منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   حصري 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t196417.html)

زهرة منسية 10-08-14 11:56 PM

8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة ( كاملة )
 

صباح / مساء الخيرات أحلى صحبة & أطيب ناس

بناء على طلب عضوة انضمت من قريب للملكة الليلاسية جبتلكم رواية جديدة

لعيونك سهير محمود اليوم هنزل رواية

8 - المكابرة لــ مارغريت بارغيتر

قلوب عبير القديمة



http://im86.gulfup.com/M79b9H.jpg

الاسم الاصلى للرواية : : Stormy Rapture

اصدار : ا يونيو 1976
منتديات ليلاس

زهرة منسية 11-08-14 12:01 AM

رد: 8 - المكابرة – مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
الـــمــــلـــــخص

منتديات ليلاس


لقد واجهت الحب فى حياتها لكنه لم يصبها بسهامه إلا حين التفت سيمون ردفورد. كانت تقرأ فى عيون الرجال نظرات اعجاب و رغبة الا أنها لم تعرف رجلاً مثله يستطيع أن ينظر إليها بمزيج النفور و إرادة الامتلاك فى وقت واحد, كان وجهه كالصخر المنحوت و لم يكن يحاول إخفاء ثقته بأنه سيد الموقف و يستطيع أن يفعل ما يشاء بعدما انهارت الآن كل خطوط دفاعها السابقة.
حاولت يائسة أن توقف انبثاق الدموع من عينيها لكنها سالت على خديها, و ذهلت حين أحنى رأسه و محا الدمع عنهما.
كان رجلا لا يسمح لعاطفته أن تتحكم به, فهو يعرف طريقه جيداً و لا يحيد أبداً عن أهدافه!


إذا عجبتكم الرواية فضلاً لا تنسوا الضغط على أيقونة الشكر أو تقيم الموضوع

لا أحل نقل جهدى دون ذكر أسمى زهرة منسية & أسم منتديات ليلاس

زهرة منسية 11-08-14 12:04 AM

رد: 8 - المكابرة – مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
1 – حدقت إليه متوردة الوجه و أهدابها ترمش بحيرة. تُرى لماذا يخيفها إلحاحه بدل أن يفرحها؟ و فجأة جذبها إليه و عانقها.... و فى تلك اللحظة فـُتح الباب فوقع بصرها لأول لحظة على سيمون ردفورد, المالك الجديد للشركة.

منتديات ليلاس

قالت الآنسة براون مؤكدة بعناد:
ـ سأذهب. شئت أم أبيت!
فردت ليزا لوسون بتأكيد مماثل:
ـ ولكن ذهابك مستحيل فى هذه الظروف.
قالت ذلك و قد ارتعشت اهدابها و حدقت فى السكرتيرة الشخصية لمالك الشركة الراحل ردفورد, فيما كست الخيبة وجهها فبدا مضحكاً إلى حد ما, و لما استدارت الآنسة براون دون أن تكلف نفسها عناء الجواب, أردفت ليز بصوت قلق:
ـ ماذا سيحدث فى رأيك لو جاء أبن اخيه فى أثناء غيابك؟ أنه سيثور حتماً حين يعلم بذهابك بعيداً إلى مايوركا.
فما كان من الآنسة براون إلا أن أجابت بجفائها المعهود:
ـ عليه أن يرضى بالأمر الواق.
و فى الحال عكفت على فرز كدسة من المستندات المطبوعة و أودعتها الدرج قبل أن تقفله, جلست تتنهد بعمق و قالت و هى تضع مرفقيها على المكتب و تسند وجهها بكفيها لتوحى بجدية كاملة:
ـ من حقى أن آخذ اجازة ثلاثة أسابيع و سأغتنم الآن هذه الفرصة.

منتديات ليلاســــــــــــــــــ

زهرة منسية 11-08-14 12:05 AM

رد: 8 - المكابرة – مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
فقد اضطرت إلى تأجيلها بسبب الدفن, و لا شئ يحول دون اضطلاعك بالمسؤوليات أنت و سائر الموظفين, فلم كل هذه الضجة؟ فالرئيس الجديد لن يلتهمك, أنت تدربت بما فيه الكفاية تحت إشرافى, و لا موجب لأن تشعرى بأنك تلميذة مدرسة. كم عمرك يا ليزا؟
ـ إحدى و عشرون سنة......
ـ إذن أنت ناضجة بما فيه الكفاية, و قد كنت أنا أدير تقريباً الشركة قبل بلوغى هذه السن..... على الأقل الأعمال المكتبية, وهذا هو المطلوب منك فى الوقت الحاضر.
ثم هزت رأسها الذى بدا يغزوه الشيب و اردفت بشئ من التأنيب:
أنصحك بأن لا تشيرى إلى السيد سيمون بـ ’’أبن الأخ’’ فقد يسمعك و يغض.
توردت ليزا بعل التعنيف و بلعت ريقها و هى لم تعرف بالضبط ما الذى جعلها تسمى سيمون ردفورد بــ ’’أبن الأخ’’. لعلها فعلت ذلك لتووضح الفارق بينه و بين عمه الراحل, و قالت بفتور:
ـ قد تكونين مصيبة, و لكننى لا أعرف اسمه إلا مؤخراً. فقد زار الشركة لفترة قصيرة و كنت وقتها فى اجازة مرضية كما تذكرين.
هزت الانسة براون كتفيها دلالة عدم اكتراثها بمشاكل الآخرين و قالت بوضوح كلى:
ـ أن الوضع بمجمبه مثير للدهشة, و لكن كان بإمكانك أن تقولى ’’السيد ردفورد الشاب’’
فسألتها ليزا بسخرية مهذبة:
ـ شاب؟ و ككم عمره بالتحديد؟
لقد حاولت أن تتجاهل تعليق الآنسة براون إلا أن فضولها طغى عليها, فقد بدا لها الأمر غريباً أن لا تحظى شركة هندسية ضخمة إلا بزيارة زاحدة من مالكها الجديد, و قد قام بهذه الزيارة لحضور مراسم دفن عمه الذى يبدو أنه لم يكن قد تعرف إليه قبلاً. كانت زيارته من باب الشكليات لا غير إذ لم يمكث فى الشركة أكثر من بضع ساعات. و هذا ما علمته من الموظفات الثرثارات, و كانت إذ ذاك صريعة انفلونزا حادة فلم تحظ بفرصة التعرف إليه رغم استبعادها الكلى لهذا الاحتمال على أية حال.
و مع ذلك فقد أدركت تماماً ما الذى قصدته الآنسة براون عندما اعربت عن دهشتها. فأنه لمن الغريب حقاً أن أم ليز نفسها التى كانت زوجة أبن خال سيلاس ردفورد, وتولت إدارة بيت سيلاس بعد وفاة زوجها, و لم تكن تعرف شيئاً يذكر عن أبن أخيه سيمون الذى ورث عن مصالحه الواسعة. و الأغرب من ذلك أنه لم يتصل ببيت عمه و لا حاول الاتصال بأى واحد من القيمين على شئونه. فقد أختفى بعد مراسم الدفن مع محامى عمه قبل أن يعود ثانية إلى لندن. و من المؤكد أنه يعتزم العودة من جديد.
بدت الآنسة براون غارقة فى التفكير و هى تهيئ الجواب لسؤال ليزا البرئ ظاهرياً, وكأنها فطنت فجأة لانتظار ليزا أجابت بحيوية مخفية جهلها المؤسف:
ـ إنه فى أواخر الثلاثيناته على الأرجح. كنت احاول تحديد عمره الحقيقى. و لا أحسبه بلغ حدود الأربعين و قد يكون أصغر سناً مما ذكرت. فعندما زار الشركة فى الأسبوع الفائت كان منشغل الذهن كثيراً.
فسألتها ليزا بتهكم لم تلاحظه الآنسة براون لحسن الحظ:
ـ مثلاً؟
ـ موت عمه المفاجئ ربما, و قد ذكر ايضاً أنه يشترك فى مناقصة كبرى و هذا كافٍ بحد ذاته لشغل فكره اضافة إلى شعوره العام بثقل المسؤولية.
أخذت ليزا تتساءل فى سرها: "عندما تقع الآنسة براون فريسة الارتباك تفضى ببعض المعلومات البسيطة, لا لشئ إلا لتثير فضول صغار الموظفين الذين يحومون حولها لكسب رضاها, و هى تتوقع منهم أن يصدقوا معلوماتها السرية بلا تحفظ!" لكن تصرفها هذه المرة أغضب ليزا فأجابت بصراحة:
ـ من المؤكد أنه لم يضع وقتاً طويلاً هنا, فقد وصل بالطائرة و اكتفى بحضور الجنازة. و حسبما سمعت, فإن زيارته للشركة نفسها كانت فى غاية الاقتضاب. و حين يقرر العودة عليه إلا يتوقع تسيير الأعمال بسهولة و سرعة و كأنه أمضى فى الشركة معظم حياته, سوف يضطر إلى طرح مئات الأسئلة, و أنت لن تكونى هنا لتزوذيه بالأجوبة المطلوبة, أنه يركز اهتمامه من النواحى العلمية فقط!
منتديات ليلاس
رفعت الآنسة براون حاجبيه مستغربة و أجابت رغم أها قررت أن تتجاهل معظم كلام ليزا:
ـ من خلال ما سمعته عن السيد ردفورد الجديد, اعتقد أنه سيعتمد على تقويمه الخاص و لن تحتاج إلى مشورة أحد, بوسعك أن تذكرى هذا للآخرين ما دمت مصممة على تصديق الشائعات و ترويجها!
تلونت بشرة ليزا الناصعة بحمرة قانية.....فالآنسة براون تظلمها بهذا الظنو كم تود أن توضح لها خطأها, إلا أن ليزا كتمت امتعاضها داخل نفسها بحكم خبرتها الطويلة كيلا تثير أعصاب الآنسة براون و تجرها إلى تأنيبها من جديد بأسلوب أكثر حدة. فالآنسة براون مديرة جيدة بصورة عامة و يطيب العمل معها. و قد صبرت كثيراً على جهل ليزا عندما التحقت بالشركة فور تخرجها من الكلية المهنية و اعتنت بتدريبها و رعتها و هى لن تنسى فضلها أبداً.
لم تآبه الآنسة براون لتورد ليزا و انكماشها البسيط الذى بدا واضحاً فى عمق عينيها الداكنتى الزرقةو تابعت تقول:
ـ خير لك, أن تمتثلى لما يطلب منك يا عزيزتى, فرجل مثل السيد سيمون له آراؤه الخاصة حول كيفية إدارة الشركة بالطرق الصحيحة. و أخشى أن عمه لم يكن دقيقاً ما فيه الكفاية و لا سيما فى المدة الأخيرة, و لا شك أن السيد سيمون سيرغب فى توسيع الشركة أو اعادة تنظيمها و لربما الأمرين معاً. أن معظم اصحاب الشركات الجدد يفعلون ذلك.
ـ أتقصدين أنه سيجرى عملية تطهير؟
بدا الاستغراب مجدداً على وجة الآنسة براون و قالت بحدة لعلها ليست من طبيعتها:
ـ ما هذا الكلام يا ليزا؟
ثم عقبت بعد صمت قصير:
ـ قد تكونين مصيبة و لكن الأفضل لمصلحتك أن تحتفظى بآرائك هذه. هناك احتمال بأن نحصل معاً على ترقية عند اعادة التنظيم و لربما على مكافأة. لذلك لا تدخلى أية عداوة شخصية بينكما فى محيط العمل.
ـ لن تحصل أية عداوة شرط أن يكف عن تحقير أمى, فجميع أهل المنطقة يعلمون أنه لم يتكرم عليها بلحظة من وقته ليتحدث إليها, و لا حتى أثناء الجنازة. أنا لا أفهم تصرفه المشين هذا!
فقالت الآنسة براون موافقة للمرة الأولى و بغضب:
ـ ولا أنا أيضاً.
فانصرفت لترد على الهاتف الذى قطع عليهما الحديث.



منتديات ليلاســـــــــــــــــــ

زهرة منسية 11-08-14 12:07 AM

رد: 8 - المكابرة – مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 

فى البيت مساءً, أثارت أمها الموضوع مجدداً و أظهرت استغرابها مرة أخرى لتصرف سيمون. كان ذلك يوم ليزا الأول فى العمل بعد مرضها, و بدا من الطبيعى أن تسألها أمها عما سمعت من أخبار جديدة. تناولت ليزا فنجان القهوة مستغربة أن يلازمها الأرتجاف طيلة اليوم, و نظرت إلى وجه أمها الجذاب رغم مرور السنين و أجابتها متنهدة:
ـ لم أسمع فى الواقع أخباراً جديداً يا ماما. الجميع يتساءلون بالطبع عن موعد عودته أنما يبدو أن قضيتنا نحن ما عادت تهمهم, فلم يأت أحد على ذكر الموضوع باستثناء الآنسة براون.
فعلقت السيدة لوسون بمرارة:
ـ احسبهم يتصورون أنى أخذت حصة جيدة من الميراث بالرغم مما اظهره سيمون من عدم اكتراث!
تنهدت ليزا ثانية حين انصرفت امها لتعد طعام العشاء. لا شك أن الحياة لم تكن سهلة بالنسبة إلى أرملة رجل دين فقير و لديها طفلة عليها أن تعيلها, و لكم تمنت ليزا فى السنوات الفائتة, لو أنهما لم يعتمدا فى عيشهما على مال سيلاس ردفورد وكان حدسها هذا فى محله, إذ أثبتته احداث الاسبوعين الماضيين. و مع ذلك فهى لا تستطيع أن تلوم أمها على عدم الآخذ برأيها بوجوب الابتعاد عن عائلة ردفورد إذ اعتبرته رأى فتاة صغيرة متحاملة و اعتقدت أن استمرارها هو لصالحهما على المدى البعيد.
و الحقيقة أنهما عاشتا براحة مع سيلاس فىىهذا البيت الأنيس.
أما الآن فسوف تسعد ليزا كثيراً أن تنتقلا إلى مكان آخر لبدء حياة جديدة مع اعترافها, و لكن أمها لا تشاطرها شعورها و ترفض التزحزح من مكانها قبل أن تتحدث إلى سيمون ردفورد, كانت ليزا تدرك فى قرارة نفسها أن أمها تحملها مسؤولية غير مباشرة فى كون أن سيلاس مات دون أن يوصى لهما بقرش, و لذا خشيت من احتمال أن تستجدى أمها المال من سيمون و تذلهما معاً.
حدقت ليزا فى ألسنة النار المتراقصة فى الموقد أمامها و فكرت أنها كانت الأبنة الحقيقية لأبنة خال سيلاس لكان عطف على أمها أشد ولكان خصها بشئ من وصيته. لكن ليزا كانت فى الثالثة من عمرها حين تزوجت أمها للمرة الثانية من جون لوسون, الذى تبنى الطفلة فوراً و رباها كأبنة من لحمه و دمه. لم يرزق من أمها بأطفالاً, و لو حصل ذلك لما كان ميزهم عن ليزا بأى شكل....كان حبهما متبادلاً, فهو الأب الوحيد الذى عرفته, و قد تمردت على القدر حين خطفه منها فجأة, و ها هو القدر يخطف ابن عمته سيلاس بالطريقة نفسها تقريباً.
و أخذت أفكارها تشرد خلف صور الماضى الصعبة النسيان. تذكرت الأيام التى تلت وفاة والدها حين اضطرت هى و أمها إلى إخلاء المنزل الذى كان يشغله كرجل دين. بعد ذلك أحاطهما سيلاس بعطفه و دعمه لولا ذلك لما استطاعتا إيجاد لقمة العيش إلا بشق النفس. لقد دعاهما إلى السكن فى بيته مقابل أن تدير أمها شؤونه و تساعد فى إقامة الحفلات و استقبال الضيوف, و هو ما برعت فيه تماماً, كما تكفل بتعليم ليزا حتى نيلها الشهادة.
و قد جرت الأمور على خير ما يرام فى ضوء هذا الترتيب, و أظهرت السيدة لوسون موهبة كبيرة فى فن الرسم بالاضافة إلى مهارتها كمضيفة.
و لجأ سيلاس إلى أساليب ذككية لمساعدتها فى بيع لوحاتها و كثيراً ما كان يبتاع لنفسه ما يعجبه من تلك اللوحات. أما أول بادرة خلاف بينهما فقد حصلت قبل تخرج ليزا من المدرسة, حين أبدت لـ سيلاس رغبتها بتعلم رقص البالية كى تمتهنه فى المستقبل. و لأول مرة فرض عليها سيطرته, شرح لها ظروف أمها و أفهمها بطريقة لطيفة لكن حازمة أنه قد يتوقف عن إعالتها إن هى اصرت على امتهان الرقص فى لندن. و هكذا تنازلت ليزا عن طموحها هذا و تركت له أن يقنعها باختيار مهنة أكثر واقعية, و وافقت بخضوع على تعلم مهنة السكرتاريا, و من ثم تدربت فى مكتبه على يد الآنسة براون, سكرتيرته القديرة. و لكنها أدركت فيما بعد أنها لم تغفر له ذلك, أما الآن و قد رحل فهى تشعر برغبة قوية فى الأفلات من بيته.
و ها قد ذهبت بها مشاعرها بعيداً حين عادت أمها و جلستا إلى طاولة الطعام. و هنا على المائدة أخبرتها أمها أنها تحدثت إلى محامى سيلاس أثناء غيابها بالمكتب. فقطبت ليزا حاجبيها بامتعاض فقالت أمها بحدة:
ـ أعلمى أنه هو الذى أتصل بىّ فلا داعى لأن تنظرى إلى شزراً. أنا لم أفقد كرامتى كلياً! فقد قال لى فى سياق الحديث الذى جرى بشكل طبيعى تماماً أن توريث الأملاك لأبن الأخ هو مسألة لحم و دم, إضافة إلى رغبة طبيعية لدى الراحل فى الحافظ على استمرارية اسم العائلة. و هذا ما فعله سيلاس مع أبن أخيه سيمون....لاحظى حتى اسميهما الأولين متشابهان, و بما ان سيلاس لم يتزوج أبداً’ فلمن غير سيمون يخلف أعماله التجارية؟ هذا بحسب ما قاله المحامى لىّ بطريقة لبقة جداً. اتمنى فقط لو أن سيلاس ترك لىّ البيت مراعاة لظروفى و للقرابة بيننا.
ـ كنت أظنه مولعاً بك يا ماما.
كانت ليزا شاردة الذهن تعبث بطعامها بشهية مفقودة لم تستردها منذ مرضها الأخير, ثم اردفت بشئ من صراحة الشباب القاسية:
ـ عندما ساعدنا مادياً بعد وفاة والدى, فلعله فعل ذلك من باب الأنانية و ليعزز سمعته الطيبة عند الناس, فأنى كان رجلاً معروفاً
أجفلت الأم و هتفت تؤنب ابنتها:
ـ ليزا! أنت تبالغين فى شكك, فالتفاهم كما تعلمين, كان شبه رسمى و مفيد للطرفين. لكنه وعد, و لو بكلام غير واضح, أنه سيؤمن مستقبلنا مادياً فى حال وفاته.
ـ ولم يترك لك قرشاً كما اتضح لنا الآن, هل تعلمين متى كتب وصيته الأخيرة؟
ـ منذ زمن بعيد قبل ان نسكن معه. أذكر أنه تحدث لأبيك بشأنها. ليس سراً أن شقيق سيلاس الأكبر كان يتشاجر مع والده و هجر البيت قبل سنوات طويلة. و حسب معلومات سيلاس أن هذا الشقيق انجب ولدين هما الآن رجلا أعمال ناجحين فى جنوب البلاد. أعتقد أن سيلاس كان على اتصال بهما بطريقة ما مع أنه لم يذكر لأحد, مع العلم بأنهما لم يزورا هذا البيت إطلاقاً. و قد اكتشفت بطريقة الصدفة أن والدهما توفى قبل بضعة سنوات. هذا كل ما لدى من معلومات و إذا تظاهرت بمعرفة المزيد سيكونذلك مجرد تخمين ليس إلا.
لاحظت ليزا نظرات أمها المنقبضة فقالت بندم:
منتديات ليلاس
ـ آسفة يا ماما. لم أقصد أن اتخابث. فى الواقع أن الآنسة براون لا تعرف الكثير أيضاً. كل ما أخبرتنى اياه أن سيمون فى الثلاثينات و لم تقدر أن تحدد عمره بالضبط.
أومأت السيدة لوسون ايجاباً و قالت:
ـ ذلك جائز. سبق و أخبرتك أنه بدا طويلاً اسمر, لم أميز تقاسيمه جيداً لأن الطقس كان بارداً و كان هو مدثراً بثياب سميكة, كما أن احتشاد الناس حال دون رؤيتى له جيداً. أنى أوافق الآنسة براون على أنه من الصعب تحديد سنه. و كما قلت سابقاً, لم أحاول الاقتراب منه, و هو تجاهل اللياقة الاجتماعية و لم يكلمنى بالرغم من أن الظرف كان يقتضى منه ذلك.
هزت ليزا كتفيها إشارة عدم اهتمام. فالمعلومات هذه لست جديدة كما قالت أمها. لكنها اغتنمت الفرصة و أعلمت أمها باجازة الآنسة براون و بأنها ستتحمل بالتالى مسؤوليات أضافية فى غيابها و اختتمت ذلك بقولها:
ـ يخيل إلى أن عودة سيمون ردفورد تخيفها بشكل ما, و لولا خوفها هذا لبقيت هنا بالتأكيد لترئس لجنة الترحيب بعودته.
تجاهلت السيدة لوسيون تعليق ابنتها المرتاب و انحنت إلى الأمام مشرقة الوجه تقول:
ـ قد تجدين فى ذلك فرصة سانحة لتعزيز مركزك يا حبيبتى, و بخاصة أن الآنسو براون بدأت تقترب من سن التقاعد, كما أننا مدينون لعائلة ردفورد ببعض الفضل.
ـ ماما لا أحسبنى أحب البقاء فى كنف آل ردفورد بعد اليوم. هل تمانعين ذلك؟
ـ أمانع؟
بدت مونيكا لوسان منذهلة من فرط الخيبة و لم تحاول إخفاء مشاعرها. هذا الاحتمال لم يخطر لها من قبل و ظهر بوضوح أنها لا تحبذ الفكرة و ليست مستعدة لتقبلها. إنطفاء البريق فى محياها و هتفت أخيراً:
ـ لا اظنها فكرة سديدة على الأطلاق. من حسن الحظ أننا ما نزال نقيم فى هذا البيت, لكنك تعلمين كما أعلم, أن الأمور قد تتغير فى المستقبل و إذا اصريت الآن على ترك آل ردفورد فقد يطلب إلينا هذا الرجل أن نبحث عن سكن آخر ـ بوسعنا ان نجد شقة مناسبة. هناك شقتان فارغتان فى منطقة ادجباستون التى قد تروقك.
ـ أعرف أنك لن تجدى صعوبة فى إيجاد عمل آخر و أن دخلى من الرسم سوف يعين مادياً إنما من المستحيل أن نجد بيتاً كهذا تحيط به الحقول و الغابات و المياه بالرغم من وجوده فى ضاحية المدينة, هذه المنازل أصبحت نادرة هذه الأيام, و بوسعى أن أرسم فى الغابة طوال النهار دون أن أرى مخلوقاً.
تنهدت ليزا و اشاحت عن وجه أمها القلق. حدقت من نافذة الغرفة الصباحية الصغيرة التى تتناولان فيها الطعام عندما لا يكون لديهما ضيوف. كان الأفق محجوباً بمجموعة أشجار كثيفة فى نهاية الحدائق و فى أسفل الحقل, إلا إن المنطقة حولهما منعزلة تماماً و تتيح لهما حرية كاملة.
البيت ليلاس بحد ذاته واسع و جذاب جداً و هى تعلم أن أمها مولعة به, إنما يجب أن تدرك أنه لا يخصهما, بل لا يحق أن يعيشا فيه بعد اليوم.
تنهدت فى اعماقها و قد ندمت على تسرعها. كان يجب أن تعزز خط دفاعها قبل التحدث فى الموضوع. أنها لا تفكر فى تغيير العمل بقدر ما تفكر فى تغيير مكان السكن. ليس ثمة صلة تربطها بمدينة بيرمنغام مع أنها تحبها كثيراً. صحيح أنها عاشت فيها ما يزيد عن عشر سنوات إلا أنها ولدت فى استراليا و عاشت فى أماكن أخرى, و طالما راودتها الرغبة منذ إقامتها مع عائلة ردفورد. لم تفكر فى السفر خارج البلاد بل فى الانتقال من مكان إلى آخر. لكنها متعلقة بامها و ليس لها سواها فى الحياة و لذا سيكون عليها من الصعب, بل من المستحيل أن تتركها فى الظروف الراهنة.
مع ذلك حاولت زهرة منسية بقولها:
ـ بوسعنا أن جد منزلاً صغيراً فى الريف الذى تحبينه.
فسألت مونيكا بتهكم و ضيق:
ـ هل لديك أية فكرة عما سيكلفنا هذا البيت الصغير؟
صمتت ليزا مستسلمة. إنها تدرك ارتفاع الأسعار. و قبل أن تفكر فى شئ آخر تقوله سألتها مونيكا و قد توجست شراً:
ـ أمازلت تطمحين إلى أمتهان رقص الباليه؟
شحب وجه ليزا قليلاً لأن ذكرى الماضى ما توقفت يوماً عن إيلامها.
أجابت بجفاء:
ـ بالطبع لا, لقد فات الوقت على ذلك من حيث السن. لكنى لا أعتقد أن العمل فى شركة هندسية, يوافق طبيعتى. كنت أفكر فى الأتجاه إلى مهنة تناسبنى كأنثى.
ظهر الالتباس على وجه مونيكا الجذاب إذ هى لا تميل إلى التغيير بكل أنواعه. قالت تنصح ابنتها:
ـ لو كنت مكانك لتريثت قليلاً يا حبيبتى, أن العمل المكتبى هو ذاته فى أى مكان و لا أحسبك ستجدين شيئاً أفضل إلا إذا غيرت نوع العمل من اساسه.
عادت ليزا تحدق من النافذة و غمغمت:
ـ أظنك على صواب.
ـ بالطبع, عليك أن تفكرى فى مستقبلك يا عزيزتى و لا موجب بالتالى لأن تقلقى علىّ.

منتديات ليلاســـــــــــــــــ


زهرة منسية 11-08-14 12:08 AM

رد: 8 - المكابرة – مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 

لم يكن ذلك بالأمر السهل. هذا ما أتضح لـ ليزا عندما غادرت الآنسة براون إلى مايوركا بعد يومين, و فور ذلك بقليل رن الهاتف ليعلمها بأن سيمون ردفورد فى طريقه إلى الشركة.
ـ من المفترض أن يصل بعد الغداء.
كان صوت سكرتيرته فى لندن صافياً و هادئاً جداً, و قد أعطى صورة واضحة عن كفاءتها المصقولة كحجر ماسى.
أقفلت ليزا الخط و لكن ظلت تسمع رنين تحذير فى أذنيها. انتابتها رعدة برد و راودتها فكرة مجنونة فى أن تكتب استقالتها بسرعة و تفر هاربة, إلا أن قلقها الدائم على أمها تغلب تهورها و منعها من تنفيذ الفكرة. من الحمق أن يستبد بها الذعر قبل أن تتعرف شخصياً إلى سيمون ردفورد.
أن المسافات كثيراً ما تشوه الأصوات و تعطى انطباعات خاطئة, و الفتاة التى كلمتها قبل لحظات, غريبة عنها تماماً. و إذا كان سيمون يحرص على توظيف ناس أكفاء كسكرتيرته فلا يعنى هذا بالضرورة أن يكون هو نفسه دقيقاً و صارم اللهجة مثلهم.....فها هى تصوره وحشاً حتى قبل أن يصل!
لكن تحليلها هذا لم يخفف من توترها العصبى مع مرور الساعات.
و بعد أن تناولت غذاءها المقتصر عادة على الساندويش وقفت أمام المرأة المشققة التى تزين احد جدران غرفة الحمام المهملة, تتفحص مظهرها لم تجد ما تبحث عنه من تطمين إذ بدت عادية الشخصية بالمقارنة مع مظهر الآنسة براون الواثق و قامتها المستقيمة كقصبة طويلة راسخة. أما هى فصغيرة الحجم و نحيلة. شعرها الكستنائى كثيف يبدو فاقد الحيوية بسبب مرضها و فى أمس الحاجة إلى تسريحة جديدة, و لذا عصقته فى عقدة خلف رأسها. عيناها أجمل ما فيها ربما....فهما زرقاوان واسعتان و مائلتان إلى أعلى عند الجانبين كأعين الصينين تقريباً, لكن بشرتها, كما الحال مع شعرها, خالية من اشراقتها المعتادة. شفتاها؟ حدقت إليهما بارتياب و لم تتعز كثيراً بجاذبيتها....مظهرها ككل, بعيد كل البعد عن احداث انطباع فعال. تنهدت باستسلام غادرت الغرفة.
أطل بيل برايت و هو أحد المهندسين المدنيين فى قسم أعمال الشركة الخارجية من فتحة الباب, و عبس باستياء حين زفت إليه ليزا الخبر, سوف ينقله بدوره إلى الموظفين فى قسم المحاسبة و هكذا يوفر عليها المهمة. و قالت تحذره مقطبة الجبين:
ـ قد يجرى بعض التغييرات على الأرجح هنا أن لم يقرر بيع الشركة.
اختفت ابتسامته الزاهية و أغلق الباب خلفه. ثم تقدم من مكتبها قائلاً برصانة:
ـ الشركة فى حاجة إلى تغييرات جذرية فى رأيى, لقد سمعت لتوى أن شركة بولتون قد نالت المناقصة فى مشروع بناء المسابح فى ليتل ملتون فقدناه. و بحسب ما فهمته يا عزيزتى ليزا لم يتسلم أصحاب الشأن عرض مناقصتنا, أى أنه لم يرسل إليهم أبداً! و هذا التقصير سوف يغضب رئيسنا الجديد.
التفتت إليه ليزا قلقة. أن بيل برايت مهندس موهوب فى آواخر عشريناته و يعمل فى الشركة منذ عامين. و بالرغم من تصرفه الموحى بالمرح و اللامبالاة إلا أنه ينزعج اشد الانزعاج من تقصيرات كهذه تسبب فى خسارة العقود. و هو كان يأخذ على سيلاس ردفورداهتمامه المتضائل لما يجرى. هذا ما استنتجته ليزا من تعليقات بيل الغريبة خلال زياراته المتكاثرة إلى المكتب منذ أن بدأ سيلاس يتقاسع عن الخروج اخيراً قالت:
ـ دعنى أفكر. أنى اتذكر بوضوح أنى وضعت الأوراق فى صندوق البريد, إذن لابد أنها أُرسلت. أذكر أيضاً أن السيد ردفورد راجعها بإمعان.
منتديات ليلاس
ـ لكن الشركة تؤكد أنها لم تتسلم مناقصتنا. ألم يتأكد أحد من صحة الأمر؟
قطبت ليزا و قالت بتردد:
ـ لا أدرى تماماً. قد يكون السيد ردفورد فعل ذلك إلا أنه كان يسهى فى معظم الأحيان أما الآنسة براون, فلو أنها علمت ذلك لاعلمتك حتماً.
ـ لكن الآنسة براون طيب الله ذكرها ليست هنا لنعرف الحقيقة منها, و علينا أن ننتظر عودتها من حيث هى موجودة.
ـ إنها فى مايوركا و لا موجب لان تتهكم يا بيل, الأخطاء تحدث احياناً لكنى متأكدة أن الآنسة براون ليست هى المسؤولة عما حدث.
ـ الآنسة براون لا تحمل مسؤولية أى خطأ و أظنك مصيبة يا ليزا فى تأكيدك على كفاءتها. لكن كيف تفقد مناقصة كهذه استهلكت منا جهداً كبيراً؟ اتراها ادرجتها فى إضبارة الألغاز المستعصية الحل؟ كل ما أرجوه أن لا تقع المصيبة على رأسى.
جلس على حافة مكتبها و تابع قائلاً:
ـ لا أعلم أن كان الرئيس الجديد أكثر ذكاء من العجوز الراحل. و لكنى آمل أن يكون كذلك لمصلحة الجمميع!
ـ هذا اجحاف منك يا بيل و أنت تعرف ذلك!
استغربت ليزا دفاعها الفورى دون أن تدرى سبباً له. فالعدل يقضى بأن تقر بفضل سيلاس ردفورد عليها و لو عبرت عن ذلك باظهار وفاء خارجى. لقد عالمها و عامل أمها بمنتهى الكرم بالطريقة التى ناسبته. صحيح أنه ابتعد عنهما عاطفياً فى أيامه الأخيرة و لعل تدهور صحته كان السبب.
و قد يكون اعتلاله سببا لجموده و تكاسله, و إلا كيف يفسر فقدان عقد هام و تدهور العامل العام بصورة تدريجية فى الشركة؟ و تابعت تقول:
ـ كان سيلاس حاذقاً فى عمله مكباً عليه بنشاط, لكن لا أحد منا أدرك, على ما يبدو, أنه تقدم فى السن. و كما قلت سابقاً, قد يعمد أبن أخيه إلى بيع الشركة و ل1ا لا جدوى من استمرار النقاش. من يدرى فقد توظف قريباً فى شركة أخرى.
ـ ربما.....
هز الشباب كتفيه باستخفاف و شرعت ليزا ترتب مكتبها. راقبها بإمعان إذ بدا له سطح المكتب لماعاً و لا يحتاج إلى تنظيف. تلكأت نظرته على يديها النحيلتين ثم نظر إلى وجهها و قال مبتسماً:
ـ إن كنا فى معرض تبادل النصائح فأشير عليك بالاسترخاء. أن أصابعك ترتجف.
اضطربت و تقلصت يداها على دفتر الملحوظات. ثم لاحظت نظرة الدعابة فى عينيه فابتسمت له قائلة بصراحة:
ـ أشعر بصعوبة التركيز, و لكنى لا أستطيع الجلوس بلا حراك فى انتظار وصوله.
قال بيل و هو يحدق إليها مفكراً:
ـ لديك كل الحق. ما رأيك لو تناولنا العشاء معاً هذا المساء؟ أنت بحاجة إلى الاسترخاء....نحولك شديد و أعصابك متوترة و لا أريدك أن تذوبى بالتدريج.
ـ لقد نقص وزنى مؤخراً انما ساعوضه قريباً, فلا داعى لان تغرقنى بالمديح!
زمت شفتيها بشئ من الاغراء كى تكسب الوقت إلا أنه أدرك قصدها و عاد يقول بالحاح:
ـ لا عليك من ذلك. ما رأيك بالعشاء؟ أنت ماهرة يا عزيزتى فى التملص منى انما ثقى أنى لن أدعك تتهربين إلى الأبد.
حدقت إليه متوردة الوجه و اهدابها ترمش بحيرة. ترى لماذا يخيفها الحاحه بدل أن يفرحها؟ أنها توده و تستمتع برفقته لكنه بدا يتقرب منها بجدية. أنها تعتز بصداقتهما البرئية لكن هذه العلاقة بدأت تتغير مؤخراً من جهته. بيل شاب دمث الرفقة و كلاهما يتمتع بروح دعابة تعزز صداقتهما إلأا أنها تشعر فى اعماقها بأنه بدأ يحبها فيما عواطفها تجاهه بقيت كما هى.
فى أعماقها شعور ارتهاب ليس بالجديد عليها و اعراضه مألوفة, انكماش غريب فى أى ارتباط يتعدى العلاقة البسيطة و نفور متأصل من من أى لمسة حميمة تتخطى حدود الضرورة. هذا الشعور طالما حاولت أن تخفيه عن الآخرين و أن تتجاهل وجوده فى نفسها, احساسها بحاجة متزايدة إلى علاقة حميمية تقيمها مع رجل ثم تعجز فى الوقت نفسه عن التجاوب بعمق بين ذراعيه. احيانا تلؤم على تربيتها المتزمتة لكونها زرعت فيها هذا الانكماش الحساس الذى يروق لها من نواح و يزعجها من نواح أخرى.


منتديات ليلاســــــــــــ


زهرة منسية 11-08-14 12:10 AM

رد: 8 - المكابرة – مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 

هبط بيل على حافة المكتب فابتلعت ريقها الجافو علقت بقولها :
ـ ليتك تتعقل يا بيل و خصوصاً أثناء وجودك فى المكتب
استدار إليها متوعداً فقفزت واقفة و قالت و هى تتراجع مبتعدة عنه:
ـ يجب أن أنجز بعض الاعمال قبل وصول السيد ردفورد, أما أنت يا بيل رايت فيجب ألا تدعه يضبطك هنا فى ما سيبدو له مشهد تسليةو أهمال واجبات.
تجاهل موعظتها القصيرة و تقدم منها بجرأة كما لو أن غياب الآنسة براون قد أفرغ عقله من تعقل. قال:
ـ لا تتجهمى يا ليزا! تعلمين كم أودك و كم يحلو لى أن استمتع معك بعض الشئ. ما عدت طفلة لتحتاجى إلى تبرير. ثم أنك لم تجيبى على سؤالى, هل ستتناولين العشاء معى أم لا؟
ـ لا أظنها ستكون فكرة صائبة, ليس هذه الليلة على أى حال. لِمَ لا تدعو فتاة غيرى قد تكون أقدر منى على أمتاعك؟
ـ لا تكونى سخيفة يا حبيبتى, بإمكانك أن تستمتعى و تمتعى غيرك إذا استرخيت قليلاً انما لا داعى لأن تفسرى كلامى حرفياً.
جذبها فجأة و كأنه ينوى إثبات وجهة نظره, ثم عانقها.
و فى تلك اللحظة فُـتح الباب فوقع بصرها لأول مرة على سيمون ردفورد.
الضجة البسيطة على المكتب الخارجى لم تنذرها بوصوله إذ كانت تركز على الأفلات من قبضة بيل, ثم فتك بها الرعب حين وجدت نفسها تحدق مباشرة فى عينى سيمون ردفورد من فوق كتف بيل!
لمحته و لم تجد وقتاً للتحرك أو التفكير فاتسعت عيناها بخيبة و ذعر. كان طويلاً, أسمر ضخم الجثة, بل كان مارداً لأنه حين وقف خلف بيل بدا هذا الأخير قزماً مع أنه يعتبر طويلاً. عيناه أذعرتاه أكثر من شئ آخر بلونهما الرمادى الخفيف و سوادهما المتزايد فى البؤبؤين, أنهما ادكن من أى عينين راتهما فى حياتها. الآن تبدوان خاليتين من التعبير انما تنظران إليها بغرابة و هما تقيمان مقاومتها الضعيفة التى بعثت فيها قشعريرة باردة.
تقلص جسمها المفاجئ أوحى لـ بيل بوجود خطر ما. التفت إلى الوراء بسرعة ثم أفلتها و أحمر وجهه حين أدرك من هو. استقام فى وقفته متظاهراً بالتماسك و استدار ليواجهه. سوى ربطة عنقه باصابع مرتجفة فضحت ذعره الداخلى و قالت:
ـ آسف يا سيدى, جئت فقط لارى أن كنت وصلت, أنا بيل برايت من قسم الهندسة المدنية.
لقد دخل سيمون الغرفة و هو يؤمى برأسه بلا اكتراث و تجاهل يد بيل الممدودة لمصافحته و كذلك الابتسامة العريضة التى زينت وجهه الأنيس.
أجابه بصوت يخالطه التهكم:
ـ سأتصل بك فى الوقت المناسب, أما الآن, فأسمح لىّ يا سيد برايت أن ابدأ تعرفاً آخر.
ـ بالطبع.
أحمر عنق بيل و حاول تجاهل ليزا ثم خرج من الغرفة و كأنه لا يصدق أنه نفد بجلده.
لم تلمه ليزا على تصرفه المذعور فهى نفسها أخذت تراقب الرجل بقلق و هو ينزع معطفه السميك المصنوع من الجلد.
منتديات ليلاس
لقد تركها بيل تواجه لورطة بالرغم من وفائه المزعوم. لا يسعها التراجع كما فعل هو و يجب أن تواجه هذا الرجل بمفردها. شكت فى قدرتها على ذلك. لقد أخفقتا كل من أمها و الآنسة براون فى إعطاءها الوصف الصحيح عنهفهى تصورت شخصاً طويلاً هادئاً إنما هذا الرجل لا يمكن أن يوصف هكذا, أنه وقح أكثر منه مهذب, رجل ذكر بكل ما معنى الكلمة إنما قريب من عالم النساء فى الوقت نفسه. هذه الحقيقة أكدتها نظرته السريعة على وجهها و جسمها النحيل.
قال بحزم و كلماته تشكل سؤالاً و افادة فى وقت واحد:
ـ لم تكونى هنا حين زرت الشركة قبلاً.
ـ كلا.....
أرتجفت أطرافها و تهاوت على مكتبها بالرغم منها. شل تفكيرها أيضاً فلم تُفكر فى التعريف عن نفسها كما فعل بيل, و بدلاً من ذلك اردفت بجمود:
ـ آسفة يا سيد ردفورد, الآنسة براون غائبة و قد أرتأت أنى استطيع الحلول مكانها.
التقى حاجباه السوداوان فوق وجه الأسمر اللون و قال مظهراً الاستغراب:
ـ أحقاً؟ أتقصدين القول أنك اُستدعيت للتو من مجمع للضرب على الآلة الكاتبة؟
فردت متلعثمة:
ـ كلا, كلا. كنت فى اجازة مرضية عندما جئت لتحضر مأتم عمك.
يا لورتطها! توقفت فجأة و قد استبدت بها الحيرة. هل خاطبته بأولفة زائدة؟
تنهد و عاد يستجوبها متضايقاً:
ـ قلت أن الآنسة براون غائبة, تقصدين أنها ستغيب اليوم فقط؟ هل ذع=هبت فى مهمة تخص الشركة؟
ـ لا.....أقصد......أنها فى اجازة.
ـ يا للغرابة!
سلط بصره الأسود على عينيها الزرقاوين و أردف بصوت متوتر:
ـ هل لىّ أن أتجرأ و أسأل عن مكانها؟ أنا لم آت إلى هنا لاضيع وقتى مع معاونات تنقصهن الخبرة و التدريب.
تحديقه المركز عليها يثبت أنه يقصدها بكلامه. شد ذلك من عزيمتها و مكنها من الإجابة بثبات و برود:
ـ ثق يا سيد ردفورد أنى لست مساعدة ناقصة التدريب و سوف تجدنى فى منتهى الكفاءة, و لولا ثقة الآنسة براون بقدرتى على تحمل المسؤولية لما سافرت إلى مايوركا لقضاء اجازتها.
ـ هل تصرفك لدى دخولى نموذج لكفاءتك هذه؟ أم أن الآنسة براون الوقورة تسمح بتصرف كهذا؟ من اليوم فصاعداً تأكدى يا آنسة – مهما كان اسمك – أنى لن أسمح به!
ثم أضاف بسخرية ساحقة:
ـ على فكرة, هل يضايقك كثيراً أن تطلعينى الآن على اسمك؟


نهاية الفصل الأول

Rehana 11-08-14 08:28 AM

رد: 8 - المكابرة – مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
الف الف مبروووووووووووك الرواية الجديدة زهوري

http://www.imgion.com/images/01/Rose...atulation-.gif

انا بحب روايات قلوب عبير

الله يعطيك العافية حبيبتي وبالتوفيق

تثبت الرواية

زهرة منسية 12-08-14 12:14 AM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
الله يبارك فيكى ريحانتى

مشكورة على التثبيت

زهرة منسية 12-08-14 12:18 AM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 

2- اهتزت غضباً و لم ترقها نظرته المنزلقة على
جسمها و التى اوحت معنى مزدوجاً لعبارته الجرئية.
إلا أنها احست فى اعماقها باستجابة مخيفة.

منتديات ليلاس


ذكرى اللقاء الأول انحفرت تفاصيله فى ذاكرة ليزا لمدة طويلة. فـ سيمون ردفورد دخل حياتها كالأعصار. تصورت أنه سيكون صورة طبق الأقل عن عمه إلا أن أختلافه الشديد عنه أوقعها فى حيرة من أمره. كانت تنوى التصرف بهدوء و اتزان, لكن تشابك الملابسات عاكسها فى البداية و تكفى محاولته الواضحة لاحراجها فيما يخص بيل.
لقد عبق وجهها و التهب كالنار حين سقطت كلماته اللاسعة فى اذنيها البائستين. توقعن منه أن يشمت بالحادثة لا أن يستعملها كسلاح يعزز بها حدة لسانه السريع التهجم. كان يجب أن تدرك أن رجالاً مثل سيمون ردفورد لا يتساهلون ازاء تصرفات كهذه بل يعولون دائماً على انطباعاتهم الأولى و قلما يأبهون بعد ذلك لفتاة على غرارها.
اهابت بها كرامتها ألا تناقشه فى موضوع بيل إضافة إلى عجزها عن الدفاع لكونها بدت متلبسة بالذنب.


منتديات ليلاســــــــــــــــــــــــ

زهرة منسية 12-08-14 12:22 AM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
انتقل ذهنها إلى سؤاله الأخير الذى دل على جهله هوايتها. لا يجب أن يعلم أن أمها كانت متزوجة من أبن خال والده. خطر لها أن تذكر فقط وجود قرابة بعيدة بينهما, إذ أن معظم الناس لا يعرفون انها لم تكن أبنة جون لوسون الحقيقية, لو قالت هذا لاستطاعت أن تنقذ الموقف و تمهد الطريق لنفسها إلا أنها شكت فى مفعول هذا الخبر على سيمون ردفورد. تأملت الخطوط على جبهته و حول فمه فحدست أنه يعانى ارهاقاً مع أن فكرة كهذه تناقض لياقة جسمه القوى المتين.
أحسته ينتظر جوابها على مضض فدعت الله أن يشد من أزرها .
قالت بعد أن أخذت نفساً عميقاً:
ـ اسمى لوسون, ايزا لوسون, أمى كانت المشرفة على بيت عمك, لكنك تعرف هذا بالطبع.
اضافت العبارة الأخيرة لتزعزع هجومه و لتثير حنقه كما أثار حنقها, فهو بطبيعة الحال لا يعلم شيئاً عن أوضاع عمه البيتية و سيفاجئه الخبر حتماً. رمقته بنظرة جانبية سريعة لتستطلع ردود فعله, فسارع إلى القول بنظرة ساخرة:
ـ يا لدماثتك, يا آنسة لوسون, هل تراك تسحبين السجادة من تحت قدمى؟
ارخت رموشها لشعورها بالذنب و اجابت بجدية:
ـ بالطبع لا يا سيد ردفورد.
ـ لا؟
برقت عيناه بارتياب ثم سحب كرسياً جلس عليه بطريقة معكوسة و كتف ذراعيه على ظهره, قال و هو يتأملها واجماً:
ـ لم أجد وقتاً لاقف على أوضاع عمى المنزلية مع أنه خطر لىّ أن تكون لديه مدبرة منزل لكونه عاش عازباً. كذلك لا يدهشنى أنه أمن عملاً فى الشركة لأبنة مدبرة بيته, و الآن هل تودين أتحافى بخبر آخر قبل أن نبدأ العمل؟
هزت رأسها و هى تشعر بكره تجاهه. لن يكون سهلاً أن تتغلب على هذا الرجل الذى يفوقها دهاءاً. لكنها ما تزال تحتفظ بورقة رابحة ستؤجل كشفها إلى وقت أنسب. التقطت دفتر الملحوظات و غمغمت بنعومة :
ـ ليس لدى ما أضيفه يا سيد ردفورد, هل تنوى استعمال مكتب عمك؟
بدا أنه ما يزال يشك فى قدراتها و قال متفحصاً اياها بإمعان:
ـ منذ متى تعملين هنا يا آنسة؟
ـ منذ أن تخرجت من الكلية المهنية.
ـ متى كان ذلك؟
ـ منذ سنة أو سنتين.
تقبل جوابها المبهم دونما فضول و تابع يستوضحها :
ـ إذن يمكنك القول أنك عرفت عمى جيداً فى محيط العمل اضافة إلى محيط البيت؟
ردت و هى تركز عليه نظرة حذره:
ـ اعتقد ذلك يا سيد ردفورد.
ـ لكن يبدو أن لديك بعض التحفظات؟ بأى من الجانبين تتعلق يا ترى؟ البيتى أم العملى؟ إن تعاونك قد يفيدنى يا آنسة لوسون, مع العلم أن لدى أيضاً بعض التحفظات, لقد عرفته فى المحيطين معاً – أن كنت عشت مع أمك فى بيته – إنما من الجائز أن تكون شهادتك مجروحة, أنك تدركين على الأرجح أنى أتخبط فى الظلام إلى حد ما – و هذا لا يعنى بالطبع أنى أنوى التخبط طويلاً, أنا لم أعرف عمى لسوء الحظ و كان من الجائز لو عرفته أن لا نميل إلى بعضنا البعض.
ـ لكنه ترك لك أملاكه و هذا دليل محبته.
ـ هل قلت هذا من باب التطمين يا عزيزتى ليزا أم قصدت به شيئاً آخر بالمرة؟ لقد استشفيت بعض التأنيب فى عبارتك و قد أكون مخطئاً بالطبع.
رمشت ليزا اهدابها ازاء نظرته المتفحصة و لم تفتها نبرة السخرية الخفيفة فى صوته الحريرى . احتارت لكونها هى نفسها غير واثقة من قصدها, هل هى تدين لـ سيلاس دفورد بشئ من الولاء؟ ربما الأمر كذلك, فهذه السخرية المبطنة فى صوت سيمون حركت فى نفسها شعوراً دخيلاً و مرفوضاً فـ سيلاس ردفورد, و الحق يقال, كان صادقاً مثابراً على عمله, و لم يتغير إلا فى الأشهر القليلة الفائتة. ومع ذلك حافظت الشركة على ازدهارها فى هذه المناطق, و من المفترض أن تشكل ارثاً ثميناً! أنها موظفة عادية, و هى إذا صارحت سيمون ردفورد برأيها هذا, فسوف يظن فيها الواقاحة! لذا اجابته بحيرة و تلعثم:
ـ أظننى قصدت أنه لا شك وثق فى فطنتك, إذ أعلم أنه لم يتعرف إليك شخصياً لكن معرفتى الوثيقة به تحملنى على الاعتقاد بانه ما كان ليترك هذه الشركة, التى كدح فيه طويلاً, إلا لشخص قادر على النهوض باعبائها و تعزيز اودهارها.
فقاطعها بقسوة:
ـ و ما الذى يضطرنى إلى ذلك؟ فأنا أملك شركة ناجحة فى الجنوب و لا أحب تسليم شؤونها لأخى البليد الطيب القلب لبينما أجد حلاً لمشاكل شركة عمى الصغيرة.
غضبت لسبب ما. هذا الغضب جعلها تقول بجرأة:
ـ أن قمت ببيع الشركة فستناقض بذلك رغبة عمك.
ـ لكنى لا أنوى بيعها. إن كان الفضول يثيرك إلى هذا الحد فدعينى اطمئنك يا آنسة لوسون! أنا لا أتخلى عن شئ ينال أعجابى, و هذه الشركة تعجبينى اضافة إلى أمور أخرى.
ـ لا ريب أن الموظفين سيسرون بهذا النبأ.
أجابها:
ـ خاصة أن أسعاد الموظفين صعب جداً هذه الأيام!
عضت شفتها بحنق و استغربت حدة نفورها منه, كذلك اذعرتها ثقته الشديدة بنفسه. حسبت أنها ستجد صعوبة فى العمل معه و ها هى تكتشف أنه طاغية! حاولت إخفاء عدائها المتزايد لع فيما أخذت تفكر فى تلميحاته الغامضة.
فإذا كان يعتزم إدارة الشركة فان ذلك سيزيد الدوافع الموجبة لتركها لها. أنها مقتنعة باستحالة الانسجام العملى بينهما, فهى تفضل الرجال الدمثين اللطفاء فى تعاملتهم على الرجال المماثلين له, إنه يعرض مشاعرها للأذى و يحرجها بكل كلمة كزدوجة المعنى يقذفها صوبها! عندما تعود الآنسة براون سوف تنفذ خطة الرحيل مهما حصل. حدجته بنظرة جليدية و قالت بجرأة:
ـ أن كنت لا تنوى البقاء فلا ريب أنك ستعيش فى بيت عمك.
ـ قد أفعل ذلك فى النهاية. بالطبع سألقى نظرة على البيت و قد أذهب معك بعد أن ننهى العمل. محامى العائلة عرض أن يرافقنى إليه إلا أنى لم أجد داعياً لازعاجه. لم يبد سعيداً بالذهتب لسبب ما, و لذا أنا متأكد أنه لن يمانع. و خلال الأسبوع المقبل اعتزم الاقامة فى فندق رونسون. لقد حجزت جناحاً فيه, أو بالاحرى حجزته سكرتيرتى من لندن.
رمقته ليزا بحيرة, من الواضح أنه يحرص على عدم التورط و يدرك مغبة القرارات السريعة. أن تصرف المحامى لفته و لا شك إلى أن الأوضاع هنا ليست تماماً كما تبدو. التمعت عيناها و ركزت اهتمامها على محياه القاسى الوسيم, أن خبرته الطويلة علمته أن لا يتدخل فى الأوضاع قبل أن يوازن بين فوائده و خساراتها, عقله يحسب كل شئ و يستعمل دهاءه بسهولة.
و المرء لا يقدر أن يحارب شخصاً مثله إلا بسلاحه نفسه و من المستبعد أن تنجح أمها فى مواجهته.
أحست فجأة بامتداد الصمت و أنه ينتظر جوابهاز أكتفت بايماءة إيجابية, فتغير مزاجه و قال مبتسماً:
ـ إذا نحن متفقان على زيارة البيت إلا إذا كان لديك موعد مع صديقك الشاب.
ـ بيل برايت ليس صديقى بالمعنى الذى تقصده.
منتديات ليلاس

ـ عظيم. من المفيد لىّ أن اعرف أشياء مهمة عن نفسيات الموظفين المقربين منى. هذا كل ما فى الأمر. أما الآن فلننتصرف إلى العمل.
عملا معاً دون توقف حتى السادسة مساءاً. و لو لم يحن موعد عودتها إلى البيت لكانا على الأرجح قد تابعا العمل. كذلك لم ينس اتفاقهما بالرغم من العمل لاضخم الذى انجزه ذلك العصر. جلست إلى جواره فى السيارة القوية المحرك التى قادها إلى لندن و هى تجلس بنشوة غريبة للمسيرة الرائعة التى سارت فيها الأمور فى العمل معه قد اكتسبت ابعاداً جديدة مع أن معظمه اقتصر على الروتينيات الأولية, إذ أنه درس التفاصيل الأساسية لأوضاع الشركة ثم قام بعمليات فرز و اختيار و شطب و تقيم ثم هيأ قاعدة عمل شأملة ليبنى عليها تقويماته المستقلة فى اليوم التالى. أكد لـ ليزا أنه فعل كل ذلك ليكون واثقاً من معلوماته حين يلتقى رؤساء الأقسام و يناقشهم فى التفاصيل.
لم تشك فى مقدرته الفائقة. لكن مشاعرها الشخصية حيتها إذ داخلها أحساس غريب و مقلق بأنهما يتخاطبان نفسياً على موجة واحدة, فعلى الرغم من طلباته البادية الصعوبة, وجدت نفسها تتجاوب معها بسهولة و بشكل تلقائى تقريباً. لقد عمل بسرعة و أجهدها معه و كأنه وثق بقولها أنها سكرتيرة كفوءة. بدا الأمر تقريباً كما لو أنه حركها كدمية و جعل أفكارها تتناغم مع أفكاره فى تآلف ذهنى محض و منفصل تماماً عن أى شعور جسدى مما أبعدها كلياً عن احاسيسها السابقة. أنه وضع جديد لا يجب أن تتجاهله لكنها اصرت على تجاهله إذ لم ترغب فى التعامل مع هذا الرجل و تمنت, لسبب غامض, لو تهرب من مكان وجوده بأسرع ما تستطيع.
أكدت لنفسها بوجوم و هما يخترقان الشوارع بسرعة, إنه لن يجد على الأقل ثمة سبب يدعوه إلى انتقاد كفاءتها.
و هنا علق قائلاً و كأنه قرأ أفكارها :
ـ أنك, تقريباً, لا تقلين كفاءة عن سكرتيرتى فى لندن و إذا دربتك أكثر, فقد تصبحين أفضل منها.
فسمعت نفسها ترد بوقاحة:
ـ إذن لدى أمل بأن أصبح مثلها.
إنه على الأرجح يعتبر السكرتيرة مجرد امتداد للآلة الماتبة , و جزءاً من الأجهزة العامة التى يدفع ثمن صيانتها أسبوعياً كى تستمر فى العمل على أكمل وجه. تذكرت صوت سكرتيرته على الهاتف و فكرت كم هما يليقان ببعضهما بعضاً.
اضاف يقول بغموض القاها فى دوامة جديدة:
ـ أنت شابة قابلة للتكيف و ستصلين إلى أفضل المراتب حتماً عندما أفرغ منك.
ابتلعت ريقها و حاولت استيعاب كلامه أنما لم ترقها نكهته. هل تراه يتوعدها بشئ؟
استدار إليها مرفوع الحاجبين و سألها باسماً:
ـ أليس لديك تعليق؟
ـ أخشى التعليق بشئ يورطنى. إنك تجعلنى ابدو كقطعة أثاث تعتزم صقلها من جهة أخرى قد أُخطى غداً و أسبب لك خيبة كبيرة.
ـ كلا, لن تفعلى. أن الرجل لا ينجح فى دنيا الأعمال يا آنسة لوسون, إلا إذا كانت لديه القدرة على تقييم الرجال و الأوضاع. قد يكتسب هذه القدرة على مر الزمن, لكن بالنسبة إلى شخصاً, فبوسعى أن أقيم الموظف فى خلال عشر دقائق رجلاً كان أم امرأة.
اغضبها اعتداده الكلى فقالت بحنق:
ـ أذن استطعت أن تقرأنى ككتاب مفتوح؟
ـ النساء يا عزيزتى ليزا مجموعة متناقضات و لذا يختلفن كلياً, و الرجل الحكيم لا يدعى قدرته على فهمهن ظاهراً و باطناً.
ـ لأن كنا نحتلف عنكم فلأنكم تصرون دوماً على اجاطتنا بالغموض.
قال و هو ينعطف مسرعاً بالسيارة:
ـ قديماً كانت الزوجة الصغيرة تنتظر فى البيت عودة زوجها أما الآن فتعود إلى البيت معه, و هكذا فقدت هالة الغموض.
ـ و أنت لا تحبذ ذلك؟
ـ لنقل أنى حين أجد متسعاً من الوقت, أشعر بحنين معين إلى عصر غابر كان يعيشه رجالاً كثيرون من قبلى.
ـ أن بحثت جيداً فبوسعك أن تجد لغاية اليوم تلك الحارسة الأمينة التى تهرع إليك بالخف الدافئ لحظة عودتك.
ـ لكنك لا تطمحين إلى أن تكونى واحدة منهن؟
احست بشئ ينكمش فى داخلها و بدا نفورها واضح فى التجهم الذى كسا وجهها. قالت بر\ فعل سريع متهور:
ـ كلا, فأنا أفضل عملى على أية صفقة من هذا النوع.
ضحك بازدراء و قال بذكاء:
ـ الآن الصفقة تشتمل أيضاً على الرجل؟
تقلصت كل أعصابها ثم غمرها ارتياح عارم حين رأت أنهما وصلا المنعطف المؤدى إلى البيت. و هكذا اتيح لها أن تتجاهل تعليقه الصائب و قالت بسرعة:
ـ خذ يمينك عند التقاطع, فالبيت يبعد بضعة كيلو مترات نزولاً على الطريق.
اشاحت عنه وجهها المتورد و حدقت من النافذة بعيداً. تركا الطريق العام و بدأ السير بتباطأ ثم أنقطع نهائياً حين قاد السيارة على الدرب المسيج بأشجار عالية. قال معلقاً:
ـ مكان أنيس, بل جيد, جيد جداً.
بلغا مدخل البيت المكسو بحصى أحمر. فأضاف:
ـ تصورت أنى سأجد واحداً من تلك الصروح المخيفةالتى يدفن العزاب الكهول أنفسهم فيها أحياناً.
و فى الحال, أوقف السيارة و قفز منها ثم أخذ يجول نظرة فاحصة فى شكل البناء المنخفض الأنيق و يتأمل باعجاب قرميده الأحمر العتيق و الملتمع من خلال عرائش اللبلاب و الياسمين الارجوانى التى كان سيلاس شغوفاً بها.
أشعة شمس أبريل/ نيسان المائلة, عززت تناغم البيت و الحدائق مع الهدوء الشامل, فاستطاعت ليزا أن تتفهم عزوف أمها عن ترك المكان, فهنا ينخفض ضجيج المدينة إلى غمغمة هامسة, و انسياب مياه الجدول الفضية فى وسط المرج يعطى انطباعاً مثالياً بأنهما تعيشان فى عمق الريف. صفق سيمون باب السيارة و تبعها إلى داخل البيت. قالت بشئ من الانزعاج:
ـ اعتذر لكون أمى ستمضى السهرة عند بعض الأصدقاء.
دخلا من الباب الخلفى لظنها بأنه ستوقع تصرفاً كهذا من أبنة مدبرة المنزل, و تابعت تقول:
ـ يسعنى بالطبع أن أريك البيت بدلاً عنها إلا إذا كنت تفضل استكشافه بنفسك. أت تصميمه الداخلى بسيط نسبياً.
ـ تهمنى الآن رؤية الاراضى خارج المنزل, و من السهل أن أقوم بزيارة ثانية فى حضور أمك. اعتقد أنها لن تمانع فى البقاء لبينما أقرر مصير البيت؟
تظاهرت بأنها لم تفكر قبلاً فى هذه النقطة فقالت باحتراس:
ـ لست متأكدة من موقفها.
قادته عبر المطبخ القديم الطراز إلى الردهة الداخلية, ثم ترددت قليلاً قبل أن تفتح باب غرفة الاستقبال, أن مكانتها لا تسمح لها بالطبع أن تستعمل هذه الغرفة لكنه صاحب البيت الجديد و لا يمكنها أن تبقيه فى المطبخ. قالت بسرعة:
ـ كان عمك يقضى معظم أوقاته هنا. توجد غرفةمكتبة كان يلجأ إليها فى الشتاء. لكن هذه الغرفة كانت المفضلة لديه.
ـ حسناً.....
عبر الغرفة و توقف أمام الموقد الحجرى فأمتد بينهما الصمت لبضع لحظات. لقد بدأت تعتاد على نظرته التى تحوم بسرعة و دقة لتتفحص الأشياء. ترى ألا يتوقف أبداً عن إجراءا الحسابات؟ وقفت داخل العتبة قليلاً تراقبه بقلق زائد عن السابق. هل يفترض منها أن تعرض عليه شراباً و هو صاحب البيت, اربكها الوضع فجأة و ندمت لأنها لم تصارحه فى المكتب بأن أمها لن تكون موجودة. لا شئ يجنى من هذه الأساليب الحمقاء و المتهورة.
قال بلطف قاطعاً عليها أفكارها:
ـ قد تسترخى أعصابك أكثر إذا نزعت معطفك و تناولتِ معى شراباً بدل أن تحومى هناك كظبية مذعورة تستعد للفرار.
ـ شكراً لك.

منتديات ليلاســــــــــــــــــــ

زهرة منسية 12-08-14 12:24 AM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 

فكت أزرار معطفها باصابع مرتبكة فسارع إلى حمله عنها و القاه على ظهر مقعد. اتجهت بخطئ واثقة إلى خزانة الشراب وراقها أنه ترك لها مهمة الضيافة.
عاودها الاضطراب فتشاغلت بسكب الشراب. لقد بدأت تدرك مغبة تصرفها الأحمق, قالنار التى أوقدتها أمها قبل رحيلها من البيت ستوحى إلى سيمون ردفورد حتماً بأنهما تأخذان كامل حريتهما فى البيت....قد يظن فيهما الوقاحة لكونهما تستعملان غرفة الجلوس بدلاً من أن تلزما جناح الخدم الخاص بهما. ناولته كأسه و تساءلت أن كان يتوجب عليها أن تدعوه للعشاء لأنه سيقضى الليلة هنا على ما يبدو.
لكنها أخطأت فى تصورها, إذ ما كادت تستذكر موجودات الطعام فى المطبخ, حتى وقف قافزاً على قدميه و تقدم ليقف أمام أحدى اللوحات و قال بتكاسل:
ـ يبدو أن ذوق سيلاس النى كان بدائياً.
ثم أشار إلى الخطوط الدالة على هواية و أضاف بجفاء:
ـ لا يمكن القول أنها احدى لوحات كونستابل.
تورد وجهها ولاذت بالصمت. غصت بالشراب الذى جرعته بسرعة و مع أنها عنفت نفسها على تصرفها غير اللأئق إلا أنها رحبت بالغصة التى أعفتها من الجواب.تعلم جيداً أن أمها ليست رسامة من الطراز الأول لكن أسلوبها جذاب و مقبول من الناس. و هذا الرجل الدقيق الفطن يستطيع بالطبع أن يكتشف ضعف الرسم فوراً. كان بإمكانها أن ترد بأن هناك فرق كبير بين ثمن هذه اللوحة و ثمن لوحة لـ كونستابل, و أن سيلاس لم يكن رجلاً متعجرفاً, لكنها لا تستطيع, فى وضعها الحاضر, إلا أن تحتمى بالصمت. التفت إليها مستغرباً سكوتها ثم استدار فجأة و قال متفرساً فى وجهها المتوتر:
ـ لدى عدة أمور تحتاج إلى إنجاز, و أنت, لكونك كنت مريضة, فخير لك أن تنامى باكراً. غداً سيكون يوماً حافلاً بالعمل.
و أضاف و هو يخرج:
ـ بلغى أمك سلامى. أخبريها أنى سأرتب موعداً للقائها فى أقرب وقت.
خرج بعد ذلك بسرعة.
حين سألتها أمها فى وقت لاحق أن تصفه لها اخفقت فى إعطاءها جواباً دقيقاً و اكتفت بالقول:
ـ ليس سيئاً على ما أظن.
إزداد فضول السيدة لوسون و قالت متذمرة:
ـ ليتنى علمت أنه سيأتى, هل عليك أن تتصرفى دائماً بهذا الابهام المؤسف؟ ألم يكن بوسعك أن تخابرينى بالهاتف؟
ـ آسفة, لم أجد فرصة لذلك, فى الواقع لم أحسب أنه سيأتى.
حدجتها أمها بنفاد صبر و قالت:
ـ أخبرته بالطبع أنك أبنة خاله؟
ـ ماما, قلت سابقاً أنى أرفض الادعاء, بهذه القرابة. فلو أنك كنت هناو تعرفت إليه شخصياً لتفهمت موقفى أكثر. كان سيستوضح كل صغيرة و كبيرة و أنت تعلمين ذلك.
ردت مونيكا محتدة:
ـ لا أعلم شيئاً من هذا, أنك ابنة خاله فعلاً. أو بالاحرى أبنة أبن خال والده.
ـ عن طريق التبنى.
منتديات ليلاس
ـ كان تبنياً شريعاً!
ـ و مع ذلك هذا يختلف عن القرابة الحقيقة.
فهتفت مونيكا بضيق شديد:
ـ لكن لا أحد يعرف هذه الحقيقة. لقد تم التبنى قبل أن نسكن بيرمنغام بوقت طويل, حتى سيلاس لم يكن يأتى على ذكره بالرغم من معرفته له. ألا ترين يا ليزا أنها فرصتنا الوحيدة؟
أن لم تخبريه فقد يطردنا من البيت فأموت هماً و غماً.
ـ بالطبع لن تموتى يا ماما!
لماذا تبالغ أمها إلى هذا الحد المأساوى؟ أن الناس يتغلبون على أوضاع أسوأ من هذا بكثير. و حتى سيمون ردفورد القاسى قد لايخلو من الرحمة و يمنحهما الوقت الكافى لايجاد مكان آخر. قالت بأسى :
ـ لا أدرى أن كنا نستطيع تأمين دفعة أولى لشراء بيت. قد لانجد صعوبة كبيرة فى إيجاد سكن مناسب.
ـ ذلك مستحيل يا ليزا, تعلمين أن أباك لم يترك لنا قرشاً واحد, و لكونك أبنة جون بالتبنى فقد تركنا سيلاس دون أى مورد. مازلت أعتقد أنه غفل عنا بدون قصد و ليس بسببى أنا بالتأكيد.
ـ سواء أكان هذا السبب أم ذاك فلن يؤثر على أبن أخيه إذا قرر استعادة البيت.
ـ بالامكان التأثير على معظم الرجال شرط اعتماد الأسلوب الصحيح لذلك. و لو أنك بذلت جهداً أكبر مع سيلاس لما كنا وصلنا إلى هذا الوضع.
ـ سأرى ما أستطيع فعله.
بدا لـ ليزا فى الأيم العشرة التالية أنها تعمل فى المكتب و تعيش فيه أيضاً أنما لا يقل جهدها عن جهد سيمون. لقد درس شؤون الشركة بدقة متناهية و بنشاط متواصل أدهشها.
شعرت ليزا كما لو أنها تتلقى دورة تعليمية مكثفة فى إدارة الأعمال و توقعت أن تصاب بالارهاق لكن العكس حصل إذ أحست بحيوية جديدة تدب فيها, كانت تلبى كل مطالبه بمهارة و تتبعه من غرفة إلى غرفة حيث تتلقى املاءه حينا و تطبع الرسائل و المستندات حيناً آخر, و هكذا اعتادت على مزاجه المراوح ما بين الاسترخاء و الصرامة و احست بالتالى بحياة جديدة تتسلل إليها. لم تكن الموظفى الوحيدة التى تجاوبت مع سيمون ردفورد بهذا الشكل, فجميع العاملين فى الشركة أبدوا أسعد حالاً و أخذوا يعملون بحماسة متجددة, و ما عاد يقلقهم تدهور الأمور خلال السنة الأخيرة فى حياة سيلاس.


منتديات ليلاســــــــــــــــــــــــ


زهرة منسية 12-08-14 12:25 AM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 

و فى صباح أحد الأيام, المرهقة كالعادة, قال لها سيمون:
ـ هناك خلل كثير فى الشركة إلا أنها سليمة أجمالاً, ألا توافقينى يا آسنة لوسون؟
أومأت برأسها فأضاف مفكراً:
ـ اعترف لك بأننى أتعلق بها إذ أنها تبشر بامكانيات كبيرة لم يستغلها عمى كما يجب. أن اعادتها إلى سابق ازدهارهايتطلب عملاً مركزاً و تعاوناً كاملاً من الموظفين. هل انا واثق من دعمك يا آنسة لوسون؟
طرح السؤال بحدة فلم تدر كيف تجيب سيما أن مخططات الهرب تملأ رأسها فلجأت غلى المراوغة:
ـ مضت ثلاثة أسابيع تقريباً على غياب الآنسة براون. أنها سترجع قريباً, و لا شك أنك ستجدها أكثر كفاءة منى.
و سرعان ما ندمت على الأسلوب الذى صلغت به جملتها القصيرة, فقد يفهم منها أشياء كثيرة إلى جانب ما يدور فى رأسها, أحسته يراقبها بتمعن و هوى قلبها حين أجابها قائلاً:
ـ هلا تبغين الاطراء يا آنسة لوسون, أم التأكيد بأنك سوف تستمرين فى عملك الحالى بعد عودة الآنسة براون, أم أنك تبغين الأمرين معاً؟
تقلصت يداها خلف ظهرها و ابقتهما هناك كى تلجم رغبتها فى أن تقذفه بشئ! فهو يستطيع احياناً إثارة اعصابها بهذه السخرية المبطنة بالرقة.
اجابته بصوت بارد:
ـ لا أدرى ما الذى يدعوك إلى اساءة فهمى. كنت أحاول القول أنى لست موظفة مهمة و إلى حد يجعلك تفضلنى عن الآخرين. أما بالنسبة إلى استمرارى كسكرتيرتك الخاصة, فأشك فى استطاعتى القيام بهذه المهمة.
ضحك بصوت منخفض و بتهكم فضحه التواء شفتيه, قال:
ـ أجل يا آنسة ليزا, يمكنك الاضطلاع بالمهمة على أكمل وجه. أدركت ذلك فور تعرفى عليك. أن كنت لم تفطنى إلى امكانياتك لغاية الآن فأنا فطنت إليها, و لا تحتاجين إلا إلى شئ من التوجه الصحيح. أنت معقدة النفسية و بعض عقدك لا علاقة لها بالعمل و لكنى عازم على تخليصك منها حالما أجد وقت لذلك. سأقول أيضاً أنى أستمتعت بالعمل معك و اعتزم التمتع به أكثر, و أخيراً يا آنسة لوسو, لا ريب أنك سوف تتجاوبين و تكافئيننى على جهودى بشكل رائع.
رمشت عيناها غضباً و لم ترقها نظرته المنزلقة على جسمها و التى أوحت بمعنى مزدوج لعبارته الجرئية إلا أنها احست فى أعماقها باستجابة مخيفة من الإثارة الدخيلة, فخشيت أن يلحظ شيئاً فقالت على عجل:
ـ لا أطمح إلى أن أصبح آلة حاسبة الكترونية بشرية يا سيد ردفورد, و لا حتى من أجلك أنت.
رن الهاتف فأجابها بليونة قبل أن يرفع السماعة:
ـ على أية حال فكرى فى الأمر.
منتديات ليلاس
لا شك أن سيمون ردفورد يشكل نموذجاً مثالياً لرجل الأعمال الناجح, و هذه الصفة تتمثل فى بزته الداكنة الكاملة الاناقة, فى تفكيره الذكى المنظم, و خبرته المتطورة فى ادارة الناس و الأدوات. و راحت أفكارها تستكشف نواحى أخرى, إذا بقى هنا ردحاً فكيف سيمتع نفسه؟ أنها تعرف أنه تلقى حتى الآن عدة مخابرات من لندن من نساء أظهرن فضولاً غريباً لمعرفة أماكن تواجده, و لم تنم اصواتهن على أنهن متقدمات فى السن. لا ريب أن له ذوق رفيعاً فى النساء يتمشى مع وجهة نظره الحياتية العامة و هذه الخاطرة ضايقتها لسبب ما.
تنهدت و اشاحت عنه فيما استمر فى التحدث مع سكرتيرته. عرفت أنها هى المتحدثة من النبرات البلورية الصافية التى تتردد فى جوانب الغرفة. لم يأت سيمون بعد لزيارة أمها, و لا تدرى هل يزعجها ذلك أم يسرها؟ فى بادئ الأمر شعرت بالارتياح لأنها تؤجل مواجهة التعقيدات التى تنسجم حتماً, إلا أنها بدأت تشعر بوطأة حيرتها بالاضافة إلى قلق أمها المستمر. لم يبد حتماً أنه عرف الحقيقة من أحد, فمحامى عمه كان مريضاً مريضاً و شريك المحامى الغريب عن المنطقة تقريباً, كان يساعد سيمون فقط فى استفساراته المهنية.
من جهة أخرى عزف سيمون عن قبول الدعوات الاجتماعية, لكنه سيضطر عاجلاً أم آجلاً, إلى تقبلها, و هنا سيعلم الحقيقة لا ريب.
أقفل الخط و قال لها:
ـ قد أطلب إليك أن ترافينى بعد الغداء إذ أنوى الاطلاع على مشروع بيناء خارج المدينة و ساحتاجك لتدوين الملاحظات. أما الآن فأريدك أن تنسخى بعض التعليمات لنرسلها إلى لندن إذ يبدو أن أخى العزيز لا يرغب فى تحمل المسؤولية و يصر على ارشادات مطبوعة واضحة......
ثم اردف بصوت جاف:
ـ أنه مثلك يا آنسة لوسون, لا يطمح لأن يصبح آلة حاسبة ألكترونية و لا حتى بشرية!
خرج مع بيل برايت فى وقت لاحق من ذلك الصباح و عاد قبيل الواحدة. كانت ليزا قد تناولت الساندويتش المعتاد و أخذت تميل إلى الظن أنه قد نسى الموعد عندما فتح فتح الباب بهدوء و دخل المكتب. كانت شاردة الذهن فلم تسمع خطاه على الدرج. استدارت مجفلة لتراه يقف أمامها بجاذبيته الطاغية. إلا أن بريقاً غريباً ظهر فى عينيه لم يوح لها بأن ثمة شيئاً جديد قد طرأ على وضعهما. ابتسمت له بعفوية فأخذ يراقبها مائل الرأس ثم بادلها ابتسامة قاسية مزدرية و أعلن بدون مقدمات:
ـ كنت أقوم بزيارة أمك. استمتعت بلقاءها, و اعترف بأنى أستمتعت أكثر بما قالته لىّ يا أبنة خالى العزيزة.


نهاية الفصل الثانى


سهير محمود 12-08-14 09:58 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
جميلة جدااااااااااااااااا يا اجمل زهرة
بس مستحيل تكونى منسية لانك دايما فى قلوبنا

سهير محمود 13-08-14 10:32 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
كمليهاااااااااااااا بليز بسرعة

زهرة منسية 14-08-14 02:37 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سهير محمود (المشاركة 3463313)
جميلة جدااااااااااااااااا يا اجمل زهرة
بس مستحيل تكونى منسية لانك دايما فى قلوبنا

مرحبا سهير

:) شكراً يا قمر على رقتك و ذوقك

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سهير محمود (المشاركة 3463504)
كمليهاااااااااااااا بليز بسرعة

[CENTER] أكيد بكملها بس أستجملينى لو تأخرت شويا علشان مضغوطة بالشغل

و أنا ما كتب الرواية كاملة

[CENTER]

زهرة منسية 14-08-14 02:41 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة الفصل الثالث
 

3 – تحاشت النظر إليه و حاولت أن تفكر بمنطقية.
هناك أمها التى يجب أن تفكر فيها بالدرجة الأولى
هل يسعها التوصل معه إلى تسوية إذا احتفظت بهدوء اعصابها؟


منتديات ليلاس


حالما تكلمت أحست ليزا بدوار فى رأسها. لفهما صمت غريب و هى تحدق إليه منذهلة. لقد صدم حواسها و أعتقد على اعلى الارجح أنها تستحق مثل هذا العقاب. بقيت عدة لحظات عاجزة عن الكلام و التنفس المريح, أما هو, فأخذ يراقب ردفعلها بقسوة واضحة. سألته فى الأخير بما يشبه نقيق الضفادع:
ـ كيف عرفت ؟
قال بفم متقلص:
ـ كنا قريبين من البيت عندما ذكر بيل برايت شيئاً عابراً أثار شكوكى و جعلنى بالتالى اقرر رؤية أمك. كان من المفترض أن أجتمع بها منذ أسابيع و لذا لم احتاج إلى تبرير. لكن أنت يجب أن تقدمى لى تبريراً مقنعاً, و لا تتظاهرى بأنك تجهلين ما أرمى إليه.

منتديات ليلاســـــــــــــــــــــــ


زهرة منسية 14-08-14 02:42 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة الفصل الثالث
 

المراوغة مستحيلة و قد اكتشف أمرها! قالت على مضض:
ـ آسفة, كان من المفترض ربما أن أخبرك قبل اليوم إلا أننى لم أجد لذلك جدوى.
ـ لا أفهم.....لدى أبنة خال بعيدة, إنما لا ترى من المناسب أن تطلعنى على هذه الحقيقة! كان يجب أن تخبرينى لدى وصولى أو عندما ارجعتك مساء إلى البيت, حيث جلسنا بانسجام فى غرفة الاستقبال الحميمية – أم أنى لم أوح لك بالثقة؟
ـ كنت أنوى ذلك......
فقاطعها بصوت بارد:
ـ لديك نزعة درماتيكية على ما يبدو, فى الواقع أشعر بشفقة كبيرة على أمك. لقد عرضتها للقلق كما فعلت معى, إنما بطريقة أخرى.
فاتسعت عيناها غضباً و هتفت:
ـ أنت تظلمنى, فالقضية أعمق جذوراً مما تظن!
ـ أنها تبدو لىّ واضحة تماماً.
شحب وجهها و احتارت فى إيجاد طريق محدد تتصرف على ضوئه. لقد حانت لحظة المواجهة و ليس من السهل أن تعارض رغبات أمها. ربما ليس من الأهمية بمكان سواء كانت ابنة خاله الحقيقية أم لم تكن؟ قالت مراوغة لتكسب وقت:
ـ قلما تكون الحقائق مطابقة لظواهراها.
ـ هذا ما بدأت أدركه لتوى.
ـ يمكننى أن أفسر......
ـ و أنا لست مستعد الآن للإصغاء أو لمناقشة الموضوع مناقشة صحيحة بت آنسة لوسون.
توردت لكونه قصد أن لا يخاطبها باسمها الأول فلمس خدها بلطف و قال:
ـ أجل, أنك تستحقين بعض العقاب يا عزيزتى ليزا لوسون, لا عجب أن أنااساً كثيرين كانوا يحدقون إلىّ باستغراب عندما أخاطبك هكذا. كل ما أرجوه ألا يكونوا فسروا كلماتى حرفياً.
ابعدت وجهها عن ملمس يده و قلبها يخفق مضطرباً, حيرها جفاف صوته فقالت بإيجاز:
ـ آسفة يت سيد ردفورد.
ـ من الطبيعى أن تأسفى, فمن النادر أن يتعرف المرء فجأة على أبن عمة مفقود. هذه المناسبة تستدعى احتفالاً فى نظرى. يمكننا أن نتناول العشاء معاً أن شئت, قبل ذهابك إلى البيت.
لم تكن دعوة بالمعتى الحقيقى بل نوعاً ما أمر, لأن نظرته القاسية كانت تكذب تظاهره بالحماسة و الانشراح.
ردت بيأس متزايد:
ـ لا أدرى أن كنت أستطيع الخروج هذا المساء فأمى ستتوقع عودتى .
ـ كم عمرك يا ليزا؟
عزز سؤاله بنظرة متفحصة و عادت أصابعه إلى خدها ثم أضاف بالحاح و هو يرفع ذقنها نحوه:
ـ تبدين فى السادسة عشر لكن أمك العزيزة أكدت لىّ أنك تناهزين العشرين. إذن عليك أن تفكرى بعذر أفضل من ذلك. هاك الهاتف و لك كامل الأذن أن تخابرى أمك.
أفاقت من ذهولها و أزاحت رأسها ثانية لتهرب من ملمس يده. شئ فى صوته أزعجها, و لمسته أشعلت أعصابها بلهب غريب. قالت بهزة من رأسها:
ـ لا أرى فى الواقع أى جدوى من خروجنا معاً. لا تضع وقتك فى محاولة إقناعى, يمكننا أن ناقش الموضوع هنا, قبل عودتى إلى البيت.
تفحصها فى صمت غامض ثم قال:
ـ أفضل أن أتعرف على أقاربى بالطريقة الصحيحة يا ليزا, و فى أجواء تتيح الألفة و الانسجام. ما زلت مندهشاً من أكتشافى لوجود أقارب لىّ فى بيرمنغام و لذا عليك أن تعذرينى و تسايرنى بعض الشئ.
ـ لابد أنك توقعت أن يكون لك أقارب فى مكان ما؟ من النادر أن يكون المرء مقطوع من شجرة.
ـ الأقارب, يا عزيزتى ليزا, ملحقات يمكننى الاستغناء عنها.
لم يرقها كلامه فحدقت إليه بغضب. كانت تدرك غريزياً أنه يتضايق من كل أنواع القيود إلا أنها عجزت عن التعاطف معه. فكم من المرات تاقت هى إلى رفقة شقيق أو شقيقة؟
أجابته بنظرة براقة:
ـ أوليس لك شقيق؟ بوسع الأقارب أن يبهجوا الحياة.
ـ و احيانا يضايقوننا إلى حد القرف!
ـ أن كنت تنظر إليهم من هذه الزاوية فلا عجب أن تظن فيهم الجحود!
ـ أرجوك يا ليزا. كفى عن الجدال, هيا سرحى شعرك و كونى جاهزة فى السادسة.
ـ شعرى فى حالة مزرية....
ـ هكذا لاحظت, أذهبى و سرحيه عند أحد المزينين أظنه قابلاً جداً لأن يصبح رائع و أنا أحب نسائى مرتبات انيقات. خذى أجازة ساعة بعد الظهر أن شئت, و لا أريد مزيداً من الاعذار.
فى قت لاحق أطل بيل برأسه من الباب و عرض إيصالها إلى البيت فأخبرته عن موعدها مع سيمون وأضافت مفسرة:
ـ لم استطع الاعتذار عنه, أنه موعد عمل فى أى حال لتعويض الوقت الذى أمضاه اليوم خارج المكتب.
أجابها بيل بطريقة اخافتها قليلاً:
ـ أعتقد أن ابن عمتك و قد اندهش هذا الصباح حين ذكرت له ذلك. أدركت أن بيل يجس نبضها, فأسدلت اهدابها هرباً من فضوله و غمغمت تراوغه:
ـ لابد أنه كان شارد الذهن. أنه يعرف كل شئ و يسبق الآخرين دائماً بمعرفته.
نجحت فى جر بيل إلى موضوع آخر فقال و هو يمرر أصابعه بعصبية فى شعره الأشقر الكث:
ـ أوافقك تماماً على كلامك! لقد أملت أن ينظم أوضاع الشركة أنما ليس إلى الحد الذى ذهب إليه, فهو يدقق فى كل صغيرة و كبيرة و ما عدت أعرف فى أى اتجاه أسير! لقد وضع عينيه أيضاً على الأراضى حول بيتكم كى يستثمرها فى أقول هذا لاحذرك منه, و سواء كان أبن عمتك أم لم يكن فهو قادر على أيقاع أية فتاة, و قد أعذر من أنذر.
هذا النبأ الجديد أوقعها فى الكآبة فخفت فرحتها بتزين شعرها. فى أى حال لم تكن تنوى فعلاً أن تفعل ذلك, و تذرعت بمشكلة شعرها لتتملص من دعةته, ثم أخذت موعداً لتصفيفه فى لحظة تمرد و حنق, فى صالون لم تزره من قبل معروف بأسعاره المرتفعة و مما زاد من امتعاضها أن صاحب الصالون هذا اهتم بها أشد الاهتمام و كأنه متحالف مع سيمون فراحيثرثر و يهتف و يعلق و هو ينظف شعرها و يقصه و يسرحه حتى أحست بالدوار. كانت تنوى أن تستفيد من الوقت فى التفكير العميق البناء لكن هذا المزين لم يتح لها الفرصة. و ها قد انسدل شعرها المصفف بجمال على كتفيها و لكن أفكارها المشوشة ظلت على حالها.
فى طريق عودتها إلى المكتب استمرت الصدمة تهزها كلما تذكرت ما ينوى سيمون فعله بحدائق البيت. لابد أن بيل مخطئ فى تصوره؟
اصمت اذنيها عن سماع الصوت الخافت الذى همس لها أن بيل على صواب...أن كان سيمون لا يعتزم السكن فى هولوز أند فهناك احتمال كبير أن يفكر فى استغلال المكان تجارياً. أن عينه الساهرة لا تفوتها رؤية أى شئ, و هو مستقل فى قراراته و مشاريعه الخاصة مع أنه اعترف تقريباً بأنه يحب الجنس الآخر, و لابد أنه عرف العديد من النساء و بات على عتبة الأربعين.
اجتاحتها رعشة تحذير لم تدر لها سبباً. أن حيويته الجبارة شئ جديد بالنسبة إليها, و لكنها لم تدعها تسحقها. يجب أن تبحث داخل نفسها و تجد حل لمشكلة أمها المستعصية. لابد أن تكون هناك طريقة تتوصل بها إلى انسانية سيمون ردفورد دون أن تضحى بكرامتها الأنثوية. عادت بعد إلسادسة لتجد الشركة خالية إلا من سيمون ردفورد, نزلا معاً إلى الباحة حيث توجد سيارته و فى الطريق رمق شعرها باستحسان و قال:
ـ تبدين جميلة تماماً يا أبنى خالى العزيزة, ألم أقل لك هذا؟
ـ لا أذكر كلامك بالتحديد. أظنك أبديت رأيك بعدم جذبيتى.....
قال و عيناه تتقدان بسخرية مفاجئة:
ـ لم أكن بالطبع فجاً إلى هذا الحد و لربما كنت أحمى نفسى من الوقوع بسحر قرابتك.
ـ لم تكن قد وجدت الوقت آنذاك لتعرفنى من هذه الزاوية.
ضحك و هو يساعدها على صعود السيارة ثم أخذ مكانه وراء المقود و قال:
ـ كنت أدرسك من كل زاويا فى الأسابيع الثلاثة الماضية, و لم أجد فيك ما يدعو إلى الانتقاد. شعر المرأة تاج جمالها كما يقال و شعرك كان يشكو فقط من الأهمال, ألا ترين الآن أنى كنت مصيباً؟
وافقته بإيماءة صامتة فأدار بصره عنها و قاد السيارة على مهل. استرخت على مقعدها و سرها أنه اضطر إلى التركيز على الطريق.
خفق قلبها لسبب مجهول ز لم يرقها ذلك. ربما لأنه ألمح إلى اهتمامه بها و هذا دلالة على أنه يعتبرها مجرد قطعة من أثاث المنزل المكتب. كان يشق طريقه بسرعة وسط زحام السير المتزايد فسألته فى الأخير:
ـ أين نذهب؟
ـ أنتظرى لتى. أن بيرمنغام مددينة كبيرة.
أى جواب هذا؟ لجمت فضولها و لكنها لاحظت معرفته الجيدة بالشوارع فغمغمت مستوضحة:
ـ هل تعرف المدينة من قبل؟ أقصد قبل مجيئك هذه المرة؟
رد على استفسارها بسؤال من عنده كما لو أنه يجد لذة فى مناورتها:
ـ ما الذى يحدوك إلى هذا الظن؟
منتديات ليلاس
ـ لأنك لا تقود السيارة بتردد كما يفعل معظم الغرباء. تبدو تقريباً و كأنك تحفظ خريطة الشوارع عن ظهر قلب.
ـ ربما كنت أقضى سهراتى فى التعرف على الطرقات. لكنى غريب تماماً عن مدينتكم يا آنسة الفضول. منذ مدة طويلة و أنا أركز اهتمامى على احداث تطويرات عصرية فى بيرمنغام و ذلك بصفتى مهندساً استشارياً.
ـ أقصد أنك لم تكن تملك شركتك الخاصة منذ البداية؟
ـ أبى كان مالك الشركة آنذاكـ. أن العمل مع الشركات الأخرى يتيح للمهندس بعض الفرص ليمارس موهبته الابداعية و هذا يختلف عن التطبيق التقنى للمشاريع.
ـ و هل وجدت المجال الكافئ فى مشاريع ضخمة كالتى لدينا هنا- اقامة أبنية و طرقات و جسور جديدة؟
ـ لم اشترك شخصياً فى مشاريع بيرمنغام لكنى خبير فى مشاريع مماثلة.
نظرت عبر النافذة إلى الانشاءات العصرية حولها و حاولت استيعاب كلامه ثم قالت بتأمل:
ـ الهندسة علم على ما أظن لكن الذى صمم بيرمنغام الجديدة كان فناناً فى الوقت نفسه.
التفت سيمون إلى وجهها الرصين و قال:
ـ أن المهندس الذى يفتقر إلى الموهبة الفنية لا يصل إلى القمة, و فى رأيى أن البناء الفنى التصميم يزودنا بمتعة جمالية.
قالت بتردد و هى تفكر فى ناطحات السحاب الضخمة التى مرا بها فى شارع كوينزداى:
ـ كل الأبنية مصممة بفخامة و إلى حد يشعرنى أحياناً بأننى قزمة بالمقارنة.
قال مبتسماً:
ـ لا تبدين شديدة الحماسة للابنية العصرية.
ـ بل أنى من انصارها لأنها تحوى كل ما يحتاجه المرء و يرغب فيه إلا أنى أفكر أحياناً أنه لمن المؤسف أن تنمو المدن إلى هذا الحد. لقد أخبرنى سيلاس مرة أن سجل مسح الأراضى و المالكين الذى صدر فى القرن الحادى عشر فى عهد وليم الفاتح وصف بيرمنغام أنها مستوطنة صغيرة تساوى عشرون شاناً فقط. أما اليوم فهى ثانى أكبر مدينة فى انكلترا.
ـ يخيل إلى أن الصناعة لا تثير اهتمامك فما رأيك بالملاهى الليلة؟
ـ أجل ا أهتم كثيراً بالمصانع و لا الملاهى الليلة بالرغم من كثرتها. أنى أفضل المسارح و الحفلات الموسيقية, ثم هناك نوادى جاز و الديسكوتيك.........
ـ توجد أنواع كثيرة غيرها مما تحويه مدينة كهذه من وسائل التسلية لكننا سنسهر خارج بيرمنغام هذه الليلة وقد حجزت طاولة فى مكان اعرفه فى سترانفورد – اون – آيفون, مسقط رأس وليم شكسبير! أشرق محياها و قالت بلهفة:
ـ آهـ, نعم, أنه يعجبنى. لم أزره منذ مدة طويلة و كدت انساه فى الواقع.
ـ سنذهب فى ليلة أخرى إلى مسرح ميموريال ثياتر لنحضر احدى مسرحيات شكسبير, أخذت أبى إليه مرة – كان شديد الاعجاب به.
ـ و أنت؟
ـ ليس إلى هذا الحد.
شجعها الجو الودى على الاسترسال فسألته بتلقائية:
ـ هل عرفت يوماً السبب الحقيقى لخلاف والدك مع عائلته؟
عاد إلى الوراء بذاكرته و قال مقطباً"
ـ لست متأكداً. ففى سنوات حداثتى كان والدى ينعم بالنجاح و الرخاء و لم يخطر لىّ فى الواقع أن أتساءل عن ماضيه. ثم انهمكت فى دراستى و كنت راضياً عن حياتى و حاضرى. كل ما أتذكره أن والده و عمى سيلاس اتخذا موقفاً موحداً ضده عندما نشب ذلك الشجا, فرحل عنهم. كان والدى ذكياً أنما لم يكن رجلاً متسامحاً يا ليزا.
ودت لو تقول كذلك الحال مع سيلاس, فهو لم يغفر لها أبداً كونها متبنأة و لا يجرى دم آل ردفورد فى عروقها أنما قد يكون من الأفضل أن لا تطلع سيمون على هذه الحقيقة قبل أن تعرف ما تريد معرفته عنه, تظاهرت بالبراءة و سألته بصوت مرح:
ـ هل ورثت عن أبيك نزعة الحقد؟
أطلق ضحكة قصيرة و قال:
ـ أظن أن هذه النزعة عامة بين الناس و ليست وراثية بالضرورة. إنما أقر بأنى لا أتنازل بسهولة عن ما اعتبره مهماً بالنسبة لىّ.
ـ مثلاً؟
ـ الصفقات التجارية, أليست هى ما نتحدث عنه؟
ـ لكنها ليست فى أهمية العلاقات الشخصية التى يصعب التنازل عنها احياناً.
ـ أرتاك تحاولين أن تجسى النبض ثانية يا ليزا؟
كانا قد اقتربا من سترانفورد حيث اشجار الصفصاف تحف بنهر آفون المتدفق وسط أو أودية شاسعة و هادئة هنا فى الريف وادع الاخضرار و ذو سحر آخاذ ينطبع فى الذاكرة.
أجابته بارتباك و ذعر:
ـ بعض المعرفة تساعد المرء احياناً
ـ ليست المعرفة ضرورية إلا إذا كنا نتكلم عن الشئ ذاته و أظننا نتحدث عن أمرين مختلفين. قد أطلعك فى يوم ما على قصة ولد صغير كان يحب اصطياد السمك فى نهر الثيمس و لم يكن يحص إلا على قدمين مبتلتين.....النساء يعطفن عادة على الصبيان الصغار- أم أنك تعرفى هذا يا ليزا لوسون؟
ـ هل توقفن عن حبك عندما كبرت؟
التمعت عيناه بتحذير فاتها أن تراخ و قال:
ـ ما الذى يدعوك إلى طرح سؤال كهذا يا ترى؟
رد ثانية بلا تفكير:
ـ لأنك....غير متزوج.....
ـ أجل, انا ليست متزوجاً.
وافقها بدماثة انما أبقى وجهه مقنعاً جامداً حتى دخل سوق البلدة القديمة و حيث خرجت تستقبلهما لمحات من الماضى.
نظرت إليه بفضول ثم احست قلبها يخفق ن جديد. تفحصت تقاسيمه السمراء من بين اهدابها الكثيفة بدل أن تركز على اهتمامها على ابنية سترانفورد كما بدا أنه يفعل. تململت فى جلستها و تساءلت لماذا تخونها حواسها و تضطرب منه إلى هذا الحد؟ أن فيه اعتدتدتً و قوة و يرغمانها على الاستجابة له بحدة مخيفة, و يبعثان فيها اثارة غامضة تحاول اخضاعها انما قد لا تسطيع الاستمرار فى تجاهلها.....حتى تموجات صوته العميق تؤثر عليها فى العمق....إذن ليس أمامها الإ أن تسعى إلى الهرب سريعاً.

منتديات ليلاســــــــــــــــ


زهرة منسية 14-08-14 02:44 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
تناولا العشاء فى أحد المطاعم الجذابة و العديدة التى تتميز بها ستراتفورد ذات الاعمدة الخشبية السوداء التى تتقاطع على جدران خارجية بيضاء اللون. كان حول المطعم حدائق جميلة تصل ضفة النهر.
تأكد لـ ليزا أنه ما أختار هذا المكان إلا لمعرفته السابقة به. أقبلت على تناول الطعام الفاخر بلذة و جوع, و وجدت فى سيمون ردفورد مضيفاً ممتازاً إلى جانب كونه ذواقه فى الطعام و الشراب, فقد عكف على تسليتها بالأحاديث الخفيفة حتى تأكدت فى النهاية أنه لم يأت بها إلى هنا بقصد أن يستدرج منها معلومات أخرى حول علاقتها بـ سيلاس.
و فجأة قال سيمون, و كان يسترخى على مقعده إلى جانبها:
ـ أفكر فى افتتاح مكتب آخر يكون أقلاب إلى وسط المدينة التجارى. قد أفعل ذلك بعد عودة الآنسة براون التى باتت وشيكة.
أجابته بهممة خفيفة إذ لم تصغ جيداً إلى كلامه, تابع يقول:
ـ على أية حال, اعتزم الانتقال قبل نهاية الشهر و أريدك أن تأتى معى لتكونى سكرتيرتى الخاصة.
ـ أوهـ ! كلا!
أفاقت فجأة من شرودها الحالم و هبت جالسة و كادت القهوة تنسكب على ثيابها.
أضافت بصوت متوتر:
ـ لا أعلم أن كنت سأستمر فى العمل بالشركة.
بقى يراقبها بأمعان فكفت عن هز رأسها و نظرت إلى يديها تتحاشى نظراته المركزة و قال:
ـ أتقصدين أنك لا تريدين الانتقال و تفضلين البقاء فى المكاتب الحالية؟
فردت و هى تلتفت إليه مجفلة:
ـ كلا, لقد قصدت أنى أود ترك العمل برمته.
ـ لماذا؟
ـ لأنى ..... كنت أفكر مؤخراً فى الانتقال و البحث عن شئ مختلف.
ـ مثلاً؟
شعرت باشتياء غامض فر فعت رأسها و نظرت فى عينيه. كانت سعيدة قبل دقائق و ها هو يفسد كل شئ ...كان كلما تكلم يطرح سؤالاً يحيرها فتضطر إلى استنباط جواب! قالت مراوغة:
ـ قلت لىّ بنفسك, قبل ساعة, أن العمل الصناعى لا يناسبنى أو شئ بهذا المعنى.
ـ كنت أتكلم عن شئ مختلف بالمرة فلا تتجاهلى ذلك.
ثم سلط عليها نظرة تحذيرية و أردف قائلاً:
ـ أن تركك الشركة لا يدخل ضمن مخططاتى و لذا خيراً لك أن تفكرى جيداً.
حاولت أن تستجمع شجاعتها و رطبت شفتيها بلسانها ثم نسيت رغبة أمها حين اندفعت تقول:
ـ أن رغبت فى الرحيل فلن تستطيع ردعى.
ـ قد لا أستطيع منعك بالقوة, مع أنك لن تصمدى أمامى إذا أخترت استعمال العنف. إنما قد ألجأ إلى طريقة أخرى.
ـ طريقة أخرى؟
أمسكها من ذقنها و رفع رأسها بعنف لكى تواجهه ثم أفهمها بصوت قاس:
ـ أعتقد أن أمك تحب العيش فى هولوز أند.
شخصت إلييه متسعة العينين و أحست الألم يلسع جسمها كإبر و أخزة حين غرز أصابعه فى ذقنها. و مع ذلك لم تحاول الهرب و غمغمت هامسة:
ـ إذن أنت تعرف؟
ـ تذكرى أنى تحدثت مع أمك هذا الصباح, كذلك زرت محامى عمى هذا العصر, و هكذا تنورت كثيراً هذا اليوم! لقد اتضح لىّ أنك تمتين لىّ بقرابة بعيدة و لذا لا أدين لك بشئ يا عزيزتى ليزا.
كرهته فى تلك اللحظة و كرهت عجزها عن الشعور باللامبالاة, أنه يؤمن بالفعل بالصراحة المطلقة. و هى تجهل حتى ما قالته له أمها بالضبط.
ليتها اتصلت بها بالهاتف قبل أن تأتى معه! تخشبت شفتاها و ردت بخواء:
ـ لا أرغب فى مجادلتك فى ما حصلت عليه من معلومات صحيحة. أنك تبدو مستمتعاً فى اذلالى و نفسى تأبى علىّ التوسل حتى بالنيابة عن أمى.
منتديات ليلاس
ـ لن تضطرى إلى التوسل إذا اظهرت بعض التعقل.
ـ ماذا تقصد؟
أجاب بعناد قاس:
ـ تبقين معى فى العمل فأسمح لأمك بالبقاء فى هولوز آند.
ـ أنت تعلم أن سيلاس لم يوص لها بشئ؟
ـ أجل أعلم أنى الوريث الوحيد و هذا يعزز موقفى إلى حد كبير.
ـ أنك تلجأ إلى الابتزاز! أم تراك لا تدرك ذلك؟
ـ بالطبع أدرك. إنما أعدك بأن يكون ابتزازاً محبباً شرط أن تتعقلى.
قالت بصوت قاس آملت أن يخفى عنها خفقان قلبها:
ـ من النادر أن أحيد عن التعقل.
هذا الرجل بمجرد أن يتكلم يقدر على إذابة عواطفها فكيف أن استعان بطرق أخرى؟ تحاشت النظر إليه و حاولت أن تفكر بمنطقية. هناك أمها التى يجب أن تفكر فيها بالدرجة الأولى. هل يسعها التوصل معه إلى تسوية إذا احتفظت بهدوء أعصابها؟ اغتصبت ابتسامة و اقترحت قائلة:
ـ يمكنك أن تجد فتاة أخرىلتدير مكتبك الجديد. أما بالنسبة إلى البيت فقد نستطيع استئجاره منك أن كنت عازفاً عن السكن فيه؟
أجابها بصلابة:
ـ لن تقنعينى بأى من الآمرين.
تصاعد غضبها على الرغم منها فشهقت قائلة:
ـ لا شئ يربطنا بالبيت – سنغادره فوراً و نبحث عن مكان آخر.
أجابها على الفور:
ـ أمك ليست مستعدة لأن تفكر فى الرحيل مجرد تفكير و هذا الصباح اظهرت بوادر هستريا.
ـ هيستيريا؟
ـ اجل, عندما استوضحتها خططها المستقبلية.
ـ قد توافق على البقاء لتدير شؤون البيت و لتحتفى بضيوفك كما كانت تفعل مع سيلاس. أما أنا فيمكننى إيجاد مكان خاص بىّ.
تجاهل عبارتها الأخيرة و قال:
ـ لكن الخادمة التى كانت تساعدها أبدت استعدادها للعودة إلى العمل.
ـ لقد ذهبت مارى لتعيش مع أختها.
ـ ذلك لأنها لم تجد من يدفع لها أجرها.
هتفت بحنق:
ـ قمت بتحرياتك على أفضل وجه!
ـ يمكنك ان تقولى ذلك.
حدقت إليه بقلب واجف امتد بينهما الصمت ثقيلاً خانقاً, أحست انها فى مصيدة محكمة و أدركت أنه يدرك ذلك! لم تطق فكرة كونها المسؤولة عن طرد أمها من البيت فهو وضع الكرة فى ملعبها بذكاء و بدا أن القرار يعود إليها وحدها. عرضه كريم فى الظاهر, و تهديداته المبطنة قد لا تكون أكثر من مداعبة خفيفة. ربما أن ردود فعلها العنيفة هى التى ضخمت خوفها و اشعرتها بموقفها الضعيف أمامه.
قالت تسأله لتحظى بشئ من التطمين. و هى لا تريد فى الوقت نفسه, أن تسمع جواباً لا تود سماعه:
ـ لماذا تصر على بقائى معك؟
ـ لنقل أنها مجرد خاطرة عنت لىّ يا أبنة خالى العزيزة. أنا أتبع حدسى دائماً و هذه المرة لدى حدس قوى يدفعنى إلى التنفيذ. لنقل, إذا شئت أنى رجل غريب فى مدينة غريبة, و من الطبيعى أن أسعى إلى احاطة نفسى بشخص أو شخصين يمكننى الوثوق بهما.
ـ لكن هناك موظفين عديدن يمكنك الوثوق بهم؟
ـ الشركة ناجحة و لكنها تحتاج إلى ترسيخ و تنمية, هناك أشياء صغيرة تجرى فى الخفاء و تعرقل ازدهارها العام. أم أنك تجهلين ذلك؟
لاحظ أجفالها البسيط فاضاف بليونة:
ـ يبدو أنك تعرفين.
ـ لكنها أخطاء قد تحدث فى أى شركة بين الحين و الحين.
ـ إذن أعلمى أنى لا أريدها أن تستكر فى الحدوث عندنا بتاتاً ! و أنت يا قريبتى العزيزة ستكونين فى عداد اللذين سوف يساعدوننى شخصياً على منع حصولها.
ـ ألا تعتزم السكن فى هولوز آند فى يوم ما؟
أشاح عنها يجول بصره فى القاعة الخالية و قال:
ـ ليس الآن, لدى شقة مفروشة فى لندن و قد استأجرت شقة مماثلة هنا لكنى لم أقرر بعد \, اقترح أن تبقى أمك فى هولوز آند كمشرفة مقيمة على البيت أو بأى صفة أخرى ترتأينها. بوسعها أن تفسر ذلك للناس كما يحلو لها.
التفت إلى محياها الغاضب و هتف ساخراً:
ـ عجباً! اليس لديك كلمة شكر واحدة؟ كنت أتسأل فى الساعات الماضية عن السبب الذى دفع سيلاس إلى حرمانك من الآرث!
فاجأها إلى حد شل أفكارها. رفعت بصرها إليه و سرعان ما توردت وجنتاها ذلاً و قهراً. كيف يجرؤ على الشك فيها بهذا الشكل؟ لم يكف طوال السهرة عن تحقيرها و لكنها لم تتوقع ان يصل إلى هذا الحد....أهابت بها نفسها أن تنهض و ترحل لكن شعور الذنب سمرها إلى مقعدها, لا تستطيع الأنغماس فى الذل أسهل طريقة للخلاص هى أن تعترف لها ببساطة بأنها لا تمت إلى سيلاس بصلة قرابه. لكن اعترافاً كهذا سيعود بالضرر على أمها.....لتكتف بهذا و اتقطع الطريق خطوة خطوة. هذه الحقيقة لا يجب أن يعرفها سيمون فى الوقت الحاضر....قالت بصوت جامد:
ـ توفى سيلاس بطريقة مفاجئة و كان قد كتب وصيته منذ زمن لبعيد.
ـ قد يكون هذا تفسيراً منطقياً و قد يشجعنى أكثر على أنتظار ما ستاتى به الأيام.
أحست فجأة بارهاق يمنعها من تفسير كلماته الغامضة. كان نهاراً طويلاً و لم ينته على ما يرام, توقدت عيناها بامتعاض غاضب و صارعت شعور ذل مرير عندما أيقنت أنها مهما فتحت من طرقات فسوف يسبقها بخطوة و يسد عليها كل المنافذ. لم يعزز موقفها انجذابها الغريب إلى رجولته الطاغية. حاولت ببرود أن تتفحص الدافع إلى اعجابها هذا. قميصه أبيض و بزته الرسمية يبرزان طول قامته و تفيضان عليه وقاراً داكناً أنهه رجل قوى بكل معنى الكلمة و حنكة القاسى و شفته السفلى المليئة تكملان بعضهما البعض.
اضطرب قلبها بين ضلوعها و خشيت أن يستشف انفعالها. سألته بنعومة:
ـ هل هذا كل شئ؟
رد بلطف و عيناه توغلان فى عمق عيناها:
ـ كل شئ فى الوقت الحاضر.
ـ إذن بوسعنا أن ننصرف.
قفزت واقفة إلا أنه أعتقل ذراعها و أرجعها إلى مقعدها. صدمتها أصابعه المنغرزة فى جلدها كالفولاذ فتصاعدت النار إلى حلقها مهددة بخنقها, قال:
ـ ملاً لا تستعجلى كثيراً. أحب دائماً أن أحدد خلاصات المواضيع.
لقد تجادلنا طويلاً أنما يبدو أننا وصلنا إلى أتفاق معين و هو أن تبقى أمك فى هولوز آند و تستمرى أنت فى العمل معى فى المكتب الجديد.
ـ سأفعل ما تقول.
تحملت يده المطروحة بلطف على ذراعها بجسم متقلص و مرتجف فى آن. أقسمت بتفكير طفولى جامح أن تجعله يكفر من تصرفه هذا فى يوم من الأيام!
ضاقت عيناه حين أخذ يقيم تحديها المتهور, و بدا مناسباً للجلسة أن تكون له الكلمة الأخيرة, و حيث بقيت عبارته ترن فى أذنيها خلال عودتهما إلى بيرمنغام :
ـ أود أن أوضح تماماً بأنى أدير شركة لا جمعية خيرية. أنى أتوقع عملاً دؤباً لقاء ما أقدم و إياك أن تنسى هذا يا عزيزتى ليزا.


نهاية الفصل

فراءة ممتعة

نور الاحلام 15-08-14 07:18 AM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
كم هي رائعة .....ارجوك أنتظر البقية في شوق كبير يا زهرتنا....الفصل الاخير مشوق سلمت يديك

زهرة منسية 16-08-14 01:33 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
أهلا بيكى نور نورتى الرواية بوجودك

لعيونك فصل جديد من مغامرات ليزا و سيمون

زهرة منسية 16-08-14 01:36 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة الفصل الرابع
 

4 – تُرى لماذا لا يُحدث فيها بيل أى أنطباع
فى حين أن نظرة واحدة إلى سيمون تُحدث فيها الأعاجيب؟
هل لأنها لا تحاول؟ إذن....فلتجرب.

منتديات ليلاس


لما عادا إلى البيت هذا المساء رأت ليزا النور مضاء فى غرفة الجلوس فأدركت أن أمها لا تزال ساهرةفى انتظارها. وقفت فى ظل الجدار بجسمها النحيل المعتدل الطول حتى انصرف سيمون فى سيارته ثم استدارت و ركضت إلى داخل البيت.
و قبل أن تغلق الباب وراءها خرجت أمها من غرفة الاستقبال و سألتها بقلق ظاهر:
ـ خابرنى بيل و قال أنك ستخرجين مع سيمون, أين ذهبتما؟ ألم تدعيه إلى الدخول؟
ـ دعوته لكنه رفض. ذهبنا إلى ستراتفورد و تحدثنا.
علت شفتيها ابتسامة خفيفة و عادت مع أمها إلى حيث النار ما تزال تتواهج. خلعت معططفها الرقيق و دفأت يديها. أنها أواخر أيار / مايو و مع ذلك بدا الطقس يتجلد فجأة.
و عادت أمها تسأل بلهفة:
ـ أحقاً يا حبيبتى؟ عما تحدثتما؟ أم أنك تفضلين ألا تخبرينى؟ هل قال.....
صمتت مونيكا فالتفتت إليها ليزا لترى الخشية تملأ وجهها و التعب بهدل شفتيها و هى تحاول بألم ملحوظ أن تكمل السؤال بلا جدوى. اشفقت ليزا عليها و قالت تطمئنها بجمود:
ـ لا عليك ماما. قال أنه يمكنك البقاء هنا إن شئت.
فأشرقت تقاسيم وجهها المكتئبة و عاد اللون إلى جلدها بدفق سريع.
قالت و كأنها لا تصدق :
ـ قال ذلك فعلاً؟
فكرت ليزا فى نفسها, لا ينقصها إلا أن تنفجر باكية من شدة الفرح....ثم تساءلت عما إذا هى تصرفت بحكمة مع سيمون , فأمها باتت متعلقة جداً بهذا البيت و ربما كان الرحيل السريع خطوة أفضل.
أجابتها ليزا باحتراس:
ـ فى الوقت الحاضر يا أمى.
فضلت ألا تذكر لها الاتفاق الذى اجرته مع سيمون, فهو يبدو درماتيكياً و تخشى على أمها من ردود الفعل.
خبا الفرح على محيأ مونيكا و سألت بارتياب:
ـ ماذا تقصدين بقولك.....فى الوقت الحاضر؟
ـ أنى أردد كلامه حرفياً. أنه لم يزودنى باتفاق خطى أن كان هذا ما تفكرين فيه. قال أنك تستطعين البقاء كمشرفة على البيت. لم يحدد مقصده إنما عنى على الأرجح أنك لن تلتزمى بدفع إيجار.
هنا تحول فرح أمها إلى غضب و ما أرفع الخيط بينهما بالنسبة إلى مونيكل!
هتفت حانقة:
ـ يا إلهىّ ألا يخطر لهذا الجر أن سيلاس مدين لىّ بالكثير؟ أنه لو قدم لىّ البيت كهدية لما استطاع إيفائى حقى. كيف يمكنه التحدث عن الإيجار؟
ـ ماما هذا الأمر يجب أن تبحثيه معه بنفسك. إنه ليس من النوع الذى يعترف بفضل الآخرين عليه و أنا نا أستطعت الحصول منه على هذا التنازل إلا لاعتقاده بأنى أمت لخ بصلة قرابى, لا أجرؤ على المجازفة باطلاعه على الجقيقة و لكنى أشعر بالخزى من موقفى هذا.
ـ آسفة. يسرنى, على الأقل, أنك ارتايت عدم أخباره. لكنى استغرب ذهابك معه لغاية شستراتفورد لتتحدثا فى الموضو, فحين زارنى هذا الصباح كان مثال السحر و الدماثةو أنا من جهتى رحبت به جداً. كان يستطيع بكل سهولة أن يحدثنى مباشرة.
ـ سأحثه بكل سهولة أن يفعل ذلك فى المستقبل.
ثم هربت إلى غرفتها و قد اعياها الارهاق عن متابعة الجدال.
عادت الآنسة براون من رحلتها يوم الأثنين التالى فأغرقت ليزا نفسها فى العمل كى لا يأتى المساء إلا و يكون التعب قد أخذ منها كل مآخذ و حال بالتالى دون تفكيرها فى المشكلة. بالرغم ذلك وجدت صعوبة فى تحويل أفكارها بعيداً عن سيمون. لم تقدر بالطبع أن تتحاشاه فى ساعات العمل, و كانت كلما رأته تشعر باضطراب فى صدرها و بتوتر فى أعصابها المتقلصة أصلاً, كلما اقترب منها, احست برقة غريبة تغزو شفتيها الواسعتين المقوستين, و ينتابها شعور مدغدغ يجعلها تتساءل بتوق عما سيحل بها لو أن هذا الرجل عانقها, و تشعر فى الوقت نفسه برعب متزايد من احتمال أن يحدس أفكارها.
رجعت الآنسة براون مفعمة بالحماسة و الحيوية الأمر الذى جعل ليزا تبدو باهتة بالمقارنة. مع ذلك فرحت لرؤيتها بالرغم من أنها بادرت إلى إغراق سيمون ردفورد بالمديح بعد انقضاء وقت قصير على رجوعها. و قالت توضح الدافع إلى إعجابها بها و تقديرها له, مثلما يفعل بيل برايت تماماً:
ـ منذ أمد طويل و الشركة فى حاجة إلى شخص على غراره, أنه يعتزم استخدام مدير عام بتسليم ادارة الشركة لكونها سيضطر إلى التواجد فى لندن فى النهاية. يجب أن تطلعى صديقك الشاب على هذا الأمر لأن الوظيفو فى النهاية ستكون مرتفعة الآجر حتما.
حدقت ليزا إلليها بغباء و استوضحتها:
ـ صديقى الشاب؟
ـ و أين ذكاؤك؟ أنى أتكلم عن بيل برايت.
تضايقت ليزا من افتراض الآنسة براون وجود صداقة خاصة بينها و بين بيل. فقررت أن ترد لها الكيل كيلين و هكذا اخبرتها, بطريقة لطيفة, أن سيمون لن يعود إلى لندن بل هو يفكر فى افتتاح مكتب آخر فى قلب المدينة, و سرت حين رأت هذه المعلومات تحدث الآثر المطلوب فى الآنسة براون إذ ما لبثت أن ابتدعت حجة واهية و دخلت مكتب سيمون الخاص و هكذا اتاحت لـ ليزا أن تنظم أفكارها لبضع دقائق.
ما الذى يدعو الآنسة براونإلى الافتراض بأنها على علاقة عاطفية مع بيل رايت؟ أنها لا تعتزم بالطبع أن تكون الاداة التى تضمن له هذه الترقية إذ عليها أن يحظى بهذا المركز من خلال جهوده الخاصة لا من خلال جهود الآنسة براون: تملكها ذعر مفاجئ فالتفتت صوب الباب المغلق آملة ألا تكون الآنسة براون قد دخلت على سيمون لتمهد الطريق لـ بيل على أمل أن تستفيد من مكانته الجديدةفى حال ترقيته.
خرجت الآنسة براون و امارات الكدر على وجهها ثم اعربت عن ظنها بأن ليزا قد تمت ترقيتها من وراء ظهرهاو كان بامكانها أن تنتظر قليلاً حتى تبلغ سن التقاعد و تأخذ مكانها بصورة طبيعية. و فيما كانت ليزا تحاول استيعاب كلامها و تهيئة دفاعها, أخضعتها الآنسة براون لاستجواب قاس حول طبيعة نشاطاتها أثناء غيابها فى مايوركا. و قبل أن تتهمها صراحة باتباعها اساليب ماكرة سارعت ليزا إلى تهدئة روعها بالقول أن سيمون ردفورد فعل ذلك من باب مراعاة اقاربه.
سرها أن تنجح تهدئة السكرتيرية الكهلة إذ لانت قسمات وجهها و قالت :
ـ أظنك على حق يا عزيزتى, فلولا ههذه القربى بينكما لما اهتم بك بتاتاً. لكن هذا الجواب زاد قناعة ليزا بأن غطسها فى بركة الخديعة يزداد يوماً بعد يوم و أنها تستحق هذه القذيفة التى اطلقتها عليها الآنسة براون.
فى احدى الأمسيات, و بفعل نفسيتها البائسة وافقت على الخروج مع بيل, لكن ذلك لم يحل المشكلة و لم يشعرها بالانتعاش المطلوب, فما أن أنقضت الساعة الأولى من اللقاء حتى ادركت غلطتها لكنها اضطرت إلى احتمالها لعجزها عن تصحيحها.
كان بيل يضج بفضول لم تقدر أن تشبعه. و قد ولد فضوله منذ طلبت إليه أن يزور أمها ليلة ذهبت مع سيمون إلى ستراتفورد, لم يكن بيل معتاداً على زيارة البيت فى عهد سيلاس, أما الآن فمن الطبيعى أن يهتم بمعرفة الأوضاع الجديد فى هولوز آند. طرح عليها فيضاً من الأسئلة المباشرة إنما بتهذيب جم جعل رفضها الاجابة يبدو نوعاً من الوقاحة. كما أظهر لطفاً زائد و كأنه يغريها على الوثوق به لعله كان ينصب شركاً كالذى ينصب دائماً للأناس الطيبين.

منتديات ليلاســــــــــــــ


زهرة منسية 16-08-14 01:38 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
استغربت أن يختار بيل واحداً من أرقى فنادق بيرمنغام ليتعشا فى مطعمه. بدا خانقاً بعض الشئ, و لا يناسب طبيعة بيل الزاهية. لم ترتح هى أيضاً إلى جوه الكئيب وودت لو أنهما سهرا فى مربع راقص ليسهل عليها التهرب من تركيزه المدروس و سرعان ما بلغها ما يدور من شائعات حول المركز الأدارى الحالى و سألها عن صحة ما يقال, مدفوعاً بطموحه إلى الحصول على هذا المنصب.
ثم قال فجأة:
ـ لا تنظرى فوراً! أن سيمون ردفورد يجلس على بعد عشرين خطوة من يسارك و يتلقى عناية فائقة تليق بمقامه الرفيع.
التفتت ليزا على الرغم منها, مع أن عقلها أهاب بها أن تنظر إلى مكان آخر, و راته بالفعل يجلس إلى طاولة فى وسط المطعم مع مجموعة من رجال الأعمال المحليين و زوجاتهم. أنها تعرف عدداً منهم إذ طالما حضروا إلى هولوز آند لتناول العشاء على مائدة سيلاس.
راحت تحدق إليهم, فقل بيل و كأنه قرأ أفكارها:
ـ أنه يكمل مهمة الرجل العجوز بل يتفوق عليه فيها, فأنا أراهن أن السير رونالد و زوجته لم يكون يشرفان مائدة سيلاس بحضور متكرر.
هزت ليزا رأسها بتعاسة, لم ترقها عبارة بيل الوقحة و لكنها لم تستطيع نكران الحقيقة, فالسير رونالد تنسون تناول العشاء مرتين فقط فى هولوز آند, و تذكر أن اللقائين كانا خاليين من معرفته الوثيقة برجال الأعمال النافذين كما أن لديه أبنة جميلة....لم تحتاج ليزا إلى النظر بدقة لترى أن سيمون يوليها اهتمام كبيراً.
و على حين غرة شعرت بغثيان لم تدر له سبباً. لاحظت هذا المساء أن سيمون يرتدى سترة سهرة و يبدو صارخ الشخصية, الأمر الذى جعل الرجال حوله يبدون باهتين بالمقارنة. أنه ليس وسيماً بالمعنى الحقيقى للكلمة, لكن ما يتمتع به من حيوية و قوة و لياقة بدنية كفيل بأن يأسر الخيال و يدير الحواس, وكم هى واضحة نظرات الاعجاب التى ترمقها عليه السيدات من حوله!
و قال بيل مغمغاً بوقاحة:
ـ لو اتيحت لىّ الفرصة لما مانعت بدورى فى قضاء السهرة مع واحدة أو أثنتين من أولئك السيدات.
افاقت ليزا من شرودها و قالت ببسمة خفيفة:
ـ الصدفة شئ رائع
لقد صممت أن تطرد هواجسها و أن كان بيل قد تعمد المجئ بها إلى هنا فهو يستحق بسمة أو بسمتين على جهوده, قال مجيباً:
ـ لست أمانع أن وددت أن تتوسطى لىّ مع أبن عمتك العزيز.
رفعت حاجبيها مستهجنة فقبض على يدها و قال :
ـ لا أقصد الفتيات بالطبع, أنت أجمل منهن بمراحل خصوصاً إذا ارتديت ثياباً أكثر اغراء, أن المجموعة التى تجلس هناك قد ترفع شاب مثلى إلى أعلى المراكز أو تنزله إلى الحضيض, أننا ننظر غلى مجموعة تتبادل المصالح العملية فى ما بينها, هكذا تسير الأمور.
تجاهلت انتقاده لثوبها المحتشم و سألته:
ـ يفعلون ذلك حول مائءدة العشاء؟
ـ أنها طريقة مريحة على الأقل.
راح يضغط بلطف على كفها المأسورة بين أصابعه. و علقت قائلة:
ـ لكنها طريقة شرعية على ما أظن.
ـ لكنك قلت.......
توقفت مقطبة الجبين, ماذا قال بالضبط؟
فصحح لها متظاهراً بالصبر على سوء ظنها:
ـ ما أسرعك فى التوصل إلى الاستنتاجات المغلوطة. لم أكن أنتقد سيمون, فأغلب الظن أنه لا يحبذ مطلق تصرف خارج عن الأصول قلت فقط ان اجتماعاتهم هذه هى جزء من العمل.
ـ فهمت.
بدا أن عامل المطعم نسى وجودهما لكن طاولتهما منعزلة هادئة فحاولت الاسترخاء أما بيل فسايرها فى أقفال الموضوع و استمر يضغط على يدها و يقرب وجهها من محياها. فى ذلك الجو الخفيف النور , راحت تنظر ردود فعلها بلا جدوى. قلبها يحفق بصورة طبيعية, ومع أن بيل كان يحدثها همساً إلا أنها لم تكن مركزة على كلامه. لماذا لا يحدث فيها أى انطباع بالمرة فى حين أن نظرة واحدة من سيمون تُحدث فيها الاعاجيب؟ هل لأنها لا تحاول الاستجابة لـ بيل بما فيه الكفاية؟ إذن, فلتجرب.....
أدنت وجهها منه فى العتمة و ابتسمت له بإغراء خجول. تراقصت اهدابها فوق عينيها الزرقاوين و انسدلت على خديها المتوردتين أحست أصابعه تنقبض على يدها باستغراب قبل أن تصعد إلى ذراعها, أشرق وجهه الأشقر و همس بصوت أجش:
ـ يا حلوتى! لقد اكتشفت للتو أنك من لحم و دم!
ـ مساء الخير.
فجأة قاطعهما صوت سيمون ردفورد ينبعث من فوق فأرخى بيل ذراعها فوراً, قفز واقفاً على قدميه و قال بارتباك:
ـ أوهـ, مساء الخير يا سيدى.........
من السخف أن يتصرف هكذا بالرغم من أن سيمون رئيسه و يكبره سناً! أما هى, فقالت بهدوء مناقض للاضطرام الذى أشتعل بداخلها:
ـ مرحباً يا سيمون.
كم بدا صوتها فاتراً, و بأية سهولة قفز أسمه الأول إلى شفتيها! فى المكتب تصر على أن تناديه السيد ردفورد – كما كانت تفعل مع سيلاس – أما هنا, فمن السخيف أن تتكلف معه أن تثير أيضاً شكوك بيل القابلة دوماً للتوسع!
تالقت عيناه و ألتوى فمه بتلذذ واضح حين قرأ الذعر فى عينيها و قال:
ـ ما هذا؟ يبدو أنى بدأت اعتاد على مفاجئتكما فى اللحظة الحرجة, لكننى لم أشأ أن أمر بكما بدون أن أكلمكما.
ـ لكنك لا تحتاج إلى تبرير.
أوحت نبرتها الفاترة بأنه لو مر بهما صامتاً لما كانا انتبها إليه و بأنها لا ترحب كثيراً بمجيئه, قرأ سيمون أفكارها فحدجها بنظرة قاسية اشعلت فيها ناراً صغيرة. تلك النظرة توعدتها بأنواع عديدة من التأنيب اللاحق فارتجفت فى العمق.
استدار ينظر إلى بيل و قال له بلهجة فاترة و لا مبالية:
ـ أجلس يا برايت, لم أدر أنك صديق حميم لـ ليزا.
أجاب الشاب متلعثماً:
ـ أنها أمنية فى معظمهما.....اقصد من جانبى أنا
ازداد ارتباكه و اشاح ببصره عن ليزا لينظر بحيرة حوله.
ودت ليزا لو تهزه بعنف.....هل ينبغى كسب رضاء سيمون؟ إذن فقد فشل فى ذلك تماماً. ما الذى حداه إلى الافصاح عن تعليق كهذا؟ لاحظت نظرة الازدراء على وجه سيمون, و قبل أن تتمكن من قول شئ يخفف حدة التوتر, رفع يده مودعاً و استدار مبتعداً.
راقبت انصرافه بصمت و قد اذهلتها الحادثة...لقد انبأتها عيناه أنهاستاء من تصرفها إلا أنها ستتحداه و لن تأبه لذلك. أنها لم تقترف أى جريمة, و كل ما فى الأمر أنها كانت تستمتع بسهرة عشاء مع رجل آخر.
نفضت رأسها بتحد و استدارت إلى بيل فانسدال شعرها إلى جانب وجهها مخفياً تعبيره.
هذه المغامرة مع بيل لم تسفر عن نتيجة مرضية بل تركت فى فمها نكهة كريهة, أنها تدرك بالطبع أن ظهور سيمون قد أفسد عليها السهرة مع أنها حاولت أن تقنع نفسها بسخافة الفكرة و كلما حاولت أن تمحو السخافة عن ردود فعلها الخاصة كلما بدت أكثر تفاهة من السابق.
لم ترتفع معنوياتها مثقال ذرة عندما أوقف بيل السيارة فى بقعة هادئة و عرض عليها الزواج. فاضطرت أن تقول:
ـ آسفة بيل.
أنها لا تحبه و لاتجد حجة أفضل لرفض طلبه. و لما لاحظت كدره الشديد اردفت قائلة:
ـ لكنى مولعة بك كصديق.
فعلق بيل باستياء:
ـ هذا ما تقوله كل فتاة لتضمد جرح الخيبة!
ثم أردف بنبرة متفائلة:
ـ إذا انتظرتك و تسلحت بالصبر فقد تكتشفين يوماً أنك مولعة بى أكثر مما تظنين.
فكررت:
ـ آسفة يا بيل.
احست برجفة برد فتساءلت عما يجعلها واثقة من ذلك. و قال بيل متسائلاً بدوره:
ـ من الجائز أنك تعرفت إلى شخص آخر, و لو حدث هذا لعلمت به
قالت تبتسم بآسى :
ـ و من الجئز أن لا تعرف, أنما ليس هناك شخص آخر. أنه مجرد شعور لدى.
رمقها بارتياب حين اشاحت عنه ثم غمغم بجفاء:
ـ المشاعر تبنى عادة على أساس. فى أى حال, فقد قمت بواجب المحاولة.
لسعها كلامه فودت لو تذكره بما قاله لـ سيمون من أنه حبه لها مجرد أمنية أنما عدلت عن ذلك كى لا تزيد فى إيلامه المتسبب عن رفضها له فقالت بصوت رقيق:
ـ يحزننى أن أخيب أملك يا بيل.
ـ الحياة ملأى بالخيبات يا ليزا. من المحتمل جداً أن أصاب قريباً بخيبة أخرى.
قطبت حاجبيها و لم تجد ما تقوله. فى ضوء السيارة الخافت رأت الحرد يكسو وجهه و يهدل شفتيه. خطر لها فجأة أنه يبدو مهزوماً أكثر مما يبدو محطم القلب, ثم ازدادت حيرة عندما قال بلهفة:
ـ أنك لن تخبرى أبن عمتك أنك رفضتى طلبى, أليس كذلك يا ليزا؟
ـ أتقصد سيمون؟
ـ و من هناك سواه؟
ردت بضيق مفتعل:
ـ لا عليك, من المستبعد أن نناقش هذا الموضوع.
خفق قلبها خوفاً فقد طرح سيمون هذا السؤال بالذات فى حال ترشح بيل لهذه الترقية. ثم فكرت بامتعاض, قد يكون هذا مقصد بيل من عرضه الزواج عليها. قالت بمرح مصطنع:
ـ أتعرف يا بيل أنا لا أحسبك تحبينى حقيقة, على أية حال لقد تحدثنا هذه الليلة أكثر مما يجب.
أساء فهمها لسوء حظها, إذ أنه قهقه بصوت خشن و عانقها بحرارة قبل أن تتمكن من الافلات, و لما ابتعدت عنه غاضبة قال مبتسماً:
ـ لا يجب أن تستكثرى ذلك علىّ بعدما سمحت لىّ بامساك يدك أثناء تناول العشاء.
ـ آسفة يا بيل, لم أكن رقيقة مسلية هذا المساء أنك تستحق فتاة أكثر استجابة منى. ربما يوجد خلل فى بنيتى العاطفية.
ـ لا تكونى سخيفة يا ليزا.
احاط كتفيها بذراعيه ببادرة صداقة و تابع مداعباً:
ـ الموضوع يوترك فى الوقت الحاضر, علينا أن نقوم ببعض التجارب و ننتظر النتيجة, هذا كل شئ.
لكنها وجدت نفسها عازفة عن العمل بننصيحته و حاولت جهدها أن تتحاشاه فى الأيام التالية, و لم تكن مهمة مستحيلة إذ بدأ يتغيب عن الشركة لاضطراره إلى العمل فى مكان آخر من المنطقة. كذلك لم تر سيمون كثيراً و شعرت بالامتنان لذلك إذ ما استطاعت أن تنسى تهكمه الساخر ليلة العشاء فى المطعم. ثم أسرت إليها الآنسة براون أن سيمون كان مشغولاً كعادته فلم تعلق اهمية على كلامها, و تشبثت بنظريتها الخاصة حول ماهية انشغاله الحقيقى إذ لم تفارقه ذكرى رأسه الداكن يكاد يلتصق برأس لورا تنسون الأشقر, فى تلك السهرة المنحوسة.....


منتديات ليلاســـــــــــــــــــ

زهرة منسية 16-08-14 01:41 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 

و ذات مساء و بعد مرور أسبوع أجفلت حين رأته يقف على عتبة بيتها. كانت أمها خارج البيت و الساعة تنهز العاشرة و قد عادت هى لتوها من نزهة فى الحقل. كان طقساً رائعاً يتميز به حيزيران/ يونيو, و قد تأخرت فى نزهتها إذ وعدت أمها بأن تنجز عدة أعمال منزلية بما فيها غسل الأطباق بعد العشاء.
لقد غطت قدميها فى مياه الجدول و عادت حافية تحمل صندلها بيدها.
كانت تحس بنعاس لذيذ و لم تر سيمون إلا حين انعطفت حول زاوية البيت, لم تصدق عينيها بادئ الأمر و ظنت لوهلة أن خيالها الخصب يصور لها وجوده. جمدت تحدق إليه من بعيد ثم وعت أن حقه زيارة البيت ساعة يشاء. أليس هو مالكه أولاً و أخيراً و أنهما لا يدفعان أى أجر؟ و مع ذلك انتابها الفضول, فلأى غرض جاء فى هذه الساعة المتأخرة؟ رمقته بنظرات حائرة فى أنتظار أن يلمحها. ترددت فى الإعلان عن وجودها لكنه سرعان ما استدار صوبها بحركة حسية تلقائية قال ببرود:
ـ مساء الخير يا ليزا.
شخصت إلى الرجل كالمسحورة و تلكأت نظرأتها على ذراعيه السمراوين اللتين تكشفهما قميص قصيرة الأكمام يعلو سروالاً صيفياً واضح أنه لم يأت فى زيارة رسمية. ردت له التحية و ركزت بصرها على ساعة يده الذهبية, و هى لا تددرى أن تركيزها يوحى بانزعاجها من زيارته المتأخرة.
لحظ سيمون ملامح الرهبة على وجها فقال مبتسماً بتهكم:
ـ تقدمى ايتها الطفلة السخيفة فأنا لن التهمك. لدى مبرر شرعى للزيارة و وجود أمك سيضمن لنا الحراسة المطلوبة.
ـ سيمون!
تقدمت صوبه بثوبها الطويل الفضفاض ثم توقفت حين تذكرت قدميها الحافيتين كذلك ذكرها بهما الحصى تحتهما فتوردت من الألم و الحرج معاً عندما انغرزت الاحجار الحادة فى جلدها الطرى.
عضت شفتيها لتخفى و رطتها و ادارت رأسها تبحث بعينيها عن صندلها و قد نسيت أنها أسقطته من يدها لدى رؤيتها المفاجئة لـ سيمون. وقبل أن تتحرك إلى الوراء تقدم إليها خطوتين و رفعها عن الأرض حاملاً إياها بين ذراعيه و ساخراً من من احتجاجاتها المختنقة.
لم ينتظر حتى يدق الباب أو يطلب الأذن بالدخول. عبر بها بسهولة تامة و خيل إليها للحظة مجنونة أنه سيبقيها بين ذراعيه إلا أنه أنزلها بلطف على أرض الردهة و قال:
ـ حملتك عبر العتبة كى تتعزى بذلك فى حال حرمانك من هذه المتعة فى المستقبل.
اعاد رأسه إلى الوراء و ضحك لنكته , أما هى فالتهبت عروقها لأنها رغبت فى البقاء بين ذراعيه و لأن تعليقه الساخر أوجعها فى الصميم.
ـ هذه سخافة!
أخذ يراقبها بعينيه الرماديتين و فمه يختلج ببسمة خفيفة ثم هبط بصره إلى قدميها و قال مظهراً دهشة:
ـ لم تخبرينى بعد لماذا عدت حافية؟ لا تقولى أنك كنت تلعبين فى الماء كالأطفال؟
هذا بالضبط ما كانت تفعله لكنها تفضل الموت على الاعتراف بذلك.
أنه لن يتفهم حبها لهذه المتعة الحياتية البسيطة لاعتياده على رفقة النساء الأكثر تطوراً و دلالاً. هزت رأسها بسرعة فاهتز معه شعرها الذهبى و انسدل على وجهها, قالت متهربة من جواب مباشر:
ـ أحب السير على العشب و أنا حافية القدمين.
اكتشف كذبتها البيضاء و قال ليفهمها ذلك:
ـ تقصدين بعد أن تلعبى بالماء!
ـ و أنت لا تحبذ ها التصرف؟
ـ أوهـ, نعم. انا أحب الماء ايضاً و لكنى أفضل النهر أو البحر على هذا الجودل الضحل فى أسفل الحقل, هل تسبحين يا ليزا؟
ـ بالطبع, أقصد أنى.......
و هنا ساورها شك خنق بقية عبارتها. كيف عرف أن هناك جدولاً؟ أنه مخفى تماماً عن البيت, و هو عندما جاء فى المرة الماضية لم يخرج إلى الحقل؟
منتديات ليلاس
فى أى حال ليس من شأنها أن تسأله. قالت لتغير الموضوع:
ـ تفضل إلى غرفة الاستقبال. أمى خارج البيت.
تذكرت قوله السابق بأن أمها ستكون بمثابة الحارسة لهما, إنما لم يظهر أى ضيق أو اهتمام و أكتفى بالقول:
ـ يؤسفنى ذلك.
ـ ذهبت لتلعب البريدج مع صديقاتها. أنها تلعب عادة مرة أو مرتين فى الأسبوع لكنها تتأخر مساء الجمعة.
ـ و تتركك هنا بمفردك؟
ـ و لِمَ لا؟ أننا لا نذهب معاً إلى كل مكان, كما أنى أجهل لعبة البريدج من أساسها.
تبعها إلى غرفة الاستقبال و قال بصوت صارم:
ـ لا يُخيفك بالطبع انكما تعيشان فى بقعة منعزلة و غير محروسة مما يعرض البيت لخطر مزدوج. لم يخطر لىّ هذه الحقيقة عندما وافقت على بقائكما هنا.
دعته إلى الجلوس و هى تحاول الاحتفاظ بالتوازن, من الأفضل ألا تخبره بأنها وعت هذا الخطر أيضاً بعد وفاة سيلاس و رحيل الخادمة مارى, لكن أمها كانت تسخر من فكرة كهذه إذ من الطبيعى أن تتجاهل احتمال الخطر لفرط تعلقها بالبيت.....قالت له و هى تتقصد البلادة:
ـ أتراك تخشى على الأثاث من السرقة؟
ـ أعلمى أن هذا ليس ما أتحدث عنه يا عزيزتى ليزا, أن الأثاث آخر شئ أفكر فيه.
ـ لكنه يحتوى عدة أشياء قيمة من تحف نادرة و خلافه.
نقلت بصرها إلى ساعة الحائط الثمينة التى يعود تاريخها إلى عهد الملكة آن و المحفوظة داخل صندوق مستطيل مصقول, فإلى لوحة الحركة للرسام اللندنى صامويل تاونسون فإلى مقعد من طراز جورج الأول مصنوع من خشب الجوز ذى قوائم محفورة تنتهى على شكل براثن. كان سيلاس مدمناً على جميع التحف و خصوصاً قبل أن ترتفع الأسعار الحالية. و مع ذلك حتى اواخر ايامه, ماهراً فى إيجاد التحف و فى اجراء الصفقات المربحة. هبط بصرها الواجم إلى الموقد الخالى...لطالما تساءلت بالرغم من تقدير سيلاس لكل أنواع الفنون و للوحات أمها لِمَ لم يتعاطف مع طموحاتها السابقة إلى امتهان رقص البالية؟
لاحق سيمون جولتها البصرية, و مع أنه قدر قيمة التحف إلا أنه هز رأسه و قال متذمراً:
ـ لست مهتماً بالناحية المادية, لكن ما دمنا فتحنا سيرتها فأرجو تذكيرى بأن اراجع شركة التأمين حولها. لا ريب أنها مؤمنة بشكل جيد مثل معظم شؤون عمى.
و قبل أن تفكر فى صياغة سؤال لاسع قال سيمون قاطعاً الصمت القصير:
ـ لنأخذ الأثاث مثالاً على اجتذاب الخطر, هناك أناس قد يهتمون كثيراً بسرقة التحف أو بفعل أشياء أخرى. أفترضى أنى كنت لصاً أو نذلاً فكيف كنت ستدافعين عن نفسك هذا المساء و ليس لديك أى شئ ليحميك؟
ـ سترى ما يمكننا فعله.
كانت تقف قابلته و أصابع قدميها تغوص متلملمة فى السجادة فتنهد قائلاً:
ـ أنك تراوغين يا ليزا, و إيججاد حل جذرى للمشكلة.
قررت أن تغلق ذهنها على هذه القضية, فالوضع ككل يشكل نظرها مشكلة واحدة كبيرة, و الطريقة الوحيدة التى تمكنها من العيش معها بدون أن تفقد عقلها, هى أن تكف عن التفكير فيها. أضافة إلى ذلك لا تريد أى تدخل من سيمون مع أنه مالك البيت الشرعى. سألته بسرعة:
ـ أ لأجل هذا جئت لزيارتى هذا المساء؟
ـ لم آت لهذا الغرض و لنترك هذا الموضوع فى الوقت الحاضر, جئت لأحدثك فى قضية أخرى لكنى سأرحب بكوب شراب أو بقهوة قبل الشروع فى الكلام. على الرجل أن يكون متيقظ الذهن و الحواس لدى اجتماعه بك يا عزيزتى ليزا.
ـ أوهـ, طبعاً, الشراب هناك فرجاء أن تسكبه لنفسك.
هربت منه محمرة الوجه. شكت فى أن يمزح لكنها قصرت فى واجب الضيافة. ناداها و هى تخرج من الباب:
ـ سأذهب للبحث عن صندلك لبينما تعدين القهوة.
فور دخولها المطبخ أشعلت ابريق القهوة الكهربائى, ثم بحثت عن صندل آخر لتنتعله.
و فى أنتظار غليان القهوة, غسلت يديها و وجهها الساخن تحت حنفية المطبخ و سحبت مشطاً من أحد الأدراج و سرحت شعرها الحريرى. نظرت فى المرأة فلاحظت شحوب وجهها و ذبوله, فتناولت احمر الشفاه الموجودة فى الدرج و لونت به شفتيها إلا أن لونه الباهت أضفى عليهما بريقاً لؤلؤياً لم يحسن مظهرها قيد شعرة.
هزت كتفيها احتقاراً لسخافتها و اشاحت عن المرآة. لا ريب أن سيمون لن يلاحظ أى تغير فيها إلا إذا كان شيئاً عادياً جداً كسيرها حافية, خير لها أن تذهب لتكتشف الغرض من زيارته, هذه الأيام لاتجد فرصة للتحدث معه فى المكتب و ربما بسبب المراقبة الدقيقة التى تفرضها الآنسة براون. هيأت طبقاً من البسكوت و التقطت الصينية و هى تتنهد, إذا أزعجها موضوع حديثه فسيكون لديها وقت للتفاهم معه لأن أمها لن تعود قبل منتصف الليل على الأرجح.


نهاية الفصل الرابع

قراءة ممتعة

دينا عبدال 16-08-14 03:02 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
رووووووووووعة تسلم ايدك
الرواية تحفة بجد
ومستنية التكمله علي نار

زهرة منسية 18-08-14 01:37 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دينا عبدال (المشاركة 3463990)
رووووووووووعة تسلم ايدك
الرواية تحفة بجد
ومستنية التكمله علي نار

مرحبا دينا أهلا و سهلا بيكى عضوة جديدة

الارووووووع وجودك

أتفضلى لعيونك فصل جديد

زهرة منسية 18-08-14 01:39 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
5- خاضا معاً تجربة حسية عنيفة
امتزج فيها الألم بالمتعة فيما بقى الباب موصداً
على ذلك العالم المجهول الذى لم تستعد بعد لأن تتورط فيه
منتديات ليلاس



كان سيمون لا يزال مستلقياً على مقعده حين عادت ليزا إلى غرفة الاستقبال. رأت صندلها يتدلى من يده فاحست بارتياح لأنه عندما خرج يبحث عنه لم يمر بالمطبخ و يضبطها و هى تحاول اصلاح زينة وجهها.
وضعت الصينية على الطاولة المغطأة بالزجاج فالقى صندلها على السجادة و قال باسماً:
ـ أرى أنك وجدت حذاء آخر. لقد سكبت لنفسى بعض الشراب. أرجو ألا تنزعج أمك من ذلك؟
ـ أمى؟ كلا, بالطبع.
جلست قابلته و تحس أن جوابها بدا متكلفاً لكنها شعرت بالخزى لأنه اعتذر عن استعمال أى شئ من المفروض أن يخصه هو بالدرجة الأولى.
سألها فجأة:
ـ كيف حال أمك؟ يبدو أنها عادت تشعر بالاستقرار.
ـ هل رأيتها مؤخراً؟
ناولته فنجان قهوة فاضاف إليه معلقة سكر و اجاب بصوت سلس:
ـ لا, إلا انها حدثتنى على الهاتف بعد زيارتنا لـ ستراتفورد بوقت قصير, و اظهرت امتناناً لم تظهره ابنتها.

منتديات ليلاســـــــــــــــــــ


زهرة منسية 18-08-14 01:40 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
تضرجت و شعرت بحرارة تلهب وجنتيها. كان يجب أن تعلم أنه لن يترفع عن تذكيرها بفضله عليها باساليبه الذكية المبطنة. التفتت إليه بسرعة و هى تشعر بكره تجاه سطوته الفائقة. لابد أنه يتلذ بالهيمنة على العدو و يجعله يقف دائماً على سلاحه! لقد ذكرت أمها مخابرتها لـ سيمون لكنها نسيت ذلك, صوبت بصرها إلى عينيه و قالت بصوت بارد:
ـ لقد بينت لىّ جحودى فى مرة سابقة يا سيد ردفورد, و أظن أننا توصلنا وقتها إلى اتفاق مرضى للطرفين.
ـ إنها وجهة نظرك الخاصة يا عزيزتى ليزا, و لا أريد أن اسمعك تنادينى السيد ردفورد.
لمست فى صوته وعيداً معيناً إلا أنها تجاهلته. لقد سمعت هذه النبرات المرهبة من قبل و استطاعت أن تتخطاها, شمخت بذقنها المستدير لتفهمه رفضها لمحاولاته التخويفيه و قالت:
ـ اعتقد أنى احافظ على دورى فى الاتفاق, و هو على ما أذكر أن استمر فى العمل معك.
ـ ألا تتسائلين ابداً عما أجنيه من ذلك؟
قالت بما يشبه اللهاث:
ـ لا أجد ضرورة للتساؤل, انك تستمتع باحراجى, أن كان هذا ما تقصده, لا شك أنك تستمتع بتسلطك على الناس لتتمكن من تحربكهم كاحجار الشطرنج.
استرخى على مقعده برشاقة كسولة و قال:
ـ معاذ الله! أنك تضعيننى فى قالب الدكتاتور الطاغية! كان يجب أن تعترفى بالحقيقة و تقولى أنى اثيرك بعض الشئ.....احرك جملة مشاعر تفضلين أن لا أثيرها فيك, و بعضها لا علاقة له بالعمل بتاتاً.
اتقدت عيناها بوهج غريب و قالت متململة:
ـ
ـ يبدو و كأنك درست نفسيتى باهتمام. من المحتمل أنك اسأت فهمى تماماً.
ـ لا أعتقد ذلك. أن كنت اعطيت نفسك الحق بات تقيمنى فيجب أن تسمحى لى بأن ابادلك مجاملتك بمثلها.
ـ هذا تصرف سخيف!
ـ لا أعتقد ذلك, انما سننتظر المستقبل لنتأكد, و فى حال ثبت أنى كنت مخطئاً فسوف اعترف بخطأى.
ـ لكنك تظن نفسك معصوماً عن الخطأ!
تعمق بريق عينيه و قال بصوت مؤنب بعض الشئ:
ـ التهكم لا يليق بالسيدات يا ليزا.
رفعت فنجانها بيد متوترة و احنت رأسها فوقه لتهرب من تحديقه الساخر...يجبب أن نغير الموضوع لأن الحوار اتخذ منحنى خطراً بالنسبة إليها. أحست أنها خارج اعماقها و أنها عاجزة عن احتواء خبرته العاطفية الطويلة. كان عليها أن تقيمه بدقة, كما اقترح, لكن تعليقه بعيد جداً عن الواقع, بل هو مزحة الموسم! فكيف ستتمكن من فهم هذا الرجل الشديد الغموض؟ استطاعت فقط أن تفهم شيئاً واحداً, شيئاً ترفض الاعتراف به,هو أن سيمون يثير مشاعرها بشكل ما و إلى حد ما, و قد أثار غضبها حدسه لهذه الحقيقة, قالت فى الأخير لتقطع الصمت الموحش:
ـ قلت أنك جئت لتحدثنى بموضوع معين, هل نسيت ذلك؟
ـ كلا, لم أنس, كدت اقرر أن اتركه إلى فرصة أخرى إنما لم أحسب حساباً لفضول الانثى.
احست باسترخاء فورى فابتسمت لكونها فهمت نكتته الواضحة هذه و التى خلت من نبرات التهديد السابقة. اجابته بخفة و مرح:
ـ من واجبات السكرتيرة أن تذكر رئيسهابين حين و آخر.
ـ هذه عادة يجب أن تقتصر على المكتب فى نظرى.
على كل فالموضوع يتعلق بالمكتب. أو بالاحرى بعمللك نفسه. متى آخر مة حصلت فيها على زيادة راتب؟
استدارت لتتفرس فى وجهه و سألت بارتباك:
ـ زيادة راتب؟ ما الذى يحملك على السؤال؟
ـ كفى عن المناورة يا ليزا. أريد جواباً صادقاً. لم أشأ أن استوضحك الأمر فى المكتب تهرباً من تجسس الآنسة براون.
ـ لم أقصد أن أناور فهناك أشياء لا يهتم المرء بتذكرها. اعتقد أنى لم أحصل على زيادة منذ بضع سنوات.
ـ ليزا.....لم يمض على عملك إلا ثلاث سنوات! لقد راجعت السجلات.
فهتفت حانقة و هى تقذف شعرها الطويل إلى الوراء:
ـ أنك مولع بالمراجعات, أليس كذلك؟
ـ عند الضرورة فقط........
ـ إذن لابد أنك عرفت الآن. بعد تمحيصك للسجلات, أنى لم أحصل على مطلق زيادة.
مرر يده على جبينه و قال:
ـ لم تطالبى! أتعنين أن الزيادة عرضت عليك لكنك تمسكت بكبريائك السخيفة و رفضت قبولها لآن سيلاس قريب لك؟
ـ كنت قانعة تماماً بما لدى, فـ سيلاس آمن لىّ سكن مريح هنا.
ـ لكن النقص فى راتبك كان يفوق هذا المقابل.
ـ أمى كانت تعيش هنا منتديات ليلاس ايضاً.
ـ موضوع أمك شئ آخر فهى كانت تقوم باعباء عديدة تشمل إدارة البيت و إقامة الحفلات و المآدب. وجودها هنا وفر على سيلاس مالاً كثيراً و لا ريب, لأن دعوة الناس إلى المطاعم تكلف غالياً.
أنه يجعل الأمر يبدو غاية فى الموضوعية فيما كان سيلاس يعتبرهما فردين من العائلة.
قالت بجمود:
ـ لقد اظهر الكثير من كرم النفس إذ اسكننا معه بعد وفاة والدى, و ما توقف يوماً عن إكرامنا.
ـ لكنه لم يتكارم معك أنت إلا إذا.......
توقف قليلاً ثم اردف بنبرة حادة:
ـ هل فعل ذلك يخفف عنه ضرائب الرواتب؟ هل كان يضع زيادتك على حدة و لا يدونها فى الدفاتر؟
ـ و كيف تجرو على كلام كهذا! كان ذلك آخر شئ يفكر فى فى فعله و كان آخر شئ أوافق عليه أنا!
اومأ بفتور و قال دونما اعتذار:
ـ الآن اتضحت لىّ الأمور. سيزيد راتبك ابتداءاً من هذا الأسبوع. سيزيد كثيراً جداً, سأرى ما يمكننى فعله.
و فجأة سعت نفسها تتوسله قائلة:
ـ لا, أرجوك. أرجول ألا تفعل شيئاً! لا أريد أى زيادة يا سيمون. أننا نسكن هنا مجاناً. أعتبر فارق الراتب مقابل ببدل الإيجار. لا أبغى أكثر من ذلك.
فاستوضحها بصوت أملس كالحرير:
ـ ماذا عن نفقاتك المعيشية؟ حتى لو كانت أمك مؤمنة مادياً فلا أظنك تفكرين فى الاتكال عليها من هذه الناحية.
ـ راتبى الحالى سيغطى نفقاتى.
صمت سيمون فالتفتت إليه بسرعة لتجده يحدق إليها مفكراً. اشاحت بصرها سريعاً فيما هوى قلبها بين جنباته, أى هراء هذا الذى قالته؟ لماذا تفكر بهذا الأسلوب اللاواقعى؟ صحيح أن أمها تحتفظ بمبلغ ما, لكنها لا تعرف رقمه كما أن أمها أظهرت تردداً فى التحدث عنه بعد وفاة سيلاس.
إلا أنهما استطاعتا تدبير الأمور لغاية اليوم, و إذا تضايقتا مادياً فيمكنها عندئذ أن تجد عملاً مسائياً و قد تبع أمها مزيداً من اللوحات التى كانت تباع بأثمان جيدة فى ما مضى. مهما حدث فمن الضرورى ألا تعتمد مادياً على سيمون بأى شكل. نظرت إليه ثاية و لم تضف شيئاً إلى جوابها السابق. قال بإيجاز و قد قرر على ما يبدو أن يقفل الموضوع:
ـ ليكن ما تشائين لكنى قد ابحث الأمر مع أمك.
ـ كــــــــــــلا!
منتديات ليلاس
هبت واقفة بلمح البصر و تمسكت بذراعه باندفاع تلقائى. لا يجب أن يفعل هذا فأمها ستقبل منه أى شئ, و سوف تدوس على كرامتها مقابل أن تظل تعيش مرتاحة فى هولوز آند. كررت و هى تشد بأصابعها على ذراعه:
ـ ارجوك, فقد تثور أعصابها.
ـ قد تفعل لكن الغضب ضرورى احياناً. على أى حال, إذا احتاجت إلى أية مساعدة يا ليزا, أريد منك وعد بأن تأتى إلىّ.
ـ لـــــمـــــاذا؟
وعت فجأة أنها تتمسك بذراعه فارخت يدها كما لو أن لمسته قد احرقتها, ثم اردفت تقول بلا تفكير:
ـ يمكننى دائماً أن أقصد بيل.
ـ كلا! لن أسمح لكى بذلك!
لمست فى نبرته مصيبة وشيكة مع أنها لم تجد لها مبرراً. أرتاه لا يميل إلى بيل برايت أم يعتبر أن رفقته لا تليق بفتاة تجرى بعروقها حفنة صغيرة من دم آل ردفورد؟ حمدت الله بحرارة على عدم قرابتها لهذه العائلة و كرهت شعور سيمون بأنه مسئول عن حمايتها بسبب شئ غير موجود فيها. ازاحت شعرها إلى الوراء كعادتها كلما شردت و هتفت بنزق:
ـ أنت تتصرف بغاية السخافة, إنما لا موجب لقلقك فأنا لن اجتاجك و لن احتاج سواك من الرجال.
ادركت مدى تهورها حالما انهت كلامها فبدأت تبتعد عنه لتحمى نفسها إلا أنه اعتقل ذراعها و قال و هو يغرز اصابعه فيها ليؤكد صدق كلماته:
ـ بل تحتاجين رجلاً يا ليزا لكنك تخافين من الرجال أو على الأقل تتعاملين معهم بحذر شديد, لماذا ياترى؟
ـ أنك تتكلم بالألغاز. أنى بحكم عملى, اختلط بالرجال طوال الوقت و استمتع برفقتهم كأى فتاة أخرى. ثق أنى لا أشكو من أى نقص فى التجاوبات الطبيعية.
ـ كم يسرنى أن أسمع ذلك.
ـ أنت لا تصدقنى!
ـ ليس تماماً, إنما هناك طريقة واحد لاكتشاف الحقيقة.
تأخرت ليزا فى تحرير جسمها من قبضته إذ ضمها إلى صدره بحركة سريعة قوية. ضغطت كفاه ظهرها بدفء و حزم من خلال ثوبها الرقيق, و قبل أن تحاول الافلات ثانية رفع ذقنها و اقترب من وجهها فإذا بالنار التى كانت تستعر بهدوء فى عروقها تهب مشتعلة و تهدد باحراقها كلياً.
كانت لمسته لطيفة بادئ الأمر كأنه يحاول فقط أن يداعبها, أما انفاسه الدافئة و الخالية من أية بادرة عاطفية فقد دلت على انضباط تفتقده ليزا.
فهى لم تشعر من قبل بمثل ما تشعر به الآن, ليس مع بيل و لا مع أى شاب سواه, أنها تترنح تحت فيض عاطفى متدفق و تشعر بحيرة مذهلة و ردود فعلها الخاصة, شئ فى داخلها ادرك أن هذا ما كانت تنتظره. و مع ذلك فقد احست بصدمة خفيفة ازاء تجاوبها السريع.
أنها تلتصق به بدل أن تبتعد عنه فيما قلبها يخفق بجنون و بتناغم مع خفقات قلبه عبر قميصه الحريرى الرقيق.
ـ قلت أنك قادرة على التجاوبات الطببيعية و أنا قلت أنى سأحاول اكتشاف الحقيقة.
فشهقت كمن يهذى:
ـ لن اعترض على كلامك.
اوقفت مقاومتها و ظنت أنها قد تجد الأمان إذا استكانت بين ذراعيه.
سقطت خصلة من شعرها على خدها و تركته يزيحها بنفسه لعجزها عن الحركة.
اقترب منها و قال برقة:
ـ انك ترتجفين و لا موجب لذلك, عليك أن تتقبلى هذا كدرس مفيد لفتاة تبتدئ تعلم الحب.
ابعدها عنه بلطف كما لو أنه لا يريد افلاتها. كانت ترتجف على الرغم منها و هى تعود ببطء إلى أرض الواقع, لقد خاضا معاً تجربة حسية عنيفة حيث امتزجت المتعة و الألم فى بوتقة واحدة, فيما بقى الباب موصداً على هذا العالم المجهول الذى لم تستعد بعد الأن لتتورط فيع.
و كأنما استشف سيمون ترددها الباطنى فارخى ذراعيه و قال بلطف:
ـ لنسر خطوة بعد خطوة. أما الآن فقد حان موعد نومك. إلى اللقاء غداً, و تصبحين على خير يا ليزا.
لم ينتظر جوابها بل خرج فوراً من الغرفة و أغلق الباب وراءه باحكام فما استطاعت أن تفعل شئ لتمنعه من الانصراف.


منتديات ليلاســـــــــــــــــ

زهرة منسية 18-08-14 01:43 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 

بعد ليلة امضت معظمها تصارع الأرق أطل الصباح التالى حاملاً معه اخباراً مزعجة بل مزيد من الصدمات.
لقد ارتأت ألا تطلع أمها على زيارة سيمون المسائية لأنها لم تتهيأ بعد لاعطائها تفسيرات معقولة للأسئلة الكثيرة الذى سيطرحها عليها, كما ساعدها على الصمت أن مونيكا, منذ وفاة سيلاس, ما عادت تستيقظ باكراً إلا فى ما ندر, و خصوصاً بعد سهرة طويلة خارج البيت, و هى أن علمت أن ليزا قد رفضت زيادة كبيرة فى الراتب فسوف تقيم الدنيا و تقعدها, و ليزا نفسها شعرت هذا الصباح أنها تصرفت بحمق حين اتاحت لكبريائها أن يتغلب على رجاحة عقلها, فالمال الأضافى كان كفيلاً بسد ثغرات عديدة, و فى أى حال, أنهما يعيشان هنا كحارستين لبينما يقرر سيمون مصير البيت, و لولا وجودهما لاضطر ربما إلى استخدام اناس آخرين عوضاً عنهما.
وصلت إلى المكتب مشوشة الذهن و أملت بحرارة أن يستمر نمط الأيام السابقة فلا ترى سيمون على الاطلاق, أن ذكرى لمساته لا تفارقها و تحتاج إلى ارادة حديدية لتمنع نفسها من التفكير فيه باستمرار فكيف سينجح فى ذلك؟
وجدت أن الآنسة براون قد وصلت باكراً كعادتها, و لاعجب, فهى تراعى دائماً أن تكون القدوة الصالحة فى المحافظة الدقيقة على مواعيد العمل اضافة إلى مناقب أخرى. إلا أنها بدت هذا الصباح مشتتة الذهن على غير عادتها. كانت تفرز رسائل البريد و وضحت لـ ليزا أن أختها القاطنة فى مايوركا قد أُصيبت بحادث يقتضيها البقاء فى المستشفى اسبوعاً أو اثنين لذا ستطير إليها على جناح السرعة.
اضافت بشئ من الهستريا انها قضت الليل تحزم حقائبها, و كانت لفرط اضطرابها تكرر العبارات نفسها أكثر من مرة و فى الأخير صمتت لتلتقط انفاسها فسارعت ليزا إلى القول:
ـ يؤسفنى ما حل بها يا آنسة براون لكنك بالكاد رجعت من مايوركا.
هذا التعليق التافه فى نظر الآنسة براون لم يؤثر فيها اطلاقاً فاجابت محتدة و هى مكبة على فرز الرسائل:
ـ أن موسم السياحة فى أوجه هناك و يجب أن أذهب لأساعد فى إدارة الفندق بدلاً من كارولين على أن اعتنى ايضاً بأولادها. زوجها لسوء الحظ لا يحسن ادارة الفندق, يجب أن تتابعى العمل هنا تيابة عنى خلال فترة غيابى.
ـ لكن ماذا سيقول سيمون عندما اخبره أنك رحلت؟ أم أنك تعتزمين انتظاره لتخبره بنفسك؟
كان يجب أن تعلم أن الناس أمثال الآنسة براون يحتفظون دائماً بالورقة الرابحة الأخيرة, إذ اجابتها بهدوء:
ـ لقد اعلمت السيد ردفورد ذلك. لم استطيع الاتصال به إلا بعد منتصف الليل, إنما ثقى أنه تفهم موقفى كلياً, بل أنه رتب كل شئ و اصر على دفع تكاليف رحلتى, لقد حجزت فى الطائرة و سأغادر بعد ساعة و لم آت إلى المكتب إلا لالتقط بعض لغراضى الخاصة, من المفروض أن تصل سيارة تاكسى فى أية لحظة.
و بالفعل رحلت الآنسة براون بعد وقت قصير, و بالرغم من شعور ليزا بالتعاطف مع احتها إلا أنها احست ايضاً ببخيبة و استياء عظيمين, و بدا لها أن الأقدار تعاندها باستمرار, فهذا يعنى أنها سترى سيمون طوال الوقت و هذا ما لا تريده حتماً بعد الذى جرى بينهما!
استدعاها فى وقت لاحق إلى مكتبه و سألها بجفاء:
ـ أمازالت مصرة على رفع رفض الزيادة؟
صمتت لحظة لا تجيب إذ شعرت أنها تغوص فى عمق بحر و تحتاج إلى وقت لتسترد انفاسها أو لتسبح إلى شاطئ...لعله من الأفضل أن تواجه المشكلة....تتمنى فقط لو يكف قلبها عن خفقاته المجنونة ليسهل عليها التظاهر بالهدوء.
نظرت فى عيونه و قالت بخفة:
ـ أجل, على أى حال, أشكرك يا سيدى.
شئ ما فى نظرته جعلها ترفع رأسها بتحد و تردف:
ـ أفضل أن يبقى الراتب على حاله كما أوضخت سابقاً, من جهة أخرى, قد تعود الآنسة براون قريباً. أرجو أن تجد أختها فى حالة صحية أفضل.
ـ هذا ما أرجوه بدورى يا آنسة لوسون, لكنه نذير شؤم كما يقال, أنى أفضل العمل معك بصورة عامة, و عسى ألا تدعى هذا الاطراء يدير رأسك. لا شك أن الآنسة براون سكرتيرة ممتازة لكن أساليبها لا تتطابق مع أساليبى, فلقد تكيفت مع نمط رجل آخر فى العمل, و أقصد عمى بالطبع.
ـ أنها تعرف عن البناء أكثر مما أعرف, يا سيد ردفورد.
ـ ليزا, بصفتك سكرتيرة لىّ لن تحتاجى إلى معرفة الكثير عن تفاصيل البناء بل إلى فكرة عامة تتيح لك فهم ما أقول و أنا مقتنع بأن هذه المعلومات متوفرة لديك. أنى أقدر فيك شيئاً هو أنك شابة و من السهل عليك أن تتكيفى مع طريقة تفكيرى, فيما تميل الآنسة براون إلى خلط الأمور لتصورها أن العكس هو الصحيح.
رن الهاتف فالتقط السماعة و أخذ يتكلم و هكذا قطع عليها فرصة الرد.
شعرت بلسعة خيبة و هى تفكر بالطريقة الحاسمة التى قّيم بها الآنسة براون, و فى ضوء تعليقاته تلك داخلها شك فى مقداقية نيته الطيبة تجاهها هى. أيعقل أن يسعى إلى التخلص من الآنسة براون من خلال تظاهره بعطف لا يحسه فعلاً؟
لقد ارتابت من قبل أساليبه الغاشمة للحصول على مبتغاه و تصرفه الآخير يبدو أنه يؤكد شكوكها . أن جميع السكرتيرات مجرد رهائن بالنسبة إليه, كذلك شتان بين حياته العملية و الأخرى الاجتماعية, فها هو هذا الصباح يعاملها بقسوة و حقد و كأنه لم يرها ليلة أمس و يعانقها. لقد أشار فقط إلى موضوع زيادة الراتب. هل قصد بذلك أن يعوض عن الاحراج الذى سببه لها, حسب رأيه, أم كان يلوح بتلك الزيادة كرشوة خشية أن تحرجه اجتماعياً؟



منتديات ليلاســــــــــــــــــــ


زهرة منسية 18-08-14 01:45 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 

مرت الأيام على المنوال ذاته لكنها شعرت بارتياح عظيم عندما اضطرته أعماله الخارجية إلى التغيب عن المكتب معظم الوقت. لقد تركت بدون مساعدة لتواجه الرد على الاستيضاحات المستمرة و كان عليها أن تحيلها لمختلف الأقسام تبعاً لنوعيتها, كذلك رتبت مواعيد لقاء مع أناس أرادوا أن يقابلوا سيمون شخصياً. العمل يبدو فى ازدهار مطرد و هى لا تتذمر من انشغالها الدائم لمنها سترهق حتماً أن استمرت تحمل كل هذه المسؤوليات بمفردها. لا يسعها إلا الأنتظار, إنما سيمنعها انشغالها فى الوقت الحاضر عن التفكير كثيراً فى الرجل الأسمر المغرور الذى يبدو غير آبه لها مع أنه يستمر بإثارة مشاعرها.
فى أحدى الأمسيات عاد إلى المكتب قبيل السادسة و كانت ليزا توضب اغراضها استعداداً للانصراف, يا لطاقته التى لا تنضب! فها هو يعوج نشيطاً بعد يوم مثقل بالعمل!
قذف مجموعة أوراق على الطاولة و قال ناظراً إليها بإمعان:طـ حسبتك قد ذهبت و كنت أود رؤيتك, هيا, هات معطفك لأوصلك إلى البيت فأنا سأمر فى تلك الطرقات بأى حال.
أومأت موافقة و لم تجادله هذه المرة لفرط اعيائها, شئ فى صوته أثار فضولها كذلك رحبت بأن تستريح اليوم من العودة بالباص, فى الطريق سوف تطلعه على بعض القضايا التى تتطلب رأيه.
سبقته على الدرج و جلست إلى جانبه فى السيارة ثم أغمضت عيناها:
ـ متعبة؟
انساب السؤال على مسامعها إلا أنها هبت تجلس فى حركة دفاعية و ندمت على استسلامها للاسترخاء. هل تصور أنها تستعد لبدء درس جديد؟ لقد سوّل لها غباؤها أنه لن يلحظها بهذه السرعة لإنشغالة بإخراج السيارة من الفناء.
احمرت وجنتاها و اجابت باحتراس:
ـ إلى حد ما.
ـ لم أرآك من قبل على هذه الحالة من التعب, سآتيك غداً بمن يساعدك, هناك فتيات فى قسم الاستعلامات يمضين معظم الوقت بلا عمل.
ـ لا أريد أى مساعدة, أرجوك لا تتدخل.
ـ أنا أيضاً كنت مشغولاً إنما خارج متطلبات الشركة. لقد وجدت حارس لشقتكما.
استدارت بسرعة لتنظر إليه و همست فى شبه اختناق:
ـ حارس؟ لكن ما حاجتنا إلى واحد يا سيمون؟ أقصد, حسبت أن الحراسة مطلوبة منى و من أمى؟ أنك تتكلم عن هولوز أند, أليس كذلك؟
رأى الصدمة على وجهها فقال مقطباً:
ـ أجل, و أنت التى اقترحت أن تقوما بهذا العمل.
ـ لكننا عقدنا اتفاقنا.
ـ و مازال سارى المفعول. أنا لا أرغب فى ازعاج أمك بل حمايتها فهتفت بصوت متقلص:
ـ يا لشهامتك المذهلة! لقد فعلت هذا لأنى كنت بمفردى ليلة أمس فاعتقدت أن ذلك يعرض بيتك للخطر. لا داعى للتظاهر بأن مشاعرك الخاصة لها دخل بالموضوع.
ـ صحيح, إنما ليس من كل النواحى. لنوضح هذه النقطة بالذات.
ـ إذا جئت بحارس لن يكون هناك متسع لسكننا
ـ لقد نسيت جناح الخدم القديم........
و هنا عبر بوابة هولوز آند ثم انعطف إلى اليمين و أوقف السيارة على الدرب المخفى عن البيت. فوقهما كانت الأغصان تتمايل مع هواء حزيران/ يونيو و بدت أنها تلفهما فى عالم من الصمت خاص بهما. أطفأ محرك السيارة و قال:
ـ هنا يمكننا التكلم بهدوء لبضع دقائق.
لم تفطن إلى توقفه لشدة انذهالها كذلك ضايقها أن يطالعها على هذا الخبر بدلاً من أمها. كان واضحاً أنه يتحاشى الاجتماع بـ مونيكا لسبب لا تفهمه. لكنها ركزت الآن على موضوع الشقة فقالت مقطبة الجبين:
ـ الشقة مهجورة منذ سنوات طويلة كما تحتاج إلى تنظيف و تجديد أثاث.
ـ هذه لست مشكلة. سأرسل أناساً ليقوموا بهذا العمل. هل تصورت أنى كنت ساطلب إليك القيام بذلك يا عزيزتى ليزا؟
ـ قلت أنك وجدت حارساً. كنت أحسب أن هذا النوع من الناس قد انقرض تقريباً. فكيف استطعت إيجاده بهذه السهولة؟
ألقى بذراعه على ظهر مقعدها و قال مراقباً إياها بتركيز:
ـ تعلمين أننا كنا نعتزم المباشرة بهدم بيت قديم فى منطقة آلكستر لأن مالكه الحالى لا يملك المال الكافى لترميمه, لكنه ما يزال يتمسك به, كأنه حدوث معجزة.
ـ و هذه المعجزة لم تحصل؟
ـ كلا فالمعجزات نادرة هذه الأيام, خلاصة القول, أن هذا الرجل كان يستخدم زوجين للعناية بالبيت أثناء وجوده خارج البلاد. إنهما يعملان لديه منذ سنوات و هما جديران بكل الثقة, لكنهما لا يريدان عملاً ثابتاً فى الوقت الحاضر بل عملاً مؤقتاً و مريحاً لأنهما يبغيان الأقامة فى الريف فى المستقبل القريب.
فواجهته قائلة بغضب:
ـ و هكذا قدمت لهما الشقة. ألم يخطر لك أن تتساءل عما إذا كنا نرغب فى وجودهما أم لا؟
ـ ليزا, أنا أدرى بصالحك منك.
عاد يوحى بأشياء مبطنة لا علاقة لها بالشقة , إنما لا وقت لديها الآن لتجادله حولها, الشقة جزء من البيت و كاملة التجهيزات و قد يكون من الأفضل أن يسكنها هذان الزوجان و حيث تكمئن إلى وجودهما قرب أمها فى الوقت نفسه, إلا أن شعوراً بأن سيمون يخفى شيئاً لا يعتزم اطلاعها عليه – فى الوقت الحاضر على الأقل.
فالت بعناد و غضب ألهب محياها:
ـ الحراس المهرة يطلبون أجوراً عالية و لذا لا موجب لأن تضحى بمالك من أجلنا, أليس من الأفضل أن نغادر البيت لتسكن أنت فيه؟ من السخف أن تجشم نفسك كل هذه النفقات.
منتديات ليلاس
ـ ليزا, سأفهمك للمرة الأخيرة أنى لا أقوم بذلك من أجل أمك فقط, أن الرجل لا يبلغ السن التى بلغتها بدون أن يتعلم فائدة التريث فى اتخاذ القرارات, أعمال الشركة هى همى الأكبر فى الوقت الحاضر و لا يهمنى امر الشقة بتاتاً, و بالتالى لا أزعج ذهنى باحتمالات استثمارية قد لا تأتى على بأية فائدة.
ـ إذن لماذا لا تبيع هولوز آند لتستريح منه؟
قال و شفتاه تختلجان بابتسامة مكتومة:
ـ هناك احتمالات أخرى بالنسبة إلى هولوز آند.
ـ كيف يمكنك الاستفادة منه؟ أنها ليس كبير بما يكفى لتأجيره إلى مؤسسة أو مدرسة.
ـ لا عليك من أمره. أشغلى ذهنك بمشكلاتك الخاصة.
ـ ألم تعجبك بيرمنغام؟
ـ و هل تعجبك أنت؟
هاهو يستجاهل اجابتها للمرة الثانية! لا جدوى من الاعتراض, قالت و هى تتنهد باستسلام:
ـ نعم, و لا.
سألها فجأة محدقاً إلى وجهها بفضول:
ـ أين عشت قبل ذلك؟ أنك لم تسكنى مع سيلاس طوال حياتك؟
لم تكن مستعدة لهذا السؤال الذى بعث فيها شعوراً بارداً من الرعب.
أنه شعور سخيف ناتج عن خشيتها من افتضاح الحقيقة, قالت أخيراً و هى تتململ:
ـ كلا, فوالدى توفى حين كنت فى العاشرة من عمرى. كان رجل دين و مقره يبعد بضعة أميال من هنا.
ذكرت له عنوان المقر لأنه يتوقع منها ذلك, إلا أنها سرعان ما ندمت حين قال بعذوبة:
ـ فهمت.....يجب أن أزور المكان فى وقت ما لأتعرف إلى المنطقة.
احست بتبدل الجو فاعترتها عصبية قلصتها, قالت لتغير الموضوع:
ـ لابد أنك كنت تعرف شيئاً عن الحارسين الجديدين ليلة أمسك لكنك لم تقل شيئاً!
ـ كلا, عرفت هذا الصباح عندما ذهبت لاتفقد البيت. أنى أعرف صاحبه معرفة بسيطة و قد طلب منى أن ارافقه.
ـ ألم يكن هذان الزوجان مرتبطين بعمل آخر؟
ـ قلك لك سابقاً أنهما كانا يعتزمان قضاء بضعة أسابيع فى بيرمنغام و حدث أنى كنت موجوداً و هما يذكران ذلك, أتفقت معهما أنا يمكثا معنا حتى الربيع المقبل.
و خلال ذلك تكون قد قررت ما تود فعله.
ـ بل ساقرر قريباً جداً يا صغيرتى الحشرية, حان الآن موعد إنصرافى.
هزت كتفيها بفتور, لقد أخرته طويلاً عن موعده, قالت بتهذيب:
ـ أشكرك على إيصالى.
رفضت أن تنظر إليه أو أن تشكره على أى شئ آخر.
ـ تصبح على خير.
أضافت بتمرد و مدت يدها تبحث عن مقبض الباب.
إنما قبل أن تستطيع الهرب انحنى عبرها ليفتح الباب و ضحك بشدة هازئاً بكلماتها المتكلفة و متفحصاً وجهها الساكن و ذقنها المتحددية
ـ تصبحين على خير يا عزيزتى ليزا.
ثم أحنى رأسه و عانقها حيث توقف قلبها للحظة عن الخفقان قبل أن يفلتها.


زهرة منسية 18-08-14 01:48 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
6 – اتضح لـ ليزا أنه ليس ناسكاً....تذكرت عناقه العنيف
و قوة ذراعيه, فتأكد لها أن لورا ستكون أكثر قدرة منها
على التجاوب معه. إلا أن تصورها لـ لورا بين ذراعيه
أثارت فيها ألماً و كاوياً من الصعب أن يمحى

منتديات ليلاس




استطاعت ليزا فى وقت لاحق أن تتذكر بوضوح كلمات سيمون التهكمية و محياه الأسمر القاسى و الجهد الذى بذلته لانتزاع نفسها من بين ذراعيه و لكنها لم تتذكر بالضبط كيف قطعت المسافة من السيارة إلى البيت.طربما كانت تركز ذهنها على ما ستقوله له فى اليوم التالى, لتختصر غضبها المكتوم و لتعبر عنه بكلمات قليلة مختاة, و هكذا أزالت رياضتها الذهنية كل حركاتها الروتينية الأخر, لم تتذكر أيضاً كيف أدخلت المفتاح فى الباب الأمامى. و كل ما تذكره هو دهشتها و اجفالها حين وجدت نفسها على أرض المطبخ.
كانت مونيكا خارج البيت, قرأت باستياء الرسالة القصيرة التى تركتها لها على الطاولة, و قالت فيها أنها ستعود بعد ساعة أو اثنتين إنما لم تذكر أين ذهبت.


منتديات ليلاســـــــــــــــــــــ

زهرة منسية 18-08-14 01:50 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
نظرت بعدم اكتراث إلى طعام عشائها المهيأ باتقان على جانب المائدة الواسعة النظيفة. شئ ما ذهب بشهيتها هذا المساء و لا يميل إلى تناول السلطة و الفاكهة. قطبت جبينها بتعاسة و حدقت إلى سلطة الخس الداوية.
هذا الأسبوع تناولت السلطة مع كل واجبة. خس من الحديقة, بعض الفجل ولا لحم على الإطلاق. هذا ما قصدته أمها عندما تذمرت غلاء الأسعار, لكن هل وصل بهما الضيق إلى هذا الحد؟ هزت كتفيها مستسلمة و اشعلت ابريق القهوة الكهربائى.
جلست إلى الطاولة لتستريح فى انتظار غليان القهوة, ثيابها المبللة بالعرق تلتصق بجسدها و تتمنى أن تستحم فى المغطس لكن فتور الماء فى الآونة الأخيرة يضطرها إلى استعمال الدش فقط. لا مياه ساخنة بسبب قطع التدفئة المركزية فى فصل الصيف, و ميزانية ضئيلة لوجبات طعام بسيطة, كلها خطوات يميلها الاقتصاد. يجب أن تضاعف مساهمتخا المادية أو أن تصر على انتقالهما إلى شقة أصغر سيما أن سيمون سيأتى بأناس آخرين لحراسة البيت. كيف يمكنهما أن تستمرا فى العيش هنا و أن تحتفظا بالسيارة الصغيرة و هما عاجزتان عن تسديد النفقات؟ قسا قلبها فجأة فقررت أن تحدث أمها لدى رجوعها كى تجريا تقييماً صادقاً لوضعهما المادى قبل أن تتورطا فى أزمة مالية محتملة.
و سرعان ما عادت مونيكا فغرها ارتياح كبير حين رأت أمها تنزع معطفها الصيفى و هتفت:
ـ أوهـ, كم أنا مسرورة لعودتك.
استدارت مونيكا بسرعة و أخذت تتفحص ابنتها فلاحظت وجهها الشاحب و عينيها المتستعتين من شدة التوتر, سألتها نافذة الصبر:
ـ ما كان يجب أن تقلقى. لقد اضطررت إلى الخروج فى مهمة ملحة و لا أرى ما يستوجب رعبك.
ـ لم أقلق يا ماما.
ثم حاولت ليزا أن تلجم ضيقها لبينما نزعت أمها قبعتها و وضعت المفاتيح فى حقيبتها, أحست أن مونيكا مضطربة المزاج فاعترفت قائلة:
ـ عندما جئت البيت كنت أتلهف إلى التباحث معك فى بعض الأخبار الجديدة لكنى لم أجدك هنا.
أجابت أمها بجمود :
ـ لدى أيضاً بعض الأخبار و ليس فيها ما يسر القلب, لذا انصحك بالاصغاء إليها قبل أن تطلعينى على ما لديك. أنه شئ لم أستطيع التكهن به فلا موجب لأن تظهرى كل هذا الانصدام, مع أنك ستلومينى لأنى لم أصغ إلى تحذيرك.
ـ هل أصنع القهوة أولاً؟
سألت أمها بصوت باهت و هى تحدق إليها و تفكر أن لا شئ يمكنه أن يبرر الشعور الرهيب الذى احتاج قلبها, لذا حاولت كسب الوقت لعدم استطاعتها تحمل المزيد من الأنباء المثبطة لعزيمتها. لكن لابد أن شيئاً مرعباً قد حدث لأمها حتى جعلها تتصرف هكذا.
ردت مونيكا بنزق:
ـ بالطبع لا! سأحتاج إلى شئ أقوى من القهوة أن كنت تصرين على التصرف بهذا الشكل.
تبعت أمها إلى غرفة الاستقبال و سألتها بصوت منخفض:
ـ بأى شكل؟
سكبت مونيكا لنفسها بعض الشراب و سارت إلى النافذة ثم ردت بصوت جاف:
ـ تتصرفين و كأنك يوم الحساب, لقد أتضح لىّ أنى واقعة تحت دين, لكن المبلغ لا يستحق هذه الجلبة, وجدت من واجبى أن أعلمك بالأمر, هذا كل شئ.
تلاحقت أنفاس ليزا و هتفت منذهلة:
ـ هذا كل شئ! تقولينها ببساطة مع أنك تطمأنتنى قبل قليل أن الخبر لا يدعو إلى الخوف و القلق.
لاذت مونيكا بالصمت فأردفت ليزا تسألها بيأس:
ـ كم المبلغ بالضبط؟
ـ مئتا جنيه تقريباً.
ـ أوهـ, كلا!
انطرحت ليزا على أحد المقاعد بعدما عجزت ساقاها عن حملها. أنهما لا مئتى بنس فى ما بينهما, أو بالاحرى هى لا تملك هذا المبلغ.
عادت تقول بتعاسة و وجهها الفتى يتقلص خيبة:

منتديات ليلاس
ـ أواهـ يا ماما, كيف أوصلتنا إلى هذا الأمر؟
ـ أرجوك يا ليزا, وفرى عليّ مواعظك, أنت تبدين كوالدك.
ـ لكن بابا لم يكن يفعل ذلك!
ـ أنى أتحدث عن والدك الحقيقى.
لا جدوى من القول أنها لم تعرف والدها مطلقاً, فعندما تقع مونيكا فى ورطة فأن نقمتها تجعلها تجرح مشاعر الآخرين. لكن هذه أول مرة تقع فى ورطة من هذا النوع.....لابد أن هناك خطأ ما؟ يجب أن تستوضحها التفاصيل و ان ا تدينها قبل أن تسمع الاثبات, و قد تكون مونيكا معذورة على شعورها بالمرارة البالغة. ترددت ليزا قليلاً ثم قالت برقة:
ـ قد يكون من الخير أن تطلعينى على التفاصيل.
تحدثتا ساعة كاملة و اتضح أن قصة مونيكا عادية نسبياً, قالت أن فاتورة ثيابها تضخمت على مر السنين إذا كانت معتادة على ارتداء ملابس انيقة لأن سيلاس أرادها أن تبدو هكذا, و قد ظنت وقتها ان الشركة سوف تسدد الفاتورة, و عندما اكتشفت إن الشركة لن تسدد هذة الفاتورة بالذات بدأت تراهن على مبالغ كبيرة فى لعبة البريدج مع نساء لاتعرف عنهن إلا القليل و كن يجنين من تلك المقامرات مبالغ مربحة. و لسوء الحظ لم تصل حذاقة مونيكا إلى مستوى مهارتهن, الأمر الذى جعلها تخسر باستمرار,و بدل أن تسدد دينها القديم تراكمت عليها الجيون الجديدة بشكل مخيف.
و انهت القصة بقولها :
ـ كنت أحاول تعويض خسائرى هذا العصر و لم أنجح فى ذلك إلا جزئياً.
ـ ماذا قصدت بالقول أنك نجحت جزئياً فى استرداد الخسارة؟
أشرق وجه مونيكا قليلاً أنما قالت بشئ من الخجل:
ـ استطعت أن أبيع أربعاً من لوحاتى الصغيرة إلى رجل أعرفه فى شارع هاغلى, أنه يدير متجراً صغيراً لبيع القطع الفنية و سبق أن تعاملت معه فى الماضى, هكذا استطعت أن أسدد ديون البريدج فقط لكنى استرحت منها على أى حال.
سمعت ليزا نفسها تجيب بصوت هامس و برنة تأنيب عجزت عن كبحها:
ـ لكن فاتورة المخزن تحتاج إلى تسديد.
ثم طرأت على ذهنها خاطرة مرعبة فاستوضحت بعصبية:
ـ سيمون ردفورد لا يعلم شيئاً من هذا, أليس كذلك؟
ـ بالطبع لا يعلم فأنا لم أره لأخبره أى شئ, مع أنه قد يطلع على الحقيقة فى النهاية.
همت ليزا بالاحتجاج إلا أن امها تابعت بحدة:
ـ إذا عرف سيتمكن من مساعدتنا بسهولة تامة و قد يفعل ذلك برضاء تام. على أى حال, سيفضل أن يسدد الفواتير على أن يعرض سمعة العائلة لفضيحة محتملة, إذا نظرنا إلى الأمور من هذه الزاوية فقد يحتم علىّ الواجب أن أخبره, إذ لا أعلم من أين سآتى بالمال لأسدد حساب المخزن.
فهتفت ليزا باحتجاج يائس:
ـ مهما تكن الأسباب فلا يجب أن تخبريه لئلا نقع كلياً تحت رحمته, لابد من إيجاد طريقة أخرى....ماما, هل بعت كل لوحاتك؟
ـ بقيت لوحتان على ما أظن, تعلمين أنى لا أرسم كثيراً فى موسم الشتاء بسبب البرد فى الخارج كذلك لم أنتج شيئاً فى الربيع. لكن ماذا سنجنى من بيع لوحتين؟ و حتى لو رضى هذا التاجر أن يبتاعهما فسنظل مدينتين بما يزيد عن مئتى جنيهاً.
على حين غرة, بدت ليزا شديدة الحماسة و هى تقول:
ـ ألا ترين ما أراه يا ماما؟ إن كان هذا التاجر مقتنعاً بجودة لوحاتك فلماذا لا يقتنع بذلك أيضاً أصحاب المخزن الذى ابتعت منه ثيابك؟ من المحتمل أن يأخذوا اللوحتين مقابل سداد جزء من الدين. المخازن ترضى بهذا التبادل احياناً بشرط أن تكون البضاعة المعروضة ذات مستوى جيد و أنا واثقة من جودة رسمك, احدى زميلاتى فى المكتب لها شقيقة تبيع نتاجها بهذه الطرية. أنها ترسم على الكتان و تصنع منه فوطاً للشاى و أغطية للطاولات و للصوانى و تبيعها بأسرع مما تصنعها.
لم تظهر مونيكا أى تجاوب و قالت محدقة إلى ابنتها بقنوط:
ـ أعرف يا حبيبتى, لكن المدينة تعج بالفنانين الهواة.
ـ صحيح, لكنك ذات مستوى فنى أفضل, و قد تحسن رسمك كثيراً منذ أن رسمت اللوحة المعلقة هناك.
اشارت بقلب موجوع إلى اللوحة التى انتقص سيمون من قدرها ليلة أوصلها إلى البيت لأول مرة.
سارت مونيكا إلى مكانها و وقفت أمامها تتأملها قائلة:
ـ رسمتها لدى مجيئى إلى هنا و أصر سيلاس على الاحتفاظ بها, ربما لأنه أُعجب بمشهد الجدول بشكل خاص و ليس بسبب تقديره الفائق لمواهبى الفنية آنذاك.
فقالت ليزا محاولة اقناعها بنظريتها الجديدة:
ـ لكنه كان يستشف موهبك دائماً, ماما, ما رأيك أن تذهبى إلى المخزن و تقابلى المسؤول فى قسم مبيعات الثياب الجاهزة؟ لا موجب أن تشرحى لها التفاصيل. أريها فقط لوحتيك لتأخذى رأسها فيهما, أنا واثقة من أنهم سيرحبون باجراء التبادل و قد يطلبون إليك تزويدهم بلوحات أخر. يبدو أن الطقس الجيد سيحافظ على استقراره و يمكنك أن ترسمى يومياً. و حتى بعد أن تسددى الدين يمكنك الاستمرار فى الرسم و الحصول على مورد جيد من أنتاجك.
هنا زالت كل مظاهر الخوف عن وجه مونيكا و قالت بلهفة:
ـ سأذهب فوراً لأتأكد من عدد اللوحات المتبقية لدى.

منتديات ليلاســــــــــــــــــــــ


زهرة منسية 18-08-14 01:51 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
كان يوم سبت و المكتب مقفل فى نهاية الأسبوع, و مع ذلك قال سيمون أنه سيرسل لها فتاة من قسم الاستعلامات لتساعدها! لابد أنه لا يميز بين أيام العمل و أيام العطل إذ هو يسافر فى معظم نهايات الأسبوع إلى لندن متذرعاً بضرورة اشرافه على أعمال شركته هناك بسبب عدم كفاية أخيه.
فكرت بوجوم كيف ستقضى اليومين التالين بدونه بالرغم من قناعتها بأنها يجب أن ترحب بهذه الاجازة القصيرة لكى تساعد أمها على حل مشكلاتها.
و إذا رفض المخزن أن يأخذ اللوحتين فهى لا تدرى كيف ستتصرف..... و حتى لو أخذهما فالمستقبل يظل قاتم الأفق. لقد انحصرت رسومات مونيكا فى محيط هولوز آند و بات من رابع المستحيل بالنسبة إليها أن تعمل فى أى مكان آخر. و فيما عجزت ليزا عن الاقتناع بهذا المنطق فانها اضطرت إلى الاقرار بأن هناك فتاتين آخرين يتعلقون ببقعة معينة يستحيل اقتلاعهم منها أو بالاحرى تقضى الحكمة بتركهم فيها. إذن, خطط ليزا للانتقال من البيت ستبوء ثانية بالفشل! تنهدت مستسلمة و ركزت تفكيرها على رفع معنويات أمها. قالت و هى تحرك السكر فى فنجانها:
ـ أنا واثقة من أن تشاؤمك ليس فى محله لأننا إذا خططنا بعناية فقد يكون الحظ حليفنا.
لكن مونيكا رفضت و هى تكاد تبكى, أن تذهب بمفردها إلى المخزن. قبلت فقط أن تذهب مع ليزا حتى موقف السيارات الخاص بالمخزن, و شرط أن تقود ليزا السيارة ليتسنى لها أن تحمل لوحاتها بيديها خوفاً عليها من الأصابة بخدوش. قالت أنها لم تجد صعوبة يوم أمس فى مواجهة التاجر البسيط, أما أن تواجه اصحاب المخزن الكبير فى قلب المدينة فهذا يتطلب منها جرأة متناهية لا تملكها. و هكذا أوكلت لـ ليزا المهمة بالرغم منها.
و بقلب واجف, تركت امها تنتظر فى السيارة فيما دخلت هى المخزن متوجهة إلى القسم المطلوب و هى تتأبط اللوحتين الملفوفتين بورق سميك.
كادت أن لا تصدق حسن حظها حين قابلتها المسؤولة عن القسم و وافقت على آخذ اللوحتين بعدما تفحصتهما جيداً لبضع دقائق. بدا أنها خبيرة فنية, إذ أومأت باستحسان ثم ابتسمت لـ ليزا قائلة:
ـ أنهما غاية فى الحسن, و الناس يسعون هذه الأيام إلى اقتناء هذا النوع من الرسومات. أن كانت لديك لوحات أخرى فأرحب برؤيتها, لكن ينبغى أن أقيم ثمن هاتين اللوحتين.
أكدت لها ليزا بلهفة أنها ستأتيها بالمزيد بعد أسبوع أو اثنين. تحاشت الدخول فى التفاصيل و شعرت بفرح عارم. استدارت لتتوجه إلى قسم المحاسبة فإذا بها تتفاجأ بروية لورا تنسون تقف خلفها مباشرة.
أطلقت شهقة خفيفة و رفعت أصابعها إلى فمها متأخرة. أن لورا تنسون آخر شخص توقعت رؤيته هنا. كم من الوقت مضى على وقوفها خلفها؟ التعبير الشامت على وجهها الناعم أوحى بأنها سمعت قسماً من الحديث.
حاولت ليزا أن تؤكد لنفسها أن الأمر لا يهم, إلا أن صوتاً صغيراً فى داخلها ظل يؤكد العكس. قالت لها بتهذيب لتكسر الصمت المزعج الذى امتد بينهما:
ـ صباح الخير يا آنسة تنسون.
ابتسمت لها الفتاة بعذوبة و أجابت بتودد حار:
ـ صباح الخير يا ليزا, ما أحلى هذه الصدفة.
ثم أشارت برأسها إلى اللوحتين المسندتين إلى الجدار و أردفت:
ـ أرتاك تفكرين فى شراء شئ؟
عضت ليزا شفتها بقوة إذ ثبتت ظنونها فوراً من خلال تودد الفتاة و ادراكها الواضح بأن ثمة شئ غير عادى كان يدور بين ليزا و المسؤولة كما أن محاولتها الجرئية لاشباع فضولها وصلت إلى حد الاهانة تقريباً.
و قبل أن تفكر فى جواب مراووغ, هالها أن تسمع البائعة تقول بحماسة متدفقة:
ـ الآنسة لوسون جاءت تبيعنا شيئاً يا آنسة تنسون – لوحتين جذابتين رسمتهما أمها, ما رأيك فيهما؟ أنا أكيدة أن والدك سيوافقنى الرأى فى جودتهما.

منتديات ليلاس
فى تلك اللحظة فقط تذكرت ليزا أن السير رونالد والد لورا هو المدير المسؤول فى المخزن. لم تتذكر هذه الحقيقة إلا الآن مع ان سيلاس ذكرها مرة أمامها, قد تعذر على نسيانها لأن السيد رونالد يملك شركات عديدة و له اسهم فى عشرات الشركات الأخرى أنما لا عذر لها بأن تدع هذا التذكير ينسف رباطة جأشها فهى لم ترتكب جريمة بمجيئها إلى المخزن و لا يجب أن تتأثر بتصرف لورا المتعجرف.
تفحصت لورا اللوحتين بنظرة ضجرة ثم نقلت بصرها اللا مبالى إلى جسد ليزا البارز الجاذبية فى سروال جينز ضيق و بلوزتها الحريرية.
واقفت البائعة على جودة اللوحتين ثم اعتذرت هذه الأخيرة لتكلم زبون جديدة فشعرت ليزا بالخيبة لاضطرارها إلى البقاء مع لورا بمفردها.
احست لورا برغبة ليزا فى رحيلها إلا أنها تباطئت لتمعن فى اغاظتها.
قالت متظاهرة بعدم الاهتمام و هى تركز عليها نظرة باردة و ثاقبة:
ـ أعتقد أن أمى ابتاعت شيئاً خلال احدى زياراتها لـ هولوز آند.
ـ أجل منذ سنوات عديدة .
تذكرت ليزا أن الليدى تنسون حملت معها لوحة بالفعل انما تذكر أنها دفعت ثمنها آنذاك, و بلا شك دل ذلك على قلة ذوق نظراً إلى ثروة زوجها الطائلة.
و ما لبثت أن فاجأتها لورا بسؤالها التالى:
ـ هل يعلم سيمون أن أمك رسامة؟ قد يستطيع اقناعها بأن يبتاع لوحة.
ـ لا تفعلى, أرجوك! أقصد........
ثم حاولت ليزا أن تلطف صوتها لتعطى انطباعاً ببرود لا تحه بتاتاً فأكملت متعثرة:
ـ لا أحسبه ستهتم بذلك.
ركزت لورا نظرها إلى وجه ليزا المتورد و قالت بتأكيد غريب:
ـ سيفعل ذلك حتماً لأنه يخيب لىّ طلباً.
أجابت ليزا مذعورة و قد نسيت للحظة أن الأخرى تراقبها كالصقر:
ـ أن اسلوب أمى لا يروقه للآسف.
كان جوابها أقرب إلى الحقيقة, وشعرت بالارتياح حين اظهرت لورا استعداداً لتصديقها إذ رفعت حاجبيها قليلاً ثم قالت بلا اكتراث:
ـ حسن, كانت مجرد فكرة و فى حال غيرت رأيك فاعلميننى ذلك لأرى ما يمكننى فعله. لقد ذهب سيمون إلى لندن و أنا أشعر بشئ من الوحشة.
حاولت ليزا أن تحافظ على تهذيبها.....بوسع لورا أن تتملك سيمون و تحصل على صك ملكيته, فهى أوضحت موقفها منه تماماً و سيمون بدوره لن يتوانى عن ملاقاتها فى منتصف الطريق. لقد اتضح لـ ليزا أنه ليس ناسكاً.... تذكرت عناقه العنيف و القوة الكامنة فى ذراعيه فتأكد لها أن لورا ستكون أكثر قدرة منها على التجاوب معه.
إلا أن تصورها لـ لورا بين ذراعيه أثارت فيها ألماً كاوياً بدل عدم الاكتراث البارد الذى أملت أن تشعر به.
بدا أن لورا تنتظر منها جواباً ما فقالت بلا تفكير:
ـ لا أعرف فى الواقع كيف يمضى السيد ردفورد عطلته الأسبوعية, أنما أعلم بالطبع أنه يذهب أحياناً إلى لندن.
تقوست شفتا لورا ببسمة رضا عذبة و قالت:
ـ و سيعود إليها فى المستقبل القريب ليستقر فيها نهائياً, أنا أيضاً أقضى أوقاتاً طويلة فى لندن و لذا لن أندم كثيراً على فراق بيرمنغام, على أى حال أتمنى لك التوفيق فى مواهبك الفنيةأو بالاحراى مواهب أمك, سوف اتردد على المخزن لأقف على نتائج البيع.
ـعن أذنك, أمى تنتظرنى فى السيارة و لدى عمل بسيط آخر يستدعى الانجاز.
ردت الأخرى ببسمة عريضة:
ـ بالطبع, أنا سأدخل المكتب أيضاً لأرى والدى. المسكين غارق فى العمل و قد وعدت بأن أوافيه لأشرب معه القهوة. يجب أن أسارع إليه و إلا أعتقد أنى نسيت الموعود.
سارت ليزا إلى نهاية القسم و بدل أن تستدير إلى اليمين كما اعتزمت أن تفعل قبل بضع دقائق استدارت إلى الشمال. فكيف تقدر أن تدخل قسم المحاسبة حول قضايا أمها الخاصة, و حيث سيأكلها الفضول و يجعلها تتساءل عن السبب الذى يحدوا ليزا إلى بيع لوحات تخص هولوز آند إلى مخزن كبير فى صباح يوم سبت!
احتاجت موجة رهبة باردة و هى تنتظر المصعد مع حشد من الناس – بالطبع لا يُسمح لأى شخص, حتى لفتاة فى مركز لورا تنسون, أن يطلع على حسابات الزبائن الخاصة فى مخزن مرموق كهذا؟ و مع ذلك قد تفيض بها الحشرية فتطلب إلى والدها أن يقوم ببعض التحريات الخفية.....لكن هذا أيضاً لا يُسمح به, لأنه إذا حصل فسرعان ما سيفقد المخزن زبائنه المدينين....لكن.....هل كل الزبائن مثل أمها, تكبر فوانيرهم إلى حد العجز عن التسديد؟
عندما انضمت إلى أمها فى السيارة ابتهجت مونيكا كثيراً بأخبار نجاحها مع المخزن. لم يبد عليها أنها لاحظت صمت ليزا و خطوط الهم الخفية حول فمها الجذاب. نجاحها أثار فيها حماسة شديدة فراحت تثرثر على الطريق بلهفة و تقول أنها ستباشر فى تهيئة أدوات الرسم لتشرع بالعمل يوم الاثنين بعد أن تبتاع ما يلزم من الأدوات الناقصة. تنهدت ليزا و فكرت أن مونيكا أشبه بطفلة من بعض النواحى, فهى أما تكون مفعمة بالحماسة و التفاؤل أو مليئة باليأس القاتم و قلما تكون وسط بين الحالين لمدة طويلة.


منتديات ليلاســــــــــــــــــــ


زهرة منسية 18-08-14 01:53 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
صباح الاثنين استيقظت على صداع و اعياء فاحست أن ليس لديها طاقة لمواجهة يوم آخر تقضيه فى البيت على الأخص, و حين رن التليفون كادت أن تشهق ارتياحاً لدى سماعها بيل و قد خابر ليدعوها و أمها إلى نزهة ريفية لبضع ساعات. و أضاف من باب المداعبة:
ـ أعدك بأن أكون مهذباً.
لم يلاحظ صوتها الواهن الدال على أرهقاها – بعكس سيمون الذى يستشعر مزاجها على بعد أميال – و أكمل بيل قائلاً بعد لحظة تردد:
ـ فكرت أن دعوتى لأمك ستجعلك تطمئنين أكثر إلى صدق وعدى.
ـ أيها الأبلة!
ضحكت و أضافت أنهما ستكونان جاهزتين للذهاب خلال ساعة.
تساءلت أن كان توقع منها أن تعتذر عن مرافقة مونيكا بالنيابة عنها لكن إذا كان هذا ما توقعه فليتحمل خيبته! منذ خروجها معه إلى تلك السهرة, ألتزم بيل حدوده لكنها لم تشأ أن تتيح له المجال ليعرض عليها الزواج مجدداً أو يقنعها بالتوسط لدى سيمون ليحصل على الترقيات التى يطمح إليها, و هكذا قطعت الحديث بعد أن شكرته بعذوبة.
و بما أن بيل لم يكن حدد مكان النزهة سأل مونيكا أن تختار وجهتهم.
فاقتررحت الذهاب إلى مدينة ورشستر التى زارتها مع زوجها الراحل منذ ستوان طويلة و تود رؤيتها مرة أخرى.
أحست ليزا ان بيل لم يتحمس للفكرة بادئ الأمر بيدو أنه سرعان ما عاد إلى طبيعته المرحة, لا سيما أن ورشيستر لا تبعد كثيراً. لقد سلكا طريق السيارات و وصلوا فى موعد الغداء إلى هذه المدينة العريقة المنطرحة على ضفتى السيفيرن ثانى أكبر نهر فى انجلترا. كانت ليزا قد زارتها مرة من قبل بدون أن تتجول فيها و هكذا تبعت مونيكا هنا و هناك و ابهجها التعرف إلى المبانى القديمة و المعابد الجميلة.
بعد الغداء تقدموا نزولاً إلى حقل الجنجل و بساتين التفاح و الكرز وهم يتبعون التايم أحد أجمل الانهار فى بريطانيا. كانت المروج على ضفتيه زاهية الخضرة و التراب تشوبه احجار رملية حمراء تصبغ المياه وقت الفيضان. ثم تناولوا الشاى فى قرية أييرلى الصغيرة الواقعة وسط تلال مشجرة بكثافة.
تذكرت ليزا كل هذا و فكرت كيف أن حقول التفاح و الحنطة الخضراء, و مشهد أبقار هيرفورد السمينة, و هى ترعى فى المروج, قد بعثا فيها شعوراً من الأمان المزيف, و أحاطاها بهالة من الحصانة الوهمية ضد وقائع الحياة القاسية. لقد كان الريف رائع فى ذلك العصر الصيفى, فتاقت إلى كوخ صغير تحت التل, كوخ جميل منعزل يقضى فيه المرء نهايات الأسبوع مع شخص يحبه, بعيداً عن ضجيج المدينة و غبارها. أن مرور سيمون العابر فى تمنياتها الحزينة هذه, بدا عرضياً محض إذ لا يمكن أن تقرن شخصيته بكوخ بسيط بل بقصر منيف!
وصلت المكتب فوجدت أن سيمون قد جاء صباحاً ثم ذهب, أنما لم ينسى أن يترك لها قائمة طويلة من المهام اضافة إلى بعض الأرقام الهاتفية حيث يمكنها الاتصال به إذا استدعت الحاجة لذلك. تنهدت و تساءلت كيف استطاع أن ينجز كل ذلك, إذ لابد أنه عاد من لندن فى ساعة متأخة من ليلة امس أو فى ساعة مبكرة من ذها الصباح و كان برنامج أعماله الدونته بنفسها كافياً لأن يشغل رجلين أثنين طيلة نهاية الأسبوع, فكيف انجز كل تلك التفاصيل بمفرده؟
دخل عليها بيل بعد فترة الغداء, رفعت بصرها متوقعة أن ترى سيمون و احست بومضة خيبة خفية. كانت قد طلبت منه ألا يأتى فى غياب سيمون إلا بشأن عمل لا يحتاج التأجيل. و شعرت الآن أنه لم يدخل بخصوص عمل. راقبته بقلق و هو يعبر الغرفة و وضعت اللوم على نفسها إذ اخطأت بالذهاب معه أمس. كان رفيقاً مسلياً لكن ذلك لم يضف شيئاً إلى عواطفها السابقة تجاهه. كان يجب أن تدرك قبل تاليوم أن بيل برايت من النوع الذى لا يحتاج إلى تشجيع بل يعتقد جازماً أن من شأن الفتيات أن يتلهفن لملاقاته فى منتصف الطريق, أو فى أكثر من منتصفها أحياناً.
قال مبتسماً:
ـ مرحباً يا حبيبتى, هل استمتعت بنزهة أمس؟
فهتهفت بشئ من الضيق:
ـ بالطبع يا بيل, لكنى أتمنى.....
فقاطعها و ابتسامته تزداد اتساعاً:
ـ اعرف, اعرف تتمنين لو أخرج من الغرفة. لكن صاحب السيادة خارج المكتب على ما أظن, و قد أردت أن أسألك شيئاً, فأين الضرر فى ذلك؟
هزت رأسها باستياء, لا يعتقد بيل وجود ضرر لكن إذا رجع سيمون فجأة و ضبطه فى مكتبها فستكون النيجة وخيمة عليهما معاً, يجب أن يدرك بيل هذه الحقيقة بدون أن يلفته إليها! لكن أين الخطأ المميت فى تصرفه؟
لم لا تضع اللوم على تصرف سيمون الظالم, فقلة من رؤساء الشركات تتخذ هذا الموقف الصارم مع أن معظمهم لديهم حساسياتهم الخاصة تجاه بعض الأمور....لكن سيمون رجل معقول بصورة عامة.....قلم يتصرف هكذا بالنسبة إلى بيل؟
و سمعت بيل يقول متوسلاً:
ـ أرجوك أن تعودى من رحلتك الذهنية لبضع ثوانى فقط. جئت أطلب إليك الخروج معى غداً مساءاً أن كنت غير مرتبطة بموعد آخر.
ـ مرة أخرى؟
عادت إلى أرض الواقع بارتطام و قلبها يهوى معها, لقد أملت ألا يعود إلى هكذا طلب, ليس لديها حجة قوية تبرر رفضها فقالت لتكسب الوقت:
ـ أفضل أن تخبرنى أولاً عن الدواعى إلى خروجنا يا بيل. فأنا لا أحب الرحلات الغامضة أو الموافقة على شئ أجهله.
لاحظ تصرفها الفاتر فقال غاضباً:
ـ تقصدين أن تشغلينى بالشرح لبينما تفكرين فى حجة رفض, إذن اعلمى أن لدى بطاقتين لمسرح شكسبير الملكى فى ستراتفورد أنها مسرحية باليه شوكومى! الحكاية اليابانية الشهيرة حول الجريمة و الانتقام و الانتحار على الطريقة الهاريكيرى, أنها تُعرض فى ستراتفورد قبل عرضها بـ لندن هذا ما قالته أختى و هى التى أرسلت البطاقتين.
ـ و لماذا إليك بالذات؟ لم أدرك أنك مولع بالباليه؟
منتديات ليلاس
لست مولعاً به أيتها البلهاء لكنى أخبرت أختى الذكية فى احدى المرات أنى شغوف بفتاة مولعة بالباليه - أرجو أن تفهمى كلامى الذى أرجح أنك لا تفهمينه – الخلاصة أنها حصلت على أربع تذاكر لكن الزوجين الآخرين اعتذرا عن الذهاب و هكذا خطر لها فى لحظة كرم عجيبة أن ترسلهما إلى لعلمها بأنى شخصياً لا أحب الباليه......
ـ أوهـ بيل!
لم تملك نفسها من الضحك, فملأت قهقهاتها الغرفة......عندما يحلو لـ بيل أن يهرج فأنه يتمكن من اضحاك الحجر! فى لحظات كهذه تتمنى لو أنها تحبه أكثر, كما لا يمكنها أبداً أن تفوت عليها حفلة باليه, قالت بتهذيب و بشئ من الدلال:
ـ يسرنى أن ألبى دعوتك و شكراً على لطفك هذا أنما أعلمنى متى ستمر لاستعد.
ثم اضافت بلهجة جدية:
ـ مع الافتراض الدائم أن لا يطلب إلى رئيسى انجاز أعمال اضافية تؤخرنى.
استغربت أن بيل لم يجبها كعادته, مرت لحظة صمت شعرت ليزا من خلالها أن بيل يعى شيئاً لا تعيه هى, استدارت مذعورة العينين لتجد سيمون يقف وراءها مباشرة يأملها بعينين ضيقتين, منذ متى و هو يقف هنا يراقب و يصغى؟ ليس أكثر من لحظة حتماً. لم تسمعه يدخل و لم يكن حدسها قوياً لينذرها بقدومه. فى تلك البرهة القليلة من الزمن تذكرت حادثة أخرى مماثلة, فبهذه الطريقة ذاتها تعرفت عليه لأول مرة, و الآن تكلم أيضاً قبله....لكنه لم يوجه حديثه إليها بل ادار ظهره ببرود وكأنها غير موجودة بالمر. و ما قاله لـ بيل اثبت أنه قد سمع جزء من حديثها معه.
قال للشاب بصوت سلس خفيض:
ـ آسف جداً يا سيد برايت, فالآنسة لوسون لن تتمكن من قبول دعوتك قبل أن نراجع جدول أعمالنا الأسبوعى. و هى بصفتها سكرتيرتى و ابنة خالى كان يجب أن تتعقل و تأخذ هذا الواقع بعين الاعتبار.

نهاية الفصل السادس

زهرة منسية 18-08-14 08:10 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
7 - معظم الرجال يلاحظون مظهر المرأة,
قلة منهم تُظهر هذا الانتقاد الساخر. و هو إذا
تزوج فسيكون من النوع الذى يوقظ زوجته لينتقد
أنفها. و حين ألتفتت بسرعة إلى جسمه المتين فكرت فوراً
أنه إذا أوقظ زوجته فى ساعة كتلك فليس ليتحدث عن أنفها
مهما كان جذاباً..............

منتديات ليلاس

زهرة منسية 18-08-14 08:11 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
7 - معظم الرجال يلاحظون مظهر المرأة,
قلة منهم تُظهر هذا الانتقاد الساخر. و هو إذا
تزوج فسيكون من النوع الذى يوقظ زوجته لينتقد
أنفها. و حين ألتفتت بسرعة إلى جسمه المتين فكرت فوراً
أنه إذا أوقظ زوجته فى ساعة كتلك فليس ليتحدث عن أنفها
مهما كان جذاباً..............


منتديات ليلاس



أول ما صدم ليزا الطريقة التى ترنح بها قلبها لدى رؤيتها المفاجئة لـ سيمون مع أنه لم يغب أكثر من يومين, ثم صدمها امتعاضه الشديد من وجود بيل فى مكتبها, سيما و أنها اعتبرته قبل دقائق فقط, رجلاً عاقلاً!
كانت تجد دائماً تبريرات معينة لتصرفاته, إنما كان هناك شئ ما استعصى على فهمها هذه المرة و مع ذلك عزت مسلكه إلى الارهاق و قد اراحها هذا التبرير البسيط فتشبثت به و رفضت الاقرار بأى استنتاج آخر.
شيئاً فى تصرفه و فى نظرته التقيمية الثاقبة جعلها تتجمد أمامه فى صمت مذنب و مراهق أثار غضبها لكنها عجزت عن كسر جموده.

منتديات ليلاســــــــــــــ

زهرة منسية 18-08-14 08:15 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 

ثم تكلم بيل بعد لحظة خالتها هى دهراً, و قال له مبتسماً:
ـ آسف يا سيدى, كنا نتحدث معاً فى انتظار عودتك فهناك شئ أود التحدث به معك.
ـ أحقاً؟ أنك لست معتاداً على استشارتى فى مشكلاتك, على أى حال’ سأراك فى وقت لاحق, إلا إذا كان الأمر ملحاً.
تراجع بيل إلى الوراء و قد خبت ابتسامته و بانت الحيرة فى عينيه و قال مغمغاً:
ـ ليس امراً مهماً و بوسعى أن آراك فى وقت لاحق كما تقول.
تمنت ليزا بيأس لو أنه يُظهر شجاعة أكبر! أنه لا يجرؤ على التلفظ بكلمة لحرصعه على نيل الترقية, و لدى مغادرته الغرفة قذفها بنظرة عنت و لا شك أنه سيتصل بها قريباً.
و ما أن أغلق الباب خلفه حتى قال سيمون بصرامة:
ـ تعالى إلى مكتبى يا ليزا, اريد لتحدث معك.
تعمدت الابطاء و هى تقوم بالاستعدادات اللازمة, عاودتها شجاعتها و مع ذلك تفادت النظر إلى عينيه و اختلج فمها قليلاً بفعل التوتر السابق, و راحت تعبث فى الدرج كى تضيع الوقت, فقال ملتفتاً إليها بحدة:
ـ ألم أطلب إليك ألا تسرحى شعرك بهذه الطريقة؟
ألا يخطر له أن للآخرين أيضاً مشاكلهم الشخصية؟ لا ريب أن معظم الرجال يلاحظون مظهر المرأة إلا أن قلة منهم تظهر هذا الانتقاد الساخر, سيمون ردفورد يختلف عنهم حتماً, و هو إذا تزوج فسيكون من النوع الذى يوقظ زوجته فى منتصف الليل لينتقد أنفها اللامع! و بدل أن تُطرب لسخريتها الخاصة احست بتقلص فى اعصابها حين التفتت بسرعة إلى جسمه المتين, فكرت فوراً, أنه إذا أيقظ زوجته فى ساعة كتلك فليس ليتحدث عن أنفها مهما كان جذاباً!
انتظر حتى مرت من أمامه ثم أغلق الباب بلطف, هذه الحركة الهادئة كان يجب أن تنذرها بأن مزاجه ما يزال سيئاً لكن موجة الغضب المحضة التى كانت تمتطيها حالت دون ذلك. ازاح لها كرسياً و لم ينتظر جلوسها, ثم طقطق كرسيه برهبة حين ألقى ثقله عليه, قال:
ـ اليوم تناولت الغداء مع لورا تنسون, اعتقد أنك تعرفينها؟
ـ لورا تنسون!
ابتلعت ريقها الجاف و سحبت يديها من على المكتب لتضغط بهما على معدتها, لقد توقعت حصول شئ كهذا أنما ليس بهذه السرعة و ليس بهذه الطريقة المفاجئة التى لم تتج لها أى فرصة لتعزيز خط دفاعها. اومأت بصمت و لم تستطيع ازاحة بصرها المأسور فى عينيه البراقتين. أما هو فتابع يقول بقسوة:
ـ أخبرتنى أنك كنت تعرضين لوحات للبيع فى متجر والدها صباح يوم السبت, لم أشأ لأن أصدقها, لكنى أطلب إليك الآن أن توضحى لىّ الحقيقة؟
تشبثت بشرارة الغضب التى أندلعت فيها فجأة و قالت حانقة:
ـ لم أكن اعرض لوحات للبيع و لا يحق لـ لورا تنسون أن تقول لك ذلك, كان يجب أن أدرك أنها ستركض إليك بالخبر لكونها واحدة من صديقاتك الحميمات!
أخرسى! تذكرى أنك مجرد سكرتيرة لىّ و هذا لا يخولك انتقاد أصدقائى!
تجتبت بتعثر و شبه اختناق:
ـ لكنك تعطيها الحق بأن تنتقد أصدقائك! ألا أعتبر ابنة خالك؟
ـ من المفترض أن تكونى قريبتى.....أجل, هذه حجة جيدة و سأدخل فى تفاصيلها عندما أجد الوقت للقيام بالتحريات الكاملة حولها. لم تقصد الآنسة تنسون أن تنتقدك شخصياً. قالت فقط أنها سرت لرؤيتك و اعربت عن أملها فى أن تتكلل مهمتك بالنجاح, انما اريدك الآن يا عزيزتى ليزا أن تطلعينى على حقيقة القصة.
ـ لا يجب أن تصغى باهتمام إلى كل ما تسمعه, لقد تدخلت لورا بما لا يعنيها.
ـ لا تدخلى لورا تنسون فى الموضوع!
ـ أخبرتنى أنها تشعر بالوحدة لأنكك سافرت إلى لندن.
ـ ليزا, هل لك أن تصمتى؟ لست مهتماً بما قالته.
ـ بل يهمك ذلك فأنت تردد اقوالها عنى و تقذفنى بها عمداً.
و على حين غرة أظلمت السماء فى الخارج و تبع ذلك قصف رعد قوى, حتى هذه اللحظة كانت الحرارة خانقة منذ الصباح و حين التفتت صوب النافذة رأت قطرات المطر الأولى تضرب الزجاج, قريباً ستتحول إلى سيل جارف يرافقه مزيد من الرعد. احتاجت جسمها النحيل رجفة تلقائية. أنها لا تخاف العواصف إلا إذا رافقها برق و رعد, لكن ما يخيفها أكثر هو احتمال أن يكتشف سيمون ما تعانيه من خوف داخلى مزلزل.
و فى محاولة منها لضبط اعصابها قلصت يديها على حافة المكتب فابيضت مفاصل أصابعها لفرط المحاولة.
حدق سيمون فى يديها المتقلصتين أنما أخطأ فى تفسير السبب إذ عاد يرمق وجهها و يقول:
ـ لقد توسلت البائعة أن تأخذ تلك اللوحات, هل تنكرين ذلك؟
ـ ما كانت لتأخذهما لو لم تتأكد من جودتهما. ثق أنى لم أضطر إلى التوسل.
ـ ليس هذا المهم, تهمنى خلاصة الموضوع و هى أنك فى ضيق مالى.
ـ كلا, لست كذلك.
ـ بل ستقبلين ببزيادة الراتب!
تأججت عيناه الداكنتان و رن صوته كالفولاذ فى ارجاء المكتيب متناغماً مع هدير العاصفة فى الخارج.
كان الرعد يقصف من بعيد ثم اجفلت ليزا حين لمعت السماء فوق البنااية. يجب أن تهرب قبل أن تشتد العاصفة و يفتضح أمرها.
ـ هل أنت خائفة؟
توردت خجلاً من جبنها و من نظرته المتمعنة, اجابته و هى تتنفس عميقاً و تحاول التحكم باعصابها:
ـ بالطبع لست خائفة.
ـ إذن لنعد إلى قضية الراتب.
ـ لا أريد مطلق زبادة يا سيمون. أمى فنانة موهوبة و هى ترسم منذ سنوات و تبيع لوحاتها. فكرنا فى المخزن كسزق جديد و ليس فى ذلك ما يدعو إلى الخجل.
ـ أحس بوجود لغز ما و اعتزم التوصل إلى حله, فحدسى لا يخيب ابداً يا عزيزتى ليزا......اذا اردت سيدة أن تبيع شيئاً برضائها التام فهى تبيعه بنفسها بدل من أن ترسل ابنتها الصغيرة لتقوم بالمهمة عنها.
ـ أنا لست بنتاً صغيرة.
ـ ألم يترك لها سيلاس مالاً على الاطلاق؟ لم يوصِ لها بشئ فى وصيته أنما كان بإمكانه أن يؤمنها بطريقة أخرى.
ـ قلت قبلاً أنه لم يترك شيئاً.
ـ أخبرتنى أنه لم يكن يدفع لك زيادة الراتب على حدة, أنما لم أذكر وضع أمك.
قطبت محتارة و عجزت عن تذكر ما قالته له بالضبط. يا له من ثعلب!
أجابته بضيق و جمود:
ـ لا أرى أية فائدة من هذا النقاش يا سيمون, ليس هناك ما يدعوك إلى الاهتمام بشؤون أمى. لقد تحدثنا قبلاً عن الوصية و يبدو أنك تريد الآن أن تعرف إذا كنا قد اقتنصنا مالاً بطرق أخرى.
ـ أن محاولة مساعدتك اشبه بضرب الرأس على جدار حجرى, أنما سأقول ما يلى, إن ارادت أمك أن تبيع شيئاً فى المستقبل فلن أمانع بتاتاً فى ذلك, لكنى سأمنعك أنت, يا عزيزتى ليزا, أجل, سأمنعك.
لمست فى كلماته بعض الوحشية الخفية فحدقت إليه مرتعشة حائرة ثثم وعت مقصده فاحمرت وجنتاها و هبت واقفة و هى تهتف بانفعال:
ـ لا يحق لك أن تصدر إلىّ أوامرك! إن سمعة الشركة لا تتوقف على طريقة تصرفى, و أنا لست طفلة لتتملقنى تارة و لتؤنبنى تارة أخرى! عجزت عن احتما نظرته المركزة فقالت باختناق:
ـ أنى ذاهبة, لقد تأخرت كثيراً عن موعد الانصراف.
لم تع أن سيمون قد دار وراء مكتبه و تقدم منها إلا حين شعرت بيديه تمسكان كتفيها و تجذبانها إليه مما اضطرها إلى اخفاء وجهها على صدره .
قال لها بصوت متهكم و رقيق فى آن:
ـ إذن أنتت خائفة! لم يخطر لىّ ذلك لكونك مخلوقة استقلالية إلى حد بعيد.
استمرت العاصفة تولول خارج الغرفة و تحيل الطقس الصيفى مناخاً شتوياً بالرغم من استمرار الحرارة. ارتجفت بين ذراعيه و قد بدأت تحس بهما حولها أنما لازمها الرعب بسبب البرق المتواصل, ثم شعرت بيده تلامس قفا عنقها, و سرت فيها موجات متلاحقة من الاثارة حين افلت شعرها المعقوص باصابع خبيرة فانسدلت دفقاته الحريرية على كتفيها. ازاح الخصلات الكثة عن جبينها و قال مهدئاً روعها:
ـ قد يساعد إرخاء شعرك فى تخفيف توترك, حاولى أن تسترخى لتشعرى بتحسن:
ـ أفلتنى, أرجوك. لا موجب لأن تحتضنى.
أدركت من خلال رعبها أن عليها أن تقاومه إذ حذرتها غزيرة ما بأنه لا يقل خطراً عن العاصفة....لا ينبغى التورط معه مهما كانت النتيجة مغرية لأن اى هناء مؤقت قد تحسه بين ذراعيه سيؤدى بها إلى الشقاء, لكن ما اصعب مقاومته فهو يمتلك جاذبية عجيبة ترغمها على التجاوب.
ـ لا تتحركى, أنت شابة غريبة يا ليزا إذ تدفعينى أما إلى معانقتك أو إلى ضربك كطفلة عنيدة, أى من الطريقتين تفضلين؟
ـ لا هذه و لا تلك.
أخذت العروق فى عنقها تنبض بجنون فحاولت الافلات منه. دوى الرعد قاصفاً فشعرت أن سيمون اشد خطورة منه, و لحظتها تحركت الغيوم السوداء خلف النافذة سارقة من جاعتها الكثير فتمسكت اصابعها تلقائياً بياقة سترته, فقال بهدوء:
ـ هناك خيار ثالث قد تتقبلينه, سآتيك بشراب.
ـ كلا, كلا.
أخذ قلبها يخفق كطائر أسير بين ضلوعها, هناك شئ واحد تتوق إليه, حنينها الجارف و الذى يجب أن يمر بسلام قبل أن يفطن إليه.
كانت مسحوقة بين ذراعيه و تشعر بأمان غريب من غضب العاصفة الخارجية انما تحس ايضاً أنها معرضة للعطب بفعل رغباتها الداخلية.
ـ تحتاجين إلى ترياق يا عزيزتى ليزا. أنا أحاول أن أكون لطيفاً. إلا أنك لا تتركين لى الخيار, أنه لاغراء شديد الوطأة على مطلق رجل لكنك لا تتجاوبين مع الأساليب اللطيفة, إذن سأختار الاساليب العنيفة.
ادار وجهها صوبه ثم عانقها مجدداً.
و سرعان ما ابعدها عنه قليلاً ليتأمل ردود فعلها و ليلفتها إلى نتائج اثارتها له بهذه الطريقة, تقلصت يداه على ذراعيها و قال هامساً:
ـ هل سبق و اقمت علاقة مع رجل يا ليزا؟ يمكننى أن احرز اشياء كثيرة عنك أنما يستعصى علىّ فهمك من نواح كثيرة.
ـ أن كنت قمت بابحاثك كما يجب فحرى بك أن تجيب نفسك على السؤال .
ـ يفترض من السكرتيرة الماهرة أن تزود رئيسها بكل المعلومات.
قالت و هى تهز رأسها بعناد و تحاول السيطرة على اعصابها:
ـ أحياناً لا ترغب فى ذلك.
ـ لقد أخفقت فى اختيار الزمان و المكان المناسبين, لابد أنى بدأت أفقد مهارتى. فى المرو المقبلة لن أقع فى هذا الخطأ. أنا واثق من شئ واحد, هو أنك لا تنفرين منى يا ليزا.
منتديات ليلاس
اجفلت إذ استطاع بهذه الكلمات أن ينتشلها من جمودها. رأت فى عينيه نظرة عميقة القرار و حركت حفقات قلبها و أثارت فى أعماقها خوفاً غريباً. يبدو أنه توصل إلى استنتاجاته الخاصة بالنسبة إلى خبرتها العاطفية السابقة. ارتعدت برداً بالرغم من حرارة الجو و حرارة قلبها, إذا عاد القرار إليها فلن تكون هناك مرة أخرى....نواياه واضحة, بل هى واضحة منذ البداية و هى الملومة لأنها عميت عنها.....أنه جذاب أيضاً إلى حد الخطر و واثق بالتالى من الوصول إلى غاياته. هل كان هذا ما يقصده عندما تحدث عن الاتفاقات؟
كم يخيفها سحره هذا لأن تعقلها يخونها حالما تصبح بين ذراعيه.....
قبل أن يتمكن من إيجاد فرصة أخرى عليها أن تجد طريقة لترك الشركة نهائياً.....فى الوقت الحاضر, قد يكون من الأفضل أن لا تفعل شيئاً من شأنه أن يثير شكوكه.
انسحبت باحتراس من بين ذراعيه و نظرت صوب النافذة. ثم اغتصبت ضحكة قصيرة و قالت :
ـ لقد هدأت العاصفة, قد تنجح الأساليب العنيفة فعلاً, أما الآن فعلى أن أعود إلى بيت.
ـ لدى موعد عشاء لكنى سأتمكن من ايصالك. لا أريدك أن تتعرضى للبلل.
لم يكلمها سيمون كثيراً بعد مغادرتها المكتب, ربما لانشغال ذهنه بموعد العشاء, هى أيضاً لاذت بالصمت لفرط توترها و احساسها بالشقاء.
عذبها شعور معين بأن سيمون قد بدأ يغزو مشاعرها بشكل لا يروقها, إذا لم يكن لها مفر من الوقوع فى الحب, فلماذا لا تتعقل و تحب, على الأقل, شاباً غير معقد غرار بيل برايت؟ لكن عناق بيل لم يثر فيها أياً من الأحاسيس التى يثيرها سيمون....قطبت محتارة و هى تعبر الدرب بسرعة...كيف بلغ بها الحمق إلى حد اختيار الرجل غير الملائك لها بتاتاً؟ لقد وجدت فى سيمون ردفورد ملاذاً أميناً لكنه قد يكون اشد فتكاً من العاصفة بل قد يكون اعصاراً لا يقاوم من شأنه أن يقتلع قلب أى قلب بقوة و قسوة.
وصلت البيت فلم يجد أمها هناك. و ما أن نزعت معطفها و قبعتها حتى رن الهاتف فالتقطت السماعة بشئ من الشرود و قالت: "آلو, بيل....كنت فى طريقى إلى البيت, تأخرت بسبب المطر, أن كنت تخابر بشأن السهرة غداً فسأذهب معك. أما الآن فيجب أن أتناول شيئاً من الطعام."
اقفلت الخط بسرعة ثم وقفت تحدق إلى السماعة و هى تحاول أن تتذكر ما قاله سيمون بالضبط عندما نزلت من سيارته....لقد قال: "أن كنت ستخرجين مع بيل مساءً غد فليكن ذلك للمرة الأخيرة, إذ لا أحب أن يشاركنى أحد سكرتيرتى مثلماً لا أحب أن يشاركنى أحد صديقاتى الحميمات."
هزت كتفيها بلا اكتراث و ركضت إلى الطابق العلوى.
رأت مونيكا تقف فى الردهة و هى ترتدى مريول الرسم الملطخ بالدهان. بدت أسعد حالاً بالرغم من شرودها البسيط, فتساءلت ليزا فى نفسها, كيف ستتصرف عندما تنقل إليها وجهة نظر سيمون حول بيع اللوحات للمخازن التجارية؟ قال لها مونيكا:
ـ تلقيت اليوم رسالة من اوستراليا....
و هنا اخرجت مونيكا رسالة رقيقة من جيبها و قالت :
ـ أنها من عمتك. استغرب أن تكتب إلى بعد مرور هذه السنوات, و يبدو أن رسالتها طافت نصف ارجاء البلد قبل أن تصلنى. أنها حائرة فى امرها و تسألنى رأيى, هل أذهب أنا لزيارتها أم تأتى هى بنفسها. أنى أعرف عمتك جيداً, و هى, على الأرجح, ارادت التأكد من جودى على قيد الحياة, قبل أن تشد رحالها إلى انكلترا.
ـ لكنكما لم تريا بعضكم منذ أمد طويل. ألا تظنين أن الوقت قد فات على استجماع الخيوط من جديد؟
ـ لست ادرى, كنا فى الواقع ننسجم مع بعضنا بعضاً و هى كانت أول المشجعين لىّ على تجربة الرسم, كانت تعتقد أنى موهوبة أضافة إلى مناخ اوستراليا الجميل. اذكر أنها وقعت فى حب رجل يكبرها سناً و عندما فشلت فى حبها, رحلت إلى أحدى المناطق النائية حيث تسلمت وظيفة تعليمية.....حسبما اذكر, و بقيت هناك.
ـ هل كان والدى شقيقها الوحيد؟
ـ أجل, عندما توفى اعلمتها بذلك فى رسالة اجابتنى عليها, و لما تزوجت ثامية أعلمتها ذلك ايضاً و ارسلت لها عنوانى إلا أنها انقطعت عن مراسلتى, كان يجب أن أحاول الاتصال بها مرة اخرى, لكنى انشغلت بسعادتى آنذاك و بقيت أؤجل مراسلتها إلى أن نسيتها كلياً.
ـ إذن لم تريها منذ سنوات بعيدة؟
ـ منذ عشرين سنة تقريباً, كنت أنت فى الثالثة عندما رجعنا, و قبل ذلك بسنتين كانت هى قد غادرت المدينة.
قرأت ليزا الرسالة و اعادتها إلى أمها سائلة أياها بفضول:
ـ اتودين العودة إلى اوستراليا؟
صعب على ليزا أن تشعر بأى لهفة تجاه عمتها التى ا تعرفها و كثير من الناس قد يستغرب موقفها هذا. ربما تشعر هكذا لأنها غارقة فى مشكلاتها الخاصة فى الوقت الحاضر.....فمنذ أن جاء سيمون إلى بيرمنغام ما عادت تستطيع التفكير فى أى شئ آخر, و قد يثبت هذا أنها باتت تهمل أمها فى الآونة الأخيرة......و وخزها ضميرها فأردفت تقول بلهفة:
ـ قد يفيدك أن تسافرى فى إجازة.
أشك فى أن باستطاعتى ذلك, احب بالطبع أن أرى عمتك, كما أن رسالتها دلالة على شوقها إلىّ, لكن كم أين أحصل على ثمن التذكرة؟ لا أستطيع كذلك أن أدعوها لأن أكرامها سيتطلب مالاً لا نملكه.
تنهدت ليزا بكدر و تبعت أمها إلى المطب. لقد نسيت وضعهما المتأزم فى غمرة اهتمامها بارضاء مونيكا, و هذه الرحلة تكلف غالياً إلا إذا سافر المرء عن طريق السباحة! ابتسمت و قالت بخفة:
ـ لِمَ لا ندعوها إلى هنا؟ نستطيع تدبر أمورنا بشكل ما.
ـ عزيزتى ليزا, متى ستفكرين بعقلك؟ إذا جاءت هنا فسوف يكتشف سيمون أنك ليست ابنة خاله الحقيقي, و قد يبادر بالتالى إلى طردنا من البيت, و بدون هذا البيت لن نتمكن من استقبال احد و على الأخص زائرة من اوستراليا.
ـ إذا استطعنا أن نسدد دين المخزن و أن نجد مسكناً آخر فلا يعود مهماً سواء اكتشف سيمون الحقيقة أم لم يكتشفها!
ـ لا يمكننا أن نسدد الدين بسرعة, فاليوم فقط بدأت رسم لوحة جديدة.
ـ إذا استطعت أن تجدى عملاً لفترة مؤقتة فلربما ساعدنا ذلك على إيفاء الدين بسرعة كبيرة, ثم أن راتبينا مجتمعين قد يمكناننا من دفع القسط الأول ثمن بيت صغير يغنيننا عن السكن فى بيوت الآخرين.
ثم اضافت بابتسامة خفيفة:
ـ قد تستطعين أيضاً أن تسافرى إلى اوستراليا.
ـ لقد تكلمنا كثيراً ى هذا الموضوع من قبل. تعلمين أنى لا أنجح فى الأعمال الخارجية فليست لدى أية خبرة محددة و سوف يستحيل علىّ البدء فى عمل أجهله, إلا إذا كنت تتوقعين منى أن أعمل فى المخزن لبينما اسدد الدين لأصحابه؟
ـ بالطبع لم أقصد ذلك يا ماما, أنسى الموضوع!
ـ إضافة إلى ذلك أنا أحب مهنة الرسمو لابد أن تريحنى مادياً فى يوم ما.
ـ ألا ترين يا ماما أنه يتوجب علينا الاحتراس طالما أن لورا تنسون مهتمة بالموضوع؟
ـ لم تذكرى من قبل أنك رأيتها هناك.
ـ آسفة كان يجب أن أن أفعل أنما خشيت أن أقلقك. الفكرة جاءت منى فى الأساس و لم يخطر مطلقاً أنها ستذكر الأمر لـ سيمون.
ـ هناك اناس يعجزون عن ضبط النستهم. انما لا أفهم اضطرار فتاة مثل لورا إلى الاهتمام بما نفعله. فـ رونالدو تنسون مليونير تقريباً.
ثم رمقت ابنتها بنظرة سريعة و قالت باهتمام:
ـ إذا شئت, سأخذ اللوحة التالية بنفسى, لن أطلب إليك إلا أن تسوى الأمور عنى فى قسم المحاسبة.




نهاية الفصل السابع

دينا عبدال 19-08-14 10:35 AM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
الفصول جميله
بأنتظار التكمله علي نار

زهرة منسية 20-08-14 09:34 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 

8 – بادلته تحديقه البارد بنظرة غاضبة من عينيها
المتسعتين و احست للمرة الثانية أنها معلقة
فى الفضاء ة ليست سوى مخلوقة صغيرة تقاوم
بوهن لتتخلص من نظرة وحش شرهة قد تلتهمها فى أى لحظة.

منتديات ليلاس


ذلك المساء, و إذ كانت ليزا على وشك أن تغفو, أطلت مونيكا من باب غرفتها لتقول:
ـ قبل لحظة خابرنى سيمون على الهاتف و طلب رؤيتى فى الصباح لأمر لم يذكره. قال أنه سيوصلك إلى المكتب إذ من السخف أن تستقلى الباص مادام سيذهب بنفسه إلى المدينة مباشرة. أنى اتساءل عما يريده منى, و لا ريب أنه أمر بسيط.
استغربت أن يصل سيمون فى وقت مبكر جداً من صباح اليوم التالى.


منتديات ليلاســــــــــــــــ


زهرة منسية 20-08-14 09:36 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 

كانت أمها ما تزال نائمة, و هى هبطت إلى المطبخ مثقلة العينين لتصنع فنجاناً من الشاى ليساعدها على الاستيقاظ كلياً. فتحت له الباب فقال و هو يتأمل بنظرة ملتمعة محياها الناعس و خديها الموردين كزهرة مشوشة:
ـ يروقنى دائماً أن أرى شكل الناس فور استيقاظهم من النوم. ألن تدعينى إلى الدخول؟
ـ رجاء أن تتفضل.
تقبل دعوتها الجامدة بنظرة لطيفة و دخل الردهة. هذا الصباح تفوح منه رائحة نظيفة من بودرة الجسم و عطر ما بعد الحلاقة. هذا ما توصلت إليه ليزا حين هاجم حواسها ذلك العبق الجذاب المختلط برائحة العطور و جعلها تشدد قبضتها على حافة الباب.
استدار منتظراً تحركيها و قال و عيناه تراقبان اصابعها النتقلصة:
ـ لابد أن زياراتى المفاجئة لك على باب بيتك تبدو لك عادة سيئة, فعندما جئت قبلاً وجدتك تقفزين حافية القدمين كظبية مذعورة, لكن ثقى أنى جئت بنية شريفة هذا الصباح و لا أريدك أن تنزعجى من قدومى بأى شكل.
هنا تملكها رغبة بدائية عابرة فى أن تصفعه, بوسعه, حين يشاء أن يلجأ إلى أسلوب راق يجرحها فى الصميم, و أن يتهكم بقسوة من خلال نظرة أو عبارة فيحطم بذلك رباطة جأشها الهشة. أغضبتها تحديقه السليط فأغلقت الباب بصفقة عنيفة لتشعره بتمردها. ثم قالت بتهذيب مناقض لتعبير وجهها:
ـ ربما تود أن تشاركنى فى شرب الشاى؟
كان وجهه الأسمر مفعماً بالتلذذ الساخر و قد أكدت لها بنرته أنه ينظر بعين الازدراء إلى روبها الأزرق القطنى المخطط. فقالت له:
ـ ما دام مظهرى لا يروقك فسوف اصعد و ارتدى ثيابى. عن اذنك, أمى ستكون هنا فى أية لحظة.
كادت مونيكا أن ترتطم بها بالفعل لدى خروجها النزق من المطبخ. كانت أمها مثال الذوق و الأناقة فى ثوب من الكتان الأزرق الفاتح و كل خصلة من شعرها الرمادى مصففة بجمال و ترتيب. و فيما ركضت ليزا إلى الطابق العلوى اشرق الصباح بالنور حيث انسكب على وجهها المتورد و امتزج بألق عينيها اللتين عكستا بعض الحسد من مظهر أمها الفائق الاناقة.....لا يمكنها ابداً أن تنافس مونيكا فى هذا المضمار, فهى ما تزال تحب أن تركض حافية على المرج الأخضر و تترك شعرها يطير فى الهواء كالعصفور....فكرت فى نفسها و هى تنزع الروب بسرعة و تحدق إلى صورتها فى المرأة, ربما هى تشبه عائلة والدها الاوسترالية و قد ورثت عنها تصرفاتها العفوية مع الجنس الآخر و هذه النزعة الاندفاعية التى تغيظ سيمون فى بعض الاحيان, من اليوم فصاعداً عليها أن تحاول الابتعاد عن طريقه حين لا تكون على المستوى المطلوب من الاناقة و الترتيب كى لا تعرض نفسها لانتقاده مرة أخرى.
فى السيارة و فى الطريق إلى عملهما سألته:
ـ كنت تفكر فى افتتاح مكتب فى وسط المدينة, هل تعتزم تنفيذ الفكرة؟
اجابها بهدوء و تكاسل نافضته حركة اصابعه العصبية:
ـ تلك الفكرة مؤجلة نظراً إلى بعض الاعتبارات.
منتديات ليلاس
ـ ماذى تعنى؟
ـ هذا تعبيرك الدائم, أليس كذلك يا ليزا؟ ألا يمكنك ابداً أن تقرأى ما بين السطور؟ بصراحة تامة, أقصد اننا سنبقى حيث نحن لبينما أعين مدير عامم و لبينما تعود الآنسة براون من رحلتها.
ربما هى تستحق هذه الضربة على يدها كطفلة مذنبة و لكن لا يكف عن مضايقتها بتعليقاته اللاذعة الغامضة. كيف يقدر أن يتغير, ما بين لحظة و أخرى, من الرقة و الحنان و الحماية إلى التأنيب و الاقحام بدون أن يطرف له جفن؟ و ها هو الآن يضيف ببرود:
ـ لا أحسبك تسعين إلى الاطراء فى باكورة الصباح يا ليزا؟
اجابته بجفاء:
ـ ثق أنى لا أطلبه منك بتاتاً. فى الأسبوع الماضى تلقيت بطاقة بريدية من الآنسة براون تقول فيها أن أختها تتحسن. و هكذا فقد لا تتأخر فى العودة كما تظن.
احست برغبة فى معاكسته فأصرت على متابعة الموضوع:
ـ أعتقد أنك قد ترجع إلى لندن فى نهاية المطاف.
أجابها و هو يطلق تنهيداً قصيراً لا يخلو من الضيق:
ـ قد أفعل, انما ليس فى الوقت الحاضر. يبدو أن الأمور تجرى على ما يرام فى لندن و كأن غيابى قد زود أخى بالحافز المطلوب على العمل, أنه يتقدم فى كل المجالات و لا أريد أن اعرقل تقدمه سيما أن المشاغل الكثيرة هنا تتطلب وجودى, إضافة إلى ذلك, لدى مدير اعمال ممتاز فى لندن, كما أخبرتك سابقاً.
بادلته تحديقه البارد بنظرة غاضبة من عينيها المتسعتين و احست للمرة الثانية أنها معلقة فى الفضاء و انها ليست سوى مخلوقة صغيرة تقاوم بوهن لتتخلص من نظرة وحش شرهة قد تلتهمها فى أية لحظة.
لكن تحرك السير انقذها مؤقتاً من ورطتها إذ ازاح بصره عنها و قال بلهجة آمرة:
ـ كفى عن الكلام. تصرفى كبنت مطيعة.
تحركت السيارة إلى الأمام مدفوعة بقوتها الذاتية و بقوة الرجل الذى يقودها. لقد خاطبها كما لو أنها طفلة فقبعت حيث هى و امتثلث لأمره.
لدى عودتها إلى البيت مساء اخبرتها مونيكا أن سيمون قد طلب موافقتها على أن له سلسلة من حفلات العشاء و اردفت موضحة:
ـ لقد مل تناول العشاء فى الفنادق و شقته الصغيرة لا تتسع لاقامة الحفلات. اصبح لديه الكثير من المعارف و يرغب فى توطيد علاقته بهم, و هكذا طلب مساعدتى فى هذا المجال.
ـ أتقصدين بدعوة الناس إلى هنا؟ لا أرى كيف ستساعدينه بذلك.
ـ أنك تخلطين الأمور و ههذه عادتك يا ليزا, من المهم للشركة أن يتعرف سيمون بأسرع ما يمكن إلى رجال الاعمال المحليين و إلى المنطقة , ومن الصعب عليه أن يفعل ذلك فى الفندق.
قطبت ليزا إذ داخلها ارتياب مفاجئ. هل هذا ما قصده بالقول أنه يريد التوصل إلى معرفة طريقه؟ أنه لا يعتزم حتماً أن يستعمل أمها كأداة للكشف عن هوية العابثين بدفاتر الشركة, و قد لا يتجاوز مبلغ الاختلاسات بضعة جنيهات تافهة؟ أنها متأكدة أن مونيكا ليست لديها أية فكرة عن حقيقة الوضع, إذاً فأية متعة ستُجنى من الاحتفاء بأصدقاء قدامى و فى هذه الظروف؟ لا ريب أن الضيوف سيكونون اصدقاء سيلاس القدامى لأنه سيسهل على سيمون الماكر فى هذه الحالة أن يحصل من مونيكا على قائمة كاملة باسماء رجال الأعمال الذين كانوا يترددون باستمرار على منزل سيلاس. لا حيلة لها فى معارضة الاقتراح كما أن حدسها لن يكفى باقناع أمها بالتراجع, فنظرة واحدة إلى وجه مونيكا المشرق تثبت ترحيبها بالفكرة اضافة إلى أن قيامها بعمل كهذا سيشعرها مجدداً بحاجة الآخرين إليها و سيعيد إليها بعضاً من اهميتها السابقة.
و هنا تذكرت ليزا وضعهما المادى المتأزم فقالت على الفور:
ـ ماما, هل خطر لك أن تفكرى فى النفقات؟ لا يمكننا أن نقيم حفلات عشاء كما فى الماضى, لا ريب أنك شرحت له ذلك؟
فقذفتها مونيكا بنظرة صاعقة و قالت:
ـ لم أجد داعياً للتفسير يا حبيبتى فـ سيمون ردفورد رجل واسع الخبرةو ليس غبياً. أنه يعرف جيداً كم تكلف الضيافات هذه و لذا سيتكفل بجميع النفقات.
حدقت إليها ليزا منذهلة. كانتا تتناولان العشاء فى المطبخ و كعادتها فى المدة الأخيرة لم تجد شهية إلى الطعام. اجتاح قلبها ثورة عارمة على سيمون....لو أنه عرض عليها هذا الاقتراح قبل أن يعرضه على أمها لافهمته بصراحة أن يذهب به إلى الجحيم. أن حياتها معقدة اصلاً و لا تحتاج إلى المزيد من التعقيدات. قد لا يكون لديه دوافع خفية وراء هذه الفكرة, لكنها تشك فى ذلك, فـ سيمون لا يقوم بأية خطوة إلا بعد دراسة و تفكير و هو ليس من ذلك النوع الذى يلقى الكلام على عوانه.

منتديات ليلاســـــــــــــــــــ



زهرة منسية 20-08-14 09:43 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
انتأبها أرهاق مفاجئ من مجرد التفكير فى اقامة حفلة واحدة. ألم يخطر لأمها أن ذلك سيزيدهما غرقاً فى مستنقع المشاكل؟ غمغمت بتوتر:
ـ اتساءل احياناً, أيكما أكثر جنون من الآخر, أنت أم سيمون ردفورد! هل درست الأمر من كل جوانبه؟ مثلاً, من سيطهو كل ذلك الطعام؟
ـ الحارسان الجديدان, سيقومان بذلك لقاء سكنهما المجانى فى الشقة و برضاء تام.
حدقت ليزا بشرود إلى غطاء الطاولة الأزرق.....إذن لم يغف سيمون عن أى شئ و سوف تضيع وقتها سدى أن حاولت أن تعارضه.
ركزت مونيكا بصرها على وجه ابنتها التعيس و قالت بلهفة:
ـ ألا ترين أن ذلك سيعزز مركزنا بالنسبة إلى البيت؟ لم يسعنى أن ارفض اقتراحاً كهذا.
ـ يبدو أنك فعلت كل شئ عدا الرفض.
ـ لعله يسرك أن تعلمى أنه سيدفع لىّ أجراً فقد اتفقنا على راتب بسيط.
بدا صوتها حذراً و منجرحاً فى آن. أما ليزا فأحست بشحوب لارد يغزو وجهها و قالت:
ـ ماما, ليتك توافقين على أن تمتنعى عن آخذ أى مبلغ مهما كان صغيراً.
حتى لنفسها عجزت عن تفسير سبب عزوفها الحقيقى عن أخذ أى شئ من سيمون, و حتى قبلاته لم تجن منها سوى العذاب. حاولت أخفاء ضيقها فاردفت قائلة:
ـ يجب أن تفهميه أن مطلق عمل ستقومين به سيكون مقابل جزء من بدل الايجار أو مقابل صيانة البيت إن شئت, لكن أياك أن تأخذى منه قرشاً فنحن مدينتان له بما فيه الكفاية.
ـ كما تريدين يا عزيزتى, أنه مبلغ تافه على أى حال و لا يستأهل هذه الجلبة.
اقتصرت أول حفلة عشاء على ستة اشخاص فقط و لم تظهر ليزا بتاتاً لترحب بالضيوف. كان الأمر غاية فى السهولة بل أنها استطاعت ايجاد عذر مناسب تقبلته أمها لكنه لم يرق سيمون على الأطلاق. فلقد لاحظ تغيبها و حين سألها صباح اليوم التالى عن مكان وجودها وقت الحفلة اجابته بعناد:
ـ كان من الممكن أن يخل وجودى باعداد الضيوف المزدوجة.
ـ ليس هذا هو الجواب المطلوب لسؤالى.
رمقته بنظرة توحى بالامبالاة.
كان صباح السبت و قد ذهبت إلى الحقل لتنعم بالطبيعة و الجدول. على مبعدة, كانت تسمع ضجيج المدينة الخافت, أما هنا فى عمق الأشجار فلا تسمع إلا تنهدات الهواء و هو يعبث بأوراق الشجر و يموج العشب الطويل و الأزهار البرية. التقطت بكسل ورقة من العشب الخشن كان ينمو قرب اجمة من العنبر البرى و أخذت تمزقها نتفاً صغيرة باصابعها النحيلة البضة. لم تع أنها تفعل ذلك إلا حين نزع سيمون العشبة من يدها, ثم قبض على ذراعها بقوة و قال بنظرة داكنة و صارمة :
ـ أين كنت ليلة أمس؟ قالت مونيكا أنك خرجت مع صديق.
هل بات يدعو أمها باسمها الأول؟ بالطبع سيفعل ما دام أكثر حذاقة من مونيكا, و ها هى قد بدأت تتغنى بمحاسنه صباحاً و مساءاً. حدقت إليه ليزا بخواء و قالت:
ـ أجل, كنت مع صديق لىّ.
ارخى ذراعه ذراعها و قال بضيق مكبوت و كأنه حزر عنادها المقصود:
ـ أى صديق؟ بيل برايت؟
اجابت بدون أن تنظر إليه:
ـ نعم, خرجت مع بيل.
احست بأبر نارية صغيرة تسرى فى رسغها الذى افلته لتوء فراحت تمسده باصبعها كأنها تحاول إزالة لمسته.
احتواها بنظرة فاحصة و قال :
ـ لم يكن فى نيتك الخروج معه ثانية بعد أن حضرت معه حفلة البالية فى ستراتفورد, لماذا عدلت فجأة عن قرارك السابق؟
ـ أنا و بيل مججرد صديقين.
عبق وجهها إذ رأت حاجبيه يرتفعان بإزدراء فاردفت فوراً:
ـ أوهـ, أعلم أن هذه العبارة دعابة تقليدية لكنها تنطبق علينا فعلاً. لقد خرجنا مع الموظفين و الموظفات فى المكتب, أن كنت تصر على معرفة الحقيقة, فقد دعتنا احدى الزميلات إلى حفلة بمناسبة عيد ميلادها.
شمخت بذقنها العنيد, فقال محدقاً إليها:
ـ متى ستتعلمين أن تردى مباشرة على الأسئلة التى توجه إليك؟ لا بأس دعينا الآن من ذلك. لكن حين أدعو الناس إلى البيت فى المرات المقبلة أريدك أن تكونى هناك, هل تفهمين؟ تستطعين على الأقل أن تساعدى امك أن لم تقدرى أن تفعلى شيئاً آخر.
هوى عنفه عليها كما الصفعة إلا أنها رفضت الرضوخ له كلياً.
غمغمت برقة و تهذيب:
ـ أن وجود سكرتيرتك فى هكذا حفلات قد يحرج موقفك يا سيد ردفورد, فقد يظن ضيوفك أنى أخبئ دفتر الملاحظات فى ثنايا ثيابى, و هذا هو هدفك الحقيقى من الحفلات, أليس كذلك؟ أنك تبغى تقييم كل مجرم مشبوه فى المدينة.
أجابها بصوت فاتر:
منتديات ليلاس
ـ ليزا لوسون, سوف ترغمينى فى يوم ما على ضربك كطفلة متمردة, كان يجب أن تضربى هكذا منذ سنوات طويلة.
التهبت وجنتاها و تحولت عيناها إلى ناراً زرقاء و هى تغيب بغضب و تعثر:
ـ لن تجرؤ على ذلك! أنك لا تقل سوءاً عن سيلاس!
ـ ليتنى عرفت عمى فى حياته, هل افهم من كلامك أنكما كنتما تختلفان فى الأراء؟
ـ كنت و سيلاس......
قطعت عبارتها و خمد غضبها بالسرعة التى اشتعل فيها, نظرت إلى سيمون بقلق فإذا بنور الشمس يكشف تقلص العضلات حول فكه, كان يجب أن تعتذر بدل أن تتهور بجوابها بالرغم من تهديده. إلا أنه قد لا يصدقها إذا اخبرته أنها ما أختلفت مع سيلاس حول أى شئ خلال السنوات الطويلة التى عاشتها فى هولوز آند باستثناء خلافهما حول مهنتها المستقبلية, و عوضاً عن ذلك قالت له بجمود:
ـ اعتذر من الطريقة الفجة التى خاطبتك بها, ادرك أنك تواجه مشاكل فى الشركة, و البيت بيتك على أى حال.
اشاحت بعيداً عنه فأمسكها من كتفها و قال ببسمة خفيفة:
ـ هل قصدت أن تعترى يا ليزا؟
ـ نعم, أظن ذلك......
ثم عضت شفتها بعنف خشية أن يفطن إلى مدى شعورها بالندم, و اردفت تقول:
ـ قلت أنى آسفة.
ـ سمعتك.
ارخى يده فوراً و تابع يقول بحزم لعدم تأثره كثيراً بكلماتها القليلة المتكلفة:
ـ فى المرة المقبلة حاولى أن تعتذرى بوضوح أكبر, على أى حال لم آت هذا الصباح لأتحدث عن حفل الليلة الماضية.
قالت على الفور:
ـ لم تذهب إلى لندن هذا الأسبوع؟
وعت فجأة أن اليوم هو يوم السبت و أنه ما يزال هنا لسبب ما.
استدار ليسير معها فى اتجاه البيت ثم وضع يده بحزم على مرفقها و قال:
ـ لدى عمل مهم هنا. يجب أن أتوجه إلى مكان قرب بريستول خلال ساعتين لحضور موعد مهم و احتاج إلى مساعدتك, جئت لآخذك معى, و أخشى أنى قد اعتبرت ذهابك معى تحصيل حاصل.
ـ كان من الجائز أن لا تجدنى.
تعثرت قدمها وسط العشب الطويل فشدد قبضته على ذراعها و أجاب:
ـ ادركت ذلك, إن هذا المشروع الجديد يخص فرع لندن فى الواقع أكثر مما يخص الشركة هنا, إنما يمكننى أن أنهى المسح المبدئى من بيرمنغام بالسهولة نفسها, كان الأمل ضئيلاً بأن اجدك هنا و أن لا تكونى متقيدة بعمل خاص و هكذا قررت أن آتى لأتأكد.
ترددت ليزا لحظة عابرة إذ أنها وعدت أمها بأن تأخذها بالسيارة إلى بيرمنغام هذا الصباح, لقد نجحت الصفقة مع المخزن أكثر مما توقعتا, و مونيكا حافظت على كلمتها و تابعت الأتصالات بمفردها, الآن وعدت بأن تنجز ثلاث لوحات أخرى و وافق قسم المحاسبة على إلغاء الدين فور تسليمها تلك اللوحات. كذلك انجزت مونيكا لوحة رابعة كانت تعتزم أخذها إلى تاجر التحف بعد الافطار . التفتت ليزا إلى سيمون بسرعة و لم تقدر أن تقاوم الاغراء الذى حثها أن تقضى معه جزءاً من ذلك النهار على الأقل, هل تطلب إلى الحارس و زوجته أن يوصلا مونيكا إلى المدينة؟ أنهما خدوماً جداً و أمها تكره القيادة فى شوارع بيرمنغام, قالت له:
ـ أرجوك أن تنتظر قليلاً حتى آتى بمعطفى, سأرافقك من كل بد.
ـ لا تبدلى ثيابك, أبقى كما أنت.
و عندما اخبرت أمها استغربت قبولها الفورى, ثم أضافت قائلة:
ـ يجب أن ترافقيه فنحن ندين بالكثير لـ سيمون. أنا سأتدبر أمر ذهابى إلى المدينة و لو اضطررت إلى ركوب الباص. اللوحة ليست ثقيلة انما مزعجة الحمل.
نزلت عند طلبه فظلت فى سروالها الجينز الأزرق و لكنها اختارت بلوزة ثانية ملائمة أكثر. أما شعرها الطويل الذى سرحته عند المزين قبل يومين فكان يتهاوى متالقاً على كتفيها و لم يحتاج إلا إلى ضربة مشط خفيفة.
و فكرت بلهفة, كم سيعجبه شعرها على الأقل أن لم تجد فيها شيئاً يعجبه.
التفتت بفضول إلى المرآة فشعرت بامتنان مفاجئ لبنيتها العظمية الدقيقة التى لم تلحظها من قبل. صحيح أن لباسها عادى غير أنها تبددو جذابة اجمالاً و فى مقتبل العمر.


منتديات ليلاســــــــــــــــــ



زهرة منسية 20-08-14 09:45 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
لقد رفض سيمون أن يدخل لاستعجاله فى الذهاب, ووجدته الآن فى السيارة و هو يحدق إلى الحقل بنظرة تقيمية.
و حالما انطلقا بالسيارة علق قائلاً:
ـ الحقل شاسع المساحة, أما ذكر سيلاس بتاتاً فكرة البناء عليه؟
خبت ثقة ليزا التى اكتسبتها قبل دقائق معدودة و ارتجفت ضمننياً إذ أن مججرد فكرة البناء و تأثير ذلك على أمها اشعراها بخوف مفاجئ. أجابته بعنف:
ـ ـ أن كان ذكر ذلك فأنا لم اسمعه بنفسى.
قال و عيناه السودوان تسخران من شفافيتها:
ـ و أمك لا تستطيع أن ترسم فى أى مكان آخر. ألا تظنين أن الوقت قد حان لأن تبدأ الرسم فى أماكن أخرى؟
غمغمت ليزا بشئ من التعاسة:
ـ ربما.
على مسافة تبعد خكسة عشر ميلاً عن بيرمنغام مرا بالبيت العتيق الذى كان والدها بالتبنى يشغله كرجل دين, و هنا فاجأها سيمون بالقول:
ـ سنزور المكان فى طريق عودتنا و إذا وجدنا وقتاً نتناول طعام العشاء و نتجول فيه. لقد وعدت نفسى بهذه المتعة منذ اخبرتنى أنك ولدت هنا.
احست بالدم يهرب من وجنتيها و استقامت جالسة على مقعدها, لماذا تدور احاديثهما الأكثر خطورة داخل هذه السيارة؟ نظرت بعصبية إلى جلد المقعد المثير كما لو أنها تتهمه بالتآمر الخفى مع الرجل المثير الجالس إلى جانبها. تذكرت أنه سألها عن والدها فى مرة سابقة....ربما ينسى الموضوع إذا لم تعلق عليه اهمية, قالت بجمود:
ـ كما تريد.
نظر إليها بتمعن و قال:
ـ لو كنت مكانك لتلهفت إلى رؤية المكان, إلا إذا كان هناك شئ تحاولين اخفاءه؟
التقت عيناها المتسعتين بعيناه المتسائلتين و هتفت بتهور فضح شيئاً من انفعالها الداخلى:
ـ بل ارحب بقضاء نهاراً كاملاً هناك.
ثم اضافت لتزيده اقتناعاً بلهفتها:
ـ تركت المكان من سنوات طويلة و أنا واثقة من ان لا احد من سكان المحلة سيتذكرنى.
عاد يحدق فى الطريق و قال بجدية:
ـ شكلك من النوع الذى لا يتغير يا ليزا. قد تسرين عندما تكتشفين أنهم لم ينسوك.
ـ لقد تغيرت كثيراً منذ غادرت, كنت وقتها مجرد طفلة.
ضحك متلذذاً و قال:
منتديات ليلاس
ـ عزيزتى ليزا, حتى الآن, تتصرفين احياناً كالاطفال. من جهة أخرى, قد تؤلمنا ممواجهة الذكريات بالطبع, إنما ا يمكنك أن تطمسى الماضى و تعتبرينه شيئاً لم يكن, فأن كنت تخشين بعض الذكريات, الا تظنين أنه من الخير لك أن تواجهيها؟ اعرف تماماً أنك لا تفتقرين إلى الشجاعة.
و فكرت ليزا بجنون, أن لم يصمت فوراً فسوف تصرخ! الصراع بينهما على وشك الاحتدام و قد يكون سيمون واعياً له و يتلذذ به أكثر منها.
المشكلة أنه اصاب كبد الحقيقة. ليس فى ما يخص شجاعتها إذ لم تعد تملك منها إل القليل! فلو أنها شجاعة حقاً لبادرت الآن و سردت عليه كل فصول خديعتها الحمقاء و باسلوب عفوى مرح يجعلهما يضحكان معاً فى نهاية القصة. إلا أنها لا تملك من الشجاعة أو الذكاء ما يكفى لحملها على المجازفة لذا عليها أن تتمسك بقصتها الأساسية, أى أنه يتكلم جزافاً و ليس لديها ما تخفيه.
اجابته محاولة تغير الموضوع:
ـ ثيابى غير مناسبة لسهرة عشاء.
التفت إليها بسرعة و قال ناظراً فى عينيها:
ـ تبدين جميلة و إلى حد الاغراء بالتهامك انما اعدك بان اكبح نفسى أثناء العشاء.
ترنح قلبها بجنون بدل أن تترنح السيارة التى بدت كصاحبها, مصممة على أن لا تحيد عن الطريق المرسومة أمامها. الصمت سلاحها الوحيدو بوسع سيمون أن يفسره على هواه, إذا سلكا الطريق نفسه فى العودة فيمكنها أن تتظاهر بالصداع أو تزعم ارتباطها بموعد آخر, المعروف عن النساء انهن خبيرات فى ابتداع الاعذار المناسبة, و لديها النهار باكمله لتفكر فى ذريعة مقنعة.
لو جاء من يقول لـ ليزا أنها كانت غارقة فى الشفقة على نفسها, لما صدقته, أنما لاعترفت ربما بانها تشعر بمزيج من التعاسة الخفيفة و عدم القناعة و أن هذا المزيج يجرح قلبها, فـ سيمون يعذبها و يغيظها, تاررة تود أن تنتحب باكية و تراة أخرى تود أن تكرهه, إلا أنها تحس فى اعماقها بعاطفة أقوى من الكراهية و لكنها تصر دائماً على عدم الاعتراف بها!
كان يشقان طريقهما جنوباً فى اتجاه بريستول دون أن يمرا بالمنطقة التى تجولت فيها مع أمها بصحبة بيل, بل كان سيمون يتبع وادى سيفرن الممتد فى بلدة توكيارى حتى البحر و وسط الوادى تقع مدينة غلوشستر التاريخية التى كانت مركزاً زراعياً مزدهراً و ملتقى طرق فى عهد الرومان و اصبحت الآن مدينة صناعية على الغالب تصدر منتجاتها المحلية إلى الخارج.
لدى مرورهم بمبعبدها الشهير عاد سيمون من شروده فى قضايا العمل و قال مشيراً إلى قبته:
ـ قد يهمك أن تعلمى شيئاً. أنا لا أعرف غلوشستر جيداً أنما أذكر أن نافذة المعبد الشرقية تساوى مساحتها اثنين و سبعين قدماً فى ثمانية و ثلاثين و هذا الحجم من الزجاج الملون يأتى فى المرتبة الثانية بعد زجاج معبد يورك و كلاهما شيد فى القرون الوسطى.
ابتسمت قليلاً و قالت بتحفظ :
ـ لكنك قادر على الحصول على المتع بين الحين و الحين.
بادلها ابتسامتها بأخرى جافة و قال متاملاً محياها بسخرية:
ـ احياناً.....و ماذا عنك أنت؟
ـ استحق منك هذا السؤال.
قال بنظرة مليئة بالوعيد:
ـ فى يوم ما, سوف نجلس معاً يا ليزا و حيث ستجبين على كل الأسئلة التى استطعت لغاية الآن أن تتهربى منها, قد نطلق على تلك الجلسة اسم "يوم الحساب"
ـ أنا لا أقصد التهرب انما لا اجد الجواب المناسب احياناً, أو بالاحرى الجواب الذى يهمك أن تعرفه. لكل منا حياته الخاصة خارج المكتب. قد اكون تواقحت عليك بعبارتى انما لم اقصد منها أن اتدخل فى شئونك الخاصة.
ـ قد تظنين ذلك لكن جميع النساء لديهن فضول معين بالنسبة إلى الرجال. أنه نوع من التفاعل الفطرى و هو الذى يحافظ على مسيرة الحياة.
حدقت ليزا إلى يديها و قد انتابها غضب مفاجئ بالرغم من الدعابة الخفيفة فى صوته, انها تتمتع بحساسية بالغة تجاه الناس و قد احست بتيارات خفية فى نفسه صعب عليه أن يعبر عنها بالكلام, و هى ليست ذكية بما فيه الكفاية لتفسرها فوراً قد يتضح لها مقصده مع مرور الأيام.
وجدت من الحكمة أن تخنق غضبها فتثاءبت تتظاهر بالاعياء و قالت و هى تسدل اهدابها بحركة دفاعية:
ـ كالعادة, يبدو أن هذا الحوار لن يوصلنا إلى أية نتيجة .
احسته يرمق جفونها المطبقة و سمعته يقول:
ـ أوشكنا أن نصل فلا تخلدى إلى النوم , قد تجدين مبرراً حقيقياً للاغفاء فى طريق العودة.


زهرة منسية 20-08-14 09:46 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 


9 – انتظرت و هى تخفى لسعة غيرة.
ثم حدست أن لدى الفتاة شيئاً لتقوله, و حدسها تجاه
لورا لم يخب ابداً. لكنها أحست هذه المرو بوخزة تحذير و ادركت غريزياً أنها ستسمع خبراً لا تريد سماعه.

منتديات ليلاس



اتضح أن المشروع هو بناء فندق جديد و استطاعت شركة سيمون فى لندن أن تكسب مناقصته. قضت ليزا بقيت النهار تتيع سيمون حول اساست البناء و دفتر الملاحظات فى يدها فيما راح هو يبحث التفاصيل التقنية المعقدة مع المهندسين و مهتنين آخرين يعملون فى شركته, ثم عقد جلسة مع اصحاب المؤسسة الضخمة التى ستتسلم الفندق بعد الانتهاء من تشيده, الأمر الذى اضاف إلى اسهمها الوافرة اسهماً جديدة.
شهدت لـ سيمون بالخبرة و المهارة إذ لاحظت كيف فرض احترانه على هؤلاء الرجال و كيف راحوا يستثيرونه فى معظم النقاط و يطلبون ارشاده دونما حرج.

منتديات ليلاســـــــــــــــــــ



زهرة منسية 20-08-14 09:47 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 

لم تمكنها خبرتها المحدودة من فهم غالية الحديث الدائر بينهم لكنها استطاعت أن تسجل الملاحظات نقلاً و هى تحمد الله على مهارتها فى الاختزال, لم تدر إذا كان سيمون ممتناً لجهودها و لكنها شعرت على الأقل بالارتياح لأنه لم يوجه إليها أى نقد. و فيما بادلها الآخرين بعض التعليقات المرحة بين الحين و الحين, اختار سيمون أن يتجاهلها و مع ذلك لم تقد هى إلا أن تحس بوجوده الحانى إذ انه اهتم بتأمين كل احتياجاتها, و كان حين ينظر إليها بين الوقت و تلآخر ترفع بصرها إليه و تجيبه بابتسامة حلوة تقوس شفتيها المليئتين.
و بالرغم من تشجيعه الصامت انتابها الارهاق فى آخر النهار و تحسرت إلى حد ما على تجوالها المعتاد كل سبت, و الذى اعتبرته نزهة بالمقارنة مع العمل الشاق الذى ادته اليوم, و هكذا تنفست الصعداء عندما قرر فى الخامسة أن يتوقف.
ودعا الحاضرين و انطلقا عائدين إلى البيت.
انابها احساس غريب بأنهما يتبادلان وعوداً معينة و قد ابهجها هذا الشعور مع انها اكدت لنفسها عدم صحة هذه الفكرة. ألقت رأسها على ظهر المقعد و اغمضت عينيها فى استرخاء.
و بعد مرور أكثر من ساعة خاطبها قائلاً:
ـ ليزا استيقظى, لقد وصلنا.
افاقت مجفلة و هى بالكاد تعى أنها كانت نائمة ثم هبت جالسة و شهقت قائلة:
ـ وصلنا؟ أين؟
لم تشأ أن تصدق حقيقة اغفائها لأن سيمون وعد بسلوك طريق مختلفة اثناء الرجوع و كانت هناك أماكن كثيرة تود رؤيتها!
تأمل محياها العابق بدفء النوم و غمغم مجيباً:
ـ انظرى حولك أيتها الأميرة النائمة, سمعتك بوضوح تقولين أنك لست متعبة لكنك استسلمت للنوم حالما غادرنا بريستول.
لم تصغ إلى كلامه إذ كانت تحدق من النافذة بخيبة. لقد وصلا إلى المكان الذى ارادت الهرب من زيارته, إلى البيت الذى عاشت فيه قديماً.
حين تحدث سيمون عن زيارته أثناء العودة حسنته يلقى الكلام جزافاً.......
وجدتت أنهما متوقفاً فى ساحة القرية بالقرب من المنزل القديم انما يبدو الآن أكثر فخامة من أى نزل آخر, فقد توسع فأصبح فى مصاف الفنادق الحديثة و احست ليزا بأنها لا تحبذ هذا التحول. هتفت كأنها تخاطب نفسها:
ـ اعتقد أن اصحابه تغيروا ايضاً و صار تحت ادارة جديدة.
فقال سيمون مقترحاً:
ـ تعالى ندخله و خابرى أمك لبينما أطلب الطعام. لم يحن موعد العشاء بعد, و سوف نمضى الوقت باستكشاف القرية لبينما يجهز الطعام, و يمكننى كمشاهد, أن ادرس وجوه الناس لاستطلع فيها امارات التعرف عليك.
هل سبق و قمت بهذه اللعبة ليزا ؟
كانت منشغلة بافكار عدة فأجابت بارتباك:
ـ ألا تظن أنه من الخير لنا أن نتابع السفر؟ سنصل إلى البيت بعد ساعة و بوسعك أن تتناول الطعام عندنا, ستفرح أمى بزيارتك.
قال بصوت يشوبه الضحك:
ـ هذا يدل على أنك تعتبرين تحصيل حاصل, لماذا نرهقها مجدداً بعد الحفلة التى اقامتها أمس و خصوصاً أنى قادر على تزويدك بعشاء جيد هنا؟ اضافة إلى ذلك, اريد الانفراد بك لساعة أو اثنتين. ألا تدركين أنى لم أحظة بهذه المتعة حتى الآن؟
خابرت امها ثم انضمت إليه عند الباب الأمامى و أكدت لنفسها ان تعليقاته الغامضو لن تؤثر فيها, انما لماذا يخفق قلبها بهذا الشكل لمجرد رؤيته يقف امام الباب بقامته الطويلة و غروره و عينيه المطبقتين قليلاً بفعل الشمس الغاربة؟ تطلعت إليه و صدرها يجيش بجملة عواطف مربكة.
قبضت يده على مرفقها فى حركة باتت مألوفة لديها و قال:
ـ هل نتمشى؟
أومأت بصمت و لم تتكلم ثانية إلا حين اقتربا من المعبد. القرية نفسها تغيرت و بدا أن المعبد هو البناء الوحيد الذى بقى على حاله, القرية ازدهرت بالعمران و معظم البيوت القديمة بُيعت و تجددت حتى لا تكاد تعرفها و قد ساعدها على الازدهار قرب القرية من المدن و البلدات المحيطة بها.
أما البيت فلم تزره ثانية منذ أن انتقلت و أمها إلى منزل سيلاس, و قد دُفن والدها فى لندن, مسقط راسه, وقفت تتأمل مربع طفولتها و قالت بهدوء:
ـ أترى لقد اضعنا الوقت ليس إلا, إذ لا أجد أى مكان يستحق الزيارة, و لا يوجد حتى ضريح.
نظر بتأنيب إلى وجهها الفتى المتغطرس و قال:
ـ عزيزتى ليزا, تبدين مقتنعة بأنى جئت هنا لأعاقبك فى حين أن الفكرة لم تخطر لىّ اطلاقاً, لقد اثار فضولى فقط وقوفك الدائم على سلاحك و من شأن مطلق رجل أن يتسأل عن الأسباب التى ما تنفك تشغل ذهن الفتاة التى يهتم بأمرها؟
سهمه كاد يصيب عظمها هذه المرة....اشتعل الخوف فى داخلها فشهقت قائلة:
ـ قد تكون رئيسى........
توقفت حين غرز اصابعه فى مرفقها و ارتفع الألم المبرح إلى كتفها, فهتفت و هى تحاول انتزاع نفسها من قبضته:
ـ أنت شيطان أيضاً!
رفض إخلاء سبيلها و قال بصوت كسول:
ـ قد لثبت لك فى يوم من الأيام إلى أى حد استطيع أن أصبح شيطاناً عندما أثار. أما الآن فيجب أن تأكلى, إذ لا يمكننى أن أحصل من فتاة جائعة على ردود الفعل المناسبة.
كان يركز بصره على عنقها الجميل البض فغضبت و أرجعت رأسها العنيد إلى الخلف. أدركت أنه يداعبها غير أنه لم تقدر أن تتحمل مزاحه البتة. ارتجفت شفتاها قليلاً واتسعت عيناها فيما تعمقت زرقتهما و احست بغربة واضحة, قد يكون مصيباً نم الناحية الظاهرية, أنها جائعة بالفعل.
تكهنت منذ البداية أن السهرة ستكون فاشلة, و مع أنها لم تخل من لحظات المرح إلا أن قناعة ليزا ظلت كما هى حتى النهاية, فلما شرعا فى تناول حساء كثيف بالكريما ذى وصفة فرنسية, خف بعض استيائها حين كف عن اغاظتها و سألها:
ـ هل كانت أمك ترسم هنا أم أنها بدأت الرسم بعد استقرارها فى بيرمنغام؟
لم تكتشف ليزا إلا بعد وقت طويل مدى السهولة التى وقعت بها فى الشرك, إذ افترتضت ببراءة أنه يركز اهتمامه على موهبة امها الفنية. قدرت فيه هذا الشعور النبيل فزال خفقان قلبها العصبى و حل مكانه دفء اضاء محياها, ابتسمت بآسى يمازجه عطف و قالت:
ـ اعتقد أنها بدأت قبل مجيئها إلى هنا. أن ولعها بالرسم يلازمها منذ سنوات طويلة- رسم الريف, افراد عائلتها, أى شئ. كان والدى يقول أنها تنوع موضوعاتها كثيراً أما سيلاس فكان ينتقد ضعف لوحاتها حتى جاءت إلى هولوز آند و اقتصر رسمها على المناظر الطبيعية. أنى أعجب بلوحاتها ضمناً مع الاعتراف بأنى ليست ناقدة فنية. معظم انتاجها السابق مخزون فى احدى العليات و هو بحسب رأيها غير قابل للبيع بتاتاً. على أى حال أعتقد أن هذا هو السبب الحقيقى لتعليقها بـ هولوز آند.
فعلق سيمون بشئ من الاستغراب:
ـ أما تزال تعتقد أنها لا تستطيع الرسم فى مكان آخر؟ قد تكونين مخطئة بشأن انتاجها السابق لأنه إذا استطاع احد الفنانين أن يشتهر إلى احد ما فغالباً ما يتضح فى ما بعد أن لوحاته السابقة ذات قيمة كبيرة.
اجابته و هى تحدق إليه شاردة:
ـ ربما, لكنى اتمنى لو تتخلص من تعلقها برسم الحقول.
ـ قد تكون واهمة فى اعتقادها بأنها لا تستطيع استيحاء الرسم من مكان آخر, ربما هى تميل فى الوقت الحاض إلى التعلق بالماضى و إلى التحسر على الأشياء الكثيرة التى فقدتها, ربما لا تملك الأيمان أو الجرأة لكى تربط أفكارها بالمستقبل.
استمرت ليزا تشخص إليه ثم قالت و نظرتها تزداد يأساً:
ـ قد لا تفعل ذلك ابداً, إلا إذا حصل زلزل و أبقظها!
فابتسم سيمون ليلطف مزاجها المتهاوى إلى حضيض القنوط و قال:
ـ ليس الوضع مأساوياً إلى هذه الدرجة. لا تبتئسى يا ليزا لوسون و إلا انتهى بنا الأمر إلى البكاء. إذا فشلنا فى محاولتنا فلدى بيت ريفى فى جنوب فرنسا سأغريها بالذهاب إليه, و قد تبرهن على أنها اسلس قيادة من ابنتها فى أمور كهذه.
اشاحت بصرها عنه إذ شعرت باستياء غريب, و بلسعة غيرة لا داعى لها بتاتاً. هل سيعيد سيرة سيلاس من جديد فيبذل الغالى و الرخيص من اجل أمها و بدون أى مراعاة لها هى؟ أن تصرفاته لغاية اليوم تثبت صحة هذه النظرية, مع وجود فارق مهم, هو أن تصرفات سيلاس لم تكن تأبه لها فيما يجرحها موقف سيمون فى صميم الصميم!
رفعت رأسها بجهد, و قالت و هى تبتسم له بوهن كيلا يفطن إلى ما يدور فى ذهنها:
ـ طالما تصوورت متعة السكن فى كوخ ريفى, لم أفكر بالطبع فى مكان رائع كجنوب فرنسا لأن مثل هذه البيوت لا يراها المرء المرء إلا فى أحلامه.
ـ ستحبين هذه المنطقة من فرنسا يا ليزا, لأن اشراقها و دفئها سيليقان بك, و قد تتخلصين حتى عن بعض تلك التحفظات التى تنكد حياتك.
ـ أنها لا تنكد حياتى!
كرهت نبرته الساخرة و الهز الذى عاد إلى عينيه الرماديتين, ثم اضافت باحتراس:
ـ من الجائز أنها زرعت فىّ من أجل حمايتى.
ـ لتحميك من ماذا؟
عجزت عن الجواب و حتى عن احتفاظها برباطة جأشها لأكثر من لحظات معدودة. ترددت ثم نظرت بارتباك إلى الشراب المتألق فى كأسها,
لم تقدر أن تتذكر نوعه أنما فى داخلها شك مقلق بأنها احتست منه أكثر مما يجب.
استشف سيمون افكارها فقال يأمرها و قد تضايق من شكوكها:
ـ اشربيه يا حلوتى ليزا, أما إذا كنت تفضلين القهوة فلنتناولها فى قاعة الاستراحة.
ادركت لحظتها أنه يسخر منها و كانت هى نفسها قد فقدت روح المرح.
شعرت فجأة بوجوب الابتعاد عنه و لو لوقت قصير فقالت:
ـ لن أتناول المزيد, لقد تناولت الكثير من السوائل فى بريستول.
فأشار بسرعة إلى عامل المطعم حين رآها تنهض من مكانها ثم قال:
ـ إذن سنتحرك فوراً من هنا.
شعرت أنه متردد فى العودة فقالت معترضة:
ـ لا تنهض, أرجوك, أكمل شؤابك و سأوافيك بعد قليل. كانت توجد فى الماضى بحيرة اصطناعية خلف الفندق و كان القيمون عليها يسمحون لوالدى أن ينزهنى فى القارب و أنا صغيرة. أود أن ألقى عليها نظرة سريعة.
أهداها ابتسامة مثيرة للجنون و قال:
ـ أتقولين هذا بعد حلول الظلام؟ أجلسى يا ليزا و هدئى اعصابك لبينما أتأكد من وجود البحيرة. بعد ذلك سنرى أن كنت تودين زيارتها فى الظلام بدافع الحنين أم بدافع شئ آخر.
ـ سألاقيك عند السيارة بعد عشر دقائق
استدارت بعد ذلك و خرجت من الغرفة مهرولة.
منتديات ليلاس
كانت تعلم أن غضبه سيحمله على اللحاق بها انما لم يخطر لها أنه سيأتى بهذه السرعة.....لقد وجدت البحيرة فى مكانها السابق فوقفت أمامها تتأمل التماع سطحها فى ضوء القمر. كانت نخفية عن الطريق بأجمة أشجار كثيفة و حالما أدارت بصرها عنها رأت نفسها تواجه سيمون الذى جاء خلفها بسرعة.
قال بتمهل و رزانة مع أنه بدا يصارع صبره:
ـ يصعب علىّ أحياناً أن أقارنك بالسكرتيرة الهادئة المتماسكة التى أعرفها.
كان يتأمل وجهها المغمور فى ضوء القمر فيما بقيت عيناه محجوبتين فى ظلمة نسبية و سمعت نفسها تهتف على الرغم عنها:
ـ لست مضطرة أن أكون هادئة و متماسكة باستمرار. على الأقل لا يمكنك القول أنى اخترعت قصة البحيرة.
طوحت يدها فى نصف دائرة ثم صرخت فى وجهه الجامد و هى تنشج قليلاً:
ـ أعرف أنى تحامقت فى الخروج إلى هنا و فى الطريقة التى تصرفت بها أنما فعلت ذلك من دون قصد.
هزا رأسه بتمهل و قال محولاً بصره إلى المياه:
ـ زرت الفندق مرتين من قبل و أعلم بوجود بحيرة. لابد أن حنينك قادك إليها.
ـ و مع ذلك تتكلم بارتياب؟
ـ كنت اتساءل فأنا أعجز أحياناً عن فهمك. كنت اعتزم اصطحابك إلى الشقة لنشرب القهوة, إن شئت.
ـ من أجل ذلك فقط؟
سؤال متهور ينطوى على خطر لكن الكلمات خرجت من شفتيها المرتجفتين قبل أن تتمكن من ايقافها. هناك مزيج من الاثارة و الغضب يدوران فى رأسها.........
تأمل فمها المرتعد و قال :
ـ كلا, من أجل أكثر لكنه غير ما تظنين. لقد رغبت فجأة فى احتضانك و تقبيلك على أمل أن يجعلك ذلك تتخلين عن الكثير نم روادعك و تحفظاتك, لكنك افسدت علىّ خططى المحكمة تلك, إذ اضعنا وقتاً طويلاً فى القرية و تحدثت كثيراً فى المطعم, و الآن تهدرين مزيداً من الوقت أمام بحيرة مهجورة فلا يسعنى بعد هذا التأخير إلا أن اعيدك إلى بيتك.
كان يغيظها و كرهته لأنه يفعل ذلك لكن معنوياتها ارتفعت بشكل غريب. فمن السهل عليها أن تواجهه حين يصفى مزاجه. قررت أن تتجاهل تلميحاته عن الشقة و اجابته بخنوع:
ـ اعتذر عما سببته لك من خيبة.
ـ مادامت السيدة مستعدة للاقرار بمكرها فقد نستطيع انقاذ الوضع بطريقة ما.
ثم سألها و عيناه تضحكان فى الظلام:
ـ قلت أن لك ذكريات سعيدة مع هذه البحيرة؟
ـ لم تكن دائماً دائماً سعيدة, ليس عندما سقطت فيها ذات يوم........
عاد يتأمل امتداد البحيرة و سألها:
ـ و هل هى شديدة العمق و الاتساع ليغرق المرء فيها؟
ـ مساحتها حوالى أثنتى عشر الف متر مربع و عميقة جداً فى بعض الأماكن, أو بالاحرى كانت هكذا فى تلك الأيام. لقد زرع بعضهم أشجار حولها, و كان يحلو لىّ أن أتكئ على حافة القارب و أتأمل ظلالها على سطح الماء حين تحركها الرياح. و ذات يوم انحنيت أكثر من اللزوم و سقطت.
ـ و بدوت وقتها كفأرة مبللة ذات جدائل.
امتدت يده لتقبض على شعرها بقسوة ثم جذب رأسها صوب كتفه و اردف قائلاً:
ـ كبرت و لم تعد لديك جدائل لكن شعرك كثيف و مغر و يناسب ذوقى تماماً.
اتقدت عيناها بامتعاض جامح, انها لا تمانع فى مداعباته انما ليس بهذه الطريقة. حاولت التحرك فجمدها بقبضة آلمتها. هتف و الدموع تلسع عينيها:
ـ لقد نشأت فى بيت خلوق و الطبيعة هى التى انعمت علىّ بهذا الشعر.
تجاهل اعتراضها الواهن و قال باسماً:
ـ لم أر فى حياتى فتاة جاحدة على غرارك, ليكن فى علمك أنى لا أعمال كل سكرتيراتى كما أعاملك.
ضمها إلى صدره, لقد عانقها من قبل و من المفروض أن تعتاد على ذلك, كادت ان تضحك بهستيريا و احست بقلبها يركض بين ضلوعها.
ترددت قليلاً فقال يأمرها بلطف:
ـ أخبرينى, بما كنت تفكرين فى هذه اللحظة؟
ـ لا شئ معين.
بدا أنه لم يقتنع و قال ليعذبها:
ـ ما بك لا تقاومين يا حبيبتى؟ قد تقولين بعد لحظة أنك عاجزة عن مقاومتى و عندها نحرز تقدماً فعلياً.
انفجر رأسها غضباً و مذلة, حاولت الأفلات منه لرغبتها الملحة فى الأنتقام لكن قبضته الحديدية حالت دون ذلك.
قالت باختناق و رعونة:
ـ لا أمانع شخصاً فى أن يعانقنى رجل لكنك تختلف كثيراً عن سائر الرجال!
ـ إذن دعنى اثبت ذلك.
لقد اصبحت تحت رحمته كلياً, و قد أثارت فيه عبارتها شراسة لم يحاول اخفاءها. اعتقل كتفيها من خلال شعرها الكث و لم يأبه لايلامها. ارتعدت و ما عادت قادرة على المقاومة, ضمها فدارت الدنيا حولها ثم اختفت. انهما وحدهما على الأرض و لا تسمع إلا أجراس تقرع فى سكون الليل.
لا رقة فى عناقه أنما عاطفة تخيفها. مع ذلك لم تستطيع منع ذراعيها من الالتفاف حول عنقه. ثم طفحت عيناها بالدموع, و هنا لمس ابتلالها فابتعد عنها بحركة تلقائية هاتفاً بصوت أجش:
ـ ليزا, لم أقصد أن أخيفك, فاستفزازك لىّ ليس تبريراً عادلاً لتصرفى. الحقيقة أنى أكبر منك سناً و أنت تحتاجين وقتاً أطول لتنضجى.
صعب عليها أن تفهم إذ اختلطت كلماته بخفقات قلبها. حاولت جاهدة أن تستجمع شتات ذهنها. لقد تكلم بتوتر أنما بنبرة هادئة. مع ذلك لم تفهم قصده.
ابتسمت له بارتجاف و قالت برقة:
ـ أرجوك, لا تعتذر. أحسب أنى فقدت اعصابى بسبب الارهاق. ما كان يجب أن آتى إلى هنا من الأساس.
ادارها صوبة بسرعة ثم قال بإيجاز:
ـ كان نهاراً شاقاً و من الطبيعى أن ترهقى, سآخذك إلى البيت.
مشت إلى جانبه بتعثر و غمغمت كالبلهاء:
ـ يؤسفنى أن تشعر بالخيبة.
امسك مرفقها ليسندها فى الظلام و قال:
ـ لا داعى للاعتذار يا فتاتى.
فى السابق, و كلما احتواها بين ذراعيه, كانت تحاول اقناع نفسها بأنها تكرهه, أما هذه المرة فقد اتضح لها العكس. كان يجب أن تستشف الحقيقة من خلال دموعها و خفقات قلبها المجنونة التى بدأت تضنيها منذ وقت طويل. لقد وقعت فى حب سيمون ردفورد. لا مفر لها من مواجهة هذا الواقع انما احست بذهنها يتلبد من هول الصدمة. لو أنها تركت الشركة لدى وصوله لم حدث أى شئ من هذا, لا ريب أنها سوف تمنى بتعاسة مجنونة لأن سيمون لن يبادلها حبها ابداً......من الحمق أن تأمل بمعجزة كهذه.....قد يكون منجذباً إليها بشكل ما لكنه سوف يتسلى بها لفترة ثم يتزوج فتاة مثل لورا تنسون, لأن الرجال على غرار سيمون لا يسمحون لعواطفهم بأن تتحكم بهم فهم يعرفون طريقهم جيداً و لا يحيدون أبداً عن اهدافهم.
إذا كان هذا الاكتشاف قد أحدث لها صدمة فأن ظهور لورا تنسون فى ردهة الفندق اصابها بصدمة أكبر, و لا سيما أن سيمون بدا مسروراً لرؤيتها و قد عزز ابتهاجه بابتسامة عريضة كانت بمثابة الضربة القاصمة لعواطفها.
قال لـ لورا بغموض استعصى على فهم ليزا:
ـ بدأت اعتاد على ظهورك المفاجئ.
ثم اردف و هو يدفع بـ ليزا إلى الأمام:
ـ أنت تعرفين ابنة خالى طبعاً؟
التفتت إليها لورا بلا اكتراث و قالت بتقطيب خفيف:
ـ أجل هل كنتما تعملان؟
اوحت نبرتها أن العمل هو السبب الوحيد لوجودهما معاً, و سارع سيمون إلى التوضيح:
ـ كنا فى بريستول و قد توقفتا هنا لتناول العشاء.
ـ لماذا هنا بالتحديد؟
ارتفعا حاجبا سيمون و قال:
ـ أين الغرابة فى ذلك يا عزيزتى لورا؟ انما اشباعاً لفضولك اعلمك أن والد ليزا كان يشغل مركزاً دينياً هنا.
فواجهت لورا عينيه الساخرتين بقولها :
ـ و هكذا فكرت أن تقوم بهذه البادرة اللطيفة. اعتقد أنه يمت إليك بصلة قرابة؟
الحاح لورا, سواء كان مقصوداً أم لم يكن, أثار فى ليزا غضباً لجوجاً فتدخلت بسرعة لترد عن سيمون:
ـ كنا عائدين إلى البيت فى الواقع.
ثم استغربت أن يشدد قبضته على ذراعها كأنه يحميها, و أن يقول بحزم:
ـ ليزا متعبة, سوف نتوجه عائدين بعد أن آتى لها بشراب.
ـ ولىّ ايضاً يا حبيبى سيمون أن كنت لا تمانع.
ثم ابتسمت بجاذبية و اجابت بما بدا لـ ليزا تخابثاً مقصوداً ـ أن كانت ليزا متعبة فلِمَ لا يوصلها سائقى بالنيابة عنك؟ كنت ازور اقارب لىّ فى المنطقة – زيارة واجب لشخصين مسنين – و شعرت برغبة فى أكمال السهرة هنا. أنى ازور الفندق احياناً على أمل الالتقاء بأناس اعرفهم و ها انذا احظى برؤيتكما هذا المساء.
بوسع لورا تنسون, عندما تريد, أن تطغى بسحرها على الآخرين و إلى حد أزال شكوك ليزا بالنسبة إلى ظهورها المفاجئ فى الفندق. اضافة إلى ذلك لا يعقل أن تكون اخترعت ذلك التبرير إذ لم يكن بوسعها أن تعرف مكان تواجد سيمون, لكن خطة لورا للتخلص منها واضحة كعين الشمس مما اعجز ليزا عن كبت ابتسامة خفيفة. قد لا تلام لورا وحدها على اتباع هذه الأساليب إذ يبدو أن تأثير سيمون المدمر يدفعهما معاً إلى الاصطراع على قلبه. أفلم تلجأ هى ايضاً إلى اساليب مماثلة؟ قد تكون ليزا بحاجة فعلية إلى هذا الدرس الأخير........أن ترى فى سيئات لورا انعكاساً قاتماً لسيئاتها هى.
بعد ذلك لم تدر ليزا هل كان عليها أن تغتاظ أو تبتهج لكون غريمتها فشلت فى محاولاتها الوقحة لاقناع سيمون بترحيلها مع السائق. كانت احاسيسها المنجرحة تحثها على الانصراف بهدوء إلا أن سيمون أصر على بقائها و أجلسها على مقعد وثير قبل أن يطلب الشراب. بعد ذلك طلب إلى السائق أن يرجع بمفرده ثم أوصلهما بنفسه إلى بيرمنغام .
لكن ليزا شعرت بخيبة حين اخذها إلى البيت رأساً. ولما هبطت من السيارة ركز بصره على وجهها الشاحب و قال:
ـ لقد تعبت هذا النهار و خير لك أن تنامى باكراً.
وقفت على الدرج تراقب رحيلهما و على شفتيها ابتسامة حزينة. بدا واضحاً أنه يعتزم اكمال السهرة مع لورا هذه الفكرة لم تخفف شيئاً من ألم قلبها بالغم من العطف الذى ابداه نحوها. أن لورا تنسون ستنتصر عليها فى كل مرة. و النظرة الشامتة على محياها الجميل تدل على قناعتها بأنها تملك كل الاسلحة اللازمة للانتصار.


منتديات ليلاســــــــــــــــــ


زهرة منسية 20-08-14 09:50 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
لم تعلم ليزا بالقصة الكاملة لمغامرة لورا الطائشة إلا حين اجتمعت بامها فى الصباح التالى و حيث قالت مونيكا و هى تمرغ المربى على قطعة خبز محمصة:ـ خابرتنى لورا أمس مساء, بعد أن خابرتنى أنت مباشرة, فقلت لها أنك كلمتنى لتوك من الفندق. أغلب الظن أنها ارادت الاتصال بـ سيمون.
و هكذا ثبت لـ ليزا أن التقاءهما بها لم يكن مجرد صدفة, كما عزز شكوكها فى أن الآنسة تنسون تهتم بـ سيمون أكثر بكثير مما تزعم.
غنى عن القول أن ليزا لم تنقل الخبر لـ سيمون إذ لم تجد أى جدوى من ابلاغه, فهو لن يهتم بحكاية كهذه, و حتى لو صدقها فقد ترضى غروره ليس إلا.
فىالاسابيع التالية لم يسع ليزا إلا أن تشعر بقنوط متزايد لكونها ارتكبت حماقة كبيرة بوقوعها فى حب رجل لا يبادلها حبها حتماً. كانت هناك أيام شعرت فيها بقابلية شديدة للعطب و حيث كانت تتضرع إلى الله بأن تبعده عن المكتب كيلا تراه كثيراً إلا أن طبيعة عملها المتطورة حالت دون ذلك.
انهمكت فى العمل بسبب غياب الآنسة براون إلا أن سيمون جاءها بفتاة تساعدها كما وعد, و بعد أن تدربت جيداً اخذت تحل مكانها فى المكتب و صارت ليزا ترافقه فى مهماته الخارجية’ حيث يتناولان الغداء معاً فى معظم الأحيان. كان يعاملها بلطف زائد لكنه لم يحاول مرة أن يعانقها كما فى السابق. و فوق ذلك عملت ليزا أنه يقضى سهراته مع لورا تنسون.
تمنت مراراً لو أنها تملك الشجاعة لتقدم استقالتها و ترحل, فبقاؤها قربه يضاعف آلام قلبها يوماً بعد يوم. عليها أن تفكر بأمها مع أنها اصبحت مقتنعة بأن لا مستقبل لكلتيهما فى هولوز آند, فالبيت لا يناسبهما نفسياً إذ يتسم بشئ غريب لا يتناغمان معه, فلا هى و لا أمها احستا بالسعادة الحقيقية فيه مع أن مونيكا قد ترفض الاقرار بذلك لفرط هوسها بالحقول.
لكن ليزا شعرت بقناعة فجائية بأنهما متى غادرتا هولوز آند ستجد أمها السعادة فى مكان آخر و بطرق أخرى أكثر ارضاء لنفسيتها.
و بالرغم من كل هذه التحليلات و القناعات, ادركت ليزا أنها ستبقى....فهى أن ابتعدت عن الشركة و سكنت بيتاً آخر فقد لا ترى سيمون على الاطلاق.....عليها أن تكتفى بنصف رغيف بدل أن تُحرم من الخبز نفسه, و هنا, تستطيع على الأقل أن تراه و تتحدث معه و لو اقتصر كلامهما على شئون العمل.
ثم جاء مساء تذكرته ليزا طويلاً فيما بعد. فقد زارت لورا المكتب فجأة بينما كانت هى تستعد للانصراف. قالت لورا أنها جاءت لترى سيمون انما لم يبد عليها الكدر لكونها لم تجده.
ـ غادر الشركة باكراً ليحضر مؤتمراً فى لندن. حسبت أنك لابد تعلمين.
تجاهلت لورا تعليقها الأخير و قالت بعذوبة:
ـ لقد رأيته هذا الصباح.
منتديات ليلاس
ثم تقدمت إلى مكتب سيمون و فتحت بابه بلطف فعلقت ليزا باقتضاب و حنق:
ـ ليس من عادته أن يختبئ من الناس أو من الذين ينفر من مقابلتهم.
ضحكت لورا بمرح و كأن تقريع ليزا الشائك لم يصبها بأى خدش.
تراقصت عيناها الزرقاوان وسط مكياجها الثقيل و هى تقول :
ـ كنت أختلس نظرة خاطفة فلا تكونى قاسية. لم اتصور أنه سيكون هناك انما لم أقدر أن أكون فى عداد الذين ينفر من مقابلتهم.
عبقت ليزا و ترددت بارتباك إذ ضايقها كثيراً تصرف لورا المغناج.
سألتها باحتراس:
ـ ألم تتوقعى أن يكون سيمون قد رجع؟
ردت لورا و هى تبتسم بثقة فائقة:
ـ لم أكن متأكدة. قال أنه قد يرجع فى هذا الوقت. كنت أمر من هنا فقررت أن أصعد لأتأكد. كثيراً ما يدعونى إلى العشاء ففكرت أن أدعوه هذه الليلة إلى بيتنا. لم أشأ أن أدعوه بالهاتف خشية أن يرفض بحجة التعب, طالما أنى لم أجده.........
هزت كتفيها النحيلتين بحيرة فقالت ليزا:
ــ فـــــهــــــــمت.
انتظرت و هى تخفى لسعة غيرة, ثم حدست أن لدى الفتاة شيئاً تقوله و حدسها تجاه لورا لم يخب أبداً. و لكنها احست هذه المرة بوخزة تحذير و ادركت غريزياً أنها ستسمع خبراً لا تريد سماعه. استدارت بحركة دفاعية و مدت يدها على عمد إلى غطاء الألة الكاتبة. لكن هذه البادرة لم تؤثر فى لورا كما أملت إذ سارعت إلى القول:
ـ هذا الصباح تحدثت مطولاً مع سيمون.
ـ أحقاً؟
ـ لا شك أنه يعمل الكثير ليوقف الشركة إلى قدميها من جديد.
ـ كانت الشركة قائمة و راسخة قبل وصول سيمون.
ثم التفتت إليها ليزا مقطبة و هى لا تدرى القصد من هذا الحديث و لا تبغى معرفته. و عادت لورا تقول:
ـ يعتقد والدى أن سيمون سيضحى مليونيراً عما قريب. قلما يجد المرء رجلاً تجتمع فيه الشخصية الساحرة مع الثروة.
فعلقت ليزا بجفاء و شفتاها تتقلصان ازدراء على الرغم منها:
ـ يبدو أنك أباك يتمتع بحصة وفيرة من كلا الميزتين.
واضح أن لورا تمهد لشئ و بحماسة موسيقار يقود اعضاء فرقته فى معزوفة الافتتاح!
ـ يقول والدى أن السحر يمهد الطريق لصاحبه و يعجب من رجل لا يستخدمه كما يجب. بوسع سيمون أن يبالغ فى استعمال سحره عندما تدعو المناسبة.
ـ ماذا تقصدين؟
تظاهرت لورا بالتثاؤب و لم تحاول حتى أن تغطى فمها بتهذيب كما فعلت قبل أيام عندما تناولت العشاء فى هولوز آند, أجابت ليزا قائلة:
ـ لو أنك تعرفين سيمون جيداً لما طرحت السؤال يا ليزا. بوسعه أن يكن وحشاً عندما يريد, لكن بالطبع, ليس معى أنا.
احست ليزا برغبة فى الصراخ. متى تصل لورا إلى بيت القصيد؟ قالت و هى تقلص يديها:
ـ لم ألحظ ذلك!
ردت لورا و كأنها قطة تخرخر:
ـ أوهـ ستلاحظين ذلك قريباً يا حبيبتى. خسارة أنه مصمم أشد التصميم على التعمير فوق هولوز آند.كان بالإمكان أن استمتع بالسكن فيه شخصياً فى يوماً ما. حدقت إليها ليزا بخواء و أنفاسها تتقطع فى حلقها. سألتها بصوت متمزق:
ـ هل لك أن توضحى؟
كان هذا الانتصار الأخير بالنسبة إلى لورا, إذ تألقت عيناها بشماتة و قالت و هى تركز بصرها على وجه ليزا الشاحب:
ـ ألم تسمعى الخبر يا عزيزتى؟ لقد حصل أخيراً على الترخيص لبناء مجمع سكنى من المفروض أن يطلعك و أمك على تصميمه قبل أن ييطلع الآخرين, و هذا ما قصدته بالقول أنه يتصرف بمنتهى القسوة- عند الاقتضاء.


نهاية الفصل التاســـــــع


زهرة منسية 21-08-14 05:50 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
10 – تجمدت فى مكانها فيما أخذت الأحاسيس
تتجمع فيها حتى اهتز جسمها النحيل برعشة صامتة.
اغمضت عينيها و تركت العبرات تسيل على خديها.
وعادت تنظر إلى اللوحات العديدة.. . إذن فقد اكتشف
أنها ليست ابنة لوسون. فإن كل واحدة تحكى قصة
و تصور مرحلة من حياتها !



منتديات ليلاس


كان البيت يستلقى حالماً تحت سماء صيفية تؤذن بالغروب عندما وصلته ليزا بعد ساعة من الزمن. تقدمت على الدرب المنحدر فلفحتها روائح المرج المعطرة من جديد. أصوات الصيف, النسيم الهامس بدفء من خلال الشجر, عبق التراب و الأعشاب, النحل الحائم حول الأزهار, اسراب السنونو المحلقة فوق رأسها, كل هذه الجمالات ستفتقدها حتما. لكن قلقها لا يتركز على مشاعرها الخاصة بل على مشاعر مونيكا, فهى تحب البيت و قد لا تتحمل صدمة فراقه.....أشتعل فى قلبها كره مجنون تجاه سيمون كاد أن يخنقها.

منتديات ليلاســـــــــــــــــ


زهرة منسية 21-08-14 05:51 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 

بعد أن غادرت لورا المكتب, بقيت ليزا حوالى نصف ساعة تحدق أمامها و هى شاردة فى لجة الشقاء......كم جرحها أن يوصل إليها سيمون الخبر بهذه الطريقة. ستُجرح أيضاً لو أطلعها عليه بنفسه, أما أن يتركه بين يدى فتاة طائشة و حقودة مثل لورا فهذا أمر يتخطى حدود ادراكها, لقد عرف و لا شك أن لورا ستسارع إلى ابلاغها معلومات كهذه, إلا إذا كان واقعاً فى حبها إلى درجة اعمته عن رؤية مساوئها.
ضن اللون من وجهها كلياً عندما اقتربت من البيت إذ عادت كلمات لورا إلى ذهنها.....بالرغم من شكوكها و جهلها لأمور كثيرة, لم تتصور للحظة أن يُقدم سيمون على تعمير الأرض, لم يكن هذا السبب الحقيقى لذهولها. فبعد أن هدأت ثائرتها و فكرت منطقياً لم تجد مفراً من الاعتراف بأنه و عن طريق التعمير سوف يقطع كل الروابط التى تشد أمها إلى هولوز آند..... لا ليس هذا ما أذهلها بل معرفتها بأن سيمون لم يكلف نفسه عناء ابلاغهما الخبر بنفسه, فمن المفترض أن تكون مونيكا أول من يعلم, كما قالت لورا!
فور دخولها البيت وجدت صدمة أخرى فى انتظارها, فـ لورا لم تكتف بصفعها هى بل صفعت أمها أيضاً! فبعد مغادرتها المكتب اتصلت بـ مونيكا هاتفياً و ابلغتها الخبر, هذا ما علمته من أمها المنتحبة, و عندما حاولت أن تقنعها بإمكانية وجود خطأ ما فى رواية لورا ردت مونيكا باكية:
ـ لا ريب فى صحتها لأنها سمعتها من فم سيمون نفسه, تعلمين جيداً أنه لن يمزح فى أمر كهذا.
ـ لا أدرى بالضبط ما حدث.........
ـ أنا اشمأزيت من أطلاعى على الخبر بهذه الطريقة و كنت اععتزم ألا أذكر لك شيئاً حتى أرى سيمون. لا أدرى لماذا تعمدت لورا أن تطلعك عليه.
قالت مونيكا و دموعها تسيل على خديها:
ـ أنا أجهل السبب كذلك....أن السأم يدفع الفتيات الثريات على شاكلة لورا إلى البحث أحياناً عن الأثارة من خلال تصرفات خبيثة كهذه, ليس هناك سبب آخر إلا غذا كانت تغار من امتيازاتى بشكل ما. لابما هى تعتزم الزواج من سيمون و ليست على استعداد أن تتقبل اقرباءه.
فعلقت ليزا بجفاء و هى تحاول أن تخفى عذاب قلبها العميق:
ـ أن تتزوجه فقد نكون مشكلة تافهة بالنسبة إليها, على أى حال, الذنب ليس ذنبها كلياً إذ كان على سيمون أن يخبرنا بنفسه.
نزعت معطفها و ألقته على كرسى قريب, فلاحظت أن أدوات أمها ملقاة باهمال قرب الهاتف...دهان و قماشة و لفافة من ورق الرسم.......
و هى ترجعها عادة إلى الخزانة فوراً. سألتها بصوت منخفض و هى تجلس على ذراع مقعدها:
ـ هل يؤلمك رحيلنا يا ماما؟
ـ أكاد أموت من الألم! أشعر من الآن بحزن رهيب, فبدون هذه الحقول لن استطيع الاستمرار فى الرسم حتى لو سمح لنا بالبقاء هنا. لا أدرى ماذا سأفعل.
ضغطت ليزا على كتفها و توسلتها قائلة:
ـ أرجوك يا ماما, هونى الأمر على نفسك.
أرعبها موقف أمها. و لكنها عجزت عن تهدئتها فانتظرت بعصبية حتى تتوقف عن كيل الاتهامات و التذمرات. قد تشعر بتحسن إذا افرغت الهموم من صدرها. شردت تفكر فى تعاستها الخاصة فلم تصغ إلى كل ما كانت تقوله و إلى أن سمعت شيئاً جعلها تتستقيم فى جلستها بعنف:
ـ يوم أمس, تجول سيمون فى غرف البيت, قال أن الأمر يتعلق بالتأمين ضد الحرائق, قضى معظم وقته فى العليتين. لم أنتبه له كثيراً لكنه طلب إلىّ بوضوح أن لا أذكر لك شيئاً عن زيارته إلا بعد أن يعود من لندن. لم أفهم مقصده هذا.
هبت ليزا واقفة و قالت بغضب قلص أطرافها:
ـ كان يجب أن تخبرينى بسرعة يا ماما! لا ريب أنه يعتزم تحويل المكان بكامله إلى شقق سكنيةو اعتقد أنه طلب منك السكوت ليستمتع بإبلاغى عن ذلك بنفسه, حسن, سأخبرك ما سوف أفعله, سأغتسل و اصنع لك فنجان من القهوة ثم سأذهب فوراً لمقابلة سيمون ردفورد بنفسى, و أياك أن تحاولى إيقافى!
بعدما أنهت مهامها و استعدت للهاب توقفت قليلاً لتفكر جدياً فى ما ستقدم عليه, هناك فارق كبير بين أن تفقد أعصابها و تقسم على الانتقام من سيمن لأنه تآمر عليها من وراء ظهرها و بين أن تذهب إليه و تواجهه فى عقر داره. قد لا يكون قد رجع من لندن و ليست لديها أية فكرة عن مواعيد القطارات المسائية. تذكرت وصول قطار إلى محطة نيو ستريت فى الثامنة مساء عندما عادت به من لندن قبل بضعة أشهر.
منتديات ليلاس
كانت تعلم أن سيمون يسكن شقة مفروشة بالقرب من المحطة, و قد آخذت العنوان و رقم الهاتف لتتصل به فى الحالات الطارئة لكنها لم تذهب إليها من قبل و لم تجد أى سبب يدعوها إلى الاتصال به.
ذُعرت مونيكا لمرأى وجهها الشديد الشحوب و التوتر فناشدتها قائلة:
ـ أليس من الأفضل أن تؤجلى رؤيته إلى يوم الغد؟ قد يفسر سيمون شيئاً فاتنا أن نفطن إليه. لا أريد أن نزيد الأمور سوءاً.
تظاهرت ليزا بعدم سماعها ثم غادرت البيت بسرعة و هى تقول:
ـ لن أتأخر فى العودة.
لم ترد عليها بأكثر من ذلك, إذ شعرت بفورة طازجة من الغضب ذهبت بترددها و جعلتها أكثر تصميماً على تنفيذ مهمتها. أن رجلاً مثل سيمون يلجأ إلى تصرفات مقيته كهذه لا يمكن ألا أن تثير الكراهية و الأحتقار, و هى لن تحرم نفسها متعة ابلاغه هذه الحقيقة وجها لوجه. لم تشأ أن توجل مواجهته حتى الصباح كيلا تسمع مساعدتها الجديدة ما لديها من كلام فهى تشك إلى حد ما فى حب الفتاة للتصنت.
و فيما هى تخرج بالسيارة من المرآب اصطدم ذهنها بخاطرة مزعجة جعلتها تتوقف و تساءل عن مدى تهورها. فماذا ستفعل إذا دقت باب سيمون و وجدت لورا عنده؟ هناك الف احتمال لوجودها معه, و خصوصاً أن لورا بدت مصممة مثلها على الاتصال به ذلك المساء, انما لهدف محتلف بالطبع.
ازاحت مخاوفها جانباً. سوف تواجه طارئاً كهذا لدى حدوثه و ليس قبله......يمكنها التذرع بأنها جاءت لتراه بخصوص العمل و تزعم أنها كانت تحاول الاتصال هاتفياً و لم تفلح. فى ظرف كهذا سيضطر أن يمنحها بضع دقائق من وقته و هى كافية تماماً لافهامه رأيها فيه....
اوقفت السيارة فى مرآب الزوار خلف صف من المواقف الخاصة بسكان البنايات ثم أقفلت بابها قبل أن تعبر الطريق إلى أقرب بناية. كانت ترتفع فوق رأسها بوجوم قاتم و تنفست بعكق و تنفست بعمق قبل أن تصعد الدرجات المؤدية إلى الردهة, فتحت حقيبة يدها و أخرجت منها عنوان سيمون المدون على ورقة من أوراق المكتب. أحت توتراً عصبياً فى اصابعها, أما شجاعتها التى ظنتها قوية كالفولاذ فقد بدأت تنحسر عنها.
قرأت, شقة رقم 26 الطابق الثانى. لا حاجة بها إلى استعمال المصعد, خير لها أن ترتقى الدرج و تستغل الوقت فى تهدئة اعصابها . كان الدرج مكسواً بالسجاد فلم تحدث قدماها صوتاً و هما تغوصان فى عمق الوثير. استغربت الهدوء الشامل حولها و صعب عليها تصديق أن البناء يضم و لا ريب مئات من السكان نظراً إلى ضخامته.
لدى وصولها إلى الطابق الثانى شدت كتفيها و عبرت الممر بتمهل و هى تقرأ الأرقام على الأبواب. 24, 25, 26 .....هذه هى شقته.
ضغطت على الجرس دون أى تردد و انتظرت. كان قلبها يخفق بدوى متلاحق و أدركت أنها إذا أعطت نفسها الفرصة لاعادة التفكير لولت الادبار دون أن تنظر خلفها.
طال الصمت كثيراً فبدأت تظن أن سيمون لم يرجع إلى شقته بعد. غمرها الارتياح إلا أنه لم يعمر طويلاً إذا سمعت صوت خطوات حازمة تقرب من الباب ثم انفتح على اتساعه و رأت سيمون يقف بنفسه على العتبة و قد تسلط عليه الضوء الآتى من الغرفة خلفه.

منتديات ليلاســــــــــــــــ


زهرة منسية 21-08-14 05:53 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 

أخذ يحدق إليها بذهول و لحظت أنه يرتدى سروالاً خفيفاً و قميصاً مفتوحاً عند العنق و قد طوى كميه حتى مرفقيه. لم يكن يتوقع زواراً على ا يبدو و وجدت ليزا نفسها عاجزة عن الكلام.
قطب جبينه مستغرباً و مرر يده على شعره ثم سألها بحدة:
ـ ما الذى جاء بك إلى هنا؟
نظرت من فوق كتفه إلى داخل الشقة فلم تر أثراً لـ لورا تنسون, قالت أخيراً:
ـ اردت مقابلت, أظن من الأفضل أن تدعونى إلى الداخل.
قادها بصمت إلى غرفة جلوس واسعة كانت قمة فى الروعة المترفة. مقاعد وثيرة, اريكة مستطيلة و منجدة باناقة فائقة سجاد م الموكيت و نوافذ من السقف إلى الأرض تتيح رؤية شاملة للمدينة المضاءة.
دعاها إلى الجلوس فجلست على حافة الأريكة و هى خجلة إلى حد ما من قلبها الخافق و شاعرة بأنه ما يزال يرمقها بشئ من نفاد الصبر . ثم أخذ يُنزل كمى قميصه و يزررهما, فودت أن تطلب منه عدم أزعاج نفسه بالرغم من الغضب الذى استمر يأكل أعصابها.
رطبت شفتيها الجافتين بلسانها ثم اندفعت تقول:
ـ اردت التحدث إليك. أقصد, أردت أن أناقشك امراً سمعته هذا اليوم.
ضاقت عيناه حين لاحظ تواتر الشحوب و التورد تحت يشرتها الناعمة و قال:
ـ فهمت.
حدقت إليه كارهة نظرته الباردة, اشعرتها بأنها ضيفة دخيلة و قدرته على لجم لسانها فى حين أن لديها الكثير لتقوله. ثم رفعت صوتها قائلة:
ـ رأيت لورا تنسون هذا العصر.
اسودت نظراته الحادة و حثها قائلاً:
ـ و هكذا؟
عصرت يديها بعنف و انغرزت أظافرها فى كفيها و هى تراقب وقفته الجامدة فى منتصف الغرفة دون أن تختلج فيه عضلة, ثم تقدم صوبها قليلاً و آخذ يتأمل محياها العابق بصمت واجم و كأنه تكهن بشئ مما ستقوله.
بالطبع, أن أى انتقاد لـ لورا تنسون كفيل باثارة غضبه. هذه الفكرة اثارت غضبها هى فهتفت بتهور:
ـ أخبرتنى أنك تعتزم التعمير على اراضى هولوز آند. لم تكن لديك الشهامة الكافية لتخبرنى ذلك بنفسك بل ارسلت صديقتك لتقوم عنك بالمهمة. أنت لست مخادعاً فقط بل أنت جبان ايضاً و تثير الازدراء!
رأت عيناه تقدحان شرراً و شفتيه تقلصان بغضب لاهب عجز عن اخفائه حين قطع اتهاماتها الطائشة قائلاً بحدة:
ـ هذا يكفى.
استفزها صمته فهبت واقفة ثم قالت و هى تتراجع مبتعدة عنه :
ـ لكنك لا تستطيع إنكار أى شئ من ذلك!
اجابها بشراسة:
ـ لن أنكر مطلق شئ. سوف أعمر على كل تلك الأملاك الملعونة!
ادركت متأخرة أن الحكمة كانت تقتضى منها أن تتقرب منه بطريقة مختلفة تماماً فهى لم تراه على هذه الحالة من قبل و لا تريد أن تراه ثانية هكذا....أنها تكرهه..........
لكن نظرته هذه افقدتها كل عوم على التعقل فهتفت و هى تواجه عينيه بتحد:
ـ هذا ما كنت تعتزمه من البداية, أليس كذلك؟ أذكر أن بيل برايت قال شيئاً حول ذلك بعد وصولك إلا أنى لم أعلق اهمية على كلامه, لسوء الحظ.
منتديات ليلاس
اجابها متهكماً:
ـ أنها خسارة كبيرة أن يهرع إليك السيد برايت بمعلوممات غير دقيقة.
ـ قد يفتقر بيل إلى الدقة أحياناً لكنه ليس غشاشاً مثلك.
ـ و ماذا عنك أنت؟ لقد تركتنى أعتقد أنك ابنة خالى فى حين أنك لا تمتين إلىّ بقرابة حقيقية. لا يحق لك التكلم عن الخداع يا عزيزتى ليزا!
أحست برعب محض يضرب جوانب رأسها. إذن هو اكتشف الحقيقة! و فى غمرة هذا الكابوس شعرت بومضة ارتياح غريب انما لم تكن كافية لتمكنها من السيطرة على رعبها المجنون, و حيث شهقت قائلة:
ـ أنت جدير بالكراهية.
ثم استدارت على عقبيها و اتجهت صوب الباب, منفذها الوحيد إلى الهرب.
خيل إليها, للحظة خاطفة , أنها نجحت فى التهرب منه لكنه سرعان ما لحق بها و جذبها مجدداً إلى دائرة ذراعيه الصلبتين. قال بغضب منضبط و غير متسامح:
ـ لقد اصبت الظن فيك منذ البداية, فأنت اتعبتنى بتصرفاتك الرعناء و اللا مسؤولة طوال الوقت, و آن لك أن تتعلمى درساً مفيداً.
تجاهل مقاة=ومتها العشوائية فرفعها عن الأرض ثم القاها على وسائد الأريكة الوثية. وضع يده خلف رأسها و أطبق يعانقها. استشعرت حقده و التهديد الكامن فى شفتيه فقامت بمحاولة أخيرة للافلات غير أنه اعتقلها بشراسة جمدتها.
و شيئاً فششيئاً بدأت تحس بإثارة حادة تسيطر على عروقها و تذيب غضبها و مقاومتها.
و عندما رفع رأسه اخيراً بقيت بلا حراك انما امتدت ذراعها و طوقت به عنقه دون أن تعى حقيقة ما تفعل . تسلط ضوء المصباح على شعرها الحريرى المتناثر على كتفيها, فقبض سيمون على خصلة منه و قال ناظراً فى عينيها:
ـ كيف ترين نفسك الآن, يا عزيزتى الجبانة؟
فتحت جفونها المطبقة فإذا بعينيه الداكنتين تشتعلان بلهب محوم.
لقد واجهت الحب فى حياتها لكنه لم يصبها بسهامه إلا حين التقت سيمون ردفورد. كانت تقرأ فى عيون الرجال نظرات الأعجاب و رغبة إلا أنها لم تعرف رجلاً مثله يستطيع أن ينظر إليها بمزيج من النفور و ارادة الامتلاك فى آن واحد. كان وجهه كالصخر المنحوت و لم يكن يحاول اخفاء ثقته بأنه سيد الموقف و يستطيع أن يفعل بها ما يشاء بعدما انهارت الآن كل خطوط دفاعها السابقة.



منتديات ليلاســــــــــــــــــــ


زهرة منسية 21-08-14 05:54 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
ظل ممسكاً بخصلة شعرها و فى الوقت نفسه مد اصابعه الأخرى فاعتقل ذقنها و ادار وجهها و عانقها مجدداً. هذه المرة حتى قفز قلبها كطائر مجنون فى قفص ضلوعها.
ادركت ليزا فى ما بعد أن الدمار كان من الجائز أن يحصل لو لم يرن جرس الباب بالحاح و قوة, و كأن الزائر متأكد من وجود شخص فى الداخل و مصمم بالتالى على أن يفتح له الباب.
احست بأنفاسه تعود إلى انتظامها عندما تأكد من صوت الجرس ثم انتابها حزن شديد حين ارخى ذراعيه و قال:
ـ يبدو أن لدينا زواراً.
كان من المفترض أن تشعر بالامتنان لو لم يتضح لها أن لورا تنسون هى الزائرة, إذ سمعتها تحيى سيمون بقولها:
ـ مرحباً حبيبى. كنت متأكدة من رجوعك و لذا لم أتوقف عن رن الجرس.
كانت هذه القشة الآخيرة بالنسبة إلى ليزا.....لم تقدر صنيع سيمون الذى أخذ يشاغل لورا بالكلام ليعطيها فرصة تنظم فيها شعرها المبعثر و تسوى فستانها المشوش. ثم واجهت المذلة الأخيرة الصعبة الاحتمال عندما دخلت لورا إلى غرفة الجلوس رأساً. نظرت إلى ليزا و لم تلاحظ تورد وجنتيها أو ارتباكها لفرط انشغالها بأفكارها الخاصة.
استدارت إلى سيمون و قالت بنبرة تقطر شفقة:
ـ أرى انكما تعملان كالعادة يا حبيبى. أن سكرتيرتك المسكينة مرهقة ولا ريب. أوقف العمل و أرسلها إلى بيتها يا عزيزى. ألست مصيبة فى ظنى يا آنسة لوسون؟
ـ أنت مصيبة كالعادة يا آنسة تنسون.
تجاهلت الابتسامة الساحرة التى قذفتها بها لورا عبر ظهرها و لم تنتظر تدخل سيمون بل سارعت إلى التقاط حقيبة يدها و خرجت من الشقة مهرولة, لا يهمها أن ظنت لورا سوءاً برحيلها المفاجئ كذلك لم تأبه لتوديع سيمون.
لكنها لدى وصولها البيت استحوذت عليها فكرة واحدة لاغير, هى أن سيمون لم يحاول ارجاعها! و كل ما استطاعت أن تقوله لأمها هو أنه رفض بحث الموضوع معها و هكذا ستراوحان مكانهما.
فى الصباح التالى وجدت الجرأة لتعترف بأنها لا تعتزم العودة إلى المكتب. لقد آتخذت هذا القرار بعد ليلة أرق طويلة و رفضت أن تحيد عنه حتى عندما اخبرتها مونيكا أن مساعدتها فى المكتب تطلب التكلم معها على الهاتف , هزت ليزا رأسها نفياً و عادت مونيكا لترد على الفتاة:
ـ آسفة, أن ابنتى متوعكة الصحة قليلاً و قد تذهب إلى المكتب فى وقت لاحق من هذا اليوم.
أقفلت الخط ثم قالت لـ ليزا موضحة:
ـ تأجيل ذهابك سيعطيك وقتاً لمراجعة أفكارك, ليس من الحكمة أن يحرق المرء كل جسوره, قد تتحسن نفسيتك بعد بضعة ساعات.
اجابتها بجمود :
ـ لا أظن ذلك.
حاولت ألا تفكر فى سيمون, فلا ريب أنه نسى الآن ما جرى و سيتوقع منها أن تحذو حذوه. استعرضت وقائع الحادثة و اقرت بوجوب اعتذراها إليه, فهى أخطأت كثيراً فى المبادرة إلى اتهامه قبل أن تعرف منه الحقيقة دوره فى القصة, و ما كان يجب أن تطلق لسانها بتلك الطريقة الشرسة المستهجنة.
سكبت مونيكا لنفسها فنجان من القهوة و جاءت به إلى حيث تجلس ليزا قرب النافذة تفكر فى همومها, ثم سمعت أمها تقول :
ـ قد تكون فكرة جيدة يا عزيزتى أن أزور عمتك فى أوستراليا. لقد تسلمت منها رسالة أخرى بعد ظهر أمس أنما سهى عن بالى أن أخبرك فى غمرة الأحداث. أنها تصر على دفع ثمن التذكرة لىّ و لك أيضاً, أن شئت, فهى تعتقد على ما يبدو أن بلادنا على وشك الأنهيار فى أية لحظة بسبب الأزمة العالمية القائمة و أننا سنكون أكثر أماناً فى اوستراليا. هذا هراء بالطبع, لكنك تعلمين يا حبيبتى أنى أفكر فى السفر منذ مدة أنما أوضاعنا المالية لم تسمح بذلك, على أى حال, لقد توصلت إلى قناعة تامة بصوابية السفر.
منتديات ليلاس
ـ بالطبع يا ماما, لكن تحسبى حسابى, سأبقى هنا.
حاولت ليزا جهدها فلم تتمكن من بعث الحماسة فى نفسها, شعرت فقط بشئ بسيط من الارتياح لأنها قد تترك بمفردها مع احزانها.
تأملتها أمها بقلق و قالت مقطبة الجبين:
ـ لقد أخطأت فى زيارة سيمون مساء أمس و كان يجب أن أمنعك الذنب ذنبى لأنى أقمت الدنيا و أقعدتها.....أنا نادمة كثيراً على تصرفى و لا سيما الآن وحيث انظر إلى الأمور من وجهة نظر مختلفة تماماً.
ـ ليس الأمر مهماً فى الواقع, فخير لنا أن نسكن فى بيت أصغر من هذا, و قد يكون مشروع العمران نعمة للمنطقة. ثم أن تحسرنا قد يكون مضيعة للعواطف لأن سيمون أكتشف أنى ليست ابنة خاله الحقيقية.
ـ و كيف اكتشف؟
ـ لا أدرى....
ـ و هل غضب؟
ـ لست متأكدة....أظن ذلك.
ـ إذن خير لىّ أنا أسافر إلى اوستراليا.
هزت مونيكا كتفيها بأسى فعبرت بذلك عن استعدادها للقبول بأفضل الموجود.
و تابعت تقول :
ـ انما لن أذهب يا حبيبتى قبل أن أطمئن إلى وضعك, إلا إذا غيرت رأيك و سافرت معى. لا أرى ما يمنع ذلك.
و فى وقت لاحق غادرت أمها البيت لتبحث تفاصيل رحلتها مع أحدى وكالات السفر فى المدينة. كم يدهشها مزاج مونيكا الزئبقى المتقلب.
بعد ذهاب مونيكا, استدارت ليزا فجأة و أخذت تصعد الدرج قفزاً إلى حيث العليتين. لم تكن تعى تماماً ماذا تفعل....الأمر غير منطقى و عليها أن تكف عن تصرفات غريبة كهذه لكنها شعرت برغبة ملحة فى أن تدخل المكان الذى دخله سيمون و أن تسير حيث سار و لو حتى فى علية....قد تجد هناك أثراً صغيراً منه أو تذكاراً معيناً تحتفظ به.
لم تجد شيئاً فى العلية الأولى فأغلقت بابها و توجهت إلى الثانية, وفجأة توقفت على العتبة و قد شحب وجهها و اختنق النفس فى حلقها, لم تكن بحاجة إلى إضاءة النور لكى ترى أن هذه العلية هى التى كشفت لـ سيمون أنها لست ابنة جون لوسون.

منتديات ليلاســــــــــــ




زهرة منسية 21-08-14 05:56 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 

تجمدت فى مكانها فترة طويلة فيما أخذت الأحاسيس تتجمع فيها حتى اهتز جسمها النحيل برعشة صامتة. لسعت الدموع جفنيها فاغمضت عينيها و تركت العبرات تسيل على خديها. مدت يدها تبحث عن منديل فى جيبها و لما لم تجد مسحت دموعها بقبضتيها و عادت تنظر إلى اللوحات العديدة المصفوفة على الجدار.
إذن لقد وجدها, و كل وواحدة تحكى قصة و تصور مرحلة من تاريخ حياتها. فى اوستراليا, لوحة لوالدها الحقيقى يحملها طفلة رضيعة, فى الثانية يلاعبها و هى تحبو, و الثالثة و الأخيرة تمثلها سابحة فى حزن عميق كما لو أنها تفكر فى الموت الذى جرحها حتى فى طفولتها....ثم لوحتان رسمتا فى لندن و أخرى مذيلة بعبارة (يوم التقينا, جون). بعد ذلك لوحات عديدة لحياتهم فى القرية, كلها تحمل الأسلوب نفسه و تصور زوجين سعيدين لديهما طفلة تنمو بفرح و جمال.
كانت مستغرقة فى ذكرياتها الحزينة إلى حد أنها لم تسمع معه اقتراب الخطوات و طقطقة السلم الخشبى العتيق. لقد صعد بهدوء شديد و حالما سمعت صوته استدارت بعنف و قد قفز الخوف فى عروقها كألسنة النار.
ســـيــــمـــــون !
تراجعت صوب الباب المفتوح باحتراس شديد.....توجد طريق أخرى للنزول إذا اسرعت بما فيه الكفاية.....يجب أن تتهرب منه بشكل ما و ليس لديها ما ترد بع على عباراته.
لكنه قطع المسافة بينهما فى خطوتين و أسر خصرها بذراعه القوية....
و فكرن بمرارة, هكذا فعل ليلة أمس...عادت المذلة تمزقها فرفعت يدها و أخذت تضرب صدره بجنون.
ـ ليزا, ليزا, ما هذا الذى تفعلينه. كنت أحاول المجئ إلى هنا من حين عرفت أنك لم تذهبى إلى المكتب. أبهذه الطريقة تستقبلينى؟
ـ أواهـ منك يا سيمون!
حاولت يائسة أن توقف انبثاق الدموع من عينيها لكنها سالت على خديها و ذهلت حين احنى رأسه و محا الدموع عنها, و قال هامساً:
ـ لا تبكى يا ليزا!
ثم حملها و سار بها إلى النافذة كى يتمكن من رؤية وجهها المضطرب و تابع:
ـ جئت لأخبرك أنى أحبك. اضحكى أن شئت أنما لا تبكى, أرجوك.
ما هذا الذى يحدث؟ هل حقاً همس لها بحبه؟ هنا أحست أن كل ذرة من التعقل و المقاومة ترحل عنها إلى غير رجعة. لن تستطيع محاربته بعد اليوم و لا تريد ذلك...فالفرح يتدفق فى جسمها كتيار جارف و ليس و ليس هناك أى مجال للمكابرة, طوقت عنقه بذراعيها البضتين و همست بفرح متقد:
ـ سيمون.....حسبت أن قلبى كان سيتحطم.
ضحك بلطف و قال بتلك السخرية القديمة:
ـ كلا, قلبى الذى كان يتحطم و أنت لم تعطفى عليه البتة!
ـ اعتذر عما حصل ليلة أمس. كنت غاضبة جداً بسبب مشروعك الأسكانى فلم أتوقف لأفكر.
ـ يسرنى أنك لم تفعلى فلحظة الجنون قد تكون تجربة رائعةىفى بعض الأحيان.
ـ لكن الأشياء التى قلتها لك....
أخجلها التذكر فتهدلت عليه بقنوط. أعاد رأسها إلى كتفه و قال باسماً:
ـ استرخى يا طفلة الحبيبة. بالنسبة إلى المشروع الأسكانى فأن سيلاس كان تقدم بطلب ترخيص له قبل وفاته, لم أكن المسؤول الأساسى عن ذلك.
ـ سيلاس.....؟
ـ هناك اشياء كثيرة قد تستعصى على فهمك يا ليزا. اشياء كنت أرجو ألا تعرفيها ابداً خصوصاً أن الآنسة براون عرفت الكثير عنها, لا أقصد أنها مسؤولة عن أى شئ لكنى استنتجت من رحيلها السريع لدى وصولى أنها خشيت أن أطرح عليها بعض الأسئلة المحرجة.....فـ سيلاس كان غارقاً فى الديون حتى أذنيه إذ يبدو أنه اساء إدارة الشركة فى السنوات الأخيرة. لقد رهن كل أملاك هولوز آند و أغلب الظن أن مشروع التعمير كان أمله الأخير لأنقاذ الووضع.
شهقت ليزا من الصدمة و سألت بذهول :
منتديات ليلاس
ـ لكنك قلت أن الأوضاع كانت جيدة؟
ـ ظاهرياً, فى حينأثبتت الدفاتر عكس ذلك. أعتقد أن تدهور صحته هو السبب, مع أنه لم يقر بذلك.
ـ كان يجلس فى مكتبه و يحدق فى الفضاء.
ـ هذا الدليل الدافع على يأسه.
تململت بحزن و تذكرت الماضى بقولها:
ـ لم يكن لين المرأس. كنت أطمح إلى امتهان رقص البالية لكنه رفض مساعدتى.
ـ إذن هذا هو سبب العداء البسيط بينكما. ربما تدهور صحته جعله يرغب فى احاطة نفسه بعائلة حوله لأن امتهان الرقص كان سيبعدك إلى لندن.
فهتفت بصوت منفعل:
ـ لكنى لم أكن قريبته! بالمناسبة, كيف عرفت ذلك؟
ـ لورا اخبرتنى بعد أن عرفت الأمر من أقرباء لها كانوا يعرفون والدك. كذلك أطلعوا على قصة التبنى.
ادارت رأسها و نظرت إلى اللوحات قائلة:
ـ ثم جئت إلى هنا؟
ـ أجل, تذكرت ما قلته عن اللوحات فأملت أن أستخلص منها شيئاً. لكنى جئت مدفوع بحبى لك و ليس بسبب ما قالته لورا.
خفق قلبها بعنف.....فهذه ثانى مرة يعترف لها بحبه و قد بدأت تصدقه.....
قال و هو يضغط على كتفيها متوعداً:
ـ أهذا كل ما لديك من كلام بعد كل تلك الأسابيع التى عجزت خلالها عن التركيز لأنشغالى بحبك؟
أجابت باختناق:
ـ سيمون, لابد أنك حزرت مدى حبى لك؟
ـ أككثر من حبك لـ بيل رايت؟
ـ لم أكن أحب بيل أو أى شاب آخر و ما تظاهرت بذلك ابداً. لكنى شككت فيك كثيراً. حسبت أنك قصدت طلب الترخيص كى تتخلص منى و من أمى, و عندما أخبرتنى لورا ذلك, ثارت ثائرتى.
قال ضاحكاً بلطف:
ـ لقد هجمت علىّ كالأعصار, إنما لو كنت أبغى التخلص منكما فعلاً لما لجأت إلى تلك الطريقة. كنت اعتزم اطلاعك على المشروع بنفسى, أما لورا فقد سمعت الخبر من أبيها حين بحثه معى و لم يكن سراً الواقع. ثم تدخل عامل الوقت إذ اضطررت إلى حضور اجتماع لمجلس الأدارة فى لندن. من ناحية أخرى, كان مهماً أن يسكن أحد هولوز آند لبينما أقرر مصيره, و لم أفعل ذلك بددافع الأحسان كما اتهمتنى. اعتقد أنى سأعود إلى لندن فى نهاية المطاف بسبب اشغالى الكثيرة هناك.
ـ بالنسبة إلى أمى........
ـ حبيبتى, لا دادعى لأن تقلقى على مونيكا بعد اليوم. ألتقيتها أمام البيت هذا الصباح و كدت اصدمها بسيارتى لفرط استعجالى فى الوصول إليك, و قد جرى بيننا حديث طويل.
ـ هل أخبرتك عن اوستراليا؟
ـ بالتفصيل...كذلك أخبرتنى كل شئ عنك, كيف أنها ارغمتك على كل تلك التصرفات بعد وصولى. لقد شككت فيها فى حينها و فى تصرفات أخرى كثيرة, أنما يمكننا أن نسى كل هذا بسهولة.
ـ سيمون........
لم تقل أكتر من هذه الكلمة لأنه اسكتها......و لم يتوقف عن عناقها إلا حين أحست برأسها يموج فى حلم عاصف الروعة. أنه دنياها و حياتها و لا تريد إلا أن تبقى بين ذراعيه حيث تجد كل ما تحتاجه و تصبو إليه. قد تطلب إليه أن يفسر لها أموراً أخرى أنما ليس الآن......هناك كل الوقت لذلك.
ثم أجلسها على المقعد الخشبى المستطيل و قال:
ـ سنتزوج قريباً يا حبيبتى, قبل أن تسافر أمك, و حين يصفى ذهنه سأتمكن من أتخاذ بضعة قرارات و خصوصاً بالنسبة إلى مكان سكننا. هل ستتضايقين إذا اضطررت إلى مغادرة هولوز آند؟
تحرك فيها الألم فنظرت إليه بعينين دامعتين. لا شئ و لا أحد يقف بينهما بعد اليوم, لا بيل برايت و لا لورا تنسون, و لا بيتاً متعدد المشاكل. كل شئ يبدو رائعاً إلى حد يصعب معه تصديقه. لكن كيف لها أن تشك فى حدوث معجزة كهذه أو أن تعارض قدراً مجيداً كهذا؟ لا يهم مطلقاً فى أى مكان يسكنان.
و غمغم سيمونبنظرة مركزة:
ـ ليزا, لقد طرحت عليك سؤالاً.
ـ أجبتك عليه دونما حاجة إلى الكلام.
ثم عانقته بحرارة و همست بقلب خاف:
ـ أينما تذهب أذهب معك ما دمنا نسير على درب واحدة.
أجابها برضاء فائق:
ـ أنه جواب شامل.
جذبها إليه ثم خيم الصمت حولهما إلا من الريح العابثة بشجرة الدردار التى تحرس المرج فى الخارج.



تمت بحمد الله

Rehana 22-08-14 08:30 AM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة ( كاملة )
 
مبروك اكمال الرواية وتنزيلها زهوري
والله يغطيك العافية واكيد بانتظار جديدك المميز

http://i280.photobucket.com/albums/k...wer_basket.gif

ندى ندى 28-08-14 03:54 AM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة ( كاملة )
 
جميله جدا جدا وقمة الروعه

تسلم ايدك حبيبتي ووفقك الله

جوهرة الدانة 09-09-14 04:16 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة
 
رائعة شكرا :55:

سهير محمود 10-09-14 11:15 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة ( كاملة )
 
شكرررررررررررررررا وبارك الله فيكى يا اجمل زهرة وربنا يوفقك باذن الله:55:

زهرة منسية 10-09-14 11:30 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة ( كاملة )
 
الله يبارك فى عمرك سهير

العفو سعيدة انى قدرت انزلها لعيونك
http://www.liilas.com/vb3/t196301.html

طعوووس 13-09-14 12:53 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة ( كاملة )
 
تسسسسسلم الايااادي

الجبل الاخضر 02-10-14 07:19 AM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة ( كاملة )
 
تسلمي عيوني :55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:تسلم الانامل :hR604426:على المجهودك الرائع والاختيار الممتاز:55::peace: ونشكرك على تعبكي:lol: ياعسل :wookie:وننتظر جديدك:dancingmonkeyff8:

جودي جاد 04-06-15 11:59 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة ( كاملة )
 
رووووووووووووووووووووووووووووووووعه

فرحــــــــــة 10-09-16 04:21 AM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة ( كاملة )
 
غاليتى الرائعة
زهرة منسية
كالسهل الممتنع هى رواياتك
التى تتسم بالاثارة والتشويق
والنهايات التى ترضى فضول القراء
استمتعت كثيرا بالقصة واحداثها
فلك منى كل الشكر والتقدير
طابت لنا قصصك الجميلة الرائعة
وطاب لنا قلمك المميز
دمتى بكل الخير
فيض ودى

القريصة 11-09-16 11:17 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة ( كاملة )
 
شششششششششكككككككككككككررررااااااا❤❤❤❤❤

ام السعد كله 29-07-20 12:24 AM

ذوقك رائع في اختيار الرواية ، شكراً لحبيباتي اعضاء منتدى ليلاس

Moubel 31-07-20 05:36 PM

رد: 8 - المكابرة - مارغريت بارغيتر - قلوب عبير القديمة ( كاملة )
 
Very nice Story


الساعة الآن 12:35 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية