ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا
ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا قوله تعالى : وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا قال ابن عباس وغيره : هي أصنام وصور ، كان قوم نوح يعبدونها ثم عبدتها العرب . وهذا قول الجمهور . وقيل : إنها للعرب لم يعبدها غيرهم . وكانت أكبر أصنامهم وأعظمها عندهم ; فلذلك خصوها بالذكر بعد قوله تعالى : لا تذرن آلهتكم . ويكون معنى الكلام كما قال قوم نوح لأتباعهم : لا تذرن آلهتكم قالت العرب لأولادهم وقومهم : لا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا ; ثم عاد بالذكر بعد ذلك إلى قوم نوح عليه السلام . وعلى القول الأول ، الكلام كله منسوق في قوم نوح . وقال عروة بن الزبير وغيره : اشتكى آدم عليه السلام وعنده بنوه : ود ، وسواع ، ويغوث ، ويعوق ، ونسر . وكان ود أكبرهم وأبرهم به . قال محمد بن كعب : كان لآدم عليه السلام خمس بنين : ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ; وكانوا عبادا فمات واحد منهم فحزنوا عليه ; فقال الشيطان : أنا أصور لكم مثله إذا نظرتم إليه ذكرتموه . قالوا : افعل فصوره في المسجد من صفر ورصاص . ثم مات آخر ، فصوره حتى ماتوا كلهم فصورهم . وتنقصت الأشياء كما تتنقص اليوم إلى أن تركوا عبادة الله تعالى بعد حين . فقال لهم الشيطان : ما لكم لا تعبدون شيئا ؟ قالوا : وما نعبد ؟ قال : آلهتكم وآلهة آبائكم ، ألا ترون في [ ص: 282 ] مصلاكم . فعبدوها من دون الله ; حتى بعث الله نوحا فقالوا : لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا الآية . وقال محمد بن كعب أيضا ومحمد بن قيس : بل كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح ، وكان لهم تبع يقتدون بهم ، فلما ماتوا زين لهم إبليس أن يصوروا صورهم ليتذكروا بها اجتهادهم ، وليتسلوا بالنظر إليها ; فصورهم . فلما ماتوا هم وجاء آخرون قالوا : ليت شعرنا هذه الصور ما كان آباؤنا يصنعون بها ؟ فجاءهم الشيطان فقال : كان آباؤكم يعبدونها فترحمهم وتسقيهم المطر . فعبدوها فابتدئ عبادة الأوثان من ذلك الوقت . قلت : وبهذا المعنى فسر ما جاء في صحيح مسلم من حديث عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة تسمى مارية ، فيها تصاوير ، لرسول الله صلى الله عليه وسلم ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة " . وذكر الثعلبي عن ابن عباس قال : هذه الأصنام أسماء رجال صالحين من قوم نوح ; فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا في مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم تذكروهم بها ; ففعلوا ، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت من دون الله . وذكر أيضا عن ابن عباس أن نوحا عليه السلام ، كان يحرس جسد آدم عليه السلام على جبل بالهند ، فيمنع الكافرين أن يطوفوا بقبره ; فقال لهم الشيطان : إن هؤلاء يفخرون عليكم ويزعمون أنهم بنو آدم دونكم ، وإنما هو جسد ، وأنا أصور لكم مثله تطوفون به ; فصور لهم هذه الأصنام الخمسة وحملهم على عبادتها . فلما كان أيام الطوفان دفنها الطين والتراب والماء ; فلم تزل مدفونة حتى أخرجها الشيطان لمشركي العرب . قال الماوردي : فأما ود فهو أول صنم معبود ، سمي ودا لودهم له ; وكان بعد قوم نوح لكلب بدومة الجندل ; في قول ابن عباس وعطاء ومقاتل . وفيه يقول شاعرهم : حياك ود فإنا لا يحل لنا لهو النساء وإن الدين قد عزما [ ص: 283 ] وأما سواع فكان لهذيل بساحل البحر ; في قولهم . وأما يغوث فكان لغطيف من مراد بالجوف من سبأ ; في قول قتادة . وقال المهدوي : لمراد ثم لغطفان . الثعلبي : وأخذت أعلى وأنعم - وهما من طيئ - وأهل جرش من مذحج يغوث فذهبوا به إلى مراد فعبدوه زمانا . ثم إن بني ناجية أرادوا نزعه من أعلى وأنعم ، ففروا به إلى الحصين أخي بني الحارث بن كعب من خزاعة . وقال أبو عثمان النهدي : رأيت يغوث وكان من رصاص ، وكانوا يحملونه على جمل أحرد ، ويسيرون معه ولا يهيجونه حتى يكون هو الذي يبرك ، فإذا برك نزلوا وقالوا : قد رضي لكم المنزل ; فيضربون عليه بناء ينزلون حوله . وأما يعوق فكان لهمدان ببلخع ; في قول عكرمة وقتادة وعطاء ، ذكره الماوردي . وقال الثعلبي : وأما يعوق فكان لكهلان من سبأ ، ثم توارثه بنوه ; الأكبر فالأكبر حتى صار إلى همدان . وفيه يقول مالك بن نمط الهمداني : يريش الله في الدنيا ويبري ولا يبري يعوق ولا يريش وأما نسر فكان لذي الكلاع من حمير ; في قول قتادة ، ونحوه عن مقاتل . وقال الواقدي : كان ود على صورة رجل ، وسواع على صورة امرأة ، ويغوث على صورة أسد ، ويعوق على صورة فرس ، ونسر على صورة نسر من الطير ; فالله أعلم . وقرأ نافع " ولا تذرن ودا " بضم الواو . وفتحها الباقون . قال الليث : ود ( بفتح الواو ) صنم كان لقوم نوح . وود ( بالضم ) صنم لقريش ; وبه سمي عمرو بن ود . وفي الصحاح : والود ( بالفتح ) الوتد في لغة أهل نجد ; كأنهم سكنوا التاء وأدغموها في الدال . والود في قول امرئ القيس : تظهر الود إذا ما أشجذت وتواريه إذا ما تعتكر قال ابن دريد : هو اسم جبل : وود صنم كان لقوم نوح عليه السلام ثم صار لكلب وكان بدومة الجندل ; ومنه سموه عبد ود . وقال : لا تذرن آلهتكم ثم قال : ولا تذرن ودا ولا سواعا الآية . خصها بالذكر ; لقوله تعالى : وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح . [ ص: 284 ] وقد أضلوا كثيرا هذا من قول نوح ; أي أضل كبراؤهم كثيرا من أتباعهم ; فهو عطف على قوله : ومكروا مكرا كبارا . وقيل : إن الأصنام أضلوا كثيرا أي ضل بسببها كثير ; نظيره قول إبراهيم : رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فأجرى عليهم وصف ما يعقل ; لاعتقاد الكفار فيهم ذلك . ولا تزد الظالمين إلا ضلالا أي عذابا ; قاله ابن بحر . واستشهد بقوله تعالى : إن المجرمين في ضلال وسعر . وقيل : إلا خسرانا . وقيل : إلا فتنة بالمال والولد . وهو محتمل . |
رد: ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا
جزاك الله خير الجزاء وجعله فى ميزان حسناتك
|
الساعة الآن 02:24 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية