منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات احلام المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f457/)
-   -   488 - لن ترحل الشمس - سارة كريفن ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t203059.html)

wintersaonata 16-11-16 01:34 PM

488 - لن ترحل الشمس - سارة كريفن ( كاملة )
 
لن ترحل الشمس
للكاتبة سارة كريفن

الملخص
ان لم تتزوجي قبل حلول عيد مولدك الخامس والعشرين ، لن ترثي غرايس ميد.
لم يكن أمام هارييت فلينت خيار إلا الرضوخ لمشيئة جدها ، لكي تتمكن من الحصول على منزل العائلة ، لذا اتفقت مع الشاب اليوناني الوسيم روان زاندروس على زواج صوري ، في سبيل تحقيق هذا الهدف .

بعد تبادل عهود الزواج ، ذهبت هارييت برفقة روان إلى اليونان ، حيث تبين لها أن زوجها هو وريث العائلة التي تملك سلسلة فنادق زاندروس ، وان هذا المليونير يتوقع من الجميع تلبية رغباته.
تحت أشعة الشمس اليونانية الساطعة ، أدركت هارييت أن روان يتوقع ليلة زفاف مميزة لا تنسى .. إنه ينوي حقا الحصول على حقوقه الزوجية من عروسه البريئة التي لم تعرف رجلا من قبل



للامانه منقول:8_4_134:

mymemory 19-11-16 06:49 PM

رد: لن ترحل الشمس (ساره كريفن)
 
الفصل الاول
رجل من عصر نوح


"ما الذي تعنيه بقولك هذا ؟ لكن هناك اتفاقا بيننا وهذا الغداء يهدف
إلى إتمام تحضيرات الزفاف "
قالت هارييت فينت هذا ، وهي تحدق بوجه الشاب الجالس قبالتها إلى المائدة
والذي بدا في موقف دفاعي . زم الشاب فمه بعناد وقال وقد
تورد خداه من الخجل" اختلفت الأمور الآن . عندما عقدنا هذه الاتفاقية
لم أكن أبالي بما سيحدث لي فالفتاة التي أحب كانت خارج حياتي
يومها بدت فرصة الحصول على رزمة من المال والسفر حول العالم
خيارا مناسبا أما الآن فقد عادت جيني وسوف نتزوج لن أدع أي شيئ يُعرض هذا الزواج للخطر". "لكن إن شرحت الأمر لها فبالتأكيد ..."
ضحك بيتر كارتس باستهزاء وقال " ماذا ؟ أتريدنني فعلا أن
أخبرها أنني وافقت على الزواج من امراة غريبة تماما فقط من اجل المال ؟".
"لا يمكنك أن توضح لها بأن هذا لن يكون زواجا حقيقيا بل مجرد اتفاق مؤقت لن يدوم
لأكثر من أشهر قليلة ؟ إنه اتفاق عمل فقط ،الن تشكل هذه الحقيقة اي فرق ؟".
أجاب بيتر بنفاد صبر بالطبع لا لا يمكنها أن تتقبل تورطي بأمر غريب كهذا حتى لو صدقتني فستظن أنني شخص مجنون تماما أومصاب بحالة هذيان وبالطبع لا يمكنني لومها"
هز رأسه وتابع قائلا" انا آسف آنسة فلينت هذا الاتفاق ألغي لن أخاطر بترك جيني مجددا فهي كل ما أملك في هذه الدنيا بالطبع يمكنك تفهم موقفي"
أجابت هارييت ببرودة " وانا لدي ميراث وهو عندي بالأهمية نفسها وسوف أخسره إذا لم أحصل على زوج قبل عيد ميلادي القادم من الواضح أنك لم تفهم هذا أبداً".
توقفت قليلا ثم أضافت " انظر إلى الأمر من جهة أخرى . تكلفة الزفاف مرتفعة جدا هذه الأيام وانا واثقة أن حبيبتك جيني تعرف هذا. من المؤكد أن بإمكانك إقناعها بأن هذه الأموال تستحق التضحية لا سيما إذا رفعت بدل أتعابك عما اتفقنا عليه".

mymemory 19-11-16 06:50 PM

رد: لن ترحل الشمس (ساره كريفن)
 
"لا بالطبع لن تنظر إلى الأمر من هذا المنطلق . ما الذي يدفعها للقيام بذلك ؟".
وقف بيتر ليغادر ثم توقف قليلا ونظر نحوها عابسا وهو يقول"حبا بالله آنسة فلينت أنت لست بحاجة إلى شراء زوج . إذا ارتديت ملابس مختلفة وبدلت تسريحة شعرك سوف تبدين جذابة جدا . لم لا تعتبرين ما حدث فرصة جيدة للتراجع وتحأولين عوضا عن ذلك التركيزعلى إيجاد السعادة الحقيقية؟".
" شكرا على النصيحة لكنها غير ضرورية لأنني أحب تنفيذ الأمور وفقا لطريقتي الخاصة وأنا لا أسخر جاذبيتي لاجتذاب الرجال فأنا أفضل مهنتي على اي رجل" .
"على أي حال لا أظن أنني الوحيد الذي رد على إعلانك . أوكلي المهمة إلى احدهم" .
أجابت في سرها " لكنك الوحيد الذي يصلح ليكون زوجي في نظرجدي . فأنت في نظره نموذج الرجل الانكليزي المستقيم".
عندما رأته يبحث عن محفظة نقوده هزت راسها وقالت " لا أنا ساتولى أمر الفاتورة وأمر اتفاقنا أيضاً . كما ترى ،التزمت بوعدي تماما حتى اللحظة التي أعلنا فيها بطلان هذه الاتفاقية".
أضافت مبتسمة عندما استدار ليغادر" أتمنى أن تشعر أنك اتخذت القرار المناسب ولك تمنياتي بالخير"
ما قالته هو بالطبع كذبة إنها تود قتله كما تود قتل صديقته المغرورةالحقيرة . راقبته يرحل فيما أخذت تفكر بما عساها تفعله الآن . كيفتراها ستتعامل مع جدها؟
حسنا يجدر بها إزاحة هذه المشكلة من تفكيرها فهي بحاجة إلىالتركيز على الاجتماع الهام الذي ينتظرها بعد ظهر هذا اليوم.
أشارت هارييت إلى النادل الذي اقترب منها على الفور إلا أن عينه لم تغفلا عن ملاحظة أطباق الطعام التي لم تمس على الطأولة .
" هل من سوء في الطعام سينيورا ؟"
أكدت له هارييت قائلة "لا على الإطلاق أنا .. لست جائعة هذا كل شيء".
ما حصل أفقدني شهيتي .. فكرت بصمت بما قاله بيتر " جذابةجدا "
لا بد أنها ورثت بعض الملامح من والدها المجهول . فعيناهاالرماديتان الصافيتان ذات الرموش الكثيقة لا تشبهان عيني أمها
كذلك شعرها الكستنائي اللامع الذي يشبه ذيل حصان اصيل . هذا الشعر الذي يمكنه أن ينسدل كالشلال على كفتيها إن سمحت له بذلك. على اي حال فهي لا تود أن تشبه أمها سوءا بالشكل أم بالتصرفات . على العكس من هذهالأخيرة لم تظهر هارييت اي ميل للتورط في علاقات عاطفية عابرة اما صداقاتها مع بعض الشبان في مطلع شبابها فلم تتطور إلى علاقات جدية لأنهالم ترغب حقا في ذلك
لن تمنح جدها أي فرصة كي يتهمها بأنها تدنس شرف العائلة كما فعلت أمها وقفت فجأة وحملت حقيبة يدها فيما القت سترتها السوداء على ذراعها وسارت باتجاه المدخل حيث يجلس صاحب المطعم لويجي خلف منضدته . رات هذا الأخير مشغولا بالتحدث إلى رجل طويل القامة دخل لتوه تدل هيئته المزرية أنه ينتمي بالفعل إلى الشارع ما
يعني أنها مضطرة إلى الانتظار إلى ان ينهي لويجي عمله معه. يرتدي الرجل سورال جينز قديما وقميصا قطنية بهت لونها أما شعره فغامق اللون طويل وغير مرتب وهو ذو وجه نحيل وذقن غير حليق ما جعل من الصعب رؤية ملامح وجهه . فكرت هارييت أن هذا النوع من الناس ليس من زبائن لويجي .
في الحقيقة توقعت أن تتم مرافقة الرجل بتهذيب وحزم نحو الباب لكن هذا الامر لم يحدث على العكس من ذلك استقبله لويجي بالود والترحاب فابتسم له وتنأول دفتر الشيكات تساءلت هارييت بارتباك وتهكم أيدفع له المال ليغادر ؟
يدير لويجي مطعما ممتازا لكنها لم تلاحظ لديه يوما ميلا لمساعدةالآخرين إلا إذا كان لهذه الزيارة دلالات شريرة .. ربما جاء هذا الرجل ليأخذ أموالا غير مشروعة مقابل تأمين الحماية للويجي .
على اي حال على الأرجح أن ذلك النوع من الأشخاص لا يقبل الشيكات .
تنأول الرجل الشيك بخفة ودفع به إلى محفظته الرثة التي تنأولها من الجيب الخلفي لسروال الجينز الوسخ . استدار ليغادر بعد أن تبادل الرجلان عدة كلمات سريعة ومصافحة .
للحظة وجدت هارييت نفسها في مواجهته . بالرغم من مظهره الاشعث الذي يعطي انطباعا بأنه نهض من السرير
وارتدى أول ملابس وجدها أمامه لاحظت بارتباك أنه يتمتع بوجه هادئ وأنف مرتفع وفم مكتنز فوق ذقن مربع بالأضافة إلى عينين حالكتي السواد.
يمكن القول إنه وسيم أو على الأقل ملفت للنظر وجذاب بكل ما للكلمة من معنى هذا بالأضافة إلى تمتع بكتفين عريضتين وجسد نحيل ممتلئ بالعضلات . لاقى الرجل نظرتها وأجال بصره من راسها حتى قدميها بمنتهى اللامبالاة ثم خرج
وأغلق باب المطعم خلفه

mymemory 19-11-16 06:51 PM

رد: لن ترحل الشمس (ساره كريفن)
 
للحظة أحست هارييت برعشة غريبة فرفعت يدها بشكل دفاعي لتسوي قبة قميصها القطنية البيضاء .. كأن مظهرها يشكل فرقا .. وكأنها لا تقوم بارتداء هذه الملابس المملة كل يوم وإبعاد شعرها بقسوة عنوجهها لتعقده عند مؤخرة عنقها بأنشوطة مطاطية لم تستطع يوما نسيان تصرفات والدتها لذا فهي آخر امرأة في العالم ترغب بجذب انتباه الرجال واهتمامهم لا سيما رجل بهذا المظهر استجمعت قواها وأخرجت بطاقة اعتمادها من حقيبتها
إلا أن لويجي رفض تقاضي ثمن الغداء قائلا " أنت لم تأكلي شيئا آنسة فلينت ولم تشتري سوى الماء ولم يكن صديقك أحسن حالا منك . ربما تكون شهيتك أفضل في المرة المقبلة".
فكرت بمرارة ربما ستكون قد خسرت ميراثها في المرة القادمة وهذا الصديق الذي يتكلم عنه لن يكون معها مع ذلك أجبرت نفسها على الابتسام بامتنان .
عندما استدارت لتغادر أوقفها لويجي قائلابصوت واثق ومنخفض "ذلك الرجل الذي كان لتوه هنا .. أعتقد أنكِ
رأيته ولا بد أن وجوده أثار تعجبك".
احمرت وجنتا هارييت خجلا . أجابت " هذا حقا ليس من شأني" .
اشار لويجي نحو الحائط ذي اللون البرتقالي الباهت وقال " لا...... لا
هذا سيثير إعجابك فأنت أول من انتبه للوحة وقدّرها .. كان عليّ أن أخبره بذلك"
" تخبر من ؟"
نظرت نحو اللوحة الزيتية المعلقة على الحائط منذ ثلاثة أسابيع ثم رفعت حاجبيها بتعجب
وسألته" أتقصد .. إنه من قام برسمها ؟"
أومأ لويجي برأسه ولوى فمه بإعجاب قائلا" نعم . ألا تبدو عليه الموهبة ؟ إنه فنان يكافح في عِلية منزل . مع ذلك
هو يملك موهبة حقيقية . أنتِ بنفسك قلت ذلك آنستي".
نظرت هارييت مجددا إلى اللوحة . ما يقوله لويجي صحيح تماما . اعترفت بذلك لنفسها على مضض ، فهذه اللوحة استحوذت على انتباهها ومخيلتها منذ اللحظة الأولى التي وقع فيها نظرها عليها مع أن اللوحة ليست من النوع الذي يجذبها عادة.
بدت اللوحة بسيطة نسبيا فهي عبارة عن مشهد يطل على البحر المتوسط حيث تظهر السماء صافية فوق شاطئ هلالي الشكل ويبدو في الخلف سديم أزرق لا متناه .
في مقدمة الصورة هناك مرتفع في الأرض عِليه صخرة باهتة اللون قاحلة مسطحة وخالية من أي ميزة . على الصخرة هناك طأولة عليها زجاجة شراب نصف فارغة وكأسان أحدهما مقلوب يسيل منه شراب بلون الصدأ وكأنه دم جاف على السطح الابيض المعدني .
تحت الصخرة تماما هناك حذاء نسائي عالي الكعبين شبه مدفون في الرمال . لا شك أن هذه اللوحة تطرح الكثير من الاسئلة وتشجع على التخمينات بيدأن ما جذب هارييت في المقام الأول هذا الضوء الذهبي الكثيف الحارق الواهن الذي يغمر اللوحة . خُيل إليها أنه يلفح عينيها ، حتىمن خلال طبقات الملابس التي ترتديها . ما جعلها تدرك مهارة الرسام .
في بادئ الأمر ، سألت لويجي عنها فهز كتفيه بلا مبالاة وقال إنها مجرد تجربة وقد عرضها ليرى ردة فعل زبائنه .
في ذلك الوقت نظرت إليها هارييت مجددأوقالت " أعتقد .. أو بالأحرى أنا متأكدة أنها جيدة وقد أعجبتني كثيرا .
بالطبع إذا كان لرأيي قيمة
هذه اللوحة بالطبع بعيدة كل البعد عن تلك اللوحة المائية التي كانت معلقة قبلها وهي لوحة لبوستيانو .
في هذه اللحظة بالذات ايقنت هارييت أن هناك ما يزعجها في هذه اللوحة فبالأضافة إلى موضوعها الذي يبدو لغزا غامضا
ينبعث منها غضب ملموس أشبه بظفر ينغرز في اللحم بالرغم من ذلك كانت تنظر تلقائيا نحو اللوحة كلما قدمت إلى المطعم
ولطالما تعمدت التباطؤ للحظة أمام مكتب الاستقبال لتتأملها .
مدفوعة بردةفعل غير مبررة قالت فجأة "أهي للبيع ؟".
بدا لويجي متأسفا عندما أجابها " آسف سبق أن تم بيعها لكن لديه لوحات أخرى ويود أن يجد سوقا لها تمكنت من إرسال بعض الشارين المهتمين إليه وهو مستعد للتفأوض بشأن الأسعار"

mymemory 19-11-16 06:52 PM

رد: لن ترحل الشمس (ساره كريفن)
 
توقف قليلا ، ثم تابع " لكن يا آنستي هو بالفعل بحاجة إلى راع .. إلى شخص لديه معارف في عالم الفن وصالات العرض ليكتسب الشهرة"
بحث في درج مكتبه ثم سلمها بطاقة تبدو بسيطة وتحمل كلمة واحدة " روان" ورقم هاتف خليوي
تأملت هارييت البطاقة متسائلة ما إذا كان روان هو اسم هذاالشخص الأول أم اسم عائلته
ثم قالت "إنها بالفعل بسيطة ومقتصرةعلى المعلومات الأساسية"
"في بداية الحياة المهنية لا تكون الأمور سهلة" .
"أعتقد أنك محق"
دست البطاقة في الجيب الجانبي لحقيبتها بنية التخلص منها لاحقا فقد اعتبرت أن سؤالها عن اللوحة مجرد نزوة لا تعرف مصدرها وخير لها ان تنساها .
بالأضافة إلى ذلك أخذت تفكر عندما خرجت إلى الشارع الذي تغمره الشمس أنها مشغولة في الوقت الحالي بقضاياها الخاصة التي عليها أن تناضل لأجلها.
كتمت هارييت تنهيدة وبدات تمشي بسرعة عائدة نحو مكتبها . إنها بالطبع تحب جدها وتدين له بالكثير لكنها أيضاً تعرفه جيدا .
جورج فلينت أشبه بآكلي اللحوم إنه ديناصور المستنقعات بشحمه ولحمه .
لطالما كان كذلك وبالتأكيد هو ليس في وارد التغير الآن في هذه المرحلة من حياته وفي وضعه الصحي الحالي
مهما كانت مطالبه منافية للمنطق والعقل من غير الحكمة التغاضي عنها على أمل أن ينساها .
اكتشفت هارييت هذه الحقيقة الآن على حسابها الشخصي .
طغى على مخيلتها الآن ذلك المشهد حين أعلنت والدتها ذات الثماني عشر سنة بتحد أنها حامل وأن زواجها من والد الطفل مسألة مستحيلة وأنها لن توافق أبداً على الإجهاض .
لا بد أن الانفجار الذي تلا ذلك التصريح قد سجل رقما قياسيا على مقياس رختر . في الواقع أحدث هذا الخبر شرخا في العائلة وأدى إلى طرد كارولين فلينت من منزل والدها لا سيما بعدما رفضت التكفيرعن خطاياها وعرض طفلتها للتبني .
مضت ست سنوات قبل عودة التواصل مع العائلة
قالت لها والدتها بلطف ذات يوم " جدك يريد رؤيتك يا حبيبتي ". هذا يعني أنالإبنة الضالة أعطيت فرصة ثانية .
أما شريكها في ذلك الوقت وهو عازف غيتار عاطل عن العمل يدعى براين
فنظر إلى الأعلى صوبها وقال" لا تفعلي ذلك يا أميرتي بإمكاننا الاستفادة من هذه الطفلة السمينة".
ذهبت هارييت وأمها في اليوم التالي إلى غرايس ميد وعندما انعطفت سيار ة الأجرة التابعة للمكتب نحو الممر بدا المنزل أمامها .
أطلقت هارييت شهقة فرح ملؤها الذهول والشك بعد الشقق الرخيصة التي اعتادت عليها بدت إمكانية ارتباطها بهذا المكان الجميل أمرا ساحرا .
مع مرور الوقت اكتشفت هارييت أن غرايس ميد ليست مكانا جميلا على الإطلاق .
جدها فينتن الأول وهو تاجر غني من فيكتوريا اشترى بيتا كلاسيكيا زين واجهته بزخرفة قوطية ثم أضاف ابراجا صغيرة على جانبيه تذكره ببيته الاسكوتلندي .
في الواقع ما قام به جدهاالأول يعد بالفعل عملا تخريبيا لكن رؤية ذلك البيت للمرة الأولى جعلت هارييت تلهث بتعجب لا سيما عندما لامست شمس الأصيل النوافذ وصارت الحجارة تلمع كالذهب .
أقنعت هارييت نفسها أن هذا القصر خيالي وأن والدتها أميرة حقيقية كما أسماها براين لانهأ ولدت هناك

جرت المقابلة بين جورجي فلينت وابنته الضالة بسرية بينما أخذت امراة عجوز سمينة هي مربية كارولين القديمة هارييت إلى المطبخ وأمطرتها بكميات من الحليب وقطع الكيك الصغيرة المجلدة التي حضرتها السيدة وايد وهي الطباخة ومدبرة المنزل خصيصا لهمها .
عندما انضمت هارييت اليهما أخيرا كانت والدتها تبتسم بتصميم صارم لكن عينيها بدتا حمرأوين.
" افرحي يا حلوتي ستبقين هنا مع جدك وسوف تقضين أوقاتا رائعة أتوقع أن يدللوكِ إلى اقصى الحدود . الا توافقينني الرأي نانا ؟".
سألتها هارييت بارتباك " الن تبقي هنا أنت أيضاً ؟"
هزت كارولين رأسها وقالت " سوف اذهب مع براين حبيبتي . لديه
جولة رائعة في أميركا . سنغيب لوقت طويل جدا لذا من الأفضل أن تبقي هنا . من الرائع أن تكبري في هذا المكان".
قالت هذه الكلمات وعلا وجهها الجميل للحظة شيء يشبه الندم .
أثبتت الأيام صحة ما رأته هارييت ذلك أنها لم تعش أبداً بعد ذلك مع والدتها كانت تراها من وقت لآخر ثم اصبح عدد هذه الزيارات يتناقص
أصبح منزل غرايس ميد حقيقة ثابتة في حياتها . أصبح بيتها .
ولحظة الذهول الأولى تلك لم تذو أبداً . بعدما تعودت على القيود التي تفرضها لندن وجدت أن المنزل والأراضي الشاسعة المحيطة به زودتها بملعب سحري ترتاده لساعات وساعات . تنافست كل من المربية والسيدة وايد معا لتزويدها بكل ما من شأنه منحها الشعور بالراحة والأمان .
أما بناء علاقة مع جدها فأخذ وقتا طويلا . في البداية كان صعب المراس قليل الكلام وفظا نوعا ما
أحيانا كان يراقبها وكأن شيئا ما يربكه
ثم سمعت في أحد الأيام إحدى النساء المحليات تشير إليها قائلة " طفلة كارولين المسكينة أنت لن تعرفي الحقيقة أبداً . أليس كذلك؟" .
يومها فهمت هارييت كل شيئ .
في اليوم التالي وجدها جدها في المكتبة المرصوفة بالكتب . كانت مستغرقة
في قراءة كتاب " الزنبقة السوداء " وهي تلف خصلة شعر على إصبعها . لم تلاحظ أنها لم تعد وحدها وعندما رفعت نظرها رأته يراقبها
ارتبكت هارييت وتوقعت أن يغضب منها لكن ابتسامته المفاجئة حملت حنانا غريبا .
قال لها " أمك كانت تقوم بهذه الحركةعندما تقرأ وهذا كتابها المفضل أيضاً"
جلس جدها على كرسي كبير بجانب المدفأة وراح يتحدث إليها مشجعا إياها لتخفف من خجلها وتقول كل ما يدور في ذهنها
عندما تفكر بالماضي يمكنها أن تصف طفولتها بأنها جيدة جدا على الرغم من غياب والدتها المستمر والطويل .
في البداية استلمت رسائل من الولايات المتحدة ثم من أوروبا ومع مرور السنوات تناقص عدد الرسائل ثم توقف نهائيا . آخر اتصال بينهما كان بطاقة في عيد ميلادها الحادي والعشرين .
يبدو أن كارولين كانت حينها في الأرجنتين . لم يرد أى عنوان على تلك البطاقة
ومنذ ذلك الحين لم يتوفر أي دليل يثبت إن كانت والدتها ما زالت على قيد الحياة أم لا .
تقبلت هاريت مع مرور الوقت ان والدتها تعيش فقط وفقا لقوانينهاالخاصة وتعتبر أن وجود ابنتها في هذه الحياة مجرد ماض رمته خلفها منذ أمد بعيد .
كل ما بقي لها لتذكره عن والدتها هو جمالها وتمتعها بالحياة بالرغم من إخفاقها في ذلك .
حأولت نسيان الجوانب السيئة في علاقتهما إلا أن علاقتها بجدها ظلت غريبة نوعا ما مع إنها لم تفتقد العاطفة يوما .
بدا جورجي فلينت عازما بوضوح على منع هارييت من اتباع خطى والدتها لذا وجدت هارييت حياتها مقيدة بعاطفة استبدادية حرمتها حريتها .
حدث أول تصادم كبير بينهما وهي في الثامنة عشرة من عمرها .
ما إن تركت هارييت مدرسة الراهبات حتى أعلن جدها أنه وجد لها مؤسسة سويسرية تمكنها من تحسين مهاراتها في اللغات الأجنبية وأخذ دروس في الطبخ .
حدقت به هارييت فاغرة فمها ثم قالت "أتعني ذلك حقا ؟ جدي لا بد أنك تمزح . من يسمعك يظن أننا نعيش في القرن الماضي".
عقد جدها حاجبيه وسألها " ألديك فكرة أخرى ".
حأولت أن تطبع أفضل ابتساماتها على شفتيها وقالت " بالطبع قررت أن أعمل في شركة العائلة أريد أن أرفع اسم فلينت عاليا".
أطلق جدها ضحكة قاسية ، وقال " أنتِ .. تريدين العمل في شركة فلينت ـ أودلاي ؟ من أين أتتك هذه الفكرة السخيفة ؟ ".
"يبدو لي هذا خيارا واضحا".
اجابها بنبرة قاسية جدا " حسنا إنه ليس واضحا بالنسبة لي . فماذا تعرفين بحق السماء عن العمل الذي نقوم به ؟ ما الذي تعرفينه عن إدارة الملكيات والتعامل مع مختلف أنواع المستأجرين العقود الصيانة... والالف قضية وقضية التي ستواجهينها وأنت مجرد طفلة صغيرة خرجت لتوها من المدرسة ؟ ".
رفعت هارييت ذقنها وقالت دون تردد " قد تكون معرفتي بقدر معرفتك أنت وغوردن أودلاي عندما بدأتما في الخمسينات من القرن الماضي وهي بالطبع أفضل من معرفة جوناثان أودلاي صاحب النتائج المتدنية في كلية الفنون الجميلة ".
زادت حدة لهجتها وهي تضيف " .. مع ذلك استقبل بالترحاب من قبلك . بوسعي التغلب عليه بسهولة إذا تم إعطائي فرصة "
توقفت قليلا ثم تابعت " انا لست مجرد طفلة صغيرة كما تدعي بل كما يقال .. أنا سرّ جدي ... كل ما أريده هو فرصة لإثبات ذاتي ".
أضافت بصوت منخفض " ظننت أن قراري هذا سيفرحك ".
أجابها جدها بنبرة صوت لاذعة " إذا عليك إعادة التفكير بالأمر فلدي خطط مختلفة لمستقبلك يا فتاتي ".
"لكن يا جدي الحبيب هذا المخطط لن ينجح أبداً . أنت تعرف ما يقال عن الأشخاص العاطلين عن العمل ".
شاهدت تعابير وجهه تقسو بغضب حقيقي ثم قال "أتقصدين والدتك بكلامك هذا ؟".
عضت هارييت على شفتها وقالت " لا ! أنا حقا لم أقصدها بكلامي "
ثم تابعت في سرها مع ذلك أعتقد أنها لو حصلت على عمل حقيقي وعلى مهنة عوضا عن بقائها في البيت لتلعب دور الإبنة المطيعة لربما تغيرت الأمور . لعل تلك العلاقة العاطفية الأولى كانت فرصتها لتكون على طبيعتها ...
أضافت " على أي حال أنا أود تخطي هذه الامتيازات الاجتماعية والبدء بكسب لقمة عيشي ككل الأشخاص الذين أعرفهم".
ساد الصمت لفترة ثم قال جدها " حسنا لا داعي للاستعجال كثيرا في أخذ قرار بشأن مستقبلك لم لا تأخذين استراحة لمدة سنة فتقضين بعض الوقت في المنزل قبل قرارك النهائي ؟ إذا كنت تريدين مهنة فهناك الكثير من الفرص في العمل التطوعي".
أخذت هارييت نفسا عميقا وقالت " اتخذت قراري جدي لدي مقابلة عمل لمنصب مساعد في قسم مراجعة الإيجارات مع لاري بروترتون يوم الاثنين ".
قال جدها بتوعد " الم يجد أحدهم أن من الملائم ذكر هذا الأمر أمامي ؟ من المفترض أنني ما زلت رئيس مجلس الإدارة ".
"افترضنا أنك منشغل بأمور أهم من توظيف عاملة بدرجة متدنية جدا . على أي حال قد يرفض السيد بروترتون توظيفي" .
" أشك كثيرا في هذا" .
ظل صامتا للحظة ثم قال بصوت خشن " أفترض أنه لا يمكنني منعك ما دمت مصممة شركة فينت ـ أودلاي ستكون جيدة لك على أن تصبحي مستعدة للاستقرار
ضحكت هارييت حينها وأجابت " بالطبع ".
بدت سعيدة بانتصارها فلم تلحظ المضمون الواضح لكلماته الا وهي اعتبار العمل لدى فلينت " أودلاي مجرد اتفاق مؤقت ينتهي حالما تحقق قدرها الأنثوي القاضي بإقدامها على زواج جيد"
عندما نالت هارييت الوظيفة أخذت تعمل بجهد كبير وسرعان ما تمت ترقيتها . الآن وبعد ست سنوات أصبحت تحتل مركزا إداريا وتتلقى أجرا شهريا يتماشى مع مركزها هذا بالأضافة إلى علأوات سخية .
وهناك احتمال بأن يسمح لها بتوسيع قسم الإدارة الإعلامية للشركة خارج لندن . بالطبع ، إذا سار الاجتماع الذي سيعقد عصر اليوم كما تريد وهذا ما هي مصممة على تحقيقه .
قد لا تكون هارييت محبوبة من زملائها وهي تعرف أنهم في غيابها يطلقون عليها لقب" هارييت العجوز المحبة للخصام " لكنهم غير قادرين على انتقاد إنجازاتها وهذا كل ما يعنيها .
فكرت هارييت بمرارة فقط لو أن جدها يشعر بالرضى مدركة استحالة حدوث ذلك . رأيه بمهنتها لم يتغير أبداً فهو يعتبر عملها مجرد تسلية لها حتى تبدأ حياتها الحقيقية وتجد لنفسها رجلا مناسبا .
خلال العام المنصرم زادت حدة مواقفه .
قال لها ذات مرة بتذمر شديد " غرايس ميد هو منزل لعائلة وليس لامرأة عزباء . أعثري لنفسك على رجل محترم واجلبيه إلى المنزل على أنه زوجك وإلا سأغير الوصية وأتدبر أمر بيع المنزل بعد وفاتي ".
حدقت هارييت فيه " أنت لست جديا جدي لا يمكنك ذلك ".
أجابها وصوته ينذر بالشؤم " إنني أعني كل كلمة قلتها . سوف أعين موعدا أخيرا هارييت . إن لم تكوني مخطوبة أو بالأحرى متزوجة عند حلول عيد ميلادك القادم سوف أكلم المحامين الذين يعملون لدي بصفتك وريثتي ستكونين فريسة لأي محتال عذب اللسان يصادفك وأنا أنوي رؤية رجل قوي بجانبك ".
أخذت هارييت تلهث من الصدمة والغضب " لا أستطيع التصديق هذا النوع من التفكير يعود إلى عصر نوح ".
أومأ جدها براسه بشكل مروع وقال" في سفينة نوح كان هناك اثنان من كل صنف من المخلوقات تماما كما أرادت الطبيعة . إذا كنت تريدين هذا المنزل قومي بالمثل".
فيما هارييت مستغرقة في ذكرياتها ، لمحت صورتها في واجهة أحد المحال التجارية ورأت عبوسا شديدا جدا يعلو وجهها
عدلت تعابيرها بسرعة على خطوط أكثر قبولا . سبق لها أن وضعت قانونا صارما يقضي بعدم إدخال أي من مشاكلها الشخصية إلى المكتب لذا لا علم لأحد بالفترة العصيبة التي تواجهها حاليا في حياتها الخاصة .
عصر هذا اليوم عليها أن تبذل جهودا جبارة لتكسب الموافقة على البرنامج التوسعي وهي على يقين بأن جوناثان أودلاي سيهاجم خططها .
الاعتراض هو دافعه الوحيد للقيام بمهاجمتها . تملكه غضب شديد عندما تغلبت عليه في مسألة تعزيز الرهانات وعليها أن تكون ممتنة لأن اللقب الذي أطلقه عليها كان رد فعله الوحيد .
لحسن الحظ أنه لم يسمع قط اللقب الذي أطلقته عليه هارييت في سرها . مرت أوقات أرادت فيها أن تمسك به من ربطة عنقه المصنوعة من الحرير الخالص ،
وتقول " اسمع أيها الأحمق المثير للشفقة نحن في صف واحد . توقف
عن عرقلة مشاريعي بصورة دائمة ".
لكن هذا التصرف ليس من ضمن سياسة الشركة . تعلم هارييت أنها أهانت غرور جوناثان الذكوري منذ مدة طويلة فهي الوحيدة التي لم تقدر وسامته وسحره مع أنه أثار إعجاب السكرتيرات الصغيرات منذ انضمامه إلى الشركة .
الفكرة الاساسية التي كونتها عنه هارييت هي انه كثير الاعتداد بنفسه ومنذ ذلك الحين لم تجد سببا لتغير رايها به أما اليوم فهي بحاجة على كل ذرة صبر تمتلكها لتتعامل معه .
عندما اجتازت المنعطف باتجاه الساحة حيث تقع مكاتب فينت ـ أودلاي رات هارييت بعض الناس المحتشدين خارج الحديقة الصغيرة المسيجة قبالة المبنى وهم يراقبون شيئا ما بتمعن .

mymemory 19-11-16 06:54 PM

رد: لن ترحل الشمس (ساره كريفن)
 
توقف قليلا ، ثم تابع " لكن يا آنستي هو بالفعل بحاجة إلى راع .. إلى شخص لديه معارف في عالم الفن وصالات العرض ليكتسب الشهرة"
بحث في درج مكتبه ثم سلمها بطاقة تبدو بسيطة وتحمل كلمة واحدة " روان" ورقم هاتف خليوي
تأملت هارييت البطاقة متسائلة ما إذا كان روان هو اسم هذاالشخص الأول أم اسم عائلته
ثم قالت "إنها بالفعل بسيطة ومقتصرةعلى المعلومات الأساسية"
"في بداية الحياة المهنية لا تكون الأمور سهلة" .
"أعتقد أنك محق"
دست البطاقة في الجيب الجانبي لحقيبتها بنية التخلص منها لاحقا فقد اعتبرت أن سؤالها عن اللوحة مجرد نزوة لا تعرف مصدرها وخير لها ان تنساها .
بالأضافة إلى ذلك أخذت تفكر عندما خرجت إلى الشارع الذي تغمره الشمس أنها مشغولة في الوقت الحالي بقضاياها الخاصة التي عليها أن تناضل لأجلها.
كتمت هارييت تنهيدة وبدات تمشي بسرعة عائدة نحو مكتبها . إنها بالطبع تحب جدها وتدين له بالكثير لكنها أيضاً تعرفه جيدا .
جورج فلينت أشبه بآكلي اللحوم إنه ديناصور المستنقعات بشحمه ولحمه .
لطالما كان كذلك وبالتأكيد هو ليس في وارد التغير الآن في هذه المرحلة من حياته وفي وضعه الصحي الحالي
مهما كانت مطالبه منافية للمنطق والعقل من غير الحكمة التغاضي عنها على أمل أن ينساها .
اكتشفت هارييت هذه الحقيقة الآن على حسابها الشخصي .
طغى على مخيلتها الآن ذلك المشهد حين أعلنت والدتها ذات الثماني عشر سنة بتحد أنها حامل وأن زواجها من والد الطفل مسألة مستحيلة وأنها لن توافق أبداً على الإجهاض .
لا بد أن الانفجار الذي تلا ذلك التصريح قد سجل رقما قياسيا على مقياس رختر . في الواقع أحدث هذا الخبر شرخا في العائلة وأدى إلى طرد كارولين فلينت من منزل والدها لا سيما بعدما رفضت التكفيرعن خطاياها وعرض طفلتها للتبني .
مضت ست سنوات قبل عودة التواصل مع العائلة
قالت لها والدتها بلطف ذات يوم " جدك يريد رؤيتك يا حبيبتي ". هذا يعني أنالإبنة الضالة أعطيت فرصة ثانية .
أما شريكها في ذلك الوقت وهو عازف غيتار عاطل عن العمل يدعى براين
فنظر إلى الأعلى صوبها وقال" لا تفعلي ذلك يا أميرتي بإمكاننا الاستفادة من هذه الطفلة السمينة".
ذهبت هارييت وأمها في اليوم التالي إلى غرايس ميد وعندما انعطفت سيار ة الأجرة التابعة للمكتب نحو الممر بدا المنزل أمامها .
أطلقت هارييت شهقة فرح ملؤها الذهول والشك بعد الشقق الرخيصة التي اعتادت عليها بدت إمكانية ارتباطها بهذا المكان الجميل أمرا ساحرا .
مع مرور الوقت اكتشفت هارييت أن غرايس ميد ليست مكانا جميلا على الإطلاق .
جدها فينتن الأول وهو تاجر غني من فيكتوريا اشترى بيتا كلاسيكيا زين واجهته بزخرفة قوطية ثم أضاف ابراجا صغيرة على جانبيه تذكره ببيته الاسكوتلندي .
في الواقع ما قام به جدهاالأول يعد بالفعل عملا تخريبيا لكن رؤية ذلك البيت للمرة الأولى جعلت هارييت تلهث بتعجب لا سيما عندما لامست شمس الأصيل النوافذ وصارت الحجارة تلمع كالذهب .
أقنعت هارييت نفسها أن هذا القصر خيالي وأن والدتها أميرة حقيقية كما أسماها براين لانهأ ولدت هناك

جرت المقابلة بين جورجي فلينت وابنته الضالة بسرية بينما أخذت امراة عجوز سمينة هي مربية كارولين القديمة هارييت إلى المطبخ وأمطرتها بكميات من الحليب وقطع الكيك الصغيرة المجلدة التي حضرتها السيدة وايد وهي الطباخة ومدبرة المنزل خصيصا لهمها .
عندما انضمت هارييت اليهما أخيرا كانت والدتها تبتسم بتصميم صارم لكن عينيها بدتا حمرأوين.
" افرحي يا حلوتي ستبقين هنا مع جدك وسوف تقضين أوقاتا رائعة أتوقع أن يدللوكِ إلى اقصى الحدود . الا توافقينني الرأي نانا ؟".
سألتها هارييت بارتباك " الن تبقي هنا أنت أيضاً ؟"
هزت كارولين رأسها وقالت " سوف اذهب مع براين حبيبتي . لديه
جولة رائعة في أميركا . سنغيب لوقت طويل جدا لذا من الأفضل أن تبقي هنا . من الرائع أن تكبري في هذا المكان".
قالت هذه الكلمات وعلا وجهها الجميل للحظة شيء يشبه الندم .
أثبتت الأيام صحة ما رأته هارييت ذلك أنها لم تعش أبداً بعد ذلك مع والدتها كانت تراها من وقت لآخر ثم اصبح عدد هذه الزيارات يتناقص
أصبح منزل غرايس ميد حقيقة ثابتة في حياتها . أصبح بيتها .
ولحظة الذهول الأولى تلك لم تذو أبداً . بعدما تعودت على القيود التي تفرضها لندن وجدت أن المنزل والأراضي الشاسعة المحيطة به زودتها بملعب سحري ترتاده لساعات وساعات . تنافست كل من المربية والسيدة وايد معا لتزويدها بكل ما من شأنه منحها الشعور بالراحة والأمان .
أما بناء علاقة مع جدها فأخذ وقتا طويلا . في البداية كان صعب المراس قليل الكلام وفظا نوعا ما
أحيانا كان يراقبها وكأن شيئا ما يربكه
ثم سمعت في أحد الأيام إحدى النساء المحليات تشير إليها قائلة " طفلة كارولين المسكينة أنت لن تعرفي الحقيقة أبداً . أليس كذلك؟" .
يومها فهمت هارييت كل شيئ .
في اليوم التالي وجدها جدها في المكتبة المرصوفة بالكتب . كانت مستغرقة
في قراءة كتاب " الزنبقة السوداء " وهي تلف خصلة شعر على إصبعها . لم تلاحظ أنها لم تعد وحدها وعندما رفعت نظرها رأته يراقبها
ارتبكت هارييت وتوقعت أن يغضب منها لكن ابتسامته المفاجئة حملت حنانا غريبا .
قال لها " أمك كانت تقوم بهذه الحركةعندما تقرأ وهذا كتابها المفضل أيضاً"
جلس جدها على كرسي كبير بجانب المدفأة وراح يتحدث إليها مشجعا إياها لتخفف من خجلها وتقول كل ما يدور في ذهنها
عندما تفكر بالماضي يمكنها أن تصف طفولتها بأنها جيدة جدا على الرغم من غياب والدتها المستمر والطويل .
في البداية استلمت رسائل من الولايات المتحدة ثم من أوروبا ومع مرور السنوات تناقص عدد الرسائل ثم توقف نهائيا . آخر اتصال بينهما كان بطاقة في عيد ميلادها الحادي والعشرين .
يبدو أن كارولين كانت حينها في الأرجنتين . لم يرد أى عنوان على تلك البطاقة
ومنذ ذلك الحين لم يتوفر أي دليل يثبت إن كانت والدتها ما زالت على قيد الحياة أم لا .
تقبلت هاريت مع مرور الوقت ان والدتها تعيش فقط وفقا لقوانينهاالخاصة وتعتبر أن وجود ابنتها في هذه الحياة مجرد ماض رمته خلفها منذ أمد بعيد .
كل ما بقي لها لتذكره عن والدتها هو جمالها وتمتعها بالحياة بالرغم من إخفاقها في ذلك .
حأولت نسيان الجوانب السيئة في علاقتهما إلا أن علاقتها بجدها ظلت غريبة نوعا ما مع إنها لم تفتقد العاطفة يوما .
بدا جورجي فلينت عازما بوضوح على منع هارييت من اتباع خطى والدتها لذا وجدت هارييت حياتها مقيدة بعاطفة استبدادية حرمتها حريتها .
حدث أول تصادم كبير بينهما وهي في الثامنة عشرة من عمرها .
ما إن تركت هارييت مدرسة الراهبات حتى أعلن جدها أنه وجد لها مؤسسة سويسرية تمكنها من تحسين مهاراتها في اللغات الأجنبية وأخذ دروس في الطبخ .
حدقت به هارييت فاغرة فمها ثم قالت "أتعني ذلك حقا ؟ جدي لا بد أنك تمزح . من يسمعك يظن أننا نعيش في القرن الماضي".
عقد جدها حاجبيه وسألها " ألديك فكرة أخرى ".
حأولت أن تطبع أفضل ابتساماتها على شفتيها وقالت " بالطبع قررت أن أعمل في شركة العائلة أريد أن أرفع اسم فلينت عاليا".
أطلق جدها ضحكة قاسية ، وقال " أنتِ .. تريدين العمل في شركة فلينت ـ أودلاي ؟ من أين أتتك هذه الفكرة السخيفة ؟ ".
"يبدو لي هذا خيارا واضحا".
اجابها بنبرة قاسية جدا " حسنا إنه ليس واضحا بالنسبة لي . فماذا تعرفين بحق السماء عن العمل الذي نقوم به ؟ ما الذي تعرفينه عن إدارة الملكيات والتعامل مع مختلف أنواع المستأجرين العقود الصيانة... والالف قضية وقضية التي ستواجهينها وأنت مجرد طفلة صغيرة خرجت لتوها من المدرسة ؟ ".
رفعت هارييت ذقنها وقالت دون تردد " قد تكون معرفتي بقدر معرفتك أنت وغوردن أودلاي عندما بدأتما في الخمسينات من القرن الماضي وهي بالطبع أفضل من معرفة جوناثان أودلاي صاحب النتائج المتدنية في كلية الفنون الجميلة ".
زادت حدة لهجتها وهي تضيف " .. مع ذلك استقبل بالترحاب من قبلك . بوسعي التغلب عليه بسهولة إذا تم إعطائي فرصة "
توقفت قليلا ثم تابعت " انا لست مجرد طفلة صغيرة كما تدعي بل كما يقال .. أنا سرّ جدي ... كل ما أريده هو فرصة لإثبات ذاتي ".
أضافت بصوت منخفض " ظننت أن قراري هذا سيفرحك ".
أجابها جدها بنبرة صوت لاذعة " إذا عليك إعادة التفكير بالأمر فلدي خطط مختلفة لمستقبلك يا فتاتي ".
"لكن يا جدي الحبيب هذا المخطط لن ينجح أبداً . أنت تعرف ما يقال عن الأشخاص العاطلين عن العمل ".
شاهدت تعابير وجهه تقسو بغضب حقيقي ثم قال "أتقصدين والدتك بكلامك هذا ؟".
عضت هارييت على شفتها وقالت " لا ! أنا حقا لم أقصدها بكلامي "
ثم تابعت في سرها مع ذلك أعتقد أنها لو حصلت على عمل حقيقي وعلى مهنة عوضا عن بقائها في البيت لتلعب دور الإبنة المطيعة لربما تغيرت الأمور . لعل تلك العلاقة العاطفية الأولى كانت فرصتها لتكون على طبيعتها ...
أضافت " على أي حال أنا أود تخطي هذه الامتيازات الاجتماعية والبدء بكسب لقمة عيشي ككل الأشخاص الذين أعرفهم".
ساد الصمت لفترة ثم قال جدها " حسنا لا داعي للاستعجال كثيرا في أخذ قرار بشأن مستقبلك لم لا تأخذين استراحة لمدة سنة فتقضين بعض الوقت في المنزل قبل قرارك النهائي ؟ إذا كنت تريدين مهنة فهناك الكثير من الفرص في العمل التطوعي".
أخذت هارييت نفسا عميقا وقالت " اتخذت قراري جدي لدي مقابلة عمل لمنصب مساعد في قسم مراجعة الإيجارات مع لاري بروترتون يوم الاثنين ".
قال جدها بتوعد " الم يجد أحدهم أن من الملائم ذكر هذا الأمر أمامي ؟ من المفترض أنني ما زلت رئيس مجلس الإدارة ".
"افترضنا أنك منشغل بأمور أهم من توظيف عاملة بدرجة متدنية جدا . على أي حال قد يرفض السيد بروترتون توظيفي" .
" أشك كثيرا في هذا" .
ظل صامتا للحظة ثم قال بصوت خشن " أفترض أنه لا يمكنني منعك ما دمت مصممة شركة فينت ـ أودلاي ستكون جيدة لك على أن تصبحي مستعدة للاستقرار
ضحكت هارييت حينها وأجابت " بالطبع ".
بدت سعيدة بانتصارها فلم تلحظ المضمون الواضح لكلماته الا وهي اعتبار العمل لدى فلينت " أودلاي مجرد اتفاق مؤقت ينتهي حالما تحقق قدرها الأنثوي القاضي بإقدامها على زواج جيد"
عندما نالت هارييت الوظيفة أخذت تعمل بجهد كبير وسرعان ما تمت ترقيتها . الآن وبعد ست سنوات أصبحت تحتل مركزا إداريا وتتلقى أجرا شهريا يتماشى مع مركزها هذا بالأضافة إلى علأوات سخية .
وهناك احتمال بأن يسمح لها بتوسيع قسم الإدارة الإعلامية للشركة خارج لندن . بالطبع ، إذا سار الاجتماع الذي سيعقد عصر اليوم كما تريد وهذا ما هي مصممة على تحقيقه .
قد لا تكون هارييت محبوبة من زملائها وهي تعرف أنهم في غيابها يطلقون عليها لقب" هارييت العجوز المحبة للخصام " لكنهم غير قادرين على انتقاد إنجازاتها وهذا كل ما يعنيها .
فكرت هارييت بمرارة فقط لو أن جدها يشعر بالرضى مدركة استحالة حدوث ذلك . رأيه بمهنتها لم يتغير أبداً فهو يعتبر عملها مجرد تسلية لها حتى تبدأ حياتها الحقيقية وتجد لنفسها رجلا مناسبا .
خلال العام المنصرم زادت حدة مواقفه .
قال لها ذات مرة بتذمر شديد " غرايس ميد هو منزل لعائلة وليس لامرأة عزباء . أعثري لنفسك على رجل محترم واجلبيه إلى المنزل على أنه زوجك وإلا سأغير الوصية وأتدبر أمر بيع المنزل بعد وفاتي ".
حدقت هارييت فيه " أنت لست جديا جدي لا يمكنك ذلك ".
أجابها وصوته ينذر بالشؤم " إنني أعني كل كلمة قلتها . سوف أعين موعدا أخيرا هارييت . إن لم تكوني مخطوبة أو بالأحرى متزوجة عند حلول عيد ميلادك القادم سوف أكلم المحامين الذين يعملون لدي بصفتك وريثتي ستكونين فريسة لأي محتال عذب اللسان يصادفك وأنا أنوي رؤية رجل قوي بجانبك ".
أخذت هارييت تلهث من الصدمة والغضب " لا أستطيع التصديق هذا النوع من التفكير يعود إلى عصر نوح ".
أومأ جدها براسه بشكل مروع وقال" في سفينة نوح كان هناك اثنان من كل صنف من المخلوقات تماما كما أرادت الطبيعة . إذا كنت تريدين هذا المنزل قومي بالمثل".
فيما هارييت مستغرقة في ذكرياتها ، لمحت صورتها في واجهة أحد المحال التجارية ورأت عبوسا شديدا جدا يعلو وجهها
عدلت تعابيرها بسرعة على خطوط أكثر قبولا . سبق لها أن وضعت قانونا صارما يقضي بعدم إدخال أي من مشاكلها الشخصية إلى المكتب لذا لا علم لأحد بالفترة العصيبة التي تواجهها حاليا في حياتها الخاصة .
عصر هذا اليوم عليها أن تبذل جهودا جبارة لتكسب الموافقة على البرنامج التوسعي وهي على يقين بأن جوناثان أودلاي سيهاجم خططها .
الاعتراض هو دافعه الوحيد للقيام بمهاجمتها . تملكه غضب شديد عندما تغلبت عليه في مسألة تعزيز الرهانات وعليها أن تكون ممتنة لأن اللقب الذي أطلقه عليها كان رد فعله الوحيد .
لحسن الحظ أنه لم يسمع قط اللقب الذي أطلقته عليه هارييت في سرها . مرت أوقات أرادت فيها أن تمسك به من ربطة عنقه المصنوعة من الحرير الخالص ،
وتقول " اسمع أيها الأحمق المثير للشفقة نحن في صف واحد . توقف
عن عرقلة مشاريعي بصورة دائمة ".
لكن هذا التصرف ليس من ضمن سياسة الشركة . تعلم هارييت أنها أهانت غرور جوناثان الذكوري منذ مدة طويلة فهي الوحيدة التي لم تقدر وسامته وسحره مع أنه أثار إعجاب السكرتيرات الصغيرات منذ انضمامه إلى الشركة .
الفكرة الاساسية التي كونتها عنه هارييت هي انه كثير الاعتداد بنفسه ومنذ ذلك الحين لم تجد سببا لتغير رايها به أما اليوم فهي بحاجة على كل ذرة صبر تمتلكها لتتعامل معه .
عندما اجتازت المنعطف باتجاه الساحة حيث تقع مكاتب فينت ـ أودلاي رات هارييت بعض الناس المحتشدين خارج الحديقة الصغيرة المسيجة قبالة المبنى وهم يراقبون شيئا ما بتمعن .

mymemory 19-11-16 06:55 PM

رد: لن ترحل الشمس (ساره كريفن)
 
بطأت هارييت سيرها قليلا متسائلة عما جذب اهتمامهم . لربما هناك حادث ما ويتوجب عليها المساعدة .
عندما اتضح الموقف عقدت حاجبيها إذ أدركت أنهم
يراقبون عمل ذلك الشاب الذي رأته في المطعم ذلك الرسام الذي يشبه قطط الأزقة .
كان جالسا هناك على حائط منخفض إحدى ساقيه تحته وهو يوازن لوحا على حضنه ويرسم بسرعة فائقة .
عندما وقفت هارييت تراقبه حمل الورقة التي كان يعمل عليها وسلمها مع انحناءة على الفتاة الواقفة أمامه وسط ضحك الملتفين حوله وتصفيقهم .
إذا هو لا يرسم مشاهد متوسطية فقط بل أيضاً رسومات فورية . أهذا هو العمل الآخر الذي أتى لويجي على ذكره ؟ أحسن هارييت بخيبة أمل غريبة عندما احمرت صاحبة الصورة خجلا وضحكت ثم انحنت لتضع القليل من المال في الصندوق عند قدميه .
هذه الساحة هي مكان خاص ولا بد أنه يحتاج إلى تصريح خاص ليرسم هنا لكنها تراهن على أنه لا يحمل إذنا .
فجأة وكأن التقط موجات تفكيرها عبر ذلك الطريق العريض نظر الرجل إليها رافعا حاجبيه الداكنين مبينا أنه أدرك هويتها .
هذه المرة لم يرفع نظره عنها بل رمقها بنظرة متفحصة استقرت على وجهها ثم انتقلت بتمهل إلى جسدها كأنه يطرح سؤالا صامتا
تحديقه شدّ هارييت نحوه تماما وعزز لديها شعورا تجاه ذاتها اختبرته في لقائهما السابق . لم تفهم ذلك الشعور وهي بالطبع لم تقدره .
قالت له في سرها : إنك على بعد خطوة واحدة من الفقر والتشرد يا صديقي سواء كانت لديك موهبة أم لا لست أبداً في موقف يسمح لك بالتحدي وها أنت على وشك إدراك ذلك
ثم استدارت ودخلت إلى المبنى . قالت لرجل الأمن الواقف " ليز من فضلك أطلب من ذلك الشخص قبالة الطريق أن يرحل
أجبرت نفسها على الابتسام وتابعت " إنه يجعل المكان يبدو فوضويا ".
نظر إليها الحارس بتعجب وقال " إنه لا يسبب الأذى لأحد أليس كذلك يا آنسة ؟".
اجابت هارييت بنبرة حادة " إنه يشكل عقبة على الطريق ، على أي حال أفضل عدم مناقشة الموضوع ".
قالت في سرها فيما أقلها المصعد إلى الأعلى " ليس بمقدوري الاهتمام بهذا الأمر الآن . ويمكن لفنان لويجي الأليف أن يكافح في مكان آخر ".
ضغطت على أسنانها وخرجت من المصعد ثم انطلقت لتحارب من أجل قضية ذات أهمية حقيقية .
انتهى الفصل الاول

mymemory 19-11-16 06:58 PM

رد: لن ترحل الشمس (ساره كريفن)
 
معلش يبنات اتاخرت عليكوا بس الاكونت التانى مش راضى يفتح

يا رب تعجبكوا قوليلى رايكوا

mymemory 19-11-16 06:59 PM

رد: لن ترحل الشمس (ساره كريفن)
 
الفصل الثاني
هي في عينيه

حسنا لطالما كنت مصدر عون كبير لنا فما الذي دهاك بحق السماء؟ ظننت أن هذا التوسع التجاري هو مشروعك المفضل. مع ذلك بدوت في غيبوبة معظم الوقت. هذا ما قاله طوني مورتون رئيس هارييت المباشر بغضب بعد أن غادرا الاجتماع. قطب حاجبي وتابع
" ما المشكلة؟ أوقعتِ في الحب؟
شهقت هارييت: " لا.. لا! بالطبع لا ".
قال بعصبية: " هناك مشكلة ما! عندما كنتِ تتكلمين عن موقع الإنشاءات في ميد لاندز قلت " شاطئا " بدلا من " قناة " فماذا يعني ذلك؟ ".
" ربما كنت أفكر بالقناة كمكان لقضاء العطل وأوقات الفراغ ".
هذا هو العذر السخيف الوحيد الذي استطاعت هارييت الإتيان به. أضافت في سرها" تلك زلة لسان".
أقرت لنفسها أن تلك الزلة تنطبق عليها نظرية فرويد. بدا الجو حارا في غرفة الاجتماعات فأخذت هارييت تتذكر تلك اللوحة اللعينة من المطعم. للحظة شعرت بلسعة الشمس القوية والرمل الحارقة تحت قدميها الحافيتين. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد. لسبب مجهول اجتاح وجه ذلك الرجل الأسمر روان وعيها فجأة. بدت عيناه لامعتين بسخرية بل باحتقار. في تلك اللحظة وجدت نفسها تتلعثم وهذا الأمر مناف للمنطق. هز طوني رأسه وقال: " حسنا! لا يمكننا تحمل المزيد من زلات اللسان. لدينا ثلاثة أشهر لنحضر تقريرا آخر. لا أصدق أن هذه الخطة فقدت الأولوية ". عضت هارييت شفتها وقالت: " طوني أنا آسفة جدا! بالطبع أدركت أننا لن نحقق انتصارا سهلا مع ذلك نحن لم نفشل بالكامل ".
ذكرها بعصبية: " خسرنا مركز الصدارة يا عزيزتي وجلّ ما أتمناه أن تحضري نفسك بفعالية في المرة المقبلة تماما مثلما قاد جوناثان المعارضة اليوم ".
حسنا لا يمكنها المجادلة في هذا الأمر. شعرت هارييت بالإهانة فقد توقعت مواجهة معركة كالمعتاد وعوضا عن ذلك واجهها جوناثان بالأسف بدلا من الغضب متهما إياها بشكل غير مباشر بأنها تحاول الانفصال عن الشركة وتأسيس إمبراطوريتها الخاصة. سارعت هارييت إلى تقديم إنكار عنيف لكن ليس بالسرعة المطلوبة. أدركت أن بذرة الشك زرعت في عقول المجتمعين وأن أجراس الإنذار بدأت تُقرع.
عليها الاعتراف أن فكرة الهروب من مكاتب لندن بدت مغرية. قالت لنفسها بحزم هذه مجرد مرحلة مؤقتة. سأعود إلى طبيعتي. المشكلة هي أن عدة أمور تشغلني في الوقت الراهن.
رفعت هارييت كتفيها. تناولت حقيبتها وحقيبة كومبيوترها المحمول وتوجهت نحو الباب. عندما وصلت إلى منتصف الممر سمعت انفجارا من الضحك قادما من المكتب التالي. استطعت تمييز صوت جوناثان " من المفترض أن اشعر بالذنب لضربي الطفلة فلينت على رأسها لا سيما أنها الفرصة الأخيرة لهذه العانس اللعينة لتنجب أي شيء فأموال جدها كلها غير كافية لجعل أي رجل عاقل يقبل بالزواج منها. على الرغم من ذلك لا يسعني سوى الشعور بالقليل من الأسف. أعتقد حقا أنها ستشعر بالسعادة في مكتب خلفي حيث ستعمل على الآلة الكاتبة
أجابته مساعدته أنيتا بتملق وهي تطلق ضحكة ناعمة: " بل تعني أنك أنت من سيشعر بالسعادة لو حدث ذلك ".
أجاب جوناثان متشدقا " بالتأكيد ربما يجب تجربة الأمر. نعرض عليها لقب نائبة رئيس قسم دبابيس الورق ونرى ما سيحصل. في النهاية عملها هنا مجرد لعبة. أوضح جورجي العجوز الأمر منذ البداية. لا بد أنه متفاجئ من استمرارها في العمل حتى الساعة ويمكنني القول إن طوني سئم كثيرا من تحمل مسؤوليتها ".
وقفت هارييت في مكانها فاغرة فمها من الدهشة. تعدّى الأمر إطلاق الألقاب التافهة التي تدل على الحقد. يريد جوناثان أودلاي التخلص منها وعلى ما يبدو هو ليس الوحيد في ذلك. إذا ما حصل اليوم لم يكن مناوشة فقط بل إطلاق نار مفتوح في حرب لم تدرك أنه تم إعلانها وهي دون شك أصابت الهدف. شدت هارييت قبضتها على مقبض الحقيبة. رفعت ذقنها وسارت إلى الأمام ثم توقفت عند الباب شبه المفتوح. اختفى عندها اللهو وحل مكانه صمت حرج. ألقت هارييت نظرة سريعة إلى داخل الغرفة لتعرف الأشخاص الموجودين فيها وأخذت تربط بين الوجوه والأسماء قبل أن تعبر الرواق ثانية مرفوعة الرأس. راحت يدها ترتجف وهي تضغط على الزر لتستدعي المصعد. سمعت خلفها انفجار ضحك جديد يدل على التوتر. وميزت صوت جون أودلاي الذي قال:
" اللعنة! "
أنبأتها حاستها السادسة بخروج أحدهم إلى الرواق لمراقبتها. على الأرجح أنه ينتظر ردة فعل أخرى. أسندت كتفها بلا مبالاة إلى الحائط وأخذت تنظر بتكاسل إلى ساعتها وهي تنتظر. لحسن حظها كان المصعد خاليا. عندما أغلق الباب ركعت على أرضه وأسندت وجهها على ركبتيها. حاولت ضبط أنفاسها المتقطعة وهي تقاوم خطر انهمار دموعها إنها لا تبكي أبدا
عند وصولها إلى الطابق السفلي أعادت ضبط أنفاسها. عليها مغادرة المكان بطريقة لائقة. فكرت بتوق شديد منزلي مكاني الخاص.. أغراضي.. فرصتي لألملم شتات نفسي
عندما اجتازت قاعة الاستقبال ناداها ليز قائلا " يا آنسة رحل ذلك الرسام تماما كما طلبت ". التفتت هارييت نحوه بسرعة وكادت تشعر بالدوار. عندما أصبحت بمواجهته راحت تتساءل عما يتكلم وعندما تذكرت أخيرا بدا لها كأن الحادثة حصلت في حياة أخرى. قالت بجفاء " جيد عساه لم يسبب لك أي مشكلة ".
أجاب بتردد:
" أبدا يا آنسة في الحقيقة بدا مستمتعا عندما اقتربت منه وكأنه توقع ذلك ".
توقف قليلا ثم أضاف " لا حقا، عندما خرجت لأتأكد من رحيله وجدت هذه الورقة معلقة على السور ".
تقدم نحو الدرج وبكثير من الحرج سلمها ورقة مطوية. فتحتها هارييت ووجدت نفسها تنظر إلى ما يبدو بقعة من الظلال السوداء. للحظة قصيرة اعتقدت أنه رسم لخفاش أو أي من الطيور المفترسة. إنه يشبه غرابا فاردا جناحيه وعلى وشك الانقضاض على أحدهم. ثم رأت وجهها يبزر من بين هذه الطبقات السوداء المتطايرة. وجه امرأة متجهم.. غاضب.. عنيف. ربما هذا رسم كاريكاتوري لم ينفذ بشكل دقيق. سرعان ما أيقنت أنه وجهها.. هذا أمر لا يمكنها غفرانه إنها إهانة متعمدة ومحسوبة تحمل توقيع روان على إحدى الزوايا. كتب التوقيع بقوة حتى كادت الورقة تتمزق.
للحظة طويلة حدقت هارييت بالرسم بصمت ثم أجبرت نفسها على الابتسام. حاولت إبقاء صوتها رقيقا عندما قالت: " هذا بالفعل عمل فني. يبدو أنه علق الورقة على السور ليراها العالم بأسره ".

أومأ ليز بحزن وازداد وجهه احمرارا. قال محاولا مواساتها:
" أظن ذلك يا آنسة. لكنها لم تمكث هناك لوقت طويل. لم يلمحها أي من العاملين هنا "
قالت بهدوء " أظنك تقصد لا أحد سوانا ".
ثم طوت الورقة ووضعتها بعناية في حقيبتها. قال ليز بتردد: " أواثقة من ذلك يا آنسة؟ ألا تريدينني أن أضعها في قطاعة الورق؟ ".
أرادت هارييت الصياح قائلة " أود منك أن تضع روان في القطاعة يليه طوني والحقير جوناثان وأي رجل يتجرأ على الحكم عليّ أو قولبة حياتي بأفعاله مثل جدي ".
لكنها عوضا عن ذلك هزت كتفها مدعية اللامبالاة وقالت " أنوي المحافظة عليها. من يدري؟ قد تصبح قيمتها المادية كبيرة جدا يوما ما. بالإضافة إلى ذلك. اليس من الجيد رؤية أنفسنا بعيون الآخرين؟ ".
بدا وجه ليز مشككا " كما تريدين آنسة فلينت ".
" لكن إذا ما أرسلتك مجددا لطرد المزيد من المشردين أعطيك كامل الإذن لتجاهل تعليماتي ". منحته هارييت ابتسامة أخيرة رقيقة ثم خرجت إلى الشارع وأشارت لسيارة أجرة عابرة. أعطت السائق عنوان منزلها بشكل آلي وغاصت في زاوية المقعد. راحت تحدق في النافذة من دون أن ترى شيئا. عاد قلبها يخفق بقوة بين ضلوعها فيما غضبها يزداد. سألت نفسها " من أنا بحق الجحيم؟ أأنا كيس الملاكمة لهذا الأسبوع؟ ".
زمّت فمها ثم أخرجت هاتفها النقال وطلبت رقما ما. تكلمت بشكل هادئ: " لويجي أنا هارييت فلينت. ذلك الرسام.. أتعلم أين يسكن؟ ألديه محترف؟".
" بالطبع! لحظة واحدة ".
بدا لويجي مسرورا جدا حتى كادت هارييت تشعر بالأسف. كتبت العنوان على ظهر البطاقة التي أعطاها إياها لويجي من قبل.
نقرت على النافذة وأخبرت السائق عن التغيير في الخطة. بوسعها معالجة موضوع جوناثان وشركاه عندما تشعر بحال أفضل أما الآن فعلى هذا الذي يسمي نفسه فنانا شرح السبب الذي دفعه لمحاولة إذلالها. لولا ليز لرأى من يعمل في الشركة هذا الرسم. هي تعرف صعوبة التعايش مع أمر كهذا فهو سيبقى في ذاكرة موظفي الشركة طوال عملها لدى فلينت ـ أودلاي أي حتى نهاية حياتها العملية. آه كأن مشاكلها الحالية لا تكفيها...
ألقت نظرة أخيرة على الرسم. ثم أطبقت قبضتها عليه محولة إياه إلى ما يشبه الطابة. في هذه الأثناء خفت سرعة سيارة الأجرة. نظر السائق إلى الخلف وقال:
" هذه هي باحة هيدون يا انسة ".
زمت هارييت فمها وفكرت يبدو هذا المكان تابعا لشركة نقل بالعربات لا يبدو مكانا ملائما لمحترف فني سألت السائق عندما دفعت له الأجرة: " انتظرني من فضلك؟".
عندما شاهدت نظرة التردد في عينيه أضافت بسرعة: " سأغيب عشر دقائق كحد أدنى ".
أومأ الرجل باستسلام وتناول جريدته قائلا: " حسنا عشر دقائق لا أكثر ".
نظرت هارييت حولها وبعد لحظة تردد تقدمت نحو رجل يرتدي سروالا بنيا تبدو تعابير وجهه قاسية وهو ينتقل بين الشاحنات حاملا لوحة كتابة.
قالت هارييت: " من فضلك يمكنك مساعدتي؟ أنا أبحث عن الرقم 6أ ".

mymemory 19-11-16 07:01 PM

رد: لن ترحل الشمس (ساره كريفن)
 
أشار الرجل نحو درج حديدي في إحدى الزوايا وقال دون أن يبتسم: " هناك في الأعلى. ذلك الباب الأخضر اللون ".
أحست أن وقع حذائها على الدرجات المعدنية أشبه بصوت الدروع في معركة ما. راحت تحارب برغبة قوية لنسيان المسألة برمتها والعودة إلى سيارة الأجرة المنتظرة ثم إلى منزلها. قالت في سرها هذا مخرج الجبناء. لن يفلت هذا الحقير المغرور مما حاول فعله بي.
عندما وصلت إلى منصة ضيقة في الأعلى فتح الباب. تراجعت هارييت خطوة إلى الوراء وضغطت على جسمها على حافة الدرج. سمعت صوت فتاة تقول مبتسمة: " أراك لاحقا ".
وجدت نفسها أمام فتاة جميلة ترتدي قميصا بيضاء وقد جمعت شعرها الأشقر الطويل في ضفيرة فيما تتدلى حقيبة من قماش القنب على إحدى كتفيها. وقفت الفتاة بذهول عندما رأت هارييت. رمقتها بعينيها الزرقاوين وقال مستفهمة: " يا إلهي! لقد أخفتني. أتريدين شيئا؟".
رأت هارييت خاتم زواج في اليد التي تحمل الحقيبة. في الواقع لم يخطر ببالها مطلقا أن روان قد يكون متزوجا. لكن حتى لو صح ذلك لا يمكن لشخص زري الهيئة أن يكون زوج امرأة شديدة الأناقة.
قالت الفتاة بإلحاح: " أيمكنني مساعدتك؟ ".
عندما اكتشفت هارييت فقدانها القدرة على الكلام للحظة عرضت على الفتاة بصمت البطاقة التي تحملها بإحكام. بدت الفتاة متفاجئة:
" آه.. آه.. بالطبع!".
التفتت إلى الوراء وقالت بصوت مرتفع: " عزيزي! لديك زائرة ".
فكرت هارييت بإجفال يا إلهي! أيتها السيدة أنا متعاطفة معك بالكامل. مع ذلك أفرحها رحيل الفتاة فما تود قوله على الأرجح بصوت مرتفع جدا يجب أن يقال على انفراد. تنفست هارييت بعمق. أخرجت الرسم المُكور من جيبها ثم تقدمت نحو الباب. توقعت أن يكون المكان مظلما في الداخل وربما قذرا. عوضا عن ذلك وجدت نفسها في عِلية واسعة تسبح بنور الشمس المندفع إليها من النافذة الكبيرة التي تحتل القسم الأكبر من الحائط ومن المناور الإضافية الموجودة في السقف، فيما تعبق في الهواء رائحة الألوان الزيتية. كادت تبهرها رؤية اللوحات المرصوفة حول الجدران والتي تتميز بألوانها النابضة بالحياة. لن تسمح هارييت لهذه اللوحات بتشتيت انتباهها ولو للحظة واحدة. عليها أن تركز فقط على ذلك الشخص الطويل القامة الأسمر الذي يقف بلا حراك واضعا يديه على خصره
بدا كما لو أنه ينتظرها. وقف مستقيما كعمود من الغرانيت. حاجباه الأسودان مقطبان وفمه متصلب وغير مبتسم.
" ما الذي تفعلينه هنا؟ ماذا تريدين؟ "
جاء صوته منخفضا وباردا واكتشفت هارييت بدهشة أنه يحمل نبرة تأديبية أيضا مع لكنة غريبة لم تبد واضحة جدا. أهي إسبانية أم إيطالية؟ لم تستطع التأكد. تشير هذه السمرة الداكنة لبشرته إلى أصوله المتوسطية. لاحظت ذلك الآن لأنه خلع القميص التي كان يرتديها سابقا وهو الآن حافي القدمين يرتدي سروالا فضفاضا. فكرت هارييت أنه ربما لم يرتده إلا بداعي اللياقة عندما ودع حبيبته. لاحظت أن جسده لا يحمل غراما واحدا من اللحم الزائد مع ذلك هو قوي البنية. بدت كتفاه وذراعاه مصقولة بقوة. ربما هو فنان معدم لكنه أيضا قوي وعنيد. فجأة تمنت هارييت لو أن تلك الفتاة الشقراء لم تغادر أو... ربما ما كان عليها المجيء بدأت الأفكار تتسابق في رأسها
" سألتكِ لما أنت هنا؟ وأنا أنتظر جوابا ".
أعادتها كلماته إلى المكان والزمان الحاضرين وحثتها على الإجابة فرفعت رأسها " أيمكنك التخمين؟ ".
أخرجت الورقة المُكورة من جيبها ورمته بها. لم تصل الورقة إلى الهدف بل سقطت على الأرض بينهما. لم يلق عليها الرجل أي نظرة.
" أدهشك الشبه لدرجة أنك جئت تطلبين مني لوحة؟ إن صح ذلك عليّ الرفض لأني أشك بإيجاد الوحي ذاته مرة ثانية ".
" لا نية لدي بأن أكون موضوعا لرسوماتك بعد الآن. جئت من أجل اعتذار ".
رفع حاجبيه: " اعتذار.. على ماذا؟".
أشارت هارييت إلى الورقة المكورة وقالت: " على ذلك.. ذلك الشيء الذي تركته لي ".
أخذت تتنفس بقوة وسرعة وأكملت " أتعلم كم عدد الذين يعملون في ذلك المبنى ويستعملون ذلك المدخل؟ مع ذلك وجدت الجرأة لتضع هذا الرسم المهين حيث يمكن للجميع رؤيته لتجعلني أضحوكة فعلت ذلك عمدا. لا تحاول الإنكار ".
هز كتفيه باستخفاف: " ولِمَ أنكر ؟"
" لا تدع أن الأمر مجرد مزحة لأنها ستكون مزحة سيئة جدا ".
" يمكنني قول الأمر نفسه عن محاولتك إبعادي عن المكان بواسطة أحد حراسك وكأنني متهم بارتكاب جريمة ما وذلك أمام جمهور من الناس ".
حمل صوته نبرة جعلت هارييت تشعر كأنها تجلد بالسوط. أضاف بتجهم " لم أقصد إهانتك أيضا لكنني أؤكد لك فشل مخططك لأن أحدا لم يضحك. أحس الجميع بالإحراج لأجلي ومن ضمنهم حارسك فيما هبّ الكثيرون للدفاع عني ".
توقف الرجل قليلا ثم أكمل ساخرا " من الملفت أنك لم تتوقعي دعم زملائك لك كما حصل معي. إن كان تصرفك ذلك عينة من إستراتيجيتك في العمل فلربما اعتبروا رسمي هذا معبرا جدا
أحست هارييت كأن أحدهم لكمها على معدتها. للحظة وقفت تحدق إليه بصمت. أجبرت نفسها على استجماع قواها والمحاربة:
" أنت لا تملك الحق بالتواجد هناك أمام مكاتبنا ".
" أنا أرسم هناك منذ أسبوع ولم يعترضني أي شخص من شركتك ".
" ذلك لأنني لم أرك من قبل ".
" عليّ أن اكون ممتنا لذلك ".
" يجب إبعاد المتسولين عن مراكز العمل ".
قال روان بحدة " لم أكن أتسول بل أجني مالا شريفا عبر إقناع الناس برسوماتي. لا أظنك تعرفين شيئا عن الاستمتاع آنسة هارييت ".
شهقت هارييت قائلة: " كيف تعرف اسمي؟ ".
" بالطريقة ذاتها التي عرفت فيها أين أسكن. أخبرني لويجي كاروسا. اتصل بي ليخبرني أنك تنوين زيارتي. ظن أن في الأمر مصلحة لي وأنا لم أصحح ظنه ".
توقف قليلا ثم أضاف: " الآن لم يعد هناك المزيد ليقال لذا عليك المغادرة ".
أخذت تتنفس بصعوبة: " أهذا.. أهذا كل ما لديك لتقوله؟".
رمقها بنظرة متأملة، وقال: " لا هناك المزيد. عودي إلى قلعتك، آنسة فلينت. تدربي على إعطاء المزيد من الأوامر السخيفة. إذا كنت لا تستطيعين جعل الآخرين يحبونك على الأقل حاولي الشعور بأهميتك ".
رفس الورقة المكورة باتجاهها وقال: " خذي هذه معك. اعتبريها تذكارا حتى لا تتجاوزي حدودك في المرة الثانية. استطعتِ الإفلات برفق هذه المرة لكن في المرة الثانية قد تجدين نفسك أضحوكة المكتب ".
شعرت هارييت كأن العالم ينسل من بين يديها: " برفق!".
القاعدة الذهبية لدى هارييت تقضي بألا تفقد أعصابها أبدا فهي تحمل الكثير نم ذكريات الطفولة التي تتضمن الصراخ رمي الأشياء والتحطم يليها نحيب والدتها الهستيري.
لطالما تفاخرت بقدرتها على ضبط غضبها وإخفاء مشاعرها السلبية والتعامل معها بهدوء ووعي لكنها أمضت معظم ساعات نهارها وهي على حافة الانهيار. أحست الآن كأن شيئا ما انكسر في داخلها عند سماع كلماته. كأن كل ألم وقلق وخيبات أمل الأسابيع الماضية اجتاحتها كزلزال عنيف لا يمكن كبحه. دوى صوت لم تدرك أنه صوتها: " أيها النذل..... ".
اندفعت بقوة إلى الأمام جاعلة أظافر يديها كالمخالب ثم غرستها في وجهه. أرادت أن ترد له الأذى بقوة.
ما إن وصلت يدها إلى وجهه حتى سمعته يشتم. أمسك روان يدها ودفعها بعيدا عنه وأبقاها على مسافة ذراع منه. قال بصوت لاهث قاس: " لا يمكنك ضربي. أفهمت؟ لن تكرري فعلتك هذه أبدا وغلا سأرد بطريقة لا تعجبك ".
حاولت هارييت التحديق إليه بتحد وتحرير يديها لكن قبضته كانت قاسية جدا. في هذا الوقت رأت بقعة دم على خده وفجأة طغت عليها فداحة العمل الذي قامت به. حاولت التكلم لكن الصوت الوحيد الذي صدر عنها كان شهقة بكاء مختنقة. ما هي إلا لحظة حتى راحت تبكي بشدة وبصوت مرتفع كما لم تفعل من قبل. فقدت كل سيطرة على ذاتها بينما اندفعت الدموع الحارقة على وجهها. قال روان ببرودة:
" والآن الخدعة النسائية المعتادة. تنتحبين لتفلتي من العقاب. لقد خيبت أملي ".
أخذها نحو أريكة ودفع بها على الوسائد المخملية القديمة ثم رمى منديلا في حضنها.
أدركت هارييت أنه ابتعد عنها فيما اجتاحتها نوبة بكاء أخرى فدفنت وجهها الرطب في قطعة القماش المربعة. سمعته يتحرك في أرجاء المكان. تلا ذلك صوت زجاجة تفتح ثم عاد مجددا. جلس بجانبها ووضع كوبا في يدها.
" اشربي هذا! "
حاولت أن تطيعه لكن يدها راحت ترتجف بقوة.
تمتم روان شيئا لم تستطع فهمه ثم رفع الكوب إلى شفتيها. عندما وصلت الرائحة الحادة إليها رجعت هارييت إلى الوراء وقالت بصوت ضعيف متشنج: " أنا لا أتناول المشروبات القوية ". قال بعناد: " الآن أصبحت تفعلين ".
تناولت رشفة واحدة فشعرت بمعدتها تحترق. أرجعت رأسها بسرعة إلى الوراء عندما قدم لها الكوب مرة أخرى. قالت بصوت أبح:
" لا أريد المزيد من فضلك
وضع روان الكوب على الأرض وقال: " حسنا إنه مجرد رسم. ما الذي حدث لك؟ ".
فركت هارييت وجهها بعنف بالمنديل. حاولت ألا تنظر إليه مباشرة وقالت: " الموضوع لا يعنيك ".
لكنها لاحظت على الفور ارتدائه المزيد من الملابس فقد ارتدى قميصا بالية وانتعل حذاءا رياضيا رثا. لم تساعد على إعطائه مظهرا حضاريا ولم تحسن شعورها تجاه الموقف أو تجاهه شخصيا.
تساءلت بيأس عما تملكها ودفعها إلى القيام بهذا الشيء الفظيع والتهجم عليه بهذه الطريقة. أما أسوأ ما في الأمر فهو سماحها لنفسها بالانهيار والبكاء مثل طفل صغير. كيف أمكنها التصرف بهذه الطريقة؟
لمس روان الجرح الذي أحدثته على خده: " لكنني أشعر بالقلق وكما ترين أنا مجروح أيضا
" أنا.. آسفة! "
هي بالفعل آسفة لأنها خذلت نفسها وليس لأنها سببت له الأذى. في الحقيقة تمنت لو أنها ضربته بقبضتها بدلا من أظافرها. رمقها بنظرة تقييميه كأنه يعلم ما يدور في رأسها. قال بلطف: " في المرة القانية، عندما تودين أن تخدشي يا نمرتي الصغيرة افعلي ذلك على ظهري بدلا من وجهي ".
عندما فهمت هارييت مغزى كلامه لم تستطع مقاومة الاحمرار الذي علا وجهها. عليها مغادرة هذا المكان قبل أن تسبب المزيد من الإحراج لنفسها. حاولت أن تبقي كلامها باردا ومختصرا "يجب علي المغادرة فهناك سيارة أجرة بانتظاري ".
" أشك في ذلك لكن انتظري هنا سأتحقق من الأمر ".
أخذت تراقبه وهو يسير بخطى واسعة رشيقة تماما كما لاحظت مسبقا في المطعم. حل صمت غريب برحيله وكأن الحيوية والطاقة غادرتا الغرفة معه. فكرت هارييت بارتعاش أن حضوره قوي جدا. ربما هو محق بقوله إنها استطاعت الإفلات برفق. رفقت كمي سترتها باندفاع مفاجئ وأخذت تتفحص معصميها وساعديها لتجد آثار أصابعه لكنها لم تجد شيئا. أثار هذا الأمر دهشتها، لكنها تأذت على المستوى العاطفي، هي متأكدة من ذلك. حثت نفسها على عدم التفكير بالأمر والتركيز على الخروج من هذا المكان. نظرت حولها لتبحث عن حقيبتها فوجدتها ملقية حيث أوقعتها ومحتوياتها مبعثرة على الأرض وحقيبة كومبيوترها المحمول بجانبها. اجتازت الغرفة وهي ترتجف. انحنت وأخذت تعيد الأغراض إلى الحقيبة. يمكنها التأكد من سلامة الكمبيوتر عندما تعود إلى المنزل

mymemory 19-11-16 07:02 PM

رد: لن ترحل الشمس (ساره كريفن)
 
وقفت هارييت ونفضت تنورتها. بعدما تردد بسيط ألقت نظرة على اللوحات الموضوعة عند الحائط تلك اللوحات التي استحوذت على انتباهها عند وصولها. سرعان ما اكتشفت بانفعال غريب أنها تستحق الاهتمام من دون شك. معظم اللوحات تجريدية متطرفة فيها الكثير من الألوان المنثورة على القماش بشكل حاد يكاد يكون عنيفا. هي أشبه بتجربة الاعتداء على الحواس. نقلت نظرها من لوحة إلى أخرى فيما يداها تطوقان جسدها بقوة. سواء أعجبها الأمر أم لا، من المستحيل تجاهل هذه اللوحات.
تضمنت اللوحات مناظر طبيعية.. مساحات شاسعة من الأراضي الجرداء الكثير من الحجارة البيضاء التي تبدو كأعمدة تسقط من المباني المنهارة رمال تلمع بقوة وتتاخم بحرا داكنا منذرا بالشؤم. يطغى على جميع اللوحات نور الشمس الساطع القاسي الذي رأته في اللوحة الأساسية بالإضافة إلى الغضب الذي بالكاد تم احتواؤه والذي يشبه الغضب الذي انبعث منه منذ فترة قصيرة. لكن هذه المرة لم يحضر أي عنصر بشري في اللوحات.
بدت اللوحات بدائية وحيوية لكنها لا تعود لأي مكان سبق لهارييت رؤيته. لم تتخيل أن بإمكانها تعليق واحدة منها على جدران شقتها التي تعمدت إبقاء أمر تزيينها ضمن الحد الأدنى. فجأة تذكرت هارييت كتابا قرأته عندما كانت طفلة حيث تخرج الشابة من لوحة في بهو أحد المنازل القديمة لتجد نفسها في العالم الذي تم رسمه. عرفت أن الذهاب إلى البراري الجرداء المحترقة التي تواجهها هو وثبة مرعبة نحو المجهول. هناك احتمال بأن تضل طريق العودة وعندما سوف تسجن إلى الأبد داخل كابوس فعلي
هذه اللوحات تتمتع بقوة لا يمكن التغاضي عنها..
" سيارة الأجرة رحلت لكنني اتصلت بشركة محلية وسوف ترسل لك سيارة إلى هنا ".
استدارت هارييت بسرعة عدما سمعت صوته. وضعت يدها على فمها لتخنق صرخة خوف فهي كانت مستغرقة لدرجة منعتها من ملاحظة عودته إلى المحترف. وقف روان هناك متكئا على إطار الباب حاملا هاتفه المحمول باليد الأخرى.
حاولت هارييت التمسك بالهدوء المتبقي لديها فقالت بتكلف " آه! حقا.. شكرا لك ". توقفت قليلا ثم أردفت: " كنت أتأمل لوحاتك.. إنها.. جيدة ".
أدركت سخف ما قالته فأضافت بتردد: " في الحقيقة ربما تتجاوز الجيد، ربما هي.. مدهشة "
زم روان فمه بسخرية وقال: " أغيرت رأيك بي؟ أنا أشعر بالإطراء ".
" حسنا لا تشعر بذلك. ربما أنت تملك موهبة لكن ذلك لا يعني أنني معجبة بك ".
تظاهر بالإحساس بالألم " أرى أن فيض الدموع هو مجرد تغيير مؤقت. ها قد عادت الآنسة هارييت فلينت تطلق النار في جميع الاتجاهات ".
أكملت هارييت كأنه لم يقل شيئا: " ما لا أفهمه.. لماذا تضيع لحظة واحدة من وقتك بالرسم في الشوارع؟ فالأموال التي تجنيها لا تكفي لتسديد الفواتير ".
" آه أنا أعتبر الرسم في الشوارع وسيلة ترفيه. من الجيد الخروج أحيانا والتعرف على أشخاص جدد. ألا توافقينني الرأي؟ ".
تذكرت هارييت وجه الفتاة التي كان يرسمها خارج مكاتب فينت ـ اولدلاي أخذت تنظر حولها إلى الغرفة الكبيرة مطيلة النظر إلى كومة الأوراق المنثورة على الأريكة وبقايا الأكل على الطاولة والسرير غير المرتب الذي تحجب جزءا منه ستارة كبيرة وقالت: " أتحضر أصدقاءك الجدد إلى هنا؟"
قال بنبرة مقتضبة وهو يتبع تحديقها " الخادمة في إجازة اليوم ".
جاء ردها سريعا قاسيا ولا إراديا " إذا ربما عليك الطلب من صديقتك الترتيب قليلا ".
" هي لا تأتي إلى هنا من أجل التنظيف. لا أريدها أن تؤذي يديها الجميلتين ".
احمرت وجنتا هارييت رغما عنها.
" لطالما اعتقدت أن الرجل المحترم. لا يتكلم عن الموضوع إذا قام بمعانقة إحداهن ".
هز روان كتفه " من ذكر العناق؟".
ضحك بنعومة جلبت المزيد من الاحمرار إلى وجنتيها. نظر إلى الخلف عندما سمع بوق سيارة وقال بتهذيب متعمد: " ها قد أتت سيارتك آنسة فينت. في الوقت المناسب تماما ".
ثم تنحى جانبا ليدعها تمر. وجدت هارييت نفسها تتمسك بقوة بحافة الدرج المعدنية في طريقها إلى الأسفل.
عندما اجتازت الباحة ألقت نظرة خاطفة إلى الوراء لترى إن كان يراقب رحيلها. لكن الدرج كان خاليا والباب مغلقا. للحظة واحدة، لم تدرِ هارييت أعليها الشعور بالفرح أم الحزن؟

انتهى الفصل الثاني


mymemory 20-11-16 07:11 PM

رد: لن ترحل الشمس (ساره كريفن)
 
الفصل الثالث

من يضحك اخيرا

بدا منديله مثل رزمة بائسة وسط طأولتها المشرقة ابلغها حدثها ان تقذف به وسط سلة المهملات الموجودة فى المطبخ وتصفق الغطاء خلفه بقوة لكن نظرا إلى حالته ربما لا يملك الرجل الكثير من المناديل
واللياقة تقضى باعادة هذا الشئ اللعين له مغسولا فى تلك اللحظة سيطر عليها الارتباك والغضب.
اغرقت هارييت نفسها فى كرسيها الاسود اغمضت عينيها وارخت جسدها.
اخذت تتنفس بعمق محأولة محأولة استعادة القليل من الهدوء والتعقل لم تستطع استيعاب التغيير الهائل الذى حدث فجأة فى حياتها منذ اربع وعشرين ساعة كانت تنظر إلى المستقبل بشئ من الثقة.
كانت على وشك صعود درجة جديدة فى سلم فلينت – أودلاى .
ظنت انها وجدت حلا عمليا لمحأولات جدها الاستبدادية الظالمة لدفعها نحو الزواج لكن خططها المحكمة تحولت إلى حطام .
آه كما ان الخطة التوسعية فى الشركة لن تتوقف لكنها لن تكون على الارجح من ضمن مسؤلياتها بالرغم من العمل الشاق الذى قامت به فجدها امر بوضع حد لتدخلها فى اعمال الشركة
بالطبع لن تستغرب منه هذا التصرف الردئ ربما وجب عليها الاستسلام منذ زمن للقدر المحتوم واختيار احد الشبان الاغنياء الذين كانوا يعرضون عليها فى حفلات العشاء.
لو فعلت ذلك لربحت غريس ميد مقابل تضحيتها.
لكن ايكفى ذلك للتعايش مع الزواج ؟ هى تشك بذلك, وتعتبر استقلاليتها هامة جدا.
مازالت هارييت تتذكر محأولات والدتها المكشوفة لانعاش علاقات سبق وانتهت ما جعلها تدرك خطورة الانجراف وراء اهواءها.
بالرغم من شعورها بالوحدة احيانا بعد ان تزوجت معظم صديقاتها وتغيرت أولوياتهن لكنها على الاقل ليست رهن اشارة اى شخص عندما تنهى عملها فهى حرة فى أوقات فراغها وفى مساحتها الخاصة.
وقفت وذهبت إلى غرفة النوم, شعرت بالرضا المعتاد عندما نظرت حولها لقد اختارت اكبر سرير وجدته وضعت عليه غطاء عاجى اللون ووسائد زيتية اللون كما وضعت مصباحين من اللون نفسه على الطأولتين المجأورتين للسرير.
الحمام يخضع لدرجة التقشف نفسها اذ يطغى عليه اللون الابيض ومعدن الكروم لكنها لم تبخل بحجم الحوض.
خلعت هارييت ملابسها على مهل والقت بها فى سلة الغسيل.
ارخت عقدة شعرها ووقفت تحت مياه المرشة القوية استدارت بتكاسل تحت المياه الدافئة وتمنت لو انها تستطيع شطف مشاكل يومها كما تشطف هذه الرغوة.
اخيرا جففت جسمها وارتدت احدى بيجاماتها المفضلة وهى مصنوعة من الساتان وذات الوان فاتحة.
سارت بخفة إلى مطبخها اللامع حافية القدمين.
اخرجت صدر الدجاج المطبوخ من الثلاجة وبدأت تحضر صلصة السلطة.
راحت تفكر وهى تأكل فيما ستكتبه فى التقرير الذى ستسلمه غدا لطونى.
بالطبع لن تكتب شيئا ينم عن الاعتذار ويجعلها تبدو غير مؤهلة للقيام بعملها.
ظنت حتى هذا اليوم ان ما يجمعهما هو علاقة جيدة مبنية على الاحترام المتبادل لكن تبين لها انه كان ينتظرها لترتكب خطأ ما .
حسنا! فكرت بتحد انه لا يمكن تنحيتها بسهولة لم يعد المشروع التوسعى يهمها,
لا! لن تشعر بالرضى حتى تشغل مركز جدها السابق... رئيس مجلس الادارة.

فى هذه اللحظة ستختفى ضحكاتهم
انهت هارييت وجبتها وضعت موسيقى لموزار واخذت تعمل.
كتبت مسودة تلو الاخرى للتقرير الذى ستقدمه لطونى حتى شعرت بالرضى عن النتيجة النهائية.
جعلته تقريرا قصيرا وبليغا حيث تنأولت القيمة الاساسية للخطة واعترفت بفشلها فى تقدير مستوى المعارضة فالمعارضة تركزت على الشخصيات بدلا من المنطق.
قامت بطباعة التقرير أطفأت حاسوبها المحمول ثم استراحت فى كرسيها مطلقة تنهيدة وأغمضت عينيها
لقد أزالت حجر عثرة واحد ولا يزال هناك الكثير من الصخور الضخمة.
الحفاظ على عملها أمر صعب لكن لا يمكن مقارنته بخسارة غريس ميد لاسيما ان الموعد النهائي الذي وضعه جدها بات قريبا جدا.
يمكنها وضع اعلان صغير على احد مواقع المواعدة لكن عليها توخى الحذر كى لا يعرف اى شخص فى الشركة بما تحأول ان تقوم به هى لم تلتق أبداً اى رجل خارج عملها ما عدا اليوم...بالطبع
وقفت فجأة وكأن المئات من الشحنات الكهربية ضربتها.
تذكرت العينين السودأوين المحتقرتين والصوت الذى يقطر ازدراء .
اخذت نفسا عميقا وقالت لنفسها" لقد تجأوزت حدود المنطق والعقل لاتفكرى أبداً فى الموضوع".
ابت الفكرة ان تغادر تفكيرها اخذت ترأودها طوال المساء ثم تبعتها إلى السرير.
استلقت مستيقظة تحدق فى اظلام وتجادل نفسها.
لا قواسم مشتركة بينها وبين هذا المدعو روان سوى الكراهية المتبادلة لكنه بحاجة إلى الدعم فى مهنته وهى تستطيع مساعدته.
بغض النظر عن رأيها به كرجل هو يملك موهبة حقيقية لا يمكن نكرانها.
لكن...كونها جاهزة لمساعدته لا يعطيها الحق بأن تطلب مساعدة منه .
يمكنها من الآن توقع ردة فعله عندما يعرف التفاصيل.
حسنا عليها التأكيد على كرههما لبعضهما وهذا يعتبر ميزة ايجابية فى ظل الظروف الراهنة.
لا يمكن لاى اتفاق بينهما ان يتعدى صفة الصفقة التجارية.
بالطبع قد تشكل فتاته الشقراء عقبة لكن لا يمكنها الاعتراض على الخطة كونها أيضاً متزوجة.
تقلبت هارييت فى سريرها ولكمت وسائدها فى محأولة للاستسلام للنوم.
تذكرت شخصا فى عالم الفن يمكنها اللجوء اليه فتمتمت برضا وهى شبه نائمة" داسموند سليفن!".
ثم اغمضت عينيها مبتسمة.
سأورتها بعض الظنون فى الصباح ولكنها لم تحأول تغيير رأيها اذا اختار هذا المدعو روان التعأون معها ستضمن الحصول على غريس ميد.
اذا عليها المضى فى الفكرةالتى خطرت فى بالها مساء امس.
فى المكتب سلمت التقرير لطونى وانهت اعمالها الطارئة.
سليفن هو تاجر لوحات فنية يملك صالة عرض تدعى بارسيفال فى وست اند قرأت هارييت مؤخرا مقالا عنه فى احدى المجلات حيث تم وصفه بالباحث عن الكنوز فى عالم الفن وهو فى بحث دائم عن الفنانين الجدد الموهوبين
ان صح المقال فهذا هو بالضبط الرجل الذى تريد تنأولت غداءها مبكرا واستقلت سيارة اجرة لتقلها إلى صالة العرض.
بعد دقائق قليلة كانت تتنأول القهوة فى مكتب داسموند سلفن الخاص.
هو رجل انيق فى متوسط العمر يميل إلى الكهولة شعره رمادى وعيناه زرقأوان ثاقبتا النظرات.
" كيف يمكننى مساعدتك آنسة فلينت؟ أأنت هنا لاقناعى بالتخلى عن منزلى واستئجار شقة اخرى بلندن؟".
" اشك بقدرتى على ذلك. لا قرأت مؤخرا مقال عنك دفعنى إلى التفكير".
"آه! بصراحة بدأت اندم على تلك المقابلة".
رمقها داسموند بنظرة ضيقة واكمل" اتمنى الا تكونى قد اتخذت من الرسم هواية. لقد ساعدتنى وتعاملت معى بامانة وانا اكره ان اخيب ظنك".
ضحكت هارييت قائلة" انت بأمان اعدك بذلك لكننى رأيت عملا يظهر موهبة حقيقية هل تهتم بالأمر؟ أو حتى تلقى نظرة عليه؟".
" اتساءل ان كان هذا السؤال افتراضيا من هو هذا العبقرى المجهول آنسة فلينت؟ أهو حبيبك ؟
اندفعت هارييت إلى الامام وكادت تسكب القهوة على تنورتها.
احمرت وجنتاها " لا... يا الهى لا فى الحقيقة انا بالكاد اعرفه ولا...لا اعرف اسمه بالكامل".
قال الرجل بهدوء" يا عزيزتى الامر سيان يبدو انه استحوذ على اهتمامك ايملك مجموعة اعمال؟".
" نعم اظن...اعتقد ذلك. هو لديه محترف".
" ذلك لا يعنى الكثير... ايعلم انك هنا من اجله؟".
" لا الحقيقة...انه اندفاع منى".
" اذا انت لا تعرفين ان كان مهتما ببيع رسوماته".
" حسنا بالطبع يود ذلك لما لا؟".
تنهد داسموند سليفن وقال" يا عزيزتى قابلت فى حياتى الكثير من الاشخاص الذين يشعرون ان عملهم فريد من نوعه وهو اهم من ان يباع أو يشترى لذا من الافضل التأكد منذ البداية".
" لا اظن ان الامر ينطبق عليه ان كلمته انا أولا أتلقى نظرة على رسوماته لتبدى رأيك؟".
قال ببطء" نعم لما لا؟".
ثم رفع اصبعه محذرا" شرط ان يفهم كلاكما ان هذا لا يعنى عقد صفقة".
"آه هذا ما سأحرص على أيضاًحه".
" اذا سأنتظر منك خبرا".
ثم وقف. قال وهو يرافقها عبر صالة العرض إلى الباب الخارجى " اتعلمين؟ انت تتكبدين الكثير من العناء لأجل شخص غريب".
توقف قليلا ثم ربت على كتفها" لكننى واثق انك تعرفين ما الذى تقومين به".
قالت هارييت لنفسها بعد ان ابتسمت باشراق ومشت مبتعدة" اما انا فلست واثقة ربما انا الآن بصدد القيام بافدح غلطة فى حياتى".
ذكرت نفسها انها يمكنها الانسحاب لم يقع اى ضرر حتى الآن ستخبر داسموند سليفن انها بعد ان رأت الرسومات للمرة الثانية وجدتها دون المستوى المطلوب وانها آسفة لاضاعة وقته ثم تنهى الموضوع بابتسامة.

mymemory 20-11-16 07:13 PM

رد: لن ترحل الشمس (ساره كريفن)
 
عندها ستخسر غريس ميد أيضاً هذا ما اكدته مكالمة جدها الهاتفية فى المساء ظنت ان موقفه سيلين فى المرحلة النهائية لكن املها خاب بشدة فهو مصر على رأيه.
قال لها بنبرة جافة" يمكنك المحافظة على عملك ان اردت مع انه ليس بالمستوى المطلوب هذه الايام يمكنك السكن فى تلك الشقة الكئيبة لكنك لن تحتاجى منزلا عائليا سنستفيد بشكل آخر من غريس ميد".
وضعت هارييت السماعة وهى تشعر بالم فى قلبها. ليس فقط بسبب المنزل بل لان تعليقه على عملها جعلها ترتجف صرت على اسنانها وبدأت تحضر لترمى شباكها.
حسنا ما هى الكلمات التى قد تثير اهتمامه؟ لدى عرض لك...لا هذا يبدو مريحا جدا.
لدى اقتراح...يا الهى هذا يبدو اكثر سوءا.
اين سيلتقيان؟ لا يمكنها الذهاب مرة ثانية إلى محترفه من الافضل ان يلتقيا فى مكان عام...
ربما يلتقيان فى مطعم...الغداء افضل من العشاء
هل سيبدو اللقاء رسميا جدا؟ فى النهاية وصلت إلى الصيغة الكلامية التى ستفى بالغرض.
ازعجها ارتجاف يدها وهى تطلب رقمه الهاتفى ثم شعرت بالارتياح عندما رد عليها المجيب الإلى.
قالت بثبات" انا هارييت فلينت لدى عمل اناقشه معك قد يكون الامر فى مصلحتك ربما يمكنك ملاقاتى لشرب الشى ظهر يوم السبت فى فندق تيتان بالاس عند الساعة الرابعة والنصف".
أضافت بعد تردد" اذا كان الموعد لا يناسبك من فضلك اتصل بى إلى فلينت – أودلاى بعد الساعة التاسعة والنصف لنرتب موعدا آخر".
حسنا بدت كلماتها مختصرة وعملية تيتان بالاس مناسب لموعدهما.
اذ يعتبر احد اكبر الفنادق الجديدة وهو يستضيف الكثير من رجال الاعمال ولا يتميز بطابع حميم.
انه مكان مناسب لعقد الصفقات بالأضافة إلى ذلك الدعوة لشرب الشاى فى فترة بعد الظهر لا يمكن ان تفسر على انها موعد طبعا.
ها قد جاء يوم السبت دون اى رد من قبله فتشت هارييت خزانة ملابسها التى يطغى عليها اللون الاسود عدة مرات قبل ان تقرر ارتداء سروال كتانى ذي لون رمادى داكن مع سترة تناسبه تصل حتى وركيها مع قميص سوداء.
تبدو ملابسها عادية جدا لكنها انيقة.
زمت فمها وفكرت لقد اكتفيت من المقارنة البغيضة بينى وبين الوطواط.
فكرت للحظة ان تترك شعرها منسدلا لكنها قررت اتباع الطريقة المعتادة وتبقيه بعيدا عن وجهها.
بالطبع هى لن تضع اى مساحيق تجميل.
وصلت إلى موعدها باكرا. جلست فى ردهة الفندق الواسعة حيث يمكنها رؤية المدخل بوضوح.
بدا المكان مميزا ومكتظا من الواضح ان تنأول الشاى فى فترة بعد الظهر اصبح تجارة رائجة؟
حأولت استدعاء النادل لكنه لم ينتبه لها ارجعت ظهرها إلى الوراء وتنهدت.
ادركت فجأة وجود روان فى المكان فها هو يتقدم نحوها لاحظت الهدوء الذى ساد اثناء تقدمه والاشخاص الذين ينحنون نحو بعضهم ويتهامسون.
ربما يخططون لرميه خارجا لان ملابسه لا تلائم هذا المكان فهو يرتدى سروال جينز قديم لكنه نظيف ولم يغلق سوى القليل من ازرار قميصه.
فيما طوى كميه كاشفا عن ساعديه الاسمرين وينتعل حذاءا رياضيا.
ما زال بحاجة إلى قص شعره وحلاقة ذقنه مع ذلك... ازاحت هارييت الافكار عن رأسها ووقفت بسرعة
حأولت ان تبدو لا مبالية" مرحبا لقد جئت اذا".
رمقها روان بعينيه السودأوين قائلا" أليس هذا ما طلبته منى؟".
قالت كما لو انها تجرى مقابلة عمل " نعم بالطبع ارجوك اجلس".
اردفت" كنت احأول طلب الشاى لكن..".
سكتت عندما رفع يداه بتكاسل فجاءه نادلان على الفور كأنهما ينتظران اشارة منه " شاى للسيدة وقهوة لى من فضلك".
شعرت هارييت بالحيرة والانزعاج فسألته " كيف استطعت القيام بذلك؟".
" الامر ليس صعبا اتودين البدء بالموضوع الآن ام نتكلم عن الطقس حتى يأتى طلبنا؟".
"ربما من الافضل ان نبدأ لابد انك تتساءل عن سبب الاجتماع".
رفع روان حاجبيه ساخرا" يكاد الفضول يقتلنى".
عضت هارييت على شفتيها بقوة وحأولت ان تلتزم بالصيغة التى حضرتها" أولا أود الاعتذار عن سلوكى اثناء لقاءنا الاخير لا يمكننى القول سموى اننى اتعرض للكثير من الضغوط مؤخرا وجاء رسمك..",
" القشة الاخيرة؟".
" حسنا نعم. اريدك ان تعلم اننى عادة لا افقد اعصابى كما فعلت يومها".
" هذا مطمئن لكن هل جعلتنى اقطع هذه المسافة عبر لندن لاخبارى بهذا الامر؟".
"لا بالطبع لا انا أود الحديث عن عملك كنت جدية عندما قلت انه جيد ذكرت الامر امام احد معارفى وهو يملك صالة عرض مشهورة البارسيفال ربما سمعت عنها".
" نعم".
" على اى حال هناك فرصة ...اذا اعجبه عملك...ان يقيم لك معرضا ويطلقك فى عالم الفن".
فى هذه اللحظة عاد النادلان وضعا على الطأولة شطائر حلويات وكوب شاى لهارييت وابريق قهوة سوداء لرفيقها.
عندما اصبحا وحدهما مجددا قالت هارييت" انت تدرك اهمية العرض المقدم هنا أليس كذلك؟ الديك شئ لتقوله؟".
" اعتقد اننى مذهول وحذر أيضاً".
" هذا طبيعى جدا فهو شخصية مرموقة فى عالم الفن ان قرر عرض رسوماتك فى صالته ستحصل على نقلة نوعية هائلة فى حياتك العملية".
" من دون شك لكن ما أود معرفته هنا لما انت من بين كل الناس ذكرت اسمى امام هذا الشخص انا xxxxx".
" اشعر انك تملك موهبة تستحق ان تعرف وأود ان العب دورا فى هذا الموضوع".
شعرت هارييت ان هذه المحادثة لا تجرى كما خططت لها, الجواب الذى املت ان تسمعه أو بالاحرى تعتمد عليه كان" كيف يمكننى ان اشكرك؟".
قال روان بلطف" اذا هل الامر بهذه البساطة ؟
هز رأتسه نفيا واجاب" اشك بذلك علي اخبارك آنسة فلينت ان فكرتى عن الاشخاص المحسنين لا تنطبق علي".
جلست هارييت بهدوء تام وقالت" اذا الست مهتما بهذا العرض؟".
" بلى بالطبع لكن علي ان اكتشف ما الذى تنتظريه منى بالمقابل اذ ربما يفوق قدرتى".
للحظة احست هارييت بالخدر مدت يدها لتتنأول حقيبتها" فى هذه الحالة لا يمكنى قول المزيد آسفة لاننى هدرت وقتك ".
قال" الآن انت تتصرفين بسخافة ان اردت منى التفكير فى شروطك اقترح ان تتصرفى كما يفعل الانجليز فى الازمات اشربى الشاى".

للحظة فكرت فى مهاجمته وسكب الشاى على رأسه ثم تذكرت المخاطرة من القيام بامر كهذا فأخمدت غضبها بعد تردد.
رمقته بصمت وقالت ببرود" هل سبق واخبرك احدهم انك وقح".
" وانت يا آنسة فلينت مخادعة وعنيدة لذا دعينا نتفق على ان ايا منا ليس كاملا وقولى ما عندك "
اخذت هارييت نفسا وقالت" لدى...مشكلة انا بحاجة إلى زوج".
حدق بها روان وضاقت عيناه ثم قال" الجواب بسيط تزوجى ".
"لكننى لا اريد الزواج...لا الآن ولا لاحقا مع ذلك انا لا املك خيار آخر لذا انا بحاجة إلى شخص مستعد لاتمام مراسم الزفاف معى ثم الاختفاء من حياتى".
" وانا بحاجة إلى المزيد من القهوة أو بالاحرى إلى شئ اقوى الا اذا اكدت لى انك انك لم تفكرى باسناد هذا الدور الغريب الي".
" من فضلك اصغ لي لن يتعدى الامر قول بضع كلمات فى المحكمة... هذا كل ما فى الامر نتلو الكلمات ثم نفترق وعندما يحقق هذا الزواج هدفه يمكننا الطلاق سأدفع لك مبلغا كبيرا من المال للتحضير لمعرضك الخاص ان لم تبد صالة البارسيفال اهتماما بعملك أو يمكنك انفاق الاموال كما تريد لن يشكل الامر اى فرق لن تخرج خاسرا من هذا الاتفاق ".
ساد الصمت لفترة ثم قال روان" اخبرينى آنسة فلينت كم من الوقت تطلب أبداًع هذا الامر الخيإلى".
" لا هو ليس خياليا انا جدية تماما...ويائسة أيضاً".
" انت بالفعل يائسة لكن لم؟ لا تقولى ان الامر لا يعنيك فعلاقتى بالامر واضحة جدا".
ابعدت هارييت فنجان الشاى وقالت" حسنا! ان كنت مصرا ان لم اتزوج قبل حلول عيد مولدى الخامس والعشرين سأفقد امرا يعنى لى الكثير يصر جدى الذى يعود نمط تفكيره إلى العصور الحجرية على اننى لن ارث منزل طفولتى ما لم يكن لدى زوج يساعدنى فى ادارة المكان هو يشعر ان منزلا عائليا كهذا هو خسارة بامرأة عزباء لانه سيجعلنى ضحية اناس عديمى الضمير".
" الا يدخل شخص اخترته من الشارع ضمن هذه الفئة؟".
" بالطبع لكننى سأطلب منه ان يوقع اتفاقية محكمة قبل الزواج".
" آه هذا طبيعى".
لم تفصح تعابير وجهه عن اى شئ لكن صوته حمل ارتجافا طفيفا.
نظرت اليه بتشكك وقالت" اتجد الامر مضحكا؟".
" لا بل هو مأسأوى متى يصادف عيد مولدك؟".
" بعد ستة اسابيع".
" تبدين اصغر سنا".
ثم أضاف بفتور" انا لا اقصد الاطراء "
" لحسن الحظ ان ذلك لا يهمنى همى الوحيد هو غريس ميد فى الواقع وجدت شخصا عبر اعلان خاص لكنه تراجع منذ بضعة ايام برأيي هذا الامر خإلى من المخاطر حيث يمكن للفريقين الفوز ".
قال روان بقسوة" لا تفاجئنى رغبة جدك بزواجك يدهشنى انه يدعك تتنقلين من دون مرافق".
" كيف تجرؤ على هذا القول ان كان هذا كل ما يمكنك قوله فالننس الموضوع".
قال بنبرة جعلتها تتوقف مكانها" ليس بهذه السرعة افترض ان تعريفى على مالك صالة العرض متوقف على هذه الخطة الرهيبة هل انا محق؟".
" بالضبط هذه هى الصفقة على الطأولة صريحة وواضحة".
" لا اظن ان كلمة صريحة تحمل المعنى نفسه لدينا ما هو المبلغ النقدى الذى تودين دفعه لى مقابل اذعانى لخطتك؟ انها المرة الأولى بالنسبة لى وانا أود ان اعيش هذه التجربة بجميع جوانبها".
جلست هارييت مستقيمة وقالت" سيتم لاحقا الاتفاق على الصيغة النهائية لكننى اعتقد انك ستجدنى كريمة معك".
قال برقة " انا واثق من ذلك".
كادت ابتسامته الواهنة تثير اعصابها لكنها اكملت بسرعة" بعدئذ يمكننا العيش والعمل تماما كما نفعل الآن بالطبع لديك الحرية فى عيش حياتك الشخصية لن احلم بوضع اى قيود عليها".
قال بهدوء" انت لطيفة جدا آنسة فلينت اتريدين ان اغض الطرف اذا قررت اتخاذ حبيب ما؟ اهذا ما تقولينه ؟
عبست قائلة " حسنا! لا ليس هذا ما اقصده كيف يمكننى التفسير؟ أولا نحن لن نلتقى الا من اجل اتمام الطلاق ثانيا هذا الامر لن يحدث فلا نمية لدى فى التورط بياى علاقة عاطفية".
زم روان شفتيه وتمتم قائلا" اذا لا مكان للعلاقات العاطفية فى حياتك حسنا هذا يفسر طبعك الحاد".
" وهذه ان امكننى القول وجهة نظر ذكورية نموذجية".
" لكننى رجل آنسة فلينت هل توقعت غير ذلك؟ الآن دعينا نعود إلى الموضوع الاهم اتعتقدين حقا ان جدك سيتقبل ظهور شخص غريب فى حياتك؟ الن يشك فى الامر؟".
هزت هارييت كتفيها فى حركة دفاعية وقالت" ابلغنى مطالبه ولم يحدد طبيعة العلاقة لم يذكر سوى وجود علاقة قانونية لم يحدد مدة الزواج وهنا يكمن خطأه".
رفعت ذقنها وأضافت" يعتقد جدى انه تغلب علي لكن عليه ان يعلم اننى سيدة نفسى ولا يمكنه السيطرة علي أضافة إلى ذلك لا يوجد عقد دون ثغرات".
قال بسخرية" اذا نحن نتفق للمرة الأولى لكننا لا نتفق على من سيكون المغفل فى النهاية".


ساد صمت لوقت طويل راح روان يتأملها وهو ينقر باصابعه على الطأولة قال فى النهاية" حسنا آنسة فلينت انا موافق على عرضك سأتزوجك وفق الشروط التى طرحتها".
" شكرا لك نا ممتنة جدا "
رمقها بنظرة ساخرة" لن نتأكد من الأمر إلا بعد حين الآن وبعد أن أصبحنا مخطوبين أتسمحين أن أناديك باسمك الأول؟".
" نعم بالطبع وأنا احتاج إلى معرفة اسمك الكامل كي اخبر جدي عندما أزف إليه الخبر".
" انا زاندروس روان زاندروس".
انحنى روان إلى الأمام ومد يده نحوها قبل أن تدرك هارييت ما هي بصدد القيام به سمحت لأصابعها بمعانقة أصابعه بدت لمسته دافئة وقوية بالرغم عنها اخذ نبضها يتسارع بقوة.
فاجأتها ردة الفعل هذه وأزعجتها.
التوى فم روان المكتنز باستمتاع وكأنه أدرك قوة ردة فعلها قال برقة" لنأمل ان تتوطد معرفتنا عزيزتي هارييت".
وقبل ان تحرر يدها من قبضته رفع يدها بشكل رسمي إلى شفتيه وقبلها.

انتهى الفصل الثالث

mymemory 20-11-16 07:15 PM

رد: لن ترحل الشمس (ساره كريفن)
 
لفصل الرابع

مفاجأة في الانتظار


" ما الذي تفعله بحق السماء؟
"انتزعت هارييت يدها بقوة وأغضبها بشدة تورد خديها خجلا. بدا روان غير مهتم وقال:
"خاتمة رسمية لإعلان خطوبتنا".
" شكرا لك لكن يمكن الاستغناء عن الرسميات ".
قال مكشرا:"بالطبع إن كان هذا ما تريدينه".
" نعم هذا ما أريده ".
أدركت سخافة ردة فعلها فهي تثير جلبة كبيرة حول موضوع تافه مع ذلك تملكتها قناعة غريبة بأنها ستجد أثر قبلته على يدها على شكل علامة حارقة. تلهفت لصرف النظر عن الحادثة فقالت بسرعة:
" زاندروس...أهو اسم يوناني؟ ".
" يبدو عليك الاستغراب ".
" لا لكنك تتكلم الإنكليزية بطلاقة ".
" كانت أمي إنكليزية.قضيت الكثير من أيام طفولتي في هذا البلد وبدأت دراستي هنا.إذا متى تنوين إخبار جدك بتغير أوضاعك؟ "
" سأذهب إلى هناك في نهاية الأسبوع وأتحدث إليه ".
أومأ روان برأسه وقال" كيف ستفسرين وجودي في حياتك؟ لا يمكن أن أكون الحفيد الذي يتمناه ".
" لا أنت النقيض. هذا ما يجعل الأمر أفضل ".
" ربما من وجهة نظرك. لكن أتسمحين لي تقديم نصيحة؟ لا تتبجحي كثيرا بانتصارك فالرجال يكرهون أن تتغلب عيهم امرأة ".
" أنا بالكاد أتبجح.إنني أقوم بما أمرني به لذا لا يمكنه الاعتراض إذا نفذت الأمر بطريقتي الخاصة ".
" تشير خبرتي إلى أنه سيعترض بشدة. أتستحق كومة الأحجار إثارة إزعاجه؟ "
نظرت هارييت إلى الطاولة وقالت بشكل مختصر:
" لا تسئ فهمي.أنا أحبه..بالفعل أحبه لكنه لا يفهم حاجتي للعيش كامرأة مستقلة ولن يفعل أبدا ".
" ووالداك؟ ما رأيهما بالموضوع؟ "
" إنهما...لا وجود لهما في حياتي ".
" أنا آسف "
" لا تأسف خلال سنوات نشأتي تعودت على غيابهما ".
" أنت محظوظة. توفيت والدتي منذ حوالي ثلاث سنوات ولا يمكنني إبعادها عن تفكيري حتى الآن ".
رجع إلى الخلف في كرسيه وراح يتأملها ثم قال"هذا المنزل الذي تريدينه بشدةمن سيرثه من بعدك؟ ".
" يمكنني تبني طفل ".
رفع حاجبيه وقال متسائلا" امرأة عزباء أيسمح لك القانون بذلك؟ ".
" لما لا؟ بالنهاية أنا لست فقيرة. والأموال تفتح جميع الأبواب ".
ابتسم روان بسخرية قال" نعم بدأت أرى ذلك ولا يمكنني الاعتراض لأن أحد هذه أبواب فتح لي.
ألا تعتقدين أنك قد تقابلين يوما ما رجلا تحبينه وتودين أنجاب الأطفال منه؟ ".
" لا...لا أعتقد ذلك. من فضلك أيمكننا التغاضي عن نقاط الضعف الشخصية والعودة إلى عملنا؟ سبق وبدأت الإجراءات عندما اعتقدت أنني سأتزوج من ذلك الرجل لكن ما زال علينا القيام بالكثير من الأمور "
نظرت إلى يدها وقالت " على سبيل المثال أنا بحاجة إلى خاتم خطوبة ".
" هذه مسؤولية العريس.دعي الأمر لي ".
" لا يمكنك تحمل ثمنه وأنت لا تعرف القياس الصحيح ".
رمقها بنظرة تفحصيه وقال"بإمكاني التخمين. كذلك الأمر بالنسبة لكل قطعة ملابس ترتدينها الآن. أتريدين أن أثبت كلامي؟ ".
أغضبتها بشدة حقيقة أن وجهها احمر خجلا من جديد. قالت بسرعة " لا! شكرا لك ".
وقفت هارييت وقام هو بالمثل.انتبهت مجددا إلى طوله الفارع وكتفيه العريضتين الملتصقتين بالقميص. أضافت بسرعة " يجب أن توقع على بعض الأوراق. ستكلمك محاميتي ".
توقفت قليلا ثم أضافت " بالنسبة لموعد الزفاف... أهناك أي يوم في الأسبوع لا يناسبك؟ ".
قال روان بلطف: "أنت مراعية جدا لشعوري. سأحرص على أن أكون جاهزا عندما تريدين ".
" سأرتب أمر زيارة السيد ساليفن إلى محترفك. أتمنى أن تسير الزيارة بشكل جيد. دعمه لك سيفيدك كثيرا ".
أدركت أنها بدأت بالثرثرة غير المجدية فتوقفت. بدأت تبحث عن المحفظة في حقيبتها.وضعت بعض النقود على الطاولة ثم ابتسمت بإشراق وقالت:"هذا سيغطي قيمة الفاتورة. إن أردت طلب أي شيء آخر من فضلك لا تتردد ".
ساد صمت غريب للحظة وكادت هارييت تشعر بالتوتر في الجو. بعدئذ أحنى روان رأسه بأدب ومرت اللحظة. عندما أصبحت في الخارج شعرت بانقطاع أنفاسها. سألت نفسها بصمت " ما سبب هذا الشعور بالضيق؟ يجدر بي أن أكون سعيدة جدا الآن.أخيرا انتهت مشاكلي ".
ذكرت نفسها عندما أوقفت سيارة الأجرة " لكن مازال علي إخبار جدي ".
انشغلت هارييت جدا في الأسبوع التالي إذ قضت معظم وقتها في الميد لاندرز حيث زارت المواقع التي حددتها في رحلات سابقة والتقطت الكثير من الصور الفوتوغرافية لترافقها مع مسودة التقرير.لن تترك شيئا للصدفة هذه المرة وستملك كل الأجوبة هذا ما فكرت به بتصميم كبير.لكن بالرغم من قرارها هذا وجدت صعوبة في التركيز بسبب الأرق الذي تعاني منه. من الواضح أن مواجهة جدها المنتظرة لا تفارق تفكيرها أبدا. عندما عادت إلى لندن بعد ظهر يوم الجمعة وجدت الأجواء الاحتفالية في فلينت أولادي. إنه عيد ميلاد جينا الفتاة التي تعمل في المحاسبة. لقد قطعت قالب الحلوى المزين بالشموع ووزعته على المكاتب في فترة الاستراحة وبعد العمل سيذهب الجميع للاحتفال. الجميع ما عدا شخص واحد...قالت جينا لهارييت بتعال
"لم نتوقع عودتك اليوم. لكن تفضلي بالانضمام إلينا...إن أردت".
ثم أخذت ترمق سروال هارييت الأسود العملي وقميصها بازدراء واضح. أجابت هارييت"شكرا لك.لكنني ذاهبة إلى البلدة هذا المساء".
انضم إليهما جون أولادي.ابتسم بحقد وقال " أذاهبة إلى كومة الأحجار الفخمة؟ لطالما اعتقد والدي بإمكانية تقسيمها إلى شقق فخمة وأنا واثق من صحة كلامه. هناك أرض كافية لإنشاء ملعب غولف كبير. تذكري هذا عندما تحصلين عليه في النهاية عزيزتي هارييت ".
نظرت إليه هارييت بحقد يوازي حقده وقالت: " لكن غريس ليس للبيع لا الآن ولا في أي وقت آخر ".
" تفترضين دائما أنك تملكين الخيار
ثم رحل وتركها تحدق في أثره وترتجف بشدة. هل وصلت نوايا جدها إلى مسامع في فلينت أولادي؟ إن صح ذلك ستشعر بالكثير من الفرح عندما تثبت أن الموضوع قد حسم لصالحها. سواء أعجب جورجي فلينت بالأمر أم لا عليه تقبل عريسها غير المتوقع. لم تستطع هارييت حتى الآن تحديد موقفها من روان فقد سيطر عليها روان زاندر على أفكارها أكثر مما تمنت وهي ليست متأكدة أنه ليس كما توقعت في البداية عندما وضعت مخططها وتمنت نوعا ما لو أنه خذلها ورحل بعيدا.
عندما وصلت إلى شقتها استحمت بسرعة وغسلت شعرها. كانت تنوي رفعه عن وجهها أو ربطه على شكل ضفيرة صغيرة. لكنها كادت تتأخر فقررت أن تسرحه وتبقيه منسابا على كتفيها. وجدت فستانا عاجي اللون في خزانتها فلبسته بعد شيء من التردد. عليها التركيز على الأمور التي يفضلها جدها والابتعاد عن تلك التي تثير تحمله عليها.هو يفضل أن ترتدي التنانير ومن غير المنطقي أن تزعجه بسبب موضوع تافه كاختيار الملابس. بدا سعيدا عندما اتصلت به أخيرا وأخبرته بزيارتها. خفت مؤخرا وتيرة لقاءاتهما وخيم عليها التوتر الذي فرضه إنذار جدها. ربما هو أمل أن يتصالحا.إن كان هذا صحيحا عليها أن تستمع إليه فربما قرر إعفاءها من تلك المهمة.
استمعت إلى الرسائل على المجيب الآلي بينما هي تجهز الحقيبة التي ستأخذها معها؟ تركت محاميتها إيزابيل كرين رسالة صوتية تقول أنها حضرت اتفاق ما قبل الزواج حسب تعليمات هارييت وهو جاهز للتوقيع لكن يجب مناقشته قبل ذلك. زمت هارييت شفتيها وفكرت بعناد " بكلمات أخرى، هي تريدني أن أتراجع عن الأمر. حسنا الأمر ليس جديدا ".
شعرت بالقليل من خيبة الأمل بسبب عدم وجود أي رسالة من داسموند سليفن الذي كان يخطط لزيارة محترف روان قبل يومين. قالت بصمت " هذا الرجل كثير المشاغل.ربما لم يجد الوقت المؤاتي حتى الآن. لن أفقد الأمل بهذه السرعة ". لكن بغض النظر عن قرار داسموند سيقيم روان معرضا خاصا به.هذا هو الاتفاق ومهما كان الثمن الذي ستدفعه، فالأمر يستحق العناء.
بعد نحو ساعتين قادت هارييت سيارتها نحو البلدة. عندما وصلت إلى غريس ميد ركنت سيارتها في الباحة الخلفية للمنزل على مقربة من الإسطبل القديم.دخلت عبر المطبخ لتلاقيها رائحة البط المشوي المغرية. بدت السيدة وايد أكثر بدانة وتقدما في السن.رحبت بهارييت بحنان وأخبرتها أن السيد فلينت موجود في غرفة الرسم. أضافت قائلة " معه ضيف آنسة فلينت ".

عبست هارييت فهي تود الانفراد بجدها لتخبره بأمر الزواج قبل أن تفقد شجاعتها. تركت حقبتها في الردهة ودخلت غرفة الرسم لتجدها خالية لكن النوافذ كانت مفتوحة على مصراعيها واستطاعت سماع دمدمة جدها الخافتة آتية من الشرفة. أخذت نفسا عميقا وخرجت لتنضم إليه. هاهو جورجي فلينت واقف على حافة الشرفة يشير بافتخار نحو مواقع محددة في الحديقة المبسطة للرجل الواقف بجانبه. انسجامه بهذا الموضوع المميز جعله لا يلاحظ وصولها. على الرغم من أن هارييت لم تر من الضيف سوى ظهره فقط. لكنها عرفت على الفور أن ليس أحد السكان المحليين فهو طويل القامة ذو جسم متناسق ويبدو مثل ظل داكن قبالة أشعة شمس المغيب.لابد أنه شخص غريب أو هو... توقفت فجأة وأخذت تحدق بهاتين الكتفين العريضتين والوركين. جف فمها. وأخذ عقلها يحاول رفض الدلائل المعروضة أمامه. لا...!ليس هو...هذا غير ممكن...
التفت الرجل ببطء ونظر إليها وكأنه أدرك أنها تحدق به. قال روان زاندروس بلغته الأم " عزيزتي ".
ابتسم واتجه نحوها فيما أخذت عيناه السوداوان تتأملانها بإعجاب واضح ما ذكرها أنها المرة الأولى التي يراها فيها ترتدي فستانا وقد جف شعرها ليشكل غيمة مموجة مبعثرة على كتفيها. نظراته المطولة إليها وهو يقترب منها أججت غضبها تجاه هذا المتطفل الذي لا تحمد عقباه. هنا في منزلها...في ملاذها... لم تستطع سوى التفوه بكلمة "ماذا...؟ " قبل أن يلفها بذراعيه ويجذبها نحوه قاطعا أنفاسها.
راح يحدق بعينيها المتسعتين بشدة وهمس قائلا " ابتسمي هارييت تظاهري أنك سعيدة برؤيتي ".
أدارها ممسكا بها بقوة كإشارة تملك واضحة ليصبح كلاهما بمواجهة جدها. قال جورجي فلينت بنبرة بدت لطيفة لكن بعينين حذرتين تحت حاجبيه الأشعثين " إذا عزيزتي! فهمت من هذا الشاب أنه يجب علي أن أتمنى السعادة لك ".
توقف قليلا ثم أضاف " أعترف أنني لم أكن على علم بوجود شخص ما في حياتك. فاجأتني هذه الزيارة كثيرا".
رفعت ذقنها وتلاقت نظراتهما. فارقها أي شعور بالهدوء وقالت " أتمنى أن تكون مفاجأة جيدة جدي ".
" هذا أيضا ما أتمناه أخبرت خطيبك بصراحة أنه ليس الرجل الذي توقعته لكنه أكد لي أن علاقتكما ممتازة وأنا مجبر على تصديقه ".
قال روان بهدوء " لم تكن هارييت هنا لذا هي لا تعلم أن داسموند سليفن وافق على عرض أعمالي في صالة البريستال. أخبرني بالمر اليوم
ابتلعت هارييت ريقها وقالت " آه هذا خبر رائع. أنا مسرورة جدا لأجلك عزيزي ".
لم تصل ابتسامة روان إلى عينيه "أنا مدين لك بهذا الخبر السعيد جميلتي".
ثم استدار نحو جورجي فلينت وقال " أرجوك سيدي وافق على زواجنا وباركه".
بدا التجهم على وجه جورجي فلينت بالرغم من ابتسامته الواهنة " حسنانعم.لكنني واثق أن رأيي لن يحدث أي فرق في مخططاتكما ".
نظر إلى ساعة يده وأضاف " العشاء سوف يجهز بعد أربعين دقيقة. عزيزتي لم لا تأخذين السيد زاندروس وترينه الحديقة؟ استمتعي بلقائكما. لا بد أن لديك الكثير لتقوليه".
أمسك روان يدها ونزلا معا على الدرج الحجري الضيق الذي يؤدي إلى المرجة. قال بلطف لبالغ " إذا كنت تودين مهاجمتي عزيزتي هارييت أنصحك بالانتظار قليلا. لا تتركي يدي فما زلنا تحت المراقبة ".
تصلب جسد هارييت بالكامل وغمغمت بحنق شديد " كيف تجرؤ؟ كيف تجرؤ على اقتحام هذا المكان؟ "
" لم أضطر إلى الاقتحام. قرعت الجرس وسمح لي بالدخول كأي زائر آخر ".
" كيف عرفت الطريق إلى هذا المكان؟ "
" لم يكن الأمر صعبا. أعرف اسم جدك واسم المكان. لم يتطلب الأمر سوى سؤال ".
" لابد أنك مجنون ما الذي دفعك للمجيء إلى هنا وطلب موافقته؟ أشعر كأني في أحد البرامج التلفزيونية
" بناء على ما أخبرتني به بدا لي أن جدك قديم الطراز وربما يفضل مبادرة كهذه عوضا عن إخباره بقرارك الذي قد يفسر كنوع واضح من الاستفزاز ".
هز ران كتفيه وابتسم لها ثم أضاف " سبق وتعاملت مع أشخاص متسلطين. الحروب لا تجدي نفعا. عنصر المفاجأة هو دائما الأفضل ".
قالت" ألم يخطر ببالك أن تستشيرني أولا؟ ".
" لم تكوني موجودة عزيزتي هارييت لأستشيرك. بالإضافة إلى ذلك كنت واثقا من رفضك للموضوع ".
أجابت بنبرة ثائرة " كنت محقا تماما ".
ارتدت نحو صمت حانق وللمرة الأولى نظرت إليه بروية. تساءلت لماذا لم تعرفه في بادئ الأمر؟ بالطبع هي لم تر سروال جينز ممزقا ملطخا ببقع من الألوان. مع أن هذه البذلة السوداء التي يرتديها ليست جديدة لكنها بالتأكيد أنيقة كذلك قميصه المتموجة وربطة عنقه الحريرية. يا للدهشة حذاؤه بدا لامعا أيضا حتى انه يرتدي جوربين. مازال شعره طويلا حسب معايير جورجي فلينت لكنه بدا مشذبا ومرتبا وقد حلق ذقنه بالكامل. خلال تلك اللحظات القليلة والتعيسة وفيما هي قريبة منه اشتمت عطره الرائع الذي بدا باهظ الثمن. فكرت هارييت بتردد أنه يبدو أنيقا ثم أدركت أنه أيضا يراقبها بابتسامة عريضة كأنه يعرف ما يجول في خاطرها. دفعها خجلها لتقول بشكل لاذع " من أين أحضرت ملابسك؟ أهي من أحد الأسواق الخيرية؟ ".
" ظننتك ستفرحين إن ارتديت ملابس ملائمة للدور الذي ألعبه. أنت أيضا قررت التخلي عن تمويهك المعتاد والظهور مثل امرأة عزيزتي هارييت ".
نجحت هارييت في تحويل شهقتها إلى نفس عميق وقالت: " أيمكنني تذكيرك أن ما يجمعنا لا يتعدى الصفقة التجارية لذا أنا لست بحاجة إلى ملاحظتك المتميزة؟ ".
رد روان بصوت ناعم كالحرير" مع ذلك لا يمكنني المقاومة أحيانا. أيمكننا إكمال الجولة في الحدائق؟ فهي جميلة جدا ".
وقفت بمواجهته وقالت"حسنا ما سبب هذه الزيارة غير المتوقعة؟ أتريد تفحص المكان لترى إن كان يمكنك كسب المزيد ؟ إن كان هذا ما ترمي إليه فسوف يخيب ظنك سيد زاندروس. ستحصل على المعرض وبعض الأموال ولا شيء آخر. لن تسمح لك اتفاقية ما قبل الزواج بطلب أي شيء آخر ".
لم يبد روان أي اهتمام بل قال " لا أطيق صبرا حتى أقرأ هذه الوثيقة الرائعة. لم يدفعني سوى الفضول للقدوم إلى هنا عزيزتي هارييت. أردت أن أرى ما المميز بهذا المكان والذي يدفعك إلى هذه المخاطرة من أجل امتلاكه. أهذا مفهوم السعادة بنظرك؟ ".
" لا أتوقع منك أن تفهم، كما أن هذا الموضوع لا يعينك ".
" أظنه بات يعنيني بما أنني سأتزوج بك ".
" حسنا! لن نتوصل إلى اتفاق بهذا الشأن. ما يهمني هو: كم تنوي البقاء هنا؟ "
" سأغادر في الصباح. علي القيام ببعض الأعمال من أجل المعرض. أتشعرين بالاطمئنان الآن؟ "
" ليس بالضرورة لذا دعني أوضح أمرا ما. هذه ستكون زيارتك الأولى والأخيرة لهذا المنزل. غدا عندما ترحل، لن تعود أبدا تحت أي ذريعة ".
أجاب روان ببرودة أعصاب "على جدك أن يتخذ هذا القرار فأنت لم تصبحي الآمرة هنا بعد عزيزتي هارييت. تذكري هذا جيدا ".
أخذ يحدق بها بشيء من الاحتقار وأضاف قائلا" الآن أفضل إكمال جولتي في الحديقة وحيدا. رفقتك لا تزيد المناظر الطبيعة جمالا ".
ثم مشى مبتعدا وتركها تحدق في أثره فاغرة فمها. أخذت تفتش حولها عن شيء يحوله إلى كومة رماد لكنها لم تجد شيئا. لم تعد هارييت إلى البيت مباشرة. إنها بحاجة إلى استعادة السيطرة على نفسها كي تتمكن من تحمل نظرات جدها الحادة وتصبح جاهزة لاستجوابه. مع ذلك لم يكن جورجي فلينت وردة فعله المحتملة على الأحداث ما يسيطر على أفكارها. قامت بجولة بطيئة على المرجة. وللمرة الأولى لم تنجح هذه الحدائق التي تعرفها وتحبها بالتخفيف من شعورها بالقلق لأن روان زاندروس يعترض طريقها.كيف تجرأ على التحدث إليها بهذه الطريقة؟ كيف دفعته الوقاحة للمجيء إلى غريس ميد دون دعوة أو ترحيب؟ يا له من متطفل وقح ليأتي إلى عالمها الخاص والمحبوب حسنا!عليها أن تعلمه بسرعة بعدم إعجابها بتطفله. يجب أن يجعله هذا الاتفاق يدرك موقعه الحقيقي. هذه الزيارات الحميمة ليست على جدول أعمالها أما هو فعليه أن يتعلم الدرس منذ البداية.
وجدت هارييت جدها في غرفة الرسم. استدار ونظر إليها رافعا حاجبيه. قال:" هل أنت وحدك؟ ".
ابتسمت بإشراق وقالت: " تبين أن دور الدليل السياحي لا يناسبني فأكمل روان الجولة بمفرده ".
أومأ لها جدها لتجلس على الأريكة قبالة كرسيه: " لم يحصل خلاف بينك وبين خطيبك بهذه السرعة أليس كذالك؟ ".
" بالطبع لا "
" بدا لي أنك تفاجأت بوجوده هنا. عسى ألا يكون هذا الموضوع قد سبب خلافا بينكما ".
هزت هارييت كتفيها وقالت بدهشة " لا يفوتك شيء أليس كذلك يا جدي الحبيب؟ ".
" أحاول ذلك يا حبيبتي ".
" حسنا لأكون صادقة شعرت بالقليل من الاستياء عندما أدركت انه سرق الأضواء.أردت أن أخبرك بنفسي عن الخطوبة ".
قال بجفاء واضح " أنا واثق من ذلك "
" ليس هناك أهمية للموضوع. موافقتك على اختياري هي الأهم ".
" دعيني أقول أنني أجده شابا مثيرا للاهتمام بشكل كبير. أخبرني أنكما التقيتما من خلال عمله ".
ما زال ذلك الحدث يملك القوة ليجعلها تصر على أسنانها. ابتسمت هارييت بتوتر وقالت: " هذا بالتحديد ما حدث. أثر ذلك اللقاء بي بطريقة لا تنسى ".
" إذا اكتشفت حينها انه يمتلك موهبة حقيقية ".
" نعم...نعم.إنه يستعمل الألوان بطريقة رائعة وعاطفية ".
" هل سيجني أموالا كافية ليعيل زوجة...عائلة؟ "
" أعتقد ذلك.على أي حال أنا لن أترك عملي ".
" آه لكن ألم يخطر ببالك أن رأي زوجك العتيد قد يكون مغايرا لرأيك؟ "
شعرت أنها على وشك الانفجار وكادت تقول: " لماذا...؟ ما الذي قاله لك؟ "
عوضا عن ذلك قالت بهدوء: " بطلق الأحوال علينا أن نكون عمليين ".
" لطالما كنت كذلك هارييت.تجدين الحلول لأي مشكلة تعترض طريقك وتحاربي لكي تبقي في مركز الصدارة. هذا أمر مميز في شخصيتك لذا يفاجئني أن يكون إحساسك هو ما جذبك هذه المرة إلى أعمال روان. هذه المرة تبعت قلبك لا عقلك.أنا أهنئك!في الوقت نفسه لا يسعني سوى التساؤل إن كنت تعرفين...حقا ما أنت بصدد القيام به ".
انضم روان إليهما وراح يمدح الحدائق بصوت هادئ و صدق واضح. انتبهت هارييت بمرارة إلى أنه يعرف ما الذي يتكلم عنه. خلال العشاء أحست كأنها تمشي حافية على زجاج محطم. انتظرت أن يسأل جدها شيئا عن علاقتهما...عندها ستتخبط في الإجابة وتسبب الإذلال لنفسها.انتبهت أخيرا أن روان يتلاعب بالحوار بهدوء وذكاء فيحول المواضيع التي تجهلها هارييت إلى مواضيع عامة. بهذه الطريقة راح ينقل إليها معلومات ويخبرها أشياء من المفترض أن تعرفها عن الرجل الذي هي على وشك الزواج به.
ذكر روان على سبيل المثال أن والده ما زال على قيد الحياة وأنه يسكن في اليونان.أضاف بشكل عرضي أن والداه انفصلا عندما كان طفلا لكنه لم يتطرق للتفاصيل. عندما قال إن والدته المتوفاة هي فانسيا أبوت الفنانة المشهورة برسم المنمنمات شعرت هارييت بدهشة كبيرة وجاءت دهشة جورجي فلينت موازية لدهشتها لكنه قال" هذا يفسر موهبة الرسم التي تقدرها حفيدتي كثيرا. يصح في حالتك المثل القائل "التفاحة لا تسقط بعيدا عن الشجرة ".
تساءلت هارييت بتجهم أهذا صحيح أخذت تراقب من تحت رموشها التواء شفتي روان بينما رفع كوبه ورشف شرابه. أصحيح ما يدعيه روان عن ارتياده مدارس الإنجليزية لا بد أن جدها سوف يتأكد من الأمر. فكرت بحنق يا إلهي ما كانت هذه السخافات لتحدث لو بقي روان زاندروس بعيدا عنها. واهتم بشؤونه الخاصة. بعد انتهاء العشاء شعرت هارييت بالارتياح عندما قبل روان دعوة جدها اللطيفة للتحدي في لعبة الشطرنج. ما أن جلسوا أمام الطاولة ذات اللونين العاجي والأسود حتى تصنعت التثاؤب. قالت بلطف " آه يا إلهي هذا الأسبوع نال مني. إن أذنتما لي سأنام باكرا الليلة ".
وتوجهت خارجة من غرفة الرسم آملة أن تصل إلى غرفتها بسلام. لكن عندما وصلت إلى أسفل الدرج سمعت روان يناديها. نظرت حولها برعب ثم رأته يغلق باب غرفة الرسم خلفه ويسير نحوها عبر الردهة سألته بنبرة دفاعية " ما الذي تريده؟ ".
هز روان كتفيه ولمعت عيناه بالفرح "أنا بالكاد أطبق التعليمات حبيبتي أرسلني جدك لأتمنى لك ليلة هنيئة...برومانسية وعلى انفراد بينما يفكر بحركته الجديدة في الشطرنج ".
" حسنااعتبر الأمر منتهيا.أتمنى أن تتذكر تلك السخافات التي ذكرتها على العشاء لأنه يملك ذاكرة كذاكرة الفيل. ما الذي دهاك لتختلق كل تلك الأمور؟ "
" ظننته يريد أن يسمعها عزيزتي هارييت. أردت طمأنته أنك لا ترمين نفسك على شخص...نكرة ".
قالت هارييت باحتقار " لست نكرة بل كاذب ومحتال لكن ذلك قد يكون في صالحي. على الأقل لن يتمكن جدي من الاعتراض على الطلاق عندما أخبره باكية كيف خنتني وخدعتني ".
نظر إليها بتأمل: " ألا تظنين أن ما تقولينه قاس بعض الشيء...على شخص لا يريد سوى سعادتك؟ ".
" المشكلة هي أنني وجدي لا نتفق على مفهوم الزواج. دعني أذكرك أنني أدفع ثمن إذعانك لرغباتي لا ثمن آرائك سيد زاندروس! "
قال روان بنعومة" ربما أنت من يحتاج إلى هذا التذكير ".
وضع يده على كتفيها دون تحذير وجذبها نحوه. قبل أن تستطيع هارييت الاعتراض عانقها عناقا طويلا. حاولت أن تقاوم وتحرر نفسها لكن قبضتيه أظهرتا الكثير من القوة والتصميم. بالكاد استطاعت التنفس ناهيك عن التكلم أو التفكير. شعرت بالدوار وراحت الشرارات الصغيرة الملونة تتراقص أمام عينيها المغمضتين فيما استمر روان بمعانقتها حاملا إياها إلى دوامة مظلمة وأبدية...
كما بدأ الأمر فجأة توقف فجأة. تراجع روان إلى الخلف تاركا مسافة بينهما. أخذت عيناه السوداوان تراقبانها.وقفت هارييت في مكانها. تمايلت قليلا وبدا عقلها مشوشا... مفككا.حاولت التكلم لكنها لم تستطع...
" أيكفيك هذا الكم من الإذعان حبيبتي؟ لا أريد أن تشعري بضياع أموالك سدى. الآن اذهبي إلى سريرك.أتمنى لك أحلاما سعيدة ".
شعرت كأن صوته يأتيها من أرض قاحلة شاسعة. سرعان ما استدار روان وذهب عبر الردهة إلى غرفة الرسم.
تركها في مكانها ترتجف وهي تشعر بالدوار. أدركت فجأة أنها أصبحت تشعر بالوحدة أكثر من أي وقت مضى.

انتهى الفصل الرابع

mymemory 20-11-16 07:16 PM

رد: لن ترحل الشمس (ساره كريفن)
 
الفصل الخامس
لن أسامحك


هذا العناق ليس عاطفياً حتى امرأة دون خبرة سابقة مثل هارييت يمكنها إدراك ذلك. على العكس من ذلك إنها إهانة متعمدة. استفزته فرد عليها بطريقته وانتهى الموضوع.
مازالت هارييت تشعر بتورد طفيف في وجنتيها. أدركت باشمئزاز وجود وخز غريب في أنحاء جسمها... سيستغرق نسيان هذا الأمر الكثير من الوقت. تنهدت بقوة إذا لم يسبق لأحد أن تعامل معها بهذه الطريقة. لم تتوقع حدوث ذلك لذا لم تتمكن من القيام بأي خطوة مراوغة. حسناً! يجب ألا ينتهي الموضوع عند هذا الحد. عليها القيام بشئ ما في الصباح. لكن... ما هو؟
حل الصباح وهارييت مستلقية في سريرها لا تملك أدنى فكرة عن طريقة تعاملها مع هذا الوضع. ربما عليها التخلي عن الفكرة بأكملها. سيتوجب عليها أيضاً الاعتراف لجدها وتحمل العواقب. لن تستطيع إخفاء الحقيقة لوقت طويل حتى إن أبقى روان فمه مغلقاً وهى بالطبع لا تضمن صمته. هذا يعنى تحملها لغضب جدها وخيبة أمله لأنها حاولت خداعه ومن الطبيعي أن يفقد ثقته بها إلى الأبد. شعرت بالدموع تحرق عينيها. أخبرت نفسها بأسى: ما كان على البدء بهذا الأمر. ليس هناك شئ... أي شئ يستحق هذا النوع من الألم. ذلك الحقير محق في ما قاله. عليه اللعنة ذكرت نفسها بغضب أن هذا الحقير سيستمر بالتواجد حولها وعليها التعامل معه. يجب أن تفي بالتزاماتها نحوه. تم الاتفاق بشأن صالة العرض لذا لا يمكنها فعل المزيد. إذاً عليها أن تعطيه الأموال المتفق عليها ثم تجعله يتركها ويرحل. لكن ربما هذا هو بالضبط ما يسعى إليه
جلست هارييت فجأة. ربما اكتشف روان كيف يغضبها إلى أقصى الحدود وذلك العناق لم يكن سوى حيلة مدبرة ليجعلها تلغى الخطوبة. بهذه الطريقة سينتهي دوره في الاتفاقية فيغادر بعد أن يحصل على مبتغاه. حسناً لن يربح إلا إن سمحت له بذلك. سوف توضح له أنها لا تريد سوى اسمه على وثيقة الزواج وبعدها ليفعل ما يحلو له. في الوقت نفسه عليها الاعتراف أنه أجبرها على الإحساس به كرجل. فجأة أصبحت الأمور على درجة كبيرة من الخصوصية. يا إلهي! إنه هنا... نائم في إحدى غرف الضيوف أو ربما مستيقظ ويفكر... فكرت على أن أكون أكثر حذراً
عندما وصلت إلى غرفة الطعام كانت تشعر ببعض التوتر والنعاس. وجدت روان وحيداً هناك وهو على وشك إنهاء طبق غنى باللحم المقدد الفطر والبيض المخفوق. وقف بتهذيب وقال: " حبيبتي طلب منى جدك إعلامك أنه سيتناول فطوره في غرفة نومه ".
وضعت هارييت بعض الحبوب في وعاء ثم أضافت الحليب.
قالت بعبوس:
" آه هو ليس مريضاً. أليس كذلك؟ "
" لا مطلقاً أظنه يعتقد أننا نود البقاء على انفراد لبعض الوقت ".
عندما جلست عاد روان إلى مقعده. سكب فنجان قهوة وأعطاها إياه. جعلها هذا التصرف الحضاري تصر على أسنانها: " إنه مخطئ تماماً. كيف جرت لعبة الشطرنج؟ ".
" لم يستطع أي منا إيجاد نقطة الضعف عند الآخر ".
" لا يملك جدي أي نقاط ضعف. أقترح أن تنفذ ألاعيبك في مكان آخر في المستقبل ".
" لم يساهم نومك المبكر في تحسين مزاجك عزيزتي هارييت هل بدلت رأيك بشأن الزواج بى؟ "
قالت بصمت فقط في أحلامك وبصوت مسموع قالت بحماس " بالتأكيد لا يبدو أنك أعجبت جدي لذا يمكننا إتمام المراسم بمجرد أن توقع على وثيقة ما قبل الزواج ".
" لكنه أخبرني أنه لا يوافق على الزواج المدني ".
" أتقصد أنك دعوته؟ "
" ظننت أنه يود أن يسلمك لي عزيزتي هارييت ".
" حسناً الحمد لله أنه لا يود ذلك. ما علينا سوى إنهاء الاتفاق ثم يذهب كل منا في طريقه ".
ثم ابتسمت بفتور " سأبقى على اتصال بك ".
ساد الصمت لفترة ثم وقف روان وقال بلطف مبالغ فيه " حسناً أنا لا أفكر سوى باللحظة الحالية. الآن على أن أتركك عزيزتي هارييت. ستأتي سيارة أجرة لتقلني إلى المحطة ".
توقف قليلاً ثم أضاف " لا ضرورة لأن ترافقيني إلى الباب. يمكننا أن ندع جدك يفترض أننا ودعنا بعضنا بحنان وعلى انفراد ".
قالت بتوتر " لكنني أفضل التأكد من ابتعاد الزوار عن هذه الملكية ".
رفع روان حاجبيه وقال " لديك الكثير من الشكوك تجاه الآخرين جميلتي ".
" من فضلك لا تنادني بهذا الاسم السخيف. أنا لست جميلة ولست لك.
حدق بها لوقت طويل فشعرت بدقات قلبها تتسارع رغماً عنها. بعدئذ تكلم بصوت لا يحمل أي دلالة غضب " من الصعب إرضاؤك هارييت لكنني لن أكف عن المحاولة ".
توقف قليلاً ثم أضاف " والآن، أكملي فطورك بسلام ".
رحل روان تاركاً هارييت جالسة عند الطاولة تحدق في العدم. لم تمس فطورها ولم تعد تريده.
أيقنت هارييت يوم الزفاف أنها سترتدي الفستان القشدى اللون للمرة الثانية هذا إن لم تشأ ارتداء إحدى البذلات السوداء الكثيرة المملة التي تملأ خزانتها. عندما ألقت نظرة تفحصية على نفسها في المرآة تمنت رغماً عنها لو اشترت فستاناً خاصاً للمناسبة. بالطبع ليس فستان زفاف أبيض بل فستاناً بسيطاً جميلاً يمكنها أن تلبسه في السهرات الصيفية خلال عطل الأسبوع في غريس ميد. لهذه المرة فقط ربما وجب عليها رفع شعرها بشئ من الأناقة. سألت نفسها بنفاذ صبر لم أعذب نفسي بهذه الأمور؟ وكأن هذا زفاف حقيقي أو أنني بالفعل عروس حقيقية. ربما يأتي روان مرتدياً سروال جينز.
مع ذلك لم تشعر بالرضي على مظهرها عندما ألقت نظرة أخيرة على نفسها وغادرت غرفة النوم.
مع ذلك لم تشعر بالرضي على مظهرها عندما ألقت نظرة أخيرة على نفسها وغادرت غرفة النوم
سبق وطلبت سيارة أجرة لتقلها إلى المحكمة لكن ما زالت أمامها خمس دقائق أخرى. حررت الشيك لروان ووضعته في مغلف مع واحدة من بطاقات الشركة الصغيرة. بعد لحظة من التفكير أخرجت البطاقة ودونت عليها " مع أمنياتي لك بمستقبل جيد ".

mymemory 20-11-16 07:17 PM

رد: لن ترحل الشمس (ساره كريفن)
 
جلست على حافة الأريكة وهى تشعر بضياع غريب. ليس هناك ما يدعو للقلق. الأمور تسير وفق الخطة الموضوعة. سبق أن ذهب روان إلى مكتب محاميتها ووقع على الاتفاق دون أي اعتراض. قالت لها إيزابيل " حضر برفقة محاميه الخاص. إنه محام مشهور يدعى جاك ماكسويل. أخذا بعض الوقت لمراجعة الاتفاق... سطراً تلو الآخر ".
توقفت قليلاً ثم أضافت " آمل أنك تدركين ما تقومين به هارييت. ما الذي تعرفينه عن الرجل سوى أنه مفلس وفائق الوسامة؟ ".
ردت هارييت بأسلوب دفاعي " أعرف أنه رسام رائع وأن والدته كانت رسامة مشهورة أيضاً قابلت والده خلال إجازة كانت تقضيها في اليونان. يبدو أن والده يعمل في مجال السياحة أو على الأقل هذا ما قاله روان لجدي وهما يلعبان الشطرنج. ربما يملك والده حانة صغيرة ووظيفة النادل لم تعجب الابن. بالطبع لا يمكن لومه على ذلك ".
" لا بالمناسبة لم يبد سعيداً عندما قرأ البند الذي يحظر ذهابه إلى غريس ميد أو التكلم مع جدك مجددا "ً.
" هذا إجراء وقائي. حاجته إلى المال تضمن عدم إثارته للمشاكل ".
سألت إيزابيل بنبرة مشككة " لم لا نؤجل الموضوع حتى أتحقق منه بشكل جيد؟ ".
" لو كنت أعين مهندس ديكور... لما أصريت على التحري عن وضعه. حسناً المفهوم ذاته ينطبق على هذه الحالة. سيقوم بالعمل المطلوب منه ثم يأخذ أجره ويرحل. الأمر بهذه البساطة.
اليوم وقد حان موعد الزفاف بدا الأمر أكثر تعقيداً حتى في بعض المناسبات النادرة عندما مرت الفكرة في رأسها لم تتصور زواجاً كهذا أو تتخيل العودة إلى العمل بعد مراسم الزفاف وكأن شيئاً لم يحدث. لم يخطر ببالها عريس مثل روان زاندروس...
دخلت هارييت إلى المبنى الذي يضم المحكمة. راودها أمل غير مبرر بألا تجد روان هناك. آه هذا تفكير انهزامي لا سيما أنها على وشك تحقيق ما تريده بالضبط.
بالطبع وجدته في غرفة الانتظار. انتبهت على الفور أنه يرتدى بذلة سوداء أنيقة أخرى ويضع وردة بيضاء في عروة سترته. لا بد أن لديه صديقاً يملك الكثير من البذلات. أخذت نفساً عميقاً وتقدمت إلى الأمام. الرجلان اللذان يرافقان روان لا يوازيانه طولاً لكنهما على الدرجة نفسها من الأناقة وهما يضعان وردتين بيضاوين أيضاً. عضت هارييت على شفتيها هي لا تحمل حتى زهرة ربيع واحدة. بالطبع لاحظ جميع الموجودين ذلك. بدأت تشعر كأنها تعيش أحد تلك الأحلام الرهيبة حيث تجد نفسك في حفلة في قصر باكنغهام مرتدياً ملابسك الداخلية فقط.
تمنت فجأة لو أنها قصدت مزين الشعر وجعلت شخصاً مختصاً يضع لها مساحيق التجميل وطلاء الأظافر. ليتها جعلت من نفسها " ولو لمرة واحدة " فتاة يود رجل ما الزواج منها فعلاً. لو أنها فعلت لنظروا إليها الآن بإعجاب بدلاً من هذا الاستغراب الفارغ من أي معنى.
تقدم أحد رفيقي روان نحوها وهو شخص قصير ممتلئ الجسم أشقر الشعر ولا يشوب وجهه الوسيم ذا الذقن المربع سوى تعبير يدل على العدائية. قال لها الرجل ببرودة: " صباح الخير آنسة فلينت أنا جاك ماكسويل وهذا زميلي كارل ونستون. نحن هنا بصفتنا شهود على الزواج ".
بدا الرجل أشبه بلاعب ركبي أكثر منه محامياً قوياً. أكمل قائلاً: " ربما تودين الآن إنجاز الجزء المادي من اتفاقك مع موكلي. لقد أوكل لي استلام المال ".
نظرت بتعجب نحو روان الذي أومأ إليها دون ابتسام فسلمت المغلف لجاك متمنية لو أنها لم تدرج تلك الرسالة السخيفة. ما هي إلا لحظات حتى وقفت هارييت بمواجهة المرأة ذات الشعر الرمادي والبذلة الزرقاء وأخذت تردد الكلمات التي طلب منها قولها ثم مدت يدها ليضع روان خاتماً ذهبياً في إصبعها.
انتهى كل شئ بسرعة كبيرة وها هم يقفون الآن في ضوء الشمس لكن أحداً لم يرم عليهم الورود ولم تكن هناك سيارة لتقلها بعيداً مع زوجها أو أناس يلوحون ويتمنون لها حياة سعيدة ويلتقطون صوراً لها. والحمد لله إن أحداً لم يقترح أن يعانق العريس العروس. ساد صمت طويل ثم قال جاك ماكسويل " حسناً! يا رفاق لنبحث عن مكان نتناول فيه الغذاء ".
أوشكت هارييت أن تحرك شفتيها لتخبره بضرورة ذهابها إلى المكتب إلا أنها أدركت في الوقت المناسب أن الدعوة ليست موجهة إليها. رفعت ذقنها واقتربت من روان. قالت بابتسامة مشرقة " وداعاً سيد زاندروس سرني التعامل معك ".
سحبت خاتم الزفاف بقوة من إصبعها وأعطته إياه ثم أضافت " تذكار صغير من الصفقة ".
ثم رحلت دون النظر إلى الخلف.
لم تكن فترة بعد الظهر الأفضل لهارييت. واجهها الكثير من المهام الصغيرة المزعجة التي تطلب حلها مكالمات هاتفية مطولة. في نهاية النهار لم تشعر أنها أنجزت الكثير ولم تحظ بفرصة للتدقيق في مشروع ميد لاندز وبينما هي على وشك المغادرة طلب منها طونى التكلم مع المستأجرين في مبنى هاتيورد والاستماع إلى شكواهم بشأن تدبير شؤون المبنى وخدمات الصيانة.


تبين وجود الكثير من الشكاوى. ابتسمت السيدة غوثرى وهى أرملة عجوز باعتذار وقالت " نحن آسفون لهذه الجلبة لكننا سبق وقدمنا شكوى بخصوص هذه الأمور. السيد أودلاى شخص رائع لكنه على ما يبدو شاب كثير الانشغال وربما نسى مشاكلنا المنزلية الصغيرة "
فكرت هارييت بحنق شكراً لك يا طونى كان يجدر بك إخباري أن عملي هو إزالة الفوضى التي أحدثها جون أودلاى. خلال الأسبوعين المنصرمين أوكلت إليها مهام ثانوية وتعين عليها الاهتمام بالتفاصيل بدلاً من الأمور الهامة. عليها استعادة بعض الأسس التي فقدتها وإلا فإنها ستجد نفسها مسئولة فقط عن إحضار السندويشات في وقت الغذاء. جعلها التفكير بالأكل تدرك أنها لم تأكل سوى القليل اليوم وقدرت أن وجبة جيدة قد تعيدها إلى نشاطها المعتاد. توقفت عند أحد فروع مطعم مشهور. طلبت شريحة لحم مع بطاطا مقلية وجميع التوابل المصاحبة لهذا الطبق.
شعرت ببعض الرضي عندما وصلت إلى شقتها. سوف تأخذ حماماً دافئاً وربما تشعر حينها بالرغبة في كتابة التقرير عن شكاوى المستأجرين لتقدمت غداً لطونى. بدأت شمس المغيب بالتلاشى فأغلقت هارييت الستائر وأشعلت مصباحين كهربائيين قبل التوجه إلى الحمام مطلقة تنهيدة تفاؤل.
بعد ساعة تقريباً جففت جسمها. وضعت بعض العطر ثم لبست بيجاما من الساتان، وأخذت تمرر الفرشاة ببطء في شعرها الكستنائى فتبعده عن وجهها مستمتعة بالإحساس المترف الناتج عن ملامسة القماش الناعم لبشرتها وهى تحرك يدها ببطء وتناغم. فجأة توقفت، وقطبت حاجبيها قليلاً. تساءلت إن كانت قد حصلت على جار جديد مزعج. هي واثقة أنها سمعت صوت باب يفتح ويغلق على مسافة ليست بعيدة. بالحقيقة الصوت قريب جداً... للحظة جمدت هارييت في مكانها. حبست أنفاسها وأخذت تصغي. لا يمكن أن يكون ذلك بابها لأنها أقفلته بإحكام كالمعتاد
للمرة الأولى ندمت هارييت لعدم وجود هاتف في غرفة النوم وتمنت لو أنها لم تترك هاتفها النقال في حقيبتها على الأريكة. بالطبع ليس هناك أي داع للقلق فالبواب هو أحد ضمانات هذه الشقة. ما من شخص سبق وتخطى جورج الذي كان يخدم في البحرية الملكية. كل ما في الأمر أن أحداث هذا النهار جعلتها مضطربة. مع ذلك... أخذت نفساً عميقاً. تركت فرشاتها ثم خطت حافية القدمين نحو المدخل المؤدى إلى غرفة الجلوس. توقفت هناك فجأة وبدأت تلهث.
قال روان زاندروس برقة: " مساء الخير عزيزتي هارييت ".
وقف في وسط الغرفة وهو ما زال يرتدى الملابس التي ارتداها في الزفاف يبد أنه أزال ربطة عنقه وفتح أزرار قميصه حتى حنجرته فيما تدلت حقيبة صغيرة من أحد كتفيه.
" ما الذي تفعله هنا ".
شعرت بالفخر من صوتها الهادئ الصلب والثابت كالصخر لا سيما أن كل نبض في جسدها جن فجأة كأنه يتحضر لمعركة ما وراحت ساقاها ترتجفان بشدة. رمى روان حقيبته على الأريكة السوداء ثم أتبعها بسترته. راحت عيناه السوداوان تتحديانها فيما قال " أي مكان آخر سأتواجد فيه؟ تزوجنا اليوم. هل نسيت؟.
لابد أنه حصل على عنوانها من اتفاقية ما قبل الزفاف وهو بالطبع يخرق أحد بنودها الآن. ردت بجفاء " من المؤكد أننا أجرينا مراسم زفاف. كيف دخلت إلى هنا بأي حال؟ ".
" أعارني البواب المفتاح الإضافي. سأعيده له في الصباح ".
بدا مضمون كلامه واضحاً جداً ما جعلها تشعر بجفاف كبير في حلقها. إنه هنا ينتهك خصوصيتها، ويدخل عنوة إلى مساحتها الشخصية... لكنه وعدها وعدها...
شعرت بعينيه تسافران ببطء من رأسها حتى أصابع قدميها الحافيتين ورأته يرسم ابتسامة عريضة على وجهه. آه الآن لا يمكنها تضييع الوقت بالقلق من ملابسها. عليها أن تحافظ على تركيزها وتتصرف بكرامة وحزم وتخرجه من هنا. لملمت شتات عقلها وصوتها وقالت: " هذا خبر جديد بالنسبة لي ".
" أن يوجد مفتاح إضافي؟ "

mymemory 20-11-16 07:19 PM

رد: لن ترحل الشمس (ساره كريفن)
 
" بل أن يعطى جورج المفتاح لأي غريب وعابر سبيل. قد يخسر وظيفته بسبب فعلته هذه ".
" لماذا؟ ألانه جمع بين رجل وعروسه في ليلة زفافهما؟ لا أظن ذلك ".
" ليلة زفاف... "
" الأمر سيان أود منك أن تعيد إليه المفتاح وترحل ".
" القرار لا يعود لك الليلة بل لي ".
بدأت هارييت تشعر بصعوبة في التنفس. قالت ببحة خافتة " إن كانت هذه محاولة تافهة وفظة لتبدو مسلياً فقد فشلت. الآن وللمرة الأخيرة أقول خرج من هنا ".
قال " أنا لا أمزح ولن أغادر".
تلاقت عيونهما عيناه باردتان وثابتتان... عيناها مرتعبتان.
أضاف بنعومة
" أنا هنا لأطلب بحقوقي الزوجية حبيبتي هذه إحدى الخيارات القليلة في العقد الذي أصريت على أن أوقعه وأنا أنوى الاستفادة من الأمر بالكامل ".
سقطت كلماته كقطع الجليد على الصمت الرهيب الذي يلفها. أجبرت نفسها على الكلام فبدا صوتها منهكاً " أظن... أظن أنك جننت. يحدد اتفاقنا العيش في مكانين مختلفين. عرفت ذلك، ووافقت عليه ".
قال روان بلطف كبير " وافقت على عدم مشاركتك السقف ذاته. إن كان قصدك بذلك حرماني من جسدك كان يجب أن توضحي ذلك كتابة. أنت لم تفعلي ذلك عزيزتي هارييت وأنا لا احنث بأي وعد هنا ".
هذا ما دفعه إلى قضاء ذلك الوقت الطويل في مكتب إيزابيل. كان يبحث عن ثغرة ووسيلة لينتقم منها. أنبت نفسها بصمت " أنت غبية بلهاء. كيف سمحت لنفسك بالتغاضي عن هذا الموضوع الأساسي؟ ".
ذلك لأنه لم يخطر ببالها إمكانية أنه يريد... ولن تصدق ذلك الآن. لا بد أن لديه مخططاً آخر. هذا هو التفسير الوحيد.
" هذا مناف للعقل. سبق وأوضحت أن لا نية لدى لأكون زوجتك بتلك الطريقة ".
" مع ذلك لم تزعجي نفسك بالتفكير في نواياي ".
توقف روان قليلاً لتستوعب الفكرة ثم أضاف " مع ذلك أنا لا أنوى الانتقال للعيش هنا عزيزتي هارييت ".
أخذ ينظر حوله إلى الجدران المقفرة والخشب الباهت والأثاث الأسود اللامع وقال " هذا المكان لا يناسب ذوقي لذا لن أقضى سوى الليل هنا ".
ابتسم لها وأكمل " دعينا نأمل أن يوفر سريرك راحة أكثر من غرفة الجلوس. أنا أتطلع لاكتشاف ذلك ".
شعرت هارييت كأنها تحولت إلى حجر جامد. أخذت تحدق فيه وهو يخلع قميصه بلا مبالاة أمامها. عجز عقلها عن استيعاب ما يدور حولها. بالطبع يمكنها التراجع إلى الخلف وإغلاق باب غرفة نومها لكن ذلك لن يبقيه في الخارج لمدة طويلة لأن مفتاح الغرفة في مكان ما. ربما هو في خزانة أو درج ما. بلعت ريقها وقالت " لا بد أنك مجنون تماماً. عليك أن تدرك أن لا نية لدى أبداً بالنوم معك ".
" لا مشكلة النوم لا يندرج ضمن لائحة أولوياتي ".
ساد صمت رهيب آخر. راقبته وهو ينزع قميصه ويرميها خلف السترة. بعدئذ رأته يمد يده نحو حزامه... تنفست بعمق وقالت " هذا يكفى! يمكنك التوقف عند هذا الحد ".
علق روان بصوت مسموع " ما من بند في الاتفاقية ينص على ما أرتديه في السرير. لا أذكر ذلك ".
قالت هارييت بصوت أجش " ليس هناك أي بند فقط الاحترام العام الذي يبدو أنك تفتقر له. إن كانت هذه حيلة لتحصل على المزيد من النقود فهي غير مجدية. وضع ثقتي بك هو قمة الغباء لكنني أكثر حكمة الآن. هذا الزواج ينتهي هنا والآن ".
" ليس بعد يا زوجتي العتيدة إنه على وشك البدء. ظننتني أوضحت هذه الفكرة ".
شعرت بانقباض شديد في معدتها فقالت " إذاً دعني أوضح أمراً سأراك في المحكمة يا سيد زاندروس قبل أن أستسلم لهذا النوع من الابتزاز ".
وقف روان يراقبها واضعاً يديه على وركيه ثم قال " ستكون قضية رائعة. أستطيع رؤية العناوين الرئيسية لبعض المجلات وتخيل ردة فعل جدك عليها وعلى الطريقة التي حاولت من خلالها خداعه. أعتقد أنك عندها ستودعين أملك بالحصول على غريس ميد. أليس كذلك؟ "
شعرت هارييت أن غرفتها الرائعة... ملاذها تضيق بينما تزايد شعورها الحاد بوجوده. عليها استعادة توازنها بطريقة ما. آخر ما تريده هو أن تبدو متوترة مع ذلك بدا توترها واضحاً. اجتازت غرفة الجلوس ببيجامتها الرقيقة وقدميها الحافيتين. وصلت إلى الباب ووقفت بجانبه. رفعت رأسها ثم أمسكت مقبض الباب بإحكام في محاولة لتخفى ارتجاف أصابعها. رفعت ذقنها، وقالت " إن غادرت الآن ولم تعد إلى هنا مجدداً سوف أنسى ما حدث. لكن إن لم سأتصل بالشرطة ".
أجابها روان بسخرية:
" ماذا ستقولين للشرطة... إنك عروس تخشى فقدان عذريتها مع الرجل الذي تزوجته هذا الصباح؟ "
" هذا... افتراض يثير الغثيان من شدة تعجرفه ".
" أنا لا أفترض شيئاً بل أعرف أنني سأكون الأول. شكواك لن تقنع رجال الشرطة وقد يقاضونك بتهمة إزعاج السلطات. لا تحاولي رشوتهم أيضاً لأنك سترتكبين خطأ فادحاً ".
توقف قليلاً مفسحاً المجال لها لتستوعب الأمر ثم أردف " و... هذا الباب مقفل. توقفي عن محاولاتك الفارغة حبيبتي وتعالى إلى ".
أطبقت هارييت أصابعها بتوتر على مقبض الباب الذي بات الشئ الصلب الوحيد في عالمها المترنح:
" أنا... أنا أسحب كلامي... سأدفع لك... سأدفع لك ما تريده... فقط إن.... رحلت وتركتني بسلام ".
" اليوم أصبحت زوجتي وأنا أنوى الحصول على حقوقي الزوجية. تلك هي نيتي منذ البداية بغض النظر عما تعتقدينه. المسألة ليست مسألة أموال أبداً ".
" ماذا إذاً؟ أهذا انتقام لأنني... أهنت رجولتك بطريقة ما؟ أنت لا تريدني... أنت تعرف ذلك ".
" لو لم أكن أريدك حبيبتي لما أتيت إلى هنا. ربما شعرت بالغضب في البداية من افتراضك أنني أوافق على بيع نفسي والرضوخ بخنوع لصفقتك العقيمة كما هي..."
ابتسم روان متابعاً "... لكن غضبى لم يدم طويلاً. عندما لمستك للمرة الأولى أدركت أن تحت هذه الأثواب الرسمية التي تفضلينها يكمن جسد رائع "
استقرت عيناه السوداوان بتكاسل عليها. أضاف بنعومة "... وصح حدسي تبدين ساحرة. هذا اللون يناسبك جميلتي فهو يضفى دفئاً على بشرتك ".
" ربما ليس حتى الآن لكنني أتمنى أن يلين موقفك بعد أن تصبح علاقتنا أكثر حميمية ".
" أنت تفرض نفسك على شخص لا يريدك ".
" أأنت واثقة من شعورك؟ أنا شخصياً لا أصدقك ".
" أنت مخطئ تماماً ".
استحضرت في ذهنها صورة المرأة الشقراء التي التقتها في المحترف وقالت " بحق السماء إلى كم امرأة تحتاج؟ ".
بدا مستهجناً ومستغرباً. رقصت عيناه وهو يقول
" يا له من سؤال من عروس إلى زوجها لكن بما أنك سألت، هناك امرأة واحدة تناسبني تماماً ".
مشى روان بتمهل نحوها. أزاح أصابعها عن مقبض الباب بصمت وسهولة. حدقت هارييت به واتسعت عيناها قائلة " روان... ".
بالكاد أدركت أنها تناديه باسمه الأول " روان... من فضلك... أتوسل إليك... لاتفعل هذا بى ".
" لا أظنك تعرفين ما هو " هذا " الذي يثير ذعرك عزيزتي هارييت ".
قالت في سرها أنت مخطئ... مخطئ تماماً. أنا أعرف منذ طفولتي... من والدتي التي كانت تنتقل من رجل إلى آخر باحثة عن المستحيل. أتذكر الكلمات اللطيفة مع كل بداية... الأصوات القادمة خلال الليل من الغرفة المجاورة والتي لم أفهمها لصغر سني ثم الأصوات الأخرى... الصراخ التحطم وصفق الأبواب... ثم الصمت الهائل الذي يعلو كل الأصوات... ثم النحيب وذرف الدموع بصمت رهيب بسبب الوحدة والفشل... ثم يأتي شخص جديد مع كلماته اللطيفة ووعوده. عندها تبدأ دورة جديدة. لذا أقسمت على عدم السماح لذلك بالحصول لي. لن أكون مثلها رهن نزوات رجل ما.
سأبقى سيدة نفسي وسيبقى جسدي دائماً ملكاً لي
فكرت هارييت بذلك كله لكنها لم تقل شيئاً عندما وضع روان يده عليها. راحت ترتجف وامتزج غضبها بخوف شديد. جذبها روان نحوه فشبكت يديها أمام صدرها وأخذت تتلوى بعنف وتقاوم لتحرر نفسها.
" اتركني... اتركني اللعنة عليك... يا إلهي لن أسامحك أبداً على هذا... أبداً ".
" الأبد وقت طويل جداً حبيبتي بينما كل ما عليك تحمله هو ليلة واحدة. الآن اهدأى "
تماماً كما خشيت سيطر روان على مقاومتها الهشة بسهولة تامة. أمسك مرفقيها النحيلين خلف ظهرها بيد واحدة وثبتهما هناك. أدركت هارييت أن محاولاتها الواهية لتحرير نفسها أدت إلى فك الأزرار العلوية لسترة بيجامتها فيما قال روان هامساً بصوت أجش " أنت... جميلة جداً "
جذبتها اليد القابضة على معصميها إلى الأمام فوجدت نفسها فجأة بملاصقة صدره القاسي. ثم عانقها... بدا عناقه هذا مختلفاً تماماً عن العناق السابق. أدركت هارييت أنه بالتأكيد أكثر خطورة.
بدا عناقه هذه المرة دافئاً ولطيفاً وهذا ما توقعته أو تمنته. أرادته أن يكون قاسياً بل وحشياً فذلك سيغذى مقاومتها واشمئزازها وكرهها لهذا الغدر غير المعقول. عندها ستعلمه أنه لن يحصل منها إلا على لا مبالاة قاسية وباردة فهذا هو السلاح الوحيد المتبقي لها. لكنها أدركت الآن وللمرة الأولى كم كانت محقة بخوفها منه. ليس لأنه سيخضعها بقوة وعنف. ما أخافها هو ملاطفته لها وتفاعل أحاسيسها الخائنة مع ملامسة بشرته ودفء جسده. هذا غير صحيح هي محصنة... أليس كذلك؟ من السهل إدعاء الحصانة في ظل غياب الإغراءات. أدركت هارييت هذا الآن بعد فوات الأوان. بدأت الجدران الصلبة التي بنتها حولها بالانهيار لتحل مكانها شعلة لم تدرك وجودها سابقاً لكن عليها محاربتها وإخمادها قبل أن تتحول إلى حريق.
في هذه اللحظة أيقنت أن يديها لم تعودا رهن قبضته. أنهى روان عناقه وراح ينظر إليها. على عكس ما توقعت لم يبد أي تعجرف بسبب انتصاره بل طغت على وجهه نظرة تساؤل. حدقت هارييت بدورها به. استحثها حدسها الأنثوي قائلاً إن الأوان لم يفت بعد. بطريقة ما... ولسبب لم تستطع فهمه... بات الخيار بين يديها. إن قالت لا هذه المرة سوف يستمع بالرغم مما حصل. لن يجبرها روان على شئ. سيدعها وشأنها. ليس عليها سوى التكلم...
أخذت هارييت نفساً عميقاً ورفعت رأسها لكن الصوت الوحيد الذي خرج من فمها كان تنهدات واهية. لم تتكلم حتى عندما بدأ بملامستها. راحت أصابعه تلاطف خدها بخفة. كل ما يلزمها هو خطوة واحدة إلى الوراء لتفلت منه، وتصبح خارج نطاق قبضته...
في تلك اللحظة أحنى روان رأسه وعانقها من جديد بحركة متعمدة وإلحاح عاطفي. بدأت هارييت فجأة بالارتعاش وكأن جسدها تشرب بألف شحنة كهربائية صغيرة ودبت المرأة الباردة، الطموحة العاملة وحل مكانها مخلوق لم تستطع التعرف عليه. لأول مرة في حياتها سمحت لرجل أن يعانقها بشغف وحميمية. أحست هارييت بسهم ينفذ إلى أعماق ذاتها. قالت بصوت مخنوق " آه... يا إلهي... لا يمكنني القيام بذلك... من فضلك... من فضلك ".
مرر روان أصابعه بخفة ورقة على ظهرها وعمودها الفقري ثم رفعها بين يديه وحملها من غرفة الجلوس إلى غرفة النوم المضاءة.
قالت هارييت بصوت لم تدرك أنه صوتها: " من فضلك... أطفئ النور ".
" هذا لن يحدث. أنت بحاجة إلى كل حواسك الليلة حبيبتي
انتهى الفصل الخامس

mymemory 20-11-16 07:22 PM

رد: لن ترحل الشمس (ساره كريفن)
 
مع ذلك لم يجد مشكلة في تحرير نفسه منها عند الصباح. توقعت أن تجده هنا ليعانقها عندما تستيقظ. أرادت ذلك بشدة. . . جلست مجدداً ودفعت خصل شعرها عن وجهها. أصغت علها تسمع صوت تدفق الماء في الحمام أو تستشعر رائحة القهوة في الجو. . . أي دليل على وجوده في الأنحاء لكنها لم تجد سوى الصمت وأشعة الشمس التي تنساب عبر الستائر.
عضت هارييت على شفتها. نظرت إلى الساعة بجانب السرير وكتمت صرختها. رحل روان وكذلك النصف الأول من الصباح ما يعني أنها وللمرة الأولى ستتأخر عن عملها.
وقفت تحت المرشة تاركة المياه تنساب على جسدها. وتذكرت رائحة العطر على بشرته. فاقت الذكريات قدرتها على التحمل فاضطرت إلى وضع يدها على الحائط طلبا للدعم. عليها أن تدفن هذه الذكريات إن أرادت الشعور بالسلام من جديد.
فتشت في خزانة ملابسها عشرات المرات كلنها لم تجد شيئا غير الأسود الأسود والمزيد من الأسود. . . " تلك الأثواب الرسمية " كما أسماها روان. من الجيد أن ترتدي شيئا بسيطاً ومشرقاً شيئا يشبه هذا الصباح المشمس الرائع. توقفت قليلا ولوت شفتيها. قالت ساخرة من نفسها بصوت مسموع " من أنت الآن عزيزتي؟ هل أنت فراشة تخرج من شرنقتها أم حشوة العث ذاتها مغمورة بالأوهام؟ "
للوهلة الأولى بدت غرفة الجلوس على وضعها المعتاد ون أس أثر لروان فيها. بعدئذٍ رأت قصاصة ورق على الطاولة صفحة بالية الأطراف ممزقة بعشوائية على ما يبدو من دفتر رسم. رأت في وسطها حلقة ذهبية صغيرة. إنه خاتم الزفاف الذي أعادته إليه البارحة بلا مبالاة. في وسط الورقة قرأت خربشة بأحرف سوداء سميكة هي عبارة عن كلمة واحدة " تذكار ".
إذا أراد الانتقام. شعرت بالخدر فجأة. على الأقل لم يخطئ حدسها بهذا الشأن.
تضاعف اضطرابها الداخلي عندما رأت البواب جورج يفرز البريد في الردهة. قال الرجل بابتسامة مشرقة " صباح الخير سيدة زاندروس "
أدى ذلك إلى إحباط أي محاولة توبيخ شبق خططت لها بسبب قضية المفتاح. غمغمت إجابة خجولة وفرت مسرعة.
عندما وصلت هارييت إلى المكتب كان الاجتماع السنوي قد بدأ.
علق طوني بنبرة لاذعة " سرنا إنضمامك إلينا آنسة فلينت "
" آسفة لم يرن المنبه "
جلست هارييت منزعجة من رؤية جورج أودلاي وابتسامته العريضة المتواطئة مع أنيتا قال طوني بنبرة حادة أعادتها إلى الزمان والمكان الحاليين " بالمناسبة كيف جرت الأمور أمس؟ "
حدقت به للحظة وعاودها الاضطراب التام. قالت بصوت خافت جدا " ما الذي تقصده؟ "
" مبنى هايفورد. أفترض أنك كتبت التقرير بكفاءتك المتالقة المعتادة "
أجابت بهدوء " في الحقيقة لا لأن الأمور لم تتغير منذ التقرير الأولز اعتقدت أن من الأسهل الاستناد إلى ذلك التقرير "
نظرت إلى جوناثان وأكملت " أفترض أنك تحتفظ بنسخة عنه ".
ساد الصمت للحظات ثم قال هذا الأخير بشكل فظ " لم أكتب تقريراً. ذهبت ببساطة إلى قسم الصيانة وطلبت منهم زيارة المكان "
" وهل أجريت إتصالاً بعد ذلك لتتأكد من إتمام الأمور؟ "
نظر إليها بعينين ناريتين وقال " لم أفترض أن الأمر ضروري فهم موضع ثقة. والله أعلم أن القضايا لم تكن مهمة "
قالت هارييت بنبرة ساخرة " آه، لا يقدر المستأجرون مدى إنشغالك "
سمحت لصمت غريب آخر أن يخيم على المكان قبل أن تنظر مجدداً إلى وجه طوني المنزعج وتقول " ساناقش هذا الأمر معك عندما ينتهي الاجتماع ".
أكملت في سرها أو بعد أن اكلم إيزابيل؟
في وقت آخر كانت لتهلل لانتصارها البسيط على أودلاي البغيض لكن نظراً لكل ما يدور في حياتها بالكاد شعرت هارييت بالفخر. أكملت الاجتماع وهي في عالم من أحلام اليقظة.
لم يكن ما تبقى من الصباح أفضل حالاًز ظل تركيزها مشتتا وطغت على تفكيرها ذكرى الليلة الفائتة.
التقت سماعة الهاتف ثلاث مرات لتطلب رقم إيزابيل وتراجعت عن الأمر في المرات الثلاث.
" ما الأمر؟ هل مررت بليلة عصيبة؟ "
قفزت بتوتر ونظرت لترى طوني واقفاً في المدخل يراقبها. علا الاحمرار وجهها وردت بأسلوب دفاعي " لا لِم تسألني؟ "
قطب طوني حاجبيهن وقال " لأنك شاحبة جدا وكأنك. . .حسناً لا أهمية لذلك "
تقدم منها ويديه في جيبه وأكمل " هل حرارتك مرتفعة؟ أواثقة أن كل شيء بخير؟ أتشعرين بألم ما؟ "
حدقت في الشاشة أمامها " لا أظن ذلك "
تردد مجدداً وقال بلطف " جيد اتعلمين هارييت؟ لست مضطرة إلى بذل كل هذا الجهد طوال الوقت ربما يجب أن تأخذي أجازة. . . وتمرحي قليلاً. لن بنتقدك أحد إن فعلت "
قالت هارييت بصوت هادئ
" ربما يجب أن أتبع نصيحتك "
" ما أحاول قوله. . . كونك حفيدة جورجي فلينت لا يعني أن تكوني مثالية. يُسمح لك بارتكاب الأخطاء "
" حتى لو كانت أخطاء خطيرة؟ "

أكملت في سرها " هذا ما فعلته للتو. . . خطأ فادح. . . يجعلني أطرح أسئلة لا أود الإجابة عنها.
" نعم قد يسهل ذلك الأمور هنا ويحسن العلاقات داخل المكتب "
" أتريدني أن أقوم بعمل غير متقن؟ "
" لا أريدك أن تكوني شخصاً عادياً. اسمعي خذي أجازة هذا النهار تسوقي. . . قومي بنزهة إلى الحديقة العامة. . . عودي إلى المنزل ونامي قليلاً. . . أي شيء قد يشعرك بالراحة. هذا ليس اقتراحاً هارييت إنه أمر "
حدقت به هارييت وأخذت تتساءل بيأس هل بقى أي جزء في حياتها يمكنها الاختيار بشأنه؟ انتابها شعور غريب بأن الأسس التي بنت عليها وجودها بدأت تنهار وتتآكل وبدأ بنيانها يتداعى. من المذل إرسالها إلى البيت بهذه الطريقة مثل طالب مهمل أجبر على الوقوف في الممر. تناولت حقيبتها وتوجهت نحو المصعد. عندما خطت إلى خارج المبنى وقفت مترددة وشعرت ببعض الضياع لكسرها النمط اليومي الذي تعتمد عليه. لم تجذبها فكرة التسوق فالمشي وحيدة سيجعلها تستعيد تلك الذكريات. بدت فكرة العودة إلى الشقة أكثر إزعاجا أيضاُ. هناك ما زالت ذكريات الليلة الفائتة قوية جداًز عضت هارييت على شفتها السفلى. السيدة زاندروس رفعت كتفيها وأخبرت نفسها أن الجوع قد سبب هذا الفراغ الذي تشعر به في داخلها. طلبت سندويشاً لوجبة الغداء لكنها لم تنه سوى نصف الشطيرة المكونة من اللحم والسلطة. تذكرت أن ثلاجتها فارغة وأن تحضير وجبة العشاء قد يشغلها بالكامل.
هناك مخزن جيد لبيع الأطعمة على مقربة من شقتها. بعد التفكير اختارت الجبن فطيرة السبانخ بعض أنواع السلطة بعض الخبز علبة فريز وبعض الدراق وجدت هارييت نفسها تقف أمام قسم الأزهار فقررت أن تشتري باقة كبيرة من أزهار الفريزيا. عندما جلست في القطار راحت تتنشق عطرها وقالت لنفسها انا مجنونة حتماً لا أملك إناء أزهار حتى
عندما وصلت إلى الشقة قسمت الأزهار على ثلاث كؤوس طويلة أنيقة ووزعتها في أرجاء الغرفة. ثم رفعت كمي قميصها وأخذت تعمل. بدأت بغرفة النوم. أزالت الأغطية عن السرير ووضعت أغطية جديدة ثم وجهت اهتمامها إلى الحمام. ليتها تستطيع إزالة روان من فكرها كما تزيل الأوساخ من شقتها.
" أنا أحتقر نفسي "
آه لا جدوى من هذا التفكير عليها جمع شتات نفسها وترك ذكرياته جانبا مع خاتم الزفاف الذي وضعته في صندوق مع طقم اللؤلؤ الذي أهداها إياه جدها لمناسبة عيد مولدها الثامن عشر.بعد أن استحمتن ارتدت هارييت بيجاما ذات لون أزرق فاتحن وجلست لتأكل. بالطبع وضعت البيجاما ذات اللون الدراقي وقميص النوم في كيس بلاستيكي ودفنتهما في سلة المهملات وجدت نفسها تتفحص المكان وكأنها شخص غريب عنه. إنه ليس منزلا حقيقيا غريس ميد هو منزلها الفعلي وسيبقى كذلك إلى الأبد. لم تفكر يوماً بسؤال جدها إن كان يسمح لها بجلب بعض الأشياء إلى منزلها في لندن. ربما يتوجب عليها استبدال الستائر وشراء سجادة وربما. . . بعض الوسائد. كما يجدر بها أن تتوقف أيضاً عن تناول الطعام المجلد الجاهزن وتبدأ بشراء الطعام الحقيقي وتتعلم الطبخ مستعملة فرنها الذي يبدو جديداً من قلة الاستعمال. بالطبع بإمكان السيدة وايد أن تكتب لها طريقة تحضير بعض أطباقها المفضلة. رفعت الأطباق عن الطاولة ثم توجهت من جديد إلى غرفة الجلوس. بدأ الصمت المطبق يضايقها. . .
رن جرس الهاتف. فقفزت هارييت من مكانها وركضت لتجيب عليه.
" تيسا يسعدني سماع صوتك. متى عدتما؟ آه أنا بحالة جيدة كالمعتاد. غداً يوم الأحد؟ سيكون ذلك رائعاً "
أعادت سماعة الهاتف إلى مكانها. هذا شيء يمكنها التطلع إليه.

قالت تيسا " أحقاً أنت بخير؟ "
تصنعت هارييت الهدوء: " ألا أبدو كذلك؟ "
" بصراحة لا تبدين. . . شاحبة أكثر مما كنت عندما غادرنا "
" إذاً من الجيد أنني أحضرت شراباً معي "
أبدت هارييت اعجابها بالسمرة الرقيقة التي بدت واضحة تحت السروال القصير الذي ترتديه تيسا. أضافت " أنت بالطبع تبدين رائعة وأنا أتضور جوعاً. ما هذه الرائحة الرائعة؟ "
" لحم بقر مع توابله المعتادة. الطقس حار جدا لمثل هذا الطبق لكن بيل طلبه مني. كما تعرفين لا أستطيع حرمانه من أي شيء "
أشارت بإصبعها نحو الباب الزجاجي المؤدي إلى الباحة حيث يسمع من بعيد صوت شتائم خافت
" إنه يبني قفصاً للطائر "
رفعت صوتها فيما أكملت " دعك من ذلك حبيبي هارييت هنا تعال "
سرعان ما انضم زوجها إليهما. طبع قبلة على شعر زوجته وألقى نظرة تساؤلية على هاربيت قائلاً " تباً للطيور هل كل شيء بخير يا عزيزتي هارييت؟ تبدين. . ."
تردد في إكمال جملته فساعدته تيسا قائلة " . . .شاحبة "
أكمل قائلاً " أنت بالتأكيد بحاجة إلى أجازة. عليك تجربة اليونان فهي مكان ممتاز للاسترخاء "
رسمت هارييت ابتسامة مشرقة على شفتيها " علي أن أصدق كلامك "
وأكملت في سرها: هو آخر مكان قد أختاره يوماً
جلس بيل بارتياح في كرسيه وسألها " اذا ما الجديد هاري؟ ما آخر متجدات المعركة مع جدك؟ هل أقنعته بتغيير رأيه؟ "
ردت " دعنا نقول. . . أنني لم أفقد الأمل بعد "
وضع بيل كأسه ووقف " وأنا علي العودة إلى مطرقتي ".
نظر إلى هارييت وقال " أتودين خسارة أحد أصابعك من أجل قضية نبيلة؟ "
" أفضل البقاء هنا لأشاهد زوجتك تصنع المعجزات علني ألتقط بعض المعلومات في فن الطهو "
لمعت عينا تيسا وقالت " أتخططين للبدء بالطبخ؟ يا إلهي أتقصدين أنك التقيت أخيراً بأحدهم "
للحظة ارتجفت هارييت بشدة. إنهم لا يعرفون. . . لا يمكن أن يعرفوا استطاعت أن تقول بنبرة متفاجئة " ما الذي تقصدينه؟ "
" حسناً عند دخول رجل ما إلى حياتك يصبح همك الأول إطعامه وهذا يصح تماما في حالتنا. لم اطق صبراً حتى أثير إعجاب بيل بمهاراتي في الطهو "
توقفت تيسا قليلاً ثم نظرت إلى زوجها وابتسمت. فجأة بدا وجهها حالما " والأمر الثاني على ما يبدو إنجاب طفل منه "
" آه أيعني ذلك. . .؟ "
قال بيل " نعم بالتأكيد هاري. . . ستصبحين عرابة "
أخذت هارييت نفساً عميقاً وقالت بصوت مبحوح " آه هذا رائع أنا سعيدة لأجلكما. متى عرفتما بالأمر؟ "
" تأكدنا من الأمر مباشرة قبل مغادرتنا. لذا حصلنا على أسبوعين كاملين لنتكلم في الموضوع ونخطط له. سأستقيل من العمل "
" لكنك تحبين عملك "
" قضيت سنوات جيدة في عملي لكن تغيرت أولوياتي الآن. سئمت من سياقي مع أولئك الخونة. أعرف حبيبتي أنك لن توافقي على الأمر أو تفهمينه لكنني أشعر أنني على صواب. حاولي أن تفهمي. . . لو سمحت "
" أتقصدين من موقعي كحقيرة متعالية لا تهتم بسوى عملها؟ آسفة صديقتي لكنني أعتقد أنه قرار رائع " ثم ذهبت إلى الجهة الأخرى من الطاولة وعانقت تيسا بقوة بلعت تيسا ريقها وكادت أن تبكي وهي تقول " آه حبيبتي أتمنى أن أراك سعيدة أنت أيضاً "
وعدتها هارييت " سأكون سعيدة لكن بطريقة أخرى. هذا كل ما في الأمر "
تناولت وجبة غذاء مميزة جداً في احتفال مغمور بأشعة الشمس والضحكات. وجدت هارييت نفسها تنظر إلى تيسا وبيل بطريقة جديدة. انتابها شعور غريب عندما لاحظت نظراتهما كلامهما الابتسامات الصغيرة السرية. . .والحنان المتبادل بينهما. ابتلعت ريقها وشعرت بألم في حلقها. هذان شخصان حقيقيان ويعيشان زواجاً حقيقياً يبعد آلاف الأميال عن الادعاء المشؤوم الذي أوقعت نفسها فيه. طغت عليها فجأة ذكرى دقات قلب روان القوية تحت خدها. . . الطريقة التي ضمها بها وحقيقة أنها استسلمت للنوم وهي تشعر بالأمان والحماية الغريبة بين ذراعيه. ثم استيقظت لتجد أن الأمر مجرد وهم.
تركتهما أخيراً عند المغيب على أمل لقاء قريب
عندما جلست في المقعد الخلفي لسيارة الأجرة شعرت أن فرحة النهار بدات تذوي لتحل مكانها الكآبة. أيقنت فجأة أنها لا تود عزل نفسها في شقتها. انحنت إلى الأمام وطلبت من السائق أخذها إلى باهة هيلدون. قالت في سرها " لا أريد سوى أن أراه مجدداً. نجلس ونتكلم. . . قد نحاول إنقاذ شيء من هذا. . . اللازواج. لن نسكن سوياً هذا مؤكد لكن يمكننا أن نرى بعضنا من حين لآخر كصديقين أو ربما. . . كحبيبين عرضيين إن كان هذا ممكناً. لم. . . لم أعد أعرف. . . لا أدري ما الذي يحصل لي "
إن لم تجده هناك ستترك رسالة على هاتفه المحمول على أمل أن يخططا للقاء آخر في مكان ما. ويحاولا التوصل إلى تفاهم ما. يحتمل أنه لا يريد رؤيتها. . . لكنها لن تقضي بقية حياتها وهي تتساءل إن كان بإمكانها القيام بأمر ما ولم تفعل.
بدت تالباحة مكتظة بالرغم من أنها عشية نهار أحد. حشرت نفسها إلى الحائط لتسمح لإحدى العربات بالرجوع إلى الخلف. رأت هارييت باب المحترف يفتح. ها هو روان يخرج وهو ليس وحيداً.
رأت لمعان شعر رفيقته الشقراء في ضوء شمس المغيب. وقفا يتكلمان ورأساهما منحنيان. رأت الفتاة ترفع يدها وتلمس خده، بينما أخذها هو بين ذراعيه وضمها. تجمدت هارييت في مكانها وأخذت تفكر بغباء " هي متزوجة. . . أين يظنها زوجها الآن؟ يا إلهي علي مغادرة هذا المكان قبل أن يراني أحدهم "
عادت ببطء من حيث أتت. يجب أن تكون ممتنة لعدم وصولها في وقت أبكر واقتحام المكان وإيجادهما معاً. لقد نجت من هذا الإذلال لكن ليس من عذاب مخيلتها.
عندما عادت إلى الخارج رأت سيارة الأجرة تغادر. ركضت خلفها وأخذت تلوح بيدها. شعرت بالارتياح عندما رأتها تتوقف سألها السائق بفضول عندما أصبحت بجانبه " ما المشكلة؟ "
تلعثمت وهي تجيب لاهثة " لقد. . . بدلت رأيي. هذا كل ما في الأمر "
توقفت ثم أضافت: " فقط. . . بدلت رأيي "
انتهى الفصل السادس

mymemory 20-11-16 07:27 PM

رد: لن ترحل الشمس (ساره كريفن)
 
الفصل السابع

زوبعة فى فنجان




اخذت هارييت تحدق بسماعة الهاتف فى يدها كأنها تحولت إلى افعى سوداء.
تلفظت بالكلمات بعناية فائقة" جدى... انت قادم إلى المعرض ...فى البارسيفال؟ ".
رد عليها جورجى فلينت بشئ من انعدام الصبر" هذا طبيعى لابد ان روان اخبرك انه قام بدعوتى".
ارادت ان تصرخ ( لا لم يخبرنى روان شيئا لاننى لم اره منذ...عندما وصلتنى الدعوة قطعتها إلى قطع صغيرة ورميتها فى سلة المهملات.
" لكنك تكره لندن".
" نعم لكن هذه مناسبة مميزة انها الليلة التى نكتشف فيها جميعا ان كان ايمانك بموهبة زوجك مبرر لابد انك تشعرين بالتوتر".
قالت هارييت بصمت" ليس قبل ان اتلقى هذا الاتصال".
اكمل جدها بلطف" أضافة إلى ذلك أود ان ارى سير زواجكما هذا امر مهم بالنسبة لى انا متأكد من ادراكك لهذا الامر".
بكلمة اخرى لم ينتهى سجنها بعد! شعرت هارييت بالم حاد فى معدتها اعلمها جدها انه يود رؤية الانسجام الزوجى بالأضافة إلى اللوحات.
هذه نكتة مثيرة للغثيان...وهي بالطبع لم تضحكها أبداً.
قالت ببرود" نعم بالطبع هذه مفاجأة جميلة يسعدنى تنأول العشاء معك فى النادى الذى تملكه اتناسبك الساعة السادسة والنصف؟".
" نعم أود ذلك عزيزتى"
ثم اغلق الخط غاصت هارييت فى الاريكة واخذت تفكر باضطراب" آه يا الهى ما عساى افعل الآن؟ نهار سئ آخر فى العمل والآن هذا..."
الامر الوحيد الذى يمكنها فعله الآن هو التحدث إلى روان يجب ان تتحدث اليه مهما بدا الامر موجعا يجب التوصل إلى اتفاق معه والا سيتحول مستقبلها وخططها بشأن جريس ميد إلى حطام.
لكن هل سينظر روان إلى الموضوع من هذه الزأوية؟ شعرت بالانزعاج لانه تجاهل رغبتها بتجنب الاتصال مع جورجى فلينت.
لكنها من جهة اخرى لا تدرى من الذى بادر بالاتصال بالآخرأولا فهما رجلان يملكان حرية التصرف.
بدأت هارييت بصعود الدرج الحديدى وكان باب المحترف مغلقا.
طرقت بقوة على الباب وانتظرت.
ان كان روان مع عشيقته سيحصلان على فرصة لارتداء ملابسهما اخذت تقأوم الحزن العارم الذى اجتاحها.
فتح الباب على الفور اطل روان حافى القدمين مرتديا سروال الجينز البإلى والقميص الزرقاء القديمة حدق بها للحظة.
بدا وجهه خاليا من التعبير وهو يقول ببطء" هارييت... ما الذى تفعلينه هنا؟".
"آسفة ان كنت قد جئت فى وقت غير مناسب, لكننى فى حاجة إلى ...التحدث اليك, ان كنت لا تمانع".
" بالطب! انا... لم اتوقع ...لكن لا مشكلة تفضلى بالدخول".
نظرت هارييت حولها عندما دخلت وقالت
" آه تم نقل اللوحات كلها تقريبا".
تم نقلها على مراحل خلال الاسبوع الماضى. لكن...بالطبع كيف لك ان تعلمى؟".
" مع ذلك ما زلت تحتفظ بتلك اللوحة الغاضبة المعلقة فى مطعم لويجى ظننت انك قمت ببيعها".
تقدم روان ووقف بجانبها ثم قال" لقد تم بيعها غدا سيتم تسليمها اتجدين انها تظهر غضبا؟ انت شديدة الملاحظة".
ادركت مدى قربه منها مع ذلك ترددت فى الابتعاد عنه
قالت بنبرة عادية" هذا صندال جميل وباهظ الثمن لابد ان مالكته حزنت لخسارته".
قال بنبرة ساخرة" كانت امور اخرى تشغل بالها آنذاك لكننى واثق ان زيارتك لا تهدف إلى مناقشة اعمإلى الفنية ودوافعها اتريدين فنجان قهوة؟".
استدارت مبتعدة واضعة بعض المسافة بينهما
قالت بشئ من الحدة" لاشكرا هذه ليست زيارة اجتماعية".
ربما ينتظر صحبة ما نظرة سريعة على المكان اظهرت لهارييت ان الفوضى التى شاهدتها فى الزيارة الأولى قد اختفت مع اللوحات بدا المكان نظيفا مرتبا والسرير مغطى بغطاء ابيض.
أضافت" افضل الوقوف".
" كما تشائين".
راح يراقبها واضعا يديه على خصره لم يلق سوى نظرة ساخرة واحدة على تنورتها التى ترتديها للعمل قبل ان تتحول نظرته إلى عبوس ما ان لاحظ انها لاتضع خاتم الزفاف.
" ما المشكلة عزيزتى هارييت هل خالفت احد البنود الهامة وغير المنصوص عليها فى الاتفاق؟".
" نوعا ما اكتشفت لتوى ان جدى سيحضر افتتاح معرضك هو يتوقع رؤيتنا معها كأننا حقا متزوجان"
" نحن بالفعل متزوجان بالرغم من رفضك وضع خاتمى فى اصبعك اتريدين ان انشط ذاكرتك؟".
للحظة بدأ جسدها يرتعش بشوق عارم عليها مقأومة هذا الضعف المدمر,
رفعت ذقنها وقالت بتحد" أود بالفعل ان تختفى نهائيا من حياتى لكنك جعلت ذلك مستحيلا".
" ليس بالضرورة, انا اخطط للعودة إلى اليونان اتكتفين بهذا القدر من البعد؟ ام تفضلين اختيار مكان آخر...فى استراليا مثلا؟".
اليونان؟ شعرت هارييت بالدوار روان سيرحل؟ ان رحل قد لا تراه مجددا.
قالت ببرود" الآن همى الاساسى يرتكز على اجتياز الاربع والعشرين ساعة القادمة دون ان نطيح باتفاقنا لم اخطط لحضور الافتتاح لكن الوضع اختلف الآن".
تجاهلت الكلمات التى تمتمها بلغته الام واكملت باصرار" يجب علي الادعاء اننا انا وانت...على علاقة لا استطيع القيام بذلك وحدى احتاج إلى ...دعمك".
قال روان ساخرا" عزيزتى هارييت هل اتيت لتطلبى منى خدمة؟ انا بالفعل مندهش".
" لو ابقيت على مسافة بينك وبين جدى كما طلبت منك لما وجدتنى اقوم بذلك".
" لا تكونى غبية ولا تتعاملى معه على هذا الاساس اتعتقدينه سيتقبل بكل بساطة زواجك من رجل غامض لا يسمح له بلقائه؟ أبداً. فى الحقيقة انا من يحأول اقناعه اننا سعيدان معا بحبنا"é
" اتقصد انك مستعد للاستمرار بهذه المسرحية امام جدى؟ هل ستساعدنى؟".
" لم لا هى ليلة واحدة فقط لكن يجب عليك اتقان الدور".
تلاقت عيونهما ركز روان نظره عليها بلطف وقال" لا تجفلى ان لمستك وعندما اعانقك بادلينى العناق ولا تتسرعى لانهائه تذكرى اننا حبيبان واننا تزوجنا حديثا لذا نحن لا نطيق صبرا حتى نحظى ببعض الخصوصية".

أضاف بقسوة" ولا اريد هذه الاكفان السوداء ارتدى فستانا شيئا يجعلك تبدين امرأة تتوقع...وتريد... ان يعانقها حبيبها ويغرقها بحنانه فى نهاية السهرة".
آه فهمت بالطبع فهمت قالت هارييت دون ان تنظر اليه" انا...لا املك شيئا كهذا".
" اذا اشترى واحدا هذه ليلة هامة بالنسبة لى حبيبتى وانا اتوقع من زوجتى ان تكون مصدر فخر لى تبرجى وقومى بطلاء اظافرك ضعى خاتما فى اصبعك وكأنه المكان الذى ينتمى اليه".
نظر اليها مجددا وأضاف" واتركى شعرك طليقا".
" حسنا سأراك غدا فى الصالة عندما احضر جدى".
رفع حاجبيه وقال" اتغادرين بهذه السرعة؟ انا اشعر بالوحدة".
"آه انا واثقة انك ستجد العزاء قريبا".
" اتعتقدين ذلك عزيزتى هارييت؟ ليتنى واثق مثلك".
حرك روان كتفيه بتكاسل يقارب الضجر ثم بدأ يفك ازرار قميصه القطنية الزرقاء وهو يراقبها.
" ماذا تظن نفسك فاعلا؟".
اخجلها ارتجاف صوتها واخذت تتذكر المرة السابقة التى رأت فيها هذا المشهد وما تلاه.
" تماما ما كنت انوى فعله قبل مجيئك مررت بيوم عصيب وانهيت صفقة هامة لذا أود اخذ حمام دافئ يليه...استرخاء من نوع ما".
استدارت هارييت بسرعة مدركة انه خلفها وانه يتبعها إلى الباب.
قالت" اذا سأتركك لتقوم بذلك".
قال روان بلطف" اخبرينى هارييت لم جئت إلى هنا الليلة؟ كان بامكانك ببساطة الاتصال هاتفيا؟".
" كما قلت انت احتجت لخدمة ولم اكن واثقة من موافقتك".
وصلت إلى مقبض الباب وأضافت" بدا...بدا لي من الافضل المجئ شخصيا ومناقشتك ان اضطررت".
وضع يده على يدها وسألها" اهذا هو السبب الوحيد؟".
" نعم بالطبع علي المغادرة".
" دون الحصول على ما جئت من اجله؟".
فيما اخذت انفاسه الدافئة تحرك الشعيرات الصغيرة على مؤخرة عنقها
قال بشئ من الالحاح " لم تنكرين ما نعرفه نحن الاثنان؟ ان بقيت هنا الليلة حبيبتى لن نحتاج إلى الادعاء غدا".
آه! يا الهى بلعت هارييت ريقها اهى شفافة إلى هذه الدرجة؟ لن تحتاج لسوى الالتفات لتصبح بين ذراعيه...ذراعين رأتهما تحتضنان امرأة اخرى وتعانقانها هذا مشهد لن تنساه أبداً.
حررت يدها وقالت بصوت حاد كالسكين" معك سيكون الامر دائما ادعاء انت تستفيد من مفاتنك لاقصى حدود سيد زاندروس من يعلم؟ ربما ما زالت تلك السيدة تبحث عن حذائها".
" شكرا لتذكيرى بالامر بالرغم من صراحتك الفجة لا تقلقى لن اخلف بوعدى بشأن يوم غد".
توقف قليلا ثم أضاف" لن تواجهى مشكلة فى خداع جدك ما دمت تكذبين على نفسك بهذه السهولة".
تجأوزها روان ثم فتح لها الباب وقال باحتقار" ارحلى الآن".
اطاعته هارييت فمشت خافضة رأسها ورجلاها ترتجفان تحتها اخبرها عقلها انها محظوظة لتمكنها من الهرب فيما تألم جسدها بسبب الحرمان الذى فرض عليها.
جاء ديسموند سليفن مبتسما ليلاقيها عندما دخلت إلى صالة البارسيفال برفقة جدها
قال " آنسة فلينت... ام علي ان اقول ...السيدة زاندروس؟".
صافح الرجل العجوز عندما قاما بتعريفهما على بعضهما ثم نظر اليها مجددا.
رفع حاجبيه بتعجب وقال" بما ان زوجك لا يستطيع سماعى ايمكننى القول انك تبدين رائعة جدا؟".
احمرت وجنتا هارييت قليلا سبق لها التعامل مع استحسان جدها لمظهرها فقد بدا هذا الاخير مندهشا تماما
ظلت تتساءل عن رأى روان بفستانها الحريرى ذى اللون العاجى والخطوط الانسيابية والفتحة عند الصدر والذى يصل حتى ركبتيها.
هل سيلاحظ أيضاً الصندال الذى تنتعله والذى يضاهى بشرائطه واناقته اى واحد قد يجده على شواطئ اليونان؟
أو انها طلت اظافرها بلون مرجانى ناعم كما طلب منها ووضعت احمر شفاه يتلاءم مع لون الطلاء؟
هل سيلاحظ شعرها الكستنائى اللماع المنسدل على كتفيها؟ وانها لا تضع اى مجوهرات سوى خاتم الزفاف فى يدها أليسرى؟
هل سيدرك المجهود الذى بذلته لارضائه؟
نظرت حولها بدهشة وقالت " لم اتوقع هذا العدد من الحضور".
اجاب داسموند سليفن بفخر" كل شئ يسير بشكل جيد بالرغم من ان بعضها ليس للبيع للاسف"
توقف قليلا ثم تابع" لكننى عاتب عليك

ايتها السيدة الصغيرة عندما قمت بزيارتى فى المرة الأولى انكرت اى صلة شخصية مع نجم الليلة والآن انت هنا بصفتك زوجته".
قالت هارييت وقد لاحظت اهتمام جورجى فلينت بالموضوع" حصل كل شئ بسرعة كبيرة وقعت فى حبه لحظة قابلته".
" حسنا بدا متلهفا جدا لوصولك".
فكرت بتوتر انها دخلت بطريقة مميزة فأين نجم السهرة الآن؟ ما لبثت ان احست بذراعين قويين يطوقانها من الخلف.
قربها روان منه وراح يحك عنقها بانفه ثم قال " حبيبتى غاليتى ظننتك لن تاتى أبداً تبدين جميلة جدا".
ارخى قبضته قليلا لتتنفس من جديد ثم استدار نحو جدها الذى كان يبتسم باستحسان وقال" السيد فلينت يشرفنى حضورك".
" انا مسرور لاجلك يا ولدى العزيز ها انا ارى الكثير من الملصقات الحمراء على اللوحات يبدو ان هارييت محقة بشأن موهبتك".رفع روان يدها الضعيف الى شفتيه وقال" يسرنى ان اثبت صحة ايمانها بى والآن اريد تعريفها على بعض الاشخاص ان اذنت لنا".
عندما ابتعدا نظرت هارييت نحوه بانزعاج وقالت" لا داعى لان تبدى كل هذه العاطفة من هم هؤلاء الاشخاص بالمناسبة؟".
شد روان قبضته علي يدها" لا احد...حتى الآن لكن يجب ان اتحدث اليك على انفراد علي أيضاًح امر ما عن حياتى وجب علي اخبارك قبل الزواج الآن...الليلة...لم يعد بامكانى تفادى الامر"
بدأ الالم يعتصر قلبها وهى تتذكر ذلك الشعر الاشقر الذى يلمع فى ضوء الشمس وتلك اليد التى تلمس خده
قالت بسرعة" ما من داعى لاى تفسير انا اعرف...كل ما اريد معرفته انت...انت حر سبق وأوضحت هذا".
" هناك بعض الروابط التى لا يستطيع المرء التحرر منها ظننتنى استطيع نسيان الامر لكننى ادركت عدم قدرتى أو رغبتى فى القيام بذلك وددت لو اننا نملك المزيد من الوقت كى تصبحى اكثر استعدادا لكن ذلك لم يعد ممكنا الآن".
اخذ نفسا عميقا" هارييت... ".
انضم اليهم داسموند سليفن وقال" سامحينى سيدة زاندروس روان يود الناقد الفنى فى جريدة دايلى تريبيون التحدث اليك ان كان هذا ممكنا"
استجمعت هارييت قواها بسرعة رسمت ابتسامة شديدة الاشراق على وجهها وقالت" لا بأس سألقى نظرة على المكان بينام تثير دهشة الناقد...حبيبى".
ترك روان يدها بتردد كبير ثم قال بصوت ابح" لن اتأخر...انتظرينى هنا...من فضلك علينا ان نتحدث".
فكرت هارييت وهى تلتفت مغادرة لا هذا غير صحيح انت تقصد انك ستتكلم وانا سأستمع اليك سأسمعك تعبر عن حبك الكبير لها وقرارك بالافصاح عن علاقتك العاطفية هذا هو سبب عودتك إلى اليونان. لتتوارى عن الانظار حتى تهدأ الامور ويحصل كل منكما على الطلاق.
رفعت كتفيها وتابعت التفكير بصمت ربما استفيد من هذا الوضع لن يقبل جدى باستمرار زواجى من شخص غير مخلص فى الواقع قد يعطينى غريس ميد من باب الشفقة.
عندها سأصبح ثرية جدا...آه لم اشعر اننى اريد الركوع وسط هذه الجموع والنحيب حتى افقد صوتى؟.
توقفت واخذت تنظر إلى اقرب لوحة وهى لوحة تتميز بطغيان الالوان بشكل وحشى يكاد يسحبك إلى داخلها ولا يسمح لك بالافلات.
توقف زوجان بجانبها. قالت المرأة" أليس من الغرابة ان يتغير اسلوبه بهذا الوضوح؟ بعض اعماله تتميز بالوحشية
مع ذلك تلك اللوحة التى شاهدناها للتو
تكاد تكون...شاعرية".
اجابها الرجل الذى يرافقها ضاحكا" حسنا السيدة فائقة الجمال لذا اظن انه رسمها بمشاعر حب وتوق الاحظت انها ليست للبيع؟ من الواضح انه لا يتحمل الانفصال عنها".
تحركا مبتعدين فيما تسمرت هارييت فى مكانها لوحة مميزة واكثر خصوصية من ان تباع وجدت تلك اللوحة على الفور ادركت انها لم تراها عند دخولها لتجمهر الناس حولها وها هى الآن وحدها بكل جماهل الموجع
رسم روان عشيقته مستعملا خلفية بسيطة جدا كى لا يخفف من روعة جمالها الربانى
انها ترتدى قميصا زرقاء حريرية وسروالا وتجلس على حافة اريكة بالية بدا شعرها مثل كتلة مضيئة حول وجهها اما رجلاها فمثنيتان تحتها وهناك كتاب مفتوح على حضنها لاكنها لا تقرا بل تنظر الى الامام بعينين حالمتين مليئتين بالفرح والتوقع و...الحب.
" مساء الخير سيدة زاندروس"
بدا صوت الرجل الذى يكلمها مألوفا بعض الشئ استدارت هارييت بسرعة وقالت بجمود" آه".
ثم تذكرته" السيد ماكسويل أليس كذلك؟ المحامى الذى شهد على الزواج".
" نعم".
نظر ماكسويل إلى اللوحة وقال" قد ابدو متحيزا لكننى اعتقد ان هذه القطعة الفنية مميزة جدا".
" انها رائعة فهو رسام مميز".
واكملت فى سرها رسمها بحب...
" أوافقك الرأى اسمعى اتودين لقاء لوسى؟ انها هناك...اترينها؟".
رأتها هارييت ترتدى الفتاة هذه الليلة فستان احمر قاتم يعانق جسدها بانسياب.
" لا شكرا هذا يتجأوز حتى حدود التفكير المتحرر".
" كما تشائين بالطبع تعارفنا لم يكن جيدا لكن الامور تبدلت الآن املت ان نتصرف اليوم بتحضر".
"حسنا هذه اقصى درجة من التحضر يمكننى الوصول اليها انا...انا اتمنى ان يسعد روان ولوسى معا"
ساد صمت غريب ثم قال ماكسويل ببطء" اشك بذلك حماتى تقول انهما كانا يتعاركان مثل القط والكلب فى طفولتهما كأخوين اكثر منهما قريبين لم تحتف هذه العدائية نهائيا وقد فاجأنى اتمام اللوحة دون اراقة دماء".
"قريبان؟"

mymemory 20-11-16 07:29 PM

رد: لن ترحل الشمس (ساره كريفن)
 
" ابناء خالات عندما عادت فانيسا من اليونان قضى روان ولوسى معظم طفولتهما معا بينما انشغل والداه بقضية الحضانة لابد انه اخبرك بالامر".
" لم نتزوج لتبادل الاسرار انت تدرك هذا اكثر من سواك".
" نعم...ربما...لكننى اعتقدت ان الامور تبدلت قليلا على اى حال اصطحبنى روان إلى عيد ميلاد لوسى الحادى والعشرين وهناك التقينا واغرمنا ببعضنا البعض نحن الآن على وشك الاحتفال بالذكرى الثانوية الثالثة لزواجنا واراد روان ان يرسم لوسى كهدية خاصة لكلينا".
نظر اليها بسخرية واكمل" لابد انك كنت فى محترفه وتوصلت إلى هذا الاستنتاج الخاطئ".
عضت هارييت على شفتها وقالت باسلوب دفاعى" كانا...قريبين جدا".
قال ماكسويل بنبرة سطحية" هذا صحيح تزوجت من عائلة تحب المعانقات".
توقف قليلا ثم أضاف" حسنا انت تعرفين الحقيقة الآن الن تاتى لتلقى التحية على زوجتى؟ فى النهاية انت فرد من العائلة".
"لا لن افعل لقد ارتكبت خطأ سخيف واشعر بحرج كبير لكن الوضع لم يتيغير زواجى بروان ليس...حقيقيا لذا فان لقائى مع عائلته واصدقائه هو...تعقيد غير ضرورى اعذرنى".
استدارت هارييت لترحل وهى بالكاد تستطيع الرؤية.
الآن واكثر من اى وقت مضى عليها ان تبعده عنها عليها ان تذكر نفسها ان حياتيهما تسيران فى طريقين متباعدين جدا هى ستحصل على غريس ميد...فيما حياتها وعملها متمركزان فى انكلترا اما روان فهو عائد إلى وطنه اليونان دون اى نية بالعودة اذا ما اعتبرت الغيرة عذابا فالوحدة اشبه بالعيش فى الجحيم
حسنا عليها دفن احزانها فى قلبها وازالة كل الذكريات الغالية والخطيرة من عقلها ستعود مجددا إلى الحياة التى اختارتها والتى تبقيها فى امان
تنفست بعمق وثبات...يجب عليها المغادرة...هى تريد...تحتاج إلى العودة إلى المنزل.
ايمكنتها ايجاد عذر ما؟ سمعت روان ينادى اسمها ثم رأته يتجه نحوها بسرعة من الواضح انه انهى مهمته مع الناقد.
لاحظت وجود ضوضاء فى الصالة وسمعت رجلا يتكلم بصوت عميق ومستبد مثل صوت جدها لكن بلكنة اجنبية.
من الواضح انه يطرح سؤالا ما.
راح الناس يحدقون به. ثم تراجعوا مفسحين له المجال ليمر رأت روان يقف والكآبة بادية على وجهه.
نظر اليها ورفع كتفيه ثم مدد يديه كمن يستسلم للقضاء والقدر قبل ان يستدير نحو القادم الجديد
شاهدت هارييت رجلا طويل القامة وسيما ذا بشرة سمراء يتوجه نحوهما بخطى واسعة تكسو بنيته القوية ملابس فاخرة ويخالط شعره الأسود بعض الخصل الفضية يلحق به رجلان آخران ويسرعان قليلا كي لا يسبقهما.
" إذا أنت فزت حبيبي روان أنا احيي انتصارك مع انه يحطم فؤادي سوف احترم وعدى وشروط رهاننا ان كان الرسم هو حياتك سأقبل بالأمر".
بقى روان فى مكانه ظهرت ابتسامة باهتة على ملامحه ثم ارجع رأسه إلى الخلف وقال بهدوء" أنت كريم جدا أبى لكنك مخطئ أيضاً ينص رهاننا على تنظيمي معرضا لأعمإلى خلال سنة واحدة بمجهودي الخاص وذلك لم يحدث ما كنت لأحقق اى نجاح الليلة لولا مساعدة زوجتى التى يعود الفضل اليها خسرت الرهان لذا سأعود إلى اليونان واستلم مركزى فى الشركة بصفتى وريثك".
خطا روان نحو هارييت امسك بيدها ثم تقدم معها إلى الامام وقال" هارييت هذا والدى كونستانتين زاندروس".
ثم أضاف بهدوء يسبق العاصفة الرعدية" ابى بارك زواجنا".
انتهى الفصل السابع



الفصل الثامن


مفاجأة وخيبة أمل


" إذا قرر ولدي الزواج من فتاة إنكليزية. سامحني إن بدوت متفاجئاً "
كلمة مفاجأة لا تكفي لوصف ما أحست به هارييت. بدت كأنها عالقة وسط كابوس. شعرت بالامتنان لأنها جالسة ولولا ذلك لانهارت ووقعت أرضاً. بدأت عملية الترتيب خارجا في الصالة والآن ها هم جميعا في مكتب داسموند سليفن بعيداً عن الآذان والأعين المتلهفة للمزيد من المعلومات. وقف روان على جانب هارييت واضعا يده على كتفها بينما احتل جورجي فلينت الكرسي القريب من الباب أما كونستانتين زاندروس فجلس وراء المكتب كأنه قاض يترأس محكمة. تابع قائلا:
" لماذا لم يخبرني أحد بشأن الزواج قبل اليوم؟ "
أجاب روان بتحد " تنص شروط الرهان على عدم التواصل بيننا حتى أربح أو أخسر "
" لكن زواج وريث عائلة زاندروس مناسبة عظيمة تتطلب احتفالا ضخماً لا أمر يتم بسرية وعلى عجل إلا إذا. . ."
أضاف والده ببطء " كنت قد اضطررت إلى الإسراع في الزواج بعد أن تغلب حماسك على منطقك "
توقف قليلا ثم أكمل " أهذا ما حصل بني؟ هل ستجعلني أنت وفتاتك الإنكليزية جدا عما قريب؟ "
لاحظت هارييت عبوس جدها وانزعاجه فبدأت تتحرك بتململ. ضغط روان على كتفيها محذرا وقال بلطف
" أبي كل ما في الأمر أنني رأيت هارييت وأعجبت بها وكان من الطبيعي أن أتزوجها "
لاحظ الاحمرار الذي علا وجه هارييت الأبيض وأضاف " بأسرع وقت ممكن "
أكمل بتحد أنت من بين كل الناس يجب أن تعرف ذلك "
" نعم أعرف كيف ينتهي الأمر "
تنهد والد روان بغضب وأكمل " سبق وخططت لمستقبلك. . . زواج يوناني جيد من زوجة يونانية مناسبة امرأة يمكنها إدارة منزلك وإنجاب أطفال أقوياء "
نظر على جسد هارييت النحيل باستخفاف وأكمل : " أيمكنها أن تطهو لك الطعام الذي تحبه عروسك هذه؟ "
" لا لكن ما من مشكلة فلدي طباخ أبي توقف عن محأولة إخافتها فهي تجاهد لتتقبل أنني لست فنانا معدماً "
" أتعني أنها لا تعرف أنك ثري؟ "
" بل على العكس هارييت ساعدتني مادياً واعجبني التغيير "
وجه كونستانتين زاندروس نظرته العابسة نحو جورجي فلينت وقال " لكن أنت سيدي وجب عليك أن تعرف "
" عرفت أن روان ليس كما يبدو "
" مع ذلك شجعت هذا الزواج "
" لم أشجع أو أعارض. هما شخصان راشدان يمكنهما تقرير مصيرهما "
ساد صمت ثقيل ثم تنهد كونستانتين زاندروس قائلا " حسناً لا يمكننا إبطال ما حدث دون مشاكل. لذا أنا. . . موافق "
تكلمت هارييت للمرة الأولى فقالت بصوت مرتجف " شكراً لك الآن إن كنتم قد أنهيتم. . . تشريحي أود العودة إلى المنزل من فضلكم "
أمال حماها رأسه وقال " نعم بالطبع. روان من فضلك خذ زوجتك إلى الفندق ثم أرسل السيارة إلي. أنا أود التكلم مع اليد فلينت "
" فندق أي فندق؟ أنت لا تفهمني. أود العودة إلى شقتي. . . إلى مكاني الخاص "
أحست بيد روان تضغط على كتفها. ساد الصمت للحظات ثم تكلم جدها ببرود مبديا عدم موافقته على كلامها " عزيزتي هارييت ما هذا الكلام الفارغ؟ ألا تعرفين أن مكانك حيث يكون زوجك؟ لا شك أن روان ووالده لديهما أمور يناقشانها والفندق يبدو مكاناً مناسباً. اذهبي الآن وسوف أراك غداً "
وقفت هارييت وأخذت تبحث عن أي عذر. أشارت إلى فستانها وقالت: " لات يمكنني البقاء في الفندق. . . ليس بهذه الحال. أريد رداء آخر من أجل الغد وفرشاة أسناني وبيجامتي "
رسم كونستانتين ابتسامة مترددة على فمه وقال " زوجتك مفرطة في التواضع عزيزي روان "
ثم نظر نحو هارييت وأكمل " سوف يلبي فندق تيتان بالاس معظم حاجاتك طفلتي وإن لم يحصل ذلك يجب إعلامي بالأمر. زوجك سيهتم ببقية التفاصيل "
" تيتان بالاس. . . يا إلهي أنت تملك الفندق وكل مجموعة تيتان. . . أليس كذلك؟ "
التفتت نحو روان وأكملت " ألهذا تراكضوا لخدمتنا في ذلك اليوم؟ أحدهم تعرف عليك "
سألها كونستانتين " هل زرت فندقي؟ "
قال روان " بالصدفة. تم أحد لقاءاتنا هناك لكن فقط في الردهة. لم تر هارييت غرف النوم بعد "
انفجر والده بالضحك ثم ضربه على كتفه وقال : " إذا خذها إلى هناك بني بدون تأخير. سأمنحكما الوقت الكافي لاكتشاف الراحة التي تقدمها غرف نوم الفندق "
مشت هارييت بجانب روان إلى خارج المكتب وصالة العرض رافعة رأسها فيما بدا وجهها موسوماً بالغضب والإحراج وجدت سيارة سوداء فخمة بانتظارهما. وقف السائق الذي يرتدي زياً رسمياً وفتح لهما الباب. جلست مكانها بصمت جليدي وانتظرت روان ليجلس بجانبها. عندما انطلقت السيارة قالت:
" وقفت هناك ، وتركت كل شيء يحدث دون أن تتفوه بأي كلمة. كيف أمكنك ذلك؟ "
" اعتقدت أن ما نفعله هذه الليلة هدفه خداع جدك. أنت طلبت مني الاستمرار بلعب هذا الدور الذي بدأ يتعبني وهذا ما فعلته. في المقابل ما الذي أسمعه منك؟ "
تابع مقلداً صوتها بسخرية " شقتي. . . بيجامتي. . . عزيزتي هارييت هذا التصرف لن يخدع طفلاً صغيراً. لابد أن كليهما يتساءلان الآن عن طبيعة هذا الزواج "
هز روان رأسه وأكمل " بالطبع والدي لن يأبه للأمر. أؤكد لك أنه ينتظر الطلاق منذ الآن ولا شك أنه وجد لي عروساً مناسبة لكن الوضع يختلف مع جدك "
أضاف قائلا " بالطبع سيتغير الوضع إن لم يعد ذلك المنزل هاماً بالنسبة لك "
قالت بصوت مختنق " لا ما زال غريس ميد. . . يعني كل شيء بالنسبة لي "
هز روان كتفيه بلا مبالاة وقال " إذا هذه المسرحية ستستمر هنا. . . وفي اليونان "
سمع روان شهقتها فأومأ مضيفاً " نعم ستأتين معي. ألديك خيار آخر أم أنك مجنونة لتظني جدك سيتقبل فكرة عيشنا في بلدين مختلفين؟ أنا متأكد من عدم موافقته على ذلك "
بدأت هارييت ترتجف بقوة وقالت بتوسل " لا يمكنني مغادرة إنكلترا. لدي عملي. . . حياتي "
قال بلطف " ظننتك مستعدة للتضحية بأي شيء. . . من أجل تلك الكومة من الأحجار في الريف "
قالت هارييت من دون النظر إليه " ظننتني فعلت ذلك من قبل "
حمل صوته مضموناً لم تستطع فهمه وهو يقول " حسناً لست مجبرة على دفع الثمن مجدداً. نجحت أخيرا بإقناعي عزيزتي ألا أتوقع شيئا منك بصفتك زوجتي. لن أطلب منك ذلك مجدداً "
عضت على شفتها قائلة: " ماذا عن عملي؟ "
" يمكنك تقديم استقالتك. أنا واثق أن جدك سوف يساعدك بهذا الخصوص "
" نعم، أنا واثقة. . . ماذا بشأن شقتي؟ "
" يمكن إيجاد مستأجر ما لحين عودتك. علينا السكن في منزل واحد أثناء إقامتك في اليونان "
أضاف روان بعد وقت قصير " لكنه يحتوي على الكثير من الغرف لتحافظي على خصوصيتك. وعندما يحين وقت الطلاق سأقدم كل الأدلة اللازمة كي لا يقع أي لوم عليك "
" شكرا لك. هذا ما ظننتك تقوم به حتى هذا المساء والآن انقلبت حياتي رأسا على عقب. . . بسبب هذا الرهان اللعين "
" قصتي مع والدي تتخطى كونها رهاناً احتجت إلى إثبات استقلاليتي والتأكيد على أنني ابن والدتي أيضاً. . . المرأة التي أحبها وأقدر ذكراها والتي لن أسمح بمحوها من الوجود "
" ظننت أنك رسام. جعلتني أنا وداسموند سليفن نثق بموهبتك. الرجل دعمك وأنت الآن تتخلى عنه "
" كسب داسموند الكثير هذه الليلة ولن ينتهي الأمر عند هذا الحد. أوضحت له منذ البداية أنني لن أمتهن الرسم. أنا من عائلة زاندروس وعلي تولي منصبي عندما يقرر والدي التخلي عن الإدارة. الكثير من الناس حول العالم يعتمدون علينا وعلى تطورنا. أود أن أكون على قدر المسؤولية وأن احدث فرقا و. . . صدقيني لا أجد في هذا العمل مشقة "
حمل صوت روان الكثير من الشغف وهو يكمل بهدوء" لكنني سأتابع الرسم في أوقات الفراغ وأعرض أعملي في البارسيفال. وافق السيد سليفن على ذلك وهذا ما يجب عليك فعله ما دمت زوجتي "
جلسا في صمت مطبق جنباً إلى جنب حتى وصلا إلى تيتان بلاس. هناك أيقنت هارييت ما الذي يعنيه أن تكون زوجة روان زاندروس من خلال الترحيب الحار الذي أبداًه المدير الذي انحنى احتراماً عندما صافح هارييت ومرافقته لهما إلى المصعد الفائق السرعة. أخبرها روان بنبرة خالية من أي تعبير " سنقيم في الجناح الملكي. أتمنى أن يسرك ذلك حبيبتي ".
تم إرشادهما إلى غرفة الجلوس الفخمة المزينة بالأزهار وذات الأضواء الخافتة نسبياً. بعدئذ سمعت طرقاً على الباب وما لبث أن أدخل النادل عربة عليها أباريق من القهوة والشاي والشكوكولا الساخنة أضافة إلى مجموعة من الشطائر لذيذة تحت غطاء زجاجي على شكل قبة.
بعد أن غادر النادل قالت " يا إلهي لقد أحضروا كل شيء ".
أجاب روان وهو يتنأول قطعة من سمك السلمون المدخن المغطى بالكافيار " لعلهم يشعرون أن الأزواج خلال شهر العسل يحتاجون إلى القوة. أحضر لك شيئاً؟ ".
" لا شكراً ".
قال وهو يسكب فنجان فهوة " أنت تشكرينني بطريقة تجعلني أشعر كأنك ترسلينني إلى الجحيم ".
" عليك أن تجد لنا مخرجاً من هذه الفوضى المروعة إن أردتني أن أشعر بالامتنان ".
قال " هذا الوضع من صنعك. يبدو أنك نسيت ذلك ".
" وجب عليك تحذيري. . . إخباري بقدوم والدك ".
" أنا نفسي لم أعلم حتى عصر هذا اليوم. تم إرسال دعوة له لكنني لم أتوقع أبداً أن يحضر ".
أردف قائلا " الآن علي الذهاب لمقابلته. سأحأول إقناعه بعدة أمور ومن ضمنها أننا مغرمان ببعضنا. بالطبع سأواجه صعوبة هائلة في هذا الأمر ".
أشار بإصبعه نحو الباب الذي يقع في الجهة الأخرى من الغرفة وأضاف " غرفة النوم هناك. أتمنى أن تجدي كل ما تحتاجين إليه. . . ما عدا بيجامتك بالطبع ".
" غرفة النوم؟ أتعني أن هناك غرفة واحدة؟ ".
" وسرير واحد. أخبرتك حبيبتي أننا في جناح شهر العسل وأن علينا الاستفادة منه ".
بعد عدة دقائق راحت هارييت تعاين الغرفة. هذا أكبر سرير رأته في حياتها. فحجمه يوازي ضعف حجم السرير في شقتها استحمت بسرعة وهي تدرك أن روان قد يعود في أي لحظة ثم لفت جسمها برداء وجدته في الحمام البالغ الأناقة. أخيراً أوت إلى السرير بعد أن أزاحت وسائدها إلى حافته حتى باتت على وشك الوقوع على الأرض. لكن كيف عساها تغفو؟
بعد مرور وقت طويل سمعت باب الجناح يفتح ثم يغلق. ثم شعرت بروان عندما دخل غرفة النوم بهدوء واقترب منها. أمسك بطرف الغطاء وشده قليلا إلى الأسفل ثم قال بسخرية " أنت لا تجيدين التمثيل عزيزتي هارييت. أتنوين النوم بهذا الرداء؟ سوف تختنقين ".
شدت هارييت الغطاء عليها من جديد ثم نظرت إليه وقالت" اطمئن لن يصيبني مكروه ".
توجه روان إلى الحما وهو يخلع ملابسه ويرميها على الأرض.
دفنت هارييت وجهها في الوسادة وهي تشعر بالخجل من موجة العواطف التي اجتاحتها. بدأت الذكريات تتدفق عليها بقوة وشعرت بوخز طفيف في جسدها بأكمله. أحست أنها انتظرت إلى الأبد قبل أن تسمعه يخرج من الحمام. توجه روان نحو السرير وأطفأ الأنوار.
شعرت بالسرير ينخفض تحت وزنه وانتظرت أن يقترب منها وظلت تنتظر. . .
أخيراً خاطرت بإلقاء نظرة سريعة نحوه فرأته نائما بهدوء وظهره نحوها. شعرت هارييت بالدموع تحرق وجهها. إلا أنها لم تستطع الحراك أو إصدار أي صوت لأن الرجل الذي تتوق إليه مستلق على بعد ذراع منها وقد يسمعها. سماعه لبكائها سيسبب لها جرحاً لن تتخطاه أبداً.
تساءلت كيف ستتحمل الليالي القادمة بانتظار انتهاء هذه المسألة التي تدعى زواجاً.
انتهى الفصل الثامن

mymemory 20-11-16 07:31 PM

رد: لن ترحل الشمس (ساره كريفن)
 
الفصل التاسع
ظلال الماضي تعود

يا لهذا الجو الرائع بالنور والصفاء أنة جو لم يسبق لهارييت اختباره. ذكرت نفسها بسخرية إن السبب هو أنها تزور اليونان للمرة الأولى فهي لم تفكر في قضاء أجازتها بعيدا عن غريس ميد.
بالطبع لم تتخيل أيضاً أنها ستأتي إلى هنا بطوافة خاصة غادرا المطار في سيارة يقودها سائق خاص توجها إلى ميليتوس و هي شبة جزيرة شعرت هارييت كأنها تصطدم بجدار من الحرارة و سرها أن السيارة مكيفة.
يفضل روان التنقل بواسطة الطوافة لكنة قرر هذه المرة أن يجعل هارييت تستمع بطريقها إلى منزلها الجديد. اخبرها أن هناك رأسين من اليابسة متداخلين في بحر ايجة أشبه بذراعين تحتضنان خليجا صغيرا و أن منزلها مبني فوق احدهما و منزل والدة فوق الاخر ما يجعلها متقابلين لكن مفترقين. أضاف روان بنبرة تحمل شيئا من سخرية
"مثلنا تماما حبيبتي"
فكرت هارييت بصمت لا بد أنك تملك الكثير من الذكريات السعيدة هنا. شعرت بالارتياح لأنها لن تقيم في منزل نفسه مع كونستانتين زاندروس. مع أن هذا الأخير لم يطل اقامتة في لندن لكنها تتوتر بشدة من أمعانة النظر بها و طرحة الكثير من الاسئلة عليها.
خلال الايام الاخيرة في انكلترا شعرت هارييت كأنها تخزض سباقا. أخذت الأمواج تتقاذفها بلا رحمة بينما نفككت حياتها.
لم تعد أبداً إلى شركة فلينت - أودلاي . عوضا عن ذلك أرسلت الاغراض من مكتبها إلى الفندق فيما اهتمت احدى الشركات بأيجاد متأجر لشقتها,مع ذلك اصرت على شراء ملابسها من المتاجر العادية لا من محلات المصممين المشهورين. اختارت ثيابا ذات الوان هادئة زاهية و تتميز كي تسىتطيع ارتداءها بعد انتهاء هذا الزواج.
ذهبت بمردها إلى المنزل لتودع جدها. توقعت لقاء عاطفيا لكنها وجدته معكر و جاهز للتكلم عن الحديقة أكثر من رحيلها الشيك . سألته اخيرا:ألن تفتقدني و لو قليلا؟"
ربت على كتفها و قال اتخيل يا عزيزتي أننا سنفتقد بعضنا لكن مكانك الان مع رجل الذي اخترته. لن اتصرف بأنانية كما أنك لم إلى الجهة الاخرى من العالم تلطف حماك و دعاني للإقامة معه في اليونان متى شئت"
ثم ضحك و أضاف "كما ذكرني زوجك بوجوب أنهاء مسألة الشطرنج".
"لكنني سأعود إلى هنا أيضاً.....للزيارة أليس كذلك؟"
تكملت في سرها ".....لأطالب بإرثي"
"بالطبع سوف تأتين لكن عليك منح نفسك بعض الوقت لتتأقلمي مع حياتك الجديدة. أتعلمين هارييت؟ الورد يعاني من مشكلة الصدأ هذه السنة و هذه الأدوية ليست فعالة كالأدوية القديمة".
هكذا انتهى النقاش دون أي ضمانات لهارييت أو حتى دليل عن نوايا جدها. نظم روان عشاء و داعيا لتيسا وبيل. و هدأ بمهارة مشاعرهما المجروحة بسبب زواجهما السري عازيا السبب إلى قضايا عائلية غامضة ثم استمالت تماما عبر دعوتها لزيارة ميليتوس قبل نها فصل الصيف.
في طريق عودتها إلى الفندق سألته هارييت : "هل قدوم الزوار فكرة جيدة؟ ألن يبدو الأمر.....مربكا؟"
"لماذا حبيبتي ؟ أتفضلين البقاء مي وحدك؟ "
جعلها السؤال تتوقف عن الكلام. اللقاء مع جاك و لوسي بدا أكثر صعوبة. تعاملت معها الفتاة بلطف لكن ببرود كبير. عندما انفردتا قليلا حاولت هارييت الاعتذار فقاطعتها لوسي بفظاظة "أتعتقدين أنني اهتم بهذا الهراء؟ في الواقع لا يمكنني أن أتحمل رؤية روان يرمي نفسه على شخص لا يكترث لامرة"
أرادت أن تصرخ قائلة ظننتك لا تعرفين شيئا رايتك ذلك النهار لأنني كنت أتوق لرؤيته. لم أتحمل بعدي عنه . اجتاحتني موجة من الأحلام السخيفة و غير الواقعية.....هي ليست جزءا من خطتي و لن تصبح يوما كذلك.....أنها قالت بهدوء قبل أن تمشي مبتعدة " لن يطول الأمر حتى يستعيد حياته. كلانا سنفعل"
كتمت هارييت تنهيدة و هي تتذكر تلك الإحداث . أخذت تحدق عبر النافذة إلى الألوان الغنية لهذه الأرض العطشى بسبب الصيف و آلة بساتين الزيتون على طول الطريق. التفتت نحو روان لتلقي تعليقا مشرقا عن الطبيعة فوجدت انتباهه مركزا على التنورة القصيرة لفستانها الأصفر الزاهي . عدلت تنورتها بتسرع و شدتها نحو ركبتيها.
رأته يلوي فمه بسخرية ثم قال بتأكيد هادئ "هارييت نحن أقمنا علاقة حميمة معا و سبق لي أن رأيت جسدك فلا داعي للتصرفات التافهة"
اشتعل وجهها خجلا و توسلت إليه قائلة "روان من فضلك قد يسمعك السائق....."
" ياني لا يتكلم الأنكيزية ".
رفع تنورتها إلى وضعها السابق و ترك يده تستريح برفق فوق ركبتها قال باستهزاء
" لا تجفلي يا حبيبتي بصفتك زوجتي عليك التعود على لمستي و الترحيب بها أيضاً ".
تصلبت هارييت في مكانها و أخذت تحدق عبر النافذة إلى المناظر الطبيعية دون أن ترى شيئا.
" سنصل إلى القرية قريبا و هناك من ينتظرنا لذا حاولي الابتسام حبيبتي "
" في هذه الحالة أبعد يدك عني ".
زم روان فمه بعصبية لكنة أطاعها.
ظنت هارييت أنه يبالغ لكن يبدو أن القرية بأكملها خرجت لتشاهد هما يتقدمان عبر الطرقات الضيقة؟ راح الناس يلوحون لهما بفرح فاستجابت هارييت بخجل انعطفت السيارة و أصبحا فجأة أمام البحر الذي بدا مثل صفحة خلابة . غاب عن فكرها للحظة كل الاعتبارات الأخرى فقالت " آه يا الهي..... هذا جميل لدرجة لا تصدق"
" نعم كلما أراه أشعر كأنها المرة الأولى ".
" لكنك حتما تعودت علية ".
"سبق و أخبرتك أنني قضيت معظم أيام طفولتي في انكلترا مع والدتي حتى كدت أنسى ما يعنيه لي.....لكنة دائما يجري في دمي ".
" أنا.....أنا أعرف هذا الشعور ".
اجتاز الميناء الصغير الذي يعج بالقوارب الصغيرة و انعطفا مجددا
نحو اليابسة. بدأ الطريق يتجه صعودا و أصبح بإمكان هارييت الآن رؤية جدران التراكواز البيضاء. قال روان: "هذه فيلا ديناسوس حيث يقيم والدي. ستجدين أنني بنيت منزلا اصغر لكن مع أمكانية التوسع".
حاولت هارييت أن تتجاهل الألم الذي اجتاحها عندما تخيلت روان و هو يحمل مولودة الأول الطفل الذي لن تمنحه إياه.....قالا بصوت هادئ
" أتعني عندما تستقر و تصبح رب أسرة؟ يصعب علي تخيل الأمر ".
قال بهدوء قبل أن يبعد نظرة عنها " قد لا يشاطرك أصدقائي الرأي عزيزتي هارييت".
ها هي ترى الرأس الأخر و هو تماما كما وصفة روان.
لاحظت أن المنزل يتألف من طبقة واحدة و سقفه مطليا باللون الأخضر الغامق.
"أهلا بك في منزلك عزيزتي هارييت تحضري للكثير من الحب.
أدهشتها كلماته للحظة لكنها أدركت معناها مشاهدة مجموعة الأشخاص الذين ينتظرون بحماس كبير عند المدخل للترحيب بهما.
قالت كأنها تكلم نفسها "أشعر كأنني محتالة. لا أظنني أستطيع القيام بهذا".
"أتودين العودة إلى انكلترا و إخبار جدك الحقيقة؟
"لا.....سيخيب ظنه بي. لا يمكنني فعل هذا به.
"أذا من فضلك لا تدعي نزاهتك تسبب الحزن لقومي.
عندما توقفت السيارة انحنى إلى روان و قال "الرجل الذي يرتدي سترة يدعى بانيوتس هو يدير منزلي. أنة يتكلم الانكليزية بشكل جيد لذا يمكنك الاعتماد علي كليا. المرأة الواقفة إلى جانبه هي تولا مدبرة المنزل
توقف قليلا ثم أضاف "أنها القابلة التي ولدت علي يديها لذلك هي مثل وسكان القرية تعقد أمالا على هذا الزواج. حاولي التعامل معها بصبر".
شعرت هارييت بالانزعاج عندما تم تعريفها على الأشخاص الموجودين. عرفت أنها ليست العروس الجميلة المتألقة التي توقعوا مجيئها. أخذ تاكيس الطباخ البدين يعاين جسدها النحيل كأنة على وشك أن يشن حربا عليها. سمعت روان يكلم بانيوتس قائلا "أنجز العمل الذي طلبته. أليس كذلك؟"
أومأ بانيوتس رأسه بتأكيد "نعم سيدي. وصل الأثاث الجديد البارحة. كل شيء جاهز من أجل عروسك
وضع روان يده على خصرها ليحثها على الدخول و قال " أتلقين نظرة على المكان حبيبتي؟"
بدا الجو أكثر برودة داخل الفيلا بسبب المراوح الكثيرة المتدلية من السقف. تأملت هارييت المكان فأعجبت بالألوان الزيتية الفاتحة و الأرضية الرخامية التي تؤكد الإحساس بالاتساع و السلام. قالت بارتباك "لكن المكان يبدو جديدا".
ابتسم لها روان قائلا "قررت تجديد غرفة النوم الرئيسية كوني لم اعد أعزب. أنلقي نظرة عليها؟"
قالت هارييت بصوت فارغ يناسب الذعر الذي يجتاحها :"إن.....إن أردت ذلك".
تقدمهم بانيوس إلى ممر عريض يضفي إلى الباب بمصراعين.
فتحهما و قال بفخر "انظر سيدي "
ترددت هارييت عند الباب و شعرت بالدوار لم تفهم الانطباع الذي تركته لديها الجدران الشاحبة التي أضاف إليها اللون الدراقي بعض الدفء. تحيط ستائر شفافة بالنافذة الضخمة ذات الإطلالة المذهلة على البحر و يستلقي عند قدم السرير الكبير الذي يواجه الباب قماش حريري من اللون الأزرق المفعم بالحياة. مع ذلك أكثر ما جذب اهتمامها ذلك العطر الكثيف الذي يسيطر على المكان و الذي جعلها تواجه صعوبة في التنفس. سمعت احدهم يشهق على مقربة منها و عندما خطت خطوة أضافية إلى داخل الغرفة رأت الأولى ما يوجد على السرير فتوقفت عن التنفس كليا.
انه رسم بدون إطار لامرأة عارية مستلقية على جنبها تلقي رأسها باسترخاء على يديها المطويتين. هي المرأة فائقة الجمال ذات شعر يكاد يبدو فضي اللون قصته قصيرا لتظهر جمال وجهها و ذات عينين سوداوين مائلتين في وجه أسمر بارز كوجه قطة. ترسم المرأة على فمها القرمزي الملتوي ابتسامة تبدو ملتهبة و صريحة جدت بحيث أنها لا تحتاج إلى خلع ملابسها.
بالطبع لا حاجة للسؤال عن هوية الرسام الذي بعث فيها الحياة.
عرفت هارييت بمجرد نظرة واحدة فقد أصبحت الآن تميز أسلوبه على الفور كما تعرف الوجه الذي تراه في المرأة كل صباح. انتبهت إلى الهمسات الخافتة المصدومة للخدم الذين تجمعوا عند الباب خلفها.....إلى بانيوتس الذي تقدم و راح ينظر إلى اللوحة بعدم تصديق.....إلى تولا التي أصدرت شهقة و غطت رأسها بتنورة مئزرها الأبيض.
استدارت هارييت ببطء و نظرت إلى روان. وجدته يبتسم و يداه على خصره و قد أمال رأسه و هو يعاين اللوحة كأنة يفكر ببعض التحسينات. تذكرت فجأة كيف رسمها : بمزيج من ساحرة شريرة و خفاش. شعرت بالغثيان عندما وصلتها موجة جديدة من العطر الطاغي. قالت لنفسها أرادني ليلة واحد لأنني عذراء لكن كم مرة أقام علاقة مع تلك الجميلة في هذه الغرفة حيث يجب أن أنام وحيدة
انجرفت في موجة عاتية من التعاسة و الغضب و الإذلال و هي تفكر في ابتسامته. أدركت عدم قدرتها على التنافس مع هذا النوع من الذكريات. تقدمت خطوة إلى الأمام و قالت بصوت مرتجف "أنت تجد الأمر ممتعا. حسنا أنا لا أشاطرك الرأي".
رفعت يدها و صفعته بقوة على وجهة ثم استدارت و ركضت بينما أخذ بحر الوجوه المصدومة يتفرق لتمر.
انتهى الفصل التاسع

Rehana 21-11-16 07:17 PM

رد: لن ترحل الشمس (ساره كريفن)
 
مساء الخير

يعطيك العافية على النقل بس حبذا في المرات القادمة ان تلتزمي بالقوانين وتعلني
عن رواية مسبقا على هذا الرابط

http://www.liilas.com/vb3/t105977.html

حتى نتأكد من عدم تواجدها في القسم

ننتظر منك بقية الرواية وشكرا

mymemory 22-11-16 03:14 PM

رد: لن ترحل الشمس (ساره كريفن)
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Rehana (المشاركة 3667223)
مساء الخير

يعطيك العافية على النقل بس حبذا في المرات القادمة ان تلتزمي بالقوانين وتعلني
عن رواية مسبقا على هذا الرابط



حتى نتأكد من عدم تواجدها في القسم

ننتظر منك بقية الرواية وشكرا


سورى حبيبتى معرفش موضوع الاعلان دا
ان شاء الله المره الجايه اعمله

وشكرا على مرورك

mymemory 22-11-16 03:15 PM

رد: 488 - لن ترحل الشمس - سارة كريفن
 
الفصل العاشر
وهربت الأحلام



أمسكها روان بسرعة فهي لا تعرف إلى أين تذهب. وضع يدا كالملزمة على كتفها وجذبها إلى أقرب غرفة. أدارها بشدة لتصبح في مواجهته في الغرفة المظلمة.
" كيف تجرأتِ..؟ كيف تجرأتِ على صفعي أمام طاقم عملي ".
قالت هارييت وهي تحاول تحرير نفسها من قبضته " ما كان ذلك روان؟ أهي هدية زفاف متأخرة؟ وجب عليك تحذيري مما سأراه ".
أكملت " هذا رائع عزيزي أهي امرأة أخرى تسنى لك دراسة كل جزء من جسدها؟ هل كانت أفضل مني؟ اعذرني إن وجدت الأمر مبالغ فيه.. تماما مثل عطرها ".
" احذري عزيزتي هارييت تبدين مثل امرأة غيورة ".
" أوضحتُ منذ البداية أنني لن أتدخل في حياتك الخاصة لكنني لن أقبل بأن أراها أمامي. توقعتك أن تكون أكثر حذرا ".
أشاحت بنظرها عنه وأكملت " ربما يجب أن تطلعني على اسمها فقد أود إلقاء تحية الصباح عليها إذا ما التقيت بها في صباح أحد الأيام تغادر غرفة نومك ".
" تدعى إبنيتا ديمترو ولن تلتقي بها في هذا المنزل أو في أي مكان آخر كما آمل. هي تنتمي إلى الماضي وما حدث اليوم لا يغير شيئا ".
" لكنها كانت... عشيقتك ".
" بالطبع هارييت علمت عندما تقابلنا بوجود نساء أخريات في حياتي فكفي عن التظاهر ".
" أصبح التظاهر طبيعتي الثانية ".
نظرت هارييت حولها فرأت سريرا مرتبا عليه غطاء كبير وخزانة مؤلفة من عدة أدراج وخزانة كبيرة تغطي حائطا بأكلمه وباب مفتوح جزئيا من الواضح أنه يؤدي إلى الحمام.
" سأنام هنا الليلة وكل الليالي التي سوف أقضيها هنا. حبيبتك إبنيتا أدت لي خدمة كبيرة بعد تدخلها. لن يتساءل أحد عن سبب النفور بيننا. حلت المشكلة الآن ".
" أنتِ مخطئة. في هذه اللحظة يظن كل من في المنزل أننا معا في السرير نستمتع بمصالحة حميمة بعد أن كفرتُ عن أخطائي السابقة بهدية ثمينة لائقة وأننا سننسى المشكلة وستأخذين أنتِ مكانك كزوجة محبة مطيعة ".
أضاف بلطف " وهذا يا حبيبتي ما سيحصل بالضبط. أمام أنظار عالمنا الصغير على الأقل ".
" أتظنني سأعود إلى تلك الغرفة تحت أي ظرف؟ لا لن أفعل ".
" أظنك ستفعلين إلا إن كنتِ ترغبين بأن اقنعك بوسائلي الخاصة التي بدت فعالة جدا ليلة زفافنا. عندها سنحل الكثير من المشاكل ".
توقف قليلا، ثم قا ل " ماذا قلت؟ ".
" سأنام في تلك.. الغرفة ".
" لقد خاب ظني ".
ابتعد روان عنها وما لبثت أن سمعت حفيفا على الفراش. نظرت نحوه بدهشة فرأته ممدا على السرير بعد أن خلع حذاءه وجوربيه.
" ما الذي تفعله؟ "
" من المفترض أننا نقيم الآن علاقة حميمة ونحمل بعضنا إلى الجنة. بالطبع لا يمكن تحقيق ذلك في لحظات قليلة ".
وضع يديه تحت رأسه وأكمل " بالتأكيد ستجعلينني أتوسل في البداية لكن اتمنى ألا يطول الأمر ".
ثم نظر نحوها وقال " هناك كرسي إن أردت الجلوس أو يمكنك الإنضمام إليّ في السرير ".
" لا بأس بالكرسي ".
جلست هارييت على الكرسي مثل تلميذة مدرسة. بدأت الدقائق تمر ببطء. بدا روان مسترخيا كأنه على وشك الاستسلام للنوم.
" أيمكنني أن أطرح عليك سؤالا؟ "
" بالطبع ".
" إينيتا.. كيف تعرفت عليها؟ "
" كانت تقيم عند الشاطئ في فيلا استأجرتها صديقتها خلال فصل الصيف.إنها امراة تدعى ماريا كوسيداس. أقيم حفل هناك وتمت دعوتي. علمت إينيتا بطريقة ما أنني أطمح لأصبح رساما فحدثتني عن الفن وسألتني إن كان يمكنها رؤية أعمالي. أتت إلى المحترف في القرية في اليوم التالي فأبدت إعجابها بلوحاتي واقترحت أن أقوم برسمها. شرحت لها أنني لست خبيرا في تجسيد الشخصيات ".
توقف قليلا ثم أردف " وبينما كنت أشرح لها خلعت ملابسها لذا أصبح الجدال دون جدوى ".
" هل أغرمت بها؟ "
" عزيزتي هارييت دعينا نقول إنها في ذلك الوقت كانت تناسب حاجاتي ".
" هي.. رائعة الجمال. هل عملت في مجال عرض الأزياء؟ "
" ربما لكن طموحها الحقيقي ـ كما أخبرتني ـ هو التمثيل. على الرغم من عدم اعترافها بالامر في البداية لكنها حاولت إقناعي بتمويل مهنتها ".
" وهل فعلت؟ "
" رأيتها تمثل دورا صغيرا في إنتاج خاص. بدا تمثيلها مريعا ".
صرّ على أسنانه فجأة وقال " عندما رأيت غرفة النوم اليوم خطر لي أنها قد تنجح أكثر في العمل كمصممة ديكور.. أتساءل عن هوية الخادم الذي ساعدها ".
" بدوا جميعا تفاجئين. لعلها دخلت خلسة إلى هنا
" لا أظن ذلك. هي حاقدة لكنها ليست ساذجة. أظنها وضعت الخطة وجعلت أحدهم يضع اللوحة بهذه الطريقة ويسكب زجاجة من عطرها المفضل على السرير... سريرنا ".
توقف قليلا ثم أكمل " سأطلب من بانيتوس حرق كل الأغطية وكذلك اللوحة ".
" ألم تجلبها إلى هنا يوما؟ "
" لا التقينا في أماكن أخرى في الاستديو.. بيت ماريا.. شقتي في أثينا. كنت كثير الأسفار حينها وهي سافرت معي. لكن ليس إلى هنا. قررت منذ مدة طويلة أنني لن أحضر إلى منزلي سوى زوجتي.. حبيبتي ".
" لكنكما التقيتما عند الخليج وذلك كان حذاءها ".
" نعم. فقدته وهي في حالة من الغضب الشديد ".
" ولماذا.. افترقتما؟ "
" أخبرتها عن قراري بالسفر إلى لندن. ظننتها تريد المجيء معي لكن عندما أدركت أن الأمر لا يتضمن السفر على الدرجة الأولى والإقامة في فنادق الخمسة نجوم وأنني سأعيش من عملي الخاص انتهى حبها لي بسرعة قياسية. يبدو أنها أحبت أسلوب حياتي ولم تحبني أنا. شعرت بالغضب الشديد لأنني أفسدت خططها ثم انتابني الغضب أيضا لكوني فكرت للحظة واحدة أنها تريدني أنا لا حسابي المصرفي. عندما افترقنا أخذت تصيح وتقول إنني شخص حقير وإنها سوف تجعلني أندم يوما ما وأفترض أن اختيارها وقع على هذا اليوم ".

تحسس خده حيث صفعته هارييت وقال: " لا بد أنها ستشعر بالرضى عندما تعرف رد فعلك ".
" أنا.. أنا أعتذر.. لم أكن أعرف ".
ساد صمت وجيز ثم قال روان " والآن أتخبرينني شيئا.؟ "
" حسنا! هذا يعتمد على الموضوع ".
" لماذا لا تتكلمين أبدا عن والدتك؟ "
عضت هارييت على شفتها وقالت: " أفترض أن جدي ذكرها أمامك.. أخبرك بما حدث ".
" أخبرني أنها تركتك في رعايته عندما كنت طفلة صغيرة وأنك فقدت كل اتصال معها مؤخرا ".
أومأت هارييت إيجابا ونظرت نحوه قائلة " آخر عنوان وصلني كان من الأرجنتين. لكنها لم تجب عن أي من رسائلي.. رسائلنا. لا بد أنها تعرفت على شخص آخر.. رجل آخر.. وتابعت حياتها. هذا ما تقوم به عادة.. هناك دائما رجال آخرون ".
" ألهذا السبب.. لا وجود للرجال أبدا في حياتك؟ "
فكرت بألم أنه شديد الملاحظة. رفعت ذقنها وقالت " لو كان ذلك صحيحا لما وجدتني هنا "
قال روان بلطف " آه لكنك لست حقا هنا.. حتى الآن. أتعلمين؟ من الممكن اقتفاء أثرها ".
" كالبحث عن إبرة في كومة قش. إضافة إلى ذلك إن أرادت يوما التواصل معي فهي تعرف أين تجدني ".
" ألهذا السبب غريس ميد مهم جدا بالنسبة لك؟ هو المكان الذي تركتك فيه والذي ستجدك فيه مجددا.. إن عادت ".
" لا هو منزلي تماما كما أن هذا المكان هو منزلك. كفّ عن هذه التحليلات النفسية العميقة ".
" كما تشائين ".
جلس روان ونظر إلى ساعة يده ثم قال " حسنا أظن الوقت أصبح كافيا.. سأخبر تولا أنك نائمة وأطلب منها أن تجلب لك بعض القهوة وتوقظك بعد ساعة. عندما أذهب اخلعي ملابسك ونامي في السرير ".
" لماذا؟ "
تنهد بنفاد صبر ثم قال:
" ليقتنع الجميع أننا أقمنا علاقة حميمة ".
" آه، فهمت هكذا تقنع الجميع أنك عاشق رائع. حسنا لماذا عساي أفعل ذلك؟ "
" لأنني أطلب منك ذلك ".
ترك روان السرير بسرعة وتوجه نحوها. توقف قليلا وأخذت عيناه السوداوان تحدقان بوجهها ثم انتقلتا إلى أنحاء جسدها.جذبها فجأة نحوه وأخذت يداه تبحثان عن سحاب فستانها.
" ربما عليّ قمع ترددك حبيبتي عبر تذكيرك كيف يمكنني جعلك تشعرين إن أردت ذلك ". التقطت هارييت فستانها الذي كاد يسقط برعب وقالت " لا .. من فضلك سأفعل ما تطلبه عندما تغادر ".
وضع روان يده على عنقها وراح يمرر إصبعه ببطء متعمد على حافة حنجرتها ثم قال بلطف " الم تفكري يوما عزيزتي هارييت أننا يجب أن نكرر ما تشاركناه في تلك الليلة السحرية في لندن؟ ".
أحست بألم في قلبها لكنها قالت بسخرية " سحرية هو وصفك.. وليس وصفي ". أكملت في سرها يومها.. تركتني ورحت.
" هذا ما أحسست به. سمحت لنفسي بأن أحلم.. أملت أن تغير تلك الليلة الأمور بيننا. ظننت أنني.. إن تحليت بالقليل من الصبر فسوف تأتين معي ".
أكمل روان بصوت عميق:
" أتدرين كم يوم وليلة انتظرت حبيبتي قبل أن افقد الأمل؟ "
قالت في سرها وأنا لم أنتظر سوى ثمان وأربعين ساعة لأجدك مع لوسي وهكذا تخلصت من ضعفي. وقالت بصوت مرتفع " كان زواجنا صفقة تجارية ولم يتغير الأمر بالنسبة لي ". تركها روان بقسوة وقال " إذا دعينا نناقش بطريقة تجارية التعويضات التي يجب أن أقدمها بعد ما حصل. أنت ترفضين الياقوت والزمرد هل تقترحين شيئا آخر؟".
قالت هارييت ببرودة " ما أريده.. لا يمكنك تقديمه لي. إنه عودتي إلى منزلي.. غريس ميد ".
" إذا لا يسعني قول المزيد ".
تركها روان وخرج وبقيت هارييت وحدها في الغرفة وهي على وشك البكاء. همست قائلة " إنها مسألة بقاء. علي اجتياز هذا الوضع.. بطريقة ما ومهما كان الثمن ".

أعادت هارييت الغطاء إلى المستحضر الواقي من أشعة الشمس ثم استلقت على الأريكة وتنهدت. أخذت تستمع إلى همسات البحر الذي لا يبعد سوى مسافة قصيرة عنها. تجاوز الوقت الآن فترة الظهر بحوالي النصف ساعة وأخذت حدة الحرارة بالتزايد. بدأت هارييت تحب هذا الشاطئ الصغير وتفضله على الجو الحار الذي غالبا ما يسيطر على الفيلا.
في ذلك اليوم عادت إلى غرفة النوم الرئيسية. وجدت أن التعديلات التي طلبها روان قد أنجزت. تمّ تنظيف المكان بالكامل وفتحت الأبواب الزجاجية التي تؤدي إلى الحديقة على مصراعيها للسماح بدخول الهواء وأشعة الشمس كما أعيد ترتيب قطع الأثاث بطريقة جديدة فلم يعد السرير بأغطيته الجديدة مواجها للباب. زال ذلك المشهد وتلك الرائحة اللذان استقبلاها عند وصولها تماما. اكتشفت أيضا أنه تم فصل الخادمة المذنبة من العمل بسرعة بعد أن اعترفت لبانيوتس وهي تذرف الدموع أنها هربت اللوحة إلى المنزل وأفرغت زجاجة العطر على سرير السيد ذلك لأن السيدة ديمتروا وعدتها بمساعدتها لدخول عالم عرض الأزياء. فكرت هارييت متنهدة فتاة مسكينة فعلت ذلك كله لتحطم زواجا غير قائم في الأصل. عملت جاهدة لتهدئ روع بانيوتس الذي قال " ما كنت أبدا.. أبدا لأحلم بحصول أمر كهذا في غرفتك الخاصة سيدتي بعد أن قام السيد روان بمجهود كبير ليجعلها جميلة من أجلك.. القماش مذهل.. والأغطية الرائعة المصنوعة يدويا والمطرزة بالذهب...".
رفع يديه نحو السماء وأكمل قائلا " تلك المخلوقة.. يجب جلبها إلى الخارج وجلدها بالسوط ".
اعترضت هارييت بإجفال " هذا قاس جدا وهي مجرد فتاة صغيرة ساذجة ".
" لا يا سيدتي لا أقصد ميتسا فهي بالفعل ساذجة بل اقصد المرأة الأخرى. لن تتقبل أبدا أن تلك العلاقة انتهت وولت أيامها. كل تلك الرسائل والمكالمات الهاتفية.. حتى بعد مغادرة السيد روان. وعندما شاع خبر عودته تجرأت على المجئ إلى هنا و..."
أدرك فجأة أن زوجة السيد قد لا ترحب بهذه المعلومات فتوقف عن الكلام بسرعة. قالت هارييت بخفة مجبرة نفسها على الابتسام " في النهاية نجحت. لكن الأمر لم يعد هاما الآن ". عندما التقت روان على العشاء ذلك المساء وجدت أنه انسحب إلى خلف جدار مخفي من اللباقة الباردة وحلّ مكانه شخص غريب مهذب عليها تعلم العيش معه شخص يقضي أقل وقت ممكن معها ويتجنب أي اتصال جسدي غير ضروري ويتفادى بانتباه المواضيع الشخصية عندما يكونان مجبران على الكلام.. أي أثناء تناولهما الطعام.
انتاب هارييت شعور بالاطمئنان لأنه توقف عن محاولة إقناعها بأن تكون زوجته بالمعنى الحقيقي. مع ذلك شعرت بصراع داخلي كاد يمزقها كما شعرت بالارتباك والخوف من السعادة غير المنطقية التي تعتريها عندما تراه. أدركت أن الخوف من الرفض هو ما يمنعها من الركض نحوه والارتماء بين ذراعيه في كل مرة يعود فيها إلى المنزل.
من جهة أخرى افتقدت بشدة للابتسامة في عينيه ودفء يديه وكلماته المحببة اللطيفة التي ظنت أنها لا تعني شيئا لكنها أصبحت تعني لها الكثير الآن بعدما توقفت عن سماعها. ذلك لا يعني أن روان يقضي الكثير من الوقت في المنزل. سرعان ما علمت هارييت أن شركة زاندروس تتعدى كونها سلسلة فنادق هي تعني بأمور الشحن والصناعة والزراعة لذا ومنذ عودته اتخذ روان برنامج عمله المكتظ حجة للتواجد في مكان آخر.
فكرت هارييت بتنهيدة أخرى صغيرة إنها لا تلومه. لو كانت مكانه لاختارت جناحا في أي فندق بدلا من السرير الفردي الضيق الموجود في غرفة الملابس المجاورة حيث يقضي لياليه عندما يتواجد في الفيلا. عندما اقترحت متلعثمة أن المكان غير مريح وراح قلبها يخفق بقوة بانتظار جوابه بالكاد رفع روان حاجبه بسخرية، وقال " إنها تضحية بسيطة لأجل هذا الزواج الافتراضي. لن يدوم الأمر إلى الأبد " فكرت وهي تغادر لا شيء يدوم إلى الأبد. ثم جمعت أغراضها ووضعتها في حقيبة كتفها الأنيقة. عليها العودة إلى المنزل وتجهيز نفسها من أجل الغداء الأسبوعي مع حماها. أخذت هارييت تفكر بقلق بما حضره لها اليوم وهي تجتاز الدرجات القليلة المؤدية إلى الحديقة. هي من اختارت ألا تتعلم سوى القليل من الكلمات اليونانية فتجنبت الاختلاط مع زوجات الأثريات اللواتي يعشن حول شبه الجزيرة وترددت في قبول دعواتهن لها لتناول الغداء أو القهوة أو الحلويات.
أصرت هارييت على رفض فكرة إقامة حفلة راقصة بعد أيام قليلة لمناسبة عيد مولدها الخامس والعشرين. أبدى حماها استياءه من ذلك لكن روان أصر ببرود وحزم على وجوب احترام خيارات زوجته فأقفل الموضوع. لكن كونستانتين زاندروس ليس من الرجال الذي يتقبلون الهزيمة بسهولة وروان ليس هنا اليوم للدفاع عنها. لقد قضى الثمانية والأربعين ساعة الأخيرة في العاصمة. استحمت هارييت وبدلت ملابسها. أخذت تنظر إلى انعكاس صورتها في المرآة. يتميز فستانها ذو اللون الأخضر الغامق بالأناقة والتواضع ويتناسب مع الصندل ذي الكعب العالي الذي تنتعله. وضعت الكحل على رموشها وأحمر شفاه ذا لون قرنفلي فاتح وطلت أظافرها باللون ذاته. فكرت بسخرية أنها تمثل صورة الزوجة الناجحة. نظرت نحو الباب المؤدي إلى غرفة الملابس وتذكرت أنها خلال الأسبوع الأول لم تغف أبدا.. ظلت تأمل ان يفتح الباب في النهاية ويأتي روان إليها.
" أتدرين كم ليلة وكم نهارا انتظرت يا حبيبتي؟
ها هي كلماته تطاردها بعدما اختبرت نفسها إذا الانتظار والشعور بتلاشي الأمل. مع ذلك فإن الليالي التي يقضيها روان خارج المنزل تشكل عذابا أكبر. أنها تحدق في الظلام طوال الليل وتنتحب بصمت متسائلة إن كان وحيدا. تمنت لو أنها امتلكت الجرأة عندما كانا في لندن لتخبره أنها تحتاج إليه مثلما تحتاج إلى الشمس التي تعطيها الدفء والهواء الذي يملأ رئتيها... لكنها لم تفعل.. ولن تفعل أبدا.. حياتهما تسيران في طريقين مختلفين وهذا الأمر لن يتغير بسبب شيء سريع الزوال مثل الرغبة الجسدية. ها هي سيارتها تنتظر في الخارج. إنها جميلة جدا بلونها الأحمر الغامق وسقفها المفتوح. هذه السيارة ظهرت فجاة بعد يومين من وصولها. قال روان بابتسامة باردة
" هذه وسيلتي للتكفير عن ذنبي وسبيلك إلى الاستقلالية. أظن أنها شيء لن ترفضيه ". ورحل قبل أن تعبر له عن امتنانها. جعلتها السيارة تشعر بالفرح اذ سمحت لها بمغادرة الفيلا واكتشاف شبه الجزيرة، وزيارة الكنائس والتجول في الأسواق التجارية والجلوس لاحتساء القهوة تحت مظلات أحد المحلات في ساحة القرية. من الناحية العملية وفرت عليها السيارة المشي إلى فيلا ديوناسيس.
ها هو كونستانتين زاندروس ينتظر عند حافة الشرفة الكبيرة التي تطل على البحر. رحب بها بتهذيب لكن تحديقه بها وهو يناولها كوب الشراب تميز بالانتقاد.
" لقد خسرت بعض الوزن. ألا تحبين الطعام الذي يقدمه مطبخك أم أن السبب هو غياب ولدي الدائم؟ "
لم تتوقع هارييت هذا السؤال لكنها جلست باسترخاء في كرسيها وأخذت تمرر إصبعها على حافة الكوب.
" تاكيس طباخ رائع. حضر مساء أمس أفضل طبق دجاجي بالكاري سبق وتذوقته ".
" يجب عليه أن يطهو لك الأكل اليوناني ليزداد وزنك قليلا ".
انتظر ريثما وضعت الخادمتان اللتان تلبسان زيا رسميا الخبز وقدمتا الطبق الأول المؤلف من مزيج اللحم المفروم والأرز. عندما أصبحا وحيدين تابع قائلا " بعد ذلك الوقت الذي قضاه في إنكلترا أملت أن أرى ولدي أكثر لا سيما بوجود زوجة تبقيه في المنزل لكن أملي قد خاب. وأظنه خائب الأمل أيضا ".
توقف قليلا ثم أضاف " لو كان سريره أكثر دفئا لما غاب لفترات طويلة ".
أوقعت هارييت الشوكة في الصحن ولاقت تحديقه بوجه يحترق خجلا
" ما الذي تتكلم عنه؟ أنت لا تعرف شيئا ".
" لكن الخادمات يعرفن كل شيء. هناك من يقول إنكِ تنامين وحيدة. أهذا صحيح؟ "
" لا يحق لك التحدث في هذا الموضوع ".
" ألا يحق لي مناقشة سعادة أبني الوحيد؟ ربما لا يتكلمون عن هذه المواضيع في إنكلترا لكنك في بلادي الآن وحان الوقت لتعرفي واجباتكِ الزوجية وتحملي بطفل لولدي. هذا ما ينتظره الرجل من الزواج. ها أنا أخبرك الآن يا فتاة إن استمريتِ في رفضك له سيجد العزاء في مكان آخر ".
تمهل قليلا ثم أضاف " ما المشكلة؟ أما زلت غاضبة من الخدعة الغبية التي قامت بها تلك الفاسقة أم أنك لا تجدينه جذابا؟ "
ليس من السهل الدفاع عن النفس في حالة الغضب الشديد والخجل العارم لكن هارييت نجحت في الأمر. قالت بجفاء " لعل العكس هو الصحيح سيد زاندروس. ربما روان لم يعد يريدني ".
" إذا افعلي شيئا. أنت امرأة وللرجل رغبات لا تتطلب الحب والرومانسية على الدوام ". دفعت هارييت كرسيها إلى الخلف وقالت بتوتر " لن أستمع إلى هذا الكلام بعد الآن ".
" لا تبارحي مكانك. أعرف أنني لا أتكلم بطريقة لطيفة. أنا أيضا تزوجت من فتاة إنكليزية لم تكن تريدني وقد حطمت فؤادي. أتظنين أنني أود رؤية ولدي يعاني بالطريقة نفسها؟ "
ضرب قبضته بعنف على الطاولة وقال " لا.. وألف لا ".
أخذ نفسا عميقا وأضاف " تناولي طعامك الآن وسوف نتكلم عن مواضيع أخرى. جدك قادم من أجل الاحتفال بعيد ميلادك ".
أجبرت هارييت نفسها على تناول شوكتها وقالت بصوت متكسر
" هذا خبر.. رائع كيف أقنعته بترك حديقته المحبوبة؟ ".
رفع حماها حاجبيه الكثيفين بتعجب وقال " دعوته للإقامة معي وفي المساء سنقيم حفل عشاء.. حيث أدعو بعض الأصدقاء للتعرف عليه ".
توقف قليلا ثم أضاف " لن تعترضي على هذا كما آمل ".
قالت بصوت عال: " سيكون ذلك سارا جدا. شكرا لك ".
" إن أردت التعبير لي عن امتنانك صغيرتي أنجبي لي أحفادا ".
فكرت هارييت بانزعاج أنه يصر دائما على قول الكلمة الأخيرة بينما أجبرت نفسها على الاستمرار بتناول الطعام. بينما هما يتناولان القهوة اليونانية الحلوة في نهاية الوجبة سمعا صوت طوافة تقترب ورأياها تحوم فوق الرأس الآخر قبل أن تهبط. قال كونستانتين زاندروس بشيء من الرضى " آه ها قد عاد زوجك. أنا واثق أنك تتوقين للترحيب بعودته مثلما تفعل الزوجات عادة لذا لا تدعيني أؤخرك بنيتي ".
أسكتها الغضب الشديد. غادرت منطلقة بتهور عبر البوابة. توقفت على بعد خمسين مترا عند حافة الطريق وأخذت تحارب لاستعادة توازنها. صممت أن تكون هذه المرة الأخيرة التي ستدعه يكلمها فيها بهذه الطريقة. أكملت طريقها وهي تقود السيارة باهتمام مبالغ فيه فهي لا تريد وقوع أي حادث قبل أن تبلغ روان عن تصرفات والده. تركت سيارتها عند الباب ومشت إلى الداخل. توجهت نحو الجناح الرئيسي حيث وجدت تولا هناك تفرغ حقيبة في غرفة الملابس.
" آه أنا.. أنا أبحث عن السيد روان
" كان هنا سيدتي لكنه خرج مجددا. أظن أنه ذهب إلى ذلك المكان.. حيث يرسم ".

mymemory 22-11-16 03:16 PM

رد: 488 - لن ترحل الشمس - سارة كريفن
 
المحترف في القرية . ترددت هارييت قليلا ثم قالت " أيمكنك إرشادي إلى ذلك المكان؟". ظهر التعجب على وجه تولا وكأنها تتوقع من سيدتها معرفة المكان مسبقا " بالطبع سيدتي إنه قرب الميناء في الطابق العلوي للمنزل الذي يجاور حانة أريدان. لكن... لكنه لا يحب أن يزعجه أحد هناك ".
اجتاحت مخيلة هارييت بشكل لا إرادي صورة إبنيتا ديمترو. قالت باختصار قبل أن تعود إلى سيارتها " لا تخافي فهو لن يعترض ".
وجدت المكان دون أي صعوبة. الطابق السفلي للمنزل كان يستعمل مصنعا للفخار لكنه خال من العمال في الوقت الحالي. خارج المبنى هناك درج حجري أبيض يوصل إلى باب ازرق قديم. جلست هارييت في الخارج لبضع لحظات وهي تحدق إلى الأعلى وتستجمع أفكارها قررت أن الإندفاع بغضب وعنف ليس مجيدا التعقل قد يخدمها بصورة أفل. بدأت تصعد السلم بتمهل ثم طرقت الباب طرقا خفيفا. فتح الباب على الفور ووجدت روان أمامها.
قطب حاجبيه وسأل " هارييت ما الذي تفعلينه هنا؟ كيف وجدتني؟ ".
" تولا أخبرتني عن مكانك ".
أضافت بعد تردد " إن كان ذلك يعني أنك ستعاود الرسم فأنا مسرورة من أجلك ".
قال روان بسخرية " هل قدت السيارة هذه المسافة الطويلة لتشجعي محاولتي أن هناك سببا آخر؟"
" أحتاج..إلى التكلم معك.. بعيدا عن المنزل لكن إن كنت أقاطع شيئا هاما.."
" لا ادخلي أنا ببساطة ارتب المكان قليلا بعد غيابي الطويل ".
تنحى روان جانبا ودخلت هارييت. أخذت تتنشق الرائحة المألوفة للخشب والقماش والألوان الزيتية. لم يكن في المكان سوى القليل من الأثاث طاولة في إحدى الزوايا عليها حاملة الألوان والفراشي وكرسيان خشبيان وأريكة ممزقة تبدو مثل كرسي طويل تم دفعها نحو الحائط الآخر وهي منجدة بجلد من اللون الأخضر. تذكرت هارييت إن تلك الأريكة في لوحة إبنيتا كانت ذات غطاء مخملي قرمزي اللون فحاولت ألا تنظر إليها.
" إذا ما الذي أستطيع فعله من أجلك؟ "
" تناولتُ الغداء مع والدك اليوم ".
" آه أخبرك أن جدك سوف يأتي إلى هنا. لا تخافي عزيزتي هارييت عندما يأتي السيد فلينت سأستعيد قدرتي على التمثيل ".
نظرت هارييت إلى الأرضية التي يكسوها الغبار وقالت " لا ليس.. ليس هذا ما قصدته. أصر والدك على التكلم عنا.. عن زواجنا. يبدو أنه سمع عن... ترتيبات نومنا ".
" وماذا توقعت؟ هل ظننت أن ما تفعلينه كل صباح بالوسادة ينطلي على ذبابة؟ والدي يؤمن بالصراحة ".
احمرت وجنتاها وقالت " هذا واضح لكنه تجاوز حدوده. يا إلهي لقد طلب مني الذهاب إلى البيت.. والاستلقاء على ظهري.."
لم يحاول روان إخفاء استمتاعه وهو يقول " أيتها المسكينة هارييت لا بد أنه أثار غضبك. يا له من شخص قديم الطراز. وجب عليكِ إخباره أنك تفضلين وضعيات أخرى ".
للحظة رأت هارييت في عينيه ذلك البريق الرائع ولم تستطيع إبعاد نظرها عنه. قالت لاهثة:
" حسنا أفضل تجنب المزيد من هذه المحادثات البغيضة. ليتك تفسر له ذلك ".
" وماذا سأقول؟ أخبره أن زواجنا هو مجرد إدعاء أم اعترف أنني السبب في النفور الناشئ بيننا لأنني أعشق فتاة أخرى في أثينا؟ "
لم تستطع هارييت ردع نفسها فسألته
" وهل هذا صحيح؟ "
" أيهمك الأمر؟ أنت محقة. لا يجدر به مكالمتك بهذا الأسلوب. سأوضح له الأمر. لكن قبل أن تحكمي عليه من فضلك افهمي أنه تكلم بسبب خوفه علي وبسبب الآلام التي سببتها له أمي طوال تلك السنوات. حتى الآن هو لم يتخط الأمر ".
" نعم لقد ذكر الأمر. قال إنها كسرت فؤاده ".
" وهو فعل بالمثل. أحبا بعضهما من النظرة الأولى وتوقع منها أن تشعر بالسعادة فقط لكونها زوجته وأم أولاده لكنها كانت في بداية مسيرتها المهنية عندما التقيا. كانت بحجة إلى الرسم كما هي بحاجة إلى التنفس. بدأت تشعر باليأس والاختناق لأنها عجزت عن إفهامه أنها تريد أشياء أخرى غير الاستقرار المنزلي والمال. أما هو فجرحت مشاعره وانتابه الغضب. ألقى اللوم على رسوماتها وطالبها بالكف عن الرسم. رفض تقديم أي تنازلات وفي النهاية سيطرت عليها المرارة والشجارات فرحلت وأخذتني معها إلى إنكلترا وأنا ابن ثلاث سنوات "
بدا روان كأنه في عالم آخر. أكمل قائلا " ظنّ أنها سرعان ما ستعود بعد أن تدرك عدم قدرتها على العيش من دونه. في النهاية نفذ صبره وحاول استخدامي ليجبرها على العودة.. شن حربا قانونية من أجل الحضانة معتقدا أن ذلك سيعيدها إليه ".
تنهد متابعا " عندما تبخر أي أمل بالمصالحة تحولا إلى شخصين مستعدين لتمزيق بعضهما عبر المحاكم. نتيجة لذلك بالكاد أصبحت أرى والدي.. فجن جنونه وهدد باختطافي.. المرات القليلة التي تمكنت فيها من رؤيته تمت في إنكلترا تحت المراقبة. لكن سمح لي بالكتابة له وهكذا تعرفنا على بعضنا. بعد عدة سنوات سمح لي بالمجيء إلى اليونان وقضاء بعض الوقت معه "
تردد قليلا ثم أردف " لكنه كان دائما.. دائما يسأل عنها. أهي بصحة جيدة؟ أتشعر بالسعادة؟ هل أملك أي رسم فوتوغرافي لها؟ وعندما توفيت فجع لموتها وكأنهما لم يفترقا يوما. أرادها أن تعيش حلمه عوضا عن ملاحقة حلمها الخاص. لم يدرك يوما أن الحب الحقيقي أحيانا يترجم عبر ترك الحبيب يغادر ".
" هذا.. محزن جدا ".
" يبدو العالم أحيانا مكانا حزينا. والآن ألديك شيء آخر لنناقشه أم أكمل عملية التنظيف؟ " أيقنت هارييت أنه يطلب منها الانصراف لكنها تمهلت في الرحيل قائلة " يمكنني.. مساعدتك ".
قال بابتسامة ساخرة اقشعر لها جسدها " شكرا لكِ استطيع تدبر أموري بمفردي ".
" نعم كلانا نستطيع ذلك ".

خرجت إلى نور الشمس الساطع ثم بدأت فجأة بالارتعاش. أدركت أنها لن تشعر بالدفء بعد اليوم
انتهى الفصل العاشر

mymemory 22-11-16 03:17 PM

رد: 488 - لن ترحل الشمس - سارة كريفن
 
لفصل الحادي عشر والاخير

حلم يغدو كابوساً


أخيراً أتى اليوم الذي طاردها ترقبه لأشهر وقلب حياتها رأساً على عقب عيد ميلادها الخامس والعشرون
بدا النهار وكانها قطار عواطف سريع لا مجال للقفز منه. بدأت سلسلة الأحداث في الصباح عندما خرج روان من حمامهما المشترك عاقداً منشفته حول خصره واندس إلى جانبها في السرير دون أي تحذير وذلك قبل لحظات من دخول تولا حاملة الشاي لهارييت.
جاءت المفاجاة الثانية عندما اكتشفت هارييت أن الصينية المتالقة التي وضعتها تولا على الطاولة هي مجموعة من الخزف النفيس مؤلفة من إبريق شاي وإبريق حليب متطابقين مع فنجان وصحن تايعين لهما وعلى الصينية أيضاً غصن من الورد البري يحمل وردة غضة. فسرت لها تولا أنها هدية من طاقم العمل تكريما للسيدة في عيد ميلادها. رمقتهما الخادمة بنظرة استحسان قبل أن تغادر. أزاح روان الأغطية وغادر السرير وقال " تذكار من إنكلترا لك. هذه فكرتهم وحدهم ".
جاهدت هارييت لتستعيد هدوءها الطبيعي بينما جن جنون نبضها. قالت " إنها مبادرة جميلة منهم لكنها تجعلني أشعر كأنني مخادعة. وجب عليك منعهم من القيام بذلك "
نظر إليها روان بسخرية وقال " أشك في قدرتي على ذلك أرادوا أن يظهروا محبتهم لك عزيزتي هارييت. عندما تخبرهم تولا أنها وجدتنا في السرير معاً سوف ترتفع أسهمك ".
أكمل " من فضلك أن تجهزي نفسك بسرعة. والدي والسيد فلينت سيتناولان الفطور معنا "
قالت بصوت مجروح " أنا. . . أنا لم أنسَ ".
راقبته وهو يمشي نحو غرفة الملابس ويغلق الباب خلفه. تجمدت في مكانها للحظة وأدركت أنها استمتعت بدفء جسده غير المتوقع بجانبها. هذا مجرد سرير مزدوج من النوع الذي يستعمله كل الأشخاص المتزوجين حول العالم. لماذا بحق السماء هو هنا؟ تنهدت هارييت وأنهت الشاي ثم بدات بالتحضيرات من أجل هذا اليوم.
لم يكن لقاءها مع جدها بالأمس كما آملت. بدا جورجي فلينت متعبا من السفر وشديد التذمر من الحر. بعد عناق بسيط ابتعد عنها وأخذ يعاينها ثم قال " تبدين متعبة طفلتي. أهناك خطب ما؟ "
فكرت هارييت ربما يجب أن أحمل يافطة كتب عليها " أنا لست حاملاً "
أجبرت نفسها على الابتسام، وقالت " لا أنا حقاً. . . بخير "
أما العشاء الذي تلا اللقاء فتميز بالكثير من التكلف ولم يحركه سوى الأسئلة التي طرحتها هارييت. ذكر السيد فلينت الشركة قائلاً " تحسن أداء الشاب أودلاي بعد رحيلك. . . كمية الأمطار غير كافية للحديقة. . . السيدة وايد تظن أنها تعاني من داء المفاصل ولا تتوقف عن ذكر التقاعد والانتقال للعيش قرب منزل شقيقتها في تشلنهام. أخبرتها أن الشتاء سئ هناك ولن يعجبها ".
ابتسمت هارييت وحاولت ملاطفته كي يتحسم مزاجه " تقصد أنه لن يعجبك أنت لأنك ستضطر إلى تدريب شخص جديد مكانها "
" ربما حان الوقت من أجل تغييرات أخرى أيضاً ".
مع ذلك لم يتكلم بصراحة عن غريس ميد. بعد قليل اقترح كونستانتين زاندروس بلباقة أن ضيفه قد يود النوم باكراً ثم أخذه إلى فيلا ديناوسن فشعرت هارييت بارتياح غريب.
مع ذلك هي لم تقضِ ليلة مريحة. استحمت وارتدت تنورة من اللون الأخضر الفاتح وقميصاً بيضاء. انتابها شعور غريب بعدم الارتياح وكأن العاصفة على وشك الهبوب وهذا بالطبع غير منطقي لأن السماء بدت شديدة الزرقة كالعادة. قدم طعام الا فطار وقدمت بعض الهدايا لهارييت. قدم لها جدها واحدة من أحدث الكاميرات الرقمية. حصلت من كونستانتين زاندروس على لوحة صغيرة داخل إطار تمثل هذا الشاطئ مرسومة بألوان مائية. عند الزاوية السفلى إلى الجهة اليمنى كتب الحرفان " ف. أ "
سمعت روان يهتف " بابا. . . "
لم تحتاج هارييت للفرح الذي أبداه روان لتدرك معنى الهدية نظرت نحو والد زوجها ورأت ملامح اللطف المشبوبة بالحزن على وجهه الأسمر الاستبدادي. قال لها " تركت والدة روان بعض الرسومات هنا وقد. . . حافظت عليها. فكرت أنك ستفرحين بهذا المشهد الذي تعرفينه جيداً. عيد سعيد ".
" هذه هدية رائعة سأحافظ عليها دائماً شكرا لك".
أحنى كونستانتين رأسهن وقال " على الرحب والسعة يا حبيبتي "
أما هدية روان فهي عبارة عن علبة رفيعة على شكل مستطيل من المؤكد أنها مجوهرات. حضرت هارييت نفسها لرؤية بريق الماس وهي تفتح العلبة المخملية. وجدت نفسها تنظر إلى ملاك ذهبي يتميز ببساطة اخاذة عُلق بسلسلة. لمعت عيناها وهي ترفعه عن الساتان وقالت " إنه. . . جميل جداً. هو بالفعل مثالي أتضعه لي؟ "
وعندما رات تردده أضافت " من فضلك! "
غمرتها السعادة عندما احست بملمس أصابعه على مؤخرة عنقها وهو يغلق المشبك الصغير. ترك الملاك يستقر عند أسفل حنجرتها وقال بنبرة لم تسمعها من قبل " عساه يحميك دائماً هارييت ".
التفتت هارييت نحوه ورفعت يداً خجلة لتلمس خده ثم اقتربت منه كي يعانقها دركت أن يداه ارتجفتا قليلاً عندما لامستاها. لقد مضى وقت طويل. . .
وجدت نفسها تتمنى بشدة ويأس لو أنهما بمفردهما ولو أنها تستطيع تطويقه بذراعيها وتعانقه بشدة ليصبح عناقهما أكثر حميمية ثم تغمض عينيها وتنسى كل شيء بين ذراعيه. . .
أما هنا. . .فها هو روان يبتعد عنها بينما يبتسم الجميع. فكرت هارييت بصمت مهما جلب لي هذا النهار سأتذكر أنني للحظة من الزمن شعرت بسعادة حقيقية بعد انتهاء الإفطار اكتشفت أنها ستقضي معظم النهار بمفردها. أخذ كونستانتين جدها في جولة استكشافية وأعلن روان باختصار حاجته للعودة إلى أثينا لوقت قصير وأضاف أنه سيعود قبل موعد الاحتفال. أوشكت هارييت على سؤاله إن كانت تستطيع مرافقته لكنها اكتفت بالإيماء بإذعان وبعد برهة سمعت صوت الطوافة تغادر.
قررت قضاء فترة الصباح على الشاطئ كالعادة.
تساءلت وهي تنزل الدرجات لماذا لم ينضم إليها روان يوماً هناك حتى أثناء وجوده في المنزل. هي تعرف أنه يقوم بالسباحة أحياناً في ساعات الصباح الأولى وفي المساء أحياناً.

فكرت بكآبة ربما يفضل تذكر الخليج عندما كان يتشاركه مع شخص آخر. . .
خلعت دثارها وشدت كتفيها. ثم أرجعت شعرها إلى الخلف وقالت بصمت ليذهب الماضي إلى الجحيم
بدا الرمل شديد الحرارة فاستعملت حصير القش الذي يوضع كل صباح كممر يوصل إلى البحر. تقدمت بصعوبة حتى وصلت المياه إلى مستوى خصرها ثم بدات تسير ببطء.
بعد أن أكملت تمريناتها اليومية. عادت هارييت إلى الظلال الدافئة. استلقت هناك لبعض الوقت وراحت تفكر بتكاسل أن هذا المكان يشبه الجنة. أدركت بألم مفاجئ عدم قدرتها على الاستسلام لهذه الأحلام. سمعت صوت قارب صغير ذي محرك يتجه نحو الشاطئ وعلى متنه شخصان. بالطبع القوارب تمر من هنا لكن هذا الخليج ملكية خاصة ولا يأتي أي شخص من غير دعوة. يبدو أن هذين الزائرين غافلان عن ذلك. قررت بعد تردد التعامل بتهذيب لكن بحزم معهما.
عندما اقترب الزورق من الشاطئ انطفأ المحرك وقفز رجل يرتدي سروالاً قصيراً وقميصاً ذات مربعات إلى الماء وأخذ يسحب الزورق نحو الرمال. بعدئذ استدار ليساعد الراكب الآخر الذي تبين أنه امرأة. خرجت المرأة من الزورق ووقفت للحظة لتعدل قبعتها البنفسجية وشعرها المقصوص الذي يلمع كالفضة في ضوء الشمس.
أدركت هارييت فجأة هوية هذه المتطفلة غير المتوقعة. راحت تلك المرأة تتمايل على الشاطئ كانها تقدم عرض أزياء. لاحظت هارييت أنها لا ترتدي سوى ثوب سباحة مصنوع من الجلد وأخذ جسدها يلمع كأنها دهنته بالزيت. أخذت تتأمل هارييت من رأسها حتى اخمص قدميها. مظهرة السخرية وهي تنظر إلى ثوب السباحة المحتشم الذي ترتديه ثم قالت " اذا أنت الفتاة الإنكليزية التي اختارها روان لتكون زوجته وهو على ما يبدو نادم على اختياره ".
ردت هارييت بنبرة لطيفة " وأنت إينيتا ديمترو. اعذريني بالكاد عرفتك وأنت ترتدين ملابس "
" أهذا حس فكاهة إنكليزي؟ لم يسليني "
" جيد لا داعي إذا لإطالة هذا اللقاء وربما تطلبين من صديقك إعادتك من حيث أتيت "
ردت إينيتا " أنا هنا لأستعيد اللوحة التي رسمها لي روان. الآن بعد أن حقق النجاح قد تصبح قيمة جداً لهذا أنا أريدها. إذاً أنت تقررين متى أغادر "
رمت هارييت منشفتها على الأريكة وتناولت المستحضر الواقي من أشعة الشمس بلا مبالاة " آسفة لقد خانك حظك. تحولت ملكيتك إلى رماد يوم وصولي "
" ما الذي تقولينه؟ "
" أحرقها روان مع أغطية السرير التي خربتها شريكتك في الجريمة ".
للحظة أظهرت إينيتا نظرة شرسة ثم ضحكت بعنف وقالت " حسنا لا بأس إن خسرتها فقد حققت ما تمنيته. قمت بتذكير زوجك بما خسره. . .وأنت صفعته على وجهه وحرمته من جسدك "
أكملت " هذا تصرف ينم عن الغباء سيدتي. أتعتقدين أنه سينسى هذه الإساءة؟ على الرغم من دم والدته هو رجل يوناني وليس إنكليزياً شاحباً يرضى أن تسيطر عليه امراة. بدأ بالتخطيط للتخلص منك وإيجاد زوجة تناسب ذوقه. الجميع يعلمون ذلك ويشفقون عليك فهل ستنتظرين حتى يطلب منك الرحيل؟ لم لا ترحلين. . . ببساطة؟ "
قالت هارييت بسخرية " بينما تنتظرين أنت بفارغ الصبر لأخذ مكاني؟ "
قالت الفتاة ببطء " لا هذا لن يحدث. أدركت أن كل شيئ قد انتهى حالما تركته ورحلت. لن ينظر إلي مجدداً. هكذا يفكر رجال عائلة زاندروس. أتعتقدين أنني لم أحاول؟ "
أضافت بانتصار مرير " أنت أيضاً سيتم نسيانك عندما يبعدك عنه ويعيدك إلى بلادك "
أرجعت هارييت رأسها إلى الوراء وقالت ببرود ووضوح " أنا السيدة روان زاندروس وهذا هو بلدي "
لم تدر من أين أتت هذه الكلمات لكنها بدت مقنعة جداً. أكملت قائلة " والآن ارحلي من هنا قبل أن أنادي طاقم عملي وأجعلهم يبعدونك بالقوة "
" كلمات شجاعة سيدتي. لكنك ستبدأين بالبكاء قريباً جداً. عندها تذكري أنني أخبرتك ".
انتظرت هارييت في مكانها حتى اختفى الزورق عن النظار بعدئذ ارتمت على الأريكة ولفت ذراعيها حول جسدها. تذكرت كلمات روان " لا أتوقع منك شيئا بصفتك زوجتي " " يمكنني تدبر أموري لوحدي ". ما الذي قصده بقوله هذا؟
" هكذا يفكر رجال عائلة زاندروس " كل ما فعله وقاله خلال الأيام الماضية يؤكد ذلك.
صرخت في صمت مرير " أنا أحتاج إليه. . .أحبه. . . لا أستطيع العيش من دونه "
إلا أنها قد تضطر إلى فعل ذلك. ربما أبعدته عنها حتى لم يبق هناك أي أمل بالتراجع. رفضت بعناد التسليم بالحقيقة التي يخبرها بها قلبها إنها تحبه إلى درجة تجعل كل شيء آخر في عالمها تافهاً. قالت لنفسها بصمت: شعوري نحوه أخافني لذا لم اجرؤ على التركيز على مشاعري الحقيقية. بعد ما حدث لوالدتي وجدت أن حب كومة أحجار في الريف أكثر أماناً من حب رجل يحطم فؤادي. ظننت أنني لا أستطيع المجازفة. . . حتى ذلك النهار في منزل تيسا. يومها عرفت الحقيقة. . . شاهدت بوضوح كيف أريد أن أعيش حياتي. . . وبعد معرفتي بحقيقة لوسي زالت كل الحواجز التي تفصل بيننا. . . بالرغم من ذلك استمريت بالمحاربة. . . محاربة نفسي والإدعاء أنني اخوض حرباً ضده ربما يكون قد فات الأوان الآن وانتهى كل شيء.
لمست الملاك عند حنجرتها وتذكرت كلماته " عساه يحميك دائماً هارييت ".
آه لم أفهم الأمر حينها لكنه بالحقيقة قال لي الوداع في أروع لحظات سعادتي. . .
عندما عادت إلى البيت ذهبت تفتش عن بانيوس. قالت له " أحتاج إلى التكلم مع السيد روان. هل ترك رقم هاتف معك؟ من فضلك ".
" سيزور مكتب المحامي سيدتي لكنني أظنه غادر الآن. أتريدينني أن أتاكد؟ "
شعرت كأن الحياة تفارق جسدها وكأن صخرة أطبقت على صدرها المحامي. . . إذاً بدأت عملية الانفصال. روان لا يريد إضاعة الوقت. إنه يريد إزالة هذه المشكلة من حياته ليخطط لمستقبله. أخبرها أنه سئم الخداع وهذا هو الإجراء العملي الذي يجب إتباعه. قالت بعد جهد:
" لا أظنني سأنتظر "
القرار الحقيقي الوحيد الذي توصلت إليه بعد أن عاشت أطول يوم في حياتها هو أنها لن تستجدي أبداً. عندما يخبرها بقراره ستتقبله دون أي تذمر. عليها الحرص على جعل افتراقهما وقوراً لات دموعن لا نوبات غضب ولا اتهامات. سترفض أي شيء يعرضه عليها المحامون لكنها لا تعرف إلي أين ستعود. شقتها مؤجرة لستة أشهر على الأقل ومن الواضح أنها فقدت موقعها في شركة فلينت أودلاي.

mymemory 22-11-16 03:19 PM

رد: 488 - لن ترحل الشمس - سارة كريفن
 
فكرت متنهدة ربما يقبل جدي توظيفي كمدبرة منزل لديه إذا قررت السيدة وايد الاستقالة. ربما يجدر بي الطلب من تاكيس أن يعلمني الطهو ومن بانيوتس أن يعلمني فن التدبير المنزلي عوضاً عن السباحة والحمامات الشمسية. لكنني بطريقة ما تشربت حب هذا المكان وأصبح يجري في عروقي. وجدت الراحة والأمل في الصخور والأرض والسماء الأزلية. آه سأترك كل آمالي هنا عندما أغادر. .
أكملت هارييت حياتها بصورة طبيعية. أخذت تجهز نفسها لعشاء عيد ميلادها بهدوء. غسلت شعرها وطلت أظافرها وتبرجت بطريقة جعلت تولا تصرخ فرحاً عنجما رأتها. قامت بكل الأشياء التي تكرهها وتعتبرها تحفيزاً غير ضروري لحواس الرجل. إن كانت هذه ليلتها الأخيرة بصفتها زوجة روان ستحرص على الظهور بأفضل طريقة ممكنة. اختارت فستاناً من الشيفون الأبيض الناعم ذا شرائط رفيعة تنورته تبدو شديدة الانسياب على جسمها. إنه فستان رومنسي لامرأة تتوقع. . . تريد. . . أن تلفت نظر حبيبها. . .
عندما انضم إليها روان على الشرفة ورأت رشاقته وتألقه الرائعين في سترته وربطة عنقه السوداء الرسمية منحته ابتسامة لطيفة.
" هل حان وقت الذهاب؟ "
جلس روان على الكرسي المقابل وقال " أخبرني بانيوس أنك أردت التحدث إلي اليوم ".
تمنت لو أنه لم يذكر الموضوع لكن لحسن حظها يمكنها التذرع بموضوع ما. هزت كتفيها وقالت " فكرت أن اعلمك أن أحد أصدقائك زارنا اليوم "
قطب حاجبيه ولم يزعج نفسه بالسؤال عن هوية الضيف " هنا. . . في المنزل؟ لم يخبرني أحد بذلك "
" عند الشاطئ أرادت استعادة اللوحة. أخبرتها باستحالة الأمر فاستاءت قليلا. ربما يجب أن ترسمها مرة أخرى ".
" أفضل خسارة شعري ونصف أسناني "
تأملها للحظة ثم سألها " هل أزعجتك؟ "
" بل ادهشتني وكأنني أرى تلك اللوحة تتحرك. لابد أن البحار الذي أحضرها إلى هنا وجد صعوبة في إبقاء يديه على دفة القيادة "
قال بندم " آسف لأنك اضطررت إلى التعامل معها. كان يجدر بي البقاء هنا. . . لأكثر من سبب "
تمهل قليلا ثم أضاف " مع الأسف كان عملي في أثينا ضرورياً وهو شيء علينا مناقشته ".
أحست بيد تقبض على قلبها فقالت بسرعة " ليس الآن من فضلك يمكننا الانتظار. . . إلى ما بعد الحفل "
" ظننتك لا تريدين الاحتفال "
" اعتدت على الفكرة "
" كما تريدين لكن حديثنا لا يمكن تأجيله إلى أجل غير مسمى "
" لا أحاول أن أبدو مراوغة بل أود الاستمتاع بحفل عيد ميلادي "
أضافت بعد تردد " من اللطف أن يعطيني والدك تلك اللوحة مع أنه لا يحبني "
" بل هو يستنكر زواجنا عزيزتي هارييت وصدقيني وجه إلي الانتقاد أيضاً "
سألته دون أن تنظر إليه " أيعرف بشأن حبيبتك في أثينا؟ "
أجاب روان بلطف " لا ولا يعرف أيضاً عن الفتيات في باريس ونيويورك ولندن. أهذا ما أردت سماعه؟ "
" الأمر. . . حقاً لا يعنيني. أنت رجل حر وما دمنا قد بدأنا هذا الحديث ربما يجب أن نتكلم الآن "
نظرت في عينيه وقالت:
" متى ستعيدني إلى إنكلترا؟ "
قال روان " غداً. . . مع جدك. يبدو هذا الحل الأفضل "
" أنت على حق بشكل سريع ونهائي ودون أي مشاكل. هل أملك الوقت لتوضيب حقائبي؟ "
" بدأت الخادمات القيام بذلك "
" يا إلهي لم تغفل عن أي تفصيل. أنت حقاً. . . لا تطيق صبراً "
قال بقسوة " انتهت هذه المهزلة هارييت هي لم تنطل على أحد ليس على والدي أو حتى على جدك. علم جدك منذ البداية أنك لا تريدين أن تصبحي زوجتي وأن هذا الزواج مجرد وسيلة لهدف آخر. أظنه يلقي اللوم على نفسه في فعلتك هذه "
" لكنه لم يحاول إيقافي "
" لا لكنه أدرك أن الوقت حان لإنهاء هذا الفصل المحزن والبدء بعيش حياتنا من جديد "
أضاف بعد برهة " سيفسر الأمر على أنك ذاهبة إلى بلادك لتوقيع بعض المستندات القانونية "
" لكنني لن اعود أبداً. هل سيكون الهجر هو سبب الطلاق؟ التاريخ يعيد نفسه "
" لدينا اتفاق ما قبل الزواج وهو يشترط وضع نهاية لهذا الزواج. ربما يجب استخدامه "
" بالطبع لماذالم يخطر الأمر ببالي؟ أنت حفظته عن ظهر قلب. . . كل ثغرة. . . وكل زلة. أظنك سبق وحضرت أوراق الطلاق أيضاً وهي المستندات التي تريد مني توقيعها "
" لا هذه مسألة مختلفة تماماً عزيزتي هارييت قرر جدك أن يحول ملكية غريس ميد إليك. بالرغم من كل شيء أظنه أعجب ببراعتك وإصرارك. سوف يعلن عن هذه الهدية المميزة أثناء تناول العشاء الليلة. . . عشية عيد ميلادك الخامس والعشرين. هذا يعني أنك حققت الفوز. أصبح المنزل لك وتحقق حلمك "
لقد تحول الحلم إلى كابوس هي من فعلت ذلك بنفسها. الآن عليها الابتسام وإدعاء الفرح العظيم بينما كل ما تريد فعله هو الاختباء في زاوية مظلمة والبكاء حتى تجف مقلتيها. .
انتهى الفصل الحادي عشر


الفصل الثاني عشر

ترحل بلا قلب



حوالي الساعة الثالثة صباحا أعادها ياني إلى المنزل. لم يرافقها روان لأن الكثير من الضيوف لم يبدوا بعد أي استعداد لمغادرة الفيلا لكن قدرتها على الاحتمال نفذت. فكرت هارييت بخيبة أمل قدماي تقتلانني من الألم والحزن يكاد يميتني.
تضمن حفل العشاء عدداً كبيراً من الأصدقاء إذ عاد كونستانتين زاندروس إلى خطته الأولى فزحزحت الطاولات التي وضعت على الشرفة تحت ثقل الطعام الذي يكفي السكان القاطنين على مسافة مائة ميل. هذا ما ظنته هارييت التي كادت تترنح من دوي الضحكات والكلمات المرحة التي هاجمتها من كل صوب بينما ودت لو أنها تختفي داخل حفرة سوداء حيث يمكنها أن تنتحب بصوت مرتفع بسبب ألمها وعدم قدرتها على تصديق ما يحصل لها. رافقها روان من مجموعة إلى أخرى ويده تمسك مرفقها بقوة لاحظت بوضوح ابتسامات الاستحسان الموجهة لهذا الشاب الطويل القامة الذي يبدو قلقاً على زوجته الخجولة. تمتمت بعنف
" هذه قمة النفاق "
" اعتبري الأمر تضحية أخيرة قبل استعادة حريتك... المحنة الأخيرة التي يجب تحملها ".
قالت في سرها بل أن تبدأ المحنة الحقيقية...قضاء بقية حياتي من دونك. آه يا إلهي
مع تقدم السهرة اقترب سيل من الرجال المتقدمين في السن الشديدي الأناقة من هارييت. أخبرها الجميع أن روان صبي رائع وذكي لكنه مع الأسف ولد وحيد لوالد وحيد موضحين لها مهمتها مع ابتسامة لطيفة. أخذت هارييت تتساءل بملل ماذا عساي أجيبهم؟ أأقول أنني أيضاً ابنة وحيدة لكن المرأة التي ستحل محلي قريبا سيكون واجبها الوحيد الإنجاب؟ لاحظت في مرحلة ما أن روان منشغل مع امرأة سمراء أنيقة يبدو الغضب والاعتذار على وجهها وهي تحرك يديها بعنف عندما تتكلم.
بدت هارييت منتبهة لكل من يقترب من روان ويتكلم معه. لم تكف عيناها عن التفتيش عنه بين الحضور بشوق كبير. عندما انضم إليها روان في وقت لاحق أخبرها بإيجاز
" تلك ماريا كريسادس. سمع زوجها الذي تجمعني به بعض الأعمال بما أقدمت عليه إينتيا هذا الصباح فأجبرها على مغادرة منزله دون عودة "
" هل ستصبح منبوذة الجميع الآن؟ "
" لا أدري فهذه المرأة لا تشعر بالتعب أبداً "
أومأ نحو بضعة أشخاص يشقون طريقهم ضاحكين عبر الشرفة بسلسلة خطوات متناغمة وعقدة
" تعالي وارقصي معي "
ترددت هارييت وهي تفكر بمدى قدرتها على تحمل قربه منها قبل أن تنهار.
" لا شكراً لك. . . لا أعرف. . ."
" ذلك أفضل من التخمينات. . . ستأتي كل امرأة متزوجة لتعطيك النصائح عن الغثيان الصباحي "
" ربما يجب أن نعلن الأمر ونوضح أن مستقبل سلالة زاندروس لا يعتمد عليّ "
" لا أحتاج إلى الكلام سيتوضح الأمر قريباً "
ثم أخذ روان يدها وجذبها كي ترقص
" استمعي إلى اللحن وراقبي المرأة ذات الرداء الأصفر هي راقصة جيدة "
أخذت هارييت تتعثر في البداية لكنها تدريجياً ومع إرشاد روان لها بدأت تفهم أسلوب الرقص. عندما انتهت الرقصة صفق لها الجميع بفرح. فكرت بسخرية أنها الليلة نجمة السهرة وغداً منبوذة مثل إينتيا.
بعد ذلك وجدت نفسها ترقص باستمرار لكن ليس مع روان. تمثل الحدث الأبرز في السهرة بوقوف جورجي فلينت ليعلن عن الهدية الحقيقية لحفيدته وهي منزل في الريف الإنكليزي يدعى غريس ميد.
سُمعت الهمهمات المتفاجئة السعيدة عندما ترجمت كلماته وأخذ الحضور يتناقلونها. وقفت هارييت إلى جانبه فاحتضنها بخجل. لطالما خجل جورجي فلينت من إظهار عاطفته للعلن. فكرت هارييت أنه يجدر بها إظهار الامتنان والبهجة لا الحزن والخوف. ذكرت نفسها أنها لطالما أرادت هذا المنزل فلماذا فقد الآن أهميته؟
إن تحولها إلى وريثة غنية رفع أسهمها في نظر الحضور لتصبح جديرة بموقعها كزوجة لروان زاندروس. سرعان ما أحاطت بها مجموعة من السيدات الشابات وكلهن متلهفات لزيارتها لهن لتنأول الغداء لتسوق. . . لاحظت هارييت خيبة أملهن عندما قالت إنها ذاهبة إلى إنكلترا لإجراء بعض الترتيبات بشأن منزلها الجديد. رأت روان يراقبها من الطرف الآخر للشرفة وقد بدت عيناه مظلمتين ووجهه غير معبر.
تذرعت بالتعب لتتمكن من المغادرة لكنها متأكدة من عدم قدرتها على النوم هذه الليلة. بدت غرفتها كئيبة مع هذه الحقائب الموضبة والمصفوفة عند الجدران. تذكرت بألم تلك الليالي التي استلقت خلالها في هذا السرير تؤرقها وحدتها وهي تتساءل عن روان البعيد عنها واستيقاظه لأسباب مختلفة تماماً. فكرت بمرارة كيف أخبرها بلا مبالاة عن رفيقات لياليه. أخذت تجاهد لخلع فستانها ثم رمته في أقرب حقيبة. ربما افترض أنها لا تكترث لكونه يقيم علاقات حميمية مع سواها بينما مزقتها هذه الحقيقة إلى إرب. فكرت بتعاسة أنا من جعلته يعيش كرجل عازب وعليّ تحمل العواقب. هذا يعني أيضاً أنها عادت كما كانت (( العانس الشمطاء )) كما وصفها جون أودلاي أما مستقبلها فعقيم تماما مثل جسدها.
ارتدت ثوب نومها الحريري البنفسجي اللون الذي اشتراه لها روان قبل مغادرتها لندن. شعرت حينها ببعض الخجل عندما رأت الصندوق الملفوف بشريط على سريرها لكنها بالطبع لم تتمكن من الاعتراض على محتواه فشكرته بتكلف وارتدت ذلك الثوب. عقدت الحزام حول خصرها النحيل ثم فتحت الأبواب الزجاجية بهدوء وخطت حافية القدمين إلى الشرفة المحيطة بالمنزل. جلست على أحد الكراسي وأرجعت ظهرها إلى الخلف ثم أخذت تحدق في الظلام. ها هو الهدوء يسود المكان. هناك في فيلا كونستانتين توقفت الموسيقى ورحل الضيوف. انتهى الحفل وسرعان ما سيعود روان إلى المنزل.
قالت لنفسها " يجب أن أعود إلى الداخل وادعي النوم في السرير بدلا من الانتظار هنا متمنية نظرة أخيرة منه "
إنها امرأة في الخامسة والعشرين من عمرها تتلهف لرجل قضى معها ليلو واحدة لأنه اعتبر الأمر أحد حقوقه. . . ليلة أيقظت فيها الشغف ثم تركها تكتشف الحب وحدها فيما قرر أن دورها في حياته قد انتهى. عانت هارييت الكثير من تلميحات الضيوف حول إنجاب وريث للعائلة لكنها ما كانت لتنزعج لو أن هناك احتمالا لإنجاب طفل. هذا حزن أضافي ستحمله معها حين تغادر أما غريس ميد المنزل الذي لطالما وصفه جدها بأنه منزل العائلة فستسيطر عليه التعاسة والعزلة.
رفعت كتفها بعناد وذكرت نفسها أن عودتها لن تتميز بالتعاسة المطلقة. سوف تنتظر مولود تيسا.
" هارييت "
أجفلت لسماع صوته وأدركت أنها لم تلاحظ اقترابه منها. وقف روان حاملا حذاءه ورمخيا ربطة عنقه.
" ما الذي تفعلينه هنا؟ "
" يمكنني طرح نفس السؤال عليك. لم أتوقع منك أن تتسلل "
" قررت العودة سيراً على القدمين أما أنت فلديك رحلة غداً ويجب عليك النوم "
قالت هارييت بصمت " لدي سنوات وسنوات للنوم لكن القليل لأقضيه معك "
هزت رأسها وقالت " يمكنني النوم في الطائرة. حالفك الحظ بإيجاد بطاقة سفر في هذا الوقت القصير "
" نحن نملك بعض الأسهم في شركة الطيران هذا ساعدني "
" آه نسيت أنه بحركة من إصبعك. . . يصبح الجميع طوع بنانك "

mymemory 22-11-16 03:20 PM

رد: 488 - لن ترحل الشمس - سارة كريفن
 
" لم أجدك يوماً مطيعة عزيزتي هارييت "
ثم تقدم نحو الأبواب الزجاجية
قالت هارييت بتشنج " روان. . . لا تذهب انتظر قليلاً "
" لدي عمل غداً "
" إنه. . . مجرد يوم آخر "
قال روان بتردد " أتريدين سيئا محدداً؟ "
قالت بصمت نعم أنا. . . أنا أريدك. إن كنت سأصل إليك بمجرد عبور الشرفة فهذا ما سأفعله. لكن أصبح بيننا الكثير من الرفض. . . وقد ابتعدت كثيراً. . . كثيراً عني
قالت بتردد " ربما ما زال هناك. . . ما يقال "
" إن كنت تقصدين مسألة الأموال ستجدينني كريما جداً. . . أكرم مما كنت أنت معي "
شهقت قائلة " لا يا إلهي لا لن آخذ فلسا واحداً منك. لدي معارف في بعض الشركات في لندن وانوي أن أعمل "
ساد الصمت للحظة ثم قال روان بلباقة " اسمحي لي أن أتمنى لك الحظ الجيد سيدتي "
تبعته هارييت إلى غرفة النوم المضاءة. قالت في سرها افعلي شيئا. . . قومي بالمجازفة. . . لربما يفهمك
أمسكت كم سترته وقالت بصوت منخفض " لا أريد البقاء وحيدة الليلة ابق معي. . . من فضلك "
نظر روان نحو السرير ثم نحوها. قال بلطف " أنت لا تدركين معنى ما تطلبينه هارييت. جوابي هو لا "
سألت " ألا تريدني؟ "
رفع كتفه قليلاً:
" بلى طبعا لكنني اكتشفت أن ذلك غير كافٍ. . . تصبحين على خير "
ثم دخل وأغلق الباب خلفه. إذا هذه هي الذكرى التي ستلازمها
أبواب تغلق وتبقيها في الخارج. هذه الأبواب لن تفتح مجدداً.

ربت جورجي فلينت على يدها وقال بنشاط " حسنا انتهى الأمر بأفضل شكل ممكن. أنت شاحبة يا عزيزتي لكن سرعان ما تعودين إلى المنزل حيث تنتمين عندها يمكنك ترك هذا السخف خلفك "
أومأت هارييت التي كانت تحدق بفتور من نافذة السيارة " أنا آسفة جدي على ما فعلته الأمر غاية في الحماقة "
" لست الملامة الوحيدة صغيرتي أنا. . . ظننتك تقابلين بعض الشبان. . . والمسألة لا تتعدى اتخاذ قرار وكل ما تحتاجينه. . . وكزة صغيرة في الاتجاه الصحيح "
فكرت هارييت وكزة صغيرة؟ يا إلهي! بدا الأمر أشبه بالاصطدام بسفينة
أكمل جورجي قائلا " لم أتوقع أبداً أن تختاري شخصا غريباً بالكامل. ذهلت عندما جاء لرؤيتي واخبرني عما تنوين القيام به كما تجرأ وهزمني في لعبة الشطرنج ذلك الشيطان المتعجرف. حسناً لقد خسر ثقته بنفسه الآن بالرغم من ملايينه ووسامته اللعينة "
قالت هارييت وهي مقطبة الحاجبين " هزمك؟ أخبرني أن اللعبة انتهت بإحراج الشاه "
" آه تلك مسألة مختلفة تماماً "
بهتت هارييت لبرهة ثم سألته " جدي ما دمت قد عرفت لِم لم تقل شيئا. . . وتنهي الموضوع؟ "
" شعرت برغبة ملحة لأرى زوجك العتيد يفشل فشلاً ذريعاً حسنا لا يمكنه القول أنني لم احذره، أفترض. . . أنه تصرف باحترام نظراً إلى كونه شخصا لم يواجه الفشل في حياته مع النساء "
" حذرته. . . مِما حذرته؟! أنا لا أفهمك "
" بشأنك حبيبتي وبشان غريس ميد. أخبرته أنه لن يفوز. ما من شيء أو شخص أهم لك من ذلك المنزل لكنه لم يصدقني قال على الرغم من أنك لم تحبينه بعد فإن الوضع سيتغير بعد زواجكما. قال إنه يحبك إلى درجة تجعله متأكدا من قدرته على جعلك تنسين أمر غريس ميد وقضاء بقية حياتك معه "
بالكاد عرفت هارييت صوتها عندما قالت " أهو. . . قال ذلك؟ "
" بالأضافة إلى الكثير من الكلام التافه عن حمايته لك وتكريس حياته من أجل سعادتك يا له من شخص واهم أخبرته بذلك لكنني منحته بعض الوقت وطلبت منه أن يكسب حبك قبل حلول عيد مولدك. بالطبع لم أفرح عندما أتى بك إلى اليونان لكنني أوضحت له أن المهلة النهائية ما زالت قائمة. لا يلزمني سوى عرض المنزل عليك وعندها ستعودين إلى إنكلترا على الرغم من أمواله "
نظر إليها جدها بالكثير من الرضي وقال " ها نحن هنا علمت انك لن تخذليني. باركك الله "
قالت بحذر " أيحبني ويتخلى عني. . . بكل بساطة؟ "
تململ جدها بانزعاج وقال " لا تظلميه هو لم يكن يود التخلي عنك بالرغم من إلحاح والده. توسلني لأمنحه المزيد من الوقت. حأول إلغاء الاتفاق برمته لكنني حذرته أنه إن لم يتركك سوف أبيع غريس ميد ونرى إن كنت ستحبينه بعد ذلك "
ثم أضاف " بالطبع هكذا حسمت المسألة "
أخذت هارييت نفساً عميقاً وقالت " يا إلهي كيف أقول " عد أدراجك " باللغة اليونانية؟ "
انحنت وربتت على كتف السائق ثم قالت " توقف. . . ياني وعُد. . . إلى. . . إلى السيد روان. أقسم أنني سأبداً تعلم دروس اللغة اليونانية غداً ن فهمتني الآن "
أضافت عندما وجه ياني السيارة بالاتجاه المعاكس " آه الحمد لله. . . الآن. . . أسرع "
" لم أكن امزح. سأبيع المنزل ن لم تعودي معي. لدي الكثير من العروض الجيدة "
" إذا قبل أحدها أو كلها. لم يعد الأمر يهمني. المنزل الوحيد الذي أريده هو هنا مع زوجي. يجب أن اجعله يصدقني بطريقة ما "
عندما وصلا إلى المنزل ترجلت هارييت قبل توقف السيارة. ركضت إلى داخل المنزل وهي تنادي روان. دخلت بسرعة إلى غرفة الاستقبال كنها لم تجد سوى والد زوجها واقف أمام النافذة. نظر كونستانتين زاندروس مطولاً إليها ثم قال " هارييت ظننت أننا شاهدناك للمرة الأخيرة. ماذا فعلت بجدك؟ "
" إنه بالسيارة. أنا واثقة أنك وددت التخلص مني "
رفعت ذقنها وحدقت به قائلة " لكنني سأخيب ظنك. سيد زاندروس. ها قد عدت لأبقى. لن تتمكن من فعل أي شيء لتمنعني "
بلعت ريقها وأكملت " أنا زوجة ابنك. إن اضطررت سأخيم عند عتبة الباب حتى يقبل بي مجدداً لأنني أحبه. . . أتسمعني؟ "
أكملت وهي تكاد تبكي: " آه يا إلهي أنا أحبه أكثر من أي شيء آخر في هذا العالم وسأخبره بذلك "
تجأوزها كونستانتين بنظره وقال بجفاء " أظن يا صغيرتي أنه بات يعرف ذلك الآن "
التفتت هارييت لترى روان واقفا خلفها وهو يرتدي ملابس السفر ويحمل حقيبة في يده. حدق بها ووجهه الأسمر شاحب من الصدمة. لم يتحرك أو يتكلم للحظة ثم قال " أهذا صحيح؟ "
قالت بحماس " نعم. . . نعم هو كذلك في البداية كنت شديدة الغباء وبعد ذلك لم أتجرأ على الاعتراف بذلك لشدة خوفي. . . لأنك استمريت بالابتعاد عني "
" ما كنت أستطيع الاقتراب منك ما دمت لا تحبينني "
" لكنك أحببتني لدرجة أنك سمحت لي بالمغادرة لأحقق حلمي "
نظرت إليه بعينين مليئتين بالحب وأكملت " آه حبيبي أظننت أنني أحب كومة من الحجارة في الريف أكثر منك؟ "
تنحنح كونستانتين زاندروس وقال " سأبحث عن السيد فلينت وأحأول مواساته. أراكما لاحقاً ربما بعد عدة أيام "
ابتسم لهارييت بلطف " عندها ربما ستتمكنين حبيبتي من مناداتي بابا "
ثم رحل وتركهما معا. تقدم روان نحوها فأوقفته هارييت بحركة سريعة من يدها. وقالت متلعثمة " حبيبي هناك شيء أود قوله. . .في البداية. . .أنا. . . نحن. . ."
أكملت وهي تلهث: " أنا. . . أنا لا ألومك على ما فعلته. تصرفت معك بقسوة. لكن لا يمكنني مشاركتك مع أحد. . . ليس عندما يكون زواجنا حقيقياً. ذلك سيدمرني "
قال روان بتمهل:
" آه نت تقصدين حبيبتي في أثينا والأماكن الأخرى "
تنأول محفظته وأخرج منه ورقة مطوية وقال " ستعرفين من تكون "
سرعان ما تبين لهارييت أنها ورقة من دفتر رسم تمثل امرأة مستلقية في السرير الغطاء منحسر عن جسمها بحرية. كان رأسها مسترخياً على ذراعها فيما بدا شعرها مثل سحابة منتشرة على الوسادة. بدا وجهها جميلاً لطيفا وقد علت ثغرها ابتسامة رضى أثناء نومها.
" متى فعلت ذلك؟ "
" ليلة زفافنا. استيقظت باكراً ولم أتمكن من التفكير سوى بصوتك يقول لي إنك لن تحبينني أبداً. خفت أن يكون الأمر حقيقيا. احتجت إلى تذكار أبقيه معي. . . عله يعطيني الأمل "
نظرت هارييت إلى الرسم مرة ثانية وقالت بخجل " أنا. . . لا أبدو حقا هكذا "
" بلى وستبدين كذلك كل صباح من حياتنا معاً جميلتي هارييت "
ارتجفت شفتاها وابتسمت قائلة " لا يمكنك مناداتي هكذا. أنا لست جميلة أبداً "
احمرت خجلا من نظراته حين قال " بالنسبة لي أنت أجمل النساء يا حبي الجميل الصعب المنال "
همست هارييت قائلة " سأعوضك عن تلك المرات التي قلت فيها إنني لا أريدك أقسم لك "
" أنا ممتن جدا لسماع ذلك. ربما يجب أن تبدئي الآن قبل انتهاء فترة الندم هذه "
اقترب روان منها وحملها بين ذراعيهن ثم سار بها عبر الرواق إلى غرفة نومهما. وضعها على السرير ببطء وعناية فائقة كأنه يتعامل مع كنز نفيس. ابتسم عند رؤية عينيها المبتهجتين. عانقها بقوة وشغف حمله كل ما في قلبه من مشاعر حب وما في كيانه من توق إليها. في النهاية فارقهما كل تحكم فغرقا في غمامة من السعادة الخالصة. . .
بعد مرور وقت طويل قالت هارييت بتكاسل " يا له من سرير رائع وأنت دائما في متنأول يدي "
قال روان وشفتاه على شعرها " أظن أننا سنقضي بعض الوقت في أسرة أخرى حبيبتي أريد أن آخذك في شهر عسل "
قالت " همم. . . أتفكر في مكان محدد سيدي؟ "
تردد قليلا وأصبح وجهه فجأة جدياً " فكرت. . . بجنوب أميركا لذلك زرت المحامين في أثينا البارحة. يظنون أن وكلاء التحقيق قد اقتفوا أثر والدتك "
لم تستطع هارييت الكلام لبعض الوقت " أحقاً. . . أفعلت ذلك. . .من اجلي؟ آه حبيبي "
توقفت قليلا وهي تحأول كبح دموعها " أنت تدرك. . . ربما هي لا تود رؤيتي بعد مرور هذا الوقت "
" أظنها ستفعل لكننا سنكتشف ذلك معاً "
قالت هارييت بتنهيدة تدل على السعادة التامة " نعم معاً "
ثم رفعت ذراعيها وعانقته
ت__________م_________ت

mymemory 22-11-16 03:30 PM

رد: 488 - لن ترحل الشمس - سارة كريفن
 
خلصت يبنات يا رب تكون عجبتكوا

ومتنسوش تقولوا رايكوا فيها وتشجعونى


قراءه ممتعه للجمييييييع

yasmin.foll 25-11-16 04:04 AM

رد: 488 - لن ترحل الشمس - سارة كريفن
 
روايه رائعه تسلم ايديكي على النقل

أمورة بس مغرورة 19-01-17 08:01 AM

رد: 488 - لن ترحل الشمس - سارة كريفن ( كاملة )
 
رواية رووووعة تسلم ايديكي ومنتظرين جديدك بالتوفيق

mymemory 23-01-17 12:48 PM

رد: 488 - لن ترحل الشمس - سارة كريفن ( كاملة )
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمورة بس مغرورة (المشاركة 3671487)
رواية رووووعة تسلم ايديكي ومنتظرين جديدك بالتوفيق

تسلمى حبيبتى ويسعدنى مرورك وانها عجبتك

ندى ندى 15-02-17 04:40 AM

رد: 488 - لن ترحل الشمس - سارة كريفن ( كاملة )
 
رواية رائعه شكرا حبيبتي على المجهود الرائع

حنان محمد ابراهيم 27-07-17 07:43 AM

رد: 488 - لن ترحل الشمس - سارة كريفن ( كاملة )
 
الرواية غاية فى الرووووووووووووعةشكرا وتسلم ايدك

paatee 30-11-17 07:54 AM

رد: 488 - لن ترحل الشمس - سارة كريفن ( كاملة )
 
حلوه مررررره اعجبني اختيارك موفقه حبيبيتي تسلم الانامل

fadi azar 06-02-18 10:31 PM

رد: 488 - لن ترحل الشمس - سارة كريفن ( كاملة )
 
مشكورة على الرواية الرائعة

doda qr 27-02-18 03:25 AM

رد: 488 - لن ترحل الشمس - سارة كريفن ( كاملة )
 
يسلمووووووووو

هتونا 16-02-22 05:02 PM

رد: 488 - لن ترحل الشمس - سارة كريفن ( كاملة )
 
حلوة جدا احلا تحية بالميري إلى منتدى ليلاس
اتمنى تشوفي حلا في باقي أقسام روايات المترجمة ماعم تظهر الرويات والصفحات ودمتم في قلبي سكنه


الساعة الآن 01:21 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية