رد: حبات مطر من غيمة الشتاء | بقلمي .
الغيمةُ الأولى :
حبّةُ المطرِ الخامسة : اندهشت [ رشـا ] : فـارس ؟ شعرفك فيه ؟ بعدها أردفت و هي تتذكر الذي حدث ذاكَ اليوم حين ضغطت خطأً على مُكبرِ الصوت ، ابتسمت : فـارس ولد خالي ، و انت تعرف الحريم و سخافاتهم لازم يخطبوا حد لحد ، و هذا الكلام كان مَزح و وقتها كنت صف 7 ، بس بنت خالتي لليوم ماسكتها لأنها تعرف انه ما في شي ينرفزني غير هالشي ، بس ! هذا كل شي . انصدم [ مُراد ] من حديثها ، و طول تلكَ الأيام كان يحس ببعض القهر ، في النهاية كانت ابنة خالتها تمزح ، في الحقيقة أحَّس الآن أنهُ أحمق .. أحمقٌ كبير . أردفت [ رشـا ] بكذب : كنت أحسبك مُراد ، مراد أخوي ! قالَ بتساؤل : أخوك ؟ ردت على سؤاله : أيوا ، ترك البيت من كم سنة و ما نعرف عنه شي ! . لم يعرف ما الذي يقوله لها ، فباعتقادهِ أن الشخصِ الذي غابَ لسنوات لا يمكنهُ العودةُ أبداً ، فهّز رأسه بحركةٍ تعني أنه قد فهم ، بعدها أردف : اوكِ .. بشوفِك . و ذهب دون أن يسمع منها أي شيءٍ آخر ، في ذلكَ الوقت ، أحست [ رشـا ] أنها بالفعل تكّنُ مشاعراً لِـ [ مراد ] . عـادَ مُراد للواقع ، و فتحَ الصفحةَ التي تليها ، كانت الصفحةُ مزخرفةً بِـ اللون الأسود و بهِ لمساتٌ من اللون الذهبي ، و خطُ الكتابةِ كان باللون الأسود : [ الرابع و العشرون من سبتمبر لعامِ ألفين و أحد عشر : اليوم يا مذكرتي ، ذكرى والدي الحي الميت عادت لذاكرتي من جديد ، في الحقيقةِ أنا أعرفُ أنه والدي ، لكنني أكرهه ، أكرهه كثيراً ، لدرجة ِ أنني أكرهُ كل الأباء الذين هم موجودون في العالم الآن ] . عادَ [ مُراد ] بذاكرتهِ للوراء ، لليوم الذي كتبت عنهُ [ رشـا ] : كان يمشيان سوياً في شوارعِ نيويورك ، في وقتِ المساء ، حينما رأى [ رشـا ] تتوقف فجأه ، فَعاد إليها : شصار ؟ ابتسمت بهدوء و هي تؤشر على الصبيةِ الذين يلعبون التنس : تذكرت نفسي ، زمان كنت أعشق شي اسمه تنس ، حتى لما كنت أفشل بالدراسة ، أتمنى أصير لاعبة تنس بدل لا أدرس و أتعب . قال لها بتساؤل : و ليش لا ؟ ابتسمت من جديد بحيوية : عشان تذبحني أمي ! أختفتِ الابتسامةُ من على وجهها حين قال [ مُراد ] : و أبوك كان رح يسمح لِك ؟ نظرت إليه و ابتسمت ابتسامةً بارده ، و وجهها المُضيءُ أظلم حين قالت : أنا أصلاً ما شفته بحياتي كلها . صُدم [ مُراد ] من ردها ، فهو لم يكن يعرف و لم يكن يقصد مضايقتها ، لكنها أردفت قبل أن يتكلم ، فقالت : انسى ، عـادي تعودت على بُعده . بعدها مشت و هي تحس أنَ الدموع تتجمع في عينيها لمجرد تذكرها لِوالدها الحي الميت ، فقالت و هي تركز نظرها للأمام : تعرف ؟ هو راح و وقتها كان عمري سنتين بس ، راح و خلّا لنا وراه فلوس ، كان يحسب أنه الفلوس رح تسكتنا ، بس أنا ما أبغى كل هالفلوس ، أنا أبغاه هو ، أبغى أبوي ! ، هذاك البيت الكبير إلي فيه بس أنا و أمي ما بيهمني ، كثر ما يهمني هو ، كان عادي عندي أعيش بكوخ ، لأنه الفلوس ما تعني لي شي أبداً ! .. أبداً ، أصلاً انت متخيل إلي سواه ؟ ما في أب بالعالم يسوي مثله ، بس هوِ .. هو أردفت و هي تمسح دموعها بكفّيها : هو صار ميت بالنسبة لي ! لم يكن يعرف [ مراد ] ماذا يفعل ليواسيها ، فهو يعلم أن فراق الأب مؤلم ، مؤلم جداً : أكيد رح تشوفيه بيوم من الأيام ، و رح يعترف بخطأه . هزت راسها بمعنى لا ، و هي تمسح دموعها مرةً أخرى : لا تهتم بكل إلي قلته . إلى الآن لا تزال هذهِ الذكرى تؤلمُ قلب [ مُراد ] ، لكنه الآن يريد أن يعرف ، هل رأت [ رشـا ] والدها ، خلال هذهِ السنوات التي لم يلتقيها أو يعرف عنها شيئاً فيها ، في الحقيقة هو لو يستطيع إعادة والدها لها ، لَفَعَلَ حتى بعد ما فعلتهُ له .. في الحقيقةِ هو لا يزال يحبها ، أصعبُ شيءٍ في الحياةِ هو النسيان ، و أبغض شيءٍ هو الحنين ! |
رد: حبات مطر من غيمة الشتاء | بقلمي .
الغيمةُ الثانية :
حبّةُ المطرِ الأولى : طوا مُراد تلك الصفحةَ من ذاكرته ، و فتح صفحةً جديدةً من مذكرات رشـا : [ الخامس و العشرون من سبتمبر لعامِ ألفين و أحد عشر : في الحقيقةِ يا مذكرتي ، في آخر يومين لم يكن أحمد على ما يرام أبدا فتارةً يتهربُ من الجلوسُ معنا ، و تارةً يتهرب من الخروج معنا حتى لو كان مكانُ الخروجِ هو مكانه المحبب المكتبة ! و لكنني اليومَ أكتشفتُ سبب كل هذا ، فاليوم خرجتُ وحدي للذهابِ لشراءِ كتابٍ جديد ، و في طريقي رأيتُ أحمد مع فتاة ٍ في نفسِ المكان الذي قابلتُ فيه مُراد لأول مرة ، و ابتسمت قائلةً لنفسي أن هذا المقهى قد يكون هو بدايةُ جميعِ حكايات الحب ، لكنني سحبتُ كلامي حين رأيتُ تلك الفتاةَ تقف و هي غاضبةٌ تقريباً لكن غضبها لم يخفي ذاك الحزن و الندم الذي كان يعلو مُحيّاها ! و أما أحمد فلم تكن واضحةً عليه أيّةُ تعابير حينما كانت موجودة ، لكن حين ذهبت ظَهرت لمحةٌ من الحزنِ على وجهه ، في الحقيقة لم أستطع منع نفسي من سؤاله ، فأحمد بمقامِ أخي ، فلطالما كان يساعدني خِفيةً و جهراً ، فوقفتُ أمامهُ مباشرةً ، فرفع رأسهُ و علامات الاستغراب تعلو وجهه : رشـا ؟ فقلتُ له دون أن أجلس حتى ! : شفيك ؟ ابتسم أحمد : شقصدك؟ فقلتُ : من هذيك ؟ و ليش لما راحت ... فقاطعني : انسي تراها سالفة طويلة ، و يلا نروح . في الحقيقة لم يخبرني أحمد بأي شيء مع أنني كنتُ أريدُ معرفةَ ما حصل ! ] بعد ما أنهى [ مُراد ] قراءة الصفحة جلسَ يفكر هل عرفت [ رشـا ] حقاً قصة [ أحمد ] ؟ أم أنها لا تزال إلى الآن قصةً غـامضة و غير مكتملة بالنسبةِ لها . الصفحةُ التي تليها : [ الـسادسُ و العشرون من سبتمبر : لا أستطيع كتابةَ أي شيء أو وصف أي شيء حتى ! أحس أنني في حُلم ] ابتسمَ [ مُراد ] ما إن قرأ هذا الكلام ، و عـاد بِذاكرتهِ للوراء : كانت رشـا واقفةً مع أحد الشُبانِ الذي يدرسون معها ، و من الواضح أنهما كانا يتحدثان و كانت تبتسم معظمَ الوقت ، ما إن ذهب حتى أحسّت بيدٍ تطوِّق ذراعها بقوة ، فقالت : خير ؟ مُراد : لا تكلميه . رشـا : لا تكون ولي أمري و أنا ما أعرف . مُراد و من الواضح أنه كان غاضباً : سألتك .. ردي ! فقالت : و لا شي ، بس كان يبغى محاضرات ! أبعد مُراد يدهُ عنها فنظرت إليهِ بحقد : و انت شدخلك ؟ فقال لها بانفعال : لاني أحبك ! في هذا الوقتِ بالذات ، ندمَ [ مُراد ] على تهوره ، أما [ رشـا ] فكانت مصدومة ، مصدومةً للغاية ! |
رد: حبات مطر من غيمة الشتاء | بقلمي .
الغيمةُ الثانية :
حبّةُ المطرِ الثانية : طوا مُراد تلك الصفحةَ من ذاكرته ، و فتح صفحةً جديدةً من مذكرات رشـا : [ السابع و العشرون من سبتمبر لعامِ ألفين و أحد عَشر : في الحقيقةِ يا مذكرتي ، أحِسُ أن السيد مُراد بدأ يقرر بدلاً عني و كأنه مسؤول عني ] ! عاد مُراد بِذاكرتهِ للوراء و هو لا يدري أيضحك أم يحزن ؟ و هذهِ الذكرى تمر في بِالهِ : كان شخصٌ يحدّث [ رشـا ] بشأنِ الحضور لحفلة يوم ميلادِه ، فرفضت بِلطف ، لكن ذلك الشخص أصّر عليها و هي لا تزال ترفض ، فتدخل [ مُراد ] : رح تجي ! نظرت إليهِ بنظرة استنكار ! بعدها انسحبَ ذلكَ الشخص . رشـا : ما شاء الله ، و أنا متى قلت إني رح أروح ؟ مُراد : أنا قلت . رشـا : سيريس لي ؟ و انت من تكون ؟ مُراد بابتسامة ماكرة : أنا ؟ تكلمت لأني متأكده إنِك طول الوقت ملّانة و ما محصلة حد يسليك . رشـا : و تفسر من كيفك بعد ؟ أردفت و قد طفحَ الكيل : أنا ما أعرف ليش نطيت كذا بِالوسط ، بس الأحسن إنك ما تعيدها ! . في ذلكَ الوقت لم يُبدي [ مُراد ] أي ردة فعل ، في حين أن [ رشـا ] كانت متضايقةً من الأساس ، ذهبت لِتجلس وحدها بملل مثل ما قالَ [ مُراد ] تماماً ، لكنها اليوم تحس ببعض الضيق ، في الحقيقةِ هي تريد محو هذا الضيق ، و ظنّت أنها بفعلتها مع [ مُراد ] ستمحوه ! لكنها كانت مُخطئة ، أغمضت عينيها و الهواءُ البارد يضرب خديها الزهريانِ بِرفق و يُطيُّر شعرها شِبهَ فاتحِ اللون و هي تتذكر ما حدث في ليلةِ أمس ، حين اتصلت حُـور : رشـا : وين أمي ؟ أتصل فيها ما ترد . حور : لو تعرفي بس ! رشـا و هي تُخفي خوفها : شصاير؟ حُور : لا تخافي ، تخيلي بس شتسوي خالتي الحين ؟ رشـا : حُور بلا مصخرة و يلا خلصيني . حُور : تكلم خطيبة فـارس . رشـا بعدم تصديق : من ؟ حُور : خطيبة فارس لاه ، محد خبرِك ؟ رشـا : لا ، المهم الحين لازم أروح ، الفِلم رح يبدأ ! حُور بقهر : يا حيوانة ، كل هذا عشان الفِلم ؟ رشا تضحك بدون نفس : يلا بباي . حور : الله معِك . بعد ما أغلقت [ رشـا ] الهاتف ظلّت تفكر بِـ خطيبة فارس ! ، تذكرُ أنها منذ يومين رأت في أحلامها أن فارِس قد خطب و هي أحست بقهرٍ و ذرفت بعض الدموع ، لكن الواقع أنها أحست ببعض الضيق فقط و من المستحيل أن تذرف أيَّة دموع مهما كان الثمن ! . فتحت عيّنيّها المُغمضتين و تجاهلت كل تلكَ الأفكار ، لكن ما فعلهُ [ مُراد ] اليوم ذكرها بِـ [ فارس ] أيضاً ، إذا في أحد الأيام قبل سنوات كانت تقفُ أمام الباب لا لشيء فقط هكذا ! فسمعت صرخةً جعلت قلبها يقفز من مكانه : وين رايحة بنفسك ؟ قالت و هي تنظر لِـ [ فارس ] بِكُره : ما مكان بس جالسة أشوف . بعدها دخلت و هي تحسُ ببعض الاحراج إذا ما حدث كان على مرأَ أعين نصفِ العائلة ! لكنها ابتسمت لِهذهِ الذكرى ، فمنذ سنتين تقريباً لم يتشاجراً مثلما كانا سابقاً فقد تغيّر كلاهِما ، هي تغيّرت و هو تغيّر ، مع أنّ فرق السن بينهما تقريباً 7 سنوات ! إلا أنهما كانا يتشاجران على أتفهِ الأسباب . نفضت تلك الأفكار من رأسها مجدداً ، فهي حقاً لا تعلم ما سرُ هذهِ الأفكار الحمقاء التي تأتيها الآن مع أنها متأكدة أنها لا تميل لِـ [ فـارس ] أبداً . ألقت نظرها إلى الساعةِ الفضيةِ التي تتطوّق معصمها و التي كانت تشير للساعة السابعة ِ مساءً ، فكّرت بأنها من المُفترضِ أن تعتذر لِـ [ مُراد ] و تبدأ صفحةً جديدة في هذهِ الحياة ، تبدأ حياةً مليئةً بِحبِ [ مُراد ] ! قررت الذهاب ليومِ الميلاد ذاك ، لِذا عـادت سريعاً لشقتها ، و كالعادة لم تكن [ ميّادة ] موجودة هناك ، قالت [ رشـا ] : يا حُبها للدوارة ! ذهبت بتجاهِ الخزانةِ و أخرجت فُستاناً أسوداً حالِكاً كمساءها هذا ! ، مُزيناً بِشريطةٍ ذهبيةِ اللون في منتصفهِ ، و تتوزعُ به عدد من الكريستالات ِ الذهبية ، في الحقيقةِ لم تكن راضيةً عن شكلهِ لكنها لا تملك سواه حالياً ! ، فهي تكره ارتداء مثل هذهِ الملابس ، و من سيرتدي مثلها في هذا الجو أصلاً ؟ ذهبت للمكان المُحدد ، ما إن مرت بجانبِ إحدى الطاولاتِ حتى أحسَت بقبةِ يدٍ تطوّق ذراعها ، التفت فرأت شاباً من الواضح أنهُ عربي و من الطبقة المخملية ! قال : اجلسي هنا ، في مكان فاضي . بدأت تنقل بصرها بين قبضته التي تطوّق معصمها و بين وجههِ ، سحبت يدها منهِ بقوه لكنها لم تفلح في الإفلاتِ منه قال بغضب : تعرفي من أنا ؟ كانَ الجميع يراقبُ دون أن يتحدث حتى ذلك الشخصُ صاحبُ يوم الميلاد ، فـلا أحد يستطيع الوقوفَ بوجهِ هذا الشاب المتعجرف . ردت عليه [ رشـا ] : ما أعرف و لا أبغى أعرف . كانَ على وشكِ أن يرد عليها حينَ أحس بسائلٍ باردٍ يُسكبُ على رأسه ، وقف و هو يقول : بارد ! التفت و رأى [ مُراد ] فأعـادَ تلك الجملةَ التي قالها مُسبقاً لِـ [ رشـا ] : تعرف من أنا ؟ كان كُلُ هذا يحدثُ أمام عينيّ [ رشـا ] التي في داخلها كانت تحب [ مُراد ] و لكنها لا تظهر ذلك ، و هذا الموقفُ عزّزَّ حبه في قلبها ، و أمسكت [ مُراد ] من يديهِ و سحبتهُ جرياً للخارج كي لا تحدث أيَّةُ مشاكل . قالت [ رشـا ] : انت دايماً تجي بالوقت المُناسب . ابتسم بغرور : أعرف هذا الشي . أردفَ [ مُراد ] : بما أنه إلي جاية عشانه خَرَب ، تعالي معي . قالت بتساؤل : ليش ؟ ابتسم : في شي لازم تشوفيه . ذهبت [ رشـا ] مع [ مُراد ] و هي طوالَ الطريق تفكر فيما قد يكون ذاك الشيء الذي يريدُ [ مُراد ] أن يريها إياه ! أخذها إلى بيتٍ كبير ، عرفت أنهُ منزله بما أنه من الطبقةِ المخملية ، تبتعتهُ و هي صامته ، دخلا غُرفةً بها العديدُ من اللوحاتِ و التماثيل الفنية أو بالأصح منحوتات ! قالت : ما فهمت ! ابتسم و هو يرفع الغطاء القُماشي الأبيض عن أحدِ اللوحات : تعرفيها ؟ بُهتت [ رشـا ] و خُطف لونها حين رأت أن تلكَ الإنسانةَ المرسومة هي ! ، كانت بالهيئة ِ التي رأت فيها [ مُراد ] أول يومٍ و سكبت القهوةَ على رسوماته ! ابتسمت و هي تقول : حبيتها ، ما توقعت انك ماهر لهالدرجة . ابتسم و هو ينظر للفراغ : باقي واجد أشياء رح تعرفيها بالمستقبل . لم تفهم [ رشـا ] مقصد مُراد خصوصاً أنّ هذهِ السنةَ هي آخر سنةٍ لهم و لا تزال في بدايتها و مع الأيام ستقل اللقاءات بينهم لأنها السنةُ الأخيرة لهم في الدراسة الجامعية و هي ليست لعبة ! التفت [ مُراد ] و عرف أنها لم تفهم مغزى كلامهِ فابتسم مجدداً و قال لها : رشا . التفت إليه [ رشـا ] دون أن تنطق بأيةِ كلمةٍ . فأردف : وقفي هِنا ، رح أرسمك مرة ثانية . انصاعت [ رشـا ] لِـ أمرهِ و وقفت و رسمها [ مُراد ] فعلاً ! و عند هذا الحد انتهت ذكرى ذلك اليوم ، وضعَ [ مُراد ] دفتر المذكرات الخاصِ بِـ [ رشـا ] على الطاولةِ التي أمامه و ذهب متجهاً لِـ زاويةِ الغُرفة و أخرج صندوقاً متوسطَ الحجم ، و كشف عن الغطاء ، فأخرج تلكَ الصورةَ التي رسمها ذاك اليوم ، [ رشـا ] بفستانها الأسود كانت جميلةً جداً كَالملاك و ابتسامتها كالجنةِ تماماً .. قد لا تكون [ رشـا ] بجمال [ سوزان ] لكنها فعلاً تملك جمالاً غريباً و نادراً . |
رد: حبات مطر من غيمة الشتاء | بقلمي .
لغيمةُ الثانية :
حبّةُ المطرِ الثالثة : ابتعدَ [ مُراد ] من عندِ الصندوق بعد أن أعاد الصورةَ لمكانها ، و أطلَ على السماءِ من النافذةِ الطويلةِ الزجاجية ، كانتِ السماءُ حالكَةً و الغيوم الكَثةُ نسجت من خيوطها السوداء قُبعةً للقمرِ ، و فجأةً اسدلت الغيوم ستارها ، فتقّطع نسيجُ القبعة و تساقطَ على شكلِ حباتِ مطر و على اثرها قَرَعَت الطبول الرعديةُ ايقاعها ، و البرق بدأ يغمِز للأرض ! ، و ثانيةً بعد ثانية و المطر يشتد غزارةً ، أغمض [ مُراد ] عيّناه و ارتسمت على شفاهِهِ ابتسامةٌ صفراء مُحاصرة بين السعادةِ و الحُزن ! و عادَ بذاكرتهِ للوراء لِـ الثامن و العشرين من سبتمبر لعامِ ألفين و أحد عشر ، حينما كان يمشيان هو و [ رشـا ] سويةً فهطلَ المطر ، فأمسك يدها و ركضا معاً نحو الأمان ! . فتحَ [ مُراد ] عيناهُ سريعاً و هو يحاولُ قتل ذكريات [ رشـا ] ! طرد شعورَ الحنين الذي اجتحاهُ و ذهب ليكمل مذكرات [ رشـا ] ، أخذَ المذكراتِ و جلس بالقربِ من النافذة ، لأن منظر الغيومِ الرماديةِ المحمّلةِ بالمطرِ تذكره بعينيّ [ رشـا ] ، في الحقيقةِ كان [ مُراد ] يناقضُ نفسه ! ، فتارةً يقول انه سيدفن ذكريات [ رشـا ] و تارةً يسوقُ نفسه بنفسه إلى حجيم [ رشـا ] التي تعتبر السبب الأول في تحطم قَلبِه ! تجاهل كل المشاعر و فتح الصفحةَ التي وصل إليها ، و تجاهل الصفحةَ الثامنة و العشرين لأنه يعرف محتواها ! ، [ التاسع و العشرين من سبتمبر لعام ألفين و أحد عشر : في مثلِ هذا اليومِ من ربيعِ ألفٍ و تسعمائةٍ و ثمانيةٍ و ثمانين ، جئت كزائرةٍ على هذهِ الحياةِ ، في مثل هذا اليوم بكيتُ لأول مرةٍ و أبصرتُ الدنيا لأول مرة ! ] عودةٌ لذلك اليوم : مرّ صُبحُ اليومِ كعادته ، إلى حين رأت [ ميّادة ] عصرَ اليوم ، فسألتها و هي حائِرة : وين أحمد و مراد ؟ فَردت [ ميّادة ] : و أنا شعرفني ؟ ، تعالي معي . تساءلت [ رشـا ] باهتمام : وين ؟ أمسكتها [ ميّادة ] من يدها و سحبتها معها . رشـا : اوكِ انتظري ، وين رايحين ؟ لم تجب [ ميّادة ] على سؤالها ، فانصاعت لأوامر [ ميّادة ] ، فجأةً وقفتا أمامَ مطعمٍ راقٍ و معروف . رشـا : شنسوي هنا ؟ و مرةً أخرى تجاهلت [ ميّادة ] ذلك و سحبتها ، كانت مُنكسةً رأسها و هي تفكر باللذي من الممكن أن يكون قد حصل ! ، رفعت بصرها حينما أحسّت أنها صدمت بِـ ظهر [ ميادة ] ، لم تصدق ما رأته عيناها ، إذن هم لم ينسوا يوم ميلادها ، احتضنتها [ ميّادة ] و هي تقول : كُل عام وانتِ بخير ! في الحقيقةِ لم تكن [ رشـا ] تتوقعُ أنهم يعرفون يوم ميلادها ! ف مرت الدقائق سريعاً ، إلا أن حان الليل ، و استلقت على سريرها وهي تضع ذراعيها تحت رأسيها و عيّنيها اللتين بِلونِ الليل مُرتكزتانِ لأعلى ، و ابتسامةٌ صادقةٌ مرسومةٌ على شفاهها !، و هي تعودُ بذاكرتها للوراء ، لِما قبل 10 سنوات بالضبط ، ليومِ ميلادها الثالث عشر : في ذلكَ الوقتِ ، كانت كعادتها مستلقيةً على سريرها الدائري و يداها تطوّقان أقصوصةً للكاتب العظيم " غـازي القصيبي " ، حين جاءَت [ حُور ] : ما تسمعي انتِ؟ التفتت [ رشـا ] و هي تضعُ الفاصل الورقي على الصفحةِ التي وصلت إليها : شاللي صاير؟ حُور : فـارس جاء و كان يسأل عنك . رشـا : و الحين راح ؟ حُور : أيوا . في تلكَ الفترةِ كانت علاقةُ [ رشـا ] و [ فراس ] كعلاقةِ القطِ و الفأر المشهورين ! ، فنزلت حباتَ الدرج اللولبي سريعاً ، قالت بتسائل لأمها : أمي ، خبرك فارس شيبغى مني ؟ قـالت أمها و هي مندمجةٌ بالهاتف : لا بس جاء يقول لِك كل عـام و انتي بخير ! اتسعت مقلتيّ [ رشـا ] من الدهشةِ و السعادةِ في آنٍ واحد ، بعد ساعةٍ بالتحديد ، نزلت من غرفتها مجدداً فرأت [ فـارس ] و أمها و [ حور ] و أمامهم صحنٌ من البطيخ غير المقصوص ! ، فقال [ فارس ] : رشـا تعالي قصيه بدال الكيك . قالت [ رشـا ] : تستخف دمك يعني ؟ و استمرَ باقِ الحديث كَ نوع من المُزاح ، ابتسمت رشـا و هي تعودُ للواقعِ ، لكن الابتسامةَ سرعان ما تلاشت حينما استقرّت عيناها على الصندوقِ الذي يحمل هدية [ مُراد ] ففتحته ، و تفاجئت لما رأت ، كان قلماً يتيماً باللون الأسود مع ورقةٍ مطويةٍ ، حين فتحتها قَرأت : [ عـشان مرة ثانية لا تشتحي أقلام من الناس بوسط المحاضرات ] .. لا تدري لماذا ابتسمت عندما قرأت الكلام ، كانت على وشكِ أن تفتح الصندوقَ الذي يليهِ حين سمعت صوتَ الجرسِ يُقرع ، فذهبت و فتحت الباب ، فلم تجد أحداً ، كادت على وشكِ إغلاقِ الباب حين رأت صندوقاً موضوعاً على الأرض ، و من الأعلى مكتوبٌ عليهِ [ رشـا ] ! ، أمسكتهُ بكلتا يديها و قد كان كبيراً جداً و ثقيلاً فأغلقتِ الباب برجلها ، و استقرت على الأريكةِ المُنفردة ، ففتحهُ و رأت دُميةَ دُب كبيرةً بيضاءَ اللون ! ، ابتسمت بسعادة ، كانت تتمنى الحصول عليهِ منذ 6 سنواتٍ تقريباً لكنها كانت تخجل لِكبر سِنها ، في الحقيقةِ تجمعت الدموعُ بعينيها و هي تتذكرُ أنّ أخاها قد وعدها بِه قُبيل اختفاءِهِ المُفاجئ ، لكنها تجهلُ كيف عرف [ مُراد ] بهذا ! الأهمُ أن ذلِك اليومَ قد أنتهى بِكلِ خَير ٍ . طوى مُراد تلكَ الصفحةً و بدأَ بأخرى جديدة و قد كانت الساعةُ لا تزال تشير للعاشرةِ و النصف ! ، أحس [ مُراد ] أن الوقتَ بطيء ، لكنه تجاهل ذلك و صبّ تركيزهُ على الصفحةِ البيضاءِ المكتوبةِ باللون الأسود و المزخرفةِ بالفضي و كانَ أسلوب الكتابةِ مختلفاً ، مما يدل على الحزن ! لأن التاريخ و اليوم مفقودان ! : [ اليومَ رأيتني أحدثُ أحدهم ، فما إن رأيتني حتى أشحت وجهكَ و قُلت لي : " ءأنا البديل؟ " ، حينها و لِأول مرة لم أبرر لك أي شيء ، لم أقل لك من يكون ذاك و لماذا كنت أحادثهُ ، لم أقل شيئاً لأنك في الحقيقةِ لم تثق بي ! فَ و بكل شجاعةٍ و لأول مرة ، ذهبت و أنا أجر ذيول الحزن حزنت لأنك لا تثق بي ] أخرج [ مُراد ] الهواء الذي تنفّسهُ بشيءٍ من الألم ، و عـاد بذاكرتهِ للوراء : كان ذاهباً لرؤية ِ [ رشا ] فرآها مع شـابٍ فارعِ الطول ، أبيض البشرة ، غامقِ العينين و فاتحِ الشعر ، رآها و هي تحتضنهُ بعدها ابتسمت له مودعةً ، فتوجه لها [ مُراد ] قائلاً : يعني أنا حاطتيني الاحتياطي ؟ في ذلك الوقت ابتسمت له [ رشـا ] ابتسامةً صفراء و وجهها لا يوحي بشيء سوى الكثير من الاعتزاز و لم تنطق بأية كلمةٍ ، مما زادَ [ مُراد ] افتزازاً فقال ناطقاً : ما توقعتك كذا . فَلم تقل شيئاً أيضاً و لم تُبدي أيّة ردةِ فعلٍ ، فقط ذهبت في سبيلها ، و هي تجر ذيولاً من الخيبةِ و القهرِ وراءها بدون أن تنطق ، احتفظت بما تشعرُ به ، صحيحٌ أنها تحبُ [ مراد ] و [ فارس ] ليس سوى أخٍ من رحمِ الصداقةِ لم تلدهُ أمها اشتاقت إليها و اجتاحها الحنين إليه ، لأنها فقدت صوتهُ و نبرته الغاضبةَ عليها و أحياناً المستفزةَ لها . بعد دقائق جاء [ أحمد ] فسأل [ مُراد ] : شفت رشا ؟ قال أحمد بنوعٍ من السَرحان : لا . قفال [ أحمد ] : متأكد ؟ أومأ [ مُراد ] رأسهُ بالإيجاب . و لكنَ القصة لم تنتهِ هنا كما ظنّ البعض لوهله ، فقط انتهى هذا اليوم الذي حَمل قدراً كبيراً من الألمِ للاثنين ، و كان [ مُراد ] حينها نادماً لأنه لم يركز في ملامحٍ وجه ذلك الشاب لأنهُ كان سيتلف تقاسيم وجهه ! قرأ مُراد في الصفحةِ التي تليها : [ الأول من أكتوبر لعامِ ألفين و أحد عشر : ] أيّ بعد يومين من تلكَ الحادثةِ المشؤومة : [ الأول من أكتوبر لعامِ ألفين و أحد عشر : ذاتَ يومٍ مُقمر ، خرجت أتأمل القمر بدونِك ، رأيتُ انعكاس صورتي على بركةِ الماء التي تنعكس عليها النجومُ ، رأيت حينها أنك سلبت منيَّ حُمرة الوردِ التي كانت تكتسي وجنتيّ ، و استبدلتها بِصفرةِ الزعفران البائسة ، و سرقت جمّال عينيّ و جمال ابتسامي ، و لم تُبقي لي سِوى عينين باكيتين كالجمرِ ، و ابتسامةٌ شاحبة . ] في ذلكَ الوقتِ خرجت [ رشـا ] و قد كانت السماء سوداءَ فاحِمة ، و القمرُ مختبئٌ خلفَ الغيوم ، و الأشجار تتراقص على أنغامِ الرياحِ الناعمة ، فَذهبت سيراً على الأقدامِ لأحد الأماكنِ القريبةِ محاولةً نسانَ نظرات الشك في عينيّ [ مُراد ] ، فجأةً بدأت السماءُ تمطرُ مطراً كالرصاصِ في قوته ! ، فحملت نفسها و هي تحاولُ العودةَ لِمسكنها ، كانَ المطر يشتد غَزارةً و قبلَ أن تصل ، بدأ المطر يقلُ شيئاً فشيئاً إلى أن توقف ، و عـادت إلى المنزلِ حين رأت [ ميّادة ] و معها [ أحمد ] و [ مُراد ] ، ألقت السلام و لم تعرهم أيّ اهتمام ، فقط جلست بينهم بصمت ، إلى أن رنّ هاتفها و أجابت فقط بِـ : أوكِ ، بشوفك ، جاية . بعدها سألتها [ ميّادة ] : وين رايحة ؟ أجابت [ رشـا ] و هي تمسك مقبض الباب : بشوف مُراد . بعدها خرجت سريعاً حين قال [ مراد ] : من مُراد؟ قال [ أحمد ] : أخوها ! انصدمَ [ مُراد ] و ظهر ذلك على ملامحهِ . فسألته [ ميّادة ] بِشك : صاير شي ؟ أجابها باقتضاب قائلاً : لا . |
رد: حبات مطر من غيمة الشتاء | بقلمي .
الغيمةُ الثانية :
حبّةُ المطرِ الرابعة : بعد ما سَمع [ مُراد ] ما قالتهُ [ ميّادة ] أصبحَ يفكر كيف سيستعيدُ [ رشـا ] و أيّ قُربان يقدمهُ لها لتقبل قُربه ؟ . تمضي الثواني ، و الدقائق و الساعات و الأيام و تتكوّر لتعيد نفسها ! ، و كأن ما عشته قبل سنوات ، تعيشهُ الآن مرةً أخرى ، في كل هذهِ الفترة كان يحاول [ مُراد ] محادثة [ رشـا ] لكنها كانت تتجنبه ! و لم تعد تخرجُ مع أحدٍ مثلما كانت سابقاً ، فقط أصبحت مُنكبةً على الدراسة كَونَ هذهِ السنة هي السنة الأخيرة ، و لِتعوض الوقت الذي استهانت بهِ بدايةَ العام ، إلا أن جاءت فترةُ الاختبارات و انتهت ، قررت [ رشـا ] العودةَ فوراً لأرضِ الوطن ، فما الفائدةُ من المكوثِ هنا ؟ أخبرت بذلكَ [ أحمد ] و [ ميّادة ] ، لكنها حين كانت في المطار ، رأت [ مُراد ] فتوجهَ إليها قائلاً : رشـا ، حطي نفسِك مكاني لمرة وحدة بس و رح تفهمي . التفتت له و ببرود : أوكيه ، و بعدين ؟ نظرَ إليها [ مُراد ] منتظراً منها أيّةَ اجابة . فظلّا صامتينِ لوهله ، لكن [ رشـا ] تكلمت حين سمعت نداءَ رحلتها : خلاص انسى الي صار ، كل إلي صار عشاني كنت ما أبغى أندم لما أعرف النسبة . و قبل أن يتكلم [ مُراد ] أردفت [ رشـا ] : و الحين صار لازم أروح . فذهبت في سبيلها ، و [ مُراد ] يُراقبها دون أي كلمة وداع ! ، لم يكن [ مُراد ] يتوقع يوماً أن هذا ما سيحدث بينهما ، مع أنّ [ رشـا ] لم يكن حبها ظاهراً و لكن كان لهُ بريقٌ خاص في عينيها الداكنتين اللتان تبدوان كَغيمتين سوداوين وسطَ سماءٍ صافية . عادَ [ مُراد ٌ ] للواقع و فتح الصفحةَ التي تليها : [ الأول من يناير لعامِ ألفين و أثني عشر : مساءَ اليومِ وصلتُ أخيراً لأرضِ الوطن ، فاستقبلتني أمي بِحُضن دامعٍ ككُل أمٍ ، و حُور ضمتني إليها و الشوق يلمع في قزحيتيّ عينيها ككل ِ أخت لم تولد من رحم ِ الأم ، و طبعاً جدتي أنا التي أنكببت في حُضنها ، و طبعاً بدون أي دموع .. فلطالما كنت متأكدة أن الدموع ليست سوى ضعف ] ! . ظنّ [ مُراد ] أن هذهِ الصفحةَ ليست مُهمة ، فقرأ التي تليها و كانت ملونةً على الهوامشِ باللون الأسود ، و خطُ الكتابةِ كان مُتجهاً تارةً يميناً و تارةً يسارا ً ! و كأن من كتبهُ ، كتبه باكياً : [ الثاني من يناير لعامِ ألفين و أثني عشر : اليوم مسحت أمي بي الأرض ! ، قائلةً أنَ هناك اتصالاً قد وَرد إليها و محتواهُ باختصار أن ابنتها المحترمةَ [ رشـا ] على علاقةٍ بأحد الشُبان ، فقد كنتُ نائمةً حينَ دخلت أمي غرفتي و كأنها داخلةٌ لفتح الأندلُس ! فصرخت عليّ قائلةً : رشـا ! فحسِبت أن شيئاً سيئاً حدث لأحدهم و لم أكن أتوقع أنها تقصدني : قولي لي شاللي سويته بأمريكا ؟ اقتربت مني و الشرر يتطاير من عينيها و هي تقول بغضب : تكلمي يلا ، هذي الدراسة مالِك ؟ يعني انتي ما كنتي ناقلة عشان الأوضاع السياسية ؟ كنتِ تكذبي و أنا أصدقك . فقلتُ لها : أمي شاللي صاير ؟ فردت علي بغضب أشد مما سبق : شاللي صاير ؟ تسأليني شاللي صاير ؟ رايحة هناك و عارفة لك واحد و الله أعلم شصار بعد ! فقلتُ لها و علاماتُ الصدمةِ واضحةٌ على ملامح وجهي : أمي ، أنا بنتِك ؟ يعني تصدقي الناس و تكذبيني ، أحلف لك ما صار شي من الي فكرتي فيه . فقالت أمي و الغضب قد بلغ ذروته : تراك بنت أبوك شاللي يطلع من وراك ؟ يعني أنا ربيتك و تعبت فيك في النهاية هذا الي تسويه ، ما رح تكوني أقل من أخوك الي مسك دربه و شرد ! ، بس كنت غلطانة لو أبوكم أخذكم معه كنت ارتحت من شرك انتي و اخوك . فأردفت بعبارةٍ جرحت قلبي و جعلتهُ ينفلق ُ لنصفين : أنا ما رح أرتاح إلا لما يجي اليوم الي يقولوا لي فيه رشا ماتت و لحقت أبوها ، ما رح أذكر أخوك لأنه بالنسبة لي مات من زمان ! . عَضتت شفتاي محاولةً منع دموعي من الانحدار . حينها تدخلت [ حُور ] التي كانت تراقب كل شيءٍ بصمت منذ البداية و فتحة ٌ فاصلةٌ بين شفتها العليا و السُفلى توضح أنها فعلاً لم تكن أقل صدمةً مني : بس يا خالتي ، يمكن الي اتصل فيك ، كان كذاب ما كان المفروض تصدقيه . صرخت أمي على [ حور ] : حور ! ، لا تتدخلي و خليك بشغلك ، لا تحاولي تغطي عليها ، مع اني أشك انك رح تلحقيهم بيوم من الأيام . صُدمت و صُدِمَت [ حور ] أيضاً ، اتجهت امي بتجاهِ باب غرفتي العريض لتخرج حين وقفت فجأة و استدارت و اتجهت لِهاتفي الذي كان موضوعاً بجانب أحد الكتب على الطاولةِ المكتبية ، فأخذتهُ ، فقلتُ لها : أمي ، انتظري لازم تفهمي . فقالت أمي : ماني أمك و لا تحاولي تكسري قلبي عليك ، الحين عرفت حقيقتك . فالتفتت لتخرج ، حين قلتُ لها و الدموع تتراكم في عينيّ : الحين ؟ أيوا أكيد الحين ، لأنك بعمرك ما كنتي مثل أي أم ! لم أكد أكمل حديثي حتى تلقيّتُ صفعةً من أمي ، فلم أنطق بأي شيء ! بعدها خرجت أمي ، و نظرت إليّ [ حور ] بِحُزن و دموعها تتساقط بِخفة ، ابتسمت لها بمعنى أنني بخير ، فلطالما كانت [ حور ] فتاةً رقيقةً و حساسة بعكسي تماماً ! ، بعدها لحقت بِأمي التي هي خالتها التي اعتنت بها بعد موت والديها ، محاولةً فهم منها ما حدث ! . لكنني أعلم أنّ كل ما حدث بسببي والدي الذي تركنا . بعد أن أنتهى [ مُراد ] تلكَ الصفحةَ ظلّ يفكر بِحقيقةِ والدها ، فقرر أن يكمل القراءةَ علّه يجد شيئاً ما ، ففتح الصفحةَ التي تليها : [ الثالث من يناير لعامِ ألفين و أثني عشر ، غصبُ أمي هو عينهُ الجحيم ! .. فاليوم قد رأيتُ [ حور ] و معها امرأةٌ متوسطةُ السن ، تقوم برسم بعض الزخارفِ الجميلة ف يديّ [ حور ] بالحناء ، فقلت لها أنني أيضاً أريد ! ، فاستغربت [ حور ] و بشدة ، أنا ؟ أنا التي أكره رائحتهُ و شكله و لم أزيّن به يديّ منذ سنين َ طويلة ! فبعد أن انتهت [ حور ] وضعت لي المرأةُ بعض الزخارف البسيطة كما أردت ، و كلُ هذا كان لِزفاف [ فارس ] ، فرحلتِ المرأة حينها سألتني [ حور ] : معجزة ياخي ! ، من متى ؟ فضحكت و كدت أقول أنّني أنا بنفسي لا أدري لماذا حين جاءت أمي و هي تقول : تستعد للمستقبل ! كنت أريد الرد عليها حين أمسكت [ حور ] يدي و ضغطت عليها بمعنى لا تنطقي بشيء ! فذهبت متوجهةً للمغسلةِ القريبة بعد أن أحسست أن يد [ حور ] تراخت و ابتعدت عن يدي ، فغسلتهُ و غسلتهُ و لكن لونهُ البرتقالي الباهت كَ حياتي الباهتة لا يزال باقياً ! ، فزدت سرعة و كثاقة تدفقِ المياه ! ، لكن دون جدوى ، فذهبتُ أمام عيني والدتي و [ حور ] لطاولة ِ الطعام القريبة و أخذت سكينا محاولةً كَشط كفيّ حينما سقطت عيني على يدٍ تمسكُ السكين ، كان [ فـارس ] ! ، فارس الذي لم أرهُ منذ ثلاثِ سنواتٍ إلا أيامَ العيدين ! و لم أحدثه منذ ستة أعوامٍ ربما ، لم ينطق بكلمةٍ ، فقط أبعدها ، فذهبت لغرفتي صاعدةً حبات الدرج حينها لحقتني [ حور ] خوفاً من أن أقص يدي كلياً ، فقالت و هي تغلق الباب خلفيّ : رشـا ، خالتي معصبة و تعرفيها لما تعصب ، انتِ امسكي اعصابك ! نظرتُ إليها بقهرٍ و أنا أقول : خالتك الي لما تعصب ما تعرف حد هي بسببها أبوي تركنا و بسببها أخوي مُراد راح و لا رجع ، و بسببها أنا رح ألحقهم ، خالتك هذي ما همها إلا نفسها . لم أكد أكمل كلامي ، فقط قطعتهُ [ حور ] بصفعتها التي طبعتها على خديّ ، فنظرتُ إليها و أنا في أشد حالاتِ الاستغراب ، فقالت و الدموع متكدسةٌ في عينيها : لا تتكلمي عن أمك بهذي الطريقة ! ، هي تحملت كل هالعذاب زوجها تركها و ترك لها بنت و ولد و الي زاد عذابها بنت اختها اليتيمة ، بس هي ربتنا و ما خلتنا نحتاج لشيء ، الناس كلها كانت حاسدتنا ، مُراد لما راح ما كان لخالتي أي دخل فيه ! شفتي هي شاللي تحملته ؟ ، و انتِ كلمتين منها ما تحملتيهم . كان كلامُ [ حور ] صحيحاً لكن غضب أمي مؤلم و كأنهُ شرارةٌ من شراراتِ الجحيم ! ، لكنني لم أرد عليها ، فقط صمتت و تجاهلتُ كلامها ، و ذهبت لِأكمل الروايةَ التي بدأت قراءتها مؤخراً ، ما إن خرجت [ حور ] حتى سالت دموعي ، أصبحت متأكدةً أنني ضعيفةٌ و هشةٌ و سريعةُ الكسرِ ! فذهبت لِمكتب والدي المهجور منذ رحيلهِ الغير مُبَرَرْ ، ذهبتُ و أنكبتت على الأرض و أنا أبكي بشدة ، و دموعي تتساقطُ على الأرض كحباتِ المطر المتساقطةِ بشدةٍ فصلَ الشتاء ! ، كنت أريدُ أن أسأل أبي لماذا تركنا ، فقد كانت أمي مختلفةً لكنّ رحيله هو من صنعَ منها انسانةً عصبيةً لا تتحمل أبسط الأشياء ! ، و ترمي الكلام بكل سهولة ، وضعتُ يديّ على فمي محاولةً إخفاءَ شهقاتي ، أحس أنني لم أبكي هكذا منذ زمن ، منذ ذلك الزمن الذي اختفى فيهِ أبي و بعدهُ [ مراد ] و لحقهما [ فارس ] و الآن [ مُراد ] .. بكيتُ بشدة ، أريدُ غسل كل الآلام العالقةِ بقلبي ، بعدها أوقفتُ دموعي و مسحتها بظاهرِ يديّ و وقفتُ و قلتُ لنفسي أنني لستُ محتاجةً لأي أحد ! ] . فتحَ [ مُراد ] الصفحةَ التي تليها فقد كان يريد معرفةَ ما الذي حدثَ لِـ [ رشـا ] بعد ذلك ، فقد كانت الصفحةُ مزخرفةً بزخرفةٍ طوليةٍ باللونين الزهري و الأصفر : [ الرابع من يناير لعامِ ألفين و أثني عشر : اليومَ اتخذتُ قراراً سيجعل أمي تشعرُ بالراحةِ ، فقد حزمتُ حقيبتي و قررتُ الذهاب للمكوثِ عند جدتي ، عندما كنتُ متوجهةً للخارج ، سألتني أمي و لكنني لم أجبها ! ، فقالت و هي غاضبة : بس ما رح تطولي ، بكره انتي راجعة لأنها خطوبتك . فالتفتت إليها و أنا مصدومة . فقالت : ما رح أخليك على هواك ، و هذي كلمتي . فابتسمت لها كتلك الابتسامةِ التي ابتسمتها لِـ[مُراد ] من قبل ، و ذهبتُ لعند جدتي ، فجدتي هي الأمانُ بعينهِ ، و هكذا قضيتُ يومي مع جدتي ، محاولةً تناسي الخطبةَ القَسرية التي سترغمني عليها أمي ، فبهذا لم يصبح أحد في منزلِ جدتي سواي و هي و [ فارس ] ، فـ[فارس] منذ أن كان صغيراً تربى في حُضن جدتي و لا يزال إلى الآن ] . |
الساعة الآن 12:46 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية