منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   الروايات المغلقة (https://www.liilas.com/vb3/f836/)
-   -   كهرمان / بقلمي (https://www.liilas.com/vb3/t201701.html)

ثريا ا ا 20-01-16 08:02 PM

كهرمان / بقلمي
 
-





بسم الله الرحمن الرحيم


،






كهرمان




..؛








التصنيف : ( نفساني ، رومانسي )


الأسلوب :
السرد (فصحى) ،
الحوار (عامية) .



الملخص :

في عتمة الليل وسكونه .. حيث الشاب المتسلل
للمبنی الجامعي في خضم مهمة غامضة،
إذ به تصله طرقات مجهولة المصدر .

ليكتشف في النهاية أنها إشارات استنجاد مصدرها
طفلة مراهقة ، محتجزة في إحدی قاعات الجامعة !



أختكم ، ثريَّا .



-

ثريا ا ا 20-01-16 08:04 PM

رد: كهرمان / بقلمي
 
-
















الفصل الأول











. . .



















لم يكن وهماً !

هناك طرقٌ ماً !



بتوجسٍ أرهف السمع وعيناه تجوﻻن ..



تحركت خطواته باتجاه مصدر الطرق الرتيب ..


وتخيَّر الممرات الدامسة معتمداً علی سمعه ..



- من هناك ؟

تحدث باﻻنجليزية .



ميز سمعه اﻷنفاس التي اضطربت من خلف الباب المغلق ،

وأثار تعجبه الصوت اﻷنثوي متسللاً يطغی عليه التوتر :

- هل من أحد هنا ؟



عبر عن استنتاجه في تساؤله :

- هل أنت حبيسة في الداخل ؟


- أياً من كنت ، استمع ! اذهب وجد سميث حاﻻً .. فضلاً ..



لم يستسغ نبرة اﻵمر في حديث اﻷنثی ، شخص في

موقفها من المفترض أن يكون أكثر توسلاً !



- معذرةً ، أنا في عجلة من أمري .



وابتعد بخطاه متجاهلاً النداءات التي قاربت التوسل .




عدل من حمالة حقيبته الثقيلة السوداء علی كتفه بينما

يسرع في سيره ، شعر باهتزاز هاتفه بجيبه ، فأخرجه

ورد بعد أن ألقی نظرة خاطفة علی اسم المتصل :

- يالله هذاني طالع .


قال بصوته الخفيض الهادئ فيما يقترب

من المدخل الرئيسي للمبنی .



بعد دقائق كان قد أصبح أمام مقوده ، والحقيبة السوداء

قابعة في أحضان مرافقه المنتشي ، يعبث في محتواها

ﻻهثاً .


- بنتحرك ، حطها وراء .


أمر ، ويده تدير المفتاح تشغل محرك السيارة ، فأسرع

رفيقه بإغلاق الحقيبة وقام بدفنها أسفل المقاعد الخلفية ،

ثم زعق بسعادة :

- إلی المقر !!


انشغل لهُنيهات بتفكيرٍ مبهم .


- وش فيك ؟

نسيت شيء ؟


وجه رفيقه السؤال القلق .


لكنه ردَّ بهدوء ﻻفتاً ، بنبرة هازئة :

- الظاهر بترجع بروحك إلی ( المقر ) ، خفف أفلام .



اتسعت عينا صديقه وهو يراه يفتح بابه

ويوشك علی الترجل من السيارة .


- علی وين ياﻷخو ؟


- ارجع بالسيارة ، عندي شغلة .


- وش شغلته ؟



وجد الصديق نفسه يحادث الرياح

فقد كان قد ابتعد وسترته السوداء

تتلاشی في الظلمة .








تجول حول المبنی حتی استقر أسفل النافذة المطلوبة ،

رافعاً رأسه يتأملها مفكراً .



لحسن الحظ القاعة المطلوبة تقع بالطابق اﻷرضي

وإﻻ لكان سيضطر إلی التحول للرجل الخارق .



مع ذلك ﻻ يزال الوصول إليها بحاجة

إلی قفزة تتخطی الحدود البشرية .



جال ببصره حول المكان باحثاً عن إلهام لفكرة ما أو أداة

مساعدة، ولم يعثر سوی علی فكرة واحدة محبطة .



أخذ يسير وكفاه مدفونتان بمخبئي سترته ، ثم تملكه الضجر

وبدأ يهرول بغية إنهاء المهمة المملة التي أقحم نفسه بها .






توسط الحجرة المهجورة التي حالت إلی مستودع ،

وتقدم نحو نافذتها .



أصدرت صريراً مزعجاً فيما يحاول فتحها .

ثم كان قد أخرج جسده بالكامل ، مستنداً بركبته علی حافة النافذة .



استقر بقدميه علی قاعدة رفيعة حول المبنى .

ورويداً رويداً ، أخذ يسير بشكل جانبي ،

في حين ظهره مواجه للحائط .



أخيراً وثب جاثماً أمام النافذة المقصودة .


" أستحق نيل مكافأة ! "

حدث نفسه ساخراً .



بدأ يطرق طرقات متتابعة ثم انتظر .. طال انتظاره ،

فأعاد الطرق بنحو همجي عنيف تسبب بضوضاء .



شعر بالحنق من الستائر الغليظة ذات اللون الماروني الداكن ،

التي ميزها من الإضاءة الخافتة والتي تخترقها من داخل القاعة .



" ماﻷمر ؟ ألم تسمع ؟ هل نامت ،
أم فقدت الوعي من البكاء ،
أم أصابها الصمم من شدة الحزن ؟ "


أخذ يفكر متململاً ، اتخذ قراره وفي لحظة التي ارتفعت قبضته

في الهواء متوجهة نحو زجاج النافذة ،

تباعدت الستائر المارونية اللون بحدة ..



ظهر من خلفها جسد ضئيل أشقر ابتعد جفلةً ..



وجد نفسه أمام عينين بلون العسل الصافي ..

عينين بدتا كعينيّ قطة ..



أشار عليها بفتح المزلاج .

إلا أن الكائن ظل متصلباً مكانه دون نية استقباله .



- حسناً ! ظننتكِ بحاجة لمنقذٍ ما، وداعاً !


قال ساخطاً هازلاً ، وما أوشك علی الوثب مغادراً .

لمح الكائن الضئيل الجسد يهرع إليه .

ويشرع النافذة عن آخره ، هاتفاً بلهفة :


- انتظر !



رمق الفتاة بنظرة متهكمة .

وعاد يستدير بكامل جسده إليها .


- أسرعي .


قال آمراً .


حدقت بيده الممتدة بفمٍ فاغر .

- تريدني أقفز من هنا ؟



رداء الفتاة الغريب أول ما ﻻحظه بعد العينين العسليتين .


ترتدي زيَّ سباحة !

زيَّاً بلون غريب مقارب للون الكَمُّوني ولكن بدرجة أفتح ،

أضفت على بشرتها البيضاء شحوباً بالغاً .



- من المفترض لمن في وضعك أن يفضل المخاطرة ؟


- محال ! ﻻ يمكنني !


تنهد بلا مباﻻة :

- إذن ، يفترض بي الذهاب .



اضطربت الفتاة وهتفت بتشتت :

- ﻻ ! توقف ! ﻻ يمكنك .. ﻻيمكنك تركي هكذا ؟

يجب أن تخرجني من هنا ؟


- ماذا تعتقدينني بالحقّ ؟

أنه يمكنني أن أجلب لكِ غيمة تهبطين بها ؟


تصلَّبت ملامح الفتاة لبرهة .


من ثم انفجرت في الضحك بملء فمها !



ظلت تضحك بهستيرية عجيبة في حين تضرب بقدمها اﻷرض ،

وليس ببعيد أن ترتمي أرضاً ، وتتدحرج ضحكاً .


جعلته ردة فعلها يأخذ عنها فكرة فتاة شقية لعوب ليس إلَّا .


تفحصها بنظرات فضولية فيما تلتقط أنفاسها تستعيد هدوءها .


النكتة التي أضحكتها بتلك الجنون لم تكن محض نكتة بلْ

ألهمَه ذلك مظهرها الذي يمزج مابين الغرابة والبراءة .


تساءل مالذي تفعله هذه الصغيرة هنا ، تبدو لم تتخطَّی

الخامسة عشر بعد حتَّى .. !


بجسدها الضئيل هذا بإمكانه حتی الطيران دون يشعر به .


ضئيلٌ للغاية حتی بالنسبة لفتاة في عمرها ...

ضئيلٌ كجسد طفلة في الحادية عشر ..


إﻻ أن تلك اﻷعيُن الفطِنة ، كفيلة بإبراز عُمرها الحقيقي !



- بالمناسبة ، لماذا ترتدين بدلة السباحة ؟



لم يكن سؤاله مناسباً للموقف ، لكنه وجد نفسه يلقيه دون تفكير .



- سباحة ! ألم تری في حياتك راقصة باليه ؟


- أنتِ راقصة باليه ؟

تساءل بسرعة مستنكراً .



تعابير الكبرياء علی المراهقة جعله يدرك أنها ﻻحظت إهانته لها .

فخاطبها بلطف مصطنع :

- حسناً ياصغيرتي ، بما أن اﻷمر كذلك ..

أليس من المفترض ، أنه يمكنكِ القفز في الهواء أفضل مني !

بل يمكنكِ الطيران ! ألم تخطر لكِ فكرة القفز من النافذة ؟



لبثت ساكتة لهنيهة ، ثم أجابت متململة :

- أنا .. أعاني من فوبيا المرتفعات .


استهجن غير مصدق :

- راقصة باليه لديها فوبيا المرتفعات !

أليس عملكم هو التحليق في السماء ؟!


ﻻحظ ساقيها النحيلتَين وإحداهما تلتفّ حول اﻷخری بتعبيرٍ عن اﻹحراج .

وللتوِّ يلاحظ جوارب الباليه الرقيقة بلون الجسد ،

بقدميها الصَّغيرتين مثل قدمَي دُميَة .


استغل فرصة تأملها من جديد بعد أن أشاحت بعينيها عنه .




- أنا جائعة ..

غمغمت بخفوت دون أن ترفع بصرها .



اﻵن فقط يدرك أن الطفلة سجينة هذه القاعة منذ الظهيرة .


- هل تناولتِ الإفطار صباح هذا اليوم ؟


أجابت : تناولت كوب حليب .


فعقب بصوت جلف :

- إذن يفضل أن تسرعي قبل تورطينني بإغماءة ما !


- أخبرتك أنه ﻻ يمكنني القفز من هنا !

اذهب واحضر لي طعاماً !


هتفت به بنبرة أثارت حنقه .



- لم أعتد تلقي اﻷوامر من قاصر بلغت للتو !!!

زجر بقسوة .



أحس بالندم عندما بان أثر ما تفوهه جلياً علی وجه المراهقة .


فليس من المعتاد أو الطبيعي أن يقسو شخص بالغ علی طفل قاصر .


فتمتم مرغماً بصوت خفيض ، ويده تحكّ شعره بحركة عصبية :

- سأعود ، انتظريني .



واختفی من مرأی بصرها ، حيث تعلق بقاعدة النافذة .

ثم ألقی بنفسه علی العشب الرطب البارد .



















. . .
















استمر يراقبها حتی أنهت وجبتها ، كانت تأكل بنهم هائل

يدل علی مقدار ما كانت تعانيه من جوع .



- ماﻷمر ؟ أرجو أﻻ تكون من فئة المهووسين بالقاصرات !


لم يحاول إبعاد نظره عنها ، بل ابتسم :

- تبدين ذكية بالمقارنة بعمركِ !


- حسناً .. أطفال هذا الزمن يتفوقون ذكاء عن البالغين .


- أشتم رائحة إهانة !


كان يجلس علی مقعد واسع فيما هي فضلت جلوس اﻷرض

إذ فرشت وجبتها وتناثرت اﻷكياس حولها بفوضوية.



- كم عمركِ ؟


بلا تردُّد وكأنما اﻹجابة جاهزة :

- اثنا عشر .


- كاذبة !

رفض التصديق فاغراً فاهه.


- أصبت ، أربع عشر .


صاح باستنكار :

- هل اعتدتي أن تكذبي بهذه السهولة !!


- وأنت ؟

سألته ببراءة متجاهلة تعليقه .


فأجاب ﻻ مبالياً وسؤال آخر يشغل باله : أربع وعشرون .

وطرح سؤاله :

- لم تخبريني مالذي تفعله طالبة مدرسة إعدادية في الجامعة ؟



- نحن نعمل علی إعداد حفل تخرُّج ،

وقاعة الرقص في مدرستنا قيد الإصلاح .


- تقصدين أن فرقتكِ تأتي هنا للتدرب ؟


- نحن فتاتين فحسب ، الأخرى سبقتني بالذهاب ،

لكني رأيت أني ﻻ أزال بحاجة لمزيد من التدريب .


احمرّ وجهها وهي تردف ، مهمهمة :

- ذلك اﻷحمق سميث، غططتُ في النوم فلم ينتبه لوجود شخص ،

من المفترض أن يصيح ويصرخ منادياً إن كان من أحد !

غبي !



لجأ للصمت حيث ﻻ يملك تعليقا ،

فكيف أمكنها النوم بمكان غير مريح كهذا !


- هل أنت طالب هنا ؟



سألت بفضول ويداها الصَّغيرتان تعبثانِ بخُصلتَين

بلاتينِيَّتَين علی جانبَي رأسها علی نحوٍ غريب .


أومأ برأسه مجيباً وبصره يتابع عبث تلك اﻷصابع بذلك الشعر

الذي بدا أشبه بهالة من الشمس حول وجهها الدائري المُضيء ..


شعرها كثيف وأملس متساوي اﻷطراف كقطعة نسيج بلاتيَّنية اللون ،

قصيراً بالكاد يُلامس كتفيها رأی أنه أبرز أنُوثتها أكثر مما لو كان طويلاً ..

خاصة مع كتلة الغرَّة تلك التي تحجب جبينها ..



عادت تستأنف تحقيقها معه :

- أنت إيطالي ، ألست كذلك .... ؟


قاطعها هاتفه قبل أن تكمل عندما بدأ باﻻهتزاز ،

فأخرجه واكتفی بنظرة إلی الشاشة ، ثم أعاده لمخبئه .


- ﻻ يمكن أن تذهب !

- يمكن أن أراجع قراري إذا وعدتني بليلة مسلية .

- سأجن لو مكثت ليلة هنا بمفردي !!


قال مصارحاً :

- وأنا سيجن جنوني لو مكثت معكِ !

بالتأكيد تفهمين مغزاي !


وتابع ساخراً :

- كذلك أنا ﻻ أهوی القاصرات .


- كاذب ، أنت مفتون بي اﻵن بكل خلية من جسدك !



حملق بها غير مصدِّق الجرأة التي تتحلَّی بها .



أردفت بعصبية :

- اسمع ! أنا عذراء ! هل يجعلك هذا تهدأ ؟


- أيتها الخرقاء ، لقد زدتي الطين بلة !!

صاح بها مغتاظاً .



تضرَّج وجهها احمراراً ، وتملَّكها اضطراب جليّ .



سأل وأصابعه تتخلل خصلاته السوداء في توتر :

- ألم تواعدي شاباً من قبل ؟


بان ارتعاش حنجرتها واضحاً في صوتها المخنوق :

- وقتي ممتلیء ولم يسعني التفرغ لهذه اﻷمور .


ثم أردفت بتردُّد :

- هلا انتقلنا لموضوع آخر من فضلك ؟



زفر بشدة من هذا المأزق .



قال بنفور :

- أين ثيابكِ ؟



انكمشت ، قبل أن تجيب بصوت بالكاد سمعه :

- في الجهة اﻷخری من القاعة .


وعادت تهمهم : الغبي سميث .



على نحو مفاجئ ؛ بدأت مقلتيها تذرف

دموع غزيرة أرغمته علی القلق .


فسألها مقطباً :

- لماذا تبكين ؟


- اخرس ! هنالك معلومة تقول أن دموع المرأة تطفیء من رغبة الرجل .


اتسعت عيناه ذهولاً .

ثم ألقی برأسه إلی الوراء ، في قهقهة حادة ، مجلجلة .

- هل تطلقين علی نفسك امرأة ؟!


كشرت في وجهه عابسة ، وقد اكتست أعينها حقد حقيقي .


لكنه لم يلق بالاً ، مواصلاً الضحك .

كأنما قاصداً مضايقتها .

















. . .

















بلغت الساعة الواحدة ، ليلاً .


مضت ساعتين .. والوجومُ مطبقٌ على المكان .


كان ﻻ يتوقف عن الهرب من حصار سجنها كل عدة دقائق .

ثم يجد نفسه عائداً أدراجه ، بعد أن يشعر بالتحرر والارتياح .


كل واحد منهما يجلس في جهة أبعد مايكون عن اﻵخر ،

وبالكاد تتلاقی أبصارهما .



نهض بتثاقل ، وخطی بخطوات ملولة ، صوب النافذة المفتوحة .



تناهی إلی مسامعه ، صوتها الخفيض ، بلمحة المكابرة :

- هل أشعرك بالضجر إلى هذا الحد ؟


ردَّ بازدراء ، دون تتوقف قدماه عن التقدم :

- لربما تنجحين في إزاحة الملل عني لو فكرتي

في تقديم إحدی عروضكِ الراقصة لي !


رمقته ببصرها بجمود .


- ما عجزت عن فهمه ، هو كيف يعقل بالحقّ أن تعانين من فوبيا المرتفعات .

أمال ببصره نحوها باستخفاف .


بعد لحظات من التفكير ، بدأت تشرح متحدثة :

- حدث ذلك في العام الماضي ، سقطت من علو ثلاث أمتار .

على الرغم من أني لم أعد قادرة علی تأدية معظم تقنيات الباليه ..

إﻻ أنني لم أتمكن من الكفّ عن مزاولته ، أنا أحبه .


نطقت بعد صمتٍ ، وهي تنتصب بحركة مفاجئة :

- هل ترغب بأن أقدم لك عرضاً ؟


هتفتها بحماسة ، وابتسامة عريضة تشق وجهها .


كلَّفه وقتاً ، حتی يستوعب سرعة تحولها .


من الهدوء واﻻكتئاب الذين سيطرا عليها في الساعتين الماضيتين .

إلی شُعلة من الحماس ، في غضون ثوان !


بعثر شعره في حرج ، ثم رفع كتفيه بلا حيلة :

- حسناً ؟ سأكون أحمقاً لو اعترضت !


سارعت راكضةً برشاقة .. قاصدةً جهاز التسجيل ،

وشعرها القصير الذي يتطاير في الهواء ، ذكّره

بعباءات الرجال الخارقين حين يطيرون في الهواء .


صعدت مُوسِيقی غنائيَّة هادِئة ،

بدت له كَمُوسِيقی رُوحانيَّة

تشبهها بالسِّحر والغرَابة ..


وعادت راكضة ودون أن تنتظره يلتقط أنفاسه أو يستعدّ ...


بُهِرَ بها ، وهي تلتف حول نفسها ، بدورانٍ متناغم ومتناسق .


وما دنت منه ، نزعت عن كتفيها سترته السوداء ،

التي أعارها إيَّاها ، تعيدها إليه برميةٍ صغيرة ناعمة .


ثم راحت تدور حوله ، بطريقة أثارت جنونه .

وابتعدت بحركات سلسة .


شُعاع الجمَال والنُّعومة الفائقَين التي تطلقهما ،

جعله يوقن أنه أمام ملاكٌ صغير ..

لا ينقصه سوى جناحَين أبيضَين ..



انتابه شعور التهديد والاضطراب وهي تدنو منه ثانيةً .


عادت لتدور حوله .

لكن هذه المرَّة ، ما إن استدار للخلف ؛ ارتدّ بحِدَّة إلى الوراء .

حَالَمَا أجفلته بوثبة شقية ، وقد اعتلت ملامحها تعابير قِطَّة متوحشة .. !


قهقه ملء فيه ، تعبيراً عن الإعجاب .


لكنها راحت تحلق بعيداً .. في الهواء ، متجاهلةً إيَّاه .


ثم أدَّت شقلباتٍ متتابعة ، بسهولة شرب الماء !



هذه المجنُونة .. !



إنها تجني على نفسها .. !



خرج الأمر عن السَّيطرة .. !



وجد نفسه يتقدم صوبها ، متجاهلاً ، رامياً بكل وعوده ونيته بعدم إيذائها .



أوقفه بمنتصف الطريق ، رؤيتها تتخذ وضعية النَّمِرَة !



اشتعلت عيناه بريقاً ، وأخذته النشوة .. !



حذَّرته بوثبةٍ مخادعة ، ما إن رأته يتخطی حدود اﻷمان ، بالنسبة لها .

فتراجع حذراً ، عندما أدرك جديتها .. فالنِّسَاء ،

في هذه المواقف .. يتحوَّلن إلی نَمِرَاتٍ حقيقيَّات !



حول مسار سيره ، فأخذ يسير ببطء ، بشكلٍ جانبي .


وسارت هي علی خُطاه .


حتی قاما بدورة كاملة ، حول المكان .


يبدو أنها مُصمِّمة علی اتخاذ وضعيَّة الهجوم ، حيث هبطت علی أطرافها اﻷربعة ثانيةً .

تتابعه بعيونها المتربِّصة ، تتحيَّن اللحظة المناسبة ، لتنفيذ هجومها .


استمتع برؤيتها علی تلك الوضعية ، وانتابته رغبة جامحة بتقليدها .


فأصبح مُواجِهاً لها !



بدوا كلَوحة فنيَّة ، تضمُّ نمِرَين شرِسَينِ متواجِهَين ..

كُلٌّ منهما يهدِّد اﻵخر ، بإشاراتٍ من عينيهِ المُلتمِعَين .. !



كان متحيِّناً ، ومستعداً .

ﻷيِّ هجوم مباغِت من قبلها ، منتظراً فقط أن تباشر .


لكن وجد نفسه يُصعق بها تتمدَّد !


ثم تنقلِب علی ظهرها ، لتتلوَّی إغراءً كَاﻷفعیَ ..

وعينيها ﻻ تنفكّ عن مراقبتِه ، برأسها المقلُوب !


منظر شتَّت كَيانه ، وصلَّبه مكَانه !


" تلك اللَّعينة !! "

حدَّث نفسه ، سخطاً ، مبهُوتاً !



وبسرعة قياسيَّة ، استعادت وضعيتها برشاقة غير معهودة .

وشنَّت عليه بهجومها الخائن ، بعدما أخمدت احتراسه .


فتنبه ، وتدارك وضعه ، يبتعد متراجعاً .


راعَه رؤيتها ﻻ تنوي إفلاته !


بينما تعابير القِطَّة الشقيَّة ، اكتسحت ملامِحها مجدداً .

رافعةً مخالبها عالياً في الهواءِ ، مهدِّدة بالانقضاض .


- أنتي تستمتعين بهذا !


هتف صائحاً ، وقد قلبَ اﻷدوار لصالحِه .

حيث باتَ هو من يُناورها اﻵن .



قامت بتسديد ركلة قوية إليه ، فصدها بقبضته .

أتبعتها بأخری ، ولم تفلح كذلك .


أيقنت أنها في خطر !


فهرعت تركض هارِبة ، وعزم اللّحاق بها ، مستمتعاً باللعبة .


ثم كان قد أوشك على محاصرتها .


لكنها فاجأته بها ، تنزلق باحتراف ﻻ يُصدَّق ،

لتَّتخِذ من بين ساقَيه طريقاً !


ولسوءِ حظها ؛ كان أسرع منها ، فقبض علی كاحلها قبل تبتعد .


أطلقت صرخة ألم ، أجبرته علی إفلاتها فوراً ..

ليعلم بعد فوات الأوان ، أنه وقع في الفخّ .



راحَت تقفِز ضاحكةً ، بسعادة وفرحة عظيمتَين ،

تضرب قدميها الأرض بتناوبٍ .


مُشيرةً إليه بسبابتها السَّاخِرة ، حتی انزلقت سهواً .

لتقع وتسقط علی قفاها .


سارعَ باغتنامِ فرصته الثَّمينة ؛ فانقضَّ واثباً .

بينما أخذت تتراجع زحفاً ، وساقيها تُسدِّدان ركلاتٍ ضعيفة .


تمكَّن من محاصرتِها بيُسرٍ تامّ .

بذراعَيه المُستنِدَين بساعدَيه ، علی جانبَي جسدِها ..

كـ سُـورٍ حَصِين .


راحت تهزّ رأسها متوسِّلة .

وﻻ يفتأ الضَّحِك الهستِيريّ يُسيطر عليها ،

وقد أغرقت الدُّموع وجنتَيها ..

الَّلتين باتتا بحُمرة الفراوِلة .


همس بسعادة :

- انتصرت !


وبخفة حملها من خصرها النَّحيل .

ليدور بها ، رافعاً بجسدها ، عالياً في الهواء .

مقهقهاً بانتصار .



بينما اعترَی الفتاة الجُنون ..

وأخذت تصرخ بكُلِّ ما تملِك حُنجرتِها .


تركُل بساقَيها في الهواء ، ورأسها يهتزّ بقوَّة .


- عالي ، عالي ! تكفَی !




" ماذا ، هل يتوهَّم ؟ "


" أم يمكن أنه إذا تعرَّض المرء للفزع ، قد ينسی لغته ،
ويتحدَّث بلغة غير لغته ؟ "



دارت به اﻷفكار الغريبة .. غير مصدِّق .

للحدِّ الذي أعدمتْ إحساسه ، بالشعور بقبضات المراهِقة علی ظهره .




- أرجوك أنزلني .. رجاءً .. رجاءً ..



أعادته لغتها اﻻنجليزية إلی أرض الواقع .

قام بإنزالها ببرود .


رمقها بنظرات احتقار ، وهي تنكمش جاثية .

وجسدها يرتعد ، كعصفورة ( بردانة ) .



رفعت رأسها إليه بحدة ، تخاطبه ، بشفتين مرتجفتين :

- ﻻ يمكن لبشري أن يكون بهذا الشرّ !

أنت تعلم مما أعاني !



اكتفی بمبادلتها نظراتها الحاقدة ، دون يحرَ رداً .



اكتفی من كل تلك الحماقات !


تحركت قدمه ، حركة طفيفة .

ينوي اﻻبتعاد ، وإعادة الهدوء للمكان .


وقبل يخطو خُطوة واحدة ...

وجد نفسه طريحاً يتأوَّه !



استشاطَ غضباً ، وثارَ !

وسيطر علی عقلِه المسَّ والجُنون !


نهض كوَحشٍ غضبان ، بعينينِ بلونِ الجَمر .


أوداجُه الغلِيظة ، المُنتفِخة ..

تُنبِئ عن قاتلٍ كامِن ، في أعمَاقِه !




أين اختفت ؟




قبل يصيح بها ، منادياً .

تناهی صوتها الصغير .. إلی مسامعه ، مكتُوماً :

- أنا آسفة .. أرجو أﻻ تكون تألمت .. أنا مضطرة لفعل ذلك ..




تتبَّع مصدر صوتِها ، في حين تتحدَّث .

حتی أصبح مقابلاً ، لمخزن حديدي ، أسود اللون .



- أنتي في الداخل ؟

أرغم نفسه علی التحدث باﻻنجليزية .




- أنا في اﻷسفل .. أنا آسفة مرة أخری .. أرجو أﻻ تكون غاضباً ..



جلس علی عقبَيه ، أمام المخزن منبهراً .

بصره يقيس المسافة ، بين اﻷرضية وقاع المخزن .

متسائلاً كيف أمكن لجسدٍ ، الانسلال أسفله ؟


ﻻ إمكانيَّة حتی لوصولِ ذراعِه ، وما أثار تعجُّبه أكثر ...

تنازُلها عن كبريائِها ، وَحرصِها علی اﻻعتذَار !




- هكذا سنبقی بأمان ، ولن تضطر للخروج كل عدة دقائق .

أنا آسفة جداً ، أعلم أنني أتعبتك ، وأرغمتك علی ما ﻻ تريد ..

سأظل أتذكر معروفك .. لن أنسی هذا اليوم ..

أعترف أنني ، استمتعت معك جداً ..

أنا لن أنساك أبداً ..




استند بظهره إلی المخزن ، وقد استعاد شيئاً من الهدوء .




قال ، بنبرة باردة :

- هل لي أن أعلم ، سبب تبدل اﻷسلوب ؟




أحس بالتردد الذي اجتاحها ، قبل تجيب مصارحة :

- هذه حقيقتي .. تلك الجريئة التي كانت أمامك ، ليست أنا ..

حقيقتي هي أنني لست سوی .. غريبة اﻷطوار تلك ، التي تظهر دائماً في اﻷفلام ..

التي يملأ وجهها النمش ، وﻻ تمتلك صديقة واحدة ..

لا ينقصني سوی تقويم أسنان العصور القديمة .




صُدِمَ بكل هذه السّلبية ، وصورتها المنخفِضة عن ذاتِها ...

إلی هذا الحدّ المتطرِّف ، والمَرَضِي !




قال ، محاولاً إضفاء بعض السُّخرية بنبرته :

- ينقصكِ كذلك النمش .


تجاهلت سخريته ، معترِفة :

- أنت أول شخص أشعر به يتقبلني .. مع أنني أعلم أنك أعجبت باﻷخری ، التي ليست أنا ..

لكن أحببت شعور أن تكون مقبوﻻً .. إنه شعور لطالما تمنيت تجربته ..

أنا لم أقصد خداعك ، أو أنوي أي شيء .. لكن .. ﻻ أعلم !

أنا آسفة ، ﻻ تكرهني أرجوك !




- هل تعلمين ، أنكِ جميلة ؟




- أعلم هذا ..

لكن مع ذلك ﻻ يطيقونني ..

اﻷمر ليس في المظهر ..

يبحث الناس دائماً عمن يسليهم ..

الناس يرونني مملة ..




- أتعلمين ما مشكلتكِ ؟

الناس تسيطر علی تفكيركِ ..

الناس ﻻ تستحق أن تجعلي من نفسكِ تسليتهم !



غمغمت بهوَان :

- شكراً لك .. لم أتوقع أن تكون متفهماً ..

هل تسمح لي بطلب ؟



ظلَّ ساكناً ، بانتظار سماع طلبها .


فتابعَت :

- أنا لن أرغمك اﻵن علی البقاء ، لكن لو فعلت ..

هل لك أن تذهب في الصباح الباكر ،

قبل بدء دوام الجامعة ؟




ردَّ ببُطء :

- سأفكر في الأمر .



ثُمَّ أردَف :

- أﻻ تشعرين باﻻختناق من ذلك المكان ؟



لم تُجِبه ، فقال مُطَمْئِناً :

اخرجي حاﻻً ، أعدك لن أمسَّكِ .



- أفضل أن أبقی هنا .


دون تفاهم ، أو إطالة في النقاش .

دسَّ يده أسفل المخزن ، يجُرَّ بجسدها إلی الخارِج .


فقفزت جالِسة ، صائحةً بوجهه ، مستهجنة :

- وعدت أﻻ تمَسّ !!



تبسَّم رغما عنه ، ثم تكلم مشيراً :

- أتعلمين ؟ حقيقتك هي هذه التي معي ،

وليست تلك الخجولة أمام اﻵخرين .



خشيَ أن تتفجر وجنتاها ، من شدة اﻻحمرار ، الذي اكتسحها .


فأنهی الموقف ، مطلقاً أمراً :

- أعيدي السترة عليكِ ، واخلدي للنوم حاﻻً .

ﻻ أطيق مزيداً من اﻹزعاج .




















. . .
















شعر بها ترتعِش ، من هبَّة الرِّياح البارِدة ..

حاولَ كمشَها .. حتی تمكَّن من إحاطتها بالكامِل ،

مانِعاً ذرَّات الهواء ، من مسّ جلدها .


ندب حظَّه ، حينما بدأت أجفانها باﻻرتعاش ، منبِّهة ببدءِ استيقاظها .

تململَ جسدها بين ذراعَيه ، وأخذت تفرك وجهها المتورِّد ، بكسلٍ كقِطَّة أليفة .



سارع تلقائيَّاً ، إلی حجب بصرها ، بكفه العريضة .


حركت رأسها بهلع ، مستعيدة إدراكها ، بسرعة عجيبة .

قاومت ، بضعف كان بإمكانه أن يكون عنيفاً ،

وتطرحهما معاً من هذا العُلُوِّ ، لوﻻ جسدها الواهِن

إثر النوم .



- إنه أنا ، ﻻ تخافي .



حاولت التحدث ، باللسان الثقيل :

- .. ماذا تفعل ..؟ أبعد يدك ..


- اهدئي ، واصبري قليلاً .


- .. وعدت أﻻ تمسني .. وثقت بك .. أيها القذر ..


مع حدة ألفاظها ، إﻻ أن صوتها يخونها ..

في ظل اﻻسترخاء الهائل ، الذي يغمرها .


وفي برهة صمت ، بدا أنها بدأت تستوعب ، وتدرك ،

المكان حولهما ، من هبَّة هواءٍ أخری نخرت عظامها .


- .. أين نحن ؟


تشبثَّت بيده التي تحجب عنها النَّظر ، بكلَي كفَّيها ، تصارِع ﻹزاحته .


همس بنفاذ صبر :

- أخبرتكِ أن تنتظري ! شخص ما بالداخل !


- .. ﻻ تقول إنَّا .. ؟ طاقه ... ؟


خانها لسانها ، وقد انتقلت للغتها اﻷم ، غريزيَّاً ..

وَ ارتخی جسدها ، مجدداً ..




أزاح كفه .. بدت كما لوْ لم تصحو قطّ .. !


انفلتت من جوفِه تنهيدة طويلة ، عقبها بزفرة ضيق .



لمْ يحاوِل إيقاظها ..



اكتفی بتأمُّلها ..



وجنتَيها المتورِّدتَين منذ دقائق ، حالتا إلی الشُّحوب .

وبالمثل مع شفاهُها ، بل بياضه فاق بياض بشرتها .




بعد مُضيِّ خمس دقائق ، كان قد عاد بها للداخل .


لم يكف عن التَّربيت علی الخدَّين النَّاعمَين .

حتی انفرجت أجفانها ، عن جوهرتَي الكَهْرمَان الشَّاحِبَين ..


جالساً علی قدمَيه ، جوارها .

بعدما رماها بقطعتين من الثياب ، عثر عليهما في حقيبتِها ،

التي جلبها من القسمِ اﻵخر من القاعة .



أرغمَت نفسها علی النُّهوض ، ويدها تدفعه بوهنٍ .

مُتمتِمةً ، في نفور : وخِّر ..



ابتعد ، دون أن ينبس بحرف .


ابتدأت ترتدي ، القميص الرمادي اللون ، فوق زي الباليه .

فاستوی واقفاً ، مولياً بظهره ، مانحاً إياها بعض الخصوصيَّة .



- ماذا تنتظر ؟ انتهت مهمتك ، فلترحل .



أطبق أسنانه غيظاً ، إنها تتفنَّن بإغضاب اﻵخرين .


استدارَ إليها :

- ألن تعبري لي عن شكرك ؟


- عبرت عن ذلك وأكثر ليلة اﻷمس ، وداعاً .. أتمنی أﻻ نتقابل .



رفع حاجباً مستهزءاً :

- تتحدثين وكأنما هنالك احتمال ﻷن نتقابل !


لم يفته اﻻضطراب الذي لمحه للحظة .


أجابت بكبرياء :


- كل مافي اﻷمر هو أنني أتمنی أﻻ أراك ، أدعو الله أﻻ يحدث ذلك ..



تصنَّع التنهد ، ثُمَّ قال بنبرة مسرحيَّة حزينة :


- لكم وددت لو تمدينني بعناوينكِ ،

خلتنا سنتحدث عن مستقبلنا معاً حال استيقاظكِ !

كم أنتي قاسية يا صغيرتي الفاتنة .. !



تضرُّج وجهها ، دلَّ علی أنها شخص غير معتاد علی الكلام المعسول .

لكنها جاهدت في صدّ سِحره ، هاتفةً ببغضٍ :


- أنت تثير اشمئزازي ! ألم تقل أنك ﻻ تهوی القاصرات ؟


غمزَ لها غمزةً جعلتها تنتفِض جفِلَة ، كادت معها تشقلبه ضحكاً ،

لوﻻ جاهد علی كتمه ، مُجيباً بنعومة :


- ماذا يسعني أقول ! أظنكِ قلبتي معاييري رغماً عني .. !



لم يشعر سوی بالحقيبة ترتطم بوجهه .

وبكلماتها تخرج من بين أسنانها ، بغضبٍ مُشتعِل :


- ملعون ، قاصد يلعب بأعصابي !



كاد يهاجمها بذات الُّلغة ، لوﻻ أمسك لجام شيطانه .



اكتفی بقذف حقيبتها ببرود ، ثم ولَّاها ظهره ماضياً ،

بلا كلمة وداع .






* * *

سوهاني 21-01-16 03:45 PM

رد: كهرمان / بقلمي
 
جميــــــــــــــــــــل .. بل رائع ^^
القصة مُشوقة .. حازت حواراتك على اعجابي
مازال الغموض يلعب الدور الأكبر بقصتك .. إلي بالمزيد من الفصول !
أريد أن أتعمق أكثر لفهم الصورة كاملة !
أطالب بمزيدٍ من الفصول !
شكراً جزيلاً لك على ما كتبتيه

Mano Rashad 21-01-16 07:41 PM

جميلة جدا من فضلك باقي الفصول

ثريا ا ا 21-01-16 08:46 PM

رد: كهرمان / بقلمي
 
سوهاني

مرحبا بك ،

سرني إعجابك غاليتي ..

الفصول جاهزة لذلك ستكون بشكل يومي أو شبه حسب الظروف
كذلك اعذروني إن تأخرت ﻷنه يصادفني بعض السهوات اللغوية واﻹملائية فأتضطر للتعديل والمراجعة



Mano Rashad

أهلا بك عزيزتي
أسعدني ثناؤك

لكن لماذا أعدتي تنزيل الفصل :lol:
لو بإمكانك أتمني منك تعديل مشاركتك الجميلة .

bluemay 22-01-16 05:24 PM

رد: كهرمان / بقلمي
 
هلا وغلا فيك ثريا

اعجبتني البداية كتير

وانبسطت انها مكتملة عندك ﻷنه عانينا من عدم التزام الكاتبات في التنزيل


بتمنى لك التوفيق وتلاقي التفاعل اللي تتمنيه


تقبلي مروري وخالص ودي

MaYa





*تم تعديل المشاركة *

برد المشاعر 22-01-16 06:20 PM

رد: كهرمان / بقلمي
 
ميمي إنتي هنا وأنا أدورك ‏¤‏_‏‏‏_‏¤‏ ‏

البداية جدا رائعة والأروع إنها مكتملة وبارتاتها يومية ‏‏>‏‏> طماعة

‏سلمت الأنامل ثريا وفي انتظارك ‏

ثريا ا ا 22-01-16 07:36 PM

رد: كهرمان / بقلمي
 
Bluemay

سعيدة أنه حاز إعجابك
أتمنى أكون عند حسن الظَّن
أشكركِ جداً على التشجيع :5:

أنرتِ بحقّ ،
وأشكركِ على تعديل المشاركة .

،

برد المشاعر

الله يسلمك يا عسل ،
وأتمنى القادم يعجبك أكثر ..

نوهت إنه يومي أو (شبه) يومي :(
لأني ما أضمن الظروف صراحة

أنرتِ :361:

ثريا ا ا 22-01-16 08:49 PM

رد: كهرمان / بقلمي
 
-












الفصل الثاني












. . .











استَسلمتْ ~

لمْ أعُد أعلمُ
بمنْ أثِقْ ..

لِذا ؛
خلقتُ قوقعَةً
تحفظُني مِن الجَحِيم
... وَالنَّعِيم ،

انتهيتُ لِلقَاعِ
هذا كُلّ ما أعِي

، لقدْ كنتُ
سَجِينةُ الظَّلامِ ...

~


تسلَّلَت أشعَّةُ الشمسِ إلی هاتفها بتطفُّلٍ أشعرَها بالضِّيق ،
أسهمَت في إظلامِ شاشتها خضمّ انشغالها بعملٍ مَا بِه ،

اضطُّرت معه إلی مضاعفةِ اﻹضاءة إلی المُستوَی اﻷخِير .
كَانت تجلِس وحيدةً ، كَما اعتادت بانتظارِ المُحاضرَة التالية .


أزاحت الخصلة السَّوداء ، التي انسلَّت أمام عينها تُداعب خدّها ، حينَ تنبَّهت للمُتطفِّل اﻵخَر .

المُتطفِّل ، الذي شاركَها الطرفَ اﻵخر من مقعدِها الخشبيّ الطَّويل ، مُعكِّراً عليها عُزلتِها.

أدارت رأسها ببطءٍ وتردُّد ... مع محاولتها إخفاء انزعاجِها .. الذي تراه غيرَ مبرِّرٍ .


كَان رجُلاً عملاقاً ، مسترخياً .. بظهره إلی قاعدة المقعد ، وجهه يطلُّ علی النَّاحية اﻷُخرَی .
لا ترَى منه إلا شعراً كثَّ فاحِمٌ لونَه ، وعنُقاً عريضَة مسفُوعَةٌ بالشَّمس ..


يظهرُ أنَّه لاتينيّ ؛ رُبَّما يكون برازيليَّاً ، أو مكسيكيَّاً ..
أو قد يكون إيطاليَّاً ... فـ هُم تغلبُهم السُّحنَة الشَّرق أوسَطيَّة !

لا ، هذا مُستبعَد ؛ إنَّه رجلٌ هادئ ، وأبعد ما يكُون عن العُنفِ ، والخبَاثة !
إذنْ ؛ إيطاليّ مُستبعَد ... حسناً ، ماذا عن إسبانيّ ؟


بهذه الأسئلة كَانت تحاول التَّروِيح عن نفسِها ،
تُحلِّيها بالصَّبر ، تُخفِّف من شدِّ أعصابِها .

لكن آلَ بها الأمر وهيَ تتناولُ حقيبتها ، وكُوبُ القهوة خاصتها ،
لتنهض ببُطءٍ شديد ، داعيةً الله ألَّا ينتبِه .

ما إن خطَت .. خُطوةً صَغِيرة ..
استوقفها الصَّوت الهادئ ، مخاطباً :
- مظهركِ تبدل كلياً . رغم أن طبيعتكِ علی ما عليها ، كما يبدو لي !


تصلَّبَت قدمَيها ، بذهُولٍ لم تشعر بنفسها معه ، استدارَت .

امتدَّت أناملها المرتعشة تزيح النّظارة السَّوداء ،
تدقِّقُ النَّظرَ في ملامِحه ، بمُقلتَين جاحِظتَين .

- هل ﻻ تزالين تعانين فوبيا المرتفعات كذلك ؟


كَيف .. ؟
كَيفَ من المفترَض ..
أن يكُون هنا .. ؟

عاد الصَّوت المغرُور ، يفرِض عليها أسئلتِه ... بهُدُوءٍ يثيرُ الجُنُون :
- هل أفترض أنكِ لستِ سعيدة برؤيتي ، يا صغيرتي !


بالحقِّ ، مالذي يفعلهُ هاهُنَا ؟
هل باتَ أستاذاً جامعيَّاً ؟

ﻻ يُمكِن !
ذلك المظهر الطَّائِش ،
ليسَ ﻷستاذٍ جامعيّ !



. . .



بِلا شُعُورٍ .. غاصَ مُبحِراً ..
في أعماقِ جوْهرتَي الكَهْرمَان ، الصَّافيتَين ..
نقاؤها كَصَفاءِ الزُّجَاجِ .. !


اشتاقَ لتحديقهِما به ، بخليطِ الجُنُونِ والجُرأَة ، الذي قلبَ كَيانه
.. ورافقَهُ طيفُه .. رُغمَ السِّنينِ ..

ألقی بالقُنبلة عليها ، بعدما صمَّمَ في قرارةِ نفسه ، ... هامِسَاً بـ لغتهِما اﻷُمِّ !

- اشتقت لك .


ردَّةُ فعلِها الحادَّة ، أربكَته من اﻷعمَاق !
تهاوَت جالِسةً علی عقبَيها ، وقد داهمَتها ارتعاشاتٌ عنِيفة .
لم يضع في احتِمالاته ، أن يبلغَ بها اﻻنفِعَال .. هذه الذُّروة !

ما كَانَ منه .. إﻻ أن قفز من مكَانه إليها.
ذراعاه معلَّقانِ في الهواء حولها ، ﻻ يجرؤ علی لمسِها .
يبحثُ عن حيلة .. للتَّخفيفِ عنها .

فضَّلَ المخاطرة .. رغماً عن أنفِها ، حملها .. عائداً بها إلی المقعد الفارغ .
و ما استقرت جالسة ، هاله العنف البالغ ، للرَّفسة .. التي طرحته علی مرأی من طلاب الجامعة !

ظلّ يُحملِق بها ببلاهة ، ثُمَّ نهض بحِدَّة وسرعة علی كعبيه .
يواجهها بتهديدٍ ﻻذعٍ .. لم يكن ليريد أن يبدأ به يومه اﻷول معها .

- ما عادني البزر ، ياللي ترفسينه ويضحك لك . انتبهي مني يا بنت !


لفتَه التوتُّر الهائل ، الذي طرأَ عليها ، ونظراتها المتلصِّصة ، إلی اﻷناس حولهما .

فتسلَّلَ القلق إليه ؛ بعد أن أدرك الموقف الذي وُضِع فيه .
أحسَّ باﻷعيُن المُهدِّدة ، وهي تفتِك به من خلفٍ .. دونما حاجةٍ للالتفات .

موقفٌ ﻻ يُحسَد !
لا تنقصه المزيد من المشاكل فوق سمعته السَّيئة ، وسيرته المليئة بالمصائب !
ﻻ ينقصه التورُّط ... بقضيَّةِ تحرُّش !

رفع بصره المشتَّت إليها ، بتعجُّبٍ ، عندما أطبقت .. راحة يدها النَّاعمَة ، على رأسه .

أخذه الذُّهول !
هل تحاولُ إنقاذه ؟!

حركَةٌ صغيرَة وبريئَة مِنهَا .. إﻻ أنَّها ؛ ستُنقِذه من براثنِ مشكلةٍ جديدة ،
كَانت علی وشكِ فتح أبوابِها له .


انتشلت كَفَّها من شعرِه الغزير ، عندما انطلقت إلی المسامعِ جرس الجامعة ؛
معلناً عن بدءِ المحاضرة التالية .
ضمَّت حقيبتها إليها ، وتطلَّعت إليه ، بإشارةٍ ﻷن يفسح لها المجال .

- محاضرة وحدة ما بتأثر ، يا دودة الكتب !
عبَّرَ عن انزعاجِه بأسلوبٍ ساخِر .

بالمُسَمَّی الذي أطلقه عليها .. ؛
كان قد صرَّح .. عن مدی مراقبته لها عن كثبٍ ، لفترةٍ ليست بالقصيرة .

تمكَّنَ مِن لمح شبَح الرَّفض ، علی تراسيمِها الجامدة ؛ مع أنها لم تُبدِ أيّ ردَّة فعلٍ .

تجاهل ذلك ملقياً عليها عرضه : خلينا نغير المكان .

غزاهُ بعض اﻻرتياح .. حين لم يلمَح اعتراضاً هذه المرَّة .
وكأنَّ كل همِّها ، هو أن تختفي عن اﻷعينِ .. بأيِّ وسيلةٍ !



. . .



- أجل ... هذا هو شعرك اﻷصلي .

كان قد اختارَ مقهیً هادئاً .
وانتقى طاولةً مُنعزِلة ، في ركنٍ قصيّ .

استأنفَ مضايقتها ، لمّا لم يحرَ جواباً :
- حتی بلون شعرك خدعتيني !


انتصارٌ عظيمٌ اجتاحه ، حينما أخرجها من صمتِها المُلازِم ،
أخيراً ...ليجدها تطرح سؤالاً مقتضباً :
- عرفت قبل العرض ، واﻻ بعده ؟


فطن لمقصدِها ، فأجابَ رافعاً حاجبه اﻷيسر ، بخُبثٍ :
- قبل !


لم يعي .. إلَّا وبالماءِ المُثلج يرتطم بوجهه ، مبللاً إيَّاه ، مـغـرقـاً ..

صرّ علی أسنانه ، قابضاً كفه بقوة .

وبصعُوبةٍ جمَّة ، حاول تهدئة نارَ الغضبِ ، عبر كلماتِ التَّوبيخ :
- أظن كبرتي الحين ، فيفترض عقلتي .

جمع بكفه المياه المتقاطرة ، من ذقنه المشعر ، ثُمَّ أردف بعداوة :
- عرفت بعدين !


اشتدَّ غيظه ، وبه يراها تشتِّت نظرها في المكان ، غير آبِهة !
سألَ بنبرة مشبَعة بالاحتِقار : بعدك ترقصين ؟

- ﻻ تقول ترقصين !

أجابت وهي تلتفتُ إليه بقوَّة .
كانت إجابةً تشعّ حِدَّة وحرَارة غير متوقعة .. لكنها أشبعت رضاه الداخلي باﻹنجاز !

أمالَ طرف فمه بتهكُّمٍ : ﻻ تقولين التزمتي .

- اعتزلت .


هل يعقل أن التزمت حقاً ؟
مسحَ ثيابها المحتشمة بنظرة شكٍّ ، بالرغم من شعرها الظاهر :
- وش سبب اﻻعتزال ؟


ببساطة كان جوابها : كبرت !


رانَ عليهما الصمت بضع دقائق ، حتی أخرجها عن تأملاتها ،
إزعاج طرق أصابعه المستفزة علی سطح الطاولة .

- صراحة صادقة ، كبرتي !


ما أطلَّت بوجهها إليه ، انطلقت شرارات متطايرة من عينيها ،
قابلها بابتسامةٍ خبيثة .. بعدما غلَّفه مرَحٌ مفاجئ !

تكلَّمت تأمره باشمِئزازٍ ؛ ضاغِطةُ علی الحروفِ .. حرفاً ، حرفاً :

- شيـل عيـنك !


بوقاحَة .. بتمثيلٍ هازلٍ مُبتذَل ؛ تأوَّه مستدرِكاً !
ثُمَّ أشاحَ بوجهه ، يتظاهر اﻻنشغال بزخارفِ الحائط .. يهمهِمُ ويدندِن !
ممسكاً بكُوبِ قهوته بحرصٍ ؛
إذ من غير المستبعد ، أن تستغلَّه كـ سِلاحٍ أخير، بعد كأسِها الفارغ !

إلا أن وجدها تطرح بالذي كان معلقاً بأعيُنها .. مُذ وقعت عليه .

- وش تسوي بالجامعة ؟

- اللي تسوينه أنتي .

أجابَ بلهجة جافة على السُّؤال الغير مرحَّب ، ما جعلها تتراجع عن طرحِ المزيد .
ثُمّ وكأنَّما ينتقِم ، قام بقلبِ الطَّاولة :
- السؤال هذا مفروض يكون سؤالي ، أنتي اللي وش تسوين بجامعتي ؟

- بابا اختاره !

- بابا ؟!

ردَّدَ وراءها محملقاً ، علی كُلٍّ ؛ إجابتها السَّريعة دلَّت توقعها للسؤال ؛
واضحٌ أنها قامت بتحضيرِ اﻹجابة مُسبَقاً .

فضَّلَ التوقُّف عن التحقيق بهذا الشَّأن ، لما ظهرَ عليها من اﻻضطِّرَاب .


- تغيرتي حيل ..

- كيف عرفتني !

قالت ناقِمَة .

- أقصد ؛ صرتي أحلی .. من يوم قبل ستّ سنوات .


وافترضَ مُتأمِّلاً :
- الظاهر من الشعر اﻷسود . أبرز ملامحك ، ولون عيونك ..


أعرضت بوجهها .. بعصبيَّة كامِنة ، تتهرَّب من عينيه الفاحِصتَين .


- وش سويتي بحياتك من بعدي ؟

رمقَته باستِصغارٍ ، كـ رَدٍّ بديلٍ عن لسانِها .


- طيب وأنا ، تغيرت ؟

عادت بنظرِها إليه ، أخذت عيناها تطرِفان ، تحاول تأمُّله ..
لكن يبدو لم تقدر ، في ظِلِّ تحديقه الجريء ، فأزاحت بصرها .
تُجِيب ، بنبرةٍ توحي بالصِّدق :
- كنت ناسية ملامحك . لكن ، لمَّا شفتك تذكرت .

- نسيتيني ، يا وفاء ؟


أثارَ فزعَها ، بتلفّظه ﻻسمِها .
لكن تحدَّته ، متظاهِرةً بالتماسك :
- نعم ، نسيتك !

- قلتي ، ما راح تنسيني أبد .

- بس نسيتك !!

- قولي والله ؟

- نسيت شيء ، بأرجع الجامعة .

أصابته بإحباطٍ كبير ، بعدما اعتقدها تجيبُ عليه ، إذ كان بقمَّة تركيزه !
فتهادى إلی ظهرِ الكرسيّ ، يرمُقها باستِياء .


ألقَت أمرها بمنتهى البساطة :
- حطني قدام الجامعة ، وروح .

- ليه أروح ؟ بأنتظرك ، وأوصلك .


نظرته بامتعاضٍ ، ثُمَّ أفصحت بلا تردُّدٍ ، عن رغبتِها بالتخلُّص منه :

- يمكن أطوِّل ..








. . .








دلفَ إلی المبنی ، بعد أن انسحب من جماعة الرِّفاق .
وارتقی درجات السُّلَّم ، المؤدي للطابقِ المراد .

اتفَّقَ معها ، وحدَّدا ﻻلتقائِهما ، واحِدة من إحدی زوايا الحرمِ الجامعيّ .
غير أنه لم يكتفِ بانتظارها .. ؛ فـ ( الوفاء ) ﻻ يبدو من شيَمِها ...
على الرُّغم من أنه .. ( اسمُها ) !

استندَ بالقُربِ من القاعة التي أوصلها إليه ، منذ حوالي السَّاعة والنِّصف .
لن تجرُؤ علی اختراقِ هذا الحشد ، يظهر أن انتظاره سيطُول .


- ياللمفاجأة ، مالذي تفعله هنا ؟

- اختفيت بالفترة اﻷخيرة ، يا صاح !

صرفَ الشابَّين بإشارة تحيَّة ، وعاد باهتمامه إلی مدخلِ القاعة ؛ مُترَقِّباً .

لقد نفذ صبره ، ليس بمقدوره اﻻنتظار .
اقتحمَ القاعة ، ومسحها ببصره ، علی المواقع المحتمل وأن يقع عليها اختيارها .

هاهِيَ .. ! عثر عليها بسُهُولةٍ أكثر ممَّا تخيَّل !
غارِقةً في مقعدٍ ، علی أقصی الجانب من الصفوف اﻷمامية .
واضحٌ أنها اكتسبت خبرةً ، في اختيارِ مقاعد تُخفِيها عن العينِ المُجرَّدة .

تخطَّی الطُّلاب بعجلة ، واجتاز المقاعد .
أفزعها بهمجيَّته ، وهو يُداهِمُ عزلتها ، بلا إشارة أو تنبيه :
- وش مقعدك ؟ وين اتفاقنا ؟

أشعلت غضبه فيما يراها تتلصَّصُ حولها ، وتتصبَّبُ عرقاً .
- لما أكون معك ، الناس تنسينهم ، مفهوم ؟

- أنت تحرجني .. وخِّر عني !

هدَّدَ محذراً : ﻻ تخليني أسوي شيء ، يحرجك صدق .

- ليش جاي قسمنا ؟
همست بلا ترحيب .

- ومن الحبّ ما قتل !


هبطَ عن ذراع المقعد المجاور لها ، ينتقل إلی جانبها ، يغوص في أحضان المقعد العاجي .
أخذ يتأمل المكان ذو اﻹضاءة الخافتة ، والذي غمره الهدوء بعدما فرغ تقريباً .
وبعد فترة من السكون ... أدارَ رأسه إليها ، حائِراً .
يسألُ بلسانٍ ثقيل :
- عطرك فيه منوم ؟ فجأة نعست ..

ردَّت ببُرُود : ما أستخدم عطر ....


لم تكد تتمم جملتها .. حتَّی غطّ في النَّومِ ، بسُرعةٍ مدهِشة .






انتزعته جفلَةً مباغتة ، من غياهب النوم . راح يبحث عنها ﻻهثاً ...
الظَّلام يطغی علی القاعة ، داﻻً علی رحيلِ الشَّمس .

وَ لولا رائحتُها ، وصوتُ تنفُّسِها المنتظِم ؛ لَمَا أدركَ .. أنها ما تبرح قابعةً جانبه .
كانت نائِمة .. هادئة . أسدلَ أجفانه ، يتنفَّسُ الصُّعَداء .. بارتياحٍ .

أخرج هاتفه ، يطلّ علی الوقت ، نقرَ عدة نقراتٍ علی الشاشة ، وأعاده .



- .. وفاء ..

.. وفاء ..


لجأ لمُداعبةِ خُدُوْدُها النَّاعمَة ، بلُطفٍ .. إلى أن بدأت تتململُ بضِيق .

لاحظَ من شهقتِها الصَّغيرة ، مدی سُرعة اﻹدراكِ لديها فورَ الاستيقاظ .
كَادت تقِف علی المقعد من هلعها ، حتى همَسَ لها يُطمئِنها :

- حبيبتي هذا أنا ..

فعادت تغرقُ بمقعدها ، وأعماقها تُنفِّسُ عن تنهيدةِ راحَة .

- تعبت وانا أصحيك .
أتاه صوتها موبِّخاً .

- محد ماسكك ، كان رحتي .

- مابي أكون ناكرة للجميل !

أدركَ مغزاها ، فعاتبها بنبرة مزدرية :
- تسمينه جميل ؟
هذاك دين عليك ، يا حلوة !
ودين كبير ، بتسددينه يوم من اﻷيام .

ومباشرةً نهض من المقعد : يالله ، نوصلك .


لحقت به مُشِيرةً :
- أنا ساكنة قريب ، في سكن الجامعة ، أقدر أرجع مشي .

- وين أهلك ؟
سأل بلهجة باردة ، وقد كان ينتظر هذه اللحظة منذ زمنٍ .

- بابا هنا ، وماما في السعودية .

- ما دام البابا هنا ؛ وش داعي للسكن .


بان اﻻرتباك بصوتها من نبرته المستحقرة ،
في حين كان مولياً ظهره بينما تحذو خطواته :

- كذا أريح .

أوقف تقدُّمه ، يواجهها ، مُعيداً سؤاله بحزم :
- ليش ؟

- ﻻ تتدخل !

- يحق لي أتدخل ، لما أشوف بنت .. أهلها رامينها !

فاجأته بها تدفعه بعُنفٍ ، مهاجِمةُ بشراسَة :
- أهلي مو راميني !! ﻻ تتذاكى !!
ولا تتكلم ، وأنت مو داري عن ظروف الناس !!

- أي ظروف ؛ تخلي أهل يرمون بنتهم .. بالشارع ؟!

- أهلي ما رموني ، أنا اخترت ! أنا أبي أعيش وحدي !

أخرسها بقسوة :
- كذابة ، أنتي وحدة ماتطلع من بيت أهلها ، لو يجرونها .
تبين تقنعيني الحين إنك عايشه لحالك ؟
بالله كم بنت معك بالشقة ، خمس ؟ ست ؟

أثارَت شفقَته بالتوتُّر ، الذي لمَحه تحت إضاءة القمرِ الخافِتة ،
والمُطِلَّة عليهما .. من النَّافذة العرِيضة ، بالقُرب .

- خلاص ، مابي أعرف شيء ، امشي .

لكن ؛ وصله صوتها المُعترِف ، فيما تتبعه :
- نيتي أترك بابا يرتاح .. أكره زوجته ! هي طيبة ..
لكن .. أسوي لها مشاكل .. أكرهها ! بابا تعب مني ..
بابا طيب .. يحاول يتفهمني .. أنا النفسية !


دُهِشت به ، يقفز من فوقِ إحدی المقاعد ، ويجثو علی شيءٍ ، منادياً ، يحثُّها علی الاقتراب :
- تعالي ، شوفي وش لقينا ، كنز !

انحنت علی المقعد ، باحثةً عن الكنز ، فما ميَّزت الشاشة المضيئة ، صاحت منبهِرةً :
- WOW !!!

كان هاتفاً ، بأحدثِ إصدارٍ ، والجميع مهووسٌ بالحديثِ عنه .
حمَلَ الهاتف حالما قُطِع طلب اﻻتصال برنينه الصامت ، يهتِف منبِّهاً بنشوةٍ انتِصار :
- شفته قبلك !

- أنا لمحته قبلك من بعيد !

- اوص ، يا كذابة !!
كنتي تقصين لي حياتك ، ياللي تقل أفكار جزئية بحصة القراءة !

جذبت الهاتف : هات ! والله شفته وانا أحكي وسويت نفسي ماشفت !

استعاده منها ، مع صفعة علی رأسها : ﻻتحلفين !!!

- نتقاسمه ، يوم أنا .. يوم أنت !

تلاعبَ بحاجبيه شقاوةً : NO !

- طيب ، يوم واحد باﻷسبوع !

قطَّبَ ممثِّلاً التفكير : أشوف .

- يومين !

- خلك علی كلمة ، يوم باﻷسبوع .

عادت تختطف الهاتف بلهفة بينما منشغلاً باستكشاف محتواه :
- أشوفه شوي طيب !

- بالسيارة ، تعالي .
حمَلها من خصِرها الأهيفَ ، ينقلها للممرِّ الذي صارَ به .
ثم عانَى وهو يجتذِبها معه وبصرُها لا يفارِق هاتفهُمَا الثَّمِين .








. . .








تلك الشقيَّة ، هاقد ظهرت أخيراً .. !
لم يعثر لها علی أثر منذ أيام ، ليس لديه فكرة حتی إن كانت تداوم ؛ أم تتقصد التخفي واﻻختباء منه !

إنها تنوي المغادرة اﻵن بعد انتهاء محاضرتها .
اعترضَ طريقها ، مُعيقاً هروبها .

- وطحتي ، يا سراقة .


أصابها اضطراب واضح من رؤيته ، لكنها أظهرت أنَّها مُمثِّلة بارِعة !
تظاهرت بالدهشة ، راسمةً ابتسامة مُزيَّفة :
- Hi !!
Is that really you ?!
Long time no see !!!

- طلعي الجوال .

تصنَّعت الغباوة ، مُردِّدةً : جوّال ؟
وعادت تمط شفتيها ، بنفس الابتسامة المستفزة :
- ? Sorry, Can you speak please English

ضيَّقَ عينيه يتمعَّنها ، ثُمَّ علَّقَ هازِئاً :
- وين راحت السعودية ؟

- ! I'm not Saudi, I'm British

تغلبته الابتسامة ، وقام بدفع ظهرها بخفة ، لتكمل سيرها معه :
- شكلك يقول .. عاملة عملة بالجوال ، كسرتيه ؟

أقنعه صمتها بصدق ظنونه .
- كيف انكسر ، وليه هالجوال بالذات ، ليه مب جوالك ؟

- شكلنا ما سمينا عليه ..
غمغمت ببؤسٍ ، مطأطِئةً الرأس .

- جبتيه ؟

فتحت حقيبتها ، تدسُّ يدها ، ثم مدَّت له الهاتف ، مغلَّفاً بكيسٍ شفَّاف .

- الله ! من وين طاح هذا ؟!
هتفَ فيما يستلمه منها ، وصار يقلبه بين يديه ، بعد أن استخرجه من الكيس .

أجابت بنبرة التَّعيسة : طاح من الطاقه ..

نظر إليها بتساؤل :
- تعالجتي من الفوبيا ؟ أذكر إنك ما تناظرين من الطاقه حتّى !

- حطيته عند الطاقه ، علشان يتشمس ..

حملق بوجهها : يتشمس ؟

- طاح بكرسي الحمام ، بالمويه .

ارتسمت معالم القرف علی تقاسيمه ، ثم امتدت يداه عن طولهما بالهاتفِ والكيس ،
مُعلَّقان بأطراف أنامله المتقزِّزة :
- امسكي ، امسكي ! وغسلتيه ، واﻻ ﻻ ؟!

- ايوه ، روّشته .

- عينك قوية ، الله يستر .

حاولي كلما شفتي فيني شيء زين ، تذكرين الله .

تمتمت به ، ترُدَّ الإهانة : ليه ماتكون عينك ؟!

دافع بابتسامة جانبية : عيني باردة ، والدليل إنك للحين عايشة .
لكنَّه ارتبكَ لسببٍ مبهم ، وغيَّر مسار الموضوع ، قائلاً :
- عندك محاضرة ثانية ؟

تلقَّى إجابتها بعد سكوتٍ مُريب : ناظر حولك !

نظرَ حوله ؛ ليكتشف أنهما بمواقف السَّيارات !
فاستدركَ الأمر بارتباك :
- أوصلك ؟



. . .



تمنَّع عن مقاطعتها ، كانت منكبَّة ، منشغِلةً بإنجازِ أمورها الدراسيَّة .

اكتفی باختيار كرسياً ، يسمح له بمراقبتها ؛ في حينِ يصعب عليها ملاحظته ،
كَما اعتاد طوال اﻷيَّام السَّابقة .. قبل يقرِّر الاقتِراب .

تأخَّرَ الوقت ، و ﻻ تزال منخرِطة في تلك المهامِ المُمِلَّة ، مُنتظِراً .. وها قد بلغ الصَّبر حافتَه .

- مليت أنتظر ، متی تخلصين ؟

حدقت به مذعورةً ، تراه كالجبَل شامخاً فوق رأسها .

استعادت هدوءها بسرعة خارِقة ، قائلةً :
- مشغولة من فضلك ، ﻻ تقاطعني .
بسببك ؛ قصرت كثير ، هذا غير الغياب .

تجاهل كل ما قالته ، آمراً ببساطة : قومي معي .

- علی وين ؟

اعترفَ بانزعاج : قومي اجلسي معي .

تلفَّتَت حولها قلِقَة ؛ ثم ناشدته ، بخفوتٍ : تكفی روح ، مابي إحراج .

جرّ الكرسي الذي بجوارها يحدث ضوضاء عالية ، يجلس عليه بشكل صاخب ؛
كأنَّما يتعمد لفت نظر كل فرد بالمكتبة ، لمجرَّدِ معاندتِها .

- محد متعود يشوفني مع أحد .. إحراج .. بيستغربون ، بيناظروني ..

غمغمت وكفيها تخفيان نصف وجهها .


فتحلَّی بالصبر ، وحاول الردَّ عليها من منظورها :
- بسيطة ! خليهم يتعودون يشوفونك مع أحد ، ليه التعقيد ؟

اكتفت بالبحث ببصرها ؛ عمن قد يقع نظره عليها بالمصادفة ، فيقوم باﻻستهزاء بها .
وكأن كل من في الجامعة يتتبعها ؛ ليتقصدها بالسخرية !

سأل : تبينا نروح مكان معزول ؟

ودون انتظار الموافقة ، أرغمها علی الخضوع لطلبه بحركته الدنيئة مجدداً .
ﻻفتاً كل أنظار من في المكتبة هذه المرة بحقّ ؛ من شدة الصخب واﻹزعاج الذي تقصد تسبُّبَه .


وقعا علی المكان المناسب ، والمعزول تماما عن العالم .
مكان لم يعلم بوجوده من قبل ، إذ لم يكن من هواياته اﻻختباء !
حيث كان شخص عاشق للظهور ، واﻷضواء ، ولفت اﻷنظار ..
ولم يتوقع أن يضطر يوماً ؛ ﻷن يلجأ للانعزال ، بمثل هذه الطريقة .

- هاه حبيبتي ؟
وش رأيك ، مريح ؟

- الجوال ، صلحته ؟

ﻻ يدري ... لِمَ في كل مرة برفقتها ؛ يجب أن يشعر أنه يعاني من بطءٍ في الفهم ؟
أم هل يعود ذلك لعباراتها ، أو أسئلتها .. الغير منطقية ، أو في غير محلِّها ؟

قال يجلس بالقرب ، يستند للحائط :
- ﻻ ، ترحمي عليه . هذا عمره غلق .. بأرميه .

شهِقت قبل أن تهتف : ليه ترميه ؟! هات ، أنا أبيه !!

- وش بتسوين فيه ؟

- عندي فكرة ، بدل نصلحه ونخسر .. بنبيعه ونربح !
الجوال توه نازل ، محد متوقع يلاقيه بأقل الأسعار !

رمقها بنظرة جانبية متهكِّمة :
- طيّب ، وﻻ لقيتي من يشتري هالزبالة منك ، علميني علشان نتقاسم .

- ليه نتقاسم ؟

اعتدلَ ، إذ انحرف حديثهما إلی المنحی الممتِع ؛ بنظرِه :
- أظن الجوال جوالي ، قبل ما يكون جوالك .

شمخت بأنفها معترضة : صار جوالي ، تنازلت عنه .

- ذكريني ، متی تنازلت عنه ؟

- لما قلت تبي ترميه !

برَّرَ بالتواء : قلت يمكن . مابعد قررت ، مازال ينتسب لي .

للتوِّ يلحظ أنها تتحدث بجدية ، فقد تجهم وجهها ، تعبيراً عن اﻻنزعاج .
اعتقد طوال الحوار أنها تعبث معه !

مسَحَها بنظرة تأمُّلية شاملة ، تراسيمُ وجهها تتبدَّل كلياً حين تتحدث .
بل شخصيَّتها ككُلِّ تتغير .

تبدو أكثر فِتنة بالشَّعر اﻷسوَد الطَّوِيل ، سَاحِرة في كُلِّ اﻷحوال .. !
شقرَاء .. أو سمرَاء ، متكلِّمة ..
أو صامِتة ... كَما اﻵن .. !

إنَّها غاضِبة ، محتضِنةً ساقيها ، مُطرِقة .
أطرافُ خصلها السَّوداء تكاد تلامِسُ اﻷرض .

قرَّرَ مقاطعة سكونِها على حينِ غفلةٍ منها ، صائحاً باسمِها جاعلاً إيَّاها تنتفِض فزِعة .

- نعم ؟!!!

حرَّر عن ضحكةٍ صاخِبة ، حين أدهشته بالصَّرخة التي قاربت مستوی صيحته ،
كما لو لن تهنأ حتی تنتِقم !

غير أنه هو الذي لم يهنأ بالضحك ؛ إذ صُعِقَ بالحشرة الضخمة بين أصابعها التقطتها من زاوية ما ،
ليبتعد عنها مرغماً مصدراً صرخة خافتة كصيحةِ أنثی !

ظهر التعجُّب في حملقتها به ، ثم انفرجت شفتيها عن ابتسامةٍ شيطانيَّة .

ماهذه اﻻبتِسامة ، لِمَ هذه الابتِسامة ؟ إنها تخطِّط لشيءٍ ما !
ﻻ ، ﻻ يمكن أن تفعل ، ﻻ يمكن أن تفعل .. إنها أرقّ من ذلك !

خيَّبَت آماله الراجية بها ، عندما بدأت تتقدم صوبه ، ببطءٍ شديدٍ جداً ، كأنها تُمثِّل الموتَ البطيء .

كاد يقفز ويفرّ هرباً ، غير أنها كانت اﻷسبق ، لتحاصره قبل يتحرك شبراً .
- راعيني مثل ما راعيتك .. تكفين !

توقفت حركتها ، تفكر بتأمُّل : ممكن راعيتني في أشياء ...

راح يومئ برأسه بغير وعي موافقاً ، لكن وجدها تكمل :
- لكن لدرجة تسميه دين ؟ لا ، ما يحق لك !
ما يحق لك .. مقابل أمور كثيرة ما راعيتني فيها ،
تبيني أعددهم لك ؟

وابتدأت بالعدِّ علی أصابعها :
- واحد ، كنت بتتركني لوﻻ تذللت وترجيتك ، اثنين ..جرحتني باستهزاءك فيني ...
ثلاثة .. قسيت علي ، وكنت علی وشك تضربني !
أربعة ، تحرشت فيني ، وخمسة ، حاولت تغتصبني !
كل هذا تقول إنك راعيتني ..؟

غمغم سريعاً ، محاولاً استغلال جانبه الذي تخشاه :
- شوفي يمين بالله لو يعدي هالموقف ، ما أتركك سليمة ، انتبهي مني !!

اقتربت بابتسامةٍ متحدِّية ، مدنية بالحشرة ذات اﻷرجُلِ المُدَلدَلة :
- وش تقدر تسوي يا قوي ؟! رجال طول وعرض ، يخاف من حشرة !
وأنا كنت تستهزئ في حالتي ....

تجمدت بغتة ، متراجعة ؛ كمن استيقظ من غيبوبة .
حدقت به بنظرات غريبة لم يفهمها : وش جری لك ؟ ما كنت كذا !

لم يستطع إبعاد عينه عن الحشرة ؛ خشيةَ أن تكون تخطط لفخّ ما .

- جاوبني ! كنت قدامي ، تحاصر خنفسانة .. هالكبر ، وتفنن في تعذيبها !
ايش جری لك ؟! من سوا فيك كذا ؟

لسانه شُلَّ عن الكلام ، لكن فضولها كان أكبر ، لتعود وتمد بالحشرة المعدومة الحيلة ، تجبره بها علی الرَّد .
- أحد احتجزك بغرفة ، وعذبك بالحشرات ؟

تنهَّدت مستسلِمة ؛ راثيةً لحاله المُزرِي . واستوت علی قدميها ، تبتعد لخطوات ؛
ثم رمت بالحشرة ، بأكبر رمية استطاعت .

عادت إليه تجده يتفقد ثيابه ، وينفضها بيدَين مرتعشتَين .
وما دنَت منه ، قبض علی رسغها بقوَّة آلمتها ، وأخذ يديرها حولَ نفسها ، يتفقَّد ثيابها هي اﻷخری .
ولم يسمح لها بالتحرُّك حتى تأكَّدت من خلوِّ حقيبتِها من أي كائناتٍ حشريَّة ،
ومضى بها بعيداً عن مرعَی الحشرات .



حيرتها ﻻ تنفكّ معلقةً بتراسيمها ، وعيونها الفضولية ﻻ تكف عن مراقبته ..
صار معكَّر المزاج ، بعدما كان يضحك ويعبث في مرح منذ دقائق قليلة .
التجهم والتكشير طاغٍ تقاسيمه ، في حين كانت ترسِمُ أكبر قدر ممكن من البراءة علی وجهها ،
خوفاً من تنفيذهِ وعيده .

- بتنتقم مني ؟
أظهر صوتها قلقاً واضحاً .

ظلَّ جامداً وكأن لم يسمع ، سبَّب قشعريرة جليَّة لبدنها .
فاختار أن يريح نفسها بقوله :
- هالمرة بأعتبره لعب وطيش ، لكن يا وفاء .. لو يتكرر ؛
أحلف لك بالله ! تتمنين الموت ، علی اللي بأسويه فيك .

- حاضر !

ردَّت فوريَّاً بطاعة غريبة ﻻ تناسبها .
رفع بصره إليها ، ليس هنالك أيُّما ندمٍ في عينيّ الفتاة !
عينان .. تظهران شخصاً أنانيَّاً ، ﻻ يعرف التفكير سوی بنفسه ،
كان كُلّ ما يقلقها ، الخوف من تهديدِه بإيذائِها !








. . .








- صديقة أحدهم هنا ~

- الصديقة الشرسة !~

- يا صاح ، ليت المشهد يعاد ، ﻻ أصدق أن فاتني !
رؤية متعب ملقی علی اﻷرض ، برفسة من فتاة .. آه ، منظر يريح القلب !

- متعب ، قم شف خويتك وش عندها ؟

لتوِّه يستيقظ من شروده ، علی تلميحات رفاقه السَّاخِرة .
عقد حاجبيه بتساؤلٍ وانزعاج ؛ فأشار له أحدهم بعينه ، إلی ناحية قريبة منهم .


مالذي تفعله الطفلة الحمقاء هنا ؟!!

ترك جماعته متجاهلاً تعليقاتهم ، يتجه حيث تنتظر .
كانت تقف مشيحة بوجهها إلی الجانب اﻵخر .

- وش تسوين هنا ؟
تمتم بغلاظة ، متبرِّماً .

فالتفتت إليه ترفع رأسها ، بتلكما العينينِ ذات البراءة الزَّائفة .
- أنت اللي وش تسوي هنا ، أنا من أول هنا .

تجاهل ردّها الملتوي : وش تبين ؟

- أنت اللي وش تبي ؟ أنت جايني !

- امشي ، امشي .
ربَّت خصرها يدعوها للسَّير .

قطع التواصل معها في اﻵوِنة اﻷخيرة منذ آخر حادثة ، لرغبةٍ في نفسه ؛
جعلته يتجنب اﻻحتكاك بها بالفترة الحالية .

- ﻻ تقولين اشتقتي !
قال هازِلاً .

طأطأَت برأسها ، مُعترِفة :
- ضجتك ، وفجأة هدوء ..
الحين ، أحس إني وحيدة صدق .

- وحيدة صدق ؟ أصلاً أنتي وحيدة صدق !
قال بسخرية قاسية ، ﻻ مراعياً .

- ﻻ أشوفك مرة ثانية تطلعين قدام الجماعة .
هاتي جوالك ، من رنة تلاقيني عندك .

أخرجت له هاتفها . ثم تابع ، فيما يعيده إليها ، بعدما فرغ منه :
- مفهوم ؟
الناس هذول ، حتی لو شفتيهم بالصدفة ؛ اختفي !

- ليش ؟ ممكن يصيرون أصحابي بعد .. فرصة ، وأنت صاحب الفضل !

- تحاولين تنرفزيني أنتي ؟!

- ﻻ ، أتكلم جد . ليه زعلان ؟ قصدت البنات !!

- وﻻ البنات ..

- ليش طيب ؟!

نطقَ بثبات :
- خربانات ، ما يناسبنك .
ويفضل ماتفكرين تكونين صداقات .. كذا أنتي حلوة .

- ما كتبت اسمك ؟

- ايش ؟!

انحنی بفضول ، يطلّ علی شاشة هاتفها ، فيما منشغلة بكتابة الاسم على رقمِه ،
ليُدهَش مِمَّا تخُطَّه أنامِلُها .

رفعت رأسها إليه ، تقرأُ له بابتِسامة حقِيقيَّة :
- ! The Window Man

أوَّلُ ما طرأَ بباله هو أن يخلّد هذه الذكری .. لتُفاجأَ بالفلاشِ يُضيئ في وجهها ..
في التقاطة لأوَّلِ ابتِسامة لها .. !

- ليش تصور ؟!!
عنَّفته بعصبِيَّة .

- أصور حبيبتي !
عيب ؟

- ما أحب أتصور ، احذف !

لم تمنَحه فرصة ، قافِزةً تهدف إلی خطفِ هاتفه ، بينما يرفعه عالياً بنفسٍ مرحة ،
متحدياً إيَّاها بالوصول إليه .

- لو سمحت ، احذفه ، من فضلك .. Please ..
يبدو فضّلت اختيار طريق التملُّق ، إنها ترجُوهُ باحتِرَام !

- ماني حاذف !

- بأزعل ، والله !

- ازعلي ، أنتي شي مب مضمون ، واحتمال بأي وقت تطيرين .
أما الصورة ؛ بتعيش معي ﻵخر العمر .. بدون ما يطرأ لها فكرة الخيانة .

تراخَت ، تغمغِم : تقصد إني .. ممكن أخون ؟

رفع كتفيه بانهِزام ، يُخبِّئ هاتفه بجيبه :
- أتوقع منك كل شيء ، إﻻ الوفاء .. يا وفاء .

راقبَ أسارِيرُها ، رغبةً في معرفةِ دواخلها .
لكن لم يرَی ، سِوی .. تلك البرَاءة الَّلعينة ، وَالمُخادِعة .

- ! Hey , The Window Man
! Don't judge a book by it's cover

رفع حواجبه مشدُوهاً ، ثم أرغمته جدِّيتها علی الضَّحِك :
- ! OK, OK, My Sweetheart






~
... كنتُ
سَجِينةُ الظَّلامِ ~

( وجدتَني ) أرتدِي السَّوادْ
أختبئُ بعيداً ..
... في الخلفِ
الحياةُ مزَّقت قلْبِي
لـِ أشلَاءٍ ..

( أخذتَ ) يَدي بيدِك ..
وبدأتَ بتحطِيمِ الجُدرَانْ
وغلَّفتَ قلْبِي بالقُبُلاتِ
مُتجاهِلاً دُمُوعِي ،
وَ ... بُكَائِي

ظننتُ حياتِي زالَتْ
مُخلِّفةً ( قلب ) كَسِيرْ
وَ ... بقايّا رُوحْ

؛ حتَّى أتيتَ ( أنتْ )
وعبرتَ في طريقي
.. هدَّأتَ من رَوعي
ثُمَّ ( غلَّفتَ ) قلْبِي ..
... بالقُبُلاتِ ~



* * *

ثريا ا ا 22-01-16 09:04 PM

رد: كهرمان / بقلمي
 
مساء الخير ،

أتمنى يحوز الفصل على رضاكم ..
أود أعلمكم ؛ بأن الفصل التالي سأطرحه يوم الثلاثاء
نظراً لانشغالي هذين اليومين ، التلمسوا لي الأعذار .

شكراً لمتابعتكم :012:

سوهاني 24-01-16 11:16 PM

رد: كهرمان / بقلمي
 
فصلٌ آخر مشوق .. شكراً لكِ عزيزتي
بطريقة ما كتاباتك تذكريني بكاتبة ويب تدعى (قلب دبي )
أو شيئاً من هذا القبيل إن لم تخني ذاكرتي ..
المهم ..
وأخيراً التقطت معلومة عن أبطالك .. معلومة صغيرة ولكن لابأس بها
بطلنا يدعى متعب و صديقته وفاء .. آه شعرت بفرح لأنني خرجت بالمفيد
ما زلت أنتظر تدفق الأسرار .. لابد لي من معلومات ضخمة !!
يبدوا لي أن في جعبتكِ الكثير .. هيـا أخرجي بعضها للعلن
في انتظار فصلك الثالث .. ولابأس سننتظرك !
موفقه ..

همسة تفاؤل 25-01-16 07:24 AM

رد: كهرمان / بقلمي
 
صباح الفل والياسمين

ثريا يا قلبي انرتي بليلاس انتي وكهرمان
تفاجأت قبل شوي لما شفت اسم الرواية ودخلت فورا
حبيبتي كهرمان من اكثر الروايات الي اعجبتني وشدتني واتمنى تلاقي تفاعل بقدر ابداعك فيها

لذة روايتك بغموضها واسلوبها المنفرد بالطرح
مقصرة بحقك الاسبوع الماضي بس نطمع تتلمسي العذر الي

وبالتوفيق حبيبتي

ثريا ا ا 26-01-16 10:51 PM

رد: كهرمان / بقلمي
 
سوهاني

حياك يا قلبي
لبی حضورك الرائع
ردك المشجع تبعث اﻷمل في الكاتبة
ﻻ عدمت حضورك يا جميلة

ثريا ا ا 26-01-16 10:53 PM

رد: كهرمان / بقلمي
 
هموووووسة

عاكسة نورك يا قلبي
أفرحني وجودك هنا بروايتي
ربي ما يحرمني منك ومن دعمك

قبلة عنيفةة

:d

ثريا ا ا 26-01-16 10:55 PM

رد: كهرمان / بقلمي
 
-
















الفصل الثالث











. . .

















~

خسرتُ كُلُّ شَيءْ


كنتُ خائِفة
مُمزَّقة ...

كنتُ يائِسة
مُحطَّمة ...


وأتيتَ ( أنت )
فتحتَ لي البابْ


كنتُ أختبِئ
وأتيتَ ( أنت )

غمرتَني بالنُّور
أعدتَ لي الرؤيَة


دواءٌ ( أنت )
مسكِّن للآلامِ
( أنت ) ..


رقيقٌ ( أنت )

كَفراشةْ تُقبِّل
عينَي طِفلٍ ..

علىَ أنغامٍ
عَذبةْ ..

~





- .. The window man .. window man ..



- هاه ؟







حلم ، كان حلماً . . !



غرق في الوسادة ، يلتقط أنفاسه .



أطبق أجفانه ، يدعكها في كسل .



قطع تثاؤبه النغمة المحببة إلی قلبه ...

فقفز يتناول الهاتف ..


وردَّ بصوتٍ ثقيل : الطيب عند ذكره !


- نايم ؟

أرسلت لك ما دخلت ، ودقيت .

اسمع ﻻ تمرني .



عقد مابين حاجبيه :

- قلتي عليك اليوم ..


- جاني ظرف ، بأقفل .. مع السلامة .



قذف بالهاتف ،

ورمی رأسه بالوسادة .



بعثر شعره بعصبية ،

متمتماً بكلمات متوعِّدة .




الخائِنة ..

تتعمد التهرب ..

أين ستفلت منه !



لكن ؛ لم تتغيب قط !

لِمَ هذا الغياب المفاجئ ؟

إنه ليس من عوائدها !


فهي حريصة كل الحرص ،

علی الالتزام بمحاضراتها .



أحصل لها طارئٌ ما ؟












- أبي أطلع ، أنا تحت .



علت نبرتها الصدمة :

- وش جايبك ؟!



- يومين مو شايفك ، ﻻزم أشوفك الحين .


- حالياً تعبانة ، ما أقدر أقابل أحد .


- وش فيك ؟



ميَّز لمحة التردد بصوتها :

- شوي تعب ، روح الجامعة .



- وفاء ، لو ما خليتيني أطلع الحين ...

بأقلب المكان شغب !!


- منت طالع ، ارجع ..


- يفترض تعودتي علی الشباب ،

اللي كل يوم مبسطين عندكم ، يونسونكم !



فجرت الهاتف بصيحتها الغاضبة :

- ﻻ تغلط !! أنا بغرفتي ومالي بغيري ، ما أسمح لك !!



- أبي أطلع !






تبعها حتى حجرتها وتعابير اﻻشمئزاز واﻻستحقار تملأ تقاسيمه .

أغلق الباب وراءه ، يستأنف حديثهما الذي بدأه في اﻷسفل .

- تجهزين عفشك من هالحين ، خلال يومين

أكون لقيت لك مكان ينعاش فيه .


- ﻻزم أستأذن بابا ، أو .. بأخليه هو يبحث .


- ماله داعي تشغلينه ، أبوك واحد مب فاضي لك .


حذرته بلهجة ﻻذعة : ﻻ تغلط علی بابا .


- لو مهتم ما كان أنتي بهالخرابة .


- ما أذكر شكيت لك .


- أبوك واحد تورط فيك وما صدق يفتك .


تكلمت بصوت مختنق :

- وش تبي أنت ؟ قل اللي عندك وروح !


- اجلسي ، ليه واقفة ؟


قال يسترخي علی سريرها الرمادي اللون بارتياحٍ تام .



- ماني جالسة .


- خايفة ؟!


- تری أعصابي مشدودة منك .. متی تروح ؟


ردَّ بتلاعب مغازلاً :

- جيت أبي أشوفك ، ماني مفارقك إلی ما أشبع !



أخذت تتلفت حولها كالتائهة الباحثة عن منقذ ،

وقدميها المتشنجين يحكان اﻷرض بتناوب عشوائي .



غمغم بنبرة يغلفها اﻹحباط :

- كنت ناوي اليوم آخذك أمشيك ، طلعتي تعبانة ..

تعالي أشوف وش فيك .. حمی ؟


انحنی حتی وصل إليها فأمسك بها ، يقربها إليه :

- حرارتك عادية ، بس وجهك تعبان .. وين يعورك .. بطنك ؟


كانت منقبِضة من تقييده متصلِّبة ، ولم تنطق بحرف .


سأل بشك :

- ? Period


شحب وجهها وقطبت باستهجان ، ترمقه بنظرات امتعاض .



كانت أكثر فوضوية وإهمالاً من أي وقت رآه بها ،

لم يعتد بعد علی تهاونها في أناقتها ..

خاصة أن إهمالها أكثر مما يُحتمل !


فمراتٍ يبلغ بها تداوم بنفس الثياب لأيام متتالية ،

وكم من مرة اضطر لتوبيخها .


كان ذلك مزعج جداً لشخصٍ مثله يهمه المظهر الخارجي ، وأناقة الهندام .



- حتی لو مريضة يا وفاء ، اهتمي شوي ، ما ينفع ..


- أنا هنا بسكني وغرفتي ، هذا مكان راحتي ، فاعفيني من تدخلاتك .


أصبحت ردودها المنتقمة جاهزة .



- ما تقدرين تطلعين أبد ؟


- حتی لو أقدر ، أنا مابي !


استند بإحدی مرفقيه السرير ، يتأمل أرجاء الحجرة :

- أجل شكلي بأقضي اليوم هنا ، أشوف السرير مريح !



سببت له الهلع بحجمِ المشاعر الجيَّاشة التي تدفَّقت بغير حساب ..

وامتلأت بها نبرتها الشاكية :

- .. أنا ماقدرت أروح الجامعة وأنا عندي أشياء مهمة ..

تبيني أتمشی معك ..؟

.. شايف وجهي ..

أنت مافيك رحمة ..؟



استقام واقفاً بقلق .



إنها توشك علی البكاء !


إذن هي بشرية !!



- خلاص خلاص ، هدي .. أنا طالع .. هدي ..



حكّ رأسه مشوشاً ، ثم ذكرها قبل يعتزم التحرك :

- ﻻ تنسين ، عفشك يكون جاهز .

أي وقت توقعيني أشيلك من هالقرف .


- بأستأذن بابا ..


نوی مقاطعتها لكنها أكملت بحزم :

- أنت جيب الشقة ، وبأخلي بابا يشوفها ..

ومرة وحدة يكلم مسؤول السكن .


- ولو سأل من وين لك ؟


طرفت بتوتر : بأقول له صديقتي .


اتسعت عينيه عن آخرهما : أهلك مو عارفين حالتك ؟!


تململت في وقفتها .


فأحس بالرأفة ، وقرر إنهاء النقاش :

- اتفقنا !! ... بس شوفيني أحذرك ، لو أشوفك

مداومة بهاللبس ؟ واﻻ هالشعر مب مغسول ؟

قسم إن تشوفين راسك محلوق علی الزيرو !


نبَّهها ويده تعبث بخشونة بكومة شعرها المشعث والفوضوي .


ثم اتجه صوب باب الحجرة بخطواتٍ رتيبة .

- تحتاجين شيء ؟


أتاه الرد آليّ : ﻻ ، شكراً .



فخرج مودعاً .


مصفقاً الباب خلفه بعنفٍ يصم اﻵذان !



















. . .
















منغمسٌ في التفكير بين ضجيج رفاقه ....

وثرثرتهم الفارغة ....




- وأنت ؟



في تيه : وشو ؟ أي سيرة وصلتم ؟



- المباراة ....


- يا ليل البثارة ....

قاطع رفيقه قبل يتمم جملته .


- مب أنا يالطخ ! رجعوا فتحوا الموضوع ﻷجل هالحمرة ..

طلعت لنا بفكرة خقوا عليها الشباب ، سمعتها ؟


في حيرة : أي حمره ؟


- احلف ! الخقة بين فادي و جيس .. ناظر !



ألفتَ انتباه الحمرَاء بصفير الإعجابِ الطويل حال وقع بصره عليها ،

فمنحَ تلقائياً غمزة مغازلة استقبلتها بابتسامة

جمعت فيها ما استطاعت من فتنة وإثارة .



وفي انبهار بعينين براقتين : من متی هذي هنا ؟



كانت امرأة حمراء بكل ما تعنيه الكلمة من معنی .



قاطعت نظرات اﻹعجاب المتفحصة نغمة الرنين المميزة ،

رنين اﻻستدعاء المعتاد .



ظلّ يتأمل اسمـ (ـها) علی الشاشة حتی قُطع طلب اﻻتصال .



فزّ قائماً فور اختفاء الاسم :

- ﻻبو حمرتكم ال***** ، اشبعوا فيها .



وانسحب من حلقتهم المزدحمة بسير أقرب للهرولة .


واتخذ طريقه المختصر إلی مقرهما السري المنعزل .




مالخطب ؟

ﻻ أثر لها !




تفقد هاتفه ، فظهرت رسائلها .

توقيت الرسائل تسبق الاتصال .



ركلَ الحائط الصُّلب ، وتمالك أعصابه قبل يقذف الهاتف .


ثم عاد من مساره متوعداً إيَّاها في قرارة نفسه .








تقف إلی جانب سيارته كما أعلمته في رسالتها .



تقدم في خطوات باردة .

ﻻ يری منها سوی ظهرها .



استدارت حين ميزّت صوت خطواته ، فبادرها برقة :

- حبيبتي ، طولتي .


اقتربَ منها ، يتمهّد لإلقاء عرضه :

- ما مليتي من غرفتك ؟ خلينا نتمشی .


- مالي خلق ، رجعني .


- شمي هواء شوي ..


ودّعته بلا نية في المجادلة :

- بأروح بالباص ، مع السلامة .



تأوهت في تألُّمٍ واستِشناع .. إثر قسوةِ القبضة التي تقتلع ذراعها !



خاطبها بصوت خفيضٍ راجٍ :

- حبيبتي وفاء ، تكفين .. لما أكون قدامك احترميني شوي .. ما يصير .. !



تحدق به ...

مصعوقة ، من التناقض الهائل بين النبرة الرقيقة ..

وقبضته التي تفتت عظمة ذراعها اﻵن .. !




- ! You Mad


همست ...



- هاه حبيبتي .. وش قلتي ؟


- وين تبينا نروح ..



تبدلت ملامحه إلی البهجة ، ليدبَّ فيه النشاط .. ويهتف :

- أي مكان تبينه .. وين تبين ؟ تبين البحر ؟



صدّت بوجهها عنه ومعالم الحيرة والضياع بادٍ عليه .


تعمد التجاهل يطالب موافقتها :

- وش قلتي ، البحر ؟

















من حسن حظهما الشاطئ لم يكن بشديد اﻻزدحام .


اختارَ مكاناً جميلاً بالقرب من ماء البحر الصافي .


يفصل بينهما وبين الماء بضع سنتيمترات .




لا يقدر منع نفسه عن إلقاء نظرة عليها بين الفينة والأخری ..



نسيم البحر الطلق أضفی عليها سحراً وجاذبية مضاعفة ..

بخصلات الشعر العنيدة والمتطايرة حول وجهها الفاتن ..



حاول اﻻعتراض علی لم شعرها عندما أثار انزعاجها ..

فقد كان مستمتعاً بشعرها منفلتاً ..

يتراقص مع الهواء في منظرٍ يخلب اﻷلباب ..

غير توقف عن اﻹلحاح حين لمحت عينه عنقها الرقيق ..

فيما تجمع شعرها ﻷول مرة !



منذ أوَّل يوم لمحها به ، ..

لم يرَ شعرها اﻷسود الطويل سوی علی تصفيفة واحدة ..

أحبها واعتاد عليها .. بالرغم من فوضويتها ..


طوال الوقت وشعرها حول وجهها

يحجب معظم التقاسيم ..

وكأنها تحاول اﻻختباء خلفه !


بقصة الشعر الذكية تلك ؛ التي توحي بأنه قصير من اﻷمام ،

بينما في الواقع يصل إلی آخر ظهرها من الخلف ؛

كل ذلك باﻹضافة إلی نظارتها الشمسية المعتادة ! ...

ماهي إﻻ محاولات تمويه من أجل إخفاء نفسها عن العلن !


كان ذلك يضطره أحياناً إلی إثارة ذعرها حين يلجأ

إلی رفع الشعر عن وجهها أو إزاحته ، عندما يزعجه

ويشعر أنه يعيقه عن رؤية ملامحها ..




- تدرين إنك حلوة ؟



انتظرَ إجابتها وردة فعلها ..

بينما يتأمل انعكاس البحر ، الذي يلمع

علی عدستَي نظارتها الشمسية .



- قلت لي .



- قلت ايش ؟!

قال مصعوقاً .



إجابة أبعد ما تكون عن توقعاته .



- قد قلت إني حلوة ..


- أنا ؟!!!



أدارت رأسها إليه : ليه ؟ ندمان ؟


- ندمان ؟! متی قلت لك ؟ كنت صاحي واﻻ نايم ؟


- أقصد هذيك الليلة ..


ببطء استيعاب : أي ليلة ؟


أبعدت نظرها ببرود .


فتنبه إلی الليلة التي تقصد :

- ليلتنا من سبع سنين ... تقصدين ؟!

أنا اعترفت إنك حلوة ؟!!!


لم يتلق رداً ، فسأل بتوتر :

- كيف قلتها ؟


ردّت باقتضاب : نفس سؤالك الحين .


- !!! NOOOOO

!!! THAT'S NOT TRUE

!!! THAT'S IMPOSSIBLE


يشدّ شعره تعاسةً يصيح غير مصدِّق .



ﻻ يعقل أن استسلم لتلك الشقراء البغيضة !!

محال أن تتمكن إحداهن منه بهذه السهولة !!


ومن تكون ؟!

ﻻ تكون سوی طفلة !!!

طفلة بغيضة وشقراء !!!!




مالت إلی وجهه الذي يوشك علی البكاء ، تخاطب بجدية :

- أنا ذاكرتي ماهي حديدية ، لكن أعتقد مافيه بنت

راح تنسی لحظتها مع شخص اعترف بجمالها .


أسرع يهتف غيظاً مقلِّداً ، راغباً تحطيمها :

- شخص اعترف بجمالها ....

ارحميني يالجمال !! اهتمي بنظافتك وخلي القرف أول

ياللي مقطعك الجمال !!!



راح يتلقی ركلات متتابعة حاقدة ، وقوية ، كما لو تود وتطيره إلی زحل ...


قيد الكاحلين الهزيلين بقبضتيه الحديديَّتين .

ثم رسم ابتسامة خبيثة علی شفتيه ،

جعلت من موقفها يتبدل .


هزت رأسها راجيةً متضرعة .



- بتعيدينها ؟


أجابت في توسل : ﻻ ! لا والله توبة .. الله يخليك !



اعتزم أن يرحمها ، فتراجع عن نيَّته محرراً ساقيها .


ثم عاودت هالة التعاسة تحيطه ، منكمشاً ببؤس ..

دافناً رأسه بين ركبتيه مثلُما نعامة .



- ليش حزين ؟

همست ببراءة ود خنقها معه .



- ?? Hey , The Window Man , Hello

!!!? Can you hear me



استسلمت تاركةً إياه وشأنه ، كطفلٍ وحيدٍ بائِس ..

في زاوية حجرةٍ مظلمةٍ منعزلة .


بانَ صوت حركة موج البحر عندما حل الهدوء ،

وبدءا في تمييز رائحته المنعشة والعذبة .



إلى أن شعر بيدها تجذب كمّه منادية .


انتشل رأسه من مخبأه يرفعه إليها فضولاً .



رآها تجلس وظهرها إلی البحر .. متأهبة !



عدساتها الكهرمانية تتحرك بتشتت خلف النظارة شبه الشفافة ...

تدوران في اﻷرجاء كالضائعة ، حتی ﻻحظ تكرار نظراتها علی موقع معين ..


كانت عائلة بالقرب تستعد للرحيل .


لم تجذب العائلة اهتمامها ؛ بقدر الهاتف الملقی علی التربة خلفهم !



إنها تخطط لسرقة الهاتف !!!



هبّت بتهور واندفاع ، قبل حتی يبتعد آخر فردٍ من العائلة .

جذبها من كنزتها الفضفاضة بحدة يعيدها إليه :

- واحد راجع ..


أسرعت تدير ظهرها بارتباك لتعود وتواجه البحر المزرقّ .

- شافني ؟ ..

همهمت بقلق .


عنَّف موبخاً : أقلها يالفاغرة ، احفظي الوجيه ﻻ جيتي تسرقين !



- حفظت وجه البنت اللي كانت واقفة عنده .. حسبته جوالها !


- وش تبين فيه ؟ أقدم من جوالك!


- أبي أعيد التجربة ..

صرَّحت بمأساوية .



طلبته في رجاء :

- .. ناظر وراء .. أخذوه .. ؟


- أخوه واﻻ مدري من ، اﻵخر نفر رجع يشيله ..



ركلت حقيبتها ونزعت نظارتها تقذف بها ،

ثم تكومت بكآبة تضم رجليها .



- طيب وش ذنب الشنطة والنظارة ؟



وكأنما استبدلا اﻷدوار .. انتقل إليها اكتئابه ،

بينما ظل مستمتع يتلذذ بتعاستها .



انتصب يقفُ نشيطاً :

- ? Hey baby, you want some ice cream


عرض اقتراحه بكف ممتدة تحثها علی النهوض ،

فارتفع رأسها إليه بعينين ملتمعتين .


وامتدت كفها بعفوية حركت قلبه ..

إﻻ سرعان ما أُصيب باﻹحباط لما استدركت قبل تمسّ يده ..

ونهضت من تلقاء نفسها ..









- ما خلصتي ؟


- ﻻ !!!


- ما صارت !



اختارا كرسياً علی طرف الممشی العريض المزدحم

بالمارة ذوي الثياب الفاقعة بمختلف اﻷشكال .



- المنديل حقه معك ؟ هات ...



ناولها ورق المنديل الذي رافق البوظة ، فاستلمته .



- خلاص ..



وأخيراً استدار : سلام عليكم ، كيف الحال ؟ زمان عنكم !


رمقته بهزءٍ وذم .


- يعني أبي أعرف المكان مليان ناس ، وش معنی أنا الممنوع أشوفك ؟



- ! Shut up

كذا ، ما أحب .. ومب أنت بس !



نصحَ بنبرة جديَّة :

- حالتك في تدهور يا وفاء ، تجاهلتي المرض كثير ..

أذكرك أكلتي قدامي وباسطة سفرة بعد !


احتجَّت : مو قدام كل الناس ، آكل قدام ماما !


عاد بذاكرته إلی الوراء قليلاً : مب قلتي أمك بالسعودية ؟


- أزورها كل إجازة ، ورجعت عشت معها سنتين .


- متی ؟


غمغمت : توني راجعة من عندها ..


- عشان كذا متأخرة بالدراسة !


- خنت بابا ، زعل .



طرف باهتمام ، وأكملت لما رأت التساؤل عليه .


- بعد المرحلة الثانوية ، رحت عند ماما ، ما رجعت ..

كان فخور فيني .. أنا أكبر وحدة .. أكبر من بناته ..

كان فرحان .. يقول بنتي صارت جامعية !

حدد الجامعة وجهز الترتيبات .. كان ينتظرني ..

بس أنا مابي أرجع !! مابي هنا !!!



- ليه ما تبين ؟



ترددت للحظة :

- ما استقريت ، ما قدرت ، مابي هالبلد ..



انحنی قليلاً ، يحدثها بدفء :

- حبيبتي ، أنتي هنا واﻻ هناك ما بتستقرين ..

ﻷن نفسك من داخل هي ياللي مافيها استقرار ..


وأضاف بخبث : لكن أنا اللي بأعلمها اﻻستقرار .



اعترضت نافية : هناك أرتاح شوي ، أرتاح لماما ، ومقفلين ....


أذهلته وهي تقطع جملتها وتهتف فرِحة :

- تدري ؟! أنا أتكلم مع ماما !!!


انتابه اﻻرتباك ...


فركَ فروته محرجاً يبحث عن تعليق مناسب .


- شيء طيب ...



فرحتُها غير منطقية ...

باﻹضافة إلی الإفصاح الغريب والبريئ

بشكل ﻻ يمكن تقبله ، أو استيعابه !



خاضت في ثرثرة لم يكن يألفه منها ...

فيما هو مفتونٌ يراقب الحروف والكلمات وهي

تتناثر من ثغرها المحمر بفعل برودة البوظة ...



- ماما عودتني علی الحكي .. تكلمني يومياً صوت ورسائل ..

.. علمتني هوايات ! ماما عبقرية وقوية !!

تقرأ روايات ؟ أنا أقرأ روايات .. روايات عربية !!!

وعلمتني الخواطر .. تحبني !! وعلمتني أؤلف ..

تربيني وهي بعيدة .. بابا جنبي وما أشوفه ...



شعرَ بالتعقيد والتشويش ، وتساؤلات عدّة قفزت إلی

ذهنه ؛ عقب الحديث المزدحم باﻷفكار غير المنتظمة ...


إنها ترمي كل ما يطرأ علی لسانها بفوضوية !


يبدو أنها من فئة الذين إذا غمرهم الحماس ، تخونهم ألسنتهم .



اختار نقطة معينة سابقة ، يعيدها إليه :

- وفاء ، دامك ترتاحين للقفلة ، ليه ما تتحجبين ؟



تطلعته مصدومة ، ثم هزت رأسها برفض :

- مستحيل ، الحجاب ملفت !



تأملَّها يفكِّر بتحليل ...



صعدت يده تمسِّد غرتها الكثة ، ينظر مباشرة للعينين الواسعين .


- الحجاب بيبرز تقاسيمك ، لو نويتي تتحجبين ..

يفضل تغطين وجهك مرة وحدة .


- ? No way ! Are you crazy


تجاهل معارضتها : كيف نظام حجابك بالسعودية ؟


ردت باستياء : هناك الكل عيونه علی اللي وجهها ظاهر ...


- يعني تغطين ؟



أوشكت ترديه صريعاً بطلقة الرصاص اﻷخری ،

هذه اﻷفعی تخطط لمقتله هذا اليوم ! :

- لو قابلت ماما بتحبها !!! ماما قوية !!!



تنحنح بربكة ، موجهاً الحديث إلی دفة أخری :

- والبابا ، كيف علاقتك معه ؟


- ما نتكلم ، تواصلنا شبه معدوم ، بس يحبني ..



راوده سؤالٌ فضولي ...


وألقاه فيما يرفع العازل المزعج عن أعينها

ليفوز بصفعةٍ علی ظاهر كفه :

- كيف فتحتي معه سيرة السكن ؟


- برسالة ، ونادى علي .. وتناقشنا ...

ما تعودت عليه .. عكس ماما .. بابا وماما مطلقين ..

بابا كان علی طول مسافر .. ما كنت أعرفه زين ..



أراد يكحلها لمّا لمَح شبح الحزن يحُوم حولها ؛

إﻻ أنه أعماها بسؤال أحمق متهور :

- وشلون تسوين مشاكل لمرت أبوك وأنتي خرساء ؟



يجزم لو أن شرَارات العَين تقتل ..

لكان اﻵن مستلقٍ بقبره من حدَّة الشرَارت

التي أطلقتها عينها المشحونة حِقداً !!



ورده خاطر آخر :

- تدرين ؟ لو إنك هذاك اليوم بهالنقاب حقك

ما كان أنا بجنبك الحين !


- كنت بدون النظارة ؟!


- كنتي بالمكتبة ، قدامي مباشرة !

ما تزيد بيننا المسافة عن متر !!


فتحت فمها الجميلُ دهشة : بس ... ماقد لمحتك !!!


- كنتي بزاوية المكتبة تقرأين شيء ..

تبين الصدق ؟ شفتك كأني شايف جنية ،

خفت وتخبيت !


- لهالدرجة أنا أخوف ؟


- من جدك ؟ أنتي تخوفين بلد !!


تمتمت : ليه ؟ شايفني فضائية ؟


تأوه بإثارة .. وهتف مفرقعاً أصابعه :

- !! Yes

بالضبط ! هذه هي !

المصطلح المطلوب !!!



بان له فكّها المنحوت فيما أناملها تحكه في ضيق ..

مزيحةً أطراف الشعر المتدرج التي انسلَّت من ربطة الشعر بعناد .


ثم أنزلت كفها لتعود وتستقرّ بجانب شقيقتها :

- متی نروح ؟



نهض عن المقعد :

- وش رأيك ناخذ لفة قبل نمشي ؟



ﻻ يدرِ مالذي دهاه .. ؟


ﻻ شعورياً .. وجدهُ يحمل جسدها الصغير عفوياً ويوقفها علی الكرسي ،

ليصيب المراهقة بالهلع وتنهمر عليه بالضربات الواهنة والمستنكرة !



ضحك في حيرة مستدركاً اﻷمر .


وأنزلها إلی اﻷرض :

- وش فيني أنا ؟

آسف يا حبيبتي الفضائية ...

شكل صاحبك انهبل !



وجهها احمرّ كحبة طماطم ..

بينما تقوم بترتيب شعرها بتشوش

بنظرات متلصصة إلی اﻵخرين .



- محد شافك ، بعدين يفترض تستحين مني بهاللحظة !!

مب من الناس !!!


ثم تدارك متذكراً :

- ولحظة ، لحظة !

الحين تستحين من حاجات تافهة ، وﻻ استحيتي يوم

جيتي ترفسين في رجال طول عرض قدام الناس ؟!


- اسكت ، وين السيارة ؟








* * *

سوهاني 27-01-16 11:02 PM

رد: كهرمان / بقلمي
 
آيــــــــــــآآآآآآآآآآآآآآ ! وين السياره ؟؟
يعني آن لكِ أن تقطعي الفصل هنا وتكون نهاية الفصل الثالث :Taj52:
حلو أشجعك على المتابعه في الكتابه ما دمت قد أنتهيت من هذه
ليس لديك أخطاءاً لغويه و املائية وحِسك البلاغي جذاب .. أحسنتِ
يلا بدي إياكِ تجهري أناملك السحرية لكتابة قصة أو رواية جديده
وطبعا هالشغل بعد ما تسكتِ فضولي على روايتك هذه على الآخر
في انتظار فصلك الرابع ..
موفقه ..

ثريا ا ا 28-01-16 01:10 PM

رد: كهرمان / بقلمي
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سوهاني (المشاركة 3592828)
آيــــــــــــآآآآآآآآآآآآآآ ! وين السياره ؟؟
يعني آن لكِ أن تقطعي الفصل هنا وتكون نهاية الفصل الثالث :Taj52:
حلو أشجعك على المتابعه في الكتابه ما دمت قد أنتهيت من هذه
ليس لديك أخطاءاً لغويه و املائية وحِسك البلاغي جذاب .. أحسنتِ
يلا بدي إياكِ تجهري أناملك السحرية لكتابة قصة أو رواية جديده
وطبعا هالشغل بعد ما تسكتِ فضولي على روايتك هذه على الآخر
في انتظار فصلك الرابع ..
موفقه ..

:lol:


إن شاء الله أشبع فضولك وأكثر عزيزتي سوهاني ..

إليكِ الفصل الرابع ، وأتمنی أن يحظی كذلك بإعجابك .


:c8T05285:

ثريا ا ا 28-01-16 02:26 PM

رد: كهرمان / بقلمي
 
-















الفصل الرابع












. . .















- شهر يالظالمة ..


همهمَ بجمود .





قامت بخيانة ﻻ تغتفر ...



لن يغفر تلك اﻹهانة ، بـ تيك الوسيلة القذرة ..



فرّت دونما سابق إنذار !



غدرت به !!





لم يستبعد قضاؤها عطلة الكريسماس لدی والدها ؛

لكن أن تفعلها بتلك الطريقة الملتوية !!!




غابت شهراً بكامله دون يطرف لها رمشاً !




من حسن الحظ استغل العطلة مع رفاقه في السفر ،

من أجل حضور مباراة سبق التخطيط لها في ( روما ) ،

وحيث قضوا بضع أيام في أنحائها .



قام بمقاطعتها كلياً وبكل وسائل الاتصال .




فلتتعلَّم درساً !!


فمن بحق الله سيمنح اهتماماً بقدره لتلك المنبوذة ؟


فلتحمد الله أن لاقت بشرياً يتقبلها !





لكن هاهي ذي اﻵن !




تواجهه بكل هدوء وطبيعية ، كأنما كانت باﻷمس برفقته .

وكأنما لم ترتكب خطأً !




لطالما تساءل ... ؟


إن كان هذا الملاك ظاهرياً

يملك طبيعة ( سيكوباتية ) !



ﻻ تشعر ..

ﻻ تندم ..


ﻻ أحاسيس ..

ﻻ وجود لضمير !




مثلها مثلما اﻹنسان الآلي !


إنسان آلي مبرمج علی التنفس ، واﻷكل ، والدراسة ؛

ﻻ غير !



وجهٌ ملائكيّ ، طبعٌ سيكوباتيّ !

معادلة ، سيعجز أعظم العباقرة والعلماء ؛ عن حلّها !





قضيا الطريق صامتين ، يلفهما السكون المغلف بشرارات العداوة الخفية .



كان ينوي إعادتها للسكن مباشرة ، إﻻ وجد نفسه ينحرف عن الطريق

ويؤول بها إلی مساحة خضراء ورمادية مهجورة .



لم تردّ على همهمته البائسة سوی حفيف أوراق الشجرة

العملاقة والمعمرة أعلاهما ، والمنفردة عن بقية اﻷشجار

الشائكة ذات الفروع العارية علی إثر خريف نوفمبر .





- كيف قضيت اﻹجازة ؟




أوَتجرؤ على الكلام .. ؟!




- أضمن لك ما قضيتها محبوس بين أربع حيطان .



- بابا طلعني ، ومشاني مرتين !



أدارَ عينه إليها .




تتحدث بفخر ، تشير بإصبعين فرحة ،

رمزاً لليومين الخاذلين !



وَكيف ﻻ يصفهما بالخاذلين ؟


وهو واثق بأن منزلتها لم تكن أعلی من منزلة

من البساط الذي افترشته العائلة الخاسئة .


بل لعل البساط كان له دورٌ أكثر منها !



غلبه اﻻختناق فيما تخيلها ؛ جالسة علی زاوية البساط ، صامتة ،

تراقب عن بعد عائلة والدها السعيدة .


دون يلقي أحدهم بالاً للوحيدة البائسة في الزاوية .

دون يتفضل أحدهم ولو من باب المجاملة بدعوتها إلی مشاركتهم .



عظمَ من ضيق صدره ؛ ذكريات لصور لا توقف غزوها إلی ذاكرته .

مواقف تعيسة عدة رآها عليه في أماكن متفرقة من الجامعة ..

مواقف لم يكن بمقدور قلبه القوي تحمله ، فكيف هي بقلبها الغض الصغير ؟


اﻷمرّ من ذلك ، ﻻ تذرِف دمْعة !


ﻻ يمكنه تخيل فتاة وحيدة ، وضعيفة ..

تتعرض للاضطهاد من جماعة من الفتيات ال****** ؛

وﻻ تذرف دمعة واحدة !



لطالما تمنی لو بإمكانه التدخل ، وإنقاذها ..

لكن كيف بحق الله ؛ لرجل أن يتطفل علی معركة فتيات ، وكلامية ؟


بل لربما سيزيد موقفها حرجاً ..

لن تحبّذ لقاؤه لها بتلك المواقف ..





- بابا قال ! في إجازة اﻹيستر ، بيسمح أروح لماما !!


- بابا بابا بابا !! كرهتيني حتی بأمي وأبوي !

لا أشوفك تجيبين طاريهم عندي !



تصلبت تراسيمها ، مبهوتة من ذلك التسلط واﻻستبداد .



ثم به يدهش بحجم الصوت الهائل الذي تمتلكه حنجرتها ؛

ما جعله يتساءل إن ابتلعت مكبر صوت قبل لقائه ؟ :

- بابا بابا بابا !!!!!! .. ماما ماما ماما ماما !!!!!! ..
بابا ماما بابا بابا بابا ماما ماما بابا بابا ....






إنها تبكي .... !!



( الفضائية ) تبكي !!



إنها تذرف الدموع !!!




هل هذه دموع حقيقية ؟





امتدت أناملُه .. ﻻمسَت الحبات الكريستالية ..


ملمسه كدموع البشر !




تذوَّقه ...



مالحٌ .. كدموع البشر !




أخيراً ... شهادة تثبت ، بأن الكائن أمامه ( إنسان ) !





غريزياً ، وجد قلبه يلين : وفاء ..




أكان قاسٍ عليها إلی هذه الدرجة ؟


هل كان لكلماته هذا التأثير ...

بحيث تمكنت .. من تفجير الينابيع الجافة ؟




صرخت في وجهه منتقمة :

- ﻻ تنطق اسمي ، كرهت اسمي منك .. كرهتني بنفسي ...

لا أشوفك تنطق ( وفاء ) قدامي .. مابي أسمع لسانك ينطقه !



تنتقم بإعادة إملاء أوامره عليه .



عادت يده تقترب ترغب بإيقاف الدموع الغزيرة ،

فأعيق طريقها بالصفعة الحقود .


- كمل مقاطعتك ، ليه رجعت ؟ خلها أبدية ، متی تعرف إني ما أبيك ؟

كيف أفهمك ؟ متی تفهم ؟ ما أبيك ياخي .. أنا ما أبيك .. افهم !




دفعته بذعر حينما التصق بها بسرعة البرق !



رفضها الصريح والقاطع له ..


تصريحها بالغياب لشهر كامل آخر

في عطلة عيد الفصح اللعين ..


كل أوﻻء اﻷعداء متفقين كفيلون

بإرغامه علی التحول في لحظة

إلی شيطانٍ مارد !




- ما تبيني ؟


خرج همسه كفحيحِ أفعی .



- عيدي حبيبتي ؟ وش قلتي ؟



- أبيك !



حرك رأسه بحزن : ﻻ ، قلتي ما تبيني .


- ﻻ ﻻ .. قلت أبيك .. سمعت غلط ...


- أثبتي لي !



تعاظم اضطراب أنفاسها في استشعار للخطر .



- حبيبتي ، أثبتي لي إنك تبيني .





أطلقت أنيناً من اﻷعماق ، في حينِ علت فرقعة من إحدی أصابعها الرفيعة .


نظرت إليه مرتاعة ، بعينين جاحظتين ، متألمتين .


وغلبها الجزع لتهرع وجلة بمصارعة حصار اليدين القاسيتين .




لكن بدأت تهدأ ، وتسكن .

عندما غزاها شيءٌ من اﻹطمئنان .


حين شعرت بيديه تتحولان إلى الرِّقة .

تحتضنان يدها بتمسيدٍ لطيف .



- آسف حبيبتي ، بس أبيك تثبتين لي .




لفظت شهقة متقطعة من أقصی الجوف ،

علی فرقعة أخرى أعظم من سابقتها .




تبعثرت الكلمات المتوجعة من الثغر المرتعش :


- أنت .. مو قاسي كذا ..

تعورني .. ليش ؟



لكنه عاد يرجوها في رقة : أثبتي لي طيب ..



- أنت تخوفني !!




واسترسل علی هذا المنوال ، في كل مرّة تنطق يرتجيها

بنفس الهسيس المجنون ، مع فرقعة أشدّ قسوة .




هتفت في محاولة يائسة لتهدئة غضبه :

- أنا أبيك .. قلت أبيك ! تسمع ؟


صرخ : ﻻ تكذبين !!!!



- مجنون أنت مجنون ؟ وش تبي أنت يا مجنون ؟

مريض أنت ؟ والله المريض أنت مو أنا !

أنا حتی ما أعرف اسمك ، يا مريض !!

أنت مين يا أنت ؟! من أنت ؟!

أنا ما أعرفك !!!





حرّر يدها مستسلماً ، واللّهاث مسيطر ...

علی وجهه الذي ضاهی قنبلة حمراء موقوتة .




واستند إلی جذع الشجرة .


مخللاً شعره بأصابعه الغليظة المرتجفة .















مستلقياً علی ظهره ، علی العشب البارد .

وما تبرح جاثمة ، منكبة علی وجهها .


منخرطة في النحيب الصامت منذ نصف ساعة ،

كلما توقفت ، يجدها تعود لبكاء أشدّ .



بينما أحاطه اﻻسترخاء ، واستغرق في التأمل ،

ودندنة بعض اﻷنغام مع نفسه .



يظهر أنها تفرغ دموع عام كامل .


تبدو من النوع الذي يبكي مرة في العمر ،

وإذا بكی لا يهدأ بسهولة .





- ﻻ يفوتك المشهد السكسي .



فاجأته وهي تلغي افتراضاته ،

وتقطع بكاؤها بسهولة مذهلة ترفع رأسها بفضول !



أشارَ لها إلی حيث شجيرات رمادية صغيرة ،

حيث زوجين من القطط شبه مختبئين .





- ﻻ تراقب ، أعطيهم خصوصيتهم !



قهقه هاتفاً :

- خصوصيتهم ؟

أول شيلي عيونك أنتي يا أم خصوصية ، شوي وينقزون .




بدت عبارتها الطبيعية ، غير طبيعية البتة في موقفها ..

مع وجهها القاتم الحمرة في فوضی بحار الدموع ،

والخصلات السوداء الملتصقة بوجنتيها .




- شيل عيونك أنت أول ، أنا أتأمل ألوانهم .


- بالله ؟



اعتدلت في جلستها بسرعة :

- قد حاولت تجيب احتمالات ﻷطفالهم ؟




رفع حاجبيه مشدوهاً .


هل نسيت أنها كانت تبكي للتو ؟




- يا سلام ، لك تجارب !

اللهم إني بريء مما يصنعون .


استهلت تعد علی أصابعها :


- واحد بيج ، واحد أسود ، واحد نص أسود ونص بيج،

واحد شوي بيج وكثير أسود ، واحد شوي أسود وكثير بيج .




- نسيتي لون العين !




استلقت علی جنبها بكسل :

- مشوار ، مابي أعيد .





الارتعاشات العنيفة للبكاء تسري في بدنها ..

بشكل بعث به شيء من الشفقة ، والندم ..






- , The window man

ممكن طلب .. ؟



أعاد بأنظاره إليها .





- أول شيء ، تحبني ؟





لبثت تنتظر الجواب ...

... إلی أن نفذ صبرها ،

وإنكفأت ترخي رأسها بعدم اكتراث .




لكنه خلقَ في نفسها الذعر ، حين انقلب إليها علی حين غرة بحيوية .

محنياً عليها برأسه المسند براحة يده ، ويشرع يجيبُ علی السؤال ..

في شاعرِيَّة مسرحيَّة ..



- ... all of me ...
... Loves all of you ...
, Love your curves and all your edges ...
. All your perfect imperfections ...
... Give your all to me ...
..... I'll give my all to you ...



قاطعته بتكذيبٍ ولوم : كل يوم تذكر عيوبي ..


همَس : اشتقت لك ..




- طبقة صوتك باريتون ، تدري ؟


- أصلاً يسموني إلفيس السعودي !


- مع إن صوتك مو حق غنی ، لكن حبيت أنبهك للطبقة ، لعد تغني .


- ارحمينا ، يا أديل !



أطربته علی نغمة ضحكتها المرحة .

ﻻ توقفي الضحك ، أرجوكِ !




- غني بس .


- أغني ايش ؟!


- غني أي شي .


- ﻻ ، حتی صوتي .. مو حق غنی ، ما بيعجبك ..


- أدري ، بس غني ..


- مافي شيء ببالي ...


- غني أي شي إن شاء الله A B C D !



أخذت الجوهرتين النقيَّتين تدوران في المحجرين

باحثين في ذاكرة الرأس الغريب اﻷطوار .



- I’m a princess cut from marble, smoother
than a storm

And the scars that mark my body, they’re silver and gold



توقفت تترقب رأيه .


- ما أدري وش بلاني وخلاني أطلب تغنين ،

مالقيتي إﻻ هالنفسية ؟


ردت بنبرة المعدوم الحيلة : قلت لك ما ببالي شيء .



ابتعد عائداً إلی وضعيته السابقة :

- لعد تفكرين تغنين ، توبة أطلب .



جلست تسأله باهتمام :

- طيب وأنا ؟ ايش نوع طبقة صوتي ؟



- نوع صوتك طبقة الزرافة ، مافيه صوت .


- بس الزرافة مالها صوت !!


- الصدق صوتك يخوف ، يصحي ميت !



هبّت تدنو منه بلا وعي :

- لقيت حاجة رومانس !!!!


- بسم الله ، ﻻ مابي تكفين .


عارض بخوفٍ حقيقي عائد إلی قربها الشديد

أكثر منه إلی غناؤها المخيف .




- I got my red dress on tonight
Dancing in the dark in the pale moonlight
Done my hair up real big beauty queen style
High heels off .. I'm feeling alive ..





- بسم الله ، من وين طالعة هاﻷصوات ،

كم روح ساكنتك أنتي ؟


أجابت بجدية أفزعته : خمس أرواح !




بغضِّ النظر عن الصوتِ الذي ليس بشجيّ ، والغناء

اﻷقرب للحديث منه إلی الغناء ، والعبث الواضح ...


فما أبهره هو تمكنها من التبديل بين الطبقات الصوتية المتباينة بذلك اليُسر !



لطالما حيَّره صوتها ...

مضت علی علاقتهما حول الثلاث أشهر ،

وحتى هذا الحين لم يتمكن بعد من تحديد صوتها .


كان يشعر طوال الوقت أنها تتمتع بطبقات عدة

تتبدل مع اﻷحوال والمواقف ؛

وكأنَّها تمتلك أكثر من حنجرة !




سأل عندما تذكَّر فجأة :

- وش طلبك ؟



طرفت عينها : طلبي ؟!



- كنتي بتطلبين شيء ، يا فاغرة .



حكَّت رأسها حيرة :

- صح ، كان عندي طلب .



اعتصرت حاجبيها في محاولة للتذكر ،

وانتهت تعبر عن رغبتها بالذهاب :

- قرب المغرب .


عرض وهو يستوي واقفا :

- ما جعتي ؟

تبين آخذ لك شيء علی الطريق ؟


نادت تتمهَّلُه : لحظة ، تذكرت !



نظرها باهتمام باسطاً ذراعيه لطلبِها ،

ﻻبدَّ من أن طلبها بسيطٌ وبريء مثلُها .



- أنا تورطت ، أبي تساعدني .


قالتها بسهولة استنشاق الهواء .



تحول إلی العبوس ، يسأل بارتياب :

- وش من بلوی هببتي ؟



رسمت ابتسامة بلهاء مترددة ، شارحة :

- دعست صوص حق وحدة بالجامعة ، ومات .



مكث يبادلها نظراتها البلهاء الفارغة .



- والمطلوب مني ؟



- ما أدري نست الحين والا ﻻ ؟ بس كانت لزقة ياخي !

قعدت ملاحقتني يومين ، فهربت عند بابا ....

اليوم شفتها ، كانت تدور علي ! بس تخبيت !!!



دعكَ جبينه ، يجاهد لاستيعاب ما تثرثر به الطفلة الخرقاء .



- الحين كل هالغياب ، عشان صوص ؟!!!



شكَت له متضجرة :

- عطيتها فلوس مو راضية تقبل ، جبت لها صوص بديل ،

ما تبيه ! تقول تبيني أرجع الصوص حقها حي !!

فجبت لها نسخة من الصوص الميت ، وقلت لها عالجته ورجع حي .

كشرت بوجهي وناظرتني كأني شحاذه !!!

تقول بتشكيني !! ساعدني !!!!

!!!! Window Man

!!!! Please, I need you




زفر حائراً ، ﻻ يدري أيضحك أم يبكي ؟



تتكلم بسرعة شديدة ، تتلعثم وتخلط اﻷحرف ،

بالكاد أمكنه الفهم والتركيز .



جاراها بهدوء بعد أن استقرّ علی قرار ،

في حين يقودها إلی السيارة :


- بنشوف موضوعك بعدين حبيبتي ، ﻷن اﻵن عندنا موضوع ثاني ...

بتنتقلين للشقة الحين ، شقتك جاهزة .


- هاه ؟


- الشقة اكتملت ، وتنتظر طلتك يا أميرة .


بدا عليها شيئٌ من الاعتراض : أمداك تأثثها ؟


نبَّهَ بعتاب : تذكري ، تركتيني شهر ...




كان قد ألحّ أن تخترع عذراً تعرقل به والدها عن تأثيث الشقة الجديدة ،

إذ يطمع لرغبة في نفسه بأن يتصرف في أثاث الشقة .

وكانت فرصةً ثمينة لتحقيق جزءٍ من بحر أحلامه .. !




- اسمع ، أنا ما استعديت ،

أجلها لبكره .. أو بعده .


- بكره مب فاضي ، ولا بعده .


- بس أنا ما استعديت !



أغلق الباب مقاطعاً اعتراضها ،

لتجد نفسها بعد دقائِق قليلة أمام

شقة السَّكَن الذي ستودِّعه اﻵن !



أعاقت ملاحقته لها إلی حجرتها ، تطلبه الانتظار في الخارج .



- ليه ، عندك أسرار ؟



تجاهلت تعليقه تدلف حجرتها ، حريصة علی إغلاق الباب .


انتظر لأقل من دقيقتين ثم أخذ يطرق عليها .



- مافيه حس بالشقة .



وصلته إجابتها من الداخل :


- اثنين منهم شكلهم باقي مسافرات ، أو عند أهاليهم .



- طولتي وش تسوين ؟




فتحت الباب بعد دقيقتين أخريين لتقابله تلكما اﻷعين المتسعة .


فالتوی فمه سُخرية :

- عندي فضول أعرف وش اﻷسرار اللي خبيتيهم ، يا حبيبتي البريئة ؟


- ما عندي أسرار !


- وين عفشك ؟


أشارت له إلی الحقيبتين المركونتين إلی جانب السرير .




- يا سلام ، السرير مرتب اليوم .


علَّقَ متهكمٌ بفوضاها الذي ميَّز به سريرها عن اﻵخر

الفارغ والمهجور في زيارته اﻷولی .



- ما قد شاركتك وحدة الغرفة ؟


ردت وهي تحمل أصغر الحقيبتين :

- إﻻ .. في بداية السنة ، ملت مني وراحت .



حمل الحقيبة اﻷخری قائلاً :

- يالله استغلي هالثواني وودعي غرفتك .



تجاهلته متقدمة إلی الخارج ، لكنه وجدها تتراجع

وتسرع بالعودة للحجرة محتضنة حقيبتها .



- لحظة ، بأودع غرفتي !




أعاق إغلاقها للباب ، متسائلاً بخبث :

- نسيتي سر ؟



- ? Just a moment, please



- آسف ، كثير !



دفعت بالباب علی جسده بكل قوتها ، تكافح لإغلاقه :

- مو وقت سماجتك ، لحظة وحدة ، تكفی !


- أبي أشوف أسرارك ، أثرتي فضولي .


- ما عندي أسرار ! أشياء تافهة والله !


- تبيني أحل مشكلتك العويصة مع البنت ؟ إذن علميني بأسرارك !


قال راسماً لها ابتسامة أسفرت عن أنيابه الذئبيَّة .





- !! WOOOO

بنت !!! خبله ؟!!



كادت تودي إلی إيقاعه أرضاً حين أفلتت الباب بطيشٍ أحمق .




- وين رايحة ؟ خذي حاجتك !


- هونت ، مابي .


- ارجعي ، خلاص ما بشوف شيء !



عادت مجبرةً بوجهٍ محمرّ ، كأنَّ قلبها ﻻ يطاوعها الاستغناء عن شيئها السِّري .


واجهته عابسة كطفلة غاضبة : بتساعدني ؟


- بأساعدك ، يالله عجلي .




لم تحاول إغلاق الحجرة هذه المرة .


واكتفت بجعل جسدها عائقاً عن رؤيته لكنزها المدفون

أسفل السرير ، وهي تناضل لإخراجه بشتی الطرق .


بينما يراقب في استمتاع ، دون يفكر في عرض المساعدة علی الفتاة .




حتی أنهت مهمتها ؛ وقفت مواجهة له ،

معبّرة عن استعدادها للذهاب .




- شفت ! ~


قال ملحناً بمكرٍ ومتعة ، يراقب سبابتها الصغيرة التي تعبث برأس سحاب

الحقيبة بين أحضانها ، والتي أصبح الكنز السري قابعٌ داخلها .



وإذ بها تسبقه بالمغادرة ، بعدما تنبَّهت إلی رغبته العابِثة في اللعب بأعصابها .








TBC







-

ثريا ا ا 28-01-16 03:46 PM

رد: كهرمان / بقلمي
 
-













- ? WINDOW MAN



- ?Yes? My Amber Girl



- ... YOU

... ARE

! CRAZY



- ~ Yes, I'm Crazy! My Sweet Amber Girl



أجاب هامساً ، يضع الفستان الأبيض القصير

علی الجسدِ الذي يختبئ بملامح أنُوثته ..

أسفل قطع الثياب الرديئة والفضفاضة .




- لو جلست هنا يوم ، بأنجن !



- شوفي هذا الثاني ، محتشم مثل ما تحبين .

شفتيني كيف مراعيك , Baby ؟




قبضت جذور شعرها يائسة :

- تسمعني أنت ؟



رمی بالقطعة البيضاء اﻷخری علی السرير الوثير ، ذي اللون المثيل .


وأمسك كتفيها يخاطب بنبرة جادة :

- وفاء ، ﻻ تناظريني كذا ...

أنا واحد صاحي مب مجنون ،

هي رغبة بنفسي وحققتها !



- ماني قاعدة هنا إلی ما تضيف لون بالبيت ،

رجعني سكني .


- حاضر ، بس خليه يومين بس .. تكفين .. بس يومين ...




لطالما تخيلها ( ملاكٌ ) في عالم نقيّ يملؤه البَياض ..




بالرغم من طبيعة أنثاهُ السَّوداوية ..

يظلّ يتخيلها ملاكاً بجناحينِ أبيضين ..

في عالمٍ أبيض .. ﻻ تدنسّه قطرة لون ..


ولم يمنعه حتی الواقع ، من تحقيقه لأحلامه ..

بـ( اﻷُنثی ) التي يعشق ~




- وﻻ يوم ، وﻻ يوم . كفاية جنان اليوم ، مو ناقصة ...


رضخ لها آملاً تهدئتها :

- وﻻ يهمك ، تآمرين أمر ، أنتي هدي ماله داعي هالعصبية .



انصرفت إلی خارج الحجرة فلحق بها لتصله همهماتها المغمغمة لنفسها .


انحنت تحمل إحدی الحقيبتين اللتين توسطتا الصالة المضيئة .



- بس فكري بالعقل يا وفاء ،

كيف ترجعين السكن وأنتي سلمتي المفتاح ..

بترجعين تكلمين المسؤول ؟



انتفضت من لمسته كالملسوعة :

- ﻻ تلمس ! ﻻ أشوفك تلمس !



عصبيَّتها باتت مضجِرة ولا تطاق .

اكتفی منها لهذا اليوم .



قرر مفارقتها حالاً ، فألقی توديعاً جافاً .


لكن ما إن تحرك أعاقت تقدمه تتعلق بظهر معطفه بأنانيَّة :

- بتساعدني ؟


أزاحها بقساوة :

- أصلك أنانية ، ما تفكرين إﻻ بنفسك .


- وعدت تساعدني !


- ما وعدت بشي .



وتجاهلها ببرود يخطو صوب باب الشقة غير عابئ .




ليس بمستغرب من ( سيكوباتية ) غرارها

أن يغلب عليها حب النفس والذات .


فمثل تلك ؛ لا تتقن مثلما تتقن اﻻستغلال ،

وامتصاص اﻷرواح من أجل إشباع رغباتها .




أثارت استغرابه الخطوات الرشيقة خلفه .


لكن قبل أن يتمكن من الالتفات .


بُهِت بجسدها يرتطم بظهره كالقذيفة ،

وذراعين خانقين يعتصران عنقه .



- !!!!!! THE WINDOW MAN

!!!!!! HELP ME, PLEASE




خرقت قوانِين الطبيعةِ حتَّی !



حنجرتها تبعث بالتردُّدات فوق الصوتيَّة !

وفوق ذلك بإمكانها جعل المخلوقاتِ الحيَّة من سماعها !



صاح بها زاجراً حينما تحول أذاها للجسدي المباشر ، بعدما أدركت أنها

تتسلق قمة جبل شامخ ، وابتدرت ترجوه الجلوس فيما تعمل علی

فقأ أعينه تجاهد للتشبث برأسه .



ليمتدَّا ذراعيه إلی الخلف يرغب باقتلاعِها عنه .



- ﻻ ﻻ ﻻ ﻻ !!!!

أنت ترفعني !!!!!


- ﻻ تصارخين !!!


- اجلس يا غبي وانا أنزل !!!

ﻻ ﻻ ﻻ ﻻ ﻻ !!!!!!



أطلقت صرخة حادَّة لما جذب ساقها من فوق كتفه اﻷيمن لتنتهي واقعة بين ذراعيه .



تأملها منكمشة ، مغمضة العينين ، كما قطة صغيرة تخشی هجوم عدو .



انفرجت أجفانها قليلاً بحذر ، ثم عادت للعنف تلكم كتفيه ،

وتدلدل بأرجلها تحاول اﻻنزلاق والتخلص من ذراعيه .


وما ﻻمست أقدامها اﻷرض ووصلت بر اﻷمان ، صاحت به معنِّفة :

- ما عندك ذوق ! كذا الرجال يتعامل مع بنت ؟


جعل اﻻرتباك يطفوها بالنظرات الغريبة التي لم تفهم مغزاها .


- أول مرة أعرف إن الفضائيين عندهم بنت ورجال .


- ليه ؟ ما أذكر إني شفت فضائي زار اﻷرض ﻻبس علم بألوان !



أطلق ضحكة صاخبة : قد شفتي فضائي ؟



حكَّت بقدميها اﻷرض ، وشعر بكفيها المختبئين

خلف ظهرها وهما يعتصران بعضهما :

- ما بجاوب ، حتی ماما .. ما صدقتني .




طرف بتوتر ، هذه الفتاة تبدو مخيفة اليوم .



مالذي دهی رأسها خلال العطلة ؟

هل أصيبت بخبطة إثر سقطة ما ؟

ليس باﻷمر الغريب ، فتعثراتها ﻻ تحصی !



أم هو فحسب ؛ تأثير اﻷفلام الخارقة للطبيعة ؟




- شفتيه وأنتي صغيرة ، يا وفاء ؟




طال سكوتها فترك اﻷمر ؛ فلا يود إرغامها بإجابة ستتسبب في إحراجها .


ﻻ بأس ، فالأمر طبيعي ؛ بما أن من عادة اﻷطفال توهم اﻷمور !

حصل له أمر مشابه أيضا في سن الطفولة المبكرة .




- اسمعي .. صلي ، وﻻ تاكلين شي ، أنا عازمك .


- مابي أطلع .. تعبت اليوم ، بآكل هنا .


- ودي آكل معك في يوم ..

طلب في استعطاف يستحث موافقتها .



فتنهدت بإرهاق ، وتقدمت .

ثم أخذت تديره وتدفعه صوب الباب .


- فكني منك ، أبي أرتاح ، تعبت منك اليوم ...


- أفا ! تطرديني ؟



مطت شفتيها بابتسامة صفراء :

- Bye !



وأغلقت الباب ببرودها القاسي ،

تقطع بذلك تواصل اﻷعين .



















. . .















- الحمدلله ، مختفية اليوم ، شكلها غايبة .



قالت في ارتياح ؛

مع أنها كانت تنتظر حدث مقابلة فتاة الصوص

طوال اليومين السابقين بفارغ الصبر .



- تعبتني نفسياً ، جننتني ، صوتها المنرفز ...

وصوت الصوص وهو يموت ، براسي طول الوقت .



حوّل من مسارها في حين تنوي سلك طريق المغادرة :


- خلينا نكمل لفتنا ..


- بأروح البيت ..


- لفة وحدة .











شعر بقشعريرتها ..

وهما يقفان أمام نافذة ذكرياتهما المشتركة .



كل منهما يسترجع صوراً ضبابية

لذكريات غلفتها سبع سنين من الدهر .




- هنا كان الدرج ..


تشير بإصبعها إلی أسفل النافذة .



- درج ؟!


- الدرج اللي كنت نازل وطالع عليه !


قال مصححاً بعد أن استرجع بعض من الصور المشوشة :

- هذاك صندوق مب درج .


- ﻻ درج ، أو دولاب صغير . شفته بالنهار .

بعد يومين أعتقد .. رجعت ، شفته وخفت ..

حاولت أشيله ، أو أبعده علی اﻷقل .. ما قدرت .


- كله صندوق وخير يا طير ؟ بيعلم الناس عن بلاوينا مثلا ؟


رفعت رأسها إليه :

- يا غشاش ! كنت أشوفك بطل ، حسبت معك خاصية طيران . حسيت بالخيانة !


- من يومك وخيالك واسع ، تتابعين أفلام واجد ؟





- يالله نمشي .



بانَ في إعلانها ضيق غامض داهم مزاجها .



- ما ودك ندخل ؟ ودي نعيد الليلة ..



تركت له المكان رامية بالعرض المرفوض خلف ظهرها .

فتحرك يلحق بها مهرولاً .





اقترح في طريقهما إلی المساحة المخصصة للسيارات :

- وش رأيك نمر علی مقهی ؟



ضايقه الوجه الجامد الذي عوض عن الرد .



- وفاء جيبي نظارة شفافة أكثر ، ما أشوف عيونك زين .




- ! WOW

مضاربة !


همست بإثارة .




علت أصوات مشاجرة بعيدة نوعاً ما ، جذبت

أنظار معظم من بساحة الحرم الجامعي .


ودلّ التجمهر ، وأصوات الزعيق العالي ،

بأن معركةً حامية تحصل هنالك .




انعطفت ( الخرقاء ) مبدلة وجهتها إلی حيث أرض المعركة .

غير أنه أسرع بإحاطتها بذراعه يعيق عنها الرؤية ،

ويجرها لمواصلة طريقهما .



- ﻻ ! أبي أشوف !



- مقهی واﻻ بيت ، قرري .



- دقيقة طيب !



- مشاهد العنف تؤثر علی نوم اﻷطفال .




أصرت علی اﻻلتفات لما ميزت الهتاف الذكوري البعيد ،

منادياً بإلحاح بلغتهما المألوفة !





- اسمك متعب ؟! الرجال يناظرنا !!





برزَ فكَّه الحاد فوق ما هو بارز فيما يصرُّ على أسنانه .


تطلعَّته بتمعن ، إلى القسوة التي تبدلت إليها ملامحه السمِحة ..

التي تتبدل كلياً في لحظة الغضب ، من تلك الملامح الطيبة اللطيفة ...

إلى وجه لأكثر الرِّجال قسوةً وغلظة .



ورغم الخوف تجرأت بالتحقيق معه في شجاعة :

- ليه ما تبي أعرف اسمك ؟ وراك أسرار ؟



عادت ملامحه الهادِئة وَ المُريحة في لحظة كما ذهبت ،

فتطلع إليها يقول في تداركٍ وبطبيعية :

- وش أسراره ؟ تكفين ارحميني من خيالك الواسع .


تفحصته بعينين حادتين :

- الرجال يناديك يبي فزعة .


- يتهيأ لك حبيبتي ..


اتسعتا عيناها من جحوده :

- ربعك محتاجينك !


أعاد بجزم : وفاء تتوهمين ، ما أسمع شيء !


- متعب ، خلك رجال ورح تضارب !!



فغر فمه وهو يری التماعة المُتعة بعينيها ،

فصاح باستهجان :

- وش تحسين فيه أنتي ؟ تبين أتكفخ عشان أفلك ؟!



- متعب !

! You are a LOSER



عقَّب غير آبه : ماني بحاجة لرأي بزر .



- ! LOOOOOOSER



- مقهی واﻻ بيت ، بسرعة !



- ! Sorry, I don't speak LOSER



- تكفين يالـ Perfect !



رفعت كتفيها تمثل اللامبالاة :

- . You're a Loser anyway



فأرسل نظرة متهكمة : الفاشل ، يطلع بطلك !



- كنت !!!

إلی مالقيت الصندوق !!

آ .. قصدي الدرج ...





وانتهى بها الحال معه في مقهىً قريب .



- سبحان الله ، أمس سألت عن اسمك واليوم عرفت ، أحس الله يحبني !



قطعت عليه شروده فرفع بصره عن كأسها الشفاف الممتلئ .


تحدثت بتأمل ، تداعب بأنملها ذراع النظارة الموضوعة إلى جانب الكأس البلوري .



- باﻷول بطلي كذب وقتل وسرقة .



أردفت حائرة وكأن لم تسمع منه كلمة :

- أحس إني ساحرة ...


- ﻻ ﻻ ، أنتي جنية مب ساحرة .



- أحس أي شيء يخطر ببالي ، يتحقق .

فيه ناس كذا ؟ والا أنا صدق فضائية ؟



أخفی ارتباكه بلباس السخرية :

- عن نفسي أتمنی هالتقنية .. أنا بحاجة لها وبشدة ، أما عن الناس فالله أعلم .




- ? The window man

لو ودك في شيء ، أو عندك أمنية ...

علمني ، عشان أفكر فيه ويتحقق !



- ! OK

نفسي أتزوجك .



كشرت في غضب من تلاعبه المستهتر :

- فكر في شيء معقول !


- وهذا شيء مب معقول ؟

أظن كل الناس تتزوج ، واﻻ أنا غلطان ؟


- بالنسبة لنا شيء مو معقول ، بعدين نبي شيء يتحقق الحين ، بهالدقيقة .


- طيب ... امممم ، نفسي أبوسك .


سمع صوت قدمها الغاضبة وهي تدق باﻷرض :

- عنك لا تمنيت !!


قال ضاحكاً :

- ليش عصبتي ؟ أمزح !



تمنَّعت عن النظر إليه معرضةً بوجهها .



لكن أقلقه فيما بعد ؛ الشحوب الذي كساها .



- وفاء ، كنت أمزح !



أسندت رأسها بالمنضدة في منظر أخافه .


مدّ يده القلقة بارتباكٍ عارم دون يجرؤ اللمس :

- وفاء ... والله كنت أمزح ...


رفعت كفها المرتعشة إشارة إلی عدم التدخل .


يدها ترتعد بشكل غير طبيعي .


لم يستطع السيطرة علی هدوئه والبقاء جالساً .

نهض ودار حول المنضدة ، ثم هبط إليها .



- وش فيك ؟ وش هالحساسية الزايدة ؟



تضايق بشدة عندما أغلقت أذنيها بقوة كأنما ﻻ تطيق صوته ، حتی لكاد

يحول الموقف إلى خصام لوﻻ استدارت إليه وتتشبث بقميصه :

- تكلم .. قل شيء .. غني ، غني ..

بسرعة ، بسرعة .. سمعني بسرعة ..


- وفاء ، وش فيك ؟


- .. ﻻ تسكت .. تكلم .. ﻻ تسكت ..



قبل أن يفهم أي شيء ، أنهضها عن المقعد يبتغي

الانفراد بها في مكان منعزل بعيداً عن اﻷعين .


حتی ما وصلا السيارة بدأت تستعيد هدوءها رغم الرعدة التي لم تزل تتملكها .


جلس أمام قدميها بجانب السيارة بعد أن أجلسها

علی مقعده ، يعتصر كفيها بين كفيه قلقاً .


كانت رافضة التحدث بحرف ، منكمشة علی نفسها .


بدت نادمة علی الكلمات المستنجدة التي أفلتت من فوهها ،

فرحمها من سيل أسئلته ، وقرر إعادتها إلی المنزل بأسرع وجه .







- تبي تتخلص مني ؟




سألت عندما أوقف السيارة عند أسفل مبنی شقتها .


نهرها بنبرة ﻻذعة :

- وش هالكلام ؟ وش فيك أنتي اليوم ؟!


تسارعت أنفاسها معبرة عما يشغل بالها :

- أنت .. خفت مني ، صح ؟


تحرك ينحني ، ويقتلعها من مقعدها .


ثم وجدت نفسها قابعة بحجره :

- كم مرة بأقولك أنتي تخوفين بلد ؟




لم يتوقعها تستسلم بتلك السهولة !



صعدت بجسدها إليه ، لحتی صارت عيونها الزائغة بمستوی عيونه القلقة .



شجعها قائلاً : تكلمي حبيبتي ، وش مضايقك ؟



- أنا خايفة ...



- خايفة من وشو .. ؟



استندت عليه بضعف ، وبالكاد برز الصوت الهامِس من بين الشفاه المرتعشة :


- .. أشياء كثير .. كوابيس ..



سأل يحاول المساعدة : أحلام ؟



هزت رأسها بعنف .


ثم بدأت تنحدر دموع متتابعة من مقلتيها المذعورين :


- ما بتفهمني .. ما بتفهم ..



- بأفهمك ، أنتي تكلمي وبأفهمك !



عادت تهز رأسها ، تهبط جالسة :

- ﻻ ، بأسكت ، محد بيفهمني .



رفعها من جذعها يجبرها تعود لمواجهته ، آمراً بحزم :

- وفاء انطقي ، أنا أبي أفهم .




- متعب ..




احتضن وجهها الباكي بين كفيه ، بعاطفة وانفعالٍ حاد :

- حبيبة متعب ، تكلمي ! احكي ، قولي وش مخوفك ؟



قالت بسرعة تصعقه باعترافٍ كاذب :


- متعب ؟ آسفة ، ﻻ تزعل ، تمثيل !

كنت أبي أتأكد من اسمك ..

ﻻ تزعل , please !





تمثيل ؟!!



أيعقل ﻷحدهم أن يتقن التمثيل ،

إلی هذا المستوی ؟




استرجع عقله صور اﻷحداث منذ دقائق

وحتى هذه اللحظة ...



ﻻ يعقل ، فكل شيء يبدو حقيقياً !




رعبها كان حقيقياً ، وارتعادة جسدها ..

ﻻ تزال تسري بجسده حتى اﻵن .




تمثيل ؟ كاذبة !





- زعلت ؟



- وفاء ، جيعانة ؟




أجابت في تلعثم : ﻻ ، ايوه ، بس بآكل بالبيت .



- اليوم أنا عازمك .



أطالت النظر إليه .

ثم رضخت بلا تردد ، تومئ موافقة في استسلام غير مألوف !

لكنه أشعره بالرضا ، وبعض الارتياح .



فحملها بلطف يعيدها إلی مقعدها .

غير أنها حركت قلبه بعنف حينما عادت تنحني مسرعة باتجاهه !


لكن به يكتشف أن الطفلة ﻻ تريد سوی استعادة

نظارتها المركونة أمامه بزاوية الطبلون .





- ? Window Man



- أميرته ...



- . I Don't Hate You






* * *

سوهاني 29-01-16 05:51 PM

رد: كهرمان / بقلمي
 
كلمة الغموض كتلة مجتمعه في اسم ( متعب )
والآن ظهرت كلتة أخرى صغيره منافسه له ( وفاء )
ما أدري بس حاسه انو خلال السبع سنوات شكلها تعرضت لحادث
امكن متعلق برجل وهذا الحادث هو السبب في رعبها وقلقها وامكن
السبب في انه تخلت عن هوايتها الباليه .. اما السر الي ما حبت متعب يشوفه
شكله زيها حق الباليه أو أشياءها كلها بخصوصه .. ذلك تخميني لكل شيء!!
الفصل جميل طبعا كالعادة أعجبني .. الاسرار في طريقها للتكشّف
في انتظار فصلك القادم ..
موفقه ^^

ثريا ا ا 29-01-16 10:14 PM

رد: كهرمان / بقلمي
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سوهاني (المشاركة 3593161)
كلمة الغموض كتلة مجتمعه في اسم ( متعب )
والآن ظهرت كلتة أخرى صغيره منافسه له ( وفاء )
ما أدري بس حاسه انو خلال السبع سنوات شكلها تعرضت لحادث
امكن متعلق برجل وهذا الحادث هو السبب في رعبها وقلقها وامكن
السبب في انه تخلت عن هوايتها الباليه .. اما السر الي ما حبت متعب يشوفه
شكله زيها حق الباليه أو أشياءها كلها بخصوصه .. ذلك تخميني لكل شيء!!
الفصل جميل طبعا كالعادة أعجبني .. الاسرار في طريقها للتكشّف
في انتظار فصلك القادم ..
موفقه ^^

يا زينك يا شيخة أنتي وردودك اللي تفتح النفس

ما ننحرمش منك يا قدععه :peace:

ثريا ا ا 19-02-16 02:33 PM

رد: كهرمان / بقلمي
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعتذر عن الانقطاع وآسفة جدا
سأعود بالفصل التالي خلال هذا اﻷسبوع إن شاء الله
وموعد الفصول سيصبح أسبوعيا نظرا لارتباطات أخری


:Sorry: :Sorry:

ثريا ا ا 26-02-16 09:45 PM

رد: كهرمان / بقلمي
 
-
















الفصل الخامس












. . .















برفقٍ بالغ .. يضعها على سريرها الوثير العريض .. حتى استقرّ جسدُها الرقيق المسترخي عليه ..


يجذب الغطاء الأبيض إلى عنقها ، يحجبها عن عينيه المتيّمين .. ليحول كل تركيزه إلى وجهها الملائكي النائم بنسيج الشعر بلون الليل متناثراً حوله كما يحيط سواد الليل بدائرة القمر المضيئة ..

سوادٌ دامسٌ جميل ، مشكلاً تناقض ساحر مع البياض النقي السائد بحجرة نومها البيضاء ..

بياض الحائط .. بياض الخزانة .. بياض السرير .. بياض الغطاء .. بياض الوسادة ..

بياض وجهها الملائكي الذي لم يشوهه سوی الدوائر الداكنة التي تحيط بأجفانها المطبقة في سلام ..



يتكرر هذا المشهد في اﻵونة اﻷخيرة على نحوٍ أكثر كثافة؛ مع ذلك لَمْ ، ولن يعتاده ..

السّكاكين التي تطعنه في استمرار .. لا تقلّ ، الخناجر التي تخترقه .. في تضاعف ...


حبوبه المنومة تكاد تهلك جسدها الغضّ الحَسّاس ، غير أنه يفضل ذلك على أن يتلاعب به الأطباء !

ليس يائساً إلی درجة يرمي معها أنثاهُ تحت رحمةِ عقاقير خبيثة لن تحولها إلا .. إلى جثة هامدة تتنفّس ..



بدأت رحلة حروفه الإيحائية تحيطها .. تخترق عقلها الباطن .. تتلاعب به ..

كمثلِ ساحرٍ متمرّس يتحكم بعصاه السّحرية .. لقلبِ كل ما يشتهي ويرغبْ ..


ابتلع كلماته حين لمح شفتيها تتحركان بحروف مبهمة .. كما لو تتجاوب معه ..

ثم عاد إليها سكونها ليتنفس الصّعداء .. ويعود السّاحر في إكمالٍ لمهمّتهِ الإيحائية ..

















. . .














كان صباح يوم جميل من أواخر شهر فبراير ، تبتدئ بها اﻷجواء في اﻻعتدال في توديع لشتاء هذا العام .

بعد دقائق طويلة من اﻻنتظار لا يعلم مالذي كانت تفعله بها؛ وعلى يقينٍ من أنها لم تقضها في انتقاء الثياب والزينة ، هَاهو ذا كَيانها الآسِر يطلّ .

وقفت أمام نافذته تدفن نفسها داخل معطفها اﻷسود المفتوح بإهمال : خير ؟ أدق عليك من الصبح ، ليه ماترد علی مكالماتي ؟

سرح في تأملها باشتياق ، مضی وقت منذ آخر مرة خرجاها معاً؛ باسثناء لقاءاتِهما القصيرة في سيارته أثناء مشاوير الجامعة .

كان يحاول خلق مساحة بينهما ، ووضع حد ﻻلتصاقه بها؛ بعدما اكتشف أن الاحتكاك المبالغ يؤذي من بحالتها؛ محاولاً الاكتفاء بمحادثاتهما العابرة المختصرة في الطريق .

غير كلما احتاجت إليه وقامت باستدعائه .. يهرع إليها باسطاً لها ذراعيه عن وسعهما ، مع أنه ﻻ يملك للتخفيف عنها سوی حبوبه المنومة ، وعباراته المهدئة .



لوَت فمها بازدراء وهي تبتعد خطوة إلی الخلف : ﻻ تناظر كذا !


- اشتقت لك وفاء .


- وين بتوديني ؟ مالي خلق مكان .


- مشتاق لطلعاتنا ..



تكلمت بعد سكوت تفكير : متعب ، حالياً كذا أنا مرتاحة ، ﻻ ترجع زي أول .


رفع رأسه بكبرياء مجروح : كيف زي أول ؟


لكنها أعادته لمسار حديثهما ، وقد تبدلت نبرتها إلی مسالمة : برد اليوم ، أجّل الطلعة ليوم ثاني .


قام بتعديل المرآة الأمامية راسماً على تقاسيمه عدم الاهتمام : حتى لو قلت لك ، هايبر جابان ؟


وصلته شهقتها المندهشة ، فأعاد نظره إليها بابتسامة تشعّ خبثاً .


اقتربت تدخل رأسها من النافذة : كيف تعرفه ؟!


- أعرفه !


- متی موعده ، الحين ؟


- لا ، بس أبي من اهتمامك الحين قبل أصير طرطور هناك .


- متی يبدأ ؟


- تقريباً .. الساعة ثلاث .


سحبت شهقة طويلة لم توقفها إلی غدت تسعل في وجهه .


- من جدك ؟! بتسحبني معك إلی .... ومتی يخلص ؟


- تسع الليل .


- مشوار طويل ، بأتعب والله .


- يعني بلاش ,Okay ! وفرتي علي مشوارين ، مع السلامة .


وما أشغل محرك السيارة وجد غيمة دخانها أمام نافذته ، ومن ثم بها قابعة جواره .


- بس والله تعب ...


- طلعتنا بتكون قصيرة ، بأرجعك ترتاحين .


سألت فيما تتخلص من المعطف وترميه بالخلف : حجزت التذاكر والا بنقطع هناك ، والا كيف نظامهم ؟

- ماقد رحتي له ؟


- ما أعرف منه إلا اسمه .

ثم هتفت صائحة بغتة : نسيت نظارتي !!

انحرف إلى منعطف معلناً عدم نيته للعودة من أجل نظارتها .

لم تستمر في الإلحاح حينما وقعت عينها على نظارته السوداء ، الملقاة بإهمال على الطبلون منذ فترة طويلة .



- ليه رميتيه ؟


تعذرت تمد شفتيها متذمّرة : كبير ...


- ارجعي شيليه ، ورديه بأدب !


ابتلعت لعابها من جدّيته المخيفة ، ثم انقادت لأمره باستكانة راسمة عليها تعابير اﻻمتعاض .



- طيب وبكرة وبعده ، بنفس الساعة ؟


- بكرة موعدهم بدري ، من الصبح . شربتي لك حليب ، ماء ، أي شيء ؟


- شربت مويه ..


- لك نفس تاكلين ؟


أجابت بالنفي في الوقت الذي أركن سيارته في مواقف مخصصة لسوقٍ مركزي .


- تجين معي ، والا بتتمين ؟


- قلت مابي آكل !


نبه ممسكاً بمقبض بابه : بأطفي السيارة وأقفل عليك ، يعني لا مكيف ولا هواء ربنا .


- شكراً ، من يومي أبحث عن موتة سهلة . مع السلامة ، أشوفك في الجنة .. إذا مكتوب لك .


- ضامنة الجنة ما شاء الله ، وليه مشككة فيني ؟ وش ناقصني عنك ؟


لمَح في صمتها غموض غير مريح قبل أن تجيبه بتمويه : يالله روح ، ادع لي بالرحمة مقدماً .


خرج من السيارة ، مودعاً : ما بأطول حبيبتي ، إن شاء الله ألحقك قبل تموتين .


أغلق الباب وما إن أدار ظهره انطلقت الطرقات الفوضوية على زجاج نافذته .



- كسرتي سيارتي !!



تحرك ثغرها يقول شيئاً ، فهزأ بها قائلاً : طلعي صوت ، أسمعك .


- نظارة .. اشتر لي نظارة !


أدخل مفتاحه بالباب ، فنتج عن صرخة خافتة؛ لكنه أسرع بإعادة الباب يسند به جسدها : تشوفيني أفتح الباب ؟! ورى ما توخرين ؟!


- ما نبهتني !!


قال يسند ذراعه علی الباب : تعالي معي ما دام تبين لك نظارة ، شلون بأعرف قياسك ؟


- من منا الكذاب ؟! كيف جبت لي النظارة الشفافة ؟!


حكّ فكه بقنوط : جرحتيني على فكرة ، ولا لمستيه للحين .


- مفروض أرميها ، ما منها فايدة .


- الله يسامحك ، يا قاسية . زين تعالي معي .. واﻻ مافيه نظارة .



امتدت بجسدها إلی المقاعد الخلفية تستعيد معطفها ، وعادت للاختباء أسفله .


قال يزيح قبعة المعطف عن رأسها الذي صنعت منه بديلاً عن نظارتها :

- قسم ما أنتي بحاجة له ، شعرك مسوي الغرض .


عبرت عن إصرارها وهي تعيد القبعة فوق رأسها بعناد .


أثار ذعرها وهو يدسّ يديه أسفل قبعتها ويعبث بشعرها ينثر خصلاتها بفوضوية ، ثم جلب كمية أكبر إلى الأمام يحجب بهم المزيد من تقاسيمها الناعمة .

وابتعد فخوراً بإنجازه واضعاً يديه على خصره : خلاص ، اختفی وجهك .


صرخت فزعة حين عاد واقترب علی حين غفلة يعتصر وجهها مغمغاً من بين أسنانه المطبقة بلذة : Why You So Damn Beautiful ? Why Are You Sooo Cuuuuute ?


أضحت تئِنّ بتألّم ومعاناة من مداعبته العنيفة ، وتنازع للكلام من بين يديه الغليظتين : ترى هذا تحرش ، بأشكيك لحقوق الإنسان !!


- ودي أحشيكِ بكيكة وآكلك ياخي !


وتمادى ليتلقى صفعة قوية على خده ، لما حملها ينوي إطارتها في الهواء .



- تعطيني كف ؟! تصكين متعب كف ؟!


- وش مفكرني عندك ؟ لعبة شاريها ؟



لوى فمه بابتسامة بغضاء حاقدة : أنتي لعبتي من زمان يا .. Baby Doll !


اعترفت باشمئزازٍ حقيقي : قربك أحياناً يقززني ، يخليني ودي أتف عليك !


رفع حاجباً ، ثم أومأ برأسه في وعيد : طيب ، رحلتكِ وألغيناها !

وتابع فيما تقدمها مخلفاً إياها وراءه .

- وعقابك في اﻻنتظار .


تعمد تجاهل خطواتها الرشيقة القافزة ﻻحقةً به :

- عادي ، بتوديني بكرة أو بعده !


- مب فاضي ﻻ بكرة ، ولا بعده .



انحنت أمامه بشقاوة تخاطبه بثقة : بتفرغ نفسك علشاني ، وتوديني .



أوقف تمايلاتها المدلّلة الإغرائية يجذبها إلی جانبه ، حال لمَح سيارة متطفلة على سكون مواقف السيارات الفارغة .



- دلعك ما بيفيدك ، دوري شيء مغري أكثر .



- صوص .. صوص !! ... متعب صوص !! ساعدني متعب ، متعب !! ...


حذّرَها بجدية : انتبهي يا وفاء ، ﻻ تستغليني بهالنقطة .



أزالت يديها عن أذنيها ورمت بهما إلی جانبيها ، تتابع السير إلی جانبه محبطة .



أرسلَ قشعريرة إلی بدنِها ، وهو يزيل قبعتها .. ويمرر بيده الثقيلة علی شعرها .



- أنتظر الاعتذار المغري .



أحس بالتصلب المفاجئ الذي ساد عليها .


همهمت بشيء ما وبصرها معلق في الخواء ، حاول معه التقاط الكلمات المبهمة من فمها الشبه مغلق .



تساءل فيمَ يفكر اﻵن ... هذا العقل الغريب اﻷطوار ؟




- متعب ؟



انحنی برأسه أمام وجهها بطريقة مرحة .



- أخليك تكرهني ؟


- يا ليت !! تفضلي !!



مكثت صامتة ، يتأملها مترقباً ، محاولاً التنبؤ بالاعتراف القادم .



- بابا مثلك .. ولا يزال ...



- وش تقصدين ؟ ما فهمت .



- بابا حق ...



جعد مابين حاجبيه : أبوك حق وشو ؟



جعلته علی أعصابه وهو ينتظر إجابتها البطيئة ، حتی نطقت : مخدرات !



رغم تيقنه من أنها إحدی الهذاءات الحمقاء النابعة عن الداء البائس خاصتها لا غير .

لكن لم يقدر أن يحول دون الارتجاف والعرق الذي اكتسحه؛ وكأنها استجلبت دليل قاطع علی الجرم الذي ألبسته إياه !



جهد لتحريك شفتيه النحيلتين في إبطال للاتهامات التي تطلقها هذه الصغيرة بلا مسؤولية : وش هالهذرة الفاضية علی الصبح ؟



- تنكر يا متعب ؟



هذه الطفلة ، ألا تدرك أنها تضع حياتها علی المحك .. بقذفها لاتهامات خطيرة كهذه جزافاً ؟!



- متعب ، أعترف لك اعتراف ثاني ؟ متعب ... أنا أتعرض لاضطهاد بالجامعة .. وتعرضت لتحرش مرتين ....


خرج صوته متحشرجاً : من بنات ؟


خنقت العبرة صوتها لما شرعت بالنطق ، فاختارت السكوت مكتفية بإيماءة .


بصعوبة تنحنح ، غاض الطرف عن كل شيءٍ يسأل :

- وفاء ، أبوك مدمن ؟


- لو قابلته يا متعب .. بتشوفه رجل محترم ، مبين طبيعي .. مو مثل اللي باﻷفلام !!



استثبت اﻵن بأنها واحدة من ضلَالاتِها الوهمية اللعينة ، يجب أن يضع حداً في الحال !



- كيف تعلمين يا وفاء بهالموضوع ، ما دام مبين علی الرجال إنه طبيعي ؟



دَقق بالعينين الخاليين من التعبير في انتظار .



- الكل يدري !! زوجته ، وعياله .. حتی ماما تدري !!


زأرَ في غضب : أمك تدري وساكتة ؟! مستأمنة عليك عند هالمدمن ؟!!

كشرت اﻷخری في وجهه : ﻻ تغلط علی ماما ، وﻻ علی بابا .. غصب عنه .. أكيد عنده ظروفه !! وماما ما كانت تدري !! لو إنها علی أيامها تدري .. كان سوت الهوايل ، ماما قوية !!! بس الحين ... الحين ما تقدر تسوي شيء ....



أخذ نفساً عميقاً في استعادة لهدوئه ، وتفسير إجابتها التي تكتنف الضبابيّة عباراتها .



- أمك مريضة يا وفاء ؟



تابع أنامل يديها التي تجمّع الدّم بهم من شدة اعتصارهما بعضهما ، فتغاضی عن اﻹجابة المنتظرة واعتزم الاحتجاج غاضباً : اتهامك باطل يا وفاء ، أنا شكلي مدمن يا وفاء ؟ منظري مدمن ؟! هيئتي هيئة مدمن ؟! ناظري زين !!



طغی اﻻحتقار أساريرها ، لتصعقه بالقول :

- تبيني أكذب الجامعة بكبرها ، وأصدقك أنت ؟

وتبعته بشكوی مريرة : ملامحك البريئة ، وغمازتك الحلوة ، طيبتك .. حنانك وعطفك .. كله قناع !.. كله كذب ! متعب ، أنت خدعتني !!



أكبر مما يحتمل ، أكبر مما يحتمل !



انهارَ على قدميه يفرك وجهه بقوة يكاد يفقأ عينيه معها .


تكلم بصوت هستيري مرتجف : وفاء اسمعيني زين ، لازم أشرح .... لحظة ، خليني أهدأ ... ارحميني .. واللي يرحم والديك ... تكفين لحظة !!



جلست مقابله تواسيه بنبرة مهدئة : متعب ما بأكرهك ، ولا بأزعل .. لا تخاف .



رفع عين مرهقة إليها ، لتتابع وتزيد من شقائه : ما يحق لي أكرهك ، بابا أخس منك .



- أنتي هبلة ؟ عارفة بأي قضية تتكلمين ؟ ليه تحسسيني كأنك تتكلمين عن جارتك اللي تسقي زرعها ؟



- عارفة يا متعب بأي قضية نتكلم ..



- تقولين متعب كثير يا وفاء ، شكلك تحبيني .


سدّدت لكمة حانقة على كتفه : شايفه وقت مزح ؟!



- وفاء ... أنتي مب خايفة الحين ؟



- بطنك توجعك ؟ ليه ماسك بطنك ؟



حرك رأسه بلا حيلة ، هامساً بضياع : مجنونة .. مجنونة ..



دعَك وجهه مجدداً يسترجع تماسكه .



- اسمعي يا بنت الناس .. مثل ما قلت ! أنا مب مدمن ، ولا كنت ، ولا بأكون ....


- لا تكذب !....


صاح بحدة : لا تقاطعيني !! علمتك بالحقيقة ، واللي تسمعينه بالجامعة دخليه من أذن وخرجيه من أذن ، فاهمة ؟ لا تصدقين إلا متعب ، مفهوم ؟


- لا ! أبي أعرف ، أبي أعرف ليش كنت بالسجن خمس سنين !


تكلم بأسنانٍ مصطكة فيما يشد شعره يوشك انتزاعه من جذوره : وش قلت لك الحين ؟!! وش علمتك ؟!!


عبرت عن الرفض بتحريك رأسها : لازم أعرف يا متعب ، لازم تعترف يا متعب !!..


هتف وهو ما بين ضحكٍ وشفير البكَاء كَالمجنون : قلتي متعب مرتين .. حتى وأنتي زعلانة !! مرتين يا وفاء وأنتي زعلانة ... وفاء !! والله تضحكيني .. يا وفاء ... تحبيني وما تدرين ....


سيطرَ عليه سعالٌ عنيف ، تتخلّله تأوّهاته المتألمة من أحشائه .. مع ذلك لم ترحمه نوبة الضحِك الهستيرية كأنما تقسِم على عقابه حتى المَوت .


بينما تلك اﻷخيرة راحت تربت علی خده بشدة تخاطبه مرتعبة : متعب لا تجن !! متعب ؟! لا تجن .. لا تجن !! متعب أنا خايفة !! متعب اسكت بتصير مجنون !! متعب !! متعب !!....


لم تجدي محاولاتها تهدئته ، أو ربما لم يعد يمكنه اﻹصغاء !

ومع ذلك استمرت الفتاة بتوسلاتها للمجنون الذي جعل من فرائصها ترتعد :

- أغني لك متعب ؟ تبيني أغني لك ؟ متعب ... الله يخليك اسكت ، والله خايفة !! متعب ....
I've seen the world ... Done it all .. Had my cake now ..


- وفاء ....


- Diamonds, brilliant .. And Bel Air now ... Cold winter nights, mid February .. When you and I were forever wild .. The crazy days, city lights ...The way you'd play with me like a child


- كملي .. كملي ...


- Cold winter days, rock 'n' roll .. The way you play for me at your show ... And all the ways I got to know .. Your pretty face and electric soul ....



- لا تسكتين .. أبي بعد ... أبي بعد ....

وهمهم كطفلٍ يحاول الحفاظ على كبريائه : بس .. أبي أعرف ... ليه تبكين .. وفاء ؟

ثم أخذ يمسح عن وجهها المياه الغريبة ، التي تتناثر من مقلتيه السوداوين .



- When the light started out they don’t .. know what they heard ... Strike the match, play it loud, giving love to the world .. We'll be raising our hands, shining up to the sky .....



- لا !! لا تسكتين !! وش فيك ؟ مطر ؟!


أدار رأسه لينظر إلى ما تحدق بالأعلى ، وسرعان ما انتفض يقوم عنها ويجلسها معه ، في حين تحاول خِلسة إخفاء ضعفه بمسح وجهه المحمرّ .

ثم استقاما واقفين في ارتباكٍ لا يجرؤ أيّهما النظر للآخر في الوقت الذي صعدَ الصوت الصارم لرجل أمن المركز؛ يُعرِب عن شكوى وصلتهم عن وجود ثنائيّ مجنون ، يتضاجعان علناً في منتصف مواقف السيارات الخاصة بالسوق التجاري .


حاول تمويه ارتباكه بالاستقواء على ضابط الأمن لكنها أخرسته بقرصةٍ خفيّة توقف سيل الألفاظ البذيئة التي تكشف عن فمٍ فاسد أثار صدمتها ، حيث لم تختبر منه قط من قبل سوى الكلام الطيّب والمعسُول .

وأخذت تشده معها ، مبتعدة به إلى حيث سيارته .




- شكلنا نسينا أنفسنا ..

غمغمت في حرجٍ في حين يغلق الباب .


نقلها إلی مقعدها يطلبها برجاء : خلينا نأجل مهرجانك إلی بكرة ..



جاءته إجابتها بعد سكوت قصير ، علی هيئة سؤالٍ ذا نبرة روحانية مخيفة :

- متعب ، أنت تقرأ أفكاري .. أو تسمعها ؟



حرك السيارة مجيباً : لذلك قاعد ساكت وأسولف معك بخاصية اسمها تخاطر اﻷفكار .



- مو أول مرة والله ، معقولة صدف ؟ أنت مهكر جسمي ، اعترف متعب ! والا حاط جهاز تنصت بدماغي ؟


- ايه نعم ، ولذلك ما أحتاج ﻷني ألجأ أسألك وأفتح معك محاضر وتحقيقات .



- كذاب ! أنت حتی اسم جدي الخامس سألت عنه !


ضحك عالياً بمرح : لزوم التمهيد للمستقبل يا حبيبتي !



- لكن حط في علمك؛ ماني موافقة عليك ، إلا في حال تأكدت إنك بشري .


- ليتني فضائي صدق ، زماني خاطفك لكوكبي ومتزوجين ومخلفين عشيرة .



أراحت ظهرها إلى المقعد ، وبادٍ على ملامحها الحيرة .



ثم هتفت ببهجةٍ مفاجئَة :

- متعب وش رأيك في الأغنية الأولى ؟ توصفنا بالحرف ..

كاد يوافقها بسرور لولا استأنفت : شفت لما أقل لك كل شيء عندي يتحقق ؟ أنا ساحرة متعب ! افرح يا متعب ، حبيبتك ساحرة .. تقدر تحقق كل شيء ..


- عفستي أم الأغنية؛ بدلتي بالكلمات وخربتي اللحن ، قالت ساحرة ! وش دخل الساحرة ، عمرك حضرتي جنّ ؟


- ايه متعب ، الجنّ معي دايماً .


- سألت إذا عمرك حضرتي جنّ ، ما سألت إذا راكبك جني أو ﻻ .


كما في كلّ مرة ظلّ يغلق أفكَارها ، واستمر بإرهاق تفكيرها وهو يغلق كُلّ فكرة تنتجها .. حتی تنهّدت ، وأغمضت عينيها في استِسلام .



اعتمدَ هذه الطريقة في جميع حواراته مع أفكَارها السّحرية ، حتی تطور به إلی استغلالٍ .. في كل مرة تستنجد به حين يسوء بها الحال ويشتد !

وصل إلی التمادي في تقمص شخصية الطبيب النفسي؛ بحيث يخصص مدة لا تقل عن ساعة كاملة يمكثها لديها في شقتها .


يمثّل بأنه يدخلها معه في حوارٍ مع اﻷفكَار الخاطئة التي تسيطرُ عقلها ، يتركها تتحدث وتتحدث .. فيما هو يكتفي بالغرق في تأملها .. وعيش لحظاته الثمينة معها .

ولا يقوم سوی بالرّد المختصر الذي يسد بها كل فكرة تعرضها عليه لتصل إلی نهاية مغلقة .. فينتهز الوقت في العودة إلی تأملها في حين تنتقل إلی فكرة أخری ، ثم أخری .. إلی أن يُجهد تفكيرها فتستسلِم .


وحينئذ يبدأ معهَا نقطته الممتعة اﻷخيرة .. رِحلة اﻻسترخاءِ !

مرحلة اﻻسترخاء ، التي اخترعها بعد كُل حوار مع أفكَارها ، يدّعي أنه يقوم فيها بإزالةِ الحيرَة التي وضع بها أفكَارها ؛ بزرعِ اﻷفكَارِ الصحيحة محلَّ اﻷفكَار القديمةِ الخاطئة .

فيأخذها بحديثٍ هادئ وكلماتٍ مُطمئِنة .. لا تخلو من النظرات القذرة ، والملامسات الشيطانية؛ والتي يغلفها بقناع المنقذ الشهم ، والصديق السّليم النية !



ولكنه بذات الوقت حقاً يبتغي مصلحتها ، بإلهائها عن الحبوب المنومة التي تبقی تلح بمطالبته بها .. منذ استقباله لدی الباب وحتی مغادرته لشقتها .

فقد اتخذ قراره بمقاطعة تلك العقاقير الكيماوية ولو جزئياً ، أو علی اﻷقل التخفيف منه إلی أقصی حد ، وبقدر ما يستطيع .





* * *






TBC


-

ثريا ا ا 01-03-16 01:33 AM

رد: كهرمان / بقلمي
 
-










أهناك دواء لمحو جزء من الذاكرة ؟


يجب أن يزيل الماضي اﻷسود الخاص به من رأسها !



أهناك من طريقة ؟!



( غسيل الدماغ ) !


أيمكن لعملية غسيل الدماغ؛ أن تؤدي بالغرض ؟!



لن يحتمل أن يظل بتلك الصورة السيئة في عينيها !



لابد من وسيلة ما ...


لا بد من وسيلة ﻹفقاد هذه الفتاة ذاكرتها !!



لن يكون باستطاعته الظهور أمامها؛


طالما تملك تلك الصورة البشعة عنه !!



هناك وسيلة بلا شك ...


يجب أن تكون هنالك وسيلة !!
























* * *
























- الضرورات .. يا زفت ... زفت !!




يالبراءتِها ، ونقاءِ لسانها؛ مع شدة غضبها ، هذه أقوى شتيمة تجيد إطلاقها !



أنهى إعداد كأس الحليب الدافئ ، واتجه إلى جسدها المشتعل المتهالك على المقعد .

يرفعها إلى مائدة الطعام ويحتل محلّها ، وبإحدى يديه شريط حبوب خافضة للحرَارة .


سدّدت له ركلة حانقة رغم آلام ضلوعها : يا زفت ، قوم ! أنا على الكرسي ... شيء يسندني ....

انهارت على جنبها قبل تتمّ عبارتها الواهِنة ، فهب عن الكرسي بتدارك يعيدها إليه ، وجذبَ كرسياً آخرَ إلى جوارها .


- مابي مسكن ... منوم ... أبي منوم ... المنديل اختفی !!


دسّ حبّة الدواء بفمها وألحقه بسائل الحليب أرغمها على ابتلاعه لآخر قطرة .



- واحد جديد .. متعب ... يرقص فوق الثلاجة !!!


- خليه يرقص وياخذ راحته ، ما دامنا دارين إن ما بمقدوره يسرق الأكل .


- .. دوخة ... متعب ....


التقط بها حال دخلت في إغماءتها الثالثة لهذا اليوم ، واستيقظت خلال أقلّ من دقيقة لتعود إلی نحيبها المتواصل .



- زفت ! الضرورات .. تبيح محضورات ... منوم ... مخدرات إن شاء الله .. أبي أنسى .. عطني من مخدراتك .. يا زفت ... الضرورات يا زفت ....



" الضرورات تبيح المحضورات يا حبيبتي ، أنا آسف ..
شكلك بتموتين .. بأنقذك يا أميرتي ! سمّيها قبلة النجاة .. يا أميرتي الكهرمانية !! "



بالأمس وعدها بمفاجأة ، أقنعها بتأجيل مهرجانها إلی اليوم التالي لأجله .


لتكتشف فيما بعد أنها فاجعة لا مفاجأة ...


حين أقلها في صباح اﻷمس الباكر .. إلى جسر برج لندن المطلّ على نهر التايمز ؛ مدعياً بأن لديه حلماً قديماً منذ زمن ، ألا وهو القفز من فوق جسر برج لندن !

وبأنه يرغب وبشدّة في أن تشاركه تحقيق حلمه القديم وإلا فلن يقفز بدونها !

ثم ادّعى بأن هذه الخطوة؛ ستفيدها في معالجة مرضها القديم فوبيا المرتفعات؛ مرغّبًا إياها .. ملحاً في إقناعها .. وهو يشرح لها كطبيبٍ مهيبٍ وقور كيف أنه يجب التخلص أولاً من الأمراض والترسبات القديمة؛ لكي يمكنه معالجة المرض المستهدف حالياً والذي سيتمكّن من القضاء عليه عاجلاً أو آجلا ً!


كاد يودي بها إلى التهلكَة في ذلك الصباح القارسِ البرودة .

الارتطام القويّ والحادّ بالماء؛ مع أنها كانت بموضع حماية في حضن جسده الفولاذي .. لكن لم يمنع عنها آثار الارتطام التي اخترقت ضلوعها .

فلمْ تلحق مشهد مروحيات الإنقاذ وهي تحومُ حولهما؛ التي استدعاها مسبقاً لنشلهما قبل يجرفهما التيّار المائي بعيداً .

ولمْ تستيقظ من غيبوبتها سوى وهي بين ذراعيه وسط رجال الإنقاذ والشرطة يرفض تسليمها لهم لإسعافها .. يحاول أن يلوذ بالفرار بها ..

حتی تمكنوا منه بالتعامل مع هلعه وتهدئة روعه وإخضاعه للتحقيق مع فتاته ، والتي سردت اعترافا كاذباً بعدما نجح في إقناعها بحيلته للهرب .. بأن نوَت الانتحار فلحِق بها صديقها ( البطل ) لإنقاذها ..

ليكافئها بقبلة ثانية أسماها بقبلة ردّ المعروف ، ولكن بعد أن اجتازا المأزق الجديد التي أقحما نفسيهما به؛ لمّا طُلِب من فتاته الخضوع ﻻجراءات مطولة بشأن عملية اﻻنتحار الخطيرة التي لا يجب غض النظر عنها .



وهاهو ذا اﻵن متورط بها ، فلم يفارقها منذ الأمس؛ مذ ابتدأت بوادر الحمّى عليها .



- ... Come bake .. Come back



- يا حبيبتي التايتنكية ، والله طلعنا من الماء خلاص !



- Come back .. Come back ... Come back



حاربت ذراعيه بمقاومة ذابلة : لا ، سرير مابي ! يعورني .. عظامي .. لا ترجعني ... Come back , Come back .. Jack , Come back


هتف مازحا : بنت ، كأني سمعت كلمة غلط !


- Come back , Jack .. Come back .. Ja .... Jack , Jack ... Jack ...


وكَأنما العناد والشقاوة يسريان بدمها ولا ينفكّان عنها رغم المرض ، حتی وهي في بحر هذيان الحمّى .. المخلوط مع هذيانِ ( الفصَام ) !



- .. الضرورات ... الضرورات يا متعب .. أنت قلتها ... الضروروات ..


توقفت تحدق إلى شيء مَا خلف ظهره ، إحدى الكائنات الخفية التي تراها .



- الله !! طوابير الأرانب .. رجعت .. WAA !! متعب .. نفسي تشوفهم ، أشكالها .. جميلة .. بيضاء .. تليق بغرفتي !!


- وفاء ، اسمعيني .. أبي أقل لك شيء .


قاطعته منشغلة وكأنها تتابع فيلم ٍ سينمائي : خلني أركز ، نادر المناظر الحلوة كذا ... أبيهم ! متعب .. جب لي أرانب بيضاء !


- وفاء أكلمك !


تلفتت حولها بعنقٍ متعب باحثة :

- فين اللاب ؟ ماما تتكلم !


- اللاب بالصالة .


- ماما دقت ، روح جيبه ..


- ما نحتاج نجيبه ، ما دامك تسمعينها من هنا .




أرهفت السمع تحاول الإنصات والتركيز .



- سكتت .. سكتت ، راحت يا متعب !! ليه ما جبت اللاب !



مرّر على عينيها يد ناعمة يغلق أجفانها الرقيقة : غمضي عيونك ، بأشغل قرآن .. وترتاحين .


- دماغي يا متعب .. دماغي زحمة ، إزعاج ، صداع ، منوم يا متعب الله يخليك .. الضرورات يا متهب الله يخليك !


- من ايش الزحمة ، والإزعاج ؟


- أصوات .. فوضی .. دماغي ملخبط ، أفكار كثيرة .. مشوشة ...


- وش هي الأفكار ؟ طلعيها ، أبي أسمع .


- .. كثير مرا يا متعب ، أفكار كثيرة .. فوق بعض ، يجرون !


- أبي أعرفهم ، سمعيني ، تكلمي عن كل فكرة في بالك الحين .



تحدثت بسرعة واضطرابٍ .. تلاحقُ كلّ فكرة تمرّ عقله كما لو تودّ إفراغ رأسها ووَضع كل شيء داخل عقلها ما بين يديه .




لا يعلم شيئاً عن والدتها ..


إن هي حيّة ترزق ..

أو تصارع علی فراش المرض ..


أم ودّعتها روحهَا !


جلّ ما يحيط به علماً الآن .. بأن والدتها التي لطالما ثرثرت عنها وعن ارتياحها لها .. عالمها ، ووجودها .. منحصر فقط في جهاز حاسوب قديم !

لا أثر لوالدتها سوى رسائل محادثات قديمة تحتفظ به منذ عهد برامج الماسنجر .. تصل تواريخها إلی سنواتٍ ..

ومقاطع فيديو مسجلة لدردشاتها مع والدتها ذات الملامح الدّافئة .. والتي لم تكن تشبهها شكليّاً سوى في دفءِ الملامح والشعرِ الفاحم ..



لم يخفف عنه؛ سوى أن هلاوسها عن أمها لم تتعدّى كونها ( هلاوس ) سمعية ، وإلا لكَان سيفقد عقله هو الآخر لو اعتقدت بوجود والدتها بينهم !



والدتها الأمر الوحيد الذي لم يجرُؤ على الاقتراب منه .. خاصة أنه لا يعلم إن كانت ما تزال في هذه الدُنيا أم لا !

لا يمكنه مناقشتها في أمرٍ لا يحيط به علماً .. يخشى أن يؤذيها بهفوة فيندم؛ فقرّر الحذر من اﻻقتراب من أوهامها لوالدتها خاصة أنه أمرٌ يريحها لا يؤذيها بعكسِ بقيةِ الأوهام ..



كُلّ ما حدثته به عن والدتها من أمور وصفات كانت دقيقة لحدٍ ما ، ومشابهة لاستنتاجه شخصيتها الفريدة من بضعِ رسائلَ وبعض محادثاتِ الفيديو ..

الآن قد بات يعرف مِمّن ورِثت أنثاه ذلك الذكَاء الفريد مع تلك الجاذبيّة الغامِضة ..


لا ينكر كم أشعرته علاقتهما الدافئة بالغيرَة .. فأحاديثهما بدت له وكأنهما صديقتين .. ﻻ أمٌ وابنتها ! صديقتان يملأ دفءٌ عظيم علاقتهما ..



ولم يشعل غيرته سوى شخصية فتاته وّ رِقّة تعاملها مع والدتها .. وعلی الرغم من ارتياحها لها إلا أن الخجل والتحفظ كان يحيطها معها .. وصوتها يغلب عليه النعومة واللّطف؛ وحديثها رَقيق أبعد ما يكون عن تعاملها الفظّ معه !



- موتني متعب .. ارجع ارميني بالتايمز ...


- تبينا نعيد القفزة ، حبيبتي ؟


- أذوني تعورني يا متعب .. أذوني ، أبي أصير بكماء ..


- حبيبتي ، البكماء هي اللي ما تتكلم !


- وش يسمون اللي ما يسمع ؟ نسيت ..



سرَتها رعشة ناعِمة حين مسَ أذنها بشفتيه : أحبك !


- حبتك ليدي غاغا ، وخر !!


- وش هالدعوة ؟!



سكنت لدقائق ، ثم شكت تزيح يده عن عينيها بضيق : يدك تعرق ، شيل .. مو ناقصة حرارة .



وثم بها تعود إلی هذيانها ، وثرثرتها الخاملة :

- متعب .. متعب ، تحب سيارتك أكثر مني .. متعب ؟


- سلامة عقلك ، خبل أفضل جماد عليك ؟ أنتي وسيارتي بنفس المنزلة .


- يعني تحبني ، وتحب سيارتك .. أكثر شيء في العالم ؟ طيب .. طيب إذا تعورنا .. أنا والسيارة ، من بتحزن عليه أكثر ؟


- بأحزن على الثنتين .


- طيب .. وإذا اثنينا بنموت ، وعندك خيار واحد .. تنقذ واحد ! تختار أنا .. والا سيارتك ؟



لمس برقة سبابتها الممدودة مداعبا : بأختارك .. ثم ألحق على السيارة ، يصير أنقذتكم الثنتين .



- أنا محتارة ، متعب ...


- محتارة في ايش حبيبتي ؟


- محتارة فيك .. أنت ! .. أنت .. بطل ، والا مجنون ؟


- لا أكيد بطل !!


- لا متعب ، أنت مجنون ! .. أنت مفروض .. يحطونك .. في شتر آيسلاند ....












تلقی منها اتصالاً قبيل فترة المغرب تستدعيه ، مدّعية بأنها بخير وفي أحسن حال ، آمرة إياه بالحضور حالاً وأخذها إلی المهرجان الذي قام بمعاهدتها به !


كان قد تركها فور غرقت في النوم بمساعدة تلاوات من اﻵيات القرآنية ، وظهر من صوتها الحيوي على خط الهاتف بأن نامت جيداً وصارت بصحة أفضل حقا .

ليسلّم أمره ويذهب إليها قاصدا ، فيجدها لا تقوىَ حتى على التوازن أو الوقوف على قدميها؛ كلما استقامت واقفة يجتاحها الدوار ، فتنهار !



- لأنك ما أكلتي شيء أكيد ، شربتي علی اﻷقل كأس حليب ؟


- لا مافي وقت ، بسرعة بنروح !!


- من جدك يا بنت ؟ كيف بتروحين وأنتي ما تمشين ؟!


- فكّر ، طلع أي حل .. أي فكرة .. المهم أروح !!!


- نعم ، فيه فكرتين لا ثالث لهما ؛ إما أجيب لك كرسي متحرك ، يا إما أشيلك على ظهري .


رمته بالوسادة حانقة : لا تستهزئ فيني ، طلع لي حلول بسرعة .. اخترع لي مشروب سحري .. أي شيء !!!!


التقطَ الوسادة متمتماً :

- علی اﻷقل راعي اﻻحترام لمصالحك الشخصية !


تأفف متضجراً حال لمح تقلب شفتها السفلى إنذراً عن بكاء قادم ، فقال متوجهاً للمطبخ : تبين تروحين للهبال حقك لازم تاكلين لك حاجة لأن يالفاهمة ، يالعاقلة ، يالجامعية ! .. أي واحد بطنه خالية ماعد بيمشي .



أعدّ لها وجبة خفيفة تشبع معدتها الصغيرة .

أتبعها بحبّة الدواء لدرءِ الانتكاسة في الخارج .

بينما يراقب بصمت موارياً ضحكاته؛ في حين تحاول الوقوف بعد كُلّ دقيقة وأخرى؛ منذ ابتلاعها اللقمة اﻷولی من الوجبة .. في ترقب ﻷن تستعيد ساقاها قواهما .



- أقول ، الظاهر يبي لك ساعة على ما توقفين .. وساعة ثانية على ما تمشين ، تعالي .


هبط يحني بظهره ويجثو على إحدى ركبتيه ، لتدغدغ قلبه بعفويتها وهي تحيط عنقه بذراعيها الناعمين .

ابتسم موقنا؛ من أن أمر الفوبيا خاصتها غاب عن بالها بالكلية .

ولكن ما ارتفع قليلاً حتى تداركت ملقية بنفسها إلی اﻷرض قبيل يقف .



- اسمعي ، أعرف جماعة شباب مهابيل مثلك ، وحكوا عن تصوير ما تصوير؛ بأخليهم يعطوني نسخة ، وش قلتي ؟


- ما بأستفيد شيء ! أعرف أجيب بنفسي مقاطع للمهرجان ودايما أشوفه ، أنا أبي أحضره وأشوفه بعيوني !


- وش تبين أسوي لك ؟ خلصت الحلول ، عندك حل قوليه ولا سلام عليكم أنا رايح مانيب فاضي .. وترين تارك أشغالي عشانك !


- أكرهك !!


- وش ذنبي أنا ؟ وش سويت ؟!


- تستغبي ؟! اللي فيني بسببك !! جسمي مكسر ، ما أقدر أتحرك من الطيحة !!


- وفاء الطيحة كلها جات فيني ، كنت حاميك .. وش جاك أنتي ؟!


- تعورت يا متعب ... حسيت بالطيحة .. حسيت عضلاتي تتشقق ...



اندفع نحوها بخطی غاضبة .



ثم به ينتشلها بغلظة غيرَ مراعٍ لآلامها؛ ويسير بها صوب باب الشقة ، يجلسها على ساعدهِ الأيسر كأب يحمل طفلته .

فيما غدت تبدي مقاومة يائسة؛ رافضة الخروج علی العالم بهذه الهيئة المزرية .








كان المكان مزدحماً بقدر لم يتخيله ...



ولكن لا تزال لآلئ الدموعِ .. معلّقة برموشِ أميرته الرّقيقة ! ..



- مو راضي يروح .. ما أتنفس زين ، اجلس .. بنجلس ..


- جينا عشان نجلس ؟ نبي نخلص ونمشي .


- أبي أجلس ...


- أسمع أصوات من داخل ، شكل فيه عروضات ، تبينا ندخل ؟



تخطّى بها الأناس الملوّنون ذوي الأزياء التنكرية الغريبة وكأنهم في ليلة عيد الهالوين .


واكتشف في نهاية اﻷمر من أنه تعَنّی للاشيء ، إذ لم تجذبها العروضات المسرحية التي تسببت لها بالانزعاج وبدأت تشكو له آلام أذنيها بدمعاتها المدللة .. فأخذ يبتعد بها عن ضجيجِ مسرحِ العرض .



- وش هالمسخرة وفاء ؟! راضية عن نفسك أنتي الحين تتابعين هالأشكال .

قال مشمئزاً من حركات الدّلال المائعة ، صادرة من مجموعة فتيات يرتدين كالدّمى .


- هذا كوسبلاي ، تقليد لشخصيات الأنمي !


- وع ، قسم لو تفكرين تسوين زيهم؛ علي الطلاق لا أعرفك ولا تعرفيني يا وفاء !



عادت لمحاولاتها البائسة ﻹزالة تقييده والتخلص منه .

فاختار الخضوع لها وقام بإنزالها .


نازعت للتوازن بيأسٍ مستندة به وقد طغی ملامحها القنوط ، لكنه أوقف تلك المحاولات البائسة قبل توشك على بكاء جديد ، ثم سأل بعطف بعدما عاد لحملها : تبين مكان معيّن ؟


- أبي أرجع البيت ...


- مشورتينا ، ويوم وصلنا تبين البيت ؟


- الله لا يسامحك !!


- اوف ! وش هالحقد ؟!

تساءلَ مشدوهاً من الدعوةِ الحاقدة النابعةِ من قلبها .




تنازل لتلبية رغبتها بالعودة ، خاصّة أن حرارتها عادت بالارتفاع .


لكنها أعاقته لما نوی السلوك إلی أقرب مخرج يؤدي إلی الساحة الخارجية : لحظة متعب ! وقف ، فرقة موسيقيّة !


- من هذول ؟


- ما أدري !


علّق بسخرية بينما يقترب من دائِرة التجمّع حول الفرقة : أخيراً ، شي أعرفه !

هتفت ضاحكة : Super Mario !!

شاركها الضحك يتأمل ملامحها البشوشة ، رغم علامات اﻹرهاق الظاهرة بملامحها مع قدوم الحمی .


بقيا يراقبان ، بينما الناس المتجمّعة تقفز وتتراقص .. مستمتعين باستعادة ذكريات طفولتهم .



ثم ظلّا يستمعان للمقطوعات التالية بانجذاب ..


كانت فرقة موهوبة متمكّنة ، تحيل الموسيقى العادية إلى موسيقى عذبة ساحرة ..



- بنجلس ..



انقاد إلی طلبها يرتاح على الأرض .

فابتعدت عنه ، تستوي جالسة إلی جانبه .



- وش موسيقى الفواصل الهبلة هذه ؟


وشوشت له بنبرة متوترة : متعب اجلس زين !


- تعبت من الوقفة ، كيف بتحسين وأنتي مرتاحة فوق مثل الأميرة !


- شوي وتنسدح ، عدل جلستك شوي !


- سبحان الله ! حتى وهي هلكانة تعب تفكر بالناس ، والله محد درى عنا يا بنت الناس ، وبأنسدح على رجلك بعد تعالي ...


هتفت ناسية وضعية جلوسه المحرجة في نظرها :

- O My God ! O My God ! O My God ! تعرفه يا متعب ؟!! تذكره ؟!!

قالتها حالِمَة فيما ابتدأت الفرقة بمقطوعة موسيقيّة جديدة .



أصغی بتركيز قائلا ببطء : مألوفة أحس ...


- لعبة فاينل فانتسي 10 !!


- اوه ؟! لحظة ، صح !!


- Oh my god !



للتوّ يتنبه كَم تتمتع أنثاهُ بأذنٍ موسيقيّةٍ مرهفةٍ .. إنها تستمتعُ بالألحانِ .. وَتمتلك حسّاً موسيقيّاً رَاقياً ..


هذا يناقضُ معلومته عن أنّ ( الفصامِي ) لا يمكنه الاستِمتاع !

ذلك يجعله يتأكد الآن جيداً .. من أنّ ليس كُلّ أعراض الفصام يشترط أن تكونَ مجتمعة في مريضٍ واحد !

وأنثاهُ تثبتُ ذلك .. !



- تعرفين تجيبينها يا وفاء ؟


سأل بعدما انتهاء لحظات السَّفر إلی ذكرياتهما القديمة .


- تلقاه باليوتيوب ، تبي أرسله لك ؟!


لم يحب يردها خائبة ، فأجاب بإيماءة معبرا عن الموافقة .


سألت بحماس :

- ? Original ? Or English cover


- أبي الاثنين ..



انشغلت بالتأمل بمن حولهما لهنيهات .

ثم عادت إليه تحدّثه طالبة : هات جوالك ، أبي أصور ؛ نسيت جوالي .


- أحد ينسى جواله ؟!


مَدّ لها بهاتفه فاستلمته بأنامِلها المُثلجة .



- موسيقى ايش الحين اللي شغالة ، وفاء ؟


قال بلامبالاة وقد عاد إليه ملله ، يلهي نفسه بالعبث بإحدى خصلِها السوداء .



فأجابت في حينِ منشغلة بالتصوير : مقدمة دراغون بول ، حقتنا أحلی .. صح ؟


- احلفي ؟! وش هذا مافيه لحن ! حقتنا أحلى بأضعاف !!


أعادت إليه هاتفه ، منبهةً : أرسل لي الصور ، إذا رجعنا .


قهقهَ بصَخب : مرة ثانية مع الفاصل الغبي حقهم !


همهمت توبخه بحرج : بشويش يا متعب !!


- انطمي نفسية !



اقترحت بعدما التهيا قليلا باﻷزياء التنكرية للمارة : متعب فيه بازار هنا ! بنمر عليه !



فكّر يتفحصها ، غير مطمئناً ..


التعب والإرهاق تضاعف بوضوح ، علی الرغم من ثرثرتها ونشاط صوتها .



اتخذ قراره بسرعة ، وحملها متوجهاً إلى أحد المخارج .



- متعب وين رايح ؟! وين رايحين !! أبي أشوف البازار متعب !


- أنا تعبت ، أبي أرتاح .


- يا أناني !!


- أناني بعد كل هذا ؟ صدق جاحدة ..


- أنا ما تعبت ، ارجع يا متعب .. رجعني !!


- يا قلبي حرارتك رجعت ، والتعب على وجهك وضوح الشمس ، نبي نرجع قبل الانتكاسة .



شهقت فجأة تهتف : متعب !! أنا مو لابسة نظارة !!


ضحك : صحّ النوم يا قلبي !!



تمعن فمها الجافّ المحمرّ من شدّة الحرَارة التي ارتفعت بسرعة قياسيّة وزادت من قلقِه؛ بينما تنادي باسمه في دلال .


- يا أميرته ...


- بأكافئك !



سأل بهيَام : والمناسبة ؟


- بأكافئك علی الطلعة هذي ...


- ممكن أعرف نوعية الكافأة ؟


- ما أعرف ... بأفكر ....


قال يود أن يجعل من عقلها مستيقظاً خشية عودة هذيان الحمّى : سامحتيني ، يا وفاء ؟


- لا تخلط المواضيع ، المكافأة عشان الطلعة ، لكن قلبي مو راضي عليك .. عاملتني كأني لعبة .. أنت مستوعب إني كنت علی حافة الموت ؟!



- ومتى ترضين علي ؟


- ما أدري .. أنا قلبي أسود ، ممكن ما أرضى أبداً ، لكن ماله علاقة بالمشاعر ، ما بأكرهك .. لا تخاف .



همس : وفاء ! ...



أسندت رأسها التي شعرت بثقله على كتفه ..



- أنتي صادقة بشكل ما تخيلته ، منطقية .. حتى وأنتي تعبانة !

لكنه تدارك سريعا يتساءل : بس من شوي بالبيت قلتي تكرهيني ؟



- كذبت؛ هذاك كان حقد ، مب كره .



- حاقدة علي ، وفاء ؟



- حاقدة ....



- الحقد مب زين ..



ابتدأت جفونها تذبل ، وصوتها يخفت : الحقد يريحني ..



- من تحقدين عليه بعد ..



- ماما .. وبابا .. كل الناس ...



سأل متعجباً : تحقدين على أمك يا وفاء ؟ ليش ؟!




- ﻷنها ... ماتت ....




أصابه الخرس والشّلل مجتمِعَين ..


ليتجمّد مثل فزاعة وسطَ حشدٍ من الغِربَان ..




- الصوص رجع متعب .. يتشقلب فوق سيارتك بالكفن حقه ! ..





* * *





ملحوظات قد تهم قراء كهرمان


.

.

.

ثريا ا ا 01-03-16 09:26 PM

رد: كهرمان / بقلمي
 
-



أحبتي القراء ..



أحب أقدم لكم تعريف بسيط عن مرض الفصام ،
ﻷن كثير من الناس للأسف ليس لديها خلفية عنه .






مرض الفصام ( Schizophrenia )


هو مرض عقلي ومزمن .. وعلاجه عقاقير مزمنة ترافق المريض طوال حياته ولهذه العقاقير آثار جانبية ليست بالهينة .

مرض الفصام له أنواع ، وقد يبدأ في عمر مبكرة .. وأعراضه المبكرة قد تكون في اﻻنعزال عن الناس ، واﻹهمال بالنظافة الشخصية .
( اﻻنعزال هي صفة عامة لدی مرضی الفصام ، ولكن ليس بشرط فيمكن أن تجد شريحة من اﻷشخاص ذات الطبيعة اﻹجتماعية وتعاني مرض الفصام )




من أعراض الفصام الأساسية :
1 - الضلالات : اﻷفكار والمعتقدات الغريبة والغير معقولة .
2- الهلاوس : منها سمعية وبصرية وشمية ولمسية .


ستجدون عند بحثكم في فضاء الانترنت الواسع العديد من اﻷعراض ،
لكن ذلك كله تعدادات للأعراض المحتملة بالظهور فلا يشترط أن تجتمع لدی مريض واحد .

كل مريض يختلف عن اﻵخر ، فقد تجد منهم من يعاني من الضلالات ولكن ﻻ يعاني من الهلاوس .. وقد يكون العكس .



# ملاحظة :-
مريض الفصام لا يملك البصيرة أو اﻻستبصار .. يعني أنه ﻻ يعلم وﻻ يدرك أنه مريض حتی مع الشرح له .

يری الهلاوس البصرية والسمعية فيعتقد أنه واقع وحقيقي وسيتهمك بالجنون إن حاولت إثبات العكس له ..

ولن يبدأ في اﻹدراك إﻻ إذا خضع للعلاج .. سواء أكان علاج نفسي أم طبي .


# ملاحظة 2 :-

الفصام يختلف ومستقل تماما عن مرض تعدد الشخصيات أو ازدواج الشخصية .

ﻷن هناك اعتقاد خاطئ منتشر لدی الناس بأن الفصام هو نفسه تعدد الشخصيات .. وهذا اعتقاد خاطئ .. وكل منهما مرض مستقل ومختلف عن اﻵخر كليا .









محبتكم ثريا ❤

~FANANAH~ 04-08-16 04:58 AM

رد: كهرمان / بقلمي
 
يُغلق لحين عودة الكاتبة ..


الساعة الآن 06:07 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية