طفل المطر
بسم الله الرحمن الرحيم طفل المطر كان الطريق إلى المقبرة طويلا ، جافا ،ومؤلما ، لم أكن أنوي يوما السير بهذا الأتجاه ، ولكن الأتجاهات تغيرت ، وأصبح إتجاهي الدائم . المطر ما زال في حنجرتي ، منذ الليلة الأخيره التي هرعت فيها للصراخ لإنقاذ أمي ، كانت تموت ، أو ماتت ، لا أعلم . كان المطر كثيفا يسقط ، وأنا أصرخ والمطر يملئ جسدي ، حنجرتي ، وكلي ، أتنشج ، أتشنج ، وحبال صوتي تتلف . لم يكن الشارع به سوى رجل مسن ، أعتقد أن والدي بعمره ، ناديته ، صرخت ، لكنه كان أصما أو أنني أصبت بالخرس ، طريق المقبرة يقودني إلى متاهات دائرية ، ملتفة ، المطر ، وأمي . لم يعد أخي اﻷكبر إلى بيتنا إلا في يوم الخميس ، صباحا في المستشفى ، جاء صاخبا ، ممتلئا بالدنيا ، نزف دموعه وغاب كليا ، سوى في جسد كاذب بجانبي . وكان الخميس حارا ، تلفحه الشمس ليحترق ، أتت العائلة كلها يومها ، عماتي ، وخالتي ، وكل رجل عرفته في العائلة ولم أعرفه ،وطيف والدي يسهر بجانبي ، كان الجو مناسبا ، للرقص ، للإحتفال ، لكن أمي ماتت . بعد ثالث يوم أختفى القوم سريعا ، مثلما أتو ، وبقيت أنا في سرير أمي ، مكدسا بحنيني ، وأخي يثرثر ، ﻹعود ، ولم أعد أتذكر سوى أختناقي بالمطر . وبعدها لم يعد أخي يزورني سوى في يوم الخميس ، يهدهدني كطفل ، يجلب قلبه وأنينه لبيتنا ، ليذكرني أننا أقمنا أول عزائنا في يوم الخميس ، لغياب أبي ، وبعدها عزائنا اﻷكبر ، توارى جسد أمي تحت التراب ، لينخره الدود ، وتختفي ، يوم الخميس يجرنا إلى غصة روح مثقلة ، وثقيلة ، ملتاعا ، متعبا منه . ألقيت التحية ، ودلفت المقبرة ، طويلة وعريضة ومكتضة ، القبور مصطفه بطريقة عشوائية مبعثرة ومعثرة . أطلت النظر لقبرها ، ولم أرها ، بقي زغبا خفيفا في عيني ، جررت نفسي وخرجت ، متجهما ، وغاضبا لم أرى أمي . مررت بالحديقة ، ومررت على شبحي ، كانت سندس تلعب وحيدة ، مستمتعة ،ركضت نحوي ، وإحتضنتني بفرحها وسرورها ، وبقيت واجما ، صرخت لي ، وكأنني منذ عام ، هيا نلعب ، شددتها ، وقبلت رأسها مثلما تفعل أمي ، ورحلت . لم أسمع شغبها وصراخها عندما مضيت ، بقيت صامته، قد تكون تتذكر أمي ، أو انها مصدومة . لم أتخلص من ذاكرتي الحادة ، أضل أدرس ، أقلب كتبي ، وأحفظها ، لا أعلم حقا كيف تفوقت ، ووصلت بعيدا ، بعيدا عن كل شي ، حتى المطر لم يسقط منذ ستة أعوام ، أصبحت الأرض جافة . هي غاضبة ، من حزننا المستمر ، ووعدت نفسها ألا تبكي ، هذا ما ظننته أنا ، كل شي أختفى مني ، المطر وأمي ، والصغيرة سندس ، كبرت ولم أعد أرها. أنا مجردا من عذاباتي ، مجرد من مطري ، منتصبا على لذة الحياة ، منغمسا بين حكايات أمي ، و إنغماس أخي ، و لكنني تخلصت من المطر العالق بحنجرتي . أقمت أعراسي . |
رد: طفل المطر
روووووعه حبيبتي
اسلوب رائع ومبسط ... قصة رائعة ..باحساس رائع.. ...رائعه حبيبتي...سلمت اناملك... |
رد: طفل المطر
روووعة ....
|
رد: طفل المطر
اسلوبك حلو كتير :55:
|
الساعة الآن 03:36 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية