منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء (https://www.liilas.com/vb3/f498/)
-   -   دقات ساعة - خليجية - بقلمي \ منى الليلي ( ام حمدة) (https://www.liilas.com/vb3/t204882.html)

ام حمدة 03-08-17 07:57 PM

دقات ساعة - خليجية - بقلمي \ منى الليلي ( ام حمدة)..... كاملة
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مرحبا يا صبايا.... رجعتلكم بقصة ثانية وأحدااااااث مشووووووقة وحكاية مختلفة
مع أبطال جدد ( ذيب ..... شما )
السرد فصحى... والحوار عامي...
راح أنزلها كلها.... هي تقريبا 42 صفحة وورد وإن شاء الله تنزيل راح يكون باجر
يوم الجمعة على الليل باذن الله...

الملخص....

مع دقات الساعة.. انتهى عام بأحداثه السابقة، وأقبل آخر يحمل
أحداثا لاحقة.... وبين عام وعام هناك حكاية...
تسطر نهايتها... دقات الساعة.
************
دن.. دن... واقتربت عقاربك يا ساعة .
تن... تن.. وها هو يومك يزف.
يوم يمضي وشهور تسري لتعلني عن النهاية .
تطوين صفحة الماضي بأفراحها وأتراحها...
وتفرشين بياض نسطر به حياة جديدة .
نكتب أحلامنا وأماني نصبوا لتحقيقها .
فتنادينا أن نسعى للمستقبل بعيون مشرقة...
وأن نرتضي بما يسوقه لنا القدر من محن.
دن.. دن.. دقت ساعتك، تعلني عن بزوغ فجر منير.
فتحركي يا ساعة، فلعلكي تجلبين لي عاما جديدا...
أحقق فيه ما أريد، وما تجول به أحلامي.
دندني بنغماتك العالية، لأطرب أسماعي وأرمي أوراقي المهترئة.
أناظرك بشوق، وأنتظرك بلهفة، لعل الله يخبئ لي الجميل بعامك هذا.

الخاطرة ... بقلمي

الغلاف ...

https://f.top4top.net/p_580rrzgb1.jpg

منال جمال محمد 04-08-17 02:05 PM

رد: دقات ساعة - خليجية - بقلمي \ منى الليلي ( ام حمدة)
 
رواية رائعة شكرا جزيلا لقلمك الجميل فيما خطه:55:

خديجةمغرب 04-08-17 04:33 PM

رد: دقات ساعة - خليجية - بقلمي \ منى الليلي ( ام حمدة)
 
merciiiii bbccpp ma cherie

ام حمدة 04-08-17 06:05 PM

رد: دقات ساعة - خليجية - بقلمي \ منى الليلي ( ام حمدة)..... كاملة
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

دن.. دن... واقتربت عقاربك يا ساعة .
تن... تن.. وها هو يومك يزف.
يوم يمضي وشهور تسري لتعلني عن النهاية .
تطوين صفحة الماضي بأفراحها وأتراحها...
وتفرشين بياض نسطر به حياة جديدة .
نكتب أحلامنا وأماني نصبوا لتحقيقها .
فتنادينا أن نسعى للمستقبل بعيون مشرقة...
وأن نرتضي بما يسوقه لنا القدر من محن.
دن.. دن.. دقت ساعتك، تعلني عن بزوغ فجر منير.
فتحركي يا ساعة، فلعلكي تجلبين لي عاما جديدا...
أحقق فيه ما أريد، وما تجول به أحلامي.
دندني بنغماتك العالية، لأطرب أسماعي وأرمي أوراقي المهترئة.
أناظرك بشوق، وأنتظرك بلهفة، لعل الله يخبئ لي الجميل بعامك هذا.
****************
وقفت تطالع نفسها بالمرآة وقد غدت آية من الجمال، كأنها حورية خرجت من قصص الخيال... بفستانها الأبيض المنفوش كما الأميرة، وبتاجها البراق الذي توسد سوادها لتغدوا كما الملكة متربعة عرشها، وقماش من الستان الأبيض المخرم بنقوش صغيرة وجميلة نام براحة على رأسها ثم تهدل خلفها كذيل طويل، وقسمات وجهها تلونت بأحلى الألوان على يد خبيرة بالتجميل، ولكن بالرغم من الألوان الجميلة والملامح الفتانة كانت عيناها تنطقان بالحزن والألم، ودموع عصية ترقرقت بمقلتيها لتغدوا عسليتيها كصفحة مرآة مصقولة.
تناظر نفسها دون أن تراها، فغلال العبودية هي كل ما تشاهده.
أيا فرحة قد انكفأت مبتعدة
أراك تقفين عني ملوحة
أناديك... فتولين الأدبار
وتخبريني بأنه حان أوان الشقاء
أراك ولا أرى سوى بياض كفنك
فمالي سوى الهجر والفناء.
أيا روح قد غلغلت بقيود العبودية
ومالِ لصراخك من مستمع
تناظرين باحثة عن النجاة...
فلا ترين سوى الخواء.
أهكذا تكافئيني يا دنيا؟؟
بحبال الجواري تلتف حولي كما الأفعى!!.
ألا ترين دموعي؟؟.. ألا تسمعين آهاتي؟؟.. آلا تشاهدين دمائي المنسكبة؟؟.
ابتعدي... فقد أهديتني الكثير، وما عدت أتحمل المزيد.

فتح الباب لتدخل امرأة قد سرق الزمن من عمرها الكثير، والمرض قد التهم البقية الباقية من روحها لتغدوا هشة سريعة العطب، ولكن من يدقق النظر بعينيها ترى روح أبية تأبى الفناء والرحيل قبل أن ترى أطفالها وقد تنعموا بالسعادة.
وقفت تتطلع لابنتها لثوان، وعيونها تجري عليها وقد غشيتها دموع الفرح.
- ما شاء الله عليج يا بنتي، صايرة حلوة .
وأخذت تذكر الله وتسمي عليها وترقيها لتحميها من العين، ومقلتيها تدمعان بالسعادة، وهمست بعدها بصوت مكتوم ومبحوح:
- الحمدالله إن الله أعطاني العمر وجفتج عروس، عقبال ما أجوف عيالج يا رب.
وكان الرد عكس ما توقعت.
- ما بي أتزوج يا يومه....
قالتها وهي ما تزال على وضعها بالوقوف وتتأمل بشكلها، فتوقفت الأم وتطلعت لابنتها لثوان ومن ثم اقتربت منها وأمسكت بيديها الباردتان كبرودة الجليد، وهمست لها بحب:
- ليش تقولين جذا يا بنتي؟؟.. خلاص... ما بقى شي وتروحين معاه، وانت أصلا صرتي حرمته من لما ملجتوا، هذا بس اشهار جدام الكل إنكم متزوجين.
كتمت أنينها الموجع، وآلامها الناضحة بصدر قد عانق الأهوال، وأغمضت عينيها بانكسار لتهطل ما كانت تحبسه، وهمست بعذاب وهي تشيح برأسها بعيدا:
- بس أنا ما بي، والله ما بي أتزوج...
هزت الأم يدها برقة تخرجها من توهانها.
- ليش يا بنتي؟؟.. ليش تعترضين لحكمة رب العالمين؟؟.. فعسى أن تكرهوا شيء هو خير لكم وعسى أن تحبوا شيء هو شر لكم، يا بنتي.. انت ما تعرفي الحكمة من زواجج منه، فلعله خير وبركة، وأصلا لين متى راح تظلين بدون زواج؟؟... العمر يركض وانت رافضة تتزوجين من أي واحد يتقدملج، وريلج يا بنتي شاريج ويبيج.
فتحت عينيها وناظرت شقيقتيها الجالستان بسكون وتناظرانها بقلة حيلة وشفقة لحال شقيقتهما الكبرى، ثم قالت بوجع استبد بخافقها من تناسيهم لوضعها:
- يا يومه.. أنا ما يصير إني أتزوج، ما يحق لي الزواج وأنا بهذي الحالة، وثاني شي انت تعرفين إني مجبورة عليه.
عضت شفتيها تكتم نوبة من البكاء توشك على الخروج فسارعت الأم تتلقفها بأحضانها وتهدهدها وتعطيها الأمان الذي تناشده، فتشبثت بها تبحث عن أمان تشعر به سحب من تحت قدميها، وسعادة سرقت من بين يديها، واستقرار تزلزل ليتفتت لأجزاء صغيرة غير قادرة على تجميعه.

أبكي دموع العجز هادرة
وأسكبها لعلها تريحني من آلامي العميقة
أنازعها الرحيل....
فتجبرني على ذرف المزيد
أيا زمن... مالي أراك وقد صددت عني؟؟
أتراك قد نويت لي البؤس؟؟
جروحي غائرة...
وأوجاعي ساقمة...
وآه من وجع القلوب الدامية...
وآه من عيون لا ترى دمعات الصدور

- اذكري الله يا بنتي وما يصير يلي تسويه بنفسج، اذكري ربج علشان يعطيج راحة البال.
وعادت تمسح على ظهرها بحنو وأمومة ونهضت شقيقتيها وسارعتا لاحتضانها أيضا باكيات فراقها وحياة ستخلو من دونها.
مر بعض الوقت حتى هدأت فأبعدتها والدتها وناظرتها بحنان وحادثتها بصرامة لكن برقة، بأمر لكن باقتناع:
- يا بنتي... كيف ما كانت طريقة زواجكم هو خلاص صار ريلج وعليج واجب طاعته، وانسي كيف صار وكيف الطريقة، في وايد ناس يتزوجون بشكل غريب وتنصدمين بعد لما تسمعين قصصهم، وباجر إن شاء الله بتضحكين على يلي صار، وبتقولين قصصج لعيالج إن شاء الله يوم الله بيكتب، هذي بداية يديدة وتمسكي فيها، الله رايد انج تتزوجين واحنا ما نعترض على قضاء الله، صح ولا أنا غلطانه؟؟.
رفض شع من حركة رأسها، ودموع تنعي بؤسها، ولكن أين المفر!!.. فهزت رأسها دون اقتناع لتتراجع الأم وتتركها وهي تقول بصرامة:
- يلا ألحين.. عدلي مكياجج، ما باقي شي علشان تنزفين.
والتفتت لبنتيها وقالت لهم بأمر لا جدال فيه:
- وانتوا بعد، يلا انزلوا تحت نسلم على ضيوفنا، ما يصير ما نستقبلهم.
وغادرت الأم مع ابنتيها تاركين خلفهم فتاة توشك على دخول عالم آخر، عالم اعتقدت بأنها لن تدخله أبدا ولن يتقبلها أحد إلا إذا كان أعمى البصر ليتخذها زوجة، أو أنه لا يبالي البتة بما فيها.
رفعت فستانها الأبيض للأعلى وتطلعت إليه للحظات، كان فوق تصورها.. لقد تخيلت بالسابق كيف سيكون فستان زفافها، لكن أبدا لم يصل لهذه الروعة.
كانت أحلامها بتلك الفترة مشرقة، متفجرة بالطاقة، وبالسعي للبحث عن حياة أفضل، لكن..... كل هذا لم يحصل.
جلست على كرسي الزينة وناظرت نفسها بالمرآة ومن ثم أمسكت بمنديل وأخذت تمسح مياه عينيها وتفكر بالحال التي وصلت إليها... اليوم يوم زفافها، بيوم ينتظره الجميع ليعلنوا عن نهاية عامهم القديم ويبدأوا عامهم الجديد بأماني جديدة وأحلام تدفعهم للمضي قدما، وتساءلت...
- يا ترى.. كيف ستكون حياتها بهذا العام؟؟...
لتجيب...
- لابد وأنها ستكون بائسة محملة بالشقاء والدموع.
فطريقة الزواج تنبئ بهذا، والرجل الذي ستتزوجه اتسم بالجبروت والقوة والتسلط والغرور، أو بالأحرى هو صار زوجها وانتهى الأمر وعليها الآن أن تتحمله وترتضي بالأمر الواقع، واقع أجبرت عليه .
زفرت أنفاسا ساخنة حارة وقد اشتاقت منذ الآن لحياتها العادية مع عائلتها.
******************
نعود للخلف لعدة أيام أو شهور لنكتشف ما بال هذه العروس الجميلة، ولما ليست سعيدة بيوم وجب أن تقفز من السعادة والبهجة والسرور، فحلم كل فتاة أن يأتي هذا اليوم لترتدي الأبيض، ويتحلق الجميع حولها مهنئين بيوم طال انتظاره، وفارسها ينتظرها بالأسفل فاتح الذراعين ليحملها ويأخذها لقصره ويعيشا معا بسعادة للأبد.
**********************
في أحد الأحياء الشعبية وبركن عند زاوية الشارع قبع منزل ليس بالصغير ولا بالكبير، منزل من طابق واحد، مكون من ثلاث غرف وثلاث حمامات ومطبخ وغرفة للجلوس، وسور أحاط بالمنزل، سكنته عائلة مكونة من خمسة أبناء وأم ووالد قد توفي منذ فترة طويلة، واحتلت الابنة الكبرى مكانه لتقود سفينة عائلتها لبر الأمان.
تجلس بركنها المفضل عند النافذة تتطلع للسماء المظلمة الموشكة للتحول للون مبهج يسر النظر إليه والتأمل بألوانه البهية، حدقت بالخارج بعيون راضية وقانعة بما ساقه الله لهم من خيرات بالرغم من حياة التواضع التي يعيشونها، إلا أنها تسد حاجتهم.
صحيح أنها بالسابق كانت تحلم وتتمنى بما يفوق خيالها إلا أنها تراجعت للخلف واكتفت بما لديها وشكرت الله على كل نعمه، فما حصل معها بتلك الأيام السابقة جعلها تقنع بما لديها وتحمد الله على نعمة العيش مع عائلتها بعد أن أهداها رب العباد ولادة جديدة.
نداء باسمها قاطع أفكارها وأنظارها الشاردة بانتظار شمس الصباح لتبزغ من خلف البحار منيرة العالم وفاتحة ذراعيها لمصرعهما تتلقف الكل وترحب بالمزيد ممن ينتظرها.
- شما... شما... وينج يا يومه؟؟
لتجيبها وهي تغلق النافذة:
- كاني هني يا الغالية .
وسارعت تلبي نداءها ودخلت لغرفة صغيرة ذات ألوان هادئة ونظيفة ومرتبة وتنبعث منها أجمل الروائح العطرة من البخور الذي تصنعه والدتها وتبيعه بالسوق ليدر عليهم دخلا لا بأس به، فتلك هواية اتخذتها والدتها لتتسلى بها بوحدتها بعد مغادرة أبنائها لمدارسهم.
سقطت عيناها على والدتها الجالسة بسريرها بابتسامتها المعهودة وشعرها الأسود قد خلله بياض الدهر، وتجاعيد تسللت بغفلة منها دون أن تدرك بأنه قد اجتاحها تماما، ومقلتيها ملئت بالحنان والأمومة وقوة تخرجها بأحلك الظروف.
اقتربت منها وأهدتها ابتسامة صافية وجلست بقربها على السرير بعد أن قبلت رأسها وكفيها.
- صباح الخير يا الغالية، شخبارج اليوم؟؟.
طالعتها الأم بحنان وتأملت ابنتها... رائعة الجمال ببيضاء بشرتها النقية، وعيونها الغاية بالروعة.. برموشها الكثيفة وبعسليتيها التي تضاهي صفار العسل المصفى ليغدوا غارقا بين سواد رموشها، وأنفها المتوسط الحجم، وبشفتيها الممتلئتين والمتوردتين، وبوجنتين تنضحان بالحياة، وبشعرها الأسود المتساقط كشلال المياه على ظهرها ينام براحة، وجسد يصرخ بالأنوثة المتفجرة.
جرت عينيها على صفحة وجه ابنتها وقد غامت مقلتيها بالحزن لحالها.. فهي بـ 28 ولم تتزوج بعد، وقريناتها قد صار لديهم مجموعة من الأطفال وهي....
ربتت على وجنتها وأجابتها:
- أنا بخير دامكم كلكم بخير.
احتضنت شما والدتها بحب وقالت لها:
- كلنا بخير يا الغالية ولا تحاتين.
ابتعدت عنها وهي تتحدث وتساعدها على النهوض:
- بروح أوعي اخواني علشان يروحون المسيد ويصلون الفجر، تبيني أساعدج بشي؟؟.
- لا يا بنيتي أنا بخير ولا تحاتيني، وصرت أحسن من الأول .
- إن شاء الله دوم تكونين بخير.
ودخلت الأم الحمام لتتوضأ وخرجت شما توقظ أشقائها للذهاب للصلاة، وهتفت وهي تدخل إلى أحد الغرف وتنيرها لتتطلع إليها وقد احتلها سريرين ضم شابين حمد بـ 24 وأحمد بـ 20 .
- حمد... أحمد.. يلا حبايبي أذن الفجر، يلا صلاة .
لا رد... فاقتربت تسحب الغطاء وتهزهم برفق:
- يلا يا حبايبي... لا تفوتكم الصلاة .
تململت الأجساد راغبة بالمزيد بالرحيل مع سلطان نومهما ودفئ التحف جسديهما، لكن هناك من هو أقوى من هذا بكثير، فهمس حمد بصوت محتقن بالنوم يرد على شقيقته:
- صباح الخير.
ابتسمت له ومسحت على شعره بحب وأجابته:
- صباح الخير يا قلب اختك، قوم حبيبي وصحي معاك أحمد، بروح أوعي البنات .
رد إليها ابتسامتها وهز رأسه موافقا ونهض لتتحرك هي خارجة ومتجهة للخارج، ليس ببعيد فقط بركن ذا زاوية حادة وبعدها باب زين بمفرش طرز عليه وردة تحل فوقها فراشة والشمس مشرقة تنادي بدفئها وحبها.
دخلت الغرفة والتقطت مقلتيها ثلاث أسرة تحتوي ثلاث شقيقات... خلود
بـ 18 و بثينة بـ 15 والسرير الثالث كان لها .
أنارت الغرفة وصاحت وهي تصفق:
- بثينة خلود يـ الله حبايبي، أذن الفجر، قوموا علشان الصلاة .
وعلى الفور استيقظوا دون أي مماطلة وخرجوا للحمام ووقفوا بانتظار دورهم للدخول .
تحركت شما ودخلت المطبخ تعد طعام الافطار المكون من الخبز والعسل والمربى والحليب والبيض والجبن، أعدته بسرعة ثم اتجهت لتصلي بعد أن أقامت الصلاة .
تحلق الجميع حول طاولة الطعام يتناولون افطارهم بتأني وتمهل وأحاديثهم المرحة تنتشر بالأجواء وكل واحد منهم يحكي مغامراته المشوقة التي حدثت بالمدرسة والعمل، وبعدها انطلق الجميع للذهاب لمدارسهم وأعمالهم بعد أن ودعوا والدتهم وشقيقتهم الكبرى .
- يلا يا يومه أنا رايحة الدوام، تامرين على شي ؟؟.
ابتسمت لها بمحبها وأجابتها :
- لا يا بنيتي ما تقصرين، ونبي سلامتج .
لملمت أغراضها ووضعتها بحقيبة يدها بسرعة ومن ثم اتجهت لوالدتها وقبلت قمة رأسها وهي تقول:
- خذي دواج ولا تنسيه، واذا بغيتي شي اتصلي فيني بأي وقت .
ودارت على عقبيها وانطلقت هي الأخرى مغادرة لعملها تلحقها دعوات والدتها بالتوفيق والحماية وأن ييسر الله لها طريقها ويسخر لها الخير حيث كان .
وصلت لمقر عملها في احدى الشركات الكبرى التي يملكها أحد تجار امارة أبوظبي واسمه "عبد الله أحمد التميمي" وهي تعمل بقسم المحاسبة.
أوقفت سيارتها في مكانها المخصص ومن ثم ترجلت على عجل وسارت بخطوات سريعة لكن واثقة، ودخلت الشركة تحي حارسها ووقعت على الحضور وانطلقت لمكتبها واستقلت المصعد وارتفع بها للطابق السادس، فتح الباب وخرجت منه ودلفت لمكتبها لتستقبلها صديقتها فاطمة:
- تأخرتي يا بنت !!.
وأجابتها وهي تفتح حاسوبها وتضع حقيبتها بمكانها وتجلس:
- هي والله تأخرت شوي، صاير حادث بالطريق يا الله تستر وتنجي أصحابهم، والسيارات طابور، لين الحمدالله جت الشرطة ومشت السيارات الواقفة.
وانخرطت بعدها بالعمل بين الأرقام التي عشقتها منذ الصغر فأرادت تعلمها، أرادت أن تتعمق وتغوص ببحورها، وها هي الآن تجني ثمار تعبها وتعمل في تخصص عشقته كليا، فبادرت زميلتها الأخرى " مي " بالحديث قائلة بهمس:
- سمعتوا الأخبار اليديدة؟؟...
وأكملت دون أن تنتظر من يسألها:
- المدير رجع من السفر .
لتكمل فاطمة:
- هي سمعت عن إنه رجع، وبعد سمعت إنه بيسوي اجتماع مع الكل اليوم...
قاطعتهما شما وعيناها مركزتان بالشاشة التي أمامها:
- أقول... خلوا عنكم الهذرة الزايدة وكملوا شغلكم.
وما هي إلا لحظات حتى دخل أحد السعاة قائلا بعملية وبسرعة:
- المدير طالب الكل، يلا على غرفة الاجتماع.
ورحل.. ليترك الجميع ما بيده ملبيين النداء ودخلوا للغرفة المكتظة بباقي الموظفين ووقفت الفتيات الثلاث بآخر الصف لتأخرهم بالذهاب.
تذمرت فاطمة ومي لعدم رؤية المدير الشاب الذي جاء بعد طول غياب بسبب الأجساد المتراصة أمامهم تمنعهم الرؤية جيدا، أما شما فلم تبالي، واتكأت على الجدار وهي تراقب صديقتيها لمحاولتهم اختراق الصفوف لمشاهدة المدير " ذيب عبدالله أحمد التميمي"، مدير الشركة، فبعدما سقط والده طريح الفراش احتل هو مكانه ليقود الأعمال للقمة، ومنتشرا بها حول العالم بعمر 35 ، تمتاز شخصيته بالغموض والقسوة والبرود والجبروت، يهابه الجميع من الصغير للكبير، ذكي ونبيه، متسلط ويحب القاء الأوامر، ويكره كل من يعترضه، وما يريده يناله مهما كان عصيا.
- يا ويلي على جماله، والله حلو ووسيم .
همستها مي بأذن صديقتها فاطمة بحالمية بعدما توضحت الرؤية لتوافقها الأخرى بهيام:
- يا الله ترزقني بريال مثله.. حلو ومتريش وأعيش أنا مثل الملكة.
هزت شما رأسها من أحلام صديقتيها، وأخفضت عيناها تعانق الأرض وهمست لنفسها...
- لما لا.. فهي ليست بأحلام مستحيلة، فهما تستطيعان الزواج والانجاب والعيش بسعادة أما هي.....
سرى كفها فوق عباءتها وشدت شيلتها على رأسها كأنها تخشى ظهور ما تخفيه تحت طيات سواد أخفى سرها، وسقطت يدها لتجاور جسدها باستسلام وأغمضت عينيها تستغفر الله وتشكره على نعمه ومن ثم تابعت الاستماع لحديث مديرهم يحثهم على العمل والرقي والتحلي بالأمانة وإلخ من الأمور حتى فض الاجتماع وعادوا لأعمالهم، ومر الوقت ما بين تسامر وعمل إلى أن انتهى الوقت وحان موعد الرحيل وانطلقت مغادرة وهي تبحث في حقيبتها عن هاتفها لتتصل بوالدتها تسألها عما تحتاجه، فتح المصعد ووقفت ما بين اغلاقه مانعة إياه وهي تهمهم وتبحث بداخل الحقيبة:
- وين راح هذا التليفون بعد؟؟..حاشا... جني ألعب معاه الغميضة.
وعبثت بالحقيبة تقلب بين أشيائها دون أن تنتبه بأنها تمنع المصعد من الصعود أو النزول وما هي إلا لحظات حتى هتف صوت قوي صلب ذا لهجة صارمة لا جدال فيه زلزل كيانها مرسلا شرارات من الكهرباء لتصعقها، فارتعش جسدها واهتزت يدها فانفلتت الحقيبة من بين أصابعها.
- يعني نوقف نترياج حضرة البرنسيسة لين تتفضلين علينا وتخلينا نروح فطريجنا؟؟.
ولأول مرة تكون بمواجة الذئب وجها لوجه، قريبا جدا لتفصل قسمات وجهه الوسيمة والمتوحشة.. وبدأت بعينيه العسلية التي تشبه عيون الذئب بحق عندما تناظرك بحدة وتكاد تخترق دواخلك وتقرأ ما يدور بفكرك وتجذبك لفخها بعيون مغشية، وحواجبه الكثيفة والمعتكفة فوق عينيه تزيده هيبة وقوة، وبأنفه الحاد كالسيف، وبفمه المشدود كأنه لم يعرف طعم الضحكة كيف تكون، وبلحيته المرتبة والغليظة نوعا ما تغطي فكه، وهمست لنفسها...
- يا حبذا لو شذب لحيته أكثر، لغدت وسامته قاتلة!!.
أخرجها من تأملها السريع الذي لم يمضي عليه سوى أقل من الثانية جرت عينيها عليه تصور ملامحه رنين هاتفها، تنحنحت وقالت بخفوت:
- أنا آسفة ما انتبهت...
وانخفضت تلتقط أشياءها وتعيدها لحقيبتها وسمح للباب بالانزلاق بعد أن انزاح الحاجز لتهتف معترضة:
- لا....
ونهضت تحاول الضغط على أزراره تريد فتحه ولكن قد فات الأوان، والتفتت بعد أن تحدث :
- ليش الخوف؟؟.. أنا ما أعض.
وأجابته بعد أن استجمعت طاقتها ودون خوف وعيونها تحدجه دون خشية:
- وأنا ما ني خايفة منك، بس الصح صح والغلط غلط، ووجودنا مع بعض بروحنا غلط هذا الموضوع وما فيه.
وأدارت ظهرها والتصقت بجدار المصعد ووقف هو خلفها حتى عاد رنين الهاتف يطغى على السكون الذي التحفهم.
حركت رأسها تبحث عما يخصها لتراه بين أصابعه.
- ما تقدرين تتكلمين هنا، بينقطع الخط.
مد يده ناحيتها لتمسكه بأطراف أصابعها وتشاهد الشاشة ثم تعيده لحقيبتها وانتظرت بفارغ الصبر أن يصل المصعد لوجهته وشعرت به وقد طال وقته، فقد أحست أن ظهرها يحترق بشدة بنار ملتهبة، وأعصابها تكاد تفلت من معقلها من احساسها بالخجل من وجودها مع رجل لوحدهما، وكم تمنت أن تلتفت إليها وتصرخ أن يكف عن التحديق بها بعينيه المخيفة.
فتح الباب لتتنفس الصعداء وتهرول خارجة ولم تشاهد عيناه الحادتان والغامضة وهي تراقبها إلى أن اختفى ظلها، ومن ثم تحرك بعدها مغادرا لمنزله.
- السلام عليكم.
ألقى التحية على عائلته ليبادر والده ووالدته بالرد عليه:
- وعليكم السلام
اقترب مقبلا إياهم ثم جلس بتعب، فقالت والدته وهي تشاهد حاله التي لا تسرها أبدا.
- يا وليدي يا ذيب.. ليش تتعب نفسك بالشغل؟؟.. خل الموظفين يشتغلون بدالك.
- يا الغالية أنا بخير والحمدالله، والموظفين مب مقصرين معاي.
- ولين متى راح تظل جذا يا وليدي؟؟.. ريحني الله يريحك.
- أفا... يا ذا العلم، أنا متعبنج؟؟.
ونهض وهو يكمل حديثه:
- السموحة لو أخطيت بحقج يا الغالية.
وقبلها على رأسها وكفيها ليقاطعهما الوالد قائلا:
- أمك تقصد شي ثاني وأظن إنك عارف عن شو تتكلم.
وغمز له والده بإيحاء فتابعت الأم بعتاب:
- هي اضحك ولا يهمك انت، يعني عاجبنك الولد تعبان وحالته حاله؟؟.. كله يشتغل وحيله منهد بس بالشغل؟؟.
ليجيبها زوجها:
- بس يا أم ذيب......
قاطعته وأكملت موجه حديثها لولدها الواقف أمامها يطالعها بسكون وينتظر البقية:
- يا يومه أنا ودي راحتك، خايفة أموت وأنا مب مطمنة عليك.
فأجابها:
- الله يطول بعمرج يا الغالية، وأنا ما علي شر، وأصلا.. وشلي بالعرس!!.. تراني كنت متزوج من قبل، وثاني شي أنا مب بنت علشان تخافين علي.
فسارعت قائلة:
- حرمتك الأولانية خليها تولي ما هي بكفو، طلعت وحدة ما تستاهل.
أصابه الجمود من تطرق والدته بالحديث لشيء لم يحبه قط.
- يومه... هي من حقها تختار مصلحتها وحريتها، وماهي مجبورة وملزومة فيني.
تنهد بضيق من حديث لن ينتهي أبدا، فوالدته ما أن تفتح هذا الموضوع لن تغلقه إلا بعد عناء.
- انزين... ألحين ما في اعتراض أو مشكلة، تقدر تتزوج...
وهمس يريد أن ينهي هذا الحوار الغير مستساغ:
- إن شاء الله خير
فنهضت من مكانها بفرح وهتفت:
- عندي لك بنت ولا القمر، جمال وطول وعرض ونسب وحسب...
امتعض وجهه وأشاح برأسه ناحية والده طالبا بالمساعدة ليجيبه الآخر برفع كتفه بخروج الأمر من سيطرته وليس بمقدرته ردع زوجته.
شهيق وزفير وقال أخيرا :
- ما بي يا يومه، ولما أتزوج أنا يلي بختار الحرمة يلي أبيها.
تهدل كتفي والدته وانزوى الحزن بين أركان ملامحها، فهي تعلم بأنه يماطل ولا يريد الزواج أبدا، وستظل طول سنين عمرها تشاهده وهو يفني نفسه وروحه بين الأوراق التي لن تنجب له ولن تحمل له السعادة وراحة البال.
فسارع يمحي الغم عنها فتلك هي والدته جنته وناره، فكيف لا يستطيع ادخال البهجة والسرور لقلبها؟؟.
أمسك أكتافها وهمس لها بعد أن طبع شفتيه على قمة رأسها:
- هذي المرة صدقيني راح أختار، بس اصبري علي شوي .
رفعت رأسها والأمل لاح بالأفق وهمست برجاء وهي تحيط بكفيها وجهه:
- تتكلم جد؟؟.. يعني مب نفس كل مرة تبي تسكتني وبس؟؟.
حرك رأسه وأجابها:
- لا... هذي المرة جد، بس ها...
وأشار بسبابته بأمر لا جدال فيه:
- بختار البنت يلي أبيها ومب شرط تكون بنت حسب ونسب.
- بس...
- لا يا الغالية خليني براحتي، انت يلي عليج تتقبلينها مين ما كانت، وكيف ما كانت.
عبست ولم يعجبها قوله وأمره، فسارع قائلا ينهي الجدال القائم بينهما:
- هذا آخر الكلام يلي عندي، تبيني أتزوج؟؟.. بيكون اختياري، ها... شو قلتي؟؟.
احتارت والتردد ظهر على محياها، وتطلعت لزوجها لنجدتها إلا أنه اكتفى بالمحايدة وعدم ابداء رأيه، هو مع زوجته برغبته بزواج ابنه البكر، فهو الوحيد من بين أشقائه الذي لم ينل السعادة، وأيضا يوافق ابنه برغبته باختيار عمن ستكون شريكة حياته لهذا اكتف بالصمت وترك كل شيء بيد الله فهو القادر على كل شيء.
فأسرت بعد فترة من الصمت والانتظار:
- خلاص... سوي يلي تبيه، بس ها... تحمل تييب لي وحدة من الشارع!!.. لا أخلاق ولا حشمة....
رفع حاجبيه للأعلى بتعجب وأشار لنفسه بدهشة:
- أنا... أتزوج... وحدة..... من الشارع!!.
رفعت كتفيها بلا مبالاة وتحركت جالسة ووضعت قدم فوق الأخرى وتابعت:
- مب قصدي جذا، يعني أبي وحدة محترمة وخلوقة ومأدبة، وتكون حلوة أفتخر فيها بين القبايل، تراك أنت مب شوي، انت ذيب ولد عبدالله التميمي، ولد الحسب والنسب....
وتحرك إلى غرفته بعد نهاية الجدال العقيم مع والدته وفكره يشطح بمن ستكون سعيدة الحظ بالزواج منه.
*****************
عادت للمنزل محملة ببعض الأغراض وهي تهتف مناديه وتضع الأكياس على الأرض:
- حمد... أحمد... وينكم؟؟.. تعالوا وساعدوني!!.
وسارع الأخوة بالسلام عليها وحمل عنها الأكياس واتجهت لوالدتها الجالسة مسلمة عليها ومقبلة رأسها:
- شخباره الحلو؟؟.. عساه بخير اليوم؟؟.
- بخير يا بنتي والحمدالله، وانت شخبارج وأخبار الدوام؟؟.
وبلمح البصر احتلت صورته أمامها بهيأته الطاغية، والكاريزما التي تشع من ثقته الكبيرة بنفسه تشعرك بظآلتك أمامه، وأجابتها وهي تعاتب خيالها من استحضاره له:
- الحمدالله... الدوام زين.
ونهضت.
- بروح أفصخ العباية .
وأكملت تقول:
- خلود حبيبتي، حطيلي الغدا، ميتة من اليوع .
لتسارع شقيقتها بالهتاف:
- خسى اليوع!!.. انت بدلي وبتجوفين الغدا جاهز، أمي اليوم مسوية مجبوس يطير العقل، وراح تاكلين أصابعج وراه.
توقفت ودارت ناحيتها قائلة:
- أكيد بيكون لذيذ، دام الوالدة طابخة فالأكل بيطلع ولا طبيخ الشيفات.
وتحركت خلود ومعها بثينة تساعدها بإعداد السفرة لشقيقتهما.
وقبل أن تدلف لغرفتها صاحت والدتها:
- بعد ما تتغدين يا بنيتي أبيج بكلمة راس......
تناولت طعامها بشهية مفتوحة ثم حملت استكانة من الشاي وجلست بالقرب من والدتها وقالت تعطيها الضوء الأخضر للحديث:
- آمري يا الغالية؟؟.. وشـ بغيتي؟؟.
ترددت الأم للحظات:
- والله يابنتي ما عرف شو أقول!!... بس هو ترجاني إني أرجع وأفتح الموضوع مرة ثانية.
عقدت حاجبيها بحيرة، وأخذت تعيد جملة والدتها حتى هتفت:
- تقصدين إنه رجع مرة ثانية؟؟
هزت الأم رأسها تجيبها، لتتوحش نظرات شما، وتستعر نارا حارقة بجوفها وبزقتها:
- يومه.. أظن إنا انتهينا من هذا الشي.....
- بس يا بنتي.......
- لا يا يومه، احنا انتهينا منه من زمان، من لما تخلى واختار، وياي ألحين يطلب يرجع؟؟.
طالعت الأم ابنتها وشاهدت علامات الغضب تشكل محياها، وسألتها:
- هذا آخر كلام عندج؟؟
احتدت نظراتها وأجابتها بصلابة:
- نعم يا الغالية، هذا كل يلي عندي.
مضى وقت العائلة ما بين حديث واستذكار لدروس الأخوة وحل الواجبات إلى أن حل المساء، أعدت شما مع شقيقتيها العشاء وتحلق الجميع يتناولونه وسط الضحك والحديث عن يومهم، وعندما حل وقت النوم اتجه الجميع لأسرتهم من التعب والانهاك وناموا غائصين بأحلامهم يكونون هم أبطال أحلامهم، أما هي فقد زارها ذئب ظل يراقبها من بعيد دون أن يتحرك أو يبدي أي ردة فعل برغبته بالهجوم عليها والتهامها، فقط جلس ينتظر شيء ما أو حدث ما، وجلست هي ويا للعجب غير خائفة منه بل ظلت تترقب مثله الخطوة التالية.
وبلحظة تشدقت شفتيه بابتسامة هازئة ماكرة شاخصة لها حتى انقض عليها مباغتا إياها بغفلة منها، فنهضت من نومها فزعة وأوصالها ترتجف بشدة، وتلفتت حولها ليطالعها الظلام، ومن خلاله شاهدت ذهبيتان تتطلع إليها

ام حمدة 04-08-17 06:16 PM

رد: دقات ساعة - خليجية - بقلمي \ منى الليلي ( ام حمدة)
 
بوسط العتمة، كأنها تنتظر هي الأخرى الهجوم عليها فسارعت لإشعال الضوء وانتشر نوره مبددا نظراته الخارقة.
- استغفر الله العظيم، من وين طلعلي هذا بعد؟؟.
حركت رأسها ناحية السريرين اللذين يجاورانها وشاهدت شقيقتيها تغطان بنوم عميق دون أن يشعرا بما ألم بها، فعادت تستغفر الله وعادت تضجع جسدها على السرير وأطبقت جفنيها بقوة تنادي سلطانها بأن يسرقها لعالمه وكان لها ما تريد، ولكن هذه المرة لم تكن هي بطلة أحلامها بل زاحمها أحدهم البطولة.

يا خيال لا تزاحمني بالخيال
مالي أراك وقد احتللتني بغير واقعي
ألا يكفيك عالمك لتستحل أحلامي
ابتعد يا من غدوت كالعدو الغاشمي
أرى خيالك من حولي
وعيناك تتبعني
فمتى استحكمتني وصرت حارسي
فابتعد... فأحلامي بسيطة وآمالي كبيرة
وما لك مكان في محيطي .

استيقظت مبكرة في اليوم التالي منهكة القوى كأنها جرت بمرثون قد استنزف كامل قوها وتساءلت بذهول...
- ما باله اليوم وقد استحكم الزيارة؟؟.. فقد كان ضيف ثقيل الدم لم تحبذ وجوده معها، وتابعت هذه المرة بصوت عالي:
- إن شاء الله اليوم بعد ما أجوفه، يارب بس يكون مشغول وايد وما يكون بالشركة، أو يكون مسافر... يارب... يارب.
أعدت الافطار وكما كل عادة أيقظت أشقائها وطلت على والدتها واستعد الجميع ومن ثم اتجه كل واحد منهم لعمله ولمدرسته.
خرجت من المنزل بعدما ودعت والدتها، وعندما همت بالصعود لسيارتها تهادى إليها صوت أحدهم يناديها، وعندما التفتت تترقب سائلها حتى امتقع وجهها وتجمد، وبرودة انسلت من عينيها وهي تشاهده مقدما ناحيتها...
راشد بـ 33 بهي الطلة، نحيل الجسد، يملك أجمل ابتسامة كانت بالسابق تسرق أنفاسها، لكن الآن لم يعد يحق لها حتى الحديث معه، فكيف بالغرق بابتسامته؟؟.... فقد مضت خمس سنوات منذ أن حدث ما حدث.
- هلا شما، شخبارج اليوم؟؟.
طالعها بهيام وسبح بجمالها الأخاذ الذي سلب لبه منذ أن كانت ببداية طفولتها التي كانت تتوعد بفتنة كانت ستتخذها عندما تشب وتغدوا امرأة تسرق قلوب الرجال، وكان هو واحد منهم.
- هلا راشد، شخبارك وأخبار حرمتك والعيال؟؟.
أعادته للواقع المر لتخبره بصعوبة تحقيق أحلامه، ولكنه يأمل بداخله بأن تعود المياه لمجاريها بعد أن قطعت بغير ارادته.
تنحنح، وسعل يجلي حنجرته وأجابها بخفوت:
- كلنا بخير والحمدالله.
ولم يعرف ما يقول أو يهمس، أراد الكثير والكثير، ولكن تكمن الصعوبة بكيفية البوح واخراج ما بالصدور، قاطعت تململه بالتحرك فاتحة باب سيارتها وهي تقول:
- اسمحلي بتأخر على الدوام... سلملي على أمك وحرمتك.
أفرجت عن الباب وقبل أن تجلس بمكانها خلف المقود ناظرته بجمود وثبات وأبلغته بأمر:
- لو سمحت يا بو عبدالله، بلاها شغلة المطاردة....
- بس...
رفعت كفها باعتراض واستطردت:
- يلي بينا انتهى من يوم لما درت لي ظهرك وأقفيت، وبتمنا إنك تمحيه من راسك، وبلاها تزن على راس أمي وتلعب بعقلها، وابعد يولد الناس، ترى المشاكل ما منها فايدة، ومن ناحيتي أنا.. انت ما عدت بالقلب ولا في البال، أظن وصلك جوابي على يلي طلبته.
وصعدت سيارتها وانطلقت بها.
فتح فمه يعترض رحيلها هكذا دون أن تهديه راحة البال أو الطمأنينة التي ينشدها قلبه الواقع بهواها، ولكنها كما العادة أخرسته قبل أن يعلن عمن استباح صدره وغاص بعمق بحب قد تملكه حد النخاع.
حتى لو كان متزوجا من أخرى فقد أجبر على العيش معها بسبيل طاعة والديه، ولكن هي من تربعت عرش فؤاده ولم تتزحزح منه أبدا.
شيعها بنظرات ملتاعة فراقها، وقلب يهتف بلوعة البعاد، ودعاء أن يحفظها له وأن يعيد جسور الوصال بينهم، أما هي ظل وجهها مكفهرا من رؤيته يقف أمامها يهديها عشقه وغرام لم يعد من حقها، بل صار من حق امرأة أخرى، لقد تخلى عنها بعز حاجتها له، فكيف له أن يعود الآن بسهولة كأن شيء لم يحدث؟؟.

كتب سطور الفراق على قلب يحتضر
وأقفيت راحلا موليا الأدبار
ناشدتك العودة فأجبتني بالاستحالة
فهل أبكي على حب لم يكن؟؟
فلا والله ما ذرفت دموع الأسى
ولا بكيت على الأطلال
اخترت دربك واخترت أنا دربي
وما طوته صفحات الدهر...
فلا مجال للعودة .

وصلت لمقر الشركة دون أن تشعر بطول الطريق وترجلت من السيارة ومراجيلها مازالت تغلي، وقبل أن تدخل أخذت نفسا طويلا وتركت الشحنات السالبة تخرج منها ومن ثم دخلت تحي كل من يصادفها حتى شاهدت مؤرق أحلامها يقف بهيبته ووقاره والكل يقف باحترام له.
- ينهار مطولك... شكله اليوم منحوس من بدايته.
عادت مقلتيه عليه ولوهلة واحدة قارنته براشد وكم كانت المقارنة مجحفة بحق راشد.
شهقت بصوت عالي وأخفضت عينيها لتعانق الرخام عندما تحرك رأسه ببطء ناحيتها وتشابكت عسليتيهما بحديث خفي، وكأنه قد قرأ أفكارها المجنونة ورفع حاجبه للأعلى بتعجب، فهربت خجلة من جنوح أفكارها وكعب حذاءها يرن صداه بالأرجاء .
- صباح الخير .
ألقت التحية وهي تدلف لمكتبها المشترك، وردت عليها زميلتيها التحية:
- صباح النور، انت كل يوم لازم تجين بشكل.. مرة مبوزة، ومرة فرحانة، ومرة معصبة، حاشا.. اثبتي على شكل واحد.
قالتها صديقتها مي وهي تشاهد ملامحها المذمومة وأكملت:
- يا كافينا من شرج اليوم، أكيد راح تورينا الويل...
فردت قامتها وتركت ما بيدها والتفتت بكامل جسدها ناحيتها وعينيها تقدحان شررا لتهكمها، فتراجعت مي بحركة مرتدة للخلف وهسهست شما وهي تقترب منها ببطء وعسليتيها تعانقان عيني زميلتها:
- شو قلتي؟؟.. عيدي الكلام يلي قلتيه قبل شوي، تراني ما سمعتج!!.
ومن ثم ارتكزت شما بكفيها على طاولة صديقتها لتشهق مي بصوت عالي، وتأتأت برعب من رؤية ملامح صديقتها المخيفة:
- أنا... أنا... شما... أنا..
انخفضت أكثر ولم تحد بأنظارها عنها وجزت بأسنانها ليصدر منها صوت احتكاكهما:
- أنت شو....
ازدرت مي لعابها بصعوبة وكادت دموعها أن تظفر من مقلتيها :
- أنا....
واقتربت فاطمة بسرعة تهدئ النفوس :
- هدي يا شما، مي... مي... ما كانت تقصد يلي قالته، هي... هي .. بس كانت تتغشمر معاج.
وما هي إلا لحظات أو ثوان حتى انفجرت شما مقهقهة بصوت رنان كما أوتار موسيقية خرجت تحت يد عازف فنان تعلم أصول اللعب بالنوتات.
- والله... والله لو ... تجوفون أشكالم... والله تحفة .
وعادت تنخرط بالضحك ليهتز جسدها مع كل لحن شجي خرج من أحبالها الصوتية، وظلت صديقتيها تطالعانها ببلاهة وذهول لتنفجرا بعدها بحنق من المقلب الذي أوقعتهما به:
- شما... يا الحيوانة!.. جذا تسوين فينا؟؟.
وهتفت فاطمة بانفعال شديد:
- والله حسبتج شوي وبتعطينها ذاك الكف يلي ماراح تاخذ غيره.
ونهضت مي من كرسيها ودارت حول طاولتها وهي تهدد وتتوعد بصديقتها:
- والله لأضربج!!.. كنت بطيحي قلبي.
سكتت ثم استطردت:
- لا... شو بطيحين، انت طيحتيه وخلاص وشوي كان بيوقف وأقول أنا على الدنيا السلام، وحضرتج كنت قاعدة تمزحين!!.
وتراجعت شما للخلف ومازالت على ضحكها، ورفعت كفيها بالهواء باستسلام وصرخت وأسنانها البيضاء تظهر مدى استمتاعها بما يجري.
- صدقيني... ما قدر أفوت الفرصة هذي....
وعادت تقهقه وهي تتراجع وفاطمة ومي تقتربان منها ومن ثم دارت شما على عقبيها هاربة عندما كادت أن تمسكها صديقتها حتى سكن المكان ليغدوا كما المهجور، وصار الهواء ثقيلا كأن عاصفة قوية توشك على الهبوب، وارتفع صوت الرعد بالأجواء وما كانت إلا أصوات الشهقات والقلوب المتقافزة الصادرة من الفتاتين وهما تتطلعان للموقف الذي حدث أمام أعينهم .
احساس غريب سرى بالوجدان، وعقل توقف به الادراك، وقلب انتفضت دقاته كمن سرى بداخله ترياق من الماس الكهربائي ليجري بسرعة غريبة يكاد يخرج من بين الأضلاع، وخلايا تستشعر حرارة جسد غريب يكتسح أمانها وبراءتها، عضلات جامدة وقوية تحسستها أصابعها كأنها كتلة توشك على الانفجار بأي لحظة.
ارتجفت وارتعشت وأدركت الآن بأنها بين أحضان رجل غريب عنها، وهي إلا الآن ما تزال تلتصق بجسده الضخم الذي كانت بالنسبة له كما الغزال الصغير، و... 3.. 2... 1... ودفعت جسده بعيدا، واحمرار طغى على بشرتها، وعيون احتدت نظراتها، وأنفاس ثارت كما التنين ينفث بخاره الساخن، وفم أوشك على تسليط كل لعناته على من اقتحم عالمها الساكن، ولكن كانت الغلبة لمن لم يرضى بالمهانة أمام العيون المتحلقة حولهم.
- هنا مكان للعب ولا للشغل؟؟... تبون تضحكون!!.. في قهوة بالشارع الثاني تقدرون تسون يلي تبونه، أما هنا مكان للشغل وبس.
قذفها بعسله المنصهر وراقب اهتزازات جسدها المكظوم من الغيض الذي يكاد ينفجر بأي لحظة وتابع وهو يناظرها ببرود :
- تبين تلعبين؟؟.. في بيتج، تبين تنكتين وتضحكين؟؟.. عندج الشارع.
وقذفها بآخر نظرة ومال للجهة الأخرى مبتعدا عنها تاركا بركان يغلي من فرط النار المشتعلة بداخله ولم يكن لديه مجال للخروج والتعبير عما يجول بأعماقه.
قبضت عباءتها بشدة واعتصرتها تكاد تمزقها ومن ثم تركتها وتحركت خارجة من المكتب متجهة ناحية الحمام، ضاربة بعرض الحائط محاولة صديقتيها تهدئة غضبها الثائر.
***************************
خرجت من ذكريات الماضي على صوت طرقات على الباب، وتنفست بعمق شهيق وزفير وتطلعت لنفسها وعدلت من هندامها وهمست بصوت متحشرج إثر كتمها آلامها:
- تفضل...
ودخلت الصديقات ووقفن منبهرات ما أن شاهدنها بحلتها الجميلة وهيأتها الصارخة بالفتنة فوقفت تغتصب ابتسامة تخفي ما بأعماقها وقالت وهي تدور حول نفسها بتألق :
- شو رايكم فيني؟؟... حلوة صح؟؟.
وخرجن من ذهولهن قائلات:
- ما شاء الله تبارك الرحمن، والله صايرة حلوة.
وتابعت مي بإعجاب لم تستطع اخفائه:
- ما شاء الله، كنت حلوة وألحين صرتي أحلى، والله لا يموت ريلج لما يجوفج.
تكسرت ابتسامتها ما أن جاء طاريه، وتألقت عيناها بوعيد لن تخطئه عين لو أن أحدهم انتبه لوجوده، لكنهن كن غافلات عما دار فيهما وعادت تشرق بسعادتها الواهمة وأسرت لهن:
- عقبالكم يا بنات، وما تعرفون شو كثر إني مستانسة لأنكم موجودين معاي بهذا اليوم.
ردت عليها فاطمة :
- أكيد تمزحين؟؟.. أكيد من كون معاج، ولو إني كنت حاطة عيوني عليه، بس يالله خذيه مب من حلاته، أصلا هو يخوف فما ينفعني أبدا، أنا انسانة حساسة وأبي واحد شاعري ورومانسي، مب ذيب!!... أخافه ياكلني بلقمة وحدة.
قهقهت الفتيات حتى طرق الباب من جديد ودخلت ميثة قائلة:
- شما... يلا... ماما تقول ألحين بتنزفين للكوشة.
تجمدت وتيبست أوصالها، واختفى الهواء من حولها، شهيق... شهيق.. شهيق ولا أثر للزفير، فالذرات قد استحكمت واستعصت الدخول لرئتيها لتهديها الحياة، فتراجعت غاصة باحثة عن الأكسجين فاختل توازها وازرقت شفتيها وزاغ بصرها فسارعت مي وفاطمة بالإمساك بها قبل أن تهوي على الأرض، وصرخت فاطمة:
- شما... شما... شما... شو صار؟؟
لتزعق مي بهلع:
- شما... شما... شو صار فيج؟؟..
والتفتت لفاطمة مكملة وصلة رعبها:
- فاطمة شو فيها شما؟؟...
- لا تصارخين واسكتي ما صار فيها شي... واعطيني بسرعة غرشة الماي.
وتلقفت زجاجة الماء وأهدتها إياها وعيناها المرتعبة تراقب الشحوب الذي طغى على العروس.
سكبت القليل على كفها وطبطبت برقة على وجنتها وهي تهمس لها:
- شما... شما.. حبيبتي، تسمعيني؟؟... ردي علي؟؟.. تنفسي.. خذي هوى.
دارت حدقيتيها وشاهدت الموت يقترب منها ينازعها الروح وكم تمنت الرحيل معه تاركة كل شيء خلفها، ولكن بلحظة التمني شاهدت دموع والدتها وأخوتها ينعون فراقها.... فهتفت بداخلها...
- كيف سولت لها نفسها أن ترغب بالرحيل وتتركهم خلفها؟؟.. كيف استطاعت أن تتخلى عن الحياة بسبب رجل اعتقد بأنه الأقوى؟؟.. هي ليست بضعيفة، هي أقوى منه بكثير فقد تحملت ما هو أكبر من هذا وهي ليست بالمستسلمة أبدا.
استجمعت طاقتها المستنزفة وقاومت بشدة ما كانت ترغبه واستنشقت الهواء تجبره على الدخول بقوة فلم يحن وقتها بعد للابتعاد.
- أنا بخير.. بخير ما علي شر.
قالتها بحشرجة، وهي تحاول الاعتدال والتنفس بهدوء.
- شو صار فيج؟؟
سألتها فاطمة ولم ترد عليها شما وأخذت تجترح أنفاسها لترد السلام لخلاياها المشتتة وقالت مي تتحدث بالنيابة عنها:
- هي طاحت لما عرفت إنه وقت الزفة، أكيد خافت!!.. تراه عادي يصير.
وبدأت مي تسهب بالحديث عن حكاية احدى العرائس التي سقطت ما أن حان وقت رحيلها مع زوجها ونقلوها للمشفى.......
وقد جاءها الحل على طبق من فضة فقد احتارت بما ستقوله لهم بسبب اغمائها، فهل ستقول لهم بأنها مجبرة ولا تريد الزواج؟؟.. هل تخبرهم بكيف استطاع أن يجبرها على شيء لم ترده أبدا؟؟.. أم تخبرهم بسرها الذي احتفظت به طويلا دون أن يعرف أحد بشأنه سوى والدتها وخطيبها السابق ويبدوا أن زوجها الجديد أيضا سيعرفه قريبا ويكون مصيرها بعد ذلك..... الطلاق؟؟.... فهذا ما سيكون عندما يعلم ما ألم بها.
حان الوقت... وقفت تنتظر أن تتهادى الموسيقى العذبة التي ستكون اشارة لخروجها للجميع تستعرض من خلالها حرم المخضرم ذيب عبدالله أحمد التميمي.
سارت بابتسامة واهنة أوجعت خدها، وعيناها تجري على ملامح الجميع بملامح مشوه اثر نوبة البكاء التي اجتاحتها وهي ترى كم السعادة على الجميع... والدتها، شقيقتيها، وصديقاتها اللاتي يلوحن لها، وهمست تريد الصراخ بأعلى صوتها بأن ما يحدث هو كذب... خدعة.. حاكها الذئب بمهارة ليوقع فريسته، فما يرونه الآن هو وهم نسج بمهارة فنان رسم اللوحة بمهارة واتقان وهي كانت الفرشاة التي استحكم قبضته عليها ليحركها كيفما شاء، ولكن أبدا لن تسمح له بذلك، أبدا....
مشت بخيلاء أنثى تعرف مدى جمالها وفتنتها، ورفعت أنفها للأعلى تخبرهم بشكيمتها وشموخها الذي لن يهزه جبروت رجل.
جلست على كرسيها وتطلعت لما حولها بإعجاب لم تخفيه، فهو لم يدخر أي جهد بسبيل جعل هذا الزواج حقيقيا بعكس ما قاله لها وهو جالس على كرسيه الضخم بمكتبه بعنجهية وغرور رجل يملك السلطة والجاه والمال ويتحكم بمصير كل الناس بإشارة من يده بعد أن وقعت على صك العبودية، وتطلع إليها ببرود يخبرها من أنه:
- زواجنا راح يكون جدام الناس بس، لأني أنا ماكنت أبي أتزوج، بس أمي الله يهديها تبي تجوفني متزوج وأنا ما كنت أبي أكسر خاطرها.
فساقتها ذكرياتها للأحداث التي توالت وجعلتها بهذا المكان بالرغم من حلمها بأن تكون هنا في أحد الأيام.....
تتذكر ذلك اليوم الذي غير من حياتها تماما، أبدا لم تتوقع بأن يخترق أحدهم محيطها وأن يكسره لتكون لعبة بيد رجل، هي تعلم وهو يعلم ولكن الباقون غافلون عما يدور بينهما ....
ذهبت لعملها كما المعتاد سعيدة مرحة فقد أعلنت نتائج المدارس والجامعات وكان أشقائها من المتفوقين، واتفقوا على الذهاب للاحتفال بنجاحهم لأحد المطاعم الفخمة في هذا المساء، وكانت تنتظر مرور الوقت للعودة والاستمتاع مع عائلتها السعيدة بهذا الحدث المهم .
- السلام عليكم.
قالتها وهي تدلف للمكتب وتضع علبة كبيرة من نوع الشوكولاه الفاخرة على الطاولة وهي تلتفت وتهتف بابتسامة متألقة جعلت شفتيها تنضحان بالحيوية، وقسمات وجهها قد أشرقت وتوهجت من فرط سعادتها، لتغدوا أنثى رائعة الجمال والفتنة.
- باركولي... اخواني نجحوا وجابوا نسب عالية.
التفت الصديقتان تهديانها المباركة ويتلقفن الحلوى ويدعين بالمزيد من التفوق والنجاح للجميع وجلست أمام حاسوبها بابتسامة خلابة تعمل بجد ولم تعلم بأن أحدهم سيسرق منها بهجتها بلحظة واحدة.
- أستاذة شما... المدير يبيج بمكتبة.
ورحل تاركا خلفه وجوه متعجبة ومستغربة الطلب، ولكن كان عليها أن تلبي الواجب.
- شما.... شو صاير؟؟
رفعت كتفيها بعدم المعرفة، وقالت وهي تتحرك:
- والله ما عرف!!... خلوني أروح وأجوف شو السالفة وأقولكم.
واتجهت ناحية المكتب بخطى واثقة ولم تعلم ما كان ينتظرها هناك، ولكن كان قلبها يتحدث بلغة قاصفة عاصفة كأنه يعلم ويدرك ما هو القادم .

نسير بدروب الحياة غافلين عن مطباتها، تخدعنا وتوهمنا بأن طريقها معبد وخالي من الصعاب، تفرشه لنا بالورود والعطور وما أن نغمض عينينا بثقة من عدم الخذلان حتى تطبق علينا بفخها وتستحكمه غير قادرين على الفكاك منه فنشعر بها تعتصرنا لحد لفظ أنفاسنا الأخيرة، وتتركنا نتخبط بدهاليزها غير قادرين على الخروج من متاهاتها.
تقود سيارتها ولا تشعر بما حولها... عيناها منصبتان للأمام وصوته البغيض يضج برأسها ماحيا كل ما يبت بالحياة بمحيطها، وغدت كأنها.. صماء مما أسره لها، بكماء من عدم قدرتها على الرد عليه، عمياء من عدم قدرتها على رؤية أي شيء سواه.
وصلت للمنزل بروح مسلوبة وطاقة قد نفذت بطاريتها فجأة كأنها قد نضبت تماما، ومشت ببرود التحفها ودخلت وشكرت الله أن لا أحد بالمنزل، لم تهتم قدر رغبتها بالانزواء بغرفتها لتلعق آلامها ووحدتها.
خلعت عباءتها وشيلتها ورمت بجسدها على السرير وأطبقت بجفنيها وبلحظة تمنت لو كان والدها على قيد الحياة ليحميها من براثن الوحوش الكاسرة التي تبغي التهامها مستغلة عدم وجود من يقف لهم بالمرصاد.
فبكت... وبكت... وناحت بؤسها وشقاءها وقلة حيلتها حتى نامت من انهاكها.

يا بؤس أراه يعانقني
ويا بهجة أراها تغادرني
سلسلت بقيود القهر والأوجاع
والتفت حول الأعناق بعقدة الآلام
لما يا عالم لا تكتفي؟؟
لما تكيل لي بما لا أستطيع احتماله؟؟
مكسورة وموجوعة من نظرة العالم
بأسنان يرونها سهلة الغرس
يا عذاب قد استحكمت قبضتك
وروح انزوت تندب جراحها
ودمعات عصية تحرق أجفانها
فهل ستكتفي يا عالم؟؟
أم أنك تخبئ المزيد!!.

دخلت الأم بسرعة بعد أن عادت للمنزل وشاهدت سيارة ابنتها بهذا الوقت المبكر فاستغربت الأمر وعجلت بالمسير مع أبنائها الذين كانوا معها برحلة للسوبر ماركت لشراء أغراض للمنزل، ودلفوا للغرفة وشاهدوها تسبح بظلامها الدامس فهلعت الأم وانقبض قلبها على صغيرتها واقتربت من السرير تطمئن قلبها على حالها بعد أن أشعلت الضوء:
- شما يا بنتي... شما.. وشفيج يا قلب أمج؟؟.
أفرجت عن عسليتيها الخامدتان من بريقهما والتفتت لوالدتها لتشهق الأخرى بصوت عالي من رؤية حالها هكذا:
- يا ويلي على بنيتي، وشصار فيج؟؟.. حد آذاج؟؟.. حد قالج شي؟؟.. شي يوجعج يا بنيتي؟؟...
ظلت عيناها ساقطة على والدتها وتساءلت بحرقة...
- شو أقول يا يومه؟؟.. شو أقول؟؟.. اني انتهيت وحاسة نفسي اني أموت، اني اكتفيت من دنيا ما جفت منها غير العتاب واللوم، وانهم أرخصوني... ارخصوني يا يومة... ارخصوا بنتج... ارخصوها...
صرخ قلبها بلوعة، ودموعه تهطل أنهارا لتغرقه وأكملت بنحيب صامت:
- أرخصني... وصرت لعبة بين ايده، انكسرت يا يومه، كسرني واستغل يتمي وإن ما وراي سند يوقف بويهه... آه يا يوبه... آه يا يوبه... وينك تجوف حال بنتك وشصار فيه.
- شما يا بنتي طمنيني وكلميني!!.. شو صار؟؟.. قولي يا حبيبتي، بتموتيني من الخوف عليج!!.
خرجت من قوقعة الرثاء وحثت نفسها بالتجلد فعائلتها لن تحتمل ما حدث بها، عليها أن تجد حلا لمشكلتها العويصة تلك .
ابتسمت بوهن وهمست بصوت قد سرقت قوته ليترك ضعيفا هشا قابلا للكسر:
- ما فيني شي يا الغالية، أنا بس تعبت وعورني راسي فاستأذنت ورجعت البيت .
لم تقتنع بردها فشكلها يعبر عن كبر المشكلة الواقعة فيها، وشاهدت شما عدم اقتناع والدتها فأتبعت قائلة:
- أمس واليوم كان في حسابات كثرة ومناقصات فعلشان جذا عورني راسي.
ارتخت ملامح الأم قليلا، ليسترخي أيضا جسدها المشدود، وأجابتها والدتها بحنان:
- ما تجوفين شر يا بنيتي، خليني أسويلج عصير وشوربة.
فرفضت :
- لا يا يومه... لا تتعبين نفسج، باخذ بندول وبخف إن شاءالله
ربتت الأم على يدها بحب وأكملت:
- خلاص.. بخللي خلود تسوي الشوربة وميثة العصير، جذا أحسن؟؟
هزت رأسها بالموافقة وتحركت الأم خارجة ملقية أوامرها على ابنتيها.
تحركت عيناها ناحية الباب وشاهدت شقيقيها واقفان ويناظرانها بخشية، واقترب شقيقها حمد متسائلا:
- وشفيج يا شما؟؟... أوديج المستشفى؟؟
- لا يا الغالي أنا ما فيني شي غير عوار راس وما يحتاي مستشفى.
طالعها بدقة:
- متأكدة؟؟
اغتصبت نفسها الابتسام وهمست:
- متأكدة..
وأكملت بعد أن أخذت أنفاسا عميقة:
- أنا بخير حبايبي، شوية تعب من الدوام، شكلي يبالي اجازة أرتاح شوي من غثاثة البنات وصدعتهم.
وقهقهت بخواء ولكنها حصلت على مبتغاها بمشاهدة الراحة تحتل ملامح شقيقيها، وبالفعل قامت بتقديم اجازة لمدير قسمها ووافق الآخر بحكم أنها نادرا ما تطلب اجازة، ومر على راحتها يومين تناست وتغافلت عما حدث معها وغاصت مع والدتها وأشقائها متنعمة بالدفء والحب حتى جاء العدو يقتحم عالمها المسالم بتعنت وتجبر وغرور يخبرها من أنها لن تستطيع الفرار والفكاك منه مهما حاولت الابتعاد.
طرقات على الباب دلت على وجود ضيف فسارع حمد بفتح الباب وشاهد رجل لم يرى له مثل سوى بالأفلام والمسلسلات بدشداشته البيضاء، وحمدانيته المتوسدة رأسه بلفة محكمة، ونظارة سوداء غطت عيناه، وقلم ذهبي اللون يلمع بماركته، كان ذا هيبة واحترام وخلفه توقفت سيارة فخمة من النوع الغالي الثمن تمناها كثيرا ويحلم في يوم من الأيام أن يقتنيها.
- السلام عليكم .
ورد عليه حمد:
- وعليكم السلام، آمر يا خوي بغيت شي ولا مضيع الطريق؟؟.
فأجابه بصلابة وثقة:
- لا... أنا مب مضيع وعارف شو أبي....
عقد حاجبيه دون فهم فتابع الرجل سائلا إياه:
- انت حمد صح؟؟
هز رأسه موافقا والغموض صار يلتف حوله وأكمل الرجل الغريب:
- إذا سمحت... بغيتك بكلمة راس.
فقال حمد باعتيادية وكرم الضيافة يناديه ليلبي الواجب:
- آمر يا خوي، واتفضل حياك البيت بيتك.
ودخل المنزل لمدة من الوقت مستغلا غياب صاحبة الشأن لأمر ما وخرج منه منتصرا بعد أن أقنع الأم والأخ بما يريد، وترك لهم الباقي وانتظر كما طلبت منه الأم يومان وبعدها ليتصل لتعطيه الخبر .
- لا......
صرختها بعلو صوتها وصدرها يرتفع وينخفض بإيحاء أن الغضب يستعر بداخلها.
- ليش لاء؟؟.. الريال شارينج ويبيج على سنة الله ورسوله، ليش رافضة؟؟.
أنفاسها ثائرة وعيونها تشتعل بلهيب مصفر ولو كان الذئب أمامها لكانت قد قتلته بيديها المجردتين ودون أن يرف لها رمش.
- بس أنا ما بي أتزوج هذا الريال!!.
- ليش؟؟.. أعطيني أسبابج يا بنت سعيد؟؟.
قالتها الأم بقوة وحدقتيها مسلطة على ابنتها بشدة، ترغب بالتوغل لداخل عقل ابنتها لتعرف ما بها.
وقفت شما متيبسة وقد وقعت بشر تناسيها وهروبها من حكم فرض عليها، واعتقدت بغيابها لفترة من الوقت واختفائها من أمام عينيه سيسارع بالبحث عن أخرى، ولكنها كانت مخطئة بشأنه!!.. وقد أبخست بقدراته وما يستطيع فعله، فلم تتوقع أن تصل به الجرأة أن يعتب بعقر دارها فارضا نفسه على أهل الدار.
فتذكرت اللقاء الذي كان سببا بفرارها منه.....
- السلام عليكم
ألقت التحية بعد أن سمح لها بالدخول لمكتبه وأشار لها.
- تفضلي وقعدي استاذة شما.
وجلست بتوتر، فبعد ذلك اللقاء بينهما حاولت بشتى الطرق أن تبتعد عن طريقه قدر امكانها والآن....
توتر أصابها من صمته الذي حل عليها ثقيلا، واحساس بعينيه تجري عليها تقتلها وتزعزع خلاياها، فهتفت بارتباك ورغبة بالخلاص إلا أنه باغتها دون مواربة قاطعا ما كانت تنوي قوله وجعل فاهها فاغره وعيناها تكاد تخرج من محجريها:
- استاذة شما... بعد التدقيق بسجل الحسابات جفنا إنه في تلاعب فيها، وانت كنت من يمسكها.
ظلام شعرت به يسلبها نورها، وقوة تسربت بين مساماتها، وخرس أصاب لسانها وألجمها، وتابع الآخر وعيناه منصبة عليها بتمحيص مدقق:
- خمس ملايين درهم ناقصة من الحساب... وين راحت؟؟.
مازال عدم التصديق يشلها... وحاولت أن تعرف إن كان ما يحدث هل هو حقيقة أم هي بأحد كوابيسها؟؟؟.
رمشت تبعد النجوم البراقة التي تلألأت أمامها وحطت على كأس الماء أمامها الذي لم تعرف كيف وصل لهنا!!.. ولكنها كانت شاكرة وجوده بهذه اللحظة، فقد شعرت بأوتارها وحنجرتها متيبسة تكاد تتقطع من شدة جفافها، وشربته دفعة واحدة واستطرد الصوت والذي أصبح فجأة صادرا من أمامها وتطلعت لصاحبه وهو يحاول اختراق حواجزها بعسليتيه:
- تعرفين كم سنة راح تاخذينها بالسجن لتهمة الاختلاس و خيانة الأمانة؟؟.. ست سنوات أو أكثر.
والآن شعرت بروحها تنسل من جسدها وهي تستمع للتهم الباطلة التي تنسكب عليها وهمست بذهول:
- انت عن شو تتكلم؟؟
مال للأمام وارتكز بمرفقيه على فخذه ومن ثم اتكأ بذقنه على كفيه وأجابها:
- لا تحاولين تتهربين، كل شي واقف ضدج، أول ما أعطي الشرطة الملف ويحققون على طول راح يرمونج بالسجن.
نيران تشتعل بجوفها، وبارود قد انفجر من التهمة التي يحاول الصاقها بها،
وفزت من جلستها وهتفت باستغراب:
- انت أكيد خرفت!!.. سجن شو؟؟.. واختلاس شو؟؟.. انت أكيد غلطان مع وحدة غيري؟؟.
تراجع للخلف وقال بثبات وعيناه مازالت مسلطة عليها:
- لا... الكلام عنج، شما بنت سعيد حمد أحمد الخاطري، أظن هذا اسمج.
وفتح أمامها ملف وأشار ناحية أحد التواقيع واستطرد:
- وأظن إن هذا توقيعج ولا أنا غلطان؟؟.
وسقطت عائدة على الاريكة مع نطقه لاسمها الكامل ورؤية توقيعها يذيل الورقة، وهمست بصدمة:
- لا... انت أكيد غلطان!!.. أنا... أنا.. مستحيل أسويها!!.
وأشارت لنفسها وأكملت:
- أنا بعمري ما سرقت ولا غشيت، تجي انت وتقول خنت الأمانة واختلست!!.
وقهقهت بجفاء وتابعت:
- وألحين انت جاي تتهمني؟؟.
ونهضت صارخة هادرة بظلم تراه يقع عليها اجحافا واستبدادا:
- شو هو دليلك على اني أنا يلي اختلست؟؟.. مب ممكن حد غيري سواها وحب يطلع نفسه من الورطة، ورماها علي؟؟.
- طيب تتهمين منو؟؟... فاطمة!!... ولا مي!!... إن ما كنت انت أكيد وحدة منكم؟؟
فكر قد طار بدوامة الشك وعدم اليقين، وصور صديقاتها الضاحكات تنفي ماهداه لها شيطانها فصرخت رافضة:
- لا... مستحيل وحدة منهم، هذيلا خواتي يلي ما جابتهم أمي، مستحيل يسونها!!
عاد يتكئ بذقنه على كفه، وقال ببرود:
- إذا كانوا مب هم عيل مين؟؟.
ناظرته بقوة فرفع حاجبه وسأل:
- تتوقعيني أنا يلي أتبلى عليج؟؟
أشاحت بعينيها بعيدا، وأجاب هو:
- بصراحة مب عارف ليش أتبلى عليج؟؟.. يعني منوا انت علشان أحطج براسي؟؟.
وتابع يقذفها بجليده دون أن يبالي بما يحل بها وأشار من جديد:
- هذا مب توقيعج؟؟...
ناظرته لثوان ثم ارتدت مخفضة مقلتين توشكان على تفجير خزانها من المياه وهمست بوجع وألم سرى بوجدانها:
- هيه... هذا توقيعي.
- مب هذا الملف يلي كنت تراجعيه علشان المناقصة يلي كنت بدخلها؟؟.
وأيضا هزت رأسها بالموافقة ومن ثم رفعته وهزته برفض وهتفت بضعف قد تملكها:
- بس أنا ما سويتها!!.. أنا ما أخذت شي!!.. بعمري ما أخذت فلس حرام ولا خنت الأمانة.
وسقطت واهتز الجبل الشامخ الذي لطالما اتخذته قدوة لها بشموخه وعزته وقوته ضد من يريد هزهزته من عليائه، ومر الوقت ساكنا كسكون الأموات تحت الثرى حتى كسر حدة الصمت قائلا:
- عندي لج حل ولج الاختيار.


الساعة الآن 03:41 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية