منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات احلام المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f457/)
-   -   186 - انتظري ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t202256.html)

Rehana 23-05-16 01:03 AM

رد: 186 - انتظري
 
ما كاد الباص يقف حتى استوت علي قدميها ولبست القبعة فوق شعرها الأسود , المترامي بجديلة كثيفة حتى منتصف ظهرها ....وهي في طريقها إلي الباب وضعت حمالة الحقيبة على كتفها , وعيناها متجهتان إلى المخرج الذي لم تكن قادرة على الوصول إليه بسرعة .
ما أن أصبحت في الخارج حتى أحست بلسعة هواء باردة , وتنفست أنفاس الربيع والحرية بعمق ...الحرية ربماستشعر بها مجددا هنا وربما ستتذكر كيف هو الإحساس بالهدوء والاسترخاء ...أن تستلقي بسلام , أن تدخل وتخرج كما تشاء ....ان تستعيد كرامة بسيطة انتزعت منها بكل قساوة ....ولذة الخلود إلى نفسها , كم أصبحت نادرة وتتشوق إليها , مثل بقية الحاجات الأساسية التي هي جزء من الحرية .
انتظرت حتى ساعدها السائق في إنزال حقيبتها القماشية وحقيبة الملابس من قسم الحقائب في الباص .... كان على منظر الطريق الداخلية المعبدة بالحصى التي تبدأ تحت قدميها وتختفي فوق مرتفع الأرض الممتد أمامها , أن يعطيها الإحساس بالراحة ..... لكن ذلك لم يحدث لان ثقتها بنفسها كانت متزعزعة.
أغلق السائق باب الحقائب وأشار برأسه إلى الحقائب إلى على الأرض :
-ها هي حقائبك سيدتي.
ثم نظر إلى الطريق نحو المزرعة :
- يبدو أن أمامك مسيرة طويلة , وهناك عاصفة سيئة قادمة ....هل يتوقع احد وصولك ؟
اثارها السؤال , لكنها أجابت بأدب , وبجواب غير صحيح:
- سيحضر احدهم بعد قليل.
- حسن جدا إذن .
صعد إلى الحافلة واقفل الباب وراءه .
أصغت ايريس إلى هدير الباص وهو يبتعد ....أخيرا أصبحت وحدها ..فأحست بالانتعاش ينتابها في موجة بدأت عند ركبتيها .
لم تتقدم لتأخذ الحقائب وهي تصغي إلى هدير الباص وهو يختفي .... و حين غاب , صار رفيقها الوحيد عويل الريح وهي تنفث سحبا رمادية عاصفة عبر السماء .
جمدت الدموع في مقلتيها ...استدارت ببطء , وراحت تنظر خلال التلال البعيدة التي لا يفصل بينها أي معلم أو حدود ...لم يكن هناك اثر لسكن بشري , ولا حتى لجواد أو رأس ماشية واحد.
عمت السكينة أرجاء المكان ما جعلها تنسى التعب من الازدحام وضغط الناس . هذا ما تحتاجه منذ أمد بعيد .....الفضاء الواسع والهواء النقي ...ان تحس بالريح على وجهها والحصى والغبار تحت قدميها , والسماء اللامتناهية فوق رأسها ..في هذه اللحظة لم تعد تهتم أن كان ثمة سقف فوقها , أو جدران من حولها .....حتى الطعام والشراب كانا أمرين ثانويين نسبة إلى الشوق الذي تحسه , بكونها امرأة حرة.
أخيرا استدارت على الطريق الطويلة , نحو المزرعة ...كان العمل الذي وعدها به المحامي إليك فارنغورن ينتظرها في مكان ما فوق ذلك التل البطيء الانحدار..هذا أن استطاعت اكتساب موافقة مالك المزرعة الذي له القول الفصل بعد نهاية تجربة هي عبارة عن أول أسبوعين .
التقطت ايريس حقيبتها متهيبة لقاء كوبر برتسوم وجها لوجه , وأخذت تسير صعودا فوق الطريق ....وقد شجعتها رؤية المنزل ومباني المزرعة الواقعة في واد واسع خلف قمة التل .
مباني المزرعة مبعثرة بطريقة عشوائية , لكنها كانت مع الزرائب في حال ممتازة ومعظمها مطلي بالأبيض . بدا منزل المزرعة المؤلف من طابقين , والمبني من جذوع الشجر والحجارة , والمنتصب إلى جانب مباني المزرعة . بدا وكأنه برج مراقبة مرتفع عن الجميع . أدهشها منظرة وأكد إحساسها بأنه البيت الذي كانت تتصوره .
كان منزل عائلتها كذلك مبنيا من جذوع الشجر , المشهد كان له الإحساس عينه بالدفء والعائلة فارتفعت معنويات ايريس ... وأحست فورا أن كوبر برتسوم لا بد أن يكون رجلا عاقلا منصفا مثل صهره المحامي إليك ....وان مزرعة برتسوم قد تكون مكانا مناسبا لتشفى فيه من محنتها وتستعيد حياتها مرة أخرى .

Rehana 23-05-16 01:03 AM

رد: 186 - انتظري
 
المسافة من هناك إلى المنزل الرئيسي لم تكن طويلة جدا ....ووضعت ايريس حقائبها في نهاية الشرفة المسقوفة , غير متأكدة من الاستقبال الذي ينتظرها , بالرغم من تطمينات أليك . ثم تقدمت إلى الباب الأمامي وقرعته.
-من أين أتيت ....بحق السماء ؟
نظرت المرأة المتوسطة في السن التي فتحت لها الباب ,إليها بعجب , ثم رسمت ابتسامة ترحيب خفيفة على وجهها المستدير.
-لم اسمع صوت سيارتك ....ويبدو أن الكلاب لم تسمعه كذلك .
نظرت المرأة خلف ايريس تبحث عن سيارة ....قطبت جبينها لكنها لم تر شيئا ...وقالت ايريس بسرعة :
- أنا ايريس برايبون ....و أنا هنا لرؤية السيد برتسوم بخصوص عمل .
-حسن جدا ....لا بد انك الفتاة التي قال أليك إنها ستأتي في مطلع الشهر ....اسمي اليانور فيرنيش.
واتسعت ابتسامة المرأة وهي تمد يدها لتصافح ايريس وتكمل :
- أنا اعتني بالجميع هنا منذ وفاة السيدة برتسوم قبل تسع سنوات .
هزت ايريس رأسها ....لكن البسمة الشاحبة التي رسمتها ردا على ترحيب المرأة , جعلت الأخيرة أكثر لطفا .
حركت اللهفة أعصاب ايريس .... فهل ستتمكن المرأة بمجرد النظر إليها أن تعرف أين أمضت السنتين الماضيتين ؟ سوف تحمل وصمة العار هذه إلى ما تبقى من حياتها . أحست وكأن التفاصيل المخجلة مطبوعة بأحرف حمراء كبيرة على وجهها , ما جعلها مرتبكة طيلة الوقت .
دعتها مدبرة المنزل إلى الداخل وأقفلت الباب قبل أن تستدير وتقودها عبر المنزل... كانت ايريس مشغولة الفكر ولم تستطع التركيز تماما على حديث المرأة اللطيف.... كل ما استطاعت فعله كان ردا مهذبا من حين لآخر , وهي تفك أزرار سترتها بأصابع مرتجفة .
كان يجب أن يشعرها فناء المنزل الكبير بالراحة والأمان بأثاثه الخشبي والجلدي الثقيل , والديكور الخاص بغرب أمريكا .....لكنها الآن , وقد دخلت بعيدا عن الهواء الطلق و الأرض المتسعة, شعرت بالضغط القاسي الذي أحست به في الباص يعود إليها مره أخرى . وكأنها فقدت فجأة قدرتها على تحمل كونها في مكان مغلق ....وأرعبتها الفكرة .
كان الباب العريض الذي قادتها مدبرة المنزل نحوه مفتوحا , فتوقفت ايريس عند الباب مع المرأة الأخرى التي أعلنت وصولها :
- كوبر ....صديقة أليك هنا .
لدى سماع كلمات مدبرة المنزل , رفع الرجل الجالس وراء طاولة الكتابة رأسه عن صحيفته , وخطوط وجهه المتصلب تدل على كل شيء عدا الود .
مزاج كوبر برتسوم لا يشبه أبدا مزاج صهره ....و إذا كانت ملامح وجهه التي أثرت فيها عوامل الطقس , من حاجبين أسودين فوق عينين سوداوين ضيقتين , إلى فم رجولي صارم وفك قوي , ناهيك عن شعره الأسود الكثيف الطويل , كلها تدل على نوع الرجال الذين ينتمي إليهم كوبر برتسوم , فإن أيامها في المزرعة ستكون محدودة .
رجل حوى وجهه مثل هذه القسمات المحددة بدقة , لا بد أن له تصرفات محددة كذلك , وأحست ايريس إحساسا غريبا , فإذا كانت قد قرأت شخصيته من أول انطباع بشكل صحيح , فلا سبب يدعوها للاعتقاد أن هذه التصرفات القوية ستتغير يوما أو تنحني كي تمنح منه لأي كان ....وبكل تأكيد , ليس لها .
لم تستطع منع نفسها من أن الدولارات الخمسين التي قبضتها هذا الصباح لن توصلها إلى مكان بعيد إذا غير رايه حول توظيفها .....بل الواقع أنها إذا فقدت فرصتها بهذه الوظيفة , فهناك إمكانية أن لا تحصل علي أي عمل في أية مزرعة أخرى في المنطقة... وإذا لم تجد وظيفة ......

Rehana 23-05-16 01:05 AM

رد: 186 - انتظري
 
- إذن ....أنت صديقة أليك ؟
بطريقة ما عرفت قبل أن يتكلم أن صوته سيكون منخفضا وأجشا , كأنه لم يتكلم بشكل هادئ من قبل .... كان من السهل أكثر أن تتصور هذا الصوت الأجش العميق مرتفعا في حالة من الغضب , يرعد في إعطاء الأوامر .
قال وهو يشير إلى مقعد أمامه , لحظة خروج مدبرة المنزل وإغلاقها للباب :
-هيا ..... اجلسي .
راقب كوبر ايريس وهي ترفع يدها لإزالة قبعتها السوداء كاشفة عن شعر بني مجدول , يحيط بوجه ذو ملامح لا يمكن اعتبارها إلا كلاسيكية ....
كانت بضع خصلات مجعدة من شعرها , قد أفلتت فوق صدغيها , مما جعلها تبدو فتاة صغيرة لا امرأة شابة .
لكنه اتجه ينظر إلى الأسفل نحو سترتها الجينز المفتوحة , والى جلد حذائها عالي الساقين ....فأعجب بما رآه منها .....إنها امرأة من النوع الذي يجعل كيس العلف يبدو مثيرا عليها .... داعب ذلك مخيلته أكثر مما يجب ....رفع نظره مجددا إلى وجهها والتوتر باد على محياه .....إنها هنا لتعمل لدية ولا مصلحة له في ملاحظة أي شيء ما عدا مؤهلاتها للقيام بالعمل .
تقدمت ايريس من الكرسي الذي أشار إليه دون أن تعي انه تنبه إلى كونها قد المت بمحتويات الغرفة وهي تتقدم نحوه ...في العادة , حين كان يقابل موظفا مرتقبا , كان يشعر بدرجة محددة من التوتر , خاصة إذا كان المتقدم شابا غضا .
لكن في ايريس برايبون شيء مختلف لم يستطع تحديده على الفور .....كامن في الطريقة التي تتحرك بها مستريحة الأطراف بعفوية .....طريقة ذكرته لسبب ما بمهرة كان يمتلكها منذ بضع سنوات ..كان في المهرة نزعة برية قوية , حاول جاهدا التخلص منها... كانت تملك موهبة حقيقية لان تكون هادئة وقورة في لحظة ,ثم تنفجر في نوبة من الغضب في اللحظة التالية , لأي سبب كان ولو صغير ...في نهاية الأمر , تخلى عنها وباعها لأنها كانت اخطر من أن يستبقيها .
شيء ما في ايريس برايبون , أعطاه الإحساس ذاته ....شيء ابعد من الوجه الجميل وقسماته الدقيقة ووهج الورود على خديها بسبب الريح .
كان بإمكانه تقريبا أن يحس ذلك الشيء في اللون المذهل لعينيها الزرقاوين , برموشها الطويلة القريبة من السواد ....وضبطته يحدق بها , فأشاحت بناظريها عنه .. بعد تلك اللحظات القليلة , لم تعد تسمح لعينيها بمواجهة عينه الأمر الذي جعله يبدو مرتابا حقا .
مال بكرسيه إلى الخلف , وسألها :
- حسنا ....منذ متى تعرفين أليك ؟
- عرفته منذ سنتين ونصف تقريبا .
تركت ذراعيها ترتاحان فوق جنبي المقعد , وشبكت أصابعها باسترخاء بعد أن مالت براحتيها إلى الأسفل .
- إذن ربما تعرفين شقيقتي بروك .
وكان هذا افتراضا جعلها تقلق .
- أنا لم التق شقيقتك .
كلماتها أدهشته بوضوح .... وبطريقة ما عرفت انه كان ليذكر أخته لو انه يظن أن علاقتها بصهره كانت علاقة محام بزبون ....وأذهلتها الفكرة , فقد كانت تظن أن كوبر برتسوم يعرف كل شيء عنها , ووافق على استخدامها لفترة التجربة .
لكنها وقد أصبحت الآن معه وجها لوجه , فقد أحست انه لو قيل له كل شيء , لما كان يعطيها الوقت أو يوافق على استخدامها .....والقليل من مالكي مزارع الماشية قد يفعل ذلك .....لماذا فعل أليك هذا ؟ حضرت نفسها للاسواء .....
قالت بهدوء :
-كنت زبونه لديه ....لقد مثلني في المحكمة منذ سنتين تقريبا .

Rehana 23-05-16 01:06 AM

رد: 186 - انتظري
 
ارتفع حاجباه :
- لكن أليك يتولى في العادة قضايا إجرامية .
فهمت ايريس السؤال الذي لم يتلفظ به بوضوح , فنظرت مباشرة في عينيه للحظات .
-هذا صحيح .
جمد كوبر مرتابا ....حين اتصل به أليك كان هناك بعض المشاكل في الاتصال الهاتفي , وهذا أمر يحدث في العادة , حتى أنهما اضطرا إلى إنهاء المخابرة واضطر أليك للاتصال مجددا ....وبما أن الاتصال كان أوضح قليلا من جهة كوبر هذه المرة , فقد فهم أن أليك يعرض إرسال امرأة شابة للعمل لديه في المزرعة .
وبما أن أليك هو زوج أخته , فقد رأى أن يوافق على استخدام ايريس برايبون بدءا بفترة تجريبية .......لقد اعتقد أن أليك كان يحاول أن يشرح له بعض المشاكل التي واجهتها منذ سنتين , لكن الاتصال اخذ يزداد سوءا , وأصبح من المستحيل أن يسمع ما يكفي من التفاصيل , لتكون لدية فكرة واضحة عن ما هية هذه المشاكل .
نفذ صبره بسبب اعطال الهاتف , وظن أن المشكلة لم تكن شيئا يذكر , فطلب من صهره أن يرسل المرأة إلى المزرعة .....وتذكر كذلك انه استغرب لمكر أليك لاعطائها الفرصة , لكنه صرف النظر عن الفكرة يومها .....اما الآن , وهي تجلس أمامه , فقد تساءل بماذا كان يحاول أليك اخباره .
لم يكن هناك الكثير الذي يستطيع أن يستخلصه من قسمات وجه ايريس المغلقة ... لكنه احس بالبرود والتباعد , وبهالة من الانطواء على الذات , فقد كان هناك قسوة في الطريقة التي تتماسك فيها .....وكان التحدي باديا في مستوى رأسها المرفوع وممتزجا بشكل غريب مع لمعان قلق صغير في عينيها .
لقد شاهد مثل هذه النظرة من قبل ....مرتين على وجه التحديد . ولم تعجبه رؤيتها في ذلك الوقت وكذلك الآن ....علمته الخبرة بضع دروس قاسية , دروس لم يكن متشوقا لتكرارها , برغم من رغبته في ابداء خدمة لصهره ....و إذا كانت هذه الهواجس صحيحة , فهو لا يريد شيئا من ايريس برايبون .
- هل يعني هذا أن صهري الذي لا يتعامل إلا مع القضايا الإجرامية , قبل بك زبونه عنده؟
أصبح صوت كوبر أكثر قسوة ...
رفعت ذقنها أكثر قليلا , وأرغمت عينيها علي التحديق بعينيه :
- اجل ..
التوى فمه بغطرسة مهينة :
- وهل كسب الدعوى ؟
فجأة , وجدت جو الغرفة خانقا ....سيكون كوبر برتسوم أول شخص خارج السجن تعترف له بإدانتها . وكان هذا صعب أكثر مما تخيلت .
-لا ....لقد سجنت لسنتين .
اشتدت قسوة وجه كوبر :لماذا ؟
كان السؤال رسميا تقريبا ....وربما ممزوجا ببعض الفضول ....قبل أن يرفض توظيفها .. خطر ببالها أن تصر على أنها كانت بريئة ..لكن القليل من الناس يصدقون ادعاء محكوم ...ولن يكون كوبر برتسوم مختلفا .
-سرقة المواشي .
تعلقت الكلمات في الهواء ..وارتفع الاحمرار إلى وجه كوبر الذي لوحته شمس الشتاء.. مع ذلك لم ينفجر غضبا كما توقعت .....لكن كلماته كانت قاطعة وهو يقول بهدوء :
- لقد كانت لي تجربة مريرة مع محكومين سابقين ...وتلك التجربة ستجعلني ارفض توظيفك . إن استخدام محكومة سابقة مدانة بسرقة الماشية , سيكون غباء كاملا من جهتي ....بسبب المتاعب التي كنت أعاني منها هنا في السنة المنصرمة , فالسارق الوحيد الذي أريد وجوده على ارضي , هو المكبل بالأصفاد , والماضي في طريقه إلى سجن المقاطعة .
- وماذا لو عرفت التفاصيل سيد برتسوم؟

Rehana 23-05-16 01:07 AM

رد: 186 - انتظري
 
كان سؤالها الهادئ اختبارا لإحساس العدل كما كان طلبا للفرصة الأخيرة ...أعطاها التواء شفتيه الساخرتين , رد قبل أن يتكلم .
- لابد أن الأدلة ضدك كانت مقنعة .....فأليك جيد جدا في عمله , ولن يترك بريئا يدخل السجن .
دفع مقعده عن طاولته ووقف . كان له كتفان عريضتان وجسم قوي البنية يزيد طوله عن الأقدام الستة يكفي ليشعرها بالخوف .
لكنها حاولت مرة أخرى :
- إذن لماذا تعتقد انه أوصى بي لفرد من أفراد أسرته ؟ إذا كان يعتقد أني كنت مذنبة , ألا يشبه هذا إرساله ثعلبا لحراسة خم دجاج ؟
لم يؤثر عليه منطقها .
- انك شابة صغيرة , و لربما اعتقد انك تعلمت الدرس . لكنني احكم بأحكامي الخاصة.....واسمع الدفاع بنفسي ....و أنا لا أدير فندقا .
وقفت ايريس ...وببطء عنيد أزاحت عينيها من عينيه وهي تتقبل رفضه لها .... لن تتوسل لأجل العمل , منعتها كبريائها من إظهار أي أثر لخيبة الأمل التي تحس بها وهي تهز رأسها , وتستدير لتترك الغرفة .
ما أن أدار ت ظهرها حتى أكمل :
- اعتقد انك ستجدين أصحاب المزارع الأخرى في المنطقة يتصرفون مثلي .
على الأقل , أعطاها تحذيرا عادلا , ولو أنها تعرف انه لا يقصد أن يساعدها ...فمالها قليل ووقتها محدود .
كانت ايريس قد قطعت الردهة عبر غرفة الجلوس إلى الباب الأمامي حين خرجت فتاة صغيرة ذات شعر أشقر قصير مربوط إلى الخلف , من خلف زاوية المطبخ .... أجفلت ايريس ولم يكن لديها الوقت لتبتعد عن طريق الطفلة المندفعة ....صدمها جسم الطفلة الصغيرة فجأة ما جعلهما تفقدان توازنهما للحظات , لكن ردة فعل ايريس السريعة منعتهما من الوقوع , وأمسكت بكتفي الطفلة الصغيرتين .
نظرت إليها الصغيرة بعجب : من أنت ؟
أجفلت ايريس لجرأة الفتاة , وترددت قليلا :
- ايريس
- ايريس من ؟
سمعت ايريس حركة ورائها , ورعد صوت كوبر :
- لا تشغلي بالك أيتها السيدة الصغيرة.
- أوه دادي ... أنت تقول هذا دائما .
أكدت نظرة سريعة لقسمات وجه كوبر الحديدية لايريس أنها على حق في كونه مرتبكا ..... فقد كان الغضب يتراقص في عينيه السوداوين وهو يمد يده لينتزع ابنته من يديها .
حدقت ايريس به مصدومة من حركته التي تدل على انه يعتبر كلامها القصير مع ابنته ملوثا لها .... هل ستكون ردة فعل الجميع نحوها هكذا ؟
وكان الرد على سؤالها في خشونة وجهه.
ارتبكت لحظة , إلى أن وصلبت الكبرياء قامتها . لقد عانت الكثير في السنتين الماضيتين كي تسمح لكوبر برتسوم أن يخيفها .
اختفت أفكارها خلف الواجهة الزجاجية الرقيقة . واستدارت لتتجه بوقار إلى الباب الأمامي , ثم خرجت .
في الخارج , ولان الهواء كان باردا , زررت معطفها , وحملت أغراضها من الشرفة المسقوفة ... كان الطقس ينذر بدنو عاصفة ثلجية ربيعية , واستطاعت أن تشمها مع الهواء , وبدأت السماء المكفهرة تنقلب إلى لون رمادي قاتم , لكن توترها منعها من التفكير كثيرا بالطقس , وما إذا كان بالإمكان الوصول إلى البلدة قبل سقوط الثلج .
راقبها كوبر من خلف الأبواب الزجاجية الأمامية وهي تقترب من قمة التل المرتفع بين منزله والطريق العام , لم يكن يوما قاسيا عمدا نحو أي شخص في حياته .. خشن ربما, أو حتى عنيد . لكن وهو يراقبها تبتعد , محملة بما بدا انه كل ما تملك في العالم , أحس كأنه ركل كلبا شريدا لمجرد تقدمه من باب داره طلبا للفتات .


الساعة الآن 10:18 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية