا كبيرة يا عاقلة
تخفي إعتماد امتعاضها من تأنيبه المتكرر من وقت وصول أخيه ثم تجلس جانبه وبهدوء : أنا لا أقصد أن أمنعه من مساعدة ابنة عمه انا أقصد إن هارون لم ينم من أمس وهذا وقت راحته
يضحك علي بسخرية : لا تخشي على وحيدك وحبيب قلبك سينام عندما يعود وخاصة إن مشوارهم قريب
ترفع قدميها على السرير وهو تواجه بكامل جسمها القصير المكتنز : نعم وصلنا لمربط الفرس ..لماذا تضع الباسمة نقود السيارة بحسابها الخاص أليس ذلك المال من حقنا
يقف علي مفزوع مما سمع وبصوت عالي اسكتها وهو يكاد يحرقها بنظراته القوية : يا طماعة هل لنا بأموال أخي شيء وهو حي يرزق أو حتى بعد عمر طويل ... ثم أخي هو من له مال لدينا .. فتجارة الغلال كانت مشتركة ولكنه تركها لنا بطيب خاطر والبيت تستفيدي منه بطوله وعرضه وهو إكتفى بشقته فقط... وانظري يا إعتماد لن اسمحلك بأن تنالي منه او من ابنته شيء هل تسمعي..
ثم يتحرك بغرض الخروج من الغرفة فتهرول خلفه وتوقفه وهي تقاوم شعورها بالسخط لتلقي بأخر أوراقها و هواجسها
: اسمعها مني دون مواربة لا تأتي يوم وتقول أريد الباسمة لهارون فهارون زوجته موجودة وفاتحت اختى ووافقت وكنت منتظرة أن يلبي هارون طلبي
: يا الله .. وهل هارون صغير حتى تطلبي وتتشرطي ..ثم أقولها لك كلمة ويمين اُحاسب عليه يا إعتماد إذا جاء يوم وطلب هارون أن يتزوج الباسمة وأنتِ إعترضتي ستري من علي ما لم تريه من قبل ..لا تختبري صبري وحلمي ..فاحذري الحليم إذا غضب
أحمر وجه إعتماد بغضب : نعم كيف ذلك !! هل تريد تزويجه من صماء حتى تنجب ابناء يتوارثوه منها هذا ما تريده لأحفادك هذا ما تريده لابناء ابنك هارون رجل الشرطة العظيم ..
يقاطعها علي بغضب : اخرسي يا إمرأة كفاياكِ جهل وهل ما ببسمه وراثة نخشى أن تصيب ابناءها به
: نعم مثل أمك
يضحك علي بسخرية : أمي يا إعتماد أُصيبت بضعف السمع وهي تبلغ الثمانيين من عمرها وكنتِ ترددي دائما انها تسمع دبيب النمل وإنها تفتعل ذلك حتى تغيظك أليس كذلك
: نعم هذا صحيح فهي كانت تدعي الصمم
يضحك علي على تذبذبها بين الأمرين : لا حول ولا قوة إلا بالله .... أمي بشهادة طبية كان لديها ضعف بالسمع ولكنها بذكاء كانت توهمك بغير ذلك فتخشي حتى أن تهمسي بما لا يرضيها ... أما باسمة فهي اصيبت بأحد الاذنين بالصمم والاخرى بالضعف الشديد للسمع بعمر التاسعة بسبب الحمى الشوكية التي نجت منها بأعجوبة ليلطف الله بأخي الذي كان يرتجيها من الدنيا ..
ثم بهدوء ربت على كتفها
:يا إعتماد ارفقي بنا واستغفري حتى لا يصيبنا الله بما ابتلى به غيرنا عندما نعايرهم بمرضهم ولا نحمد الله على صحتنا ...ألا تتذكري يا إمرأة عندما عايرتي أمال رحمة الله عليها بعدم الانجاب ماذا حدث لك وكيف فقدتي طفلين بعد هارون ولولا استغفارك واعتذارك منها ما وهبك الله رباب ..هل نسيتي حالتك وقتها وكيف كنتِ تتوسلي لها لمسامحتك
بكت اعتماد وهي تستغفر : كانت كريمة معي بل عاتبتني إني تخيلت إنها دعت علي ....
ثم تماسكت بشدة وهي تمسح بكلتا يديها عينيها الدامعة وهي تطلق وعيد : يبقى الحق حق وأنا أريد ليلى لهارون هل تسمع ...
وتركته وانطلقت لسبيلها تاركة زوجها يضرب كف بكف من أحوال تلك المرأة المتقلبة المشاعر والأحوال
ثم رفع يديه للسماء
: هداكِ الله يا إعتماد ... ويارب أكتب لإبني ما فيه الخير له ولأخي الحبيب...

في السيارة إختارت أن تظل ناظرة للخارج من خلال النافذة المغلقة بسبب البرد الشديد ما جعلها تستنشق كل ذرات عطره الخاص المنتشر داخل السيارة
قاطع خلوتها سؤال مباغت نطق حروفه دون تنميق : لماذا تركت خطيبك
نظرت له بعدم تصديق : ماذا
أعاد السؤال بتمهل : لماذا ..تركتِ...خطيبك... بعد ما يقارب الثلاث سنوات خطوبة هل اكتشفتِ فجأة إنه غير مناسب ...
ظلت ناظرة له قليلاً ثم أعادت نظرها للخارج حتى كاد يعيد عليها السؤال بل أكثر كاد يسألها هل تسمعيني لتقاطع تفكيره بنبرة جوفاء : ولماذا تركت زوجتك
: لا تتهربي
: أنا لا أتهرب
: طلاقي أمر خاص
: وإنفصالي عن خطيبي السابق أمر خاص
ضرب مقود السيارة بحدة بقبضة يده الحرة جلبت لأسماعه شهقة خافتة منها: لا ليس خاص يا باسمة أنا ابن عمك وأريد أن أعرف فكما ظهر لي يوم حفل الخطبة كنتما متوافقان كأن بينكما قصة حب كبيرة قبل إعلانها بارتباط رسمي ..هل فعل ما يسئ لك ِ لأنه لو فعل سأعاقبك على إخفاء الأمر بعد أن أجعله ينسى اسمه واليوم الذي ولد فيه
تضحك الباسمة بضحكة رقراقة ناعمة جلبت البسمة على شفتيه : هارون لا تفتعل معي استجواب كالذي تقوم به مع المتهمين بالمخفر ...ثم لو فعل كما تقول أمر يسئ لي كان لاقى مني ما يفوق ما كان سيصيبه منك لا تنسى أنا الباسمة التي لا تترك حقها ....ولكني سأجيبك لا ليست قصة حب ..لا يا ابن عمي كان جار وأكثر من سلام سريع إذا صادف أن تقابلنا لا يوجد ..وماذا كنت تعتقد إنك سترى يوم الخطبة سوى التوافق بين شابين ارتبطا بخطبة تقليدية ..
نظر لها بطرف عينه ثم أعاد تركيزه للطريق: لا أدري ولكن بعد ثلاث سنوات أليست طويلة المدة لتقرري إنه غير مناسب ألم تحبيه خلالها مثلاً
هزت رأسها بلا ثم قالت : في الحياة السريعة التي كنا نخوضها أنا و هو حتى نستطيع جمع ما يساعدنا لتجهيز شقة الزوجية صدقني الشهور والأعوام تمر دون أن تدري... فجأة تجد العام مر يليه آخر ..أما ما حدث فإن إجابته ببساطة قدر الله وما شاء فعل ..
ثم صمتت قليلا ..ونظرت له : مثلك تماماً
ثم ساد الصمت السيارة ليقول بعد فترة هامساً : الحمدلله ..
نظرت له باستفهام : ماذا
نظر لها باسماً : أقصد لقد وصلنا

نهاية الفصل الثاني








بسم الله الرحمن الرحيم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ

صدق الله العظيم

الحجرات- 12



لا أبيح ولا أحلل نقل الباسمة دون الرجوع لي
اللهم بلغت اللهم فاشهد

حسن الخلق 03-05-18 02:07 AM

رد: الباسمة
 
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الف مبروووك عليك و علينا غاليتي
بدات الرحلة الجميلة و سوف تزداد جمالا فصل بعد فصل حتى نصل للخاتمة المشوقة باذن الله
شخصياتك ذات رونق جميل و الاحداث جذابة اما التصميم فخلاب تحياتي لكل فريق العمل :55::55::55:
الباسمة نورت الوحي و ليلاس باكمله و سوف تترك صدى رائع بمشيئة الله و اتوقع لها النجاح و التألق
دمت صديقتي بكل الحب و الود
خالص تمنياتي القلبية بالكثير و الكثير من الاعمال الباهرة

https://e.top4top.net/p_852rbv541.jpg

روتيلا 03-05-18 03:00 AM

رد: الباسمة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسن الخلق (المشاركة 3701517)
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الف مبروووك عليك و علينا غاليتي
بدات الرحلة الجميلة و سوف تزداد جمالا فصل بعد فصل حتى نصل للخاتمة المشوقة باذن الله
شخصياتك ذات رونق جميل و الاحداث جذابة اما التصميم فخلاب تحياتي لكل فريق العمل :55::55::55:
الباسمة نورت الوحي و ليلاس باكمله و سوف تترك صدى رائع بمشيئة الله و اتوقع لها النجاح و التألق
دمت صديقتي بكل الحب و الود
خالص تمنياتي القلبية بالكثير و الكثير من الاعمال الباهرة



حبيبتي تسلميلي وشرف ليا أكون بينكم وسط مجموعة رائعة كنت أحلم من بعيد أن أقرأ لهم فما بالك تكون لي تجارب خجولة أقدمها على استحياء وسط كم هائل من الروائع
اشكرك من قلبي

روتيلا 03-05-18 09:11 PM

رد: الباسمة
 


هل تعرف ماذا يحدث عند انتهاء النغمات ...
أسرح معها فأغمض عيني وتبدأ رقصتي الهادئه مع حبيبي على الأنغام السلسة كأمواج النهر
يتحرك شعري معنا وكأن رياح ناعمة تموجه حولنا وتاج من الفل يعلوه ...
بينما فستاني الحريري فتتطاير طبقاته الناعمه ولا يكاد يلمس الساق حتى يتباعد ..
وندور وندور...
وينير الخد توهج مع القبلات واللمسات ...
ويزداد الحلم بالهمسات والنغمات .....
و يكبر حتى يصل لعنان السماء وهناك وبين السحب تتمتم الشفاة بحروف الحب والعشق لتصل ذبذباته وتلمس دون حواجز شغاف القلب ...
وعندها تتبدل دقات قلبي فتتسارع وتتباطئ أضع يدي علي موضعه حتى أحميه فتترك دون قصد حبيبي الخيالي فتسري البرودة بين أطرافي وينتشر حولي بسرعة فاجمع يداي باحثة عن الدفء فلا أجده فافتح عيناي عابثة لأجد أن الحبيب اختفى مع انتهاء النغمات....



R.H



الفصل الثالث

بانتظارها قبل وقت قليل من انتهاء دوامها المدرسي ككل يوم...
مستنداً على مقدمة السيارة ظهره لها فلم يلمحها وهي مقبلة عليه يحادث إحدى من اعتاد على محادثتهن وهو يضحك عالياً فظلت واقفة خلفه تعقد ذراعيها على صدرها وتنفُس بضيق حتى سمعت كلمات غزل مُنفِر دفعتها لمناداته بحدة
: هارون
أدار وجهه لها وهو يتنحنح عاقد الجبين بضيق أن تكون سمعت المحادثة فيغلق الهاتف فوراً ثم رفع رأسه ليجدها تحدثه بلغة الإشارة بجملة مبهمة له وخاصة إنها لم تصحابها بكلمات الإيضاح حاول أن يفهم بينما كانت تشير لعينيها ثم تقبض على الثلاث صوابع الوسطى من كفيها (البنصر والوسطى والسبابة ) بينما فردت البنصر والإبهام لتقابل شبيهما من الكف الأخر فيصنعوا قوسين متقابلين فعلتها مرتين متتاليتين وتلتها إشارة بمعنى النظر وهي تشير له
وتكرر نفس الحركة مع إحدى أذنيها وتكرر نفس الحركة وهي تشير ليديها وتكرر وتكرر حتى شعر إنه دخل في دوامة من عدم الفهم
:ماذا تعني؟
تركته واتجهت لمكانها بالسيارة ولم تهتم بالرد عليه فأعاد عليها السؤال بغضب : باسمة ردي على سؤالي
جلست بمقعد الراكب ليجاورها ويغلق باب السيارة بعنف يشعر بالاختناق عندما يفشل بفهمها وخاصة الأن وعنده هاجس أن تكون سمعت محادثته الهاتفيه ولكن لماذا يخشى أن تسمعه فهي فقط ابنة عمه ....
نعم فقط ابنة عمي.....
يبدأ بتشغيل السيارة وكالعادة يلقي بالأوامر : ضعي حزام المقعد
وكالعادة تعانده وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها برفض: معظم الوقت نسير ببطئ بسبب ضيق الطريق
يصر هارون : ومع ذلك اسمعي الكلام
فتجيبه كالعادة : إن كنت نسيت فأنا لا أسمع
يبتسم هارون للمحادثة التي تحمل عنوان التكرار المحبب ويزداد اصرار : باسمة لا تختبري صبري فكل ما تفعليه اليوم لا أفهمه
رفعت يديها وسحبت حزام الأمان ووضعته بمكانه : بالعكس أنا أتحدث بكل طريقة ممكنة لإيصال ما أريد قوله .. وكل لبيب بالإشارة يفهم
ينظر لها بطرف عينه ثم يعود للانتباه للطريق : هكذا ..
: نعم
يبتسم وهو يحاول استرضاءها بصوته الرخيم الرجولي : لن تقولي ما الذي كنتِ تعنيه منذ قليل
أدارت وجهها ناحية النافذة : إفهمها وحدك
: يوماً ما سأفهمها وحدي
نطقت بقلبها هامسه : أدعو الله ليل نهار بذلك .... هداك الله يا ابن عمي
في رحلة غلب عليها الصمت بعد حديثهم خاصة مع رنات الهاتف المزعجة المتكررة والتي لم يجب عليها هارون فأراحت رأسها للخلف مغمضة العينين ..
وقرب وصولهم نادها بهدوء: باسمة هل نمتي
: لا
: اليوم وغداً هل ستحتاجي السيارة بأية مشاوير
: لا
ومحاولاً المزاح معها : ما بكِ هل أصبحتي لا تعرفي سوى حرفين من اللغة
: بل لأني كنت مستيقظة وفعلاً ساستغل هذه العطلة بتنظيف البيت وإعداد بعض الطعام الذي يغطي احتياجاتنا لأسبوع قادم حتى رباب الأن ستكون بانتظاري لمعاونتي ..هل عرفت لماذا لم أجيبك سوى بحرفين كما تقول ..
ثم استرقت النظر لجانب وجهه الرجولي بسمرته الجميلة التي اكتسبها بطول تعرضه لإشعة الشمس فكما تذكر بالماضي إنه يكاد يكون ذو بشرة بيضاء و ابتسمت وهي تنظر لشعر رأسه الذي يكاد يرى فابن عمها يفضل الشعر القصير جداً ثم أزاحت بصرها عنه لخارج السيارة وعضت على شفتيها بتوتر خوفاً مما سوف تسمع فهي أصبحت تعلم الكثير عن هارون وعن شقة المرح التي يداوم على قضاء أجازته الأسبوعية بها فقالت بتردد : لماذا تسأل؟
غمغم بإحراج لا يدري سببه يصيبه دائماً أمام الباسمة في سابقة لم ينالها أحد قبلاً فهو مشهور بحكم كونه الابن الوحيد ووظيفته بالشرطة بالجرأة الشديدة التي تصل للتبجح : لأني سأسافر لمقابلة بعض أصدقائي اليوم ولن أتي إلا مساء الغد ..
نطقت بعد فترة صمت حزين أصابها عندما توقفت السيارة معلنه عن وصولهم بصوت رقيق يكاد لا يُسمع : اللهم أني استودعتك عند الذي لا تضيع ودائعه
ثم هبطت مسرعة من السيارة وصعدت لشقتها دون المرور على عمها لتسلم عليه كعادتها لتفاجئ بأخر ما كانت تتوقعه
ركن السيارة وظل بها فترة ودعائها له ومن قبل إشارتها التي لم يفهمها تتردد بعقله دقائق من التفكير تلاها قراره الذي اتخذه بأنه لا بد وأن يتعلم لغة الإشارة فمن اليوم لن يدع شيئ يخصها لا يفهمه وابتسم برضا عن قراره ليترجل من السيارة ثم يغلقها .. وصعد لشقته ليبدل ملابسه وينزل ليقضي بعض الوقت مع عائلته قبل سفره ..
كان يصعد بحيوية وهو يدندن بكلمات أغنية ما ليصطدم بجسد رجل يخرج من بيت عمه ووجهه يشتعل احمراراً تمعن به قليلاً ليدرك هوية الرجل إنه أحمد الخطيب السابق للباسمة الذي مد يده لهارون حين تذكره هو الآخر : أهلا سيادة الرائد هل تتذكرني
أبعد هارون يده سريعا بعد السلام وهو يشيرللنسر والنجمة التي تزين كتفيه بفخر وغرور : مقدم هارون العابد ..ولا ... لا أتذكرك وتركه ودخل لشقة عمه وأغلق الباب بوجه من أصابه الجمود من تلك المقابلة والأهم المقابلة التي سبقتها ....

: ماذا كان يريد
حسن المتكئ بإرهاق على سريره : حدثني بالهاتف وطلب مقابلتي وأنا دعوته لهنا وكنتِ وقحة كفاية حتى تطردي ضيف والدك
كانت تتحرك بتوتر وهي تحرك يديها بلغة الإشارة وتنطق الكلمات بثقل : لا تجنني يا أبي هو ليس ضيفك بل هو انسان منافق طماع وأنت بالتأكيد لن تهدي ابنتك لانسان بهذه الصفات
: لقد جاء نادماً....ثم كُفِ عن الحركة والتوتر
لم تستمع له وظلت بحركتها أمام أنظار والدها الحزينة وهو يراقبها تتحرك وتشير بيديها بعصبية وتنسى الحروف ونطقها .... يريد أن يقف ويحتضنها يطمئنها لكن من يطمئنه هو على ابنته وهو يقترب من الموت يقترب من تركها وحيدة بهذه الدنيا التي لا تنصف وحدة فتاة ...كان دائماً واثق وكان دائماً يحثها على التجلد لكن الأن وهو بتلك الحالة على سرير المرض أصبح خائف مرعوب على صغيرته
:إهدئي ابنتي .. كان لابد أن تسمعيه ويكفي إنه جاء معتذراَ و ...
صرخت الباسمة تقاطعه وهي تواجهه : بل جاء طامعاً بشقة خالية وعليها زوجة ..أبي لا تفعل بي ذلك ..لقد تحملت كثيراً من تصرفات البشر وصدقني كانت لا تعنيني لأنهم لم يكونوا بتلك الأهمية لكن لن أتحملها منك.. أرجوك يا أبي لا تحملني ما لا طاقة لي لتحمله لا تستغل الزائرين للإطمئنان عليك لتعرضني حتى ولو بصورة غير مباشرة لكل خاطب تجده مناسب ..لا تتحدث مع خالتي إعتماد لتعرضني على معارفها إعتقاداً منكم إنني لن أعي تلك الهمزات أو اللمزات بحقي ..أبي أرجوك لا تعرضني لهذه السخافات
رد حسن بحدة وتوتر وهو ينهت : أحفظِ لسانك ..
ثم عن أي عروض تتحدثي ..أنتِ فقط تتخيلي.. ففيما يبدو أصبحتِ حساسة ..ثم ماذا فيها إن أظهرت للناس محبتي لكِ و إعتزازي بهدية ربي التي منحني إياها بعد سنين من الصبر ... وعددت لهم كيف ابنتي جميلة مثقفة و..
تقاطعة الباسمة بسخرية وهي ناظرة بعمق عينه أن يُكَذب ما تقوله : ولديها شقة وراتب ورصيد بالبنك
كان رد حسن الصمت وإدارة وجهه عنها
لم تتحمل أن تراه بتلك الصورة... الضعف ليست من شيم والدها اقتربت بهدوء منه وتناولت يديه تقبلها على ظهرهما ثم أدارتهم بين كفيها الرقيقين وأراحت جانب وجهها بينهم وهي تتحدث بهدوء شديد
: سامحني على حدتي ..مجرد رؤيته أثارت حفيظتي ..أرجوك سامحني
ليحاوط هو وجهها ويقربها منه فيقبل جبينها بحنو : لا يا قلب أبوكِ وبسمته من حقك أن تقولي ما بقلبك ومن حقي أن أخاف عليكِ
......
يدخل هارون فوراً بعد أن أغلق الباب المفتوح تاركاً أحمد خارجه ليجد رباب أمامه
:لماذا صوت الباسمة وعمك عالي
: ذلك السمج كان يريد أن تعود له بسمة وهي رفضت وطردته وعمي اشتعل فعلياً
:ما هذا الذي بيدك؟
: دلو به ماء متسخ وبقايا ورق الجرائد كنت أنظف النوافذ قبل أن يهل علينا خطيبها
حمل منها الدلو بسرعة وهو يتجه للشرفة وهو يقول بحدة : لا تقولي خطيبها
نظر من الشرفة للشارع للحظة ثم رمى كامل محتوايات الدلو ثم دخل وسلمه لرباب وخرج صاعداً لشقته دون أن تخفى عليها بسمته المشاغبة التي أنارت وجهه وأعاد لها مرح أخيها الذي افتقدته منذ طلاقه لنجلاء ... ثم تحركت ببطئ ونظرت للشارع حيث وجدت أحمد وهو ينفض عن ملابسه ورأسه بقايا ورق الجرائد المبلل ثم يهرول بعيداً دون النظر خلفه هارباً من ضحكات الناس حوله ....
تخرج الباسمة من غرفة والدها لتجد رباب وقد سيطر عليها المرح والضحك الشديد
تضحك الباسمة لضحكها : ما بكِ تركتك منذ قليل بعقلك
حاولت التماسك قليلاً : لو عرفتي ماذا حدث ستموتين ضحكاً ...
ثم نظرت حولها : تعالي بغرفتك أحكي لكِ
بغرفتها كانت ترفع حجابها أمام المرآة ببطئ شديد تحاول أن تشغل نفسها عما تحكيه رباب عن فعلة هارون بأحمد تداري ابتسامة غلبها الشجن بعيد عن المرح الذي أصاب ابنة عمها
أخذت ترتب حجابها بداخل الخزانة وهي تستمع لثرثرة رباب لتقع يديها قصداً على الحرير الوردي الذي تضعه بمكان خفي بين طيات الأثواب كانت تتلمسه برقة رفرفة أجنحة الفراش ...تتلمس ذاكرتها تتلمس رغبتها بالحب ..عامان بعد انفصاله عن نجلاء تنتظر أن يلتفت إليها بأبعد من أن تكون ابنة العم التي تحتاج العطف ..انتظار كانت لا تحسبه بزمن التقويم العادي ...انتظار كانت تحسبه بلحظات عابرة عند اللقاء القليل عندما كان يزورهم حفاظاَ منه على صلة رحم أو حباً بعمه الطيب,, حتى توقف الحلم تماماً عندما علم بخبر إحتمال خطبتها فسمعت منه مباركة سمعتها على لسان كل غريب بحياتها ..لتتوقف القصة قبل أن تبتدأ ..
وتظل ويظل تعاملهم الأخوي الذي لا يخلو من مرح الأخوات أو عنادهم ..
تفيق من شرودها بطيات الحرير الرقيق سؤال رباب الذي أخترق عقلها
: لماذا تركتي أحمد كان يبدو عليه إنه شاب خلوق
تغلق باب الخزانة بتنهيدة : المظاهر خداعة ... ثم أنا قبلت به في غفلة مني تحملتها للنهاية بصبر على تسرعي بالقبول فكان عقاب استحقه لأني قللت من نفسي ونظرت لها بعين الناس
: كيف
جلست بجانبها على سريرها الصغير الذي كان يجاوره حائط تمتلئ جدرانه بصور أميرات الرسوم المتحركة والتي كانت والدتها تضعها لها بنفسها .. وتركتها هي عندما كبرت حتى تشعر بحضن والدتها بلمساتها الباقية بينهم ..
: أحمد كان شاب حاله ككثير مثله تخرج من كلية التجارة ولم يجد عمل فكان يعمل بكل وظيفة ممكنة تساعده على الإنفاق على نفسه وعلى أمه وأخواته البنات الذين فقدوا الأب بوقت مبكر ومعاشه كان يكفيهم بالكاد ...وكنت أنا مناسبة لظروفه... فتاة يقابل النقص بها رقة حالهم وعدم قدرته على توفير شقة زوجية فكانت أعينهم على شقة والدي المجاورة لشقتهم ..ولكنه دائماً ما أخفي طمعه بها ببراعة حتى حصل على عقد عمل بالخارج وأصبح بإمكانه الحلم بفتاة أكثر كمالاً مني ..
شهقت رباب التي كانت تستمع لها ثم قالت بغضب : ماذا تقولي وهل هناك من لا يريد أن يكون بجمالك المصري الخلاب بلون بشرتك التي تدفع من أجله الفتيات الأموال حتى تحصل عليه أو شعرك الحريري أما لمعان جواهر عينيك البنيه فهي قصة وحدها ..
تبتسم الباسمة بحب لتلك الفتاة التي تراها بعين محب فلا تستوعب نظرة المجتمع لها وتأخذها بحضنها وتقبلها ثم تبعدها قليلاً حتى تواصل كلامها : رباب هذه هي الحقيقة التي تجلت عندما أصبح يرسل المال لأمه و عندما كان يراسلني ومع اعتقاده إنه أصبح أفضل لانتقاء الأفضل مني تمعن في جرحي بعدة طرق حتى وصل لإهانتي بإعاقتي فأغلقت الهاتف معه وقطعت كل تواصل ممكن وأعدت خاتم الخطوبة والتي كانت هديته الوحيدة لي لأمه التي تقبلتها بسعادة ودعوات لي بالحصول على الزوج الذي يستحقني ....
ثم تضحك الباسمة : دعوة في ظاهرها الخير وباطنها الاستهزاء بإعاقتي ..
رباب بتردد : قد يكون أدرك خطئه عندما عاد واكتشف إنه يحبك فما الذي تغير سوى ذلك بحرصه على معاودة الإلحاح بعودتك له
تضحك الباسمة عالياً فبعثت بالابتسام والراحة لقلب رباب التي خشيت أن يكون انفصال ابنة عمها عن خطيبها وخاصة وانها وصلت لعمر الثلاثين قد حطم فؤادها
: صغيرتي الغالية كم هي أحلامك الوردية ممتعة .. الحقيقة أن والدة أحمد عندما كانت تصلها أموال ابنها كانت تبذرها بصورة مبالغ فيها علي نفسها وعلى بناتها دون أن تعي إن ابنها كان يرسل لها كل راتبه أو معظمه فعندما عاد ولم يجد تعب عامين ونصف قد تبقى منه إلا ما يوازي شراء غرفة واحدة وحتى لا تكفي مع ارتفاع الاسعار عاد لنقطة الصفر وهي أنا الفتاة ذات الإعاقة المناسبة لظروفة وعليها شقة مغلقة تكاد عينيه تخرج من محجريهما طمعاً فيها ..هل فهمتي
قالتها وهي تحيط خدي رباب بحب ثم قبلتها ووقفت
: هيا نعود للعمل فالحياة لن تتوقف وكل ما نعيشه فيها هو درس لنا يقوينا ...
ثم ضحكت و هي تسحب يديها لتتبعها
: كما أن السهرة التي طلبها أبي تحت الصفصافة وتعريشة عنب جدتي تحتاج لترتيب هيا ...

خرجتا تكملان ما انتويتا فعله من تنظيف وترتيب لسهرة حلم بها والدها يعيد بها ذكريات الماضي تحت تعريشة العنب وظل الصفصافة المورقة ..
أعدت الباسمة اللحوم والخضروات التي قررت أن تشويها ثم توجهت مع رباب للطابق الأول ليكملوا عملهم داخل الحديقة الصغيرة من تنظيف و مد بساطين أحدهم للرجال والأخر للنساء ومن طرف بعيد نوعاً عن جلستهم وضع موقد الفحم بجانبه ما يلزم من أدوات الشواء
كانت الباسمة سعيدة بإعداد ما كانت تبدع به أمها من تجهيزات وعلمته لها أو تتذكره ..كانت تريد لوالدها أن يشعر بأنفاس والدتها في كل شيء تعده
: هل أكدتِ على ليلى وخالتي إحسان على المجيء
ردت رباب التي كانت توزع بعض الوسائد بين الجلستين : نعم لا تقلقي
حملت أكياس الفحم ووضعتها بمكان قريب من الموقد وعادت وهي تنفض يديها وملابسها التي اتسخت : الحمدلله ..سأصعد لابدال ملابسي وأنادي أبي بينما تفعلي المثل..
ودارت مسرعة فتجنبت بالكاد الاصطدم بهارون الذي كان يقف بالمدخل الصغير للحديقة و جاء يشاهد ترتيباتهم عندما سمع أصواتهم بهذه البقعة المنسية من البيت
فرد ذراعيه وكأنه يمنع سقوطها متمهلاً بالنظر لها من أسفل لأعلى يكابد لمنع تجلجل ضحكته : مهلاً ..مهلاً ... ماذا حدث لكِ وكأنك خرجت من تحت التراب ..
نظرت لنفسها وهي ترتب وتنفض بيديها المتسخة سروالها الجينز وثوبها القطني المستفز الذي يتخطى خصرها قليلاً وتعيد خصلة من شعرها انفلتت من حجابها : ماذا أفعل وكأن المكان كان منتظرني بعد تلك السنوات لتنظيفه
ضحك هارون وهو يرفع رأسه للمكان الذي لا يدري منذ متى طل عليه أو أهتم به .... مربع صغير خالي إلا من تعريشة عنب صابها الجفاف بسبب الإهمال ولكن الشيء الوحيد الذي ظل بحالته المنتعشة فهي شجرة الصفصاف العالية والوافرة الأوراق فحياتها لم تعتمد على بشر يهتموا بها أو يهملوها بل اعتمدت على جذورها الممتدة تحت الأرض تثبتها وترفعها للسماء مثل تلك التي تقف أمامه بابتسامتها التي تجذب نظره الدائم لثغرها ...وأه من إحساس غريب عليه و جديد يجعل من هارون الجبل الشامخ في مواجهة شجرة الصفصاف فاقد اتزانه ..
: هارون دعني أمر
ولكنه لايريد ويكاد يقسم بداخله أنه لا يعلم السبب فابتسم لها : هل تجيدي إشعال موقد الفحم
اشارت له بلا ثم استعادت الحروف لتقولها وهي ترجع خطوة للخلف مبعدة بعينيها عن مجال شعاع عينه الذي وترها وهو بكل هذا القرب والطول وهذا الجسد العضلي الذي أكتسبه من كثرة التمارين التي يحرص عليها ... لتغمغم هامسه يا إلهي
ثم قالت وهي تعيد تمليس طيات ملابسها بصوت جعلته مرحاً
: لا... ولكن هشام يجيد ذلك وقد تتطوع لإيقاده و بالشوي بنفسه مقابل وجبة مجانية وقد انتهزتها فرصة ودعوت خالتي إحسان وليلى
انتبه لقولها لتحتد نظراته المصوبة نحوها : وكيف عرف هشام بذلك
تململت بوقفتها وهي تحاول المرور : هل نسيت أن هشام زميلي بالمدرسة
منعها المرور من جانبه بالوقوف بوجه تحركها و بحدة جلبت رباب ناحيتهم لتستمع لقوله: وهل زميلك هشام تجلسي معه تثرثري وتطلبي منه يلبي لك طلباتك
أحمر وجه رباب من يراها يعتقد أن حدة هارون مع الباسمة ما أغضبها ولكنها وللعجب لا تدري سوى إن هناك سهم أصاب قلبها فنظرت للباسمة ابنة العم الواثقة التي تقف بطولها الفارع والذي إذا أرادت أن توازي طول هارون لن تحتاج سوى لحذاء عالي الكعب ... جمالها الناعم وحريتها بالتصرف بأريحية مع كل الناس لابد وأن تكون جذبت دون أن تقصد أنظار ابن الخالة هشام وعندها وضعت يديها على فمها تمنع غصه أحكمت حلقها و بلعتها بصعوبة خوفاً من الإفصاح عن مكنونها لتسمع الباسمة
: ليس كذلك
: كيف إذن
تحاول أن تدعي الثبات أمامه فتقبض على يديها بعنف حتى لا ترفعها وتبدأ الحديث بهم فخرجت حروفها مهتزة : لقد سمعني وأنا أسأل حارس المدرسة عن مكان بيع الفحم وباقي لوازم الشوي فتطوع شاكراً
اقترب هارون الذي يعلوها طولا من رأسها فرفعته قصراً لتقابل أسهم عينه الحادة : وهل أنا لم أعد موجود لتطلبي منه
هنا توترت من القرب ..توترت لدرجة أن يثقل لسانها فأرادت أن ترفع يديها التي تمنعها فجمعتهم كقبضة أمام صدرها برجاء : لا ولكن لم...
: هل أعددتِ للأمر فجأة فلم تجدي فرصة اليوم لإخباري سواء في الذهاب أو الإياب
: لا يا هارون أنا ...
قال وهو يشير بالقرب من رأسها بسبابته : بينما تجمعي جملة صحيحة لتجيبي عن أسألتي هل لكِ أن تعي ما سأقولة الأن حتى تدخليه داخل تلك الرأس الصلبة ..أنا فقط من تطلبي منه ... أنا فقط من يلبي طلبات ورغبات عمي هل تفهمي أم فقدتي حس الفهم ...
هنا لم تتحمل فهارون يبرع في تقمص شخصية المحقق معها وحب السيطرة وهذا ما لايمكن لها أن تتحمله..
لتترك يديها والتي ما إن حررتها حتى تحرر لسانها يتبع قائده من لغة الإشارة التي جعلته يركز على حركة يديها فهدأ تماماً كأنها تلقي بتعويذة سحرية أو هدهدة أمومية..
:لا تحدثني بتلك الحدة ففي المقابل ما الذي يمنعني من الغضب أنا أيضا والنفخ بصوتي كالتنين كما تفعل معي
فرد صدره أمامها واضعاً يدية بجيبي سرواله قائلا ببرود :أفعليها حتى أكسر رأسك
ضاقت عينيها وبغضب لم تستطع كبته : لماذا تهتم هل ستظل معنا مثلا وتترك لياليك المرحة
ثم تركها تزيحه من أمامها لتمر بينما هتف بصوت جهوري حتى تسمعه هذه العنيدة : سأظل اليوم يا باسمة وأريني ماذا ستفعلي ولن أكون هارون العابد إن لم اكسر لكِ رأسك العنيد يا ابنة عمي
حاورته من بعد بصوت أعلى من صوته : وأنا باسمة العابد
ضحك هارون وهو يدير رأسه يمين ويسار هامساً : والنعم بالباسمة العابد ..
الوحيدة التي تجعلني بقمة الغضب وقمة عدم الاتزان ... وبقلبه سمع همسه رقيقة لم تفته
...وقمة الشغف ....
نظر لإهتزاز أوراقها وفروعها الباسقة يتلمس بعينيه حقيقة احساسه بها وكأن شجرتها المورقة سترد عليه ...
فلا يسمعها فيطلب منها العون بالإشارة كصاحبتها
فلا يستطيع فهمها ليعاوده الإصرار ان يتعلم لغتها ..
لينزل بعينه لتلك التي تقف فارجة بين شفتيها بصدمة من حوار أخيها وابنة عمها والتي شعرت بذبذبات حاوطتهم أصابتها بقشعريرة يبدو ان الأثنين في غفلة عنها أو على الأقل هارون لأن قلبها كان دائماً ما يحدثها أن الباسمة تكن عاطفة ما ناحية أخيها
ليضربها هارون بلطف على رأسها : أفيقي وأغلقي فمك ..هيا فالجميع على وصول
ثم تركها هامسه وهي تسحب خصلة من شعرها الذهبي : لن تعز عليكم يا أحب اثنين على قلبي ...

وكانت جلسة من ألف ليلة وليلة جلس الجميع برغم الأجواء الباردة يتلحفوا الدفء القادم من موقد الشواء والموقد الصغير الأخر الذي جاور جلستهم و الذي أعده علي بنفسه على إناء فخاري قديم ليضع عليه أبريق به ماء لا يطيب له وأخوه حسن شرب الشاي إلا من خلاله ..فذاكرتهم لا تخلوا من جلسات مشابهة ضمت الأم صباح والزوجة أمال ...
رباب جلست مع أمها وخالتها تدللهم وتسهر على راحتهم ..
بينما هشام وهارون تساعدهم ليلى ظلوا بجانب موقد الشواء ..
أما الباسمة فكانت بجانب رعايتها لوالدها وعمها كعصفور يتنقل بخفة بينهم يساعدها نحولها وضحكتها التي لا تفارق شفتيها الندية التي جعلت من هارون كلما نظر لها على موقد الفحم بدلا من اللحوم ..فأصبح كل حين ينادي عليها لتجلب شيء من الداخل حتى يخفيها عن أنظار الجميع كان أخرها إناء فارغ سلمته له متبرمة
: تفضل وسأذهب للجلوس ولا تنادي علي مرة أخرى فلن أجيبك
أخذه من يدها متمتماً بقول ذات مغزى
: إذا ظللت بجانب رباب لن أنادي عليكِ فأكيد أُرهقتي اليوم ..
ثم تنحنح صامتاً وأعاد الانتباه لعملة بجانب هشام مرددا ً
: إذهبي أنتِ أيضا يا ليلى فقد أوشكنا على الانتهاء
وقد كان وبمجرد أن انتهوا من الأكل ظلوا بأماكنهم يحمل كل واحد منهم كوب من الشاي اللذيذ
لتدور بينهم أحاديث جانبيه ..
الباسمة كانت تسند بظهرها على جذع الشجرة الصلب عندما همست لرباب
: هيا يا رباب اسمعينا صوتك
: لا
قربتها منها ليلى بحب : فعلاً الليلة ينقصها صوتك ووعد لو غنيتِ سأصنع لكِ المعجنات التي تحبيها وأرسلها لكِ غداً هيا حبيبتي ..

جلست باعتدال وهي تعدل رابطة عنق وهمية : إن كان كذلك فلكل أغنية تلبي واحدة منكما طلب
ضحكت الباسمة وهي تنظر للقريبتين المتماثلتين ليس بالعمر فقط بل بالشبه اللاتي توارثاه من الأختين إعتماد وإحسان بياض الوجه ولون العينين الزرقاء والقصر وأيضا الجسم الملفوف الأقرب للإمتلاء ولكنه بالتأكيد بالأماكن الصحيحة عند الفتاتين
: لكِ ما تطلبي لكن نختار نحن الأغنية
: إختاري
بلمحة خاطفة من عينيها شاهدته يستل هاتفه ويأخذ جانب قصي فتكاد تسمع بعقلها كلمات الغزل من الطرفين فتقول لرباب
: أنت يا جنة حبي واشتياقي وجنوني
تهمس ليلى وهي تحاول ألا ترفع عينيها للنظر للقاصي : نعم غنيها يا رباب
إقتربت من أختها التي تجلس وظهرها للجلستين تحت تعريشة العنب الجافة تفرد قدميها المتعبتين بعيداً و تهمس لها
: أنا أرى أن هارون مهتم بابنة عمه
تنظر لأختها برعب جلي : ماذا تعني
تزم شفتيها وتحركهم بامتعاض : أعني ما يدور بعقلك يا اعتماد وتحاولي إنكاره ..اهتمام هارون يتعدى العطف على ابنة العم الغائبة ..لكنه خطأي ولا بد أن أتحمله
تقبض على يد أختها بغضب هامسة : هل جننتي يا احسان عن أي خطأ تتحدثين يا إمرأة
: الخطأ الذي جعلني أعطي لابنتي أمل بابن خالتها فترفض طوال عامين كل خاطب دق على بابنا لأن هارون هو الأفضل لابنتي من الغريب ..وأنتِ تعرفي جمال ليلى الذي يتمناه الكثيرين من رجال قريتنا ...
تترك يد أختها وهي تزيحها بغضب تحاول أن تتحكم به : لو كنتِ تري بنفسك مشاحناتهم اليومية كنت ضحكتي الأن على تخيلاتك والذي أكيد لمستيه بنفسك انظري كيف يعامل ابنتك برقة وكيف يعامل الباسمة كأنها صديق له
: لن تشككي بذكائي يا اعتماد فعيني ابنك لا تبارح ابنة عمه ولكني ما أنا متأكدة منه إنه لا يعلم حتى الأن سر اهتمامه يجوز إنه لم يجرب الحب مع زوجته الأولى هو ما جعله للأن لم يكتشف حبه لبسمة ... ثم صديق ماذا يا أختي الفتاة عندما رأيتها بعد كل تلك الأعوام تخيلت إني رأيت عارضة أزياء كالتي نراهم على أغلفة المجلات
تضحك إعتماد بسخرية وهي تقول بتعجب واضح : عارضة أزياء
: نعم و جمال تُحسد عليه ..و ..
يحمر وجه إعتماد بغضب وهي تقاطعها : وهل ترضيها يا أختي أن تكون بسمة زوجة لهارون حتى ولم تعطي ليلى له
صمتت إحسان قليلا وهي تنظر للباسمة بتركيز وتكلمت بصدق : نعم أقبل ..
: ماذا .. و هل تقبلي أن تزوجيها لهشام
: نعم يا إعتماد أقبل ..بسمة لا ينقصها شيء و لو على السمع فهي ماشاء الله تسمع بل أحيانا أعتقد إنها تفهم كلامنا بمجرد النظر إلينا
تدير وجهها بعيداً عن أختها إحسان وهي تردد : حتى ولو كلامك صحيح إلا أني أريد ليلى لابني
: نصيحة يا أختي لا تقفي أمام رغبة ابنك فمن قلبي أتمنى له ما يريح قلبه ويرزق ابنتي إن شاء الله بمن يصونها ويستحقها وانسي يا أختي غيرتك القديمة من أمال رحمة الله عليها إعتقاداً منكِ إنها كانت مفضلة عند أم زوجك بينما في الحقيقة إنها نالت من أم حسن الكثير وتذكري دائماً أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد ..
: ونعم بالله
وصمتت اللأختان عندما ورد لمسامعهم دندنة رباب بصوتها السحري

أنت يا جنة حبي وأشتياقي وجنوني
أنت يا قبلة روحي وانطلاقي وشجوني
أغداً تشرق اضواؤك في ليلِ عيوني؟
آه من فرحة احلامي، ومن خوف ظنوني
كم أناديك، وفي لحني حنين ودعاء
يا رجائي أنا، كم عذبني طولُ الرجاء
أنا لولا أنت لم أحفل بمن راح وجاء
أنا أحيا في غدي الأن بأحلام اللقاء
فأتْ ، او لا تاتِ، او فإفعل بقلبي ما تشاء

الهادي أدم

غنت وكأن هذا اليوم أول مرة تغني فإحساس الغيرة الذي تملكها للحظة عندما عرفت بتواصله بالمدرسة مع الباسمة جعلها تدرك كيف هي تحبه بل تعشقه ..كيف أن الغيرة هي أول شرارة لحريق القلب كانت تدندن بالكلمات بجانب الباسمة وليلى وطال صوتها حتى وصل لمسامعه ليس أول مرة يسمعها لكن لماذا بهذا الجو الجميل تحت أوراق الصفصافة المورقة أصبح للصوت معنى وللكلمات مغزى وأسهم تصيب القلب وتطلق اللسان ليتحرك بحرية فانحنى بجانب أذن زوج خالته يطلب الوصال مع ابنة خالته وعشقه الخفي الصغير
تنظر له بعينيها البنية التي كللها تاج الرموش تغطيها فتمنع الناظر لها قراءة ما يبوح بها قلبها وهي تنطق هامسة بكلمات تنساب من روحها بالكاد تصفه على استحياء منه و من مشاعرها التي لم تستطع إلا أن تثور وتغضب .... وتحب
فتطلبها من رباب لتغنيها ....

أين من عيني حبيب ساحر
فيه نبل وجلال وحياة
واثق الخطوة يمشي ملكاً
ظالم الحسن شهي الكبرياء
عبق السحر كأنفاس الربى
ساهم الطرف كأحلام المساء
مشرق الطلعة في منطقة
لغة النور وتعبير السماء
ابراهيم ناجي
لتستدرك سريعا مشاعرها التي فاضت بمجرد النظر له وهو بمكانه قصياً بجسده وقلبه يهمس بكلمات لن تسمعها منه أبداّ فتردد
لا يا قلبي لن تعود لتلك الأفكار مرة أخرى لن تتعذب بمفردك ...لقد استطعت ان اسيطر على دقاتك و مشاعرك المراهقة سابقاً وكنت أنوي الاستقرار و ابداً لم أوهم نفسي بأكثر من زواج تقليدي امنح فيه أسرتي كل مشاعري ... ماذا أفعل بإصرار أبي بعودتنا لمحيط معزبي وزائر أحلام يقظتي ومنامي ...ماذا أفعل ..يا الله ساعدني...
حديث للنفس لم تغب تقلباته على صفحة وجهها القمحي الخلاب على رباب القريبة منها فنبهتها بضحكة خلبت لب قلب هشام الجالس بجانب والدها وعمها يستعجله القبول ويتودد للعم حسن ليساعده
: من أخذك منا
تنتبه لها الباسمة فهمست لها : لا شيئ فقط صوتك ..
وغمزت لها الباسمة بحب : والذي يبدو أن صداه وصل للجانب الأخر من جلستنا فلامس أذني مُحب
خجل وتلعثم ما أصاب رباب فتأكدت الباسمة
: ماذا تقصدي يا ابنة عمي
اخذتها الباسمة بحضنها : أقصد أن الصب تفضحه عيونه
وضحكت ضحكة رقراقة ناعمة انسابت على قلب أخر توقظه من غفلته بهاتفه الذي لم يعد يسمع من يحادثه فيغلقه هو يتمتم بسلام فاتر ونظره مع هشام الذي وجده ينظر ناحية الباسمة وقلبه ينبأه بكلام على لسان ابن الخالة يضاحك به العم حسن فيعتصر القلب بألم لا يدري سببه..فاقترب وهو يحاول السيطرة على تشدد ملامح وجهه
لكن يقطع كل تلك المشاعر المرفرفة بالهواء صوت العم علي وهو يصرخ عالياً على حسن الذي رقد بجانبه غائب عن الوعي ...
وتنجلي الحقيقة ...
نهاية الفصل الثالث






بسم الله الرحمن الرحيم
مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرٌ ﴿٢٢﴾ لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴿٢٣﴾
صدق الله العظيم
سورة الحديد



لا أبيح ولا أحلل نقل الباسمة دون الرجوع لي
اللهم بلغت اللهم فاشهد

فيتامين سي 04-05-18 06:29 AM

رد: الباسمة
 


مبرووووك مولودتك الثانيه

بدايه رااائعه واسلوب أروع

موفقه إن شاء الله

bluemay 04-05-18 12:59 PM

رد: الباسمة
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

وعوداً حميداً ...


اعتذر بسبب انشغالي لم استطع قراءة الفصول و الرد

احببت ان ارحب بك

ولي عودة لاحقاً إن شاء الله ان تيسر ذلك.


تقبّلي خالص ودي

روتيلا 04-05-18 04:18 PM

رد: الباسمة
 


أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ..... أما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ
بلى أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعةٌ ... ولكنَّ مثلي لا يذاعُ لهُ سرُّ
إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى ... وأذللتُ دمعاً منْ خلائقهُ الكبرُ
تَكادُ تُضِيءُ النّارُ بينَ جَوَانِحِي...... ...إذا هيَ أذْكَتْهَا الصّبَابَةُ والفِكْرُ
معللتي بالوصلِ ، والموتُ دونهُ ... إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ
حفظتُ وضيعتِ المودةَ بيننا ... و أحسنَ، منْ بعضِ الوفاءِ لكِ، العذرُ
و ما هذهِ الأيامُ إلا صحائفٌ ... لأحرفها، من كفِّ كاتبها بشرُ

أبو فراس الحمداني



الفصل الرابع

بغرفتها تتلوى من الحزن الذي أطبق على صدرها حتى جعلها تكاد تصرخ وهي تمنع صداها بالصعود لأعلى فيسمعها كل البشر أو الأهم أن يسمعها من يقبع بغرفته فتضغط على فمها بكفيها وهي تميل بجسدها أماماً وخلفاً...
لم تكن دموع تلك التي ذرفتها عندما علمت بمرضه بل كانت دماء نزفتها لأخر قطرة ..كيف هانت عليه وأخفى ما به عنها وكيف علم وتأكد من مرضه ومتى أجرى تحاليل وأشاعات طبية وهي في غفلة عنه... أسئلة كثيرة وجميعها بلا إجابة ..
هي لم تتركة أبداً .. لم يفترقوا أبداً.. فمتى فعل تلك الأمور ..
كانت تراه يئن من الصداع ..كانت تراه يعاني من غثيان و إغماءات خفيفة و انخفاض وزن
وهي كانت بغفلة ..
لكن الأن بعد معرفتها بإن كل ما يعانيه كان بإمضاء ساخر من مرض خبيث أصاب رأسه الغالي تنعت نفسها بالغباء والتراخي ..
فليحق لكِ يا أمي أن تغضبي مني فابنتك لم تراعي الحبيب الذي طلبتي منها مراراً وتكراراً أن تراعيه وأنتِ على سرير المرض ... انشغلت بنفسها حتى إنها لم تنتبه ... يا ربي كيف كان يواظب يومياً على مزاولة عمله الذي كان يتطلب منه التركيز بالسياقة ..
لكن لا ..
لن أظل هنا أسأل نفسي والإجابة عنده لن أدع لحظات ضعفي أمامه حاجز يمنعني من معرفة كل ما يخصه يكفي أسبوعان من الهروب المتبادل بيننا والتي ستنتهي الأن ..
انتفضت من مكانها بتصميم واقتحمت عليه خلوته لتراه ممسكاً بكتاب الله من بعد صلاة الفجر كما عود نفسه فيرفع رأسه بجمود ولم يتوقف لحظة بل أعاد عينيه للمصحف و استمر بالترتيل حتى انتهى بينما هي اتخذت الجانب المقابل له صامتة ومنصتة والعزم بعينيها يخبرانه أن صمته انتهى ليبادرها بقوله
:لم تستأذنِ قبل إقتحام الغرفة وكأنك لازلتِ طفلة لأعلمك أداب الدخول لغرفة والدك هذا أولاً
لتشير له بهدوء وكأنه لم يوبخها هي ابنة الثلاثين : وثانياً
:لن أفصح لكِ عن أي إجابة عن أسألتك التي تدور بعينك الحمراء مثل الدم حتى توافقي على مقابلة أم الطبيب أمجد التي ستأتي اليوم معه لتطلبك للزواج من ابنها وستقابليها كأي عروس فرحة
وكأنها لم تسمعه وكأنها لم تخترقها كلماته عن عريس جديد يريد إراغمها على مقابلته والأدهى القبول به فحركت يديها على وجهها بعصبيها تحاول أن تقاوم الإنهيار ثم اشارت له بيديها مع ثقل لسانها : لماذا لم تخبرني بطبيعة مرضك .. هل لهذه الدرجة غير مهمة عندك
وضع المصحف على المنضده بجانبه بعدما قبله بتقديس لكلمات الله العزيز : بل لأنك أكثر أهمية حتى من حياتي
تبتسم بحزن وهي تحرك رأسها يمين ويسار برفض لمنطقه : هل تراني ضعيفة ... هل تكاسلت أنت او أمي بتربيتي وتنشئتي لأصبح قوية في مواجهة مرضي ولكن أنانية لاشاركك مرضك هل هذا رأيك يا أبي في باسمتك
أجابها بهدوء حزين :باسمة أرجو أن تفهميني ..كل ما أردته أن اطمئن عليكِ من بعدي
الباسمة بإنهيار : وأنا أريدك ...يا أبي أنا احتاجك ...أريدك أن تبدأ بخطوات علاجك كما اقترح الطبيب
حسن وهو يقاوم الاستسلام لضعفها : وأنا لن أفعلها حتى أطمئن عليكِ وأنتِ بجانب رجل يراعاكِ ويحافظ عليكِ ..انا أعرفك جيداً إذا تركتك ستظلي هكذا وحيدة لن تُسلمي بضرورة أن يرافق حياتك زوج و ذرية
الباسمة تمسح دموعها و بتأنيب : أبي كيف تثق كأب بإنسان لم تعاشره لتمنحه ابنتك بعقد زوجية ..وشقة ووظيفة كما تقدمني لهم
كيف تثق وأنت ستتركني بين أُناس لأول مرة نعرفهم أو نسمع بهم ..
كيف تثق لتلك الدرجة بأنه يستحقني ..
كنت دائما جوهرتك الثمينة والتي أبداً سمحت لأي كان بأن يقتنيها..
بل حتى عندما وافقت على أحمد كان لك بعض الملاحظات عليه ...
واجهها بحدة وتقطيبه تعلو جبينه كانت لتصيبها بذعر بوقت آخر : هذا أخر كلام عندي قابليهم اليوم وبعدها نتحدث بترتيبات العلاج ..أنا واثق تلك المرة إنه مناسب ..
ثم تمدد على الفراش مديراً لها ظهره قائلاً: إغلقي الإضاءة وأنتِ بطريقك للخارج
:أبي أرجوك
: أيقظيني بعد ساعتين
وقفت مستسلمة : وإذا وافقت على المقابلة هل ستفكر بالعلاج أم ستعاند أيضاً
أجابها بصوت مرهق : سنرى
تراجعت لإغلاق الإضاءة والباب وهي تردد على مسامعه : نعم سنرى

وبالموعد كانت بالانتظار بالصورة التي أرادها والدها كعروس ولكن برداء أسود من رأسها حتى قدميها ..
و من يرى حمرة خدها ويفسرها إنها خجل فهو لا يعرف الباسمة التي منعت لسانها عدة مرات من النطق بأحرف الطرد ..
كانت تسترق النظر لوالدها الذي يهرب بنظره بعيداً عنها حتى لا تقرأ فيهم رفضه لما يحدث ... يجاوره عمها علي الذي أصبح في عالم آخر بعد معرفته بمرض أخيه فقد أصبح اكثر صمتاً وانزواءً و أحيانا أخرى أكثر غضباً وهياجاً بالاختصار كان متطرف بكل مشاعره حتى أصاب الخالة اعتماد بالجنون ولكنها كانت متماسكة لدرجة كبيرة حتى تشاركت مع أبيها بضرورة الاسراع بتزويجها..لا تدري السبب ولكنها تراها اليوم في قمة سعادتها والوحيدة التي تحاور السيدة الغريبة بأريحية كأنها صديقتها ..بينما العريس الذي لم تنظر له مرتين فهو بالتأكيد سيكون أقصر منها ولكنه وسيم بنظارة طبية يعدلها كل دقيقة هي ورابطة العنق التي تبدو إنها تعاني منه أكثر مما يعاني هو منها ..
قامت بإشارة من زوجة عمها اعتماد بتجهيز واجب الضيافة الذي كان منفذ لها للتنفس بينما رباب التي حضرت جزء من اللقاء نزلت لشقتهم لتستقبل أخيها الذي سمعت صوت سيارته قادمة وهي تردد لنفسها هل كان يعلم باللقاء فجاء مبكراً أم هي صدفة ..

كان يجلس بغرفة المعيشة يريح جسده مغمض العينين عندما دخلت رباب تقذف بحذائها بعنف وهي تتمتم بكلمات غاضبة لم يفهم معناها ولكنه انتبه لكلمة عريس
:ما بك هل جننتِ
جلست بجانبه على الأريكة وهي تنفخ بغيظ : من يوم ما حدث بسهرة الشواء وعلمنا بعدها بطبيعة مرض عمي وخطورته وضغوطه على بسمة زادت حتى توافق على مقابلة عدة عرسان أحضرتهم أمي لها وكلهم تستطيع القول عنهم أنهم نسخة مكررة من خطيبها السابق بل ألعن وكانت ترفض حتى مجرد التفكير بهم فما بالك باستقبالهم .. لا أدري يا أخي ماذا حدث لأمي فجأة أصبحت تشارك عمي حسن هوايته بجلب العرسان لبسمة لم تفعلها معك أو معي أبداً
تحرك هارون وأدار ظهره لها وتوجه للنافذة ينظر بتوه للمحيط الخارجي مردداً : الباسمة لا يستطيع أحد إجبارها على فعل لا تريده
: ذلك في الظروف الطبيعية يا أخي ..
أدار لها وجه بضيق : ماذا تقصدي هل تلمحي لإعاقتها
أجابته بصدمة من قوله : بالطبع لا ..أنا أتحدث عن مرض عمي ..
ثم صمتت دقيقة تفكر : لا أدري ما أصاب بسمة اليوم أصبحت أكثر هدوء وعينيها لا تفارق عمي حتى أنها أخذت عطلة بالرغم من صعوبة ذلك كونها حديثة النقل للمدرسة ... أنا أخاف عليها يا أخي وعلى صحة قرارتها ولا أريدها أن تعاود الخوض بتجربة تكون فاشلة مثل التجربة السابقة التي سرقت ثلاث أعوام من عمرها
مرر يده على رأسه بتنهيدة : ولكنها بالنهاية استفاقت لنفسها ولم تتنازل
أجابته بامتعاض : بالطبع لكن تلك المرة ضغوط عمي أكبر ولم تستطع أن ترفض وأنا أكاد أجزم إنه يساومها على تقبل العلاج مقابل أن تستقبل العريس وأمه
: ولما إصراره هذه المرة
: لأن الطبيب أمجد من وجهة نظر عمي الأنسب
أجابها بعنف بينما استحضرت ذاكرته نظرات ذلك الأحمق لها :ماذا..
نظرت له بتوجس : ألم تكن تعلم
أجابها غاضباً : لا ..
أقتربت تهمس له وهي تتلفت حولها :الغريب أن أمي بمجرد معرفتها بالأمر اتصلت بأمه بعد أن أخذت رقم الهاتف من الطبيب وحادثاتها أمس وتخيل بعد تلك المحادثة جاءت المرأة بابنها اليوم لكن الغريب بالأمر ما رأيته منها
ضيق بين عينه بتوجس : ماذا تقصدي
: هذه المرأة أم أمجد لم تنظر لبسمة أو تحدثها مرة واحدة بل كلامها كله عن شقة عمي هنا وبالعاصمة حتى انها كانت تريد أن تعاين الشقة وتضع شروط بالأثاث وغرفتها التي ستأسسها حتى تقيم فيها كلما زارتهم ..أنا أعلم يا أخي إنه من بلدة مجاورة وأنه رقيق الحال لكن ليس لهذه الدرجة أليس كذلك
كان تركيزه بعيد عن رباب ولكنه لم يكن بعيداً تماما عن ما يدور بشقة عمه قلبه يحدثه أن كل ما يحدث من تدبير أمه لكن لما ..لا يدري... حتى أنها لم تخبره بقدوم أمجد هل كانت تقصد مثلاً
أخذ يغمغم وهو يحرك براحتي يديه على رأسه : لماذا يا أمي ..بما تفكري
قاطع تفكيره قول رباب : هارون أريد أن أصعد أجلب هذه المرأة من شعرها دحرجة للشارع هل حينها تستطيع هذه السيدة أن تقدم شكوى ضدي
يضحك هارون بسخرية وبتنهيدة : بل حينها سنتأكد إنك مريضة وتستحقين عن جدارة مكان مريح بمصحة الأمراض العقلية
رباب برقتها الساحرة : أخي أنا خائفة على بسمة فهي لا تستحق ذلك يكفيها القلق على عمي الذي سرق النوم من عينيها
هارون بتنهيدة : لا تخشي على الباسمة أنا واثق إنها ستتغلب على المشكلة كالعادة ..
ترفع رأسها لتنظر لأخيها الذي يفوقها طولاً : هل تعلم أنك الوحيد بعد عمي الذي يقول الباسمة دون تصغير
:أليس أسمها
: نعم ولكنه ثقيل وطويل بينما بسمة
يقاطعها ضارباً بيده بخفة على مؤخرة رأسها : تريدين أن تساوي بين الباسمة وبسمة
تضيق بين عينيها بتفكير :ولكني أظن أن بسمة أجمل
يضحك بشجن ثم يتجه للنافذة الصغيرة التي تطل على الصفصافه التي عمرها من عمر صاحبتها : بسمة هي اسم على كل شفاة أما الباسمة فهو خاص بها فقط ..كانت أمل وبهجة لكل من حولها دخلت حياة عمي وخالتي أمال فتغيرت أحوالهم وأصبح لحياتهم معنى ولياليهم الكئيبة تحولت للفرحة ..
الاسم الذي ظلت محتفظة بكل معانيه ومنحته برضا لكل من حولها فتمس قلبك وتخترقه... عندما تنظري لوجهها ببسمته التي تزين ثغرها معلنه ثقتها بنفسها مهما كنتِ محبطة أو غاضبة يذهب غضبك أدراج الرياح مقتدية بها و فوراً تشهدي بأنه مادام مثلها موجود أن الحياة بخير .. وأن هناك أمل

ثم صمت قليلاً تاركاً عيينه تتبع اهتزاز الأوراق بفعل الرياح محاولاً فك طلاسم دقات قلبه التي تبدلت فقط من مجرد كلمات توصفها ولم توفيها
وقفت رباب وهي مبهورة كلياً بنبرة صوت هارون
وبهدوء شديد تخشى خدش فقاعة حالمة نادرة الحدوث لأخوها
: حتى الأن
انتبه هارون ودار فجأة ينظر لأخته بتشوش : نعم ماذا قلتِ
اقتربت منه ضاحكة وهي تربت على صدره موضع قلبه : حتى الأن النظر لوجهها يمنحك أمل بالحياة
هز رأسه بهدوء يستوعب كلماتها ثم فجأة تركها لخارج الغرفة
: أين تذهب يا هارون
ضحك بمرح وهو يجري لشقة عمه : تعالي ستحبي ما سأفعله
دخل لشقة عمه وسلم على الجميع ثم أمجد وهو يعصر على يده بقبضة قوية جلبت الألم ليد الأخر وهو يأن بصوت خافت ثم جلس بجانبه دون الالتفات لأم الطبيب وأمه وكأنه يعاقبهم على شيء لا يفهمه قلبه..
بينما اعتماد شعرت بالقلق من عودته المبكرة من عمله بالرغم من حرصها على إخفاء الأمر عنه وكانت تريد إنهاء كل شيء... تريد أن تبعدها عن ابنها فسكون هارون المريب من لحظة معرفته بمرض عمه القريب من قلبه أصابتها بالخوف ... فقد ترك سهراته مع أصدقائه وسفره الأسبوعي لهم ومعظم الوقت يشارك أبيه والباسمة برعاية حسن ..
ثم تنهدت وهي تعدل حجابها وتبتسم بوجه أم أمجد بتوتر وهي تصبر نفسها أن اليوم كل شيء سيعود لوضعه الطبيعي و ستزوج الباسمة للطبيب فبمجرد ما سمعت رغبته بها حتى سارعت بالتواصل مع أمه وجذبها بكل الطرق لاتمام الزيجة حتى أنها كادت تسمع الترجي بلسان السيدة بعد أن عرفتها على امتلاك الباسمة للمال والراتب الوظيفي وشقتين إحداهما هنا والأخرى بالعاصمة أي أنها عروس كاملة حتى لو ينقصها حاسة السمع ..
قاطع أفكارها صوت هارون القوي
: أعتذر لأني تأخرت ..
ثم نظر لوالده
: أين عمي
: إنه بغرفته شعر ببعض التوعك
همس بخفوت : شفاه الله وعافاه ..
ثم لمح بطرف عينه الباسمه تحمل صينية بها أكواب القهوة الساخنة فمد ساقه للحظة فاختل توازنها فوقف سريعاً ليساعدها قبل ان تسقط وهو يزيح الصينية من يدها بصورة مبالغ فيها ناحية أمجد لتقع كل محتواياتها من أقداح القهوة الساخنة عليه.. لينتفض من حرارتها وأم أمجد برعب تساعده برفع بنطاله بعيداً عن جسده محاولة لتخفيف حرارتها عن ابنها وليزيد الأمر سوء برسالة واضحة لإهانته ورفضه يحمل هارون قارورة ماء مثلجة كحل سريع ويغرق بها العريس من رأسه حتى قدميه .. تحت أنظار والده المتفكهة وغضب وإحمرار وجه اعتماد التي وقفت تساعد الطبيب وأمه ...
بينما هارون يعود لمكانه واضعاً ساق على الأخرى شاغلاً نفسه بهاتفه وكأنه لم يفعل شيء ويلمح الباسمة التي تملكها الضحك تجري لغرفة عمه...
لتجده كأنه بانتظارها
يتكئ على فراشه مغمض العينين وبمجرد دخولها : ما رأيك
اقتربت منه وهي تضع يدها على جبينه بأناملها الباردة : كيف حالك الأن ..هل أصبحت أفضل
أزاح يدها برفق وهو يجلسها بجانبه ويفتح عينيه : الحمد لله ..أجيبي على سؤالي
همست له : أنت تعرف رأي
مرر يده على ظهرها بهدوء : ابنتي الغالية هذه المرة لا أوافقك الرأي أبداً ...
أمجد شاب له مستقبل وإن كان على أمه فاتستطيعي بسهولة ان تسايريها
أمالت شفتيها ببسمه ساخرة : نعم مثل ما استطاعت أمي أن تساير جدتي
عنفها حسن : لا تكوني وقحة
نظرت له برفق : أبي نفس هذا الطريق مشينا فيه سابقاً حتى انتهى بي الأمر أن أخسر من عمري ثلاثة أعوام مع أحمد فلا تعيدها أرجوك .. لماذا تعتقد إني بحاجة إلى خانة ذكوريه تلي اسمي كأن يقولوا زوجة فلان ..أنا انسانه تعودت أن تكون مسئولة عن قرارتها ولي عملي الخاص لماذا تريد وضعي بخانة قليلات الحيلة ..لماذا
: لأن مخك أصغر من أن يدرك إنكِ ستكوني مطمع لكل رجل دنئ ..
لن تفعلي بي ذلك أنا أعرفك لن تجعليني أفارق الدنيا وبقلبي حرقة عليكِ
أدمعت عينيها وهي تبلع غصه عند ذكره الموت هكذا بكل بساطه أمامها : ما كنت اعتقد بحياتي أنك ستجعلني أوافق على زوج أنت نفسك ترفضه ..
أبي انظر لي ..إنها أنا
: ولأني أعرفك أكثر من أي أحد وأعرف كم أنتِ هشة من داخلك أفعل ما أفعله..لا تخدعني ثقتك ولا بسمتك التي تقابلي بها الناس
عقدت ما بين حاجبيها : لأني أمامك أظهر ما بقلبي ولا ارتدي قناع القوة .... ألم تكن دائماً تشجعني أن أكون معك واضحة مفهومة بدون أقنعة
أغمض عينيه بتعب : أقبلي بالطبيب أمجد
: ليس قبل أن تبدأ بالعلاج الإشعاعي كما نبه الطبيب
يمسك رأسه بكلتا يديه : ناوليني الحبوب المسكنة
ناولته العلاج المسكن سريعا ثم همست ببكاء : أبي
أغمض عينيه وأراح رأسه للخلف وبهدوء : لا تخافي حبيبتي ..سأصبح افضل بعد قليل أتركيني وحدي
يريدها أن تخرج حتى لا تراه بنوبة صداعه الفتاك الذي يكاد من قوته يسكت قلبه
ظلت تبكي بصمت جانبه حتى سمعت همسه
: هيا يا باسمتي
حينها قبلت يديه وجبينه ثم اندفعت لخارج الغرفة عندما لم تستطع كبت دموعها أكثر من ذلك لتصطدم بطريق اندفاعها بهارون الذي كان بطريقه للاطمئنان على عمه فأمسكها من كتفيها ليثبت أقدامها التي أصبحت هشة وهي تبكي بطريقة أربكته وألمته بنفس الوقت هامساً لها
: أرجوكِ إهدئي ..أرجوكِ
: ظلت واقفة بين يديه فترة حتى أفاقتها همساته المهدئة فوقفت باستقامة وأبعدت نفسها بهدوء و تقابلت أعينهم بنظرة صمت وقلق من ناحيته وتفكير من ناحيتها وإدراك يعقبه تصميم فمسحت دموعها بظهر يديها وهي تتلفت حولها
: أين الجميع
: نزلوا مع أمجد ووالدته
همست : أفضل
ثم نظرت له قليلاً :هارون أريد محادثتك على انفراد
: بالطبع
مدت يدها بإشارة أن يتبعها لغرفة معيشة جانبية
: تفضل
جلس هارون على مقعد وبالمقابل جلست الباسمة ظلت فترة وهي تحاول ترتيب الكلام
فكانت تحت أنظاره مرة تهز رأسها ومرة تعدل حجابها ومرة تضع يديها على وجهها تداري وجهها الفاتن منه ..
لم يتحمل كل مظاهر القلق على وجهها فهتف بهدوء: باسمة أنا اسمعك يا ابنة عمي ..أرجوكِ تحدثي لقد توجست خيفة من هذا الصمت..
لم تستطع أن تنطقها ولكن يدها أرادت المساعدة فانطلقت تشير له وهي تذم شفتيها بصراع بينهما فلا تستطيع ترجمة ما تخبره بها يديها ..كيف تقولها وهل بعد قولها ستكون قادرة على النظر بعينه أم ستريد بعدها ان تنشق الأرض لتبتلعها كما تبتلعها أحزانها الأن بسبب مرض والدها ...
فوجئ بها تتحدث بطلاقة ولكن بلغة الإشارة وكأنها تلبسها جني تحرك أصابعها بحركات منظمة شديدة الرقة وكأنها تقود اوركسترا عالمية دون ان تخطئ في النوتة هكذا حتى استيقظ من تمعنه بأصابعها إنه لا يستطيع فهمها فأغمض عينه بصبر ثم فتحها واشتد ظهره بحمائية لابنة عمه ونطق حروف اسمها بنبرة حانية ولكنها صارمة : الباسمة
اوقفها ندائه هكذا اسمها من بين ثغره يشعرها بالدفء والحماية فتوقفت عما تفعله وأنزلت يديها بحضنها ناظرة للأرض بخجل ..
فابتسم هارون يطمأنها : انظري لي و إهدئي
امر استجابت له فوراً و همست بتردد : ..اعتذر ..هارون أوعدني إن ما تسمعه مني الأن سيكون سرنا
ضرب على صدرة بكفه اليمين بحمائية ورد بقوة : أوعدك يا ابنة عمي .
: أبي يرفض العلاج
: أنا حاولت معه وأبي أيضاً لا أدري ما يفكر به
قاطعتة بإشارة من يدها : أنا أعلم .. يرفض العلاج نهائيا حتى يطمئن علي ..بالله عليك كيف يفعلها ويضعني بهذا المأذق ..أنت يا هارون أملي الوحيد وأمل أبي في تلقي العلاج ..
:كيف ..
:أعرف ..ما سأطلبه في عرفنا جرأة ولكنه في عرفي انقاذ ..هارون أنا لن أقف مقيدة بعادات وتقاليد واترك أبي الذي أصيب فجأة بتحجر الرأي ..
ثم صمتت قليلاً تفكر بأبيها ناظرة لغرفتة المغلقة على أفكاره الجديدة
:لم أعد أعرفه ..كان يعطيني الحرية الكاملة في اتخاذ قراراتي ..
ثم نظرت لهارون الذي يعطيها كامل انتباهه
:هل تصدق يا ابن عمي انه كان سيوافق على عريس عنده ابناء اكبرهم بسني فقط لانه يريد الاطمئنان علي لولا عمي كان فعلها ..هل تصدق ان كل من يأتي للاطمئنان عليه يطلب منه أن يبحث لي عن عريس
عادت للأشارة بيدها و دموعها وشهقاتها منعتها من الاسترسال فترة تحت انظار هارون الغاضبة مما يسمع فأمسك بيدها التي تشير بها يحاول أن يجذب انتباهها و تركيزها له فنظرت ليدها بين راحتي يديه الكبيرة كعصفور صغير مطمئن فرفعت نظرها لها فوجدته يحثها على المتابعة
فرفعت يديها تشير له بلغتها التي تعرفها وتعطيها الثقة وقت توترها يصاحبها تلك المرة ترجمتها :
سأقول لك الحل الذي توصلت له ..حل سيرضي أبي ويمنحني الوقت فيبدأ علاجه ويعود لي أبي الذي أعرفه والذي كان يشجعني أن أسير بالحياة معتمدة على نفسي ...
ثم توقف كل شيء وكانت فقط تسمع دقات قلبها برعب فأغلقت عينيها وأطلقت جملتها دفعة واحدة : أنا اطلب منك الزواج بي
ظل يتأملها فترة وعينه تدور عليها كأنها تتلمس الحقيقة ..حقيقة انها نطقت بطلبها الغريب من الزواج منه ...كثيرات أملن الارتباط لكنه دائماً كان يملك القدرة على التملص والخداع ..وبالتدريب أصبح أكثر خبرة بالتخلص من الفتاة قبل أن تقدم على تلك الخطوة ...فبكثرة عشيقاته أصبح يحفظ المؤشرات ...الباسمة لم تكن عشيقة الباسمة ابنة عمه ... وابنة عمه لم يتخيل بحياته ان يساويها بهؤلاء ..
تبدل موضع عينيه عليها وحتى ملامحه التي تحولت بالتدريج من الطبيعي للشاحب للمحمر بشدة الأن صدمها ثم أخافها فانكمشت على نفسها تعدل طيات ثوبها الوهمية وحجابها الذي لم يفقد موضعه وشفتيها التي تبللها بلسانها ترطب جفافها عند تلك اللحظة وقف وهرول للخارج ...
تتبعته عين الباسمة التي توسعت من المفاجأة هاتفةً:
هرب
ظلت مكانها تشعر كأن روحها سحبت والغريب إنها تخيلتها أمامها تنظر لها من علو تعاتبها من موقعها بنظرات خزي وخجل تقتلها بالتدريج ..
تناقشها بهدوء كي تتفهمها
: صدقيني أنه كان الحل الأنسب ..هارون لم أخذه من زوجة أو من حب بالعكس فهو يهرب بعيداً عن أي تلميح بالزواج والاستقرار وأيضاً كان يكاد يشعرني أني صديقه بالمعنى الحرفي ..فهو لم يوهمني يوماً إنه ينظر لي كأنثى جميلة حتى فلماذا لا يقف الصديق مع صديقه لن أقول من أجل عمه ..
هل تنازلت ..هل سينظر لي الأن أني فتاة فقدت حيائها ..
بل هل قللت من فرصتي معه ان يحبني يوماً
لترد عليها روحها التي فقدتها: لقد تنازلتِ
والتنازل يبدأ بخطوة وأنتِ قطعت به أشواط ....

نهاية الفصل الرابع







بسم الله الرحمن الرحيم

وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)

صدق الله العظيم
صورة الأنبياء


لا أبيح ولا أحلل نقل الباسمة دون الرجوع لي
اللهم بلغت اللهم فاشهد
لاتجعلوا القراءة تلهيكم عن الصلاة

روتيلا 04-05-18 04:20 PM

رد: الباسمة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فيتامين سي (المشاركة 3701550)


مبرووووك مولودتك الثانيه

بدايه رااائعه واسلوب أروع

موفقه إن شاء الله



الله يبارك فيكِ ..
أشكرك ..
أتمنى للنهاية تنول إعجابك ...

روتيلا 04-05-18 04:23 PM

رد: الباسمة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة bluemay (المشاركة 3701552)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

وعوداً حميداً ...


اعتذر بسبب انشغالي لم استطع قراءة الفصول و الرد

احببت ان ارحب بك

ولي عودة لاحقاً إن شاء الله ان تيسر ذلك.


تقبّلي خالص ودي


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
تسلميلي حبيبتي ..
إن شاء الله باي وقت عموماِ باسمتي خفيفة تنتهي إن شاء الله يوم 12 هذا الشهر ..
تحياتي واعتزازي

روتيلا 05-05-18 03:18 PM

رد: الباسمة
 



الحُلم الذي لا يغيب
لا تبحثوا عني فأنا بداخل كل واحدة منكن ...
بداخل كل قلب حائر بداخل كل حُلم لم يتحقق ...
لا تبحثوا عني فأنا حُلم الحب ..
أنا الحُلم الذي أدار عقولكن ..
أنا الحُلم الذي تشهد الوسائد بأحداثه...
تشهد به العيون الحالمة عندما ترى فارس الأحلام بالقريب منها...
لا تبحثوا عني فأنا لن أختفي ..لن أغيب ..لن أفُل بين سحب النسيان
طفلة كنتِ أم شابة.. سيدة أنتِ أم جدة...
ألم تكن بين جنبات الصدر الحنون حُلم صغير اسميته عرضاً أحلام يقظة ..
أنا تلك فاذكريني عندما تُجلسي ابنتك ذات الضفائر أمامك تحكي لها عن من يستحق الحُلم
ومن يستحق الأفكار ..
ومن يستحق أحلام يقظتها ....
R.H.



الفصل الخامس

بينهم ولكنه كان بعيد ..بعيد بما يفوق المائة كيلومتر المسافة بينه وبين ابنة عمه التي أخذته على حين غرة ..لم يستطع أن ينطق أمامها .. بل لم يستطع أن يتنفس هل هكذا يكون تأثير سقوط بناء على رأس إنسان والدفن تحت أنقاضه ..
خشيت أن تراني بتلك الصورة ..
ضعيف و أبداً لم أكن ضعيف ..
ولكنها أخافتني ..
نعم هارون الجبل الشامخ فزع من كلمة نطقتها ابنة العم
..زواج ..لا ..بل هي أربع حروف كحبل المشنقة تعكس كلمات تدور بذهني ..
زهق ..
وجع ..
اخفاق ....
جرح...
لا ..لم تعد جرح بل أصبحت جبن من إعادة التجربة
فكيف أصبحت هكذا أمامها ماذا تقول عن ابن عمها الأن..
هربت لأني رفضتها ..
وهل أنا أرفضها ...
ليتمتم صامتاً
وهل هناك من يرفض هذه الباسمة ..
ولكن لماذا حدث ذلك معي ..
هل لأنها هي من طلبت...
هل رجولتي لم تستوعب أن تطلب إمرأة أي كان من هي هذا الطلب حتى ولو على استحياء..
ولما شعرت بنفور إنها تطلب هذا الطلب بينما يمكني التركيز على اتضطرارها لذلك ...
وهل هذا ما يحزني إنها كانت متضطرة وخاصة أني أكاد أشعر إني كنت قاب قوسين أو أدنى من ...
من ماذا يا هارون وهل أنت أصبحت على استعداد لخوض التجربة مرة أخرى ...
ولما لا ..
وحينها أخرس الأفواه حولي وأحصل على الابناء الذين لا تكف أمي عن تذكيري بهم وبنفس الوقت لا أفقد حريتي الغالية فالباسمة لن تجرؤ على ذلك بعد طلبها الغريب ...
كان يغرق بتفكيره حتى إنه فقد الإنصات للضوضاء حوله بل فقد الإحساس بلمسات على صدره ثم انتقلت لوجهه بنعومة شديدة حتى اقتربت بوجهها ناحية شفتيه لتغتم عينيه بقربها ورائحة الياسمين تزكم أنفه فانتبه لها ليزيحها بعنف أسقطها أرضاً واندفع بإلقاء كلمات مهينه بحقها ثم وقف يتبعه صديقه حاتم
: ماذا حدث لك يا رجل لماذا فعلت ذلك إنها ياسمين وأنت تعرفها كيف هي جريئة ويتمنى كل من بالمكان وصالها ولكنها اختارتك
أمسك مقبض الباب يعتصره بيده وبحدة : أنت تعلم أني لا أقع في تلك العلاقات و أقصى ما أقوم به هو مكالمات هاتفية أو جلسة لطيفة لا أتخطى فيها الحدود أما الياسمين فهي بالكثير تفوح منها رائحة القذارة بكثرة أصدقائها الحميمين
: إهدئ فقط وأخبرني إلى أين أنت ذاهب
فتح الباب : سأعود ..عمي بحاجتي
خرج وهو يردد الكلمة التي أقتنع بها
: عمي الطيب بحاجتي ...
وهمس قلبه : والباسمة أيضاً
وعندها لم تنتبه على الوقت الذي يمر.. تكاد تذوب داخلها خجلاً .. ألهت نفسها ظاهرياً أمام أباها بدفاتر لتحضير مادتها الأثيرة لعودتها المتضطرة بانتهاء عطلتها بينما أبيها صاحب عمها للمسجد القريب ليصلي المغرب ويظل به حتى صلاة العشاء ..
وبمجرد أن تخطت قدميه باب شقتهم حتى تركت ما بيدها وأخذت تجول بالمكان وهي تحدث نفسها تارة وتوبخ نفسها تارة أخرى... تحاول ان تجد لنفسها مخرج لمشكلتها التي أوقعت نفسها بها ..
وضعت يديها على وجهها
: ماذا أفعل كيف سأقابله بل كيف سأعود كما كنت معه ابنة عم وأخت
يا ألهي كيف جَرؤت ... كيف خرجت تلك الكلمات من فمي..
وأه من كلمات أسقطتني من عليائي وقودت اعتزازي بنفسي ..
يا رب ساعدني ..
وبينما كانت بأفكارها تحاول الخروج من معضلتها كان هارون بسيارته يحاول أن يفعل العكس كيف يدير الأمر بصورة ترضي غروره الذكوري فهو بالنهاية لابد وأن يرضي نفسه ويقدم على تلك الخطوة بطريقته ..وبطريقة لا تدع ابنة عمه تعتقد للحظه إنها أرغمته على القبول بها فهذه الزيجة لابد وأن تنجح ..فهو ارتباط شرعي وعائلي لا فكاك منه
وهو بغمرة أفكاره جاءه هاتف من صديقه حاتم هاتفاً لمسامعه : الحمدلله إنك ذهبت بالوقت المناسب.. الله يرضى عليه عمك
هارون عاقداً جبينه :ماذا هل جننت
حاتم وهو ينهت : لا والله لم أجن ولكن لو تدري ماذا حدث لقد حاولت اللحاق بك ولكني لم أجدك فظللت مكاني بالشارع للحظة... فقط يا صديقي للحظة لأجد الشرطة تهجم على العقار بسبب وشاية أحد الجيران الذي انزعج من الأصوات العالية التي نخلفها وبلحظة كل من بالشقة كان بسيارة الشرطة ... إنها قضية كبيرة كان سيضيع اسمك واسمي بالوزارة ..الحمد لله
ليرددها خلفه الذي أوقف السيارة جانباً فأغلق الهاتف ونزل منها راكعاً بالأرض ركعتي شكر ثم عاد لها وجلس مغمض العينين يفكر بتسلسل الأحداث ليدرك إنها هي كالعادة سبب سعادة من حولها بتلقائيتها ودون تدبير... ليعمل على تشغيل المحرك والإنطلاق سريعاً لوجهته التي يعرفها يقيناً....
لم يتزحزح من مكانه بالسيارة منذ وصوله ينتظر صلاة الفجر فيبدأ بتنفيذ فكرته وكل حين يرفع رأسه فيلمح خيالها بين حرير الستائر الذي يغطي نافذة غرفتها
يشعر بتململها ..بماذا تفكر
هل تريد يا ابن العم أن تعرف بماذا أفكر...
ببساطه لا أفكر بسوى أن أنزل كي أخرجك من تلك السيارة التي تنزوي داخلها ..أريد أن امنحك الحرية وأقول لك إنه كانت لحظة ضعف مني وإنك برئ من غباء ابنة عمك ...وإنها ستريح الجميع وتوافق على أمجد بشرط إن يبدأ والدها بالمواظبه على العلاج فالتأخير ليس من مصلحته ..
وفي غمرة أفكارهم صدح نداء الحق لتبدأ الأعين والعقول الغافلة في الصحو ملبين النداء ..
......
كان يتكئ على فراشه مريحاً رأسه للخلف من بعد صلاة الفجر بعد أن أصر ابن أخوه أن يوصله له بنفسه مغلقاً الباب عليهماً..يرى تراقص الكلمات بعينيه وأيضاً يرى التردد والقلق ليغمض عينه براحة لثانية بعد طلبه الصريح الزواج من الباسمة .. ويفتحها وهو عاقد جبينه
: طلبتها من أجلي يا هارون
نظر له هارون فاقداً القدرة على الرد وعينيه تدور بمحجريهما تبلغ الأب بتردده
تنهد الأب : لا أوافق
استفاق هارون من غفلته منتفضاً من مكانه و بحدة لم يستطع كبتها : هل تفضل ان تعطيها للغريب
: نعم
: ما هذا المنطق يا عمي
حسن بتنهيدة : الغريب إذا أساء لها وقفت بالمحاكم وأخذت حقها ..ووقفت أنت بجانبها يا ابن عمها ..لكن أنت لو أساءت لها يا ابن أخي من سيقف بجوارها
فلذا فجوابي علي طلبك لا
ليرد بغضب : وأنا لا أريد الباسمة لأحد سواي ..
ثم يهدأ وجلس يردد هامساً حتى لا يكاد يسمع نفسه
:انا لا أرى الباسمة مع أحد سواي...أنا حتى لا أعرف كيف كنت غافل عن إنها كانت مخطوبة وعلى وشك الزواج ..
ثم نظر لعمه بضعف
:يا عمي
كاد يقول ساعدني ولكن نظرة عمه القوية له وكأنها أيقظته من حديثه الهامس مع نفسه
ليدرك إنه إذا أراد موافقة عمه لابد وأن يكون صادق مع نفسه أولا ليتمتم :
عمي أنني كنت لا أفكر بالزواج بعد تجربتي الأولى كما تعلم ..ولكن حالياً أصبح الموضوع يراوضني والحقيقة أن ابنة عمي هي أنسب زوجة لي .. كل الذي أطلبة منك أن توافق على منحي هذا الشرف .. و حق ابنة عمي ستأخذه مني بيدي إذا جاء يوم مستحيل وتجرأت وأذيتها ..
أمسك حسن يد ابن أخوه وهو يشد عليها براحة تملكته : هل توعدني
يقبل هارون يدي العم ثم جبينه وجلس بهدوء وعزيمة : أوعدك ..الباسمة حقها عندي محفوظ ..
عاد حسن ليتكئ وبابتسامه راضية : توكلنا على الله ..انتظرك تأتي بوالديك لتطلبها كما يجب وحتى ذلك الوقت أنت أخيها الكبير وابن عمها الذي سيظل سند لها حتى لو لم نقبل بك يا ابن اعتماد ..
وكأنه قصد وهو قاصد يذكره بأمه التي يتوقع اعتراضها فنظرته المتلاعبه تجعله يدرك ذلك
ابتسم حسن بهدوء عندما أدرك أن رسالته وصلت : هيا أذهب لتوصلها لعملها
خرج هارون من غرفة عمه لتقابل عينيه الباسمة خارجاً تضع حقيبتها أرضاً وتجلس واضعه ساقاً على الأخرى لكنه لم يكن غافلا عن حمرة وجهها الواضحة ومحاولتها الثبات أمامه
: أخيراً انهيت مباحثاتك الهامة والسرية مع أبي
:نعم
: جيد ..لأني لدي أيضا ما أخبرك به ..ما حدث أمس كانت لحظة ضعف بسبب ظروف أبي والحمد لله استفقت منها .. اليوم بعد عودتي من العمل سأبلغ أبي بموافقتي على أمجد ..
أقترب منها وهو يشدها من عضديها بعنف لتستقيم أمامه فتلحفها انفاسه الغاضبة : نعم ..اتريني لعبة و أيضاً تتجرأي على ذكر اسم ذلك الأبله أمامي
أزاحت يديه وهي تفرك موضع اصابعه التي ألمتها : ما بك هل فقدت عقلك ..أنا أوضح لك خطواتي القادمة فأنا لن أنتظر حتى أفقد أبي ولقد فكرت جيداً فأنت بالأول والأخير ابن عمي واخي ولا أريد أن أورطك ...
عقد هارون ذراعيه أمامه مقاطعاً لها : و زوجك
فاجأتها الكلمه لتصمتها هنية : نعم ..ماذا قلت
كان وقوفه أمامها بتلك اللحظة بثبات هو أكثر مجهود قد بذله لضبط النفس ..فالباسمة بكلها الأن أصبحت له ونظرته الحياديه سابقاً فقدها كلياً لتظهر مشاعر ودقات قلب صريحة المعاني عينيه كانت تجوبها بشوق جديد من رأسها بحجابها الوردي لونها المفضل والذي يغطي بإحكام شعرها الليلي والذي يعرفه جيداً والذي يشبه بلونه رموشها التي تكحل عينيها البنية التي تشبه عينه و أما خديها اللذان يشتعلان خجلاً من نظراته مع سمرتها المحببة فهي شهية كحبتي دراق ناضجة بألوانه ما بين الذهبي والأحمر الناري ..وتجرأت عينه للنظر بمنحنيات جسمها الطويل والذي يشبه أجسام ملكات الجمال ووقفتها الواثقة أمامه بالرغم من ذلك فهي لن تستطيع إخفاء قلقها وخجلها الواضح بتمرير لسانها لتبلل شفتيها التي فيما يبدو قد نالت من جفاف حلقها الذي تحاول أن تجليه بنحنحة خفيفة كل حين..أما القوام الرفيع فغطته بقميص متعدد الألوان يغلبه الوردي و نوعاً قصير مع سروال أسود ..
لينال منه الغضب ليهتف بحدة : لا ترتدي بنطال مرة أخرى
صدمتها كلماته لتستعيد ثباتها الظاهري مرددة : إنه الأنسب بعملي مع الأطفال
: سمعتِ ما قلت لا ترتدي بنطال و إن كان ولابد ارتديه يعلوه قميص طويل
ثم تحرك من أمامها للخروج
: هيا سنتحدث بالطريق
حملت حقيبتها بتوهة تتبع خطواته الواثقة بإحساس غريب يمتزج فيه الخجل من طلبها بالخوف من فقدها لنفسها الواثقة أمام شخصية هارون العاكسة لمعنى اسمه..
......
بالسيارة لم ينتظر كثيراً
: لقد أخذت مباركة عمي على زواجنا ...
نظرت له بتمعن ومشاعر حزينة نطقت بها حروفها : أنا أعتذر منك يا هارون لأني وضعتك بهذا المأزق ولكن أوعدك إنه أمر مؤقت قد نطيل الخطبة قليلاً وبعد أن يشرع أبي في بدء العلاج نفضها قائليين مثلاً إننا لا نرى أنفسنا سوى أخوة ..
قبض على مقود السيارة بكلتا يديه بعنف بين : هل انتهيتِ
نظرت له بحيرة : نعم
تنحنح يبلع غضبه : جيد فأنا أريدك ألا تقاطعيني أبدا عندما أتحدث ..
ما تخيلتي إنك بدأتيه وبيدك أن تنهيه فهو اسمه زواج ...
وليس أي زواج فهو زواج من ابن عمك ...الذي لو تخيلتي للحظة إنه يتركك حسب كلامك لأسباب لا يراها مجتمعنا الصغير بالقرية ذات أي أهمية بل بالعكس سيضحكوا قطعاّ على بنت المدينة التي تتخيل إنه أمر يمكن العبث به
أنتِ بدأت الأمر.. جيد لديكِ كل الحق لقول ذلك.. ولكن ما سأقولة الأن هو ما ستضعيه برأسك
أنا طلبت الاقتران بكِ بصورة رسمية من عمي وأعطاني كلمة وأنا أعطيته وعدي بأن أصونك وأحرص على سعادتك ..هل تعتقدي عندما أضع يدي بيد أب وبالمناسبة هذا الأب هو عمي سيكون اتفاق صوري مثلاً
نطقت بحروف حاولت أن تكون قوية ولكنها كانت مهتزة بوضوح : هذا ما كنت اعرضه عليك..
نفث وهو يحاول ضبط نبرة صوته الغاضبة منها ومن تفكيرها الذي أصبح يغيظه فهي تنظر له كحل مؤقت ومع ذلك خرج قوياً : أنا قلت لا تقاطعيني ..
ثم هدئ من نبرة صوته التي غافلتها فانكمشت بعيداً بوضوح وهي تضم يديها بقبضة قوية ناحية صدرها بفعلتها المتكررة
: باسمة ...أعتذر لم أقصد إخافتك لكن أريدك ان تفهميني يا ابنة عمي تُخطئي إذا اعتقدتي اني سأتزوجك صوريا ..زواجنا سيكون صحيح الأركان شرعاً وقانوناً ..لابد أن تعيدي التفكير جيداً... فمن طلبتي منه هذا الطلب هو هارون ..ومن سيلبي هذا الطلب فهو أيضا هارون الذي لا يقع تحت طائلة الضغط من اي أحد حتى ابنة عمي المكلومة بمرض أبيها ..لا تجعليني أكررها مرة أخرى ..
ردت بحرج هامسة : هذا لم يكن رأيك بالأمس
: هل كنتِ تتوقعي أن ألبي طلبك فوراً كأي طلب عادي كأن أحضر لكِ شيء من السوق مثلاً ..كنت لابد وأن أخذ وقتي بالتفكير ..وأعود أذكرك إنه زواج هل تفهمي هذه الكلمة يا باسمة
كادت أن تصيبها سكته قلبيه من تصريحاته بأنه يريده زواج صحيح الأركان فبداخلها يقين إنها أجبرته فنظرت له بضعف وخجل أحمرت له وجهها وهي تستخدم لغة الإشارة وبكلمات خرجت ثقيلة أصابته بمقتل : هارون أنا لا استطيع تخيل أني أرغمتك على الزواج وهو قرار كنت بعيد عنه بأميال
: غير صحيح
: بل صحيح أنت بعد انفصالك عن نجلاء أخرجت فكرة الزواج من تفكيرك وهو أمر كنا نعلم به جميعاً و ..
يقاطعها هارون بنفاذ صبر ظهر بوضوح بصوته الصارم : سأقولها لك لأخر مرة هارون العابد لا يؤمر فيأتمر ..هارون العابد تعود أن يعيش حياته بخطوات مدروسة ولست أفكار وليدة اللحظة ...
ثم صمت قليلاً يأخذ أنفاس تعيد لدقات قلبه اتزانها فهمس يمازحها : ثم يا ابنة عمي لا تجعليني أشعر أني غير جدير بك ام تريني كذلك ..
ماذا هل تعتقد ذلك إنني أكاد أشعر إني بحُلم لا أريد الإفاقة منه فأشارت بخجل جلي بلا طبعاً
فهمس مائلاً رأسه قليلا بابتسامه شقت طريقه منه إليها : لم أسمع ..فكما تري عيني على الطريق ولا أشاهد إشارتك
فنظرت ليديها التي جمعتهم بقبضة واحدة تحاول نطق الحروف بهمس خجل : بالطبع لا..
ضحك هارون : الحمد لله لقد بدأت أشك بنفسي ...والأن أريد وعداً منكِ أن تنسي تماماً طلبك السابق وتتذكري فقط إني طلبت اليوم من عمي الارتباط بك وهو وافق وانتظر منك الموافقة ومساعدتي مستقبلا بإنجاح هذا الزواج ..
هل سمعتي يا ابنة عمي و زوجة المستقبل القريب
وكأنه لفظ أعاد الحيوية لكلاهما لينظر أمامه بتركيز يقاوم النظر لها فدقات قلبه لم يعد يستطيع التحكم بها ولكنه سيتمهل معها ...
فأولاً تمنحني مقومات الثقة بها ثم أمنحها احتوائي وحبي المطلق ..نعم هكذا هو الأمر ببساطة ..
بطرف عينه نظر لها ثم أعاد عينه للطريق وهو يردد لنفسه
أنها تستحق ثقتي بها ابنة العم لن تخدع أو ....تخون
أما هي فهي أشاحت بوجهها للنافذة لا تنظر لشيء سوى لحقيقة كأنها مكتوبة بالخط العريض على صفحة السماء
أصبحت له ...

ترك الباسمة بالمدرسة وعاد لحربه الصغيرة مع أمه فوجدها بنقاش حامي مع أبيه وصوتهم عالي
: السلام عليكم
نظروا له مرددين السلام ثم هتفت أمه : هل رأيت يا هارون ما يفعله أبيك
يضحك هارون لوالدة الذي كان يضرب كف بكف ويجلس مقابلهم في حين اتخذوا هم من أريكة واسعة مجلس لهم
: خير يا أبا هارون لماذا أحزنت مليكتنا المتوجة وأجمل نساء الكون
تميل بفمها بامتعاض وهي تعقد ذراعيها على صدرها بينما رجليها لا تصلان للارض : أخبره ناكر الجميل كان لا يملك قرش و مع ذلك وافقت عليه وأنا التي كان يطلب وصالي أكابر القرية
يغمغم علي : وليتك رفضتيني
تضيق بين عينيها : ماذا قلت
اقترب منها حاضناً كتفيها ومقربها منه : قلت يا أم الغوالي لقد فزت دنيا وأخرة برضاكي
فتبتسم اعتماد بخجل وهي تضربه على صدره بلطف : بل أنا التي فازت يا أبا هارون
انطلقت ضحكات هارون مجلجلة حتى أدمعت عيناه : بالله عليكم لقد تهت منكما أريد أن أفهم هل تريدان من يفض خلافكم أم وصالكم
وكأنها تذكرت فاندفعت بغضب وهي تزيح زوجها بعنف : هشام ابن خالتك بعد أن كان يريد خطبه لعام حتى يؤسس شقته فجأة أتى له عقد عمل بإحدى الدول العربية ويريد الزواج مباشرة وابيك وافق تخيل
أدار هارون رأسه يبحث عن رباب : وأين صاحبة الشأن
: عديمة التربية وافقت أبيها وهرولت على غرفتها تحتمي بها
يبتسم هارون بهدوء محاولاً امتصاص غضب أمه متذكراً غضبه المكتوم يوم سهرة الشواء واعتقاده أن هشام كان يمازح عمه رغبة في الباسمة وكيف كان هو أول المباركين على رغبته بأخته ليخرج من أفكارة على صوت امه : وما رأيك أنت
:أولاً أريدك أن تهدئي حتى لا يرتفع ضغطك كالعادة فصحتك عندنا أهم من كل شيء يدور حولنا أما رأي فببساطة هشام ابن خالتي نعرفه جيداً فما الداعي بإطالة الخطبة وخاصة أن صاحبة الشأن وولي أمرها لا مانع لديهم
ردت عليه بحزن : كنت أريدها تفرح بيوم للخطبة يدللها بها خطيبها ثم يوم لعقد القران ثم نأخذ وقتنا بالتجهيز لها بما يليق بفرحتي لابنتي الوحيدة ..حتى شقته ليست جاهزة وهو يريد أن يجهز غرفة نوم بشقة أمه حتى يعود من الغربة فيؤسس شقته ..
كيف أسمح لها بالزواج هكذا بحياة مشتركة مع حماتها
:يا أمي حماتها هي أختك
: حتى ولو أختي أنا اشترطت عليها من البداية الحياة المنفصلة لابنتي وهي وافقت ..يسافر وعندما يجهز شقته يأتي وحينها نعطيه ابنتنا
تدخل علي بغضب : وأنا أعطيته كلمة ولن أرجع بها
: ولكن...
: لن تكسري كلمتي
تدخل هارون لتلطيف غضب والده الجديد على والدته : ومتي سفر هشام
: بعد أسبوعين ..
ذهب هارون لأمه و قبل رأسها : أسبوعان يا أمي من الفرح إن شاء الله حققي فيهم كل ما تتمنيه .. ثم رباب ستكون سعيدة أليس سعادتها تلك هي كل ما تتمنيه لها وأغلى من كل الحفلات عندك ..
تمسح اعتماد دموعها : نعم ..ولكنها ابنتي الوحيدة كنت أحلم من يوم مولدها بهذا اليوم ..وأنت بني لا تريد أن تريح قلبي وتفكر بالزواج ألن تفرح قلبي بزواجك أيضاً فتعوضني بزوجتك عن غياب أختك ..
تنحنح هارون وهو يستقيم ناظراً لأبيه بابتسامه : قريباً جداً
قفزت اعتماد من مكانها وهي تمسح دموعها بكلتا يديها : والله ..هل قررت
:نعم
كادت أن تهرول باتجاة الهاتف :سأخبر إحسان حالاً ..سيكون يوم زواج أختك هو نفسه يوم عقد قرانك على ليلى
: ليست ليلى
وقفت مكانها ثم أدارت وجهها له بينما وقف علي عاقدا جبينه بتفكير : من إذن
: الباسمة
فقط الباسمة قالها ليجد نفسه بإحضان أبيه الذي غشيت عينيه دموع فرح بينما اعتماد سقطت جالسة على الأريكة خلفها تضرب بيديها على صدرها ثم فخذيها ضربات خفيفة أولاً ثم ضربات عنيفة جذبت أنظار هارون وأبيه لها
: الباسمة ... الباسمة يا هارون ..تصوم تصوم ثم تفطر على بصلة ..هل هذا تحقيقك لأمنياتي تكسر فرحتي وتغضب أختي مني ..ماذا أقول لها.. هل أقول يا أختي بعد أن جعلتك تنتظري سنتين يأتي ابني ويرفض ابنتك ويأخذ الصماء
: إخرسي يا إمرأة إخرسي لا أريد أن أسمع صوتك ولا أن أراكي حتى ..
ثم وجه نظره لابنه : وأنت يا هارون لم أطلب منك سابقا الارتباط بالباسمة ولكن أقولها لك الأن أمام أمك أنا راضي وقلبي راضي عليك يا ابني ..الباسمة من كنت أدعو الله بكل صلاة أن يوفقك للتفكير بها ..والحمد لله الذي جعلني أرى هذا اليوم ..الحمدلله ..سأذهب لأخي
خرج علي مهرولاً يكابد لمنع تساقط الدموع من عينيه ..بينما اعتماد المبهوته من هجومه لم تتوقف دموعها عن الهطول ليجلس هارون بجانبها هامساً لها بكلمات يحاول بها أن يقتنص رضاها ولو كان هو نفسه غير مقتنع بها
: لا تحزني حبيبتي ..الباسمة مناسبة لي من عدة جوانب أهمها العمر..كما أنه أمر سيريح عمي المريض ويجعله يبدأ بخطوات علاجه والذي نعلم جميعاً إنه يؤجلها خوفاً أن جسده لن يستطع تحملها فيترك الباسمة وحدها ألم تكوني تفكري بذلك وأنت تساعديه في جلب عريس مناسب لها ..أنا أمامك أليس مناسب
تبتسم اعتماد بسخرية وهي تمسح دموعها وبصوت مبحوح من البكاء : وهل تعتقد أنك بكلامك هذا تقنعني يا ابن قلبي ..فكل ما فعلته سابقاً كان لأبعدك عن تلك المصيدة
: اشتدت يد هارون بقبضة جانبه غيظاً مما كان يحاول أن يقنع نفسه بالعكس أن أمه لن تفعل ذلك حتى مع كل المؤشرات التي كان يراها
: أمي وإذا كانت سعادتي حالياً بالارتباط بها من أجل عمي وصحته هل سترفضي أن تكوني السبب في شفاء مريض ..
تقاطعه أمه وهي تنظر لعمق عينه : وهل هذه هي أسبابك
: طبعاً
: إن كان كذلك اعقد عليها وبعد فترة انفصلوا عندما نتطمئن على عمك
إحمر وجه هارون بغضب مكتوم بصدرة من مجرد سماعه للفكرة ليحدثها بصوت خافت وحاد : وهل ترتضيها بحق ابنة عمي أن يقول الناس عنها إن ابن عمها تركها بعد مدة صغيرة
: أي أنك لا توافق
: بالطبع أمي سمعة وشرف ابنة عمي
تقاطعه اعتماد : أصبح الحل الثاني هو ما ستوافق عليه
رد هارون بتوجس : وما هو
: الزواج بليلى أيضاً
يقف هارون بفزع : ماذا ..كيف تطلبي هذا الطلب مني وماذا يكون رأي عمي والناس بي عندما أفعل ذلك
تقف اعتماد أمامه عاقدة يديها على صدرها : إذا أردت موافقتي على بسمة ..توعدني الأن أن تتزوج من ليلى إذا مر ستة أشهر على زواجك منها دون أن تبشرني بحملها ..وإلا لن أكتفي برفضها أمامها وأمام عمك أيضا وأنا أجزم إنه حينها سيرفض ارتباطكم بل سأرفضها أمام كل من أراه يوم فرحك وقبله وبعده وحتى أخر يوم بعمري .. وأنت تعرفني جيداً وتعرف إنه لا يهمني أي أحد وأفعل أكثر من ذلك ..وحينها سنرى نظرة نساء قريتنا لها
بهت هارون أمام قسوة أمه التي يعرفها جيداً والتي توازي حنيتها وحبها الشديد له بطريقة تجعله أحيانا يصيبه الدهشة من كم التناقض بداخلها
ليطرق رأسه قليلا بتفكير عميق لم تخدشه واثقة إنه سيحقق ما تطلبه فسمعته كرجل شرطة وسمعة عائلته على المحك
هارون بمراوغة : ألم تفكري يا أمي أنه ربما يكون العيب مني وإني لا استطيع الإنجاب والدليل أن نجلاء أنجبت من زواجها الثاني
تضحك اعتماد عاليا حتى أصابت هارون بالتوجس: لازلت صغير يا هارون وهل إذا كنت كذلك كنت رشحت لك ليلى والتي انفصلت عن زوجها الأول لحبها في الأطفال
ضيق هارون عينيه بغضب مكتوم : متى عرفتِ
: بالرغم إني سأفاجئك إني لا أعرف كل شيئ ولكن على الأقل عرفت ما جعلها تترك كل حقوقها خوفاً من الفضيحة ..خوفاً من يعرف الناس أنها كانت تتعاطى حبوب منع الحمل حتى لا تنجب أطفال يربطوها بعلاقة أبدية معك حتى تستطيع أولاً تكوين حياة مستقلة بعيداً عن بيت العائلة الذي كانت ترفضه بشدة ..أليس كذلك ام أن طلاقك لها كان بسبب أخر
أغمض هارون عينيه بهدوء يكتم عواصف من الغضب بإطلاقها بوجه أمه
:موافق
: مبروك عليك زواجك بليلى بعد ستة أشهر ..
تركته مهرولةً لغرفتها دون أن يرى الإصرار الذي بزغ بشر من عينيها
بينما هو لا يدري لما وقف هكذا أمام أمه يوافقها على جنون الارتباط بليلى ..
وهو متى كان يريد إعادة تجربة الزواج ليقرر الزواج باثنتين بيوم واحد ..
لكن لماذا يا هارون تنازلت ولو بالقول فقط وأنت تعلم جيداً أن أمك مستحيل تقدم على أي فعل يسيء لك وأنك لم تكن ستسمح بأفعال تسيء للباسمة ..
أم هو عقاب متأخر لتلك ..

نهاية الفصل الخامس
...............................
.........................................................
....................






قال النبي صلى الله عليه وسلّم : تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً فأي قلب أشربها نُكت فيه نُكتة سوداء وأي قلب أنكرها نُكت فيه نُكتة بيضاء حتى تصير القلوب على قلبين : على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف مَعروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه .

رواه مسلم






لا تجعلوا القراءة تلهيكم عن الصلاة
لا أبيح ولا أحلل نقل الباسمة دون الرجوع لي
اللهم بلغت اللهم فاشهد

روتيلا 05-05-18 03:24 PM

رد: الباسمة
 

دعيني..
أقولُكِ ما بين نفسي وبيني..
وما بينَ أهداب عيني، وعيني..
دعيني..
أقولكِ بالرمزِ، إن كنتِ لا تثقينَ بضوء القمرْ..
دعيني أقولُكِ بالبَرْقِ،
أو برَذَاذ المَطَرْ..
دعيني أُقدّمُ للبحر عنوانَ عينيكِ..
إن تقبلي دعوتي للسَفَرْ..
لماذا أُحبُّكِ؟
إنَّ السفينةَ في البحر، لا تتذكَّرُ كيف أحاط بها الماءُ..
لا تتذكَرُ كيف اعتراها الدُوارْ..
لماذا أُحبّكِ؟
إنَّ الرصاصةَ في اللحم لا تتساءلُ من أينَ جاءتْ..
وليست تُقدِّمُ أيَّ اعتذارْ..

لماذا أُحبُّكِ.. لا تسأليني..
فليسَ لديَّ الخيارُ.. وليس لديكِ الخيارْ..

نزار قباني



الفصل السادس


: أخي ...لا تظلمها
استدار هارون ليواجه وجه رباب الباكي : نعم
: الباسمة لا تظلمها وترتبط بها إذا كنت ستجرحها
وقف أمامها بإرهاق واضح وهو يحرك يده على رأسه في محاولة للإفاقه لاستيعاب كلمات أخته : لا افهم ما تعني
: لقد سمعت شرط أمي بأن تتزوج ليلى مقابل موافقتها بارتباطك بالباسمة
الباسمة لا تستحق ذلك لا تستحق أبدا.... صدقني يا أخي أنت تعرفها أكثر مني وستعرفها أكثر عند زواجك بها ...
ليلى ابنة خالتي والباسمة ابنة عمي واحدة هي روحي والأخرى قلبي صدقني لو كان لدي أخين كنت لن أتوانى عن ضمهم الاثنتين لأسرتنا لكن دائما كنت سأفضل الباسمة لك
هي نصفك الثاني ...
ثم غطت وجهها بيديها وانخرطت في البكاء
فوضع هارون يديه برفق على كتفيها كي تهدأ :وهل هذا رأيك بأخيكِ ..هل هكذا تريني ندل وغير مؤتمن ..هل تفكري بداخلك أن أكون سبب بأذية ابنة عمي ..

جففت عينيها وبصوت مبحوح : لا والله
: إذا كان هذا رأيك فلما إعتقدتي أني سوف أفعل ذلك بالباسمة
: لكنك قلت لأمي ...
قاطعها بهدوء : قلت ولكن هل فعلت أو سوف أفعل ثم أنا فقط قلت ما قلت كي أكسب وقتاً معها ..إذا أراد الله والباسمة أصبحت حامل انتهى الأمر أما إذا العكس فلن أبقيها لحظة واحدة تحت رحمة كلمة لم أعنيها أبداً ..هل فهمتِ ..أنا لست وغد لهذه الدرجة ..
ثم أنا لا أقبل أن أخدع الباسمة ..لا أقبل ليس لأنها ابنة عمي بل لأنها ..
ثم صمت قليلا يبحث عن حروف الكلمة
: تحبها
نظر لها من علو وهمس : أحب مرافقتها و معاندتها وأعود مراهق في دفاعي عنها ومساندتها ..كل هذا وأكثر ألا يكفي
ابتسمت رباب لأخيها الكبير وهي تحرك حاجبيها هامسه لنفسها : إنه أكثر من الحب يا أخي
ضيق بين عينيه ناظراً لابتسامتها التي رأها بلهاء : ماذا
ترتمي رباب بحضن اخيها وهي تبكي فرحاً: اخي.. أخي ...أنا سعيدة لأجلك ..
تعالت ضحكاتها وابتعدت : أنا سعيدة لأجلكما ....سأصعد لأطمئن على عمي ..
ثم جرت صاعدة لشقة عمهم تحت أنظار هارون المغلفة بالحب لأخته الصغيرة هامساً
: مجنونة
.......

مر عليها يوم عمل هو الأثقل بحياتها أخطأت بكل عمل قامت به... سرح عقلها مع أحلام مستقبلية وكان بطلها الأوحد هو حلم طفولتها و مراهقتها ..أعادت بذاكرتها كل مواقفهم سوياً ..سمحت لقلبها بتسارع الدقات والغيرة ..نعم الغيرة على عمر عاشه مع زوجة أخرى وأمل ما فتئت زوجة عمها بصبه صباً بأذانها عن زواج هارون المرتقب بليلى ..لتشعر بإحمرار وجهها فتغطيه بكلتا يديها هامسه
الخجل يقتلني ... خجل من نفسي.... خجل من تصرفي ..أحاول أن ارتفع بروحي عن فعلتي ولكن أظل أنظر لها من أعلى ولا تعجبني تصرفاتها وكأن الجسد له أفعال ..والروح لها أفعال ..لكن لماذا
من حقي بعض الأنانية .. نعم فأنا لم أخذه من حب أو زوجة فلما القلق أو الشعور بالذنب بل بالعكس لقد فتحت أمامه باب كان يغلقه دوماً امام فكرة الزواج ...
....لا توهمي نفسك يا باسمة فهو فعلها من أجل عمه ...
لتجيب روحها التي تؤنبها .. حتى ولو كان ليريح عمه ...أليس من حقي أن أتنفس الراحة قليلا بإقدام والدي على العلاج وقد يكون زواجي سبب أخر لتقبل جسمه له عندما يرتاح نفسياً من جهتي ..
تركت ما بيدها وعادت لبيتها بوسائل المواصلات المتاحة وعندما وصلت كتبت رسالة لهارون تعلمه بوصولها حتى لا يوافيها لهناك ...
وجدت والدها ينهي طعامه الذي تعده مسبقاً و قدمته رباب له ثم يتناول علاجه وأكتفيا بنظرات متفهمه بينهما
وكأنها تقول له لم يعد لديك حجه تمتنع من أجلها عن العلاج بينما يرد عليها بابتسامه حنونه ثم تركها ليرتاح قليلا بينما دخلت هي غرفتها لتذهب من فورها للخزانة ساحبه منه وشاحها هدية هارون الوردية الشفافة والتي عندما كانت تسود أيامها تفردها على وجهها باسمة على حالها مقنعة نفسها إنها الأن تنظر للدنيا بلون مختلف ....لون وردي
دخلت عليها الغرفة بهدوء ورأتها بتلك الحالة على فراشها واضعة وشاح حريري على وجهها
فاقتربت بهدوء شديد وسحبت الوشاح وهي تبتعد عن يد الباسمة التي تحاول منعها من أخذه ضاحكة بمرح يليق بها وتعقده أمام أنظار الباسمة المذهولة حول وسطها الملفوف وتبدأ بالغناء والرقص

طلي على الأحباب طلي .. يا لايقه في الطرحه طلي
يا هله بالفرحه تملي .. زي القمر ع النبي صلي
يا لايقه بالطرحه .. يا هله بالفرحه

يا نخلتين في العلالي يا بلحهم دوا
يا نخلتين على نخلتين طابوا في ليالي الهوى


ثم اقتربت من الباسمه دون التوقف عن الرقص والغناء وأخذت يد الباسمة تراقصها وهي تشير لها بسبابتها

فات الهوى على حيينا .. قلناله أدي العينه
من قدنا مين .. مين زينا مين
ده البدر شافنا واتلوى

يا نخلتين في العلالي يا بلحهم دوا
يا نخلتين على نخلتين طابوا في ليالي الهوى
ثم توقفت عن الغناء وهي تنهت ودموع فرح تغرق عينيها ويديها ترتعش بوضوح بين يدي الباسمة
: مبارك أختي ..مبارك لأخي أنتِ ..مبارك لنا فرحتكم
ضمتها الباسمة هامسة بخجل : وهل هذا يستدعي كل هذه الدموع
يزداد بكاء رباب بحضنها وهي تردد : بل لأني سأكون بعيدة جداً أختي حتى أشاركم أيامكم كما كنت أتمنى
أبعدتها لتنظر بوجهها الباكي شديد الإحمرار : ماذا تعني
تضحك رباب ودموعها تغرق وجهها وهي تحكي لها عن ظروف هشام الجديدة ثم تمسح وجهها بضحكة
: أنا فرحي بعد أسبوعين
الباسمة تدمع عينيها وهي تحتضنها بشدة ثم ابتعدت وهي تسحب الوشاح من يدها وهي تفرده عاليا وهي تدور وتدور وتطلق لسانها بكلمات الأغنية التي تغافلت رباب عن ترديدها بالبداية

يا نخلتين في العلالي يا بلحهم دوا ..
يا نخلتين على نخلتين طابوا في ليالي الهوى ..
يا ام العروسه زغرطي .. يا ام العروسه ..
يا ام العريس زغرطي .. يا ام العريس ..
قولوا معايا يا فرحتي .. لما الهوى يجي سوا ..
ثم ضحكا عاليا وناموا سويا على الفراش وجههم متقابليين
: بسمة
: أممم
: تحبيه أليس كذلك
لم يفاجئها سؤال رباب فهي كانت تقرأ دوماً بعيونها فهمها لمشاعرها الخاصة جداً نحو هارون لتمتم راضيه : نعم
ردت رباب بخجل : إذا ستصبري على أمي
ابتسمت وهي تلعب بخصلات شعر رباب القريبه منها : نعم
قبلتها من وجنتيها وعادت تغمض عينيها : أنا هكذا سأسافر لأخر الدنيا وأنا قلبي مرتاح
أغمضت الباسمة عينيها كذلك مرددة : سافري حبيبتي مع عشقك خالية البال ومرتاحة فمن أجل من نحب نضحي ..
.......
عنده وبألية تعودها أعاد ترتيب زيه الرسمي وسلاحه بخزانة مغلقة ..
ثم أدار نظره لغرفة نومه بتقييم ثم أكمل بتمهل المرور بباقي الشقة ليدرك إنه ترك كل أثاثه القديم كما هو دون أن يمعن التفكير..
فبعد الطلاق سافر وترك لوالديه انهاء الأمور المادية العالقة بينهم ..كيف لم ينتبه أن مطلقته لم تأخذ كل الأثاث كما هو متعارف عليه بمثل حالتهم وأكتفى بقول أمه وقتها إنها عوضتها مادياَ فلن تقبل أن شقى ابنها وتعبه بتجهيز شقة الزوجية يذهب هباء ..
ضيق بين عينيه لتفكيره السطحي الذي توصل إليه وقتها بأن نجلاء تركت كل شيء خلفها هامساً لنفسه إنها لم تحب الاحتفاظ بأي شيء جمعهم يوماً فأخذ يزيح من طريقة بغضب كل ما يقابله من طاولات أو غيره ليقرر بيع كل شيء وتأسيس بيته من جديد ..
كما حياته التي يريد بدأها مع الباسمة جديدة يملؤها الثقة ..
كما يأمل ...
.....

وفي الموعد
أكملت اعتماد وضع شال من القطن على رأسها جالسه على أريكتها المفضلة تفكر بهدوء بالخطوة التي هي مقدمة عليها وكيف تديرها بالطريقة التي تراها مناسبة دون أن تفقد سيطرتها على الأمر أو يحاولوا أن يقصوها فزوجها وابنها من الأن أخذوا جانب واحد في مواجهتها حتى تلك الصغيرة رباب ..
لا يفهموا أبداً إنها كانت تدبر لهم حياة مثالية رباب مع هشام وهارون مع ليلى لكن الأن مع الظروف الجديدة أصبح حتى ارتباط هشام برباب مهدد ...
هذه الخطبة لابد وأن تؤجل قليلاً لبعد زواج ابنتها
رفعت الحاجب الشمال وانزلته بابتسامه وهي تهنئ نفسها على تفكيرها ..
نعم هذا هو الحل للمعضلة الأولى أما الأخرى فأمرها سهل ستخبر أختها بأنه أمر مؤقت وأن هارون أُرغم على الارتباط بالباسمة من أجل عمه الذي يحبه وأنه ارتباط صوري أما الارتباط الذي ينتظره هارون بفارغ الصبر ويحلم به حتى إنه صرح سراً لأمه برغبته فهو سيكون مع ليلى ..
أما المعضلة الأخير فهي المهلة التي اتفقت مع هارون عليها وهي بيدها وحدها حلها وأرغامه على الوفاء بها ..
وقفت وهي راضية عن ما توصلت له وهي تتلكئ للصعود للطابق الأعلى منادية على ابنتها التي بغرفتها ترتدي ملابس مناسبة لخطبة أخوها من ابنة عمها الحبيبة : يا رباب
خرجت كوردة بفستان ازرق حريري يعكس بوضوح جمال عينيها تاركة شعرها الذهبي على جانب واحد وبيدها حذائها الفضي عالي الكعب جلست ترتديه
: لا تقلقي أمي أصبحت جاهزة ثواني فقط
قالتها وهي تضع الحذاء بقدميها ثم رفعت رأسها لتفتح فمها بذهول وهي تمعن النظر لملابس أمها المكونة من جلباب قديم تظن أنه يعود للجدة تستعمله عادة أمام فرن الخبز فيغطيه بقع العجين والطحين وشالها القطني الذي تضعه على رأسها والذي اختفى لونه من كثرة الغسيل ..
يا إلهي وأنا الذي أعتقدت ان الأمر سيكون مجرد مشاكل بسيطة ستوجدها أمها مع كنتها... الأمر لن يكون سهل أبداً عليكِ يا بسمة ..
: أمي ما الذي ترتديه ....هل هكذا سنصعد نطلب الباسمة من عمي لتكون زوجة لأخي الحبيب ..
نظرت اعتماد لملابسها ثم نظرت لابنتها بتمعن : بل أنتِ التي جننتِ ما هذا الذي ترتديه هل تظني إنه يوم خطبتك ..ثم أنتِ لن تصعدي معي ..هل فهمتِ
:كيف
: هكذا ... أريدك الأن أن تجهزي الطحين لنعد خبز يكفينا الفترة القادمة
: أمي وما الداعي ففي معظم الوقت نشتريه جاهز
: لا أحبه ..ثم لا تعاندي ..فقط بعض الوقت وننزل وبسمة كي نتعاون بإعداده
شهقت رباب : بسمة لا تعرف أبداً إعداده
تحركت للخروج من شقتها ببطئ وهي تذم شفتيها وتحركها يمين ويسار بسخرية : تتعلم ..ما دامت وافقت على الارتباط بهارون فتتعلم كل ما يخص حياتنا وتنسى حياتها السابقة بالمدينة
جلست مكانها وقد عقد حوارها مع أمها غصة استحكمت حلقها فكتمت تأوه ..فأمها ستتجاوز كل الخطوط الحمراء .. غمغمت نادمة
: سامحيني يا ابنة عمي لقد أخذت منك وعد سيقضي لا محالة على راحة بالك ..لكن ما باليد حيلة ..كنت أتمنى أن أكون بجوارك أخفف عنكِ حبيبتي لكن أملي بربي كبير أن تتخطى أمي غيرتها العمياء على ابنها الوحيد ..يا رب نور بصيرتها

بينما كان بغرفة المعيشة مع والده وعمه والباسمة الوردية بفستانها الحريري الذي أظهر قوامها الرشيق بطيات ضيقة على كامل جذعها ليطير متحرراً متسعاً حتى كاحليها مع وشاحها التي احتفظت به كجوهرة ثمينة لم ترتديه إلا بهذه المناسبة العزيزة على قلبها
تقدم لهم فناجين القهوة وعندما وصلت لهارون التقيت أعينهم البنية بحوار ساخر عن موقف مشابه كان من إخراج هارون نتجت عنه حروق من الدرجة الثانية أصابت الطبيب الشاب .. كتما ضحكاتهم بصعوبة حتى لا ينتبه عليهما الشيخان ... ثم تراجعت تجلس بجانب والدها في مقابل هارون وعمها
كان انتهى علي تقريباً من كل الترتيبات التقليدية الخاصة بالزواج مع أخيه حتى رفع صوته يطلب من الجميع قراءة الفاتحة لحظة دخول اعتماد بصوت باكي صاخب
: بدوني ..أه من حظك القليل يا اعتماد... بدوني تقرأ فاتحة ابني البكري... ابني الوحيد ... كيف تفعل ذلك بي يا علي ..اشهد يا أبا بسمة اشهدِ يا بسمة على عمك الذي لم يخبرني إنه هنا ليقرأ فاتحة ابني ..الضغط أرتفع... ضغطي.. انجدني يا هارون ..
انتفض هارون يتقبل يدها التي تمدها له بأعصاب منهارة وهي ترتمي بحضنه فيجلسها بهدوء يقبل رأسها : لا والله هي فقط قراءة الفاتحة على ما اتفقنا عليه ..لكن بدونك هل تحلى لنا جلستنا يا سيدة النساء ..
قامت الباسمة عندما أفاقها والدها بدفعة من يده لتذهب لحماتها المستقبلية لتقترب منها بهدوء محمرة الوجه : لن يحدث شيء خالتي بدونك
رفعت اعتماد رأسها بعيونها الباكية لترى الباسمة بأعين أخرى تقيمية لتراها بكامل بهائها كما لم تراها قبلاً ليزداد بكائها بنشيج حار وهي تحرك رأسها يمين ويسار بغير تمثيل هذه المرة فهي الأن صدقت أن هارون سيكون من الصعب عليه التقيد بكلمته معها لم تستمع لكلمات حسن المهدئة ولا نظرة علي الضيقة بوعيد مكتوم ولا هارون الحذرة من تصرفات أمه الجنونية أما الباسمة التي جلست بجانبها وتمسك يدها اليسار تدلكها بلطف وهي تهدئها بكلمات لطيفة فكانت كسوط على قلب الأخرى فتسحبها بعنف لتمسح وجهها وهي تنظر للباسمة بنظرات قوية : لولا أني صعدت لأناديكي كي أعلمك كيفية صناعة الخبز الفلاحي الذي يحبه هارون لم أكن سأحضر فرحة ابني الوحيد أليس كذلك
شعرت الباسمة بالخجل الشديد وهي تنقل بنظراتها التائةً بينهم جميعاً حتى غرقت عينيها بالدموع فلقد أصابها ما يشبه قلة الحيلة مع زوجة عمها وأم حبيبها لا تدري كيفية التصرف وقلبها يخبرها أن اعتماد ترفضها كزوجة لابنها وإلا كيف حضر هارون وعمها ولم يخبروها إلا إذا كان ببالهم وضع اعتماد أمام الأمر الواقع ..
الصمت كان علاجها الفعال لكتم مشاعرها لكن كانت هناك تلك النغزة المؤلمة بصدرها تذكرها إنها من أرادت وطلبت وخاصة مع صمت هارون على تصرف امه إذن فلتتحمل فالقادم أصعب ..
نطق علي بكلمات أراد بها إنهاء المهزلة التي صنعتها زوجته : لا داعي يا اعتماد لكل تلك الجلبة وها أنتِ أتيتِ فدعينا نقرا الفاتحة ..
نظرت اعتماد لحسن دون الرد على زوجها : يا أبو بسمة هل يرضيك أن أغيب عن فرحة ابني حتى أخته المسكينه التي ستتزوج وتسافر بعد أسبوعين بالأسفل تجهز الطحين وتنتظرني أحضر بسمة وهي لا تدري إنكم هنا أقصيتوها عن مشاركتكم ..ماذا أقول لها وهي تبكي من الأن على إحساسها إنها ستفتقدنا وتبتعد عنا
: لا يرضيني يا أم هارون
ونظر بعتاب لأخوه : لماذا تعجلت دون انتظار زوجتك
وأنت يا هارون كيف تأتي بدون أمك
نظر هارون للأرض خجلاً مما يحدث فهو لا يعرف كيف يقول لعمه أن أمه عندها علم وهي التي أصرت أن نصعد بمفردنا وسوف تلحقنا هي وأخته عندما تنتهيان من إرتداء ما يليق بالمناسبة
لينقذه أبيه
:كنت متعجل من سعادتي يا أخي سامحني
هز حسن رأسه بتفهم لكلمات أخوه : ما الذي يرضيكي يا أم هارون
: فقط التأجيل
انكمشت الباسمة بمكانها عند سماعها كلام اعتماد تحت أنظار هارون الغاضبة بينما علي تحدث بحدة : وما الداعي هل تعاقبينا يا إمرأة
تحدث حسن بهدوء: أصمت يا علي ..
يا أم هارون ولو تريدي إنهاء الأمر برمته فسوف..
تقاطعة اعتماد : ما الذي تقوله يا أبو بسمة هل تعتقد إني أفكر بذلك لقد فهمتوا كلامي خطأ لو صبرتوا جميعاً ستعرفوا السبب الذي ستؤيدوني قطعاً فيه
لينطق هارون أخيراً : وما هو يا أمي
:العين
نظرت ثلاثة ازواج من العيون لها وكأنها تنطق لغز وهي كذلك بالنسبة لهم
: لا حول ولا قوة إلا بالله ..أليس الحسد مذكور بالقرآن وأنا سأزوج إبنتي وابني الوحيدان هل تريدون الناس يصيبونا بالعين فاخسرهم ..
يضحك علي بسخرية من كلامها : وهل تريدينا أن نزوجهم بالسر يا زوجتي العزيزة
: لا يا علي كل ما في الموضوع التأجيل والسرية لما بعد سفر رباب وهشام
هارون وهو يكاد يشد شعره من كلام أمه أمام الباسمة التي فقدت ابتسامتها وأبوها الذي ينظر لابنته الحزينة ولا يعيرهم إهتمام هتف بهدوء: وهل بعد سفر رباب بعد أسبوعين لن يحسدنا الناس
: نعم
عم الصمت المكان
لتنطق الباسمة بكلمات متقطعة مع حديث يديها وهي ناظرة لعيني والدها : من باكر ستبدأ علاجك أليس كذلك
أدار هارون عينيه بينهما ليشاهد أجمل حوار سمعه من لحظة دخول أمه فهو في غفلة منه ومع رغبته باتمام الزواج بالباسمة نسى شرارة البداية للقصة وهي علاج عمه
ليكتفي عمه بإشارة من رأسه بنعم
فتقف الباسمة وتجلس بجانب والدها تقبل يده وتضع رأسها بهدوء على كتف أبيها اليمين ليحاوطها الأب بيده التي تجاورها و دون أن يفلتها تحدث لأخيه
: يا علي عقد قرانهم سيكون بعد سفر رباب إن شاء الله ..ولا تُغضب أم هارون أبداً فطلباتها أوامر ...هل فهمت
: نعم يا أخي فهمت
تدخل هارون بإصرار دون الالتفات لشهقة أمه : عقد قران و زفاف يا عمي
: سنقرر بوقت أخر
تدخل علي بمؤازرة لابنه : بل هو القول الحق ..شهر يا أخي من الأن ونفرح بأولادنا إن شاء الله ..لا تردني يا أخي
دون أن ينظر مرتين لوجه اعتماد الأحمر أو قبضة الباسمة التي ضمتها لصدرها وهي تنظر له برجاء أن يرفض : توكلنا على الله ..الفاتحة
قُرأت الفاتحة على اتفاقهم وبعد الإنتهاء من تلاوتها لم تستطع اعتماد إلا أن تضع بصمتها على فرحتهم البسيطة
: جيد شهر مناسب وخاصة أن شقة هارون جاهزة ومؤثثة بالكامل من زيجته السابقة ولن تحتاج أي تغير
تختفي ابتسامة باسمته مع كلمات أمه ليتدخل بهدوء : الشهر أكثر من مناسب فعلاً وخاصة إني اتفقت مع تاجر اثاث سيأتي من الصباح الباكر يفرغ الشقة بالكامل ونذهب له أنا والباسمة لننتقي غيره وندفع الفرق
لتهمس الباسمة بإحراج : لا داعي
تنظر اعتماد لابنها : أرأيت بسمة من رأي الأثاث لازال جديد وخسارة
تدخل علي بخبث : لا تحملي هم سنعطي غرفة النوم لرباب وهشام ونوفر عليهم شرائها
كتم حسن الضحكة من خبث أخيه شاكراً بقلبه تدخله الذي أراد به توبيخ اعتماد التي أخرستها المفاجأة بسابقة تعد الأولى من نوعها فيتدخل برزانة
: هارون و الباسمة لهم من عندي غرفتين هدية مني وأيضاً ...
يقاطعه هارون بإصرار زاد من إعجاب عمه ويقينه إنه الأنسب لابنته : اعذرني يا عمي هديتك وصلت برضاك على ارتباطي بالباسمة ولكني أريد تجهيز شقتنا بنفسي والذي لا يكون بمقدوري جلبه اليوم سأحضره بالمستقبل إن شاء الله
ثم نظر للباسمة محاولاً استجلاب ابتسامتها : أليس كذلك يا باسمة
اشارت له الباسمة بخجل بنعم مع بسمة خفيفة تحمل من الحزن الكثير ولكنها تكفيه الأن ليبتسم لها بالمقابل ..
لكن حسن الذي أراد إرضاء اعتماد تحدث موجهاً حديثه لها : أتمنى ان تلبي يا أم هارون لي طلب ..
: طبعاً يا أبو بسمة
: أريدك ان تعتبري نفسك من الأن أم الباسمة أكثر من كونك أم هارون .... أريدك أن تعتبريها كرباب بكل التجهيزات التي تخص العروس فكما تعرفي ان الرجال يجهلوا تلك الامور كما أن هناك تلك الأمور المتوارثة كهدية الكنه لبيت حماها وما إلى ذلك من تلك الأمور وأيضاً الحلويات التي توزع تالي العرس
يرد علي بضيق : هذا الكلام يا أخي مع الغرباء كما أن كثير من تلك التقاليد قد عفى عليها الزمن
حسن بابتسامه لابنته : الباسمة ابنتي الوحيدة وأريد فرحها بالكامل كما حلمت أمها ولأنها حبيبتي تركت القرية منذ زمن فلا خبرة تذكر لديها أريد أم هارون تتولى هذا الأمر تماماً كما كانت أمال ستفعل بل أكثر ..
ثم نظر لاعتماد برجاء حقيقي : هل ستفعليها يا أم هارون أم أجد من سيدات العائلة من يوافق أن يقوم بهذا الدور
لو أرادت الرفض لن تفعلها بعد رجاء الرجل الكبير وبالطبع نظرة ابنها الراجية وعلي المحذرة : تحضر غريبة يا أبو بسمة وأنا موجودة ..اطمئن .. أوعدك
ابتسم علي أخيراً براحة ووقف يقبل أخيه الأكبر : الحمد لله ..مبارك يا أخي
ثم أخذ الباسمة بحضنه هامساً لها : لن تُظلمي ببيتي أبداً يا ابنة الغالي ولو أراد أحدهم بكِ سوء سيجدني أمامه خذيها من عمك الطيب كلمة وعهد
تنعمت الباسمة بحضن عمها وعهده ووعده ثم قبلت يده بحب وهي تشكره هامسة بخجل ليتحرك من أمامها فتجد هارون يبارك هو الأخر مستغلاً انشغال الأخين وأمه بحديث عن التجهيزات والسرية المبالغ فيها من أمه ليهمس لها
: مما رأيته واستشعرته من الأن أنك على ما يبدو لازالت فكرتك عن زواجنا أنها نزهة أو مشوار للسوق...ولن أحاسبك اليوم على عودتك من العمل دون انتظاري لكن من باكر لن تتكرر هل فهمتِ يا ابنة عمي
ردت الباسمة هامسة بغيظ: قبل أن تذكرني بهيمنتك الذكورية يا ابن عمي أحب أن أوضحلك أن والدتك لا تشاركك رغبتك بالزواج مني
ضحك بتفكه : بل أنتِ التي لا تري الحقيقة فأمي تمارس دورها بالتاريخ بإتقان يا معلمة التاريخ
عقدت جبينها بتفكير : ماذا تقول
همس لها : أقول ان أمي حماة درجة أولى بينما أنتِ فشلتِ للأن بدورك كخطيبة وزوجة مستقبلية أين صينية العرس التي تحوي العصير الأحمر بطعم روح الورد
نظرت له بذهول هامسه : أي صينية وأي عصير ... لا أعرف عن ماذا تتحدث
ضحك هارون حتى إنه لفت أنظار الأخريين له :عموماً خذي
أخرج من جيب سرواله ظرف يحوي نقود ورقية ووضعها بيدها بعد أن فتحها قصراً : لم يكن لدي الوقت لأحضر لكِ هدية من الذهب
لتشهق هامسه وهي تحاول أن تعيدها بيده فيرفض هارون ويطبق يديه عليها بقبضة صارمة : ما هذا يا هارون
: هذا يا خطيبتي صور من تراثنا على بهجة العريس عندما يرى العروس وتعجبه وأخذك لها الأن معناه أن لديكِ القبول أيضا من ناحيتي ..هل فهمتِ
ثم تركها بمكانها فارجة بين شفتيها بذهول نست فيه التنفس حتى أعادت شهقاتها الناعمة انتظامها وابتسامة رقيقة زينت وجهها الناعم لتنظر حولها بعدها فتجد البيت فارغ إلا منها وأبيها الذي تملكته ضحكات صاخبة لم تراها منذ زمن فشاركته الضحك لتجلس بجانبه
:أعجبني هارون اليوم وهو يحاول إرضاء أمه وفي نفس الوقت فعل ما يجب عليه ناحيتك الوحيد الذي يستطيع التعامل مع اعتماد هو هارون ..
ثم نظر لابنته بحنيه ورجاء: ساعديه يا ابنتي دائما على برها
الباسمة بتنهيدة : الأولى ان تساعد نفسها
:ماذا تعني
نظرت لأبيها بحب : أعينوا ابناءكم على بركم
: نعم صحيح
نظرت لبعيد كأنها ترى مستقبل تخشاه مع اعتماد : أدعو الله أن تكون أكثر هدوءاً وتفهماً فهي تقود هارون على القسوة عليها دون ان تدري
ربت بلطف على رأسها النائمة على صدره : المهم عندي أنكِ لا تكوني السبب
همست بوعد :اطمئن يا أبي لن أكون


.......نهاية الفصل السادس ........


=============================








روى أبو داود عن أبي برزة قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بآخرة إذا أراد أن يقوم من المجلس:

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد إن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.
وصححه الشيخ الألباني






لا تجعلوا القراءة تلهيكم عن الصلاة
لا أبيح ولا أحلل نقل الباسمة دون الرجوع لي
اللهم بلغت اللهم فاشهد

روتيلا 06-05-18 05:45 PM

رد: الباسمة
 


.. برغم جميع ادعاءاتنا
.. بأنيَ لن
.. وأنكِ لن
.. فإني أشك بإمكاننا
.. فنحن برغم خلافاتنا
.. ضعيفان في وجه أقدارنا
.. شبيهان في كل أطوارنا
.. دفاترنا .. لون أوراقنا
.. وشكل يدينا .. وأفكارنا
.. فحتى نقوش ستاراتنا
.. وحتى اختيار اسطواناتنا
.. دليل عميق
.. على أننا
.. رفيقا مصير .. رفيقا طريق
.. برغم جميع حماقاتنا




نزار قباني








الفصل السابع

أول جلسة من العلاج الإشعاعي الذي نصح به الطبيب كوسيلة لتقليل حجم الورم الذي يأخذ موضع صعب الوصول إليه جراحياً كان العذاب بعينه للمريض ومرافقيه ..
فالمدينة القريبة من القرية والتي وجدت بها المصحة الخاصة بإجراء الجلسة العلاجية كانت بإمكانيات ضعيفة وعدد أسرة قليلة لا تتناسب مع عدد المرضى الذين يأتون إليها من كل القرى المحيطة ..اما الأطباء والممرضين فقد أعموا أعينهم عن ما يدور حولهم وأصبح صفة لا اسمع لا اتكلم هي الشائعة بينهم أتخذوها وسيلة للهروب ليس من واجباتهم فهم لم يقصروا ولكن لضيق اليد وعدم قدرتهم بعددهم المحدود وخبرة معظمهم القليلة على سد العجز ..
أما الباسمة والتي قررت التفرغ يوم جلسة أبيها من عملها بمساعدة مدير المدرسة الرجل الطيب الذي كان صديق وجار كحال أهل القر ية جميعاً أتاح الفرصة أمامها بعدم التقيد بمواعيد العمل في سبيل مرافقة والدها فقد أخذت حائط ووقفت بجواره تستند عليه بينما افترش عمها الأرض بعدما أُرهق من وقفته بانتظار خروج أخيه الغالي ..
لم يكن بإمكان هارون التواجد بسبب عمله الذي لا يتسم بالحرية في خروجه مثلها ولكنه كان معها على الهاتف معظم الوقت ..
وهنا بهذا المكان الصغير عندما نرى آلام البشر تكون مشكلة العشق التي أشغلت عقلها به صغيرة جداً لتستصغر نفسها كثيراً وتبدأ بالشعور بجمود غريب يصيب قلبها ..وأصبح المنظار الوردي الذي كانت تحاول أن ترى به الدنيا غير متناسب ..هل هي صورة من الإكتئاب أم صورة من رفض أي سعادة قد تجدها فتلهيها عن الأهم وهو مرض والدها ..
ولكن الأكيد أنه عندما تنظر للمكان المزدحم تغيب أحلام الصبا
وعندما تنظر للأرض خجلاً فترى من يفترشها مرضاً تغيب أحلام المراهقة
وعندما تنظر للسماء لتبحث عن السكينه بين سحبها فتسمع آنات المرضى فتغيب أحلام الأنثى بداخلها
فأين وقت تجده الباسمة لتحب وتعيش العشق بآماله وأحلامه ..

انتبهت من لجة أفكارها على صوت الممرض يدعوهم لمعاونة المريض على الخروج ..
ليقف العم فوراً تتبعه الباسمة فيروا الحبيب مسجى على فراش المرض شاحب الوجه مغمض العينين ..
لم يتفوهوا بكلمة فكل الكلام لن يعبر عن الحزن الذي بالقلوب ..
تعاونوا باستخدام مقعد متحرك بعد أن أقرضوا الممرض بعض النقود ليساعدهم على إصال المريض للسيارة التي تنتظرهم وعندما وصلوا للبيت بدأت معاناة جديدة للوصول للشقة العلوية لم يتركهم شباب شارعهم الطيبين ليعانوا منها ليضعوه متكاتفين على مقعد عادي ويصعدوا به لشقته ..
كان أبي لديه كل الحق عندما عاد بينهم فهذه العاطفة والتكاتف هو ما يحتاجه والدي بالفعل ..
لم تعير الباسمة حماتها المستقبليه أي إهتمام عندما نادت عليها كالعادة لتختار من بين بعض الأشياء التي اشترتها لجهاز العروسة مردده لها ببساطة بما أسعد اعتماد
: ما تريه مناسب خالتي إفعليه
وظلت بجانب والدها يساعدها عمها على محاولة تخفيف الأعراض المصاحبة للعلاج وقرب المغرب وصل هارون ليصعد هو ورباب ليتعاونا معاً بأخذ دور الباسمة وأبيه وهم يرغموهم على الراحة قليلاً ..
وتمر الأيام والحبيب يضعف ويزداد غثيانه مع فقده للشهية فتكون النتيجة خسارة متزايدة للوزن .. وقلق يزداد على عدم قدرته على التحمل
الورم خبيث وسنوات عمره الكبير لا يساعد على المقاومة...
يأتي يوم زواج رباب السعيد و بخفية عن الجميع كما تم عقد القران بالشقة السفلية للعروس الذهبية تم عقد القران بغرفة العم المريض للعروس السمراء..
وبينما كانت التهاليل والرقص والغناء في الشقة الأولى ..كانت هناك الشجن والدموع بالشقة الثانية ..
وتصبح الجميلة السمراء زوجة الجبل الشامخ
اختارت مكان من الشرفة الواسعة بطولها المميز ورشاقتها التي زينها فستانها بذهبيته الخفيفه المطعم بوردات مفرغة يبطنها قماش حريري من اللون البيج فيعطي إيحاء للناظر من بعيد إنه عاري الكتفين والذراعيين ينزل يضيق من الصدر حتى ما بعد خصرها ليتسع بحرية ليطول من الخلف أكثر من الأمام .. ظلت هنا حتى لا تبتعد كثيراً فتصعد كل حين تطمئن على والدها واختارت ليلى الذهبية الأخرى الخجولة صحبتها على المكوث بالشارع وسط جمع غفير من المهنئين يشاهدوا زفة العروس حيث أقيمت مراسم الفرح ....
لم يحدثها من بعد عقد قرانهم لكن لم تغفل عينيه عنها أراد محادثاتها قليلا لكنها كانت بعالم آخر يضم أباها فقط ..
لا يجب أن يكون أناني ولكن ما المانع أن تبدي بعض المشاعر الإنسانية كالخجل والفرح.... هناك همس داخله يوسوس له إنها لازالت تنظر لزواجهم على أنه فعل اضطراري وهذا الهمس ينغص عليه حياته ..
ولأنها وجه جديد فكانت ملفته للنظر بطلتها الذهبية المتناغمة مع بشرتها ووصل لمسامعه بعض كلمات التي توصفها ..كاد يجن وصعد لشقتهم
ليجد أمه تهامس خالته وواضح من وجه الخالة إنها علمت بالزواج المرتقب ..
عين خالته الحزينه رأته أولاً لتلفت نظر عين أمه فوراً فتبتسم له وهي تراه مُقبل عليها ببدلته السمراء التي رسمت جسمه الرياضي لتعطيه الصرامة التي يشتهر بها مع رابطة عنق حلها قليلاً فأظهرته بمظهر الشاب الوسيم اللعوب فعبرت اعتماد فوراً عن فخرها بابنها وهي تقبل عليه تحتضنه مرددة عبارات الترحيب ودعاء من القلب أن ينول فرحته هو الأخر بمن يتمنى غامزة لإحسان بعينها اليسار التي لم تستطع سوى الرد عليها بابتسامه باردة
ليجد نفسه في موقف حائر كيف يعبر عن غيرته على زوجته دون أن يمس رغبة والدته بالسرية حالياً وبحسبه بسيطة قاطع حديثهم : أمي نادي على البنات من الشرفة ليدخلوا فوقفتهم تلك لا تصح..
ثم تحرك سريعاً للعودة للإحتفال ولم تتاح له الفرصة رؤية تلك التي كانت بطريقها لوالدها للاطمئنان عليه وشقت الابتسامه وجهها للحظة لإعتقادها أنه يخصها بغيرته لتكتمها باللحظة الأخرى دموع وصراخ يشق الصدرعندما سمعت اعتماد
: أرأيتِ و دون تدبير سمعتِ بأذنيك كيف هي لهفته وغيرته على ليلى
لتشيح لها إحسان بيدها تكتم غضبها : قد يكون قصد بسمة بكلامه
وضعت اعتماد يديها على خصرها : هل تسمعي نفسك ..بسمة من التي قصدها ..إنها الشقراء التي تنير بالليل من لفتت النظر وأثارت غيرته ليترك كل شيء وكل المهنئين ويصعد لإدخالها ولكنه خجل عندما وجدكِ معي و لا تنسي الوضع الذي أُرغم عليه بسبب عمه ..
عندما رأت إعتماد موافقة أختها اللحظية : هيا لنعود لأولادنا وقريباً سننال ما نتمنى ونجلس بفرح ليلى وهارون أيضاً بعد أن يتخلص من رباطه الصوري مع ابنة عمه ..
خرجوا لتكملة مراسم العرس دون أن يلاحظوا التي تحول قلبها لشظايا وبدل أن تنهار بكاء أكملت طريقها بجمود معلنة بكل بساطة إنها تستحق فهي من طلبت أن تُعامل هكذا ...
دخلت غرفتها وأبدلت ملابس السهرة بأخرى تشعرها أكثر بالراحة قميص اختارت اللون الأسود كأشارة واضحة لمزاجها أدخلت أطرافه بالسروال الجينز وجمعت شعرها في ضفيرة طويله ..
وظلت بجانب والدها الذي يشعرها دائماً بأنه الأمر الثابت الوحيد الذي تستند عليه ويمنحها الثقة ..قد يكون تعلقها طبيعي ولكنها تشعر بعد ما سمعته إنه وصل للتعلق المرضي ..
لم تنتبه للحظة على انتهاء الحفل و بعد فترة استقبلت بغرفة والدها عمها وهارون الذي تخلص من السترة فقط للإطمئنان أولاً عليه ..نظرت لملابسها ببرود و لم تبدي اي رغبة بالتأنق أو تبديلها ..فهي بالرغم من كل ما تحاول أن تقنع نفسها به إلا إنها تأثرت بكلام اعتماد واعتبرت نفسها قضية خاسرة لابن عمها ..
فجأة حالتهم الساكنة تماما بجانب والدها أصابها الصخب مع صوت اعتماد الغاضب على تسرعهم بعقد قران ابنها وتراشقها وعمها بالكلام عن محاولته إقصائها عن كل ما يسعدها
لتبتسم بسخرية تحت انظار هارون الغاضبة من تعابيرها الباردة وقد أصبح عنده شبه يقين أن ابنة عمه لا تعير زواجهم اي أهميه لم يوقفهم جميعاً عن الحالة التي وصلوا إليها جميعاً مع أفكارهم إلا صراخ الباسمة عندما انتبهت على إغماءة تصاحبها تشنجات واضحة لوالدها ..
ومع صوته العالي حتى لم تسمعه ...
أو تشويح يديه وهو يشير بها بعصبية..
قرأت الكلمات من حركة شفاهه التي تنفخ هواء وصلها ساخن ..
ولكنها لم تصل أبداً بالرغم من معرفتها للكلمات لفهمها..
ظلت أمامه وهي تحرك رأسها بتوتر و كل تركيزها مع أبيها بكل مرة كانت إغماءاته قصيرة لكن هذه المرة كانت طويلة ..
طويلة لدرجة إنها اعتقدت إنه فارق الحياة ..
يا ربي لالا ...
ظلت تحرك رأسها برفض تام لما شعرت به من ألم الفقد ...
أصابه الضيق من حالتها الهستيرية وعدم فهمها له ...
سمع صوت خطوات على الدرج فعلم بوصول الطبيب الذي استدعاه والده
فمد يده وأمسكها بعنف من عضدها يجرها لغرفتها ثم بحركة عنيفة كادت تسقطها لخفتها أدخلها وهو يشير لملابسها و يسحب المفتاح من داخل الباب ويغلقه بإحكام ...
يمنعها من الخروج ...
فلن يكون هارون العابد ويتركها تقابل الطبيب الوحيد المتاح بقريتهم البائسة
أمجد الخاطب السابق ..
عندما أفاقت على حقيقة إنه يحبسها بغرفتها وتأكدت إنه لن يعود لها بالقريب ظلت تدور كنمرة شرسة ببكاء حار يصل لصرخات مكتومة وكلما مر الوقت أكثر تزداد عنف لترمي كل ما حولها وخاصة و عن قصد كل ما حاولت خالتها اعتماد تمريره لها كنوع من الحب والاهتمام وهو في الحقيقة طريقة لتكسر من ثقة الباسمة بنفسها خاصة تلك المستحضرات التجميليه وكريمات تفتيح البشرة والعدسات اللاصقة الملونة حتى وصلت للطاولة التي تجاور فراشها وتحمل علبة صغيرة هدية حماتها المستقبلية أمسكتها بيدها وهي تضحك وتبكي بنفس الوقت مرددة
: أسبوعان من الخداع خالتي وأنتِ توهميني إنني مثل رباب وتمنحيني نصائحك كلما رأيتيني وإنني لابد أن أهتم بنفسي وخاصة مع نحافتي التي تصيبك بالخوف على زوجة ابنك وأم حفيدك المرتقب وتعطيني علاج فاتح للشهية أمام الجميع حتى توهميهم أيضاً باهتمامك بي وأنتِ بالحقيقة تتأمري من خلفي ..فكيف كان سيكون الحال لو عرفتِ الحقيقة وان ابنك الغالي بالفعل غُصب على الارتباط بالسمراء النحيلة الصماء
فترميها بسلة القمامة الصغيرة وتجلس بالأرض مستندة بظهرها على فراشها وهي تبكي بحرقة ..
: أنا السبب ..انا وحدي السبب ..ليس خطأك يا خالتي ولا خطأك يا هارون
..نعم ليس خطأك يا ابن عمي
ظل نظرها مع تلك التي تقبع داخل السلة حتى عادت وأخذتها مرة أخرى ووضعتها على الطاولة وقبلها أخرجت منه واحداً وتناولته وهي تضحك ودموع القهر تغرق وجنتيها على فعلتها فهي تريد زيادة وزنها حتى تكون جاهزة لاستقبال قطعة من هارون تبقيها حيه ..
أو تبقيها زوجة هارون حتى لو تزوج بأخرى ..
هكذا هداها قلبها في غياب عقلها والتفكير السليم...
نظرت للباب الذي يفتح..
لوهلة تلاقت الأعين لتهب واقفة تلكم صدره بقبضتها الصغيرة وهي تحاول أن تزيحه
: لقد أغلقت الباب بالمفتاح لماذا ..قل لماذا ..
منعها من الخروج بجسده العريض وأغلق الباب خلفه ثم نظر على الفوضى التي أحدثتها بالغرفة بتأثر
بينما كانت تحاول أن تمر من جانبه ولكنها كانت أضعف من أن تحركه قيد أنملة فصرخت به : دعني أمر لأطمئن على أبي
:عمي نائم الأن
عادت مرة أخرى تحاول المرور : دعني يا هارون ..حتى ولو نائم أريد أن أراه ..ثم ماذا قال الطبيب ..وكيف تجرؤ على حبسي
نظر لعيونها الحمراء وشعرها بجديلته المشعثة فرق قلبه لحالتها و حدثها بمهادنة : عَرض جانبي مصاحب لمرضه .. لكن إطمئني سأستغل عطلتي بالغد و أذهب معه لإجراء صور مقطعية نتأكد من الحجم الذي وصل إليه الورم بعد جرعات العلاج التي أخذها ..
ثم عقد ذراعيه أمام صدره وببرود أصابها بالجنون
:ولماذا حبستك لأنه كان أمامي خيار أخر بالتأكيد لم يكن سينال رضاكي فحالتك كانت هيسترية ولأخرجك منها حسب دراستي بعلم النفس بكليتي كان على صفعك حتى أفيقك ..
صرخت بوجهه وهي تشير بيديها بسرعة مع كلماتها : لا تعيدها مرة أخرى ...وهل تلك الدراسة كانت مخصصة للمجرمين أم معي فتتحير مابين حبسي وصفعي ...
لا تسمح لنفسك أن تحبسني مرة أخرى هل تفهم..
انا لم أكن هستيرية بل خائفة يا دارس القانون وعلم النفس .. خائفة حتى الموت على أبي ..
وكنت إفعلها واصفعني يا ابن عمي وأنا كنت رددتها لك بدل الصفعة اثنتان وعشرة ..ليست الباسمة من تُصفع
عض هارون على شفته السفلية وهو يقترب ببطئ دعاها للتراجع : في عادتنا ذبح القطة للعروس يوم عرسها هل تعرفيها
لم ترد عليه بينما تتراجع للخلف وهي تنهت بشدة ودموعها التي بللت خديها ومسحتها أمامه جعلت من بشرتها الذهبية متوهجة أمام عينه المقدرة للجمال ليكمل هو تقدمه وكلامه : بما إنه اليوم كان عقد قراننا أي عرسنا شرعاً سأبدل تلك العادة بقطع لسانك يا ابنة عمي أو ذبحك أنتِ شخصياً إن لم تكفِ عن إثارة غضبي بلسانك وصوتك العالي
تراجعت للخلف حتى التصق ظهرها بالحائط ليتركها وهو مبتسماً لنفسه إنه أوقف كلماتها الصاخبة بحلقها ثم أعاد نظره حوله و أخذ يرتب الأغراض التي بعثرتها في موجة غضبها
فتهمس مذهولة من تصرفه : ماذا تفعل
واصل ترتيبه للأشياء وهو يصدر أصوات ساخرة ورافضة بلسانه : زوجتي الجميلة غير مرتبة .. مسكين يا هارون لقد تورطت بتلك الزيجة
وكأنه أصاب قلبها المكلوم بخنجر بكلماته التي أراد منها تلطيف الجو مع ابنة عمه والتخفيف عليها لتصرخ به بغضب وهي تقترب منه وتشد الأشياء التي بيده وترميها بعيداً
: لم تكن تحتاج سوى ان ترفض عرضي بدل أن تُرغم على فعل شيء وببالك فتاة أخرى
نظر لها بذهول : يا الله من أين يخرج هذا الصوت منك يا فتاة إنك تكادي تختفي وراء القلم الرصاص..
ثم عقد ذراعية على صدره :ثم لا أدري من أين تستحضري تخيلاتك
: أنا لا أتخيل ..
هدأت من صوتها وجلست أمامه واضعة ساق على الأخرى وبهدوء شديد تحاول إقناعه بثباتها الظاهري
: هارون أنا فتاة عقلانية وطلبت منك الزواج لأحصل على تجاوب أبي لبدء العلاج ..
والحمد لله حدث ما رغبت فيه ..انا أرى إننا نفتــ...
شوح بيده يسكتها وقاطع حديثها : كفى ..كفى ..الزواج ليس لعبة أنا قلتها لكِ سابقاً وأعيدها مرة أخرى وستكون الأخيرة ..
أنا كنت صريح معكِ منذ البداية تخطي طلبك فهو مجرد شرارة بالنسبة لي أشعلت رغبتي بالارتباط بكِ يا ابنة عمي ..وأصبح من واجبك أن تساعديني على نجاح زواجنا ..ولا أريد أن اسمع كلام عن إرغامي أو رغبتي بغيرك ..هل كلامي مفهوم
وظلِ شجاعة للنهاية كما عهدتك يا باسمة لأننا قد نحتاجها بحياتنا الزوجية مستقبلاً
شجاعتك وأنتِ تبحثِ عن حل يرضي أباكِ ما حركت الجبل ..لا تفقديها في غمرة تخيلات غير مبررة ..لا تفقدي ميزتك يا عزيزتي ..
قالها وهو يعود ليحمل الأغراض التي على الأرض ليعيدها مكانها فيلمح عبوات التجميل التي تحضرها أمه بصورة مبالغ فيها من كريمات تفتيح البشرة والصبغات والعدسات الملونه وبابتسامة ساخرة على شفتيه
:لم تستعمليهم
كانت لا زالت تحت تأثير كلماته بينما تجيبه : لا أحبهم
ألقى بهم بسلة القمامة الصغيرة ثم استقام أمامها ناظراً لعينيها بقوة : لا تحتاجيها ..أحببتك حرة طليقة شجاعة ..لا شقراء زرقاء العينين
لتضحك بمرارة : صحيح لديك الأصل
ضيق هارون بين عينية وهو يسمع نبرة جديدة بصوتها : ماذا تعني
وقفت تواجهه بشراسة : أقصد ليلى
أغمض هارون عينيه لحظة يشتم داخله فواضح بشدة تأثير أمه .. فابتسم ببرود يحاول إخراج شراستها المعهودة معه التي يبني عليها الكثير بالمستقبل في بناء حياتهم الزوجية بوجود أم غيورة
: أعتبرها غيرة يا ابنة عمي
لتضحك وهي تعقد ذراعيها على صدرها : على من يا هارون ..
هل لابد أن أذكرك كل حين إنني من طلبت منك هذا الزواج
ظل يحرك رأسه يمين ويسار بعصبيه : ألا تتعبي من ترديدها
أجابته بإصرار : ولكنها الحقيقة
هتف بها بحدة أجفلتها: حقيقة لا أريد سماعها أو حتى ذكرها بينك و بين نفسك ....
وفي محاولة لنفي التهمه عن نفسه بإحراجها حتى يجد حل مع والدته
: ثم لماذا ذكرتي ليلى بالذات وهل ستزجي باسمها بكل مشكلة تقابلنا بحجة إنكِ من إقترحت الزواج ..
خجلت من نفسها كيف فقدت ثباتها أمامه واستسلمت للغضب ..
بل للغيرة وهل من حقها الغيرة ..
أريد أن اصدق صدقني يا هارون أريد أن أصدق كل حرف تقوله... ياليتني لم أسمعها كنت صدقت كل كلامك وتصرفاتك ..
ثم ماذا أقول لك بعد عقد قرانا بعدة ساعات اشتكي من أمك ..
وكأن خطبتنا طبيعية توددت فيها لنيل رضائي وانا أتدلل
حركت يدها بالإشارة بتوتر مع ثقل لسانها لأول مرة من بدء حوارهم : لا .. بالطبع لا ... أعتذر لم أقصد
حرك يده على شعره القصير وهو يبتسم وعينيه البنيه تلمع بالمكر : كل القضايا التي خضتها في عملي حللتها بسهولة إلا تلك التي كانت العقل المدبر فيها إمرأة كانت تأخذ مني وقت أطول ... لديكن قدرة عجيبة للتخيل وتوجيه الرجال لفعل المستحيل من أجلكن
بدأت تشعر ببرودة الجو تسري أو لمستها كلماته الماكرة و نظراته فدلكت يديها وأحاطت نفسها بذراعيها تحت أنظار هارون المستمتعة وهي تحاول الهروب من تركيز عينيه وإنهاء الحوار : هنيئاً لهن ..
ابتسم لمحاولاتها الخجولة للتهرب من نظراته : بل هنيئاً لنا تحملنا لحماقتكن وتقلب مشاعركن ..من يصدق إن تلك المحادثة هي الأولى بعد زواجنا ..وهذا بدل أن ترحبي بي وتهنيني أو تتركيني أنا أهنيكي بطريقتي
نظرت لساعة يدها وهي تتجه لباب الغرفة وهي تقاوم تزلزل كيانها أمام كلماته
: لقد سهرت كثيراً وأمامنا يوم طويل غداً الأفضل أن تنام قليلاً
هارون باستمتاع وهو يقترب منها بصوت أجش : هل تلك دعوة من زوجتي الرقيقة للنوم معها
تراجعت للخلف بتوجس : هارون ....
اقترب أكثر منها وهي تتراجع حتى التصقت بظهرها بالحائط خلفها وهو يكاد يلامسها : نعم يا زوجتي الرقيقة
خرجت الكلمات من فمها بتقطع وهي تشير بيدها بسرعة :أخرج من فضلك
همس بمكر :لما ألم نصبح زوجين
حاولت المرور من جانبه وهي تبعده بكلتا يديها : لن أعيدها هارون.. لا تجعلني أعلي صوتي
منعها من التحرك قبضته القوية التي أمسكت بكفيها وراء ظهرها والأخرى التي تشد على جديلتها السوداء التي تستفزة من لحظة رؤيتها لحلها فترجع رأسها لأعلى لتواجه بوجهها الصافي وجهه
هامساً متمتعاً قربها : مظلومين نحن معشر الرجال وأنتن من تقودونا بسلاسل وهمية لنقع فريسة لأفكاركم الخبيثة التي تطلقوها في صورة كلمات تدعين أنها غير مقصودة فنسقط بالرزيلة وتخرجن أنتم منتصرين
شهقت هامسه بتلكؤ: مااااذا
قبلها بخفة بجانب فمها مستغلاً ذهولها من كلماته ليئن بعدها بثانية كاتماً صراخاً و محرراً لها على ضربة مباغته منها لقصبة ساقه
: مجنونة
تفتح الباب بعنف وهي تتحدث بصوت عالي غير مكترثة بمن قد يسمعها : بل أنت المجنون أخرج حالاً من غرفتي
تحرك يخرج وهو يعرج قليلاً بتمثيل واضح ثم مال نحوها عند الباب هامساً : تذكري تلك الضربة جيداً لأنها أول ما سأعقبك عليه عندما يغلق علينا باب واحد بعد أسبوعين من الأن يا زوجتي الباسمة
ثم شد ضفيرتها بعنف غامزاً لها وخرج متوجهاً لشقته بالأعلى وهو يضحك عالياً جاذباً الضحكة جذباً من قلبها وهي تمسد رأسها من الألم اللذيذ هامسةً : ابن عمي المجنون ...
أغلقت الباب مستنده بظهرها عليه
: بل زوجي الحبيب المجنون ....
..........

كانت تجلس تنظر للسماء من نافذة حجرتها الصغيرة تستمع لكلام خالتها على لسان أمها الخاص بزواج هارون المتضطر من ابنة عمه ..فضحكت بسخرية دون أن تتمكن من كبح دموعها
: وهل نحن في زمن تغصب فيه البنت حتى يغصب الولد يا أمي .. هل تصدقي أنتِ أو خالتي ما يقال ..
تحدثت إحسان بتيه : لا أدري هذا ما قالته خالتك ... أنا حتى لا أدري لما أوافقها على ما تقوله أو تفعله بالرغم أني شعرت من البداية بتعلق هارون بابنة عمه لكن كلمات خالتك يبدو إنها جاءت على هوى ضعفي ناحيتك حبيبتي ..
كل ما تمنيته أن تنالي الزوج الذي يصونك و عندما أخبرتني اعتماد برغبتها بكِ كزوجة لابنها تعلقت فوراً بهذا الأمل
اقتربت من أمها تنام بحضنها كطفلة صغيرة خائفة
: أمي هل أخطأت ..هل أخطأت ابنتك عندما اختارت الإنفصال عن زوج كريم في سبيل أطفال كانت تحلم بهم من صغرها ..
أليس من حقي أمي ..أكاد أشعر بالرعب أن يكون ذنب زوجي السابق ما أتعرض له من إخفاقات في كل مشروع زواج أُقدم عليه... فكل من طلب الزواج بي كان إما أرمل أراد أم لأولاده دون الحصول على أطفال مني أو رجل كبير يريد الشعور بالشباب بالزواج من فتاة جميلة وصغيرة وأيضاً دون أطفال يتحمل مسئوليتهم ..
لما الجميع ينظر لي كأني خاطئة .. لما يتعجب الجميع من سبب انفصالي ..أليس الرجل يتزوج ثانية من أجل الأطفال ويعطوه كل الحق حينها حتى أحياناً يرغموا الزوجة الأولى بالقبول بالأمر الواقع بل أحياناً تنتقي عروس لزوجها وعندما يحصل على الأولاد يتنازل عن الأولى بسهولة ..
لما يشعرني الجميع بخطأ قراري ...
أمي أنا أحب الأطفال ..
لم أحب الدراسة أبداً بل أحببت أن أكون مثلك ربة منزل محبه لزوجها وعندي أولاد ألعب معهم بالكرة وبنات صغيرة أسرح لهن شعرهن وأفصل لهن ملابسهن كما كنت أفعل مع دميتي
هل لهذه الدرجة حلمي صعب ..
كانت تبكي وهي تستمع لأنين ابنتها التي تعرف أنها تتعلق بحلم الأمومه أكثر من حلم الزواج من أي شخص حتى لو كان هارون مسحت دموعها هامستةً : لا حبيبتي إنه حقك الذي شجعتك أنا وأخيكِ عليه ..أنه الحق الذي سأظل طوال عمري أحارب حتى تحصلي عليه
مالت ليلى على يد أمها مقبلة لها ثم استقامت : أشكرك أمي كنت محتاجة أن أتحدث والأكثر أن أسمعك تؤيديني ..أظن أن خالتي وابن خالتي يحتاجان مني زيارة سريعة ..ما رأيك
أومأت لها إحسان مبتسمة برضا عن تربيتها التي اثمرت عن ابناء بارين وأخلاقهم مثال للنبل
: نعم إذهبي حبيبتي
مسحت ليلى دموعها عن وجهها المحمر وقبلت رأس أمها وذهبت للقاء خالتها وهارون

نهاية الفصل السابع

================================






بسم الله الرحمن الرحيم

إِن تُصِبكَ حَسَنَةٌ تَسُؤهُم وَإِن تُصِبكَ مُصيبَةٌ يَقولوا قَد أَخَذنا أَمرَنا مِن قَبلُ وَيَتَوَلَّوا وَهُم فَرِحونَ﴿٥٠﴾ قُل لَن يُصيبَنا إِلّا ما كَتَبَ اللَّـهُ لَنا هُوَ مَولانا وَعَلَى اللَّـهِ فَليَتَوَكَّلِ المُؤمِنونَ ﴿٥١﴾

صدق الله العظيم
سورة التوبة




لا تجعلوا القراءة تلهيكم عن الصلاة
لا أبيح ولا أحلل نقل الباسمة دون الرجوع لي
اللهم بلغت اللهم فاشهد

روتيلا 07-05-18 01:57 PM

رد: الباسمة
 




هذا فؤادي فامتلك أمرَهُ واظلمهُ إن أحببت أو فاعدِل
بخلتُ قبل اليوم عن بذله وفي سوى قلبي لم أبخل
لأنني أخشى انعدام الوفا لدى حبيبٍ فيّ .. لم يشغل
وأكره التسيار في روضةٍ إن لم يكن خطوي في الأوّل
لكنني .. بعدك يا فاتني أصبحتُ عن كبري في معزل
وبات قلبي بعد تيهِ الهوى أسيرَ حبّ في هواك ابتُلي
كل الذي يرجوه من عمرهِ رجعُ صدىً من شدوكَ المرسل
لو شُغِلَ الناسُ بما في الدّنا لم يُعْنَ إلا بكَ، أو يُشغَل

عبدالله الفيصل






الفصل الثامن

انتفض هارون صارخاً : أين كنتِ يا أمي
تجلس وهي تخلع حجابها لتعيد على مسامعه ما قالت : كنت عند أختي اتفق معها على زواجك من ليلى
مال بجسده العريض ناحية أمه وهو يجز على اسنانه بغضب : تتفقي على زواجي من أخرى دون استشارتي وقبل حتى أن اتمم زواجي من الباسمة ..
أراحت رأسها للخلف ببرود : كنت أدري إنك ستتراجع لذا فقد انهيت الأمر حتى تلتزم بكلمتك
إستقام واقفاً واضعا يديه بجيبي بنطاله : نعم عندك حق أنا فعلا كنت سأتراجع.. بل أنا تراجعت فعلا .. وتخيلي تراجعت متى بنفس اللحظة التي لم أعطيكِ فيه وعداً ..ها أنا صارحتك اخبريني الأن كيف ستصلحي الأمر دون أن تخسري أختك
أحمر وجه إعتماد الأبيض بشدة حتى أثارت قلق هارون عليها وهمهمت : كنت أعرف.. كل تصرفاتك تخبرني أنها سرقتك مني ..سرقت ابني الوحيد
تنهد كاتماً غضبه و ركع أمامها وهو يمسك يديها بلطف وبهدوء: أمي لم يسرقني أحد منك غلاوتك بقلبي لن يمسها أحد ..
ارتجفت يديها بين يدي ابنها الوحيد وهي تبكي : ستبعدك عني ..ستفعل كما فعلت أمها بجدتك صباح
مسح بيديه دموعها : لا حبيبتي لن يحدث يوماً ..
ثم أنا مرتبط بعملي وليس حر كما عمي حسن تأكدي من ذلك ...
لو تحبي أن تكون حياتنا مشتركة ولا نصعد لشقتنا إلا للنوم لكي ما تريدين ...أو حتى يمكننا تجهيز غرفتي هنا ماذا قلتِ
قبلت رأس وحيدها هامسه بصوت مبحوح : لن توافق
جلس بجانبها وهو يأخذها بحضنه : سوف أطلب منها ذلك وأنا أكيد ان الباسمة لن ترفض طلبي ..هل هكذا تكوني راضية
قاطع حوارهم طرقات على الباب المفتوح جزئياً كحال بيوت الريف العائلية ..
فذهب يفتح الباب ليفاجئ بليلى ابنة خالته
كانت تعصر يديها بشدة محمرة الخدين وهمست بخجل يصاحب حديثها دوماً بابن خالتها الذي كانت تعده الأخ الأكبر لأعوام كثيرة ماضية
:أ.. أريد... الحديث معك
تقدمها هارون بضيق يخشى من تفاصيل الحوار الذي قد يسمعه بسبب تسرع أمه
:طبعاً تفضلي
سلمت على خالتها التي وقفت لاستقبالها
: الحمدلله أنك موجودة خالتي ليكون حديثي أمامك ..
جلست اعتماد بقلق واضح: اجلسِ حبيبتي
ظلت واقفة تدير رأسها لخالتها دون أن تستطيع أن تواجه هارون : لا داعي خالتي ..هناك فقط كلام أريد قوله ..أ.أ نااا..
اقترب هارون منها يواجهها بنظرات لطيفه مهدئة: ما الأمر يا صغيرتي ..هل كل أمورك بخير ..
ظلت تعصر يديها وهي تحبس أنفاسها تحدث نفسها كيف فكرت يوماً أن توافق على الزواج من شخص تشعر نحوه بكل تلك الرهبة ..
أغمضت عينيها بخوف واضح ثم أطلقت كلماتها دون توقف وهي تنهت بقوة ..هي صاحبة حق ولن تتنازل عنه ابداً واجهت مجتمعها من أجل رغبتها بالأمومه ولن تخاف من مواجهة ابن خالتها
: لن أكون يا ابن خالتي تلك المرأة التي تأخذ حق ليس حقها ...عندما انفصلت عن زوجي السابق كنت أخذ حق من حقوقي وأجنبه خيبة أمل عندما أذكره دون أن أعي حبي للأطفال ..أنا لست أثمة أنا أخذت فقط حقي ..وهذا الحق الذي انتزعته انتزاعاً هو نفسه الذي يوقفني عندما يتلامس مع حقوق الأخرين ..
صحيح بسمة لم تكن صديقتي يوماً ولكن بمجرد أن أصبحت زوجتك أصبحت بمنزلة رباب عندي ..اعتذر يا ابن خالتي أرفض طلبك وأتمنى أن نظل دائماً أهل وعائلة تساند بعضها بعض بكل وقت وكل زمان ..
بعد قولها هرولت ليلى خارجاً وتركته واقفاً ينظر بأسى ظاهر على ملامحه أجاد رسمه تجاوره أمه التي استقامت شاهقة بينما الباب يغلق ...
رفع رأسه للسماء حامداً الله على عقل ابنة خالته الكبير الذي جنبهم الكثير من الإحراج أخذاً نفس عميق وأدار جسده بكامله ناحية أمه ناظراً لها من علو
:اتركيها أمي تعتقد إنها من رفضتني
تمالكت اعتماد نفسها : لماذا ..حتى ولو ابنة أختي من هي حتى ترفضك
زمجر جازاً على أسنانة : أمي
نظرت له أمه بعتاب صامت فتمالك نفسه : أمي يا حبيبة قلبي اتركي ليلى تعتقد أنها من رفضتني فأنا رجل لن تهزني كلمة رفض بينما هي رقيقة لدرجة قد تنهار وتفقد ثقتها بنفسها وبالنهاية أنتم من وضعتم برأسها تلك التفاهات وليس أنا من أوحيت لها بالفكرة فأقل تقدير من ناحيتك جهتها أن تتركيها تتنعم بكلمات رفض لن تنتقص من رجولة ابنك كما أنه بالنهاية فائدة للجميع وحفاظاً على العلاقة العائلية بيننا وخاصة هشام ورباب وأنتِ أيضاً ..
حركت اعتماد رأسها بنعم بامتعاض هامسة : وأنا ما الفائدة التي ستعود علي
يضحك هارون مقبلاً رأسها : تستطيعي كل مرة تجالسي بها أختك إحسان أن تمارسي عليها ضغوط وهمية فتحصلي على مساعدتها لك بصناعة خبزك الطري اللذيذ بسهولة وغيرها من الأمور التي كانت تجيدها وتمن عليك بها دون تأخير ما رأيك حبيبتي
تضحك اعتماد حاضنة ما طالته بقامتها القصيرة من قامة ابنها الطويلة : لا يوجد أحد بالدنيا كلها يجيد إقناعي وإدارة عقلي سواك يا رجلي الصغير
يضحك هارون مشيراً لطولة المميز : الصغير كل ذلك والصغير ..
ابتعدت عنه قليلاً ناظرة لعينيه رافعة حاجب واحد
: هذا لا يعني تغيير رأي السابق وأنا عند كلمتي ..لا تتذاكى على أمك يا ابن علي
ثم تركته بمكانه فترة ينظر لانصرافها وهو يشعر بالذهول من تصرفات أمه وكلامها
أه.. يا أمي.. أه ..لا أريد أن أقسو عليكِ وأنتِ تضعيني بكل مرة بموقف الاختيار بين ارضاء ربي بإرضاءك وبين الحق ..
تسيطري وتتمسكي برأيك وترفضي مشاركة أي أنثى بحياتي بحجة سيطرتهم على ابنك ..
ابنها الذي يفوقهم جميعاً طولاً وعرضاً ويخاف منه كل من يعمل معه أو يصادفه الحظ السيء ويخطئ أمامه ..كيف أكون بار بكِ وأنتِ لا تتنازلي أبداً ..
يا إلهي إلهمني الصبر عليها والحكمة لتصريف أموري دون جرحها ..
اتجه لشقة عمه في محاولة لإرضاء أمه لتغض الطرف مستقبلاً عن الأمور الهامة ويقلل من تملكها المرضي به ..فمن وجهة نظره أن أمر كمشاركتهم الحياة الأسرية مع أبيه وأمه وخاصة مع سفر رباب هو أمر مستساغ ومقبول ما دامت ستكون للباسمة شقة منفصلة تستطيع اللجوء لها مساءًا بينما تقضي النهار بعملها وبعد عودتها بشقة والديه وخاصة إن عمله يحتاج منه أحياناً المبيت أو الغياب فترات طويلة ..
بالنهاية لن يكون أقل جرأة من الباسمة التي طلبت منه الزواج لصالح صحة أبيها ..
نعم هذا هو الحل الأمثل الأن ..لابد أن ترضى ..
,,,,,,,,
دلفت لغرفتها وهي تعقد شالها الحريري الصغير على رأسها لتصدم بجلسة زوجها على طرف الفراش سانداً بمرفقيه على ركبتيه وواضعاً رأسه بين كفيه ..
لا يتخيل يوماً إنه قد يسمع ما سمع ..
عاد من رحلة شرائه لبعض السلع التي يحتاجها متجره ليرتاح قليلاً قبل صلاة العصر
ويا ليته لم يعد وليته ما سمع
وصلها صوته المكتوم : لهذه الدرجة وصل بكِ الجبروت ..لهذه الدرجة أوصلتك بحبي لكِ للأنانية
وكأنها لم تسمعه صعدت على الفراش وجلست عاقدة يديها ومحركتاً جذعها للأمام والخلف
: حبك ..عن أي حب تتحدث ... عندما تركتني صغيرة بالكاد اكملت الثمانية عشر عاماً تحت رحمة أمك الغير رحيمة وسافرت ..تحملت سنين طويلة لم أكن أراك فيها إلا شهر كل عام ..خسرت أبنائي واحداً يلي الأخر وأنت بعيد عني .. كنت خادمة بهذا البيت في حين أمال لم يرضى لها حسن بالخدمة بحجة إن لكل منا شقته وأمكم اختارت الإقامة عندي لسفرك
عض على نواجذه بغضب : لا تذكريها بسوء أمامي ..
اشاحت بيدها ناظرة لعمق عينه: لن نذكر صاحبة العصمة بسوء أمامك ..
أتعتقد أنني وافقت على زواج رباب وسفرها لأنك أمرت لا والله بل لأنها سافرت مع زوجها فلن أكون اعتماد التي عانت الأمرين وتجعل وحيدتها تعاني مثلها وتعيش وحيدة هنا بينما زوجها يسافر ويعود لها كل عام فلا تعيش عمرها ولا تعيش حبها ..ثم ما مشكلتك مع ما سمعت ..إنه ابنك الوحيد قرة أعينا الذي أحافظ له على مستقبله واضمن له الحصول على الذرية .. هل أخطأت أم لأنها ابنة أخيك
:ولازلتِ تسألي يا اعتماد .. ثم ألم تفكري بأن العيب من ابنك فزوجته السابقة أنجبت بدل الواحد اثنين
: لا أنا متأكدة
: وكيف تأكدتي
نظرت له رافعة حاجبها الأيسر وهي تميل بفمها المزموم جانباً ثم أمالت برأسها ليدرك فوراً أن زوجته العزيزة لابد وأن تعتمد على قدراتها الفذة والتي تتلخص بالتصنت
:لكن متى وكيف عرفتي
: قبل انفصالهم بوقت قليل سمعت نجلاء تحدث أختها إنها لم تترك حبوب منع الحمل بعد تمعنها في التطاول علي أنا بما لا استحق وتتهمني زوراً إني أتدخل بحياتهم الزوجية وإنها ستحرمني من الحفيد الذي أموت شوقاً له ..تلك ناكرة الجميل التي كان هارون يتركها ببيت اهلها طوال سفره وتعود عندما يحصل على عطلته ..تلك التي كان يجلسها بشقتها ولا يرضى أن تنزل حتى لتجتمع معنا بسهرة تجلس فيها أميرة ونحن نخدمها ..
هل عرفت ..سمعتهم دون قصد مني ..
هكذا صدفة ..
وهل كنت تعتقد إنها رفضت كل حقوقها كرم منها صحيح
: لا حول ولاقوة إلا بالله ..ألن تكفِ عن تلك العادة
: لا يهم
:اتقِ الله يا اعتماد بابنة اخي أنتِ لديك ابنه ترتجي سعادتها
أشاحت بيديها عالياً بغضب : الله أكبر ..لماذا تذكر ابنتك الأن وهل تقارنها ببسمة
انتفض مبتعداً عنها وهو يكاد يجن من أفعالها : لا حول ولا قوة إلا بالله .. اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ..
لو كنتِ تتخيلي إنه سيكون بمقدورك إذاء بسمة وأنا حي يرزق تكوني واهمة ..
إذا كنتِ تتخيلي إن هارون الرجل الذي أعرفه جيداً ابني الذي ربيته سيظل للنهاية مراعي لكِ تكوني أكثر وهماً ..نصيحة مني لا تخسري ابنك
سأذهب للصلاة ..
وتركها مع نفسها التي لازالت توهمها بصواب فعلها فهي تتذكر جيداً عندما أخذ حسن زوجته وابنته وسافر للعاصمة ليترك الجدة التي كانت متعلقة بأولادها لتصاب بالضعف والمرض بعدها حتى توفاها الله ..لا تريد ان يحدث لها ما حدث لأم زوجها تعتقد جدياً أن حسن اشترى خاطر زوجته على خاطر أمه ..وأن بسمة ستكون كأمها تجعل هارون يهاجر مثل عمه ..
وما أسهل من أن يترك الرجل الدنيا وما فيها من أجل من يحب
......
فرحة تلك التي أصابت قلبها فجعلته يرقص ويغني طرباً على أنغام دقاته ..
فرحة تلك التي تجعلها بالمطبخ تحضر القهوة لوالدها التي تمنعها عنه من يوم عرفت بمرضه
فقررت أن اليوم عادت لتنظر للدنيا بمنظارها الوردي وأن هارون كان صادق بكل كلمة عن تطلعه لحياة زوجية سوية معها ..
لم تؤنب نفسها عن سمعاها عرضاً لجملة واحدة وهرولت بعدها لا ترغب بالمزيد وهي تكاد ترقص على السلم عائدة لشقتها ..
كانت سعيدة بل تكاد تطير فرحاً عندما هاتفت طبيب أبيها الذي وعدها بإخبارها بنتيجة المقارنة بين صورتي الأشعة التي أجراها أبيها قبل وبعد العلاج ليخبرها إن الورم أصبح أقل حجماً لتطير على هارون الذي سمعت صوته عند عمها ليفرحوا جميعاً معها ..
والحمد لله سمعت قبل أن تطرق الباب بثانية واحدة الجملة التي أعادت لها الحياة
سمعت توبيخ هارون لأمه ورفضه لمخططها ..
الحمد لله ..الأن أبدأ حياتي مع زوجي على أساس صحيح دون خجل من طلبي أو إحساس بإنه كان بباله أخرى ..الأن صدقته
,,,,,,,,,,,,,,,,

ما السر فيكِ....
يهواكِ الناس يا قهوة وأنتِ بالمر نسميكِ..
هل لونك عيون معذبته أم أنتِ فقط تسليه...
أم حرارتك تلك أنفاسها فيرتشفها حتى ترويه ..
أم خطوط يدها على جدران قدحك تتركيها فتوهميه ...
فيعيد الكره ويطلبها وتكون إدمان لمحبيه....
R.H. ..

أخذ كوب القهوة الصغير الذي لا يملئ بالكاد نصفه من شراب القهوة الساخن وهو يشرب منه بعشق لمذاقها
: بخيلة ..فقط رشفتين زيديهم قليلاً حبيبتي
أخذت منه الكوب وهي تبتعد ضاحكة : لأنك تنعتني بالبخيلة فسأشربهم أنا وانتظر حتى أنسى كلمتك لتحصل على أخرى ..
فوجئت بهارون الذي جاء من خلفها وأحاطها بيديه دون لمسها ساحباً منها الكوب
وارتشف بتلذذ وهو يبدي إعجابه : أمممم لذيذ ...
ثم همس لها : هل شربت من مكانك العسل
كتمت الباسمة ضحكتها وهي تنظر له من أعلى كتفها هامسه : بل شربت مكان عمك ....

ضحك حسن فرحاً من رؤية تقارب ابنته من زوجها : وهل تلك التي تصنعها الباسمة لذيذة ..أه لو كنت شربت التي تصنعها أمال أو جدتك صباح على الشعلة النحاسية الصغيرة

ردت الباسمة ساخرة : أنتم جيل معقد جعلتم من عمل قدح بسيط من القهوة مهمة معقدة
يضحك حسن عالياً : وأنتم جيل كقهوتكم سريعة التحضير لا طعم ولا رائحة
هارون باستمتاع هامساً لها : وإنتِ جعلتي شربها مهمة ممتعه تحدثني نفسي تذوقها من شفتيك
خجلت الباسمة من قربه ووقفته التي لم يغيرها وراء ظهرها وهمساته الوقحه فضربته بمرفقها بخفية كما تعتقد عن والدها فتألم بصورة مبالغ فيها ليضيق حسن بين عينيه كاتماً ضحكته : ما بك بني
جلس هارون بجانب عمه : هل يرضيك يا عمي أطلب من زوجتي كوب من القهوة وترفض
شهقت الباسمة : أبداً يا أبي
غمز هارون لها بعينه : إن لم أكن طلبت منك القهوة فماذا كنت أطلب
نظرت له بضيق مغمغمة بغضب :وقح
ثم ابتسمت ببرود : بل طلبتها وسأذهب لإعدادها
استغل هارون خروج الباسمة ونظر لعمه بهدوء
: عمي هناك أمر أريد رأيك فيه
: تفضل بني أسمعك
: أمي عاشت عمرها تفعل كل ما تقدر عليه لتسعدنا ..لا استطيع أن أتناسى فضلها بسنوات غياب أبي وأنت أيضاً تعلم تعلقها بي ..وعندها رجاء طلبته مني ولم استطع الرد عليها قبل أن أخبرك به وأخذ موافقتك وموافقة الباسمة أيضاً
دخلت الباسمة واضعة صينية القهوة على الطاولة أمام هارون وهي تسمع استرساله في عرض طلبه فالتفتت برجاء لوالدها خفية عن هارون أن يرفض ولكنه لم يلتفت إليها بل قال : كما قلت يا هارون عملك وغيابك أو سهرك سيجعل الباسمة معظم الوقت بمفردها فلما لا ..
لتنظر له الباسمة تفتح فمها وتغلق كأنها تستجدي الهواء فأخر أحلامها أن تشارك بحياتها وخصوصيتها مع الأخرين ...
لينظر لها هارون بهدوء منتظراً اجابتها : باسمة
نظرت له بحيرة وغضب فهي ليست غبية لتفهم إنه أراد بإثارة الأمر أمام أبيها الحصول على موافقتها دون مناقشة فهو يعلم تماماً أن عمه بظروفه الحالية لا يريد مشاكل مع اعتماد
فقالت بهدوء: لكن أنت تعلم رعايتي لأبي وعملي فما الداعي لذلك ..
حاورها بهدوء : هذا أدعى لتلبية رغبة أمي فهي ستجعلك تتفرغي لعمي في حين ستتولى هي إعداد الطعام وغيره من أمور المنزل التي لا تكوني متفرغة لها
: لكني حاليا أقوم بتلك الامور بنظام جيد ولا ..
يقاطعها والدها بصرامة وهو عاقد جبينه : أنه أمر بسيط يا باسمة وفيه ارضاء لوالدة زوجك والتي في نفس الوقت زوجة عمك ومن واجبك تشجيع زوجك على بر والديه ..أليس كذلك
صمتت الباسمة وهي تنظر ليديها التي عقدتهم بحزن أمام صدرها تحت انظار هارون الذي كان يمنحها الاختيار بإسلوب ماكر حتى توافق بنفسها فهو يفعل ذلك ليضمن هدوء حياتهم الزوجية بالمستقبل ويجنبها المشاكل مع أمه
همست بحزن وبحروف خرجت ضعيفة : موافقة
لم تتاح الفرصة امام هارون ان يحدثها عندما قامت لتستجيب لدقات الباب ليتفاجئ بدخول اعتماد برباط رأسها المعقود على جبينها بشدة وعيونها الحمراء من البكاء وجلست بمقعد قريب من فراش حسن بينما يتبعها علي الذي جلس بجانب أخيه بعد السلام عليه
ليتحدث حسن بهدوء : يا أم هارون ..كل ما يرضيكِ ستفعله الباسمة بنفس راضية هي ابنتك كما علي أبوها وأنا وضعتها بأمانتكم ..
ليقاطعه علي الذي يرفض ما اتفقوا عليه : لا داعي يا أخي الباسمة بشقتها التي تعلونا ونحن جميعاً حولها
تدخل هارون الذي وقف بجانب الباسمة : الباسمة وافقت يا أبي
فتقف إعتماد فرحة وتأخذ الباسمة التي انحنت لتطالها حماتها لتحضنها وتقبلها : حقاً حبيبتي ..
أرأيت يا علي لقد وافقت حبيبة قلبي ..
ثم نظرت لحسن : تأكد إنها ستكون بمنزلة رباب عندي وكل أمور البيت ستكون مسئوليتي حتى تتفرغ لعملها ولك ..
وتضحك غامزة لهارون فتجلب الخجل وحمرة الخد للباسمة وضحك الأخين : وأيضاً تتفرغ لحمل أحفادي ..أليس كذلك يا هارون
ما دار بعد ذلك من اتفاقات حول حفلة العرس كان المتحدث فيها اعتماد وحدها والجميع بحالة وجوم أو انصات حذر حتى وصلت للحديث عن فستان العرس
: فستان ليلى كان جميل سأحضره لكِ غداً تقيسيه ونعطيه لخياط جيد يضيقه قليلاً فنحافتك لم أرى مثلها ..
شعر باشتداد قبضة الباسمة بجانبه وتحفزها للرد على كلام أمه الغير منطقي ليتحدث بهدوء
: بالعكس أنا أرى أن تأجير الفستان كما فعلت رباب أفضل و أصبح متعارف عليه حالياً ومنه تختار ما يناسبها فوراً لأن الوقت ضيق ..
ثم نظر للباسمة بابتسامه حانية : غداً إن شاء الله سأكون بانتظارك بعد مواعيد العمل لنذهب معاً لسوق المدينة القريبة لنختار واحداً ما رأيك
حركت له رأسها بنعم دون كلام فضاق صدره لرؤيتها لا تنطق الحروف ولو بتلكؤ عندما تضطرب فصمتها كان نابع من حزن وليس خجل كما قد يتخيل الأخرون ..صبر نفسه إنه سيحاول مراضاتها مستقبلاً تقطع أفكاره رؤيته لتنهيدتها الحزينة عندما سمع أمه تسترسل بمخطاطتها عن حفلة العرس الضيقة المعالم حتى تكاد تكون صادمة لفتاة تحتفل بعرسها لأول مرة ليتدخل مرة أخرى بصوته القوي دون أن يحيد بنظرة عن ثغر الباسمة الذي ابتسم اخيراً عندما سمعته يقول : حجزت لعرسنا قاعة الاحتفالات بنادي الشرطة وانتهى ...
بعد ما فعله هارون وقاله لم تستطع إلا أن تقابل ابتسامته المطمئنة بأخرى راضية فهي ترى أن تنازلها بمشاركة الحياة مع عائلة زوجها كما هو معروف بقريتهم أمر بسيط أمام ذوق هارون وحرصه على فرحتها وارضائها بالأمور الأخرى ..
وبالنهاية عائلته هو عمها الحبيب...
وزوجته اعتماد....
الغيورة على ابنها ....

نهاية الفصل الثامن


==================================






بسم الله الرحمن الرحيم

وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا ﴿٢٣﴾ وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَبِّ ارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيرًا ﴿٢٤﴾

صدق الله العظيم
سورة الإسراء



لا تجعلوا القراءة تلهيكم عن الصلاة
لا أبيح ولا أحلل نقل الباسمة دون الرجوع لي
اللهم بلغت اللهم فاشهد

روتيلا 07-05-18 02:03 PM

رد: الباسمة
 



يُسمعني حـينَ يراقصُني كلماتٍ ليست كالكلمات..
يأخذني من تحـتِ ذراعي يزرعني في إحدى الغيمات...
والمطـرُ الأسـودُ في عيني يتساقـطُ زخاتٍ زخات...
يحملـني معـهُ لمسـاءٍ ورديِ الشُـرفـات...
وأنا كالطفلـةِ في يـدهِ كالريشةِ تحملها النسمـات...
يحمـلُ لي سبعـةَ أقمـارٍ بيديـهِ وحُزمـةَ أغنيـات...
يهديني شمسـاً يهـديني صيفاً وقطيـعَ سنونوَّات...
يخـبرني أني تحفتـهُ وأساوي آلافَ النجمات ...
و بأنـي كنـزٌ وبأني أجملُ ما شاهدَ من لوحات..
يروي أشيـاءَ تدوخـني تنسيني المرقصَ والخطوات....
كلماتٍ تقلـبُ تاريخي تجعلني امرأةً في لحظـات...
يبني لي قصـراً من وهـمٍ لا أسكنُ فيهِ سوى لحظات....
وأعودُ لطـاولـتي لا شيءَ معي إلا كلمات...



نزار قباني




الفصل التاسع

وقفت مبهورة للغاية أمامه... نجمات من الفصوص اللامعة تنتشر بكثافة على الجزء العلوي بالكامل حتى ما بعد الخصر بقليل ثم يتباعد تدريجياً حتى نهاية الثوب الطويل على قماش من الدانتيل الفاخر الذي كان يحدد الجسم بروعة ثم تنتفخ التنورة لتعطي شكل ملكي فخم ,,ستصبح أميرة تزف لأمير أحلامها ..
هكذا رأت نفسها الباسمة عندما وقفت لا تتزحزح من أمام فستان أحلامها نظرت بطرف عينيها لهارون الذي كان بمنطقة الانتظار في المتجر الكبير حتى تختار ما يعجبها مانعة إياه من الدخول معها خجلاً منه ..وحمدت الله على اصرارها بمنعه فما سوف تفعله الأن سيعد أول كذبة بحياتهم الزوجية وستكون الأخيرة إن شاء الله ..فهي أحبت الفستان ولا تريد إحراج هارون وهي تعلم بضيق سعة يده ..
توجهت للبائعة وقررت شراء الفستان بدل من تأجيره فاستجابت البائعة فوراً مانحة إياها الجزء الأكبر من سعر الفستان من بطاقتها المصرفيه بينما تأخذ البائعة من هارون الباقي كثمن التأجير ...
وهكذا عادت لبيتها سعيدة بحصولها على فستان عرسها الذي حلمت أن تحتفظ به ..
فليس كل يوم تتزوج هارون...
وكانت كما تخيلت يوم عرسها أميرة متألقة لامعة أثارت إعجاب الجمع الغفير الذي حضر الاحتفال ..حضر والدها دامع العينين جزء من الاحتفال ثم تركها عائداً مع أخيه للمنزل ليكون باستقبالهم ..
كانت عيني هارون لا تحيد عنها يشاغلها بكلماته يسير حنقها بلمساته الجريئة حتى قرب النهاية أقترب منه مجموعة من أصدقائه يحملوه من جانبها ليقذفوه عاليا ثم يتلقفوه وبعدها تحلقوا حوله بدائرة واسعة يرقصوا على الأنغام
و كانت رقصتهم الجماعية و خبطة أرجلهم بالأرض كأنها ريح عصفت بدقات قلبها وقلبه
لا أدري كيف مشيت إليّ وكيف مشيت إليكِ
دافئةٌ أنتِ كليلة حب ...
من يوم طرقت الباب عليّ ابتدأ العمر
كم صار رقيقاً قلبي حين تعلّم بين يديكِ
كم كان كبيراً حظّي حين عثرت يا عمري عليكِ
آه يا ناراً تجتاح كياني
يا فرحاً يطرد أحزاني
يا جسداً يقطع مثل السّيف ويضرب مثل البركان
يا وجهاً يعجّ مثل حقول الورد ويرفض لحني كحصاني
نزار قباني

ومع كل نغمة وجملة شعرت أن هارون بين أقرانه يشاغلها بنظراته ويخصها بحروف العشق التي تسمعها معه حتى رأت إمرأة كانت كحية تتلوى بفستان بني بخطوط سوداء كجلد النمر اقتربت بهدوء بخطوات راقصة لتدخل بين مجموعة الرجال الذين لم يمانعوا وجودها بينهم أو يستغربوه فأعطى الباسمة لمحة من ماضي هارون بين هؤلاء الأصدقاء الذين جاءوا ليحتفلوا بوقوع أشهر عازب بينهم في قفص الزواج ..
ذلك الماضي الذي إخترق مساحة الغيرة الشاسعة داخل الباسمة لتشعر ناحيتها بالخطر فتقف هي الأخرى مكانها لتجذب الأنظار لها ويقترب زوجها بتحفز وكأنه قرأ أفكارها الجريئة عندما بدأت النغمات تلحن بكلمات نزار
قولي لي كيف سأنقذ نفسي من أشواقي وأحزاني
قولي لي ماذا أفعل فيكِ .. أنا في حالة إدمان
قولي لي ما الحلّ فأشواقي وصلت لحدود الهذيان
قاتلتي ترقص حافية القدمين بمدخل شرياني ..
من أين أتيتِ وكيف أتيتِ
وكيف عصفتِ بوجداني
نزار قباني
لترفع رموشها التي غطت لمعان عينيها البنية للحظة فتجد هارون يداريها بجسدة العريض من بداية وقفتها التي اكتفت فيها بتحريك ذراعيها بنعومة دون تحريك جسدها لتغمز له بعينيها القاتلة
فيهمس لها : أنا في لهفة لرؤيتك ترقصيها لي كاملة في خلوة تجمعنا لكن لكِ وعدي أن أعلمكِ قبلها أولاً كيف تتلوي هكذا تحت أنظار الرجال يا زوجتي العزيزة...
وينتهي الحفل .....

أخيراً وصلوا لبيتهم الذي علقت عليه زينة من سلاسل المصابيح الصغيرة التي تطلق أنوار بألوان مبهجة ..
ساعدها بالترجل بفستانها الضخم من السيارة هامساً لها ضاحكاً : لا أدري كيف بجسدك الرقيق تحملي كل هذا الوزن ..
قابلت كلماته بابتسامة مهزوزة ثم وجدت والدها وعمها بانتظارهم بالشارع وسمعت التهاني والزغاريط من الجيران وهي بحضن أبيها الغالي التي تركته مرغمة عندما جذبها هارون منه بلطف لتتقدمه بالدخول من الباب الخارجي
ليقف هارون عابساً بغضب مكتوم عندما وجد أمه تركن بظهرها على جانب من الحائط تسد الباب وتضع ذراعها على الجانب المقابل في سلوك عفا عليه الزمن لتمر الباسمة من تحته فتكون حسب معتقداتها تحت طوعها
انتبهت احسان لفعلة اختها فبالمقارنة بين طول أختها القصير وطول الباسمة ستضطر العروس ان تنحني كثيراً حتى تمر وهي صورة سوف تتناقلها الألسن بكل جمع سيمر عليهم بالمستقبل فهي تعرف النسوة وثرثرتهم.... فجاءت من الخلف دون ان ينتبه لها أحد واخذتها بالحضن وهي تزيحها جانباً فيدخل هارون الذي لم يغفل عن ما حدث والباسمة الغافلة كليا عنهم وكل ما يدور بذهنها وعيد هارون لها بنهاية الحفل وهي توبخ نفسها بدل منه على صبيانية تصرفها
بينما علي كان يضحك ملئ فيه وهو يرى زوجته وأختها القصيرتان المكتنزتان يتصارعان خفية ليترائى للأعين التي تحيطهم أنهما بأحضان بعضهما للتهنئة لا لغير ...

كانت تتقدم هارون بفستانها وهو يحاول أن يساعدها تلكأت قليلا أمام شقة والدها ليحثها للصعود لشقتهم هامساً
: لا تقلقي بلمح البصر تكوني معه سواء كان بحاجتك أو لا ..
فنظرت له بدموع غشية عينيها وهمست تستنجد به :هارون
مد يده يمسح على خدها : عيوني
: هذه هي المرة الأولى التي أبعد فيها عنه ...
قاطعها هامساً بلطف وهو يضع يده على ظهرها يحثها على صعود السلالم
: هيا باسمتي أنا أسمع أصوات تتبعنا ..ثم من قال إننا سنبعد عن عمي حسن ..

استجابت لكلماته ودفعه الرقيق بيده على ظهرها لتجد نفسها بمساعدته بغرفة نومهم تنظر لنفسها للمرأة جالسه على المقعد الصغير ومن خلفها هارون يخلع سترته ورابطة العنق دون أن يحيد بعينيه عن تلك الباسمة التي خطفت قلبه اليوم بطلتها البهية ليتقدم منها ويمد يده يساعدها على رفع طرحتها الحريرية المشبوك بحجابها الأبيض حتى وجد شعرها الليلي بين يديه يحرره لتلتقي اعينهم للحظة فيهمس
: ما بكِ
حركت رأسها يمين ويسار : لا أعرف كأني بحلم
ظل يحرك أنامله بين حرير شعرها وبلطف: هل تريدي الاستيقاظ منه
نظرت لعمق عينيه وبثقتها التي تبهره : أبداً ..أبداً يا هارون
ووقفت برشاقة تحسد عليها داخل فستانها الثقيل والتفتت تكاد تصل لذقنه بحذائها ذو الكعب العالي وهي تحرك يديها بلغة الاشارة مع كلماتها الواضحة
: أنت أكثر من مجرد حلم يا ابن عمي ..لكن هل أكون بالنسبة لك كذلك و من فضلك كن صريح معي الأن حتى لا أرتفع بسقف طموحاتي فاحلم بحبك مثلاً

ابتسم بثقة: أنه أمر بيدك وحدك
:كيف
: الزوجة بيدها ان تكون مجرد شيء أو كل شيء
عبست بعينيها مفكرة ولكنها حركت رأسها بعدم فهم
فضحك وبصوت اجش اقترب منها : قد تكون زوجة فقط أو كل شيء كأن تكون صديقة عشيقة معشوقة وزوجة ....
لمس ثغرها برفق : هل فهمتِ

: وأنت ما دورك
إلتف من وراء ظهرها يبدأ بحل خيوط الفستان الصعبة
:دوري التركيز بتلقي كل هذه العطايا التي تمنحيني إياها محللاً شفرتها
: وبعدها
قبلها من عنقها الظاهر ليصيبها الخجل فتحاول البعد فيمنعها هامساً : بعدها يكون حل الشفرة إما صدق حبك أو كذب إدعائك

دارت لتواجهه بقوة وإصرار فهي ليست غافلة عن محاولاته الهروب من منحها وعده بالحب
: ما مشكلتك
تنهد رافعاً يديه بقلة حيلة ثم وضعهما يجيبي بنطاله
: بل ما مشكلتك انت يا ابنة عمي كما كنتِ عقلانية وأردتِ زوجاً أنا أيضا أردت زوجة وفكرت مثلكِ وحسمت أمري ووجدتك أكثر من ملائمة لي ..
غابت ابتسامتها مع تصريحه البارد أمام أعين هارون الذي تنهد بتعب
: باسمة لماذا نتحدث بهذا الموضوع الأن ألا تري أن الزواج التقليدي نجح مع والديك ووالداي .. فإذن هناك أمل لنا
ثم همس بتردد واضح
: لا أنكر أني اكتشفت.. أني أكن لكِ بعض المشاعر إذا كان هذا ما تبحثي عنه إلا إننا نحتاج لبعض الوقت
: لما
: لتفهميني
اقترب مرة أخرى منها يختصر القلق الذي أصابهما وهو يمرر بأنامله يفك عقدة جبينها ثم يمررها على ثغرها يحثها على الابتسام ويتابع
: ولكي أفهمك ولكي استطيع دائما الحفاظ على ابتسامتك وهذا هو وعدي لكِ
لم تفهم ..حاولت ولم تفهم ... ابن عمها وهو يحاول أن يكون واثق ومسيطر وأيضاً الرجل القوي نجح فقط بأن يجعلها تلمس قلقه ..هل يمكن أن يكون خائف من فشل تجربتهم كما فشل سابقاً وهل الرجل مثل المرأة يخشى تعدد مرات الفشل ..لما لا .. قد يكون هذا ما يريده منها فهمه واحتواء قلقه وأيضاً بذل مجهود اكبر لإنجاح زواجهم
ابتسمت برقة لما توصلت له وأمسكت طرفي فستانها الذي حل هارون شرائطه جزئياً
: امنحني وقت أريد أن أتوضأ لتؤمني بصلاة العشاء ومن بعدها ركعتي سنة الزواج
ضيق بين عينيه بتفكير من تبدل حالها فجأة بعد صمتها المفكر وهو يشير لها بذهول : بفستانك
ضحكت وهي تجر الفستان : حلم أخر من أحلامي تحققه لي
ضحك هارون عاليا : وبعدها
هتفت وهي تغلق باب الحمام : سنرى يا ابن عمي
همس وهو يمنحها الوقت ويبدأ بابدال ملابسه ضاحكاً : فعلاً سنرى يا باسمتي ..قد يكون عدم صلاتي في زواجي الأول هو سبب فشله
عبس بوجهه : ما الذي أقوله فهذه النجلاء كان لن يستقيم معها الأمر حتى لو حجيت لبيت الله ...
تتمطى بكسل وهي تشعر بدفء غريب يحاوطها ليس دفء غطاء محكم ولكنه دفء له رائحة تحبها بل تعشقها رائحة هارون ..
وعندها فتحت عينيها على وسعهما وانتفضت أو حاولت فهارون كان يحاوطها بيده نظرت لوجهه بالبداية بحذر ثم استرخت بهدوء وابتسمت و نظرت لسقف الغرفة..
تتذكر كل ما مر بها باليوم السابق فابتسمت عندما رأت نظرة الاعجاب بعينيه عندما شاهدها تخرج من صالون التجميل .. ثم عبست عندما تذكرت فستان عرسها الذي تعلقه بخزانتها الأن قلقاً من رد فعل هارون عندما يعلم بشرائها له ..ثم عادت وابتسمت عندما تذكرته وهو يُقذف لأعلى ثم تتلقفه يد اصدقائه ثم عاد العبوس لها عندما تذكرت تلك القزمة التي كانت ترقص معه ... وأصبحت الراحة بخبر كان عندما فكرت بكم العراقيل التي ستقابلها لنيل قلب ابن عمها فلازالت تلك الرنات المزعجة تأتيه حتى وإن كان يتجنب الإجابة عليها وهي معه ولكنه لا يبتر طريق الشيطان معهم ...
كان تقلب مشاعرها تحت أنظار هارون المراقبة فانتفاضتها من البداية ايقظته ..تخيله أنها كانت تريد زواج مؤقت أو صوري ترضي به عمه جعله على صفيح ساخن لا يدري سببه ولكن الذي هو واثق منه ان ابنة عمة اختيار رائع بكل المقاييس ...
على الأقل تخلص من رغبة أمه بتزويجه ليلى ..عندها ابتسم هارون ..ثم مال بجذعه ليقابل أعين الباسمة التي قرأت حركة شفتية بخجل أحمرت له خديها : صباح مبارك بسمتي الخجولة
ثم أمسك يديها التي امتدت ناحية الطاولة الجانبية تسحب منها سماعة الأذن خاصتها وأخذها هو ووضعها لها برفق
: أريدك ان تعلميني لغة الاشارة
عقدت بين حاجبيها بابتسامة : لماذا
: لأني أريد أن أفهمك عندما تكوني متوترة فلا تحتاجي أن تترجمي ما يدور برأسك من أفكار
:أنا لا ...
يقاطعها : بل نعم أنتِ عندما تتوتري تنسي لغة الكلام فتتحدثي بطلاقة بلغة الإشارة
هل هي صعبة
كان يحدثها وهو يمرر انامله بخفة على وجهها ويستقر على شفتيها فيرسمهما ببطئ وتصاب هي بنسيان لغة الكلام
يقبلها بهدوء ثم يهمس : هل ستعلميني باسمتي
تفيق على همساته لترد له بإشارة من رأسها بنعم ..
ويفيقا الاثنان على دقات قوية على الباب من اعتماد ثم ندائها الصاخب على هارون
فبعد هارون عنها ونام على ظهره واضعاً ذراعه على عينه
فهمست : أمك
ضحك هارون بتنهيدة وأبعد ذراعه عن عينيه يتابعها بنظراته : نعم أمي ..نسيت أن أخبرها أن لا توقظنا ..كان لابد أن أنبه عليها
وقفت الباسمة وارتدت روب على قميص النوم الأبيض ..ونظرت له بحيرة وقلق لمس قلبه
فتنهد هاتفاً وهو يجلس على طرف الفراش أمامها : أريد ان أطلب منكِ شيء واعتبريه رجاء
: تفضل
: لا تحزني من تصرفات أمي حاولي أن تعطيها العذر بكل مرة تخطئ بالتدخل بحياتنا وأوعدك أن لا أنفذ إلا ما نتفق عليه أنا وأنتِ ..ولكنه سيكون من المريح لنا أن تقول هي ما تحبه ونفعل نحن ما يريحنا وتأكدي إنها لن تعاتبنا بمخالفتنا رأيها لكنها تحب إبداء رأيها معظم الوقت أنا أعرف أمي جيداً قلبها طيب ولا تقصد الأذى
تقاطعه الباسمة : وتحبك وتغيير عليك
وقف هارون هو الأخر أمامها واضعاً يديه على كتفيها محدثها بجدية
: ما يهمني أن تعلمي جيداً أني لن استطيع أن أكون السبب بحزنها ومن واجبك كزوجة حثي على البر بها هل أطلب الكثير ... وهل ستكون هذه نقطة خلاف بيننا مستقبلاً ..
: لا ..لكني أحتاج وعدك أن تكون عادل بيننا عند أي خلاف
نظر لها بتمعن قليلاً بتفكير عميق : أعدك أن أكون عادلاً بقدر المستطاع لكنك بالمقابل لا تضعيني في موقف الحكم بينكم وحاولي أن تضعي نفسك مكاني ..هل كلامي مفهوم لكِ

أشارت له بنعم بوجوم وتركته لتجهز نفسها لاستقبال حماتها لا تريد أن تفتعل مشكلة لهم بأول يوم زواج ولكنها متوجسة خيفة من مستقبل علاقتها بهارون بوجود تدخلات من أمه
بينما خرج هو لفتح الباب لأمه وهو يفكر أن الباسمة غابت ابتسامتها بالرغم من وعده الذي أطلقه لها أن يحافظ عليها بالأمس القريب فقط ...

كانت جلسة لطيفة تخللها بعض الأسئلة المحرجة من خالتها اعتماد ولكن هارون كان يتدخل بمهارة لإلهاءها ..
أحضرت معها صينية كبيرة بها فطور العرسان كما يطلق عليه وكانت معها أختها إحسان التي كانت هي الأخرى مرحة معهم وهي تحاول التخفيف من كلمات اعتماد اللاذعة
كانت تقدم لهم عصير وبعض الحلويات وكادت تسقطهم من يديها عندما سمعت اعتماد تهتف: إحضرِ فستان العرس كي أعيده ونسترد نقود التأمين
رد هارون : أي نقود تأمين لم أدفع سوى سعر التأجير
ثم نظر للباسمة : هل دفعتِ شيء ولم تخبريني
كان ظاهر عليها التوتر الشديد عندما أجابته وهي تشير له بلغة الإشارة : لا لا
نظر لها قليلاً وهو يحرك يده على ذقنه لم يغب عليه قلقها الواضح فلم يرد إحراجها أمام أمه وخالته فهتف : لا داعي يا أمي سأعيده أنا بنفسي لا نريد أن نرهقك
أدارت عينيها بين الباسمة وابنها واستشعرت القلق : وما الذي سيرهقني سأذهب أنا وخالتك ونعود سريعاً
وقفت إحسان ممسكةً بيد أختها لتقف هي الأخرى : بل سَتُرهقي ونحن لدينا أعمال كثيرة هل نسيتي الحلويات التي سنوزعها على الأقارب والجيران بمناسبة العرس هيا لنذهب لعملنا ونتركهم ليتناولوا الإفطار
ثم قبلت هارون ومن بعده الباسمة وهي تربت بيدها الحانية على ظهرها
: إذا إحتجتِ شيئ من خالتك العجوز لا تترددي بطلبه
قبلتها الباسمة بتقدير لتلك السيدة التي لم تغفل عن يتمها
: أشكرك خالتي
وخرجتا تاركين هارون الذي ظل بمكانه واضعاً ساق على الأخرى مريحاً ظهره للخلف وعاقداً ذراعيه على صدره والباسمة تقف أمامه بذنبها الصغير تهرب بعينيها منه
: فسري
دارت على عقبيها هاربة من المواجهة لغرفتهم ترتدي حجابها هاتفة
: أبي لابد ان يكون استيقظ سأذهب لاطمئن عليه
تبعها وقد تأكد من إخفاءها أمراً وسحب من يديها حجابها الحريري
: ما الأمر ..لا أحبذ أن أفكر إنكِ ستبدأي حياتنا الزوجية بإخفاء أمر ما عني
نظرت للأرض بذنب وهي تمط شفتيها بطفولية متأوهة : لا ..أرجوك
مد يده بلطف يرفع وجهها لتنظر له وبابتسامه : صارحيني إذن
رفعت يديها تشير له بلغة الاشارة وهي تتلكئ بالحروف : عندما رأيته وقعت بغرامه ..فستاني الحلم ..دائماً ما كنت أحلم بفستان زفافي بتلك الصورة الملكية ..كنت أوعد نفسي بالحصول عليه والاحتفاظ به كي أرتديه كل عام بذكرى زواجي ثم امنحه لابنتي لترتديه بفرحها ...
ضيق بين عينيه وهو يقترب منها محركاً رأسه بعدم فهم : وكيف يحدث ذلك ونحن سنعيده للمتجر
أغمضت عينيها بتوتر : اشتريته
لم يحب توترها معه يحب انطلاقها.. وثقتها تمنحه القوة.. ولكن الأن كان أمام ضعف أنثوي لذيذ يموت شوقاً لإحتوائه و لهفةً لتحقيق أحلامها الصغيرة البريئة فابتسم بخبث لعينيها المغمضة واحتوى جسدها بيده اليسار لاصقاً إياها بصدره بينما يده الأخرى صفعتها من الخلف جالباً شهقة ذهولاً لفعلته بعد أن كانت تعتقد إنه يحتويها متنازلاً عن غضبه من كذبتها البريئة وهو يهمس بجانب أذنها التي تحمل وسيلتها للسمع
:تلك واحدة حتى لا تكذبي مرة أخرى ونقود الفستان ستكون عندك غداً
ثم صفعها أقوى جالباً شهقة ألم خفيف وخجل من تصرفاته وهتاف باسمه: هارون توقف ..
:تلك الثانية لتجرؤك أمس ورقصك أمام الناس أم أعتقدتي إنني نسيت ..
ثم رفع يده : أما تلك فهي وعدي لكِ بيوم ضربتني بغرفتك هل تتذكري..
أفلتت يدها التي كانت مقيدة بينها وبين صدره وأمسكت يده قبل أن يصفعها الثالثة وأغرقت وجهها الأحمر بصدرة هامسة بتدلل
: أعتذر عن أفعالي وأطلب السماح
وضع أنفه بين خصلات شعرها يشتم عبيره هامساً : جميل .. عليكِ إذن التكفير عن خطأكِ بالقبول بشرطي
ظلت بحضنه الدافيء مهمهمةً : وما هو
أجابها بصوت أجش : الرقص لي على أنغام نفس الأغنية
ظلت بحضنه قليلاً تحرك وجهها على صدرة تتنعم به ثم فجأة خطفت حجابها وهرولت للخارج على أنغام ضحكاته وهو يهتف
: سأظل أطالبك بشرطي للعفو عنك
هتفت من خارج الغرفة : ستنتظر كثيراً ..

اطلا على أبيها الذي كان يراقب فرحتها بعينين دامعة وخاصة عندما كان يشاهد هارون كل حين يهامسها أو يمسك يدها ويحبسها بيده فترة طويلة حتى تختطفها بغفلة منه وتحبسها بحضنها فيضحك هارون ويعود ويشدها بحضن يده مرة أخرى..
ثم تركاه عندما تأكدا من جنوحه للراحة وصعدا لشقتهما تعد له الإفطار الذي تركاه حتى يطمئنا على الغالي ..

بنظرة عابثة يراقبها عندما رأها تضع البسكويت بالحليب الساخن وتلتقطها بشفايفها سريعاً قبل أن تسقط كان يحرك لسانه بتلقائية معها ويبلع ريقه وهو يقاوم أن يرفع يده ..بل بالحقيقة فمه ليلمس فمها عوضاً عن يدها التي تحركها بنعومة فوق ثغرها الباسم ..
إذا كنت وصفتها قبلا ناعمة فهي الأن لينة مثل البسكويته المسكينة التي لمست الحليب ..
رفعت عينيها صوبه لتهاجمها قشعريرة نتيجة مراقبته لها أصابتها بالخجل فتركت ما بيدها هامسة : ماذا
ينتبه هارون لها ضاحكاً : كما أنتِ من صغرك تعشقي وضع البسكويت بالحليب وأكله لم تتغيري أبداً يا ابنة عمي ..
: و كأنك لم تفعلها في الماضي ..
هارون بتنهيدة باسماً: بل فعلتها كثيراً ولكن نسيتها كما نسيت أشياء عديدة كنت أفعلها ..
ثم نظر لها بنظرة ذئب جائع : سعيد أن استعيدها معكِ
أحمر خديها خجلا من تصريحه وهي تزيح طبق البسكويت ناحيته ثم تصب كوب حليب ساخن وتضعه أمامه : تفضل
اقترب برأسه منها وهو يكاد يلامسها وهمس : أفضلها عزيزتي من يدك كبداية ..هيا أطعميني ....

نهاية الفصل التاسع


=================================






معلومة للفائدة ..

اليتيم شرعاً هو: من مات عنه أبوه وهو صغير لم يبلغ الحلم، ويستمر وصفه باليتم حتى يبلغ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يُتْمَ بعد احتلام" رواه أبو داود، وصححه الألباني





لا تجعلوا القراءة تلهيكم عن الصلاة
لا أبيح ولا أحلل نقل الباسمة دون الرجوع لي
اللهم بلغت اللهم فاشهد

روتيلا 08-05-18 02:13 PM

رد: الباسمة
 



بُعد المسافات لا يرهبني كما يرهبني اختفاء لغة الحوار...
متى اختفى الهمس . .
متى اختفى البوح بما بالقلب...
متى اختفى كلام الأعين..
أعلم حينها أن المسافة بيني وبينك
هي المسافة التي لم أكن أتخيل يوماً أني سأقطعها بعيداً عنك
حبيبي .. بعد المسافات لا يرهبني
فما يرهبني بُعد تهامس القلوب بمكنون الصدور
فلا تبعدني أرجوك ...

R.H.




الفصل العاشر

ثلاثة أيام تتفنن اعتماد بالحول دون بقاء الباسمة بشقتها بالنهار بحجة استقبال المهنئين... كلما صعدت شقتها تنادي عليها حتى تكون باستقبال شخص ما ولو طفلاً جاء ليأخذ من حلوى العرس ..
كاد هارون يجن لكنه وجد الحل ..
: أخيراً
قالها عندما وجدها تدلف لحجرة المعيشة بشقتهم بإرهاق واضح
: إلحقي بي
لحقته لغرفة النوم وهي ترفع حجابها : ما الأمر
ظلت مكانها تراقبه بذهول وهو يضع حقيبة ملابس صغيرة فوق الفراش ويتنقل بين خزانته والحقيبة ينقل بها بعض ملابسه بنظام شديد يشتهر به
هتفت بحزن : هل انتهت عطلتك ..هل جاءك طلب استدعاء
اقترب منها مبتسماً وأخذ وجهها بين كفيه بحنية
: لا لم تنتهي عطلتي ..بل بدأت باسمتي ..سنهرب
ضحكت بتوتر : كيف وإلى أين
قبلها على وجنتيها : الاسكندرية
ثم واصل عمله : هيا ساعديني وإحضري ملابسك
: في هذا البرد
أخذها من يدها و قربها من خزانتها وهو خلفها يهمس بإغواء : وهل تحلى الاسكندرية إلا بالبرد ..شهر عسل نختصره لظروف عملي إلى أسبوع عسل ما رأيك
نظرت لوجهه من فوق كتفها : لن نستطيع.. ستحزن خالتي
أدارها ورفع رأسها لتواجه الإصرار بعينيه : بل نستطيع ..سنبحث بنفسنا على ما يريحنا ..لقد قابلنا طوال الثلاثة الأيام السابقة بشر لم أراهم منذ عزاء جدتي صباح ..
ضحكت هامسه : خالتي اعتماد تدعوهم للتعرف علي
: أعلم ..واشكر لكِ تفهمك وكما قلت لكِ سابقاً سنبحث عن سعادتنا دون جرحها
:ولكن
ضحك يقاطعها وهو يرفع يديها ناحية الأرفف : لا لكن أرجوكِ ... زوجك مل ..انظري أصبحنا قرب الفجر ولا زلنا نتحدث بأمر مفروغ منه أنتِ الأن زوجتي و واجب عليكِ طاعتي
و أبدلي ملابسك بشئ مناسب للسفر ولا تنسي إحضار معطف ثقيل
: سنسافر الأن أليس الأفضل انتظار الصباح كي نخبرهم أيضاً
توجه لخزانته وبدأ في تحضير ملابسه التي سيرتديها : نعم الأن فأنا أحب السفر بالليل كما إننا بتلك الطريقة نتجنب لحظات الوداع مع أمي ونضعها أمام الأمر الواقع .. ونجعلها تفاجئ بسفرنا ما رأيك
نظرت للأرض وبإحباط : لا استطيع السفر دون إخبار أبي
رفع رأسها بلطف وهو يمرر أنامله على جبينها يفك عقدته بعادة أصبحت تلازمه معها : باسمتي وهل استطيع أن أقرر السفر دون إخباره
هتفت سعيدة : صحيح
: نعم بالتأكيد .. .. و هيا يا ابنة عمي كوني جريئة
.....
هل كل هذه السعادة من نصيبها ..هل أخيراً وجدت نفسها بجانب فارس أحلامها وهي تضحك على حكاياته ومقالبه المرحة مع أقرانه ..لا تستطيع سوى أن تردد الحمدلله كل دقيقة ..
ساد صمت بالسيارة فترة قطعته الباسمة بمرح : هل تلعب معي
ضحك هارون وهو ينظر لها بطرف عينه ثم يعود وينتبه للطريق : الأن
: نعم لعبة بسيطة
ثم مدت يدها على مذياع السيارة وقالت : سأدير المذياع والأغنية التي ستنطلق منه ستكون إهداء مني لك و أنت بعدها تفعل المثل ما رأيك
ابتسم لها بحب : موافق
وأدارته وكأن الدنيا تزيدها فرح لتجد النغمات تلحن حبها لهارون وتختصر أمالها وأحلامها معه

هذه الدنيا كتاب أنت فيه الفكر
هذه الدنيا ليال أنت فيها العمر
هذه الدنيا عيون أنت فيها البصر
هذه الدنيا سماء أنت فيها القمر
فإرحم القلب الذي يصبو إليك
فغداً تملكه بين يديك
وغداً تأتلق الجنة أنهاراً وظلاّ
وغداً ننسى فلا نأسى على ماضٍ تولّى
وغداً نسهو فلا نعرف للغيب محلا
وغداً للحاضر الزاهر نحيا ليس إلا
قد يكون الغيب حلواً ..
إنما الحاضر أحلى..

كان يستمع للكلمات وكأنها رسالة تطرق قلبه ..يلمحها تومئ برأسها على كل كلمة وبشفتيها ابتسامة لولا طريق السفر كان وقف يلتهم حروفها..تثير جنونه بأفكارها لا تدع لحظة صمت تطول بينهما تملئ قلبه وفراغ وقته بالكلمات أو الابتسام ... دائماً وجهها راضي باسم تملئ الصدر محبة ..
أيام قليلة باتت فيه زوجته وأيام قليلة أيقن الفرق ....وهل هناك مقارنة يا هارون
وصلت رسالتها دون أن تحتاج لحروف تنطقها ... وأنا بالمقابل شعرت بتقبل رسالتها..بل شعرت بقلبي يرقص فرحاً من إحساسه بحبها له
توقفت النغمات فابتسم لها
: الأن حان دوري
ضحكت الباسمة بحب : نعم أريني إهداءك ...
وامتلئت السيارة بالصخب وهو يحاول غلق المذياع بينما هي بمرح تبعد يده فيوقف السيارة جانباً وعلى أنغام الأغنية يحاوطها ويوقف ضحكتها مرتشفها ومحتفظ بها بصدره عندما قبلها بشوق
ابتعد واضعاً جبينه على جبينها يلهث من روعة لحظة الحب بينهما
: كدت أجن إن لم أفعل ذلك
تراجعت مخطوفة الأنفاس مشتعلة الوجه تنظر لنجوم السماء من نافذتها المغلقة وهو يدير السيارة لينطلق في طريقه
ضاحكاً للموقف وعلى كلمات الأغنية التي لازالت تصدح بالسيارة

بطلوا ده واسمعوا ده ياما لسه نشوف وياما
الغراب يا وقعة سودة جوزوه أحلى يمامة
هى كانت فين عنيك يا يمامة
لما دورت بإديك ع الندامة
الصدامة.. اللمامة
انت عاجبك فيه جنانه
ولا لخبطته فى كيانه ... ولا تعويجة سنانه
اترك البلبل يا خيبة للقيافة
هي دي مش تبقي عيبة عالظرافة
اللطافة الخفافة
كل ده يطلع عشانه
اللي لو خبا في ودانه جوز أرانب لم يبانوا
.. بطلوا ده واسمعوا ده

أسبوع عسل بل أسبوع حب انطلقوا بالنهار برحلات لمعالم الأسكندرية تنتهي بوجبة الغداء دوماً عند الشاطئ وبالمساء انطلقوا برحلات البوح بما في الصدور والإحتواء والتفهم لمشاعر كل منهما للأخر ..
ودوماً يطالبها بتعليمه لغة الإشارة التي لم تشعر أنها بحاجة لها أبداً طوال فترة وجودهم فأين التوتر عندما نكون بحضن من نحب وحمايته وتفهمه ...
وأين القلق بينما قلبها يرقص فرحاً بقرب حبيبه ودفئه ...
ويكلل كل ذلك تاج الراحة استمرار والدها بتلقي العلاج والاستجابه له بصورة كبيرة..
وباليوم السادس بينما كانت نائمة بحضن حبيبها هانئة مطمئنة انتفضت من نومها وهمست بارتياع : أبي ..إنه صوت أبي ..
أشعل هارون الضوء بجانبه وهو يمسح على وجهها الغارق بالعرق يحاول إفاقتها : باسمة .. باسمة أفيقي هيا
فتحت عينيها بتشوش تنظر لشفتيه تتكلم فمدت يدها للطاولة متناولة سماعتها وهي تقف بعجالة وهي تكاد تسقط أرضاً من استعجالها : إنه أبي يا هارون أبي يناديني هيا
وقف يحاوطها وهو يحاول أن يجلسها ويهدئ من خوفها : كنا معه على الهاتف قبل النوم وكان بخير ..ماذا حدث
بكت بحضنه وهي تردد : لقد حلمت به يناديني ..أرجوك هيا لنسافر له ..أرجوك
: حبيبتي هو بخير لماذا التشاؤم ثم قلقك عليه هو ما يجعلك تحلمي بتلك الأحلام ..استغفري
: استغفر الله العظيم ..
ثم نظرت له برجاء : هيا لنسافر ألم تخبرني أنك تحب السفر بالليل ..
حملها برقه وأجلسها بحضنه : نعم حبيبتي ..لكن ألم تنتبهي لصوت الرياح والمطر بالخارج هل تريدِ السفر بهذه الأجواء
سمعت صوت الرياح الشديد بالخارج فهزت رأسها بلا : هل سنسافر بالنهار
: نعم
استقامت وعادت للفراش وساعدها هو للإستلقاء ودثرها جيداً
: هل ستعودين للنوم مجدداً
: نعم
جاورها وهو يأخذها بحضنه :هل أنت متأكدة
غرقت بوجهها بدفء صدره : نعم
كان يمرر يديه برقة على شعرها يهدهدها : لما
همست بنعاس :حتى يأتي باكر سريعاً
.....
عادت ملهوفة على والدها بالرغم من اتصالها الذي بدأت به يومها معه وإطمئنانها عليه ..
احترم هارون صمتها وتوترها بل شعر بالقلق يصيب قلبه هو الأخر واتصل بوالده الذي اكد له أن عمه بخير ..
استقبال أمه كان بصورة مثالية بكاء لم يصدمه وعيون حمراء ورابطة معقودة على مقدمة رأسها وجلبابها الأسود الحزين وأحضان كأنه كان بحرب ونظرات مؤنبة للباسمة كأنها هي صاحبة الفكرة التي بالمقابل لم تمهلها أكثر من سلام وهرولت على والدها حتى اشعرته بالوحدة بدونها عندما عوضت غياب الأسبوع بالبقاء مع والدها طوال اليوم ..تنظف وتغسل وتعد غذاء صحي تراعيه وتدلله ...
وأصبح هذا روتينها مضاف إليه تنظيف شقتها و كل ما يخص هارون ومساعدة حماتها التي رفعت يديها جزئياً تاركة أمر المنزل بيد الباسمة التي كانت لازالت بعطلتها بينما عاد هارون لعمله ...
ويمر الشهر الأول يليه الشهر الثاني وتزداد الباسمة إرهاقاً بالبيت التي أصبحت تحمله بكل تفاصيله على عاتقها خفية عن هارون الذي يعود مساءًا ولا يعلم ما يدورمع زوجته فكل ما يراه هدوء من أمه و دعوات له وهدوء أكثر من الباسمة التي يعود لها ليلاً ليجدها بكامل بهاءها مجنبة إياه تسلط أمه ومشاكلها كما وعدته طالماً هي سعيدة مع زوجها فلما تجعله يعود من مشاكله بالعمل ليجد مشاكل تافه في المنزل ولكنها تنغص حياة أي زوج فتجعله يهرب من بيته إبتعاداً عن الخوض فيها ..
هل فعلتِ الصواب يا باسمة ...
انتهاء عطلتها كان البارحة ..جهزت نفسها وسبقت هارون لشقة والدها أولاً ثم عمها ترتب إحتياجات والدها ليتولى عمها رعايته بغيابها..
على أن تتولى حماتها تفاصيل حياتهم اليومية كما مضى وصرحت لهم ..
بمجرد أن انتهت وجدت حماتها تعقد ذراعيها على صدرها وتقف أمامها تمنعها من المرور لخارج الشقة
: إلى أين
: إلى عملي.. انتهت عطلتي
: ولماذا لم تخبريني البارحة
: لم أكن أعلم إنكِ لا تعرفي أعتقد أني أخبرتكم بمدة العطلة من البداية
مطت اعتماد شفتيها : نسيت ..أليس من المفترض أن تخبريني بتحركاتك أول بأول
: ولكن هارون يعرف
أشارت إعتماد بسبابتها على نفسها : أنا قبل هارون ..كل ما يدور بهذا البيت لابد وان أخذ به خبر قبل حدوثه هل تفهمِ
هل يجب أن أرد عليها بنعم أفهم فيكون إقرار بموافقتي على تسلطها...
أم لا فيكون إقرار بغبائي فوقفت بدون إبداء أي رد فعل لأغمض عيني وأنا أكتم غيظي عندما سمعتها
: هل انتِ غبية أم تدعي الغباء أمامي ..
ثم ضاقت بعينيها مقربة من أذن الباسمة : هل تسمعيني
تراجعت الباسمة للخلف تخفي ضيقها وبهدوء : اسمعك خالتي
: الأن ماذا نفعل
: بماذا خالتي
وقفت تفتح يدها أمام الباسمة : أريد أن أحادث رباب على الحاسوب ..هاتي مفتاح شقة ابني
أمر أخر تريده إعتماد ولن ترتاح إلا لو حصلت عليه مفتاح شقة ابنها
وقفت أمامها الباسمة تفتح فمها بذهول مرددة لنفسها عن أي مفتاح تريد الحصول عليه
فهتفت بهدوء كاتمة غيظها
: وهل تعرفِ كيفية تشغيل الحاسوب والاتصال برباب
: الأن ترديها لي وتنعتيني بالغباء
ثم تراجعت للخلف وهي تبكي...
ستموت قهراً لو لم تحصل على هذا المفتاح وكأن حياتها معلقة به
دخل هارون على أخر جملة لأمه فعقدت الباسمة ذراعيها بانتظار ما سيفضي إليه المشهد الدرامي لخالتها
نقل بنظره بينهم وهو يضيق بعينه : ماذا يحدث
: تعال يا هارون اسمع زوجتك وهي تنعتني بالغباء
أحمر وجه هارون بضيق وهو يتنظر من الباسمة تفسير لما تقوله أمه فهو ليس غبي ليعتقد أن الباسمة قد تقول ذلك وتقف بهذا الهدوء أمامه ..
ولكنها ظلت بوضعها ولم تعقب لتجن اعتماد من هدوءها فتبكي وهي تحكي لهارون احتياجها للحديث مع أخته المغتربة
: أريد الاطمئنان على أختك أموت يا هارون إن مر اليوم دون أن أحادثها وخاصة وانها تكون بمفردها بالنهار بينما زوجها بالعمل ..هل أجرمت عندما طلبت من بسمة تعطيني مفتاح شقتك كي أحادثها ..أجبني بني هل أجرمت
واستمرت ببكاءها بينما يجلس هارون بجانبها أخذاً إياها بحضنه وهو يحاول تهدئتها
: أمي أرجوكي إهدئي لا اريد ان يرتفع ضغطك من الصباح ثم أن الأمر بسيط لا داعي لكل هذا الحزن ..
ثم نظر للباسمة : أليس كذلك
أشارت له الباسمة بنعم فاعتقد موافقتها الضمنية للموضوع بينما هي وافقته فقط على تفاهة الأمر
: انظري حتى الباسمة لا تعترض ..
رفعت اعتماد راسها هاتفة بفرح وهي تمسح دموعها : صحيح ..أين المفتاح
الباسمة بهدوء تعيد عليها السؤال السابق : وكيف ستقومي بتشغيله
اعتماد برفعة حاجب : كنت سأجعل ليلى تأتي وتساعدني بالإتصال بها
ردت الباسمة بسخرية : بشقتي ..ستدعي ليلى بشقتي وأكيد صديقاتك وقريباتك المقربين ..هل تعتقدِ إنني سأوافق بتحويل شقتي لنادي للتواصل
هارون انتفض غضباً أمام الباسمة وهو ينطق بتمهل هامساً بنبرةٍ لا تخلو من الحدة : أمي لا تطلب مرتين ..هل فهمتي .. هل هذا ما اتفقنا عليه
نطقت هامسة : وهل هذا ما وعدتني به أن تكون حكم عادل
اقترب منها جازاً على أسنانه هامساً : هل تعتقدي إنها ستحضر صديقاتها لشقتنا كما برعتي بالقول ووضحتِ ..
نطقت بتمهل وهي لازالت عاقدة ذراعيها بصوت تسمعه اعتماد قصداً : أنا أحافظ على خصوصية حياتي
يسمع هارون شهقة أمه على كلام الباسمة وبكائها المتزايد وهي تردد : لا أريد يا هارون دعها سأذهب لأختي وأحادث ابنتي من هناك أمام كل الناس حتى لا تستطيع حبيبتي البوح بما يقلقها ..مسكينة يا رباب... وحيدة يا رباب
: هل أنتِ راضية الأن ثم ما الذي سيجرح خصوصياتك هل تتصوري أن أمي ستفتش أو تتلصص على خزائنك
ظل منتظر منها إجابة أو رد فعل ولكنها ظلت بوقفتها وصمتها المغيظ فاستقام واضعاً يديه بجيب بنطاله وبإشارة أمرة من رأسه وبكلمات أكثر أمراً : مفتاحك إمنحيه لأمي
فأشارت برأسها بلا
فضيق هارون بين عينيه هامساً لها : كما تريدين لكن كنت انتظر أن تكوني أكثر تفهماً وتساعدي على تمرير أمر تافه مثل هذا
أخرج من جيبه سلسلة مفاتيحه الخاصة وأخرج منها مفتاح شقته وسلمه لأمه
: مالي هو مالك يا أمي بل تزيديه بدعواتك الطيبة .. واعتبري شقتي من اليوم شقتك تدخليها بأي وقت ودون حتى استئذان
ثم وجه حديثة للباسمة بهدوء: هيا حتى أوصلك للمدرسة بطريقي ..
وضعت الباسمة حقيبتها على كتفها وتحدثت ببرود : وهل لا زال طريقنا واحد يا ابن عمي
أمسكها من عضدها بقسوة وحثها للسير معه بإصرار : دوماً سيظل طريقنا واحد يا ابنة عمي
ساد الصمت بالسيارة حاول الحديث معها بلطف كي يخفف من حدة الموقف الذي لازال يرى انه لا يستدعي كل هذا الغضب فما المشكلة أن تحصل أمه على مفتاح شقته ولكنها لم تتجاوب معه بل رأها ترفع سماعة الأذن وتضعها بحقيبتها في تقرير برفض أي حوار معه وأراحت رأسها للخلف وعينيها على الزجاج المغلق الذي يعكس صورة حبيبها فتملئ عينيها برؤيته وقلبها بقربه ليصبرها على حزنها من موقفه المتخاذل من وجهة نظرها...
وهل كل ما تحتاجه ليحكم بينهم بالعدل سيكون هذا مسلكه يقف مع أمه حتى ولو ظالمة ..
هل هذا هو العدل من وجهة نظره ..
وقف بالسيارة بانتظار الضوء الأخضر ليسمح له بالمرور فسحب حقيبتها وأخرج منها سماعة الأذن ووضعها بيدها حتى ترتديها فوضعتها وانتظرت حديثه الذي سيكون بالتأكيد عن أمه والتي حاولت تأخيره حتى لا يتحدثان وهما غاضبان ولكنها وجدته يتنحنح باحراج وكأنه لا يدري كيف يحادثها
: كنت صغير عندما كان والدي يسافر ويتركني مع أمي تحارب وحدتها وقسوة جدتي صباح ..
وسائل الإتصال لم تكن سريعة مثل الأن وكان والدي يكتفي بمكالمة واحدة شهرية تستولي على معظمها جدتي بينما والدتي كانت تقتنص منها دقيقة أو اثنتين ..
لا انسى عندما كان يموت لها ابن بعد ولادته فتظل أكثر من شهر ليعرف أبي بمصابها وإن مصاعب حملها الذي مرت بها لم يعيشها وإن ولادتها الصعبة لم يقف معها فيها وأنها بالنهاية دفنت قطعة من قلبها دون أن يعرف بنفس اللحظة ليساندها ويخفف حزنها ..
أصيبت بتسمم الحمل نتيجة ارتفاع ضغطها بحمل رباب وحذرها الطبيب من إعادة تجربة الحمل والولادة ما دامت لا تستطيع الاعتناء بنفسها ..
تحملت الكثير في سفر والدي حتى عمي أخذكم وسافر فاتحملت وحدها بالإضافه لمراهق وطفله جدتي التي مرضت وماتت وأبنائها الذكور بعيدين عنها ..
ضعي نفسك مكانها ألا تري أن أمي سيدة تحتاج بعض الاهتمام وتنفيذ رغباتها ما دامت غير مؤذية
تنهدت الباسمه وبهدوء : وهل تريد مني تحمل أخطاء الأخرين والسماح لها بالتدخل بحياتي على حساب راحتي ..هل هذا رأيك
: بل أطلب منك القليل من المرونة
: وأحلامي يا هارون ..عشي الصغير ما دخله بمرض أمك او إرضاءها ..
أنا أرى إنك تغالي بالاهتمام و.
يقاطعها هارون بحدة : وهل تري إهتمامك بوالدك عدم مغالاة لدرجة إنك تطلبي ..
ثم صمت غضباً من نفسه كيف يزل لسانه بما لا يفكر فيه
ولكنها فاجأته وضحكت عالياً حتى أدمعت عينيها : إزدواجيتي تقلقك ..من قال لا تفكري بطلبك فهو كان الشرارة لإطلاق رغبتي بك يا ابنة عمي
دارت فوق مقعدها تواجهه دون الانتباه أنهم وصلوا فعليا لمحل عملها
: انظر.. أمر الاتصال برباب سوف أحله بطريقة ترضيها اليوم سأعتبره استثناء لكن من باكر هاتف من أحدث طراز سيكون عند والدتك والمفتاح لن أخذه منها ولكني سأغيره تماماً ..
قاطعها هارون بغضب وهو يجز على اسنانه : لن يحدث
: بل سيحدث
أمسك يدها وضغط عليها بعصبية أوجعتها دون أن يشعر : باسمة لا تثيري غضبي ...
جلست باعتدال بعد أن ترك يدها وحملت حقيبتها وهي تمسك مقبض الباب : إذا ظللت تعامل والدتك بهذه الطريقة سيصبح تدخلها بالمستقبل أكثر أذية ..أوقفها يا هارون نصيحة مني ..
واطمئن لن أفعل ما قلته لن أضعك بموقف محرج أمام أمك ولكني أحببت أن أبلغك بالتفكير العقلاني أما تفكير قلبي فيمنعني من التصرف بطريقة قد تحزن أم زوجي حتى إن كان زوجي لا يهمه حزني..
ترجلت من السيارة وهي تردد : أستودعك الله ..
قالت لن تفعلها جعلت قلبها الذي يئن ألماً من معايرته لها هو الذي يقرر ..كيف كانت ستصر على رأيها العقلاني وهي تُعاير بطلبها الزواج منه ..كان لابد أن تظهر عدم اكتراثها..وإلا كيف ستواصل حياتها معه ..
لكن إلى متى يا باسمة ..
ظل مكانه يؤنب نفسه كيف سمح لها بالترجل من سيارته وهي حزينة ودموعها مخنوقة بعينيها حتى لو منحته ضحكة صاخبة ولكنه شعر ببرودتها تقتله ..كيف وصل به ان يعايرها ..وهل بعد أن عاش معها وعرف جوهر قلبها جيداً يُعايرها ..
هل بعد أن حركت به مشاعر كان غافل عنها يُعايرها ..
لازلتِ أقوى مني يا ابنة عمي حتى وأنتِ تسمعي جنون ابن عمك و زلة لسانه لم تحاولي أن تعاقبيه عليها بل بكرم أخلاق تخطيتي قوله بمرح حتى ولو كاذب ..
سامحيني ..ما بالي لا استطيع أن انطقها بدل أن أبرر لها سلوك وتصرفات أمي التي لا ترضيني أنا شخصياً..
وهل أنا لا أريد ان أقولها أم لا استطيع أن أعطيها الأمان لأقولها ..

مرت الأيام والحال كما هو عليه أحداث ومواقف وتصادم مصالح وأحلام تدمر بعد أن كانت تحقق ببداية زواجها ..
ما بالي أقول بداية زواجي كأنه مر عليه سنين ولم يمر فقط ثلاثة أشهر ..
لولا تحسن صحة والدي وحنية هارون التي زادت بعد موقف الشقة كنت هربت بعيد عن حماتي ..
مؤمنه أن الدنيا تعطي بجانب من الحياة وتأخذ من جانب أخر حتى يستقيم الأمر ..
.....
أفضل أوقاتهم عندما يكونوا بخارج البيت بعيداً بطريق الذهاب والعودة من عملها التي يصر عليها هارون حتى بأشد أوقات عمله ازدحاماً .. أو مثل الأن وهم في طريقهم لوالدها الذي بجلسة علاج متأخر بالمدينة القريبة حتى يعيدوه ..
قبل خروجهم كان هناك مناقشة أخرى حامية سرقت الابتسامة من زوجته عندما اشتكت اعتماد من عدم انتهاء الباسمة من الأشغال المتبقية ليهاجمها كالعادة ويطالبها بالتفهم لأمه التي تستغل تراخي ابنها ليهتف بالباسمة

: كنت أعتقد إنك ستقدمي على مساعداتها دون طلب ...فكما تري البيت كبير ولا يوجد من يساعدها ..اعتبري نفسك مكان رباب على الأقل

تركت حقيبتها وبإحباط واضح : أنا لا زلت جديدة بالمدرسة ومع ذلك استنفذت عطلاتي ...أوعدك بمجرد عودتي سأقوم بكل ما هو مطلوب
تدخلت اعتماد وهي تمط شفتيها : دعها وعندما تعود يكون لي معها اتفاق يتيح لها القيام بواجباتها دون إخلال
أخفى هارون سريعا توجسه من المعنى المبطن لحديث أمه
وخرجوا لمشوارهم الهام لوالدها الذي يرافقه أبوه بالذهاب وهو والباسمة بالإياب بسبب إصرار حسن على عدم تعطيل أحد منهم عن أشغاله فأمر علاجه سيطول والدنيا لابد أن تسير بأحبابه
حاول تشغيل المذياع فأطفئته الباسمة فهي ليست بمزاج للعبتها الرومانسية فأمسك يدها يقبلها وعينه على الطريق
: ابتسمي أرجوكِ أكاد أشعر أني قاتل ابتسامتك
سحبت يدها ونظرت لبعيد عنه : لأخر مرة يا هارون أحذرك من تراخيك بالعدل بيني وبين أمك ..الانسان بطبعه غير صبور
قبض على المقود بعنف وهو يهتف :كل ما أطلبه منك بعض الليونة بالتعامل معها حتى تفهم أمي وحدها أنه لن يقل اهتمامي بها أو حبي بالزواج بكِ
نظرت له بحدة : أمك لم ينقصها أي اهتمام بل بالعكس أنا أشعر أنك توليها اهتمام أكبر من بعد زواجنا ثم إن خالتي حولها أنت وزوجها وأختها وكل صديقاتها بينما أنا من حولي ..
هل تتفهمني كما تتفهم أمك ..
هل تدرك احتياجي كما تدرك احتياج أمك ..
هارون أنا أفكر أحيانا أنك تعاقبني على مواقف لم أفعلها ..كما أنك تحذرني قبل أن تحدث المشكلة وتوبخني كطفلة بعدها ..
لا أحب أن أشعر إني أعاقب على أخطاء غيري ..
حدثها بغضب : من غيرك الذي تقصديه
: نجلاء التي لا تبخل خالتي بتعديد محاسنها أمامي وأنا أحاول التغاضي ولكن الأمر زاد عن حده ويبدو أن صمتي أعطاكم الحق بالتمادي ..لا تختبروا صبري أكثر من ذلك أنا الباسمة يا هارون
: هل تهدديني الأن ..هل تجرؤي على ذلك
: أنا لا أهدد يا هارون أنا أفعل أفضل من ذلك أنا أمنحك الفرصة لعلاج مشاكلنا قبل أن تتفاقم وأن تحكم بالعدل حتى تستقيم حياتنا ...وإلا ..
ثم صمتت بقصد ليفهمها وحده لتفاجئ بقبضته التي تلكم سقف السيارة وهو مكانه يصرخ بها
: عيديها مرة أخرى وهدديني ..أو لمحي لضعفي أمام أمي أو عقاب تلك عن طريقك ... كما أنتِ الباسمة أنا هارون العابد وإذا كنت تراخيت مع أمي إرضاء لربي فلن أتوانى عن عقابك وهو حقي ..
انكمشت الباسمة وغاب الكلام على لسانها وغابت البسمة وحتى الطريق الذي كانت تتمتع بالهروب من خلاله من نار حياتها مع حماتها أصبح هو الأخر جحيم مع زوجها التي كانت تعتمد على سعادتها معه كوقود للتحمل
فلما تتحمل الأن ....



......نهاية الفصل العاشر .....





=================================








عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها، فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره. رواه البخاري.
والنفث: نفخ لطيف بلا ريق




لا تجعلوا القراءة تلهيكم عن الصلاة
لا أبيح ولا أحلل نقل الباسمة دون الرجوع لي
اللهم بلغت اللهم فاشهد




Hekmat Hussein 08-05-18 09:08 PM

رد: الباسمة
 
الله اكبر الله العظيم

Hekmat Hussein 08-05-18 09:10 PM

رد: الباسمة
 
شكرا على الاضافة

روتيلا 09-05-18 05:25 AM

رد: الباسمة
 

كُن مطمئنَّ النفسِ يا صغيري
فلم يزَل حُبُّكَ ملء العينِ والضمير
ولم أزل مأخوذةً بحبكَ الكبير
ولم أزل أحلمُ أن تكونَ لي..
يا فارسي أنتَ ويا أميري
لكنني.. لكنني..
أخافُ من عاطفتي
أخافُ من شعوري
أخافُ أن نسأمَ من أشواقنا
أخاف من وِصالنا..
أخافُ من عناقنا..
فباسْمِ حبٍّ رائعٍ
أزهرَ كالربيعِ في أعماقنا..
أضاءَ مثلَ الشمسِ في أحداقنا
وباسم أحلى قصةٍ للحبِّ في زماننا
أسألك الرحيلا..
حتى يظلَّ حبنا جميلا..
حتى يكون عمرُهُ طويلا..
أسألكَ الرحيلا...
نزار قباني



الفصل الحادي عشر

بعد سماعها لكلماته الصادمة تجنبته تماماً وقضت ليلتها بشقة والدها بحجة ضعفه واحتياجه لها ومع اصرارها بخدمة والدها وافق هارون مرغماً وتركها تؤدي دورها ..
كانت بغرفته تحيطه بالعناية بضعفها الملفت بعيونها الغائرة وبشرتها الشاحبة حتى شعرها فاقد لمعانه ..
هو ادعى الراحة وعينه عليها وهي ادعت قراءتها بكتاب يحمل عنوان التاريخ الذي تعشقه لا ارتاح هو ولا فهمت هي كلمة مما تقرأ ليخترق صوته السكون
: ما بكِ
نظرت له بحيرة : ما بي
: لا تتذاكي على أبيكِ ..ومع ذلك تريدين إجابتي ..أين ابنتي
تركت كتابها جانياً مرددة بتنهيدة : معك يا أبي لم تتركك لحظة
: التي أمامي ليست ابنتي .. ابنتي كانت مرحة نشيطة باسمة أما التي أمامي فهي شبح لابنتي جسد بلا روح ..
هل أرهقتك بمرضي أم هارون فعل ما يسئ لك
: لا هذا ولا ذاك أنت تتخيل
: لا أتخيل يا باسمة أنا أعرفك جيداً ..صمتك لا يعجبني .. اختفاء ابتسامتك يصدمني..أبحث عن السبب لكل تلك التغيرات ولا أراها .. عندما أتخيل إني بمكاني هنا محبوس بين أربع جدران وأنتِ خارجاً تعاني أكاد أجن ..
جلست بجانبه قبلت يديه بحب وهي تبتسم بوجهه : هاي ..إهدأ ..كل هذه تخيلات ..سوف أقر بالحقيقة ..
أنا لا أنام جيداً ..هذه هي المشكلة يومي العطلة الأسبوعية سأنام وستجدني إن شاء الله مستقبلاً أفضل ..هل توعدني أن تركز على صحتك ودعني أنا أتولى شئوني و كما تعلم أنا أجيد التعامل معها وتنظيمها
: هل أنتِ واثقة من قدرتك على تنظيمها
نامت على كتفه وهو يقربها أكثر منه و ربت على ظهرها بمساندة تحتاجها : أكيدة جداً
قبلها على رأسها بتفهم لأحوال ابنته التي لا تخفى عنه : أريدك أن تتأكدي من أمر واحد وهو أن أبيكِ يؤيدك بأي قرار تتخذيه لأنه يعلم قوتك ويعلم أنكِ لا تتخذي أي قرار إلا إذا كان بعد تفكير و دراسة
نظرت لعمق عينيه وهي تبتسم من قلبها أخيراً : أشكرك يا أبي.. هذا ما احتاجت باسمتك سماعه
باليوم التالي أعتبر ما حدث منها ومبيتها مع أبيها أمر طبيعي احتمال حدوثه وخاصة مع حالة عمه الحرجة ..لم يوجه لها كلمة عن قصد واكتفى بما صرح به قبلاً لكي تفهم جيداً ممن تزوجت ..
كما تعود منها بعد عودتهم من العمل تهرول على والدها تطمئن عليه ثم تصعد لشقتها تبدل ملابسها بملابس أكثر راحة وتهبط لشقة والده حيث يظل بانتظارها لتحضر الغذاء الذي تعد معظمه بمساء اليوم السابق ..روتين ونظام لا ينكر أنها تجيده..
جلس بغرفة المعيشة عندما دخلت اعتماد ووقفت أمامه تشير بأربعة أصابع قائلة : الرابع
هارون يضيق بين عينيه بتوجس : لا أفهم
تضحك اعتماد : الشهر الرابع من اتفاقنا أمامك شهرين
انتفض هارون بغضب : ما هذا الكلام يا أمي ثم كيف عرفتي
: لله الحمد زوجتك لا تفوت ركعة وهي لم تقربها من يومين ..لن أعيد كلامي
ظل يدور حول نفسه رافعاً رأسه للسماء : يا ربي إلهمني الصبر ...
وبتنهيدة لم يستطع مداراتها
: أه يا أمي مع كل ما تفعله الباسمة لترضيكِ ومع كل صمتي طوال الشهور الماضية على تصرفاتك مع زوجتي لازلتِ تعاني من الغيرة من دخول إمرأة أخرى حياتي
اعتماد بغضب : ليست غيرة ..إنهن اختيارك السيئ من يردن السيطرة على ابني الوحيد ..ابني الشرطي العظيم ..الجبل مثل جده ...وأنا لن أسمح أبداً بذلك ..يكفي ما حدث بزيجتك السابقة ..إذا لم تحمل الباسمة بعد شهرين من الأن أوعدك لن أطلب منك تطليقها ولكنك لن تعارضني بالزيجة الثانية والتي ستكون من اختياري
هارون بغضب وهو يجز على اسنانه :ابنك التي تقفي أمامه الأن وتعامليه كطفل مرتاح مع زوجته أليس لتلك الجملة صدى بقلبك .. لا تفكري بأني سأوافقك على جنون ارتباطي بأخرى ..ولا تتخيلي أن صمتي سيطول أنا أعطيكي الفرصة الكاملة لمراجعة نفسك .. أظن كلامي واضح
تركته دون أن ترد عليه وهي تردد لنفسها أن الباسمة استولت على قلب ابنها ..نجلاء بكل جمالها لم تفعل ذلك حتى وهو يضع بين يديها تقبله للحياة المشتركة وتقبله لتسلطها على زوجته كما لم يفعل مع زيجته السابقة فهو يبدو أنه كان يفعل ذلك حتى يمنعها من التفكير بأخرى ...و ها هو بدأ التغير والغضب لصالح زوجته التي سرقت عقله وقلبه..
لا ابداً .. لن أسمح لأي إمرأة أن تأخذ قلب وعقل ابني ...
لن تتعب وتسهر وبالنهاية تأتي من تتخيل إنها ميلكته والمسيطرة على حياته...
أما هو فاحمرار وجهه لا يعبر عن مشكلة تقابله دائماً مع أمه من يوم زواجه بالباسمة وخاصة مع حمل رباب من الشهر الأول لزواجها ..
ولا برجل يهتم حتى بما تثيره من أقاويل وأفعال ولكنه موضوع واحد ينغص عليه حياته

ليصعد لشقته وفي باله تصرف واحد يريح قلبه ...

: السلام عليكم
أكملت جمع شعرها أمام المرآة في جديلة طويلة : وعليكم السلام ..لماذا صعدت دقيقة وكنت انتهيت
جلس على طرف الفراش ينظر لها بهدوء : هناك أمر أردت رأيك فيه
اتجهت لتقف أمامه : تفضل
: ما رأيك ان نذهب لطبيبة متخصصة بأمور الحمل
جلست بجانبه وهي تنظر للأرض بخجل وهي تعض على شفتيها كيف تقول له ما تفكر به هامسة : لا داعي الوقت لازال مبكر
أمسك يدها بلطف :و ما الداعي للتأجيل.. أنا شخصياً غير متعجل لكن ما المانع أن نطمئن
أخذت نفس عميق وبضيق : خالتي من تتعجلك أليس كذلك
رفع رأسها ينظر لها بابتسامة : ألا تريدي أطفال
: بالطبع أريد
: أذن ما المهم إذا كانت أمي من تتعجلني أو لا إذا كان هدفنا واحد
عضت على شفتها بقلق أمام أنظاره
: باسمتي لما القلق الأن
رفعت يديها لتحدثه بلغة الإشارة فأمسكهم كلتاهما بيده اليسار وبأنامل يده اليمين لمس ثغرها يرسمها بلطف : لا داعي للقلق معي حدثيني بما تفكري به
همست : أنا أفكر إنك تزوجت من قبل و..
قاطعها أخذاً إياها بحضنه وهو يقبل عنقها أسفل أذنها التي تحمل السماعة الطبية هامساً : باسمتي من أجلك وقبل زواجنا حتى لا أظلمك معي تأكدت من قدرتي على الإنجاب
ابتعدت قليلاً تنظر بعينيه تتأكد مما سمعت وبحيرة : ولكن كيف..
استقام واقفاً ينظر لها من علو عابساً : لا تصدقيني
أمسكت يديه : لالا تفهمني خطأ ..انا أقصد هي..
قاطع استرسالها بإصرار : لا يهم ..أنا أسألك الأن هل توافقي على زيارة الطبيبة
وقفت أمامه ضاحكة تجنبه وتجنب نفسها الحديث عن نجلاء : طبعاً ..أنا في لهفة للاطمئنان والحصول على طفل لا تتصور سعادة أبي لو حدث ذلك أكاد أقرأ بعينيه سؤاله الصامت
وضع يديه على كتفيها وقربها منه يقبل جبينها
: إن شاء الله نحقق له أمنيته وأحصل أنا على ابنه جميلة تشبهك
...
بعد أسبوع من اتفاقهم كانوا عند الطبيبة...
كان هارون يجلس أمام مكتبها في حين الباسمة مع الطبيبة خلف ستارة حاجبة تقوم بإجراء الأشعة فوق الصوتية سمع بوضوح الطبيبة بعد فترة تسألها
: هل تتناولي حبوب منع الحمل
الباسمة بفزع : لا بالطبع
وقفت الطبيبة وتركت الممرضة تساعد الباسمة على الوقوف : هل تتناولي أي أدوية من أي نوع
صمتت قليلاً الباسمة تفكر بحيرة : فقط حبوب فاتحة للشهية
: ما نوعها
: لا أدري لم انتبه لنوعها
: حتى ولو كان لا أظن هي السبب فيما أرى .. عموماً هناك تحاليل أريدك أن تجريها سأكون رأي نهائي بعدها ..
عادت الطبيبة لمكانها خلف المكتب تكتب على ورقة التحاليل المطلوبة بينما عادت الباسمة تجلس شاحبة الوجه أمام هارون الذي كان يكتم غضبه وهو قابض على يديه حتى ابيضت مفاصلها ..
قالت الباسمة : أريد أن أطمئن
سلمتها الطبيبة الورقة وهي تبتسم بوجهها : لا تقلقي الأمر بسيط قد يكون عندك بعض الاضطرابات في الهرمونات بعد التحاليل سنحدد خطة العلاج
حركت الباسمة رأسها يمين ويسار : لكن أنا فعلاً لا أتناول ...
قاطعتها الطبيبة : سنتحدث بعد التحاليل ومن هنا لوقتها حتى الحبوب فاتحة الشهية أوقفيها
غادر هارون الصامت تبعته الباسمة هامسةً : إن شاء الله
...
بالسيارة لم تستطع كبح دموعها التي سمعها هارون كأنها حافز لثوران أفكاره ليصرخ بها
: لا اريد أن اسمع صوتك
: صدقني يا هارون أنا لم ..
رمقها بحدة : ماذا قلت ..
أخفت وجهها بين كفيها تكتم صوت بكائها لماذا يفعل ذلك الطبيبة قالت قد يكون اضطراب هرموني لماذا يصدق عني أنني قد أتناول ما يمنع حملي وبجرأة أيضاً ..
ثم كيف يا ربي وهو حلمي ..
أما عنده فلم يفكر سوى بمحاولتها التمنع للذهاب للطبية بحجة أن العيب منه..
وأنا الذي صدقت حبها ولهفتها على الأطفال ولو من أجل أبيها ..
وتذهب معي عند الطبيبة متصورة إنها كذبة لن تُكشف..
ماذا تعتقد أني لازلت حل مؤقت بالنسبة لها مثلاً وأننا قد ننفصل ومن الممكن أن تعود لذلك اللزج أحمد مستقبلا ..
عند تلك النقطة من تفكيره ضرب المقود بعنف

ورعد بصوته حتى كاد جسدها ينهار خوفاً فهارون عندما يغضب تتلاشى الحدود بين سلوك متطلبات وظيفته مع حياته الخاصة
: حسابي معك بالمنزل
وبالمنزل كانت تتبعه بتوجس ورعب من منظره الإجرامي حتى دخلا غرفتهما فتحت عينيها بدهشة
لا تستطيع يقيناً التأكد لكنه فعلاً يفعلها نعم أنه يبحث بأشيائها بطريقة واضحة يفتح الجوارير ويلقي ما بداخلها يبحث بين طيات الأغطية حتى تحت الفراش
سالتة بخوف : ماذا تفعل ؟
نظر لها فجأة عابساً وكأنه فوجئ بوجودها : لا شيء
: هارون أنك تبحث بأشيائي
كان رده ابتسامة لم تصل لعينة وبجمود شديد أصابها بالرعب : لماذا أنت خائفة ..هل تخبئي شيئاً لا تريدي مني الاطلاع عليه مثلاً
نقلت عينيها بينه وبين خزانتها التي كان يقف أمامها ثم اسقطت كل محتوايات الأرفف بحركة سريعة على الأرض
واقتربت منه وهي تحاول أن تكون هادئة : هارون أنت تصدق إني تناولت حبوب لمنع الحمل
: أنا لا أصدق إلا الحقائق ..وأنا الأن أبحث عن الحقيقة
: تبحث عنها في أشيائي ..ألا توجد ثقة أنا مرعوبة من فكرة تأخري بالإنجاب وبدلاً أن تواسيني تبحث عن حقيقة خيالية ..
مدت يدها تمسك ساعده وهي تديره ليواجهها
: انظر لي هنا وواجهني إسألني وأنا أجيبك ..
وقف أمامها بطوله الفارع واضعا يديه على خاصرته
: جيد ..هل تتناولي دواء لمنع الحمل
نظرت لها بثبات : لا
: حسناً صدقتك ..لكن بعد نتيجة التحاليل إذا اكتشفت إنك كاذبة
قاطعته بثقة وهي رافعة الرأس : لم اكذب
نظر لوقفتها أمامه وهو يضيق بين عينيه هنية ثم هتف بجمود : إذا حدث العكس ستري هارون أخر لن يعجبك
وتركها و غادر الغرفة بل البيت كله..
لا تصدق ما يحدث معها ..
هل جن هارون ليتصور ذلك ...
نظرت لأشيائها بالأرض فلمحت شالها الوردي الحريري فحملته بيدها وبكت وهي تكاد تمزقة
: حتى أنت لن تنجح بجعل عالمي وردي فصاحبك وسر قوتك السحرية أفقدني البصر ...
مر أسبوع بعدها تحاول أن تجري حديث عقلاني معه وهو يقاومها ويرفض..
كل ما يدور بباله فقط نتيجة التحاليل التي ينتظرها وكأنها ترياق حياة..
حتى ظهرت وليتها ما ظهرت لتتحول حتى لحظاتهم التي كانا يسرقوها من بين أنياب أمه إلى عذاب خالص..
بحث لا يتوقف داخل شقتهم وتطاولت يديه للبحث بغرفتها بشقة والدها نظرات مؤنبة وتسامح مبالغ فيه مع أمه التي زادت بجبروتها وأعمال المنزل الشاقة ..
لازالت صامدة ولا زالت تحاول أن تصل معه لسبب لكل ذلك ..
همس لها مرة إنه يصدقها مرة واحدة ولكنه لم يصدقها كفاية لدرجة إنه يتوقف عن البحث ..
الدواء الذي أوصت به الطبيبة أشرف بنفسه عليها بتناوله..أصبح لديه وسوسة ناحية كل شيء يخصها حتى ولو علاج للصداع الذي كثيراً ما يصيبها بسبب سماعة الأذن يحضره بنفسه بعد أن يشاور الطبيبة عنه إذا كان مسموح أم لا ..
وهي تقابل كل ذلك بصبر غارقة بين أبيها وبين المطلوب منها من واجبات دون أن تحاول أن تتوقف لحظة للتفكير بهارون وتصرفاته لأنها تعلم نفسها لو توقفت لحظة ستكون النهاية ..
تجلس بغرفة المعيشة تتحدث بالهاتف وهي ترفع قدميها عن الأرض التي كانت تمسحها الباسمة التي كانت تضحك بداخلها متصورة نفسها سندريلا وتنتظر الأمير الذي سينتشلها من بين أنياب زوجة الأب ..
ووسط غيمة أفكارها فوجئت باعتماد تهتف بصوت عالي
: وهل هناك مثل نجلاء يا أختي .... حبيبي هارون كان لا يقبل كلمة في حقها فما بالك بمد اليد أو الصوت العالي ..لكن ماذا أقول عين هي ما أصابتهم فحبهم وصورتهم البراقة للناظرين كان سبب في افتراقهم ..لقد أكد لي هارون العديد من المرات إنه لازال يحلم بها ويتخيلها ..حتى إنه قال لي من قريب إنها لولا زواجها من أخر كان أعادها لعصمته ملبياً لها كل طلباتها ...
وقفت الباسمة فجأة قائلة بحدة : كاذبة ..
أغلقت اعتماد الهاتف وهي تصرخ بها : هل تنعتيني بالكذب هل هكذا ربتك أمال
صرخت بها الباسمة بالمقابل : إنك تتعدي حدودك وتكذبي وبالأخير تتجرأي وتأتي بسيرة أمي على لسانك
دخل هارون ووالده على أصواتهم العالية
: تعال يا هارون اسمعك زوجتك وتطاولها على أمك
لم يسأل فقط سمع صراخ الباسمة وهو كافي له ليعاقبها فأمسكها من عضدها بقسوة دافعاً إياها أمام والدته : اعتذري ..حالا
ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تحاول تمالك نفسها أمامهم : هارون اسمعني أولاً
علي بحدة : يكفي لهنا اصعدي يا ابنتي لوالدك
قاطعهم بنبرة قاسية وأمر قاطع دون الإلتفات لكلام والده وهو يقرص بيده الثقيلة عضدها : حالاً ولا تعيديها مرة أخرى وترفعي صوتك على أمي ..كم مرة كررت على مسامعك إن أمي أولا
لمحت الباسمة بسمة ساخرة من حماتها التي وقفت تهز رجلها وهي عاقدة ذراعيها أمام صدرها ..
فنظرت له بثبات رافعة الرأس دون حتى أن تتلكئ بحرف : عندك حق
ثم نظرت لاعتماد : أعتذر خالتي ...أتمنى أن لا تحزني او تغضبي مني فأنا أعتبرك كأمي تماماً وأتمنى أن تعتبريني كرباب أو على أقل تقدير كنجلاء زوجة هارون السابقة التي لا تكُفي عن تعديد محاسنها أمامي ...
ثم تركتهم وهرولت على والدها بداخلها قرار واحد لن تحيد عنه فالصبر عليهم انتهى ...
جلست اعتماد وهي تداري توترها الواضح أمام انظار ابنها وزوجها الحادة
: هل أنتِ راضية عني يا أمي
: قلبي راضي عنك يا ابني
اقترب وقبل يديها بعمق ثم رأسها مغمغماً برضا : الحمد لله ...
صمت للحظة وهو ينظر لأمه بتركيز يستعيد سيطرته الواجبة أمامها
ثم استقام بضحكة لم تصل لعينيه وهو يدخل يديه بجيبي بنطاله : يبدو أنكِ لا زلتِ تحبي إبداء النصائح لكنتك بصورة ملتوية بذكر محاسن الأخريات ...لكن أعتقد ان الباسمة لا تحتاج لكل تلك المراوغة الأسلوب المباشر أفضل لها ولي ...فأنا متأكد إن هناك ما تعرفه باسمة عن نجلاء قد تسيئ فهمه فتعتقد بذكائها المحدود كما دائماً ما ترددي لها أن ترك البيت وعدم مراعاتك ووالدي .... وأيضا التقليل من احترامي بعدم تنفيذها لأوامري هو ما تفضليه بالكنة ... وهو طبعاً عكس ما تتمنيه لأبنك ..
أليس كذلك...
ثم تركهم وصعد لشقته دون أن يبدي أي رد فعل على سلوكه القاسي نحو زوجته أو تأنيب ضمير فعقابه لها لازال مستمر
عقاب لشيء لم تفعله ..

رفعت نظرها لأعلى بعد سماعها لتأنيب هارون العنيف فوجدت علي يقف وجسده كأنه مشدود على وتر
: إتقِ الله يا إمرأة ..لقد تماديتي ..ألم يُخلق بالدنيا رجل سوى ابنك ..كنتِ خجولة رقيقة لا يكاد يُسمع لكِ حس أصبحتِ متحكمة بغيضة لقد أصبحت أكره التواجد معكِ بمكان واحد ..
تكادِ تشعريني بالغثيان من أفكارك وأنتِ تدبري وترسمي الخطط لتفرقي بين هارون و زوجته..هل نسيتي إنك امرأة كتلك التي تتأمري عليها ..
واجهته بقوة تقاطعه وهي تكاد تجن أن كل تعبها بالسنين الماضية يلخصها زوجها الأن بأفعال غير مسئولة
: هذا رأيك بي بعد كل هذه السنين أنا متحكمة وبغيضة لتلك الدرجة ..
تراجعت للخلف وببرود
: لكن أتعرف إذا كنت تراني كذلك فأنا أفخر بذلك..
من ترك البيت ومسئوليته على عاتقي لدرجة تحولي من إمرأة كاملة الإنوثة الى ذكر بشارب كما تحاول أن تقول أليس أنت ..
من كان يخشى إغضاب أمه المتسلطة فيستسلم لأوامرها المتجبرة ويأتي يشتكي لي ..
هل بعد شكوة الزوج من عدم قدرته على المواجهة مع أمه و الحياة وصعابها تستطيع المرأة الحرة ان تترك المركب ان يغرق ..
نعم أخطأت لكن أخطات ليستقيم هذا البيت ليصبح البكري رجل شرطة والبنت جامعية يقسم بأخلاقها ...
نعم جعلت هارون على ما عليه من جبروت حتى يعوض نقص إحساسي بوجود الرجل المسئول بالبيت فتشبثت برجلي الصغير ليصبح الرجل الذي نتكئ بسنوات غيابك أنا وأخته عليه فلا يصيبنا من الزمان الغدر ومن الناس الشماتة ..
نعم أصبح متجبرة متسلطة سليطة اللسان وأفخر بذلك يا علي ...
لتتحرك من أمامة متماسكة ظاهريا فقط حتى تختلي القوية بنفسها ..
تركت رجل يؤنب نفسه عن تغاضيه عن أفعال زوجته ..
أمه صباح كانت لا تملك من القسوة إلا لسان توبخ به ابنيها الذكور ليصلب عودهم وأبداً لم تفعل أكثر من ذلك بينما زوجته الباهرة الجمال التي خطفت عينيه و قلبه عندما رأها أول مرة تدليله لها جعلها تعتقد أنه ضعف منه لتأخذ دور المتحكم دون رادع ..
لكن إلا الباسمة يا اعتماد فإن لم يحميها هارون سيكون عليكِ ملاقاتي أنا ..

مر الوقت سريعاً وحمل سكون الليل الأفكار وأرجل غاضب نحو شقة عمه باحثاً عن زوجته التي تحتجب من يومين بشقة والدها
دخل غرفتها فوجدها تغطي وجهها بشال حريري وردي اللون فيرفعه عن وجهها فتقابل لمعان عينيها البنية بسبب دموع محبوسة عينيه
: ما حكاية شالك الحريري
كان يعلوها مستنداً على كفيه
: تقصد شالك الوردي
نظر له وهو يفكر : ماذا تعني
تقبل دفعتها الرقيقة وابتعد عنها ليقابلها بمجلسه فوق الفراش مجلسها
: هديتك لي يوم عزا أمي هل تتذكره
حرك رأسه بنعم وهو يأخذ نفس عميق ونظرة مع الشال بيده
شعرت بالذهول لتغمغم : غريبة أن تتذكره بعد مرور تلك السنين
ابتسم وهو يرفع الشال ويضعه على رأسيهما معاً ليكون فوقهم كخيمة رقيقة : أنا لا أنسى أي شيء يخصك
ضحكت بسخرية : أكاد أتخيل أن تقول بعد ذلك أنك تحبني
نظر لها بقوة بعمق عينيها : نعم
غابت السخرية وجذبت الشال ولمته بحضنها وسألته بتوجس : ماذا قلت
: لماذا لا تصدقيني
: هل تحدثني عن حبك لي ..هل ما يصلني من سماعة الأذن صحيح أم أصابها ما أصاب أذناي العطب ...
: صدقيني أحبك بل أهيم بحبك
تقاطعة باسمة بمرارة : متى يا ابن عمي .. يمكن عندما سمحت لخالتي اعتماد أن تهيني أو تضغط عليك للزواج من أخرى وتنهي زواجنا .. زواجنا الذي وإن كنت أخطأت بطلبه منك من أجل والدي ولكنك ارتضيته... ارتضيته ووثقته بحمية بعهود حماية لم أجدها منك..
كنت استعطف فيك يوم بعد يوم عدلك فأجدها تتسرب بين يدي كالثلج أشعر به ويترك أثره ولكن بلحظة يختفي ..
للحق شهر واحد من السعادة ورفرفة فوق السحاب ثم اسقطتني من عليائي للواقع ...
لماذا تقول كلمة لا تستطيع الوفاء بها أنا لا أستحق كل تلك القسوة منك..
حاول أن يقربها منه ولكنها دفعته واستقامت واقفة بعيد عنه فهتف : صدقيني
: أسأل نفسي الأن متى ..متى أحببتني حقا هل عندما كنت تذكرني كل ليلة إني كنت أقل من اي أمرأة كنت تلتقيها بشقة المرح أو تحادثها أمامي دون خجل
انتفض ووقف بمقابلها وبحدة : أنا لم أقابل اي واحدة من يوم زواجنا
: نعم ..نعم يا زوجي لم تقابل أي واحدة ولكنك لم توقف اتصالاتهم بك حتى وأنت تتمنع أحياناً أو ترد بعنجهية أحيانا كنت أسمعك كنت أقرأ حركة شفتيك كخنجر مسموم بصدري
مرر يديه بعنف على رأسه وصرخ بها : لم أفعلها وأنا قاصد إهانتك كنت فقط أعاند نفسي كنت أحاول أن أذكر نفسي بتلك المحادثات إنه ليس هناك من يقيد حريتي
هبطت بيديها التي كانت تشير بهم مرددة بإحباط : لكني زوجتك ..وأبداً الزوجة تكون قيد ..الزوجة سكن يا هارون ..الزوجة أمانك أن لا تقع بالمحرمات ..أنا زوجتك يا هارون زوجتك ..أم لأنني أقل من كل من عرفتهم هل تؤذيك أعاقتي لهذه الدرجة
عاد للخلف بدهشة : لهذا لم تواجهيني وتدافعي عن حقك بي . ..لهذا تنازلتي عن حقك أمام أمي ..
تركتيني أتصور أني أمر مؤقت بحياتك وأنتِ تتنازلي لإعاقتك
تراجعت وبغصة : ليس إعاقتي فقط بل طلبي منك الزواج ..أمران أهونهما مر
ضحك بسخرية وبقسوة فاجأتها : تفكيرك هو المعوق يا باسمة وليس أنا ..أنتِ من أجل أبيكِ وصحته دوستي على كرامتك وطلبتي مني الزواج ...
أليس من حقي أن أشعر بنفس درجة الأهمية بقلبك فتدافعي عن زواجنا
أنتِ من استسلم لجعل من حولك يشعروكي بالنقص بالرغم أني من بداية الزواج نبهتك إنه زواج أبدي كل منا له دور فيه لاستمراره..
مد يده يشدها من جديلتها فيؤلمها لتشعر بألمه منها وهو يجز على أسنانه : تنازلتي عزيزتي عن حقوقك فلا تطالبيني أنا أن أبحث لكي عنها أو استرجعها لكِ فما ان تنازلتي أصبحتي بدون حق ..
كان يشدها حتى التصقت بصدره فرفعت له رأسها تغرق بقسوة حديثه وغضبه المكتوم منها
:من البداية كنت أمرر لكي بعض الأمور حتى يكون جوابك هو المانع لأي تدخل بحياتنا أعطيتك كامل الصلاحية أن تبني بيتك خيرتك بكل أمورنا لكن ببساطة رفضتي تحمل المسئولية وتركتي لي الأمر هل كنتي تتصوري عندما تطلب مني أمي أمراً كنت سأرفضه إذا كنتي أنتِ منحتيني مباركتك فلماذا أرفض وأنا بينكم أكون هارون الرشيد في زمانه ...
ترك جديلتها ونقر بسبابته جبينها
: شعورك بالنقص هو خطأك وحدك فأنا لم أشعرك يوما بالنقص بل كل استناج يخص هذا الموضوع أنتِ من زرعتيه برأسك وتغذيه حتى كبر وتعاظم ...
تراجعت صارخه به وهي تنهت : طبعاً سيكون هذا تفكيرك ..وتفكير أي رجل يريد الراحة ببيته دون النظر لشريكة حياته ...
نعم بالظاهر أعطيتني حرية الأختيار لكن في باطنه رفض لأي محاولة لتخطيك أو تخطي تحكمات والدتك ...
لا تسألني عن كمية اللاءات التي خرجت من جوفي ولم تجد الصدى عندك لإنها ببساطة لم تخرج من فمي فقط حتى لا أشعرك بالضيق وأجعل رجوعك لمنزلك راحة تتطلع لها وتهفو إليها ..
يا زوجي الزوجة تريد من زوجها القيادة بكل أمورها بالحياة تريد تفهمه تريده يعرف ويعالج مشاكلها دون ان تنبهه أو توجهه لا تريد منصب كفله للرجل بالشرع والقانون والتقاليد ..
أشارت له بسبابتها لصدره
: لست أنا من أعقت نفسي بل أنت من أعقتها
أمسك يدها التي تلمس صدره وضغط عليها : أنا أحببت من أرادتني بقوة لدرجة إنها أخذتني بطلبها على حين غرة ليست تلك الضعيفة التي توارت بعدها بخزي ..أنتِ يا حياتي من سحبت يدها بعد أن كانت تقودني وسط الأمواج العالية لتتركيني وتكتفي بنفسك عني أنا أحببت قوتك وليست تلك الضعيفة التي تتوارى وراء خجل وعاهة لا أحد يراها سواها ..
تحرري من عقدتك فتكسبيني ..تحرري منها وأمنحيني الحياة ببسمتك ...
رفعت رأسها بقوة وتراجعت بعيد عنه :لا تطالب بشيء لن تستطيع مواجهته لا تطالب بقوتي يا ابن عمي فأنا أحميك منها
وقف هارون ينظر لها بتوجس : ماذا تقصدي
فتحت باب غرفتها : أقصد ما فهمته يا هارون
انا عدت قوية ..عدت للباسمة التي تعجبك وأول قرار لي هو كما طلبت منك الزواج سابقاً أطلب منك الان ..أه
اندفع بيده على ثغرها يحبس الكلمات داخله غير منتبه لتألمها الواضح وبصوت خفيض حاد : لا تقوليها لو خرجت تلك الحروف منكِ الأن لن أتفهم وجود عمي مريض بالداخل ..بل سأجعلك تندمي على لحظة تجرؤك وفكرتي بها ...
ثم غرس أصابع يده على جانبي وجنتيها بعنف
: ليس أنا من يقول أحب فتقابلني حبيبتي بالرفض ..خافي من غضبي ..
هذه نصيحة من ابن عمك ..

دفعت يده عن وجهها وهي تتوجع : ابتعد إنك تؤلمني هل جننت
: بل أنتِ يا باسمة التي جُنت حتى نسيتي مع من تتعاملي معه
هتفت وهي تملس موضع اصابعه على وجهها : ألا يوجد نهاية لعنجهيتك هل يدرسوكم بكلية الشرطة قلة الحيا وطولة اليد واللسان
: بل يعلمونا عدم الثقة إلا بمن يستحق ولا نعطي وجه لمن هم أقل منا فيتتطلعوا للعلى ولا يحترموا موقعهم الحقيقي
تكسر داخلها فشعورها بالنقص أمامه لا زال يسيطر عليها فعقدت بين عينيها
فأخذها بأحضانه عندما أدرك زلة لسانه والتي لابد أن تفهمها خطأ
همس بعاطفة : أتعبتيني ..تلك طبيعتي التي لن استطيع تغيرها بيوم وليلة وأنتِ عليكِ بعض الذنب
همست بين ضلوعه : أنا
: نعم حبيبتي أنتِ من تنازلتي عن تقويمي ومحاولة تغيري
ضحكت بغصة وهي تحرك رأسها بصدرة فابتسم لحركتها : أه يا هارون لا مجال لتغيرك ستظل هكذا يا ابن عمي جلف
صفعها بيده الحرة : أنا جلف
دفعته وتراجعت للخلف وهي تلمس مكان صفعته وهو يضحك محركاً حاجبيه بمرح
هتفت بغضب :ألن تتوقف عن وقاحتك وجرأتك
أشار لنفسه : أنا أمامك ربيني
لكمته على صدره وهو يضحك ويمسك معصميها ويحاول تقبيلها فتوقفا وابتعدا عن بعضهما كاتمين ضحكهم عندما سمع نداء والدها الذي سمع جلبتهم ليساعداه على الوضوء عندما حمل سكون الليل صوت قرآن الفجر من المساجد المحيطة
ساعداه على الوضوء والصلاة ثم استكانا بغرفتها على فراشها الصغير قليل من الوقت المتاح قبل ذهابهما لدوامهما
كان يتقلب بصعوبة وهو يحاول ألا يزعجها
: سأغيره اليوم
همست وهي مغلقة العينين : ما هو
: هذا الفراش
فتحت عينيها وهمهمت :لماذا
همس بغيظ : إذا كنتِ بعد استردادك لقوتك على حسابي كل يومين ستأتي لتنامي هنا فلابد أن أغيره فأنا لم أعد أطيق النوم في شقتنا بدونك
ضحكت بضحكتها الرقراقة التي تخطف قلبه: تعرف نفسك وتعرف إنك دوماً ستغضبني
أخذها بحضنه هامساً بصوت أجش : بل أعرف أمي
تنهدت بصمت ثم همست : لابد أن تجد حل يا هارون
:سامحيني
نظرت لعينه بقوة ثم همهمت : سامحتك ثم بعد
أغمض عينه بضعف للحظة : دعيني أفكر بحل
:لازلنا لم ننهي شكك في تناولي مانع الحمل وهذا أهم عندي من أمر خالتي
حرك رأسه برفض : أنا لم أشك
: بل شككت لا تختبر ذكائي
نفخ بغضب من نفسه : نعم شككت
فتحت عينيها باتساع متحركة من حضنه بعيد عنه
جلس محولقاً ثم أراح رأسه للخلف : لا تغضبي ..أنتِ من أصرت بالسؤال وأنا أجبت بالحقيقة
: إجابتك ليست كافية لابد وأن يكون هناك تبرير حتى أجد لك مخرجاً بقلبي وأسامحك فعلاً
: عندي تبرير أحب ان احتفظ به لنفسي
هتفت غاضبة : ليس من حقك يا هارون أن تخفي حقائق تريح قلبي وتجعلني أتقبل شكك بأمري ...
شدها لحضنه للحظة وقد قرر أن يبرر لها ولكنهما توقفا مرددين
: لا حول ولا قوة إلا بالله ..ماذا يحدث
عندما سمع صوت جلبة خارجاً ثم صوت شيء قاسي أحدث صوت عنيف في سكون الصباح انتفض هارون من على الفراش تتبعه الباسمة وفتح نافذتها المطلة على الحديقة الصغيرة ليفاجأوا بمنظر الصفصافة و فروعها قد قطعت والشجرة نفسها تقبع كجثة هامدة بجانبهم ..
تراجعت الباسمة حتى جلست بضعف على طرف فراشها ودموعها تغرق وجهها بصمت
لينادي عليها هارون الذي هاله ما حدث : باسمة
لم تستمع له بل تحركت خارجاً مرددة : حسبي الله ونعم الوكيل ,, حسبي الله ونعم الوكيل وصلت لغرفة والدها الذي أزاح الغطاء جانبه واحتضن دموع ابنته وهو ينظر بلوم لهارون الذي تبعها صامتاً وهو يحرك رأسه بأسف
وهتف بأسى : لم أعلم يا عمي صدقني
: أحيانا من واجبنا كرجال التوقف عن تبرير أخطاء المقربين لنا بحجة أن الدين لم يسمح لنا بتوبيخهم متغافلين عن أن الساكت عن الحق شيطان أخرس ..
أنا لن أطالبك ان تمنع برك بأمك ولكني لن أسمح بظلم ابنتي ..أنا أكتفيت بحياتي من ظلم آحبائي .. ولا تقول إني لا أتفهم موقفك فأنت أدرى الناس بي ..
أغلق الباب خلفك الباسمة ستبقى بالمنزل اليوم فأنا أحتاجها
وهكذا بفعلة جديدة من أمه تراجعت محاولاته لمراضاة زوجته وأصبح حتى بنظر عمه متخاذل ..
كيف يكون متخاذل وهو يحاول إرضاء رب العباد ..
هل يجوز عقاب الأم وتوبيخها على تصرفاتها ..
هل يجوز ..
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالميين


نهاية الفصل الحادي عشر

=========================================





عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : "جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك.
(متفق عليه)




لا تجعلوا القراءة تلهيكم عن الصلاة
لا أبيح ولا أحلل نقل الباسمة دون الرجوع لي
اللهم بلغت اللهم فاشهد

=====================

توضيح

التوضيح بخصوص حبوب منع الحمل والتي ذكرتها وأكيد هاتسألوا كيف عرفت الطبيبة الجواب ببساطة هناك أنواع تسبب ترقق بطانة الرحم وهذا ما شاهدته الطبيبة من خلال الأشعة الفوق صوتية وبالتالي عدم قدرتها على الحمل .. وتتأكد الطبيبة من خلال التحاليل ..



الخاشعه 09-05-18 07:36 PM

رد: الباسمة
 
ما شاء الله.....روايه جميله جدا....تدخل القلب 💘واقعيه ومحترمه وسلسه
مشاكل زوجية ومشاكل اهل الزوج ورواسب قديمه وتصفيت حسابات
الله يعطيك ي جميله😍

روتيلا 10-05-18 04:20 AM

رد: الباسمة
 



سأَلوني: لِمَ لَمْ أَرْثِ أَبي؟ ورِثاءُ الأَبِ دَيْنٌ أَيُّ دَيْنْ

أَيُّها اللُّوّامُ، ما أَظلمَكم! أينَ لي العقلُ الذي يسعد أينْ؟

يا أبي، ما أنتَ في ذا أولٌ كلُّ نفس للمنايا فرضُ عَيْنْ
هلكَتْ قبلك ناسٌ وقرَى ونَعى الناعون خيرَ الثقلين
غاية ُ المرءِ وإن طالَ المدى آخذٌ يأخذه بالأصغرين
وطبيبٌ يتولى عاجزاً نافضاً من طبَّه خفيْ حنين

إنَّ للموتِ يداً إن ضَرَبَتْ أَوشكَتْ تصْدعُ شملَ الفَرْقَدَيْنْ

تنفذ الجوَّ على عقبانه وتلاقي الليثَ بين الجبلين

وتحطُّ الفرخَ من أَيْكَته وتنال الببَّغا في المئتين

أنا منْ مات، ومنْ مات أنا لقي الموتَ كلانا مرتين


أحمد شوقي






الفصل الثاني عشر
والأخير

وكعاداتها مؤخراً ظلت صامتة متقوقعة على ذاتها متخذة من نصرة أبيها لها ملجأ ..
ومحايلة هارون لها منفذ حتى لا يقسوا قلبها ويفترعشقها له ..
ولكنها أبداً لم تطالبه للعودة لتفسير شكه بها بعد حادثة الشجرة أو حسابه على أفعال أمه ..
فالصمت أحيانا أبلغ من الكلام
طال الصمت بهما بالسيارة بطريق المدرسة وحتى المذياع لم يساعد على كسر حدة الحوار الصامت بينهما ولكنه لم ييأس من محايلتها أبداً وهي بداخلها تشكر له ذلك
أدار وجهه لها بلمحة خاطفة : هل تشعري بالجوع او العطش ..
همست :لا ..هل لازالت المسافة طويله ..
ضحك متمتماً :ألا تدري ..
:لا ..
نظر لها بدهشة أجاد تمثيلها : حقاً .. لماذا إنه نفس الطريق
احمرت وجنتيها بفتنة جذبت نظره وقالت بتردد : أأنا .. لا أحفظ الطرق
يضحك هارون :إنه الطريق نفسه الذي نسلكه كل يوم يا باسمة كيف لا تحفظيه ..
همهمت بخفوت : عندما أكون معك أشعر أني لا أحتاج أن أكون متيقظة فمعك أترك نفسي تماماً لا أحمل هماً فأنا واثقة أنك ستصلني لوجهتي بأمان ...
عندما انتهت وأدركت ما قالت في غفلة تملكها الخجل بشدة فأدارت وجهها بعيد عنه لكن عنده كان تأثير كلماتها البسيطة كبير فقد ايقظت فيه شعور أكبر للحماية ومسئولية أكبر تجاه ابنة عمه وزوجته الباسمة لمست شغاف القلب بقوة ..
أخذ نفس عميق في نفس لحظة وصولهم ليدير رأسه ناحيتها وأمسك يدها التي بقربه وقبلها بتمهل شديد وهمس بحب : الباسمة
نظرت له بضعف يتملكها عندما ينطق اسمها بكل هذا العطف والحب
: اطمئني تماماً حبيبتي ..سأكون أنا دائماً هنا لإيصالك لبر الأمان..
غادرت السيارة وهو يشاهد خطواتها المهرولة مبتعدة بعد أن منحته ابتسامتها الساحرة التي أعطته أمل بالقادم ..
قاد السيارة وهو يضحك بشدة على نفسه فاحتمال أن تعرف الباسمة الطريق بعد فترة قريبة ستكون معجزة لأنه كل يوم كان يتخذ طريق مختلف ..
والغريب أنه كان يفعل ذلك من قبل حتى أن يتزوجا حتى لا تعتمد على نفسها كما كانت تردد وأيضاً حتى يطيل الطريق في الذهاب والعودة ...
......
:اتركيني وهارون وحدنا
قالها حسن وهو متكئ على فراشه مغمض العينين بعد أن عاد من جلسة علاجه
فهمست وهي تدثره : أنت مرهق الأن
ربت بيده بحنية على كفها التي تضعه على صدره : أنا بخير ..أخرجي وإغلقي الباب خلفك
فعلت ما أراد وجلس هارون بجانبه على مقعد ملاصق للفراش وهو يميل بجذعه للأمام سانداً بمرفقيه على ركبتيه يولي عمه كل انتباهه بكل احترام
:أردت أن أحكي لك تجربة عمك ..أمال كانت زوجة لطيفة المعشر لم ترفع صوتها يوماً مطالبة بحق لها ..لم تغضب يوماً من تطاول أمي عليها ..لم ترفض لي يوماً طلباً ..ولم تشتكي يوما من ضيق سعة اليد
همس هارون : كلنا نعلم يا عمي
تنهد حسن : إلا مرة واحدة ..عندما أصيبت الباسمة بالحمى الشوكية ونجت منها بإعجوبة وخرجت من مرضها ولله الحمد فقط بفقد قدرتها على السمع بطريقة طبيعيه ..وبدأت تعاني ابنتها حينها ارتفع صوتها مطالبة ليس بحقوقها وإنما بحق ابنتها وأنا ضعفت وأخذتهم وهربت
: حقك يا عمي ..وكلنا كنا نعلم الضغوط التي تعرضت لها
تنهد حسن بحزن : ولكن الذي لم تعرفه أن عمك أخطأ ولأول مرة أخبر أحداً بذلك..
رفع هارون عينه ليواجه ضعف عمه ودموعه ويجده يجاهد ليخرج الحروف
: عمك أخطأ بحق أمه ..أمي السيدة الطيبة التي لم تأذيني ...
إنها لم تفعل سوى الكلام ..وهل كانت ستقتلني الكلمات ..
مرضت وماتت وأنا بعيد عنها كيف أعيدها يا هارون وأقول لها سامحيني يا أمي ..
كيف يا ابني
وأخذ يبكي الرجل الكبير وهو يغطي بيديه وجهه وهارون أمامه عاجز عن أن يهدئه أو يجد كلمة يقولها يخفف بها عنه ..
وبعد فترة همهم عمه : إفعل الصح بني ..إفعل ما لم أقدر أنا على فعله ..
واجه مشاكلك مع أمك بعقل فقدته أنا بلحظة ضعف ..
حافظ على زوجتك فكراماتها من كرامتك ..
قود عائلتك نحو بر الأمان دون أن تخسر دينك ..
وأدعو لعمك أن يغفر الله له ..
أغمض هارون عينيه وغمغم بالدعاء لعمه ثم ساعده على الاستلقاء
.......
كانت وهارون يساعدانه في الوضوء لصلاة الفجر ..
أصر أن يمدوا له سجادة الصلاة ليصلي وقفوا جميعاً معه ليصلوا خلفه بأخر سجدة ظل على السجادة ولم يرفع رأسه سلم هارون والباسمة بعد شعورهم أنه أطال السجود اقتربوا منه يحركوه بلطف اعتقاداً إنها إغماءة أصابته كالعادة ولكن عندما لامسوه عرفوا إنه ذهب ..
العم حسن مات ...
حمله هارون ووضعه على الفراش وعاد لتلك التي كانت تحرك رأسها يمين ويسار برفض هبط على ركبتيه أمامها مردداً
: إنا لله وإنا إليه راجعون
يردد ويردد لعلها تسمعه وتبرد قلبها بقولها ولكنها أدارت رأسها ناحية والدها وأخذت تبكي فأخذها بحضنه باكياً معها
صوتها الذي ضاع مع صراخاتها المستمرة ... حركتها العنيفة الهاربة من أحضانه كل محاولاته كانت لكبح حركتها لخوفه عليها من الانهيار ظل الصراع بين المحب الخائف والمكلومة بفقد والدها فترة حتى تركت نفسها أخيراً مستسلمة لحضنه تنهت بقوة ..
تنهت حتى سكنت تماماً حتى كاد يعتقد إنها غابت عن الوعي تلاشت قوتها من داخلها فقدت العزيز فقدت أخر ما جعلها تتمسك بتلك الحياة وعند احساسها بذلك ابتعدت بلطف عن أحضانه متمتمة بكلمة ظلت ترددها : انتهى ..انتهى
وتحركت ببساطة ناحية والدها تقبل جبينه ثم همست
: إنا لله وإنا إليه راجعون ...
إنا لله وإنا إليه راجعون ...
.......

صماء مع سبق الاصرار ..
تلمس هارون سماعة الأذن التي بيده بإحباط ...
تركها لها تعني شيء واحد أنها تريد ان تُخرس الأصوات حولها ..
تلقي بالسماعة وتغلق عينيها معظم الوقت هي طريقة الباسمة في الانفصال عن أصوات خبيثة حولها ...

تزوج الصماء لماذا تأخرت في الحمل هل هي مثل أمها لا تنجب وكأن أمها لم تنجبها ..

أمه لا تساعد أبداً صحيح لا تشارك بتلك الهمسات ولكنها لا تبترها وهو لا يدري ماذا يفعل معها ..
وخاصةً وهو يشعر أن صمت الباسمة لن يؤدي لنتيجة جيدة ..
لا حول ولا قوة إلا بالله يرددها ثم يقف من خلف الباب يراقبها بخفية لازالت تحوم بالمنزل بخطواتها الرقيقة طريقة أخرى للباسمة تخرج بها شحنة غضبها وتعود له باسمة ...
لكن منذ وفاة عمه منذ ما يزيد عن الشهر وهي تفعل كل ذلك دون أن تعود له الباسمة ..
لم تترك شقة عمه فعل أخر يوجع قلبه ولا يدري ماذا يفعل معها ..
تجنب لفت نظرها ولكن إلى متى ..
........

: ولمتى ستظل بشقة والدها
جلس هارون أمام أبيه الذي تضاعف عمره بعد وفاة أخيه : حتى تهدأ أحزانها قليلاً
اشاح علي بيده :إذن ستنتظر العمر كله ....وهل فراق أبيها سيجعلها يوما تنساه ..
لا أعرف بماذا يعلموكوا بالمدارس ... هل عندما أموت ستنساني أم ستضعني دائماً في ركن خفي بقلبك وتداوم الحياة
:أبي
ردد خلفه بسخرية : أبي..
اقترب من ابنه بجدية : تعلم يا هارون من أبيك الجاهل الذي ترك المدارس لفشله فيها ..لا تترك زوجتك تواجه احزانها بمفردها ..
: لكنها لا تريد
عاد بظهره للخلف هاتفاً بغضب : لا تريد مواساتك الظاهرية
مسح هارون على وجهه بكلتا يديه : أنا نفسي مكلوم بوفاة عمي
نطق بنفاذ صبر : وهل حزنك يساوي حزن البنت على فقدان أبيها
: أرادت الخصوصية
هتف علي بغضب : بل أرادت حربك لتقتحم خصوصيتها
هتف هارون بقيلة حيلة : أبي أنا لا أعرف كيفية التصرف معها أصبحت أكثر انغلاقا على نفسها
: أحببت مجالستها بفرحها وكرهته بحزنها
انتفض هارون بحمية : لا والله
: إذن بني لا تتركها تفهم ذلك لأني لو مكانها كنت تخيلت مثلها


"أصون كرامتي من قبل حبي
فإن النفس عندي فوق قلبي
رضيت هوانها فيما تقاسي
وما إذلالها في الحب دأبي
فما هنت لغيرك في هواها
ولا مالت لغيرك في التصبي
ولكني أردت هوى عفيفاً
ورمت لك الهنا في ظل قربي
تبادلني الغرام على وفاء
وأسقيك الرضا من كأس حبي
ولما أيقنت روحي بشر
وكان الغدر في عينيك ينبي
هجرتك والأسى يدمي فؤادي
وصنت كرامتي من قبل حبي

كانت بشقتها تجمع بعض الأغراض التي تحتاجها بشقة أبيها عندما سمعت هارون يدلف للشقة ويصادف أن يصدح هاتفه برناته.. للحق لم يعد يتحدث معهن ولكنه لا يقدم على فعل يريحها ويقطع هذا الطريق فاليوم هو لديه القدرة على المقاومة لكن ماذا تفعل عندما يأتي يوم تتلاشى فيه مقاومته ...
فخلعت السماعة من أذنها بنفس اللحظة التي دخل بها غرفتهم فارتبك للحظة لكن عاد لصلابته عندما شاهد السماعة بيدها بفعلة تذكرها بالماضي عندما كان يفعلها ظناً منه إنها لا تسمعه فتقرأ حركة شفتيه الهامسة والضاحكة فأثار الأمر غثيانها لمجرد تذكرها لخزي صمتها
فشعرت ببرودة تسري بعروقها مسببة الشلل بأطرافها استندت على الخزانة التي تقف بجانبها وسقطت الأشياء التي تحملها وأغمضت عينيها ...
صعب أن تشعر بأنه تُستغل تحديداً بإعاقتك ..
بمجرد أن شاهد وقفتها الضعيفة تخلص من الهاتف وحملها ووضعها برفق على فراشهم الوثير ثم دار من الناحية الأخرى وصعد بجانبها ليشدها إليه برفق حتى تستريح على صدره دون أن يحادثها أو تبدي هي أي استعداد ..
كانت لحظة هامة لهما معاً أن يشعرها بنبضات قلبه حتى لو لم تسمعها بإصرارها على عدم التواصل معه وتركها لسماعة الأذن .. أخرجه من أفكاره التي تحاول الوصول لطريقة تساعده على إيصال مشاعره ناحيتها همسها الضعيف
: لقد افتقدته .. انتظر بكل لحظة أن يظهر لي فيحدثني بضحكته المميزة إنه كان يضاحكني وإنه لازال موجود ..
أغمض عينيه بتعب كيف يرد عليها ويخبرها أن أبيها سيظل موجود بذاكرتك وقلبك فبدل من الكلام أخذ يمسح بيده الحرة بهدوء على شعرها وظهرها لتعاود همسها
: أنا أحبك
ثبتت يده على شعرها يكاد النفس لا يخرج من صدره أول مرة تنطقها ... أول مرة يسمع منها كلمات حب صادقة ليهمس لها : وأنا أعشقك
ولكنها لم تسمعه أرادها ان تسمعه لتفاجأه بقولها
: ولكني أحب كرامتي التي دوست عليها أكثر
ينتظرها أن تكمل فقد شعر بانقباض بقلبه ولم تكذب ظنونه
ابتعدت عنه وكأنها لم تلقي بقذيفة من العيار الثقيل على رأسه
: طلقني
وغادرت.. تركته بمكانه...وجَرؤت بالخروج من الغرفة بل من شقتهما ...
انتفض من مجلسه يدور بالغرفة يمنع نفسه من الانقضاض عليها وصفعها على الكلمة التي نطقت بها .. يكاد يشد شعره وهو يوبخ نفسه على استمراره بعدم مراعاتها وتأخره بأخذ إجراء قاطع ضد تجاوزات أمه ورنات هاتفه التي كانت تحزنها معتقداً إنه بهذه الطريقة يمتلك زمام الأمور ويمتلك حريته ..
: غبي وكأنه أمر يستحق حتى تثبت به حريتك ورجولتك ..
يتذكر الأن إشاراتها المتكررة كلما سمعته يحادث إحداهن لقد فهمها ولكنه أدعى عدم فهمها ..
فهم إنها تردد له الحديث الشريف

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنْ الزِّنَا مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ...
صحيح مسلم
: استغفر الله العظيم ..
كيف تجاهلت و سقطت في فخ الرجولة المزعومه ..فخ لسان أصدقائي بأنك سُجنت في قفص الزواج يا رجل وستتحكم بك بعد الأن ظروف تسمى زوجتك ..
فلن تتهنى بصحبة الأصدقاء ولا بمهاتفة النساء ..
صحيح لم يعد لشقة المرح ولكنها تلك المحادثات التي كان يقوم بها قبل ثورتها عليه .. وهاتف رقمه لازال باب لم يغلقه ودخل منه الشيطان ليفرق بينه وبين ابنة عمه وزوجته
وقف عن الحركة يهتف بغضب
: بل حبيبتي
نظر حوله يبحث عن هاتفه فيجده بالأرض بجانب دفتر وردي يخص الباسمة حملهما بيده وتوجه لطرف الفراش وأخرج من الهاتف الشريحة وكسرها ليغلق هذا الباب بعزيمة ورغبة باسترداد باسمته ..
وبينما يعيد الهاتف على الطاولة بجانب الفراش يده حركة المذكرات الوردية لتسقط على الأرض لتفتح على الصفحة التي كتبتها الباسمة بدموعها لتلفت نظره كلمت كذبت فتجرأ وأخذ يقرأها
كذبت عليك يا أبي...
لأول مرة أفعلها ...
نظرت بعينيك وبجرأة قلت لك أني حامل
ما أصعبها من حروف كاذبة خرجت من لسان كان يدعو الله الصدق بها
أبي تمنيت اليوم أن أبشرك بقلبي بحملي من رفيق أيامي وتوأم روحي كنت أتمنى ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ...
أبي أدعو لي بحمل البذرة التي أن فارقني صاحبها بقيت هي ترافق أيامي
أدعو لي يا أبي أن يتحمل هارون قربي حتى يمنحني نبضة قلب صغيرة بأحشائي تمنحني الحياة وبعدها أقسم لك أن أمنحه مباركتي للارتباط بمن يريد حتى لو ذبحتني الغيرة وتمزق الفؤاد لوعةً
أغلق المذكرات فما قرأه يكفيه ليتأكد من حبها..و ليتأكد من غباء شكه أن تكون تناولت ما يمنع حملها ..
للمرة الألف سامحيني يا باسمة قلبي فتلك ليست أمنيتك وحدك بل أكبر أمنياتي أن تحملي طفلي ليربطك بهارون الجبل الذي سقط من عليائه بحبك ..
فتح الجارور بجانب الفراش ليضع دفترها الوردي لتقع عيناه على علبة فاتح الشهية التي كانت تحرص على تناولها بوقت من الأوقات حتى منعتها الطبيبة ..أمسكها بيده يقلبها وفجأة أغمض عينه برعب وفتحها وأمسك واحده منهم ليضيق بين عينيه بتوجس بحجمها الصغير جداً الذي لا تتناسب مع حجم فواتح الشهية والمقويات التي يعرفها
وقف يردد : يا رب سترك ... يا رب سترك
ثم انطلق خارجاً ليتبين الحقيقة التي ما إن اكتشفها حتى كاد يغيب عن الوعي ..عبوة دواء لفاتح شهية بداخلها سم مغلف بالسكر ..كيف لم ينتبه إنها فكرة أمه ..كيف لم ينتبه أن أمه كانت واثقة من عدم حمل الباسمة ..كيف يا هارون يا رجل الشرطة لم تتبين خبث الأفكار والنوايا عندما تتحكم الغيرة بالقلوب ..
جلس على سلم بيتهم أمام باب شقة والده وهو يحاوط رأسه بيديه مغمغماً
: كيف يا عمي سأفعلها ..كيف سأحكم عقلي ..
كيف سأحفظ ديني ..كيف ..
لماذا لم تخبرني بالطريق الذي سأسير به..
كيف نبرهم وهم من يقودونا لعصيانك يا إلاهي ..
هل لتلك الدرجة صعبه ..
نعم إنها صعبة يا هارون وإلا لم يبلغنا سبحانه وتعالى بوصيته بهم بكتابه العزيز ..
صعبه يا إلهي ..والله صعبه

بسم الله الرحمن الرحيم
وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا.
صدق الله العظيم
(لقمان14-15)


لم تصدق أمه عندما خرجت من شقتها فتجد ابنها البكري على درجات السلم يعاني ..
لتجلس بجانبه تأخذ رأسه بحضنها
: هارون بني ... ما الذي يؤلمك حبيبي ...فداك قلبي يا نور عيني ..يا رب خذ عمري ولا تحزن ابني ..يا رب
كانت تبكي وتتساقط دموعها على رأس ابنها المكلوم ليهز رأسه بحضنها ويرفعه بينما هي تمسح دموعه ..فيمسك بيدها بين يديه ينظر لها يكتم غضبه عليها فهي بتلك اليد حضنته وبها أعطت زوجته ما يمنعها من حمل ابنه ..هي لحظة غضب تملكته وهو يستمع لدعائها على نفسها بالموت بمقابل سعادته ..فيقبلها ثم ينظر لها بضعف
: أمي أنا أحبك وأنتِ تحبيني أليس كذلك
: أحبك فقط لا والله بل أنا أفديك بروحي
: أنا أعرف أن دعوة الأم مستجابة هل تدعي لي من فضلك
: بليلي ونهاري أدعيلك يا ابن قلبي
: الباسمة تريد تركي وأنا أموت بدونها ..ابنك لأول مرة بحياته يحب ..هل تدعو لي براحة البال
ابتعدت اعتماد و بامتعاض اجابته : ولماذا تريد ابنة أمال تركك وهل كانت ..
قاطعها هارون بفكرة راودته فجأة : لقد وجدتها أمس تصرخ بكلام غير مفهوم عن علب دواء كنتِ تحضريها لها ..وعندما حاولت الاستفهام منها وجدتها تهمس بكلمات مثل مانع للحمل أو ما شابه ثم صمتت فجأة والدموع تغرق وجهها وهي تردد بحسبي الله ونعم الوكيل ثم طلبت الطلاق واعتصمت بشقة عمي ..
ثم حدق بها : هل تعرفي شيء عن كلامها ذلك
وقفت أمه وهي تعصر يديها برعب جلي : ومن أين لي أن أعرف ثم أين ذلك الدواء
: الغريب أنها ألقت بها من النافذة وعندما خرجت ابحث عنها لم أجدها
بلعت الغصة بحلقها وهي تبتسم باضطراب : بسمة حزينة لموت أبيها ولابد إنها كانت بتلك الحالات التي تصيب المكلومين
هارون بهمس وهو ينظر لها بتدقيق : هيسترية
انتفضت هاتفة : نعم تلك ..أكيد هي السبب أيضاً بطلبها الغير معقول بالانفصال عنك ..
أمسكت يديه وحثته للوقوف
: أصعد حبيبي لها إنه واجبك أن تتحملها وتساعدها على تخطي حزنها ..أم تريد مني أن أكلمها .
وقف أمامها بقوة أجفلتها وهو ينظر لها بعيون حادة : أفهم من ذلك إنك لن تعترضي على مواساتي لها والإهتمام بها ..وإنها لظروفها الخاصة وضعفها الظاهر لن تجعليها تساعدك بشئون البيت وتكتفي بشئون بيتها .. وإنه لا بد أن تحتفظ بخصوصياتها بشقتها ..أليس كذلك ولن أنسى بالطبع عدم ترديدك لأمر زواجي المرتقب بغيرها نتيجة عدم حملها والأكيد عدم تنغيص حياتها بتذكيرها بنجلاء أو حمل رباب
أجفلت إعتماد من نبرة هارون وتهديده الواضح فأرخت رموشها تغطي اتضطراب نظراتها : نعم بني حتى أنني سأحضر لك مفتاح شقتك حتى تضمن ذلك
هز هارون رأسه وهتف : نعم يا أمي غداً صباحاً سأمر عليك لأخذه منك وبعد عودتي من عملي سأحضر لكِ جهاز هاتف تستطيعي مهاتفة رباب منه ..
ثم قبلها يديها وبلطف زائد : لن أنسى لكِ يا أمي أبداً تفهمك ورعايتك للباسمة ونصيحتك لي ودعواتك لولا ذلك كنت أخذتها بعيد يا أمي بعيد جداً لترتاح قليلاً بل لنرتاح جميعاً..
هتفت باكيةً : لا لا بني ..لن أكون سبب بحزنها أبداً او تعبها فهي حبيبة ابني ..لن تفعلها يا هارون أليس كذلك ..لن تبعد عن أمك
ظلت تنتظر رده وهي تكاد تموت رعباً ان ينفذ تهديده
فهمس : ولما أسافر ..
ثم تركها بمكانها تكاد تذوب خجلاً من فعلتها وإحساسها إنها كادت تخسر ابنها وعادت لشقتها لتصطدم بعلي الذي نظر لها باحتقار وهو يقترب منها فتراجعت حتى اوقفها لطمته التي أدارت وجهها ثم أمسكها من عضديها يهزها وقد غاب عقله
: كيف فكرت ودبرت ونفذتي بغفلة منا ..كيف تحولتي لهذا الشيطان ..كيف كنت أعيش مع إمرأة مثلك حية بثوب براق كيف
كانت تهز رأسها برعب فهمست وهي تجمع الكلمات : لا لا لم أقصد ..لم أفعلها ..
:لا زلتِ تقولي لم تفعليها لا تكذبي
صرخت به وهي تبتعد عن مجال يديه التي تريد البطش بها : فعلت ما يجب ..فعلت فقط ما يجب
كان يدور حولها يتبعها من مكان لأخر وهي تهرب أمامه : ما يجب هل أنتِ مجنونة هل تريدي أن تقنعيني الأن أنك أمرأة مجنونه فاعذرك .. لكن اسمعي حتى لو مجنونة لن أعذرك هل تفهمي
جلست أرضاً وهي تنوح : فعلتها من أجلها هي... من أجل الباسمة
صرخ بها بجنون من علو : من أجلها تحريميها من الذرية ... تحرمي ابنك
رفعت رأسها تشاهده كالأسد الذي يريد إفتراسها فأخذت تصرخ بكلماتها وهي ترفع يديها تحمي بها وجهها : نعم نعم فعلتها ..نعم ألا ترى ما أراه هل أنا فقط التي ترى صباح ..
بهت علي من سماع كلماتها واستمرارها بالصراخ بها
:صدمتني الباسمة عندما عادت لنا ..صدمتني قوتها وثقتها بنفسها ..رأيت صباح أمامي
رأيت قوة أمك ..أردت فقط أن أكبح قوتها قليلاً ..كان سيذوب فيها هارون
أمسكها من كتفيها يوقفها أمامه وهو يحدثها وقد غرقت عينيه بدموع القهر : هل ترديني عندما أقابل أخي ويعاتبني لما لم أحمي ابنته أقول له أن زوجتي رأت أمك في ابنتك ..هل تريديني أن أجن يا إمرأة
ابتعدت عنه وهي تحرك رأسها يمين ويسار : لم أراها كما تتصور كجني تلبسها او تلبسني ..رأيتها قوية واثقة محبوبة ..لم يكن هارون سيظل طويلاً دون أن يدرك حبه لها بل عشقه الذي لمحته بعينيه عندما شاهدها أول يوم خطت بقدميها بيتنا ..رأيت العشق الذي يُنسي الرجل حاله ويُلغي بها عقله ويهرول خلفها
ظل يتلفت حوله بتيه وهو يرفع يديه بعدم فهم : لا أفهم وما علاقة ذلك بتلك ..لماذا أردتي منعها من الحمل
: بل التأخير بالحمل فقط .. عدة شهور حتى أكبح جماحها أكبح ثقتها أميت صباح بصدرها قبل ان تغرقنا جميعاً ..
ثم همست بتعب وهي تنهت : رأيت نفسي عندما كنت صغيرة ودخلت هذا البيت وحملت بهارون كنت أمشي مختالة بينكم أكيد لأمال لتأخرها وأتدلل عليك ..تذكرت كل ذلك فأنا كنت أفعل ذلك وأنا صغيرة وضعيفة فما بالك الباسمة شبيهة أمك ماذا ستفعل عندما تدرك عشق زوجها وأيضاً تحمل بطفله الأول
جلس وقد هده ما سمعه وهو يضغط بيديه على جانبي رأسه : لا أصدق ما اسمعه ..لا أصدق
ركعت أمامه وهي تبكي : صدقني يا على لقد توقفت قبل وفاة حسن لم يعد لديها غير علبة واحدة وهي لا أدري كيف علمت بأمرها ورمتها
حرك رأسه وهو يهتف بها : وهل تصدقي ابنك وحكايته ..هارون فقط الذي عرف بفعلتك القذرة ..
لو عرفت الباسمة هل كانت ستظل هنا بقوتها التي تدعي ..أو كانت صمتت عنك ..
لقد خسرتينا ابنك يا اعتماد ..
لقد خسرتينا ابنك يا اعتماد
كيف سأواجه بسمة وانظر بعينيها شبيهة أبوها ..
ثم أمسكها من كتفيها وهو يغرس أصابعه بلحمها وهو يصرخ بها
: و ماذا سأقول لهم عندما أقابلهم.... ماذا أقول لأمي وحسن عندما أقابلهم يا اعتماد ..
كنت ضعيف أمام تقويمك فكنت سأخسر أمانة أخي
لكن لا يا اعتماد لم يعد لك حياة بهذا البيت
قاطعته وهي تمسك يديه تقبلها و تشهق باكية : بالله عليك لا تفعلها وأوعدك لن أقرب من ابنة أخيك
لا تقسم بالله عليك ..ستقتلني يا علي لو فعلتها ..ارحمني بالله عليك
: وهل أنت رحمتي احد بأفعالك ..
ظلت تبكي بحرقة وتقبل يديه : سأموت يا علي ..من أجل أبناءك ليس من أجلي أنا أخطأت وأقسم لن أقربها ..
ظل مكانه ينظر لها راكعة أمامه وهو يقلب بعينيه ويفكر بأمرها... لا يستطيع بعد هذا العمر أن يفضح نفسه أمام خلق الله ..ماذا يقول الناس ..
وقف وهو يزيحها من أمامه بقرف وهتف بها
: سأظل بشقة أخي ..ليس من أجلك يا اعتماد بل من أجل أولادي والباسمة التي لا أريدها ان تشعر بالقهر من عمها الذي وعدها بالحماية ولم يفعل
اقتربت تحاول ان تقنعه وأمسكت ذراعه بترجي : : أرجوك يا علي ظل هنا حتى بغرفة هارون
أزاح يدها واقترب من رأسها وهو يجز على اسنانه : من مصلحتك أن تدعيني أبعد عنك ..الحمد لله الذي كشفك وكشف ألاعيبك فتخسري ما كنتِ تحاربي وتتأمري من أجله..
ابنك وزوجك يا اعتماد
........
دلف لشقة عمه لباسمة قلبه الذي لولا وصية أبوها له كان خسر دنياه وأخرته
ولكن كيف سيعيدها لحضنه وكيف سيعيد ابتسامتها التي أصبحت الهواء الذي يتنفسه ..
وجدها بغرفتها وعلى فراشها تقرأ في إحدى كتبها جلس بجانبها فأدارت له ظهرها وحاولت أن تخلع السماعة فأمسك يديها هامساً
: من فضلك دعيها وإن لم يعجبك كلامي سأتركك من نفسي
تركتها من أجله ومن أجلها أرادت سماعه وبقوة ماذا يمكن أن يقوله ويجعلها تستمر بالحياة معه ..
شهقت وحاولت الابتعاد عندما وجدته يحل جديلتها التي لم تعد تتذكر متى أخر مرة تركت شعرها طليق ..
ثبتها أمامه وبهدوء : لا تحرميني من لمسه ورؤيته مسترسل فهو يكاد يقتلني وهو مخنوق داخل الجديلة
تركته يمرر أنامله بين خصلاته حتى فرده على ظهرها ولم يتركه من يده وهو يتمتم
: جميل ..رائع يا باسمتي
استسلمت للمساته الحانية فترة ثم أبعدته عندما أفاقت لنفسها وهبطت من على الفراش وهي تبعد عينيها عنه بخجل..
: لقد طلبت منك طلب
أخذ نفس عميق : لا تكرريها يا باسمة من فضلك لا تكرريها ..
أنا تركتك فترة لتريحي أعصابك وأظن أن الأوان أن نتحدث
صرخت به : لا أريد الحديث.. تلك الحياة لا أريدها ..لا أريد زوج يرفض أن يمس أمه حتى ولو أخطأت بينما يعاقب زوجته على أقل هفوة غير مقصودة ..
لا أريد زوج لا يحترمني ويتحدث مع الفتيات بالهاتف مستغلاً إعاقتي ..
لا أريد زوج لا يثق بي ....هل فهمت ..
حرك يده على جبينه وبألم : أريد دواء لألم الصداع الذي يفتك برأسي
وقفت شاحبة أمامه وهي تضم يديها لصدرها برعب : لا تستدر عطفي
رفع نظره بخوف عليها عندما أدرك حالتها وتذكرها لألم والدها
فاقترب منها أخذاً إياها بحضنه : حبيبتي أسف أقسم لكِ إنه صداع لا أقصد أن أستدر عطفك ..
أسف لأني سبب ألمك ..اسف لأني سبب حزنك ..أسف لأني سبب غياب بسمتك ..
أرجوكي تقبلي أسفي ..أرجوكي باسمتي ..
تركت قلبها يفكر وجسدها يستجيب لقبلاتها واعتذاره ..تركت عشقها له يتحكم بها ويقودها لسماعه عندما أجلسها أمامه يمسح دموعها التي لم تستطع كبتها
: لن استطيع التحمل يا هارون يكفي ..
أخرج هاتفه من جيبه وناوله لها
نظرت له بتيه دون أن تأخذه : ما هذا
وضعه بيدها وأحكم إغلاق أناملها عليه : انظري له وتأكدي بنفسك ..لا يحمل كلمة سر ..
حاولت أن تعيده له ورفض متمتمة : لا أريد
: بل يجب أن تريه ..يجب أن تعرفي أن هارون من الأن أصبح كتاب مفتوح أمامك لن يخذلك أبداً لن يستغل إعاقتك كما تقولي .. بل أكثر من ذلك لقد أخبرت أمي أنكِ من اللحظة لن تكوني مسئولة أبداً عن شقتها لتعود هي لتدبر حالها كما كان قبلاً حتى يمكن أن أجلب لها خادمة تساعدها كل فترة
همست بدهشة : وافقت
مسح على وجهها وبابتسامة : نعم وغداً ستجلب لي مفتاح شقتنا وسأحضر لها هاتف حديث تحادث به رباب ..
حركت رأسها يمين ويسار بذهول : لا أصدق
: بل صدقي حبيبتي
: كيف
تجنب النظر لها وهو يحبس بقلبه الكيفية التي أقنع بها أمه لن تحتاج الباسمة لذلك لن تحتاج أن تفقد الثقة بمن يحيط بها : أنا أردت قربك وحبك ورضاكي ألا يكفي تلك الأسباب أن استطيع بها محاربة العالم كله
ابتسمت بخجل وهي تنظر للأرض للحظة بتفكير ثم رفعت رأسها وهي تعض على شفتيها وهي ترفع الهاتف له : هل أنت أكيد أيضاً من ذلك الأمر
قبل يدها التي تحمل الهاتف وهو يهتف بسعادة : بل أكيد جداً باسمتي ولكِ كل الحق بعقابي إذا أكتشفت أمر كهذا مرة أخرى
تركت الهاتف جانباً ثم صمتت مرة أخرى وهي تفكر بالأمر الأخر الذي يؤرقها
:هناك أمر أخر يشغلك أليس كذلك
هزت رأسها بنعم ورفعت يديها تسأله بتوتر فأمسكهما فكانت يديها الصغيرة بين يده الكبيرة كعصفور صغير يرتجف من شدة البرودة فابتسم بلطف هامساً
: لا تجعلي بيننا حواجز وقلق حتى ولو كانت تلك الطريقة تريحك فهي بالمقابل تجعلني أشعر أني مقصر معكِ لدرجة أنك تتصوريني وحشاً سيلتهمك فتتوتري بوجودي
ثم لمس بأنامله ثغرها وبصوت أجش من العاطفة : صارحيني بأفكارك
همست بتلكؤ: لماذا شككت بي هل هي طبيعة عملك التي تجعلك تشك بكل شيء..
عندما لم يرد عليها ولاحظت توتره وابتعاده
فنظرت لعينه بعمق تقرأ الإجابة : لا ليست طبيعة عملك ماذا إذن هل هي خيانة
ما رأته الباسمة من ملامح الخزي ثم اسباله أهدابه ليبعد عينه عن مواجهتها
أعطتها الإجابة لتشهق واضعة يدها على فمها هامسة : إنها الخيانة
هذا الألم الذي ينغص عليك حياتك وجعلك تغرق في ملذاتك وتخوين أقرب الناس لك ..
ينطق أخيراً بصوت خالي من الحياة
: وهل الخيانة جسدية فقط ... من عشر سنوات شاب صغير ابن عائلة متوسطة الحال لأب تاجر غلال وقرية بالكاد يوجد اسمها عرضاً على اشارات المرور المهترئة كإشارة وحيدة على الطريق كان هو الأول الذي يلتحق بكلية الشرطة فيجلس يتربع موقعه على مكتب المسئولية ...
طاووس يتخيل إنه أصبح يملك سلطة ويملك الأولوية للحصول على أجمل بنت في القرية والذي كان مثار حسد كل شباب القرية بحصولي عليها
نجلاء كانت اسم على مسمى عامين من المؤشرات الواضحة إنها غُصبت على الزواج مني ولكني كنت من العنجهية حتى ألتقطها فمن بقريتنا التعيسة كان لا يحلم بالحصول على أفضل شبابها وأوسمهم ...
خلافات مع أمي لا تنتهي وغضبها كل حين ببيت أهلها المستمر ...
كانت بخيلة المشاعر والكلام ..و مع الوقت تحول وجهها الفاتن بعيني لوجه كرية من كثرة عبوسها وافتعال المشكلات ...
بعد أن كنت أجن حتى أحصل على عطلة لأقابلها وأتمتع باللجوء لأحضانها حتى ولو باردة أصبحت أتقبل الغياب بل أكثر من ذلك أصبحت أرفض العطلات و أمنحها بنفس راضية لزملائي ..
تحملت اقسم لكِ أني تحملت لكن كانت هناك القشة التي قسمت ظهري ..
النجلاء كانت لا تريد الإنجاب ... تخيلي أنها كانت تتناول ما يمنعها من الحصول على طفلي الذي كنت وعائلتي نهفو إليه ... والذي اكتشفت عبواته فجأة بين أثوابها وكتمته بصدري حتى أصل للحقيقة كاملة ..
وبابتسامة مريرة وهو ينظر لبعيد
: لقد تغلب عليا حسي الوظيفي وإن كنت أعتقد إن ما غلب عليا وقتها برود ونبذ لها فهي عكسك حبيبتي لم تمتلك قلبي ...
مد يده برهبة لموضع جنينه الذي يتمناه عند الباسمة وهو يحركها ببطء على بطنها المسطح ...
:كان هذا ما كان سيجعلني أتحمل لكن إذا كانت لا تريد فما الذي يجعلني أتحملها فهي لم تكسب قلبي الذي كنت على استعداد لتسليم حصونه لمن ارتضيت الارتباط بها وسعيت له ..لكنها نبذته ..
كسرت كبريائي وقتلت ببساطة النجاح الذي تتدرجت فيه في مجال عملي ..
أصبح لي شخصيتين واحدة أقابل بها الناس والأخرى لا استطيع حتى مقابلة نفسي بها بمرآة...
طلقتها لم يكن هناك أبسط من هذا القرار فحجتها بأنها كانت تريد التأكد من قدرتها على الاستمرار ببيت العائلة كما أسمته بالرغم من كونها كانت بشقة منفصلة ومعظم فترات وجودي بعملي كانت تقيم ببيت عائلتها لا تساوي خداعها لي بمنع نفسها من الإنجاب دون علمي .. ولا بالخيانة عندما علمت أسبابها الحقيقية والذي كان ابن خالتها الذي كانت تحبه ولكن أبوها رفضه لأنه بالمقارنة بهارون العابد كفة الميزان كانت لصالح اسمي بمراحل ...
طلقتها في جمع لأسرتينا عندما أرادوا التقريب بيننا فمبجرد ما قالت إنها تريد حياة منفصلة وشقة بالقرب من مكان عملي والذي كان بمحافظة أخرى وقفت بكل برود وقلت لها أسرتي أولاً وأنتِ طالق ...
صدقيني النظرة التي رأيتها في عينيها كانت تستحق فمهما كان المرأة تخونها ثقتها بنفسها عند الرفض وخاصة على الملأ .. تلك النظرة ردت لي جزء من كرامتي كرجل ..
بعد شهور العدة تزوجت ابن خالتها في غرفة صغيرة بشقة أمه وبظروف معيشية صعبة وأصبح الناس يروا أنها انحدر بها الحال ولكن.. أنا فقط ..أنا فقط يا باسمة أعلم أنها نالت النجوم بحصولها على حبيبها ...
أنا فقط الأن وبعد حبي لك أعلم معنى أن نحصل على الحبيب..اذا قلت إنه شعور يشبه لمس النجوم فأنا أكذب.. فهو شعور يشبه بنظري العيش بالجنه ....
اقترب منها وهو يحاوطها بذراعيه يحبسها بين ضلوعه
: امنحيني الحق بجنتك باسمتي امنحي انسان لازال يتعلم بخطى طفل يحبو كيف يثق وكيف يعبر عن حبه ..
ابتعدت تنظر له وهي داخل مجال ذراعيه عيونه اللامعة التي تعشقهم باحت لها بصدق حروفه التي خرجت من بين شفتاه لتلمس قلبها وتنشر الفرحة بدمها فردت بكلمات من ثغرها الباسم برقة حروفها المتأنية
: هل تعلم ان تصرفك الذي أردت منه رد كرامتك هو تصرف بمنتهى الرجولة ....الأن وأنت تدعي أنك كنت بمنتهى الضعف وبقمة جرحك كرجل تقول أنك اكتفيت أن تطلقها واكتفيت منها بنظرة مكسورة ليست من حقها برد جزء من كرامتك أشعر أني حصلت على جنتي مع رجل يستحق ...
وقفت أمامه بفخر رافعة الراس وهي تشير بيدها دون نطق الحروف : جبل كأسمك يا هارون ..
ثم أشارت لقلبها الذي حملته كطفل صغير ناحيته : هو لك
............................
بعد مرور عام ..
من الحب والكثير من الغيرة وسط صمت اعتماد المحاصر بنظرات علي الحادة
كانت متكئةً على الفراش بمستشفى الولادة تنظربحب لعمها ورباب التي جاءت بعطلة وهم يتدافعا حول اعتماد لرؤية ابنتها
أخيراً استطاعت رباب حملها بحب وأخذت تقبلها لتعود لتأخذها اعتماد من يدها وهي توبخها
: اتركيها و إذهبي لابنتك التي تركتيها لإحسان تربيها
: أمي أرجوكِ أريد أن أرى لمن تشبه
تحركت اعتماد وهي تضعها بأحضان الباسمة التي يحاوطها هارون من لحظة خروجها من غرفة الولادة
: لا تتعبي نفسك يا رباب إنها نسخة من أمها لم تأخذ منا أي لمحة ولو قليلة
فينظر هارون للفتاة الملفوفة بلفات من اللون الوردي
: حقاً ..
فنظرت له الباسمة بتوجس خفيف ضاع تماماً مع قبله هارون على جبينها بعد أن قبل ابنته ويهتف بكلمات صادقة نابعة بتأثر من قلبه
: الحمدلله لقد استجاب الله لدعائي ووهبني بسمة
همست بخجل : حقاً ستسميها بسمة
ضحك هامساً : وسأزرع لها صفصافة تجاور الأخرى التي زرعتها لك
ظلت تنظر له وهي تكابد تساقط دموع فرحها بلطفه معها وحنيته التي غمرتها
فهمس لها بحب عندما رأى دموعها
: ما بكِ حبيبتي ..لما الدموع
ابتسمت له للحظة واحدة قبل أن تختفي وتقابل نظرته المحبة بعبوس بسبب تكرار سماعها لنغمات رسائل ورنات فيضحك عالياً وهو يهمس لها وحدها وهو يفتح شاشة الهاتف أمامها : إفهمي حبيبتي إنهم أصدقائي و زملائي بالعمل يهنأوني بالمولود وسلامتك
تدير رأسها بخجل : أنا أحاول ولكنها تلك الغيرة التي لا تعرف الفهم
ضحك وهو يحاوطها بحب يهمس لها ويضع كفها على موضع قلبه : أحبك هل تحسيها هل تشعري بما يبوح به قلبي ..هل تحسي بدقاته ..
خفقاته تؤلم صدري يا حبيبتي لهفة وشوق لكِ..
أرجوكِ امنحيني فرصة أرد لكِ جميلك بمنحي الحياة ..
هزت رأسها وهي تكابد لمنع دموعها ولا تستطيع فوضعت رأسها على كتفه متمتمةً
: يا الله يا رحيم أن الكلمات تعجز عن وصف سعادتي اللهم لك الحمد ..


...... تمت ......
2/5/2018
10/5/2018





إهداء إلى ..
إهداء إلى كل باسمة استطاعت أن تملأنا حياة
وإهداء لكل من نظر لبسمتها فعرف إن كانت سخرية أم فرح
إهداء إلى من فك رموز ابتسامتي وحافظ عليها ..
إليك أنت ...


=============================





بسم الله الرحمن الرحيم
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)
صدق الله العظيم
سورة ق



لا تجعلوا القراءة تلهيكم عن الصلاة
لا أبيح ولا أحلل نقل الباسمة دون الرجوع لي
اللهم بلغت اللهم فاشهد




كلمة لصديقاتي الأعزاء...

الأحداث من خيالي وهي تعبر عن واقع قرأته بالمشاكل الأسرية على مواقع التواصل الاجتماعي ..
الباسمة أرادت الحب وتناست حقوقها واكتشفت بالنهاية أنها حصلت على العشق عندما بحثت عن حقوقها وتمسكت بالحصول عليها ...
هارون أراد الشعور بأنه محبوب ومرغوب من زوجته وأنها تحارب من أجله ونسى أنها لن تحارب إن لم يقدم لها حبه ودعمه ...والأهم العدل ..
الجميع ينتظر الانتقام من اعتماد على أفعالها ..وهل هناك انتقام أكثر أن تجد نفسها بين من تحب بهذا الضعف والخنوع أو أن تجد ابنها الذي كان يتمنى رضاها بهذه الحيادية أو الأصح العدل...
ليلى طفلة تحب الأطفال وكما لم تظلم زوجها الأول رفضت ظلم الباسمة أيضاً من أجلهم .. ولنا لقاء معها بنوفيلا قيد التفكير إن شاء الله واسميتها ..عندما يأتي المساء..

ولمن لديها مشكلة مع الفاتنات مسببة مشاكل لا تنتهي مع زوجك أريد منكن تجربة الأتي .. قولي لزوجك ..أمك أولاً بشرط أنا التي تليها فوراً بمعنى قبل أخوك قبل أختك قبل حتى ابنتك إذا وافقك خذي منه عهد ووعد وذكريه دائماً إذا تناسى بيوم ...
لا أدري إذا كانت نصيحتي بمحلها لكن هذه رسالتي التي اعتنقها ..
الأم أولاً...
بالنهاية لكل من شاركني بتجربتي الثانية ..
جزاكم الله خيراً.. ..
بحبكم في الله....

روتيلا حسن



bluemay 10-05-18 08:55 AM

رد: الباسمة
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


سلمت يداك

كانت رحلة سريعة وخفيفة وكم يؤسفني تفويتها


نتمنى عودتك برائعة اخرى قريباً

*تم التثبيت*

تقبّلي خالص ودي

روتيلا 10-05-18 04:44 PM

رد: الباسمة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة bluemay (المشاركة 3701844)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


سلمت يداك

كانت رحلة سريعة وخفيفة وكم يؤسفني تفويتها


نتمنى عودتك برائعة اخرى قريباً

*تم التثبيت*

تقبّلي خالص ودي



إن شاء الله ..
أشكرك حبيبتي ..

حسن الخلق 11-05-18 12:39 AM

رد: الباسمة
 
http://www.liilas.com/up/uploads/lii...7483282911.gifhttp://www.liilas.com/up/uploads/lii...7483282932.gifhttp://www.liilas.com/up/uploads/lii...7483282933.gifhttp://www.liilas.com/up/uploads/lii...7483282944.gifhttp://www.liilas.com/up/uploads/lii...7483282945.gifhttp://www.liilas.com/up/uploads/lii...7483282956.gifhttp://www.liilas.com/up/uploads/lii...7483591881.gifhttp://www.liilas.com/up/uploads/lii...7483591882.gifhttp://www.liilas.com/up/uploads/lii...2748359193.gif

الف مبروك انتهاء الباسمة بالبسمة و المودة و المشاعر الراقية
انا لسه هقرأ بقية الاحداث :lol: و لنا لقاء باذن الله :peace:
تحياتي لك و خالص ودي
عقبال المئات من الروايات الحلوة يا رب

روتيلا 11-05-18 03:18 AM

رد: الباسمة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسن الخلق (المشاركة 3701873)

الف مبروك انتهاء الباسمة بالبسمة و المودة و المشاعر الراقية
انا لسه هقرأ بقية الاحداث :lol: و لنا لقاء باذن الله :peace:
تحياتي لك و خالص ودي
عقبال المئات من الروايات الحلوة يا رب



الله يبارك فيكِ ..
إن شاء الله حبيبتي ..

يكفيني سعادة وجودك و دعمك ربنا يجعله إن شاء بميزان حسناتك...

اشكرك من قلبي ...


fadi azar 27-09-18 08:51 PM

رد: الباسمة
 
رواية رائعة جدا


الساعة الآن 01:08 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية