منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   الروايات المغلقة (https://www.liilas.com/vb3/f836/)
-   -   قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر (https://www.liilas.com/vb3/t195238.html)

كَيــدْ 19-08-15 12:12 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 








اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة راويه هـ (المشاركة 3546809)
بارت رائع كعادتك
فقدت سيف وديما..

عندي طلب صغنون مادري ليه عندي احساس وجود سوزان حيكون وراه شي
رجاء لا تدخل بين شاهين واسيل..

شكرًا لعيونك ، بالنسبة لسوزان فهي مقررة إنها تبعد بعد زواج شاهين مباشرة لأنه وقتها ما عندها حجة للجلوس وأسيل موجودة عشان تعتني بعلا ، فمعقولة يصير شيء يخليها تجلس؟





كَيــدْ 19-08-15 12:18 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 











اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وعود الايام (المشاركة 3546885)
يسلموااااااا يا قمر بارت اكثر من رائع
انا فى عندى احتمال صغيرون هو ان متعب هو ماجد ولما كان مدمن ارتكب شئ مخالف للقانون والحين هو متخبى فى باريس واخفى نفسه عن اهله حتى ما يستعروا منه ولما يثبت براءته رح يرجع لهم

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Khaledya (المشاركة 3546890)
السلام عليكم
اعترف احتمالك هذا فيه جانب كبير من الصحة لدرجة مخيفة💔
انا متابعة لك ياكيد ، لكن أرجوك لا يكون احتمالها صحيح
الرواية حتكون كذا دارك شادو ، الله يسعدك بلاشي منها:(

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الله يسلمكم ويبقيكم
الإحتمال اللي ذكرتيه يا وعود وارد ، لكن لو كان هو متعب فعلًا ومرتكب شيء مخالف للقانون معقولة يكون القانون ساكن؟ مافيه صوت ولا خبر عن هالموضوع في الوسط اللي عايش فيه؟ هالشيء أكيد مستحيل
بس لو كان هو متعب وراه الرواية تصير دارك شادو :YkE04454:





كَيــدْ 19-08-15 12:59 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 








السلام عليكم.
والله القصه تجنن وحلوووه مررره.. واحداثها بعد مشوقه.\للحين انا بالجزء 29 وحاولت قد ما اقدر اوووصل لكم لكن ظروفي ماسمحت وباذن الله خلال هاليومين بحاول اووصل معكم
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، يا حلو عيونك تسلمين على النظرة الجميلة ، إن شاء الله أكون عند حسن الظن

كنت ناويه اذا خلصت الأجزاء كلها احط الرد لكن الصرااحه ماقدرت اصبر قهر وحره ودبلت كبد من حريم هالقصه.. يقطع وجيهن مافيهن اللي توسع الصدر كل وحده عندها عله اكبر من الثانيه.. وعليه يااكيـــد قررت اني اسلمهن داعـــش الله يكفينا شرهم خلهم يطلعون هالدلع والعاهات من خشومهن ..\
- هههههههههههههههههههههههههههههههههه لهالدرجة الحقد!! ، صفي قلبك يا مرة لا تعجزين بسرعة :((
أجل الحين نظلب من داعش يرسلون لهم رسالة " مبارك أختي المسلمة، لقد تم اختيارك لتكوني سبية .... الخ " لووول -> أدري سامجة هذا إذا كان نص الرسالة صحيح أصلًا :YkE04454:

والله العظيم ودي ان معي خيزرانه وواخليها تلعب على ظهورهن لعب .. الله يسلط عليهن وحده وحده
من كبيرتهم هاله مرووراا بجيهان الله حسيبها
نهاية بالين هذي المعتوهه كنت متعاطفه معها بس لما شفت انها تبي تروح لادهم اللي مسبب لها الكوابيس هالسنين ومتحرش فيها ومسوي لها الهوايل وتبي تروح له قررت اني اسلمها اخر وحده لداعش مراعاة لحالتها النفسه كود تهجد وتعقل يعني اعطيها فرصه اخيره
اما هاله عجوز قريح هذي مالها توبه عندي حسبي الله عليها البنت راضعه منها وحاقنتها بحليبها حلها بطنها واخرتها مخبية انها مرضعه البنت يعني لو تجيب اعذار تقنع اللي مايقتنع ما اقتنعت في اعذارها قليلة خوف الله مخليه البنت هالسنين كلها وهي تعتقد انها بدون اخوان وخوات وتمثل انها تحبها حبوها الجن والسكن اللي بالارض كلها.ابد هاله هذي مالها عندي عذر ولو تطيح تحب رجلين الين لييين تقول بس .. مرسلتها دااعش مرسلتها وتمنع الواسطه بحالتها.
- هههههههههههههههههه هالة حلالك خذيها ما نقدر نمنعك ، وبعدين ترى مافيه واسطات لها الكل وده لو يحذفها للشمس :P

نجي عااااد للشق والبعج ثقيلة الطينه بقيران جيهان.. هي تحسب اني برحمها اذا قامت تذكر امها وتعتقد انها منتحره بسبب ابوها.. اقول يااجيهان جعلتس تلحقينها.. اذيتي هالضعيف فواز وغثيتيه ولعبتي بحسبته وحسبتنا معه بدلعتس هالماصخ عجوز كبر جدتي وللحين ماتعرفين مصلحتس وين..؟؟
تشوفه يحبها ويحب الارض اللي تمشي عليها وهي جالسه تعنفق على هالنعمه؟؟ عاد والله بلاه خبال فواز كاشف لها المستور كله والا لو انه يغير شوي من تعامله معها كان قامت تطامر وراه..
وبعدين سالفه اتهامها لابوها بوفاة امها عاد هذي حيونه منها. يعني هي ماكانت تشوف تعامل ابوها مع امها؟؟ هل كان يهينها؟؟ يحتقرها ؟؟ يضربها؟؟ ماراح اتكلم عن امها واللي سوته .. لكن هالحرص الزايد على ان جيهان ماتعرف بسالفة امها اشوفها خايبه.. ليش يغبون عليها ؟؟ عشان مشاعرها ؟ من زينها وزين هالمشاعر؟؟ ارجوان اتوقع ماراح تقول لها اي شي يمكن اللي يكشف هالموضوع جدتها؟ يعني لو قالت لها ارجوان ما اعتقد بتصدق لانها بتشوف انها بجانب ابوها وهي ياربي لك الحمد العقل ترللي هالايام وبتكذب ارجوان .. يعني ماراح يكون العلم اكيد .. فماراح تصدق الا لو كان من طرف قريب لامها وطرف قريب جداا جداااا مثل جدتها.
- هو أكيد راح تفكر بسلبية تجاه الموضوع، صحيح أبوها ما كان يهينها ويعذبها بس نقول كان فيها غباء كافي لما حطت ببالها إن أي مشكلة يصير وراها إن الزوج يحبس زوجته يكون بعدها انتحار، ما حكمت عقلها من هالناحية وفكرت بمنطقية أكثر، محد ينتحر عشان شيء تافه مثل ذا! بس نقول غلبها الموقف نفسه وقامت تلوم أبوها وفقدت ثقتها فيه من هالحادثة

وممكن يكون اكتشافها للموضوع أصعب من كذا :) وممكن طرف غير الجدة وأرجوان وش يدرينا :D



عاد انا منبطحه واحلل الوضع واخاف ان كل هاللي اقوله انكشف وانا ياغافلين لكم الله ويروح تحليلي فشنك ومال امه داعي هالحماس..هخهخهخه
- ههههههههههههههههه جعلني فدوة هالحماس بس ()


الين . اتقي الله ياااشيخه بنفستس وفينا بتروحين لادهم برجولتس جعلها الكسر.. هذا عندتس ابووووتس عبدالله ماقصر والله معتس. لحظه لحظه.. ابو ياسر معليش اسمح لي انا اعتذر كنت شاكه انك تحرش بالين السموووحه يااا بابا..هع
المهم الحين عرفتي ان لتس اهل وانتس بنت حلال مو بنت مسجد ولا لقيطه.. عاد اعلني هالشي واثبري عند ابو ياسر اللي حافظ عليتس هالعمر كله
ديما .. كويس بديتي تعجبيني من يوم اعلنتي التحدي على سيفوه الاناني ..
اسيل . يختي انت ماتحمدين ربتس على شاااهيني .. زييينه زيييناه والله انه حرام فيتس يااا الفاغره..\
- ذبحتيهم بالدعاوي والسب :YkE04454: هههههههههههههههههههههه

شاااهين ؟؟ قلوووب قلوووووووووب قلووووووب من هنا لحد دارك.. يااحظ هالخديه فيك.يا اخي انت في منك ولا اخر حبه ولهطتها اسيل؟
يعني كلامك لها وتقدريك لوضعها مع متعب يخليني احسدها على هالرجل العاقل الثاقل الحكيم.. مهوب اغبطها لأ لأ احسدها بمعني الكلمه عشان تطير النعمه من يديها وتنط بيديني؟هخهخهخه
- لا آخر حبة ولهطتها مع كامل أسفي :YkE04454:
هههههههههههههههههههههههههههه يمه يا التفكير الإجرامي ينفع نصفك جنب سلمان وأحمد


ايه صح عناااااااد للحين ماطلعت له بنت حلوه يحبها ويتزوجها ؟؟ شوفي عاد اتوقع عناد له وحده من ثنتين ياااا ارجوان ياا جنان.. واشوف ان ارجوان تناسبه وتلوق عليه .. عاد دبري الوضع انتي ولاا اوووصل للجزء الاربعين الا وهم مع بعض.>> فيس يتأمر ومايستحي وهو لللحين مابعد حظر الروايه من اولها هخهخهخه
- أترك الرد على هالجزئية بما أني ما أدري إذا وصلتي لنا أو لا :$


كنت أتمنى أتكلم عن ادهم هالشخص هذاااا فيه خلطه عجيبه من ازين الزين واشيين الشين .. اعجبني فيه انه للحين يصلي.. صح صلاته خايسه مثل وجهه بس هالشي يبين ان فيه خير.. وبعدين قصته وعلاقته مع متعب هذي مدري شلون ما اقتنعت فيها يعني هو مطيح متعب بالمخدرات؟؟ اذا هو مطيحه فيها ليش مايستخدمتها..؟؟ مدري مدري هالرجال يبي له مخمخه بس انا مارقت له للحين..
تسلم الايادي .
- للحين ما توضح هو وش علاقته بمتعب، أساسًا ما ندري إذا هو أدهم اللي يقصده شاهين أو لا! شاهين وأدهم التقوا مرة وحدة بس وما صارت فرصة عشان يكتشف شاهين إذا هو المقصود


دمتِ بود (())








كَيــدْ 19-08-15 01:01 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 





اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبها (المشاركة 3547773)
ماشاء الله تبارك الله
افتقدنا منذ زمن الروايات الفخمة .
رائعة هي بحق أحرفكِ وجميل هو سردكِ،ومثير هو حبككِ للأحداث.
اكتشفتها منذ يومين وإلى الآن لم أنتهِ بعد .لكن لم أقاوم من بث اعجابي
والعزم على المتابعة خاصة بعد أن رأيت التزامكِ.
شكرا من القلب أيتها المبدعة.

تسلملي عيونك الحلوين من جمالك ()
أعتز وأفتخر كثير بنظرتك المشرفة للرواية إن شاء الله أكون عند حسن الظن

العفو لقلبك الجميل :$$








فآرغه 19-08-15 07:15 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
السلام عليكم ،
جيت اليوم ابي اترك تعليق واحترت .. ابدا في مين والا ميين ؟ اشياء كثير تلخبطت بمخي وضيعتني .. وقريت ردود البنات وتعليقك عليهم .. حسيت اني مضيعه شي .. مع اني متاكده ولا بارت فات وماقريته ... شكيت بنفسي صراحه .. بس بحاول القى فرصه واشيك عالاجزاء اللي ماقريتها بتركيز يمكن اكون فوت شي ..
بكتب عن الشخصيات اللي شدتني وتحمست معاهم بما اني مقدر اكتب عن الكل وانا وحده كلامي كثير يمكن اقفل عليك الصفحات هههه ..

ادهم ، اولا اسمه يعجبني .. وشخصيته اكرهها .. مع اني ارحمه كثيير ، يعني شوفي كيف خليتيني متناقضه ... المهم انا مازلت مصره على رايي .. وان ادهم ولين بينهم شي غير انه اخوها .. اصلا ماصدقت انه اخوها .. انا اقول ممكن تكون بنت زوجة ابوه فقط .. وابوه بعدين نسبها له او شي مثل كذا .. بس ما اتوقع تكون اخته .. اللي حسيته من شخصية ادهم انه مهما ترك صلاته وعباداته قلبه متعلق بربه .. اتوقع هالشي كان كافي انه يردعه على الاقل من انه يعتدي على اخته .. لكن لو ماكانت اخته ممكن هنا يدخل بينهم الشيطان ويزينها له .. وبآخر لقى بين لين وادهم حسيت انه كاتم شي بقلبه للين وكان يبيها تبعد عنه عشانها هي وهو بيقدر يتحمل ... وش بينه وبين عمته !!!!!!!

سيف وديما ، سيف مهما حاول يتمسكن مايقدر .. انا بصف ديما دائما وابدا .. ومهما سوت فيك قليل بحقك بععد.. اتوقع اللحين بيستبعد انه يرجع زوجته الاولى .. وديما مصيرها بتهدا لما تشوف ولدها بين يديها ..

ان شاء الله اقدر الحق اعلق على البقيه ... بس بجد ادهم وقصته وسيف وديما اكثر شي انشديت له بالرواية ... وبناء على ذلك راح اطلب يكون حضور سيف وديما قوي بالبارت الجاي .. كنت بطلب ادهم .. بس هالشخص غامض ولا تاخذين منه لا حق ولا باطل ..

بانتظارك ياجميله 🌹

fadi azar 20-08-15 02:21 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
فصل رائع جدا وانا احب سيف وديما واشعر مع ديما انها مظلومة من انانية سيف ولا امنى ان يرد زوجته اما فواز وجيهان ان بالعكس راحم جيهان لانها تحتاج الى قلب كبير يعيد لها الثقة في نفسها أولا ثم بالاخرين وردة فعلها الحادة والممردة هو نتيجة لما تعاني من ضغوطات نفسية وفواز يجب ان يحتويها ويشعرها بمحبته لها

كَيــدْ 21-08-15 05:00 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 


















السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

البارت بيكون قبل الساعة 12 اذا الله كتب
وخلاص تعودتوا علي ما أحط ساعة محددة لأني ما أضمن أني أقدر أنزله بوقته
عشان كذا بيكون قبل 12 بس مدري اي ساعة بالضبط، واحتمال ما ينزل الا 12 أو قبلها بشوي فاللي تبي تنام تنام وأول ما تصحى بتلاقيه عندها


عمتم مساءً ()




حوار محترم جدا 21-08-15 07:31 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
عمتم مساء اختي تحية اهل الجاهليه

كَيــدْ 21-08-15 10:51 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 






صباح الخير
البارت بنزله الحين بس من الجوال ، حاليًا أنا ماني في البيت بس مرسلة البارت على إيميلي وبنزله من الجوال يعني بصعوبة
إذا صار فيه تأخر بتتابع الأجزاء معليش ، ولا تردون حتى يضبط التنزيل :(((


كَيــدْ 21-08-15 10:55 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف خير وعافية


طبعًا حيرتوني للنهايـة في التصويتات :( لآخر لحظة كانو ديما وسيف متعادلين مع سلطان وغزل
فاعتقد أني انصفتهم بالبـارت :/


بسم الله نبدأ
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــد !

لا تلهيكم عن العبادات


(46)





مدّدت اللحظـةُ نفسها في ظرفِ ثوانٍ، واختزلَ الصوتُ نبرتهُ الذاهبةَ في كلمـتين، في اسم، في " أمي ليلى " التي خرجت من فمهِ متعثرةً مرصّعةً بالبهوت، متوّجةً بخيوطِ الوَهن، خرجَ صوتهُ واهنًا وكأنَّ اليأسَ قد جاورهُ من فكرةِ التقائـهِ بها، سماعِ صوتِها، ولن ينكر أنّه بدأ يُصدّقُ موتها، بدأ يُحاول لملمةَ موتٍ جديدٍ في زوايَةِ الموتى في حياتِه، الموتى الغائبين عن الحيـاة، والموتى الأحيـاء أو - الميّتِ الحيْ -!
همسَ بصوتٍ مبعثَرٍ يكرر ماقالَ وكأنه يؤكدُ على نفسه بأنهُ صوتها، بأنّ تلك النبرةَ الهادئةَ منها، بأنّ كلّها يحيا فوقَ الأرض : أمــــي ليــلــى
سمعَ صوتَ حشرجةٍ في تنفسها الذي اضطرب، والتمعت ابتسامةٌ على شفتيها لم يكُن ليرها في هذهِ اللحظـةِ والمسافةُ تزرع نفسها بينهما، بينما أمالت رأسها جانبًا وابتسامتها تتّسعُ لصوتِه القلق، الملهوف، لصوتِه الذي يثبت أنّ اختفاءها لم يكُن شيئًا عاديًا لديه ، همَست بابتسامـة : عيون أمك يا سلطان ، سم
عاد ليجلسَ وهو يشعر بالوهنِ ينتشر في ساقيْه، بالارتعاشِ الذي تخلخلَ أعصابهُ وباتت حركتهُ محصورةً فِيه، أغمضَ عينيه للحظةٍ وهو يترك خمسَ ثوانٍ يسمح فيها لعقلهِ بالإستيعاب، هو صوتها! وهي حيّة، هو صوتها، وسلمان كَذبَ حين قال أنها ماتت، أنّهُ قتلها!! هو صوتها، وكل فكرٍ واتاه عن امكانيةِ موتها خاطئـة.
زفَر وهو يرفعُ رأسهُ للأعلى بإرهاقٍ من أفكارهِ قبل أن يرفعَ كفهُ ويغطي بها عينيه، وبصوتٍ مختنق : أنتِ حيّة؟!
شدّت على الهاتفِ وهي تُمعنُ السمعَ لنبرتِه الضعيفة، لنبرتِه التي يهتزُّ فيها الثباتُ وتصبح رخويةً فقدَت قوامَ السكُون، وبنبرةٍ ملأها الأسى لكنّ أذناه لم تغفلا عن السعادة فيها! : أنا حيّة ومبسوووطة ، لا تحاتيني
بللَ شفتيه وهو يخفض يده عن عينيه، ازدردَ ريقه وهو يتمنى أن تكون السعادة في صوتِها حقيقية، باتَ يشعر بأنّه عالـة، بأنهُ بكتيريا إن انتشرت في الهواءِ أصابت من حولهُ بالوبـاء، كلُّ قريبٍ منهُ يصيبهُ سوء، بدأً بوالدهِ وراضِي قبل خمسَة عشرَ عامًا، ثم اخته غيداء، ومن ثمّ ليلى التي تبثُّ الآن صوتًا يُريد تصديق السعادةِ فيه ونفضَ القليلِ من الحِمل عن صدرِه به، من يلومُه على تفكيره؟ هو أصلًا لن يستبعد أن يكُون ما حدث البارحـة متعمدًا، بالتأكيد هو متعمد، ولم يكُن ليُسامحَ نفسه لو أصابَ غزل شيئًا بسببِه، كل كارثةٍ تصيب من حولهِ هو سببها، هو الوبـاءُ وكم يوجعهُ ذلك.
همَس لها وهو غارقٌ في النبرةِ الواهنةِ وكأنه حتى الآن لم يُصدِّق اتصالها بهِ وسماعهُ لها : وينك؟ ليه اختفيتي؟!!
ليلى تعقدُ حاجبيها وابتسامتها تلتوي بحزن : في مكان آمن ، لا تحاتيني
سلطان بحرقة : مكان آمن!! أنـا السبب، أنا السبب، صح؟ أنا السبب في كلمة - مكان آمن - اللي تقولينها لي ، عكّرت حياتِك!
بهتت ملامحها قليلًا بعد كلماتِه تلك، بعد الصوتِ النازفِ الذي تسلل إلى أذنيها مجروحًا من كونِه كما يقول " أنا السبب "، من حياتِـه التي ختم على جبينها أنّها موجعةٌ لهُ ولكل من يمرّ فيها .. احتدّت نظراتها قليلًا وفغرت فمها حتى ترد على كلماتِه بحزم، إلا أنّهُ أردف قبل أن تقول حرفًا بصوتٍ هامسٍ ميّت : يــمـــه
تحشرجَ صدرها وابتسمَت، وانسحَبت الحدة من ملامحها التي لانَت واسترخت عضلاتها لكلمَتِه، بينما تسلل الحزم مبتعدًا عن صوتِها لتهتف بحنان : يا روحي ، آمرني
سلطان يُخفض كفّهُ إلى حُجره لينظر للأُفقِ بفراغ، يتابعُ بياضَ السقفِ بعينين ينسحب من حناياهما السكونُ والطمأنينَة : تدرين؟ صرت أخاف من نفسي عليْ، على كل شيء مرتبط فيني . . . أمس صار شيء غريب ، ما فهمته بس خفت منه!
خفتت نظراتها وانعقَد حاجبيها بضيقٍ لنبرته، لكنّها صمتت وتركت لهُ حقّ متابعةِ كلامهِ الواهِن : الحركة تهديدية! أنا فاهم بس هالشيء من كل الموضوع ... ما بلغت الشرطة، مدري ليه ما بلغت ونفرت من هالفكـرة ، بس خفت على غزل مني! أخـاف يصير لها شيء بسببي
ليلى بهمسةٍ مستنكرةٍ وهي ترسم الاستغراب في انعقادِ حاجبيها : حركة تهديدية؟ وش هي!!
سلطان بهدوء وهو يُكرر الليلةَ الماضيَة أمامـه : فيه أحد تجرأ ونثر الدم بأرضيَة المطبخ في الجناح اللي مستأجره مؤقتًا ، كسر النافذة وتجرأ على اللي سواه وغزل وقتها كانت بروحها
اتّسعت عيناها بذعرٍ مما قاله، وارتفعَت حدقتيها لمن كان يقف أمامها ناظرًا لكلِّ تغييرٍ طرأ على تفاصيلِ ملامحها، بينما ازدردت ريقها وهي تعود لتخفض عينيها هاتفةً بصوتٍ حاولت بثَّ الهدوءِ به : وليه ساكت عن اللي صار؟
سلطان بابتسامةٍ ساخرة : يمكن لأني أعرف أنها ماراح تكون آخر مرة، إذا بكل مرة راح أبلغ عن الإزعاجات أجل بيصير يومي كلّه بالشرطـة ، على فكرة قبل كم يوم كنت في الشرطة
عضّت طرفَ شفتها وهي تدرك ذلك، تصلها كل أخبـاره، تُدرك جيدًا ما حدث له ذاك اليوم وذاك الحادث، تدرك أنّه ليس بخير، صوتُه يخبرها أنّهُ ليسَ بخير. هتفت بحدةٍ وحزم : تفكيرك محدود! سلطان لا تتجاهل مثل هالأمور يمكن وراها بلاوي
تنهّد بصمتٍ والوهنُ يطول جفناه، وارتعشت شفتاه ليعضَّ السُفلى منها وهو يكرهُ الضعف الذي ينال منه في لحظاتٍ كهذه، وبصوتٍ بارد : هو من ناحية وراها بلاوي فأنا عارف ، ومؤمن بالبلاوي ، بس خلاص تقدرين تقولين تبلدت ، بس الشيء الوحيد هو خوفي على اللي حولي، خايف على غزل ... مع إني مقرر نرجع قريب لبيتي اللي وحشني بس ما أقدر أتطمن عليها هناك، إذا كانت غيداء تآذت فيه وهي جاته بس زيارة فشلون بزوجتي اللي بتجلس فيه؟!!
عادت نظرات ليلى لترتفع للواقفِ أمامها والذي يعتليها بطولِه بينما هي جالسةٌ على كرسيٍ مُفرد، تعلّقت نظراتها بهِ ونظراتهُ بها، يتسلل جسرٌ طويلٌ بين نظرتيهما تحاول عبرهُ أن تقرأ ما يُحفّزها هي حتى تنثر القلق عن من يُحادثها، عن سلطان الذي تدرك أنّه يشقى بماضٍ لم يشبع من التهكمات.
هتفت أخيرًا بصوتٍ قوي وهي تخفض نظراتها : وبتظل متخبي طول عمرك؟
سلطان : مين قال أنا متخبي؟ أنا بس أبي أخبي اللي حولي ، تعبت من الموت!
ليلى تُميلُ رأسها بوجع : فاهمتك ، بس الموت حق!
الموتُ حق، نعم هو حقْ! هل أنكرَ هو ذلك؟ هل وضعَ حاجزَ رفضٍ أمـام تلك الفكرة؟! لكنّ الذعر في مسألـةِ الموت أن تكون أنت سببه، أو جزءٌ من الأسبابِ المتعلقةِ بِه، المُرعب في الموضوع بأكمله أن ترى شخصًا يموت أمامك، شخصًا تحبه وترى فيهِ أنت .. لطالما آمنّا بالموتِ والحيـاة، نؤمن أننا وجدنا لنذهب، لكنّ إيماننا هذا يؤلمنا حين يتعلق بشخصٍ ما - أقرب إلينا من حبل الوتين.
آه يا والدي! أنا اليومَ أقف عاجزًا أمامَ حزني بك، ليغسلكَ اللهُ بالرحمة ... إنني حتى الآن لازلتُ أتصدّق عنك، لم أنساك، ولأثبتَ لك ذلك بدأت فعليًا بالتفكير في مسجدٍ أبنيه عنك، يكون صدقةً عنك، علَّ الله يغفر لك ذنوبكَ وذنوبي ولا تفرِّقُ بيننا جنةٌ ونـار.
سمعَ صوتها ينبعث من جديدٍ إليه هامسةً بصوتٍ رغم الرجـاءِ فيه إلا أن بهِ بعض الحزم : لا تتجاهل أي إساءة تجاهك ، انتبه لنفسك
ابتسمَ ابتسامـةً زرعَ الحزن نفسهُ في زواياها وارتسمَت ثلوجِ الشتاءِ في منتصفها، لم تطُلِ البرودةُ صوتهُ ليهمس بنبرةٍ ساخنةٍ بالرجـاءِ يبدّل الموضوع المستثارَ تجاهه : مبسوط أني سمعت صوتك، أبي أسمعه مرة ثانية، انتبهي له
أردفَ قبل أن يفكر بالإغلاق : ما ودك تعلميني بمكانك؟
صمتت للحظتين وهي تعقد حاجبيها، قبل أن تهمس بصوتٍ متأسي : للأسف ، بس تطمن أنـا بألف خير
سلطان : أبي أتأكـد وأوخّر هالحمل اللي على صدري
ليلى : هذاه صوتي ، تسمع فيه شيء غير الراحـة؟ طبعًا غير خوفي عليك
ابتسم : الله يحفظك ، كوني بخير ... اعتذر منك، حيل أعتذر على اللي صـار
ليلى بابتسامةٍ تُميلُ رأسها : مو منك ، هذا مكتوب لي قبل لا أول


،


بعدَ صـلاةِ الظهر
تقفُ أمـامَ المرآة، الوقتُ الذي مضى منذ خروجهِ قبل ساعتين بقيَت فيها تخطُّ رحالها ما بين غرفَة النومِ إلى الصالـةِ والمطبخِ والحمام، تنظّف المكان لتكسِر مللها، لتكسرَ الفراغَ الذي يجيء بالأفكـار التي بقيَت تهرب منها منذ زواجها ومنذ ليلتها الأولى مع شاهين، الشيءُ الوحيد الذي يكسرُ النسيَان هو الفراغ، الفراغُ مخلوقٌ مشبّعٌ بالمحرّمـات، ولأنّها تدرك أنّ من المحرمات عليها أن تفكر برجلٍ غير زوجها الذي تتمنى بكل قوةٍ أن تُسعده، لابد لها من أن تشغل نفسها بشيءٍ يقتل فراغها، بشيءٍ يقتل الأصواتَ التي تسمعها، الذكريات التي تتدفقُ إليها في صورٍ عديدة، في صورةٍ خائنةٍ لشاهين تارةً، في صورةٍ تجعلها تحتقر نفسها حينما ترى الماضي في عينيه، في اقترابِه منها.
ازدردت ريقها بصعوبَةٍ وهي تشدُّ بأناملها على إحدى قمصانِ شاهين التي كانت ترتبها، تقف أمامَ السريرِ وعيناها سقطتا للأسفلِ لتتوقفَ عند محطةِ أفكارِها تلك، كم من الإرهاقِ سيُداهمُها حتى تُزيل تلك الأفكـار عن رأسها، كم سيطُولها التعبُ وهي تحاول زحزحةَ كل فكرةِ ماضٍ استقرت في مركزِ ذاكرتها، النسيانُ ليسَ سهل، ليس بتلك البساطةِ حتى تتجاوز الماضي وتمضي، لكنّها بالرغم من إدراكها أنهُ صعب، بل مستحيلٌ لها، إلا أنها ستتظاهر بالنسيان، وستتناسى.
شعرت بذراعين تلتفان حول خصرها، وأنفاسٌ دافئـةٌ اصتدمَت بعنقها، حينها أغمَضت عينيها وهي تُعيد رأسها إلى صدرِ شاهين وأناملها استرخَت فوقَ القميصِ الأبيض، بينما همَس صوتها باختناقٍ أسفل ضغطِ أفكارها : متى رجعت من الصـلاة؟
شاهين يقبّل كتفها ومن ثمَّ يشدّ بذراعيه حولها ليضمّها إليه بقوّة : تو ، وين سرحانـة؟
وضعت كفيها فوقَ ذراعيهِ دون أن تفتحَ عينيها، بينما الغيـابُ عن الإدراك يشقُّ نفسه نحو ملامحها، نحو صوتها الذي همهم بشرود : هممممم
وكأنها حتى الآن لم تستوعب أن شاهين خلفها، يضمُّ ظهرها إلى صدره، أن صوته يتسلل ببطءٍ إلى مسامعها وينتهي هناك دون أن يصلَ إدراكها، لازالت في قوقعتها، لازالت محتجزةً أسفل لحافِ الذكريـات، السريرُ هو ماضٍ حملها فوقَ كتفيه بثقل الذكريات التي فوقها، بثقلِ أجفانها التي تنسدلُ عن مسرحِ الدموع، كيف تنسى؟ كيف تستطيع النسيان أو التناسي، قال لها شاهين بكلِّ مراعـاة بأن لا تنسى، هو يفتخر بكون زوجته وفيّة، يريدها أن تُبقي الماضي في نفسها دون نسيانِه، يريدها فقط أن تلملمه في حجرِ الذكريات وتغطيه بـ " كان شيئًا جميلًا " دونَ أن يكُون لهُ أثرٌ على حياتِها الحاليـة، لكنّ ذلك مستحيلٌ لها! مستحيلٌ بالنسبـةِ لكل الحب الذي لازال يتفجر في قلبها لهذا الماضي " اللي للأبد جميل ".
شعَرت بهِ يُديرها قليلًا وهو يقطّب جبينهُ وعيناه تقرءآنِ ملامحها التي تواجهه والبهوتُ يصيبها، عيناها اللتين فتحتهما ناظرةً إليه ببريقٍ يخفت تدريجيًا، وفي حين كان يراقبُ ملامحها ارتفعَت كفّاه ليُحيط وجهها وهو يهتف باستنكار : أسيـــل
بللت شفتيها وصدرها يرتفعُ بشهيقٍ عميق، رفعَت كفيْها قليلًا بعد أن أسقَطت القميص في الأرضِ لتمسك كفيهُ وتُخفضهما عن وجهها، مبتسمةً ابتسامةً رخويةً تهتزُّ بضعفِ بُنيتها، بنيةُ جسدها كلّهُ رخويـة، هشّة، لا يُصيبها تيارٌ إلا وقلعها من جذورها التي لم تتشعب يومًا وتثبّتت في أرضِها الجافّة.
همسَت بابتسامةٍ واهنـة : معليش ، ما كنت معـاك وش كنت تقول؟
شاهين بحاجبين يُعنِّفهما بتمايلٍ في انعقاد : منتِ على بعضك اليوم ، شالسالفـة؟
أسيل تستدير عنهُ خافظةً جسدها للأسفل حتى تُمسكَ بالقميص وترتفع واضعةً له على السرير، وبتوترٍ وهي تُعيد خصلات شعرها خلف أذنها : مافيني شيء
شاهين : طيب ليه ما تناظرين فيني؟
أسيل بتوترٍ تستدير إليه وتنظر لعينيه باضطراب : هاه ناظرتك ، صدقني مافيني شيء
رفعَ إحدى حاجبيه وهو يؤمئ رأسه متجاهلًا الكذبَ الذي ينقشُ نفسه في عينيها، يتلألأ مع كل كلمةٍ تنطقها، لكنهُ كما اعتـاد ، يتجاهل!
ابتعدَ للوراءِ قليلًا وهي يلوي فمهُ ويهتف بصوتٍ هادئ : جبت الغداء ، اتركي اللي بيدك وتعالي كلي


،


استعدَّ للنهوضِ والخروجِ من المسجِد، عيناه تراقبان الإمام الذي كان يجلس أمامـه مُستغفرًا ذاكرًا أذكار ما بعدَ الصـلاة، وهو اغتالـه ارتباكٌ وخوفٌ مـا، لا يُريد الجلوسَ معه، يمتلك من الخجل الكثير ليمنعه من الالتقـاءِ معه بكلمة، لـذا قرر أن ينهضَ ويبتعد عن المكانِ حتى يهربَ قبل أن يستديرَ إليه، شيءٌ ما يُخبره بأنّه يُريدُ الحديثَ معه، بأنه سيلتقي بالأحرفِ والكلماتِ معه ، وما إن استعدّ ناهضًا حتى كان الإمـام يقف في نفس اللحظةِ ويستدير، حينها تيبّست قدماهُ ولم يكمل هرَبه، وجد نفسه تلقائيـًا يتنهد ويطبق شفتاه ناظرًا إليه، بينما كان الإمـام أساسًا ينظر لشخصٍ آخرَ ناداه من الخلف، لكنّه لوهلةٍ ظن أن أعينهُ تنظر إليه، تنظر للجلسـةِ التي كانت بينهما قبل أيـامٍ مضَت، جلسةٍ أُلقيَ فيها سؤالٌ لازال يذكره حرفيًا، لازال يذكر كل ابتسامةٍ ونظرةٍ ألقاها الإمـام إليه، باتَ يرى أن الأعينَ تنظر إليه مستنكرةً هذا المخلوقَ بينهم، وعينا الإمام تتجه إليه منتظرةً شيئًا منه.
شفتا الإمـام تتحركُّ وابتسامةٌ منيرةٌ تنغرسُ في ملامحه، أنهى كلامه حينَ أشار بكفِّه مودعًا من كان يُحادثه، ومن ثمّ تحرّكت حدقتاه قليلًا إلى أدهم هذهِ المرة، أدهم الذي كان متربصًا لهُ وكأنّه صقرٌ يستعدُّ للهجومِ عليه.
عـاد الإمـامُ ليبتسم وهو يقطع المسافة البسيطةَ بينهما مقتربًا منه، وما إن وقف أمامه حتى هتف بهدوء : تقبّل الله
أدهم شتت عينيه هنا وهناك قبل أن يرد بصوتٍ متوترٍ مشدود : منا ومنك ، اسمح لي
ما إن تحرّك مبتعدًا حتى هتف الإمام مباشرة : ليه تهرب؟
توقّف أدهم وارتفعَ صدرُه في شهيقٍ متعرقل، أغمضَ عينيه لثانيتين وهو يهمس لنفسه، فعلًا! لمَ أهرب؟ لمَ لا أريد محادثتـه، لمَ أخجَل منه؟ ما الذي فعلته حتى أهربَ منه؟ أنا لم أخطئ بشيءٍ تجاهه! لم أخطئ لأخافـه!!
شعر بالإزدراء ناحيَة نفسه، لأنه يخجل منه، من سؤالٍ وجواب كان المفترض أن يكون أبكر، هل وجدَ الجوابَ أساسـًا؟!!!
استدار ناحيـته وثبّت أقدامهُ كجذرٍ في الأرض، وبصوتٍ ثابت : أهرب؟ ليه أهرب؟!!
الإمـام يبتسم ببشاشة : التبس علي الموضوع ، بس مو كأنك غبت كثير؟
أخفضَ نظراتهُ قليلًا وهو الذي لم يتوقع سرعـة ولوجِه في هذا الموضوع، وبصوتٍ مهتز : عن أيش؟
الإمـام : وينك عن هالمسجد وهو أقرب مسجد لبيتك؟! شكل صلاتي ماهي عاجبتك ورحت لغيري
ازدردَ ريقهُ بصعوبـةٍ أمـام محاولـةِ حسن الظن التي قرأها في كلمَاتِه، من قال أنني كنت أصلي في المسجد أصلًا؟ من قال أنّني كنت أحافظ على صلاتي قبلًا؟ لا تدرك أنني أهديتُ نفسي الحق في تجميع الصلوات، ولربما لو كان بإمكاني لجعلتها جمعًا وقصرًا! ... ابتسمَ بسخريةٍ مريرةٍ من نفسِه وهو ينظر للإمـام، كم يكره تقصيره، كم يكره ظنّ النـاس الحسنِ بهِ وبمن هم مثلَه، كم يكره نفسهُ والحيـاة، لا أستحقُّ هذا الظن! إنّ كل حَسَنٍ لا يليقُ بي، أنا السوء، أنا السوَاد، أنا الهالـةُ الظلمـاء، أنا الذي يخطُّ اليأسَ في كل زوايةٍ وقطرٍ ودائرة!، أنا الذي يتناءى عنهُ النورَ والضيـاء، كم أظلمت روحي حتى وصلت هنا؟ كم تشبّعتُ من الظلالِ حتى تاهَ ظلِّي بين هذا وذاك؟ ، ومن بينِ الظلامِ الذي يُظلّلني كيف آن للظلالِ الزائفةِ أن تظهر مجاورةً ظلي؟!
عضّ زوايةَ شفتهِ السُفلى، وابتسامتهُ تتمايلُ بأسى، قبل أن يلفظَ بسخريـة : مِحسن الظن! وش اللي مخليك واثق أني كنت أروح مسجد ثاني؟ وش اللي مخليك أساسًا تحط في بالك أني كنت أصلي؟!
لم تختفي ابتسامةُ الإمـام التي بقيَت تزيّنُ شفاهه، وبهدوء : كل اللي أعرفه إنّ فيك الخير، والا ما كنت شفتك اليوم، شلون ما أحسِن الظن؟
زفَر أدهم وهو يخفض نظراته قليلًا، وببرود : شكرًا لحسن ظنّك ، * رفع نظراته إليه ليُردف * تبي تقول شيء! ما وقفتني من فراغ!
الإمـام بابتسامةٍ تتسع : عليك نور ، تعال نجلس بدل هالوقفة
بقيَ واقفًا في مكانِه للحظةٍ ناظرًا إليه بنظراتٍ جامدة، لكنّهُ ألانها أخيرًا ليمشي معه، لن ينكر أنّهُ يُلامسُ القليلَ مما سيقوله له، لكن ليُجرِّب!


يتبــع ..


كَيــدْ 21-08-15 11:23 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



وقف أمـام بابِ غرفتها بعد انتهـائهِ من صلاةِ الظهر، رائحة المشفى تخترقُ أنفهُ لتستثير التقزز في داخلِه، كم مرَّ من الساعاتِ وهو هنا؟ بينما هي نائمـةٌ حتى الآن؟ كم مرَّ وهو يتأمّلُ هيئتها الغضّة في نومها، فوقَ السرير الأبيض، ملامحها تستكين باسترخاءٍ يزرعهُ نومها، عيناه تتطلّعان بكلِّ تغيير قد يطرأ على جسدها في هذا الوقت، لم يظهر أيّ تغيير حتى الآن، لكنّه كان من الغبـاءِ حين لم يفكّر بهذا الأمـر، حين لم يفكر لهذا الإحتمـالِ منذ أستثيرَ موضوع الموانِع ومن ثمّ عدم انتظـام دورتها الشهريـة ... كان غبيًا، ساذجًا!!
بقيَت عيناه تتطلعان بجسدها في ذاك الوقت، لتستقرّا أخيرًا على بطنها، يتمايلُ فيهما بريقٌ غامِض، شعورٌ لا يستطيعُ تبيّنه، يريد أن يحسّ بهِ ويتذوّق أطرافهُ حتى يفهم ماهو ... ارتفعَت كفّه لتقتربَ من بطنها، يُلامسها بأطرافِ أناملِه وحاجبيه ينعقدان، أجفانُه تتهدّلُ كموجةٍ قاربت على الإنحلال، مسحَ من فوقِ اللحافِ على بطنها، وعضّت أسنانهُ على شفتِه العُليا، تتوتّرُ كل عضلةٍ بهِ والشعور الأول الذي شعرَ بهِ قبلَ سبعِ سنينَ يعود، ذاك الشعور الذي انطلقَ في أورِدته ما إن علِم أن بثينة تحمل ابنه، ما إن علِم أنه سيصبحُ أبًا، ذاك الشعور كرر نفسه في تلك اللحظةِ وإن شابَهُ بعض المشاعر الأخرى، لكنّه عـاد، عـادَ بعد أن ظنَّ أنه سافَر عن أرضِ أبوّتِه ولن يعود.
تباينَ شبحُ ابتسامةٍ على فمه، وانحنى قليلًا نحو بطنها وكأنّهُ يُوجّه نظراتهِ مباشرةً للجنين الذي يسكن رحمها، يحدّثُه بصوتٍ هامسٍ يكادُ لا يُسمع : خذها وعد مني ، اللي صـار لأخوك ماراح يتكرر معـاك ، تعال بخير يا بطل
والآن هاهو يقف أمامَ البابِ بعد أن انسحَب من الغرفةِ ليُصلي الظهر، مدَّ يدهُ ليُدير المقبضَ ويفتحه، ليتفاجئ بها تجلس على السرير تُريد النهوض ... تحرّكت قدماه نحوها بخطواتٍ طويلةٍ حتى وقف بقربها، وبصوتٍ هادئٍ بهِ من الجمودِ الكثير : لا تقومين ، بنادي الممرضة لك
رفعَت وجهها الشاحِبَ إليه، وكفّها ارتفعَت تلقائيًا لتضعها على بطنها وهي تبلل شفتيها الجافتين، تنظر إليه بنظراتٍ زرعَت فيها الكثير من العنفِ والكثيرَ من الجفـاء! : بقوم أصلي ظهر
سيف بهدوء : خليها تشيل المغذي أول
نظرَت لكفِّها دونَ مبالاة، ثمّ أعادت نظراتها إليهِ لتهتف بجمود : طيب
قـام سيف باستدعاءِ الممرضة، وفي الوقتِ الذي كانت فيه تنزع عنها إبرةَ المغذي كان سيف ينظر لديما المنشدهةِ مع كفّها، قبل أن يهتف بهدوء : الحمدلله على سلامتك ... وسلامة الجنين
قال الكلمتين الأخيرتين بنبرةٍ بها بعض الجفاف، لترتفعَ نظراتها إليه بجفافٍ مقابل، ببريقٍ متمردٍ ولازال تمرّده يزدادُ اشتعالًا، كانت شرارةً وهاهي الآن تعلو وتعلو دون أن تنطفئ.
ديما تبتسم بسخريةٍ بعد أن ابتعدت الممرضةُ وقد وضعَت اللصاقَ على موضِع الإبرة : الحمدلله ، خفت لا تكون دعواتي لبزرك الحلو رجعت لولدي
اشتدّت شفتاه وعيناه اشتعلتا بحدّة، وبصوتٍ حادٍ وهو يشدُّ على قبضتيه : كم مرة لازم أقولك؟
ديما بحقد : لو تهذر لبكرة وتحذِّر ليوم الدين ماراح يتبدّل كرهي لابنك ، أنت زرعت هالكره ومستحيل يزول
سيف بجمود : منتِ منطقية أبدًا
ارتفعَت حاحبيها بسخريةٍ لكلماته : بالله؟ أجل أنت المنطقي * وقفت ببطءٍ لتُردف بصوتٍ حاد * أروح أصلي أبرك لي
تحرّكت بخطواتٍ واهنةٍ حتى تبتعد، لكنّ العجز كان لازال يستقر في جسدها المُتيبِّس حتى الآن لذا ترنّحت قليلًا وهي تمشي، لم تعد تريد سماعَ صوتِه، لم تعد تُريد رؤيـة عينيه، أصبح لامرأةٍ أخرى، أصبَح لغيرها منذ فكّر في إعـادةِ زوجته، ولن تحتمل أكثر! لن تحتمل وكل ما تخشاه أن تنفجر في لحظةٍ تخون فيها نفسها وقوّتها لتضمّه إليها بقوةٍ باكيةً زارعهً لهُ في صدرها كي تُغطّيه عن كل امرأةٍ أخرى ويبقى لها فقط.
تأوّهت وهي تميل ناحيَة اليمين بوهنٍ ينتشر في ساقها، لكنّ يدَا سيف كانتا قد أمسكتا بكتفيها ليثبّتها بسكون، بملامح جامدة، حينها ارتعشَت وهي تشعر بدفء جسدهِ الذي يكاد يُلامس بصدرهِ ظهرها، إلا أنها لم تنطق بشيءٍ وهي ترفعُ كفها وتُمسك ذراعه التي سقطت ليسندها إليه من خصرها ويمشي بجانبها يمدُّ يد العونِ لهـا، بصمتٍ من الطرفين.


،


تنظرُ لانعكاسِ صورتها في المرآة، تعضُّ طرفَ شفتها السُفلى وأجفانُها تسقُطُ على صفيحتي عينيها العسليتين، ترفعُ كفّها لتُزيحَ خصلاتٍ تسقط على وجهها لخلفِ أذنها، هذهِ هي الصـلاةُ الثانيـة التي تصلِّيها! الصلاة الثانية التي ما لجأت هي لتُقيمها ملء إرادتها، مثلها مثل الفجر، كان هو سلطان من قال لها أن تُصلي، وقبل قليلٍ اتّصل بها واهتم بالموضوع حتى نهضَت وصلّت، قال لها بكلِّ حرفيةٍ ونبرةٌ غريبةٌ تتسلل إلى كلماته " اوعديني ما تكذبين علي ، أنـا ما أشوفك بس الله يشوفك، استحي منه اوكي؟ "، ورغمًا عنها تسلل الخجل إليها ككل مرةٍ منذ الأمس، منذ السهرِ أسفلَ القمرِ والنجومِ المُضيئـة.

*

كانت باردة، خطواتها باردة، صوتها ثلجي، همهماتها صقيعية، لكنّ نبرتهُ كانت ولازالت تتحلّى بشفافيةٍ تنثر الدفء هنا وهناك، يدها البـاردةُ بين حنايا يدهِ ترتعشُ بالتضاد الذي تحملها بشرتهما حراريًا.
وقفَ أمامَ إحدى الفساتين الحمراء وهو يوجّه نظراته إليها هاتفًا بعبوس : وقولي ذا بعد شين! شوفي ترى مطلعتني بشكل بايخ وأنا أشوف الحلو والشين لِك ، ليه ما تختارين؟
اضطربَت وهي تُخفض رأسها، وبصوتٍ متوتر : قلتلك ما أبغى شيء
سلطان يرفع إحدى حاجبيه بعناد : وأنا مصر إنك تشترين لك شيء ، لا مين قال شيء! أنا مصر إنّك تشترين كل مستلزماتِك
غزل بعنادٍ مماثل : مو ناقصني شيء
سلطان : عارف إنه ناقصك أشيـاء ، امشي بس واختاري لأنه مافيه طلعة ويدك فاضية
عضّت شفتها بحنقٍ وعيناها تتّقدانِ به، وبقهرٍ مدّت يدها لتأخذ الفستان الذي أشارَ إليه وهي تهتف : بتندم على عرضك ، أنا أوريك
قتل ضحكتهُ قبل أن تخرجَ وهو يؤمئ رأسه بجمود، وبهدوءٍ وهو يتحرّك جاذبًا لها معه : أنا أبي أندم
غزل بنبرةٍ متقدة : ما تعرفني
سلطان يُجاريها بابتسامة : أنا أبي أعرفك
شعرت بالإستفزازِ من طريقته في الكلام، ومضَت تمشي معهُ وتأخذ كل ما تقعُ عيناها عليهِ ويعجبها بينما هو يبتسم بمتعة، بقيت تمشي وتختارُ ما يروقها حتى انسجمَت أخيرًا وشعرت بالتسلية وبدأت ابتسامتها تغطيها وتنسى ما حدث قبل دقائق رويدًا رويدًا، حتى توقفا أخيرًا عند " شورت " قصيرٍ من الجينز تناولته باعجابٍ لكنّ صوتَ سلطان هتف بجانبها : لا تشترينه
استدارَت إليه وهي تعقد حاجبيها، وباستنكار : ليه؟
سلطان بهدوء : عــاري
عبَست غزل برفضٍ لفكرته التي تراها بنظرها - مُقززة - ولا تدل إلا على تحجّره : حلاته بهالشكل
رفعَ إحدى حاجبيه : بالله؟ أول مرة أدري إن الملابس حلاتها بعُريّها ... عمومًا ما عليه رجعيه ما يلزمك
نفخَت غزل فمها برفضٍ وهي تهتف بضيق : أنت تشوفها مو حلوة بس أنا عاجبتني
سلطان بحزم : غـــزل!
رمتهُ بغيظٍ منه : وبترك الباقي لك بعَد
أغمض عينيه لثانيتين وهو يتحوقل بصبر، بينما أردفت بضيق : كل شيء فيني تبي تتحكم فيه، مو كفاية هالعباية المعفنة اللي لابستها ، مليت من هالحـال!
فتحَ عينيه ناظرًا إليها، وبصوتٍ هادئٍ يُعاكس قهرها : مين قال أبي أتحكم فيك؟ * رفع إحدى حاجبيه مُردفًا * واضح نسيتي اتفاقنا؟
غزل بحنق : ماهو ذا اللي خانقني ، أخذ وعطا!!
شدّ على كفِّها وهو يسحبها هاتفًا بصوتٍ ثابتٍ دون أن ينظر إليها : أجل امشي وخليك عليه
غزل تحاول أن تفلت يدها من يده : ما عاد أبي شيء
أدار رأسه إليها وهو يُحاول أن لا يرتفع غضبهُ منها، لـذا صمتَ وهو يشدُّ على يدها بقوّةٍ أكبر متجهًا ناحيـة المحاسبين.
بعدَ وقت، كانا قد خرجـا وسلطان يحمل الأكيـاسَ في يدهِ بينما غزل صامتةٌ تشعر أنها ستنفجر لا محـالة من أسلوبهِ الذي استفزها بنعف، إنه يتجاهلها بكل بساطـةٍ ويقـوم بما يريد رغمًا عنها، دون اعتبـارٍ لرغبتها.
أطبقَت شفتيها وهي تشعر أن الكلمات تتلاحق في حنجرتها، تريد أن تصرخ في وجههِ بغضب، بحنق، بغيظٍ من هذا الإطار المهترئ الذي يلفّهُ حولها وكأنها صورةٌ قديمةٌ لا قيمة لها.
صعَد السيَّـارة بعد أن وضع الأكياسَ في الخلفِ وصعدَت هي، وجالَ الصمتُ على شفتيها وهي تنظر للأمـامِ بمزاجٍ تعكّر، بينما تحرّكت السيارة بصمتٍ أطبق على كلماتِه أيضًا كما هي، ومرَّت دقائقٌ في الصمتِ قبل أن يقطعها سلطان هاتفًا بهدوء : وش صار بموضوعنا؟
كانت ستتجاهله، نظراتها للأمام وكفيْها مشتدّتان على ذاتهما، لكنّ فضولها دفعها لإدارةِ رأسها نحوهُ لتهمس بتساؤل بارد : أي موضوع؟
سلطان بهدوءٍ ينتشر على ملامحه : الصـلاة
اشتدّ فمها في لحظةٍ وانقبضت عضلةٌ في فكها، أدارت رأسها عنهُ وصمتت دونَ إجابةٍ تسطعُ على شفتيها، بينما أمال سلطان رأسهُ قليلًا وهو ينظر للطريق والإجابـة تتراقص أمامهُ بصمتها .. وبهدوءٍ لازال يتلبسه : كم مرة بتتراجعين؟
ازدردَت ريقها بتوترٍ وهي تفرك كفيها ببعضهما، شتت عينيها هنا وهناك وهي تهمس بتحشرج : أنا ما تقدمت لهالخطـوة ، أنت اللي جبرتني
لوَى سلطان فمه : قلت لك جربي ، وهذا غير الإجبـار
غزل باندفاعٍ نظرت إليه : ما أبي أجرِّب طيب
سلطان : هنـا المشكلة ، طيب وش تبين عشان ترضين بالتجربة؟
بللت شفتيها وهي تنظر لملامحهِ الساكنة، وبصوتٍ فاتر : الموضوع صار مقرف! إذا كنت تعظِّم الشيء شلون ترضى تقايضه بأمور أقل بالنسبة لك
نظر إليها سلطان نظرةً خاطفة ليُعيدها للطريق، وبنبرةٍ مسترخيَة : تفكيرك سطحي
غزل باندفاع : أنت اللي تفكيرك سطحي ، هذي حرّية شخصية لي
سلطان بهدوء : حرّية شخصية بعيدة عني ، هذا شيء ضروري بزواجنـا ... عمومًا ما أبي أجبرك، فجربي الموضوع عشاني بس
ابتسمَت بسخريـة : عشانك؟ مو كأنك ماخذ بنفسك مقلب
ابتسم : عشاني بس ، وأنا بالمقابل بسوي شيء عشانك ... شرايك نرجع للأخذ والعطاء؟
صمتت وهي تُديرُ وجهها عنه إلى النافذة، تنظرُ للشارعِ وأنوارهُ ببهوت، تراقبُ لافتاتِ المحلّات التي تمرّها في شطرٍ حزينٍ تاهَ عن قصيدته، ما الأمر الذي قد يستحقُّ عناءها لتقومَ بما يُريد؟ ما الأمـر العظيمُ الذي يُجاورُ مسألـة الصلاةِ لتُضحِّي وتحتجزَ نفسها كل يومٍ في خمسِ صلوات!
من الطبيعي أن تصبح نظرتها للصلاةِ بهذه السطحية، من الطبيعي لامرأةٍ مثلها عاشَت سنينَ من غيرِ دينٍ أن ترى في الصـلاةِ حجزًا أبديًا، لم تتلذذ يومًا بها، لم تجربها لتتلذذ أساسًا! فكان طبيعيًا أن تراها بتلكَ النظرةِ الدونيَة.
اشتدّت كفّها اليُمنى على عباءتها، واستقرّت نظراتها على السياراتِ العابرةِ على الطريق، تنسى نفسها دائمًا في قارعةِ الحزن، تنسى نفسها دائمًا في زوايـةِ الظلام، مظلمةٌ هي، تعيشُ في ساديّةِ الحُزن الذي يتلذذ بعذابِها.
شعرت بغصّةٍ تحتجز الكلمات في حنجرتها، بكلماتٍ حزينةٍ تنوي الخروجَ فصار خروجها متحشرجًا بغصّتها : تقدر؟!
اشتدّت حواسُ سلطان لهمستها بعد أن ظنّ أنها غابتَ في صومعةِ صمتها ولن ترد، وقبل أن يسألها عن مقصدها أردفت بحزنٍ وهي تستدير إليه : تقدر تسعدني؟ ليوم واحد أقل شيء؟! تقدر تخليني أحش بهالشعور اللي أقرا عنه وما جربته!!
لانت ملامحه وبهتت عيناهُ فجـأة، هذهِ الفتـاة في كل مرةٍ تصنعُ على ملامحهِ الذهولَ بتفكيرها! ماهي بالضبط؟ يريد أن يفهمها أكثر؟ لا يستبعد أنه لم يفهمها أصلًا ولم يقرأ منها شيئًا.
نظرَ إلى عينيها الناظرتين إليه ببريقٍ يخفت، وتعرقلت الكلماتُ في حنجرته قبل أن تعتدلَ مندفعةً إليها بسؤالٍ مستفسر : وش تبين بالضبط؟
غزل : أي شيء ، بشوف إذا تقدر تسعدني ولو بشيء قليل
سلطان يبتسم بفتور : طلبك غريب
غزل بأسى : شفت كيف؟ تراني أشفق على نفسي قدامك ، شسويت فيني؟
سلطان بشفافية وهو يفهم مقصدها تمامًا : ليه تشفقين على نفسك؟
غزل : فاهمني ما أظن يحتاج ..
سلطان : لا أبيك تحكين
غزل بوجعٍ تبتسم : كل مرة تخليني أفضَح حزني قدامك
سلطان يشدُّ قبضتيه على المقود : منتِ الوحيدة اللي تحزن ، عيبِك الوحيد ما تدورين على نقاط فرحتك
غزل بابتسامةٍ ساخرة : هو فيه أساسًا؟
سلطان : فيه بس دوّري عليها ، مو بس أنتِ اللي تحسين بالحزن
غزل تنظر إليه مطولًا وملامحه ساكنةٌ تمامًا بينما عيناه تشتعلان بنارٍ استطاعت قراءتها، لـذا تجرأت على سؤالِه : وأنت؟
تشنّجت ملامحه، واتّجهت حدقتاه بسرعةٍ خاطفةٍ إليها قبل أن يُعيدها للطريق وصدره ينتفخُ بالهواءِ البـارد، ما الضير في أن يُهديها ثقةً أكبر بهِ حتى تفتحَ أوجاعها له، ما الضيرُ في أن يبثَّ إليها كلمةً تُشعل في نفسها كلمات .. همسَ بصوتٍ هادئ يناقض الأعاصيرَ في صدره : أنا مثل كل العـالم ، أحزن وأفرح
غزل بفضولٍ يدفعها للسؤال أكثر : اللي يغلب وشو؟
هزّ سلطان كتفيه وهو يشدُّ شفتيه في كلماتٍ باردة : أحـاول يكون الفرح
أخفضَت نظراتها إلى حُجرها، والتفَّت سبابتها حولَ زوايةِ " طرحتها " وهي تلوي فمها بشرود، أفكارها تتصارعُ في رأسها في موجةٍ عاتيـة، في مدٍّ يرتفع، وجـاء صوتُ سلطان كالشاطئ الدافئ الذي استقبل جنونَ أفكارِها بصوتهِ الهادئ والدافئ : أنـا بحياتِي انصدمت كثير ، أولها طبعًا بموت أبوي ... أنتِ وش اللي مخلي حزنك هالقد؟
زمّت شفتيها وهي تزدردُ ريقها بتوتر، وبصوتٍ ينطلقُ فيه الحُزن بعد دفءِ سؤالِه : يمكن اللي جـاك قليل قدامي
توقفَت سيارةُ سلطان جانبًا أمـامَ إحدى الحدائق التي أصبحت شبهَ خاويـةٍ سوى من رجلٍ وآخر، لا يؤنسها سوى صوتِ الريحِ الخافتِ بين الأعشابِ وأوراقِ الشجَر. استدارَ إليها بانشداهٍ هذهِ المرّة دون أن يُشغله الطريق عن صوتها والنظر إليها، وبهدوء : ممكن ، وممكن أنتِ اللي مكبرة الموضوع ، أوقـات اللي يصيبنا ما يستاهل، بس احنا نخلق منه حزن كبير يمشي معانا لفترات ويسبب فينا ندوب ما تختفي
غزل بغصّة : كل اللي مرّيت فيه ما كان هيّن ، يستاهل والله!
سلطان : أنـا ما أعرف وش مريتي فيه ، بس متأكد أن فيه لحظات فرَح زارتك ولو مرة ومرتين ، كل البشر ينبسطون ويحزنون، ومافيه حزن ما يقدر قلبك يتجاوزه ، اعطي كل ذي حقٍ حقه، لا تعطينه أكبر
أردفَ وهو ينظر لعينيها اللتين تلتمعانِ بدموعٍ تحارب كي لا تسقط : وابكي ، البكاء ماهو عيب ، وإذا ودّك تحكين أنا موجود
لم تردّ عليه بشيءٍ وهي تسمح لدمعةٍ يتيمةٍ أن تسقط من عينها اليُسرى بعد " ابكي "، يا الله ماهذا الضعف؟ ما هذه الدموع التي أصبَحت تسقط بكلِّ بساطةٍ وانسيابية، لم تكن دموعي هكذا ، لم تكن هكذا قبل أن تجيء في حيـاتي.
لفظَ سلطان بصوتٍ حازمٍ بعد سلسلةِ صمتها التي لم تنقطِع : وبخصوص صديقتك
استدارت إليه بسرعةٍ وقد انقبضَ قلبها فجـاة، في حينِ كانت نظراتهُ متابعةً لعينيها ولدمعتها التي تصتدم بقماشِ نقابِها، أكمل بحزم : إذا كانت آذاك في يوم، فأكيد طبعًا هي عايشة حياتها الحين ، وش هي عشان تنفرين من مكان لأنه جمعك فيها بيوم؟ وش هي عشان توقفين عندها طول عمرك؟!
زمّت شفتيها وهي تخفض رأسها، لا تستطيع مقابلـة عيناه، لا تستطيع مواجهةَ ملامحه، لكنّ صوته أكمل وهو يمدُّ يدهُ إلى كفّها اليُمنى ويمسكها بحنان : وبعد وش لبوة ذي؟ هذي من جدها تشبهك باللبوة؟ ، القوة ماهي كل شيء، واللبوة على قوّتها عمرها محد بيقرب منها غير جنسها، أنتِ غزال، جميلة، تجذب النظر، ومن جمالها يطمع الكثير فيها! أنتِ جميلة وحرام يضيع جمالك بهالحُزن، وصدقيني لو تزوجنا بظروف مختلفة كان بيكون وضعنا مختلف ، بس الظروف ضدنا والا أنتِ ما ينقصك شيء ... بس لك على لسانِك شوي
ابتسم عند جملته الأخيرة، بينما اتّسعت عيناها بشدّةٍ وفغرت فاهها بذهولٍ مما قاله، من الإطراء الذي لم تسمعهُ يومًا بهذا الصدق ومن شخصٍ كسلطان! نسيَت كل كلمةٍ قالها قبل " أنتِ غزال "، واكتست ملامحها حمرةٌ بينما توتّرت عضلاتها حتى قلبها الذي اضطربت نبضاتِه، كفّها التي يمسك بها تجمّدت رغم دفءِ كفِّه وعاكست قوانين الفيزياء، بينما كانت ابتسامته الصافيةُ معيارًا للتوترِ الذي استفاقَ بشكلٍ أقوى لتسحب يدها بشكلٍ عنيفٍ وتستدير عنه، لن يخدعَ بعقلها عن طريق كلماته، لن تسقط في فخه!!!
أغمضَت عينيها بقوةٍ وهي تسند جبينها على النافذة، تحاولُ تثبيطَ تنفّسها الذي أودى بصدرها مرتفعًا بعنفٍ ومنخفضًا باضطراب، ليست ممن اعتادوا الإطراء، ليست ممن تنفّست المديحَ ولطالمـا كان المديحُ الذي يأتيها من أفواهِ الغير كمجامـلة، أو لغايـةٍ مـا!
فتحَ سلطان بابهُ وهو يبتسم لردّة فعلها التي تثبت أنها لا تثق بنفسها بتاتًا عكس ما تتصنّع، ليهتف برقّة : انزلي نتنفّس شوي من هالهوا ، خبري الغزال ما يحتمل الأماكن المُغلقة ، ما أظن سمعتي بغزال ما يركض في الهوا ويبسط نفسه فيه!
كان يُريد دفعها للكـلام، إلا أنها التجأت للصمت وتقوقع صوتها حوله، حينها تسللت ضحكةٌ خافتةٌ من شفتيه وهو ينزل ويغلقُ بابهُ خلفه ملتفًا حولَ السيّارةِ حتى وصلَ لبابِها وضربَ النافذةَ بأصابعهِ بتسليةٍ لتتراجع بتوترٍ وهي ترفع نظراتها إليه دون ادراكٍ لما حولها، لكنّها حين استوعبَت فتحت بابها بتعثرٍ ونزلت وهي تهمس بتوتر : معليش
سلطان يبتسم ويمسك بكفّها للمرةِ الألف لهذا اليوم، لكنّ ملمسَ كفِّه الآن كان لهُ تأثيرٌ أكبَر ليسري تيارٌ قويٌ في جسدها جاعلًا لها تنتفض بتوتر.
سحبَت يدها بعنفٍ منه وهي تغلق البـاب بشدةٍ مما جعلها تنتفض مرةً أخرى لانفعالها، لمَ تنفعل الآن؟ لمَ تنفعل بسبب كلماتِه.
اتّسعت ابتسامـة سلطان وهو يهتف بلطف : وش فيه الغزال منفعل؟
نظرت إليه بعنفٍ وتوتر لتهتف بغضب : اسمي غزل ، لا تناديني غزال!!
سلطان بعنادٍ رفعَ حاجبيه : وش فيه الغزال معصب؟
عضّت شفتها بتوترٍ وهي تتحرّك ناويةً الابتعاد، إلا أنّه أمسكَ بكفِّها وجذبها لتمشي معهُ وهو يبتسم لها بعطف : بخصوص طلبك الغريب ، أوعدك بتحصلينه

*

وهاهو أخبرها صباحًا حين ذهبوا للمطعمِ أنّهُ يحضِّر لها مفاجئةً ستسعدها كما وعدها، مفاجئةً باتت تتلهف لمعرفتها! لن تنسى أبدًا كيف اكتملت ليلتهم البارحة في الحديقة، كيف أنه ناداها " غزالـة " عديدًا حتى باتت تغرق في خجلها كلّما قالها لها، وكما وعدها أنه سيسعدها، فهي وعدته بأنها ستحاول، ستجرّب، بشرط أن تتعلم هي بمفردها عن طريق الانترنت كي لا تُحرَج أمـامه، ووافق هو على ذلك بعد أن أهداها مواقعَ موثوقةً لن يخشى عليها منها. وانتهت ليلتهم بأن مرّ على إحدى الأسواق ليشتري لها رداءً للصلاةِ وسجادةً لتكون تلك هي بدايتها التي يريد.

والآن هاهيَ تقفُ ناظرةً لوجهها في المرآة، والذي زيّنته بقليلٍ من المكياجِ لتبرز جمالها كما قال عنها، " أنتِ غزال، جميلة، تجذب النظر، ومن جمالها يطمع الكثير فيها "، " أنتِ جميلة، وحرام يضيع جمالك بهالحُزن ".
لكنّه وإلى الآن لم يُدرك حزنها، حزنها الذي سيجعل منها قبيحةً به، لكنّها ستحاول، ستحاول أن تبرز هذا الجمال الذي لا تراه.
كانت ترتدي فستانًا عنابيًا ينسدلُ حتى نصفِ ساقيها، وحذاءً ذو كعبٍ طويل بلونٍ أسودَ وقد استعدّت تمامًا قبل مجيء سلطان الذي أخبرها أن غداءهم اليومَ سيكُون في منزلِ عائلته.


يتبــع ..


كَيــدْ 21-08-15 11:41 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
دخَلت غرفـة النومِ بإرهاقٍ وام سيف تسندها إليها، لم تقل لهـا شيئًا منذ دخلت المنزل، ربما لأنها تشعر بالخيبةِ التي اعتلتها منها، أيعقل أن يكون لها دورٌ فيما يُريد سيف أن يفعله؟ أيعقل أنها تُريد أيضًا أن يُعيد زوجته الأولى؟! لا تعلم وليست واثقةً من ظنونها، لكنّها عاتبـةٌ عليها لأنّ سيف كان يحدّثها هي، وطريقته في الكـلام تثبت أنّها تعلـم منذ زمن.
عضّت طرفَ شفتها وهي تجلس على السريرِ وتبتلع أحزانها وتحتكر عتابها لنفسها فقط، بينما همسَت ام سيف ببضعِ كلماتٍ موصيةً لهـا أن تنتبه لنفسها، ومن ثمّ استدار لتنظر لسيف الذي كان يُراقبهما منذ دخل من البيت بصمت، يراقب كيف جاءتها امه وبدأت تسأله عن حالِها فقط، لم تسأل عن شعوره! لم تسأل عن خذلانه، لم تسأل عن أبوّته التي دغدغتها خبرٌ جاءَ مرّةً أخرى بعد سبعِ سنين، خبرٌ جـاء ليتناقضَ مع كل المشاعر التي في قلبه.
تحرّكت ام سيف دون أن تقول شيء، لتخرجَ من جناحهما بينما تمددت ديمـا على ظهرها بعد أن خلعت عباءتها وهي تتأوّه بإرهاق، لتغمضَ عينيها وهي تتجاهل وجودهُ في نفس الغرفةِ مشاركًا لها الأكسجين والدفء وكل شيء، تجاهلت وجوده ولم تنظر لملامحهِ منذ دخلت.
بقيَ سيف ساكنًا للحظاتٍ قبل أن تتحرّك قدماهُ ليفتحَ المكيّف وينظّم برودته، بينما عادت نظراته من جديدٍ للمستلقيةِ على السرير، للمغمضةِ عينيها عن النظراتِ والمُسدلةِ لستار الكلمـات، كفّها على بطنها منذ تمددت وكأنها تخشى على ما تحمله . . تعلّقت نظراته من جديد ببطنها، وبدأ الشعور المتناقض مع الشعور الجميل يتّحد في نظرةٍ تلينُ بكلمـةِ - أب -، ما سيكون يا ترى؟ ابنٌ آخر أم ابنة؟ ابتسم عند تلك النقطةِ وهو يتخيلها فتاةً سمراء تشبه عنـاد امها، وفي تلك اللحظة اقتربَ منها وعيناه تلتمعان، وما إن وصل إليها حتى جلس بجانبها لتتوتر، لكنّها لم تفتح عينيها وقررت أن تتجاهله، فقَط تتجاهلـه، فهو لا يستحق سوى التجاهل وبالعامي " الطناش ".
بقيَ للحظاتٍ ساكنًا، حروفهُ ساكنة، وصوتُه ساكِن، يدهُ ساكنةٌ بجانبها لم تكسر السكُون الا حين ارتفعَت قليلًا حتى استقرت فوق كفّها التي على بطنها، حينها شعر بتشنّج يدها الباردة تحته، لكنّها لم تقم بحركةٍ إلا أن التوتر كان يشقُّ طريقه في ملامحها التي لم يكُن ينظر إليها، كان هنـاك، إلى نقطةٍ واحدة، يرفعُ كفّها ويضعها جانبًا على السرير، يُريح كفّه على بطنها عوضًا عن يدها المضطربة . . التوَت أحشاؤها باضطرابٍ وهي تفتح عينيها قليلًا ناظرةً إليه باستغراب، قارئـةً تعبيراتِ ملامحه المُسافرةِ عنها، التي يخطفها شعورٌ لم تستوعبه، ماهو بالضبط؟ هل قراءتها صحيحة؟ هل ترى في عينيه شغفًا ما! أم أنّها أميةٌ في لغةِ العيون وقرأت ماهو خاطئ ... لا ، نظرته ، نظرتهُ مختلفة!
شعرت بهِ يمسحُ برقةٍ على بطنها لترتعشَ أطرافها قبل أن يرفعَ قميصها قليلًا بهدوء، حينها ارتفعَ صدرها بتنفسٍ متوترٍ ولم تستطع منع همسها المُهتز : وش تسوي؟
لم يجبها سيف وهو يحرِّك أنامله على بشرتها مباشرة، يتحسس دفءَ بشرتها باحثًا عن ملمسٍ آخر داخلَها ... ابتسم بحنـان، وارتفعَت نظراته إليها ليهمس بشغف : أبيها بنت
ارتفعَ حاجبيها والارتبـاك يشقُّ طريقه لملامحها، لكنّها أخفت مشاعرها وهي تهتف بصوتٍ مشدود : أنا أبيه ولـد ، عشان إذا طلقتني أو طلعت من بيتك يكون واقف معاي
بردَت نظراته قليلًا والتوت عضلةٌ في فكِّه، وكفّه تشنّجت فوقَ بشرتها بينما نظراتها القاسيـة تصوّبها مباشرةً إلى عينيه .. هتفَ بجمود بعد أن زمَّ شفتيه : أول شيء ، هالولد أو البنت راح يتربي ويكبر بهالبيت، وقدام عيوني
ثاني شيء ، طلاق أو طلعة من هنـا احلمي فيها بمنامك ، راح تظلين زوجتي لين ما ينقال عنك - أرملة -
ثالث شيء ، اسمه مو بيتَك ، اسمه بيتي أو بيتنا
لوَت فمها وهي ترفعُ جسدها مُستندة على مرفقيها، ناظرةً لهُ بنظراتٍ حادةٍ متمردة، بينما امتدّت إحدى يديها تُريد أن تغطي بطنها عن يدهِ وعينـاه، لكنّ سيف استطاع قراءة نيتها التي لم تتعلق بمسألـة ستر نفسها بل تعلّقت بمنعه من ملامسةِ جنينهما بتملك! لـذا كان هو الآخر قد أمسَك بيدها يمنعها وهو يهتف بحاجبين يرتفعان : إذا تبينا نصير بزران ما عندي مشكلة
ديما بحقد : أنـا بزرة ، وأحب هالشيء إذا كانت هالبزرة ماراح تسمح لأحد حتى لو كان زوجها يذلها
سيف بجمود : ما ذليتك
ديما : احلف! غير عن كل اللي سويته قبل تفكيرك برجعَة زوجتك الأولى أكبر ذل لـي ، وأنا قلتها لك، ما أعيش عندك وعليْ مرَه
سيف بهدوءٍ استفزّها وأنامله تتحرك على بشرةِ بطنها بهدوء : بتعيشين يا ديما ، بتعيشين سواءً رضيتي أو لا
ديما بقهر صفعَت يدهُ لتمنعه من متابعةِ ملامستها، ثمّ جلسَت باعتدالٍ لتُنزل قميصها على بطنها هاتفةً بقهر : لا عــاد تستفزني
سيف بهدوءٍ ويده تتراجع بعد صفعتها لها : متى استفزيتك
صرخَت بقهرٍ وهدوء نبرته يستثيرها، ليسَ من العدل أن تحترق هنا وهو لا، ليس من العدل أن تغضب وهو لا، ليس من العدلِ أن يغيب السكُون عن تحركاتها وصوتها بينما هو ساكنٌ يتحدّثُ معها بكل هدوء : ابعــد عني ، لا عاد تلمسني ولا تقرب مني ... واحلم بعدد النجوم أجلس عندك لو رجعت طليقتك
تراجع للخلفِ قليلًا وهو يتنهّد، وآثرَ النهوضَ والابتعاد عنها خشيةً على صحتها فقط، أي هدوءٍ قد يحمله؟ أي سكُونٍ قد يستقر في صدرِه؟ لا تدركين أنّ في داخلي أمواجًا وأعاصيرَ تقتلع كل ذرّةِ سكون فيَّ، لا تدركين ما الصراخ الذي يتصاعدُ ترددهُ في داخلي ويرتد.
وقفَ مبتعدًا عنها قليلًا، إلا أنّه قبل أن يفكّر بالخروج أمسَك كتفيها وجعلها تتمدد على ظهرها قسرًا دون أن ينبس ببنت شفةٍ ودون أن يركز بعينيها اللتين يدرك أن الدموعَ بدأت تغطيهما، انحنى قليلًا نحو وجهها ليُقبِّل جبينها متغاضيًا عن التشنج الذي ينتشرُ على ملامحها من اقترابِه، ومن ثمَّ انحدرَت شفاههُ إلى بطنها ليُقبلها بعمق، شاعرًا بكل توترٍ في عضلاتها وكل ارتعاشٍ يداهم خلايـاها، وما إن ابتعدَ عنها حتى استدارت على جانبها الأيمن وكتفيها يهتزان علامة البُكاء، علامةَ الإنهزامِ والحزن الذي يغتالها، علامـة خيباتها التي سقطَت فوق كتفيها وأحنتهما كغصنٍ يُجاري شدّةَ الرِيح.
تراجَع مبتعدًا عنها مؤجـلًا المزيد من الأسئلـة والحديث، مؤجلًا أمواجًا من الأحرف لا يتسعها شاطئ الأبجديـات، مؤجـلًا كل سؤالٍ إلى وقتٍ آخر لا يهتزُّ فيها كتفيها منهُ ألمًا.


،


بعدَ الغداءِ في منزلِ عنـاد
جلسَت بجانبِ غيداء في المجلسِ وقد كانت ام عناد تُحضِّر القهوةَ والشاي في المطبَخ، كانت تستمعُ لكلماتِ الإطراء التي تنطلق من فمِ غيداء إعجابًا بمظهرها، بينما كانت ابتسامةً خجولةً تسطعُ على شفتيها بتوترٍ وأناملـها في كلِّ ثانيةٍ وأخرى تُعيدُ خصلاتها خلف أذنها باضطرابٍ واضحٍ بينما " من ذوقِك " تتلألأ مرةً ومرتين من بين شفتيها بخجلٍ وخفوت.
رنَّ هاتف غيداء فجأة، لتحملهُ بهدوءٍ وتنظر للمتصل قبل أن تتوترَ نظراتها وتُصمته لتعيد وضعهُ جانبًا، بينما انعقدَ حاجبي غزل لنظرتها المتوترة إلا أنها لم تعلّق وصمتت دون أن تحشر أنفها فيما لا يعنيها.
دخَلت ام عنـاد تحمل القهوةَ والكعكَ في يدها، حينها عـادَ هاتفُ غيداء ليرن فانتفضَت وهي تحمله وتقف هاتفةً بتوتر : بكلم صديقتي وأرجع
تابعتها غزَل بنظراتها وهي تعقد حاجبيها استنكارًا، توترها غير طبيعي، لكنّها ابتلعت كلّ أفكارها وهي توجّه نظراتها باسمةً نحو ام عناد التي كانت تُحدثها.

وفي الخارج، ردّت غيداء بتوترٍ لترفعَ الهاتف لأذنها وهي تهمس : ألو

.

.

.

انــتــهــى

عرفتوا الحين وش اللي كنتوا منتظرينه من زمان وجاء؟ يلا بدينا مع غيداء الحليوة ()


ودمتم بخير / كَيــدْ !


bluemay 22-08-15 08:33 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يسعد صباحك ويسلمو ايديك يا إبداااع



غزل وسلطان

لحظات التقارب بينهم مؤثرة .. سلطان ابدى سيطرة على النفس لا يستهان بها.
قدر ظرف غزل واحتمل احتدادها معه بالكلام والدفع بعيدﻻ ولم يستسلم .

وأرى بأنه "كثرة الدق تلين الحديد" ..






ديما وسيف

تأثر بعد ان زالت عنه غشاوة الغضب ودغدغت مشاعر الأبوة قلبه واشتاق إليها.

ديما التي باتت ك قطة حوصرت في زاوية ضيقة .. فهي لن تتوانى عن خمش بل قضم يده لو انها امتدت بطعام إليها.

هو مصر عى المضي قدما في أبقائها عنده ، وهي تهدد وتتوعد بتركه لو أحضر طليقته اليها.


اشعر بأنه لن يقوى على أذيتها وخاصة بأن امر جنينها بات يهمه، قد يؤجل فكرة رجوع بثينة إليه او ربما قد ينساها مستقبلا .







ليلى .. عندي شعور انها كانت مع سلمان!
لا ادري ولكن هذ ما تبادر إلى ذهني .





يا مرحبا بغيودة ...

أمممم من تراه/ا المتصل ؟!





سلمت يداك وكلي شوق للقادم


تقبلي مروري وخالص ودي


○° الله أغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله ، وأوله وآخره ، وعلانتيته وسره .°○

أبها 22-08-15 12:57 PM

عجبني أسلوب سلطان في احتواء غزل ومحاولاته المستمرة في
كسبها ومن ثم تغييرها التغيير الإيجابي وردها إلى جادة الصواب وخاصة
في أمر الصلاة .
أدهم ..جميل هو الشعور بالسكينة والإحساس بأن سحابة الرحمات تتنزل على الإنسان حال رجوعه تائباً إلى الله ..
يحتاج من يتلقفه ويمسك بيديه ليوصله إلى الطريق .
غيداء ..اعتقد أن من اتصل بها زميلتها السوسة ( نسيت اسمها 😊)
ولدي احساس أن غزل ممكن أن تكون سببا في انقاذها من هذه الأفعى
وتوعيتها بخبثها ..

شكرا من القلب أختي كيد
لا حرمنا من ابداعك 🍃🌸🍃

fadi azar 23-08-15 12:49 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
فصل رائع جدا

كَيــدْ 25-08-15 04:31 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 

-


يسعدلي مساكم ، البارت راح ينزل بظرف نص ساعة أو أقل
عين مغمضة وعين مفتحة، بس الشكوى لله نومي خياس واضطريت أجلس مفتحة لين ما أنزل البارت.
فشويّات وينزل :" على فكرة أعمار الأبطال كتبتها من زمان، لكن اضطريت أأجل وضعها لشغلة، واليوم مع إني كنت أبغى أحطها لكم بس مع عدم تركيزي بتكون مع البارت الجاي بعد ما أتأكد منها.

انتظروني على الساعة 6 ()

كَيــدْ 25-08-15 04:51 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 






سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف خير وعافية وعساكم دايم مبسوطين


ممتنة جدًا على الدعم، وآسفة لكم كثير على تقصيري معاكم بالتعليقات، لكن يشهد الله إني أحاول، ومهما حطيت وقت أو ساعة معينة تكون مخصصة للرد عليكم يصير شيء يمنعني :( بس اعرفوا انكم كلكم على عيني وراسي :$* وتواجدكم فخر ويزيد من حماسي وحبي لكم وللروايـة، وبظل بعد أحاول أنصفكم وأرد على حماسكم اللي ما أبيه ينطفي بسببي :(
إن شاء الله نصل لبر الأمـان وما يكون هالشيء بعيد، + رحم الله امرئٍ أهدى إلى عيوبي ، إذا عندكم أي تعقيب على وانتقاد بكون أكثر من مرحب، لعلمكم ترى لازم نحصل شيء غير المدح حلو التنويع والتجديد من روتيننا :)

بسم الله نبدأ، قراءة ممتعة
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !


لا تلهيكم عن العبادات والصلاة



(47)




أغلقَت حاسوبها وهي تتنهّد، لتوّها غادرت حسابها في الفيس بوك، تحاول إغلاقه نهائيًا، لكنّ هنـاك ما يمنعها، هنـاك ما يجعلها تتراجعُ ولا تفعل، في كلِّ مرةٍ تتجه فيها لتُنهِيه تتشنّج أصابعها عن الحركة، تتشتت عيناها عن الشاشـة ويبدأ عقلها بالتفكير في أمورٍ عديدةٍ لتبتعد فقط عن إغلاقِه، وتنصـاعَ أخيرًا لهذا النفور.
نهضَت من السرير وهي تنفخُ صدرها بالأكسجين، لامس باطن قدميها الحافيتين الأرضيّة الباردة وتحرّكتا ببطءٍ باتّجـاهِ المرآة، وقفَت أمـامها بعينين خافتتين وبشرةٍ شاحبـةٍ لازالت أثآر الأيام السابقةِ تجري عليها، عضّت شفتها بخفّةٍ وهي ترفعُ يدها اليُمنى لتُلامس شعرها الذي وصَل بطولهِ إلى أسفلَ كتفيها على غيرِ العـادة، فهي لا تحب جعلهُ يتجاوز عنقها، صبغتهُ انسحبت تدريجيًا وتمركزت في الأطرافِ ليظهر لون شعرها البنيّ الغامق الذي يميل للسـواد . . مررت أطرافَ أناملها من جذورِ شعرها لنهايـته، ثمَّ تنهّدت والأسى يرسم طريقهُ لعينيها لتنحدرَ أناملها إلى وجهها ممررةً لها على بشرتها الشاحبة، على الهالاتِ التي التفّت حول عينيها كهالـةٍ من الفقرِ الحياتِي!، كوسمٍ على بؤسِها وتقوقعها حول الحُزن الذي تحاولُ بكل قوةٍ أن تتجاوزه، وستتجاوزه! من المُخزي أن تستسلم لأحزانكَ وتنسى كلَّ نعم الله السابقـةِ عليك، أن تحكم على حياتِك بالبؤسِ لحزنٍ مرَّ ونقشَ نفسه في عينيك ... أنا أرى، أسمَع، أتحدّث، أمشي، وأعِيش في منزلٍ لطالمـا بثَّ أصحابه في قلبي سعادةً على مرِّ سنين، فكيف أتجرأ وأنسى تلكَ النعم؟!
رطّبت شفتيها بلسانها قبل أن تستقرَّ أناملـها على الوشمِ الذي بجانب فمِها، هذا الوشم الذي وشمته لنفسها عندمـا كانت في الخامسةَ عشرَ من عمرها، وشمته في لحظةٍ مجنونةٍ كانت يداها فيه ترتعشان، ولم تشعر بنفسها إلا والدمُ يسيلُ سيلَ الحممِ على بشرتها، لم تكُن هي وقتها! لم تكن تدرك شيئًا مما حولها، فقط انسحَب الإدراك من عقلها واستقرّت ذاكرتها عند لحظاتٍ غابَت فيها عن الدنيـا بما فيها وحين استيقظت وجدت نفسها عائمةً لا تفقهُ مما حدثَ لها شيئـًا.
زمّت شفتيها بقوةٍ وهي تُريح كفّها على زاويـةِ فمها لتُغطي علامة " الإكس " التي تشقُّ ملامحها في صورةٍ ثابتةٍ لا تهتز، وتأتي صورة أدهم شاقّةً الأفق وهي التي تحاول زعزعةَ أي ماضٍ مُخلٍ يتعلق به، بالتأكيد لم يكُن يعرف عن علاقتنا الحقيقية، لم يكُن يعلم، وحتى وإن لم يكن ذلك عذرًا لدناءته، لكنّها ترى فيهِ شخصًا مختلفًا عما كان، لا تدري! لكنّها بالرغم مما حدَث لا تلمح فيه شخصًا متحرشًا، هو أكبر من ذلك ... لكن ماذا عما حدث؟!!
نفضَت الماضي عن رأسها وهي تتنحنح وتنظر للبابِ الذي كان يُطرق، بللت شفتيها من الجفافِ الذي يُداهم كلَّ خليةٍ في جسدها لتهتف بهدوءٍ ظاهري : مين؟
هديل من خلفِ الباب : أنـا
اتّجهت إلين للبـابِ حتى تفتحه، وبابتسامةٍ باهتة : إن جبتي طاري المسابقة بطردك فاهمة؟!
هديل بضحكة : تصدقين تو كنت بسألك وين وصلتِ!
عبسَت إلين وهي تحيد عن الباب لتترك لهديل الدخول، وبامتعاض : هديل ، ترى بيصير الموضوع بايخ! لا يكون تشوفين الموضوع بهالسطحية؟!
اتّسعت عينا هديل بذعرٍ وهي تهتف : لا لا الموضوع مزحة ترى ، يعني تطمني أنا هدفي الأول أحافظ على القرآن بس طبعًا الهدية ثانيًا
هزّت رأسها بالنفي وهي تبتسم : ما منك رجا
دخلَت هديل الغرفةَ وهي تمط شفتيها في ابتسامةٍ واسعة : على قولتك
جلَست إلين على السرير لتمدد ظهرها ثانيًا، وبهدوءٍ وهي تنظر للأعلى في خطِّ استواءٍ ساخِن : مين جالِس تحت؟
هديل تتّجه للمرآه لتنظر لشعرها وترتبه : امي وابوي
ضوّقت عيناها قليلًا وهي تلوي فمها بتفكيرٍ شريد، وبصوتٍ يتغلغلهُ موجةٌ دافئةٌ من الهمس : كيف الوضع بينهم؟
تيبّست كفّا هديل على رأسها، وتشنّج فكها قليلًا ويداها تسقطان على التسريحة بينما تثبّتت نظراتها على إلين عبر المرآةِ ووجهها يتجمّد . . . استدارت لتستند على حافّةِ التسريحة وهي تبلل شفتيها، وبصوتٍ جعلت الهدوءَ يستقرُّ فيه بقدر استطاعتها : إن شاء الله تمـام ، صار الوضع أحسن
إلين لم تنظر إليها، أبقَت نظراتها للأعلى وأذناها تقرآن نبرةَ هديل البائسة .. همسَت : تدرين يعني ، يومتها احترقت هي بعد مو بس أنا
هديل ابتعدَت قليلًا وجسدها يلامس الهواءَ عوضًا عن زاويـةِ التسريحةِ القاسيـة : كان بسيط ، ما اهتمت له كثرك
ازدردَت ريقها بصعوبة، الصدأُ يلتحم بجدرانِ حنجُرتها وكل ما تبتلعه يختلط بهِ في مرارةٍ كالعلقم ... لفظَت بصوتٍ فاترٍ يتخشخش بهِ الوجَع وهي تحرِّكُ حدقتها للزاويةِ اليُمنى العلوية من عينيها : احترقت بسببي، وتطلقت للمرّة الأولى بسببي . . . أنا آسفة على كل شيء
توتّرت نظراتُ هديل وهي تعضُّ شفتِها بقوّة، وتجمّدت مفاصل أصابعها لتبقيها مسطحةً يلطمها الهواءُ باطنًا وظاهرًا، هذا الموضوع مؤرِق، تتناساه، تغفل عنه، وليس من العدلِ الآن أن تستثيره، ليس من العدلِ أن تتحدّث عنه بعد أن انتهى وغادرَها حُزنها به، أو هي طَردَته . . . أفرجَت شفتيها لتهتف بشيءٍ حادٍ مُسننٍ كي لا تُثير هذا الموضوعَ مرةً أخرى، لكنّ إلين سبقتها وهي تجلس ناظرةً إليها بملامح يتماوجُ فيها الحُزن والحيرةُ وكل ما قد يرتسمُ من سلبيات ، هامسةً بصوتٍ يُزدَردُ من قِبلِ التساؤلاتِ التي تتلقفُ كل نبرةٍ وتكوّرها في حِيرة : ما لقيت في ردّة فعلك شيء منطقي ، ما تسآءلتي كثير عن الموضوع اللي حكيتك عنه ... أنتِ مصدقتني؟
فهمت مقصدها جيدًا، الموضوعُ الذي حدّثتها عنهُ وأسهبتْ فيه من الحُزن، موضوع حياتِها الحقيقة . . . اقتربت منها بنظرةٍ لا تعبير فيها، والتقت عيناها بعيني إلين الساكنة . .


،


سيجيء يومٌ إلينا نُعانقُ فيه الوجعَ مودعين له، ملوحين بكفِّنا له، ستجيءُ نبرةٌ دافئةٌ من البعيد تُخبرنا بأنّ تلك لن تكون آخر أحزاننا، لكنّ ستكون الأخيرة المُهلكة من نوعها والموجعةَ حدَّ الموت . . . الحزنُ واللهِ لا ينتهي، من ذا الذي يبحث في الفلكِ عن فرحٍ دائِم؟ نحن البشر روتيننا الدائِم حزنٌ وفرحٌ يتلاحقان، من الغبـاء أن نظنَّ بأن هناك ما يدوم منهما، من الغبـاء ألا نؤمنَ بهذهِ القاعدةِ الكونية، نحنُ البشر نحزن بإسراف، ونفرح بمحدودية، لم ننصف أنفسنا يومًا، لم نعطي كل ذي حقٍ حقه، ثمّ نجيء منكبين على أوجهنا نشكي حزننا، وننسى الأفراح التي دائمًا ما نجعلها - محدودة -.
يا الله ما أقبحنـا! نسينا شُكرك، حصرناه في الفرح، وغفلنا عن كونِ حزننا أيضـًا نعمة، فيكَ من الرحمةِ الكثير لتبتلينا بحزنٍ قد يُسقطُ خطايانا ، يا الله ما أرحمك!
تنهّدَ بعمقٍ وهو يبتسم ابتسامةً باهتةً للهـواءِ والسماء، للطريقِ المُشبعِ بالنـاس، لخُضرةِ الأرضِ من حوله، وزفرَ من بين شفتيه الهواءَ الذي يُلوّثُ رئتيه، صارت عادةً لهُ أن يتمشّى هنا وهناك، أن يُطلق قدميهِ في الطرقات إلى أن يأتي الفرجُ من ربِّ العالمين.
كانت كفّاه تختبآنِ في جيبي معطفه، تبحثان عن الدفء بسكونها هناك، وفي تلك اللحظاتِ التي يسرقهُ فيها شرودهُ لم يكن منتبهًا للذي ظللهُ جانبًا يمشي بجواره باقترابٍ مُريب، لكنّه لم يكن منتبهً له، ينظر للأرض التي تندلعُ فيها الظلال فجأةً لتختفي ما إن تبتغي زواية أشعةِ الشمسِ ذلك.
مرّت الثواني وهو يمشي، والرجل المُرتدي للسوادِ بجانبه، لا يفصلهما إلا القليل، وذاك القليل اضمحلَّ حين اقترب الرجل أكثر حتى كاد أن يُلامسه، حينها حان منه أن يقف فجأةً ويستدير مستوعبًا ما يحدث، وتصاعدَ القلقُ على ملامحهِ وهو يتراجع قليلًا يستعد للهرب، لكنّ الرجل هتف بلكنةٍ عربيةٍ قبل أن يسمح له بذلك : ماجد؟
اهتزّت نظراته وقلبه اضطرب، حاول أن يُخفي ببراعةٍ أي تأثيرٍ على ملامحه وهو يهتف ببرود وبلكنةٍ فرنسيةٍ بحتة : ماذا؟
الرجل بثقة : لا تحاول تظللني ، عارفين كل شيء عنك!
تصاعدت نبضاتُ قلبه واضطربت، بينما تراجعَ بقدمهِ اليُمنى وهو يشدُّ قبضتيه، طيلة السنوات التي مضَت كان مُختبئًا، بعيدًا عن أنظار من قد يؤذيه، وفجأةً ظهر لهُ شخص، والآن آخر، هل كانوا يراقبونه منذ زمنٍ وهو الذي صدّق بعض الأمـانِ الذي يغتاله؟ لا، لا يا الله، يجب أن أكون ميتًا، مفقودًا، أي شيء، لكن ليس مكشوفًا أمامهم!!
أردف الرجلُ أمام الصمتِ الذي واجهه : أظنك فاهمني بقولة عارفين كل شيء!
عضَّ شفته بقوةٍ وهو يستعد لأيِّ فعلٍ مجنونٍ حتى وإن كان القتل، لكن صوت الرجل جاءه مقتحمًا لكل أفكارهِ ليثير فيهِ الصدمة : لا تخاف منا ، احنا معاك


،


أوقَف سيارتهُ قريبًا من المنزِل، أرخى ظهرهُ للخلفِ على المقعدِ وهو يُغمضُ عينيه متنهدًا سامحًا للهواءِ الدافئ أن يلجَ إلى رئتيه بعد أن فتحَ نافذةَ السيّـارة، مضَى طيلةَ وقتهِ السابق وهو يزور شوارعَ الريـاضِ ليخمدَ مشاعرهُ المنفعلة، ليبخِّرها بحرارةِ الشمس الساخنـة، ولم تكن حرارتُها كافيةً حتى تقمعَ كل قهرٍ يتجدد في قلبه كتجدد الخلايـا.
شدَّ قبضتيه جانبًا ، وفتحَ عينيه لينظر للأمـامُ بملامح جامـدة، يستغرق ثوانِيه التاليـة في تأمُّل الأفكارِ في عقله والتي ترفض الإستواء ليُدرك ما الذي سيفعله في خطوتِه التاليـة، وطالت الدقائقُ في ظرفِ شروده، لطالما يأخذنا الشُرودُ عن مُصابنا، ولطالما تسرقُنا المصائب عن حياتِنا الضاحكة، وإن طالنـا اليأسُ حينها فهُنا رُسمت نهايتنا.
بللَ شفتيه وهو يزفُر ويُدير رأسه ناحيَة المنزل، وحين قرر النزول والدخـول توقّف حين تذكر أمرًا مهمًا نسيَه، حينها أخرجَ هاتفه من جيبِه بسرعةٍ ليتّجه لرقمِ عمه، وما إن بدأ الرنينُ حتى وضعه على أذنه ليمدَّ أنامل يده الأخرى ناحيةَ زرِّ التحكم مُغلقًا النافذةَ من لفحاتِ الريـاض الساخنة.
رنَّ الهاتف لثوانٍ، وانقطَع أخيرًا بصوتِ عمه : ألو
توتّرت عضلات ملامحه قليلًا قبل أن يتنهّد ويهتف بخفوت : السلام عليكم
يوسف : وعليكم السلام
فواز بهدوءٍ ظاهري : كيفك؟
يوسف : الحمدلله ، شلونكم أنتو؟
فواز وهو يقرأ في " أنتو " جيهان خصيصًا، هتف : طيبين الحمدلله، وجيهان أحوالها تمام
صمتَ يوسف من الجهةِ الأخرى وهو يزفر هواءً ساخنًا اختلط بشوقهِ الأبويِّ لصوتِها، لملامحها، لضحكتها، لكل شيءٍ يُكوّنها . . هي ابنته الأولى! سعادتُه الأولى، ولم يتخيل يومًا أن تتباعد المسافاتُ بينهما بهذهِ الطريقة، أن تصبح " التكنولوجيا " لا فائِدة منها في هذا العصر، لا صوت، لا صورة، لا شيء! ويبقى هو يدعو الله أن تكون سليمة، سعيدة، تبتسمُ على الأقل، يا الله كم اشتاقَ لابتسامتها! لضحكتها . . ابتسم . . هي ابنة أُمها أخيرًا، حتى في شخصيتها التي تتمرّدُ حينما تُريد.
أردفَ فواز بتساؤل : اتصلت عليك أمس أكثر من مرة بس ما كنت ترد
يوسف يتنهّدُ قبل أن يرد : كنت مشغول
فواز : هممم
أغمضَ عينيه لثانيتين وهو ينفخُ صدره بالكلماتِ التي يحتاجها في هذه الأثنـاء ولابد لها من التكوين في حُنجرته، يحتاح نبرةً يُسعفُ بها الموقف، باتَ كل شيءٍ يخونُه في فترةٍ كهذه، كل شيء! حتى حُبُّه خانَ حين وجدَ نفسه يبتعد عنها ويُسيء لنفسيتها أكثر وأكثر ... فقط أطلبُ منكِ فضلًا، سامحيني!
تنحنحَ وهو يرفعُ كفّهُ الأخرى التي لا تُمسك بالهاتف ليُمسِّد بها عنقهُ المتيبّسة، مُردفًا بصوتٍ خافتٍ ليلجَ للموضوعُ مباشرَة : بغيت أكلمك بموضوع ، يخصني أنا وجيهان!
عقَد يُوسف حاجبيه قليلًا وبانَ القلق على صوتِه الذي هتف : وشو؟
فواز بهدوءٍ يعاكس تيّاراتِ صدرِه وأفكارِه : بنسوي حفلة زواج ، أنا واعدها من زمان إنها تكون مثل كل بنت، ماهي أقل من غيرها عشان ما تنبسط وتلبس الفستان الأبيض!
سـادَ الصمتُ على فمِ يُوسِف فجأة، وانبثقَت مشاعِر متناقضةً في صدرِه، تماوجَ في قلبهِ شغفٌ برؤيتِها ترتدي فستانًا أبيضَ يُتوِّجها ملكة، ومن القسوةِ على قلبهِ ألا يراها عروسًا ترتدي الأبيضَ وتنتشر حولها هالـةٌ من الاستثنائية . . قصرتُ معك! كثيرًا وواللهِ أدركُ ذلك، قصرتُ في حقٍ كان لابدَّ من أن تناليه، كثيرًا! كثيرًا ويا خيبَة الأبِ حين يقصِّر بـ - الكثير - ... صدِّقيني لا أبَ يُحب أن تنقص ابنته عن بقيّة الإناث، كل ابنةٍ عند أبيها هي استثنائية/ملكة، واعذري تقصيري الذي لم يُهدِك حق اعتلاءِ عرشِك . . رفعَ كفّهُ المنفعلةَ ليفتحَ أول زرّين من قميصهِ وهو يتنفس بعمق، يراها ترتدي الفستان، جميلة، مختلفةً عن كل الحاضِرات، عن كل أنثى في عصرِها، ما أجمَل بناتِه، وما أكثر أسفه على بقيّة الإناث، فهم لم يصلوا يومًا لجمالهنّ وروعتهن.
يوسف يهتفَ وهو يبتسم ابتسامةً خافتة : ما تقصر يا فواز ، مبسوط كثير إنّها عندك! إنها زوجة شخص تهمه فرحتها
ازدردَ فوّاز ريقهُ بصعوبة وهو يبتسم باهتزاز، تُدركُ كما أُدركُ أنا أن فرحها مهمٌ عندي، لكنّك لا تدرك أنني أخطأت في حقها، ولا أظن أنّك ستسامِحُني! لذا ها أنا أتصرف بأنانيةٍ حتى أضمَن تعلُّقها بزواجنا، حتى لا تنتشلها مني إن هي أرادت ذلك!
بلل شفتيه قبل أن يهمسَ بتوتر : بس هي طالبة شيء ، وهالشيء عندك أنت!
عقَد حاجبيه باستنكارٍ دون أن تغادره ابتسامته الخافتة : عندي أنا؟!
فواز : أيه ، هي طالبة إن كل أهلها يكونون حولها ، تبيك أنت وخواتها
تلاشَت ابتسامةُ يوسف تلقائيًا واسترخت حاجباهُ على ملامِحه، بينما سقطت كفه التي كانت تعتلي قميصه ليُريحها على السرير دون استيعاب، تريده! تريده هو!!!!! . . لم يشعر بنفسهِ وهو يقف، يغمض عينيه بقوةٍ مُغيّبًا لناظريه عن الدنيا علّ الكلمات تتكرر مرةً أخرى ويستوعبها عقله، علّه لا يكون تخيلًا منه ، ماذا يقول؟ اشتـاق فتاته، اشتـاقَ شقيّته، اشتاقَ مُدللته! وهو الذي لم يتخيّل يومًا أن يصيرَ ما يصير لتبتعد عنه ، والحمدلله فحسب، الحمدلله على كل حالٍ ومُصاب.
فتحَ عينيه وهو يتنهّد بعمق، بينمـا سادَ الصمتُ عند فواز الذي كان ينتظر ردّ عمه، عمهِ الذي سُرقَ من قبلِ التفكير والإستيعابِ المتناقِض، ليضيعَ ردّه السريعَ ويتحوّر هذا الرد لسؤالٍ متحشرجِ النبراتِ يبحث بهِ عن التأكيد : هي قالت؟
ابتسمَ فواز بخفّة، قرأ في صوتِه شغفًا، حزنًا، اشتياقًا، جزعًا، لكنّ ابتسامتهُ تلك كانت تحمل جزءً من الأسى عليه، سامحكِ الله يا جيهان، على عقوقِك! على هذا الحزن في صوتِه، أسأل الله ألا يكون في ما فعلتِه حجةً عليك يوم القيـامة، يا الله لا تحرمني منها في الجنّة، لا تحرمني منها لأخطائها وحماقاتِها.
امتدّت يدُه دون شعورٍ ليعود لفتح النافذةِ وهو يشعر أنّ الهواءَ يتسلل بعيدًا عن السيّارة، هل يبقى صامتًا على ما يحدث؟ هل يبقى صامتًا على ذنبٍ قد يكون سببًا في بُعدها عنه في الجنّة! . . بلل شفتيه وهو يُشتت عينيه بضيق، لكنّ حدقتيه تجمدتا فجأةً واتّسعت عيناه وهو يرى تلك المرأة التي خرجَت من المنزل ترتدي عباءتها، واستطاع بكل بساطةٍ أن يتعرَّف عليها ... جيهان!!!


،


وقَفت أمامَ بابِ المجلسِ وهي تتنهد بضيق، صوتُ غزل الضاحك بخفوتٍ كان يتسلل إلى أذنيها، ولطالما كانت ضحكتها لا تظهر كثيرًا سوى من ابتسامتها، نظرَت للبابِ ببهوت، وأناملها تتشنّجُ على هاتفها جانبًا، وطـالَ وقوفها أمـام الباب، بذهنٍ غائِبٍ وأنفاسٍ مجهدةً وكأنها كانت تتسابقُ مع أحد قبل ثوانٍ.
شهقَت فجـأةً حين شعرت بكفين تمسكُ كتفيها، لتنتشل نفسها من اليدين بعنفٍ وذعرٍ وتستدير متسعة العينين، وما إن رأت من خلفها حتى تنهدت براحةٍ رافعةً كفها إلى صدرها : سلطان! فجعتني يا الخايس
ابتسم سلطان برقة : معليش ، بس وين كنتِ مسرحة؟
غيداء بتوترٍ أمالت رأسها : مو مسرحة، كنت تو بدخل . . ليه منت مع عناد؟
سلطان بهدوء : كنت رايح للحمـام
تسللت إلى أذنِه فجأةً ضحكةُ غزل، ليُدير وجهه ناحيةَ الباب بانشداهٍ وليس من العادةِ أن يسمع ضحكتها الناعمة تجول حول أذنيه، لم ينتبه لكونِ ابتسامتهِ تصاعدت على شفتيه، لكنّه شعر بوخزِ مرفقِ غيداء التي ابتسمت بلؤمٍ هاتفة : ضحكتها حلوة صح؟
أدار رأسه إليها ليُخفض نظراته قليلًا نظرًا لفارق الطول بينهما، وبنبرةٍ متسائلةٍ وهو يعقد حاجبيه : نعم!!
غيداء بابتسامةٍ وهي تتراجع قليلًا : أشوف ضحكتها أخذت عقلك ، حتى كلامي ماسمعته
رفعَ حاجبيه متفاجئًا مما قالته، وبِاستنكار : ماشاء الله! وصرنا نفكر مثل الكبـار!!
غيداء تضحك وهي تتراجع أكثر، هاتفةً بشقاوة : أنا كبيرة من يوم يومي
كبَت ابتسامتهُ وهو يقترب منها بتهديد، إلا أنها فرّت بسرعةٍ لتدخل للمجلسِ بشكلٍ عنيفٍ أثاره استغراب غزل وام عناد اللتين استدارتا ناحيةَ الباب ليظهر لهما سلطان الضاحك وهو يبتعد عنهم متجهًا ناحيَة الحمامات، وصوت ضحكته تُنقش في أذن غزل التي توتّرت تلقائيًا وبدأت بفرك كفيها ببعضهما البعض وعلى شفتيها ابتسامةٌ خافتة، بينما كانت غيداء تتجه لتجلس وهي تعقد حاجبيه بتذمّر، متناسيةً ما حدث قبل لحظاتٍ والضيق الذي كان يعتريها.


،


" طالِع؟ "
وجّه نظراتُه إليها بعد سؤالها وهو محنيٌ يغلق حذاءه، بينما كانت مستندةً على إطار الباب وشعرها ينتثر حول ملامحها بجنون.
وقفَ من سريره وهو يتنهد، هاتفًا بخفوت : أيه ، وراي شغل
غادة بهدوءٍ وهي تُبعد كتفها عن إطار الباب لتعتدل واقفة : تقدر تعلمني وش هو بالضبط؟
تحرّك ليفتحَ خزانتهُ حتى يُخرج ملابسه العسكريّة، وبصوتٍ هادئ : فيه دورة تدريبية للعناصر المستجدين، ولازم أكون موجود لأني اليوم بكون مدربهم
همست بفتور : اها
وضعَ ملابسه في حقيبة الظهر وهو ينظر إليها مبتسمًا ابتسامةً ضئيلة : عاد من زمان ما لبست اللبس العسكري ، يمكن هالدورة في بروكسيل جات بوقتها عشان تسليني
شتت عيناها عن ابتسامتِه لتنظر للأرضِ بفراغ، قبل أن تهمس : وأنا وحسام؟
اختفت ابتسامته، ثم اتبع اجفالهُ بتنهيدةٍ ليقترب منها وهو يقرأ الضيق على ملامحها، واضعًا كفيه على كتفيها ليهمس : تدرين أني أختف عليك! ممكن أخليكم تطلعون من دوني بس وراكم أحد يحرسكم بس ماهي داخلة براسي! يا أكون معاكم بنفسي أو لا
غادة وجّهت نظراتها إلى عينيهِ وهي تعقد حاجبيها برجاء : الله يخليك
بَدر : الله يخليكم أنتم لي ، لا تعارضيني!
غادة بنبرةٍ مترجية : بدر ..
قاطعها بدر : عشاني غادة ، أدري والله إني مضيّق عليك، بس مو بيدي !
صمتت وهي ترفعُ يدها اليُسرى لتنقبضَ على ذراعها اليُمنى والمتدلية ناحية الأرض، ناظرةً للأسفل بوجوم، وهو بكل بساطةٍ يقرأ كل تعبيرٍ على ملامحها، كل ضيقٍ مما هم فيه لكن لا حل! ولن يخاطر أبدًا بهما.
قبّل جبينها دون كلمةٍ ومشى متجاوزًا لها حتى يتّجه لحسام الذي كان يرسم جالسًا على الأرض، جلس بجانبه القرفصاء ليبتسم وهو يمسح على رأسه : ارسمني اليوم طيب؟
رفعَ حسام ذو الستِ سنينَ رأسهُ ليعقدَ حاجبيه : ما أبغى أرسمك
بَدر يلوي فمه : افااا! ليه طيب؟
حسام : ما أحبك
بَدر رفعَ حاجبيه بذهولٍ مما قال : ليييه؟
حرّك حسام يده الحاملة بين أناملها قلم الرصاصِ ليُشر لغادة التي كانت تنظر إليهما بصمت : أنت مضايق غادة ، عشان كذا ما أحبك
أغمضَت غادة عينيها وصدرها يرتفع بشهيقٍ صامتٍ متحشرج، بينما عضَّ بدر طرف شفتِه وهو يوجّه نظراتٍ معتمةً لغادة التي أغلقت منافذَ عينيها عن رؤيتِه، حينها وقفَ وهو يهتف بصوتٍ جامدٍ دون أن ينظر إليهما متجهًا إلى الباب : أنا طالع ، انتبهوا لنفسكم
ليخرجَ وصوت إغلاقِ الباب يعتلي من خلفه، حينها قوّست غادة شفتيها وهي تفتح عينيها ناظرةً للبابِ بصمت، تبتلع ريقها بوجعٍ وصدرها يتحشرج بأنفاسِها الساخنة، وحسام كان يراقبها وبالرغم من كونِه لا يدرك كل شيءٍ يحدث من حولِه إلا أنه يستطيع أن يرى الحزن في عيني اخته التي يحبها ويرى فيها امه، فهي التي كانت ترعاهُ طيلة الأربعِ سنواتٍ تقريبًا والتي فقد فيها والديه ليكبر وامه هي غـادة.
هتفَ بضيقٍ وهو ينظر إليها : ليه بدُّور يضايقك؟ ما احبه!
نظرت إليه وهي ترفعُ كفّها وتضعها على وجنتها الباردة، لتقترب منه مبتسمةً باهتزازٍ هاتفةً بعتاب : ما ينفع حسومي هذا اخوك اللي يحبك
حسام يضمّ شفتيه بضيق : ليه يضايقك طيب؟
غادة بابتسامةٍ وهي تجلس بجانبهِ وتضعُ كفها على رأسِه : ما يضايقني ، بدر يحبني مثل ما يحبك ومستحيل يضايقني
حسام : لا تكذبين علي
غادة بحزم : حسام! كلمة ثانية وبزعل عليك ترى!
لوى فمهُ بضيقٍ وهو يخفض رأسه ويعود للخطِ على الورقةِ البيضاء، حينها تنهّدت وهي تنهض مبتعدة، يجب عليها أن تكوّر انفعالاتها وترميها بعيدًا قبل أن تعود للحديثِ مع حسام مرةً أخرى.


،


بقيَ لفترةٍ طويلةٍ بعدَ خروجه من المسجدِ يقود سيارتهُ في شوارِع الرياض، بعد ما حدثَ بينه وبين الإمـامِ وتلك الجلسةِ التي لم تطل كثيرًا، لكن كان لها التأثير الكافي عليه، على عقله، على قلبه، على التفكير بجديةٍ في ذاك الموضوعِ القديم! احتقرَ نفسه تلقائيًا، لمَ لازال صامتًا حتى الآن؟ لمَ لازال يُخفي كل شيءٍ بأنانيـة.
شدَّ على المقودِ بقوّةٍ وهو يعقدُ حاجبيه بعنف، تتغلغله أمواجٌ عديدةٌ من اللومِ والعتاب، عتباكَ يا ضَعفي، حسبي عليكَ وعلى خوفي، لازلتُ حتى الآن ضعيفًا، لا أمتلكُ الجرأة الكافيـة ، لكن إلى هنا وكفى!!
في خضمِ أفكاره كانت قدمهُ تضاعف سرعةِ السيّارة، كانت أفكارهُ تسرقه، يُعيد صياغةَ الحديثِ الذي كان والذي يتكرر في عقلهِ بلغةٍ وأخرى، تقتادُها الحاجةُ الماسّة لأفواهٍ تقدِّمُ نصيحةً تنتشله من هذا التيهِ الذي يبتلعه بكل عنجهية.
لم ينتبه لكونهِ بدأ يقودُ بسرعة، غابَ الواقعُ عن ذهنِه وغابَ الطريقُ والسياراتِ من حولِه، فقط الشمس والقمرُ من يغيبان في ساعةٍ ما، في وقتٍ محدد، وكل ما بعدهما ليس لهما وقتٌ للحضورِ والغياب، يأتيه الحزن بغتة، الحيرة، الفرح، الإدراك، وكل شيءٍ آخر يُشرق في ساعةٍ غيرِ مأهولةٍ ليغيب في وقتٍ تائهٍ على المُحيطِ الحياتِي.
أُنتشلَ من أفكارِه فجأةً حين اصتدمت سيّارته بخلفيةِ سيارة من أمامه، حينها اتّسعت عيناه متفاجئًا وهو يتحكم بسيارتِه ليوقفها أخيرًا بطريقةٍ مفاجئةٍ ولحسن الحظ لم تكُن هناك العديد من السياراتِ خلفهِ ليُعطِّل سيرها ويتسبب بمشكلة، لكنّه يستطيع أن يجزم بأن من غير مساره وأكمل طريقهُ قد شتمهُ على هذا التوقف المفاجئ والذي قد يتسبب بكارثة.
زفَر بعمقٍ والسيارةُ التي احتكّ بها توقفت، حينها تأوّه بجزعٍ وهو يغطِّي عينيه بكفيه، ليس هذا الوقت المناسب، أكمل طريقكَ رجاءً، أكمله!
لكنّ صاحبَ السيارةِ من الواضح أنه لم يكُن ليصمت، إذا لمحه أدهم وهو يفتح بابهُ وينزل، حينها تنهّد بقلّة حيلةٍ وهو يفتح بابه في المقابل وينزل أيضًا، فهو المُخطئ أخيرًا.
أدهم بصوتٍ مرتفع : معليش يا الأخـ ....
بُترتْ عبارته وعيناه تتسعان، ومن الجهةِ المقابلة كانت عينا شاهين تتسعانِ في المقابلِ ناظرًا لمن اصتدم بسيارته ببهوت، ذات الشخص الذي صدمهُ هو قبل أسابيع، ذاته الذي كاد أن يتشاجر معه، والآن حدَث عكس ما كان وأصبح - الصادمُ هو المصدوم! - . . . " يا مساوئ الصدف "!!!


،


بقيَت عيناه متّسعتان، ينظر للتي وقفت عند البابِ مكتفةً إحدى ذراعيها حولَ جسدها بينما يدها الأخرى تحمل هاتفها الذي استقر على أذنها، توقفَ الزمن عندهُ للحظتين، يحاول استيعاب ما تفعله تلك المجنونة! لمَ هي خارجًا؟ ما الذي تفكِّر به!!
لم يشعر بنفسه وهو يغلق هاتفهُ دون أن يقول شيئًا ليوسف، ثمّ فتحَ الباب وعيناه مثبتتين بها، يتمنى لو أن عينيه مخطئتين وليست الواقفةُ أمامه هي! ليس مستعدًا الآن لتهورٍ جديدٍ منها، ولا لانفعالٍ منه!!
أغلق باب سيارتِه بعنفٍ بدأ يشق طريقه إليه دون شعور، تحرّكت خطواته باتجاهِ البابِ، باتجاهها هي تحديدًا، يراها أنزلت هاتفها بعد أن أغلقت ممن كانت تُحادث، ابتلعه الجنون! وما إن اقترب منها حتى شعرت هي بخطواتٍ لتُدير رأسها ناحيته بذعر وهي تشهق بخفوت، وتضاعفَ ذعرها تلقائيًا ما إن رأت أنه فواز، وأنه اقترب منها حتى أمسك بذراعها بقوةٍ وأدارها إليه بالكاملِ ونظراته تتّقد بعنف.
لم تكد تستوعب شيئًا وهي تنظر إلى ملامحه الحادة بعينين متسعتان، وعقاربُ الساعةِ توقّفت عن الحركةِ عند نظرتِه القاتلة، شعَرت بهِ يسحبها معه للداخلِ بصمتٍ مُزعج! بصمتٍ عنيفٍ كان يُنقَشُ على خطواتِه الساخنةِ فوق الأرض التي كانت حرارتها لا شيء أمـام مافي صدره، أمام غضبِه وجنونه منها، حرارةُ الأرضِ ذاتها تنتقل إلى جسدهِ دون انصافٍ لقوانين انتقال الحرارةِ من جسدٍ لآخر، ما الذي كانت ستفعله؟ أين كانت ستذهب في هذا الوقت!!!
فتحَ بابَ المنزلِ الذي كان مفتوحًا قليلًا في الأساس، وما إن دخل حتى ظهرت أمامه امه التي كانت تقف أمام الباب بتوترٍ ملحوظٍ وهي تضع هاتفها على أذنه، وفي تلك اللحظة استوعب أن هاتفهُ كان يرن، ومنذ متى! لا يدري، لكنّ الرنين توقف ما إن أنزلت امه الهاتف عن أذنها وهي تهتف باضطراب : جيت ، الحمدلله اللي جابك
نظرَ لأمه للحظاتٍ بينما كانت جيهان تحاول أن تتملص من كفِّه التي تمسك بكفها بقوةٍ آلمتها، وصوتها المقهور ينزلق من بين شفتيها متمردًا بحدة : اتركني، اتركني والله ما أجلس بهالبيت دقيقة ثانية ... اترررركني
شدّ على يدها أكثر دون أن يتركها، واستطاع أن يدرك أنّ هناك ما حدث بينها وبين امه، لذا هتف بصوتٍ مكبوت : وش اللي يصير هنا؟
تنهّدت ام فواز بصمتٍ وهي تنظر للأسفل دون أن تقول شيئًا، بينما صرخت جيهان بجنونٍ وهي تغرس أظافر يدها المُحررة في كفه المُمسكةِ بها : اللي صار إني ما أبي أجلس بهالبيت المريض مرة ثانية!
نظرَ إليها بحدةٍ لو كانت تقتل لقتلتها، لكنّ القهر الذي كان يعتريها لم يسمح للخوفِ أن يغلبها في تلك اللحظة، لذا أردفت بحدة : اتصلت بخالي ذياب ، وشوي ويوصل عشان ياخذني ، جلسة لي هنا احلم فيها أنت وامك!!
اشتعلت نظراته بجحيم، وجنَّ جنونه لما قالته، بعيدًا عن طريقةِ لفظها لـ " امك "، بعيدًا عن نبرتها الوقحة، توقف هو عند محطةِ ابتعادها، تريد أن تذهب؟ تريد أن تبتعد؟ أتظن الأمـر بتلك البساطة؟ لا والله لم تحزِر.
شعر بالغضب يتدفق في أوردتِه، لم يفهم ما حدث بالضبط، لكنّ الأمر الكافي هو أنها ستتجرأ وتخرج من هذا المنزل مع خالها، بنيّة الابتعاد! . . شدّ على يدها بقوةٍ أكبر وهو يجتذب جسدها الذي كانت تسحبه للخلف حتى تفلت من يده، وبِقسوة . . .

.

.

.

انــتــهــى

دا أنا بعشق القفلات :$ البارت أظن أغلبه قفلات والا؟ :D ، ممم وبالنسبة للي اشتاقوا لجنان " مع اني ما اظن "، بتكون إن شاء الله عندكم البارت الجـاي.
+ قراءة ممتعة مرةً ثانية، استودعكم ربي وموعدنا يوم السبت بما أنكم تلخبطون كثير بنظام موعدنا فبذكر اليوم نهاية كل بارت.


ودمتم بخير / كَيــدْ !


فتاة طيبة 25-08-15 11:01 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
يالله اقرفني فواز وحبه المجنون للتافهة جيهان يعني قد ماتسوي يموت ولا تبعد عنه صادقين لما يقولو الرجل زي الكورة كل ماشوتيه كل مارجع لك مالت عليه الخروف ... اليوم ماطلعو اسيل وسيف بصراحة اكثر اثنين يشدوني في القصة ... سلمت اناملك كيد .

bluemay 26-08-15 08:12 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


يسلمو ايديك يا شريرة بقصد القفلات كلها شريرة أمفففف >>> فيس ينفخ براطيمه لووول



فعلا وين ديما وسيف ؟!! وحشونا



متشوقة لبارت جنان حبيبة قلبي كتير يا ريت تدلليها وتمتعينا بظهورها اكتر .




نجي للبارت



غيودة الزعرة هههههههههه عسل وهي بتشاكس في اخوها .
بس عن جد مين نكد عليها ؟!
ممكن صديقتها ال تيييت هديك او ما بعرف اجاني شعور انه ممكن له علاقة بتميم >>> ادري شطحت لووول



غزل وسلطان نقدر نقول بدوا يتغيروا شوي صغيرة آد كدا هو.
بس شبح غزل رح يضل يفرق بينهم .





أدهم وشاهين ... هل ممكن يقدر يتعرف عليه او انه تكون بداية تعرف ممكن توصله لماجد اقصد متعب.




ماجد او متعب مين اللي كشف وجوده ؟!!
أممم عندي شعور مش حلو >_<




ألين لمتى رح تضلي تيقظي الماضي وتفتقي الجروح .
اتوقع بدها علاج نفسي مكثف. ﻷنها عايشة رهينة ومش قادرة تحرر حالها من قيوده.




نجي للي بتمرض عن حق وحقيقي

فواز إلهي يفتح عيونك ويزيل الغشاوة عن قلبك

يضرب الحب شو بعمي وبذل >_<

اسمع كلامي وتمم زواجك من جنان وخلها تتخلل عن دار اهلها بقصد خالها ﻷنو ابوها ما لو حاجة فيها.

بس قبلها اكفها كفين وبرد حرتي فيها .. غررررررر


يعني العمى بقلبها العمى شو ما بتستحي ولا بتختشي .



رائعة كالعادة هنودة وكلي شوق للجاي

تقبلي مروري وخالص ودي


○° الله أغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله ، وأوله وآخره ، وعلانتيته وسره .°○

كَيــدْ 28-08-15 08:30 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتاة طيبة (المشاركة 3553132)
يالله اقرفني فواز وحبه المجنون للتافهة جيهان يعني قد ماتسوي يموت ولا تبعد عنه صادقين لما يقولو الرجل زي الكورة كل ماشوتيه كل مارجع لك مالت عليه الخروف ... اليوم ماطلعو اسيل وسيف بصراحة اكثر اثنين يشدوني في القصة ... سلمت اناملك كيد .


ماني من مناصري لفظ " خروف " على الرجل إذا حب! أعتقد هالكلمه إهانة للحب ﻷنه حتى الرسول كان يحب زوجته عائشة وكان يشيلها على ظهره ويلاعبها وووووو الخ!
تستفزني كثير هالكلمة، صح ممكن نقول أن فواز انساق خلف حبه بشكل كبير بس ما نقول عنه خروف :(

الله يسلمك يا بعدي ()


فتاة طيبة 29-08-15 01:44 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
كيد حبيبتي ولا أنا والله ما احب هذي الكلمة الحب ارقى كثير من كذا بس في حالة فواز الكلمة مناسبة جدا لأن الحب فعلا معميه مايهمه اي شيء عير انها ماتبعد عنه حتى اسلوبها مع امه ماهمه بس لاتبعد فهنا نقول خروف ونص هههههههههه .

كَيــدْ 29-08-15 11:42 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتاة طيبة (المشاركة 3553927)
كيد حبيبتي ولا أنا والله ما احب هذي الكلمة الحب ارقى كثير من كذا بس في حالة فواز الكلمة مناسبة جدا لأن الحب فعلا معميه مايهمه اي شيء عير انها ماتبعد عنه حتى اسلوبها مع امه ماهمه بس لاتبعد فهنا نقول خروف ونص هههههههههه .

ههههههههههههههههههههه أجل بقولك بس بارت اليوم يناسبك :P
متأكدة راح يعجبك ()

ليل الشتاء 29-08-15 05:14 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
والله انا متعاطفة مع جيهان ولا تنسو انها فقدت الثقة باللي حواليها فكيف تعطي قلبها لفواز وانا مش شايفة ان فواز عامل حاجه خارقه
بالعكس هو ممكن صابر عليها شويه ودي حاجه انا اشكره عليها
وبالنسبة لجنان اتمني ان عزوز ميتتمش جوازه بها لانه هيظلمها
وانا بدي بدر يكون لجنان او ارجوااان
بس انا حاسه انه هيكووون لارجوان

كَيــدْ 29-08-15 07:21 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
-
-
مساء الخِير ، يسعد أيامكم :$ ما أعلنت عن البارت للحين بس تطمنوا ما سحبت
موعدنا راح يكون ما بين الساعة 11 و 12
تأخرت عليكم هالمرة بس من شيف يومي :( بس بيكتمل قبل 12 إن شاء الله عشان ما نصير أحد ، + شكرًا لقلوبكم الطيبة ()

كَيــدْ 29-08-15 10:35 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



صباح الخير إلا نص ساعة تقريبًا:p
لحظات وينزل البارت على جزئين أو ثلاث، آخر جزئية بضطر أأخرها شوي عشان الأعمار ضاعت لي بين الملاحظات وجالسة أدور عليها


ربي يسعدكم (())


كَيــدْ 29-08-15 10:42 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافية


نستعجل قبل لا تجي الساعة 12 ، أنا من كثر زلّاتي اللي صايرة بالروايـة قررت أقتل أخ بدر وغادة في حادث مروري :(
طبعًا للمرة الثانية أحط اسم غير اسمه ، اسمه حســـــــــآآآآآآآآآآآآم خلاص -_-
أخر مرة إن شاء الله :/


يلا نبدأ على بركة الله
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات

(48)




توقفَت الحركَةُ للحظاتٍ بالنسبةِ لهما، وتعلّقت المسافـة الفاصلةُ بينهما في أعينهما التي التمعت فجأةً بتسلية، بعبثٍ وملامح أدهم تحوّلت لشيطانيةٍ فجأةً وزوايـة فمه ترتفع في ابتسامةِ مكر.
رفعَ شاهين إحدى حاجبيه وقابل ابتسامتهُ تلك بابتسامةٍ شرسة، اقتربَ منه قليلًا قاطعًا المسافة التي لم تُوصَل سوى بعينيهما، وبصوتٍ متهملٍ متكاسل وهو يقترب منه : الله الله يا الصُدف! انقلبت الآية !
رفعَ أدهم إحدى حاجبيه وهو يهتف بنبرةٍ واثقة يتخلخلها التحدي : كذا صرنـا متعادلين
شاهين توقف أمامه مباشرةً وهو يبتسم بلؤم : ما أشوفنا متعادلين ، عاد أنت يومتها وقفتني وقت مو بسيط وخليتي أتفرج لمصخرتك أنت وصاحبك
احتدّت نظراتهُ بازدراءٍ ما إن حضَر " طاري " خالد! حسنًا، ذلك الشابُ المقيتُ استطاع في النهايـة أن يستدرجه للشرطة، استطاع جعله يوقّع على تعهدٍ بعدمِ إيذائه، ولكنه يتمنى لو يذهب في كلِّ مرةٍ إليه حين تتصاعدُ الشحناتُ في أودرته ليفرّغها بلكماتٍ يوجهها إليه! . . شعر بالهمجيةِ تعود وتتلبسهُ في صورةِ شيطانٍ لا قرارَ له، حينها تمايلَ على السيارةِ وشفتيه تتمايلانِ دونَ مبالاة، وبصوتٍ متهدج : من وين جاء في بالك إننا أصحاب
هزَّ شاهين كتفيه ببرودٍ وهو يهتف ببساطة : عاد يقولون القطو ما يحب الا خناقه ، واضح وش كثر علاقتكم متينة
أدهم يتأتِئُ بتعجُّب : عشان كذا تبي علاقتنا تصير متينة والا كيف؟
شاهين : مين قال أبي أتخانق معاك؟
أدهم ببساطة : أنا أبي أتخانق
شاهين بضحكةٍ ساخرة : الفراغ عامل عمايلـه ، عمومًا يا الأخ أنا ماراح أطالبك بشيء أبد، خصوصًا إني يومتها ما عوضتك بس ما يمنع أضيع شوي من وقتك الثمين . . الا قولي وش كان اسمك؟
مطَّ أدهم شفتيه بمللٍ وهو يستوي في وقفته، وبنبرةٍ متباسطةٍ وهو يدقق النظر في ملامح شاهين التي يرى فيها ملامحَ أُخرى : أدهم عبدالله السامي
انقبضَ قلبُ شاهين فجأةً بقسوة، وتصاعدت حرارةُ دمهِ حد الغليان الذي طالَ أفكاره لتتضاربَ كجزيئاتِ غازٍ تخبطت هنا وهناك ، تباطأت أنفاسه، أدهم ، وعبدالله ، ويتبعها السامي!! ... هو ذات الاسم الذي قرأه، هو ذات الاسم الذي كان يبحث عنه، هو ذاته!! .. يا الله! ملامحه أصبَحت كريهة، أصبحَ أسودًا والعالمُ أسود، السيارات توقفت في عينيه، جريانُ الدم توقف في أوردته، وانقباضاتُ قلبه تحجّرت ونسيَ الحيـاةَ التي أظلمت وبقي أدهم عبدالله السامي يقف أمامه بكل توهجٍ وحشيٍ وبكلِّ القبح الذي رآه بِها . . سمعَ اسمه من المدعو خالد يومذاك، وانبثق في جسده شعورٌ بالنفور والقتلِ أيضًا، لكنّ ذاك الشعور لم يكُن أبدًا كما الآن، الآن هو واثقٌ من كونِه هو نفسه، ليس تشابهًا في الأسماء، ليسَ واللهِ سوى وحشٌ تشبّثت مخالبهُ في أخيه وهاهي تلك المخالب تنهشُ الحيـاة والزمنَ فيه، تسحب الإدراك من عينيه فلا يرى سوى أدهم، أدهم فقط!
بقيَت عيناه مثبتتان بهِ بغضب، بحقدٍ تصاعد في صدرِه تلقائيًا، جاءه، من حيثُ لا يدري جاءه، من حيثُ لم يحتسب هاهو القدر يزجُّ بهِ في طريقِه وفي منتصفِ المسافةِ الفاصلةِ بينهُ وبين القتل، بينهُ وبين الشر، مفاصلهُ ابيضّت من شدّة ضغطهِ على قبضته، لا يدرِي كيف مارسَ ذلك التماسك على نفسه، كيف أنّه لم ينقضَّ عليه ويشبعهُ قتلًا، إلهي كيف يجيء التماسكُ على شخصٍ كان لأشهرٍ يبحث عن طرف خيطٍ يوصله إليه، كيف يجيء التماسك في لحظةٍ لم يتوقع يومًا أن تكون كذلك، كيف لم ينقضَّ عليه وينهشه؟! كيف بقيَت قدماهُ متشبثتان في الأرض؟!!
أرخَى قبضتيه قليلًا وصدره يرتفع بأنفاسٍ حررها بعد التحشرجِ الذي كان، أخفض شدّة نظراتِه وغطّى حقدهُ بالبلادة، أصبح فجأةً ماهرًا في عرضِ عكسِ ماهو عليه، لكنهُ لن يتركه يتخبّط في حياتِه ويمضي، واللهِ لن يتركه!!
تكتّف أدهم وهو يرفعُ حاجبيه قليلًا لنظراتِ الشر التي يقرأها جيدًا، لكنّه تجاهل بمحضِ إرادته فليست المرة الأولى التي يقرأ تلك النظراتِ تجاهه، لوى فمهُ ببرودٍ قبل أن يلفظ بنبرةٍ متبلدة وهو يركِّز بملامحِه : ومين الأخ؟
اشتعلت عيناه بشر، وانبثقت ابتسامةٌ ماكرةٌ على شفتيه وهو يمدُّ يده فجأةً هاتفًا بصوتٍ عميقٍ وعيناه تتعلقان بعيني أدهم مباشرةً في اتصالٍ واثق : ليث ، ليث السّعد
أخفضَ أدهم نظراته إلى كفِّ شاهين وهو يرفع إحدى حاجبيه دون اطمئنانٍ لهذا - الليث -، لكنّه أخفى ما اعتمل في صدره وهو يهتف بسخرية : أفهم من هالحركة صُلح؟
شاهين بنبرةِ ثقة : هو احنـا تخانقنا عشان يكون بيننا صلح؟
أدهم يبتسم بتسلية، شدّته نبرته الواثقة، عينيه الشرستين، وبالرغم من كونِه لم يطمئن لهُ إلا أنّه مدّ يده أخيرًا ليلفظ بتمهلٍ مصافحًا له : تشرفنا ، أستاذ ليث
شاهين شدّ على يدهِ بقوةٍ وتمنى لو يحطّمها، هتفَ بابتسامةٍ أظهرت أسنانه : دكتور ليث لو سمحت


،


شدّ على يدها بقوةٍ أكبر وهو يجتذب جسدها الذي كانت تسحبه للخلف حتى تفلت من يده، وبِقسوة وجّه نظرةً غاضبةً إليها قبل أن يُحيد ناظريه وينظر لامه بكبت : إذا كانت غلطت عليك فالسموحة
تنهّدت أمه وهي ترفعُ إحدى كفيها وتغطي بها عينيها، وبصوتٍ فاتر : ما عليك ، ماصار الا الخير
" أيّ خير "! كان سيهتف بها وهو يكادُ يجزم أنّها قد قامت بما هو سيءٌ تجاه امه، يعرفها، يعرفها جيدًا ويدرك أنها لن تهتم لمن هو أمامها، إن كان والدها وقد تصرّفت معه بطريقةٍ مخزيـة فكيفَ بامه؟! تصاعَد غضبهُ أكثر، وأفكاره اتّجهت إلى ما فعلته، لقد تمرّدت كثيرًا، تمرّدت حدّ أنها تطاولت على امه، وتجرأت أيضًا على التفكير بالإبتعاد! ... لم يردَّ عليها وهو يشدّ على يدِ جيهان بقوّة، بغضبٍ اتّصل بمساماتها لتستشعرهُ في شدِّه الذي آلمها، ليسحبها أخيرًا خلفه مع كلماتها التي انفجَرت صارخـةً غاضبةً في اعتراضٍ انبثقَ من حنجرتها حتى أنها ألقَت عليهِ شتائمَ حادةٍ كانت كالوقود التي ضاعفَت نار غضبهِ في حينِ كان من الجهةِ الأخرى يحاول إخمادها أو ضعفها، يحاول أن يقلل منها قليلًا، وأن تبتعد عن هذه الضراوةِ التي تتضاعف، ولم تكُن هي لتساعدهُ في ذلك.
صوتُ امه اعتلا من خلفِهم، وخطواتها لاحقتهما، إلا أنّه لم يكن ليسمعها الآن وقد غطّت أذناه غشاوةً من الغضب، وصَلت خلفهم حتى عتبات الدرجِ وتوقفت متنهدةً وهي تراقبهُ يصعد بمن تحاول المقاومةَ والفكاكَ من يدِه، ما هذهِ الحفرةُ التي وقع فيها ابنها يا الله!! . . تراجعَت للخلفِ وغيومُ الأسى تُزمِّل ملامحها الحزينةَ لابنها، لم تكُن هي الخيـار المناسب له، لم تكن ولن تكون! ولطالما أحبتها لكنّها لم ترى فيها الزوجـة المناسبة، لطالما كانت تحلم بابنها يقفُ وبجانبهِ " أرجوان "! نقشَت أحلامها الأمومية فيهِ وفي أرجوان فقط، ولم تتخيّل يومًا أن تقفزَ جيهان لتتلاشى صورة أرجوان، لكنها كانت لترضى رغمًا عنها حينَ ترى في ابنها سعادةً بها، وهي التي كانت تدرك حبَّهُ لها منذ زمن، قبلَ تلك الحادثَة التي صارت لكنّها كانت تلمِّح لهُ بطريقةٍ غيرِ مباشرةٍ أن ابنة عمه أرجوان هي الأمثـل ، وجاءَ القدرَ معارضًا لما أرادت هي، وليس كلُّ ما يتمناه المرءُ يدركهُ ...

في الأعـلى.
لا تدري كيفَ نفَر النقابُ فجأةً عن وجهها وكشفَت ملامحها عن الوجَعِ الذي ينخرُ مساماتها، كيف سقطَ فجأةً وأين! لا تدري ، فقَط يدها تحطمت، وإن لم تكن تحطمت فهي قاربت على ذلك، بدأ الألمُ يُهلكُ إرادتها في الابتعادِ لتخرج من المنزل، وتصاعدتَ إرادتها فقط في تركِها، آلمها! تريد منه الآن تركها فقط حتى يجعل عظامها تتنفسُ بعيدًا عن هذا الألـم! بعيدًا عن هذا الغضبِ الذي أوهَن يدها.
تصاعدت آهاتها وهي تُرخي مقاومتها وتترك لقدميها الحركَة بعيدًا عن جرِّه لها والذي يُضاعف الألمَ الذي تمركزَ في يدها، أغمضَت عينيها بقوّةٍ وتقوّست شفتاها وجعًا بينما تغاضَت عن كلِّ شيءٍ ما عدا يدِها، لم تعُد تريد الخروج، ولم تعد تريد الذهـاب مع خالِها ، ليترك يدها فقط!!
سمعت صوتَ بابِ الجناح يفتح بعنف، بينما كانت آهاتها لا تقف، وصوتُها دونَ شعورٍ منها يتسلل بين آهةٍ وأخرى هاتفًا بنبرةٍ مستوجعة " يدِي ".
لكنّه بغضبٍ كان يتجاهل نبرةَ الألم التي يقرأها في صوتِها، وما إن دخَل حتى دفعها أمامَه تاركًا يدها قبل أن تترنّح قليلًا وحقيبتها السوداءُ تسقُط بينما ترتفع كفّها الأخرى لتمسك بالموؤدةِ بين قضبانِ قبضتِه، ودون مقدماتٍ سقَطت دمعةٌ أردفتها بأخرى وهي تنحني ألمًا وتضغط على يدها الصارخةِ بوجَعٍ وصوتها ارتفعَ بأنينٍ مُعذِّب، أنينٍ جعل غضبهُ يتصاعد وهو يستدير ليغلق البابَ بعنفٍ قبل أن يعود ناظرًا إليها، وبصوتٍ غاضبٍ انبعثَ من أعمقِ ظلامٍ فِيه : والله والله ، لو أشوفك مرة ثانية تعتبين بابَ البيت وتسمعيني كلامك الفاضي إنّي لأخليك تشوفين النجوم بعز الظهر
لم تردّ عليه وهي تنظر ليدها المُحمرّةِ وتبكي، ليسَ بكاءً منهُ أو من كلماتِه بقدر ماهو عزاءٌ لبشرتها البيضاء التي احمرّت ولا تستبعد أن تنتشر الزرقةُ فيها بعد دقائِق، بينما اقتربَ منها أكثر والغضبُ ينشرُ السوادَ في عينيه، وبصوتٍ حادٍ أردف : ما أدري وش صار بالضبط، بس متأكد مثل ماني متأكد من وقوفي الحين إنك أنتِ اللي غلطانة عليها
زمّت شفتيها تكتم شهقةً خافتة، بينما عيناها تلتمعانِ بدمعٍ شفافٍ ينشر الاحمرارَ في عينيها بملوحتِه، بحرارتِه الكامنةِ في مدى الوجعِ الذي يتنامي في صدرِها قبل يدِها، قبل جسدها، قبل عينيها الباكيتين . . رفعَت كفها التي تحضنها الأخرى إلى صدرها وهي تنظر للأرضِ بصمتٍ يتخبّط على سطحِ فمها بينما الكلماتُ تتصارع بين حنجرتها وفمها تريد الاندفـاعَ إليه، وكانَ لها ذلك إذا ارتفعَ رأسها إلى فواز ونظرتها يتجانس فيها الوجعُ مع القهرِ والتمرد، وبنبرةٍ حادةٍ اندفعَت صارخـةً في وجهه : أيـــه أنــا ، أنـا اللي غلطت عليها مين قالها تجي لين عندي وتدق بابي؟ أجل * بنبرةِ سخرية * ما تبين تتغدين معانا اليوم؟ ما تبين تطلعين من غرفتك؟
زمّت شفتها بحنقٍ وهي تُردف بحقدٍ ووقـاحة : طردتها، قلتلها ما أبي أشوف وجهك، ولا أبي آكل معاك .. لا وما وقفت على كِذا لعلمك! ، راحت تحاول تعتذر مني على اللي صار قبل سنَة وأنا تلاسنت معاها وصارخت بوجهها وقررت إني أطلع من هالبيت لأن .. * ببطء * و جـ هـ هـا مسبب لي القَرفْ و ....
انقطَعت سيل كلماتها فجأةً حينَ شعرَت بلسعةِ كفِّه التي سقطَت على وجنتِها، انكسَرت نبرتها في منتصفِ الطريق واتّسعَت عيناها بصدمةٍ من الألمِ الذي طالَ فكّها، ثمّ روحها في اهتزازِ شفتيها وعينيها اللتين اتّسعتا ناظرةً لملامحه دونَ حراك، وكأنّها حُنِّطت حيةً في ظرفِ - صفعة -!


يتبــع ..


كَيــدْ 29-08-15 10:45 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 






التقَت أعينهما، خطواتها قلّصت المسافـة الفاصلةَ بينهما، الحُزنُ يشقُّ طريقهُ في ملامحِ إلين، الوهَن يُصيبُ زوايا عينيها ويُسكن في حناياهما السقوط، ذاك السقوط الذي تأتي المقاومةُ محاولةً إمحاقِه، هل تكفي هذه المقاومـة؟ هل تكفي لتُنقذي نفسكِ من ذلك القاعِ الذي يُحاول اجتذابكِ بكلِّ قوةٍ وتسلط، هل تكفي نزعةُ الإصرارِ فيك؟ . . أنتِ مُقصّرة، مع نفسك، مع حياتِك، مع العُمر الذي ينقشُ فيكَ اثنتانِ وعشرون سنةً ماضيـة، تظلمين نفسك وجدًا في دمعاتٍ " حرام والله تجي من عيُونك "، كم أبغضُ اللذين يكفكفون ابتسامتـهم ويتقوقعون حول حزنهم في صورةِ عثرةٍ لينسى كم أن الطريق كان منذ البدايـةِ مستوٍ، كان مُنيرًا كفايـةً ليجعلك تنسين أي حزنٍ قد يجيء، - قد يجيء -، ولم يجِئ بعَد، الحُزنُ يسبب الشيخوخـة، يجلبُ التجاعيدَ حول الروح، الحُزن آفةٌ عقيمة، " فايروس " لم يجِد لهُ علاجًا حتى الآن، ضاحكًا بمكرِ الثعالبِ يُصيب الضعفـاء، الضعفـاء وكم بودي لو أصرخ قائلةً " أمثــالك ".
حشرت كلماتها في فمها، عضّت زاويةَ شفتِها السُفلى وهي تلوي الكلماتَ القاسيَة في حُنجرتها، وتنهّدت بهدوءٍ ظاهريٍ لتقترب أكثر حتى جلسَت بجانبِها بينما نظراتُ إلين المهتزّة تتابعها، بللت هديل شفتيها وهي تنظر للأمـام، تُحيدُ عينيها عنها، قبل أن تلفظَ بصوتٍ جامـد : وش كنتِ تتوقعين ردّة فعلي مثلًا؟ أصارخ وأقول ليه ما علمتيني من قبل؟ أستفسر أكثر عن الموضوع وأكون البنت المصدومة واللي ما تخيّلت شيء يتجسّد عن الأفـلام وأهيئ للنهايـات السعيدة؟ . . صدقيني ولو إني تفاجئت بس الموضوع ما همّني لدرجـة إني أجلس أفكر فيه وأتحمس تجاهه ، أنا أصلًا لو كنت مكانك كنت بستحقر الموضوع بكبره
أجفلت نظرات إلين الناظرةِ إلى جانِب ملامحها، اهتزّت دمعةٌ في عينيها وتحشرجَ صدرها بكلماتٍ عديدة، أي استحقار؟ أي كلمةٍ فظيعةٍ هذهِ التي استطاعَ لسانها لفظها تجاهَ حياتِها . . اختنقَ تنفسها المُضطرب وأخفضَت رأسها بعد أن صدّت ملامحها عن هديل، بينما كانت الأخرى تستشعر الجمودَ الذي أصابَ إلين، إلا أنها شدّت شفتيها بإصرارٍ وهي تُردف : لو مكانك بستخسِر الحزن نفسه لظهورهم بحياتِي ، مو بس الفرَح
استدارَت إليها وهي تلحظُ انقباضَ كفيها على فخذها، اهتزازَ شفتيها محاولـةً أن تخفي انفعالَ الحُزن الذي بدأ يترسّبُ بشكلٍ أعنفَ على ملامِحها، ربما ستفكِّر الآن أنّها أنانيـة، أنّها المُدللةُ التي تمتلك عائِلةً ولن تشعر بنقصها أبدًا، لن تشعرَ بجوعها لشيءٍ امتلكهُ الكثير وفقدَه الجزء الآخر وكانت هي من هذا الجُزء، ربما ستفكِّر بذلك، ولْتفكـِر، وحدهُ الله يعلمُ ما الخيْر الذي لابد من أن يضعَهُ هنا وهناك، والخيرُ في ابتعادِها عن مجتمعِ هذه العائلة المنحلّة من هذا المعنى، أيُّ عائلةٍ تلك؟ بالله أي عائلةٍ تلك التي فرحتِ بها واستبشرتي بظهورها حيـاة، تمتلكينَ من الغبـاءِ الكثيرَ لتفكري بأن العائِلة لفـظ، العائلةُ معنى أكبـر ، إحتواء، وهذا الإحتواء لم يكُن يومًا في عائلتكِ التي تفتخرين بظهورها.
لو كانت هي مكانها، للفظتهم، لو كانت هي مكانها، مافكّرت بهم قط، لو كانت هي مكانها، لقطّعت سبل أفكارِها إليهم، لمضَغت كل فكرةٍ حلوةٍ عنهم كعلكٍ تذهبُ لذاذته بعد دقائق.
وقفَت وهي ترفعُ ذقنها ونظراتُها تتثبّت على ملامِح إلين الساكنـة، بينما أردفَ صوتُها بنبرةٍ تحملُ من الهدوء مالا يتناسبُ مع كلماتها : المفروض ترفعين يدِّك لربي وتشكرينه وتدعينه يبتعدون عنك لباقي العمر ، صح للحين ما فهمت كل شيء بس يكفي انّ عقلي مستوعب كمّية الحقارة اللي فيهم عشان كل اللي صـار
بللت إلين شفتيها وهي ترفعُ رأسها ليظهر العذابُ الذي يعصف بعينيها في صورةِ اهتزازٍ أصاب حدقتيها الواهنتين، بينما طالَ الاهتزازُ شفتيها أيضًا وانحشَرت الكلمات بين حنايا فمها، والتقى عذابها بنظراتِ هديل ، ماذا عساها تقول؟ عقلها في باطنِه يدرك كل شيء، يدرك أنّها نعمةٌ عظيمةٌ ربما أنها ابتعدت بهذا الشكل عنهم، لكنّها لا تريد تصديق ذلك! وكيف عسى لفتاةٍ مثلها أن تفكِّر بتلك الطريقةِ بينما ارتفعَ سقف أحلامِها وتصاعدَت هي مع السحب في معانقةٍ للسمـاء، تجاهلت كل الأفكـار السلبية وكانت لتقترح الأعذار لنفسهم إن أرادوا! المهم أن يستوعب عقلها المفاجئة التي يحتاجها كل البشر، عائلةً تحتويهم وإن كانت فقدَت فيهم الاحتـواء.
ثبتت أنظارهما لثوانٍ، واختزَلت هديل الوقت الذي قد يطول بصمتهما لتهتف بصوتٍ خافَتٍ رقيق : ماراح أمنعك من افكارك ، بتقولين أنانية؟ بس أنا بقولك إني حزنت عشانك لما عرفت الحقيقة . . أنتِ أكبر من إنهم يستاهلونك
إلين تقلّصتْ الكلماتُ في حنجرتها، سُدّت مخارج أحرفها وانتفَض وجعها في تقوّس شفاهها نحو الأسفل معاكسةً اتّجاهَ الألـوانِ بعد المطرِ في " قوسِ الرحمن "، معاكسةً الجمال الذي يُصاحبُ رائحة المطرِ وكم جفّف الفرحُ نفسه في سنةٍ واحدةٍ لتنسى هطولَ المطرِ الذي صاحبَ سنواتِها السابقة، جاءتها سنةٌ عجافٌ لم تلقَ فيها سنبلةَ الفكَاك لتنهمرَ الأحزانُ في جوفها ، تلألأت عينيها بحزن، لتفغَر هديل شفتيها وهي تهمس بتحشرج : لا ، لا تبكين واللي يخليك
عضّت شفتها بقوةٍ وهي تُسدل أجفانها بعنفٍ مصارعةً البُكاء، بينهما وجَدت الأحرف مخارجها والصوت استوت حبالُه في نبرةِ بحّة : ما يستاهلون حزني صح؟ طيب أقنعي دموعي والله ما تقوى!
هديل بتأثر : لا تصيرين درامية
ابتسمت إلين بحزن : مو مني ، من واحد وعشرين سنة عشتها على أساس أنتم أهلي، بس جات سنة وحدة بيّنت لي الحقيقة! .. مين أخادع؟ أنتم منتم أهلي! أنتم الحيـاة بكبرها اللي عشتها ، بس أنا أبي أهل ، ما أبي بس الحياة .!!
هديل تمدُّ يدها لتُمسك بكفّها اليمنى محتويةً البرودةَ في بشرتِها، لفظَت بصوتٍ جازِع : أكسر راسك؟ أعلم أبوي يكسر راسك؟ .. تدرين أنه بيزعل لو سمع كلامك؟
إلين وابتسامتها تتسع بينما الدمعاتُ الملاح تتماوج في عينيها لتسبَح أحداقُها فوقهما كسفينةٍ وحيدةٍ دونَ ركّابٍ في ليلٍ طويلٍ بارد : جعل راسي فدا راسه
هديل بضحكة : يعني ما أقوله؟
إلين : قوليله بس أبي أجلس معاه ، تدرين؟ اشتقت لهواشاته لي لما أرفض أطلع من البيت وأونس عمري
هديل : ما غلطت لما أسميك نفسيَة
إلين تنفخُ فمها قليلًا وهي تترك دمعةً تسقط من عينها اليُمنى : الطلعات مملة ، وش فيها الرياض غير النّكد لا سافرنا وقتها صدقيني بطلع ، بس حفظت الريـاض خلاص
تركَت هديل يدها لتلوي فمها وهي تهتف بصوتٍ مشدود : وي ! عاد الريـاض اللي ميّتة على وجهك النحس ... يا نكديَة
ضحكَت إلين بخفوتٍ وهي تمسح دمعتها وتتركَ لروحها حقَّ الاستمتاعِ بضحكةٍ متخلخلةٍ لأجوائِها الغائمة . . ستنقشعُ الغيوم! أليسَ كذلك يا الله؟ سينقشعُ الحزن وستُفرجُ كما أفرجتَ على يوسفَ بعد سنواتِ الغيـَاب، كما أفرجت على يونسِ بعد تواريهِ في بطنِ الحوت، كما رافقتَ مُحمدًا في سنواتِ رسالتِه صابرًا محتسبًا ، كلُّهم ممن سيدخلون جنّتك، لكنهم كانوا لا يتوانونَ عن ذكركَ والصبر، فمن أنا منهم؟ من أنـا لأنسى الصبرَ والثقةَ بك؟ ... سأستندُ لجذعِ نخلةٍ تواري سوءاتَ حُزني، وسأدعوكَ بصبرٍ " اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين "، ليلفظني أخيرًا بطنُ السوءِ وسجنُ الأسى، وأسيرَ خلف أسلافِ الصابرين. إلهي أنتَ ربي، ولا خيبةَ لي إن كنتَ ربي.
مسحَت على أرنبةِ أنفها ومن ثمّ عادت لتغرسَ الجفافَ في عينيها بضغطها على جفنيها، ومن ثمّ أكملت رحلةَ المسح ما بين وجنتيها وشفتيها وحتى جبينها، لتغسل كلَّ مسامةٍ قد تتفجّرُ بعرقِ الضيق. استنشقَت ذرّات الأكسجين بعمقٍ وهي تراقبُ عينا هديل الناظرتين إليها بصمتٍ تتابعُ ما تفعل، قبل أن تبتسم هامسةً بامتنانٍ لها : أوعدك هديل ، هذي آخر مرة بسمح لنفسي أبكِي عشانهم ، عشان ناس ما يستاهلون، هم ما يستاهلوني، أنا أعظم من أنهم يستاهلوني ، صح؟
ابتسمَت هديل ابتسامةً واسعةً وهي تومئ براسها، بينما وقفَت إلين تُشبعُ دمها بجيناتِ الأملِ لتجري في كاملِ جسدها، وبصوتٍ يبتسم كما عينيها : وعشان أثبت لك، بتنازل اليوم للريـاض وبطلع
هديل بابتسامةٍ وهي تقف : والله يا إنك ما تسوين ظفر الرياض ، يا نكديـَة


،


خرجَت من الحمامِ تُجفّفُ شعرها البندقي، تشعرُ بالذبول يطول جسدها المتيبّس، ولن تستنكر هذا الذبول بما أنّها تبيت معظم يومِها فوقَ سريرها الذي تبلل بحزنها . . زفَرت وهي تقف أمام المرآة وتضعَ المنشفةَ على كرسي التسريحة، لترتفعَ كفّها اليمنى وتمشّط شعرها الرطبَ بأناملها البيضاء، تشردُ قليلًا أمـام ملامحها المُنعكسةِ في المـرآة، تعودُ لأيـامٍ طويلةٍ للـوراء، يومَ كانت تتمشى في شوارع بروكسيل مع فـارس، ذاتُ اليوم الذي قابلَت فيه تلك الفتـاة لأول مرة، من كان يتخيّل أن تصير هي ضرتها؟! .. يا الله! ما أقسى تلكَ الكلمة، ما أقساها وما أقبحها تحديدًا إن كانت منها هي، كم تشعر بوقاحتها ورداءةِ موقفها أمامـها، تشعر أنها إن قابلتها ستصدُّ دون القدرةِ على مواجهتها، بأي وجهٍ ستقابل؟ بأي وجهٍ وهي التي سرقَت زوجها؟!
عضّت طرفَ شفتِها وهي تشدُّ خصلةً من شعرها لتُفرغ القليل من شحناتِ قهرها فيها، اليوم سيعُود والدها، كم اشتاقت لرائحتِه في المنزل، كم اشتاقت لصوتِه وابتسامته، كم اشتاقت لعينيه.
أغمَضت عينيها وهي تُطرق براسها في انكسَار، وانخفضَت كفاها لتسندها على سطحِ التسريحةِ لتنظر للفراغِ بِفراغ! هي وردةٌ ذابلةٌ في بستانٍ جميل، تتخيّل نفسها زوجةً لذاكَ المتزوج، لا تناسبه، هو لغيرها وهي التي دخَلت بينهم، لا تناسبه بتاتًا!!
استنشقت الهواءَ المُحمَّل بعبيرِ شعرها، واستقامَت في وقوفها وهي تصلب ظهرها المحنِي، ومن ثمّ أمسكت بصدريةِ روبها حتى تخلعه وترتدي ملابسها.

بعد دقائق من انتهائِها.
شدّت شعرها بإهمالٍ في صورةِ " كعكةٍ " مشعثةٍ لثبّتها وتخفض يدها تاركـةً لخصلاتٍ عديدةً من شعرها حق السقوطِ على ملامِحها، نظرَت ناحيـة البابِ الذي كان يُطرق، وازدردَت ريقها وهي تُدرك جيدًا بأن الوقتَ قد حان، لكنّ صوتها كان قد تقوقَع في نبرتِه حول الخـواء، وتوتّرت نظرةُ عينيها في خطٍ مديدٍ بينها وبين الباب الذي أصبَح بعيدًا، بعيدًا جدًا، بينما بدأت شفتاها تهتزان بضعف، لكنّها عضّت السُفلى منها حتى تُسكن ضعفها، ومن ثمّ تحرّكت قدماها ما إن سمعَت صوتَ فارس : عجلِي جنان ، بنطلـع


،


هروَل الوقتُ سريعًا، وانحصَر هو في دائرةٍ سوداءَ أنارتْ فجأة، انتشرَت حولها إنارةٌ بيضـاء تُسرِّ الناظرين، بقيَ يستمع للجالِس أمامـهُ بانشداه، بشفتين فاغرتيْن وأذنانِ تستقبل كلماته ببعض الأمل، ويبقى الحذرُ لا يموت! لن يستطيع تسليمَ ثقتهِ لهُ بكل بساطة، لن يستطيعَ ذلك والزمنُ علمهُ عدمَ الثّقة ، لكن بصيصَ أملٍ كان يُداعب صدره، يُداعبُ الكلماتَ في حنجرته، يداعبُ حنينهُ للأيـام السابقةِ ضمنَ عائلتِه ومن يُحب . . بلل شفتيه بغصّةٍ وهو يعقدُ حاجبيه وينظر للجالِس أمامـه تفصلُ بينهما الطاولـة، وبصوتٍ متعرقل : تتوقع مني ثقة؟
الرجُل بجمود : أتوقعْ منك احتيـاج لناس مثلنا
ماجد بشك : وش يضمن لي صدقك؟
الرجُل يُخرج بطاقةً من جيبِ سُترتِه الداخلي، قدّمها لهُ على الطاولـةِ ليُردف بهدوءٍ وثقة : هذي هويّتي العملية ، تقدر تتأكد إذا صادق أو لا
نظَر ماجد مطولًا للبطاقةِ التي تُثبت طبيعةَ عملِه ضمن سلكِ المباحث ، حينها ازدردَ ريقهُ وهو يرفعُ نظراته إليه بعذابٍ يتصارعُ في أحداقِه : وش يثبت لي إن هالهوية حقيقية ماهي مزورة؟ أستاذ فيصل!
عدّل فيصل ياقَة قميصهِ بعد أن استعاد بطاقته، وبثقةٍ لفظ : ما عندي شيء يثبت لك ، بس كفايـة إني جالس معك بكل بساطة وممكن أعرض نفسي للخطر، أكيد حاط في بالك إنك مُراقَب
قطّب جبينهُ بهوانٍ وهو يزفر، أجل يُدرك، من بعد ذاك الاصتدامِ مع السكيرِ أصبحَ يُدرك . . نظرَ مطولًا للشابِ الذي تظهر الثقةُ في عينيه وكلماته، وبِشكٍ لازال يجري حتى الآنَ على نبرتِه ولا لائِمَ له : هذا ما يكفي ، وش يضمن لي إنك مو معاهم أصلًا؟
وقفَ فيصل بهدوءٍ والحديثُ قاربَ على الإنتهاء : مافيه شيء يضمن لك ، وأنا ما أقدر آخذ وأعطي معك أكثر وأنا ما أدري ردك للحين ، فخذ رقمي وإذا بغيت تتوكّل علينا بعد الله هذا راجِع لك
تابعَ ماجد الورقَة التي وضعها فيصل وتحمل في وسطِها اسمهُ وأسفلهُ رقمه، بقيَ يتطلع بها ببهوتٍ بينما ابتعدَ فيصل عنهُ بهدوءٍ ليرفعَ ماجد رأسه متابعًا له، كيف يثق به؟ أيعقل أنه صادق؟ ولكن لو كان صادقًا فكيفَ قد يجلس معه بتلك البساطةِ دونَ أن يضعَ في عقله اعتبارَ أن يجلب الخطرَ لنفسه، أو يُضاعفهُ لديْه هو!!
أغمضَ عينيه بعد أن غابَ ظلّهُ عنه بينَ الزحـام، وعادت عيناه للنظرِ إلى الورقةِ وأمل يداعب الحنينَ في صدرِه، أملٌ سُقيَ فجأةً دونَ أن يترك لهُ الإثمـار وهو الذي لم يتأكد بعد من الماء الذي يُسقِيه إن كانَ ملوثًا أو لا ... مدَّ يده للورقةِ ليتأمل الرقمَ للحظات، يُتابع اسمه الرباعيَّ بأمـلٍ وأحلام تصاعدت أكثر، قلّبها بانشداهٍ والتفكير يعصفُ به من كل حدبٍ وصوب، هل يثق؟ هل يُسلم مصابه له؟ هل جـاء الفرجُ وسطعَ في الأفقْ؟ إلهي! هل جــاءْ؟! . . انتبهَ لكلماتٍ كُتبت خلفَ الورقة، تابعها بصمتٍ وعيناه تلتمعـان .. " بعد هالجلسة بيننا ، صرت مراقب منا وتحت حمايتنا "


يتبــع ..


كَيــدْ 29-08-15 11:14 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 





غاضب، ملامحه مشتدّة، التشنّجُ طال كفّهُ التي امتدّت قبل ثوانٍ إلى وجنتها ولن يطولهُ ذرةٌ من الندمِ حين يسحبها إليْه، طـال الصمت، جدًا طالَ وطال معهُ صبره، لطالما كان يصمت، يتجاهل، حتى حين تحدّثت من قبل بطريقةٍ وقحةٍ عن امه امسكَ زمـامَ غضبه، لكنّ الصبر ما عاد يجدُ في صدرِه موطنًا فعادَر منذ أولِ كلمةٍ مهينةٍ اندفعَت من حنجرتها تجاهَ والدته قبل ثوانٍ، تجاه امه التي يضعُ حولها حاجزًا فولاذيًا تحاول بكل تمردٍ مقيتٍ تحطيمه، إن كان الصمتُ ماعاد يُجدي فلن يتوانَى في أن يستخدمَ الذي قد يُجدي.
تجمّدت ملامحها أمامه، فغَرت شفتيها والهواءُ ما عاد يعبر إلى رئتيها عبورًا طبيعيًا، تعطّلت وظائف تنفّسها فكانت ردّةُ الفعل أن تفغر فمها محاولـةً جذبَ الهواءِ الذي ينقطعُ إدراكـهُ عنها . . وجنتها تشتعل، صدرها تحشرجَ بصدمتها، ولازالت ملمسُ كفِّه الساخنـة تزرعُ نفسها بهيمنةٍ على وجنتها المُلتهبة.
اقترَب منها أكثر والصدمةُ شلّت أي شعورٍ آخر قد يواتيها، نسيَت الإدراكَ والكلمـات وانحشَرت في صومعةِ صفعتهِ التي تكررت على مرأى عينيها مراتٍ ومراتٍ لتجلد ذاكرتها، شعرَت بهِ يُمسك كتفيها بقسوةِ كفيه التي امتدّت إحداهما إليها لتلفظها في بحرٍ لا قرارَ له، وكأن كفّيه كانتا التيّارَ الذي سرى بقوّةٍ في جسدِها لينتفضَ بهِ فجأةً وينتقل ألـمُ وجنتها لكاملِ أوردتها، شهقَت بقوّةٍ وهي ترفعُ كفّها اليمنى لتُغطي بها وجنتها، وعيناها المتّسعتان لفظَت دمعةً مستوجعةً بسيفِ صدمتها وبأسِ ما حدَث، لقد صفعها! صفعها للتو!! ، تهادى جسدها في بئرٍ لا قـاع له، اختزَل الوجعُ طريقهُ بين حدقتيها وكل قسوةٍ تمثّلت في يدهِ انتقلت إلى صدرها الذي نزفَ ببُكـاء، ليسَ ذلك! ليسَ ذلك، ماهذا الوجعُ الذي انتشرَ في صوتِها الساكن، ما هذا الشعورُ القاتل بالإختناق، تشعر أنّها هوتْ بعد صفعته، لا تحمل الدنيـا في عينيها، لا تستوعبُ شيئًا.
ملامحه الغاضبـة كانت تقابلها مباشرة، كفّيه كانتا تهزها بغضبٍ وهو يهتف بكلماتٍ لم تسمعها، كلماتٍ تجزم أنها عنيفةً لكنَّ عنفها لم ينصبَّ في أذنيها اللتين فقدتا حاسة السمْع، وكم حمَل من القسوةِ الكثير حين فعل ما فعَل، ألا يُدرك أنّ ما قامَ بهِ موجع؟ ألا يُدركُ أنّ كل أذيّةٍ قد تأتيها منهُ لا تساوي شيئًا أمـام صفته؟ . . ارتعشَت شفتاها بعبرةِ البكاءِ الذي بدأ يتصارعُ ببحته في حنجرتها . . قاسٍ والله، قاسٍ حين امتدّت كفّك بهدفِ معاقبتِي، قاسيةٌ تلك الكف! التي لطالما كانت مُتوكأً لأدمعي، كانَ مقامها أن أضعَ وجنتي عليها لينتشر دفئها الحنونُ في بشرتي، وليسَ العكس، ليس أن تندفعَ هي بقسوتِها إليْ وتحرقَ تلك البشرةَ التي تستند عليها.
أغمضَت عينيها بقوّةٍ وأذناها أخيرًا استوعبت القليلَ مما يقول، القليلَ من صوتِه الذي اندفعَ إليها بحرقة : ليييش تسوين كل شيء غلط؟ تجبريني أتعامل معك بطريقة ماقد تعاملت فيها مع أحـد .. أنتِ أيش؟ إذا بتجرحيني أقبلها، سوي اللي تبينه فيني بس أمي لا! . . أنتِ سمعتي الكلام اللي طلع منك؟ سمعتيه؟!!
كان بين كلمةٍ وأخرى يهزّها بقهر، بالغيظِ الذي انتشرَ في كاملِ جسده منذ أول كلمةٍ لفظتها تجاه والدتِه، تستحقُّ تلك الصفعة، تستحقها وإن كان لم يتخيل يومًا أن تمتدَّ كفه بقسوةٍ على بشرتِها الناعمـة، لكنّها هي من دعتْه! هي من نادَت كفه وليس هو من قام بما قام بملءِ إرادتـه ، تجبرينني على مالا أريد ، على مالا أريد وكم تهوين أنتِ كل كل مالا يأتِ ملء ارتضائـي . . نظرَ مطوّلا لوجنتها التي تُغطِّيها بكفها، لن يحملهُ العطفُ أو حبهُ عليها هذهِ المرّة، لن يتهاون معها إن تجاوزت مرةً أخرى . . نقلَ نظراته إلى عينيها اللتين تنسدلانِ بانكسارٍ والصدمةُ لازال ظلّها يواري زواياهما، ومن ثمَّ تركَ كتفيها وهو يتراجع بغضبٍ لا يبور، وبصوتٍ قارسٍ صقيعيٍ هتف : هذا تحذير لك ، وياويلك لو مرّة ثانية تطاولتي عليها بكلمة ، إذا ما كنتِ احترمتي أبوك أو احترمتيني أنا فغصب عنّك تحترمي امي
تحشرجَ تنفسها مرتيْن، وضاعفَ هو من قسوتِه حين قال " أبوك "، ضاعفَ من حدّةِ سيفِه التي مررها بكل ساديّةٍ على قلبها المجروح، قلبها الذي يتوارى خلفَ الوجعِ والنزفِ بصمت .. انقباضاتٌ صامتةٌ كانت تجري خلفَ أضلعها، بين كتفيها، انقباضاتٌ صامتةٌ تضخُّ موجةً عاتيةً من الألمِ الذي ينتقل في كامل جسدِها ليمرَّ بدماغها وينتهي مرةً أخرى لقلبِها.
فتَحت عينيها الميتتين لتقابلَ عيناه القاسيتان، وانقبضَت كفُّها على وجنتها لتُضاعف ألمَها، بينما كان حاجباها يتمايلانِ بحُزن، وصوتُها يُصارع بكلماتِها الحزينَةِ ليخرج، حتى تسلَّح أخيرًا بالقدرةِ ليتسلل من بين شفتيها خافتًا واهنًا يعربدُ فيهِ العتاب : تضربني يا فـواز؟!
قسَت نظراته أكثر ولم يسمح لليونَةِ أن تواتيه، بينما عضّت شفتها السُفلى وهي تُردف ببحةٍ وذهولٍ مستوجِع : تضربني؟ يدّك تضربني وأنا اللي ما تخيلتك بيوم ممكن تسوِّيها؟!
زمَّ شفتيه بغيظٍ وهو يَشتت حدقتيه بغضب، بينما اندفعَ صوتها باكيًا متألمًا : مشكور ، بارك الله في جرحك ، بارك الله فيك
فواز اشتدّ الغضبُ في عينيه، وجّه نظراته إليها بحدّة، واندفعَ صوته بقسوةٍ اخترقَت خاصرتها في وخزٍ متتابع : الله لا يبـارك فيني إذا تجاوزت عنّك أكثر
شهقَت بخفوتٍ وهي توجّه كفها من وجنتها الملتهبةِ إلى فمها لتغطيها ببكاء، وبصوتٍ يختنق ما إن يصتدم بكفِّها : أوجعتني الله يوجَع عينِي اللي المفروض ما تبكي بسببك ، ما تستاهل دمعة والله
فواز بحدة : أوجعْتك؟ أنتِ حرام تتكلمين عن الوجع، وباقي لك عين!!
جيهان تهتزُّ حدقتيها بالنظر له : أجل أنت اللي يجوز لك تتكلم عن الوجع؟ ، اللي سوّيته كبير يا فواز، اللي سويته أعظم من إني أقدر أتجاوزه . . كل شيء يهون ولا الضَرب
أغمضَ عينيه بغضبٍ يحاول إسكانَه، بينما كانت أسنانه تمارسُ ضغطها على شفتِه العليا، شدّ عليها حتى انتشرَ الألمُ فيها، لكنّه برغمِ الأحداثِ حوله غفِل عن ملابساتِ الألـم في شفته، وأفرجَ عن عيناه لينظر لها بحدة، بيأسٍ منها : مشكلتك في " كل شيء يهون "، ماخذة الزواج ووضعنا على مزاجك، مستصغرة كل شيء ممكن تسوينه لكن إذا صارت المسألة مني وقتها تصير عظيمة! ، أيه أدري إن الضرب عظيم، بس أنتِ اللي حديتيني ، وماراح يآخذني الندم ، تستاهلين أكثر!
قالَ كلماته تلك لتنتهي بصوتِها الذي ارتفعَ باكيًا وهي تُغطي وجهها بكفيها، لم تتخيل يومًا أن يُصيبها هو في مقتل، أن يستبيحَ وجنتها في صفعة، لم تتخيل يومًا أن يأتي هذا الانتهاكُ منه، أن يخسرَ مكانتهُ في عينيها . . أطلَقت العنانَ لدموعها وصوتِها الباكي ليكسرَ حشرجتهُ في صدرها، وسمحت لكل قسوةٍ جاءت من كفهِ أن تنسدل مع كل دمعة، دون أن يغيب أثرها في قلبها المجروح، وفي تلك الأثنـاءِ كان صوتُ هاتفها يرتفعُ برنينهِ ولم تكد وقتها لتسمعه، بينما كان الإدراك قد أصابَ فواز الذي غيّب أذناه عن بكائها وانحنى ليحمل حقيبتها وهو يكاد يجزم من المتصل .... ذيـاب.


،


بين كلمةٍ وأخرى، موضوعٍ وآخَر، كانت ابتسامتها تعلُو وتخسَر بذلك كيلو من وزنِ التعاسـةِ مع كلِّ بسمة، كل ضحكةٍ تسرقها منها الأحـاديث، رائحةُ أصواتهم المختلطَةِ معبقةً بعودِ العفويـة، نسيت نفسها كثيرًا وشعرت كما أنّها ذاتَ ظلٍ ورديٍ وأجنحةٍ تطير بها بحريّةٍ تنصب في أحاديثها وكلماتها، لم تكُن يومًا عفويةً بهذا الشكل، لم تكن ضاحكةً بكل صوتها كما الآن.
نظَرت لغيداء بابتسامةٍ لئيمـة وهي تهتف : عاد من عرفت اسمك وأنا ودي أسألِك ، وش معناه؟
غيداء كانت قد أطلقَت شعرها وعادَت لتلملمه للخلفِ في ذيلِ حصان، وبهدوءٍ وهي تنغمِسُ في ربطِه : الناعمة
تسللت ضحكةٌ من بين شفتي غزل لتكتمها بكفّها التي غطّت فمها، حينها رفعَت غيداء إحدى حاجبيها وهي تُخفضُ يدها بعد أن أنهت ربطَ شعرها، وبصوتٍ متذمر : ممكن أعرف ليه الضحك ست غزل؟
غزل بضحكة : ولا شيء بس حزنت على اسمك
غيداء بنبرةِ شر : وممكن أعرف ليه الحزن عليه؟
غزل بابتسامةٍ واسعةٍ بعد أن صمتت ضحكتها : أبد سلامتك مافيه شيء
تغاضَت غيداء عنها وهي تتناول كأس الشاي وترفعه لفمها، وقبل أن ترتشف منهُ سألت ببساطة : طيب وش معنى اسمك الرقيق ست غزل
غزل بضجر : ما عليك منه
غيداء : ليه؟
غزل : نطقه حلو بس معناه يجيب الهم
غيداء بضحكة : أطربينا
غزل : سلامتك ، التودد ، الشعر الذي يُلقى للمرأة ... وَ وَ وَ وَ يجيب الهم !!
غيداء : هههههههههههههههههههه بالعكس كيوت
كانت ام عناد تراقبهم بابتسامة، وعند تلك النقطة تداخلت معهم بالحديث لتهتف بهدوء : أعتقد اسمك مكروه يعتبر
اتّجهت أعينهما إليها بينما قطّبت غزل جبينها وهي تلفظ باستنكار : وشو؟
ام عناد : ماني متأكدة بس اسمك يندرج ضمن قائمة الأسمـاء المكروهة في الشرع، حسب معناه طبعًا
عبَست غزل وهي لا تفقهُ فعليًا في هذهِ المواضيع، لكنّها هتفت بصوتٍ متضجرٍ لتُضيعَ مسار الحديث : هو من غير شر مكروه عندي
غيداء بابتسامة : بالعكس والله شحليله كيوت في النطق
غزل : أكيد هو في النطق حلو زي صاحبته، عكس المعنى ، مو مثل بعض الناس اسمهم حلو في النطق والمعنى بس صاحبته معفنة
اتّسعت نظراتُ غيداء والتمعت حدقتيها بشر، بينما ضحكَت غزل وهي تزحفُ باتّجاه ام عناد التي كانت أقربَ إليها من غيداء الجالسة على بعدٍ قليلٍ منها، وبصوتٍ ضاحك : أمزح أمزح تجننين والله بس لا تناظريني كذا
غيداء بشرٍ ترفعُ سبابتها محذِّرةً بينما يدها الأخرى تضعُ كأس الشاي على الطاولـة : إذا تواقحتي مرة ثانية بنسى إنك زوجـة سلطوني وبقوم أغسلك بالشاي وأسلخ جلدك عن عظمك
ضحكَت غزل بقوةٍ وهولٍ من تهديدها، بينما هزّت ام عناد رأسها وهي تبتسم وتضعَ كأس الشاي بدورِها على الطاولـة، وفي تلك الأثنـاء كان هاتفُ غزل يرتفعُ برنينه لتسكن عن الضحكِ وينبض قلبها فجأة، أصابَها التوتر لكنّها استطاعت أن تُغلفه بالجمودِ بمهارةٍ وهي تمدُّ يدها لحقيبتها وتُخرجَ هاتفها ناظرةً للرقمِ الذي ضاعفَ نبضاتِ قلبها بالرغم من كونِها تدرك منذ البدايـة أنه هو، وتمايلَ الضيقُ بِصدرها في رقصةٍ ماجنـة، لكنّها وقفت بانسيابيةٍ ولم تسمح للضيقِ أن يأخذها كثيرًا، فيجبُ عليها الرد بسرعةٍ قبل أن يحصل مالا يُحمد عقباه : معليش بكلم وأرجـع


في جهةٍ أخرى، بعدَ عشرِ دقائق.
وضَع عنـاد كأس الشايِ على الطاولـةِ وهو يُرهف السمع لما يقوله سلطان بكل انشداهٍ لم يبرز فوقَ ملامحهِ الجامـدة، يستمع للكلماتِ التي يُطلقها إليه عن مكالمتِه لليلى دونَ أن يسهبَ في شرحِ ما حدثَ ويحتفظَ بالقليلِ لنفسِه، بينما كانت ملامحهُ تكشفُ عن صفحاتِ مشاعره لعينيْه، وهو الذي يُغلق كل ردّةِ فعلٍ ببراعةٍ دون أن ينتبه سلطان إليه.
سلطان بصوتٍ جامدٍ لكنّ عناد استطاع التماس الإرهاقِ النفسي فيه : مع أني ما قدرت أعرف هي وينها بالضبط ، بس الحمدلله إنها بخير
صمتَ عناد للحظة، لكنِه همسَ أخيرًا : الحمدلله ، قلت لك بتكون بخير . . * أردفَ ليُبدِّل الموضوع * كيف ماشي زواجك؟
نظر إليه سلطان مبتسمًا وهو يرفعُ حاجبيه : ما تظن إن أسئلتك عن زواجي صارت وقحة
عناد يبتسم : افا! ، جالس بس أتطمن على أخوي الصغير
سلطان : ماني بزر لا تحاتيني
عناد : أهم شيء عِيش حياتك وانسى اللي ممكن يعكرها ، مو أي شخص يمشى على نهجْ أهله
تجهّم سلطان وهو يهتف بصوتٍ حانقٍ من هذا الموضوعِ العقيم : ممكن تقفِّل على السالفـة؟
في تلك اللحظةِ هبّت رياحٌ سمراء ترافقَت مع صرخةٍ مختنقةٍ مُفاجئةً لهما ليُديرا رأسهما ناحيـة البابِ الذي فُتح فجأةً وسقَطت غزل شبهَ جالسةٍ على الأرض، عبرَت الثّواني سريعةً وقد صدَّ عناد وجهه عن النظر إليها، بينما وقفَ سلطان بصدمةٍ وعيناه تتسعان ناظرةً إليها بعد أن وقفَت والإحراج يكاد يبتلعها لتتراجَع بسرعةٍ وتخرح مهرولةً والحُمرةُ تكتسي ملامحها، ليس خجلًا من عنـاد بقدر ماهو خجلٌ من موقفها الكامل أمامهما بعد أن كانت تتنصّت عليهما. ابتعدَت إلى الحماماتِ وهي تضربُ رأسها بكفها هامسةً لنفسها بحنق : غبية ، غبية غبية غبية
كانت قبل دقائق قد خرجَت تُحادث والدها الذي ابتدأ حديثهُ بـ " هلا ببنت أبوها! "، علمَت جيدًا بعد جملته بأن مزاجهُ عالٍ ولطالما كانت مكالماته معها تبتدِئُ بنعومةٍ إن كان مزاجهُ ناضجًا، سألها عن أمورٍ عدّةٍ ومنها متى سينتقلان لمنزله، فاضطرت للكذبِ حتى لا تعكر مزاجه وينصبّ التعكر عليها، لذا أجابته بِـ " قريب " وأكّدت على ذلك، وبعد مكالمةٍ قصيرةٍ أغلقَ لتزفرَ وتنسى العودةَ للمجلسِ بينما بدأت قدماها بالتحرّك هنا وهناك في المنزل، سامحةً لنفسها بالتطلع إليه وحيدةً دون مرافقةِ غيداء او امها، تشتمُّ في كل مكانٍ رائحةً بدأت تألفها، رائحة سلطان التي تنغرسُ في كل جهةٍ يطولُها.
اقتربَت أثنـاءَ جولتِها من بابِ المجلس الذي يجلسان فيه، لم تكُن تعرف بتواجدهما في تلك الغرفةِ لكنّ صوتًا كان يُصدر منها، صوتًا تعرفهُ جيدًا كما رائحته التي تنبعثُ بقوةٍ أكبر من ذاكَ المكان، فاقتربَت قدماها دونَ ترددٍ لتتِجه للمجلس، وقفت أمامَ البابِ تمامًا لترهف السمعَ إلى صوتِه : مع أني ما قدرت أعرف هي وينها بالضبط ، بس الحمدلله إنها بخير
شُدّت حواسّها لما ينطقه، وشعرت بالفضول يكتسحها لمعرفةِ من يقصدها، لذا بقيَت واقفةً في مكانها تريد الاستزادَة مما يقول واشباعَ فضولها، لكنّ حديثهما انحرفَ عن مسارِه وأصابها هي فجأةً، فارتعشَت شفتاها رغمًا عنها ما إن سمعت جملة عناد : مو أي شخص يمشى على نهجْ أهله
توتّرت، وارتفعَت كفّها اليُمنى لتُدلِّك ذراعها الأخرى بِها، وهَنت نظراتها وفغرت فاهها وهي تستشعر الحقـارة التي تعيشها . . بلا، هي قد سارَت على نهجِه، على نهجِ والدها بل أشد، ما تلك الثّقةُ التي يلفظ بها؟ ما تلك الثقة التي يهدرُ بها؟ لو يعلم فقط ما تفعله، لو يعلم فقط ما تقوم بهِ من " خسَّة " لنفضَ إيمانهُ ذاك وكفكف ما قال . . عضّت طرفَ شفتِها وهي تشعر بالفراغِ في صدرها يسمح للهواءِ بالعبورِ ليُصدر صريرًا مؤذيًا لروحها، مالت قليلًا على الباب وهي تُغمض عينيها وتسحق ارتعاشَ شفتيها بعضّها للسُفلى . . وفي تلك الأثناء لم تحسب حساب ما حدث، أن يُفتح الباب تحت ثقلها في حين لم يكُن مغلقًا من الأساس، وما إن استندَت عليه حتى فتح وفضحها لتسقط على الأرضِ أمامهما.

شدّت على أسنانها بإحراجٍ وهي تضرب رأسها من جديدٍ بكفها هامسةً بحنق : غبية ، وش بيقولون عنك الحين؟ ، وش بيقولوووون؟!!
مررت أناملها بين خصلاتِ شعرها ووجنتها تشتعل بحمرةٍ لاهبـة، وفي تلك اللحظةِ شعرت بكفِّ سلطان الخشنةِ التي أمسكَت بزندها ليُديرها إليه وهو ينظر إليها بعينين حادتين اصتدمتا بعينيها المذهولتين.

.

.

.

انــتــهــى

بالنسبة للأعمــار ، فهذي تقريبية لهــا ويمكن أغلط بس عاد مستعجلة وما لقيت الملاحظة اللي كانت فيها
سلمان : حول الـ 42 وقت وفاة فهد كان عمره 27 تقريبًا
سلطان : 27، حصل خطأ مني على بداية الروايـة وذكرت " طفل لم يتجاوز العاشرة " لكنه أساسًا كان عمره 12 سنة يوم توفى أبوه
عناد : 31 سنة
شاهين : عمره 35 سنة تقريبًا
فواز : 29
فارس : 29
سيف : حول الـ 34 سنة
أدهم : حول الـ 34
إلين : 22
ديما : 27
أسيل : 25 تقريبًا
غزل : 24
جيهان : 22
أرجوان : 20
بثينة : 33
جنان : تقريبًا 23 أو أقل
ومين بقى؟ نسيت أحد صح؟ إذا انتبهتوا إني نسيت فعلموني مباشرة ولو من التقييم أو الآسك عشان أقدر أعدل الرد قبل لا يروح علي وقت التعديل ، جالسة أكتب الأعمار بعجلة عشان أنزل بقية الجزء لكم :(


ودمتم بألف خير
الله يسعدكم ولا يحرمني ()
والله والله في الدراسة :D بدينا سنة جديدة الله يجعلها يسيرة علينا ويوصلنا لمرادنا ويحقق لنا أهدافنا :$$




كَيــدْ !




كَيــدْ 29-08-15 11:19 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 


-
-

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 21 ( الأعضاء 8 والزوار 13)
‏كَيــدْ, ‏سارونه1, ‏hoouur, ‏الجابيه, ‏ليل الشتاء, ‏تحياتي لمن دمر حياتي, ‏نَوح الهجير, ‏لعبة قدر



حي الله هالعيون الحلوة ، قراء ممتعة لكم :$$

أبها 30-08-15 09:00 AM

ما شاءالله تبارك الله ..
أحييك أخت كيد على روعة حروفك ..
المحادثة بين ألين وهديل والمشاعر فيها كان فوق الوصف
( تبارك الله ) استهوتني جدا جدا ..
غزل وغيداء ..أحسست بجمال العفوية والألفة بتلك الجلسة
والتي تفتقدها غزل في حياتها السابقة ..
بالنسبة لموقفها من التنصت على سلطان وعناد
تخيلت الموقف ..كم هو محرج للغاية 😄
جيهان ..( بردتي چبدي يا كيد بالكف ) تستاهل ..كئيبة لدرجة أنني في أي فقرة تخصها تتلبسني الكآبة والضيق .
قد يكون زواج فواز من جنان فرجا له .وفسحة له من بعد الضيق ..
ماجد ..هل توقع الأخوات من قبل أنه هو متعب صحيح !!

شكرا كيد من القلب
لا حرمنا من إبداعك 🌸

bluemay 30-08-15 11:02 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



بارت رهيييييييب

يسلمو ايديك هنودتي روووووووعة بصراحة ابدعتي



واخيرا فواز برد حرتي في جيهان ... وقحة الله ياخذ العدا .

عن جد ما بتستحي ولا بتختشي فوق شينه قوات عينه ..!!!


فواز روووح الله يجبر خاطرك ببرك ﻷمك ويا رب يعوضك بجنان وتنسيك جيهان وكل طوايفها بعد .




جنان حزنتني حاسة بالذنب تجاه انسانة لا تحمل من اﻷنسانية إلا اسمها . مافيها خير لنفسها قبل لا يكون فيها خير لغيرها واولهم ابوها وزوجها .

اقول اتوكلي على الله وعيشي حياتك وحاولي تسعدي نفسك .





ألين استفادت من هديل وكلماتها وجدت صداها بقلبها . وفعلا فضلهم كبير عليها بعد الله عز وجل .
حبيبتها بدت تنفض الكآبة والحزن وتعيش الحياة بنظرة جديدة





ماجد عندي شعور انه رح يتصفى قريب.




شاهين ع شو ناوي ؟!!
بس اكيد انه مش خير ابدا.

ادهم شاف فيه ملامح متعب اقصد ماجد.



غزل اما موقف .. لووول
يا دي الكسوووف
ما بدي اتخيل موقف سلطان شو رح يكون >_< شريرة هنودة ليش الروعوب بقااآآآآ T_T



متشووووقة كتير للجاي

يسلمو ايديك يا قمر
مبدعععععة



وين ديما وسيف ؟!!
وحشتني اخبارهم .
لا تطولي علينا غيبتهم



لك خالص الود

○° الله أغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله ، وأوله وآخره ، وعلانتيته وسره .°○

fadi azar 30-08-15 01:26 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
انا اختلف براى عن جميع الاخوات بان جيهان انسانة سيئة والكل يريد ان تعاقبيها باستمرار الزواج مع ارجوان انا اما زلت اشعر انها انسانة رغم قوتها التي تبينها للجميع لكنها من الداخل انسانة خائفة جدا ولا تشعر بالأمان لان الاب هو مصدر الأمان لكل ابنة والام هي منبع الحنان وهي ان أمها انتحرت بسبب ابيها دون ان تعرف او احد يوضح لها ان أمها هي السبب بكل اللزي حصل فهي تضع المسؤلية على ابيها بانه حرمها من أمها وهي بداخلها تحب والدها فالكره والحب يتصارعان في داخلها فتكون ردة افعالها دائما قوية ومخطئة لانها لا تثق في احد فهي تحتاج لمعالجة نفسية لتعيد الثقة والأمان والحب لنفسيتها وعند زالك ستتغير حياتها فهي الان جعل من فواز هو الثقة والأمان لها اللزي لا يمكن ان يؤزيها ابدا وضربه لها جعلتها ان تفقد الأمان وان تشعر انه يمكن ان يؤزيها وكيف ازا عرفت بزواجه ستفقد الأمان والثقة وقد تؤزي نفسها لتخلص من الشعور بالخيانة والغدر انا هزا راءى بالنسبة لما تشعر به جيهان

فتاة طيبة 30-08-15 07:41 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
شكرا كيد بردت كبدي بجيهان خلاص شلنا لقب خروف من فواز ههههههههههههههه .... بس برضه ماجبت سيرة ديما وسيف يختي هذولا الاثنين اكثر اثنين داخلين مزاجي في القصة ... يالله نستنى الجزء القادم نبغاه مخصوص لهم ... تسلمي كيد .

bluemay 31-08-15 10:20 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


عندي تعقيب على انه جيهان ضحية وما تستاهل اللي جاها ، بقول انه عمره ما كان عذر اننا مجروحين أننا نتعدى على غيرنا ونؤذيهم ونجرح فيهم .

يعني هي بصراحة مريضة ومحتاجة تنعرض على طبيب ليساعدها تتجاوز محنتها اللي شكله انغمست فيها حد الفناء .

انا ناسية شو هي الحادثة اللي بتلوم فيها نفسها ام فواز ، وبدها تكفر فيها عن خطأها في حق جيهان .

جيهان برأيي شايفة متل ما هي اتعذبت لازم الكل يدوق نفس الكاس اللي اتجرعت منه العذاب.

ليه يا ماما ؟! ليش اﻷنانية والحقد ؟!

انا برأيي في ناس ما بتنعطى عين ﻷنها بتتفرعن وهادا بنطبق على نموذج جيهان.

ليش ما فكرت انها مو لحالها اللي اتيتمت وفقدت غالي عليها ، هاي ارجوان شقيقتها ما ساوت متلها ولا هي بنت الجيران مثلا مشان ما تتاثر بوفاة امها؟

تصرف فواز ما عليه اي غبار ومرات الواحد بحتاج صفعة عشان تفوقه من غيبوبته وهادا برايي اللي صاير مع جيهان ولو انو شايفة انها غيبوبة اختيارية وهي اللي غامسة حالها فيها .


ناس بتحب النكد والعياذ بالله .


بعتذر لو انفعلت وزودت بالحكي بس عن جد اني مبطوط تشبدي منها ومن سلبيتها وسوداوية نظرتها وبتمنى تفوق قبل لا يفوت الفوت وما ينفع الصوت .


وكل واحد بشوف من وجهة نظر معينة وهاي وجهة نظري للموضوع كله.

واكيد بحكمنا اﻷيمان وكل واحد بتحمل على قد قوة ايمانه وصبره على ابتلاءه.


○° الله أغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله ، وأوله وآخره ، وعلانتيته وسره .°○

طُعُوْن 31-08-15 02:19 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اتفق معك ميمي بكل شيء قلتيه..

وزيدي عليها انو جيهان " وقحة" .. يعني مهما كان اللي صار بينها
وبين أم فواز ما يعطيها الحق انها تتواقح عليها كذا..

اول شيء انو ام فواز اكبر من جيهان بكثير.. يعني الواجب عليها احترامها غصب عنها..
ثاني شيءانو لو جيهان صدق مهتمة في فواز كان قدّرته وقدّرت اي احد له صله فيه..

يعني انا اشوفها تستحق الضرب.. لأنو كل شيء يوصل لعند الأم و يوقف..
محد رح يرضى على امه انو ينقال لها كذا فـ ما بالك لو كانت اللي قالتها " زوجة" وفوقها بنت عم..

اوكِ ام فواز غلطت بشكها بجيهان.. بس ماشفت لجيهان حق انها تتطاول عليها ابدًا..
يمكن جيهان ضامنه فواز وحبه لها والظاهر تحسب انو رح يمشيها لها مثل كل مره..

صحيح ماني حابه تدخل جنان بينهم.. بس انا اشوف انها هي اللي يستاهلها فواز.. فواز
يستحق وحده تقدره وتحطه على راسها.. مو وحده مو شايفه ابعد من خشمها
وفوق كذا اخلاقها زفت و " عاااقة" ..

صراحة كان ودي يطلقها ويفتك منها..
مافيها شيء ينحب اصلًا.. لا اخلاق ولاشيء..
والمشكلة انو الست كمان ما تحب فواز ومستخسره عليه عيونها..
جعلها الفقع هي وعيونها ذي..

..


دخلت بدون سلام ولاشيء😁 عالعموم بذلف بس ترا جيهان نرفزتني حيييل..
يعني لا بغيتي تموتين احد لا تحطين حيلك بالمساكين حسام والثاني مدري مين..
موتي جيهان ومحد رح يتحسر عليها🙇🏻

..

سلام💕

كَيــدْ 01-09-15 03:59 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبها (المشاركة 3554088)
ما شاءالله تبارك الله ..
أحييك أخت كيد على روعة حروفك ..
المحادثة بين ألين وهديل والمشاعر فيها كان فوق الوصف
( تبارك الله ) استهوتني جدا جدا ..
غزل وغيداء ..أحسست بجمال العفوية والألفة بتلك الجلسة
والتي تفتقدها غزل في حياتها السابقة ..
بالنسبة لموقفها من التنصت على سلطان وعناد
تخيلت الموقف ..كم هو محرج للغاية 😄
جيهان ..( بردتي چبدي يا كيد بالكف ) تستاهل ..كئيبة لدرجة أنني في أي فقرة تخصها تتلبسني الكآبة والضيق .
قد يكون زواج فواز من جنان فرجا له .وفسحة له من بعد الضيق ..
ماجد ..هل توقع الأخوات من قبل أنه هو متعب صحيح !!

شكرا كيد من القلب
لا حرمنا من إبداعك 🌸




سعيدة جدًا بهالشيء :$ وإن شاء الله الجاي كله يكون لِك فوق الوصف :""
بخصوص موقف غزل ، أنا بنفسي وقت كنت أكتبه انحرجت فشلون هي هههههههههههههههههههههه
أما عن جيهان فبعد تعليقاتكم صار وجهي كذا 0_o ، أبدًا ما توقعت تكون هذي ردة فعلكم قلت 100% راح يكرهون فواز على هالكف ، بس صار العكس وتمنيتوا كف ثاني :/!

العفو لقلبِك الطيب ، ولا حرمت منكم ()

كَيــدْ 01-09-15 04:07 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة bluemay (المشاركة 3554127)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



بارت رهيييييييب

يسلمو ايديك هنودتي روووووووعة بصراحة ابدعتي



واخيرا فواز برد حرتي في جيهان ... وقحة الله ياخذ العدا .

عن جد ما بتستحي ولا بتختشي فوق شينه قوات عينه ..!!!


فواز روووح الله يجبر خاطرك ببرك ﻷمك ويا رب يعوضك بجنان وتنسيك جيهان وكل طوايفها بعد .




جنان حزنتني حاسة بالذنب تجاه انسانة لا تحمل من اﻷنسانية إلا اسمها . مافيها خير لنفسها قبل لا يكون فيها خير لغيرها واولهم ابوها وزوجها .

اقول اتوكلي على الله وعيشي حياتك وحاولي تسعدي نفسك .





ألين استفادت من هديل وكلماتها وجدت صداها بقلبها . وفعلا فضلهم كبير عليها بعد الله عز وجل .
حبيبتها بدت تنفض الكآبة والحزن وتعيش الحياة بنظرة جديدة





ماجد عندي شعور انه رح يتصفى قريب.




شاهين ع شو ناوي ؟!!
بس اكيد انه مش خير ابدا.

ادهم شاف فيه ملامح متعب اقصد ماجد.



غزل اما موقف .. لووول
يا دي الكسوووف
ما بدي اتخيل موقف سلطان شو رح يكون >_< شريرة هنودة ليش الروعوب بقااآآآآ T_T



متشووووقة كتير للجاي

يسلمو ايديك يا قمر
مبدعععععة



وين ديما وسيف ؟!!
وحشتني اخبارهم .
لا تطولي علينا غيبتهم



لك خالص الود

○° الله أغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله ، وأوله وآخره ، وعلانتيته وسره .°○




وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، عيونك الرهيبة الله يسلمك ويسمنك () -> أنفض الغبار عن القديم :P
هههههههههههههههههههههههههههههههه في إحدى المنتديات المجاورة عضوة عندها نفس انفاعك بالكره بس كره لفواز مو لجيهان، عاد مدري ليه تذكرتها شكله عشان كرهكم بنمط واحد هههههههههههههههههههههه

قصدك بكلمة " يتصفى " يموت؟ تو بدري على موته :biggrin: باقي ما بدينا بقصته بشكل جدي ()

عاد أنا عند ماجد/متعب أضحك ما أعرف أرد ، مدري ليه صرت أضحك يمكن لأن التسلية بهالموضوع استفحل -> شريرة :biggrin::rolleyes:

هههههههههههههههههههههههههه غزل موقفها أنا نفسي استحيت عوضًا عنها :P


الله يسلمك يا بعدي ، بيشرفونك قريب لا تحاتين توم آند جيري :$$

كَيــدْ 01-09-15 04:22 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة fadi azar (المشاركة 3554161)
انا اختلف براى عن جميع الاخوات بان جيهان انسانة سيئة والكل يريد ان تعاقبيها باستمرار الزواج مع ارجوان انا اما زلت اشعر انها انسانة رغم قوتها التي تبينها للجميع لكنها من الداخل انسانة خائفة جدا ولا تشعر بالأمان لان الاب هو مصدر الأمان لكل ابنة والام هي منبع الحنان وهي ان أمها انتحرت بسبب ابيها دون ان تعرف او احد يوضح لها ان أمها هي السبب بكل اللزي حصل فهي تضع المسؤلية على ابيها بانه حرمها من أمها وهي بداخلها تحب والدها فالكره والحب يتصارعان في داخلها فتكون ردة افعالها دائما قوية ومخطئة لانها لا تثق في احد فهي تحتاج لمعالجة نفسية لتعيد الثقة والأمان والحب لنفسيتها وعند زالك ستتغير حياتها فهي الان جعل من فواز هو الثقة والأمان لها اللزي لا يمكن ان يؤزيها ابدا وضربه لها جعلتها ان تفقد الأمان وان تشعر انه يمكن ان يؤزيها وكيف ازا عرفت بزواجه ستفقد الأمان والثقة وقد تؤزي نفسها لتخلص من الشعور بالخيانة والغدر انا هزا راءى بالنسبة لما تشعر به جيهان



دائمًا تكون الكاتبة حيادية بين كل الأبطال + لازم تصورهم بشكل واقعي وأعتقد هالشيء موجود بكل شخصية ، وعلى هالأساس فيهم الجانب السيء والجانب الإيجابي وكلٍ بحسب كثافته وظهوره
وجانب جيهان السلبي يظهر بشكل غلط بعض المرات ومنها تطاولها على أم فواز، كل أبطالي ماهم معصومين عن الخطأ، لكن طبيعي نلاقي الهجوم عليها نظرًا لتعاملها السيء مع اللي حولها . . وبآخر بارت بعد اللي سوته مع ام فواز طبيعي يزيد الكره تجاهها لأنها مثل ما قالت بلو ماي تحت مالها حق تؤذي غيرها مثل ماهي متأذية.
وممكن مثل ماتقول تفقد ثقتها بفواز فعلًا بعد الكف مع أنه الشخص الوحيد اللي لازالت تثق فيه.

شكرًا لتحليلك الجميل وأكيد وجهات النظر راح تختلف من قارئ لآخر ..

كَيــدْ 01-09-15 04:25 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتاة طيبة (المشاركة 3554231)
شكرا كيد بردت كبدي بجيهان خلاص شلنا لقب خروف من فواز ههههههههههههههه .... بس برضه ماجبت سيرة ديما وسيف يختي هذولا الاثنين اكثر اثنين داخلين مزاجي في القصة ... يالله نستنى الجزء القادم نبغاه مخصوص لهم ... تسلمي كيد .



ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه العفو لقلبك الشرير مع إن قلبي عورني عليها صراحة :(
راح يظهرون لا تحاتينهم هم ملح الروايـة ()

الله يسلمك ..

كَيــدْ 02-09-15 05:26 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
-
-
مساء الخير
كالعادة طبعًا، ماعندي وقت محدد للبـارت ، للحين ما اكتمل وجالسة عليه :"" + لو نزل بعد (12) أتمنى منكم العذر والسموحة.

دام نبضكم ()

كَيــدْ 02-09-15 10:12 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



-
-
مساء الليل ، تسمحون لي بطلب صغنون :$؟
أقدر أنزل لكم جزء من البارت وبكره أنزل الباقي والا فيه ناس بتزعل :(؟! للأسف ما اكتمل، أقدر أكمله وبعدين ينزل بس بيكون قصير أو ماشي حالـه
بينزل الجزء الأول على أساس ثلاث أو أربـع مواقف كاملين، والمواقف الباقية بنزلهم بكرة .. إن شاء الله محد يضايقه هالشيء :( وموعدنا الجاي راح يكون على أساس يوم الأربعاء يعني الأحـد أي ماراح يتبدّل موعدنا أبدًا ، + حاولت أركز بكامل البارت بس عجزت وهذا السبب الأساسـي لأن نومي أبدًا ما يساعد فيروح أغلب يومي بالنوم وهالشيء عكّر علي في الكتابـة، بس أوعدكم بكره بيكون الجزء الثاني منه كامل ومُرضي :( ولا يزعلون اللي منتظريني اليوم :$


كَيــدْ 03-09-15 05:00 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 


سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن

هذا جزء قصير من البارت كاتصبيرة، وبينزل الباقي بكره وعذرًا على هالشيء

ما اطول ، بسم الله
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !


(49)




وجهٌ صدّ عما حدَثَ وأخفَى إحراجه، ووجهٌ آخر تجمّد وعيناه يتّسعُ فيهما الصدمـة، تسلل التجمّد من عيناه إلى جسده وهو يُحاول استيعابَ ظلها الذي كان هنـا قبل ثوانٍ قصيرة، حتى رائحتها! ، عطرها! عطرها انبثقَ في ثانيةِ ظهورها بينهم . . التمعَت عيناهُ فجأةً والنـار اشتعلَت بصدره، أجل، إنها رائحتها، رائحتها التي تسللت لأنف عناد بالتأكيد وكما تسللت إليْه!! تسللت الرائحةُ كما الصورة . . توجَّهت نظراتُه فجأةً إلى عناد الذي لم ينظر إليه بعد وهو يدرك أنّه إن نظر إليه سيُضاعف من إحراجِه وحدّةِ شعورِه في هذهِ الأثنـاء ، حينها عضَّ شفته بحنقٍ وهو يصد نظراتهُ عنه، ينظر للبابِ الذي ظهرتْ منهُ واختفَت في لمحةِ قهرٍ اخترَق صدره، بينما وجّه عناد نظراته إليهِ أخيرًا ليقرأ تعابير وجهه، حينها أفرجَ عن شفتيه ليهتف بخفوت : اجلس ، ما صار إلا كل خير
لم يبدو أنه قد سمعه، أذنه أُعتمَ فيها السمعُ ودونَ أي استعدادٍ تحرّكت قدماه بعنفٍ يطرقُ في جوفهِ ويرتد مرارًا إلى أذنيْه، خرجَ من المجلس وهو يحاول إسكان الغضبِ الذي تكوّن شرارةً في صدرِه، بحث عنها وهو يُقسم أنه سيجعلها تندمُ على ما فعلته من حماقَـةٍ أمامه والأدهى أمـام عناد، هل كانت تستمع إليهم أم ماذا؟ .. لا يُهم! لا يهم ما كانت تفعله، الأهم هو أنها سقطت أمام أخيه، مهما كان وضعهما إلا أنه يستحيل أن يمرر ذلك مرورَ الكرام!
احتدّت أنفاسه وهو يبحث عنها بعينيه وقدميْه، هل عادَت للمجلس الذي كانوا فيه؟! .. عضّ شفته بحنقٍ وهو يتوجّه إليه، سيناديها لتخرجَ وينظر في أمرِ الذي فعلته! كان قد قرر أن يذهب لهم وتحرّكت قدماه باتجاه المجلس، لكنّه توقف فجأةً حين سمعَ صوتها من الحمـام تهتف من بين أسنانها بكلمةٍ خافتـةٍ تشتم بها نفسها، وبالرغم من خفوتِ صوتها إلا أنه اخترقَ أذنيه بعنفٍ يوازي عنفَ ما يختلجُ في صدرِه، اخترقهُ هسيسها دون أن يفقهَ ما تقوله، لكنّه لم يهتم لما تقول! بل اقتربَ منها ورائحتها الفجّة تخترق أنفه، مما أثار حنقهُ أكثر ودفعَ خطواتهُ إليها، وما إن أصبح على بعد خطوةٍ منها حتى مدّ يدهُ ليشدّ على زندها ويُديرها إليه، والتقت أنظارهُ الحـادة باهتزازِ عينيها المذهولتين والمتوترتين، بملامحها التي يظهر في عمقها الإضطراب، فغَرت فمها بينما شدّ على يدها بقوّة، وبنبرةٍ حادةٍ سأل باستنكار : أنتِ مستوعبة اللي سويتيه؟
ارتعشَت شفتاها وهي تنظر لوجهه الغاضبِ بتوتر، فقَدت الجُمل كلماتها والكلماتُ أحرفها، نفدَ صوتها في حنجرتها وهي تسمحُ للذعر أن ينفذَ إليها من ملامحه الحـادة التي لا تُطيقُ هدوءً في هذا الوقت . . شعَرت بيدهِ تهزّها وهو يردف بصوتٍ مكتومٍ يحاول طردَ غضبِه بعد أن استنشق الخوفَ في عينيها : ردي ، مستوعبة اللي صـار؟
أخفضَت نظراتها للأسفلِ لا تستطيع مواجهةَ عينيه الحـادة، هي لم تكُن تواجهه بجرأةٍ في وقتِ لطفه، فكيف حين يكُون غاضبًا؟ . . بقيَت تخفض بصرها وقلبها يضطربُ بين أضلعها، بينما بلل سلطان شفتيه وهو يترك لحنقهِ وغضبه الإرتحال من جسدهِ عبر مساماته وهو يستشعر الخوفَ الذي ينبعث منها، هذّب صوته قليلًا وأخفَى حنقه مما حدَث، بالرغم من كونِه لا يزال جاريًا مع دمِه.
ارتخَت يدهُ على زندِها، واجتذبَ كفه قليلًا وهو يسمح لصوتهِ أن يعبر من بين شفتيه بهدوءٍ بهِ القليل من الحدة : وش كنتِ تسوين عند الباب؟
لم ترفع رأسها إليه، ولم تجد كلماتٍ ذات كثافةٍ تسمح لها بالطفوِ على فمها، بقيَت صامتةً بعد ما استشعرت ترقّق صوتِه قليلًا وحين طالَ الصمتُ بها وجدتهُ يزفرُ بغضبٍ وهو يردف بحدةٍ عادت للطفْو على صوتِه بينما ارتفعَت يدهُ فجأةً إلى ذقنها ليرفعَ وجهها إليه سامحًا لشهقةِ ذعرٍ من التسلل عبر شفتيها : وبتحكين والا شلون؟ ، فوق ما أنتِ غلطانة مطنشتني بعد؟
برفعهِ لوجهها إليه كان لزامًا على حدقتيها أن تتقابلَ مع حدقتيه اللتين مهما حاول إسكان الحدّة فيهما إلا أن ظلّهما يشرح غضبَه، شتت عينيها وهي تزدردُ ريقها لصوتِه الذي اخترقَ أذنيها كسيفٍ حاد، تشعر أنه سيفقد صبره لا محالـة، لذا همَست بتوترٍ بريء : طيب لا تناظرني كذا وأنت معصب ، شكلك يخوف
زمّ شفتيه بقلّةِ صبرٍ ولربما لو كان الوضعُ مختلفًا وخطأها مختلف لابتسم لنبرتها البريئة، لكنّها الآن كانت كمحفزٍ لحنقهِ الذي كبتهُ رغمًا عنه بعد كلماتها الخائفة . . بلل شفتيه بلسانه وهو يرخي قبضتهُ على ذقنها، وبهدوءٍ ظاهري : خلاص ماني معصب
غزل بتوترٍ يتضاعف : لا باقي معصب ، عيونك تخوف
أغمض عينيه وهو يستغفر بصبر، وبصوتٍ قاسٍ : وبتحكين والا شلون؟
غزل انتفضَت قليلًا تحت يدهِ وهي تزدردُ ريقها، وصوتُها المتوتر اهتزّ ناحيَة الإندفـاع : م م ما كان قصدي والله
سلطان يرفعُ إحدى حاجبيه، أخفضَ يدهُ عن ذقنها وتراجعَ وهو يلفظ بنبرةٍ مشتدة : ما كان قصدك؟
غزل تفرك فخذيها بكفيها كطفلةٍ مُذنبةٍ وهي تنظر للأسفل : ما كان قصدي أتسمع لكم، ولا اللي صار كلّه
سلطان بقلّة صبر : طيب وش قصة وقوفك عند الباب؟
غزل باندفاعٍ صادقٍ وهي تنظر إليه : كنت ماشية ، وسمعتكم وقتها تحكون عن .. آ آ * توتر صوتها عند تلك النقطةِ وصمتت *
رفعَ سلطان حاجبيه حين زاولتهُ فكرة أنّها كانت تستمع للجزء المهم مما كان يتحدث به مع عناد، جزء ليلى .. لذا هتف بصوتٍ لا يُبشر بالخير : وشو ؟
ابتلعَت ريقها بصمتٍ وهي تُعيد خفض رأسها، حينها فقدَ صبرهُ وهو يلفظ بصوتٍ حادٍ مرتفع : غــزل
انتفضَت بشدةٍ لتضمّ جسدها بذراعيها وعيناها تتسعان ناظرةً إليه، وبخفوتٍ متوترٍ تطالبه : لا تصرخ ، آسفة والله
سلطان بنظرةٍ مرعبة : آسفة على أيش؟ احكي وخلصينا وش كنتِ تسمعين؟
غزل باستسلامٍ خافِت : كنت مارة وما أدري إنكم جالسين حول هالمكان ، سمعت صوتك بس .. ووقتها قربت وسمعتكم تتكلمون عن * خفتَ صوتها أكثر وهي تُشتت حدقتيها باضطراب * عن زواجنـا !
عقدَ حاجبيه قليلًا، وتثبّتت نظراتُه على ملامحها المتوترة، ملامحها التي امتلكت براءةً تجانسَت مع صوتها في هذهِ اللحظة، وجعلت غضبه يلين رغمًا عنه . . زفَر بصبرٍ وهو يتراجع قليلًا، ونظرتهُ ارتخَت ليُغمضَ عينيه أخيرًا سامحًا لصوتِه أن يلفظ بنبرةٍ هادئـة : طيب وقفتك وعرفنا سببها ، مع إنه عيييب عليك! عيب تسمعين لسوالف غيرك
غزل بنبرةٍ مُستعطفةٍ وهي تعقد حاجبيها : والله مو قصدي
سلطان يفتح عينيه : طيب ، والاستعراض اللي صار وش يغفره لك
التوت الكلمات في حنجرتها وصمتت بذنب، الاحراجُ شقّ طريقه إليها من جديدٍ لتشتعل وجنتها بالحُمرة، بينما ابتلعَ حنقه وهو يسترجع ما حدثَ أمـام عناد، أمامهما معًا وكيف أنّها سقطت لتُشاركه عينا عناد بالنظر لذاك السقوط ، مهما كانت طبيعةُ حياتهما إلا أن رجلًا مثلهُ لم يكُن ليرضى بالذي حدَث .. عضّ شفتهُ بحنقٍ وهو يعود للإقترابِ منها، ونبرةُ صوتِه تستعدُّ مرةً أخرى للاحتدادِ على أذنيها، لكنَّ صوتًا آخرَ تخلخل المكان بمكرٍ هاتفًا : أنا أدور عليك وأنتِ هنا مع حبيب القلب ، هذي اللي بتكلم بس!
اتّجهت الأنظار لغيداء التي كانت تقف عند الباب وهي تضعُ كفيها على خصرها وتنظر إليهما بنظراتٍ ماكرةٍ بينما ارتفعَت إحدى حاجبيها بلؤم ، أردفت : بهالسرعة اشتقتوا لبعض يعني؟ شكلكم نسيتوا إنكم بترجعون بيتكم وبتكونون بروحكم يعني لا تحاتون
استدار سلطان بكامل جسدهِ إليها وهو يرفعُ إحدى حاجبيه، بينما تحوّرت نظراتها للبراءةِ لترمشَ بعينيها بدلال، و " بعبط " : شفيك تناظرني كذا؟ جد والله بترجعون بيتكم ماراح نمسككم ، يعني مافيه داعي لهالسحبات منك ومن زوجتك
ابتسم رغمًا عنهُ وهو يتحرّك متجهًا إليها، حينها تراجعت للخلفِ وهي تضحك : ناوي لي على نية؟
سلطان : على ثنتين تبينها؟
غيداء تخرجُ من الحمامِ بسرعةٍ لتندّس خلفَ البابِ الذي أغلقته، وبصوتٍ عالٍ : اسمع ، ماراح أفتح لك ولا بخليك تطلع درءً للإصابات ، عشان كذا خلّى زوجتك تتحرك وتجي للباب وأنا بطلعها ونروح وبعدها اطلع أنت
أمسك سلطان بمقبضِ الباب حتى يفتح الباب، لكنّها كانت قد شدّت بكامل قوتها لتمنعهُ من فتحِه، حينها ضحكَ رغمًا عنه وهو يهتف : على أساس ماني قادر عليك؟
غيداء برجاء : سلك لي
سلطان : افتحي أجل
غيداء : خلّى زوجتك تطلع
أدار سلطان رأسهُ إلى غزل التي كانت تنظر إليهم بملامحَ لا تُقرأ، وما إن نظر إليها حتى توتّرت وهي تتحرك مبتعدةً عن المغاسلِ لتقترب من البابِ الذي كان يقف أمامه، أي أنها ببساطةٍ ستقف بجانبه شاءت أم أبت، لكن هذا هو الحل الوحيد للهربِ منه قبل أن تغادر غيداء وتتركها وحيدةً مع غضبه.
وقفت بجانبه ونظرت لمقبضِ البابِ الذي كانت قبضتهُ تستريحُ عليها، ازدردت ريقها وهي تشدُّ كفيها جانبًا بينما همسَت شاعرةً بنظراتهِ المخترقةِ لها : افتحي أنا عند الباب
غيداء : سلطان جنبك؟
غزل بكذبٍ حتى تدفعها لفتحه لتخرج بسرعةٍ مهرولةً ناحيـة المجلس : لا
لم تنظر لردّة فعله تجاه كذبها، بينما فتحَت غيداء البابَ قليلًا لكنّ يد سلطان امتدّت بسرعةٍ ليُغلقهُ من جديد، وجّه نظراته الحادة إليها وتنفسها اضطرب، دونَ أن تمتلك الجرأة حتى الآن لتنظر إليه، بينما انحنى إليها قليلًا وهو يثبِّت يده على المقبضِ ليهمس بخفوتٍ وأنفاسه تصتدمُ ببشرتها لتحرقها غافلًا عن صوتِ غيداء الذي كان يتسلل بينهما غير مسموع : مرة ثانيـة لا عاد تقربين صوب مجلس فيه رجاجيل ، ايه وبعَد لا عاد تكذبين
عضّت باطنَ خدّها وهي تفرك كفيها ببعضهما البعض، ابتلعت ريقها بصعوبةٍ أمام نبرتِه الهامسةِ والحادةِ في آن، وأنفاسه التي لسعت بشرتها الناعمـة . . فتحَ سلطان الباب، ليخرجَ قبلها لكنه توقف أمام غيداء التي نظرت إليه بتوجس، رفعَ حاجبيه وهو يبتسم بهدوءٍ ظاهري، وامتدّت يدهُ إليها لتتراجع بذعرٍ وهي تلفظ : وخر بعَد ، زوجتك كاذبـة
وصلَ إلى وجنتها بخفةٍ ليقرصها باثًا الألـم في وجنتها حتى ارتفعَ تأوها بينما التوت تحاول الفكاك منهُ ويديها تمسكان يدَه، وبلؤمٍ هتف : زوجتي كاذبـة بس ماهي قليلة حيا مثل بعض البنات
غيداء بشهقة : أنا قليلة حيا؟ * أردفت بحقد * أجل دامني قليلة حيا نزل إيدك ولا تمسكني
سلطان شدّ على وجنتها بعنادٍ وهو يلفظ بتسلية : أبي أأدبك بس
غيداء بصوتٍ مرتفع : آآه يمه تعالي شوفي ولدك شيسوي فيني
ضحكَ وهو يترك وجنتها بعد أن احمرّت : لكاعة ، روحي بس اذلفي عن وجهي واجلسي انتِ وغزل مع امي تاركينها بروحها
فركَت خدّها بباطنِ يدها وهي تكشر وتلفظ بصوتٍ خافتٍ متذمر، ودون أن ترد تحرِكت لتتحرك غزل خلفها مهرولـةً دون أن تبالي بما يصير أمامها . . المهم أن تهربَ من نظراته التي بقيَت تتابعها حتى اختفَت.


،


نظرَ إليها بقسوةٍ وصوتُها الباكي يشقُّ أذنيه، انحنى ليتناول حقيبتها متجاهلًا لبكائها ليفتحها ويُخرج هاتفها الصارخَ باسم " خالي العزيز "، انقبضَت عضلةٌ في فكّه وهو يبتعد عنها ليخرج من الجناح، وضعَ الهاتف على أذنه بعد أن رد، ليصلهُ صوت ذياب : أنا برا
فواز بهدوءٍ ظاهري : السلام عليكم
تلاشى صوتُ ذياب للحظات ، ومن ثمَّ انبعثَ بعد لحظاتٍ من عمقِ الحقد والنفور : وعليكم السلام ، كيفك أستاذ فواز؟
فواز بثقة : تمام ، شلونك أنت؟
ذياب : طيّب ، قبل لا تكلمني جيهان
أعتمت نظراته قليلًا دون أن يرد، ليُردف بحدة : وش سويت لها؟
تحرّك فواز في الممر ليتّجه ناحيـة عتباتِ الدرج، نزلَ وهو يهتف بهدوء : وش بنسوي فيها؟ أكيد ولا شيء
ذياب بقهر : والله إني قايل يوسف وأقاربه ما منهم أمـل ، والصدمة الجديدة إنّها عندك كذا بدون حفلة زواج ولا شيء ، ما شاء الله وش كثر يوسف أب مثالي!!
فواز ببرود : مين قالك محنا مسوين حفل زواج؟ ويعدين لا هو حرام ولا شيء أنا زوجها على سنّة الله ورسوله
ذياب : بعد ما كلمتني تبي تطلع من عندك . . تخسي!
زمّ شفتيه وهو يفتحُ البـاب ووقف ناظرًا لسيارةِ ذياب التي تنتظر زوجته التي تنوي الهربَ من بين يديه، احتدّت نظراته وهو يكمل طريقه إليْه بثقة، بينما انحدرَ صوته هاتفًا : لا تحاتيها ما تبي تطلع ، أنا اللي طالع لك
أغلقَ الهاتف بعد جملته تلك في حين وصلَ للباب الخارجي، فتحهُ ليظهر لذياب الذي أنزل الهاتف ناظرًا إليه بملامحَ مشتدّة، يدهُ الأخرى تنقبضُ على المقود بعنف، وعيناه تشتعلان بغلٍّ منذ كان صوتُ جيهان المقهور يصل لمسامعه عبر الهاتفِ تُخبره بأنها لا تريد البقاء في منزل فواز وتحتاجُـه، هو منذ البدايةِ لم يكُن راضيًا عمّا استجدّ في زواجها هذا، لذا ما إن سمعَ صوتها حتى اشتطّ غيظًا وغضبًا ليجيء إليها بأقصى ما يُمكن من سرعة.
فتحَ باب السيارة وهو يُقرِئ نفسه بالهدوء، بينما توقّف فواز أمام بابِ السائق بهدوءٍ ظاهري يماثل ذياب، وما إن أغلق ذياب الباب حتى مدّ فواز يدهُ بشكلٍ مسالمٍ بنية مصافحته، ليردّ ذياب بالموافقةَ وهو يرسم السكُون في أفعالِه ونظراتِه، هتفَ فواز بثباتٍ وهو يُخفض كفّها اليمنى : معليش على اللي بقوله ، بس أظن اللي يصير بيني وبين زوجتي شيء خاص فينا ، حتى لو صغرت عقلها واشتكت مو معناه تجي وتطلعها من بيتها! كذا أنت تخرب حياتها بيدينك
ذيـاب رفعَ حاجبيه : إذا كان الزواج بكبره ماهو داخل مزاجي وأشوف إن حياتها خراب من الأسـاس فأظن وقتها أقدر أتدخل ... ما أرضى بالضيم لبنات اختي
لوى فواز فمهُ وهو يرفعُ حاجبيه قليلًا، وبنبرةٍ واثقـة : ماهو مبرر ، ويظل اللي يصير في بيتي ما يتعدى الجدران .. جبهان غلطانة فلا تمشي معها بالغلط
ذياب بتحدي : من دواعي سروري أمشي معاها بالغلط دام هالغلط فيه راحتها
فواز : مين قال ماهي مرتاحة أو ما تبي حياتها وياي
ذياب : طلبها أجي لها، وصوتها اللي أقدر أميز فيه الحزن
فواز : وعقدت الحزم وجيت تخرب بيتها؟
التسم ذيـاب بكره، ووجّه نظراته نحو المنزل ... وبِحنق . . .


،


مضَت الساعاتُ تجري لمستقرِّها الماضي، واختزَلت النظراتُ الحاقدةُ نفسها فيه، تشعّبَت جذورُ المكرِ في صدرِه بعد أن قام بدعوتِه لإحدى المقاهي القريبةِ ومضَى وقتًا طويلًا يحادثهُ ويحاول الاقترابَ منه، بينما كان أدهم يجاريه وحسب، ليسَ غبيًا حتى لا يقرأ نظراتِ الشرِّ في عينيه، لكنّه استقبلَ دعوته بصدرٍ رحبٍ وبقيَ يُحادثهُ لوقتٍ ليسَ بقصيرٍ حتى انتَهى التقاؤهما بأن سلّم رقمهُ لشاهين كما طلبه ، دونَ مبالاةٍ به، وبنظراتِه، وبكل ماقد يفعله.
ومن الجهةِ الأخـرى، كانت الابتسامةُ تعلو ملامح شاهين الحاقـدة ، " جيت وربي جابَك "، لا يسعهُ القولُ كم أنّ السعادة قد نالت منه الكثيرَ ما إن وجده، سعادةٌ وازدراء، حقد، كره، وكل المشاعرِ المتناقضة، لا يدري حتى الآنَ ما علاقتهُ بما حدثَ لأخيه بالضبط، لكنّه يدرك أنه قد اقتربَ كثيرًا من حلِّ المعضلةِ التي لم يحلها حتى الآن بشأنِ أخيه.
ركبَ سيارته والابتسامةُ تشقُّ ملامحه، تحرّك حامدًا شاكرًا للهِ على هذه الصدفةِ الجميلة التي جعلت ذاك الأدهم يصتدمُ به، ومرَّ الوقتُ وهو يفكر بالكثير من الأفكار المتعلقةِ بمتعب وهو، والعلاقـةُ والحقيقة.
وصل إلى الفندق، وترجّل من سيارتِهِ ليصعَد، شيءٌ من الراحـةِ تغتاله، والكثيرُ من السعادةِ والحقدِ أيضًا تُزمِّل ابتسامتَه، فتحَ الباب بالمفتاحِ الذي لديْه، ودخَل ورائحةُ عطرها العذبِ تفُوحُ في المكان مختلطةً برائحةِ ما تطبخْ، تحرّكت قدمـاه باتّجاهِ الرائحةِ ليقترب إدراك مسامعه من صوتِها الخافت والذي كان يدندن لحن أغنيةٍ مـا، ابتسمَ وذاكرته تنسى أدهم لبعضِ الوقت وتسكن صوتها في بؤرتها لتُصبح مركزَ قوّتِها ونواةَ ابتسامتِه . . وقفَ خلفها تمامًا للحظاتٍ قصيرةٍ قبل أن تمتدّ يداه محيطًا خصرها لتشهقَ بقوةِ فزعها، حينها ضحكَ بتسليةٍ لافظًا : بسم الله عليك وش دعوى هالخوف؟
أسيل بذعرٍ تغمض عينيها : فجعتني ، ما انتبهت لدخلتك
شاهين يضمّها إليه : وأنتِ بتسمعين حسّي وصوتك مالي المطبخ ، أعوذ بالله حتى وهو خافت نشاز
عقدَت حاجبيها لتمسك بيديه وتُبعدها عن خصرها، ومن ثمّ استدارت إليه وهي تهتف بصوتٍ مشدود : على أساس صوتك الحلو؟
شاهين يبتسم بلؤم : أنا ما فرضته على غيري وغنيت غصب وهو شين ، فيه ناس ثانية صدّقت عمرها وأظهرت الصوت الجميل للملأ ، زين ما انتحرت الجدران
أسيل : سامج
ضحك : افا عليك ، كل ما قلت الحقيقة قلتِ مليغ أو سامج
أسيل بضمُّ شفتيها : لأنك فعلًا مليغ وسامج ، ما عندك ذوق مع جنس حواء
شاهين بتعجب : تبيني أجاملك مثلًا؟
أسيل : ياليت والله ، ترى الوردة تزهر بإطراءآتك الفريدة
ابتسم : تتظنزين؟
هزّت رأسها بالنفي ببراءةٍ ليضحكَ بخفوتٍ قبل أن يطوّق وجهها بكفيه متأملًا عينيها للحظاتٍ يسرقها الزمن بسرعتِه، يدورُ بسرعةِ البرقِ باترًا قبلةً وأخرى في ماضٍ وكَان . . انحني قليلًا مقبلًا شفتيها بحب، حينها أغمضَت عينيها بهدوءٍ تستقبل شغفهُ وعواطفهُ بضعفٍ واستسلامٍ يضاعفُ هذا الشغف، مرّت الثواني القليلة قبل أن يبتعد عنها وهو يمسحَ بكفهِ على خصلاتِ شعرها الخفيفة، هامسًا بابتسامةٍ لعينيها المُغمضتين : هذي بوسة المساء ، نسيناها
فتحت عينيها والإحمرارُ يكتسي ملامحها التائهـة، شتت حدقتيها وهي تتنحنحُ وتستديرُ عنهُ ناظرةً للكريمةِ التي كانت تقوم بخفقها قبل دخوله، تحرّك قليلًا ليقف بجانبها، وباستفسار : وش تسوين؟
أسيل بخفوتٍ خجول : كيك
شاهين ابتسم : الله الله اليوم الحلا من يدينك الحلوين


يتبـع اليوم ()


كَيــدْ 03-09-15 05:02 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
العفو منكم ، كنت مرسلة البارت لوحدة من البنات من بدري بس النت لعب فيها وما قدرت تنزله لكم وتو أدري ، السموحة ()

منار حسن 03-09-15 10:45 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
كيد ..بجد مش قادرة اوصف لك الروايه حلوة ازاي
انا اول مرة اسجل في منتدي عشان ارد عليكي انا متبعاكي من الاول
لو سمحتي بقي عايزة اعبر شويه ..احم احم
اكتر شخصيات بحبها فواز وشاهين وعناد وسلطان ..حساهم بيفكروا بالعقل ودي حاجة مهمة جدا
اكتر ثنائي بستناهم سيف وديما ..شاهين واسيل
ادهم ..مش قادرة احدد له موقف الصراحه
سيف ...محدش فاهمه وتقريبا كلكم بتكرهوه .هو خايف ينفصل عن ديما مش عارفه هو بيحبها بجد ولا بيحبها لانها ملكه وعايز يثبت انه يقدر يسيطر عليها مش زي بثينه مقرش عليها فبيطلع القديم والجديد في ديما
تميم ...ده برنس وشرير في نفس الوقت >لحب انا الشخصيات المجنونة دي
بالنسبه لماجد وعلاقته بادهم وعلاقه ادهم بمتعب ..مش واضحه بالنسبه لي
غيداء ...مش مطمنة عليها >احساس
عندي برده احساس ان سلمان مقتلش اخوه وان ليلي كانت بتكلم سلطان من عنده
والراجل اللي ظهر مرة واحده مع بدر (مش فكرة اسمه)>مش جاي تكمله دور في الروايه يعني
جيهان...كااائن درااااامي بكرهها من كل قلبي بجد بكره الشخصيات السلبيه الدراميه دي ومتتخيليش فرحتي اما فواز ضربها
مش عارفه بس حساه مع جنان

أبها 03-09-15 12:41 PM

تسلم إيدينك يا ملكة التعبير ...

سلطان.... شخصية رائعة و متزنة..
حتى مع اختلاف المواقف و اختلاف الشخصيات التي تجمعه بهم
يبدو متزناً ..
غيداء ..لاحظت أن ( القطة المغمضة ) قد فتحت عينينها بدليل
تعليقاتها وتلميحاتها على موقف سلطان وغزل .
هل فعلا قد تأثرت بزميلتها السوء في المدرسة !!

غزل ...لدي تساؤل يا كيد ..هل تعرضت غزل لغدر أحدهم فقدت على إثرها
عذريتها ولذلك كانت تخشى من إتمام زواجها بصورته الطبيعية ؟؟
وإن كانت الإجابة بنعم هل كان أبوها على دراية بالأمر ؟؟؟

أدهم ومتعب ..يا ترى ما هي العلاقة التي تربطهما ؟
وهل كان حقاً سبباً في مقتله و من أجل ذلك كان شاهين يبحث عنه ؟

لا حرمنا من إبداعك أختي كيد ..وبانتظار التتمة .🍃🌸🍃

طُعُوْن 03-09-15 09:34 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن

شكرًا لانتظاركم ، هذا البارت كامل مع بعض من غير تجزئية وبعد المراجعة من جديد لكثرة الأخطـاء أمس ، قراءة ممتعة ()

قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات


(49)



وجهٌ صدّ عما حدَثَ وأخفَى إحراجه، ووجهٌ آخر تجمّد وعيناه يتّسعُ فيهما الصدمـة، تسلل التجمّد من عيناه إلى جسده وهو يُحاول استيعابَ ظلها الذي كان هنـا قبل ثوانٍ قصيرة، حتى رائحتها! ، عطرها! عطرها انبثقَ في ثانيةِ ظهورها بينهم . . التمعَت عيناهُ فجأةً والنـار اشتعلَت بصدره، أجل، إنها رائحتها، رائحتها التي تسللت لأنف عناد بالتأكيد وكما تسللت إليْه!! تسللت الرائحةُ كما الصورة . . توجَّهت نظراتُه فجأةً إلى عناد الذي لم ينظر إليه بعد وهو يدرك أنّه إن نظر إليه سيُضاعف من إحراجِه وحدّةِ شعورِه في هذهِ الأثنـاء ، حينها عضَّ شفته بحنقٍ وهو يصد نظراتهُ عنه، ينظر للبابِ الذي ظهرتْ منهُ واختفَت في لمحةِ قهرٍ اخترَق صدره، بينما وجّه عناد نظراته إليهِ أخيرًا ليقرأ تعابير وجهه، حينها أفرجَ عن شفتيه ليهتف بخفوت : اجلس ، ما صار إلا كل خير
لم يبدو أنه قد سمعه، أذنه أُعتمَ فيها السمعُ ودونَ أي استعدادٍ تحرّكت قدماه بعنفٍ يطرقُ في جوفهِ ويرتد مرارًا إلى أذنيْه، خرجَ من المجلس وهو يحاول إسكان الغضبِ الذي تكوّن شرارةً في صدرِه، بحث عنها وهو يُقسم أنه سيجعلها تندمُ على ما فعلته من حماقَـةٍ أمامه والأدهى أمـام عناد، هل كانت تستمع إليهم أم ماذا؟ .. لا يُهم! لا يهم ما كانت تفعله، الأهم هو أنها سقطت أمام أخيه، مهما كان وضعهما إلا أنه يستحيل أن يمرر ذلك مرورَ الكرام!
احتدّت أنفاسه وهو يبحث عنها بعينيه وقدميْه، هل عادَت للمجلس الذي كانوا فيه؟! .. عضّ شفته بحنقٍ وهو يتوجّه إليه، سيناديها لتخرجَ وينظر في أمرِ الذي فعلته! كان قد قرر أن يذهب لهم وتحرّكت قدماه باتجاه المجلس، لكنّه توقف فجأةً حين سمعَ صوتها من الحمـام تهتف من بين أسنانها بكلمةٍ خافتـةٍ تشتم بها نفسها، وبالرغم من خفوتِ صوتها إلا أنه اخترقَ أذنيه بعنفٍ يوازي عنفَ ما يختلجُ في صدرِه، اخترقهُ هسيسها دون أن يفقهَ ما تقوله، لكنّه لم يهتم لما تقول! بل اقتربَ منها ورائحتها الفجّة تخترق أنفه، مما أثار حنقهُ أكثر ودفعَ خطواتهُ إليها، وما إن أصبح على بعد خطوةٍ منها حتى مدّ يدهُ ليشدّ على زندها ويُديرها إليه، والتقت أنظارهُ الحـادة باهتزازِ عينيها المذهولتين والمتوترتين، بملامحها التي يظهر في عمقها الإضطراب، فغَرت فمها بينما شدّ على يدها بقوّة، وبنبرةٍ حادةٍ سأل باستنكار : أنتِ مستوعبة اللي سويتيه؟
ارتعشَت شفتاها وهي تنظر لوجهه الغاضبِ بتوتر، فقَدت الجُمل كلماتها والكلماتُ أحرفها، نفدَ صوتها في حنجرتها وهي تسمحُ للذعر أن ينفذَ إليها من ملامحه الحـادة التي لا تُطيقُ هدوءً في هذا الوقت . . شعَرت بيدهِ تهزّها وهو يردف بصوتٍ مكتومٍ يحاول طردَ غضبِه بعد أن استنشق الخوفَ في عينيها : ردي ، مستوعبة اللي صـار؟
أخفضَت نظراتها للأسفلِ لا تستطيع مواجهةَ عينيه الحـادة، هي لم تكُن تواجهه بجرأةٍ في وقتِ لطفه، فكيف حين يكُون غاضبًا؟ . . بقيَت تخفض بصرها وقلبها يضطربُ بين أضلعها، بينما بلل سلطان شفتيه وهو يترك لحنقهِ وغضبه الإرتحال من جسدهِ عبر مساماته وهو يستشعر الخوفَ الذي ينبعث منها، هذّب صوته قليلًا وأخفَى حنقه مما حدَث، بالرغم من كونِه لا يزال جاريًا مع دمِه.
ارتخَت يدهُ على زندِها، واجتذبَ كفه قليلًا وهو يسمح لصوتهِ أن يعبر من بين شفتيه بهدوءٍ بهِ القليل من الحدة : وش كنتِ تسوين عند الباب؟
لم ترفع رأسها إليه، ولم تجد كلماتٍ ذات كثافةٍ تسمح لها بالطفوِ على فمها، بقيَت صامتةً بعد ما استشعرت ترقّق صوتِه قليلًا وحين طالَ الصمتُ بها وجدتهُ يزفرُ بغضبٍ وهو يردف بحدةٍ عادت للطفْو على صوتِه بينما ارتفعَت يدهُ فجأةً إلى ذقنها ليرفعَ وجهها إليه سامحًا لشهقةِ ذعرٍ من التسلل عبر شفتيها : وبتحكين والا شلون؟ ، فوق ما أنتِ غلطانة مطنشتني بعد؟
برفعهِ لوجهها إليه كان لزامًا على حدقتيها أن تتقابلَ مع حدقتيه اللتين مهما حاول إسكان الحدّة فيهما إلا أن ظلّهما يشرح غضبَه، شتت عينيها وهي تزدردُ ريقها لصوتِه الذي اخترقَ أذنيها كسيفٍ حاد، تشعر أنه سيفقد صبره لا محالـة، لذا همَست بتوترٍ بريء : طيب لا تناظرني كذا وأنت معصب ، شكلك يخوف
زمّ شفتيه بقلّةِ صبرٍ ولربما لو كان الوضعُ مختلفًا وخطأها مختلف لابتسم لنبرتها البريئة، لكنّها الآن كانت كمحفزٍ لحنقهِ الذي كبتهُ رغمًا عنه بعد كلماتها الخائفة . . بلل شفتيه بلسانه وهو يرخي قبضتهُ على ذقنها، وبهدوءٍ ظاهري : خلاص ماني معصب
غزل بتوترٍ يتضاعف : لا باقي معصب ، عيونك تخوف
أغمض عينيه وهو يستغفر بصبر، وبصوتٍ قاسٍ : وبتحكين والا شلون؟
غزل انتفضَت قليلًا تحت يدهِ وهي تزدردُ ريقها، وصوتُها المتوتر اهتزّ ناحيَة الإندفـاع : م م ما كان قصدي والله
سلطان يرفعُ إحدى حاجبيه، أخفضَ يدهُ عن ذقنها وتراجعَ وهو يلفظ بنبرةٍ مشتدة : ما كان قصدك؟
غزل تفرك فخذيها بكفيها كطفلةٍ مُذنبةٍ وهي تنظر للأسفل : ما كان قصدي أتسمع لكم، ولا اللي صار كلّه
سلطان بقلّة صبر : طيب وش قصة وقوفك عند الباب؟
غزل باندفاعٍ صادقٍ وهي تنظر إليه : كنت ماشية ، وسمعتكم وقتها تحكون عن .. آ آ * توتر صوتها عند تلك النقطةِ وصمتت *
رفعَ سلطان حاجبيه حين زاولتهُ فكرة أنّها كانت تستمع للجزء المهم مما كان يتحدث به مع عناد، جزء ليلى .. لذا هتف بصوتٍ لا يُبشر بالخير : وشو ؟
ابتلعَت ريقها بصمتٍ وهي تُعيد خفض رأسها، حينها فقدَ صبرهُ وهو يلفظ بصوتٍ حادٍ مرتفع : غــزل
انتفضَت بشدةٍ لتضمّ جسدها بذراعيها وعيناها تتسعان ناظرةً إليه، وبخفوتٍ متوترٍ تطالبه : لا تصرخ ، آسفة والله
سلطان بنظرةٍ مرعبة : آسفة على أيش؟ احكي وخلصينا وش كنتِ تسمعين؟
غزل باستسلامٍ خافِت : كنت مارة وما أدري إنكم جالسين حول هالمكان ، سمعت صوتك بس .. ووقتها قربت وسمعتكم تتكلمون عن * خفتَ صوتها أكثر وهي تُشتت حدقتيها باضطراب * عن زواجنـا !
عقدَ حاجبيه قليلًا، وتثبّتت نظراتُه على ملامحها المتوترة، ملامحها التي امتلكت براءةً تجانسَت مع صوتها في هذهِ اللحظة، وجعلت غضبه يلين رغمًا عنه . . زفَر بصبرٍ وهو يتراجع قليلًا، ونظرتهُ ارتخَت ليُغمضَ عينيه أخيرًا سامحًا لصوتِه أن يلفظ بنبرةٍ هادئـة : طيب وقفتك وعرفنا سببها ، مع إنه عيييب عليك! عيب تسمعين لسوالف غيرك
غزل بنبرةٍ مُستعطفةٍ وهي تعقد حاجبيها : والله مو قصدي
سلطان يفتح عينيه : طيب ، والاستعراض اللي صار وش يغفره لك
التوت الكلمات في حنجرتها وصمتت بذنب، الاحراجُ شقّ طريقه إليها من جديدٍ لتشتعل وجنتها بالحُمرة، بينما ابتلعَ حنقه وهو يسترجع ما حدثَ أمـام عناد، أمامهما معًا وكيف أنّها سقطت لتُشاركه عينا عناد بالنظر لذاك السقوط ، مهما كانت طبيعةُ حياتهما إلا أن رجلًا مثلهُ لم يكُن ليرضى بالذي حدَث .. عضّ شفتهُ بحنقٍ وهو يعود للإقترابِ منها، ونبرةُ صوتِه تستعدُّ مرةً أخرى للاحتدادِ على أذنيها، لكنَّ صوتًا آخرَ تخلخل المكان بمكرٍ هاتفًا : أنا أدور عليك وأنتِ هنا مع حبيب القلب ، هذي اللي بتكلم بس!
اتّجهت الأنظار لغيداء التي كانت تقف عند الباب وهي تضعُ كفيها على خصرها وتنظر إليهما بنظراتٍ ماكرةٍ بينما ارتفعَت إحدى حاجبيها بلؤم ، أردفت : بهالسرعة اشتقتوا لبعض يعني؟ شكلكم نسيتوا إنكم بترجعون بيتكم وبتكونون بروحكم يعني لا تحاتون
استدار سلطان بكامل جسدهِ إليها وهو يرفعُ إحدى حاجبيه، بينما تحوّرت نظراتها للبراءةِ لترمشَ بعينيها بدلال، و " بعبط " : شفيك تناظرني كذا؟ جد والله بترجعون بيتكم ماراح نمسككم ، يعني مافيه داعي لهالسحبات منك ومن زوجتك
ابتسم رغمًا عنهُ وهو يتحرّك متجهًا إليها، حينها تراجعت للخلفِ وهي تضحك : ناوي لي على نية؟
سلطان : على ثنتين تبينها؟
غيداء تخرجُ من الحمامِ بسرعةٍ لتندّس خلفَ البابِ الذي أغلقته، وبصوتٍ عالٍ : اسمع ، ماراح أفتح لك ولا بخليك تطلع درءً للإصابات ، عشان كذا خلّى زوجتك تتحرك وتجي للباب وأنا بطلعها ونروح وبعدها اطلع أنت
أمسك سلطان بمقبضِ الباب حتى يفتح الباب، لكنّها كانت قد شدّت بكامل قوتها لتمنعهُ من فتحِه، حينها ضحكَ رغمًا عنه وهو يهتف : على أساس ماني قادر عليك؟
غيداء برجاء : سلك لي
سلطان : افتحي أجل
غيداء : خلّى زوجتك تطلع
أدار سلطان رأسهُ إلى غزل التي كانت تنظر إليهم بملامحَ لا تُقرأ، وما إن نظر إليها حتى توتّرت وهي تتحرك مبتعدةً عن المغاسلِ لتقترب من البابِ الذي كان يقف أمامه، أي أنها ببساطةٍ ستقف بجانبه شاءت أم أبت، لكن هذا هو الحل الوحيد للهربِ منه قبل أن تغادر غيداء وتتركها وحيدةً مع غضبه.
وقفت بجانبه ونظرت لمقبضِ البابِ الذي كانت قبضتهُ تستريحُ عليها، ازدردت ريقها وهي تشدُّ كفيها جانبًا بينما همسَت شاعرةً بنظراتهِ المخترقةِ لها : افتحي أنا عند الباب
غيداء : سلطان جنبك؟
غزل بكذبٍ حتى تدفعها لفتحه لتخرج بسرعةٍ مهرولةً ناحيـة المجلس : لا
لم تنظر لردّة فعله تجاه كذبها، بينما فتحَت غيداء البابَ قليلًا لكنّ يد سلطان امتدّت بسرعةٍ ليُغلقهُ من جديد، وجّه نظراته الحادة إليها وتنفسها اضطرب، دونَ أن تمتلك الجرأة حتى الآن لتنظر إليه، بينما انحنى إليها قليلًا وهو يثبِّت يده على المقبضِ ليهمس بخفوتٍ وأنفاسه تصتدمُ ببشرتها لتحرقها غافلًا عن صوتِ غيداء الذي كان يتسلل بينهما غير مسموع : مرة ثانيـة لا عاد تقربين صوب مجلس فيه رجاجيل ، ايه وبعَد لا عاد تكذبين
عضّت باطنَ خدّها وهي تفرك كفيها ببعضهما البعض، ابتلعت ريقها بصعوبةٍ أمام نبرتِه الهامسةِ والحادةِ في آن، وأنفاسه التي لسعت بشرتها الناعمـة . . فتحَ سلطان الباب، ليخرجَ قبلها لكنه توقف أمام غيداء التي نظرت إليه بتوجس، رفعَ حاجبيه وهو يبتسم بهدوءٍ ظاهري، وامتدّت يدهُ إليها لتتراجع بذعرٍ وهي تلفظ : وخر بعَد ، زوجتك كاذبـة
وصلَ إلى وجنتها بخفةٍ ليقرصها باثًا الألـم في وجنتها حتى ارتفعَ تأوها بينما التوت تحاول الفكاك منهُ ويديها تمسكان يدَه، وبلؤمٍ هتف : زوجتي كاذبـة بس ماهي قليلة حيا مثل بعض البنات
غيداء بشهقة : أنا قليلة حيا؟ * أردفت بحقد * أجل دامني قليلة حيا نزل إيدك ولا تمسكني
سلطان شدّ على وجنتها بعنادٍ وهو يلفظ بتسلية : أبي أأدبك بس
غيداء بصوتٍ مرتفع : آآه يمه تعالي شوفي ولدك شيسوي فيني
ضحكَ وهو يترك وجنتها بعد أن احمرّت : لكاعة ، روحي بس اذلفي عن وجهي واجلسي انتِ وغزل مع امي تاركينها بروحها
فركَت خدّها بباطنِ يدها وهي تكشر وتلفظ بصوتٍ خافتٍ متذمر، ودون أن ترد تحرّكت لتتحرك غزل خلفها مهرولـةً دون أن تبالي بما يصير أمامها . . المهم أن تهربَ من نظراته التي بقيَت تتابعها حتى اختفَت.


،


نظرَ إليها بقسوةٍ وصوتُها الباكي يشقُّ أذنيه، انحنى ليتناول حقيبتها متجاهلًا لبكائها ليفتحها ويُخرج هاتفها الصارخَ باسم " خالي العزيز "، انقبضَت عضلةٌ في فكّه وهو يبتعد عنها ليخرج من الجناح، وضعَ الهاتف على أذنه بعد أن رد، ليصلهُ صوت ذياب : أنا برا
فواز بهدوءٍ ظاهري : السلام عليكم
تلاشى صوتُ ذياب للحظات ، ومن ثمَّ انبعثَ بعد لحظاتٍ من عمقِ الحقد والنفور : وعليكم السلام ، كيفك أستاذ فواز؟
فواز بثقة : تمام ، شلونك أنت؟
ذياب : طيّب ، قبل لا تكلمني جيهان
أعتمت نظراته قليلًا دون أن يرد، ليُردف بحدة : وش سويت لها؟
تحرّك فواز في الممر ليتّجه ناحيـة عتباتِ الدرج، نزلَ وهو يهتف بهدوء : وش بنسوي فيها؟ أكيد ولا شيء
ذياب بقهر : والله إني قايل يوسف وأقاربه ما منهم أمـل ، والصدمة الجديدة إنّها عندك كذا بدون حفلة زواج ولا شيء ، ما شاء الله وش كثر يوسف أب مثالي!!
فواز ببرود : مين قالك محنا مسوين حفل زواج؟ ويعدين لا هو حرام ولا شيء أنا زوجها على سنّة الله ورسوله
ذياب : بعد ما كلمتني تبي تطلع من عندك . . تخسي!
زمّ شفتيه وهو يفتحُ البـاب ووقف ناظرًا لسيارةِ ذياب التي تنتظر زوجته التي تنوي الهربَ من بين يديه، احتدّت نظراته وهو يكمل طريقه إليْه بثقة، بينما انحدرَ صوته هاتفًا : لا تحاتيها ما تبي تطلع ، أنا اللي طالع لك
أغلقَ الهاتف بعد جملته تلك في حين وصلَ للباب الخارجي، فتحهُ ليظهر لذياب الذي أنزل الهاتف ناظرًا إليه بملامحَ مشتدّة، يدهُ الأخرى تنقبضُ على المقود بعنف، وعيناه تشتعلان بغلٍّ منذ كان صوتُ جيهان المقهور يصل لمسامعه عبر الهاتفِ تُخبره بأنها لا تريد البقاء في منزل فواز وتحتاجُـه، هو منذ البدايةِ لم يكُن راضيًا عمّا استجدّ في زواجها هذا، لذا ما إن سمعَ صوتها حتى اشتطّ غيظًا وغضبًا ليجيء إليها بأقصى ما يُمكن من سرعة.
فتحَ باب السيارة وهو يُقرِئ نفسه بالهدوء، بينما توقّف فواز أمام بابِ السائق بهدوءٍ ظاهري يماثل ذياب، وما إن أغلق ذياب الباب حتى مدّ فواز يدهُ بشكلٍ مسالمٍ بنية مصافحته، ليردّ ذياب بالموافقةَ وهو يرسم السكُون في أفعالِه ونظراتِه، هتفَ فواز بثباتٍ وهو يُخفض كفّها اليمنى : معليش على اللي بقوله ، بس أظن اللي يصير بيني وبين زوجتي شيء خاص فينا ، حتى لو صغرت عقلها واشتكت مو معناه تجي وتطلعها من بيتها! كذا أنت تخرب حياتها بيدينك
ذيـاب رفعَ حاجبيه : إذا كان الزواج بكبره ماهو داخل مزاجي وأشوف إن حياتها خراب من الأسـاس فأظن وقتها أقدر أتدخل ... ما أرضى بالضيم لبنات اختي
لوى فواز فمهُ وهو يرفعُ حاجبيه قليلًا، وبنبرةٍ واثقـة : ماهو مبرر ، ويظل اللي يصير في بيتي ما يتعدى الجدران .. جبهان غلطانة فلا تمشي معها بالغلط
ذياب بتحدي : من دواعي سروري أمشي معاها بالغلط دام هالغلط فيه راحتها
فواز : مين قال ماهي مرتاحة أو ما تبي حياتها وياي
ذياب : طلبها أجي لها، وصوتها اللي أقدر أميز فيه الحزن
فواز : وعقدت الحزم وجيت تخرب بيتها؟
ابتسم ذيـاب بكره، ووجّه نظراته نحو المنزل ... وبِحنق . . .


،


مضَت الساعاتُ تجري لمستقرِّها الماضي، واختزَلت النظراتُ الحاقدةُ نفسها فيه، تشعّبَت جذورُ المكرِ في صدرِه بعد أن قام بدعوتِه لإحدى المقاهي القريبةِ ومضَى وقتًا طويلًا يحادثهُ ويحاول الاقترابَ منه، بينما كان أدهم يجاريه وحسب، ليسَ غبيًا حتى لا يقرأ نظراتِ الشرِّ في عينيه، لكنّه استقبلَ دعوته بصدرٍ رحبٍ وبقيَ يُحادثهُ لوقتٍ ليسَ بقصيرٍ حتى انتَهى التقاؤهما بأن سلّم رقمهُ لشاهين كما طلبه ، دونَ مبالاةٍ به، وبنظراتِه، وبكل ماقد يفعله.
ومن الجهةِ الأخـرى، كانت الابتسامةُ تعلو ملامح شاهين الحاقـدة ، " جيت وربي جابَك "، لا يسعهُ القولُ كم أنّ السعادة قد نالت منه الكثيرَ ما إن وجده، سعادةٌ وازدراء، حقد، كره، وكل المشاعرِ المتناقضة، لا يدري حتى الآنَ ما علاقتهُ بما حدثَ لأخيه بالضبط، لكنّه يدرك أنه قد اقتربَ كثيرًا من حلِّ المعضلةِ التي لم يحلها حتى الآن بشأنِ أخيه.
ركبَ سيارته والابتسامةُ تشقُّ ملامحه، تحرّك حامدًا شاكرًا للهِ على هذه الصدفةِ الجميلة التي جعلت ذاك الأدهم يصتدمُ به، ومرَّ الوقتُ وهو يفكر بالكثير من الأفكار المتعلقةِ بمتعب وهو، والعلاقـةُ والحقيقة.
وصل إلى الفندق، وترجّل من سيارتِهِ ليصعَد، شيءٌ من الراحـةِ تغتاله، والكثيرُ من السعادةِ والحقدِ أيضًا تُزمِّل ابتسامتَه، فتحَ الباب بالمفتاحِ الذي لديْه، ودخَل ورائحةُ عطرها العذبِ تفُوحُ في المكان مختلطةً برائحةِ ما تطبخْ، تحرّكت قدمـاه باتّجاهِ الرائحةِ ليقترب إدراك مسامعه من صوتِها الخافت والذي كان يدندن لحن أغنيةٍ مـا، ابتسمَ وذاكرته تنسى أدهم لبعضِ الوقت وتسكن صوتها في بؤرتها لتُصبح مركزَ قوّتِها ونواةَ ابتسامتِه . . وقفَ خلفها تمامًا للحظاتٍ قصيرةٍ قبل أن تمتدّ يداه محيطًا خصرها لتشهقَ بقوةِ فزعها، حينها ضحكَ بتسليةٍ لافظًا : بسم الله عليك وش دعوى هالخوف؟
أسيل بذعرٍ تغمض عينيها : فجعتني ، ما انتبهت لدخلتك
شاهين يضمّها إليه : وأنتِ بتسمعين حسّي وصوتك مالي المطبخ ، أعوذ بالله حتى وهو خافت نشاز
عقدَت حاجبيها لتمسك بيديه وتُبعدها عن خصرها، ومن ثمّ استدارت إليه وهي تهتف بصوتٍ مشدود : على أساس صوتك الحلو؟
شاهين يبتسم بلؤم : أنا ما فرضته على غيري وغنيت غصب وهو شين ، فيه ناس ثانية صدّقت عمرها وأظهرت الصوت الجميل للملأ ، زين ما انتحرت الجدران
أسيل : سامج
ضحك : افا عليك ، كل ما قلت الحقيقة قلتِ مليغ أو سامج
أسيل تضمُّ شفتيها : لأنك فعلًا مليغ وسامج ، ما عندك ذوق مع جنس حواء
شاهين بتعجب : تبيني أجاملك مثلًا؟
أسيل : ياليت والله ، ترى الوردة تزهر بإطراءآتك الفريدة
ابتسم : تتظنزين؟
هزّت رأسها بالنفي ببراءةٍ ليضحكَ بخفوتٍ قبل أن يطوّق وجهها بكفيه متأملًا عينيها للحظاتٍ يسرقها الزمن بسرعتِه، يدورُ بسرعةِ البرقِ باترًا قبلةً وأخرى في ماضٍ وكَان . . انحني قليلًا مقبلًا شفتيها بحب، حينها أغمضَت عينيها بهدوءٍ تستقبل شغفهُ وعواطفهُ بضعفٍ واستسلامٍ يضاعفُ هذا الشغف، مرّت الثواني القليلة قبل أن يبتعد عنها وهو يمسحَ بكفهِ على خصلاتِ شعرها الخفيفة، هامسًا بابتسامةٍ لعينيها المُغمضتين : هذي بوسة المساء ، نسيناها
فتحت عينيها والإحمرارُ يكتسي ملامحها التائهـة، شتت حدقتيها وهي تتنحنحُ وتستديرُ عنهُ ناظرةً للكريمةِ التي كانت تقوم بخفقها قبل دخوله، تحرّك قليلًا ليقف بجانبها، وباستفسار : وش تسوين؟
أسيل بخفوتٍ خجول : كيك
شاهين ابتسم : الله الله اليوم الحلا من يدينك الحلوين


،


تنظر للمحلاتِ المرميَةِ على جانبِ الطريق، تغازل المـارةَ بإغراءِ أنوارها لتجذبهم إليها، وهي المرميَةُ على قارعةِ الأسى، لا نورَ يلفت النظر إليها، لم تمتلك لافتةً ذاتَ جاذبيةٍ كافيةً لسرقةِ زوجٍ من الأعين أو اثنين . . تنهّدت بحسرة، حتى من يسمى زوجها ليس من حقها، ولم تسعد بهِ أساسًا! ولا تستبعد أنّه يعشقُ زوجته وهي التي تخلخلت بينهما كجرثومةٍ صعبةِ العلاج، كمعضلةٍ صعبةِ الحلْ.
زفرَت هواءً متحشرجًا وهي توجّه نظراتها للأمـام، صوتُ اخوتها في الخلفِ يجلبون ضجيجًا من قعرِ الصمت، وفارس يقودُ السيارة بهدوءٍ وصمتٍ وأذناهُ تدركان تنهيدةً وزفرةً تخشخشت في صدرها وارتفعَت إلى فمها. مرَّت الدقائِقُ طويلةً بطيئةً تبتلعُ السكون، وطُويَت أخيرًا ما إن وصلوا في شكلِ كان، نظرَت للمشفى بعينين مهتزّتين وأناملها تتشبّث بالمقعد حتى آلمتها أظافرها . . أدارَ فارس رأسهُ إليها ليلفظ بهدوءٍ مراقبًا تعابير ملامحها : انزلي
تشنّجت شفاهها المطبقتين، وقاومت عيناها النزِيفَ الشفاف، أحكمت غلقَ مقلتيها بقفلِ القوّة الزائفـة وهي تدير رأسها إلى فارس لتتوتر الكلمات في حنجرتها وتتصادمَ حتى يتّسعَ حقل التشوّش في جُملةٍ كادت تُطلقها، لكنّ ضعفها جعلها تبتلع ريقها وتبتلع معها جملتها المعاقـة ، حينها هزّت رأسها بالنفي وفمها يتقوّس قليلًا بضعف، لتتّسع عينا فارس باستنكارٍ وهو يهتف بخفوتٍ لا يصلُ بأكملهِ إلى اخوتِه في الخلف : جنــان ! مو الحين هالجنون
زمّت شفتيها المرتعشتين، وأغمضَت عينيها بقوّةٍ وهي ترتِّب الكلمات في فمها، وبخفوتٍ متوتر : الله يخليك ، بنتظركم هنا
فارس بحدة : أنتِ بعقلك تقولين هالحكي؟
جنان : أيه بعقلي ، تكفى لا تطولها محنا بروحنا
زفرَ بغيظٍ وهو يفتح بابهُ بعنف، وقبل أن يُغلق البابَ هتفَ بحدة : بخلي العيـال معك أجل
هزّت رأسها بصمتٍ ليُغلق الباب بامتعاضٍ منها، لكن لم يكُن ليجادلها الآن ويحاول إقناعها، لـذا استسلمَ لإرادتها التي يُدرك أنها ستؤذي مشاعرَ والده.


،


تسلل إلى أذنِه كلماتهُ الحانقةِ وهو يوجّه نظراته ناحيـة المنزل : أي بيت ذا اللي يخليها تتضايق لدرجة إنّها تتصل بخالها وتطلب منه يجي يبعدها عنه؟ قول شيء يدخل الراس
رفعَ فواز إحدى حاجبيه، وحافظَ على ابتسامةٍ يخفي بها أغلالَ غيظهِ التي تشدّ رغبتهُ باتجاهِ تحطيم رأس خالها مُسقطًا احترامه لنفسه ومن ثمّ تحطيم رأس زوجته، إلا أنه أخفى أفكاره الجنونية في أعمقِ حفرةٍ في عقلهِ وهو يهتفُ بكرهٍ نبع من قلبه فجأةً تجاهه، فبأيِّ حقً يريد أن ينتشل زوجته من عقر داره؟ : كل بيت يصير فيه الشين والزين ، قول شيء يدخل الراس
كرر جملـةَ ذياب ببطءٍ وهو يحوّر ابتسامته المغتاظـةَ إلى أخرى مسالمـةٍ وهي أبعد ما تكونُ عن السِلم . . عضَّ ذيـاب طرفَ شفتهِ بغيظٍ وهو يشتت حدقتيه ويرفعُ يدهُ ليمسح على عنقهُ أسفل موجةِ حرارةِ الجـو، وبهمجيةٍ وقحةٍ لفظ : بتناديها الحين والا أدخل لها بنفسي؟
ارتفعَ حاجبي فواز بتعجبٍ لكنْ سرعان ما ترقرقَتْ وقفتهم المشحونة كرهًا بضحكةٍ خافتةٍ تسللت من بين شفاهِه، ضحكةٌ ساخرة/مريرة/مغتاظـةً من كل شيءٍ وأول تلك الأشيـاءِ امرأةٌ حملت جمال كلَّ النسـاءِ في عينيه، اختزلَت الجمال في ملامحها وكل امرأةٍ هي في عينِ رجُلها العاشق أجمل من كلِّ النسـاء، وكم يتمنى في هذهِ اللحظـةِ لو يعود إليها لينفض كلَّ جنونها بحدّةِ كلماتٍ أو قبلةْ!
ثبّط من سخريةِ ضحكتِه، وأدار السكونَ في فمهِ الساخِر ليُردفَ بعد موجَةِ قهقتِه : بديت تتواقح ترى ، وما عندي مانع أتعامل بطريقة ما ترضيك ، بس أنا احترامًا لك ساكت للحين
ذيـاب ببرودٍ يسخَر : لا واللي يعافيك لا تعصب ، بس جيب لنا جيهان
فواز : بعد اليوم مستحيل أفكر مجرد تفكير أخليها تجي تزوركم حتى
ذياب : يا الله! قاعد تثبت لي إن البيت اللي عايشة فيه وزواجها مثالي!
فواز ببرود : ما عندي مانع أثبت لك
ذياب : شكلك حاب الخيار الثاني
فواز بحدة : كانك رجّال اعتب باب البيت ، ما ينفع الإحترام مع هالوقـاحة!
استفزتهُ عبارة فواز الأولى، هو لم يكُن ليفعلها ويدخل بيته بالتأكيد، أي أن كلامه مجرد تهديد، لكنّ جملـة فواز جاءت مستفزةً لهُ ليهتف بحدة : رجّال من فوق خشمَك ، ومو أنـا اللي أدخل بيوت الناس من غير أذن وفيها حريم ، لذلك طلّع لي جيهان دام النفس طيبة
وجّه فواز نظرةً مزدرءةً وهو يلفظ بنبرةٍ ثقيلة : غسّل يدينك من طلعـة جيهان
ذياب شدّ على قبضته بقوّة، وبصوتٍ ارتفعَ حين اشتدَّ غضبـه : قلتها وبكررها مليون مرة ، يوسف ما عنده قدرة كافيـة عشان يحافظ على زوجته، فشلون بيحافظ على بناته؟! لكن امي اللي ما رضت تسمع .. والحين سواءً رضَت أو لا بهتم ببنات اختي بنفسي، ما عاش من يرخصهم وأنا حيْ!
اشتعلَت نظراتُ فواز في المقابلِ وهو يقرأ التحدي في كلمـاته، من هو ليأخذ زوجته؟ لن يكون فواز إن سمَح لهُ بتمرير هذا التحدي كسيف، سيفٍ لا يُمَرر كذبًا بل يقطعُ ما يريد، هو من سيُغمدُ سيف ابتعادها، وإن لم ينفع اللين فلن يمانعَ بالشدّة، لمْ يصلَا إلى هنـا لتأتي هي وخالها هذا ويزرعانِ بذور المسافةِ بينهما، ومنذ متى كانت المسافاتُ بستانًا يسرُّ الناظرين؟
لوى فمهُ بحنقٍ وهو يستعدُّ لقولٍ كلماتٍ قاسيـة، لكنّ صوتًا جاءَ ناعمًا مبحوحًا إثر البُكــاء جعل أعضاء فواز تتشنّج بصدمة : خالـي
اتّسعت عينا فواز بشدّة، واستدار نحوها ليجدها واقفةً تُعانقُ بإحدى كفيها ذراعها الأخرى، واشتعلت وقتها عينـاه بغضب، ما الذي جاء بها هنا؟ ألم يحذرها؟ ألم يحذرها؟! هل طالَ بها التمرّد حدَّ تجاهل تحذيره لها الذي ترافقَ مع صفعة؟! . . وجدَ نفسه دون شعورٍ يقترب منها وهو يلفظ بصوتٍ حاد : وش مطلعك؟ ما تفهمين أنتِ؟
توترَت وهي تتراجعُ للخلف، بينما اقترب ذيـاب من الجهةِ الأخرى وغضبهُ يشتد من كلماتِ فواز لهـا ورؤيته لردة فعلها، وبحدة : جيهان ، اطلعي السيارة وبعدين بتفاهم معاك
فواز بغضبٍ وجّه نظراته إليه : ولا تحلم حتى
ذياب تجاهله، نظراته كانت تبحث عن وضوحٍ لعينيها اللتين أخفتهما تحت طرحتها حتى تُخفي احمرارَ البكاءِ فيهما، كانت حينها تنظر إليه نظرةً تائهة، تتجاهل صوتَ فواز وحزنها يحتاج للإرتماءِ في أحضـان خالها وجدّتها لاحقًا، لكنّها بالرغم من ذلك استبدَّ بها الإستسلامُ لتنظرَ لفواز بضعفٍ ومن ثمّ تمرر نظراتها إلى ذياب، قبل أن تهتف بخفوت : خلاص خالـي ، ما أبي أروح ويّاك
اتسعت زوجان من الأعين بصدمة، وهتفَ صوتها مردفًا بخفوتٍ أكبر وهي تنظر للأسفـل : تهورت لما اتصلت عليك ، كانت مشكلة بسيطة بس أنا كبرتها
نظر إليها فواز بجمودٍ وبرود، أي مشكلةٍ بسيطةٍ تلك؟ بالرغم من كونِه يدرك أنّها قالت ذلك لتدفعَ ذياب للإنسحاب إلا أن تلك الجملة كانت كافيـةً لاستفزازه، فمنذ متى كان تطاولها على امه مشكلةً بسيطة؟
عقدَ ذيـاب حاجبيه دون اقتناعٍ وهو يقترب منها، وباستنكار : صوتك اللي كلمتيني فيه يقولي إنك الحين كاذبـة ، وصوتك الحين يعلمني إنك كنتِ تبكين
عقدَت حاجبيها وهي تُنفر رغبتها بالبكاء من جديد، وبصوتٍ فاترٍ بهِ بعض الرجـاء : الله يخليك، خلاص غيرت رأيي وبس! ، لا تحـاول أكثر
ذياب بقهر : يعني كلامي صح؟
استدار إلى فواز بعنفٍ ينوي لكمَه، وكأنّها كانت تدرك ذلك وتدرك كل ماقد يقوم به، اقتربت منهُ بسرعةٍ لتمسك بيدِه وهي تلفظ بعنف : خــلاص خالي عشاني ، لا تسوي شيء غلط
وجّه حدقتين مشتعلتين إليها، بينما كان فواز يراقبهم ببرودٍ وانفعالٍ غادرهُ بعد اشتعالِه حين رآها، ولم يكُن سبب انطفائه سوى رغبتها المعاكسةِ لما كانت تريد قبلًا، المهم أنّ تهوّرها تبدّل ولم تذهب معه، ولم تكُن لتذهب معهُ وإن أرادت.
هتفَ بجمودٍ ونبرةٍ حازمـةٍ ولم يُليّن قلبه عليها كلماتها قبل قليل : ادخـلي داخل وأنا بتفاهم معاه
نظرَت إليه بصمتٍ وعيناها تغيبانِ عنه خلفَ غطائِها، لم يرى نظراتها العاتبَةِ عليه، تلك التي مهما حاولت إثباتِ البرودِ تجاهه إلا أنها تشتعلُ بالعتـاب. اقتربَت من ذيـاب لترتفعَ على أصابع قدميها وتقبّل وجنتهُ الخشنة، ومن ثمّ تحرّكت مبتعدةً عنهم لتدخل للبيت بخطواتٍ تائهة.


،


تعانقت عقارب الساعةِ عند الرقمِ احدى عشر، كانت وقتها تجلسُ على السريرِ بوهنٍ وهي تضعُ كفّها اليُمنى على عينيها المشتعلتين، سمعَت صوتَ بابِ الغرفةِ يُفتح، واهتزَّ قلبها قبل أن تخفض يدها وهي تدرك جيدًا من الداخِل، فمن سيكُونُ سِواه؟ ، غلّفت نظراتها بالبرودِ نحوه بينما اتّجه هو ناحيـة التسريحةِ ليخلَع الكبك وساعتِه، بينما عينـاه تنظر إلى عينيها الباردتين عبرَ المرآة، ليهتفَ بخفوت : كيف تحسين حالِك الحين؟
شتت حدقتيها عنه دونَ مبالاةٍ وهي تلفظ بنبرةٍ متثاقِلة : أظن مالك شغل فيني
سيف رفعَ حاجبَه، لكنّه تجاهل الردَّ عليها بذاتِ طريقتها وهو يخلعُ ثوبَه ويعلقه، وبهدوء : ماراح ألومك على أي شيء بتقولينه اليوم لأنِّك تعبانة
ديما بحدة : مالك حق تلومني على اللي بقوله دامك أنت هو زوجي
تنهد وصمت متجاهلًا لهـا، فتحَ خزانة ملابسه وتناول أول بيجاما كانت أمامه، اتّجه للحمـامِ وهو يشعر بنظراتِها الحادة التي تخترقه، ومرّت دقائق طويلة قبل أن يخرج عاري الصدر، ليتفاجئ بها تقف أمام الخزانـة وملابسها منتثرةٌ هنـا وهناك ، عقدَ حاجبيه باستنكار، وبحدةٍ سأل : وش تسوين أنتِ؟
ديما ببرودٍ وهي تنحني وتجمع الملابس من الأرض : ما تشوف؟ قاعدة آخذ ملابسي عشان أنقل للغرفـة الثانية
شعرَ بضربةٍ توجّهت إلى وجهه، واتّسعت عيناه بصدمةٍ والاستيعاب يهجره لثوانٍ، تنقل؟ وإلى غرفةٍ أخرى؟! هل جنت أم ماذا!! . . شدّ على أسنانِه بغضبٍ وهو يقترب منها بخطواتٍ حادة، وما إن وصَل إليها حتى أمسك بمعصميها لينفضهما وتسقط الملابس التي كانت تحملها، وبنبرةٍ غاضبةٍ هتف : أنتِ جنيتي والا شلون؟ بعقلك يوم تفكرين بهالمبزرة؟
كشّرت وهي تنفضُ معصميها حتى يتركها وكأنها تتقزز من ملمسه، حينها تضاعفَ غضبه واشتعلت عيناه وهو يقرأ تعبيرَ الإزدراءِ في عينيها، شدَّ على معصميها أكثر وهو يصرخ وقد فقد سيطرته على غضبِه بينما انقبض قلبه لنظرتِها : انثبــري
ديما دونَ مبالاةٍ بصراخِه : ما ودي ، واترك يدي ما أبيك تمسكني
تضاعفَ شدّهُ عليها حتى تأوهت بألـم، بينما همسَ صوته بفحيحٍ مُخيف : ما تبيني؟ على كيفك هو؟
ديما بنبرةٍ مستوجعةٍ لضغطِه على معصميها : دام فيه مدام جديدة بتجي ما عاد فيه لزمـة لي
ظهر طيف ابتسامةٍ على شفتيه رغمًا عن الموقف، وارتخَت قبضتاه على معصميها بدرجةٍ ضئيلةٍ ليجتذبها إليه حتى اصتدمَت بصدره العاري، وبتسليةٍ وهو يلحظُ انفعالَ نظراتها من ابتسامتهِ والتصاقهِ بها : أجل الموضوع كِذا؟! غِيرة؟
عضّت شفتها السُفلى بغضبٍ وهي تحاول الإبتعاد، إلا أنّه طوّقها بشدةٍ وهو يضحك ضحكةً كانت تُثير حنقها وتستفزُّ رغبة القتل في صدرها، هتفت بحدة : لا تصدق نفسك ، ماهو ناقصني إلا أغار على وجهك الخايس
سيف بتحدي : احلفي طيب
ديما تحاول دفعه : وخـر عني بروح أنـام
سيف : وين؟
رفعَت رأسها إلى وجههِ والنار تعصفُ بملامحها المقهورة، وبِاستفزاز . .

.

.

.

انــتــهــى

وموعدنا يوم الأحد :$ قراءة ممتعة وشكرًا لتفهمكم (())

ودمتم بخير : كَيــدْ !

fadi azar 03-09-15 10:32 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
فصل رائع جدا

bluemay 04-09-15 06:11 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مسموحة يا الغلاا


حلو كتير البارت اعجبني



جيهان ؟!!!!

غريبة ما عرفت شو اللي غير رايها .. والا كانت راحت وما قدر فواز يمنعها.





جنان ... حزنتني . شعورها مأساوي وهي الدخيلة فينظرها .

الله يسامحك هنودة اتوصي فيها شوي >_<





ديما ولعت معاها واكيد غيرانة من الضرة لووول

سيف بحزن صار موقفه ضعيف بعد ما حبها .





أسيل وشاهين حلو التفاهم واظن بحسن المعاملة بزيد الود بينهم.




غزل وسلطان

وااااو آكشن مظبوط لووول
اله يسامحك عيشتيني على أعصابي .

بس عن جد هالسلطان جنتل ... عرف يحتوي الموقف .


غيودة عسل ههههههه
فاكهة الرواية بنظري



يسلمو ايديك طعوني عالتنزيل

ومشكورة هنودتي عاﻷبداع


لك خالص ودي

○° الله أغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله ، وأوله وآخره ، وعلانتيته وسره .°○

كَيــدْ 06-09-15 03:09 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



السلام عليكم ورحمة الله ، مساء الخير ..
إن شاء الله تكونون بألف خير وسعادة

لي تعقيب على تعليقك يا غربة بخصوص المواعيد
+ البارت راح ينزل مثل العادة بوقت الليل، - بدون تحديد ساعة معينة - ؛ واعذروني إذا كان أقصر من كل مرة بس لي ثلاث أيـام تعبانة فاللي بيطلع مني راح يكون على قدر استطاعتي :(

دمتم بخير وراحة تتغلغل أعماقكم ()


كَيــدْ 06-09-15 10:27 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافية



قراءة ممتعة للجميع، وللي ما يحب يقرأ التعليقات اللي مني أو من أي قارئ ، بارت اليوم قصير بعض الشيء، والسبب إني كنت طيلة الثلاث الأيام السابقة تعبانة فهذا اللي طلع معاي - عشان محد يسألني بعدين ويقول ليه قصير! - ..


بسم الله نبدأ
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات


(50)




ديما تحاول دفعه : وخـر عني بروح أنـام
سيف : وين؟
بالرغمِ من انتشارِ ذراتِ البرودةِ في الغرفة، وموجاتُ السكونِ في كل زاويةٍ تحتويهما، إلا أن نارًا حارقةً كانت تشتدُّ في عينيها، نارًا اشتدَّ بها الاشتعال ما بين قهرٍ منهُ هو بعينهِ وما بين غيرةٍ تغرس جذورها في صدرها وتبعث الضبابَ أمامَ عينيها وفمها لتتشوّش رؤياها وكلماتها، تخلق في صدرها ألفَ غضبٍ وآخر، لذا خرجَ صوتها المهتزّ مشبعًا بنبرةٍ متمردةٍ مستفزة : وين؟ أعتقد هالسؤال ماهو جاي بمكانه، لا تكون نسيت إني عشت بهذيك الغرفة شهرين ونص تقريبًا ، يعني ببساطة * ابتسمت * أكيد بغرفتي
انقبضَتْ عضلةٌ في فكهِ الصلب، وتضايقَت حدقتيه بين حنايا عينيه القاسيَة، فقدت شفاههُ البسمةَ المتسليَة وهو الذي يُدرك أنها تتعمّد ذكر هذا الموضوعِ الذي يستفزّه، هذا الموضوع الذي سيبقى نكتةً سوداءَ نُكتت في قلبِ علاقتهما ... شعَرت بذراعيه ترتخيان حولها، فالتمعت عيناها بانتصارٍ وهي تضعُ كفيها على صدره لتدفعَ جسدها للخلفِ وتبتعد عن نطاقِ الدفءِ في جسدِه، عن صوتِ صدرِه الذي يتنفس الأكسجين بحرارةِ انفعالـه وتشاركُه هي في ذلك. رمَت خصلاتِ شعرها التي انتثرت على ملامحها للخلفِ بكفِّها الحانقة، واحتفظَت بابتسامةٍ باردةٍ وهي تتراجعُ وتلفظ بنبرةٍ ناعمـة : تصبح على خير زوجي العزيز
استدارَت قبل أن تلمح ردّة فعل نظراتِه، وتحرّكت بسرعةٍ وكأنّها فريسةٌ يركض خلفها أسدُ الغابِ وإدراكها المتينُ له يجعلها تتوقعُ خطوتهُ التاليـة، وصلَت للبابِ لتفتحَه، وكما توقّعت كان هو قد تحرّك خلفها بانفعالٍ ليصل إليها قبلًا ويضع كفهُ على البابِ مُغلقًا لهُ ما إن فتحته، ودوَى صوتُ غضبِه في البابِ لتغمض عينيه بقوةٍ وتتمررَ انتفاضةٌ خافتةٌ على جسدِها.
بقيَ ساكنًا من خلفها للحظة، يدها التي كانت تمسك بالمقبضِ انخفضت قليلًا، وبقيَت ذراعهُ من فوقها تمتدُّ لتترك كفّه ملامسةً البابَ بحرارةٍ تخشى أن تكون سببًا في اهترائه! أوَليسَ هو من أصابَ روحها بالإهتراء؟ هي الحيُّ والبابُ جماد، وإن طال شرّهُ لها فليسَ صعبًا أن يطولَ البـاب .. تملك من قسوةِ اليدين ما يملكُ فمكْ، توارثَت أعضاؤك كلّها صوتَ الإسـاءةِ إلى قلبِ من يُحبك، هذهِ العلاقةُ أصبحت موبوءةٌ بأكسدتِك لي، احتكرتني لنفسك، ولم تُبقي لنفسي شيئًا. تملك من قسوةِ اليدين ما يملكُ قلبك، كيف أغلقت بابه؟ وشرّعت صدّه؟ كيف أطرقتَ النوافذَ على قدسيةِ دمِك؟ ليسَ إنصافًا لي أن تجري في دمي ولا أجري في دمك، ليس إنصافًا لي أن تتجاور أحرف اسمك مع - حبيبي - وتتجاور أحرف اسمي مع - زوجة -! فقط زوجة! .. إلهي كم أبغضت هذا المُسمى! أبغضت تسميةَ العلاقة التي أقامت حبي لك، كم مرةً حاولتُ إزهاق الباطلِ في علاقتنا، لكنني في كل مرةٍ أدرك أن الباطلَ أنت، وإزهاقكَ يعني انتهاء هذهِ العلاقـة . . صدقني ، ستنتهي وأنت من ستكتب خاتمتها.
اجتذبَت الهواءَ إلى صدرها ليصتدم الأكسجين بجدار حنجرتها المجروحة، لتخرّ الكلمات مدميةً على بساطِ وقوفِه خلفها، يكاد يلامسها. أغمضَت عينيها بقوةٍ وهي تشعر بهِ يخفض رأسها قليلًا حتى لامست أنفاسه عنقها من الخلف، ونبرتهُ المشدودةُ بُعثت من أعمقِ هاويـةٍ في قبرِ الكلام، ليأتي باردًا محملًا برائحةِ البرزخْ : هي كلمتين ، وما ودي أكررها ، الحين تلفّين وتتجهين ناحية السرير ومبزرتك هذي تخلينها لنفسك
زمّت شفتيها بقوةٍ وهي تفتح عينيها كاشفةً عن حدقتين يتماوجُ فيها الخذلان، عن بؤبؤيْن يضيقان بحزنها وموجةُ العتاب ترتفعُ بقافيتها في قصيدةٍ لم تُرتّل، رفَعت كفّها لتمسح على أرنبةِ أنفها ويبقى جسدها مجمدًا في مكانه يُذيبه حرارةُ أنفاسِ الذي خلفها وكأنهُ سَمومٌ سُلّطَت نفحاتها على جبلٍ جليديٍ سيذوب، وسينصبُّ ماؤه الباردُ على قلبها ليغسل حرارةَ الوجعِ فيها.
أدارتْ رأسها قليلًا إليه، لتلمح بطرفِ عينيها ملامحهُ الصلبَة، وبنبرةٍ تستنشق من صلابةِ ملامحه القليل هتفت بتمرد : وإذا كنت أبي أخلي مبزرتي لنا؟
شدّ على أسنانهِ وهو يخفض يدهُ عن البابِ ليُمسك بكتفها بشدةٍ ويُدير جسدها إليه بعنفٍ جعلها تترنّحُ قليلًا لولا يده التي منعَت سقوطها، والتقى الشرر في عينيه بعينيها اللتين مهما تصاعد تمرّدهما تبقى ظلال الخوفِ تخطو مع كل خطوةِ تمردٍ تخطوها . . لفظَ صوتهُ بحدةٍ وهو يشدُّ على كتفها بقوّة : قلت ما أبي أكرر كلامي
ديما تُغمض إحدى عينيها ألمًا من شدِّه على كتفها، وبصوتٍ يتعالى فيهِ نطاق الوجعِ ليدفها للصراخِ دفاعًا عن ثباتها : أنـا أبيك تكرر ، أبييييك تكرر لأني ما أفهم ، لأني غبية وأحب التكرار
سيف بصراخ : انخرسي
شدّت على أسنانها بقهرٍ وهي ترفعُ يدها إلى يدهِ تحاول تخليص حصارِه الذي يصبُّ جامَ غضبه على عظامها الرقيق، وبنبرةٍ مستوجعَة : وخر يدك .. عورتني!
ارتخَت يدهُ عن كتفها دون أن يتركها .. عضّ زاويةَ شفتهِ السُفلى وهو يهذِّب الحدّة في صوتِه، وبصوتٍ حازمٍ يُشير برأسه ناحيَة السرير : روحي نامي
ديما تعقد حاجبيها بقهرٍ من نبرتهِ الآمرة : بنام بالمكان اللي أبيه
سيف بنبرةٍ مُحذرة : أنا أبيك جنبي
ضربَت بقدمها على الأرضِ وهي تلفظ من بين أسنانها : أنا ما أبيك
بدأت يدهُ دون شعورٍ منه تدلّك كتفها برقّة، ليرتعشَ جسدها وتزدردَ ريقها وهي تحاول الإفلات من يدهِ دون جدوى، بينما لفظَ صوتهُ مناقضًا لرقّة يدِه وبنبرةِ وعيد : إذا سمعت منك هالكلمتين مرة ثانية ما تلومين إلا نفسك
كانت تشعر بالتوترِ من حركةِ يدهِ المُضمِّدةِ للألمِ الذي كان قبلًا منها، لكنّها بالرغم من توترها لفظت بصوتٍ يرتعش : ما أبـ ..
توقفَت كلماتها ما إن انحدرت يدهُ الرقيقة عن كتفها إلى فمها بقوّةٍ تناقض تلك الرقّة، غطّى فمها يمنع بقيّة تلك الكلمةِ من البعْث، وإبهامهُ يشتدُّ على فكّها الأيمن في صورةِ غضبٍ يتماوجُ في عينيه وصوته الذي هدَر : مو من مصلحتك تعاندين ، أحذرك
قال كلماته تلكَ وأسقطَ كفّهُ عن فمها، لم يترك لها الفرصة كي ترد عليه بحدّة قهرها بينما دموعها تقاومُ ببأسٍ الخروجَ أمـامه ، انحنى قليلًا ليحملها بين ذراعيه وتتسع عيناها شاهقةً ليحاولَ جسدها بتمردٍ وقهرٍ أن ينفرَ منه، إلا أنه لم يسمح لها وهو يبتسم بخفوتٍ لملامحها المقهورة والتي تقاومُ البكاء، هاتفًا بصوتٍ خافت : أولًا ، بما أنك حامل فمسألة ضرب رجلك كل ما عصبتي بالأرض ماهي زينة لك خصوصًا إن جسمك تعبان .. ثانيًا ، نفسية الحامل مهمة واسأليني أنا .. ثالثًا ، تخيلي الحين لو أتركك وش تتوقعين بيصير لك ولبنتي؟ عشان كذا بطّلي مقاومة وعناد
ارتفعَ غليَان الغضبِ في ملامحها واختفى أثر البـكاءِ في غمضةِ كلمَة، كانت كل كلماتهِ تعبرها بهدوءٍ ما عدا " واسأليني أنا " التي اخترقت أذناها بحدّةِ سيفٍ واندفاعِ سهمٍ حارقٍ أشعل نارَ الغيرةِ في قلبها، أما يدرِي أنهُ حتى في كلماتِه الغيرِ مقصودةٍ يقصدُ جرحها؟ هل باتَت فطرتهُ قتلها بغيرتها وبحبها وبكل شعورٍ تجاهه؟ . . لفظَت بحدةٍ وقهرٍ وصوتها يرتفعُ بنارِ ما قال : ايه صح نسيت إنك كنت متزوج وزوجتك جابت لك قرد يشبهك ، ما شاء الله خبيييير يبيلي آخذ كورس منك
توقفَ مكانهُ بصدمةٍ وأجفلت نظراته، كان الأحرى لهُ أن يغضبَ للفظِ " قرد " الذي طالهُ وطال ابنه، لكنّه وجد نفسهُ يضحكُ بقوةٍ ويغرقُ في ضحكاتٍ أثارت المزيد من حنقها لتصرخ في وجهه : أيه اضحك ، اضحك أنت ووجهك عاجبك اللي تسويه فيني
حاولت النزول بعدما ضعفَت ذراعيه بضحكه، لينزلها هو بنفسه خوفًا من أن يسقطها في الموجةِ التي أطلقتها إليه، بينما وقفَت تقابلهُ ومن خلفها السرير وهي تنظر لهُ بشرٍ يتصاعد مع كل رنّةِ ضحكةٍ تخرج من فمه، وبقهر : تضحك عليْ هاه؟ تبي تحرني؟ ايه هذا اللي يقول نفسية الحامل مهمة ناسي إنّك السبب في تردي نفسيتي!! يا شيخ عسى هذيك الغوريلا طليقتك تمطّ لسانك المعفن وتقطعه لك وتكون هذي هديَة رجعتها لك
سيف : هههههههههههههههههههه وش هالدعاوي والشتائِم بس بس
عضَت شفتها بغضبٍ من ضحكهِ بينما هي تشتعل هنا، هو يضحكُ هناك، وهي تشتعل هنا!! لم تشعر بنفسها ودمعةٌ تسقطُ من عينها اليُسرى بضعف، بغيمةٍ هكلى تُظلل السعادةَ في صدرها وكان هو تلك الغيمةَ الفارغـة، ارتفعَ صوتها الغاصُّ في عبراتها ليلفظ بألم : اضحك ، أصلًا أنت دايم مبسوط وأنا مقهووورة .. الله يقهرك مثل ما زرعت بقلبي شوكَة قهر للحين توخزني بوجَع
سكَنت ضحكتهُ فجأةً لنبرتها المتألمة، والتقت نظراتهُ بعينيها الغارقتين في الدمع . . لم يُمطر عليها يومًا بوابلِ ضحكِة ، أو ديم! كنتُ لأرتضِي منك الديم دونًا عن أي وابل، لمَ بخلتْ؟ والله كنت لأرضى بالقليلِ الدائِم، القليل الذي يسدُّ حاجتي ويُبقي فراغًا لا تسعهُ الريح .. تركتني فراغًا كاملًا، تُنشدُ فيهِ الريح جلَّ أغانيها، جسدِي يفتقرُ لديمك، جسدي الذي اشتكى منكَ فتداعى سائرهُ بالسهرِ والحمى. ليتك لم تكُن الغيمةَ الفارغة التي ظللتني لتبعثَ لي بظلامٍ دونَ مطرْ.
وكأنّه كان يقرأها ويقرأ خلجاتها، انحنى حاجباه بوجعٍ لما يموجُ في عينيها الدامعتين، وزفَر صدرهُ هواءً ملوثًا بأُكسيد الأسى .. مدّ كلتا يديه وتغاضى عن دعائها المقهور، أمسك بكتفيها ليجلسها على السرير وهو يركّز بعينيها الدامعتين والناظرتين إليه بوهن، ثمّ تحرّكت يدهُ اليُمنى ليُمرر سبابتها تحت عينيها ماسحًا دموعها ومن ثمّ ترتفع ليمرر طرفها على رموشها المُبللة، وصوتُه لفظ بخفوتٍ بعد أن أغمضت عينيها كردّة فعلٍ على ملامستهِ لرموشها : آسف على وجعك ودموع عيونِك
فتحت عينيها الباهتتين تنظر إليه دون استيعاب، أيعتذر لها؟ يعتذر!! ، أحـاط وجهها بكفيه وهو يردفُ بهمسٍ واهِن وابتسامةُ أسى تغتال شفتيه : من النادر أعتذر صح؟ عمومًا أنا ما أبي أضايقك أكثر وأضايق بنتي ، أنتِ الحين بفترة ما تسمح لرداءة نفسيتك فبحاول ما أضايقك مني ، بس كوني متعاونة
عقدَت حاجبيها وهي تفغر فمها، وبصوتٍ مشدود : بهالبساطة؟ أنت عارف وش تقول؟؟! الصبح تعلمني إنك تبي ترجع زوجتك والحين تقولي ما أبي أضايقك وكوني متعاونـة؟ ، هه! متعاونة كيف بالله عليك؟!!
سيف يقطّب جبينه بضيق : ممكن تنسين هالسالفة شوي ، عشانك بس!
ديما بحدة : أنساها!! سيف حرام عليك اللي تسويه فيني! كل شيء عندك بسيط! كل شيء !! أصلًا أنا ليه أحكي معك؟ روح بالطقاق لزوجتك وولدك، صح نسيت وبكررها مرة ثانية ؛ قديمك نديمك لو الجديد أغناك ، الله يهنيك بقديمك ويعوض على جديدك
استدارت عنه بانفعالٍ لتتمدد وتُغطي جسدها باللحاف وأسنانها تقضمُ شفتها السُفلى بقهر، بينما بقيَ هو من خلفها يتأمل استدارتها عنهُ ويستمعُ لأنفاسها المجنونـة، الوجعُ متبـادل، كل منا يوجع الآخر بعد أن كان الوجعُ مني وحدي، في كلِّ مرةٍ كنت أوجعك فيها كان صدري يريد منكِ النومَ بين أضلعه، كانت نيتي عدم ابتعادِك، أنا أناني، لكنّ أنانيتي كانت بكِ، وليس من أجلِ نفسي وحسب، لم أرد للمسافات أن تباعدَ بيننا في طريقٍ غيرِ معبَّدٍ يمتلئ بالشوكِ والعرقلَات، طريقٌ نسقط فيه ولا يطولنا ارتفـاع .. قد أكون مخطئًا، أو على حق! لكن يكفي أنّ نيتي هي أنتِ، يا من تشغرُ النوايا بحُسنها.
تقلّبت فوق السريرِ وواجهتهُ بنظراتٍ ساخنـة، وبنبرةٍ حاقدة : أيه ولا عاد تقول بنتي سامع! هذا ولد ، و لـ د .. حطّ هالكلمة براسك
أخفى شبَح ابتسامةٍ وهو يؤمئ برأسهِ ليُجاريها، حينها تأفأفت بقهرٍ وهي تعود للصّد والجمودِ على وضعيتها لدقائق تبحث عن النوم، لكنّ النومَ طارَ في سماءِ الصباحِ أسفلَ شمسِ مراقبتِه لها، توتّرت أجنحَة النومِ وطار، وبقيَ هو يظللها بالنظر إلى هيئتها دون أن تتعب قدماه من الوقوف، لكنّه تحرّك في النهاية وهو يستشعر أنفاسها المضطربَة والتي تدل على صحوتها، دارَ حولَ السرير ليتعرقل بملابسها المرميَة على الأرض قبل أن يستوي واقفًا ويُكمل طريقه، وما إن وقفَ على الضِّفةِ الأخرى من السرير حتى توقّف لثوانٍ ينظر لعينيها الناظرتين إليه بصمتٍ وقد أشرقَت حدقتيها بعد أن أرتفعت أجفانها عن نظرةٍ جامدةٍ بلا معنى، ليبتسم وهو يجلس على طرفِ السرير، ومن ثمّ تمدد قبل أن يُحيط خصرها ويجرّها إلى صدرهِ الدافئِ وكفّهُ الأخرى تمسح على شعرها المتناثر على وسادتها، اضطربَ تنفسها للحظَات، وتجمّدت يدها التي كانت على صدرها تمنع تلاحمَها بصدره، أغمضَت عينيها بقوةٍ تقاومُ الرغبةَ في دفعه عنها، فقد أرهقها عنادها في الدقائق الماضية، لذا تنهّدت باستسلامٍ وهي تشعر بشفاههِ على جبينها قبل أن تستسلمَ للنومِ الذي سرقَها.


،


كان جسدها قد استرخى على السريرِ وظهرها الذي يؤلمها أُزيحَ ألمُه، لم يأتي فواز منذ ما حدث، وكان آخر ما قالهُ لها " ادخـلي داخل وأنا بتفاهم معاه "، بنبرةٍ حادة! بصوتٍ جاف، لكنّ جفافهُ لم يكن أبدًا كجفافِ كفِّه التي استقرّت على وجنتها وحطّمتها، تشعر بحرارةِ كفِّه لازالت تتجدد على وجنتها كجحيمٍ لا تتلاشى حرارته، وجعها لا ينضب، وألم شعورها في تلك اللحظةِ نثرَ بذورهُ في النهارِ ليُزهر الآن بشدةٍ وبماءِ الذكرى، تقوّست شفتاها وجسدها يتقوّس كجنينٍ في رحمِ امه، ضمّت جسدها بذراعيها وهي تغمض عينيها استعدادًا للنوم، لكنّها انتفضت فجأة على صوت البابِ الذي فُتح بعنفٍ ليدخل فواز بمزاجٍ سيء، فتحت عينيها بضعفٍ لتنظر إليه وقد تحاشى النظر إليها واتّجه مباشرةً ليتناول ملابسَ نومِه ومن ثمّ ولجَ للحمامِ فورًا، انتفضَت مرةً أخرى على صوتِ إغلاقِ بابِ الحمام وتأوّهت دونَ شعورٍ بينما التوت أحشاؤها وعاد ألم صفعتهِ يترسّبُ على وجهها، صفعتهِ التي احتكرَتهُ في زاويـةٍ ضيّقةٍ بعد أن كان يشغر كلّ حنايا صدرها.
ومن الجهةِ الأخرى ، كان قد تركَ للماء البارد حقّ السقوطِ على جسده كشلالٍ في ليلةٍ باردةٍ علّهُ يطفئ القليلَ من فورانِ دمِه، لازال يستذكر كيف أنّه راقبها نهارًا بعد أن انسحبَت لتدخل المنزل بصمتٍ بارد، ومن ثمَّ نظراتُ ذياب التي سلّطها عليه بوعيدٍ عميقٍ يُقرئِه بأنه سينتشلها منه ، عاجلًا أم آجلًا ، لكن " بلَّ تهديدك واشرب مويتها "، هذهِ هي الفكرةُ التي طرأت عليه وهو ينظر إليه بتحدي قبل أن ينسحب ذياب ويركبَ سيارته ليبتعد عن أنظاره، وبقيَ هو لثوانٍ طويلةٍ ينظر للأثر الذي خلفته سيّارتهُ وأفكاره تتّجه لتلكَ الأنثى التي زرعَت في صدره ألف بابٍ لتدخل من كل واحدٍ بعنفوانٍ وذقنٍ يرتفعُ ليتجاوز الغرورَ كِبرًا ، وهو من سيُحطمُ تكبّرها هذا، لن يقول بأنّ حالتها النفسيَة اقتضَت عليها هذا الكِبر، سيكون أكثر من مرحبٍ بمداواتها، لكنّه لن يسمح لتعاليها أن يؤذي غيرهُ وهو الذي يدرك أنها في كلا الحالاتِ كانت لتتعامل مع امه بتلك الطريقةِ النتنة، فالأمر ليسَ متعلقًا بحالتها النفسيَة بحجم ماهو متعلقٌ بحقدها.
مرّت نصفُ ساعةٍ والمـاء يستغرقُ على جسدهِ دونَ أن تطفئ برودته لهيب مشاعره، أغلقهُ ليتناول المنشفة ويجفف جسدهُ ومن ثمّ ارتدى بنطال بجامته دونَ القميص ليخرجَ من الحمامِ مصتدمًا ببرودةِ التكييف الذي تخلخل شعره المبلول، عقدَ حاجبيه وهو يتّجه للكومدينةِ ليتناولَ جهاز التحكّم ويخفض برودة المكيف، متجاهلًا صوت أنفاسها المضطربة التي تدلُّ على صحوتها حتى الآن، وقد كانت في الثلاثين دقيقةً الماضيـة تستمع لصوتِ انهمارِ الماء، صوتُه عكّر نومها الذي غادرها لتبقى حواسها مستيقظةً إليه، وما إن شعرت بهِ يفتح الباب حتى أغمضَت عينيها بقوةٍ محاولةً التظاهر بالنوم.
تحرّك فواز مبتعدًا عن السريرِ باتّجاه إحدى الأرائك التي رمى عليها قميصهُ قبل أن يدخل للحمام، ارتداهُ ومن ثمّ عاد ليتّجه إليها ويجلس على الطرفِ الآخر من السرير، وبصوتٍ فاترٍ وهو يمعن النظر بوجهها : عارف إنك صاحية ، اجلسي بحكي معك
توتّرت عضلاتها وشدّت على جفنيها العلويين تلقائيًا دونَ شعورٍ منها، حينها رفعَ إحدى حاجبيه وهو يركّز بملامحها، وبنبرةٍ آمرة : قلت اجلسي
ارتعشَت شفاهها لتفتح عينيها بهدوء، وارتكزَت حدقتاها ناظرةً للأسفل دونَ أن تتجها إليه، لكنّها بقيَت متمددةً في مكانها ولم تجلس، ليزفرَ بقلّة صبرٍ ويُعيد أمرهُ ببطء : اجلسي
تحرّكت بهدوءٍ وانصياعٍ لتجلسَ وكفّها تشدُّ بنطالِ بجامتها الزهريةِ للأسفلِ بانكسار، تعلّقت نظراتها بحجرها وهو يجلس جانبها يتطلعُ لكلِّ انكسارٍ تنتشر رائحتهُ حولهما، لكنّهُ غيّب عطفهُ عليها خلف قضبانِ القسوةِ وقيّد فكهُ بكلماتٍ قارسـة : تدرين إني بغيت أكسر راسك لما شفتك قدامي وقدام خالك؟ في كل الأحوال ما كنت بخليك تروحين ويّاه حتى لو بغيتي يعني وقتها كان نقدر نقول " جنت على نفسها براقش "، أقدر بكل بساطة أسحبك وأرجعك للبيت وقتها مين بيفكك مني؟
كانت تستمعُ إليهِ بصمتٍ وهي ترفعُ ركبتيها وتُحيطهما بذراعيها ليستريحَ ذقنها عليهما وشفتيها تتقوّسان بوجَع . . أردف ببرود : بس خالفتي توقعاتي! أقدر أسألك ليه بدّلتي رغبتك فجأة؟ اللي أعرفه إن راسك عنيد!
ازدردت غصّتها المُقتبسَةِ من إحدى البراكينِ الخامدة والتي انفجرَت حرارتها فجأةً في حلقها، رفعَت رأسها لتوجّه نظراتها المُنكسرَةَ إليه، وبصوتٍ واهنٍ ونظراتها تشاركهُ الوهن : لأني مؤمنة باللي قلتَه ، تقدر بكل بساطة تسحبني وترجعني البيت ووقتها مين بيفكني منك؟! عاد وش يدريني يمكن يجيني كف ثاني!
قالت كلمتها الأخيرة وهي تبتسم بألمٍ وكفّها اليُمنى ترتفعُ لتمسح على وجنتها الموؤدة، بينما انقبضَت عضلةٌ في فكهِ وهو يغمض عينيه ويزفر، ثمّ فتحهما لينظر إليها بقسوة، وما إن أفرجَ فمه ليتحدّث حتى قاطعهُ صوتها المبتسم بأسى : عاد الرجّال لو مدَّ يده مرة بيمدها مرتين وثلاث ، بتصير عادة صدقني
فواز يعقد حاجبيه بحنق، وبصوتٍ حادٍ لفظ : عمري ما فكرت أمد يدي عليك أو على أي مرَة ، لكن أنتِ اللي حديتيني فلا تطلعين نفسك منها الحين
جيهان تزدردُ ريقها بوجع : للحين كفّك قاعدة توجعني ، لا تزيدها بلسانك
فواز : اللسان ما أظنك تتوجعين منه متعودة عليه ، والا ما كنتِ تلاسنتي مع اللي أكبر منك
جيهان بنبرةٍ مقهورةٍ ضعيفة : هي ليه جات لعندي؟ أنا متجاهلتها عشان ما أغلط ، مين قالها تجيني؟
فواز بحدةٍ يوجّه نظراتٍ قاتلةً إلى عينيها مباشرة : مهما كان ، لسانك ذا لا يتطاول عليها .. عمري ما توقعتك بقلّة الأدب ذي!
دفنَت وجهها بين ركبتيها وهي تصرخُ بقهر : أكرهها ، أكرهها فلا تلومني على اللي أسويه ضدّها
قاومَ رغبةَ يدهِ في تخلخل شعرها وشدِّ رأسها للأعلى حتى يُقابلها بنظراتٍ كافيةٍ لقسمها نصفين، وبصوتٍ حادٍ زلزلَ كيانها : جـــيـــهــــــان!
دفنَت وجهها أكثر وهي تسمحُ لدموعها بالسقوط، بينما دنا صوتُها في أعمقِ قاعٍ في جوفها لتُخفي نحيبها بين أضلعها، لتُعانق وجعَ صوتها بأوردتها، ليتآكل ألمها بصدأ التحجّر بين رئتيها وينسحب الأكسجين إلى ذاكَ الصدأ.
شعَرت بهِ يقبضُ على كتفها فجأةً ليدفعها للسقوطِ على السرير، ثمَّ دنا منها فوقَ عينيها المتّسعتان بذعرٍ وهو يضعُ كفّه جانبَ رأسها على المفرشِ ويتّصل بحدقتيها بجِسر نظراته الحادة، وبصوتٍ مكتوم : راح يتعبك العنـاد ، صدقيني راح يتعبك . . أنتِ تأذين نفسك لما تتصنعين القوّة، بس أنا أكثر شخص يدري إنّك تستندين علي وتثقين فيني، وما أبي أفقد ثقتك بقلِة أدبك أو تمردك، عشان كذا امسكي لسانك، ما أبي أغلط عليك صدقيني
ارتعشَت شفاهها وهي تنظر إلى عينيه من هذا القُرب، يكادُ أنفهُ أن يُلامسَ أنفها، وأنفاسهُ تحرقُ شفتيها الرقيقتين .. ازدردَت ريقها وهي تفتحُ فمها وتطلقُ من حنجرتها نبرةً متألمة : ليه متأكد إنك ما خسرت ثقتي من أول صفعة؟!
صمتَ للحظاتٍ وملامحه تتجمّد فوقَ ملامحها، إلا أنهُ لفظَ بعد ثوانٍ من الصمت : يمكن خسرتها ، ما أدري . . بس كل اللي أبيه إني ما أضطر أأذيك ، انتبهي مني
جيهان تُغمض عينيها وتهمس ببحة : ما أعرف انتبه مني ، علمني
توتّر فكّهُ وبؤبؤيه يتّسع قطرهما، تشنّجت شفتاهُ بينما تنهّد صدرهُ بقلّةِ صبرٍ وهو يخفض رأسهُ ليلثم وجنتها مراتٍ يتذوّق ثلجية ملامحها، بينما ارتفعَ صدرها باضطرابٍ وهي تفغر فمها قليلًا، تشعر بشفاهه تتمرر على وجنتها حتى وصلَ لأذنها، ليهمسَ في تجويفهِ بنبرةٍ ذاهبَة : حتى غزلك غير مباشر! ، كل اللي صرت متأكد منه إنّي أعني لك شيء كبير ، علميني أنتِ كيف أفهمك؟
فتحت عينيها بوهنٍ وهي ترفعُ إحدى ذراعيها وتحيطُ كتفه، وبهمس : علمني أنت كيف تقدر تقرب مني وأتجاهلك؟ علمني كيف تضربني وأكرهك؟ تدري إنك كسرت شيء كبير جواتي ، بس ما كرهتك! كرامتي فكّرت أبتعد عنّك وأطلع، صدقني للحين أبي أتركك لأنّ الرجال اللي يضرب مرته ما يستحقها . . بس كيف أكرهك؟!
فواز يتجاهل أسئلتها ويهمس بصوتٍ غارقٍ بين خصلات شعرها : أفهم إنك تحبيني؟
صمتت! وضاعَت الكلمات في حنجرتها، ارتفعَ صدرها بشهيقٍ مضطربٍ بينما سقطَ بزفيرٍ تعرقَل فوقَ بساطِ سؤالهِ الشريد، أسقطَت ذراعيها عن إحاطةِ كتفهِ وهي تغمضُ عينيها بضعف، بينما اضطربَ قلبهُ فوقَ قلبها، وأغمضَ عينيه ينعمُ بمقولةٍ تقتضي بأن الصمت يعني الإجابـة بالإيجاب، نسيَ نصَّ تلك المقولة! وماذا يُريد من النصوص! إن كانت الكلمات لا تكفي للإجابةِ فالصمتُ أبلغ، الصمتُ يكفي لهذا التوترِ الذي أصابَ جسده/قلبه/أنفاسه/كلماته التي تاهت بين شفتيه لتُبتر دونَ أن تعبر تجويفَ أذنها، كم عشقَ قلبهُ الصمتَ في هذهِ الأثناء، صمتٌ رافقَ شهيقًا من صدرها يكاد يكون تنهيدةً ناعمة، تنهيدةً تكفي عن ألفِ " نعم! ".
وجَد نفسهُ ينسى كل اتفاقيَات حياتهما، الوعودَ التي أطلقها على نفسهِ وعليها، حقّها بحفلةِ زواجٍ وفستانٍ أبيضَ تجيئه من بعدها كأي أنثى في ليلةِ زواجها، ومارسَت شفاهه العشقَ وقد أطاحَ بهِ الصمت الذي جاءهُ منها، من كان يظن أن الصمتَ يغوي أكثر من الكلمات؟ من كان يظنُّ أن تعبيرًا عن كلمةِ " أحبك " قد تأتي بهذهِ البلاغةِ التي افتقر إليها العديدُ من الكُتاب.
ارتفعَ معدّل أنفاسها وهي تُطيح برأسها جانبًا بينما أنفاسه تصتدمُ بنحرها، التوت معدتها بتوترٍ وهي تستسلم بضعفٍ لهذا الإقترابِ المُبـاح.
لكن فجأة، شعرت بهِ ينتشل نفسهُ عنها وهو يقطّب جبينه، تراجعَ وهو يلفظ شتيمةً ما من بين شفتيه لتتسع عيناها باستنكارٍ مذهولٍ وتنظر إليه، بينما وقفَ هو مبتعدًا عنها قبل أن يعودَ ويستدير إليها، وبحدة : اسمعي ، اليوم اتّصلت على عمي يوسف وعلمته بشرطك ، حفلة زواجنا راح تكون خلال أسبوعين ، وببلّغ ديما وأسيل عشان يساعدونك في التجهيز
استدارَ عنها ليتحرّك مبتعدًا ويخرج، لكنّه عاد ليقفَ وهو يستوعب موقفه المُبهم بالنسبةِ إليها، وبصوتٍ يحتفظ بحدتِه لفظ دون أن يوجه نظراته لها : نامي أنتِ ، وأنا بنام برى
اتّسعت عيناها باستنكارٍ أكبر، وبقيَت تتابعه بعد خروجه حتى أغلق الباب من خلفه، بينما جعلها الذهول تتجمّد في مكانها دونَ فهمٍ لكل ما حدث، ومضَت ثوانٍ طويلةً وهي تجلس حتى تسلل إليها الاستيعاب رويدًا رويدًا، وانعقدَ حاجباها بينما ابتسمت شفتاها ابتسامةً تكاد لا تُرى وقد فمهت سبب حدّته وقهره، لا يُريد أن يخلَّ بوعدهِ لها!! ارتفعت كفاها لتضعهما على وجنتيها الملتهبتين باحمرارِ الخجلِ وهي لا تتخيل كيف أنها استسلمت له، وكيف أنه كان قريبًا منها بتلك الدرجة حدّ أنها نسيَت ما حدثَ بينهما قبلًا.


،


تحبسُ نفسها في غرفتها منذ ساعات طوال، ساعةً تبكي وساعةً يلتهما الإجفال، كان لقاءها بهِ موجعًا، استثار كلَّ نقطةٍ حزينةٍ في صدرها ليُبثُّ في كامل جسدها مقطوعةً موسيقيةً انقطعت الأوتارُ قبل اكتمالها، في ليلةِ بدرٍ انتشرَ فيها الضبابُ ليُخفي معالمِ اكتمالِ القمر، وكلُّ نقصٍ لابد من أن تمتلكهُ هي، لا تحب أنصافَ الأمور، فلمَ التهمتها؟ نصف عائلة، نصفُ زوج، نصفُ حيـاة، يا الله لمَ ذلك؟! لمَ كل ذلك يصيبها ويُمحق عزيمةَ الحياةِ فيها؟!!
عضّت شفتها وهي تُغمض عينيها بقوةٍ وتخلخل شعرها بأناملها لتشدّهُ أخيرًا، تسترجعُ بشاشةَ ملامحه، وسامتهُ التي لم يحملها أي رجل، كل أبٍ يكون في عيني ابنته أوسم الرجـال، ولطالما كنت وسيمًا، وحبيبي يا أبي.

*

أعصابها تتآكل تحت وطأةِ الانتظار، بدأت تهزُّ ساقيها في السيارةِ وصوتُ اخوتها في الخلفِ يُضاعف توترها، ولم تشعر بنفسها إلا وهي تُدير رأسها إليهم وتهتف بحدة : أنتم ما ودكم تسكتون؟ خلاص وجّعتوا راسي!
غطاهم الصمت فجأةً بعد نبرتها الحادة، لتتأفأف بمزاجٍ متعكرٍ وهي تعود للنظر إلى الأمامِ عاقدةً حاجبيها، كيف سيكون لقاؤها بهِ وهي التي لم تتجاوز جرحها منه؟ لم تتجاوز ألمها منه! . . أغمضَت عينيها بقوةٍ وهي تتنهّد، ومضَت الدقائِق قبل أن يرتفعَ صُراخ اخوتها من الخلفِ بعد موجةِ الصمتِ التي أصابتهم : بابا جاء ، بابا جاء
فتحت عينيها بسرعةٍ لتوجّه نظراتها ناحيـة باب المشفى وينقبضَ صدرها برؤيتِه، ازدردت ريقها وصوتُ اخوتها في الخلفِ يتصاعدُ دون أن تدركه، فقط بقيَت تنظر للرجل الوسيمِ الأول في حياتها، الذي جرحها بسكينٍ لم يحمل حدّته سواه، وهي التي لم تتوقع هذا الجرح منه، فكان جرحه استثنائي، وقاتل!
لم تكن قد انتبهت للرجل الذي يمشي بجوارِ كرسيّه المتحرك من جهةٍ وفارس في الجهةِ الأخرى، وما إن انتبهت لهُ حتى فغرت فمها وتوتّر قلبها، كان أمجَد الذي يُحادثُ ناصر ويبتسمُ لهُ ببشاشة، ورؤيتها لهُ دائمًا ما تجلب في صدرها ضيقًا والآن تضاعف هذا الضيقُ من بعد معرفتها للحقيقة، من حقّه أن يكرهها، من حقّه أن يبغضها، فهي ابنةُ من اخترقَت هذه العائلة الصغيرة، وبالرغم من كونها لم تعرف كثيرًا عن الحقيقة إلا أن سؤالًا واحدًا قفز في تلك الأثناءِ إلى عقلها " هل هو خالها فعلًا؟ "، عقدَت حاجبيها عند تلك النقطة، لم يكُن والدها ليسمح بهذا التجاوز إن لم يكُن خالها، لكن ماذا لو كان العكس هو الصحيح؟!
تضايقَ صدرها، وتوجّست مشاعرها، غابَ إدراكها لثوانٍ وهي تُخفض نظرها للأسفل، ولم يوقضها من هذا الغيـاب سوى صوت ضربات فارس على النافذة، حينها انتفضَت وهي تنظر لملامحه التي كان يُقطّبها، لتمدّ يدها نحو زرّ التحكم وتفتح النافذة، وباستفسار : وش فيك؟
فارس بخفوتٍ آمر : اركبي ورى عشان اركّب أبوي
جنان : آآه نسيت
فتحَت الباب لتنزل، لكنّ أمجد كان قد اقتربَ وقتها منهما ليلفظ بنبرةٍ قاطعةٍ للجدل : ناصر بيركب معاي
عقد فارس حاجبيه برفضٍ وهو ينظر إليه : بس يا خالي ...
قاطعهُ أمجد بحزمٍ وهو يرفع إحدى حاجبيه : هذا اللي عندي لا يجيني اعتراض
تنهّد فارس وابتسم بانصياعٍ له، وبخفوت : اللي تبيه على عيني والله
ابتسم أمجد وتحرّك مبتعدًا دون أن يهدي لوجود جنان أي اهتمام، بينما كانت هي تنظر للأسفل وكفّها اليُمنى تفرك ذراعَ يدها الأخرى، تشعر أنّها كالوباءِ هنا، لا علاج له، يُنفر من حوله . . آهٍ يا قسوةَ هذا الشعور!
استدار فارس إليها دون أن ينتبه لما يختلجُ في صدرها، وبنبرةٍ حازمة : جنان ، سلمي عليه ما يصير!
رفعَت نظراتٍ تائهةً إليه وهي تفغر فمها، ودون أن تشعر كان رأسها يتحرّك بالنفي، بالرفضِ لما يُريده ولا تريد! لن تنكر أنها اشتاقته، بكل قسوةٍ تشعر أن هذا الشوقَ يجرفها نحوَ محيطٍ لاذِع، تريد أن ترتمي في أحضانِه وتبكي لياليها الحزينة، أن يمسح على شعرها بكلماتِه الرقيقة، أن تسمح للحزنِ بالنفاذِ من صدرها عبرَ شكوى وأخرى وفضفضةٍ وبكاء، لطالما كان دواءها من كل آفة، مسندها حين تتعثّر، لكن كيف يصبح دواءً على حزنها الذي جاء منه؟!!
أمسكَ فارس بكفِّها وهو يقطّب جبينه ونبرته تسللت عبر شفتيه برجـاء : عشاني ، لا ترديني! وش تتوقعين بيكون شعوره لما تتجاهلينه وأخوانك كلهم نزلوا وراكضوا حوله وسلّموا عليه؟ شايفتهم كيف مبسوط فيهم ويضحك معاهم؟
وجّهت نظراتها إليه، لم تكن قد انتبهت إلى اخوتها اللذين ترجّلوا عن السيارةِ وطاروا إليه بشقاء، لكنّها لا تقدر! قدماها الواهنان لا يستطيعان التحرّك نحوَ جسدهِ الجاثِمِ على ذلك المقعد، لا تستطيع، لا تستطيييع!
شعرت بيدِ فارس تشتدُّ على يدها بقوّة بعد صمتها، سحبها معهُ دونَ كلمةٍ لتتسع عيناها بذهولٍ وهي تحاول الفكاكَ منه، بينما هتفَ صوتها برجاء : فارس لا ، الله يخليك ما أقوى أشوفه وما أبكي ، الله يخليك لااا
لكنّ فارس تجاهلها وهو يزرع الإصرار على ملامحه، وما إن وجد نفسه خلفَ والده حتى تركَ يدها وهو يهتف بهدوء : يبه
أدارَ ناصر رأسه إليهم مبتسمًا، لكنّ ابتسامتهُ تلاشت فجأةً ما إن رأى جنان التي كانت تنظر للأرضِ تحاول مقاومـةَ دموعها . . عقدَ حاجبيه وهو يعود للإبتسـامِ بشوق إلى مدللته، وبنبرةٍ حنونة : حبيبة أبوها للحين تتغلى؟!
اهتزّت شفاهها بوجعٍ وهي ترفعُ رأسها إليه، تقوّس فمها مع تقوّس حاجباها، والتمعَت عيناها بدموعٍ حبيسةٍ تزأرُ بألمها، باشتياقاها الذي تصدّهُ الجراحُ عن الظهور . . بينما انحدَر صوتها هامسًا بشوق رغمًا عنها : الحمدلله على سلامتك
ناصر بعتابٍ وهو يقطِّب حبينه : بس كذا؟!
ارتعَشت أطرافها كلُّها، ورغمًا عنها وجَدت نفسها ترتمي في أحضانه، تُحيطُ عنقه بذراعيها، تبكي على صدرِهِ وتُغرقُ ملابسهُ بدموعها المالحـة، تشتكي منهُ إليه، إلى الفؤادِ الذي حملها منذ كانت صغيرةً حتى كبرَت أمامَ عينيه والسنِين، إلى الشراعِ الذي كان يستقبل الريحَ ويحرّكها في أوسعِ البحارِ على مرِّ الأعوامِ التي هروَلت بنشاطٍ وطوَت ماضيها.
ابتسَم ناصر وهو يرفعُ كفّه الثقيلةَ المرتعشة لتستقرّ على ظهرها، وبصوتٍ حنونٍ وهو ينظر لفارس الذي يبتسم ابتسامةً تكادُ لا تُرى : كم مرة لازم أقولك دموعك غاليـة والدنيا ما تستاهلها؟ لا تبكين ، لا تبكين ، يا عين أبوك لا تبكين

*

لا تبكين ، لا تبكين ، يا عين أبوك لا تبكين
- يا عينَ ابنتِك، أنتَ واللهِ من أبكيتها! - . . مضَى النهار، وانتَهى احتضانها لهُ بعد ثوانٍ وبكاؤها خفتَ للكلماتِ الحنونَة التي كان يلفظها، ابتعدَت عنهُ وهي تمسحُ وجهها الذي احمرّ فوق احمرارِه، ومضَت الثواني قبل أن يساعدهُ أمجد وفارس للجلوس في السيـارةِ، كان عقلها يتنبأ بكونِ والدها سيطلب منها أن تصعد معهم، لذا تحرّكت بسرعةٍ لتصعدَ في سيارةِ فارس، وانتهى ذاك النهار بأن عادوا، وتهرّبت هي من الجلوس معهم حتى الآن، تبكي ومن أبكاها هو من أسماها " عينُه ".


،


جرَت الأيـام كنهرٍ جارٍ يتجدد ماؤه، وينفض عنه التلوثَ في كل تجديد، الحيـاةُ زرقاء، كما البحرُ والسماء، عميقة، لكنها لا تهبُ شيئًا، من قال أصلًا أن السمـاءَ تهِب؟ وحدهُ اللهُ من يهبُ عبادهِ مطرًا وحيـاة، والسماء وسيلةٌ ليسَ إلا، لذا من قال أنها تهبُ الحيـاة بذاتها؟ هي فقط تُحيي، بعد أمرِ اللهِ لها.

أنشَد الصباحُ في أذنِه تغريدة عصافيرَ تملك من النشاط ماهو أشدُّ من العديدِ من البشر، اغتسَل بعطرِه قبل أن يتناولَ مفاتيحَ سيّارتِه وهاتفَه، ومن ثمّ اتجه نحوَ بابِ غرفته ليخرج، ودونَ أن يتّجه لعتباتِ الدرجِ كانت قدماهُ تتحرّك باتِّجاهِ غرفتها، مضَى أسبوعًا كاملًا وهو يحاولُ إحيـاءَ عاطفتها نحوه، لكنّها كانت مختلفةً عن كل مرةٍ يجرحها فيها، وتجاهلت محاولتهُ وتصنّعت أنها لا تفهم تلك المحاولات.
وقف عند بابِ غرفتها، ورفعَ يدهُ ليطرق الباب بهدوء، وحين طال تجاهلها لهُ أدارَ مقبضَ البابِ ليجدهُ مفتوحًا، وبصوتٍ مشرقٍ مبتسم : عمتي
توقفَ حين وجدها تقف أمام المرآةِ وقد وضعَت فرشاة الشعر على التسريحةِ بحدة، ونظراتها الغاضبة كانت تتجه إليه مباشرةً عبرَ المرآة، لتلفظ بغضب : أعتقد من الأدب ما تدخل إلا وقت ما أأذن لك ، فرضًا كنت ألبس وش بيكون وضعي وقتها؟
توترَ وغزى ملامحه الإحراج، بالرغم من كونه يدرك جيدًا أنها من المستحيل أن ترتدي ملابسها والبابُ غير مغلقٍ بالمفتاح، لكنها برعَت في إحرجـه.
تنحنحَ بإحراجٍ وعيناه لم تنتبها لانعقاد حاجبيها عطفًا على هذا الطفل الذي أصبحت تقرأهُ في ملامحه بكلِّ مرةٍ يجيء إليها محاولًا تلطيف أجوائهما، لكنّ العطفَ تلاشى عن ملامحها ما إن وجّه نظراته إليها وهو يلفظ بصوتٍ مُحرَج : معليش على دفاشتي ، كنت جاي أقولك إني مداوم
قاومَت ارتفاعَ حاجىبيها بتعجب، ومن ثمّ السعادة التي أرادت بقوّةٍ أن ترسو على ملامحها لهذا التغيّر العظيم، وامتلكت من البراعةِ الكثير مما جعلها تهتف بجمود : سبحان الله، وش صاير بهالدنيا أدهم تنازل لشغله!!
أدهم بحرجٍ بالغٍ رفعَ كفّهُ اليمنى ليحكّ عنقه : انتهت إجازتي من فترة ، لازم أداوم والا بنفصِل
رفعَت فرشاة الشعر لتُمررها على خصلاتِ شعرها وهي ترفعُ كفّها الأخرى ملوحةً لهُ دون مبالاة : روح بس أنا وش علي منك؟
ابتسمَ بأسى وهو يطرقُ برأسه، وتنهّد ليدخل للغرفةِ ويقترب منها، وما إن وصلَ إليها حتى انحنى قليلًا ليُقبل رأسها ومن ثمّ يلفظ بخفوت : مع السلامة ، انتبهي لنفسك
ومن ثمَّ تحرّك مبتعدًا ليخرج من الغرفـةِ تاركًا لها تتنهّد من خلفهِ بحسرة، لكنّها لن تلين بسرعة! كل هذا لأجله، لأجل أن يعلم ما قيمتها، يكفي عمق جرحه الأخير لها، ولم يجعله يتمادى سوى مسامحاتها لهُ بكل بساطة.

.

.

.

انــتــهــى

وموعدنا الجاي يوم الخميس ، قراءة ممتعة ()

ودمتم بخير / كَيــدْ !


ليل الشتاء 06-09-15 11:15 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
البارت روعة
فرحت كتير ان في تحسن في حاله فواز وجيهان واتمني الزواج يتم علي خير وما زلت في صف جيهان
جنان ....اتمني ان تلاقي اي حد يعوضها غير فواز
سيف...ديما ...االاتعليق ربنا يهديك ياسيف يارب
غزل وسلطان ...وحشوني البارت ده

أبها 07-09-15 10:35 AM

ألف لا بأس عليكِ يا كيد ..طهور بإذن الله .

ديما ..كأنها جمعت مشاعر الغضب طيلة سنواتها الثلاث
وفجرتها في وجهه سيف بلحظة واحدة .
سيف بدى لطيفا جدا ومشاعره واضحه ..تنم عن حب
وما كانت تصرفاته السابقة إلا من خوفه من فقدها
.لا شك أنه مخطأ ،ولكن في النهاية هو زوج محب .

جنان ..أتعجب وهي البنت البارة المحبة لوالدها من تأخرها
في زيارة والدها ووقوفها بجانبه وهو في أشد الحاجة
إليها ..ليست معذورة أبدا حتى لو كان ما سمعت من هيثم
صحيحا فيظل هو والدها ..

كل الشكر كيد ..لا حرمنا من إبداعك .🍃🌸🍃

bluemay 07-09-15 12:20 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اول شي سلامتك يا الغلاا ولا بأس عليك

ماشاء الله اذا هيكوانت تعبانة اشلون لو كنت رايقة لووول


ابدااااااع ما حصلش ...


يا ناس يا هووو انا حبيت جيهان في البارت داوت


عن جد ما احلى الطاعة في محلها .. شوفي كيف كسبته برغم غضبه الشديد منها .
عن جد الوحدة فينا ممكن تملك قلب زوجها لو احسنت معاملته وعرفت المفتاح الصحيح لقلبه.

فواز راااائع .. ما عندي شي اقدر اقوله اكتر





جنان

وجعت قلبي عليها ... حاجتها الله يرضى عليك ظبطي وضعها شوي وخليها تهجر حزنها .

مشهد رهيب لقاءها مع ناصر ابوها ... عن جد ابدعتي





سيف وديما او توم وجيري لووول

سيف احسنت بتصرفك مع ديما .. هي جواتها رح تنبسط كونه اتمسك فيها .
بس عن جد هو شو ناوي يعمل ؟!!
رح يرجع زفت الطين مدري شو اسمها ولا مجرد يتلاعب بأعصاب هالضعيفة ؟!!!





أدهم
عالطريق الصحيح ان شاء الله يثبت وما يضعف ع اول مطب.

عمته
تصرفها صحيح مشان يتعلم من خطأه ويعملها قدر وقيمة .




تسلم ايديك يا عسل

متشوقة للجاي


لك ودي

○° الله أغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله ، وأوله وآخره ، وعلانتيته وسره .°○

fadi azar 07-09-15 04:00 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
رائع جدا بين حب جيهان لفواز اخيرا استطاع ان يرتاح ديما وسيف دائما الجروح موجودة بين بعض اعتفد ديما تحتاح ان يعبر عن حبه لها بشكل صريح لتنسى المها منه

bushraa 10-09-15 01:54 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
وه ي فرحتي وصلتكم واستنى بارت مشااعر اللي مو مصدقه من الوناسه
المهم
ابدعتي ابدعتي كيد واتعبتي من بعدك بصراحه ايش الوصف ايش الابداع ايش التعبير مبدعه بمعنى الكلمه الله يحفظك ويخليك لأحبابك ولنا يا رب

كَيــدْ 11-09-15 11:36 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




السلام عليكم ورحمة الله ، مساءكم جنة ، وجمعة مباركة عليكم

عذرًا لأني غبت وتركتكم تنتظرون أمس، بس التعب اللي ماسكني أسبوع بشكل خفيف رجع اشتدّ علي اليومين اللي فاتوا لدرجة إني سحبت على امتحان كان عندي أمس
ما كان فيني حيل حتى أرد عليكم في الآسك أو الكِك أو حتى أدخل أو أبلغ أحد يسلمكم العلم عني ، اعتذر جدًا :(

كان ودي أدخل والبارت جاهز بس من حقكم ما تنتظرون لوقت ما يجهز ، إن شاء الله الجزء (51) راح يكون عندكم بالليل أو صباح السبت.

شكرًا لانتظاركم وصبركم ()

أبها 11-09-15 12:07 PM

ألف لا باس عليك أختي كيد ...🌸

bluemay 11-09-15 12:09 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

لا بأس طهور ان شاء الله

سلامتك حبيبتي .. ولا يهمك معذورة .

bushraa 11-09-15 02:13 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته
تكفير للذنوبك ان شاءالله
وتقومين بالسلامه ي رب
وننتظرك

السبعاويه 12-09-15 04:13 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
طهوراان شالله يارب

كَيــدْ 12-09-15 09:35 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



صباح الخير، الله يسلمكم ويبقيكم وشكرًا للطفكم ()
البارت راح ينزل خلال الأربع ساعات الجاية، بقى بس موقف ومراجعة ونخلص
كان ودي يكون بفترة الصباح بس راحت علي نومه :( :$$


وشكرًا مرة ثانية لقلوبكم الطيبة (())


كَيــدْ 12-09-15 02:20 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف خير وصحة وعافية :$


جزء اليوم لطيف وخفيف، مافيه مواقف حادة كثير بس فيه تطوّر بحال الأبطال وراح تلاحظون هالشيء ()


بسم الله نبدأ على بركته
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !


لا تلهيكم عن العبادات وذكر الله


(51)



اعتـادَت استنشاقَ الصباحِ لأيـام، يومٌ تمتلك الفرصة، وآخرٌ يُحكم فيها بدر الحصار عليها، واليومُ كان وضعها هو الثاني، عابسةً بقهرٍ من كونِ بدر يجلس معهم حتى هذهِ الساعة، العقاربُ تعانقُ السابعةَ والنصف صباحًا بتوقيت بروكسِيل، والعقاربُ تلدغ! هذا ما علمها إيّـاه الوقت، صلةٌ لفظيةٌ بين الساعةِ وعقاربها، والصلةُ طالت المعنى.
زفَرت بغيظٍ وهي تنظر لبَدر الذي يضحكُ مع حسام، بينما ملامحُ المللِ تهاجمُ وجهها، في الأيـام السابقةِ كان شديدَ الإنشغال منذ بدأت تدريباتهُ للمستجدين، في الغالب يخرج صباحًا قبل استيقاظِ حُسام فتستغل الفرصة وتخرج، لكنّه حين يتأخر في الخروج تُسجن باستيقاظِ أخيها والجلوس معه فليس بوسعها تركه.
وجّهت نظراتها للنافذةِ تتأمل الصباحاتَ المشرقة في بروكسيل، السماءُ تستفزّها للخروج، الآن رائحةُ الخبز والفطائر معبقةً بالقهوةِ تنتشرُ في الحيِّ الحيْ، تستثيرُ حريتها والتأمل في شعائِر الحيـاة.
عضّت طرف شفتها الرقيقة وهي ترفعُ كفّها وتمررها على شعرها الأسود، تتخلخل بأناملها انسياباتِ شعرها المتموجِ والملمومِ في الخلف كذيلِ حصان، بينما كان بدر قد وجّه نظراته إليها مبتسمًا منذ لحظات، أفرجَ فمهُ كي يتحدّث معها، لكنّ كلماته انسحبت فجأةً وهو يراقب عينيها البائستين والناظرتين إلى النافذة، تحكِي اختلاجاتِ الضيقِ في حنايا عينيها . . تنهّد بعجزٍ وهو يعقد حاجبيه بضيقٍ وينهض، اتّجه لغرفته حتى يستعدَّ للخروجِ لكنّه توقف عند البابِ وأدار رأسهُ إليها بضيق، هاتفًا : غـادة
وجّهت نظراتها إليه وهي تبلل شفتيها بلسانها وتهتف ببحة : عيوني
بدر يبتسم ابتسامةً واهنة : تسلم لي عيونك ، بآخد حسام للحضانة
عقدت حاجبيها وهي تقف من الكرسي الخشبي الذي كانت تجلس عليه، اقتربَت منه ونظرات حسام قد تتبّعتهما بصمتٍ ينتظر مصيره، بينما وقفت هي أمامه وأمسكت ذراعه بحاجبين لازالا منعقدين، وبخفوت : ما يصير يا بدر ، تخليه يطلع يوم وتسحبه اسبوع!
زفرَ وهو يشتت عينيه : اليوم أنا ضامن المراقبة حوله
غادة بضيق : نفس جملتك! وبكره تغيّر كلامك فجأة وتقول أخاف عليه . . حرام عليك هالتقلبات اللي معيشه فيها ، بقي كم شهر ويكمل ست سنين، وقتها ضروري يدخل المدرسة، بس بسببك وبسبب خوفك عليه ما تعلّم من اللغة الفرنسية شيء! شلون تبيه يدرس بسهولة؟
بدر بضيق : يتعلّم
غادة بحدة : طيب لا تعلّم بتخلي دراسته بعد متقطّعة؟
بدر صدّ عنها والضيقُ يشقُّ طريقه لملامحه، لفظَ بصوتٍ مشدود : خلاص ماراح آخذه
تحرّك ليلجَ غرفتهُ بوجهٍ متجهِّمٍ لتتنهد وهي تدخل خلفه، وبخفوت : بدر
بدر يُنهي الموضوع قبل أن يدخل للحمام : لك اللي تبينه خلاص
تناول ملابسه واتّجه للحمام لتزفرَ وهي تُغمض عينيها بكدَر، تزمُّ شفتيها وحاجبيها ينحنيانِ بانتقالِ أحرف الحزن ما بين حدقتيها، بتمركزهما ما بين حاجبٍ وآخرٍ في شكلِ تجعيدةٍ متحسرة ... لو لم تمت يا أبي، لربما كان الحال مختلفًا، لم يكُن ليحدث فينا ما حدث، لو لم نأتِ لبروكسيل أصلًا ما كنّا لنخسرك، ونخسر أمنا، ما كان بدر ليخسر زوجتهُ وينقلب رأسًا على عقب، إنسانًا يعبرهُ الهواءُ لفراغِه، لخواءِ جسده، لكميّة الجفافِ التي أصابت عروقه ولولا الهواء الذي ملأها لانكمشتْ.


،


جلسَت على مكتبها ثمّ وضعت رأسها على سطحهِ المستوِي وكفّها تعانقُ بطنها الذي يلتوي بألمِه، تغفر فمها في آهةٍ خافتـةٍ غيرَ مسموعةٍ لمن حولها، وأناملها تشدُّ على قميصها الأبيضِ بقوةٍ فوقَ بطنها، بينما يدها الأخرى مرميةٌ جانب رأسها وترتعشُ ارتعاشةً خافتـة. وقفَت إحدى زميلاتها أمام مكتبها وهي تعقد حاجبيها لمنظرها، ثمّ تحرّكت لتلتف حولَ المكتبِ إلى أن وقفت بجانبها وهي تضع كفيها على كتفيها، وبقلق : فيك شيء ديما؟
رفعَت ديما رأسها بوهنٍ وألم، وجّهت نظراتها إليها وعينيها تضيقانِ بالتواءِ أحشائها، وبتحشرج : بطني
زميلتها لمياء بصوتٍ متوتر : أنتِ حامل صح؟
ديما التي أعلنت حملها منذ أيام، هزّت رأسها بالإيجابِ لتتأوّه هذهِ المرةَ بصوتٍ عالٍ وتنحني على بطنها.
تراجعَت لمياء بقلقٍ وتوترٍ وهي تهتف : تبيني أبلغ الفرّاش يوصلك المستشفى؟ أو تتصلين بزوجك؟
ديما تزدردُ ريقها المُتخثِّر بوجعها كدماءٍ مرّ من فوقها الهواء وجففها حين غادرت الجسَد، هزّت رأسها بالنفي وهي ترفعُ هاتفها وتلفظُ بصوتٍ يختنقُ ويُكتمُ بخشيةٍ عازلـة : بتصل على زوجي
اتّجهت لرقمهِ وقطرةُ عرقٍ تسقطُ من جبينها للتوترِ والخوفِ الذي أصابها، لم لا يمرُّ أسبوعٌ إلا ويهاجمها ما يُسبب لها الخشيَة على هذا الجنين؟ يا الله العاقبة الحسنة، يا الله العاقبة الحسنَة، احفظهُ لي واجلبه للدنيـا عزيزًا.
وضعَت الهاتف على أذنها وشفتيها ترتعشان، انتظرَت لثوانٍ قصيرةٍ قبل أن يرد بصوتٍ هادئٍ يبتسم : أهلين
ديما باستجداء : سيف تعالّي بسرعة
عقد سيف حاجبيه بقلقٍ وهو يُعيد المعقد المكتبي للخلفِ ويقف، لفظَ بجبينٍ مقطَّبٍ ونبرةٍ قلقة : وش فيه؟
ديما بصوتٍ باكٍ فجأة بعد أن سقطت دموعها : بطني يعورني
تحرّك وقلبهُ ينبض بقلق، خرجَ من المكتب ومن المكانِ بأكملهِ وهو يستمع لصوتِها الذي نشجَ بخفوتٍ يصلهُ بوضوحِ الخوفِ والألـم فيه، ورغمًا عنه انعقد حاجباه هو أيضًا بألمٍ التحقَ بهِ قصرًا حين استمعَ لنبرةِ الألمِ في نشيجها الخافت، بينما تشاركَ صوتٌ بجانبها حقّ سمعه لها ولمياء تقترب منها وتمسكها بملامح ضيّقة : خلاص ديما إن شاء الله مافيه شيء ينخاف منّه إن شاء الله
بلل شفتيه من الجهةِ الأخرى وهو يسمع صوت نحيب ديما الذي ارتفعَ قليلًا، حرّك سيارته بسرعةٍ بعد أن ركبها وهو يهتف بنبرةٍ مطمئنةٍ حنونة : خلاص جايّك جايّك ، مسافة الطريق وأنا عندك لا تخافين
ديما بصوتٍ يغوصُ في الألم : لا تتأخر والا بروح مع الفرّاش
سيف بجديةٍ وهو يضاعف سرعته : إذا ما وصلت لك بخمس دقائق روحي معاه بس خذي معك وحدة من زميلاتك ... أوعدك أساسًا ما أتأخر
هزّت رأسها بالإيجاب وهي تمسح دموعها وتنظر لزميلةٍ أخرى اقتربَت منهما بعد أن رأت دموع ديما، وباهتمـام : وش فيك ديما؟ تعبانة؟ الأهل فيهم شيء؟
مسحَت على أرنبةِ أنفها وهي تضوّق عينيها وتهمس لسيف ببحة بينما يدها تشدّ بشكلٍ أقوى على بطنها : بقفل الحين .. أول ما توصل اتصل
سيف : تمام


،


صعَدت للسيارةِ وأغلقت البابَ وهي تتنهدُ بجزعٍ وتُعيد ظهرها للخلف بينما كفّها لازالت حتى الآن تعانق بطنها بوجعٍ قلَّ مقداره إلا أنّه لازال جاريًا، حرّك السيارة تحت وطأةِ صمتها لينظر إليها بقلق، هاتفًا : خفَّ الوجَع؟
هزّت رأسها بالإيجابِ وهي تُغمضُ عينيها بضعف، وببحةٍ تنثر الملح على صوتها ليخرج مهتزًا : شوي
سيف : وش صار؟
ديما بخفوتٍ دون أن تفتح عينيها : فيه واحد من الأطفال صدم فيني بالغلط وهو يركض
عقدَ حاجبيه وهو يزفر بحدة، وأطبقَ عليه الصمتُ المؤقت حتى يصل، بينما صمتت هي في المقابلِ وهي تتنفس تنفسًا اهتزّت فيهِ ذرات الأكسجين واختنقت . . مرّت الدقائق سريعةً قبل أن تقف السيارة، استدار إليها ولفظ بوجوم : انزلي
فتحت الباب لتنزل بوهن، بينما نزل هو أيضًا ودار حول السيارة حتى وصل إليها وأمسك يدها حتى يحين منه اسنادها إليه إن هي ضعفت في مشيها. وزفرَت الساعةُ عقاربها حتى تجاوز الوقتُ نفسه في غضونِ عشرين دقيقةً أو أكثر، خرجَا من عند الطبيبةِ ما إن اطمئنوا بأن حالـة الجنين لازالت جيّدة من بعد تلك الضربة، لكن عليها أن تنتبه أكثر في المرّات القادمـة تحسبًا لأي خطرٍ عليه، خصوصًا أن جسدها ضعيف.
تنهدَت براحـةٍ وهي تمشي بجانبه، وأغمضَت عينيها لثانيتين تترك للهواء الملوّث بألم الدقائق السابقة الخروج من رئتيها، لم تقل شيئًا لهُ منذ وصلا للطبيبة، لازال جرحه قبل أسبوعٍ يركضُ في قلبها، يستثير التمرد والحدةَ في صوتها، يُسكن كل كلمةٍ ناعمةَ النبرةِ في حنجرتها ويبقى في البُعد يخترع المسافاتِ بينهما ويأخذ براءة إختراعٍ على هذهِ المسافاتِ الضوئية الحاصلةِ بين زوجيْن.
صعدت للسيـارةِ ثمّ عانقت حقيبتها إلى صدرها تبحثُ عن بعض الأمـان بتلك الحركة، يُجبرها في كلِّ يومٍ أن تنـام في أحضانه، تنتهي كل ليلةٍ بالقمرِ والنجومِ وقُبلةٍ على الجبين، لكنّ ذلك لم يحتكر عدم الأمـانِ خلفَ قُضبانِ الصباح، بل يبقى يسكن في جوفِها وتنتهي الليلةُ الظلماءُ بنومٍ ظالمٍ بعد أن يصلها صفير أنفاسه الهادئـة، عكس كل الضجيجِ في حنجرتها والذي يُترجمُ بالصمت. ما أطولَ سكّة الجُرح التي يعبر من فوقها قطار الصمتِ ولا ينتهي ذاكَ العبور.
حرّك السيـارةَ والصمتُ لازال يركضُ في تلك السكةِ الطويلة، مرّت الدقائِق قبل أن تفتح عينيها بعد غفوةِ الأفكار لتعقد حاجبيها وهي ترى الطريق الذي يمشي به، أدارت رأسها إليه وهي تقطّب جبينها بحدة : وصّلني للروضة ، ما انتهى دوامي
لم ينظر إليها وبقيَت أحداقه تنظر للطريقِ دونَ رد، حينها طالت الحدّة صوتها وهي تلفط دونَ اهتمـامٍ لكونِه زوجها والذي تُحب أو كونِه قد يغضب لاحتدادِ صوتها معه : رجعني للروضـة
ارتفعَ إحدى حاجبيه لصوتِها، وضاعفَ سرعة السيارة وهو يلوي شفتيه في ابتسامةٍ أبعد ما تكون عن الابتسامة، وبسخريـة : يا تتجاهلين الكلام معي يا تحتدّين بصوتك معي .. ارجعي لسكوتك أفضل
ديما تصدُّ عنه وتنظر للطريق : والله عاد إذا اضطرني بعض الأغبياء أحكي فلازم أحكي بطريقة تفهّمهم
زمّ شفتيه بحنقٍ وهو يشدّ قبضته على المقود، وجّه حدقتيه إليها بسرعةٍ خاطفة ومن ثمّ أعـاد نظراته للطريق، وبصوتٍ يستلّه ليُكثّف من حدّته : منتِ راجعة للروضة
ديما بقهر : ليييييه؟
سيف : إذا كنتِ واثقة إنّ جسمك قوي كفاية عشان يحافظ على اللي ببطنك فأنا حاب أقولك ببساطـة إنك لو خسرتيه فلا تلومي إلا حالِك، دامك عصيتيني وسويتيها من وراي فغصب عنك بتحافظين عليه وتجيبين هاللي سويتي المستحيل عشانه
لوَت فمها بغيظٍ وأناملها تشتدُّ على عباءتها، حتى بعد كل شيءٍ وبعد ثلاثِ سنين صارَت ثلاثَ عقودٍ في نفسي لازال غرورهُ يُحلل عليهِ الحاق الخطأ بي، لازال يقلب الطاولةَ علي ويجعل من نفسه " الصح " وأنا التي تخطئ! أنا علامة الاكس في هذه العلاقة، في هذهِ الحيـاة، وهو القمر الذي يُضيء السماء في ليلةِ بدر، هو كل الأشيـاء المحمودة، وأنا المذمومةُ الملقاةُ على رفِّ الأخطاءِ الإملائيـة فوقَ أسطرِ الحياة، هو الايجابية وأنا السلبية الانسيابية بين أبجدياتِ الظلام.
شدّت على أسنانها وهي تنظر إليه بحدقتين تشتعلان، وبحقد : مالك شغل فيه وبيجي غصب عنّك وعن حرمانك لي ثلاث سنين .. * بأمرٍ جلف * الحين وصلني الروضة
سيف ببرودٍ وعضلةُ وجنته تنبضُ بغضبه : والله لو تبطين
ديما بقهر : ترى بفتح الباب وأنت تمشي
سيف يضاعف السرعة ويبتسم بسخرية : بنت أبوك سويها
اشتعلت أوردتها وتصاعدَ دُخانُ الغضب من رأسها، استدارت بتهورٍ مجنون لتفتح قفل الباب أولًا ومن ثمّ امتدّت يدها لتفتح البابَ كلّه في لحظةٍ تعالت مع صرختهِ باسمها ومن ثمَّ إيقافه للسيارةِ بقوةٍ صرخَت بها الإطارات محتجّةً عليها، بينما تجانس مع تلك اللحظة تقدّم جسدها ليصتدم رأسها بقوةٍ بالأمـام وينغلق البابُ الذي فتحته قليلًا أثناء صرخته إنغلاقًا - ظاهريًا - بينما لو دفعته لفُتح من جديد.
تفرقعت عظامُ رسغهِ من شدِّه المجنونِ بقبضتيه على المقود حتى يحمي جسده من التقدمِ بقوةٍ واصتدام رأسهِ به، أغمض إحدى عينيه بألمٍ وهو يشدُّ على أسنانه، لكنّه تجاهل ذلك الألم واستدار إليها بأقصى مراحلِ الغضب بين نيرانٍ سوادء ليصرخ في وجهها وهو يمسك كتفها وينتشلها من لحظةِ الألم التي كانت تتأوّه بها ورأسها مصتدمٌ بالجزء الأمامـي من السيارة : يا غبيييية يا مجنووووونة
نظر لعينيها المُغمضتين بوجعِ رأسها الذي صرخَ ليُردف بحدة : افتحي عيونك
ديما تتأوه وهي ترفعُ إحدى كفيها وتضعها على رأسها الذي يدور والإعيـاء يصيبها، انعقدَ حاجباه بقلقٍ وهو يتجاهل أصوات مزاميرِ السياراتِ من حوله، وارتفعت كفّه الأخرى ليُطبطب على وجنتها وهو يهتف بخفوت : ديما ، ديما أنتِ معاي؟!
فتحت عينيها الغارقتين بدموعٍ مالحةٍ حبيسة تزأر طالبةً الخروج، وأهدتها ما تُريد إذا سمحت لها بالإنسيابِ كشلالٍ واهنٍ وهي تهمس ببحةِ ألمٍ وإعيـاء : راســـي آآه
سيف بقلق : تبين المستشفى؟
رمشَت بعينيها مرارًا والوعيُ الذي غادرها نصفهُ يعود إليها رويدًا رويدًا، هزّت رأسها بالنفي وهي تغفر فمها دونَ صوتٍ يكسرُ أغلالَ الصمتِ ويخرج إليه ليُطمئنه بكلمةٍ وليس اهتزازَ رأس.
زفَر بعنفٍ وهو يشدّ على وجنتها ويهتف بحزم : طيب أنتِ واعية معاي؟
هزّت رأسها بالإيجابِ مرةً أخر لينفخ بفمهِ هواءً عنيفًا أبعد ما يكون عن زفرة، تركها قبل أن يقتربَ منها بشكلٍ أكبر حتى تصل يدهُ لبابها ليفتحهُ ويعيد إغلاقه بقوةٍ من جديدٍ والتصاقهِ المفاجئ والعنيفِ بها جعلها تطلق تأوهًا خافتًا، ابتعد عنها ليستديرَ ويحرك السيارة بعد موجةِ الذعر التي أصابته عليها ما إن رأى انسدال أجفانها على عينيها، كان يستعدُّ للصراخِ في وجهها للجنونِ الذي قامت به، يستعدُّ لتأديب الجنونِ المتمركز في تمردها.
هتف بحدةٍ غاضبةٍ وهو يحرّك السيارة بسرعة : وتبين ترجعين الروضة هاه! والله لو تشربين موية البحر بعد
تجاهلت صوته الغاضبَ وهي تسند ظهرها للخلفِ ويدها تمسّد رأسها الذي ينتحلهُ الصداع، أي قوةٍ قد تمتلكها الآن لتعود للروضة؟ لذا ابتلعت عنادها وصمتت.


يتبــع ..


كَيــدْ 12-09-15 02:25 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 


عند الساعةِ الثانيَةِ ظهرًا
خرجَت من الحمامِ وهي تجفف شعرها بينما يُعانق جسدها روبُ الحمامِ الأبيض، رمَت المنشفةَ على الكرسي الذي يُشارك روبها البياضَ ووقفت أمام المرآةِ لترفعَ يديها وتتخلخل شعرها من جانبي رأسها، مررت أناملها على طولهِ حتى خصرها، وتبللت كفيْها برطوبةِ شعرها وهي تتأمّل ملامحها في المرآة، مرّ الأسبوعُ الأول، والذي قضَت معضمهُ خارجَ المنزل برفقةِ أسيل بدايةً بالسوقِ وانتهاءً بجلساتِ العناية بالبشرةِ كما أُرغمت من قبلها، وتشاركَت في ذلك مع أفرادِ عائلتها من طرفِ أمّها، منذ اتصلت بجدتها وأعلمتها بحفلة الزواج الذي سيقيمونه بعد أسبوعين حتى تكلل صوتها بالسعادة لها وأعلمت كلّ أقاربها.
لملمت شفتيها للأمـام قليلًا وهي تُخفض يدها وتمرر أطراف أناملها على شفتيها، وجنتيها، حواجبها الرفيعةِ وعينيها وجبينها، وكأنّها في هذهِ اللحظة تحاول قراءة ملامحها باللمس، استشعار الجمال في البيَاض، استشعار الجمـال فيها، كم كرهت المقارنات! أصبحت لا تبالي بها في فترةٍ ما لكنّ الاهتزاز الذي باتت تعيشُ بهِ يجعلُ من المقارناتِ تأتيها دونَ مواربةٍ في لحظةٍ خائنةٍ لأنثى مثلها، تتخيّل نفسها مراتٍ تقفُ بجانبِ أرجوان! أرجوان جميلة، جميلةٌ للغايـة، حدّة ملامحها التي تشاركها البياض وصراخُ الأنوثةِ فيها يجعل من أنوثتها لا شيء أمامها، يجعلها تتلاشى، لطالما هزمتها أرجوان في الجمال، تهزمها وتهزم أسيل وديما وهديل أيضًا، بعينيها الواسعتين والسوداوتين، ببشرتها البيضاء، بشفتيها الممتلئتين جاذبيةً وانتهاءً بشعرها الليلي الذي ينساب على ظهرها بتموجاتٍ مُهلكَةٍ يتراقصُ حول رسمَة وجهها وفكِّها الدقيق.
تتلاشى! تتلاشى دائمًا أمامها، أمام جمالها الصارخ، هي عاديّةٌ بالنسبةِ إليها، بيضاءُ فقط، ناعمةٌ وشعرها البني يضيفُ جاذبيةً تتمركزُ فيه تحديدًا . . هي عاديةٌ بالنسبةِ لديما أيضًا! فلطالما كانت تُحب سمارها بالرغم من كونِ ملامحها بسيطة، لكنّ سمراءَ مثلها كان لابد لها من أن تصير جذابةً بسمارها .. زمّت شفتيها وهي تزفرُ باهتزاز، لمَ جاءتها تلك الأفكار الآن؟ ألا يكفي أن لها زوجًا عشقها هي وليس عشقهُ مبنيًا على ملامحها؟ لكنّ أنثى مثلها كانت لتتمنى الجمال الصارخ والجاذبية المهلكة فوقَ كلِّ شيء، الجمال الذي يُشبهُ جمال أختها، أو جمال تلك الفتـاة! . . عقدَت حاجبيها ما إن رأت صورةَ جنان التي اخترقَت الوقتَ والمكان فجأة، تلك التي حانَ منها التقاءٌ بجمالها في إحدى نهاراتِ بروكسيل، تلكَ البيضاءُ المحمرُّ وجهها، الذقن المُثير الذي لفتها ما إن رأته أول مرة، بروزهُ للأمامِ قليلًا وانقسامهُ رأسيًا لتكتمل غرابةُ جمالها مع اعتلاءِ شفتين صغيرتين ومنتفختين فوقَ ذاكَ الذقنِ وبين رسمَة وجهها الدائري والصغير.
زفَرت بحدةٍ وحرارةٍ تتجانسُ مع اختلاجاتِ صدرها الملكومِ باهتزازِ ثقتها، بتزلزلِ روحها في كارثةٍ تُطيحُ بأعضائها وتكتمل الكوارثُ الطبيعية بدمعٍ كان كموجةٍ عاتيةٍ اقتلعت رمشَ عينيها.
استقرّت كفها على وجنتها الباردة، وشردت عيناها بسطحِ التسريحةِ وهي تتنفسُ بخيبة، وحانَت منها انتفاضةٌ مفاجئةً حينَ شعرت بكفيْ فواز المعانقتين لخصرها، ليُميلها إلى الخلفِ قليلًا حتى يرتاح رأسها على صدره وهو يهمس في أذنها : جميلة ، لا تطقين نفسك بعين من المراية
فغَرت فمها وعينيها تضيقان بتوتر، تحشرجَ تنفسها ليتصاعدَ صدرها وكفيها دونَ شعورٍ عانقت جانبي الروبِ عند صدرها، حينها ضحكَ بخفوتٍ وهو يهتف بهمسٍ عابث : شكلي ما حذرتك من قبل من مسألة خروجك من الحمام كذا؟
احمرَّ وجهها وهي تخفضُ وجهها ليسترَ شعرها احمرار ملامحها في انسدالهِ عليها، بينما اشتدّت يداها دونَ شعورٍ على صدرها، يبقى بكل مقدارٍ يُختزن في صوتِه من الغزلِ يبثُّ إليها كلماتٍ تُدغدغُ أنوثتها، تسرِي بأمواجٍ ناعمةٍ دافئةٍ على شاطئ صيفٍ مُلتهب، فتتغلغل بمائها المالحِ حبّات الرمل الساخنَة، ورغمًا عن دفءِ الموجِ تنتطفئ القليل من حرارةِ ذاك الشاطئ بماءٍ كالصحة، يُجمّل الحيـاة!
مرّغ وجهه في شعرها الرطبِ وهو يبتسم لصمتها الخجول، وبهمسٍ يبثُّ أنفاسًا دافئةً تُبخّر الماء المختزن في شعرها : قريت مرّة كلام جميل، العنوان قصّة حب! " هذا البحار نجا من كلِّ المحيطات، وغرق في دمعةِ - بنت - ... ومات! " ، تدرين وش جانب الشبه؟ أنا حاليًا صرت بحّار بس بين خصلاتِك، بين رمش عيونك، بين مساماتك وتحت جلدك ، كل هالشيء ما غرّقني بالموت كثر ما قتلتني دمعة من عيونك
نبضَ قلبها بقوّةٍ وطالَ ارتعاشٌ عنيفٌ كامل جسدها، ازدردت ريقها الملتهبَ بكلماتهِ ليحترق جوفها بنبرةٍ مُثقلةٍ بالحنانِ من ملءِ فمِه، يتجاوزُ ملء مسمعها ويخترقها إلى قلبها المحمومِ بالدم، افرجت شفتيها تتنفس الهواءَ البارد، تُطفئ غليان دمها وفورانَ السوائل في جسدها، تُسكن عملية الإنصهار التي بدأت تطولُ أعضائها الداخليـة . . كم من الضعفِ يستحلّها لتتقوّى بكلمةٍ منه؟ كم من الإهتزازِ في روحها لتثبِّتها جملةُ غزلٍ في نبرةِ حنانٍ بصوته؟ في التماعِ حبٍ في حدقته.
تأوّهت بصوتٍ مسموعٍ وهي تشدّ بإحدى كفيها على معصمهِ بينما كفّها الأخرى على صدرها، عضّت طرف شفتها قبل أن تهمَس بصوتٍ متحشرجٍ مهزوز : كذاب ، أنت بكيتني قبل أسبوع
عقدَ حاجبيه وتراجعَ رأسه الغارقُ في غابةِ شعرها، بلل شفتيه وهو يتأمل صورتها المُختبئةِ أسفل شعرها من المرآة، وبنبرةٍ متجمدَة : هذي خلينا منها ، أنتِ الغلطانة باللي صار
زمّت شفتيها المرتعشتين وهي ترفعُ رأسها بنفسٍ متحشرجٍ لتنظر لوجههِ عبر المرآة، استكنَت عيناها بعينيه للحظاتٍ صامتةٍ ليقطعها بعد ثوانٍ بابتسامةٍ طفيفةٍ اعتلت شفاهه، بللت شفتيها بتوترٍ وهي تشتت عينيها وتُخرس ابتسامةً كادت تبنعُ على شفتيها ردًا على ابتسامتهِ الناعمـة.
عانقها برقّةٍ وهو يهتف بصوتٍ أرق : وش سويتوا في الأيام اللي فاتت أنتِ وأسيل؟
ابتسمَت رغمًا عنها في تلك اللحظةِ وهي توجّه نظراتهِ إليه، وبنبرةٍ مراوغة : سر
رفعَ إحدى حاجبيه وابتسامته تتّسع : سرْ أجل!
جيهان تهزُّ رأسها بالإيجاب، عضّ حينها شفتهُ السفلى وهو يلفظ بلؤم : طيب وش اشتريتي؟
خفتت ابتسامتها قليلًا وهي تترك لوجنتها حقَّ التورّد، لكنها أخفت خجلها وهي تهمس ببحةٍ مبتسمة : برضو سر وسر أهم بعد
فواز : افا بس! ما ودك تعلميني؟
حرّكت رأسها بالنفي وأسنانها تظهر باتّساع ابتسامتها، أردَف : كان ودي أخلي ديما معكم أفضل لأنها أكيد أخبَر بهالمواضيع بس عارفة هالفترة هي وش تمر فيه
جيهان تميل رأسها قليلًا على إحدى كتفيه، وبنبرةٍ حالمـة : بتجيب بيبي ، فرحت لها والله
فواز بابتسامة : كلنا ، لدرجة إننا كنا بنمنعها من شغلها عشان ما تتعب حالها
بتر الكثير من المعنى الحقيقي لذلك اللفظ، ففي الحقيقة امه هي من كانت مهتمةً حدّ أنها أرادت إبقاءها في المنزل، لكنّه بدّل الحقيقة بـ " نـا " الجامعةِ لهم كلّهم حتى لا يُعكّر صفو هذهِ اللحظة.
جيهان بابتسامة : من حقكم ، ثلاث سنين ماهي قليلة
فواز : الحمدلله
حررها من قيدِ ذراعيه ليُديرها نحوهُ ينظر إلى وجهها مباشرةً بعيدًا عن انعكاس صورتها في المرآة، أمسكَ كفيها ليبتسم ابتسامةً واسعةً وهو يتحسسها بنعومةٍ بينما صوته ينحدر بمكرٍ إلى مسامعها : يَدُكِ المليسةُ كيف أُقنعها ، أني بها .. أني بها معجبْ
تصاعدت الحمرةُ إلى وجهها وهي تسحبُ يدها وتستديرُ عنه، وبتوترٍ وإحراج : بطّل كذب ، الصادق يجيب كلام من عنده مو مسروق
ضحك ضحكةً حرّكت قلبها وهو يُردف ضحكتهُ بنبرةٍ رجوليةٍ خشنَة : طيب شرايك بهذي .. وجهك ضَو ، وجهك نور ، وجهك سعادة ما تنتهي ، وجهك راحة ، وجهك أمان ، وجهك روح ما تختفي ، وجهك رسم يا سبحان الله ، وجهك جمال منتشي ، حتى عيوني قالت ببعثرة : وجهه لوين ينتمي؟ . . . هذي مني والله ماهي مسروقة، إلا إذا كنتِ نسيتيها؟!
التمعَت عيناها بقوّةٍ لتلك الكلماتِ المُبعثرةِ على شفتيه، تلك الكلمات القديمة التي اخترعها هو في لحظةٍ ما وكان يغنيها لها بلحنٍ سريع، لحنٍ يبعث في روحها المراهقةِ سعادةً في سنواتٍ انطوَت تحت كنفِ تدليلهِ لها، قبل أن تتغطّى عنه، في لحظةٍ ما كانت تجيئه تبكي وتشكي له " الناس تقول عني شينَة "، ولأنها كانت وقتها في فترة المراهقة فملامحها لم تكن قد نضجَت وكانت تنتحي عن " عاديـة " بمراحلَ تُبكيها وتهزُّ ثقتها لتجيء كلماتهُ التي أطلقها مرةً أمام وجهها بنبرةٍ حنونةٍ واختزنَ عقلها تلك الكلمات.
ابتَسمت شفاهها بحنينٍ لذاك الدلالِ منه، وارتعشت حدقتاها وهي تتنهدُ بحنينٍ وتهمسُ بصوتٍ عميق : أحب هالكلمات
فواز يضحك : غبية هالكلمات ، بس كمان أحبها
هزّت رأسها بالنفي وهي تُدير كامل جسدها إليه وتبتسم ابتسامةً لأول مرةٍ يراها عاشقـة : ماهي غبية .. تجنن! كانت دواء لي ولبشاعتي
عقدَ حاجبيه وهو يحتضن وجهها بكفيه، وبنبرةٍ عميقةٍ يقبّل بها اهتزازها : بالعكس ، أنتِ أحلى من شافتها عيوني، أنتِ أجمل وحدة مرّت عليْ ومستحيل أشوف أي انسانة كبر جمالك اللي يهزني ، أنتِ نقشتي على ملامحك جمال ما يشوفه أي عابَر
أغمضت عينيها بقوةٍ وهي تفغر فمها في آهةٍ خافتةٍ متحشرجةٍ تعبر المحيطاتِ السبع، تشقُّ الأراضي في انتفاضةِ ريحٍ دافئة، في ومضةِ ضوءٍ تُشارك الشفقَ في جمالهِ الصارخ، يا الله! يا الله! يا اللهُ وحسْب! ما أشدّ ذلك على قلبي، ما أجمل كلماته، عنيفةٌ في عمقها، يا الله! أنا ضعيفةٌ أمـام هذا الكمِّ من القولِ الذي إن قِيلَ أهلكَ قومًا في صومعةِ منامهم، قلّب الوجعَ في مشواةِ المماتِ ودثّرهُ بالماضي الأليم، كيفَ تجيء كلماته بهذهِ القوّة لتلكم كل وجعٍ في صوتي وتُحيل الصمتَ إلى فرض؟ لتُحقّق قول " الصمت في حرمِ الجمال جمال "، وأنا صمتُ في حرمِ كلماتك، في حرمِ نبرتك، عينيك .. آهٍ من عينيك! شريعةٌ سقطتُ مؤمنةً بها والكُفر بها حدّهُ القتل.
شعرت بشفتيه الدافئتين تلامسان جبينها برقّة، وارتعشَت شفتاها لتزمّهما وهي تزدرد ريقها، وما إن ابتعد سانتيمتراتٍ قليلة حتى هتف ببحةٍ وهو يبلل شفتيه بلسانه : كوني واثقة إنّك جميلة ، لا عاد أسمع منك مثل هالكلام
فتحَت عينيها الواهنتين وهي تومئ بإدراكٍ غائبٍ ليبتسم ويُداعب شعرها بكفه، لافظًا بحُب : متى ينتهي هالأسبوع بس! ... يلا بتركك تلبسين لأني ما أضمن نفسي أتهور الحين
احمرّت ملامحها وهي تستدير عنهُ بقوةٍ وتضع يدها على صدرها، حينها تصاعد صوتُ ضحكِه وهو يبتعد عنها ليخرج، بينما ابتسامةٌ واسعةٌ ترتسمُ على وجهها، اللهم لا تحرمني شخصًا داعبَ قلبي بكلماتِه كما هو.


،


في أجواءٍ أخرى هادئة، فتحَ البـابَ وهو يحرّك عنقهُ في مدارٍ دائري حتى يبعث القليل من الليونةِ في تصلّبه، شفتيه تتمتانِ بالإستغفارِ مرارًا وتكرارًا بينما عيناه مُغمضتانِ بالإرهاقِ والصداعِ الذي يُهاجم رأسه، أغلقَ البابَ من خلفهِ وهو يفتحُ عينيه لينظر لغزل التي كانت تجلس أمامَ التلفازِ بانشداهٍ ولم تنتبه إليه لصوتِه المرتفع، ابتسمَ بخفةٍ وهو يرفعُ صوتهُ بالسلام، حينها أدارت رأسها إليه لتبتسم تلقائيًا وترفعَ جهاز التحكّم مُخفضةً الصوتَ العالي للتلفاز، وبابتسامةٍ حيوية : أهلين
سلطان بحزمٍ رقيقٍ دون أن يفقد ابتسامته : مو قلتلك ردّي السلامات!
تنحنحت بإحراجٍ لتهتف ببحةٍ خافتـة : وعليكم السلام والرحمـة
اقترب منها وهو يُنزل شماغهُ ويرميه على إحدى الأرائِك المُنفردةِ بإهمال، ومن ثمّ ارتمى بجسدهِ بجانبها ليزفرَ بإرهاقٍ شديد، بينما بقيَت نظراتها تتابعُ انحناءاتِ ملامحه بصمت، قبل أن تهتف بخفوتٍ متسائل : شفيك؟
سلطان يُدلّك رأسه قليلًا وهو يُغمض عينيه : مصدّع شوي
فتحَ عينيه قليلًا لينظر إليها ويسألها بجدية : صليتي؟
أخفضَت نظراتها بتوترٍ وهي تهزُّ رأسها بالإيجاب، حينئذٍ ابتسمت شفاهه : كويّس، ما صرت أعلمك قبل ... حبيت هالتقدّم
غزل تبتسم بشفافيةٍ وإحراجٍ وهي ترفعُ يدها وتُعيد خصلات شعرها للخلف، بخفوت : وأبشرك حفظت لي سورتين غير الأولى بعَد
سلطان بابتسامةٍ تتّسع براحـة : الله يثبّتك ويزيدك من فضله
بللت شفتيها وهي ترفعُ أنظارها إليه، وبنبرةٍ خافتـة : أقولك شيء وما تزعل؟
سلطان يعقد حاجبيه قليلًا : وشو؟
غزل بتردد : ما أحس إنّي مبسوطة باللي أمشي فيه ، ما أدري شلون أوضّح لك بس صعب أتقبّل تغير هالكبر في حياتي بظرف يوم وليلة
سلطان بجدية : بكون غبي لو فكّرت إنك راح تحبّين الوضع بهالسرعة، إنك تدخلين بشيء ماقد تعمّقتي فيه غير عن دخولك له بعد ما قريتي عنه وشفتيه وانجذبتي له .. طبيعي ما تتأقلمين خصوصًا إنّك تسوين اللي تسوينه عشان بس توفِين لاتفاقاتنا، أنا منتظر منّك التقدم شوي شوي، ومبسوط إنك بأسبوع صرتِ تصلين من نفسك وعليها حافظة سورتين من غير السورة السابقة
رمَشت بعينيها وهي تتنهّد بعدَ كلماته، وبصوتٍ فاتر : ما أحب أسوي شيء ما أحس بقيمته وأنا أسوّيه!
سلطان بجبينٍ مُقطَّب : قلتيها، ما راح تحبين شيء ما تحسين فيه ... عشان كذا حسِّي فيه
غزل بانهزام : كيف؟
سلطان يُحيط كتفيها بعفويةٍ بحتة أصابتها بالتوترِ والإرتعاش، وبابتسامةٍ هتف : هذا خليها علي ، موافقة؟
هزّت رأسها بالإيجابِ وهي تزدرد ريقها لحركتهِ العفويةِ التي جعلت رائحته تخترق أنفها، فغَرت فمها وتنفسها ينحصرُ بعطره، عضّت باطنَ خدّها وهي تصرخ في داخلها بأنِ ابتعد، تكرهُ هذا الإقتراب الذي يُضعفها ويجعلها تُدمن شعورًا بالأمـانِ قربه! تكرهُ هذا الإقتراب وتدمنه، وتكره هذا التناقضَ الذي تحمله تجاهَ دفء جسده . . أغمضَت عينيها وهي تستسلم هذهِ المرّة ككلِّ مرةٍ لتناقضها وإدمانها، واسترخت تستشعر دفء ذراعهِ حول كتفيها وشاراتِ الدفء المنبعثةِ من صدره، ولم تكد تغرقُ في استرخائها حتى شعرت بذراعهِ تسقطُ عن كتفيها لتشعر بالخواءّ فجأةً والبرودةِ تعبرُ مساماتها، فتحَت عينيها بضياعٍ لتنظر إليه وقد رفعَ كفّه ليضعها على رأسه، حينها ثبّتت اهتزازها وهي تزدردُ ريقها قبل أن تهتف بخفوتٍ مستنكر : باقي مصدّع؟
سلطان بألم : ما عليه شوي ويروح
غزل بعفويَة : تبيني أدلّك لك عشان يخف؟
وجّه نظراته إليها وهو يبتسم : تعرفين؟
غزل تهزُّ كتفيها بابتسامةٍ مُحرجة : لا ، بس بجرب يمكن أخففه لك شوي
ضحكَ بخفوتٍ وهو يميل برأسه قليلًا ويمسّد عنقه : أجل بصير حقل تجارب على يدك؟ ما عليه يا غزالتنا الحلوة نطيّح راسنا تحت رحمة يدينك
ارتعشَت أعضاؤها للفظهِ " غزالتنا الحلوة " بكلّ تلك الإنسيابيةِ والبساطة، ما الذي يفعله؟ ما الذي يظنّ أنه يفعله؟ بالله عليهِ ما الذي يفعله!!! . . عكَفت لسانها داخلَ فمها وهي تُحاول رسم ابتسامةٍ رقيقةٍ على شفتيها المُكتنزتين، عفويتهُ وانسيابته في الحوارِ مُهلكة! يظنُّ أنه يمتلك من البساطةِ الكثير لكنّ البذخَ في كلماته كبيرٌ بدرجةٍ لا تناسبهما، ويجب أن يتوقف!!
مررَت لسانها على شفتها العُليا وهي تمسحَ أفكارها تلك وتزحفُ لنهايةِ الأريكةِ لتضعَ الوسادة الناعمة بجانبها وتهتفَ ببحةٍ وهي تُشير إليها : حطّ راسك هنا
ضاعفَ من مجال ابتسامتهِ أمام نطاق بصرها ليُخفض جسده قليلًا ويضعُ رأسه على الوسـادة، حينها نظرت لهيئته على الأريكة التي لا تحمل جسدهُ الطويل وكان جزءه العلوي فقط هو من يتمدد على الأريكةِ بشكلٍ جانبيٍ على يُمناه بينما ساقيه يتدليان على الأرض، ضحَكت رغمًا عنها على شكلهِ الطريفِ وهي تغطي فمها لتُخفي ضحكتها، لكنّه انتبهَ لضحكتها القصيرةِ قبل أن تقطعها ليرفع نظراته إليها باسمًا : تضحكين على شكلي هاه؟
غزل بنبرةٍ ضاحكةٍ تصتدمُ بكفّها ما إن تخرج لتصل أذناه مختنقة : سوري ماراح أضحك مرة ثانية هههههههههههههههه
سلطان بابتسامة : ما عليه بتغاضى عن ضحكتك عشان المصلحة العامة بس ... يلا أبدي راسي بينفجر
مدّت كفيها بترددٍ إلى رأسه، وابتسامتها مُحيَت فجأةً بارتبـاك، زمّت شفتيها وهي تقاومُ رغبتها بالوقوفِ والإنسحاب عن عرضها، فما إن حانت منها نظرةٌ إلى شعره الكثيف حتى ارتعشَ جسدها، هل ستلامسه؟ ستتخلخله؟! ما هذا الجنــون!!
ضغطَت على نفسها وهي تتحمّل عرضها الغبي فقد وقعَ الفأس بالرأس ولا مجال للتراجع، لامسَت شعره الناعمَ لترتعش أناملها، ثمّ تخلخلته ليستقرّ باطنُ أناملها على فروةِ رأسه، ازدردت ريقها الذي مرّ بعمليّة التبريد فجأةً وتصلّب، ثمّ بدأت تضغطُ بأصابعها على رأسه وتحركها بين غابـةِ شعرهِ الأسود، سمِعت تنهيدةً عبرَت من بين شفتيه وهو يرتخي أسفل يدها الباردة، لتبتسم بتوترٍ رغمًا عنها وتُكمل ما تفعل بعد أن أشفقَت عليه.
مرّت الدقائق وهي تدلّك رأسهُ وعيناها تتأملانِ ملامحَ وجههِ المُسترخية، كان مُغمض العينين فاستطاعت تأمله بكامل أريحيتها، وفي لحظةِ جنونٍ كانت رغبةٌ كبيرةٌ في صدرها تصرخ كي تُلامس عوارضه، وتعمّق جنونها للوصولِ إلى رغبةِ تلمّس فمهِ الواسع . . التوت معدتها بتوترٍ وشفتيها ترتعشان، ما الذي تُفكِّر به؟ هل جنت؟! نعم جنّت . . أغمضَت عينيها بقوةٍ وهي تزفر، تشعر بحلقها يجفُّ وجسدها تُصيبه السخونة، ماذا سيكون وضعها إن قامت بجنونها ذاك؟ إن فتح عينيه ونظر إليها مستنكرًا لما تفعله، لقدْ جنَّ جنونها وأصابها مسٌّ ما، كيف تفكر بذلك؟!
هزّت رأسها بالنفي دونَ شعورٍ محاولةً طرد تلك الأفكـار، وانتفضَت فجأةً ما إن سمعت صوته يصلها بكلماتٍ هادئة : تعبتي؟
فتحتْ عينيها بذعرٍ من فكرةِ أنه ينظر إليها، لكنّ الراحـة أصابتها وهي تراه لازالَ مُغمضًا عينيه . . ازدردَت ريقها بضعفٍ وهي تشعر برغبةٍ في البقاءِ ملامسة لشعرهِ بما أنها لا تسطيع ملامسةَ وجهه ... يا الله ما الذي أصابها!!! . . هتفت بتوتر : لا عادي ما تعبت
سلطان يبتسم بشفافيـة : جد والله ترى ما ودي أقولك وقفي طمّاع أنا ، بس إذا تعبتي وقفي من نفسك
غزل تبتسم باضطراب : تمـام
سلطان بأريحية : خلينا نفتح سالفـة نسولف فيها بدل هالسكوت .. تعرفين تطبخين؟
توترْت نظراتها بإحراجٍ وهي تهمس : ليه تسأل؟
فتحَ سلطان عينيه ليوجّهها إليها وهو يبتسم : أبي أذوق طبخك بيوم
سحبَت شفتها السُفلى لداخلِ فمها عن طريقِ أسنانها العلوية دون أن تُهلكها بالمزيدِ من العض، وتوتّرت أحداقها بنظراته، وبخفوتٍ تشتت عينيها : ما أعرف أطبخ
سلطان بإحبـاط : اوووه وش ذي النحاسـة
غزل بضحكةٍ متوترة وهي تشدّ على فروته دونَ شعور : عاد ذا اللي صار شسوي؟
شعر بتشنجاتِ يدها على رأسه، وقرأ التوتّر في تحرّكاتها لينظر إليها مبتسمًا وهو يُحاولُ كسر كل ماقد يعكّر صفو أحاديثها معه : تبيني أعلمك؟
غزل رفعت حاجبيها باستغراب : تعرف تطبخ؟
سلطان بابتسامة : وش تتوقعين؟
غزل بامتعاض : كذاااااب
ضحكَ رغمًا عنه لنبرتها المقهورة من تلك الفكرة : ليه انقهرتي طيب؟ غرتي مثلًا؟! . . طلعات البر خلتني أتعلم شوي
غزل تلوي فمها : وش تعرف تطبخ؟
سلطان : أكيد أكلات أكثر منك
غزل تنفخُ فمها : لا تذب
سلطان : أجل لازم تتعلمين عشان تطبخين لي
غزل بموافقة : تمام اليوم العشـاء عليك عشان أتعلم وأنا أشوفك
سلطان : ههههههههههههههههههه بسوي لك مكرونة شرايك؟
غزل بوجوم : مكرونة!! طيب طيب ما عليه أهم شيء نذوق هالطبخ الواو
سلطان : ههههههههههههه كأني قاري بصوتك اعتراض لا قدّر الله؟ خلاص ولا يهمّك مع سلطة
غزل : لا أشوف شعرك في الأكل بس
جلسَ وهو يضحكُ على تعبيرها المغتاظ، لتشعر بالبرودةِ تعانقُ أناملها بعد مفارقةِ فروتِه الدافئة، ازدردَت ريقها وهي تحاول الحفاظ على نظراتها المُبتسمةِ له، باستمتاعها بالحوار، ولن تعكّر ذلك بانجرافها المرعب في هذهِ الأيـام.


،


تخطّت عتباتِ الدرجِ برشاقةٍ وهي ترتدي فستانًا ناعمًا بلونٍ بنفسجيٍ فاتح، يلتف على جسدها النحيل إلى منتصفِ ساقها وشعرها ترفعه بإهمالٍ ليتناثر على جانبي وجهها، ابتسمت وهي تتّجه لعلا، قبّلت رأسها برقّةٍ وهي تهتف بحب : مساء الخير عمتي
عُلا بابتسامةٍ حنونة : يا هلا ببنتي * أردفت بعتاب * ليه ما نزلتي تتغدّين
أسيل تجلس بجانبها وهي تبتسم قليلًا بإحراج : كنت نايمة معليش
علا بعتاب : نويت أطلع لك بس سوزان منعتني ، قالت أكيد لو تبي غداء نزلت
وجّهت أسيل نظراتها لسوزان الجالسـة بينهم، وابتسمت بشفافيةٍ وهي تهتف برقة : كيفك؟
سوزان بهدوء : بخير نحمدالله
أسيل : مسافرة اليوم صح؟
هزّت سوزان رأسها بالإيجاب وهي تبتسم برقةٍ وجمال، حينها زفرَت عُلا بضيقٍ وهي ترفعُ عينيها إليها : بشتاق لك
سوزان تقطّب جبينها بحبٍ لتلك المرأة : وأنا كمان ، حبيتك كتيييير
علا : أنا تعلقت فيه وماني متخيلة يومي وأنتِ مو موجودة
ابتسمت سوزان بشفافية : ليش فين راحت أسيل؟ مرَة ابنك واضح عليها عسّولة
أسيل باحراج : تسلملي عيونك
سوزان : الله يسلمك
تنهّدت علا تُخرس حزنها وهي تنظر لأسيل : شاهين علّمك متى بيرجع؟
أسيل تهزّ رأسها بالإيجاب : قال بيتأخر شوي بشغله
علا : الله يهديه عريس ومتعب نفسه بالشغل
أسيل بابتسامة : لا وش عريس؟ خلاص بنكمل ثلاث أسابيع بعد كم يوم
علا : ثلاث أسابيع ومو عريس؟
أسيل بضحكة : حتى أنا خلاص ماني عروس
علا : أجل تبين تشتغلين وتتعبين نفسك مثل أمس؟ أنا لازم أخلي شاهين يجيب خدّامه
ابتسمَت أسيل تلقائيًا وهي تسترجعُ ما حدثَ في الأمس، إذا دخلَت للمطبخ لتُصدم بشاهين يغسل الصحون، حينها شعرت بالإمتعاض وهي تعاتبه بينما كان يضحك ويبرر لها بأنه اعتاد على ذلك ولا يرى فيه عيبًا، طردته من المطبخ وقامت هي بغسل الصحون ومن ثمّ نظفت المنزل النظيف أساسًا وهي محرجةٌ من فكرة أن ينظف هو وهي جالسةٌ بحجة أنها " عروس ".
أسيل برقّة بعدما سمعت ما قالته : البيت ما يحتاج خدّامه
علا : أنا من زمان مقتنعة أنه لازم خدّامه، أجل ولدي ينظّف وهو رجّال
أسيل بكذبٍ رغم كونها مقتنعةٌ بحديثِ علا : عادي خالتي ما يعيب الرجّال شغل في البيت
علا : لا تكررين عليْ كلامه هالولد عاصي ما يسمع الكلام
أسيل بضحكة : حرام عليك تقولين عن واحد مثله عاصي
علا بإصرار : اليوم لي جلسة معاه


،


هبَطت الطائرة في بروكسيل، كانت ملامحه حانقةً ومتجهمةً والحدةُ تخترقُ وجههُ في صورةِ غضبٍ ومن يقترب منه لن يصيبه ماهو محمود.
تحرّك في المطار والعامل من خلفهِ يتبعه بحقائبه، استلقى إحدى سياراتِ الأجرةِ وهو ينظر من حوله بنظراتٍ باردة، بمزاجٍ متعكِّرٍ بعد أن أُفسدت رحلته تلك باتصالاتِ أعماله من هنا وهناك.
رفعَ هاتفهُ من جيبهِ وهو يفرقعُ أصابعَ يدهِ الأخرى بإبهامه، وانتظر قليلًا ليُردَّ عليه بعد رنّتين، حينها ارتفعَ صوتُ تميم الغاضبِ وهو يهتف : الحين توخّر هاللي يراقبوني والا بنفيهم بنفسي .... تسمع !
أغلقَ الهاتف ليرميه بجانبهِ بعنفٍ وهو يلعنُ كل ما يتعلق بعمله.

.

.

.

انــتــهــى

وموعدنا الجاي المفترض يكون الأربعاء بما أني نزلت السبت، بس بحاول أقدّمه إذا ربي كتب

+ الله يسعدكم ويخليكم :$ ويرحم أموات المسلمين ومنهم من ماتوا في سقوط رافعات الحرم
أشوفكم على خير ()



ودمتم بخير / كَيــدْ !

أبها 12-09-15 07:32 PM

ما شاءالله تبارك الله ..
روعة روعة روعة ...
الله يحفظك يا كيد ..

ديما ...جُنّت لا محالة !! تصرفها تصرف طفولي غير عقلاني.😳
جيهان .. نضيف إلى صفاتها المقيتة أنها غيورة ،😣
أسيل ..تبدو سعيدة والحمدلله 😊
بدر و غادة وحسام ..ما قصتهم ؟؟
لم أفهم وضعهم بالضبط وما الذي جعلهم
يعيشون في بروكسل !

كل الشكر والتقدير أختي كيد 🍃🌸🍃

bluemay 12-09-15 07:42 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


يسلمو ايديك حبيبتي .. فعلا ابدعتي ..

حبيت التطور بين جيهان وفواز ولكن حاسة انه رح تنتكس بعد ما تعرف أنه جنان نزلت ضرة عليها .


ديما .. الله ستر عليها . بس مو كل مرة بتسلم الجرة.



غزل .. بتجنن . متالقة ذا البارت .


بعتذر عالمرور السريع بتستاهلي أحسن من هيك يا قمر فالسموحة منك.


لك ودي


○° الله أغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله ، وأوله وآخره ، وعلانتيته وسره .°○

كَيــدْ 12-09-15 08:26 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبها (المشاركة 3557748)
ما شاءالله تبارك الله ..
روعة روعة روعة ...
الله يحفظك يا كيد ..

ديما ...جُنّت لا محالة !! تصرفها تصرف طفولي غير عقلاني.😳
جيهان .. نضيف إلى صفاتها المقيتة أنها غيورة ،😣
أسيل ..تبدو سعيدة والحمدلله 😊
بدر و غادة وحسام ..ما قصتهم ؟؟
لم أفهم وضعهم بالضبط وما الذي جعلهم
يعيشون في بروكسل !

كل الشكر والتقدير أختي كيد 🍃🌸🍃




تسلم عيونك الجميلة وقلبك الأجمل ()
آمين يارب ويحفظك


ديما ، هو فيه حد بيظل عاقل مع سيف ده؟ :(
جيهان ، هو مو غيرة كثر ماهو التفات للفروقات وعدم الثقة، لو كانت المسألة غيرة فوقتها راح نشوف مشاعر سلبية تجاه أختها وكل بنت جميلة، بس المسألة إن عدم ثقتها بنفسها تخلي للمقارنة مجال وكبيييير بعد.
أسيل ، طبعًا ما نقدر نقول سعادة بس واقع وعايشة فيه بس ما نقول سعادة
وضع هالثلاثي بينفهم أكثر مع الأحداث :$

العفو لقلبك بس نسيتي غزل وسلطان حبايبنا :P
ربي يسعد روحك (())


كَيــدْ 12-09-15 08:30 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 





اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة bluemay (المشاركة 3557753)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


يسلمو ايديك حبيبتي .. فعلا ابدعتي ..

حبيت التطور بين جيهان وفواز ولكن حاسة انه رح تنتكس بعد ما تعرف أنه جنان نزلت ضرة عليها .


ديما .. الله ستر عليها . بس مو كل مرة بتسلم الجرة.



غزل .. بتجنن . متالقة ذا البارت .


بعتذر عالمرور السريع بتستاهلي أحسن من هيك يا قمر فالسموحة منك.


لك ودي


○° الله أغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله ، وأوله وآخره ، وعلانتيته وسره .°○


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ربي يسلم عويناتك الحلوة يا جميلتنا مايا :$$

كلنا نحب التطورات ونخاف من العكس :(! الله يستر عليهم بس :D

لعلمك المرور السريع ما أعرف آخذ وأعطي فيه * ماهو تلميح * لووول :P
الله يسلمك يا جميلة عاد أنتِ ما نقدر نعتب عليك ما تقصرين أبدًا (())
الله يسعدك ويخليك :$

bushraa 12-09-15 11:39 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
تسلمين كيد
المهم نبدا في التحليل وجعله يطلع صح
نبدا بديما وسيف
سيف واه من سيف لييه ما تعترف بمشاعرك وتريح ديما وتريحنا معها
وياليت تفكنا من فكره رجوع بثينه لك
اسيل وشاهين اتوقع انو اسيل بدت ترتاح مع انو القلب يميل لمتعب ولكن شاهين قدها وقدود وبيخليها تحبه
بدر وعائلته ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ماجد اتمنى من كل قلبي ما يطلع متعب مع انو كل الافكار اللي تراودني انو متعب واكبر شي ارتباطه مع ادهم اللي هو نفسه يبحث عنه شاهين
جيهان وفواز جيهان بدت تتقبل حياتها والخصوص فواز لكن بتنجرح لما تعرف ان فواز تزوج عليها

fadi azar 15-09-15 10:15 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
فصل رائع ديما راح تجنن سيف بتصرفاتها المجنونة غزل بدات تشعر بسلطان لكنها خايفة ان يعرف حقيقتها

كَيــدْ 16-09-15 06:05 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 


-
-
السلام على الجميع ومساء الخير
إن شاء الله تكونون طيبين يا زين قلوبكم بس

الجزء الثاني والخمسون راح يكون عندكم مابين الساعة العاشرة والثانية عشرة
جزء اليوم مهم مهم مهم جدًا وفيه تركيز على بعض الألغاز والخفايا في الرواية ، عشان كذا يبيله شوية تركيز

انتظروني ()

كَيــدْ 16-09-15 10:38 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافية


قراءة ممتعة للجميع وخلّوا قراءتكم اليوم بتركيز واللي يسحبون على السرد ترى بيجيكم يوم ما تنفعكم الأسئلة والاستفسارات والإستنكارات لأني ماراح أتعب نفسي بالرد على اللي واضح عليه ساحب -_- يعني اقرأوا كويّس :(

بسم الله نبدأ
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات وذكر الله في هذه الأيام المباركة


(52)



عقدَ حاجبيه بقلقٍ وهو ينظر إلى سعد الذي يجلسُ بجانبه : يعني؟
سعد بتوتر : يعني الله يآخذك عشان الساعة اللي ورطتني فيها معاك
توترَ إبراهيم للخوفِ البادي على صوتِ سعد، لكنّه أخفى توتره ببراعةٍ وهو يتنحنح : تبالغ مرة!
سعد بذعر : ورطتنا مع مجموعة مطلوبين وتقول تبالغ! أنت واعي للي أقوله يا إبراهيم!! احنا دخلنا روحنا في ناس ما يخافون ربهم
ابتسمَ إبراهيم بسخرية : يعني أنا وأنت اللي نخاف ربنا
سعد بقهرٍ من بروده : أنا وأنت ما نقتل! ما نتورط بعصابات .. هذول عادي عندهم يقتلونك وينكّلون فيك بعَد
تراجعَ إبراهيم للخلفِ ساندًا ظهرهُ لظهر الأريكةِ وكفيه خلف رأسه، وببرود : ما أظن الموضوع بهالخطورة، أنت سامع شيء وصدقته أو متوهم؟!
سعد من بين أسنانه : إبراهييييييم
إبراهيم دون مبالاة : خلينا الحين من هالكلام ، وش صار على التبن؟
سعد وفهم مقصده جيدًا : منعنا سالم ما نرجع لشركته من جديد ، واضح معصّب لأنك اعطيت سكرتيره رقمك
إبراهيم بغباء : ليه معصّب؟
سعد ينظر إليه بنصف عين : أنت يا تتغابى أو تتغابى ، بالعقل تعطيهم رقمك المباشر؟
إبراهيم : مو نفس القديم اللي يعرفه سلطان
سعد : بس يبقى رقمك وبيوصلون لك ، شفت؟ قلتلك اللي نتعامل معاهم خطيرين بدليل أخذوا في بالهم إشارات الجوال
إبراهيم : لا تتذاكى * بلل شفتهُ السفلى ليُردف * المشكلة هالأغبياء دخلوا مزاجي أول بس بعدين احتكروني بمخططاتهم، أنا كل اللي أبيه أنغّص عيشة هالسلطان وأخليه تعيس بحياته
سعد : وورطتنا في عفَن ما ندري وش هو
دخَل في ذاك الوقت المدعو " سالم " وملامحهُ القاسيةِ تشتدُّ قسوتها بجرحٍ يمتدُّ من حاجبهِ الأيسرِ ويخترقُ عينهُ المغمضةَ وصولًا إلى وجنته، لفظَ بصوتِه الخشن والجلف بدون مقدمات : تعرفون تستخدمون المسدس؟
قطّب كلًا منهما جبينه باستغرابٍ لكلامه، وبقيَ سعد صامتًا تهزمه القليل من الرعشةِ التي أصابت أطرافه، إلا أن إبراهيم هتف بهدوءٍ مستغرب : مو تمام ، ليه تسأل؟
سالم : بتحتاجون تتعلمون ، شغلكم يقتضي هالشيء
ضوّق إبراهيم عينيه : أنت وضّحت شوي من هالشغل الغريب اللي متعلق بسلطان ، يعني مصلحة مشتركة وكلنا نكرهه ونبي شيء منه . . بس ما يوصل لتعلّم التصويب عشانه، مين يكون هو؟!
سالم بابتسامةٍ لئيمة : بتحتاج هالشيء صدقني ، لأنّك دخلت بموضوع أكبر من اللي في بالك
أنزل أبراهيم ساقه اليُسرى التي كانت تعتلي اليُمنى وهو يتقدّم بجسده قليلًا ويهتف بصوتٍ قاسي : يعني؟
سالم : بيفهمْكم هالحلو
دخلَ حينئذٍ سند وهو يعدّل نسفة شماغه ويبتسم بانتشاءٍ لشعوره بأنّ لهُ مركزًا خاصًا هنا، تنحنح وهو يلفظ بغرور : إبراهيم وسعد؟
ازدرد سعد ريقهُ وهو يشعر بالعاصفةِ التي هبّت من حوله وستقتلعه، الآن ستؤكَّد شكوكه حولهم، ما الذي أقحموا نفسهم به!!!
أمال إبراهيم فمهُ بتقرفٍ وهو ينظر لسند وليس صعبًا عليه أن يقرأ في عينيه كم هو صعلوكٌ صغيرٌ ليس إلا ويلعب لعبةً سعِدَ بها، وقفَ بغرورٍ مماثلٍ وهو يحمل كل الموضوعِ الملقى هنا ببساطة، وبتعالٍ : أيه يـا ...
سند : الأستاذ سند
إبراهيم بسخرية : أيه يا الأستاذ سند، ممكن تشرح لنا الوضع؟
سند بنبرةٍ جادةٍ جعلت إبراهيم يكتم ضحكته : الحين بنبدأ أول خطوات تدريبكم على الإطلاق ، وبعدها إن شاء الله بشرح لكن الوضع
إبراهيم بسخرية : واااو شيء مثير ، متى نبدأ؟
سند يتغاضى عن نبرته التي استفزته رغمًا عنه وتظاهر بالعكس من ذلك : الحين
تحرّك إبراهيم بغرورٍ وهو يُمسك بسعد الصامت بضعفٍ وخوف، اجتذبهُ من خلفه وهو يلفظ بتسلية : متحرّق لهالشيء

تحرّك سالم في غرفته في هذا المبنى النائي الذي يضمُّ الكثير من الأفرادِ والشؤون البسيطةِ التي تخصّهم دونًا عن الكُبرى، ابتسمَ وهو يرفعُ هاتفهُ إلى أذنه ويهتف بنبرةٍ قارسَة : تم ، قدرنا نضبّط وضعَ الأول ونخليه يصدّق نفسه ويثق فينا ، الباقيين في الطريق
أحمد يبتسم من الجهةِ الأخرى : انتبهوا تغلطون بشيء ويكشفونا
سالم : لا تحاتي أستاذ نستخدمهم لفترة وأول ما تنتهي صلاحيتهم نقطّعهم ونرميهم للكلاب ، نفس الشيء إذا ما انصاعوا لنا
أحمد بجديَة : أعتمِد عليك
أغلق بينما ارتفعَت أصواتُ إطلاق النارِ في الخارج من سنَد الذي كثّف له تدريباته في الأسابيعِ السابقة حتى احترف الإطلاق.


،


يجلسُ في إحدى المقاهي الباريسيَة منذ ساعات، الكوبُ الثامن ربما من القهوة الفرنسية هاهو يبردُ ويسكُن دخانه، كل كوبٍ كان يتركهُ حتى يبردَ ويستوحشَ الدفء، حتى يسكن الدخان الذي يُثبت الحيـاةَ في عمقة، يراقبُ تصاعدهُ بذهنٍ مُهلَك، الحياةُ مهلكة، قارسةٌ مثل القهوةِ الآن، سكنَ الدخان المتصاعدُ منّي وتسللت الحرارةُ عني، كيف تتقابل المرارةُ والبرودة؟ كيف يصبح مذاقها بهذهِ البشاعةِ على فمِي الملهوبِ بكلماتِ الشوقِ والحنين.
هل هذهِ فرصةٌ جاءتني من الله؟ ماذا إن وافقت؟ ستنجلي الغربة وسأعودُ لحياتي وعائلتي، لحبيبتي، للحيـاة الساخنةِ والتي لا يسكنُ دخانها! .. أنا مُتعَب، استهلكتني أقداري وأوجاعٌ ترغرغَت بها الحممُ من جوفي، ألهبَت أحداقي بذكرَى لا تكونُ واللهِ عابرة.
تنهّد بوجعٍ وهو يرفعُ القهوةَ الباردة لأوّل مرةٍ منذ أن جاء، حتى أنّه لفت نظر العاملين اللذين ظنوا أنه مجنونٌ لعدد الأكواب التي طلبها ولم يشرب منها شيئًا بل تعود ممتلئةً بالبرودةِ و - صفيرِ صدرِه -، ارتشفَ منها رشفةً ليعقد حاجبيه للذاعتها، فعلًا ، لا تجتمعُ المرارةُ والبرودة، يا قُبحَ طعمها كما طعم حياتي، حسبي على الحُزن كم أهلكَ أحرفًا انكسَرت فوقَ أسطرِ الورق.
وضعَ الكوبَ وهو يقف، تنهّد بقوةٍ ليضعَ الحساب على الطاولةِ ويتحرّك خارجًا من المقهى وهو يعود للتفكير في ذاك " الفيصل " الذي خرجَ لهُ من حيثُ لم يحتسب، رسالتهُ تلك لازال يحتفظ بها، بكلماتهِ التي تُعلِمه أنّه سيبقى مراقبًا منهم كي يحمونه، هل يثق؟ هل أثقُ يا بصيرتي بهِ وأسلّمهُ تحريك مجاديفِ مصيري؟
عضّ شفتهُ السفلى وهو يُخرج هاتفهُ والورقةَ التي تحتوي على رقمه، قرر أخيرًا ما سيفعل وإن كان سيسلمهُ زمام الأمور أم يرفض . . كتبَ الرقم في هاتفه واتّصل أخيرًا . . .


،


ابتسم إليهِ بلطفٍ ومودةٍ وهو يقبِّل رأسه باحترامٍ ويلفظ بهدوءٍ مبتسم : الحمدلله على سلامتك
نظرَ إليه الآخرُ مطولًا بشرود وهو يلملم كلمةً يردُّ بها عليه واكتشف أنّ الرد سهل أخيرًا " الله يسلمك "!،
كان قد مرَّ يومٌ كاملٌ على خروجه من العملية وجاءهُ فوّاز في اليومِ التالي بعد أن استيقظ قبل مجيئه بساعاتٍ وانتشلتهُ همومٌ من جوانبَ تضرُّ ولا تشفِي، بعد أن قرأ رسالةً وصلته إلى هاتفهِ الذي كان مُغلقًا وفتحه ليُفاجئ بكلماتٍ صاعقةٍ قسمتهُ لنصفين جاءت من رقمٍ غريب " بنتك تدري بكل شيء "! تدرِي؟ ما معنى ذلك؟ ما الذي " تدري " عنه بالضبط؟ . . عقَد حاجبيه وهو يتنفس باضطراب، يتأمّل تلك الرسـالة القصيرة والحاملة لمعانٍ ساحقةٍ لصدره، ما الذي عرفته؟ سؤالٌ لجَم فمهُ عن الحديثِ وجعلهُ يصمت لوقتٍ طويلٍ ويشرد بِه، من هذا الذي أرسل إليه أساسًا؟ أمجد! لا يعقل، هو لن يفعلها، يثق بهِ كما يثق بنفسه، أمجَد كان الصاحبَ لهُ في كلِّ عقباتِ حياتِه والشاهد على ما حدثَ في الماضي ، فمن الذي أرسل؟ وهل هو صادقٌ أم يستثيرُ قلقهُ لا أكثر!!
وقد حدثَت تلك الإستثارةُ فعلًا، ماذا لو علمَت؟ هي لم تجئهُ حتى الآن، فهل من المعقول أن يكونَ ذاك هو السبب!! . . اتّسعت عيناه بخشيَة، لم تدرِي! يا الله لم تدرِي عن شيء! لا يُريد فقدان ضحكتها بالحقيقة، لا يُريد عتابها لهُ ولا تغلغل الحممِ في صدرها.
والحممُ تفجّرت في أوردته، يغمض عينيه لدقائق ويفتحها لأُخَر، يتفكَّر بالذي كُتِب والذي قَرأْ، والآن هاهو فواز يقف أمامه ويعقد حاجبيه بقلقٍ على شروده، لفظَ " عمي " مرةً أخرى لينتفضَ ناصر ويهتف بوهَن : الله يسلمك يا وليدي الشر ما يجيك
لم يفقد فواز عقدةَ حاجبيه وهو يبتعد عنهُ ويجلس في إحدى الكراسي بينما قطراتُ المغذي تسقطُ إلى أوردته، تخلطُ سمًا رعاف يمتلئ باسمها والحقيقة، ستكون ضربةً قاضيةً لها ، لذا هو يتكتم عن قول شيء، وكلُّ ما يخشاه هو حزن عينيها وانكسارُ نظراتها.
مرّ نصفُ هذا اليوم الذي غادر فيه فواز وعاد بعد ساعاتٍ ليكون مع فارس، أصبحَت الساعةُ هي الثامنة مساءً، فارس خرجَ ليشتري له ولفواز قهوةً تسلي حناجرهم الجافـة، بينما بقي فواز يسامرُ ناصر الذي كان شاردًا عنهُ ويرد بكلمةٍ وأخرى و " همممم "، ومن الجهةِ الأخرى كان فواز يستغرب شرودهُ منذ أن جاء لكنّه عذرَه فما مرَّ بهِ ليسَ بقليل، صمَت وفي اعتقاده أن ناصر تململ من حديثهِ معه، وبقيَ الصمت يكسر صفيرَ الليل البارد، يُشارك القمرَ والنجوم المضيئةَ في الإنـارةِ على جلوسهم هذا، وكُسر الصمتُ فجأةً بصوتِ ناصِر الذي اندفعَ إليه وهو يهتف باسمه : فواز
رفعَ فواز رأسه إليه مبتسمًا : سم عمي
ناصر بهدوءٍ ظاهريٍ يُناقضُ عكس مافي جوفه : لو طلبتك لبنتي ، وش بيكُون ردّك؟
صُدم، بل صُعق، اتّسعت عيناه والنجومُ الليلةُ تنطفأ ويذهبُ نورها، حلّ الظلامُ فجأةً أمـام عينيه وتعالى صفير الليل دونَ أن يكون الصمت قادرًا هذهِ المرّة على كسره، تأمّل ملامح ناصِر بتشتت، وتشتت نبرته أيضًا وهو يلفظ بصوتٍ مبحوحٍ متوتر : ليه تطلب مني هالطلب؟
ناصر بهدوء : ترضى ؟!
ازدرد ريقهُ بتوترٍ وهو يقف، يشعر بالإحراجِ يُغرقهُ أمام طلبِ هذا الرجلُ الذي لو كان والده حيًا لكان بعمره، لكنّه لا ينكر استحالة طلبه، لمَ طلبه؟ . . تذكّر تلقائيًا مرآهُ لهيثَم وجنان التي كانت تمشي في الممر باكيَة، حينها عقدَ حاجبيه وهو يزفرُ باضطراب ، ما معنى هذا الطلب الغريب؟ أن يخطبه لابنته! بكلّ تلك البساطةِ وهو يعلم أنّه متزوج!!
تنحنح فوّاز بتوترٍ وإحراجٍ وهو يشتت نظراتهِ ويدسُّ كفيه في جيبي معطفهِ بعد أن لفحهُ الهواءُ البارد من حيثُ لا يدري : أعتذر منك ، أنا متزوج
ناصر بإصرار : الشرع حلل أربع
فواز وبعضُ النفور أصابهُ لإصرارِ ناصر بتلك الطريقةِ الغريبة : ما أقدر

*

والآن ماذا؟! كان يخشى انكسـار عينيها والتماع حزنها، وهذا الحُزن والانكسار يجري الآن على ملامحها وعلى فمها لتخرج كل كلمةٍ منها معطوبةً بعاهةٍ مستديمة، هل فعلتُ ماهو خطأ؟ هل أجرمت في حقِّ ابنتي؟ الله وحدهُ يعلم أنني أتمنى لعينيها فرحًا، وإن كان فرحها لن يكون معي فأنا أدرك أن فوّاز لن يقصِّر ولن يُؤلمها.
زفَر ناظرًا إليها بعد أن جلَست على بعدٍ منه وهي تهمس بخفوتٍ متذبذب : تبي شوربة؟
ناصر بهدوء : أبيك تسولفين لي
جنان ببهوت : وش أسولف فيه ؟!
ناصر : أي شيء ، وحشتني سواليفك
صمتت وهي تُطرقُ بوجهها في انحناءِ زهرٍ ذبَل، وماتَ عبقهُ ورحيقه، تساقطَت بتلاتهُ بعد عُتمتها وجفَّ الساقُ في غمضةِ فَرح، بل غيبوبةِ فرح!
تنحنحت قليلًا وهي تجلس بجانبه، هو والدها أخيرًا، تدورُ في فلكهِ وإن أحزنها فليست هي من تستطيعُ تجاهله/إيلامه، هل نستطيعُ الإنحلالَ عن الشمس؟ مهما اشتكينا من حرارتها إلا أننا ندور حولها ونستمدُّ الطاقة والدفءَ منها، وهو كذلك، إن أحرقها مرةً واثنينَ تبقى تحتاجُ دفئهُ لتحيا.


يتبــع ..


كَيــدْ 16-09-15 10:43 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



شدّت شفتيها بتشنجٍ والهاتفُ يستقرُّ على أُذنها بعد أن كان رنينهُ يشغرُ غرفتها لعدّة دقائق، وحين جعلته " صامتًا " استفزّها بعدد المرّاتِ التي أنارَ فيها الإتّصال هاتفها.
تنفّست بتوترٍ وهي تهتفُ بضيقٍ وضعفٍ بعد أن ردّت : خلاص سارة ما صارت! ما عندي وقت أحضر حفلاتك أو أزورك!
سارة بعتاب : ليه طيب؟ هالحفلة عشانك أبي أتعرف عليك أكثر
غيداء بقهر : هو كل مرّة تسوين حفلة عشاني؟
سارة بخبث : افا بس ليه هالنبرة؟ والله أبي أكون صديقتك بس أنتِ تتجاهليني في المدرسة وكمان في الجوال!
كانت ستصرخ في وجهها بـ " ما أبغى " لكنّها ترددت للحظةٍ وصمتت، تشعر بالتوترِ الذي ينتهكُ خلوتها كثيرًا حين يذهب عقلها إليها، باتت مزعجة! لا تملُّ ولا تكلُّ عن تعكير يومها.
غيداء بنفور : ما عندي فرصة عشان أجيك
سارة : طيب حددي يوم؟
غيداء بترددٍ وهي لا تعلم ما الكذبةُ المناسبة : ما أدري
سارة : أوكي أجل دقي علي متى ما حددتي اليوم ، بليييز غيود حتى أهلي كلمتهم عنك وعن أهلك وهم مبسوطين إنك معي
غيداء بتوتر : طيب
ابتسمَت سارة ابتسامةً واسعة وهي تهتف بانتصار : يلا باي أشوفك على خير
أغلقَت لتزفرَ باضطرابٍ وهي تُغمض عينيها بقوةٍ وتشدُّ على مفرشِ السرير بيدها الأخرى، ما الذي تفعله بها؟ ملتصقةٌ بما تريد بشكلٍ مقزز، كلّما أرادت إخبار عناد ترددت وهي تتذكّر أنها أخبرته من قبل وأخبرها أنه سيتصرف . . لكنّها لم تبتعد عن مضايقتها حتى الآن!؟

في جهةٍ أخرى من ذاتِ البيت، عيناهُ تسافر للأعلى، تتبّعُ انحناءاتِ السّقف في تفكيرٍ عميق، هاهو يعود مرةً من بين ألف مرةٍ إلى ذاكَ اللغزِ الذي أصابَ رأسه بالصرعِ الحياتي حتى باتَ يشرد كثيرًا مفكرًا بِه.
حسنًا ليترك اللغز الثاني وليركِّز بالأول الذي سيسهل عليه حلّ الثاني من بعدِه، ست! رقم ستّة، أو ربما لها معنًى إنحليزي، وكلمة " set " ستتشعّبُ لأكثر من معنى ولا أظنّه سيلجأ لتعقيدٍ كهذا لا يُمكن حلّه، لازال في لغزهِ تعقيد، لكنّه سيكون أقل من ذلك، وربما أيضًا لا يكون لها علاقةٌ بالأرقامِ أو الإنجليزية من الأساس، فلغزه الثاني كُتبَ بالأرقام، فما الذي منعهُ من كتابةِ الأول بذاتِ النمط!! ..
لوَى فمهُ بتفكيرٍ والسقفُ يغيب عن مرأى عينيه لتصبح تلك الكلمة هي فقط ما يراه ، ست ، ست فقط! ... إن جئتُ لاستخداماتها في الحيـاة الطبيعية فـ " ست " لها معنى مختلفٌ عن الأرقام في العاميّة المصرية، امرأة! ما دخل المرأة!!
عقدَ حاجبيه بعنفٍ وهو يشعر بالصداعِ يعاودُ القدوم إليه مع تشعّبِ أفكاره، امرأة في اللهجة المصرية! هل لذلك علاقة! لا يظن!!
أغمضَ عينيه بقوةٍ وعقلهُ ينصَبُّ في ترجمةِ هذه الكلمة في اللهجاتِ المتعددةِ حوله، عضَّ شفتهُ بشدةٍ وهو يعصر دماغهُ لاستنباطِ معانٍ أخرى غيرِ " امرأة "، وفجأةً ارتخَت أسنانهُ على شفتِه وفتح عينيه بسرعةٍ وهو يجلس، اللهجة المصرية العامية! لحظة! لمَ لم يفكِّر بأن شخصًا مثل تميم مولعٌ بالآثار والتاريخِ كما أوصلته المعلوماتُ إليه قد يفكِّر بذلك!!
انتفضَ وهو ينهضُ من السرير ويتّجه لحاسبهِ حتى يتأكد من ظنونِه، تناوله من على طاولةِ مكتبهِ الوسطي في الغرفة ليعاود الجلوس على سريرهِ وفتحه، اتّجه لقوقل مباشرةً ليكتب ما سيؤكد الحل الذي طرأ في عقله، وتهدّلت عيناهُ وهو يقرأ الذي أكّد ظنونه، " ست "، في اللغة المصرية القديمة، اللغة الهيروغليفية ، كلمةٌ تعني ملك/عرْش!
فهل يعقل أن يكون هذا هو التفسير الصحيح!!


،


" أخيرًا قررت؟ "
وصلت تلك الجملة إلى مسامعهِ بعد تنهيدةٍ قصيرة، شتت عيناهُ هنا وهناك وصدرهُ يضطربُ بأنفاسٍ مُهلَكة، بينما الجفافُ يطول شفاههُ ليُخرج لسانهُ تلقائيًا ويرطِّبها بريقه.
فيصل بهدوء : وش هو قرارك؟
ماجد بخفوتٍ وهو يمسح على ملامحه بكفِّه المتحررة : وش يضمن لي صدقك؟
فيصل : قلتلك مافيه شيء يضمن لك كفاية! القرار راجع لك
شتتَ عينيه وهو يسترجي الله أن يصبَّ في قرارهِ خيرًا، أن لا يُضيع على نفسه حياةً أخرى ويرمي بذاتِه في الهاوية، يا الله أنت وحدك من تُدرك كم عانيت، وحدكَ صاحبي في الوعثاءِ والغربة، لمْ تخذلني! ... الله لا يخذل، الله دائمًا ما يضعنا في الطُرق التي إن تجاوزنا عثرتها بإيماننا دخلنا جنّةَ الدنيا والآخـرة ، أثقُ بكَ يا الله، فهبنِي من لدنك صبرًا وتحملًا على أشواقهم، على خذلانٍ جاءني من أحدهم، أحبّهم كلهم، فرُدّني إليك معهم ردًا جميًلا واجمعني بهم في جنّتك إن لم يُكتب لنا الجمعُ في دنياك.
أغمضَ عينيه بقوةٍ وهو يزدردُ ريقهُ ويهمس بضياع : أنا معــاك


،


عقدَ حاجبيه باستغرابٍ وهو يلوي فمهُ يستمع لكلماتِ أمّهِ الحادة، لتوّهِ عاد من عملهِ وعقاربُ الساعة تغازل الرابعةَ مساءً، وما إن دخلَ وألقى السلام حتى شعر بها تفتح هذا الموضوع الذي أُغلق منذ زمن!
شاهين بهدوء : الحين وش جاب سالفة الخدّامات؟ احنا مو مقفلين عليها من زمان؟
عُلا بإصرار : والحين بفتحها عندك شيء؟
زفَر وهو يمسح على وجهه، يشعر بإرهاقٍ يكتسحُ جسدهُ ولا يريد سوى الصعود إلى غرفتهِ والتمدد على السرير في تكييفٍ باردٍ وينام، أخفض يدهُ لتتّجه نظراته تلقائيًا إلى أسيل التي كانت تنظر إليهما بابتسامة، حينها قطّب جبينه وهو يلفظ بشك : لا يكون أنتِ قايلة لها تبين خدّامة؟
اتّسعت عينا أسيل بذهولٍ واختفت ابتسامتها وهي تهز رأسها بالنفي : لا والله ولا فكّرت
شاهين يوجّه نظراته إلى أمه من جديد، وبحاجبين يتمايلان إرهاقًا : أجل وش اللي حط هالفكرة في بالك من جديد واحنا مقفلين عليها من زمان؟
عُلا : ولا شيء بس أبي خدامة الحين
شاهين بتنهيدة : طيب اسمحي لي يا الغالية بحكي معك بالموضوع بعدين بس بطلع أرتاح لي شوي ، تعبان
انبسَطت ملامحها المشتدّةُ ونظراتها تتحوّر للقلقْ، قامَت من مكانها لتقترب منه في حينِ كان واقفًا منذ جاء قبل دقائق، وبنبرةٍ قلقة : وش فيك يا نظر عيني تعبان من أيش؟
شاهين يبتسم ببهوت : من شغل اليوم
علا بضيق : قايلة لك لا تروح توّك عريس بس وش اللي يخليك تسمع!
شاهين بابتسامة : خلاص انتهى العرس وعروسي جنبي مافيه داعي للجلسة طول الوقت في البيت
علا : الله يهديك اطلع بس ، اطلع ارتاح
قبّل رأسها بحبٌ ومن ثمّ اتّجه لأسيل التي وقفت وهي تنظر إليه، ابتسم لها برقةٍ ويدهُ تقرصُ خدّها بينما جسدهُ يغطيها عن والدته، وبخفوتٍ مبتسم : بطلع الحين أنام وأنتِ اجلسي وياها ، تمام؟
هزّت رأسها بالإيجاب وهي ترسم ابتسامةً ناعمةً على شفتيها، ابتعدَ عنها ليصعد وهو يُدلِّك رأسه، دخَل الجناح ليتّجه مباشرةً للحمـام بعد أن تناول أول بيحاما رآها أمام عينيه، لم يستغرق في الإغتسالِ سوى ثلث ساعةٍ ليخرج من بعدها وقد ارتدى البيجاما المُعتِمة، كان مُخفضًا لرأسه ويجفف شعرهُ حين شعر بحركةٍ في الغرفـة، رفعَ رأسه ليتقابل مع عينيها الناظرةِ إليهِ بوداعـةٍ مُهلكة، ابتسم رغمًا عنه والبسمة تجيء مراوغةً له وكأن وجهها مُدِرٌّ لانفراجِ الثغرِ في تعبيرٍ عن الجمـال، شتت عينيها عن عينيه اللتين تربكانها وتبعث في نفسها ذكرياتٍ كلَّ ما حاولت اسكانها في زاويـة قلبها استثارت نفسها في الوسطِ وأرسلت إشاراتها في كامل جسدها .. زفَرت بسخونةٍ قاتلة، لا يجوز له أن يشابه عيناه! هيَ في امتحانٍ قاسٍ يرميها على ذكرياتٍ جائرةٍ تجعل وجهها ينكبُّ في مسنقعٍ قذر! تكره كونها حقيرةً بدرجةٍ تجعل صورة متعب تأتيها في بعض اللحظاتِ الحميمية بينهما، لا يستحقُّ ما تفعله به! ماهذا الذنب الذي يخنقها؟ ويا قُبح معصيتها التي مهما قاومت الغرقَ فيها غطَست أكثر وآذت بها شاهين وإن لم يشعر.
كانت تدرك أنها لا تصلح للزواج، موشومةٌ برجلٍ آخر، باسمٍ آخر، قلبها اكتوى بأحرفهِ الأربعة التي شغر كلًا منها حجرةً في قلبها.
اقتربَ منها شاهين وهو يعقد حاجبيه دون أن يفقد ابتسامته وقد رمى المنشفة على السرير : ليه منتِ جالسة مع أمي؟
بللت شفتيها وهي تنظر لشفتيه وتتغاضى عن النظر لعينيه، وبغصّة : قالت لي أطلع عشان إذا ودك بشيء ، وأول ما تنام برجع أنزل لها
أمال رأسهُ قليلًا وشفتيه تلتويانِ دون رضى : يعني ما جيتِ بنفسك عشاني؟
توترَت وهي تُخفض رأسها، وبخفوت : مو عن كذا بس أنت قلت بتنام
كسَر الخطوة التي كانت بينهما ليطوّق وجهها وهو يبتسم، رفعَ ملامحها إليه لتتمركز نظراته على عينيها اللتين تشتتهما عن عينيه، وبحب : ما عليه بعتبر أمي ما قالت لك شيء ، طيب ناظري بعيوني؟
فغرت فمها قليلًا وهي توجّه نظراتها إلى عينيه، ارتفعَ صدرها باضطرابٍ تحاول قمع أي صورةٍ أو ذكرى قد تجيئها، بينما انحنى برأسه قليلًا ليُقبّل وجنتها برقة، حينها سطعَت صورة متعب بقوّةٍ في هذه اللحظةِ دون أن تكون صورةً عابرة/خاطفة، بل كانت صورةً تجعلها تحتقر نفسها بشدةٍ وهذهِ القبلة الرقيقة تتخيلها منه! . . أغمضَت عينيها بقوةٍ وهي تقاوم شهقةَ بكاءٍ كادت تخرح من صدرها قبل أن تولدَ دموعها حتى، يا الله أنا أؤذي هذا الرجل! أؤذيه بكل قسوةٍ وأنانيةٍ تتشعّب في روحي، لم أتمنى للحظةٍ نسيان متعب، لكنني الآن أرجوك أن تضعه في زاويةٍ لا أراها، لا أسمع بها، لا أشعر بتواجدهِ فيَّ، أنا أؤذيه وما أقسى هذا الشعور حين يكُون ضدَّ من هو كشاهين، رجلًا يستحقّ من هي أفضل مني
عضّت شفتها المُرتعشةَ وهي تشعر بهِ يبتعد عنها ويراقب وجهها، فتحت عينيها تنظر إليه وهي تشدّ على شفتيها حتى تُسكن رعشتهما وتخفي مافي جوفها، لكنّه كان قد التقط اختلاجاتِ ملامحها قبل أن تخفيها ببراعة، وهذه البراعة انصبّت في الإخفاءِ دون التوقيت.
عقدَ حاجبيه وقد لمحَ بريقًا من النفورِ نهضَ بقسوةٍ في عينيها ما إن فتحتهما، جفّ حلقهُ وملامحه تتجمّد، نظراتهُ انخفضَ بريقها فجأةً وهو بالرغم مما رآه في عينيها يَكفر بحدسه، وبصوتٍ جامد ونظرةٍ قاسيةٍ سكنَت في عينيه رغمًا عنه لتلك الفكرة : شفيك؟
أسيل بتوترٍ تشتت حدقتيها وقد التقطَت عيناها ملامح وجهه التي اكفهرّت وانقبض قلبها بخشيةٍ من احتمال أن يكون قرأ مافي عينيها، وبكذب " ترقع " ما كان منها : حاسة بإرهاق وراسي يعورني
قطّب جبينه وهو يتلمس جبينها بقلقٍ لتختفي ظنون الثواني السابقة : من أيش؟
أسيل بإرهاقٍ حقيقيٍ من نظراته، قلقه، ملامح وجهه، من كلّ ما يتعلق بهِ من نُبْل، لا تستحقه! لا تستحقه! وإيذاؤها لهُ يجيء دائمًا رغمًا عنها : ما أدري
أمسك بعضديها وهو يهتف بخفوتٍ واهتمام : طيب تمددي على السرير وبشوف لك شيء تاكلينه ، واضح ما أكلتي شيء صح؟
ماجَ العذابُ بموجهِ في صدرها، وتكلل الخريفُ في حنجرتها لتجفَّ الكلماتُ بذهبيةِ الأوراق وتتكسّر غصن النبرات، ابتلعت غصةً في صدرها لرقيّهِ بالنسبةِ لانحطاطها، وبصوتٍ متحشرجٍ تبثُّ منه سمومَ الموتِ على ثغرها : مو كأنك كنت التعبان وصرت بتهتم فيني؟
ابتسم شاهين رغمًا عنه وهو يهمس ونظراته تتابع انحناءاتِ عينيها : أنتِ أنا
أسيل بغصّة : محشوم مني
عقدَ حاجبيه استنكارًا وهو يميل برأسه قليلًا أمام حديثها الذي سكَن قاموس الغرابة، وبنبرةٍ مستنكرة : ليه تقولين هالكلام؟
أسيل بصدق : أنت ملاك محد يطولك
ضحك لإطرائها الغريب الذي دغدغ مشاعره : تظنين إني بحس بالفخر وأنتِ تقولين لي " ملاك " ، ما تشوفين إنك تهينيني؟
ابتسمت ببهوتٍ وهي تقتربُ منه وتلفُّ ذراعيها حولَ خصرهِ بامتنانٍ واعتذارٍ في ذاتِ اللحظة، تَوسّد رأسها صدرهُ وهي تحشر دموعَ الذنبِ في عينيها، لا غفران لمعصيتي، لا شيء يُداري سوءاتي، أن أرى فيكَ رجلًا آخر وأنت تقبلني، تعانقني، آه! يا ويلتي قدْ جئتُ شيئًا إمرًا! قد جئتُ شيئًا نُكرًا، لا غفران لمعصيتي سوى أن أنساه وأُحبك، وبالرغم من كونِك تمتلك كل مقوّمات الحُب إلا أنني لا أقوى . . أرجوكَ اغفر معصيتي، واغفر إساءتي لكَ ونُقصاني، فأنا ورقةٌ جففها الخريفُ ولن يفيد الشتاءُ ليُعيد إحياءها بقطراته، أنتَ الشتاءُ والمطرْ، ما أجملك! ما أعذب رائحتك، لكنني خسرتُ الحيـاة في فصلِ خريفٍ وانتهيتْ.
ابتسم باستغرابٍ وهو يستشعرُ السلبياتِ في صدرها دونَ أن يسمح لفكرةِ نفورها أن تجيئه فعلًا، قالت أنّها مُرهقة، وبالتأكيد هي مُرهقة! ما الداعي لجلبِ الشكوكِ لصدرهِ وتعكير صفوه؟ . . عانقها بهدوءٍ وهو يقبّل قمّة رأسها ويهمس بمودة : ما عاد ودي أنام ، والحين ننزل ونآكل لنا شيء مع إني أكلت بس إحساسي يقول ما تغديتي عشان كذا بآكل معك وأغصبك
مرّغت وجهها في صدرهِ لتخترقها رائحته وهي تهزُّ رأسها بالإيجاب، تستسلمُ لكلِّ ما يريد وستقوم بما تستطيع لإشغال عقلها عن أيِّ فكرةٍ سيئةٍ قد تُعكِّر حياته، ولو أُجبرت في النهاية على إرهاقِ ذاتها بعملٍ ما فستكون أكثر من مرحبة، لذا إن أصرّت والدةُ شاهين على الخادمة فستصبح أوّل المعارضين ... وجَب عليها الآن إرهاق جسدها وعقلها عن أي فكرةٍ قد تجلب - متعب .


،


عند الثامنة مساءً
عضّت طرفَ شفتها وهي تنظر للفوضى العارمةِ في المطبخ، كان قد اتّجه لغرفته يرتدي ملابس بيتيةً تناسب الوضع الذي سيكون فيه، بينما عيناها تتأملان الخضروات على الطاولةِ المستطيلةِ في المطبخ ومن حولها سكينتان، هل سيطبخ بالفعل؟! ابتسمت رغمًا عنها لتلك الفكرةِ وهي تتخيّل شكله! رجلٌ يقطِّع الخضروات ويطبخ! هل بالفعل سيفعلها!! . . بالرغم من كونها هي من عرضَت عليه أن يطبخ العشاء لكنّها وضعت نصب عينيها أنّه سينسحب عن ذلك أخيرًا، فهو كرجلٍ شرقيٍ بكبرياءٍ عالٍ لن يقوم بالأعمال التي وكّلت للفتيات! إن كنَّ الإناث بحدِّ ذاتهن ينتشر عدم خبرتهن في الطبخِ ويأبيْنَ ذلك في هذا العقدِ من الزمانِ فكيف به!! . . لازالت مستنكرة، لكنها لا تنكر حماسها لرؤيته يطبخ، لأول مرةٍ سترى رجلًا أمامها يطبخ!!
دخلَ وهو يكفكف كمَّ قميصهِ الأبيض، ليبتسم ويقفَ خلفها مباشرةً مُمسكًا كتفيها بلؤم : الحين بتطبخين أنتِ بعد مو بس أنا
انتفضت ما إن شعرت بكفّه الدافئة على كتفيها، واستدارت بسرعةٍ إليه وهي تتراجع وتعيد خصلات شعرها بأناملها إلى خلف أذنها، وبتوترٍ تُخفي تخبّطها : أنا؟
سلطان يتجاهل توترها وانتفاضتها تلك وهو يرفعُ حاجبيه : جهّزت سكينتين، وحدة لي ووحدة لك
غزل تكشّر : لي أنا؟ تبيني أقطّع!!!
سلطان يخفض حاجبًا ويترك الآخر مرفوعًا : أجل أنا أقطّع بروحي؟
غزل برفض : بس أنا ما أعرف
سلطان : طيب بعلّمك مع أنه المفروض تتعلمين بروحك .. النت نعمة والله
لوَت غزل فمها بامتعاضٍ وهي تلفظ : وإذا انقطع اصبعي؟
سلطان : منتِ أول بنت ولا الأخيرة
عقدَت حاجبيها وهي تلملم شفتيها بغيظ : يا سلام!
سلطان يُخفي ضحكته : امشي قدامي بس بساعدك لا تحاتين ، أعوذ بالله حتى التقطيع ما تعرفين!
مطّت فمها وهي تستدير عنهُ وتسحب إحدى الكراسي وتجلس، ليتبعها بابتسامةٍ ويسحب كرسيًا آخر ملصقًا لهُ بجانبها حتى يستطيع أن يكون قريبًا منها ويُعلّمها بسهولة . . رائحةُ عطرهِ تُغطي المطبخَ البارد، يُصيب خلاياها بشللٍ نصفيٍ ويجلب كلّ أنواع الإضطراباتِ إليها، يحصر تنفسها فيهِ فقط.
ابتسمَ بتسليةٍ وهو يمدُّ يدهُ للسكينِ الأول ويُمسك يدها بكامل أريحيتهِ ليضعَ السكينَ في باطنها، وبابتسامةٍ عابثة : يلا الحين أبيك تقطّعين وتجرحين اصبعك بعد عشان تكونين بنت فعلًا
نظرَت إليه بضياعٍ لملمس كفّهِ التي ألهبت بشرتها وصادمَت خلاياها لتبعث بلظى أحرقتها، حاولت تكوين صوتها المُشتت في حنجرتها، لملمتهِ في نبرةٍ مبحوحةٍ خافتـة وهي تهمس بوداعةٍ جعلته يعقد حاجبيه : طيب
أفردَ حاجبيه وهو يسحبُ يدهُ عن كفها التي قبضَت على السكين وهو الذي ليس بهِ من الغباء ما يجعلها لا يُدرك سبب تخبّطها ، هاهي مرةً أخرى تضطرب كلحظةِ إمساكه بكتفيها، ما الذي قد يُفسر ذلك؟ يُجزم جيدًا أنّها تفتقر للكثير من الحنانِ واللطف في التعامل، فهل يندرج ذلك أسفل افتقارها ذاك؟ أم عليهِ الخوف من أمرٍ آخر! ... هزّ رأسه بالنفي وهو ينفض تلك الفكرة، آخرُ ماقد يحدث لها هو أن تتعلق به! بالتأكيد سبب انتفاضها هو كونها لم تعتد أن تُلامس بشرةَ رجل، لذا من الطبيعي أن ترتبك. بلل شفتيه وهو يغرس تلك الفكرة برأسه، وكم يخشى بالفعل أن يحدث مايخشاه، علاقته بها يجب ألا تتجاوز الحدَّ المسموحَ به، هو من المستحيل أن يجعلها زوجته فعلًا، لذا يجب عليه أن ينتبه لعفويته معها جيدًا ويحدَّ من تصرفاته قليلًا.
تنحنحَ وهو يمدُّ يدهُ للسكين الآخرِ ويلتقطُ الجزر، وبهدوءٍ دون النظر إليها : تحبين المكرونة بالخضار؟
غزل بخفوت دون أن توجِّه نظراتها إليه : أيه
سلطان بنبرةٍ مرحة : زين لأني ما أعرف مكرونة غيرها ويخب علي بعد
ابتسمت ابتسامةً مهزوزة وهي تلفظ بهدوءٍ بينما يدها تفرّغ الضغط الذي في جسدها بالضغط على الطاولةِ عن طريقِ السكين : بس وش بتحط فيها بالضبط؟ شايفة بزالية
سلطان يوجّه نظراتهُ لمعلّب " البازلاء " لتحيدَ نظراته إليها تلقائيًا ويسألها بشك : لا يكون ما تعجبك؟
غزل تبتسم بتوترٍ وهي تنظر للطاولةِ الخشبية الموشومة بخطٍ رفيعٍ تحت وطأةِ السكين : أيه ما أحبها
سلطان ولم ينتبه لما فعلته، هتف بإحباط : ليييه عاد أنا أحبها!
غزل بخفوت : خلاص حطّها إذا تبي
سقطَت نظراتهُ على يدها التي حرّكت السكين قليلًا لتوشم خطًا آخر بجانب الأول، حينها توسّعت عيناه وهو يقرأ حجم التوترِ الذي يواجهها الآن، عروقها تظهرُ في ظاهرِ كفّها للضغطِ الذي تقومُ بهِ وتفرّغ بهِ اضطرابها .. ارتفعَت نظراته تلقائيًا لملامحها الساكنة والمتناقضةِ مع تشنّج كفها، لنظراتها الشاردةِ في الخطِّ الثاني الذي رسمته وحرّكت السكين مرةً أخرى لتصنع ثالثًا، تجعّد ما بين حاجبيه لانعقادٍ تمايلَ فوقَ عينيه، هذهِ السمراءُ أمامهُ يُجزم أنّ براكينَ تفورُ في داخلها، أن الدمَ ليس دمًا بحجم ماهو حممٌ يتصاعدُ بها ضغطٌ إن تفجّر لآذى كلّ من حولها، ما الذي يسكنُ فيك؟ أربعةٌ وعشرون من عمركِ ليست قليلة! قذاعةُ عاداتِك ولسانك ليسا قليلين، جهلكِ بدينك هو أكبر من كلِّ ما سبقَ والضغطُ الذي في داخلكِ أجزم أنّه تراكمات سنِّك الذي ينحني كوردةٍ ذابلة، كزجاجٍ شُرخ وينتظر الصفعة التالية حتى يتحطّم، كغزالٍ سقطَ جريحًا في براري اغتصبها الإنسان دون أن تُنقذها " محميات الصيد "!
مدَّ يدهُ في حينِ ابيضّت مفاصلها من شدّةِ ضغطها على السكين في الوشمِ الثالث، غفلَت عن صوتِه وردّه ونسيَت أنّها كانت آخر من ألقى جملةً بينهما . . أمسكَ بكفِّها المُمسكةِ بالسكين لينتشله منها ويجذب يدها إليه حتى يدفعها للنظر إليه قسرًا، بينما سرَت في جسدها رعشةٌ واهنةٌ لحركتهِ الفجائية في صومعةِ شرودها، والتقت عيناها بشفتيه اللتين انفرجتا بهدوءٍ ظاهري . . .

.

.

.

انــتــهــى

وموعدنا القادم يوم الأحد بإذن الله ()
يارب تكونون قريتوا هالجزء كويّس ، تراه من أهم الأجزاء في الرواية ، + إجازة سعيدة والله يتقبل طاعتكم جميعًا :$$*



ودمتم بخير / كَيــدْ !


نَوح الهجير 17-09-15 06:50 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
كـيد , صباح الخير , و تحية طيبة مفادها أرجو أن تكوني بخير .
بدأت في قراءة حروفك للمرة الاولى لأجدني أعتكف عليها , جزء فجزء الى أن وصلت القافلة و ركبت معها !
قله هي الرويات التي تلمس قلبي وتخالجه بمشاعر كثيرة في زمن كثر فيه سُخف الحديث , وبجدارة كانت روايتك تفوز بكونها تلامس أعماق اعماقي ولا تكفتي , تصفين الالم فأجدني اتألم , فرح فيرسم على وجهي أبتسامة تمتد حتى بعد ما أغلق المُتصفح نفسه , بعض الاحاديث التي تصفينها تجعلني أشهق بـ ياا الله تعبيراً عن عجزي عن وصفي لجمال ما تكتبيه , تبارك الله , لا تعليق على الأحداث و الشخصيات فأنا فقيرة توقعات ولا أجيد تركيبها ولستُ و الله شحيحة , و الصمت يا عزيزتي في حرم الجمال جمالُ .
أرجو بعمق الكلمات و التشبيهات التي تكتبينها و تأخذنا الى عالم أخر أن تكوني بخير و تكملي هذا الجمال مثل ما بدأتيه , ودعوتي بداية هذا الصباح أن يهبّ الله لقلبك السعادة مثل ما هي كلماتك تسعدنا .

:342:

أبها 17-09-15 01:30 PM

السلام عليكم أختي كيد
في البداية أحب أن أشكر لكِ احترامكِ للقارئ
بانتظامك والتزامكِ في تنزيل الأجزاء ،
الأمر الذي بتنا نفتقده بشده في روايات النت ..

الأخت نوح الهجير ..شكرا فقد عبّرتِ عن مشاعري حقا 🌷

نأتي للجزء ،..حاولت أن أكون ذكية وأربط وأحلل في الأحداث
لكن اعترف فاشلة بالدرجة الأولى فلم أفلح في ذلك .😓
ابراهيم ..لم هو حاقد على سلطان ويريد اتعاسه ؟؟
(عصرت مخي ما عرفت ).احتاج ان اقرأ الأجزاء من البداية !
أحمد خبيث من الدرجة الأولى .
ناصر ،. ماهو السر الذي يخبّأه عن جنان هل هناك
شئ آخر أكثر مما قاله هيثم لجنان ؟ حيرتينا يا كيد .
ماجد ..اتضح الآن فعلا أنه متعب بعد أن عبّر عن
شوقه لعائلته ولحبيبته التي من المؤكد أنها أسيل ..
ومن الذي خذله وأوقعه في تلك الدوامة ؟! هل هو أدهم ؟
غيداء ،.. أرجو أن ينتبه لها عناد قبل أن تقع في شِراك
الأفعى ساره ( شوهت اسم بنتي الله يحفظها ) 😢
سلطان وغزل .. الثنائي المحيّر . سلطان بلطفه وتماسكه أمام
وعده .. رغم صعوبة ذلك على أي رجل طبيعي
وغزل بتحسن تصرفاتها وميولها الطبيعية نحو سلطان
هل يصمدان ؟
( كنت قد طرحت استفسارا لم أجد له جوابا ..هل تعرضت غزل لغدر
من أحدهم أفقدها على إثرها عذريتها ؟ ام حصل ذلك طوعا منها
بمعنى أنها كانت فتاة عابثة ؟؟؟ )
أسيل .. أرأف بحالها ، المرأة بطبيعتها وفية لزوجها ويصعب عليها
أن تنسى بعكس الرجل ( على قولة الوالدة موت الزوجة عند الزوج
مثل ضربة الكوع تعور وبسرعه ينساها ) ..
أسيل ..الحي أبقى من الميت ..استمتعي بحياتك
وبزوجك الحبيب اللطيف قبل أن تفقديه هو الآخر .
سليمان ..مفقود من كذا جزء ..خير اللهم اجعله خير .

ملاحظة ..الغالية كيداستخدمتِ في سردك الرائع عبارات مشابهه
للفظ القرآن ( لقد جئتُ شيئا إمرا ، لقد جئتُ شيئا نكرا ) وفي القرآن جاءت بتاء المخاطبة ..وفي النفس منها شئ .
رغم ان حكم استخدام العبارات القرآنية مختلف فيها
إلا أن الأولى تركها تحرزا من الوقوع في المكروه .

عذرا أكثرت الحديث .
شكرا من القلب يا مبدعة .🍃🌸🍃

كَيــدْ 20-09-15 02:39 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 

-
-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مساء الخير والسعادة على أرواحكم الجميلة يا حلوين :$
بحاول أنزل البارت قبل المغرب عشاني بطلع وبرجع متأخر شوي، إذا جاء المغرب وما نزل فاسمحولي بينزل بعد منتصف الليل :(
باقي تكّه ويكتمل وبعدين براجعه، بس شاكه إني بقدر قبل المغرب.

+ التعليقات على آخر بارت لي رجعة لها بعد تنزيل جزء اليوم ..

ربي يسعد أرواحكم الحلوة ()

أبها 20-09-15 05:52 PM

بحفظ الله ورعايته ...

بانتظارك ..

كَيــدْ 20-09-15 10:41 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافيـة



بسم الله نبدأ ،
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !


لا تلهيكم عن العبادات في هذهِ الأيام العشر


(53)




قدماها العاريتان تلامسان أرضيَة المطبخ الباردة، تتسلل برودتها إلى أن تصِل دماغها ويتجمّد التفكير في عقلها، ... تجمّد دمها وكل السوائلِ في جسدها، تضاعفَ الضغطُ داخلها ولم تشعر بنفسها وهي تمارسُ هذا الضغط على الطاولةِ ذاتَ اللونِ الخشبي، تُحاولُ إذابةَ روحها التي تتحجّرُ بأفكارٍ قارسةٍ ترميها ذاتَ اليمين وذات الشمال، تحاولُ لملمةَ هذا الضياعِ وصوتُها في حنجرتها الصقيعية، كم من الحواجزِ حولها والاختلافاتِ المُناخية حتى يعيش جسدها في تناقضٍ مع الطقسِ من حولها؟ حتى تتساقطَ الثلوجُ في صدرها والطقسُ في أساسهِ حار! لم تستطع الشمس أن تتسللَ بخيوطها إليها، لم تستطع تدفئةَ هذا الوجعِ الذي تكثّف في صورةِ غيمٍ لم يتساقطْ كمطرٍ ليجفَّ بعد ذلك وتتماثل مع أجواءِ الرياض . . الغيومُ لازالت تتكثّف في صدرها، لازالت الرياح تهبُّ بين أعضائها وتُصدر صريرًا يدلُّ على عمق الوحدةِ التي تقتلعها.
زفَرت بقوةٍ والزفيرُ لا يفيد لإخراجِ ذرّات الضيق الذي يخنقها، تحرّكت كفّها قليلًا بعد أن رسمَت الخطَّ الثاني والذي كان أثخَن من سابِقه، ثبّتت السكين وهي تنوي رسمَ الوشم الثالث بقوّةٍ أشد، حينها شعرت بيدهِ التي أمسكَت يدها ورفعتها لينتشلَ السكين منها، ومن ثمّ اجتذب كفّها إليهِ قليلًا لتُدير رأسها نحوه رغمًا عنها وعيناها تبهتانِ أمام شفتيه اللتين انفرجتا بهدوءٍ أبعد ما يكُون عن هذا اللفظ : بس! .. ترى الطاولة ماهي ملك لنا في النهاية
فغَرت شفتيها ونظراتها الفاترة ترتفعُ عن فمهِ إلى عينيه اللتين تُنفرانها من التحديقِ به، وكأنّهما قطبان مختلفان لا ينجذبان، عيناه تدفعها لتشتيت حدقتيها عنه، الضعفُ الذي يقتلعها من جذورِ الهدوء يجيئها بشكلٍ مكثّفٍ حين تحلّق أحداقها نحو عينيْه.
حاولت جذب يدها من بين كفيه لتسترخي يدهُ بملء إرادته ويترك لها ما تريد، سحبت يدها المرتعشة بسرعةٍ لتفركها بالآخرى وكأن تياراتٍ مـا تُصيبها، وبصوتٍ بحَّ بتوترها : م ما حسيت بعمري
سلطان بنبرةٍ هادئةٍ دافئة وعيناه تمعنان النظر في ملامحها المُضطربة : وش اللي كنتِ تفكرين فيه؟
أخفضت رأسها للأسفلِ وشفتيها ترتعشان بوهن، جسدها يُصيبه الفتور وملامحها تتشنّجُ بمدى الضياعِ الذي يُصيبها ، بنبرةٍ يسكنها التيهُ أجابت : كالعادة ، مافيه شيء محدد .. حتى أفكاري ضايعة
تقطّبَ جبينه وارتسمت بين حاجبيه تجعيدةٌ تثبت تأثّره بها، شدّ على قبضتيه يمنع يداه من رفعِ رأسها إليه قسرًا لتنظر له، وبصوتٍ آمرٍ بلطفٍ لفظ : طيب ارفعي راسك وناظريني
شدّت يدها على قماشِ بنطالها البُنيِّ ولم تمتلك الجرأة لرفعِ رأسها والنظر إليه، أعاد أمرهُ ذاك بنبرةٍ أشدَّ حزمًا وهو يدقق النظر في وجهها المُنحني : غزل ارفعي راسك وناظريني ، ماراح آكلك
غزل تعضُّ باطنَ خدّها وحدقتيها تهزان، رفعَت رأسها أخيرًا ببطءٍ وهي تشتت حدقتيها لا تريد النظر إليه، هي مع كلِّ الضعفِ فيها تضعف أكثر بمرآه، لذا لن تنظر إليه، لن تنظر إليه!! . . زفَر بهدوءٍ وهو يترك لها ما تُريد في النهاية، بإمكانه جعلها تنظر إليه بالقوة لكنّه ابتلع قدرته وهو يهتف بهدوء : متضايقة؟
هزّت رأسها بالنفيِ كذبًا وهي التي لا تُريد إظهار المزيد من الضعف أمامه، جعّد ملامحه وضوّق عيناهُ وهو يرى مقدار التواري عن الحقيقةِ في انحناءِ رأسها الذي يجيب دونًا عن هزّها لهُ بـ " نعم " ... هتف بصوتٍ حازم مُكررًا : متضايقة؟
غزل تزدردُ ريقها وهي تْهز رأسها مرةً أخرى وتلفظ بصوتٍ خافتٍ واهن : لا
سلطان بحدة : خّلي عنك الكذب، قولي متضايقة وريحي عمرك!
غزل وعيناها تنظران إلى فخذيهِ دونَ أن تنظر لملامحه، بللت شفتيها وهي تدفعُ صوتها النائم في حنجرتها للنهوضِ بقوّة، هتفت بنبرةٍ وهِنَ فيهَا الضعف وخرجت محملةً ببعضِ القوة : ماني متضايقة
مدَّ يدهُ هذه المرة ليُمسك بذقنها ويرفعَ وجهها الذي اندفعَ إليهِ البهوت بصورةٍ أشد وهي توسّع عيناها بذهولٍ من حركته الفجائية، التقت عيناها بعينيه الحادتين أخيرًا لتندفعَ من بين شفتيها شهقةٌ خافتةٌ وصلت إلى أذنيهِ متحشرجةً بعذابٍ لتسقط من بعدِ تلك الشقةِ دمعتانِ شاردتانِ من عينيها، تبعتها دموعٌ أخرى ينتثرُ معها مرارةٌ في صدرها، في نظراتها الوحيدةِ في زاويةٍ معزولةٍ عن العالـمِ أجمع، وصوتها المنحورُ بحدِّ الضيـاعِ لفظَ باستسلامٍ إليه : أيـه ، متضايقة، متضايقة كثييييير وهالضيقة تقتلني
ارتخَت قبضته قليلًا على ذقنها بعد إجابتها تلك حتى قبل أن يُكرر سؤاله، عقَد حاجبيه وهو يميل برأسه جانبًا ويزفر، يقتنصُ من صوتها ودموعها وهنًا وضعفًا لا يحمِل مثقال ذرةٍ من قوّة، لا يستطيعُ صبرًا على كل لكمةٍ تأتيها من الحيـاة . . زمّ شفتيه قليلًا ليهمسَ بلطفٍ وصوتهُ احتوى جزءً من ترددها : من أيش؟
غزل بضيق : كالعادة ، من كل شيء حولي!
سلطان برقة : حتى أنا؟
غزل بصدق : أنت أكثر شيء مسبب لي ضيقة من كل الأشياء اللي تضايقني
تأكّد الآن من ظنونه، سبب ضيقتها منهُ هو ذاته سبب ارتعاشِ يدها حين يمسك بها، سبب انتفاضِ جسدها حين أمسك كتفيها، سبب توترها حين يقترب منها! هل قربه باتَ خطيرًا منها بهذا الشكل؟ هل هذهِ أول بوادرِ تعلقها به؟ يا الله ما الذي يفعله؟ هي لا تحبه! يُدرك ذلك وهو كأي رجلٍ سيستطيعُ قراءة الحُب في عيني أي أنثى، هي لم تحبه بعد، لكنّ كل شيءٍ بات يثبت إنّها تتأثر باقترابهِ منها وهذا يعني أن الأسوأ سيجيء . . أغمضَ عينيه بقوةٍ وهو يلملم البعثرةَ التي أصابَت روحه، رغمًا عنهُ شعر بالذنب، شعر بالكرهِ لذاته، هل سيطولها أذيته؟ هل سيؤذيها كما آذى غيرها؟ .. عادَت إليه تلكَ الأفكار، عاد إليه شعورهُ بالحزن المُطلق لكونه السبب الأول لحزن من حوله ولكونِه يؤذيهم، عادَ إليه شعوره العميقُ للكرهِ نحو نفسهِ وكلُّ المنى أن يُصبح في هذه اللحظةِ معزولًا عن العالـمِ بأسرِه، هو لا يتعمّد أذيّة أحد، لا يتعمّد جرحَ أحد، لم يحمل يومًا هذا الشرَّ في صدره فلمَ يؤذيهم؟ لمَ يؤذي من يُحب ومن هم حوله؟ . . فتَح عينيه الغائمتين بالضيـاع وهو يُنزل يدهُ التي تُمسك بذقنها، بلل شفاههُ الجافة والجفافُ يطول حنجرته التي تتبعثر فيها الأحرفُ وتلتهب، تخرجُ تائهةً كما خرجَت الآن في نبرةٍ خافتة : في وش ضايقتك؟
غزل وعيناها تقرآنِ في ملامحه تغيرًا ما، ارتعشَت رغمًا عنها وهي تهمس بخشيَةٍ وبعض الندم أصابها لصراحتها المُفرطةِ معه : ما أدري
سلطان : طيب بأي لحظات بالضبط تحسين إنك متضايقة مني؟
غزل بتوتر : ما أدري .. * أردفت باندفاعٍ خائف * أنت معصب؟
ابتسمَ رغمًا عنهُ لنبرتها الخائفةِ والطفولية، مسكينةٌ يا غزل! تلاقى قدركِ مع قدرِ الشخص السلبيِّ في حياة كلِّ من عرِف، مع الشخص الذي يؤذي من حولهِ دونَ قصد، ولا عُذرَ يكفي ليُلقيه لهم. هتف بابتسامةٍ باهتة : لا ماني معصب ، السؤال لك، أنتِ معصبة لأني مضايقك؟
عقَدت حاجبيها قليلًا بحيرة، تبحث عن جوابٍ يتوافقُ مع إقرارها لهُ بضيقها منه، لكنَّ كل شيءٍ يتناقض! كل مافي صدرها يتصادمُ بتناقضٍ لا تفهمه، لذا خرجَ جوابها بشكلٍ لم تستطع الكذب فيه : صراحة ماني معصبة
سلطان : طيب تبيني أبعِد عنك عشان ما عاد أضايقك؟
غزل بحاجبين معقودينِ التهبت في صدرها المشاعر، وتشتت في عقلها الأفكار وتصادمت الكلماتُ في فمِها، تناقضٌ آخرُ زارها، لا تعرف ما الإجاباتُ المقنعة! لا تعرف شيئًا يُنصف ردّها الأول، سؤالٌ ثالثٌ بعد ثانٍ ناقضَ في إجابته كل شيء، سؤالٌ ثالثٌ جاء جوابه متناقضٌ كما قبله، وصوتُها الفاترُ يجيء في هذهِ اللحظةِ محملًا بصدقٍ ومشاعرَ متضاربة : بالعكس، ما ينفع تبعد عني
سلطان وقلبهُ ينقبضُ بشدة، لقد وقعَ في المحضور، بدأت أذيّتهُ تُلامسها، كانت ظنونه بعكس ما تمنّى، أفرجَ عن شفتيه ليلفظَ بصوتٍ يعزفُ بحزنٍ وألمٍ على نايٍ مُحطّم : ليه ما تبيني أبعد؟
غزل بحيرة : قلت بتعلمني أصلي وبتساعدني عشان أحب الصلاة، وقلت كمان إنّي لو سويت اللي أنت تبيه بتسعدني ولو ليوم واحد ... وللحين ما سويت كل هالشيء فشلون تبي تسويه وأنت بعيد؟
ارتفعَ حاجباه بصدمةٍ من تفكيرها وفغر فمه، لكنه لم يلبث أن ابتسمَ وهو يخفضُ رأسهُ قليلًا يُخفي الحُزن في ابتسامته، أينَ هيَ عن قلقه؟ عن أفكارهِ التي تقتله؟ أين هي عن كل موجةٍ تهزُّ قاربهُ فوقَ بحرِ الثبات وتلفظهُ على شاطئٍ أسودَ من الأفكـار، يخافُ عليها منه! من بؤسه الذي قد يصيبها، متى ستمرُّ بقيّةُ هذه السنة يا الله؟ بل كيفَ ستمرْ؟ . . رفعَ رأسه وابتسامته تتلاشى خلفَ جمودِ ملامحه ظاهريًا، ارتفعَت كفه ليحكَّ عنقهُ أسفل أذنهِ اليُمنى وهو يتنهد بضيق، وبنبرةٍ جامدة : غزل ، عمرك راح تفكيرين إن هالزواج ممكن يتغير ويصير طول العُمر؟
عقدَت حاجبيها دون استيعابٍ في بادئ الأمـر، لكنّها سرعان ما انتشرَ في جسدها سائلٌ باردٌ لتنتفضَ وعيناها تتسعان بذعرٍ طالَ صوتها : مستحييييل
سلطان بهدوءٍ وهو ينظر لتقاسيم ملامحها بعد تلك الإجابـة التي بالرغم من كونهِ أرآدها إلا أن الذعر فيها جعله يستنكر : متأكدة؟
غزل بتوترٍ وارتعاشٍ وأنفاسها تضطرب من تلك الفكرة، هل يُفكّر بجعل زواجهما دائمًا؟ هل يفكر بتلك الفكرة المجنونة؟ محـال، محــالٌ أن يحدث ذلك . . لم تعلم أنّها شحُبت فجأةً دون سابقِ إنذارٍ والرعبُ شلَّ أوصالها، كلماتها انطلقت من بين شفتيها مرتعشةً بشكلٍ كبير : أنت ، أنت وعدت .. وعدت إن زواجنـا يكون ...
قاطعها سلطان باستنكارٍ وهو يعقد حاجبيه : غزل شفيك؟ ليه خفتِ كذا بسبب سؤالي؟ لا تحاتين أنا عند كلمتي بس الخوف منك!
عضّت شفتها السُفلى باضطرابٍ وهي ترفعُ يدها المرتعشة وتمسحُ جبينها : كيف مني؟
سلطان ينظر لعينيها باستغرابٍ لكل ذلك الإنفعال، ألهذهِ الدرجة تنفر من هذه العلاقة؟ هل يرتاح الآن؟ لكن لمَ يشعر أن هناك أمرًا آخر لهذا الإنفعال؟ . . نفضَ تلك الأفكار وهو يتقدّم بجسدهِ للأمامِ قليلًا بعد أن أدارَ رأسهُ عنها وأسند مرفقيهِ على الطاولة : ما أبي عقلك يفكر بطريقة ثانية عن طبيعة حياتنا، أنا وأنتِ محنا لبعض! * أدار رأسهُ إليها ليُردف بهدوء * أنتِ مؤمنة بهالشيء؟
غزل بتوترٍ من حديثه : أيه ، أنا أصلًا منتظرة متى ينتهي هالزواج
زفَر براحةٍ وهو يمسحُ على ملامحه، شعر بالثقلِ الذي في صدرهِ ينزاحُ عنه قليلًا، لكن لازال يجبُ عليه أن يبتعد قليلًا، يبتعد بدرجةٍ تسمحُ لهُ بالتواصلِ معها دون أن يؤثر بها في شيء، فهو كما كان خطيرًا على غيرها سيكون خطيرًا عليها.
ابتسمَ قليلًا وهو يُعيد أنظارهُ إليها، مدَّ يده نحو الطاولةِ ليُمسك بسكينها ويُزيحها بعيدًا وهو يلفظ بهدوءٍ كي يُبعدها عنه : للحين متضايقة؟
غزل صمتت قليلًا، لا تملك إجابةً واضحة لسؤاله في هذه اللحظة، عقدَت حاجبيها قليلًا وهي تُشتت حدقتيها، لكنّها أعادت عينيها إليه لتلفظ بتوتر : مو كثير
سلطان : طيب اطلعي واجلسي بروحك لين ما أكمل بروحي
غزل بابتسامةٍ واهنة : مو قلت بتعلمني؟
سلطان : بوقت ثاني ، روحي
غزل : بس أنا أبي اليوم ، ودي أغيّر جو مليت من الجلسة قدام التلفزيون
سلطان بإصرار : أنا قلت بيوم ثاني ، اطلعي
عقدت حاجبيها باستغرابٍ لصوتهِ الذي احتدَّ فجأة، ارتبكَت وهي تنهضُ باضطرابٍ وتهزُّ رأسها بالقليلِ من الخوف، تحرّكت دونَ صوتٍ وهي تقبضُ على كفّها لتُسكن رعشتها، بينما زفَر هو بعمقٍ وهو يضعُ رأسه على الطاولة ، ما الطريقة المناسبة للتعامل معها؟ ما الطريقة المناسبة؟


،


وضعَت صحن الشوربَة جانبًا على الكومدينة وكفّها تستقرُّ على بطنها للغثيانِ الذي أصابها، تمالكت نفسها لدقائق حتى غادرها الغثيانُ رويدًا رويدًا، ومن ثمّ زفرَت وهي تتقوّس على نفسها وتتنفّس بعمقٍ وإرهاق، تشعر ببرودةٍ في كامل جسدها بالرغم من كونها قد أغلقت التكييف، اللحافُ يغطي ساقيها لكنّ قدميها ترتعشان ببرودةٍ داخليـة تشعر أنها صقيعية.
رفعَت اللحاف تنوي التمدد وتغطيةَ جسدها بالكامل، لكنّ دخول سيف في تلك اللحظةِ جعلها تُديرُ رأسها تلقائيًا إليه بعد صوتِ فتحِ الباب، قطّبت جبينها بانزعاجٍ وهي تصدُّ عنه وتتمدد، واجهتهُ بظهرها ورفعَت اللحافَ إلى كتفيها وهي تغمض عينيها بنفورٍ تلقائيٍ تجاه النظرِ إليه، وكأنها ترى أمامها شيطانًا امتلأ بالعيوب لكنَّ حبها الأعمى لم يجعلها ترى تلك العيوب ووقعت مقيّدةً بِه، أولَيس الحُب أعمى؟ وهذا العمى أصابها في مقتل، أحلَّ دماءها في سبيلِ عينيه . . فعلتها بي؟ ارتحت؟ ارتحت يا - حُبًا - يقتل الإنسان حيًا ويتركهُ يعبر حياته دونَ روح/قلب/أعيُنًا يُبصر بها، سامحكَ الله وسامحَ تخاذلك، سامحك الله على رفضِ كل علاجٍ للعمى الذي يسكنك، كل العمَى يُتجاوَز، كل العمَى يستطيعُ الإنسان أن يعيشَ متأقلمًا معه، عدا عمى الحُب الذي يهبطُ بنا في كل مرةٍ لمنحدرٍ أشد انحدارًا، في حفرةٍ تُعانقها النيرانُ من كل جهةٍ وزاويـة، أهلكتنِي! أهلكتني يا - حُبُّه -.
أغمضَت عينيها الجامدتين رغم رخويتهما، رغم التكوين الهلامي الذي يُكوّنها، انسلخَتُ من كل تكويناتي التي ناقضَت أصلِي، خلقنا اللهُ بشر، أجسادنا مُتماسكة، لكنّك جعلت مني مخلوقًا هلاميًا على مرِّ ثلاثِ سنين، والآن بالرغم من هلاميتي لم أهتزْ.
وقفَ أمامَ المرآةِ ليسندَ كفيه على سطحِ التسريحة، قلبهُ ينحصرُ بين قبضةِ تجاهلها له، خلفَ نظراتها التي يكره، الأمرُ لا يسيرُ وفقَ ما تريد، يكره هذا التّجاهل وهذا الصمت والبرودَ في عينيها، يكره هذا التقوقعَ الذي يُصيبها عنه ولا ينفكُّ إلا حين حاجتها إليه والمتعلقة بجنينها. شدَّ على قبضتيه وهو يوجّه نظراته إليها عبر المرآة، فتحَ فمه بنبرةٍ باردةٍ يُريد بها استفزازها وإشعال النيرانِ في صدرها حتى يذوب هذا الجليد حولها : اليوم كلمت أبو بثينة في الموضوع
فتحت عينيها بصدمةٍ واتّسع بؤبؤيها دونَ استيعاب، شعرت بصدرها يؤلمها وشفاهها تهتزْ، قلبها نزَف، جسدها اقشعرَّ وأنفاسها انحصرت في الغرفةِ فقط لتتحجّر أخيرًا أمام أنفها وفمها دون أن تستطيع جذبها إلى رئتيها، يقولها؟ بكل بساطةٍ وبكل برودةٍ يُخبرني بهذا؟ بهذهِ الخيبةِ التي ستزرعُ نفسها في صدري كل ساعةٍ وليلةٍ لأبكي داخليًا تحت وطأتها . . يا قسوتك! ماهذا القلب الذي تمتلكه؟ ماهذهِ الروحِ التي كُوِّنَت بك؟ لستَ بشرًا، لست بشرًا فالبشرُ وإن ملأت قسوتهم عنَان السماء كانوا ليسمعوا أنيني كالحيتانِ في بطنِ البحر، ما أنتَ يا سيف؟ حرامٌ واللهِ عليكَ هذا الحُزن الذي تخلفهُ في حنجرتي، تساقطَت أناملي فوقَ وجنتاي، كم مرةً مسحتُ دمعةً تجاوزَت أجفاني؟ كم مرةً مسحتُ حرارةَ هذا الوجعِ دون أن يُغادرني، استقرّ فيَّ! استقر فيَّ واقتلعَ أناملي أنملةً أنملة.
رفعَت كفّها اليُسرى لتضعها على قلبها الذي يُعصر بها، ستأخذهُ مني، ستأخذهُ مني يا الله وأنا التي أجزمت بأنني سأتجاهل، سأعيش دون أن أبالي لكنَّ حبي لهُ أكبر وفوقَ احتمالي، لا امرأةَ ترضى أن تشاركها امرأةٌ أخرى زوجها وإن كرهتْه، فكيف بي وأنا التي تعشقك؟ واللهِ تعشقك.
زمّت شفتيها وهي تقاومُ دموعها التي تحاربُ لتُشرق في هذهِ الليلةِ البكَّاءة، القمرُ والنجومُ يشهدون على حزني، شكرًا لك على شماتتهم بي، شكرًا لك.
بقيَت نظراته معلقةً بصورتها في المرآة، لمَ لا تصرخ في وجهه؟ لمَ لا تجلسُ وتلقى كلماتِ الرفضِ والقهر، لم لا تقول أنها " ما تهتم " ليقرأ الكذب في عينيها بسهولة، ليستنبطَ أحكـامَ الحُب والغيرةِ في صوتها المقهور والمجروح منه، اصرخي، لا تبقي صامتة، لا تسكنِي، أريد قراءة حبّك لي، أريد قراءة تملكك، صمتك يهزمني، يشرحُ لي كم أنني لم أعد في قلبكِ كما أنا، هل بُترَ جُزءٌ مني فيكِ؟ لا تصمتِ ويقول صمتك : نعم، هذا الصمت يسحقني، فاصرخي.
حكَ شفتهُ السُفلى بأسنانه العلوية، تنفّس بقهرٍ لصمتها الذي سكنها بينما كانت تصرخ داخليًا دون أن يسمعها، استدارَ بقوةٍ وحدةٍ وهو يصرخُ بقهرٍ من صمتها : ما تسمعيييين؟ برجعها، تفهمين وش يعني برجّعها؟
أفهم، واللهِ أفهم، أفهم كل خيبةٍ وخذلانٍ تُلقيهِ على ملامحي، أنتَ الوحيد الذي لا يفهم شيئًا مما أُكنّهُ لك، أنت الوحيد الخاسر للفهمِ هُنا.
استغرقَ صمتها، واستحلَّ كل سكونٍ قد يلتهمه، جنّ جنونه لعدمِ ردها بحدةٍ تُقرئه اهتمامها، هذا الصمت يقتل! إن كان حتى الآن لم يقتله ما فعلت فأن تصمت هذا هو ما سيكون سهمًا قاتلًا له . . تحرّك بغضبٍ إليها واتّجه للجزءِ الأيسر من السرير الذي كانت تحشرُ نفسها في طرفه، لم تستوعب شيئًا حين وجدته واقفًا أمام عينيها المفتوحتان على اتّساعها، ولم تشعر إلا وهو يُمسك عضدها ويرفعها لتجلس رغمًا عنها، نظرَ لوجهها بحدةٍ ليهتف من بين أسنانهِ بقهر : عادي عندك اللي بيصير؟
قاومَت دمعها وارتعاشَ شفاهها وهي تتحلى أمامه بقوةٍ كاذبَة، نظرَت إلى عينيه ببرودٍ لتلوي فمها بحقدٍ وتلفظ : أيه عادي ، ما عاد تهمني
سيف بقهر : كذّابة
ديما تسحب عضدها منهُ وتهزُّ أكتافها دونَ مبالاة : كيفك لا تصدِّق
تنفّس بانفعالٍ وهو يفركُ ذراعهُ اليُمنى بكفه اليُسرى. بلل شفتيهِ بلسانهِ وهو يتراجعُ للخلفِ ويبتلع رغبته في خنقها، من المُحال أن تكون مشاعرها تبدّلت في ليلةٍ وضحاها وأصبحَ لا يعنيها في شيء، من المُحال أن تكرهه في لحظة، الكُره يجيء رويدًا رويدًا، لا يجيء دفعةً واحدةً ويفرضَ نفسه، إلا إن كان كرهها لهُ بدأ بالتدافعِ إليها منذ زمَن! . . شعرَ بالصداعِ يداهمه لتلك الأفكـار التي ستقتله لا محالة، تراجعَ للخلفِ أكثرَ وهو يستدير عنها ويمسح على ملامحهِ بقهر، عضَّ طرف شفته ووضعَ كفيه على خصره ليكوّن أنفاسه باعتدال ... استندَت على ذراعها وهي تُعيد شعرها لخلفِ ظهرها ناظرةً لجسدهِ المُدارِ عنه، تركَت لعينيها الالتماعَ بحزنٍ وهي تتأمّل شعره، كتفيه العريضين، جسدهُ الطويل وغصّةٌ توخزُ حنجرتها، تُمزِّغ حبالها الصوتية وتسدُّ مخارج أحرفها. أغمضَت عينيها بقوةٍ وحرارةُ صدرها تُبخِّر دموعها، لن تبكي أمامه، أخذته امرأةٌ غيرها، لم يعد لها، وكبريائها المجروح لن يسمح لهُ بجرحها أكثر .. ليذهب هو وهي إلى الجحيم ، ليذهبا إلى الجحيم.
فتحَت عينيها وهي تزدردُ غصّتها، جلسَت وهي تمسحُ على أنفها، لتهتف بصوتٍ حاقد لتلك المرأةِ قبل أن يكون لزوجها الخائـِن : تتهنى فيها بجهنم إن شاء الله
استدارَ إليها وملامحهُ محتدةٌ بقهره، رفعَ إحدى حاجبيه وهو يخفض كفيه عن خصره، وبحدة : دام الموضوع ما يهمك ليه حاقدة علي وما تبيني أنبسط؟ إذا كنتْ ما عاد أعني لك شيء فالطبيعي ما تتدخلين فيني وتتركيني بحالي بدون دعاوي .. إلا إذا كنتِ تكذبين طبعًا
كشّرت بحقدٍ وهي تُحرّك كفها عشوائيًا في الهواء : لا تحاتي ما عاد تهمني بس جهنم تناسبكم
سيف يبتسم بغضب، والغضبُ جعل ابتسامته خافتةً تكادُ لا تُلحظ : أجل أنتِ اللي تناسبك الجنة؟ أعوذ بالله من غضب الله بس
ابتسمَت باستفزازٍ وهي تُميل برأسها : الملائكة أمثالي تترفع عن شياطين مثلك ومثل الزفتة
سيف بحدة : استغفري ربك
ديما بابتسامةٍ لم تختفي : استغفر الله منك، أنت أكبر ذنب اقترفته بحياتي
سيف : واستغفري بعد على كذبك
ديما : لا هذا ماهو ذنب، هذا حقّي فاستغفر أنت على حرمانك لي
سيف يرفعُ إحدى حاجبيه، اقتربَ منها ليُمسك بكتفيها ويثبّت جسدها وهو يمعن النظر بعينيها ويلفظ بحدة : ما أقصد كذبة حملك ، أقصد كذبة * نظر إليها من أعلاها لأسفلها ليُردف * ما عليْ صلاة
صدّت عنه بغرورٍ وهي تلفظ باعتلاء : كذبة بيضاء ولله الحمد
سيف بحدة : ولله الحمد؟! لعلمك كنت أدري
عقَدت حاجبيها دون فهم : تدري؟
سيف بقهر : أيه ، دخلت عليك وأنتِ تصلين ظهر، آخر ظُهر قبل لا أدري بحملك
لم تستطِع أن تُخفي الصدمةَ التي اعتلَت ملامحها، بينما ابتسمَ بسخريةٍ وهو يتركُ كتفيها، جلست باعتدالٍ وهي تبتلعُ ريقها دونَ فهمٍ له، هل هذا ما كان سبب غضبهِ يومذاك؟ لكن لمَ لم يوضح ذلك؟ لمَ لم يصرخ في وجهها و " يوريها النجوم في عز الظهر "؟!! . . نظَرت لملامحهِ بحيرةٍ لتتثبّت نظراتها على ابتسامتهِ الساخرة، ضوّقت عيناها أخيرًا وهي تترك لذاك السؤال الذي ماجَ في صدرها الإعتلاء على شفتيها في صورةٍ مستنكرة : كنت تدري؟ بس ، بس ليه سكت؟
سيف بسخريةٍ مريرةٍ أدارَ رأسهُ جانبًا قبل أن يُعيد النظر إليها، لفظَ بحدةٍ وغضب : كنت ساكت ، بس بقرارة نفسي مقرر أعاقبك بقسوة
شعرت بالاستفزازِ من إجابته، ما الذي كانت تنتظرهُ منه، أن يقولُ " جُرحَ قلبي وكان جرحي منكِ السبب في صمتي؟ " ... ابتسمت بسخريةٍ لاذعةٍ من أفكارها تلك، واعتلت السخريةُ عينيها وصوتها الذي هتفَ باستفزاز : وانجرحت رجولتَك؟
سيف بقهرٍ يُعيد ترميم أنفاسه في صدره وهو يسترجع شعوره يومذاك : كنت بخليك تندمين مليون مرة عشان كذبك
ضحكَت بسخرية : يا حبيبي أنت ، واضح جرحتك بقوّة وأنت المغرور اللي تظنني ميتة على قربك
سيف بقسوة : صدّقيني ميتة، بس كنتِ مضطرة تكذبين
انتفضَت بحنقٍ وهي تلفظ : تخسي والله
سيف بصرخة : ديما امسكي لسانك معاي لا أقطعه لك وأقطّه للكلاب
ازدردَت ريقها بخوفٍ لم يظهر على ملامحها وهي تصدُّ بوجهها عنه، زفَر بحرارةٍ وهو يتحرّك ناويًا الخروج من الغرفـة التي أصبَحت كساحةِ معركةٍ بينهما، يبدو أنه لن ينعم بيومٍ هادئٍ هذهِ الفترة، فتحَ الباب ليُلقي نظرةً غاضبةً أخيرة عليها ومن ثمّ خرج وأطبقهُ من خلفهِ تاركًا لصوتهِ حقَّ الإعتلاء والإصتدامِ بجدران الغرفة ليرتد أخيرًا إلى صدرها، تأفأفت بقهرٍ وهي ترتمي بجسدها على السرير منبطحةً تُغمض عينيها بقهر : الله ياخذك ، الله ياخذك . . * عضّت شفتيها قبل أن تردفَ بإجهادٍ وحزن * استغفر الله ، الله ياخذها هي قبل لا تآخذك مني


يتبــع ..


كَيــدْ 20-09-15 11:08 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



جلَست عُلا على الأريكةِ ودموعها تسقطُ منذ كانت تودِّع سوزان التي خرجَت قبل دقائق مع السائق، كانت تحلف لها بأغلظ الأيمان أنها ستتواصل معها وستزورها مراتٍ لكن لتكفكف دموعها فقط، والآن هاهي دموعها تسقطُ بكرمٍ حاتميٍ ليرتفعَ بكاؤها دون أن تستطيعَ نزعْ هذه الصفةَ الطفولية التي كثيرًا ما كانت تُصيب شاهين بالذعر كهذهِ اللحظة، انتفضَ بقوّةٍ حينما دخَل ورآها تبكي بذاك الشكل الذي يعصرُ قلبه، اقتربَ منها بخطواتٍ واسعةٍ ليجلس بجانبها وهو يهتف بنبرةٍ مرتعشة : يا ام متعب ليه البكاء؟ أرجعها؟ قسم بالله لأرجعها من شعرها لو تبين
تصاعَد بكاءها تلقائيًا وهي تسمعُ " ام متعب " من شفتيه، لطالما كان يقول لها " ام شاهين "، لكنّه بعفويةٍ تامةٍ يلفظ " ام متعب " حين يكون جادًا، هو يعترف بهذا الاسم أكثر، لكنّه درءً لحزنها يلحق " ام " باسمه هو.
زمّ شاهين شفتيه وهو يُحيط كتفيها النحيلتين بذراعيهِ ليضمّها إلى صدره، وبأنفاسٍ عنيفةٍ تصعَد بصدرهِ وتهبطُ بهِ بعنفٍ مدوى : الله يسقي هالعيون بالراحة ، شجعلني ما أبكيك . . . تبكين هاه؟ يعني الحين هالبقرة سوزان تخليك تبكين وما بكيتي علي لأني توني طايح من الدرج؟
شهقَت بقوةٍ وهي تبتعدُ عنه وتنظر لوجهه، وبذعرٍ وصوتٍ باكٍ وهي ترفعُ كفيها لتتلمس ملامحه : طايح؟ شلون ومتى طحت؟ بسم الله عليك بسم الله عليك
ضحكَ بخفوتٍ وهو يمسك كفيها ويقبلهما، وبحب : أكذب عليك أسيل اللي طاحت
شهقَت مرةً أخرى : أسيل طاحت؟
عضَّ طرفَ شفته وهو يكتم ضحكته، لكنّه في ذاتِ اللحظةِ شتم نفسه للشهقتين اللتين اندفعتا من بين شفتيها، وبصدق : الله ياخذني ، أمزح معك محد طاح
تأوّه فجأةً ما إن شعر بكفها التي ضربت كتفهُ وبالرغم من نحالتها إلا أنها آلمته، كانت أسيل قد دخَلت خلف شاهين مباشرةً لكنّها سكنت مكانها تاركةً لهُ تهدئتها ولا يخفى ذهولها من الكذبتين التي ألقاها عليها وقبلًا لفظُ " بقرة "، وَأدَتْ ضحكتها وهي تتابعُ ما يفعل حتى انتهى الأمرُ بضربةِ علا له، حينها لم تتمالك نفسها وضحكَت بقوةٍ جعلت شاهين وعُلا ينظرآن إليها.
شاهين بعبوسٍ وهو يحك كتفهُ التي ضربتها : الله يسامحك شمتي فيني العذال
علا بحدة وهي تمسحُ دموعها : تستاهل ، ولو مرة ثانية كذبت عليْ أو قلت عن سوزان بقرة أو دعيت على نفسك بتحصّل وحدة ثانية على وجهك
ضحكَ شاهين : أجل الموضوع فيه سوزان مو بس عشاني
علا بعبوس : أيه اغتبتها، الحين لازم اتصل عليها عشان أعلمها وتسامحك مثل كل مرة تغتابها، أخاف لسانك يفرق بيننا في الجنة
عقدَ حاجبيه وهو يبتسم بحبٍ لعاطفتها وتفكيرها الأمومي، احتضنها بين ذراعيه وهو يميل بها ويهتف بنبرةٍ سمِجة : آه يا ريحة الحُضن الحلو ، اليوم قررت أنام معاك وأسحب على مرتي الخايسة
علا بضيق : أولًا لا تقول عنها خايسة تسواك وتسوى طوايفك يا البزر، ثانيًا ماراح تتركها ، حضنها يكفي وزيادة
احمرّ وجهُ أسيل وانسحبَ الأكسجين عنها بينما ضحكَ شاهين بتسليةٍ وهو ينظر إلى الحُمرة التي اعتلت ملامحها : بعد تسواني وتسوى طوايفي؟ زين زين بنتغاضى عن ذا بس سالفة حضنها يكفي وزيـادة خليني أقــ ....
قاطعته أسيل بصرخةٍ مختنقةٍ بخجلها وهي تُدرك أين سينحدر هذا الحوار : شاهييييييييين
شاهين ينظر إليها ببراءةٍ وصوتُ ضحكة أمه الخافتة تصل إليه : هاه وش قلت؟ كنت بس بقول حضنها نايم لا يودي ولا يجيب ، خجولة بزيااااااادة
غطّت وجهها بإحراجٍ وهي تلفظ شتيمةً خافتةً من بين شفتيها وصلت إليه ليجفل في بادئ الأمـر لكنّه سرعان ما غرقَ في ضحكاته وهو يلفظ من بينها : ههههههههههههههههههه وقليلة أدب بعد
عضّت شفتها بندمٍ وإحراجٍ من لفظِ " حيوان " الذي قالته دونَ شعورٍ منها، أغمَضت عينيها بقوةٍ قبل أن تبتعدَ راكضةً باتّجاه الأعلى لا تستطيع مواجهتهما بعد الإحراجِ الذي انصبَّ عليها دفعةً واحدة، وبعد اختفائها من ناظريهما ضربَت عُلا شاهين الذي كان يضحك ضربةً أخرى على رأسهِ ليتأوهَ ويصمت وهو يفركُ رأسه، وبامتعاض : يمه شفيك علي صاير ضربك يعور
عُلا بحدة : أحرجت البنت
شاهين بضحكة : ما عليك أنا أعرف أتصرف معاها
علا : أجل انقلع لها الحين مسكينة شوي وتبكي من إحراجك لها
حكَّ رأسه ببراءةٍ وهو يبتسم : والله مو قصدي
علا : طيب روح لها
وقفَ وهو يبسم ويقبّل رأسها بحب : من عيوني كم عندي عُلا وكم عندي أسيل؟
علا بدلال : ما بقى غير آخر قطعة من الثنتين وبيتهاوشون على أحلى بزر في الدنيا
شاهين بامتعاض : كم سنة وأطق الأربعين وتقولين بزر؟
علا : 35 سنة مو كثير
شاهين بضحكة : أحس أسيل بنتي عند عُمري
علا : وتقول منت بزر؟ والله إن اللي يشوف تصرفاتك يقول عمرك 25 ، يصغرك عشر سنين لتحت
شاهين يلوي فمه : ما عليه هذا جزاة اللي يدلع الحريم والا أنتو ما تستاهلون .. صدق ابن آدم ما يملي عينه الا التراب
علا تمط شفتيها بامتعاض : انقلع لمرتك بس
ضحكَ وهو يلوّح بكفيه ويغادر، صعِد عتبات الدرجِ وهو يتخيلها في هذه اللحظةِ تدفن وجهها في الوسادةِ وربما تبكي من الإحراج، ضحكَ بخفوتٍ وهو يفتحُ بابَ جناحهما ويتّجهَ لغرفتهما، وكما توقّع وجدها تدفنُ وجهها في الوسادة وتشتم نفسها بنبرةٍ مُحرجة : غبية غبية غبية ، وهو الثاني بعد غبي ما قصّر
عضَّ شفتهُ السفلى يَقتل ضحكته، اقتربَ منها ببطءٍ دونَ أن تشعرَ بهِ وهو يبتسم لهيئتها النحيلةِ أمام عينيها، لشعرها الذي يتناثر على الوسادةِ من حولها، لأناملها التي كانت تشدُّ على المفرشِ خلالَ انبعاثِ صوتها من عتمةِ الإحراج، لجسدها المُغطى ببلوزة " كت " سوداء وتنورةٍ تحمل نفس اللونِ ذاتَ ورودٍ حمراء وأوراقِ خضراء، كانت جميلة! جميلةً حدَّ الوجع . . عضَّ شفتهُ بافتتانٍ وهو يَكسر الخطواتِ الفاصلةِ بينهما، جلسَ بجانبها على السرير لتنتفضَ وترفعَ وجهها المذهول ناظرةً إليه ببهوت، حينها ابتسمَ وهو يمسحُ على شعرها ويهتف بنبرةٍ لطيفة : حيوان وغبي ، وش بقى بعد؟
فغَرت فمها بشدةٍ والحُمرةُ تعودُ لاحتلالِ ملامحها، أين تُغادر عنه؟ أين تُخفي ملامحها عنهُ بعد هذا الإحراج الذي يقتُلها؟ ازدردَت ريقها وهي تهتف بتلعثمٍ وبعثرة : أنا ، أنا ... والله مو قصدي
ضحكَ رغمًا عنه قبل أن يتمدد بجانبها ويزرعَ جسدها في صدرهِ وهو يلفظ بتسليةٍ وسبابته تلفُّ خصلةً من شعرها حولها : ما تترقع ، وصلت شتائمك
عضّت شفتيها بإحراجٍ منه وهي تُغطي وجهها في كتفهِ عن مرآه بعد الذي قالته من حماقَة، ابتسمَ وهو يرفعُ كفّه قليلًا ليُبعد رأسها من عمقِ كتفهِ ويخفضَ رأسهُ هو مُقبلًا مُقدِّمة شعرها، ثم جبينها، ثم أنفها، ثمّ وجنتها وتجرأت قبلاته أكثر لتُغمض عينيها وصورةٌ محرمةٌ تجيئها ككل مرة، انتفضَ جسدها وهي تتنفّس أنفاسهُ وتقرِئُ نفسها بالمعوّذات، هاهو الشيطانُ مرةً أخرى يقتحمُ اقترابهما، يُشعرها بالحقارةِ والهوان، يُطيح بها في هاويةٍ مُظلمةٍ تسَلل عنها الأكسجين لتختنق بأفكارها المُحرّمة، شدّت على أجفانها بقوةٍ لتستشعر دفء شفاههِ فوقَ جفنها الأيمن، شهقَ صدرها دونَ صوتٍ مسموعٍ لهُ وصرخَ بعذابه، لم تتخيّل أبدًا أن تصل لمرحلةٍ كهذه، لم تتخيّل أن يصبح زواجها بهِ عذابًا نفسيًا بهذا الشكل، ارتعشَت شفاهها لتشدّهما أخيرًا وهي تُحيطُ عنقهُ بذراعيها وتدفنُ وجهها في صدره، لم أتخيّل يومًا أن أؤذيك بكل تلك الشدّة، اغفر لي، أرجوك اغفر لي.


،


جلَس بجانبها لا يفصل بينهما سوى القليل، نظرَ إليها بهدوءٍ وعيناها معلقتانِ بالتلفازِ في تجاهلٍ صامتٍ له، زفَر بضيق، واستدارَ بأكملهِ إليها ينوي قطْعَ الجزء الفاصلِ بينهما إلا أنّها بإدراكٍ سريعٍ رفعَت الوسادة ووضعتها بينهما، رفعَ حاجبيه وهو يفغر فمه باستنكار، وبإجهاد : واللي يعافيك سُهى وش ذا بعد؟
سهى بحدةٍ دون أن تنظر إليه : قول عمتي سهى لو سمحت
أدهم يزفرُ بإرهاقٍ من محاولاته اليائسةِ لنيلِ رضائها، لفظَ بهدوء : سهى ...
قاطعته بحدةٍ أكبر وهي توجّه نظراتها التي تُشارك صوتها في الحدّة : قلت لا تناديني بهالشكل
أدهم بقهر : مو كنتِ إذا ناديتك عمتي قلتِ ما أبي عمتي ذي؟!!
سهى بعناد : والحين أبيها عندك شيء؟
أدهم باستسلامٍ وهو يزفر : طيب عمتي سهى
أدارت وجهها عنهُ وهي تلوِي فمها بحنق، بينما امتدّت يدهُ لينتشلَ الوسادة الكامنة بينهما ويرميها خلفه، ليتجاوز الجُزء الفاصل بينهما ويجلس ملاصقًا لها تمامًا بينما كفه تستقر على كتفها لافظًا بصوتٍ ثابت : بما أنِّك سافهتني فبدخل بالموضوع مباشرة ... قررت أكشف الحقيقة
اتّسعت عيناها لوهلةٍ وهي تُدير رأسها إليه وتُذيب الجليد حولها بذعرها، عن أي حقيقةٍ يقصد؟ حقيقة الماضي؟ نجلاء!!
سهى بتوترٍ وخشية : أي حقيقة
أدهم ونظراته الثابتةِ لا تُغطّى عن سهى مدى كذبها، ترى الإهتزازَ في حدقتيه مهما تصنّع الثقةَ والقوة : نجلاء وأنـا
وضعَت كفها على فمها وهي تشهق .. لا تمانع، بالتأكيد هي لا تُمانع، طوالَ عمرها كانت تتمنى لو أنّ من تعلّق بالأمـرِ رحم جهلَ تلك المخلوقةِ وأفصحَ عن الماضي، حرامٌ واللهِ ما فعلوا بِها، لكنّها أيضًا لا تريد لأدهم أن يفعل ذلك! أدهم ضعيف! ضعيفٌ أمـام هذا الأمـرِ وتُدرك جيدًا ضعفه.
مدّت يدها دونَ شعورٍ لتُمسك كفّه التي على كتفها وتضمّها لصدره، وبرفضٍ لتلك الفكرة : لا يا أدهم ، إذا ودّك ترحم هالبنت فخلّها علي، أنا اللي بحاكيها وبعلمها بكل شيء بس أنت لا
أدهم يبتسم وهو يعقد حاجبيه للقلقِ الذي اعتلا صوتها : لا تحاتين أنا قدّها ، وبعدين ترى ماراح أكلمها هي بعلّم كفيلها
سهى برفض : كفيلها!!
أدهم : أيه وأبوها بالرضاع بعد ويكرهني وما يطيق وجهي
سهى بجبينٍ مُقطّب : ويكرهك وما يطيق وجهك! أدهم أنت عارف وش قاعد تقول؟ ودك تقول له هو؟
أدهم : مافيه إمكانية أقول لها هي، وبيني وبيك ما أقوى
أدارت وجهها عنه لتنظر للأسفل بشرودٍ وصمت، تشدُّ على ركبتيها قليلًا، في النهايـةِ يجبُ أن تُدرَك الحقائق، يجب أن يُرفَعَ ستارُ الماضي وترى تلكَ الفتـاةُ الحقيقة، آذوها كثيرًا، آذوها وإن لم تكُن معهم إلا أنها تعتبر نفسها طرفًا في تلك المأسآة لأنها صمتت، ولأن طفلها أدهم كان له الجز الأكبر في أذيّتها.
بلل أدهم شفتيه وهو ينظر للأمـام باتّجاه التلفاز، لا يستطيعُ إنكار تلك الرعشة التي تقتلع أنامـله، لا يستطيع التغاضي عن قلبه الذي يضربُ بعنف خلفَ قفصهِ الصدري، لم يكُن ليقوم بتلك الخطوةِ لولا تلكَ الجلسةِ مع الإمـامِ يومذاك، كلماتهُ أشعرته بالذنب في الكثير، كانت كالدواءِ الذي أيقظهُ من سباتِ مَرض.
لازال يذكُر كيف أنّه ابتدأ تلك الجلسةِ بذاك السؤال الذي ألقاهُ عليه قبل أسبوعٍ أو أكثر " وش تحس فيه وأنت ساجد؟ " وحين طال صمتهُ الذي أطبقَ على المكان ما عدا من أصواتِ الرجالِ القلائلِ من حولهما بدأ يُغرقه بالكثير من النصائح، بالكثير من التوجيهات التي لطالما كان يكرهُ سماعها من أحد، لكنّها في تلك اللحظة كانت كالماء البارد الذي سقطَ على رأسهِ المُلتهب، ربما لأنه كان يعيشُ روحانيةً مُختلفةً يومذاك، لأنه اعتكفَ في المسجد وتواصلَ مع بارئه كما لم يقُم من قبل، لذا كان كُلَّ ما قِيلَ لهُ كالدواء.

الله يحسُّ فيك، يقرأك، يرى كلَّ أحزانك، لا تتّصل بهِ سوى في عبادته، فإن كانت عبادتكَ له يتيمةً فأنتَ وحيد! نحنُ كبشرٍ نحتاجُ لجعل كل حياتِنا عبادة، لنخطُو كل خطوةٍ ونحن نثقُ بأن الله معنا، الله لا يخذل أحدًا، نحنُ من نجلب الحزن لأنفسنا حين ننساه.
" إذا بغيت تكون ساجد وما قدرت تحسَّ بهالشعور، تخيّل نفسك عند عرش الرحمن، وإذا ما نفع معك هالشيء، تخيّل نفسك فوق الصراط "

أعـاد رأسهُ للخلفِ وهو يستذكرُ كلماته تلك، نصائحه الرقيقة، وكأنّه كان يقرأ ضياعهُ في ظلماتٍ لا يفقهُ منها خروجًا، وأراد أن يكُون النورَ الذي يُحرره من هذا الضياع.

" لا تهرب من أي شيء، لا ماضيك ولا حاضرك ولا مستقبلك! إذا غلطت صحح غلطك، إذا سوّيت شيء صح ارفع راسك
واحمد ربّك وافتخر ، لا تؤذي غيرك "


،


الساعـة الواحدةُ مساءً من اليومِ التالي
جلسَ بعد أن ألقى السلامَ على سلطان الذي كان يحتسي فنجانًا من الشاي، وضعَ الشاي على الطاولـةِ وهو يبتسم : وعليكم السلام والرحمة ، بدري عليك!
فواز يضحك وهو يجلس : معليش تأخرت شوي من زحمة الطريق
سلطان : العذر المُعتاد ، الحين تلاقي عناد شايل نفس عذرك
فواز بابتسامـة : الدكتور بعد ما وصل؟! معليش أجل أنا معذور إذا هو ما يدقق بالمواعيد وش تتوقع مني؟
سلطان يرفعُ حاجبيه : بالله هذا عذر الحين؟ شوف صار الفنجان الثالث اللي أشربه
فواز يهزُّ كتفيه : مو شغلي
استدعى سلطان النادلَ ومن ثمّ سأل فواز عما يُريد شُربه إلى أن يجيء عناد، طلبَ لهُ كوبًا من القهوةِ ومن ثمّ نظر إليه مبتسمًا : ماراح يجي إلا وكروشنا مليانة من الشُرب ، شكله مافيه غداء
فواز يضحك : على قولتك
سلطان بابتسامةٍ بشوشة : وش علوم زواجك؟
عقدَ فواز حاجبيه بحالميةٍ دونَ أن يفقد ابتسامته، لم يتبقّى الكثيرَ وستُصبح جميلتهُ رهنَ عينيه وقصيدته الأزلية التي مهما كررَ إلقاءها لن تفقدَ رونقها، لن يخشى من بعدِ هذا الأسبوع هجرانها له، حتى وإن علِمت عن شيءٍ من زواجهِ الثاني لن تتركهُ مهما تفاقمَت بينهما الإختلافات.
اتّسعت ابتسامةُ سلطان للنظرةِ التي طرأت على عينيه، غمز لهُ وهو يلفظُ بنبرةِ مَكرْ : الرجّال رايح فيها هااه
فواز بابتسامة : رايح فيها وبس!
سلطان ينظر إليها بمحبةٍ أخوية : الله يسعدك ويهنيك
فواز : آمين يارب ويسعدك
صمتَ سلطان وابتسامةٌ مُجاملـة تُزيّن شفتيه، السعادة بعيدةٌ عنه، مُتباعدةٌ كالمشرقِ والمغرب، يستحيل عليه أن يعيش حيـاة زوجيةً طبيعية، كُتب عليْه العيشُ وحيدًا، ومن المُحال أن يُقحم أحدًا في حياته ليُشاركه العنـاء.
بلل شفتيه وهو يُحافظ على تلكَ البسمةِ الزائفة، وبهدوء : عاد كأنّك كنت قاري أفكاري وقلّدتني
فواز يعقد حاجبيه : قلدتك؟
سلطان يضعُ مرفقيهِ على الطاولةِ ساندًا نفسهُ عليها : كنت ناوي أفاجئ زوجتي بحفلة أعلن فيها زواجنا ، طبعًا على خبرك صارت لنا ظروف قلبت خُطط الزواج فوق تحت
فواز يبتسم بخبثٍ رافعًا إحدى حاجبيه : تفاجئ؟! اووه حركات وصرنا رومانسيين
زمَّ شفتيهِ يخنقُ ابتسامتهُ وهو يرفعُ حاجبيه بتهديد : بلغي طلبية القهوة وبحتسب عناد في الغداء بس
فواز يمثل الذعر : لا لا واللي يعافيك الا الغداء ، حرمتني من غداء البيت وتقول ما تحتسبني!
سلطان بلؤم : أسويها وأنا خوك
وصل في تلك اللحظةِ النادل حاملًا معهُ قهوةَ فواز ليضعها على الطاولة، وما إن ابتعد حتى ضحكَ فواز وهو يلفظ : وصلت القهوة وعناد ما وصل
سلطان بامتعاض : شكلي أشطبه من الغداء ، قليل ذوق والله
: مين اللي قليل ذوق؟
ارتفعَت نظراتهما لعناد الذي وضعَ كفيه على الطاولـةِ وهو يرفعُ إحدى حاجبيه، سحبَ الكرسي ليجلس بهدوءٍ بينما نظراتُ الاثنين تتابعهُ بشر، حينها ابتسم ببراءةٍ ليُبرر تأخيره : الطريق كان زحمة
سلطان برفعةِ حاجب : احلف! متناوبين على الكذب أنتو؟
عناد : هههههههههههههه الكذبة مُستهلكة أجل؟
فواز بدفاع : يا سلام إذا أنت تكذب أنا أكذب؟
عناد بلؤمٍ وهو يحرّك حاجبيه لفواز : الطريق ما كان زحمة للأمـانة ، بس تأخّرت لظروف قاهرة
سلطان : ظروف قاهرة أجل؟ أول مرة وآخر مرة أعزم ناس قليلة ذوق مثلكم .. مت جوع
فواز يضحك : هذا وأنت شارب ثلاث فناجين شاي؟


،


نزلَ من سيارتِه بعد أن لمحَ ظلَّ ذاك الشاب الذي كان يلوِّح له، إن جئنا للحقيقةِ فهو يبغضُ رؤيته ومن الطبيعي أن يرفض دعوته التي جاءت مفاجئةً لهُ بعد اتّصالهِ الذي لم يتوقعه، لكنه حين أخبره بأنّ الموضوع متعلقٌ بإلين وأنّه لا يريد شرًا فقط رفْعَ الستارِ عن الحقيقة المخفية، حينها لم يكُن ليرفض، لـذا قَبل وجاء لهذهِ الحديقةِ العامـة.
أغلقَ باب سيارتِه بملامحَ جامدة، تحرّك مقتربًا منه وعينيه تنطقان الكره لهذا المخلوق، هل لهُ للحظةٍ أن يتخيل بأن تلك الفتاة أختٌ له؟ بينهما دمْ؟ كيف تجيء التناقضات بهذهِ الصورة؟ بهذا الشكل المقيتِ الذي يصوّر أدهم له كإنسانٍ طائشٍ لا مُبالي ممتلئٌ بالذنوب، وتلك مهما اقتلعتها الآثـام تبقى تحمل الجانبَ الجميل في روحها، تستغر الله ذنوبها. شتّان ما بينهما، هما التضادُ الذي لن يسمح بالتقائهما.
وقفَ أمـام أدهم مباشرة، أدهم الذي كان يحاول الإبتسام بقدر ما يستطيع لكنّه من الجهةِ الأخرى يحمل كرهًا لهذا الرجل، كرهًا وامتنانًا لا يُريد إظهاره! إلا أنه بالرغم من كرهه لهُ لا يستطيع شيئًا سوى التعامل معه باحترامٍ وسلاسةٍ غريبةٍ عليه . . مدَّ يدهُ ليصافحه، حينها رفعَ عبدالله حاجبهُ ومدَّ يده من الجهةِ الأخرى، وبنبرةٍ لا تحتمل النقاش : ممكن ندخل في الموضوع مباشرة؟
أدهم يجتذبُ يدهُ ويتراجع قليلًا مبتسمًا ابتسامةً مُجاملـة : طبعًا، بس نجلس أول شيء

.

.

.

انــتــهــى

وموعدنا القادم راح يكون ثالث أيام العيد مع جزء خاص بنكشف فيه جزء مخفي من الماضي :"" عيديتنا بتكون من نوع خاص وطويل، واحتمال أخليه ثاني أيام العيد إذا قدرت ()

دمتم بسعادة وكل عام وأنتم بألف خير

كَيــدْ ! **



كَيــدْ 20-09-15 11:24 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



-
-
-

صباحكم خير بإذن الله ، الحمدلله قدرت أنزل ولو الجزء الأول من البارت قبل 12 * ترقص * :$$
كنت أراكض ركض عشان ألحق عالوقت لدرجة إني سحبت على آخر موقف ورجعت له بعد ما نزلت الرد الأول ..

عساكم تستمتعون بالبارت وقراءة ممتعة :"" + ساعة بالكثير وبمسك التعليقات ()

كَيــدْ 21-09-15 02:48 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نَوح الهجير (المشاركة 3558747)
كـيد , صباح الخير , و تحية طيبة مفادها أرجو أن تكوني بخير .
بدأت في قراءة حروفك للمرة الاولى لأجدني أعتكف عليها , جزء فجزء الى أن وصلت القافلة و ركبت معها !
قله هي الرويات التي تلمس قلبي وتخالجه بمشاعر كثيرة في زمن كثر فيه سُخف الحديث , وبجدارة كانت روايتك تفوز بكونها تلامس أعماق اعماقي ولا تكفتي , تصفين الالم فأجدني اتألم , فرح فيرسم على وجهي أبتسامة تمتد حتى بعد ما أغلق المُتصفح نفسه , بعض الاحاديث التي تصفينها تجعلني أشهق بـ ياا الله تعبيراً عن عجزي عن وصفي لجمال ما تكتبيه , تبارك الله , لا تعليق على الأحداث و الشخصيات فأنا فقيرة توقعات ولا أجيد تركيبها ولستُ و الله شحيحة , و الصمت يا عزيزتي في حرم الجمال جمالُ .
أرجو بعمق الكلمات و التشبيهات التي تكتبينها و تأخذنا الى عالم أخر أن تكوني بخير و تكملي هذا الجمال مثل ما بدأتيه , ودعوتي بداية هذا الصباح أن يهبّ الله لقلبك السعادة مثل ما هي كلماتك تسعدنا .

:342:



صباح الخير والسعادة على روحك الجميلة يا باذخة :$$
الله عليك وعلى كلامك الطيّب! جدًا سعيدة بتواجد قارئة تملك كل هالجمال في التعبير ، ممتنة جدًا لتواجدك
كل الإطراء اللي أقراه عن روايتي ما عندي أي رد مناسب عليه، فشكرًا لقلبك اللطيف يا عسى الراحة والسكينة ما تفارقه ، شكرًا بحجم السماء .. ما أقدر أقول غير إني فخورة جدًا وكلامك وسم على جبيني
وإن شاء الله تكتمل روايتي على خير ؛

آمين يارب ويسعد قلبك الجميل (())

كَيــدْ 21-09-15 02:52 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبها (المشاركة 3558786)
السلام عليكم أختي كيد
في البداية أحب أن أشكر لكِ احترامكِ للقارئ
بانتظامك والتزامكِ في تنزيل الأجزاء ،
الأمر الذي بتنا نفتقده بشده في روايات النت ..

الأخت نوح الهجير ..شكرا فقد عبّرتِ عن مشاعري حقا 🌷

نأتي للجزء ،..حاولت أن أكون ذكية وأربط وأحلل في الأحداث
لكن اعترف فاشلة بالدرجة الأولى فلم أفلح في ذلك .😓
ابراهيم ..لم هو حاقد على سلطان ويريد اتعاسه ؟؟
(عصرت مخي ما عرفت ).احتاج ان اقرأ الأجزاء من البداية !
أحمد خبيث من الدرجة الأولى .
ناصر ،. ماهو السر الذي يخبّأه عن جنان هل هناك
شئ آخر أكثر مما قاله هيثم لجنان ؟ حيرتينا يا كيد .
ماجد ..اتضح الآن فعلا أنه متعب بعد أن عبّر عن
شوقه لعائلته ولحبيبته التي من المؤكد أنها أسيل ..
ومن الذي خذله وأوقعه في تلك الدوامة ؟! هل هو أدهم ؟
غيداء ،.. أرجو أن ينتبه لها عناد قبل أن تقع في شِراك
الأفعى ساره ( شوهت اسم بنتي الله يحفظها ) 😢
سلطان وغزل .. الثنائي المحيّر . سلطان بلطفه وتماسكه أمام
وعده .. رغم صعوبة ذلك على أي رجل طبيعي
وغزل بتحسن تصرفاتها وميولها الطبيعية نحو سلطان
هل يصمدان ؟
( كنت قد طرحت استفسارا لم أجد له جوابا ..هل تعرضت غزل لغدر
من أحدهم أفقدها على إثرها عذريتها ؟ ام حصل ذلك طوعا منها
بمعنى أنها كانت فتاة عابثة ؟؟؟ )
أسيل .. أرأف بحالها ، المرأة بطبيعتها وفية لزوجها ويصعب عليها
أن تنسى بعكس الرجل ( على قولة الوالدة موت الزوجة عند الزوج
مثل ضربة الكوع تعور وبسرعه ينساها ) ..
أسيل ..الحي أبقى من الميت ..استمتعي بحياتك
وبزوجك الحبيب اللطيف قبل أن تفقديه هو الآخر .
سليمان ..مفقود من كذا جزء ..خير اللهم اجعله خير .

ملاحظة ..الغالية كيداستخدمتِ في سردك الرائع عبارات مشابهه
للفظ القرآن ( لقد جئتُ شيئا إمرا ، لقد جئتُ شيئا نكرا ) وفي القرآن جاءت بتاء المخاطبة ..وفي النفس منها شئ .
رغم ان حكم استخدام العبارات القرآنية مختلف فيها
إلا أن الأولى تركها تحرزا من الوقوع في المكروه .

عذرا أكثرت الحديث .
شكرا من القلب يا مبدعة .🍃🌸🍃




وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، يا هلا بالزين ()
أكيد لازم أكون محترمة قرائي من هالناحيـة، حقكم علي ما أتأخر إلا بعذر قاهر وأكون معطيتكم علم قبلها ،

إبراهيم كان بينه وبين سلطان عداوة قديمة، ما استغرقت في ذكرها لكن ملخصها هو إنّه كان بينهم مشاكل وعدم تفاهم وإبراهيم وقتها كان يشتغل عنده، تفاقمت بينهم المشاكل لين طرده سلطان وبس ، هذا هو سبب الحقد الأساسـي مجرد عداوة قديمة ، + إبراهيم واضح إن تفكيره محدود وشخصيته طائشة، عشان كذا مآخذ هالكره دافع عشان يؤذيه

ناصر أكيد بيكون فيه شيء مخبيه أكبر، الماضي مستحيل يتوقف عند زواج مسيار وكلام هيثم وفقط! أكيد فيه شيء أعمق بالقصة راح ينذكر :""

ماجد إذا قلنا إنه فعلًا متعب، فأبعد شخص ممكن نقول خذله هو أدهم، علاقته فيه حاليًا قويّة فأكيد دام ماجد مازال يتحسّر على هالخيانة فالمقصود ماهو أدهم ، سواءً ماجد متعب أو لا فأدهم خارج التخمينات

ههههههههههههههههههه الله يحفظ لك بنتك محشومة عن الأفعى سارة :P

بالنسبة لاستفسارك، فأنا ما قصدت أتجاهله بس اعتبرته طرح عادي مُستنكر مو استفسار موجه لي شخصيًا ، أكيد الجواب ماراح يكُون عندي ، الجواب راح يكون مع مرور الأحداث

عجبني تشبيه الوالدة بخصوص الرجل :P الله يحفظها لِك بس أكيد لكل قاعدة شواذ، ما يمشي هالحكي على كل الرجال وعندك بدر أكبر مثال زوجته متوفية وللحين يذكرها إلا إذا صار شيء خلّاه يبدّل حياته ويقرر يبدأ مع أنثى ثانية

سلمان**
لا تحاتينه هذا ما يغيب شوي ويطلع لك وينوّرك :**


- بخصوص العبارة والآيـة، جزاكِ الله خير لكن إمرًا كلمة معناها " الشيء العظيم " واستخدامي لها ما كان اقتباس من الآيـة بعينها إنما عشان معناها
بحاول أبتعد عن هالتشبيهات اللي تكون مشابهة بشكل كبير بآية من آيات القرآن عشان أبتعد عن المُشَابَه به

العفو لروحك الحلوة ويسلملي هالحظور والحديث الجميل (())

أبها 21-09-15 07:21 AM

أسعد الله صباحك يا مبدعتنا وكذلك صباح
جميع القارئات ..

سلطان ...من عاشر قوم ! اليوم شعرت أنه عناد
طبيب نفسي يسأل ويستفسر ويربط ويحلل !
ما أروعك يا سلطان وأنت تحاول أن تداوي غزالنا الجريحة ! 😊

ديمه .. هل ترين سيف شيطانا !
ربما جاء وحامها على سيف لا نستبعد ذلك ..
سمعنا عنه كثيرا 😁
ديمه لقد أكثرتِ على نفسك المتعبة ،ألا يستحق جنينك
الذي تمنيتيه وخاطرتِ من أجله القليل من الهدوء والراحة ؟
وأنت يا سيف.. ألا ترى أنك قد بالغت في الضغط عليها
وتعمد استفزازها !؟ إنها تحتاجك ،،تحتاج حنانك ورعايتك.


شاهين اللطيف ..
ما أرق مشاعرك تجاه والدتك ..ضحكت وأنا أتخيل
مشاكسته إياها ..يستحق منكِ يا أسيل كل الحب .

أدهم ..يحتاج البعض إلى يدٍ حانية تنتشلهم من
دوامة التيه والضياع ،والحمدلله أن كلمات إمام المسجد
قد بلغت سويداء قلبك فأثمرت فيه . عرفتَ فالزم .

أسأل الله العلي القدير أن يبلغنا تمام العشر
ويتقبل منّا ومنكم صالح الأعمال ..

شكرا من القلب أختي كيد .🍃🌸🍃

fadi azar 21-09-15 02:21 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
سيف يتطبق عليه المثال التالي كل ما اجا يكحلها يعميها كافي تجرح بديما كلامك مؤزي جدا وخاصة وحي حامل كون حساسة لكل شىء فصل رائع جدا

فتاة طيبة 21-09-15 07:45 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
جميل ياكيد هذه الأجزاء الثرية بالجمال الناطق كلماتك كما المشاهد المصورة أقرأها لااراها حقا عندما أقرأ تشبيهاتك الجميلة اتذكر كاتبات كبار قرأت لهم خارج اسوار النت زادك الله من فضله ...
هناك قضية تشاغبنا عليها انا وانت سابقا وهي قضية حب فواز لجيهان ساطرحها من وجهة نظر أخرى ... الحب اي حب في الدنيا حتى يزداد ويتدفق وينهمر يحتاج لمعطيات تؤدي لهذا الانهمار من الطرف الآخر حب متبادل وشخصية لطيفة ذات لسان عذب والأهم احترام وتقدير واشعار للآخر اني استحق هذا الفيض الجميل من الحب ... أين كل هذا من تلك الشخصية البغيضة جيهان !!! لسان مسموم وكبرياء فارغ واحتقار وحتى جمال لاتمتلك باعترافها في الجزء السابق فكيف يصنف ذلك الحب اللامحدود من فواز جنون ام غباء ام سذاجة لاأعلم والأهم من كل ذلك كرهها الشديد لأمه لدرجة تجاهل ذكر امه عندما تذاكرو حمل ديما حتى لايعكر صفو تلك الحبيبة اي عقوق يسير فوقه هذا الحب الذي لااستطيع ان اذكر امي مجرد ذكر أمامها فكيف بالجلوس معها او الحديث معها !!! لاتقولي عن تلك الصفعة فهي لم تأتي الا بعد عدة اهانات لامه وفوقها لم يجبرها على الاعتذار لامه من سفيه الكلام الذي تفوهت به عدا انها اساسا كانت بسبب غضبه لقرار هروبها ... اصدقك هذه القضية تستفزني كثيرا في هذه القصة خصوصا مع عقوق جيهان لأبيها فاي خير يجنى من عاقة تجبر هذا المجنون بحبها على العقوق ايضا ... وجهة نظر اطرحها ولاادري مارأيك انت فيها ؟؟

طُعُوْن 22-09-15 04:04 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتاة طيبة (المشاركة 3560032)
جميل ياكيد هذه الأجزاء الثرية بالجمال الناطق كلماتك كما المشاهد المصورة أقرأها لااراها حقا عندما أقرأ تشبيهاتك الجميلة اتذكر كاتبات كبار قرأت لهم خارج اسوار النت زادك الله من فضله ...
هناك قضية تشاغبنا عليها انا وانت سابقا وهي قضية حب فواز لجيهان ساطرحها من وجهة نظر أخرى ... الحب اي حب في الدنيا حتى يزداد ويتدفق وينهمر يحتاج لمعطيات تؤدي لهذا الانهمار من الطرف الآخر حب متبادل وشخصية لطيفة ذات لسان عذب والأهم احترام وتقدير واشعار للآخر اني استحق هذا الفيض الجميل من الحب ... أين كل هذا من تلك الشخصية البغيضة جيهان !!! لسان مسموم وكبرياء فارغ واحتقار وحتى جمال لاتمتلك باعترافها في الجزء السابق فكيف يصنف ذلك الحب اللامحدود من فواز جنون ام غباء ام سذاجة لاأعلم والأهم من كل ذلك كرهها الشديد لأمه لدرجة تجاهل ذكر امه عندما تذاكرو حمل ديما حتى لايعكر صفو تلك الحبيبة اي عقوق يسير فوقه هذا الحب الذي لااستطيع ان اذكر امي مجرد ذكر أمامها فكيف بالجلوس معها او الحديث معها !!! لاتقولي عن تلك الصفعة فهي لم تأتي الا بعد عدة اهانات لامه وفوقها لم يجبرها على الاعتذار لامه من سفيه الكلام الذي تفوهت به عدا انها اساسا كانت بسبب غضبه لقرار هروبها ... اصدقك هذه القضية تستفزني كثيرا في هذه القصة خصوصا مع عقوق جيهان لأبيها فاي خير يجنى من عاقة تجبر هذا المجنون بحبها على العقوق ايضا ... وجهة نظر اطرحها ولاادري مارأيك انت فيها ؟؟


أوافقك الرأي بقوة.. ومثل ما قلتي اذا هو الحين ما ذكر أمه عشان مايعكر صفو اللحظة..
في المستقبل رح يتفادى انو يكلم امه بحضورها وحتى ممكن مجرد النظر ما ينظر لها..
مع إني ما أدري هو ايش يرتجي من وحدة عاقة لوالدها مهما كانت الأسباب..
أنا كمان من وجهة نظري انو حب فواز لجيهان ماهو هو الحب اللي يحتاجه.. هو الحين
متخيل حياة صافية بعد زواجهم.. مع انو اشوف من كل جوانب العلاقة فيه مشكلة..
وطبعًا ما استثني انو المشكلة الأساسية من لب العلاقة.. هم علاقتهم انبنت على اساس
هش.. ورح يجي يوم وتطيح فوق راسه.. أنا مثلك مستغربة للحين من حبه.. بس مثل
ماقلت .. ماهو الحب اللي يحتاجه.. لأنه رح يتعب بيوم وهو يعطي بدون ما ياخذ بالمقابل..
بالمختصر.. جيهان عاقة وقاعدة تسحب فواز معها للحفرة.. اتمنى بس يصحى على
نفسه قبل تزيد الأمور سوء ويندم بحق أمه.. لأن محد يعتلي مكانة الأم ابدًا..

..

تقبلي مروري💕

نَوح الهجير 23-09-15 12:27 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
فتاة طيبة , طعون , تحية طيبة .
بخصوص تعليقكم الأخير حبيت اضيف مشاركتي عليه , يعني رغم كل الصفات اللي ذميتوها في جهيان و رغم اني ما أبلعها حقيقة في الرواية مجملاً الا أني اشوف ان ناتج الظروف اللي مرت فيها كونت هالشخصية البغيضة , وما ما يحكم عليها بالشكل هذا لان هالظروف ربما دفنت شخصيتها الحقيقة , احنا نكلم عن بنت تعرضت لأعتداء و لم تشفى منه , تعرضت لكلام وطعن في شرفها و تشكيك من قريب لعائلتها - زوجة عمها - وعلى اساسها جُبرت على زواجها من فواز , و لما كانت تتوقع ان فواز بيظل صامد معها من البداية سافر عنها و خذلها , اعطاها احساس بالرفض , و أمها لو انها شخص سيء لكن هي ما لمست هالشيء وشافته بعينها , ولما نجي لأمها - اللي كانت تعني لها دنيا كاملة-ما اشوف ان تصرفها لأبوها يُصنف عقوق و / وش ينرجي منها , يعني حتى حقيقة امها من قبل ومن بعد هي ما تعرف عنها شيء , غير ان ابوها ما كان نفسه , وعاملها معاملة بتستنج منها ان السبب اللي صار لأمها هو اللي وراه !
الغلطة غلطة الكل انها صارت بالشكل هذا , فواز وخذلانه , ابوها و اختها في كذبهم و تغطية الحقيقة , زوجة عمها وبعد اللي سوته !
هذا شيء طبيعي جداً انها تعامل ابوها بالشكل الفظ هذا لانها تشوف اللي شافته بدون ما احد يصحح لها هالنظرة , طبيعي جداً تعامل فواز بهالبرود لانه بالاول و الاخير خذلها بالرفض اللي صار بعد ما سافر وخلاها تواجه هالافكار كلها , طبيعي تعامله بالشكل هذا وطريقة ارسلها لبيته كان بهالشكل الموجع اللي اعطاها احساس بالنبذ وانها عاله عليه وعلى غيره وكأن لا احد بيتحمل نفسيتها التعبانة بعد كل هذا , طبيعي جداً تعامل وزجة عمها بالهطريقة وهي اللي ما انتظرت تبرير للحالة اللي كانت فيها سابقاً , اللي ظنت وبعض الظن اثم , اللي ما تنفك تقارنها بأختها حتى شككتها بالشيء .. هاذي نتائج عاصفة هوجاء ما انفكت الا بأعطاب كثيرة فيها ..
أوافقك ان البداية بين فواز و جيهان هشه وبيجي يوم وبتطيح بس مو عشان شخصية جيهان وبس , انا اشوف ان فواز هو اللي بيكون السبب , وانا اشوف حب فواز صادق نابع من الطفولة خصوصاً انه هو اللي من قبل رفض الا يأخذها وهي ما تكن له مشاعر,يعني على الاقل هي ما تعترف بها لنفسها , واشوف انه زيادة الحب هاذي بديل طلب الغفران على الحطام الاول اللي سببه لشخصيتها .. ولما نجي لوصفك في كونها على اي اساس تتلقى هالحب وهي ما تصنف من الجميلات اصلاً , من مجرى الرواية غالباً وصف شخصتها كانت هي اللي تعلق عليه وكان نابع من شخصيتها المحطمة اللي تكسر كل شيء جواتها فهذا ما يعني انها بالفعل تصنف على هالاساس الا لما نقرأها بالفعل على لسان شخص اخر ..
- هذه مداخلتي البسيطة اللي حبيت اشارككم اياها , طاب يومكم يا جماعة .

فتاة طيبة 23-09-15 02:27 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
أولا بالنسبة للاخت طعون اشكر لك مداخلتك على كلامي ..
ثانيا الأخت نوح الهجير أنا لم اتطرق إلى ماجعل جيهان بهذا الشكل وكلامك صحيح لاغبار عليه في الظروف التي كونت شخصيتها المعقدة أنا أكثر كلامي عن شخصية فواز و عن ذلك العشق اللامحدود من فواز ... وصف الكاتبة لحب فواز وكأنه قيس ليلى او جميل بثينة يعني عشق بهذا المستوى لابد له من قاعدة ومعطيات تجعله بهذا الصورة لكن عندما تجمعين الصورة كاملة لاشيء يدعو لربع هذا الحب فماالذي يجعله بهذي الصورة المهينة كما أراها أنا ..واكثر تركيزي على موضوع أمه وهو الذي استفزني بقوة وجعلني اعلق والا كلامك في مجمله اتفق فيه معك .. تحية طيبة ياغالية .

كَيــدْ 24-09-15 08:52 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



-
-


صباح الخير ، كل عام وأنتم بخير وسعادة مرة ثانية وعساكم من عواده
شوفوا عاجبكم الحين الناس تعايد وتنبسط وأنا دافنة عمري مع بارت بعد بكره؟ ، قولولي وش جائزتي عليه؟ لعلمكم ترى هو بارت صدمات بمعنى الكلمة .. راح تبدأ فيه قصة جديدة وتكتمل عندنا صورة ماضي شبه كامل :"" لذلك جهّزوا هديتكم * ترفع حواجبها *

لي عودة لبقية التعليقات هنا وبخارج المنتدى ، اعذروا الانشغالات بهالفترة :$ + حبيت النقاشات اللي قاعدة أقراها وأستمتع فيها ، بالنسبة لنقاش الجميلتين زين وغُربة فبترك الساحة لمخيلاتكم وأراءكم بدون تدخّل مني إلا لتوضيح الأمور اللي ممكن تلتبس عليكم ، وراح تكتشفون صحّة مفترضاتكم من عدمها قريب إن شاء الله
ولي رجعة لنقاش الحلوين فتاة طيبة وطعون ونوح الهجير ، تطرقتوا لنقطة مهمة بخصوص حياة فواز وجيهان، وأوعدكم بالرد ولو قبل نزول البارت بساعة وإذا ما قدرت فبعد البارت مباشرة ... بس نقطة مهمة لفتاة طيبة ، الجمال ما عمره كان بمقياس واحد عند كل البشر، ممكن تشوفين إنسانة قبيحة لكن غيرك يراها بعين الجمال ، وفواز إذا شاف جيهان جميلة فهو أولًا نابع من حبه القديم لها، ما نقدر نقول وش حب فيها مع أخلاقها ذي اضافةً لكون ملامحها عادية ، لأن فواز كان يحبها من سنوااات طويلة قبل لا تتغيّر حتى وطبيعي وقتها أخلاقها بعد غير عن الحين، والشيء الطبيعي الثاني إن المُحب دايم يرى حبيبه جميل بكل الأحوال ومهما كانت بشاعته

،

* ( توضيح بسيط بذكره نهاية البارت الجاي عشان اللي ما يقرون التعليقات )
إبراهيم وسعد وخصوصًا إبراهيم تم ذكرهم قبل البارت الأخير وبارت السكرتير بفترة ، كثير منكم تغافل أو نقول نسي هالجزئية المهمة اللي توضح سبب الكره ضد سلطان من إبراهيم ..
طبعًا إبراهيم كان يشتغل عند سلطان وبينهم مشاكل كثيرة واحتكاكات سلبية، ما ذُكرت بالتفصيل بس ذكرت إجمالًا إنه ما كان بينهم وفاق ومشكلة ورى الثانية بين مدير وموظف عنده ... طبعًا في الأخير تم طرد إبراهيم من شغله بس إبراهيم أساسًا كاره سلطان وحاقد عليه وتفكيره السطحي ساعد في زرع هالعداوة في قلبه وفكرة تخريب حياة سلطان بأي طريقة
وبس هذي القصة وصلى الله على محمد ، مشكلتكم تنسون أهم الأمور لدرجة إني اشك معاكم وأوقات ألخبط بالأحداث وأنسى اللي كتبته من بعض تعليقاتكم

ومرة ثالثة كل عام وأنتم بخير ، ربي يسعدكم ويزرع الراحة بقلوبكم الجميلة ()


أستودعكم ربي :$$$




أبها 24-09-15 12:44 PM

🍃🌸🍃🌸🍃🌸🍃🌸🍃🌸🍃

تقبل الله طاعتكم وعيدكم مبارك وكل عام وانتم بخير

وتحية خاصة للمبدعة كيد ..
والله لم أنس دخول ابراهيم على السكرتير
عندها ترك رقم هاتفه ..( أراويك إني متابعة ذهينة😊)
ولكن كان باعتقادي أن حقده إمتداد لحقد أحمد
أو لها ارتباط بانتقام سلمان ..فاختلطت الأمور عندي .

وبخصوص جيهان أوافقك الرأي أن الجمال نسبي
فما أراه جميلا قد لا يراه غيري كذلك .
هي الأرواح جنود مجندة ..

إنما كان العتب باعتقادي على سوء أدبها مع أم فواز
وهذا ما أثار الحنق عليها ..
خاصة مع استمرار مشاعر فواز الفياضة نحوها ..
فالإنسان السوي يدوس على مشاعره إذا مسّ
أحدهم أحد والديه بسوء ..

وتستاهلين هدية يا كيد ..
ولكِ منيّ دعوة خالصة بأن يبارك الله لك في عمرك
ووقتك وأهلك وأن يجعلكِ مفتاحاً للخير .🌷

فتاة طيبة 26-09-15 01:18 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبها (المشاركة 3560811)
🍃🌸🍃🌸🍃🌸🍃🌸🍃🌸🍃

تقبل الله طاعتكم وعيدكم مبارك وكل عام وانتم بخير

وتحية خاصة للمبدعة كيد ..
والله لم أنس دخول ابراهيم على السكرتير
عندها ترك رقم هاتفه ..( أراويك إني متابعة ذهينة😊)
ولكن كان باعتقادي أن حقده إمتداد لحقد أحمد
أو لها ارتباط بانتقام سلمان ..فاختلطت الأمور عندي .

وبخصوص جيهان أوافقك الرأي أن الجمال نسبي
فما أراه جميلا قد لا يراه غيري كذلك .
هي الأرواح جنود مجندة ..

إنما كان العتب باعتقادي على سوء أدبها مع أم فواز
وهذا ما أثار الحنق عليها ..
خاصة مع استمرار مشاعر فواز الفياضة نحوها ..
فالإنسان السوي يدوس على مشاعره إذا مسّ
أحدهم أحد والديه بسوء ..

وتستاهلين هدية يا كيد ..
ولكِ منيّ دعوة خالصة بأن يبارك الله لك في عمرك
ووقتك وأهلك وأن يجعلكِ مفتاحاً للخير .🌷

بالضبط مثل ماقالت أبها .. وأنا معك ياكيد بالنسبة لنقطة الجمال اوافقك مئة بالمئة ولكن أنا ذكرتها استطرادا وقلت مع سوء اخلاقها ليس هناك جمال يفتن وهذا معروف أن بعض الرجال يفتنه الجمال فقط وهو مايجعله يهيم عشقا لكن حتى هذه الحالة غير موجودة وهذا مادعاني لذكرها

كَيــدْ 26-09-15 07:47 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



صباحكم خير وراحة وسعادة للأبد
توني مخلصة البارت اللي وصلت فيه أمس لـ 32 صفحة بالوورد والحين مدري كم بالضبط :( طبعًا أنا مقررة يكون أقل شيء 40 صفحة فزدت عليه بالشكل اللي يخليه مُكتمل ، وعاد كنت أكتب وأنقله للاب أختي عشان أبني الهمة بالصفحات بس بما أني برى البيت فما عندي إمكانية أشوف عدد الصفحات لذلك نقدّرها بحوالي 37 بارت ونقول يارب يخادعني تقديري ويكون 40

الزبدة كثرت هذرة ، ساعتين أو ثلاث للمراجعة وراح يكون البارت عندكم ، اليوم راح أستعجل بتنزيله عشان النت مضروب شوي وأخاف يصير شيء ويمنعني من التنزيل
مراجعة بسيطة فقط ويكون البارت عندكم، وعاد الله الله بالحمـاس ترى حماسي صار فل مع هالبـارت لا يقل حماسكم عني :$$$

الحمدلله عليكم حتى يرضى ()


كَيــدْ 26-09-15 01:28 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافية


استلموا الجزء وعسى أن يكون ممتع وطويل بقدر طول مراجعتي له :(

بسم الله
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !


لا تلهيكم عن العبادات

(54)




في وقتٍ سابق - صباحاتِ بروكسيل الباردَة
فرَكت كفيها ببعضهما البعضِ لترفعهما إلى فمها وتنفخ من أنفاسها عليهما، الصباحُ بارد، يُشاطر برودةَ الروحِ في الليالي الوحيدة قبل المنـام، يشاطر الأفكار التي تغرق في وسادتها الناعمةِ وبعض الدمعِ حين يصل بها الضيق منتهاه.
زفَرت من أنفاسها على كفيها مرةً أخرى ورفعَت حدقتيها للسماءِ الزرقـاء، لطالما أحبّت اللون الأزرق، السماء، البحر الذي لا تجدهُ في الريـاض، كل أزرقَ يكون بهيًا، وليتَ الحيـاة زرقاء لتأخذ جمال السماءِ وعطاءها.
تحرّكت بسرعةٍ لتتجه للصيدليةِ القريبة من مبناهم، اضطرت اليوم للنزول وحيدةً حتى دون أن تخبر والدها لكونِ ليـان قد نهضت فجأةً باكيـةً وجسدها ساخن، ستشتري لها دواءً خافضًا وإن لم يُفِد ستتصل بوالدها وتُخبره.
كلّ ما تعلمه أنّ والدها يُشغر وقته صباحًا بالكثير مما لا تعلمه، لا تدري إن كان يفكر بأن يعمل أم يعمل فعليًا فهو لم يتطرق لذكر ذلك أمـامها، خصوصًا أن راتبَ تقاعدهِ ممتازٌ ويكفيهم جميعهم وأكثر والحمدلله، لذا تستبعد كونه يفكر بالعمل، لكنها لا تدري أين يذهب منذ الصبـاحِ وحتى المساء.
دخَلت للصيدلية لتوضِّب أمورها بسرعةٍ وتخرج حاملةً كيسَ الدواء، تحرّكت متجهةً نحوَ المبنى لولا أن اصتدمَ بها جسدٌ كان مُسرعًا جعلها تسقطُ بقوةٍ على الأرضِ ويسقطَ الكيسُ جانبًا وتتناثر شظايا زجاجِ قنينة الدواء.
تأوّهت أرجوان بقوّةٍ وهي تضعُ كفّها على ظهرها، بينما انخضَ إليها جسدٌ أنثويٌ وصوتٌ ناعمٌ مرتبكٌ انبعثَ إليها معتذرًا : أنا آسفة، آسفة حقًا ، لم انتبه إليكِ
فتَحت أرجوان عينيها ببطءٍ لتنظر للفتـاةِ المتلثّمةِ أمامها، والتي عقَدت حاجبيها حين رأت ملامح أرجوان وعقلها يحاول تبيّن أين رأتها قبلًا، لكنّها كانت مستعجلةً كفايةً لتقفَ وهي ممسكةً بها متجاهلةً تفكيرها، وبخفوت : آسفة مرةً أخرى
نظرَت أرجوان عاقدةً حاجبيها للدواءِ وسائلٌ بنيٌ انسابَ من الكيس، تأوّهت بجزعٍ وهي تتّجه إليه دونَ أن ترد عليها، رفعَت الكيسَ لتعبسَ رافعةً نظراتِها إليها، وبجزعٍ دونَ أن تنتبه لارتباكِ تلك الفتاة التي تحرّك حدقتيها هنا وهناك بخوف : كُسِر الدواء!!! لا بأس لكن انتبهي في المرّة القادمـة
هزّت الفتـاة رأسها وهي تتحرّك عنها مبتعدةً دون أن تدري ما الذي قالته فعليًا، كانت كمن يُلاحقها عصابةٌ ما! . . لوَت أرجوان فمها باستنكارٍ لصمتها وردّة فعلها الأقرب - للوقاحة -، لو أنها مكانها لقامت على أقل تقدير بطلب شراءِ دواءٍ عوضًا عن الذي كسرته، بالرغم من كونها فعليًا لم تكن لترضى بذلك، لكن ردّة فعلها لن تكون بهذا الشكل!
زفَرت وهي تتّجه لأقرب حاويـةِ قمامة ومن ثمّ رمت الدواءَ المكسور، لتعودَ مرةً أخرى باتّجاهِ الصيدليةِ حتى تشتري واحدًا آخر عوضًا عن الذي كُسِر.

في الجهةِ الأخرى
تحرّكت غادة بهرولةٍ مضطربةٍ وهي تتمنى صفعَ نفسها لتهورها، أي تهوّر؟ ليست المرّة الأولى التي تستغل فيها خروج بدر مبكرًا، لكنَّ الوضع اختلف اليوم، أزواجٌ من الأعين، وتحرّكاتٌ مشبوهةٌ من حولها أثارت الرعب في نفسها! ما الذي يحدث؟!! لأول مرةٍ تبتعد كثيرًا عن المبنى بعد أن هزمتها رغبتها في المشي بعيدًا، وهاهي تجدُ تلك الأعينَ خلفها.


،


يقفُ خلفها في الحمام، كفّهُ تدلّك ظهرها والأخرى تستقرُّ على بطنها وهي تميل إلى المغسلةِ قليلًا وتمسح وجهها بالمـاء، رائحةُ عطرهِ تكتسحُ خلاياها، تلمحُ كفّه المعانقة لبطنها وطرفِ كمّ ثوبهِ الذي تبللَ في حين كان يستعد للذهابِ إلى عملهِ إلا أنّ صوتها وهي تتقيأ في الحمامِ بحدةٍ ووجعٍ جعلهُ يندفعُ إليها.
تشعر بالدوار، بالغثيـان يزدادُ مع رائحةِ عطرهِ القوي، تُحب رائحته! لكنّ رائحتهُ عنيفة، لا تناسب حاملًا تتقلّب معدتها في هذهِ الفترة، بللت شفتيها ووجهها غارقٌ في المـاء، كانت تستعدُّ للإحتدادِ معه ولفظ بضع كلماتٍ رافضةٍ لهذهِ " الفزعة " بعد أن كان وجعها قبل قليلٍ لا يسمح لها، إلا أنه بحركةٍ خاطفةٍ رفع كفه عن بطنها ليسحب بضعةَ مناديل ويقترب من وجهها ليمسحَ الماء عنها، ثمّ همس بخفوتٍ وهو يرمي المناديل في سلّة المهملاتِ بعد أن شعر باستوائها الآن : باقي تحسين بغثيان؟
ديما التي تشعر بالغثيان حتى الآن، لكنّه ليس بذلك العنفِ الذي يجعلها تتقيّأ، هزّت رأسها بالنفي وهي تتحرّك تُريد الخروج، وصوتها يهتف بنبرةٍ جافـة : روح دوامك ولا تحسسني بالذنب عشان شفقتك عليْ ، واضح كنت متقرف وأنت واقف جنبي وشايفني أستفرغ! معليش تستاهل مين قالّك تجي تسوي فيها الذوّيق الشهم
رفعَ حاجبهُ الأيسر ناظرًا إلى ظهرها وهي تبتعد عنه، تجاهل الردّ عليها وهو يخلع الكبك ويخرج من الحمّام ليُبدِّل ثوبه، تأخّر اليوم عن العمل لكن لا بأس، فمن الصعب عليه أن يراها بهذا الحال ويتجاهلها.
تمدّدت على السرير بينما كان هو قد تناول ثوبًا آخر وبدأ بارتدائه، في حين غطّت نفسها باللحافِ ووضعت ذراعها على عينيها منتظرةً انتهاءه وخروجه، تواجدهما معًا لا ينفع! منذ متى اقتربَ قطبان متشابهان؟ كلّنا نحمل نفس الشحنات، نفس الكبرياءِ والقسوة، أنتَ قاسٍ، وأنا لا أقارنُ بقسوتِك، لكنّ قسوتينا حين تلتقي تفرض النفور بيننا، فكيف نظلُّ في نفس الغرفة؟ سننفجر، صدقني قاربنا على الإنفجار.
انتهى واغتسَلَ بعطره، نظر إليها نظرةً خاطفةً قبل أن ينظر للبابِ حتى يخرج، تحرّكت قدماه وأنفاسهُ تستكينُ على أحرف اسمها الأربـع، بودِّه الآن لو يحتضنها ويقبل جبينها قبل ذهابه حتى يشبعَ جوعه إلى ملمسِ بشرتها صباحًا، إلى استنشاقِ شعرها الهمجي، من ذا الذي يبدأ النهار بجوعٍ صَرِف، يعمل بأضلعٍ وشفاهٍ تلتوي جوعًا . . عضَّ زاويـة شفته وعقلهُ يأمرهُ بالإستدارةِ إليها وإزهاقِ هذا الجوع، لكنّه هزَّ رأسه وخرجْ، ربما يبالغ كثيرًا في قسوتِه، أجل يُدرك ذلك، نفسيتها لا تحتمل، ومشاعرها نفسها لم تعد كما هي، يا الله ألم تعد كما هي! مستحيل، لا يذهب الحُب بهذهِ السرعة، لمَ بات يشكُّ في ذلك ويخشى أن يكون حدثَ إعصارٌ ما في صدرها أطاح بحبها له؟!

،


لم يستطِع النوم منذ البارحـة، يتقلّب على سريرهِ والذعرُ يهرولُ على جسده ويسدُّ مساماته ليمنع تعرّقه، يشعر بأن تراكمَ ماتحت جلدهِ سيُفجِّرهُ لا محالـة، أين وصلنا؟ بل أين وصلت؟ .. لم يتردد في سردِ اللعناتِ على إبراهيم في داخله، في شتمه، في بصقِ كل شتيمةٍ على وجهه، لازال حتى الآن يستذكر ما حدثَ البارحـة، الإطلاقات وصوتُ الرصاص الذي أرعبه، ومن ثمَّ شرح سند لهُم عن طبيعةِ ماهم فيه، هم مجموعةٌ خارجـة عن القانون، يجنونُ المال بالخديعةِ والأساليب الغيرِ شرعية، لا يهمّهم مدى إيذائهم للنـاس، وسقطوا هم في حفرتهم! يا الله ما الذي يحدث له؟ ما الذي فعله إبراهيم به؟!!
لازال يتذكر انفعاله هو وإبراهيم الذي رفضَ في بادئ الأمرِ الإنصياعَ لهم، ليظهر من بعد ذلك المدعو " سالم " باسمًا بملامحهِ الوحشيَة، لافظًا بكلماتٍ هزّته وكثّفت الرُعبَ فيه " دخول الحمـام مو مثل خروجه ، على بالكم بتقدرون تطلعون بهالسهولة بدون ضرائب؟ .. آه صح! ترى طبيعي جدًا تكون الضرائب موتكم بعد اللي عرفتوه "
حينها هدأ إبراهيم لفترة، لثوانٍ طالت قبل أن يُردف على صمتهِ بهدوءٍ شرس : والفائدة من تعاوننا؟
سالم بثقة : كل اللي تتمناه ، وأولها تكسر سلطان
بينما رفضَ سعد باهتزازٍ كل شيء، كل شيءٍ من المغرياتِ التي عرضها عليهِ سلمان وبالرغم من التهديداتِ أيضًا! وكانت النتيجة أن حُبس في إحدى الغرف ، إلى إشعارٍ آخر!
تأمّل سعد الغرفةَ ذاتَ الألوانِ الكئيبة، الغريب أنّهم لم يقتلوه مباشرة، ولم يؤذوه حتى الآن، ومن الواضح أنّهم يحتاجونه بشدّة، لكن لمَ هو وإبراهيم تحديدًا؟ ألأن لهم علاقةً مباشرةً بسلطان؟ ماذا يريدون من سلطان أساسًا؟!! . . " الله ياخذك يا سلطان كاني بتورط بشيء بسببك، والله ياخذك يا إبراهيم الله ياخذك " ، ولم يلقى بدًّا من لعنهِ من جديد.
ضوءُ النهارِ تسلل من النافذةِ الزجاجيـة، عقَد حاجبيه ناظرًا إليها، هل يثقون بأنفسهم حدّ أن يضعوه في غرفةٍ تحتوي نافذة؟ أيظنون أنّه يخافهم لدرجة أن ينزع أي فكرةٍ للهرب؟! .. نهضَ من السريرِ القاسي ليتّجه نحوها، نظرَ عبرها للحديقةِ الواسعة والسورِ المرتفع، مجنونٌ هو إذا بقيَ هنا، إذا تعاوَن مع أناسٍ مثلهم، قد يقومُ بكل " مصيبةٍ " في الحياة لكنّ هذهِ قاتلة! قاتـلةٌ وستلاحقهُ إلى أن يشيخ وإن تركوه هم.
بلل شفتيهِ وهو يتأمل السور، لن يبقى هنا، ولن يركض خلف إبراهيم في هذا الأمرِ وينصاع لهم ... عندَ تلك النقطةِ تحديدًا فُتحَ البابُ واستدارَ ناظرًا لسالم الذي دخَل وحده، عقدَ حاجبيه بتوجسٍ وصدره يضطرب وهو ينظر لملامحهِ المُرعبة عبرَ أثيرِ ظلامِ الغرفة والتي يتخلخلها خيوط الصباح من النافذة.
ابتسم سالم ببرودٍ قارس وهو يقترب منه : تفكر تهرب؟
لوى سعد فمهُ بكرهٍ لا ينجلي عنه الخوفُ في ذات اللحظة، لم يتحرك من مكانه وهو يهتف : أكيد طبعًا أجل بشوف النافذة وأتجاهل هالفكرة؟
سالم بتعجبٍ يرفع حاجبيه : من الدور الرابع؟
سعد : فيه أنابيب تقدر توصلني لبر الأمان
ابتسم بإعجابٍ لتفكيرهِ رغم تخلخل بعض الغبـاء فيه : وتظن إنك بتوصل قبل لا ينتبه لك أحد؟ إنت عارف كم شخص موجود بهالمبنى؟
سعدْ يعقد حاجبيه باستنكار : ليه هالمبنى وش مركزه بالضبط؟
سالم وابتسامته تلتوي لأسئلة سعد الماكرة، أجاب وهو يرفعُ كفهُ بثلاثِ أنامل مفرودة : مهم أكيد والأفراد فيه من المرتبة الثالثة
سعد لا يمكنه أن يثقَ بما يسمع، لفظَ باستفسارٍ آخر : أجل أنت تُعتبر من المرتبة الثالثة؟
سالم بابتسامةٍ تتسع : بالضبط
سعد : واللي اسمه صالح؟ هذاك اللي تسلل لشركة سلطان آخر مرة .. * من العمليات التي لم تُذكر تفصيلًا *
سالم يرفعُ حاجبيه، وبنبرةٍ متوحشةٍ متسلية : هذاك واحد عادي من المراكز اللي ولا شيء!، استخدمناه بس لمهمة وحدة وانتهى
ارتعدَت أطرافهُ بذعر، لا يستبعد أن يلحقهُ هو وإبراهيم، ازدردَ ريقه وهو يهمس لنفسه، فليذهب إبراهيم للجحيم! لا علاقةَ لي به.
لوَى سالم فمهُ وهو ينتبه لصمته الذي طال : والحين لازلت تفكر تهرب؟
رفعَ نظراته إليه بعد أن أسقطها أرضًا في حالـة شرود، إن تجرّأ ووافق فستتبعه تلك الموافقة أبد الدهرِ في حياته، حتى وإن تركوه فالراحـة لن تجيئه وهو يفكر في أنه تورّط مع أناسٍ خطيرين مثلهم، ما الذي يجعله يثق بأنّه لن يُسجن؟ لن يُلاحق في أقل تقدير؟ ما الذي يجعله يطمئن في حيـاتِه الباقية؟!
هزّ رأسه بالنفي وهو يهتف بجزع : لا تظن إني بوافق
سالم ببرود : أنت مجبور توافق ، مين منتظرك توافق أصلًا؟ تدري إنك مستحيل تطلع من هالمبنى عايش لو ما رضيت؟
سعد بذعرٍ وتوتر : ماني براضي
اقتربَ منه ببرودٍ وهو يبتسم ابتسامته الباردة والمُزعجة، وقفَ أمامه مباشرةً في حين كان ينظر إليه سالم بملءِ غرورهِ وبروده، همسَ بصوتٍ أشبه بفحيح الأفعى الماكرة : صدقني صرت معتبرك راضي أو * حرّك إبهامه ببطءٍ مستفزٍ بشكلٍ أفقي على عنقه كناية القتل *
عضّ سعد طرف شفتهِ بقهر، وارتفعَ صوته بغضبٍ صارخًا بحقد : يا حقييييير يا **** يا ******
ضحكَ سالم بقوةٍ وهو يُعيد رأسه للخلفِ قليلًا بينما كانت أطراف سعد ترتعش من فرطِ انفعاله، لم يستغرق في الضحكِ طويلًا حتى ارتدّ برأسهِ إليه ليضربهُ بهِ بقوةٍ على جبينه، تراجعَ سعد للخلفِ من حركتهِ الفجائية والصداع انتشر بقوةٍ في رأسه من صلابته، قبل أن يشعر بقبضةِ سالم ترتفعُ وتمسك بفكهِ بقوةٍ كادت أن تحطمه، وبحدةٍ من بين أسنانه : ما أنتظر كثير ولا أحكي كثير مع حثالة أمثالك ، بالعادة تهديد واحد ويصير اللي أبيه في غمضة عين ، الحين تجيني أنت وتفكر تتلاعب وتطوّل بالحكي معي؟
كان يتحدّث وقد ألصقَ فوّهةَ المسدسِ في رأسه بيدهِ الأخرى، تجمّد الدمُ في عروقهِ وهو يشدُّ على أسنانهِ وينظر لملامحِ سالم بقهرٍ وحقدٍ مختلطٍ مع الخوف، لكنّه بقي ثابتًا أمامـه رغم خوفه.
سالم بحدة : للحين مُصر؟
سعد بحقد : دامك حبستني وسويت كل هالبلبلة فعلى الأرجح ماراح تقتلني ، انت محتاجني!
رفعَ سالم إحدى حاجبيه وهو يبتسم بسخرية ويلصق فوّهة المسدس في رأسه أكثر : متأكد؟
سعد بأطرافٍ مضطربة لم يصل اضطرابها إلى صوته : مليون بالمية
ابتعدَ سالم للخلفِ قليلًا وهو يُبعد الفوّهة عن رأس سعد قبل أن يضربهُ بالمسدس بكلِّ قوةٍ على وجنته، ترنّح وهو يمسحُ شفته التي نزفت بينما نظراته مُثبتةٌ عليه، على ملامحه التي أضاءت أكثر بنضوجِ الصباحِ والشمس .. لفظَ سالم بقسوةٍ وبرودٍ وهو يدقق النظر في ملامح سعد : لي رجعة لك ، وصدقني الثانية بتكون نتيجتها اثنين ، يا معانا ، يا تحت التراب
ليتراجع نحو البابِ ويخرج مطبقًا لهُ خلفهُ بقوة.


،


الواحدةُ والنصف ظهرًا
جلسَ وهو بجانبِه، الجو حارٌ والجفافُ يحتكُّ بحنجرته، استدارَ ناظرًا لعبدالله وهو يبلل شفاهه، هل ما يفعلهُ صحيح؟ هل يجب أن يخبرهُ هو؟ ، انتهت فقرةُ الحيرةِ يا أدهم، انتهت فقرةُ التوترِ والتردد، وحيـاةٌ كاملةٌ يجبُ أن ينقشعَ عنها الظلام الذي كان اثنتانِ وعشرون سنة.
همسَ بخفوتٍ وتوترٍ وهو يمسحُ على شعرهِ اللولبي : الجو حار ، ما تبينا نغير مكاننا
عبدالله بجمودٍ نظرَ إليه وهو لا يهتم ولا يشعر بتلك الحرارةِ التي تغتالُ جسده، بنبرةٍ باردة : لا مافيه داعي لتغيير المكان ، ادخل في صلب الموضوع مباشرة
تنحنح أدهم بارتباكٍ وهو يفرك فخذيه بباطنِ كفيهِ وينظر للأمـام، للأرضِ الجافّةِ والمُخضرُّ منها أجزاءٌ بعُشبٍ يبكي حرارةَ الأجواء، أغمض عينيه للحظةٍ ومن ثمّ فتحهما، لمَ لا يبدأ هوَ بقولِ شيء؟ يُلقي براعم الماضي ليُسقيها هو وتتفتح أزهارها على يده! لمَ لا يُلقي الدافعَ ليتحدّث؟!!
ازدردَ ريقهِ وهو يُفرقع أصابعَ يدهِ اليُمنى، وبخفوتٍ متوتر : هي إلين قايلة لك شلون درَت؟
عبدالله بجمودٍ يوجّه نظراتٍ قاسيةٍ إليه : درت بوشو؟
أدهم يبتلعُ توتره وهو يعاتب نفسه على اهتزازهِ أمامه، منذ متى كان بتلكَ الصورة، منذ متى كان يهتزُّ أمام أحد ... لفظَ بصوتٍ قشَع عنه التوتر : أقصد شلون حطّت في بالها سالفة الأخوّة ذي
اتّسعت عينا عبدالله بصدمةٍ وقلبه ينقبضُ بشدّة، هتفَ بصوتٍ ارتعشَ لأول مرةٍ منذ بداية اللقاء : يعني منت أخوها؟
أدهم بهدوء : وإذا ما كنت؟
عبدالله بحدة : لا تتلاعب ، قول أيه أو لا
كان من الصعبِ عليهِ التفكير لوهلةٍ أنها بالفعل كانت تحادثه، أرادت أن تعيش معه، ذهبت إلى بيتهِ فعلًا وانتصفَت عشّه، كان صعبًا عليهِ أن تغتالها خيبةٌ أخرى بعد خدعةٍ جديدة.
بلل أدهم شفاههُ التي تجف برتابةٍ في هذا الحرْ، وبصوتٍ هادئٍ تلفهُ الأعاصيرُ من خلفِه، سننتهي هُنا، في غيهبٍ وحرارةٍ أذابَت كذبةً ما، كذبةً أنعشَت شيئًا ما في صدري لطالما كنتُ أتجاهله على مرِّ السنين، كذبةً زرعَت في صدري أمل الإقتراب . . أوجعتُ نفسي قبل أن أوجعك، أوجعتُ مشاعري التي ظننت غيابها في ظرفِ سنوات، صدقيني لم أكن المُلائم للأخوة، فما في صدري أكبر، لن تفهميه إن اقتربتي كـ - أخت - : أيه ، ماني أخوها
وكأنّ جبلًا اتّخذ أكتافهُ مَسندًا وحُمّل فوقهما، أغمضَ عينيه بقوةٍ وهو يخفضُ رأسهُ ساندًا لهُ على كفيه، بينما مرفقيه يستندان على ركبتيه، شعر بالحرارةِ تتغلغل صدره، لم ينتبه للأجواءِ ولم يُبالي بها، لم يشعر بها، لكنّها الآن أصبحت ملموسة، أصبحت تذيبهُ كمعدنٍ مُهترئ .. أي خيبةٍ تجيئها؟ وأي خداعٍ عاشتهُ طيلةَ تلك الفترة؟ .. ثقلت أكتافهُ وهو يحنيها بجزع، خُدعت صغيرته، لمراتٍ ومرات، أولًا بتلك الكذبة، وثانيًا بمرورِها وتصديقها لها بمساعدةِ الجالس بجانبه، لمَ صمت؟ لمَ مضى معها فيما تُريد وأرادها بكل حقارةٍ أن تكونَ في بيته؟ اشتعلَ الغضبُ في صدره، واستدار ينظر إليهِ بكل الحقدِ والإحتقار الذي قد يُزرع تجاهَ كل مجرمي الأرض، وهو المجرمُ الوحيد الذي اختزلَ القسوة والحقارةَ في نفسه، لقد أجرم في حقها بانعدامِ إنسانية، ألم يكُن أخاها منذ البداية؟ حقًا؟!! لم يكُن أخاها؟ لم يكُن مرتبطًا بها في علاقةٍ قُدسيةٍ كهذهِ وأراد اقترابًا مُحرمًا منها؟!
نهضَ بقوةٍ وغضبٍ عارمٍ غطّى النهارَ بليلٍ أسود، قبضَ على عنقهِ ليرفعهُ بحدةٍ صارخًا في وجههِ بكل حقدٍ وتقزز : منت أخوها؟ منت أخوها؟!! وتقولها كذا! بكل بساطة تقوووولها؟ .. يا خيبة الرجولة فيك، تخسي تكون رجّال والله، أنت حرام أصلًا تكون إنسان ، حرام تكون إنسان
التوَى حلقهُ بألمٍ لما يسمع، وانقبضَ قلبهُ خلفَ قفصهِ الصدري وعينيه تُظلمانِ بحُزنه، لا تكفي تلك الكلمات لوصفه، لا تكفي الأبجدياتُ لسيرته الذاتية والمُفعمةِ بالسواد، من ذا الذي يُدركُ روحه التي غادرتها الإنسانيةُ منذ صغره؟ غادرتها منذ ظُلمت تلك الفتـاة، طفلته وصغيرته التي لطالما لامسها بافتتانٍ ومنشفةٌ تعانقها لتستفزّه .. " آه " وكأنّ قلبي الصغير كان في مهدكِ يُدركُ أنّ لا علاقة دمَ بيننا، أنّكِ خلقتِ لأُفتَن بنعومةِ بشرتكِ القطنية، بعينيكِ التي شهدتُ انفتاحهما كثيرًا .. " لم تمري مرور الكرام " قالتها أمك، لم تمري مرور الكرام، ولأنّكِ لم تكوني " من الكرام " أوذيتي، مني قبل أن يكون من الجميع.
أغمضَ عينيه مع تقافزِ ضرباتِ صدره، عقله يسترجعُ سؤال سهى لهُ في تلك الليلةِ التي أضاءت بتواجدها في بيته، أصبتِ في سؤالك، اخترقتِ قلبي بسهمٍ أشعل كل مشاعر الماضي، خلقَ من أفكاري اتّجاهًا آخر، اتجاهًا دفعني اليوم لسردِ الحقيقة ، وماذا بعد الحقيقة؟ هل سأقترب من تلك الجوهرة؟ هل سيمنحني الله نعمةً كبيرةً لأُعانقَ وجهها يومًا، كنتِ أكبر من كل أحلامي، واللهِ أكبر، وأنا المتواضعُ في أحلامه، كلّما تمنيتكِ رزقني الله بقناعةٍ تكفيني عن ماهو أكبرُ مني.
نهضَ من أفكارهِ على كف عبدالله الذي صفعهُ صفعةً لم تكُن لتجعلهُ يُصدم الآن، ابتسمَ ابتسامةً باهتةً حزينة وهو يفتحُ عينيه ناظرًا إليه، من كان يظنُّ أنه سيسمح له بصفعه؟ بل من كان يظن أن تلك الإبتسامةَ ستتراءى على ملامحه لتلكَ الصفعة؟! ، أستحق، أستحقُّ أكثر من ذلك وأنا الذي منذ جاءتني تلك الليلة سمحتُ لنفسي برؤيةِ ملامحها وإشعال صدري من جديد، صدري الذي كان يشتعلُ بنارٍ قاتلةٍ كلّما حادثتني في الهاتف، أتصنّع غرورًا وكبرياءً وقلبي يصرخُ بانقباضاتٍ قاتلة، أنفي كلّ ظنونكِ لأني بالفعل " ما أبي عقلك يصدقها! "، أنا لستُ أخًا، ولن أكون لكِ يومًا ذلك.
لكنّ كل مشاعري خانتني في لحظةٍ لأنني أدرك أننا لن نلتقي في شطرٍ تائهٍ عن هذه الحيـاة، لذا فعلتُها، بالرغم من كوني كنتُ أخاف اقترابك، لكنني فعلتُها وكذبت! دونَ أن أبالي باحتراقِ فراشةٍ مثلكِ قرب نارِي.
رفعَ عبدالله كفّه ليصفعهُ من جديدٍ وابتسامته تلك تستفزه، صرخَ في وجهه بغضبٍ دون أن يُبالي بالأعينِ القليلة التي اتّجهت إليهم : يا خسيس، يا حقييير ، بغيتها هاه! بغيت تمارس وضاعتك فيها!! أنت وش؟ منت إنسان، محشومة الإنسانية منك .. ما خفت ربك فيها؟ ما خفت ربّك في هاليتيمة وأنت تفكّر بنجاستك؟!!
عضَّ أدهم شفتهُ السفلى وخطٌ من الدم سقطَ من زاويةِ فمهِ بعد الصفعة الثانية، شعر بطعم الدمِ في فمهِ ليُديرَ رأسه جانبًا ويبصقَ دماءه، ومن ثمّ أعاد نظراته إلى عبدالله في برودٍ لا يتناسبُ مع الموقف، وبجمود : ما تبيني أكمل لك القصة؟
صرخ عبدالله بغضب : ما عاد أبي أسمع منك شيء نعنبو دارك يا الحيوان شلون مخلوق؟
أدهم ببرود : كيفك ، مع إني ما أنلام هي اللي جتني والا أنا في البداية كنت أحاول أقنعها إني ماني بأخوها
اشتعلَ صدرُ عبدالله ليصفعهُ الصفعةَ الثالثة، دفعهُ بقوةٍ ليسقطَ جالسًا على الكُرسي الخشبي ومن ثمّ انحنى إليه وهو يشدَّ شعره بشدةٍ دون أن يستطيع السيطرةَ على غضبه : وما صدقت على الله؟ مشيت الكذبة عليها وهي الملهوفة على أخو ما درت إنه شيطان؟ ليه ما رحت لك من الأماكن النجسة وفرغت حيوانيتك على بنات من مستواك بدل لا تلعب عليها
أدهم يشعرُ بأنّ الكثيرَ من الهمومِ تكابلت عليهِ بعد هذا الإعتراف الذي ظنّه سيُريحه، مشاعرهُ أصابها طوفانٌ حادٌ شعر أنها ستقتلعه، صورتها تتجسّد أمام وجههِ كأجملِ أنثى رأتها عيناه، الآن يستطيع رؤية صورتها في ذهنه دونَ شعورٍ بالذنب، الآن يستطيع استرجاعَ ملامحها التي غُرست في عقلهِ في تلك الليلة، وقد نضجَت وازدادت جمالًا، ما الذي فعلتهِ بي؟ ما الذي أثرتهِ داخلَ صدري؟ . . بشرتها القمحية، عيناها الواسعتان والمُزيّنتانِ بظلالٍ وكحلٍ عربيٍ وعدساتٍ رمادية أخفت لونها المُعتم، أنفها الشامخُ وشفاهها المُمتلئة، إلهي ما هذا العذاب؟ لمَ جئتِ في تلك الليلة؟ لمَ جئتِ وقد نضجَت ملامحك لتجعل من عينايَ أسيرةً لها حتى الآن؟! الآن يستطيع استرجاعَ كل صورةٍ لها دونَ أن يقتلعه شعورٌ بالذنب لتلك الكذبة، لكنّه حتى بعد أن أزاح ذاك الذنب وجدَ صدرهُ يثقل بمشاعره، ولم تستطع الراحة العبور إليه حتى الآن.
نظَر لعبدالله بملامحَ ذاهبةٍ بعد جملته تلك، وابتسم رغمًا عنهُ بسخريةٍ من نفسه قبل أي شيءٍ آخر : الله يسامحك ، قذفتني .. تدري وش عقوبة القذف؟!
عبدالله بغضبٍ من بين أسنانه : ابلع لسانك يا حمار ، وقولي الحين شلون التحاليل طلعت إيجابية؟
ضوّق عينيه قليلًا وهو يشعر بالألمِ الذي انتشرَ في فروةِ رأسه لشد عبدالله لشعره الذي يتضاعف كلّما تصاعدَ غضبه، ولا يلومه، لو كان في مكانه وعلِم بأن رجلًا ما تلاعب بأنثى تخصّه في شيءٍ لقتله وشربَ من دمه. " تخصّه " يا الله ما أجملها من عبارة! ما بال مشاعره اليوم مشتعلةٌ حدّ الوجعِ وهو الذي كان يُحاربها لسنينَ ويتصنع أنّه دفنها؟
أدهم يهتف بخفوتٍ دونَ تردد : رشِيت الدكتور وقتها وخليته يتعاون معاي
كان بودِ عبدالله أن يصفعه ألفًا ويُشبعَ قهره فيه، لكنّه حررَ خصلاتِ شعره وهو يعودُ للخلفِ ويهتف بتقزز : ومبسوط على حالك؟ كنت مخطط تجيبها لك! بأي طريقة؟!!
أدهم بصراحةٍ تُلهب صدره : لا تلومني إذا قلت لك أيه
عبدالله بصراخ : الله يلومك ، الله يلومك ويرميك بنار جهنم يا وصخ، ما خفت ربك باللي تفكر فيه؟ ما خفت ربك!!!
ارتعشَت شفاههُ وهو يخفض نظراته ويبتلع كلماتًا تعبّر عن مافي صدرهِ بشكلٍ ماجنٍ قد تدفعُ عبدالله لقتله في هذا المكان، وبخفوتٍ وكأنه يُحادث نفسه : صدقني أنا مرمي فيها وخالص
عبدالله باحتقار : وعساك مُخلد فيها بعد
أدهم يبتسم ابتسامةً بعيدة المدى وهو يلفظُ بصوتٍ ملتهب : آمين ، للأبد مُخلد فيها!
أمسك عبدالله بذقنه بقسوةٍ ليرفعَ رأسه إليه متجاهلًا هذا الحديث وهو يهتف بحدة : شلون طاحت أقداركم ببعض؟ شلون وصلت لك ووش دخّل أمها أو نقول الزفتة اللي ما ندري وش أصلها اللي كذبت عليها قبل سنة؟
لوى أدهم فمهُ باحتقارٍ لتلك المرأةِ وهو يتجاهل قبضةَ عبدالله التي تكادُ تحطم فكه : هذي كذبت علينا قبلها مو بس على نجـ ... إلين
تجاهل عبدالله الاسم الذي كاد يلفظ بهِ أدهم، وبحدةٍ وهو يشد على فكيه أكثر : شلون كذبت عليكم؟ هي أمها أساسًا والا لا؟
أدهم يتحدّث بصعوبةٍ لفكّه المأسورِ بقبضة عبدالله : أيه أمها
ترك عبدالله فكّه فجأةً وهو يلعنها، ليستغفر من بعدها وقد هُدرت أعصابه اليوم كفايةً أسفل تلك الحقائق الموجعة، وماذا بقيَ بعد ذلك؟ المزيدُ من الأسى، الخُذلان، المزيدُ من الوجعِ على قلبِ تلك الفتاة التي لن تحتمل سماعَ هذا الحديث وهو الذي يتصنّع الإحتمال بينما صدرهُ يدوي بألم، أما تكفي تلك الكذبةُ التي اقتلعتها بها زوجته؟ أما تكفي تلك الصدمةُ التي ألقيَت على عاتقها؟ فكيف ستحتمل المزيد وهو الذي يكادُ يسقط منكبًا على وجهه؟!
فركَ أدهم فكّه وهو يُردف متجاهلًا الإختلاجات التي تموجُ في عيني هذا الرجل، سيكذب إن قال أنه لم يُشفق عليه، لكن لا مجال للتراجعِ الآن .. هتفَ بصوتٍ هادئٍ ظاهريًا يُعاكس ذاك الإعصار الذي خُلق داخلهُ وما عاد هناك مجالٌ لانبلاجهِ إلا بعينيها : امها اللي هي مرَت أبوي كانت متلاعبة ... شوف ترى أنا ما كانت تعني لي شيء، ولا أشوفها مرتبطة بعيلتنا أصلًا! فما أبالي أسرد لك وصاختها أو أنحرج . . الحيـاة حلوة والله
قالَ جملته الأخيرةَ وهو يبتسم بسخرية، بينما لوى عبدالله فمه بتقرفٍ منه، وماذا يُسمي " وصاخته " هو؟
أردفَ أدهم بصوتٍ متقزز : مرة من المرات طلبت من أبوي تسافر للندن، عاد أبوي الله يرحمه كان للأبد مدلعها وليتها تستاهل فوافق بس ما كان يقدر يروح معها لأنه مشغول ولا يقدر يخليها بروحها فخلاها تروح مع أخوها اللي وصلها بس وراح هو يهيت بعيد عن لندن بعد ما لعبت بعقله وأقنعته وهو أساسًا ما كان كبير وواعي كفاية فكان الوضع سهل عليها .. وعاد من بعدها الأخت ما صدقت على الله ولعبت بعمرها
عبدالله بقرفٍ ووجعٍ على إلين في ذاتِ اللحظة استغفرَ وهو يتمنى لو يبصقَ على وجهها ووجهِ أدهم الذي يسرد القصة وكأنه يحكي نكتةً ما، نكتةً تعدّت القذارة بمراحل.
أدهم يبتسم بسخريةٍ وهو يميل برأسه جانبًا ناظرًا لعبدالله الواقف أمامها بلوعةٍ وألمٍ يماثل ألمه بل يتجاوزه بمراحل على تلك الأنثى : باقي ما وصلنا للصدمة ، الأخت طاحت على رجّال معروف وعنده ثروة كبيرة فلعبت عليه وتزوجته
اتّسعت عينا عبدالله بصدمةٍ وهو يهتف ببهوت : تزوجته؟
أدهم بسخريةٍ لاذعة : أيه ، الرجّال على قولته ما عنده تلاعب فتزوجته وهي معطيته علم إنها مطلقة ، صك طلاق مزور وكذبة ورى كذبة لين ما وصلَت له


،


نظَرت للحقيبةِ البنية بشرود، لم تتجرأ حتى الآن على بعثرةِ ما داخلها لتكتشف ولو خيطًا يربطها بتلك الفتـاة، سقطَت هذهِ الحقيبةُ منها صباحًا في ذاكَ الاصتدام ويبدو أنها لم تنتبه لعجلتها وبعثرتها تلك . . عقَدت أرجوان حاجبيها وهي تجلس على السرير الذي يحمل تلك الحقيبة، نظرت إليها بتوجسٍ وكأنها ترى مخلوقًا مؤذيًا أمامها، لمَ ورّطت نفسها وحملتها معها؟ لكنّها لم تكُن لتتركها حتى يتلقفها أحد المارةِ ويسرقها . . مدّت يدها لها وفتحتها بتوترٍ وحَرج، نظرت لما في داخلها حتى لمحَت هاتفَ " آيفون " لتقطّب جبينها، أخرجت الهاتفَ ووضعته جانبًا، لا داعي للتطفل على الهاتف فقد تعثر على أوراقٍ ثبوتية تستطيع بها الوصول إلى الفتـاة .. بحثَت في حنايا الحقيبةِ ولم تجد أكثر من مستلزماتٍ عادية دون أوراق، زفَرت وهي تعود للنظر إلى الهاتف، لم يعد لها خيارٌ آخر ... حملته بترددٍ لتفتحه، زفَرت بأريحيةٍ حين لم تجدها واضعةً قفلًا يمنع أحدًا من الدخول، وشدّها أن لغة الهاتف كانت عربية ، تلك الفتـاة عربية! ، ابتسمَت تلقائيًا وهي تشعر بأنها مسؤولةٌ كليًا على إيصالِ هذه الحقيبةِ إليها، فهي عربيةٌ تجري دماؤها في عروقها.
اتّجهت ناحيـة الاتصالاتِ الصادرة لتستنكر أنّه لا يوجدُ سوى رقمٌ وحيدٌ فقط، لكنها لم تستغرق في التفكير وهي تتّصل به.


،


من جهةٍ أخرى
وضعَ مسدسهُ جانبًا على الطاولة وهو يمسحُ حبيباتِ العرق عن وجههِ بمنشفةٍ صغيرة، جلسَ على الكرسيِ وهو ينظر للرجالِ من حوله، ابتسم ابتسامةً خافتةً وقد تركهم يرتاحون لبعضِ الوقت بعد أن غسلهم الإرهاقُ اليوم وهو أيضًا.
رمى المنشفةَ على كتفيه وهو يتناول هاتفهُ الذي كان يضعهُ فوقَ الطاولـة، اتّجه لرقمِ غادة حتى يتّصل بها ويطمئن عليها، لكنّه ما إن حرّك اصبعه ليتصل حتى أضاء هاتفهُ برقمها، فابتسم تلقائيًا وهو يهمس : الطيب عند ذكره
ردّ عليها ورفعَ الهاتفَ لأذنه ليهتف بابتسامة : هلا بحبيبة أخوها هلا ، رحت اليوم وأنتِ مثل أمس زعلانة عسى رضيتي علي وقررتي تتصلين
توترَت أرجوان من الجهةِ الأخرى وهي تحكُّ عنقها، كانت تُدرك أنّ الرقم الذي ستتصل بهِ سيكون صاحبهُ رجلًا من تسميته " أخي حبيبي " ولم يكن لها خيارٌ سوى أن تتصل بهِ لأنه الرقم الوحيد الموجود في الأرقام الصادرة ويالغرابة الأمر! ، تمنت لو أنها انتظرت والدها حتى يعود لتتركهُ يتصرّف بنفسه، لكن بمَ تفسر خروجها دونَ علمهِ صباحًا؟ بالتأكيد هي لا تريد إخبارهُ بمرض ليان، فآخر ما تريده هو أن تقلقه.
بللت شفتيها بتوترٍ وهي تسمعهُ يهتف باستنكارٍ لصمتها : غادة شفيك؟ ما أظن بتتصلين علي عشان تسكتين
تنحنحت بإحراجٍ كبيرٍ وهي تهمس بتوتر : آسفة أخوي ماني صاحبة الجوال
نهضَ بدر متفاجئًا وعيناه تتسعان، عمِل عقله بسرعة، كيف وصل هاتفها إلى فتاةٍ غريبة! ما الذي سيجعله يخرح من البيتِ ليقفز في يد هذهِ التي تُحادثه! . . وجَد نفسه يحترقُ وهو يهتفُ بحدةٍ وعنفٍ يختلطان بقلقه : وش موصل جوالها لعندك؟ مين أنتِ أصلًا!!
عقَدت حاجبيها باستنكارٍ لهجومه، لكنها ازدردت ريقها بإحراجٍ وهي تهمس بخفوت : صدمَت فيني الصبح بالغلط وطاحت شنطتها من غير لا تنتبه
بدرْ عقد حاجبيه، أين اصتدمَت بها وهي التي تجلس طول فترةِ غيابهِ في الشقة المراقبَة؟! ، بحدةٍ وهو يشدُّ على الهاتفِ هتف من بين أسنانه : لا تتلاعبين معي ، مين أنتِ وشلون وصلتِ للجوال؟
ارتعشَت شفاه أرجوان بتوترٍ من صوته الغليظِ والقاسي وكأنه يحادث مذنبة، عقدَت حاجبيه وهو تلوي فمها بغيظ، يبدو أن هذهِ العائلة تحلّت بالوقاحـةِ توارثًا! ... شدّت شفتها بامتعاضٍ وهي تهتف بأدب : عفوًا يا أخ ما أسمح لك تشكك بنيتي ، أختك طاحت منها الشنطة وأنا أخذتها عشان ما تنسرق ولأني كنت الطرف اللي صدمت فيه فشفت إن من حقها أحتفظ فيها وأوصلها لها
تحرّكت قدما بدر لاتّجاهٍ معين وهو يلفظ بسخرية : علينا! تظنيني غبي أو أيش بالضبط؟ صدقيني كنتِ غبية يوم ورطتي حالك معي أنا تحديدًا ، لو عطوك مهمة أصعب بتكون سهلة دامها بعيدة عني
أنهى جملته تلك ليدخل لغرفةٍ محددةٍ وينظر لأحد الجالسين على مكتبهِ ينظر لشاشةٍ أمامه، وبهمسٍ حازمٍ وهو يُغطي سماعة الهاتف : أبي أتتبع هالاتصال ، بسرعة
انتفضَ الرجل ناظرًا له وبسرعةٍ هزّ رأسه بطاعة، بينما اقتربَ منه بدر وهو يسمعها تلفظ بغضبٍ بعد موجةِ الجُمل الغريبة التي قالها لها، وبالرغم من عدمِ فهمها إلا أنها أدركت أنها أخطأت حين اتصلت، لذا هتفت بحدة : شكلي غلطت يوم اتصلت عشان أرجع أغراض أختك ، السموحة منك، وإذا بغيتوا الأغراض أرسل رسالة على هالرقم لأني مستحيل أرجع أتكلم مع شخص ما عنده ذوق
قالت كلماتها تلكَ ليُدرك بدر أنها تنوي الإغلاق، حينها هتفَ بحدة حتى يمنعها : لا لا يبيلنا ناخذ كورس عن الذوق منك .. تسمحين آخذ عنوانك عشان تعلميني؟
ارتعشَت أرجوان لوقاحتهِ لتبتلع الكلمات لجوفها وتوفّرها على نفسها، أغلقَت في وجههِ دون ردٍ آخر وهي تلومُ نفسها على تفكيرها الذي أسقطها في طريقِ هذا الوقح، ليتها تركت الحقيبة، وليتها لم تفتحها، ليتها لم تتصل بهِ وتستمع لصوتهِ المزعجِ وأسلوبهِ الفظ.

من الجهةِ الأخرى رمى بدر الهاتفَ بغضبٍ بعد إغلاقها لينظر للذي كان يوضّب مسألة التتبع، وبصراخٍ يصب جام غضبه عليه : اترك اللي بيدك وروح شوف لي وضع الشقة، ويا ويلكم والله! يا ويلكم لو اكتشف إنه صار لأهلي شيء
تنفسَ بغضبٍ وهو يضغطُ على رأسه وانفعالاتٌ تجيئه من كل حدبٍ وصوب، أيعقل أن يكون أصابهم شيء؟ غيرُ معقول، غير معقول، لم يتبقى من عائلته الصغيرةِ سواهم، وإن ذهبوا لن يحتمل الوحدة، سيموتُ غرقًا في ظلامها.
غضبهُ جعلهُ يغفلُ عن نقطةٍ هامةٍ وهو يتحرّك ذهابًا وإيابًا في الغرفةِ بينما الأعين تنظر إليه بقلق، ففي العادةِ يكُونُ هادئًا لذا من الأمور الخارقة للطبيعةِ أن يصبحَ بهذا الشكل.
توقّف فجأةً وعيناه تتّسعان بعدما عاد إليه الإدراك، كيف غفل عن هذا الأمر؟ .. زمّ شفتيه قبل أن ينظر لشخصٍ آخر غير الذي ذهبَ ليهتف بقسوةٍ وغضبٍ أسود : تتبّع لي إشارة الجوال اللي متّصل علي


،


استغرقَت الحرارةُ في التغلغل إلى أجسادِهم، والحديثُ الذي يُقالُ يُثقل صدر عبدالله بينما يفكُّ القليلَ من ضيقِ الآخر وفي ذاتِ اللحظةِ يُلهب مشاعره، وكأنّ التياراتِ تنتقل منه إلى عبدالله، بمشاركةِ نارٍ تشتثيرُ جزيئاتِه ... هاهي الشمسُ تشهد على اعترافِي، على " كم أنا أحمقُ حين قررت لعبَ مثل هذهِ اللعبة "! هل كان بالفعلِ يُفكر بذلك الغبـاء المُزمن؟ أن يُقرّبها منه وهي التي بحضورٍ واحدٍ نسفته؟! ماهذا الضعفُ الذي تخلفينه فيَّ؟ لطالما تصنّعت عدم المبالاة بِك، عدم الإهتمام وعدم تغلغل ذكراكِ في جدرانِ ذاكرتي، لكنّك بحضورٍ واحد، في بيتي، بملامحَ ناضجةٍ تزيّنت لتُجسِّدي الفتنة ، أسقطتِ كل حصوني دفعةً واحدة.
عضَّ زاويةَ فمهِ وهو يشعر بأن صورتها تدغدغُ صدره، زفَر يلفظُ مشاعره التي تفجّرت في لحظةٍ واحدةٍ مباغتةٍ لثباته، وبصوتٍ يحمل هدوءً زائفًا : تزوجوا فعليًا ، وجلست معه فترة بسيطة وبعدين تركها ، يمكن درى! يمكن علمته او اكتشفها بنفسه، محد يدري ... بس للأسف حملت منه
شدَّ عبدالله فمهُ بتقززٍ وتقرفٍ من هذه القصة التي يسردها أدهم بكل برودٍ وكأنّهُ يقرأ عليهِ قصة ما قبلَ النوم، قصّةً أعظم بكثيرٍ من أن يتحملها هو ويستقبلها بكل أريحية، فكيف بها؟ كيف ستكون ردّة فعلها إن علِمَت؟ تمايل حاجباه بألمٍ عليها ، ونظَر بضعفٍ إلى أدهم الذي كان يصدُّ نظراته عنه، فمهما كان صوته باردًا، فهو بذاته يهتزُّ قلبه لتلك القصةِ التي تكبِّل معصميها بعارٍ لا ذنبَ لها فيهِ ولا تُدركه.
أكمل بخفوتٍ مستوجعٍ وهو يميل برأسه قليلًا وصورةُ تلك الطفلة الملتفة بالمنشفة تعاودُ السطوعَ في ذاكرته : رجعَت للسعودية ولا كأن شيء صار ، وقدام أبوي هي حامل منه! هذا اللي ظنيناه وعشنا عليه حتى بعد ولادتها ، بس جاء يوم وكشفت فيه نفسها ، بكل برود! بكل قسوة رمت قنبلتها ومعاها طفلتها واختفَت!!
التوَت معدةُ عبدالله وهو يزمُّ شفتيه، وتراجعَ أدهم براسهِ للخلفِ وأنامله تعبرُ عبور التائهينَ بين خصلاتِ شعره، صوتهُ يتوه ما بينَ وجعٍ وشوق، وما بين ذكرَى وألم ، بُكاءُ رضيعةٍ تريد حليبَ أمها، جائعة، تحتاجُ أحدًا يُنظِّفها ويهتم بها، ووالدهُ من الجهةِ الأخرى يصرخُ بهِ وهو يحملها بوجعِ مراهقٍ في الثانيةِ عشرةَ من عمره، يلتصقُ بطفلتهِ التي تعلّق بها منذ رآها أول مرةٍ وعينيها مغمضتان، منذ أن قالت لهُ رقية " لن تمر مرور الكرام "، منذ أن لامس وجنتها بافتتانٍ وشعرَ في أعمقِ قلبهِ أنّها ستكونُ شيئًا مختلفًا في حياته، شيئًا استثنايئًا، شيئًا " لن يمر مرور الكرام " !!

*

بصراخٍ غاضب مجنونٍ والإحمرارُ يغزو عيناه : طلعها من بيتي ، طلع هالـ **** من بيتي
يُعانقها بقوةٍ وهو ينظر لوالدهِ بذعر، ليست المرةَ الأولى التي يصرخُ فيها بوجهه، ولطالما تجاوز الصراخ إلى ضربه، لذا لن يخاف! لن يخافَ وسيتمسك بطفلتهِ إلى النهايـة.
تراجعَ للخلفِ وهو يلمحُ عينا والدهِ الذي كان يقتربُ منهُ بوحشيةٍ وكأنه يستعدُ لقتلِ شخصٍ ما، لكن لا! ليست هي، ليست نجلاء!! .. كان وقتها لايزال على أعتابِ المراهقة، لكنه يفهم، يُدرك كل شيءٍ ويدرك أن ما قالته زوجة والدهِ أمامه خطير، خطيرٌ للغايـة على صغيرته قبل أي شخصٍ آخر.
شدّها إلى صدرهِ الرقيقِ وهو يهتفُ بارتعاشٍ شديدٍ وإصرارٍ أشد بينما عينيه ترتعشان بخوف : م ، ماني براميها
والدهُ بغضبٍ عارمٍ وهو يقتربُ منه ويُمسك بها محاولًا انتشالها إلا أنه شدَّ عليها بقوة : هاتها ، هات هالـ**** الحقيرة خلني أرميها برى البيت وتلحق أمها الـ****
صرخَ أدهم وعينيه تفرّان منها دمعةٌ خائفةٌ على طفلته ولا خوفَ آخر : لاااا ماراح أعطيك ، ماراح ترميها بتجلس نجلاء هِنـــا
احمرّت عينا والدهِ بينما تصاعدَ بُكاء تلك الطفلةِ في حضن أدهم الذي خانتهُ عيناهُ من بين المراتِ النادرة التي بكى فيها، لم يكُن في طفولته ضعيفًا، ولم تُكن عيناه تهويان طريقَ البللِ والدمع، لكنّ صدرهُ التهبَ تلقائيًا بها ولأجلها وأذاب كل تجمدٍ في عينيه.
شعرَ بكفِ والده تهبطُ فجأةً على وجنتهِ بعنفٍ جعله يترنح بقوةٍ لكنّهُ تماسكَ لأجلها، عضّ شفته بقهرٍ وهو ينظر لوالدهِ ليهتفَ بحدةٍ رغمًا عن صوته : اضربني ، بس صدقني ماراح أتركها
والده بعينين تتسعان بغضب : تراددني يا ولد!! هذي آخرتها! تراددني !!!
أدهم بقهرٍ وهو يهزّها في حضنه كي يُسكن بكاءها، ومن بينِ دموعه : ماراح تطلع ، حرام عليك وين تروح؟
والده بصراخ : لجهنم !! أقسم بالله لو ما تطلعها الحين إنك لتنجلد للصبح وأخليك تشوف حياة البرزخ
أدهم بشجاعة : ماني خايف منك ، متعود على ضربك بس نجلاء لاااا ، مستحيل تطلع
هبَطت صفعةٌ أخرى على وجنته ذاتها التي استقبلت صفعتهُ الأولى، شعر بها تتخدّر وزاويةُ شفتهِ السُفلى جُرحت لترسم خطًا من الدمِ إلى ذقنه، لم يهتم لشيء، لا للألم الذي انتفضَ في وجنته، ولا لشفتهِ التي جُرحت وكلُّ حواسهِ تنشدُّ نحو صوتِها الباكي، صوتها الذي زرعَ فيه قوةً غريبةً وهو يحتمل الصفعاتِ المتتالية التي جاءته بعد أن فقدَ والدهُ عقلهُ وأمسك بشعرهُ ليُهيل على وجههِ بالضرب وكأنه يعاقبه على خيانة زوجته، وأجفانهُ تنسدلُ على حدقتيه بينما ذراعيه تحملانها وجسدهُ ينحني قليلًا للأمامِ خوفًا من أن تصلها كفُّ والده التي لا يستنكر أن تقتلَ هذهِ الطفلة. تصاعدَ بُكاؤها أكثر وهي تشعر بالضيقِ مما يحدث حولها وكأنّها تُدرك .. تراجعَ والدهُ بغضبٍ ناريٍ وهو يصرخُ في وجهه بعد أن فرغَ القليلَ من غضبهِ على ملامحه الطفولية : انقلع من وجهي ، انقلع أنت وهالـ **** ولا أشوفها اليوم .. بكره أنا بتصرف وأرميها للي مثلها

*

يومئذٍ أمضت ليلتها الأخيرةَ في منزلهم داخلَ غرفته، على سريرهِ تبكي جوعًا وفقدًا إلى من يرعاها، يتمنى يومها لو أنّ الوقت كان باكرًا حتى يستدعي عمتهُ سهى التي كانت تكبره بسنواتٍ قليلة، ربما كانت لتُدرك كيف تهتم بها وينقشعَ هذا العجز الذي يُغلفه، رعاها بحجم قدرته الصغيرة، جهّز لها الحليبَ ليسقيها به، نظّفها وبدّل ثيابها، عاملها كطفلته الصغيرةِ والوحيدة، الإستثنائيةِ على قلبه، يتأملها بعينين حزينتين وصدرهُ يصرخُ برفضِ البعد، كان يدرك أنها آخرُ ليلةٍ ستتواجدُ فيها معه، بالرغم من كونه يصرخ في داخله بأنه لن يسمح بذلك، لكنّه عاجز! عاجزٌ مهما تصدّى لوالده.
هدهدها حتى نامت، وبقيَ بجانبها يتأمّل ملامحها المُحمرةَ ويتلمس بشرتها الناعمـة، يقبل وجنتها بافتتانٍ بهذهِ الطفلة الملائكية، جسدها الصغير يستكين بجانبه، دونَ منشفةٍ تعانقها هذهِ المرة، دونَ شيءٍ يحدُّ من حركات يديها وقدميها، دونَ شيءٍ يمنعه من حشرِ سبابته داخل قبضتها الصغيرة .. ما أجملكِ يومها! ما أجملك، كنتِ برعمًا صغيرًا يستعدُّ للنضوجِ ليظهر بأجمل حلّة، كنتِ قمرًا يُحاربُ الليالي حتى يتكون بدرًا ويوقف الزمنَ عنده، كُنتِ ولازلتِ أكبر من كل أحلامي وأجلّها، أحلامي المتواضعة والتي تلائمُ مقامي، لكنني في قرارةِ نفسي أدرك أنني أتمسّك بكِ دونَ أن أشعر، لذا اغفري لي سوءاتي، فالمرءُ حين يتمنى ماهو أكبر منهُ يخرجُ من ملّةِ النزاهةِ ويتحلى بوضاعةٍ كافيةٍ حتى يفوز بأحلامه، أحلامه التي لن تصلَ يومًا لقدرِك.
كل تلك الإختلاجات غزَت صدره، تلك الذكرى وتلك الليلة، سردَها كقصةٍ مأساويةٍ لنفسه ، دونَ أن يتجرّأ على ذكرها للواقِف أمامه.


،


رفعَت حاجبيها باستفزازٍ لإلين وهي تهتف ببطء : قربت أخلص
إلين ترفعُ إحدى حاجبيها لتلفظ بامتعاض : بهالسرعة؟!
هديل بمشاكسة : عادي ترى في رمضان فيه ناس كثيرة تختم القرآن ثلاثين مرة بعد! يعني كل يوم يختم
إلين ترمِي قلمها جانبًا وتجلسَ بعد أن كانت ممددةً على بطنها فوق سريرها : قولي والله!
هديل تبتسم باستفزاز : سوري اسم الله أكبر من إني أنزله على كل شيء
لوَت فمها بامتعاضٍ وهي تُمسك القلم بنيةِ رميهِ عليها، لكنَّ هديل قفزَت بسرعةٍ باتّجاهِ الباب لتلفظَ إلين بسرعة : أمزح أمزح ماراح أضربك بس تعالي اجلسي
هديل تحرّك حاجبيها بلؤم : راحت عليك الجلسة المميزة مين قالك تطولين لسانك على أسيادك
إلين بتكشيرة : يا شينك، أساسًا ما بغيتك بس كنت بسألك عن * بترددٍ وإحراجٍ وهي تحكُّ عنقها * أبوي
عقدَت هديل حاجبيها وهي تبتسم لإحراجها وهي تقول تلك الكلمة التي كانت قبلًا تقولها مراتٍ كثيرةً بعفوية، لكنّها في هذهِ الفترة باتت تعبرُ في لسانها بلسعةِ إحراج، ألأنه أصبح بالفعل والدها؟!
هديل بابتسامةٍ صافية : شفيه؟
إلين تفركُ كفيها ببعضهما محاولةً طردَ توترها : ما تغدى معنا اليوم
هديل : أيه قال عنده موعد مهم ما يقدر يأجله؟
إلين بضيق : ما قدر ينتظر لين يتغدى؟! وبعدين مين هالمتخلف اللي يحط موعد بهالوقت؟
ضحكت هديل : طيب ورى تسبينه؟ خلاص هو قال ماراح يتأخر ودامك متضايقة لأنه ما أكل فأول ما يجي حطي له أكل ياكل أصابعه وراه
إلين تبتسم بحب : يستاهل جعلني فدا شيباته


،


الساعةُ الخامسـةُ عصرًا
رائحةُ القهوةِ العربية تغزو أنفها، ترتشفُ من مذاقِها ورائحتها في آنٍ واحد، منذ ساعاتٍ أنهوا غداءهم، غداءٌ من نوعٍ فاخرٍ أحيطَت بهِ هالةٌ من المُتعةِ والراحـة، من الضحكاتِ والعفويـةِ التي تتمثّل بها معهم رغمًا عن تصنّعاتها القديمة.
وضعَت الفنجانَ على الطاولـةِ وقدْ ارتسمَت شفاهها شائكةً بتصبّغ أحمر الشفاهِ الزهري عليه، تناولَت منديلًا ومسحت أثر أحمر شفاهها بحرَج، كانت ترتدي بنطالًا من الجينز الرمادي، ومن فوقهِ تنسدلُ بلوزةٌ بيضاءُ ذاتَ أكمامٍ طويلةٍ و " هاي نك "، تزيّن أذناها بقرطٍ ألماسي ووجهها يتصبّغُ بالقليل من المكياجِ لتظهر فاتنةً بالتفافِ خصلاتِ شعرها الأسود في شكلٍ لولبي يعانقُ وجهها بهمجيةٍ ساحـرة.
وكأن سلطان باتَ يُدركُ أنّ مزاجها يستوي هُنا، بين عائلتِه الصغيرةُ والمتكاملة! بكل أذيةٍ لروحها متكاملة! .. ابتسمت وهي تنفضُ شعرها للخلفِ عن وجهها محاولـةً طردَ كلِّ فكرةٍ سلبيةٍ قد تُعكِّرُ صفو هذا الجو الجميل.
بالرغم من كونها شعرت بالإحراجِ ما إن قال لها سلطان بأنه سيأخذها للغداءِ في منزل عائلته بينما سيذهب هو للغداءِ خارجًا مع عناد وصديقهم، تذكّرت تلقائيًا حماقتها يومَ سقطَت أمامهما في المجلس بعد تجسسها عليهما، لكنها أخفت إحراجها ولم تُرِد تعكيرَ مجرَى الميـاهِ بينهما بتلك الذكرى خصوصًا أنه لم يتطرق لها أبدًا وكأنها لم تحدُث أساسًا.
نظَرت لغيداء التي قفزَت بجانبها وهي تهتف بشقاء : ما تسمعين أنتِ ما تسمعين؟ أعوذ بالله منك يا سليطن حتى وأنت بعيد شايل عقلها
فغَر فمها وعقدَت حاجبيها باستنكارٍ بينما وجنتيها تتوردَان قليلًا، وبحَرج : اص يا مال العفريت لا تجيبين شيء من راسك
غيداء بمشاكسة : هيا احلفي إنه ما جاء بعقلك ولو ، هه، فكرة مبتورة قصيرة
غزل تبتسم رغمًا عنها : بتروا راسك قولي آمين
غيداء : آمين لعدويني
آمين، لدعواتٍ تعانقُ السمـاءَ مختلطةً برجـاءٍ وأمَل، للحظةٍ كهذهِ أبتسم فيها بصدقٍ تمتدُّ حتى آخرِ رمق، ما الذي حدَث؟ الله وحدهُ يعلم أنني لم أكُن أضحك، أُشاكس، أبترُ اللحظاتِ المعتمة في دماغي حتى لا أُعكر جلسةً تنتشرُ من حولها رائحةً منمقةً من السعـادة .. كيف ولجتُ لهذهِ الحيـاة؟ لمَ أشعر بأنني أتعلّق بهذهِ البسمة؟ أنا عابرةُ سبيلٍ ليسَ إلا، عابرةٌ ستخلِّفُ في عبورها مكرًا ولؤمًا، فُرضت عليّ مهمةٌ ما إن أنتهي منها حتى تُضيء مغادرتي وتُفتح أبوابُ الجحيم لأمضي عن هذهِ الجنة .. ما بالي؟ هل تعلّقت بهذهِ البسمة؟ بهذهِ الرائحة؟ بهذهِ " السوالف " والمشاكساتِ من تلك المراهقة؟! أجرمتَ في حقي يا أبي كما لم تجرم بي من قبل حين رميتني في هذهِ الحيـاة التي يعلم الله كم هي جميلة، وتُكمِلُ نقصي.
صرخَت فجأةً حين شعَرت بلسعةٍ في زندها أسفل قماشِ بلوزتها القطني، نظرَت لغيداء بصدمةٍ بعد أن قرصتها وهي تحرّك حاجبيها بلؤم : مرة ثانية أخذتها يا سلطان مرة ثانية .. أناديك ما تسمعين؟! تستاهلين
فغَرت فمها الملوّن بالزهري وعيناها المُكتحلتان تتسعانِ بها، بللت شفتيها ووجهها يحتدُّ وهي تهتف من بين أسنانها : وربي ما تعدي على خير
صرخَت غيداء منتفضةً لتهربَ حين قفزَت غزل تنوي عضّها، اتّجهت للبابِ بذعرٍ بينما صوتُ أمها يرتفعُ غاضبًا من فظاظتها معها وغزل تضحكُ دونَ شعورٍ منها وقد قبضَت عليها قبل أن تخرجَ من الغرفـة، وبمكرٍ تنظرُ لام عناد بينما أصابعها تنغرسُ في ذراع غيداء بوحشية : ما عليك خالتي خليها تاخذ راحتها وأنا بآخذ راحتي في العقاب
غيداء بذعرٍ ورجـاء : لا لا إلا العـ ... آآه
لم تكدْ تُنهي جملتها ورجاءها إلا وأسنانُ غزل تقبضُ على عضدها بانتقامٍ وحشيٍ وصرخةُ غيداء المتألمةُ تنبعثُ من الجهةِ الأخرى ، هتفت بصراخٍ غاضبٍ متألم : يا حيـوانة اتركيني ، أسنان قرش مو إنسان حسبي الله
ابتسمَت غزل بانتصارٍ وهي تُخفف من وطأة أسنانها دونَ تركها، وفي تلكَ اللحظـةِ شعرَت بيدين تُمسكان كتفيها لتسحبها وتنتشلها عن عضدِ غيداء وصوتُ سلطان يهتف بذهول : أعوذ بالله وش اللي يصير هنا؟
بهتت غزَل وفمها يتّسع بصدمةٍ وإحراجٍ بينما يدها لا تزل تُمسك بذراعِ غيداء التي نظرت إليه بألمٍ لتهتف وهي تقوّس شفتيها : شفت سلطان شفت مرتَك! عضتني آح يا يدي الله يرحم هالجلد اللي لو ترهّل والله لأكسر أسنانها هالكلب المسعور
زمَّ سلطان شفتيه حينَ شعر أنه لن يستطيعَ كتم ابتسامته، وانخفضَت نظراته لغزل التي لازال يُمسك كتفيها بينما هي تنظر للأرضِ بإحراجٍ يلتهبُ في وجنتيها وكفيها تتعانقان بعد أن سحبتهما من ذراعِ غيداء كطفلةٍ مذنبـةٍ صمتت حين أُمسكَت بالجرم المشهود .. بللَ شفتيه وهو يخنقُ ضحكته وابتسامته، وبصوتٍ حازم : أقدر أفهم ليه عضيتيها؟
أخفضَت رأسها أكثر بإحراجٍ وخجل وهي لا تستطيع النظر إلى وجههِ في صومعةِ هذا الإحمرارِ الذي يغزوها، حينها ابتسمَت غيداء بلؤمٍ وهي تقترب هاتفةً بصوتٍ حزينٍ مُبالِغ وهي تمدُّ عضدها إليه لتُريه موقعَ الجريمة بعد أن احمرّت راسمةً أسنانَ غزل : شايف؟ بتشوّه من بعد عضّة كلبتك المسعورة * شهقت فجأة * يا خوفي تكون مسعورة جد ، لاااا بروح فيها لو ما عطيتوني مضاد للسعار
رفعَ حاجبيه وابتسامته التي كانَ يُحاربها ارتسمَت على شفاههِ رغمًا عنه، وبصوتٍ باسمٍ جعلَ خلاياها ترتعش : عن العيـارة بس ، إذا ما طلعتِ البادية ما أسمي نفسي سلطان .. وبعدين لا عاد تسبين زوجتي
ارتعشَت أناملها باضطرابٍ وكفيه اللتين تُمسكان كتفيها تشعر أنهما تلسعانها من فوقِ قماشِ بلوزتها، انتشرَت الحرارةُ في جسدها بعبورِ سائلٍ ساخنٍ في عروقها، بتدفّقِ الإرتباكِ معَ دمها بمشاركةِ ذاكَ السائل، وكأنّ سلطان شعرَ برعشتها حينها واستوعَب موقفهُ بعد أن قرر أنّه سيكون حذرًا في تعاملهِ معها، انتفضَت يدهُ ليُنزلها عن كتفيها وتراجعَ للخلفِ قليلًا وهو يلومُ عقلهُ على النسيـان، على عفويتهِ للمرة الألفِ معها! ازدردَت ريقها بعد أن تركها وعانقَت كتفاها البرودةُ عوضًا عن دفء كفيه التي كانت تصل بشرتها ولم يستطِع القماش أن يكون حائلًا، نبضَ قلبها بقوةٍ وجسدها يشتعلُ بالبرودةِ كليلةِ شتاءٍ طويلـة، لطالما ارتسمَ الشتاءُ بطولِ الليل، الليل يعني الوحدة، البرودة، الفراغُ والخواء ، وهي مخلوقةٌ صنِّفت بالليليَة، ما أشدّ هذا الخواء الذي يتشعّب في صدرها، يغرسُ جذورهُ في قلبها ورئتيها ليخنقَ كل شهيقٍ ويحصرَ عمليةَ التنفّس في الزفِير.
وجّهت نظراتها لغيداء التي كانت تحادثُ سلطان بدلالٍ وهي تُريه آثار عضّتها بينما صوتُها لا يصلها، ترى تحرّك شفتيها دونَ أن تدركَ أي موجةٍ صوتيةً منها .. ارتفعَت نظراتها لملامح سلطان الذي كان ينظر لعضدِها بابتسامةٍ ويتلمسها بأنامله، ومن ثمّ ضحكَ بقوةٍ دونَ أن يستطيع السيطرةَ على نفسهِ وهو يهتف بكلماتٍ مشوشةٍ لأذنها : أجل قرصتيها؟! قايل والله أنتِ البادية تستاهلين ، وزين ما سوّت فيك
غيداء بحقدٍ ابتعدَت عنه لتتّجه للمجلس وهي تتمتم متذمرة : أيه طبّل لها عشان المرة الثانية تعضني في رقبتي وتموتني ، كلبة مسعورة ماهي بشر يشهد ربي
سلطان بتهديدٍ يكتم ابتسامته : بجي هالمرة أعضك أنا ما أسمح لك تسبين زوجتي
كشّرت غيداء وهي " تكش عليه " لتدخل، حينها اتسعت ابتسامتهُ وهو يوجّه نظراتهِ لغزل التي كانت بين الواقعِ وأفكـارها، حينها توتّرت نظراتهُ قليلًا وهو يلُوم ذاتهُ على غبائـه وأذيّته لها دونَ إرادةٍ منه، لا يعقل أن تنجرف إليه! لا يريد ذلك ولا يتمنى بأي شكلٍ من الأشكـال أن يؤذيها خصوصًا إن كان إيذاءً ينصبُّ في مشاعرها، وهو الذي يدرك أكثر من أي شخصٍ آخر أن المشاعرَ إن أوذيَت فألمها أقوى من الألـم الجسدي، إن كان قلبه ينزف كثيرًا بوجعٍ لخذلانٍ عبَر في حياته ولم ينتهي عبورهُ فكيفَ بها وهي أنثى؟ لـن يُسامح نفسه إن استغفلتها مشاعرها تجاهه، لن يُسامح نفسه إن أصبح يومًا ما يحتلُّ جزءً ما في مشاعرها.
تنحنحَ نافضًا كلَّ سلبياتِ أفكارهِ، وبصوتٍ جامدٍ بعد أن سمعَ صوتَ أمه تستدعيهما ليدخلا مستنكرةً وقوفهما خارجًا : غــزل
انتفضَت لتنظر إليه ببهوتٍ هامسة : هــاه!
سلطان بملامح جامدةٍ تُشاطر صوته : امشي ندخل لهم ، بجلس معكم دقيقتين قبل لا أروح لعنـاد


،


دخَل الجنـاح وهو يُنزلُ شماغهُ ويتخلخل شعرهُ بأناملهِ السمراء، اتّجه لغرفـة النومِ ليجدها جالسةً فوقَ السريرِ وأمامها الحاسوب، ليبتسم تلقائيًا بحبٍ وهو يُلقي السلامَ على ملامحها الجميلةِ في عينيه، على بياضِها وشعرها الذي ينسابُ على كتفيها المرمريينِ وظهرها، يُغطي جزءً من ملامحها وهي تخفضُ رأسها قليلًا ناحيـة الشاشـةِ وعلى عينيها تضعُ نظارةً للنظَر .. رفعَت رأسها مباشرةً إليه بعد أن ألقى السلام، لتزورها بسمةٌ خافتـةٌ كضوءِ شمعةٍ في وسطِ ظلامٍ دامِس، شمعةً يلتجئُ إليها المحتاجون إلى نور حينَ يطمُس الظلام معالم الحيـاة، وبنبرةٍ رقيقةٍ خجولة : وعليكَ السلام ورحمة الله
فواز برقّة : تغديتي؟
توترَت قليلًا وهي تُخفضُ نظراتها لشاشةِ الحاسوبِ المستقرِّ على فخذيها، وبخفوتٍ متوتر : لا
فواز يعقد حاجبيه بانزعاجٍ من جوابها، هتفَ بنبرةٍ حاولَ أن تكونَ هادئةً بما يكفي فمن في موضعها لا يحقُّ لها أن ترفضَ طعامًا يصلها إلى جناحها بعدَ أن كانت تنفرُ من أي وجبةٍ عائليةٍ تجمعها مع - أمه -!! : وليه؟ ما عجبك الغداء والا شلون؟
جيهان بتوتر : مو عن كِذا بس * صمتت لا تجدُ جوابًا لن يُغضبه *
بللَ فوّاز شفتيهِ وهو يرمِي شماغهُ على أولِ كرسيٍ أمامه، ثمّ بدأ بفتحِ أزرّةِ ثوبهِ هاتفًا بهدوءٍ ظاهري : دام الغداء يوصلك لهنا مو عيب عليك ترفضينه؟!
حكّت أذنها بكتفها بعد أن أمالت رأسها بتوتر، جوابها بكل بساطةٍ لن يكُون غيرَ أنها " علِمت من الخادمة أن من طبخَت الغداءَ هي أمه! "، وبالتأكيد لن تعجبه تلك الإجابـة، وتخشى على وجنتها أن تتكرر تلك الصفعةُ منه، أو أن يرتفعَ صوتُه عليها غاضبًا وهي التي لا تُريد لهذهِ الصورةِ الملائكيةِ أن تتبدّل .. من حقها أن تبني لها قوقعةً خاصةً تكونُ فيها لؤلؤةً لا تقتربُ منها الأيادي التي تبغضها! من حقها أن تعيشَ في عالمها الذي تختـارُ فيهِ من يحقُّ لهُ دخولها، أيظن أنّه سيفرضها عليها لأنها أمه فقط! لكنّها أخطأت في حقها، ولكلّ فعلٍ ردّة فعل، خصوصًا إن كان هذا الفعل " قذفها ".
لم تردَّ على استنكارِه ذاكَ ليستديرَ إليها ببرودٍ وهو يقتربُ منها، رفعَت رأسها بعد سماعها لخطواتهِ لتنظر لعينيه بتشتت، عينيه الحادتينِ دونَ أن تحيطهما هالاتٌ بعكسها بعد أن انتشلت الليالي النومَ من عينيها لأيـام، أمالَت حاجبيها وهي تتأمّل ملامحه الرجولية، أنفهُ الطويل وفمهُ العريضِ والمُحاطِ بعارضٍ يزيدهُ رجولةً ويبعثُ إليه جاذبيةً و " ملوحة "، ليسَ من العدلِ أن يكون الزوجُ أجمل! ليسَ من العدلِ أن تسكن بينهما فروقاتٌ كهذه .. كامرأةٍ هي تتمنى أن تتزوّج قبيحًا خيرًا من أن يكون أجمَل منها، فعلوِّ الزوجِ في جمالهِ بنسبةٍ هائلـة على امرأتِه يجيءُ مقاربًا لشعورِ المرأةِ بالقهر حين تكون ضرّتها - مثلًا - أجمل منها، خصوصًا إن كانت لا تثق بنفسها.
نفَضت تلك الأفكـار عن عقلها وهي تشعُر بيدهِ التي أمسكَت بنظارتها وأنزلتها عن عينيها ليضعها على الكومدينةِ جانبًا، وبصوتٍ هادئ : دامك ساكتة فعذرك أكيد بيخليني أعصب أو ما عندك عذر أساسًا! .. قوليلي وش حالك من الإثنين؟!
ازدردَت ريقها بصعوبةٍ وهي تدرك أن جوابها سيغضبه، لذا همسَت بخفوتٍ كاذب : الثاني .. مالي رغبَة بالأكل
رفعَ حاجبه دونَ رضا بالجواب : مو قلتلك دام الأكل يوصلك عيب عليك ترفضينه؟ * بنبرةٍ حادةٍ أردف * لا تخليني أعصب عليك ، أنا متغافـل عن مسألة رفضك للأكل معنا مع إني عارف السبب زين ، لا تظنين هالحـال بيطول لأني كذا والا كذا راح أجبرك تآكلين معنا لو طوّلتي بدلعك ، لذلك الأفضـل تراجعين نفسك وتنزلين بإرادتك
ازدردَت ريقها مرةً أخرى وبصعوبةٍ أشد، أخفضَت رأسها قليلًا لتُشتت حدقتيها لجميعِ الجهاتِ الأربَعِ دونَ المنتصف، دونَ أن تستقرَّ أحداقها عليه، مسألـة التقائها بأمه تجعلها تثور! تجعلُ دمها يفورُ وذكرى اتّهامها لها بتلك التهمةِ القاسيَة ترتدُّ في جدرانِ عقلها، توخزُ صدرها بألمٍ لتُشعرها بعارٍ لم تقُم به.
اضطرَب تفكيرها ليخرجَ صوتها محملًا بنبرةٍ رافضةٍ حادة بعض الشيء : ما أبغى
فواز بهدوءٍ يحاولُ زرعهُ في صوته رغمًا عنه : مو بكيفك ، معليش هنا وكفايـة! إذا ودك ترضين زوجك فأول طريق لهالشيء رضا أمه .. صدقيني لو سكت عنك أكثر فاعرفي إني بيوم راح أأذيك .. الرجّال اللي يرضى بأذيّة أمه بيرضى بالمثل لزوجته
جيهان بارتعاشٍ وهي توجّه نظراتٍ مضطربةً إليه يتوارى خلفها أي رضا بما يقُول، يتوارى خلفها أي تفكيرٍ منطقي : ما أقدر ، هالموضوع خاصّة محد له حق يتدخل فيه
فواز يرفعُ حاجبيه بتعجبٍ مذهول : نعم!! محد له حق يتدخل فيه؟!! هذي أمي يا جيهان تعرفين وش يعني أمي؟ سكوتي ما يعني رضاي باللي قاعد يصير .. اتّقيني لأني ما أضمن غضبي إذا غلطتي عليها، وأعتقد جرّبتي هالغضب!
تشنّجت وجنتها وهي تصدُّ عن وجهه جانبًا، ارتعشَت شفتاها وعرقٌ في عنقها ينبضُ بقوّةٍ لشدّة الضغطِ الذي تشعر بهِ من إرادتِه وإرادتها، لن يفهمها، لا أحدَ يستطيعُ فهمها، لا أحد يستطِيع الشعورَ بحزنها وبعمقِ الوجَع، طالـت التُهمةُ يومَذاك فواز كما طالتها، لكنّه يستطيع النسيان! يستطيع الضّحك على مجرد الذكرى لأنّها أمه! لأنهُ في النهايـةِ رجل! وكما غُرس في عقل الأنثى " الرجل ما يعيبه شيء! "، بينما هي كأنثى سيركضُ خلفها العـارُ والذنب، ماذا إن علِم أحدٌ بتلك التهمةِ غيرِ أسيل؟ بالتأكيد كانوا ليُصدقوا، وإن علموا بأن تلك التهمةَ كاذبةً فسيبقى العـار ملتصقًا بها كأُنثى " تم الشك في شرفها " ... لا أحد يفهمها، لا أحـد! وهي يستحيل أن تسامح، ليست بتلك المثالية لتُسامح.
همَست بغصّةٍ دونَ أن تنظر لوجهه : إذا قابلتها صدّقني ماراح أمسك لساني، وماراح أتّقي غضبك، وبتعصب، وبترجع تضربني . . * أدارت وجهها إليه لتُردف بحزن * صدّقني منت حاس باللي فيني، أنا انسانة إذا كرهت طبيعتي تخليني أغلط، أخلاقي شينة! أدري بهالشيء، بس صدّقني هالأخلاق للي يستاهلون
اتّسعت عيناهُ بصدمةٍ وهو يتراجعُ قليلًا بحدّة، وبصوتٍ غاضبٍ وهو يشد على قبضتيه : للي يستاهلون؟ أنتِ مستوعبة اللي تقولينه؟ معترفة إن أخلاقك شينة حتى مع أبوك! اللي يستاهل مو؟!
جيهان بوجعٍ تعقدُ حاجبيها، هذا الموضوعُ لا يمكن أن يقترنَ بأمه، لا يُمكن مقارنـةُ والدها بها أصلًا!! . . لفظَت بعبرةٍ وحنينٍ مُندسٍ خلفَ هذهِ العبراتِ الساخنـة : هالموضوع مختلف ، أنت ما تدري عن شيء فلا تقارن
فواز بحدة : أدري عن عقوقك وهذا كافي، ما يهم السبب كثر ما يهم إنه أبوك في النهايـة! .. أنتِ تظنيني أصلًا بسكت! راح تعقلين غصب عنك وترجعين لصوابك
جيهان بألم : تركنا سالفة أمك وجينا لأبوي! فواز الله يخليك ما ودي أقولك مالك دخل فلا تجبرني أحاكيك بطريقة ما تعجبك
فواز بصوتٍ غاضب : راح أتدخل رضيتي أو لا
زفَرت بقلّة صبرٍ وهي تُخفض وجهها وتشدُّ على تنورتها المقلِمة بالأسودِ والأبيض بأناملها المتشنّجة، لم تردّ عليه والكلماتُ تنحشرُ بين شفتيها في انطباقهما المُطلق، ربما تخشى أن تطلق كلماتها وتُهدي نارَ غضبهِ المزيدَ من الحطَب، لذا صمتت واعتصمَت ذاكَ الصمت.
لكنّ فواز لم يكُن ليصمت، إذ امتدّت كفّاه إليها ليُطوّق وجهها ويوجّهه إليه وهو يعقدُ حاجبيهِ وصدرهُ يمتلئُ بعطرها العذب، عيناهُ تنضحُ فيهما صورتُها التي تكاملت ولم تستطِع أن تحملانها فأبى القلبُ إلا أن يُنصف اكتمالها في حجراتِه الأربع. هتفَ بنبرةٍ خافتةٍ محمّلةٍ بعاطفةٍ يعصَى على صدرها حملها : ما أبي تفرقنا جنة أو نار بالآخرة، ارحمِي حبي كانِك بتستهيني فيه وهو يسوى الدنيا ومافيها! الدنيا ما انخلقَت لنا، الدنيا ما تتّسعنا! احنـا لنا الآخرة ونعيم قربنا في نعيم جنّاته، خلّي النعيم اثنين، وخلّي عيوني أنتِ في الدارين ... بإذن اللي خلق عيُونك
ارتعشَت شفتيها لتعضَّ السُفلى منها وهي تقتلُ آهةً دغدغَت حنجرتها، لمَ يعبّر بهذه الطريقةِ ليُخرسها؟ يقرن حبّه بالجنـة كثيرًا ليُدركَ عقلها حجم هذا الحب، هذا الحب الذي يحملُ كل نعيمِ الحياةِ في كفّةٍ و " هي " في الكفةِ الأخرى لترجح " هي "! ... يا الله ما أقوى مشاعره، ما أقوى حبّه الذي لا يجيء حبي لهُ نصفه، كم هي بخيلةٌ مشاعري! كم هي عصيّةٌ عن هذا العُمقِ الذي يسكُن في مشاعرك.
اقترَبت ملامحهُ منها وهو يتنفّس أنفاسها الغادرةَ عن رئتيها، أنفاسها التائهةِ عن طريقِها الغيرِ مأهول، عن دربِ الحيـاةِ لتموتَ مانحةً أنفاسها لَه ... وضَعَ جبينه على جبينها وكفيه لازالتا تعانقانِ وجهها، وبخفوتٍ وهو يضوّق عينيه ويبتسم : اللي مريح قلبي شوي إن المرء يُحشر مع من يُحب، الخوف من بعَد الصراط
عقَدت جاجبيها وعيناه تتشوّشان عن عينيها من هذا القرب، ارتسمت ظلُّ ابتسامةٍ على فمها وهي تهتف بغصّة : يمكن ربي ما يكتب لنا ننحشر مع بعض
فواز بخفوتٍ وهو يشدُّ في احتضانِ وجهها : بكثّر من الصدقات والأعمال الصالحة، وبدعي الله بهالأعمـال أكون ويّاك للأبد، ومافيه شيء " أبد " غير الجنة والنار، وعشان الجنة والنار طبعًا بدعي للأبد الجميل
أردفَ وهو يتركُ وجهها ويعانقها : اللهم أسألك بكل عملٍ صالحٍ قمت بهِ في حياتِي أن ترزقني رفقتها في جنتك ، اللهم بكل صدقةٍ أطلقتها لوجهكَ إنّ نعيمي هيَ


،


عودةٌ لما قبل ثلاثِ ساعاتٍ ونصف، الماضي لازال جاريًا كجريانِ حرارةِ الجوِ على بشرتيهما، هي وحدها الذكرى مُلهِبة، وكلاهما لا يحتاجانِ للهيبٍ آخر ومصدرٍ آخر للحرارة، بعضُ الحديثَ يكون ثقيلًا يحنِي أكتافَ الرجـال، يكون موجعًا كفايةً ليوخزَ خاصرتهُ ويستثيرَ دمـه .. تحرّك عبدالله بضعفٍ ليجلسَ على الكرسي بجانبِه بعد أن شعر بأنّ وجعهُ لن يكونَ شيئًا أمـام وجعها، ستنحني كوردةٍ ذابلة! لم تكد تُزهرُ وتستقيم، لم تكَد الأمطار تسقطُ عليها وتُحيلها وردةً عطِرةً ليجيء هذا الصقيع .. أين الندى منها؟ أين حُبيباتُ الماءِ من جِذرها ، ستجفُّ يا الله! ستجفُّ وهو الذي سيقفُ دونَ طاقةٍ تكفي لبثِّ الثباتِ فيها، سأضعفُ عند حُزنها! هي التي لكذبةٍ من زوجتهِ بكَت سنينًا عاشَت فيها مخدوعةً ومجهولةَ الهويّة، أرادت تركهم وبعثِ الهويّة إليها قصرًا، هويةً زائفةً لو تدرك حقيقتها لبكَت دهرًا وما كفاها البُكاء! البُكاء لا يكفي هذه المصائب، ما الذي ستفعلهُ إن علمت؟ بالتأكيد ردّة فعلها ستكون أقسى! ... ماهذهِ الخيبـات؟ ماهذا الضعف الذي ينخرُ عظامه؟
أخفضَ رأسهُ وثقلٌ أصابـه، أسندهُ على كفيه والجفافُ يستحلُّ حنجرته، تضاربَت الكلماتُ في اهتزازٍ واهنٍ والبحّةُ تسكنُ نبرته، هتفَ بفتورٍ وجزَع : كمّل ، قول كل شيء! أوجعني مرة وحدة .. التقسيط في الوجَع أقسى
ازدردَ أدهم ريقهُ وهو يصدُّ بوجههِ للجهةِ اليُمنى بعيدًا عن شكلِ عبدالله المكسور والذي لمحه من طرفِ عينيه، وبتحشرج : رقيّة بكل بجاحة قالت اسم الأبـو قبل لا تطلع، وعلى هالأسـاس أبوي راح له باليوم الثاني .. وفرضها عليه برميها له
التوَت حنجرة عبدالله بوجع، وعقد حاجبيه وهو يتنفّس بصعوبة، بينما أكمل أدهم : واضح إن أبوها كان يدري أساسًا إنها بنته وشكلها هي معلمته فما كان عنده قدره يعارض! * ابتسمَ بحزن وغصّة * طفلة! رامينها على بعض، ما تدري عن شيء بالدنيـا وابتدَت حياتها بهالشكل! .. تدري؟ ما كان من حقنا كلنا نبكي وقت طلعنا للدنيـا، هي الوحيدة اللي كان حقها تبكي! لأن البُكاء أنصَف تعاسـة حياتها
ما تجاوزت الشهر، وصـارت كل هالتقلبات بفترة بسيطة!
أدارَ رأسه إلى عبدالله وهو يشاركه الإنكسار في نظرةِ عينيه، في صوتِه الذي انكسَر كغصنٍ قاسٍ في ليلةِ ريحٍ شتائيـة، هاهو اليومَ دكّ حصونه، رفعَ الستـار عن مسرحِ الحقيقة، لا يعلـم إن كان سيُصدقه أم لا، لكن يكفي أنهُ عرّى الماضي أمامـه وقام بما كان يجب عليه أن يقوم بهِ منذ زمَنٍ طويل، هو الأكثر ذنبًا من بين كل الأطراف، هو الذي أذنبَ في حقّها ولازال هذا الذنبُ يجري حتّى الآن.
بلل شفتيه وهو ينظرُ لعيني عبدالله المُنكسرة، وبخفوت : أكيد تدري إن زواج مثل زواج رقيّة وأبو إلين مع إنه باطل بس الأولاد اللي ينتجون من هالعلاقة يُنسبون للأب الحقيقي ، لأنّ المعاشرة صارت بظن الزوج إن الزواح صحيح
لم يُبدي عبدالله أي ردّة فعلٍ تُثبت أنّه سمعه، ليتنهّد أدهم بخفوتٍ وهو يُغمض عينيه، لا يلومه في شيء، إن كان يعتقد ردّة فعلٍ منه فقد تكونُ صدمةً مدوّيةً على قصةٍ مأساويـةٍ كهذه، ومن أبسطِ حقوقه الآن الصمت، أن يتركَ متعسًا لالتئـام هذا الجُرح الغائِر الذي يُدرك أنّه تخلّف في صدرهِ لما سمِع، كجرحهِ الذي يتعمقُ اثنانِ وعشرونَ عامًا عجافٍ دونَ أن يلمحَ ظلَّ التئآمه، جُرحه مختلف! لن يلتئم مهما حدَث، لن تجفَّ دماؤهُ التي تنزفِ لتسقط مع كل قطرةٍ اسمها، نجـلاء ، نجــلاء الطفلة ... فقط!
اقتلعهُ من جذورِ أفكارهِ صوتُ عبدالله الذي همسَ بنبرةٍ رغمَ ضعفهِا كانت حادة : هو الثاني اللي رماها بالميتم ، صح؟
عقدَ أدهم حاجبيه وهو يدرك أنه يقصد والد إلين الحقيقي، لذا هتفَ بخفوت : أيه
عبدالله بجمودٍ دونَ أن ترتفعَ نظراته عن الأرض : وش اسمه؟!
لم يتفاجئ أدهم لسؤالـه، فأوّل ما توقّعه هو أن يستفسرَ عن اسم هذا الأبِ الذي رمى ابنتهُ لذنبِ أمها .. بلل شفتيه والحقدُ العظيمُ في صدرهِ يتصاعـد، يتمنى بكل الشرِّ في قلبه أن يذهبَ إليهِ ويقتله ، أن يشوّه ملامحَ وجههِ لتفريطهِ في تلك الفراشـةِ الناعمـة . . هتف بحقدٍ ووحشيـة : أحمد ، أحمد الأميـر

.

.

.

انــتــهــى

النت لعب فيني لعب على ما أرسلت البارت كامل :( طبعًا فوق ما النوم لاعب فيني لذلك نقول لي " نوم العوافي " وقراءة ممتعة لكم، التعليقات بمسكها بعد ما اصحى إذا كان النت صاحي طبعًا وبقتبسها كاملة الحين عشان أرد عليها عندي مرة وحدة ()


وهذا اقتباس مهم للي تلتبس عليهم الأمور بسرعة أو نقول نسوا القديم والمهم


اقتباس:

إبراهيم وسعد وخصوصًا إبراهيم تم ذكرهم قبل البارت الأخير وبارت السكرتير بفترة ، كثير منكم تغافل أو نقول نسي هالجزئية المهمة اللي توضح سبب الكره ضد سلطان من إبراهيم ..
طبعًا إبراهيم كان يشتغل عند سلطان وبينهم مشاكل كثيرة واحتكاكات سلبية، ما ذُكرت بالتفصيل بس ذكرت إجمالًا إنه ما كان بينهم وفاق ومشكلة ورى الثانية بين مدير وموظف عنده ... طبعًا في الأخير تم طرد إبراهيم من شغله بس إبراهيم أساسًا كاره سلطان وحاقد عليه وتفكيره السطحي ساعد في زرع هالعداوة في قلبه وفكرة تخريب حياة سلطان بأي طريقة
وبس هذي القصة وصلى الله على محمد ، مشكلتكم تنسون أهم الأمور لدرجة إني اشك معاكم وأوقات ألخبط بالأحداث وأنسى اللي كتبته من بعض تعليقاتكم


ودمتم بخير / كَيــدْ !
[/B]

أبها 26-09-15 05:41 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
ما شاءالله تبارك الله ..

الله يحفظك يا كيد وتسلم يمناك ..

لي عودة بإذن الله للرد ..

أبها 26-09-15 07:11 PM

فعلا جزء فيه من المفاجأة والحزن والألم ما اعتصر قلبي ..

في البداية لفت نظري ورود اسم (سند) من ضمن أفراد العصابة
هل هو سند الذي كان يهدد شاهين لإجراء عملية والدته؟

سليمان ..يعمل ضمن عصابة خطيرة تتعامل بأشياء غير قانونية!
كان أكبر توقع لي أنه انسان جشع يتبع أساليب ملتوية للوصول
إلى مآربه ..(الله ينتقم منك يا شيخ ).

فواز .. اليوم رايتك بيضه يا ( حِمش ) ..😄
يبدو أنك استمعت إلى اعتراضاتنا واحتجاجاتنا
ومن ثمّ وضعت خطوطاً حمراء لجيهان لا تتعداها .
وأحسنت حين قلت أن من لم يكن فيه خير لوالديه
فلن يكون فيه خير لزوجه.
تحمل همّ اجتماعكما في الجنّة ،ما أعجب حبّك يا فواز!

إلين ..يا إلين ، أوجعتِ القلوب ، وهيّجتِ المدامع .
كان الله في عونكِ وعون كل من كان على شاكلتك .

رقيّة ..سحقاً لنساءٍ خائنات خانوا الله قبل أزواجهم
أيوجد هكذا بشر! اقشعر بدني من فعلتها .
ولا لوم على زوجها حين أراد أن يتخلص من نجلاء ، حتما
ستذكّره بخيانة من تسمى زوجته .وفجورها .

أدهم ..كانت تلك المفاجأة الكبرى في الجزء !
لست أخاً لإلين ! فعلك لا يقل بشاعة عن زوجة أبيك .

سؤال حيّرني ..؟ إلين كانت تصاب بكوابيس. وتردد اسم أدهم
و محاولته النحرش بها ..
كيف تعرفت على أدهم اذا كانت حياتها ما بين الميتم ثم عند
عائلة عبدالله ؟
إذا كان أدهم تحرش بها فعلا فلم إذا كانت مصرّة على الذهاب
إليه والعيش معه بعد أن حصل سوء الفهم بينها وبين
عائلة عبدالله ؟؟؟

ابدعتِ يا كيد في وصف غضب عبدالله ،
أهذا ما يسمى بقهر الرجال ؟؟ إنه مؤلم حقّاً،
لهذا استعاذ منه رسولنا الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) .

أحمد الأمير ،،، مممم ، هل هو أحمد والد غزل ؟؟
أم أنني شطحتُ كثيراً ؟؟ 😊

غزل وغيداء ..ثنائي يضفيان على الجلسة روح
المرح والبهجة إذا اجتمعا ، هذا ما لمسه سلطان وأراده
لغزل ،، .أن تنقشع مسحة الحزن من حياتها .

أرجوان ..ولقاؤها بغاده ،، هل له دور في تغيير مسار حياتهم؟
هذا ما ننتظره في الجزء القادم بإذن الله .

شكرا من القلب للمبدعة كيد .
لا حرمنا الله من ابداعك ..🍃🌸🍃

bushraa 26-09-15 08:12 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
كل عام وانتم بخير

سلمك الله على الابداع هذاكيد

كَيــدْ 27-09-15 01:55 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة fadi azar (المشاركة 3559964)
سيف يتطبق عليه المثال التالي كل ما اجا يكحلها يعميها كافي تجرح بديما كلامك مؤزي جدا وخاصة وحي حامل كون حساسة لكل شىء فصل رائع جدا


شكرًا لك ، سيف دايم تصرفاته تجي عكس مشاعره واللي بداخله ، وياكثر ما يكابر ومكابرته هي اللي تأذي ديما

يسلملي هالمرور ()


كَيــدْ 27-09-15 02:26 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبها (المشاركة 3559903)
أسعد الله صباحك يا مبدعتنا وكذلك صباح
جميع القارئات ..

سلطان ...من عاشر قوم ! اليوم شعرت أنه عناد
طبيب نفسي يسأل ويستفسر ويربط ويحلل !
ما أروعك يا سلطان وأنت تحاول أن تداوي غزالنا الجريحة ! 😊

ديمه .. هل ترين سيف شيطانا !
ربما جاء وحامها على سيف لا نستبعد ذلك ..
سمعنا عنه كثيرا 😁
ديمه لقد أكثرتِ على نفسك المتعبة ،ألا يستحق جنينك
الذي تمنيتيه وخاطرتِ من أجله القليل من الهدوء والراحة ؟
وأنت يا سيف.. ألا ترى أنك قد بالغت في الضغط عليها
وتعمد استفزازها !؟ إنها تحتاجك ،،تحتاج حنانك ورعايتك.


شاهين اللطيف ..
ما أرق مشاعرك تجاه والدتك ..ضحكت وأنا أتخيل
مشاكسته إياها ..يستحق منكِ يا أسيل كل الحب .

أدهم ..يحتاج البعض إلى يدٍ حانية تنتشلهم من
دوامة التيه والضياع ،والحمدلله أن كلمات إمام المسجد
قد بلغت سويداء قلبك فأثمرت فيه . عرفتَ فالزم .

أسأل الله العلي القدير أن يبلغنا تمام العشر
ويتقبل منّا ومنكم صالح الأعمال ..

شكرا من القلب أختي كيد .🍃🌸🍃




وصباحِك يا الغالية ()
مع غزل الواحد غصب عنه يصير دكتور نفسي :P

هههههههههههههههه ما نستبعد وعاد على حسب ما أسمع الوحام على الزوج دليل إن الزوجة تحبه والله أعلم ، يا فرحتك ويا خيبتك يا سيف في نفس اللحظة :biggrin:

أدهم كانت جلسته مع الإمام مفتاح التخلص من ذنوبه وأولها إبراء ذمته بالحقيقة المخفية لسنين


الله يكتبنا من اللذين قُبلت أعمالهم في سبيله
العفو لروحك ()

fadi azar 27-09-15 12:55 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
حقيقة الين تؤلم جدا من ام فاسدة لايهمها الي تلبية رغاباتها النجسة كيف ستتقبل الين حقيقة مولدها

طُعُوْن 27-09-15 04:47 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
مساء الخير.. كيد يا كيد.. ابدعتي ابدعتي ابدعتي..
قعدت مبلمة قدام الشاشة يوم قريت انتهى.. وفيسي كذا😟

..

بعلق على أهم جزئية في البارت.. إلين😢 إلين😢 إلين😢
يا الله..! فيه ناس حقيرة لهالدرجة.. تألمت حيل.. ماني قادرة اعلق.. كل ماجيت احط لهم وصف القاهم تعدوه بمراحل..!

أم إلين.. حقيرة، واطية.. مو معقولة حركتها.. حسبي الله عليها.. قهرتني..هذي شيطان أكيد.. أما أدهم فهو حقير ..
يا الله😢 قلت لك ماعرفت اوصفهم.. يعني ام إلين حملت فيها بزواج باطل.. و أدهم كان يبيها بقرب محرم.. ما ادري انسانيتهم وين..! عجزت اوصفهم.. صراحة اول مره اقرأ لحالة زي كذا..
سواء بالواقع او النت.. وضع إلين يبكي والله.. كيف عاد لو كان ابوها احمد اللي نعرفه ماغيره..! حسبي الله عليهم😢

لو بحكي من اليوم لبكرا مارح اقول نص اللي ببالي.. المشكلة عيت الكلمات تطلع.. بالمختصر.. لسى مبهوته.. ما اقول غير الله يعينك يا إلين..

عبدالله.. الله لا يذوقنا قهر الرجال.. مصيبة تعرفين انو احد كان يبي بنتك ببيته وبقرب محرم..

أدهم قهرني وهو يحكي عن حبه ويقول محترق فيها.. عساك تترمد يا شيخ ماهو بس تحترق..!

أما سهى حكاية ثانية.. خلته يشوفها وهي عارفه انه حرام.. المفروض تقفل عليه بغرفته لين وقت جا ابو الين.. اما تخليه يشوفها..! لو انها بنفس الموقف ماكان رضت انو احد يشوفها وماهو محرم..

اصلًا كل شيء الحين طاح على راس عبدالله وهو اللي بينقل لإلين السالفة.. الله يعينه .. و أدهم من الحين يلحس كوعه اذا طال إلين مره ثانية وخليه يحترق ويموت من قهره.. الله يبلاه ما اهتم الا بنفسه.. حقير..

..

بدر.. بسم الله .. انفجر بأرجوان.. مع انو المفروض يعرف انو لكل فعل ردة فعل .. ومثل ما حبس اخته رح تتمرد وتطلع بدون علمه.. في النهاية هي بعز شبابها وتبي تعيش حياتها..

أرجوان.. "اعمل خيرًا، شرًا تلقى".. عاد وقت يتتبع بدر الإتصال ويكتشف انه من بيت يوسف.. مو بعيده يتهم يوسف ترا..
ويمكن يتفاهمون .. ما يندرى..


غادة.. الله يستر عليها.. هذي آخرة التمرد.. يعني اخوها ما حبسها وخايف عليها الا لسبب.. عسى بس تعدي على خير..


يوسف.. وين يروح من الصباح لليل..! يعني دامه متقاعد وراتبه يكفيه ما اتوقع يشتغل.. او يمكن عشان يشغل وقت فراغه.. بس ماهو لدرجة يترك بناته لحالهم الوقت ذا كله..!

..

ديما.. اي والله الظاهر رح ينفجرون قريب.. بس انا اشوف انو جا وقت اللي تطلع فيه حرتها منه.. هو قد له 3 سنوات ينفجر فيها وهي متحملته.. اللي قهرني يوم يقولها انه كلم ابو بثين ويبيها تنفعل.. منك لله يا شيخ.. تحرق قلبها وتبي تنفعل وكله عشان ترضي حضرتك.. يعلك من هالحال و أردى.. اتمنى تكرهه صدق.. وخليه يصوم منها ويفطر على بصلته اللي لابقه له..

..

سعد .. يا ترى له دور كبير في الرواية والا..! أنا اتوقع انو له دور بتغيير الأحداث.. يمكن يرضخ لسالم وطقته و من جهة يتفاعل مع الأمن اول ما تجيه الفرصة.. يعني اكيد انو الأمن عندهم خبر عن هالعصابة ويمكن حتى قد زرعوا فيها ناس منهم..

..

إلين.. اتوقع منها القوة المرة ذي.. مع انو اي شخص مارح يتحمل انو يكون اهله زي كذا.. بس اتمنى تكون قوية لما تواجهه حقيقة امها و أدهم.. هي قد تحملت صدمة انو عبدالله وهالة اهلها بالرضاعة.. ومثل ما يقولون .. الصدمة اللي تكسرك تقويك...


..


غزل.. هي الحين مطنشة ابوها وعايشة لنفسها.. بس قريب رح ينفذ صبر أحمد ويخرب عليها كل شيء..

سلطان.. يالبى المراعي بس.. بس وش هالزيجة اللي الكل حابس انفاسه لين تخلص ويبون الفكة ..

..


فواز.. عظيم حبه.. طيب الحين هو انصفق على راسه وحب جيهان.. مافيه امل ينصفق مره ثانية ويحب جنان؟؟
عجبني موقفه من جيهان بس هي ماتمشي بالكلام ذا.. اذا ما انغصبت والا ماترتاح.. يعني وش فيها لا اكلت اذا كانت امه اللي طبخت..؟ رح تسممها مثلًا..! البنت ذي كريهة.. وتعترف بعد انو اخلاقها زفت.. مير الله يجزيك على صبرك يا فواز..


جيهان.. "ما أقوى حبّه الذي لا يجيء حبي لهُ نصفه، كم هي بخيلةٌ مشاعري! كم هي عصيّةٌ عن هذا العُمقِ الذي يسكُن في مشاعرك."

اقول طيري انتي ومشاعرك بس..

..


"يتمنى بكل الشرِّ في قلبه أن يذهبَ إليهِ ويقتله ، أن يشوّه ملامحَ وجههِ لتفريطهِ في تلك الفراشـةِ الناعمـة . . هتف بحقدٍ ووحشيـة : أحمد ، أحمد الأميـر"

معقولة هو نفسه أحمد اللي نعرفه..! والا مجرد تشابه أسماء.. لأنو أحمد اللي نعرفه اقل شيء كان قتل أم إلين..
بس برضوا اتوقع انو إلين وغزل أخوات.. نفس السمار وكذا.. ادري مو شرط يكونوا اخوات عشان السمار بس توقع يعني🙇🏻

..


دمتي بخير💕

كَيــدْ 28-09-15 01:41 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتاة طيبة (المشاركة 3560424)
أولا بالنسبة للاخت طعون اشكر لك مداخلتك على كلامي ..
ثانيا الأخت نوح الهجير أنا لم اتطرق إلى ماجعل جيهان بهذا الشكل وكلامك صحيح لاغبار عليه في الظروف التي كونت شخصيتها المعقدة أنا أكثر كلامي عن شخصية فواز و عن ذلك العشق اللامحدود من فواز ... وصف الكاتبة لحب فواز وكأنه قيس ليلى او جميل بثينة يعني عشق بهذا المستوى لابد له من قاعدة ومعطيات تجعله بهذا الصورة لكن عندما تجمعين الصورة كاملة لاشيء يدعو لربع هذا الحب فماالذي يجعله بهذي الصورة المهينة كما أراها أنا ..واكثر تركيزي على موضوع أمه وهو الذي استفزني بقوة وجعلني اعلق والا كلامك في مجمله اتفق فيه معك .. تحية طيبة ياغالية .

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتاة طيبة (المشاركة 3561235)
بالضبط مثل ماقالت أبها .. وأنا معك ياكيد بالنسبة لنقطة الجمال اوافقك مئة بالمئة ولكن أنا ذكرتها استطرادا وقلت مع سوء اخلاقها ليس هناك جمال يفتن وهذا معروف أن بعض الرجال يفتنه الجمال فقط وهو مايجعله يهيم عشقا لكن حتى هذه الحالة غير موجودة وهذا مادعاني لذكرها

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتاة طيبة (المشاركة 3560032)
جميل ياكيد هذه الأجزاء الثرية بالجمال الناطق كلماتك كما المشاهد المصورة أقرأها لااراها حقا عندما أقرأ تشبيهاتك الجميلة اتذكر كاتبات كبار قرأت لهم خارج اسوار النت زادك الله من فضله ...
هناك قضية تشاغبنا عليها انا وانت سابقا وهي قضية حب فواز لجيهان ساطرحها من وجهة نظر أخرى ... الحب اي حب في الدنيا حتى يزداد ويتدفق وينهمر يحتاج لمعطيات تؤدي لهذا الانهمار من الطرف الآخر حب متبادل وشخصية لطيفة ذات لسان عذب والأهم احترام وتقدير واشعار للآخر اني استحق هذا الفيض الجميل من الحب ... أين كل هذا من تلك الشخصية البغيضة جيهان !!! لسان مسموم وكبرياء فارغ واحتقار وحتى جمال لاتمتلك باعترافها في الجزء السابق فكيف يصنف ذلك الحب اللامحدود من فواز جنون ام غباء ام سذاجة لاأعلم والأهم من كل ذلك كرهها الشديد لأمه لدرجة تجاهل ذكر امه عندما تذاكرو حمل ديما حتى لايعكر صفو تلك الحبيبة اي عقوق يسير فوقه هذا الحب الذي لااستطيع ان اذكر امي مجرد ذكر أمامها فكيف بالجلوس معها او الحديث معها !!! لاتقولي عن تلك الصفعة فهي لم تأتي الا بعد عدة اهانات لامه وفوقها لم يجبرها على الاعتذار لامه من سفيه الكلام الذي تفوهت به عدا انها اساسا كانت بسبب غضبه لقرار هروبها ... اصدقك هذه القضية تستفزني كثيرا في هذه القصة خصوصا مع عقوق جيهان لأبيها فاي خير يجنى من عاقة تجبر هذا المجنون بحبها على العقوق ايضا ... وجهة نظر اطرحها ولاادري مارأيك انت فيها ؟؟

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طُعُوْن (المشاركة 3560124)
أوافقك الرأي بقوة.. ومثل ما قلتي اذا هو الحين ما ذكر أمه عشان مايعكر صفو اللحظة..
في المستقبل رح يتفادى انو يكلم امه بحضورها وحتى ممكن مجرد النظر ما ينظر لها..
مع إني ما أدري هو ايش يرتجي من وحدة عاقة لوالدها مهما كانت الأسباب..
أنا كمان من وجهة نظري انو حب فواز لجيهان ماهو هو الحب اللي يحتاجه.. هو الحين
متخيل حياة صافية بعد زواجهم.. مع انو اشوف من كل جوانب العلاقة فيه مشكلة..
وطبعًا ما استثني انو المشكلة الأساسية من لب العلاقة.. هم علاقتهم انبنت على اساس
هش.. ورح يجي يوم وتطيح فوق راسه.. أنا مثلك مستغربة للحين من حبه.. بس مثل
ماقلت .. ماهو الحب اللي يحتاجه.. لأنه رح يتعب بيوم وهو يعطي بدون ما ياخذ بالمقابل..
بالمختصر.. جيهان عاقة وقاعدة تسحب فواز معها للحفرة.. اتمنى بس يصحى على
نفسه قبل تزيد الأمور سوء ويندم بحق أمه.. لأن محد يعتلي مكانة الأم ابدًا..

..

تقبلي مروري💕

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نَوح الهجير (المشاركة 3560373)
فتاة طيبة , طعون , تحية طيبة .
بخصوص تعليقكم الأخير حبيت اضيف مشاركتي عليه , يعني رغم كل الصفات اللي ذميتوها في جهيان و رغم اني ما أبلعها حقيقة في الرواية مجملاً الا أني اشوف ان ناتج الظروف اللي مرت فيها كونت هالشخصية البغيضة , وما ما يحكم عليها بالشكل هذا لان هالظروف ربما دفنت شخصيتها الحقيقة , احنا نكلم عن بنت تعرضت لأعتداء و لم تشفى منه , تعرضت لكلام وطعن في شرفها و تشكيك من قريب لعائلتها - زوجة عمها - وعلى اساسها جُبرت على زواجها من فواز , و لما كانت تتوقع ان فواز بيظل صامد معها من البداية سافر عنها و خذلها , اعطاها احساس بالرفض , و أمها لو انها شخص سيء لكن هي ما لمست هالشيء وشافته بعينها , ولما نجي لأمها - اللي كانت تعني لها دنيا كاملة-ما اشوف ان تصرفها لأبوها يُصنف عقوق و / وش ينرجي منها , يعني حتى حقيقة امها من قبل ومن بعد هي ما تعرف عنها شيء , غير ان ابوها ما كان نفسه , وعاملها معاملة بتستنج منها ان السبب اللي صار لأمها هو اللي وراه !
الغلطة غلطة الكل انها صارت بالشكل هذا , فواز وخذلانه , ابوها و اختها في كذبهم و تغطية الحقيقة , زوجة عمها وبعد اللي سوته !
هذا شيء طبيعي جداً انها تعامل ابوها بالشكل الفظ هذا لانها تشوف اللي شافته بدون ما احد يصحح لها هالنظرة , طبيعي جداً تعامل فواز بهالبرود لانه بالاول و الاخير خذلها بالرفض اللي صار بعد ما سافر وخلاها تواجه هالافكار كلها , طبيعي تعامله بالشكل هذا وطريقة ارسلها لبيته كان بهالشكل الموجع اللي اعطاها احساس بالنبذ وانها عاله عليه وعلى غيره وكأن لا احد بيتحمل نفسيتها التعبانة بعد كل هذا , طبيعي جداً تعامل وزجة عمها بالهطريقة وهي اللي ما انتظرت تبرير للحالة اللي كانت فيها سابقاً , اللي ظنت وبعض الظن اثم , اللي ما تنفك تقارنها بأختها حتى شككتها بالشيء .. هاذي نتائج عاصفة هوجاء ما انفكت الا بأعطاب كثيرة فيها ..
أوافقك ان البداية بين فواز و جيهان هشه وبيجي يوم وبتطيح بس مو عشان شخصية جيهان وبس , انا اشوف ان فواز هو اللي بيكون السبب , وانا اشوف حب فواز صادق نابع من الطفولة خصوصاً انه هو اللي من قبل رفض الا يأخذها وهي ما تكن له مشاعر,يعني على الاقل هي ما تعترف بها لنفسها , واشوف انه زيادة الحب هاذي بديل طلب الغفران على الحطام الاول اللي سببه لشخصيتها .. ولما نجي لوصفك في كونها على اي اساس تتلقى هالحب وهي ما تصنف من الجميلات اصلاً , من مجرى الرواية غالباً وصف شخصتها كانت هي اللي تعلق عليه وكان نابع من شخصيتها المحطمة اللي تكسر كل شيء جواتها فهذا ما يعني انها بالفعل تصنف على هالاساس الا لما نقرأها بالفعل على لسان شخص اخر ..
- هذه مداخلتي البسيطة اللي حبيت اشارككم اياها , طاب يومكم يا جماعة .




الاقتباس مو راضي يترتب حسب ترتيب تعليقاتكم فمشّوها المنتدى مضروب هاليومين ..

المهم ، أول شيء شكرًا لتواجدكم الجميل وتعليقاتكم الباذخة وتحليلكم الفطين ، بديت أصير مكشوفة في بعض الأحداث يعني منتبهة إن البعض منكم يذكر - توقع - ويكون التوقع صحيح 100٪ ، خفّوا شوي :( ما أحب أكون مكشوفة كذا ياخي حتى لو جبتوا التوقع من باب الدعابة أو الطقطقة على الأبطال، مشكلتكم تطقطون بذكاء هههههههههههههههههههه

نجي لحب فواز وجيهان ، في البداية أنا مؤمنة إن الحب اللي بظروف فواز وجيهان يكون قوي جدًا جدًا واحتمال كبير يدوم ويكبر :" أي ظروف أقصد؟! فواز يحب جيهان حب قديم ماهو من سنة او ثنتين او ثلاث! ذكرنا إن حبه لها من أيام المراهقة ووقتها طبيعي تكون صغيرة " الفرق بينهم 7 سنين "
صح الحب بفترة المراهقة ما نأخذ فيه بجدية وهالفترة المشاعر والعواطف تكون مهتزّة وغير ثابتة وممكن تنقاد لأي شخص لكن حب فواز مضى معه لين ما وصل لهالسن - 29 - يعني كم سنة! كثير كثير وبما أني ما ذكرت من أي عمر حبها بالضبط فنقدر نقول من عشر سنين! كان عمره وقتها 19 سنة، أو من 11 سنة؟ كان عمره وقتها 18! أو من 12 سنة؟ كان عمره وقتها 17 سنة! والخ! ما يهم بأي عمر بالضبط بس هي حبه الأول من كان مراهق ولو قلنا مثلًا توه مراهق ما كنا بنآخذ حبه لها على محمل الجد لكن بما أنه كبر وكبر حبه معاه هنا موضِع الإختلاف.
ظروف حبه ببساطة كان العمر بينهم، بنت عمه، وكانوا مع بعض دايم في الطفولة، لدرجة انها مثل ما ذكرنا رافضة تتغطّى عنه لأنها ما حبت تتغطى عن فواز تحديدًا بس هو اللي خلاها تتغطّى وكان عمرها وقتها 16 سنة على ما أذكر :""
فهِنا نقدر نقول حبه لها ما يحتاج ظروف حالية عشان نقول شلون حبها؟ وما ننسى إنها بفترة مراهقتها على قولتها كانت - بشعة - يعني ما نقول حَبها عشانها جميلة، ولا نقول شيء عن أخلاقها لأن أخلاقها ما شانت بالمعنى الفعلي إلا بعد كل اللي صـار بحياتها من الاعتداء والاتهام وزواجها وموت امها ووووووو إلخ.
نقدو نقول " احتمال يكرهها بسبب أخلاقها الشينة حاليًا " بس ما نقول " وش حب فيها لا أخلاق ولا جمال وووو إلخ! " ، خلونا من الأخلاق وليش حبها ونحط احتمال انه ينفر منها حاليًا لكنّ الحب جاء بظروف مختلفة وبعيدة عن الحين.

ولما نجي للعقوق ، فعلًا هي عاقّة بأبوها أول شيء واللي يكون عاق بواحد من والديه ما فيه خير، وفواز ما نقدر نقول عنه عاق لأنه بس " ماحب يخرب صفو هذيك اللحظة فما ذكرها "، وعشان ننصفه هو طبيعي ماراح يجلس يذكر اسم امه بهذيك اللحظة تحديدًا! خصوصًا إنه ما مر فترة طويلة على اللي صار ومن الغبـاء اننا نرجع نكرر موضوع لشخص وهالموضوع ما طفَت ناره للحين، بيجي من باب الاستفزاز وهنا فواز بيكون غلطان أكيد وبيفتح باب يسمح لها تغلط مرة ثانية وطبيعي العواقب تكون غير حميدة
ما أدافع عنه أكيد، لكنّي حريصة للأبد على ذكر الأبطال بشكل البار بأمه وأبوه مثل شاهين وفواز وغيرهم وجيهان حالة شاذة وطبيعي بتكون مكروهة لعقوقها، يمكن ما وصّلت الصورة الكافية لفوّاز وخذلتْ الوصف شوي لكني من البداية حابة أصوره بصورة البار وواضح وقتها صارت ثغرة مني وخلّته بهالشكل!


ولما نجي لتعليق الجميلة نوح الهجير ، أنا أكثر انسانة تمقت مسألة إن البنت تعامل أمها أو أبوها بشكل قاسي عشانهم بس غلطوا في حقها أو جرحوا مشاعرها مرة وثنتين ، مهما كان، فضائل الأم والأب مستحيل تنمحي بسبب سلبية وحدة، جيهان بدل ما تخسر امها بس خسرت الاثنين لحماقتها! أيه أنا معك في إن اللي صار قوي عليها وامها راحت بسبب ابوها - كما تظن - ولو أنا بمكانها يمكن أنهار ويمكن ألوم أبوي ويمكن ويمكن! لكن هي تعدّت حدودها لدرجة إنها صرخت في وجهه! غلطها ما ينغفر، طبيعي ما نلوم نفسيتها واحنا محنا مثاليين لكن الأب والأم خط أحمر، نوصل للدناءة لِمـا فوق الألف لكن وقت ما تمس دناءتنا الأم والأب هنا نكون تخطينا مسألة دنيوية ووصلنا لدينية! .. اكيد طبعًا راح يُسمى عقوق! الرسول أمر ببر الوالدين والإحسان لهم حتى وهم كفّار فما بالك بحالة جيهان ويوسف اللي يسمي بناته " أميراتي "!! طبيعي جدًا مالها حق باللي تسويه! هم غلطانين بصمتهم ويوسف نحمّله خطأ كبير مع أرجوان لكن هي تحمل خطأ أكبر وفادح فادح جدًا ..


- أخذتني الحماسة شوي :P عاد مسألة العقوق تستفزني لا تلوموني :biggrin:
في النهاية حابة أقول ترى أنا ما أنحاز لشخصية عن الأخرى ومستحيل يكون فيه انحياز مني لشخصية عن الثانية ، أكيد أنا أكثر إنسانة ممكن تعذر أبطالي وجيهان أنا أكثر وحدة حاسة بكسرها لكنّي وقت صورتها بهالطريقة ذكرتها بطبيعية تامة كونها انسانة ماهي مثالية ووقعت في غلط كبير يا كثر ما نسمع عنه بدون أي سبب! وهنا جبت سبب ما يسمح لها لكنّه خلّاها ضعيفة من هالناحية وعلى هالأثر كانت ردّة فعلها بهالطريقة.


+ للعضوة أبها القميلة ، حاولت أقتبس تعليقك مع الجميلات بس عيّا :( المنتدى واضح مشتط مني مدري شسويت فيه :(
لكن عمومًا أحمد وسلمان مالهم علاقة شخصية بإبراهيم، وذكرت لكم سبب الحقد، + قبل سالفة السكرتير إبراهيم طلب من سعد يدخل مكتب سلطان ويدوّر فيه عن أوراق شخصية لسلطان مو لشيء سوى إنه حاب ينتقم منه بطريقة ما، وجاءته الطريقة على طبق من ذهب () شكلكم نسيتوا هالموقف بعد :(
ربي يسعدك يا جميلة ويرزقك أضعاف دعواتك :$$$




"
يسلملي هالتواجد الجميل منكم عسى الله ما يحرمني ()
"

bluemay 28-09-15 05:06 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الله يسلم ايديك يا قمر

ويجعلكم من العايدين



فعلا شي روووووعة وباين أنك كنت مستخمة وانتي بتكتبي فيه ما شاء الله




انت مش ادمعت عيني انت ادميت قلبي .. في بشر هيك
نسأل الله العفو والعافية

ألين او نجلاء مش عارفة شو بدي اقول
ولكنك ابدعت بتعبير ادهم وعبدالله
وفعلا الله يعينها لما تدرى بالحقيقة .

بس ما اتخيلتها تكون بنت احمد ولو اني خطر ببالي كم واحد بس هو استبعدته




جيهان .. بصراحة اهنيك خليتيني اتعاطف معها . والله مو بالساهل انه الواحد ينسى اﻷساءة فما بالك بالقذف .
ومتل ما حكيتي هي ظروف كتيرة شكلت هالمزيج الغريب فيها .

بس بتمنى تترك للصفح مطرح وتقبل مدة يد عمتها وتبدا حياة جديدة


فواز يا الله تحييه وتحي امثاله

وضح لها انها قمر بسماه ولكن امه وابوها خط احمر

حبيت طريقته في ترغيبها بالجنة ... عن جد انه ما في احسن من الدعوة بالتي هي احسن.




غزل هههههه عسسسل هي وغيودة نهههفففة
عن جد موقف محرج كتييير لووول

بس هي وسلطان بين مد وجزر وما اقول الا انه رح تتوضح مشاعرهم لبعض وقد يتكلل زواجهم بالنجاح.





أرجوان .. الله لا يعطي عدوينك عافية يا بدر
شو اللي وقع هالوردة معك ، بس متشوقة لما يتقابلو كيف رح يكون تصرفه.

سبحان الله غادة وارجوان ممكن يصيروا اعز من الأخوات اتوقع >> اطلعو رسمت للمستقبل وخلصت لووول




سيف الله يهداك ... عن جد تحقق فيه المثل ومن الحب ما قتل
ناوي تقضي عليها انت ؟!!!

ديما مو قليلة واعطته اكبر طاااف بس والله انه صعبة تكون باردة ومن جوه بتحترق




سعد عن جد بطل .. بس الله يرحمه شو كان شجاع
هههههه

ابراهيم جاتك نيلة يا بعيد
عن جد ورط واتورط .. بس هو مش فارقة معه طبعا.



يسلمو ايديك يا عسل

متشوقة للجاي كتير

تقبلي مروري وخالص ودي

○° الله أغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله ، وأوله وآخره ، وعلانتيته وسره .°○

كَيــدْ 30-09-15 07:16 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 

-
-
السلام عليكُم ورحمة الله وبركاته ..

صباح السعادة والسرور والراحـة على قلوبكم الجميلة :$
طبيعي إن الجزء راح يكون اليوم استنادًا على موعدنا، لكن اسمحوا لي أخليه يوم السبت :( فعلًا محتاجـة هالثلاث الأيام عشان أكمله برواقة وإن شاء الله محد يتضايق، :" + الجزء الأخير أرهقني شوي وما أنكر إن بعض التعليقات ضاعفت من هالإرهاق وأحبطتني بعض الشيء :( يعني أبدًا ما توقعت أحد يقول عنه قصير! أبدًا ما توقعت، هو صحيح ركّزت بجهة معيّنة فيه لكنه ماهو قصير وعدد الصفحات يثبت هالشيء، بس كونه منحصر بأدهم وقصّة إلين أعطى إيحاء بالقصر، وظلم تقولون عنه قصير :(( جاني تعليق أمس في السايات مي عجبني وما أنكر إني حبيت الإنتقاد المذكور فيه وظليت مبتسمة وأنا أقراه بس انكسرَت أمالي بالبارت الأخير لما قريت جزئية - إنه كان قصير - :(
وعشان أكون صريحة كنت متوقعة أحد يقول عنه قصير لأنه بالغالب لما أنزّل بارت يركز على شخصية معينة يظهر للشخص قصير عشانه قرا أكثر شيء عن هالشخصية وفقد بقية الشخصيات فما حس انه كامل، مع إن البارت الأخير أساسًا كان مُتكامل بالنسبة لي! ما كان عندي أي إضافات عليه مهما أضفت وقت لنفسي. فبحاول في المرّات الجايـة أخلي البارت أشمَل للشخصيات عشان ما تظلمون الساعات اللي أكتب فيها :(

+ * لي رجعة لكِل التعليقات اللي ما حصّلت فُرصة أرد عليها وللتعليق الجميل والمذكور في السايات مِي *
كل تعليقاتكم تقريبًا جمّعتها بالنوت عندي، وبجلس لها بالوقت اللي أشوفه مناسب وأهم شيء أضمن وقتي للبارت بهالأيـام وبعدها برد عليكم ()


ربي يسعد أرواحكم ويرزقكم حبّ طاعته ولا يحرمني طلتكم :$$


أبها 30-09-15 08:27 AM

أسعد الله صباحك أختي كيد وصباح جميع القارئات ..

يعطيچ ألف ألف عافية ..
ما يجي منچ قصور أبد ..عن نفسي وأنا أكتب رد بستة أسطر
أو سبعة بالكثير ..أراجع وأزيد وأمسح وياخذ مني وقت !!
فما بالك باللي يكتب جزء من 40 صفحة !!!
من حقچ ترتاحين ..ومن واجبنا نقدر ظروفچ .
يكفي احترامك للقارئات بانتظامك في تنزيل الأجزاء وردك عليهم.

كل الشكر والتقدير لمبدعتنا كيد
🍃🌸🍃

كَيــدْ 03-10-15 10:56 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباح / مساء الورد والسعادة والسرور ()

توني من شوي خلّصت البارت، نص ساعة كذا وراح أبدأ بالمراجعة لساعة أو ساعتين تقريبًا وبعدها بنزّله ، إن شاء الله راح يكون عندكم قبل وقت العصر :$ ؛ واحتمال أضيف موقف محتارة أخليه ببارت اليوم أو الجاي :(


نلتقي على خير ()

كَيــدْ 03-10-15 02:13 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
-
-

لحظات وينزل البارت في شكل أجزاء
الرجـاء عدم الرد لوقت انتهاء التنزيل ، النت سيء جدًا ويمكن يصير تأخير بين كل جزء وجزء

بسم الله نبدأ :$$$

كَيــدْ 03-10-15 02:19 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحّة وعافيـة


بسم الله نبدأ
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات


(55)




الواحدةُ ظهرًا بتوقيتِ بروكسيل
نظَر إلى الذي يجلسُ بجانبهِ بحدةٍ وقد اقتربَت سيّارته من الحيِّ الذي يقطُن فيه، عقَد حاجبيهِ وقبضتيه تشتدّان على المقودِ بينما عادت نظراته للطريق : وش قالك؟
الآخر بتوترٍ وهو يخفض هاتفهُ بعد أن انتهت المكالمـة : أولًا بخصوص الجوال فهو في المبنى السابـع .. بنفس حيّكم
عقدَ بدر حاجبيه بعنفٍ وتوتّر قلبه الذي يشتدُ يجعل من نبضاتِه تركضُ بشدةٍ في صوتٍ يحجبُ التفكير عن عقلهِ الذي ينحصرُ في خوفهِ عليهما الآن. لفظَ بنبرةٍ قاسيـة : وثانيًا؟!
الآخر بذاتِ التوتر : وبالنسبة لأهلك فبحسب المراقبَة ما انشافت أختك تطلع من الشّقة ولا أخوك
بلل شفتيه بلسانهِ ورجفةُ صوتِه الخائنة دفعتهُ للصمت، مهما تصنّعنا القوة إلا أن وقعَ الخطرِ حين يقترب ممن نحبُّ يدفعُ حنجرتنا للبحّة التي تنصِّف الثبات في الكلمـات .. لم تخرج كما توقع، فكيفَ عساهُ هاتفها أن يصلَ إليها، كيف؟!
أسكَن ارتعاشَ أناملهِ بشدِّه الأقوى على المقودِ وضاعَف من سرعةِ السيارة، بينما أردف الآخر بترددٍ أكبر : بس فيه شغلة
أدار بدر رأسه إليه بسرعةٍ ثم أعاد نظراته للطريق وهو يلفط : وش بعد؟!
الآخر : طوال الأسبوع كان فيه حرمه غريبة ماقد شفناها من قبل تطلع من نفس المبنى اللي عايشين فيه لمدة ساعة بالكثير وبعدين ترجع له وما عاد تنشاف لليوم الثاني بنفس الوقت اللي تطلع فيه كل يوم تقريبًا!
عقدَ بدر حاجبيه بشدةٍ ليظهرَ الغضبُ بينهما في تجعيدةِ كَدَر، طرأ في عقله تلك الفتـاة التي اتّصلت به منذ نصفِ ساعةٍ من هاتفِ أخته، لكن كيف ذلك؟ إن كانت تعيشُ في مبنى مجاورٍ لهم فكيف تبقى طول اليومِ في غيرِ مسكنها؟! ، توجّس، وبدأ عقلهُ يحاول جرفهُ إلى أفكارٍ ما بين المشرقِ والمغرب، متباعدةٌ وتناقضها عن الفكرةِ التي كانت في عقلهِ سببت لهُ الإرهـاق وضاعفَت توجّسه، أتكون تلك الفتـاة تزور غادة في كل يوم؟! فكرةٌ مستحيلةٌ بالتأكيد وبعيدةً عن المعقول فهو يقضي وقتًا طويلًا معهم، إذن من هي؟ كيف وصلَ هاتف غادة إليها إن لم تكُن غادة قد خرَجت في غيابِه؟! ... دوامةٌ لفّت عقلهُ ووأدَت الأفكـار المعقولة، قلبهُ بدأ في التسارع بقسوةٍ ليسترجعَ تلك الليلـةَ الظلماء، تلك الليلةَ التي غيّبت الشمسَ سنواتٍ عن حياتِه، تلك الليلةَ التي ركضَ فيها في أروقةِ المشفى بعد أن أُستدعِي لأن والداه و " هي " دخلوا المشفى لحادثٍ وقعَ بهم، أروقة المشفى طويلة! بيضاءُ لا تسرُّ الناظرين، لمَ أصبحَ البياضُ كئيبًا؟! لمَ أصبحَ البياضُ مؤلمًا يمررُ على صدرِه شفرةً امتلأت ببحةِ صوتِه اللاهث، حنجرتهُ يترغرغُ فيها الصمت، هذا الصمتُ مهلك، تلك الغصّة في صدرِي موجعةٌ تُرعِشُ شفتَاي، عينايَ لا توارِي سوءاتَ أفكـاري، تحمرُّ بملحٍ يتناثرُ على قدمـاي فيُضعفُ هذا الركضَ بثُقله.
تلك الليلةُ وصَل فيها ليُنثَر على أسماعهِ رحيلُ أمّه أولًا إلى بارئها، ووالدهُ في العناية، بينما زوجتهُ العزيزةُ تحتضر! كيف انشطرَ الوقتُ بتلك القسوة؟ كيف لم يمنحه القليلَ ليحزنَ على فاجعتهِ الأولى بأمّه لتختلط في ذاتِ الوقتِ بفاجعةِ زوجته؟! الوقتُ لا يُنصِفنا بقدر ما يُنصِّفُ الإهتزاز، نصفٌ يهتزُّ بوجع، ونصفٌ آخر يهتزُّ بخُذلان.
لا يدري ما كان يجب عليه وقتذاك، هل يحزن على أمه؟ هل يبكي؟ هل يسقطُ منهارًا لتنهارَ كل الجِنانِ بعد الرحِيلِ والوداع، آهٌ يا أمي، وألفَ آه .. لم أستطِع إنصافكِ في الحُزن، سامحي تقصيري.
كانَ عليهِ أن يكون عند زوجتِه، كلُّ مافيه يُكذِّبُ الإحتضـار، هم لا يُدركون بأن احتضارها سيكُون إن تركتها، هكَذا قالت مرة، " لا تخليني، أموت والله من دونك "، لم تقُل بأنها ستمُوت قبلي، لذا هم لا يُدركون معنى الموت، هم جهلَةٌ في الحيـاةِ والممات، هي فقط تَتَابعُ شهقاتها خارجةً من صدرها! فقط تتألم، لكنها لا تحتضر.
مسجّى كانت على سريرٍ أبيض، واللهِ إن البيـاضَ باتَ كئيبًا! ، هاهي تشهقُ بالفعلِ من فوقِه، والدمـاءُ نحرتهُ حينَ غطّت أماكنَ عديدةً في جسدها، عيناها بازغتانِ للأعلى حتى جـاء، لتُدارَ إليهِ وتنظر لملامحهِ التي اسودّت حين انسحَب بياضها وسكَن المشفى، الروحُ تغادرها رويدًا رويدًا، وروحه تتعلِق بروحها، لذا كان حريًّا بصدره أن يرتفعَ بصعوبةٍ وهو يراها، أن ينخفضَ بتحشرجٍ والكلماتُ تُدفَنُ في زوبعةِ الغصّات التي تغشَى حنجرته .. تحرّكت شفاهها الشاحبـةُ بأحرف اسمهِ دونَ صوتٍ واضحٍ يُعيد روحهُ إليه، " بدر ، بدر! " .. أما تدركين أن البدرَ أنتِ شمسُه؟ ضوئي انعكَاسك، فكَيفَ لي البزوغُ ولو في " بِضعِ أهلَّةٍ " إن غادرتني؟! ستسودُّ الدنيـا، سيذهبُ عنها النهارُ والدفء، هل قدْرُنا قليلٌ بتلك الدرجةِ لتتركينا؟ حاشانا! أليس كذلك؟ ... أرواتي!
نظرَ إليها بعينينِ تغصّان في الموت، لا يستوعب المرء الموتَ حين يجيء، يكذِّبهُ بكل استطاعةٍ وبحجمِ الصدمةِ التي اقتلعته. اقتربَ منها بهدوءٍ يُخلِّفُ من خلفهِ أعاصيرَ عديدة، يتأمّل عينيها الناظرتين إليه ودموعٌ غزيرةٌ تغطيها وتنفذُ منهما، ازدردَ ريقهُ بصعوبةٍ وهو يهمسُ بعذاب : أروى
أروى بغصّةٍ وهي تنظر إليهِ ودموعها تتساقطُ على وجهها، بكلماتٍ تتقاطعُ في ألمْ : عيونها، عيون أروى وروحها
بدرْ يُغمضُ عينيه بقوةٍ وقلبهُ تتسارعُ نبضاته وكأنها في سباقٍ مع الحيـاة، روحه ترتعش، أنامله التي ارتفعَت ليُلامس بها وجهها ترتعش، ساقهُ خانتهُ ليسقطَ أخيرًا على ركبتيه ويُريح ذراعيه على طرفِ السرير بجانبها بعد أن سحبَ يدهُ عن وجهها، ضعفٌ أشدَّ هزمه، ضعفٌ دفعهُ لدفنِ وجههِ في ذراعيهِ ليتركَ لدموعهِ حقَّ السقوطِ ومأساته تسحقُ كل كبريـاءٍ لعينيه، ليتركَ لحبيباتِ الفقدِ أن تسقطَ وهو يشعر بأن الروحَ تغادرهُ هو أيضًا، أنّ الدنيا تعتم، تعتم، تعتم ... وعيناهُ تبيضّان! عيناهُ يُغادرها النظر، وهي نظرُه! صوتهُ ماتَ وهي صوته، ابتسامتهُ قتلت وهي ابتسامته، هي الحيـاةُ بمجملها، هي الضحكاتُ التي ترقصُ في حبالِه الصوتية، لكم عزفَت عليهِ مقطوعةً من البيـانو، لكم غنّت بشفاههِ كلماتِ حبٍ لطالمـا كان يهمسُ بها كل صباح، كل ساعةٍ ووقت، فكيفَ تتركه ليبقى خاويًا على عروشه؟ كيفَ تتركهُ وتُهدَم الدنيـا وحلاوتها؟! ... اختنقَ صوتهُ ودموعه، ارتعشَت شفاههُ وكلماته، واستقرَّت كفها المرتعشةِ على رأسه بينما همسَ بصوتٍ مبحوحٍ بحُزنه : قلتيها، أنا روحِك! توجعيني لما تفكرين إني بغادرِك! كيف؟ كيف وأنا جنبك ... لا تروحين واثبتي إني روحك!
أروى تبتسمُ بألمٍ وحزن، همَست بغصةٍ وصعوبة : قول رؤى ، أحبها منك
لطالما كان يقول لها بأن " رؤى " تناسبها أكثر من " أروى "، ولطالما تذمّرت من هذا الاسم الذي تقول له بأنه قبيح، لكنّها في قرارة نفسها كانت تحبه! كانت تحب كلَّ شيءٍ منه.
رفعَ رأسهُ لينظرَ لها بشحوب، يتأمّل وجهها الشاحبَ دونَ مللٍ منه، أيعقل أن يفقد هذهِ الملامح؟! كيف؟ كيف يقوى على ذلك؟!! .. همَس دونَ حيـاة : أروى، رؤى، حبيبتي، النظر، الحيـاة! شلون تبين عمري دونك؟! أموت والله، أموت بدون ريحة عطرك على مخدتي كل صباح، بدون ريحة قهوتِك بعد ما أصحى، بدون حركتك حولي ... كم مرة لازم أقول لك إني إنسان ما يحس إنه حي إلا لما يشوف انعكاس وجهه بعيونكْ قبل لا ينام؟ يا كثر ما تضايقتي لأني ما أطفي الأبجورة، بس والله عشان ما أغيب عن نفسي بالظلام! أنتِ متخيلة إن حياتِي ما اكتملت إلا في مُجمَلك؟! مو عيب عليك تنقّصينها دونك؟! مو عيب عليك!!
إلهي ما أقسى ذاك الحزن، ما أقسى تلك اليدَ التِي تعصُر رئتاي، أريد أن أتنفس! أريد الأكسجين! كيفَ رحلتِ وأخذتِه معك؟ كيف أحيا هذهِ الحيـاة بدونكِ وأنتِ روتينيَ الذي لا أمِل؟ يالقسوتِك، يالقسوتِك، يالقسوتكِ وضعفي بدونك.
استيقظَ من ذكرياتِه المؤلمَة على صوتِ الجالس بجانبهِ وهو يلفظ بعملية : الحرمة لو تبي مواصفاتها فهي دايم تطلع محجّبه ومتلثمة، ملامحها ماقد بانت لنا
وجّه نظراتهِ الخاطفةَ والميتةَ إليه ليبلل شفاههُ ويوقفَ السيارةَ بعد أن وصلوا للمكانِ المطلوب، وبصوتٍ جامدٍ قاسي وهو يفتح باب سيارته : حسابكم عندي أسبوع وما بلغتوني!!
توترَ وهو يفتح بابهُ من الجهةِ الأخرى : ما كانت ملفتة كفاية عشان نركّز فيها
صرخَ بدر بغضبٍ وهو يغلقُ الباب بقوّة : ما كانت ملفتة كفاية؟!!! يعني أنت منتظر هالكفاية!!! ... حسابكم عندي، حسابكم عندي يا أغبيـاء
صمَت بارتباكٍ من غضبِ بدر الغير معهود، في حينِ تحرّك بدر وهو يثبّت مسدسهُ أسفلَ معطفهِ والآخر يتبعهُ بذعرٍ من أن يتهوّر ويستخدمه، فبالتأكيد ستكون مصيبةً إن استخدمه في مكانٍ كهذا دونَ أوامرَ وتصريح، فبدر لغضبهِ حكَر هذا الموضوعَ بينه وبين أشخاصٍ محددين كي يساعدوه دونَ أن يخبِر أحدًا ممن هم أعلى منه ... ماهذا الجنون!!
هروَل ليصلَ إليه بعد أن كان بدر يتحرّك بسرعةٍ ومن ثمّ دخَل للمبنى وهو يسأل الآخر بحدة : قدرتوا تحددون أي شقّة بالضبط؟
بتوتر : أيه الطابق الثاني الشقّة الأولى على اليمين
شدَّ شفتيه بانفعالٍ وهو يصعدُ عتبـاتِ الدرجِ مُتّشحًا بالسواد، يرتدي بنطالًا من الجينزِ الرمادي المُعتم ومعطفًا جلديًا بلونٍ أسود، والسوادُ لا يسكُن سوى في أحداقه، لازالت الشمسُ تغيب، الغيومُ تتكتّل، تحجبُ كلَّ دفءٍ لأدركَ أن الدفء والضوءَ أنتِ ، عينيكِ الساطعتين كنجمٍ واللهِ جميلة، لطالما أعذتُهما بربِّ الفلقِ من كلِّ فلق ، حتّى مُتِّ وأصبحتُ أعيذني من الشّرك وأهله ، أخافُ أن أحبّك حدَّ العبـادة، أخاف من ذلك كثيرًا لأجدَ نفسي أُكثر من الصلاة والقرآن والذّكـر، أخافُ هذا الحبُ أن يفرّقنا في الآخرة. لمَ جئتِ جميلةً لا أقوى على عدمِ حبّها؟ ثمّ ذهبتِ ولم أقوى على قمعِ ذكرياتِك في بؤبؤ عيني وبحّةِ نبضاتِ قلبي.
اشتدّت ملامحهُ أكثر، كانَ قد وصلَ للطابقِ الثانِي واتّجه للناحيـةِ اليُمنى، لكنّهُ توقّف فجأة وهو يعقدُ حاجبيهِ باستنكارٍ لرؤيتِه لِيوسف يخرجُ من الشّقة المقصودةِ وهو ينظر للهاتِف بين كفيه ، الهاتفُ الذي كان هاتف أخته!!


،


فُتحَ بابُ المنزَل، ووجههُ الكظيمُ يطرقهُ بإعيـاءِ عقلهِ الذي تصادمَ بأفكارِه، التصادمُ لطالما طرأ من بعدهِ حرارةُ احتكاكٍ قاسٍ، حرارةٌ تسحقُ البرودةَ والدفءَ أيضًا ليبقى الإشتعال يتصاعدُ ولا يخمد، ليبقى ذاك الدخـان يتصاعدُ ولا يسكُن .. لم يُلقي السلام كعادتِه حينَ يدخل، لذا عقدت الخادمةُ حاجبيها مستنكرةً لسكُونِه وتجهّم ملامحه، ذاكَ التجهّم الذي أصبَح كثيرًا ما يُلمَحُ على ملامحه، كثيرًا بقدرِ بزُوغِ الصدماتِ عليه وتكابلِ الإنكساراتِ في عينيه.
دخَل بصمتٍ بينما عقلهُ يصرخُ بتلك الأحاديثِ المؤلمةِ التي دارَت بينهُ وبين أدهم، بتلك الذكرى الموجعة/المُميتة، " أحمد الأمير "، يعرفه، يعرفهُ جيدًا وكيف عساهُ لا يعرفه؟! هذا الرجل ذكرهُ بين النـاسِ محمود، لا كلامَ سيئًا عنه، لكنّه في كلِ مرةٍ يراهُ ينظرُ إليهِ بعينِ الحذَر، ليس ممن يتحلّون بحسنِ النيّةِ حدّ ألا يُدركَ تصنّع ذاك الرجـل للطيبة، دائمًا ما كانت تنفرهُ نظراته، دائمًا ما كان يلمحُ الشر منه ، ولم يخب إدراكهُ كالعـادة، كإدراكهِ لأدهم والذي جعله رافضًا لفكرةِ أن تعيشَ إلين معه. ذلك الوضُيع! كيف استطاع؟ كيفَ خدَعها بتلك الطريقةِ وفكّر بتلكَ الوضاعةِ والحقـارة؟! هل هناك مخلوقاتٌ كتلك؟ كأمها؟! كوالدها! كأدهم!! لو كان القتلُ مباحًا لمن هم كأمثالهِ لعصر عنقه بين كفيهِ وقتله، عقابًا على تلك الأفكـار والخداع والرغباتِ الدونية.
اتّجهَ لعتباتِ الدرجِ مباشرةً دونَ أن ينصاعَ لأصواتِهم المُتعاليـةِ قريبًا منه، دونَ أن يُقاد لضحكتها التي ميّزها بينهم ، يا الله! هاهيَ تعودُ لضحكاتِها، لتردّداتِ الشقاء في صوتها وكل ما أخشـاه أن تختفي من جديد! كلّ ما أخشـاه أن تتساقطَ الاثنتانِ والعشرونَ بتلةً في مصيبةٍ واحدة، لازالت صغيرةً على تلكَ الصدمات! لازالت لم ترى من الدنيـا إلا الظلام والنورُ مندسٌّ في زاويةٍ بعيدة، بعيدةً جدًا، جدًا وكم أخشى من تلكَ الـ " جدًا "!!
زفَر بألمٍ وهو يصعدُ حتى وصَل إلى غرفته، دخَل ليجدها خاويةً من هالـة، حينها أغمضَ عينيهِ بهمٍ وهو يُغلق البابَ بضعفٍ ويتراجعَ للخلفِ حتى أسندَ ظهرهُ عليه والحديثُ السابقُ يقفزُ فوق كتفيهِ ويثقله، كيف عساهُ يخبرها؟ كيف عساهُ يخبرها؟!!

في الأسفَل
زمّت شفتيها بحرجٍ بعد موجةِ الضحكِ العاتيةِ التي هاجمتها، أخفضت رأسها بينما هديل تضحك بجانبها وتوكزها بمرفقها هامسةً بلؤم : استحيتي من ياسر هاه!! عادي عادي يا كثر ما تصيرين خبلة قدامه اليوم يعني خجلتي؟!
إلين بحرجٍ تهمس وهي تُخفض رأسها : انطمي يا حمارة
هديل تعلو بصوتها قليلًا : والله ما الحمار غيرك ياسر ماهو حمار
شهقَت بقوةٍ وهي ترفعُ رأسها ناظرةً لياسر الذي اتّسعت عيناه ووضعَ الشاي على الطاولةِ وهو يسعل، احمرَّ وجهها بإحراجٍ ابتلعها كاملةً لتلفظ بغصّةٍ وصوتها يغوصُ في خجلها : والله كاذبة ما قلت كذا
هديل تُمثّل الصدمة وهي تضع يدها على صدرها شاهقة : وتكذبيني بعد؟ صدق ما تستحين
إلين تجاهلتها وهي توجّه حديثها لياسر : ياسر والله ما قلت لا تسمعها هذي شيطان
هديل تهزُّ رأسها بأسى وهي تمط شفتيها : صدق إنك مارد مو بس شيطان
عضَّ ياسر زاويـة شفتهِ السُفلى ليكتم ابتسامته وهو يرفعُ إحدى حاجبيه : أنا حمار؟!
إلين بجزعٍ تعقد حاجبيها : والله ما قلت
ياسر يعلم أنّ هديل كاذبة، لكنّه قام بمجاراةِ كذبتها تلك حتى ينفض ذاك الخجل عنها ويكسر الحواجزَ بينهما، لفظْ : عاد هديل وقلنا قليلة أدب ما تحترم اللي أكبرها منها بس أبد ما توقعتها منك
إلين بقهرٍ استدارت إلى هديل وهي ترفعُ يدها وتضربها بقوةٍ في ظهرها : يا حيوااانة شوفي هاه صدّقك
ابتعدت عنها هديل وهي تغضِّن ملامحها بوجعٍ وتحكُّ ظهرها بظهرِ الأريكة، وبألم : آآح والله توجع جعلك الكسر
إلين تهمس من بين أسنانها بقهر : وجعل لسانك الكاذب القص
هديل بانزعاح : اوووف شفيك صايرة وحشية كذا؟! * وجّهت نظراتها لياسر لتُردف بدلال * يوووه ياسر شوفها ضربتني
ابتسمَ ياسر رغمًا عنهُ لـ " عبَطها " ثمّ بلل شفتيه وهو يهتف بحزم : ضربتك ما ضربتك مو شغلي، هي عليها الحين تراضيني
لوَت إلين فمها بغيظٍ وهي تنظر له : ليه أراضيك وهي كاذبة؟!
ياسر ببساطة : وش اللي يخليني أصدق إنها كاذبة؟!
إلين : يعني تتوقعني ممكن أقول عنك كذا؟
ياسر : من عاشر قومًا أربعين يومًا صار منهم ... أيه أتوقع
رفعَت هديل إحدى حاجبيها ونفخَت فمها وهي تدرك جيدًا مقصده، بينما ابتسمَت إلين بانتشاءٍ لكنَّ ابتسامتها سرعان ما تلاشت وهي تلفظُ بجزعٍ كي يُصدقها : لا تحاتي أنا ضدْ العدوى من قليلين الأدب
ياسر : زين أجل ضيفي لقليلين الأدب الحمير
اتّسعت عينا هديل وفغرَت فمها بينما ضحكَت إلين بقوةٍ دونَ أن تسيطَر على نفسها لتقفَ هديل بغضبٍ وهي تلفظُ من بين أسنانها بقهر : صدق إنك حمار وهذي معك * تُشير باصبعها لإلين *
ياسر ببرودٍ يرفعُ الشاي إلى فمه : نتيجة قلّة أدبك أجل تقولين عن أخوك الكبير حمار؟!
هديل لوت فمها بغيظ : ماقلت
ياسر يبتسم : إلين ما تكذب، ودامه افتراء فأنتِ قايلة عني حمار
ابتسمَت إلين وبودّها لو تقفزُ لهديل وتبدأ بإغاظتها أكثر بوقوف ياسر معها وتصديقها، استدارَت هديل إليها بملامح متجهمةٍ لتتّسع ابتسامة إلين بعبثٍ وهي تُخرج لسانها، حينها زفَرت هديل بغيظٍ لتتحرّك خارجةً من الغرفـة ونظرات إلين الباسمـةَ والشامتةَ تتابعها، وما إن اختفَت هديل عن الأنظار حتى استدارت إلى ياسر وخجلها يُعاود التسلل إليها رويدًا رويدًا، فهي لم تعتد حتى الآن على الجلوسِ أمامه دونَ حجاب، شعرها منطلقٌ يصلُ إلى كتفيها، ترتدي قميصًا كحليًا تصلُ أكمامهُ لمرفقيها وتنورةً سوداءَ وبالرغمِ من طولها تشعر أنها مكشوفةُ الساقينِ أمامه، مكشوفةُ الكتفينِ وهي التي لم تعتد على حالٍ كهذهِ ولو أن الأمـر بيدها ما تركت حجابها أمامـه قط.
ابتسمَ ياسر بلطفٍ تجاه ابتسامتها الخجولة، ليهتفَ بعطف : ما راضيتيني
عقَدت حاجبيها باستنكارٍ وهي تحكُّ عنقها، وببحة : بس أنت قلت مصدقني
ياسر : عشان صورتك عندي قدامها بس ، والا فعلًا وش اللي يخليني أكذبها؟!
إلين باحباط : أفا !! هذي آخرتها ... بس ماعليه تستحق أراضيك خصوصًا من بعد فزعتك لي قدامها ... وش تبي مني؟!
ياسر بابتسامةٍ رقيقةٍ إلا أن صوتهُ جاءَ حازمًا جادًا : أبي أعرف منك سالفة الإعتداء القديمة ، ما نسيتها للحين


يتبــع ..



كَيــدْ 03-10-15 02:22 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




بقيَ متيبّسًا في مكانهِ وهو ينظر إليه بعينين مستنكرتين، مصدومتين على الوجهِ الصحيح! كيف نسي أنه يعيش هنا؟ للحظةٍ غفِل عن ذلك وغادرهُ الإستيعاب في خضمِ أفكَارهِ والأعاصير التي تقتلعُ كلّ ذرةِ عقلٍ في رأسه، كل قطرةِ ماءٍ في جسدهِ ليحفَّ ويترهّلَ تفكيرهُ بغضبِه.
شتّت عيناه بينما ارتفعَت نظرات يوسف إليه وعقدَ حاجبيه وهو يبتسم هامسًا بدهشةٍ مستنكرة : بدر؟!
زمَّ بدر شفتيه وهو يعقدُ حاجبيه بقوّة، ومامعنى ذلك؟ أن يراه هنا؟ يخرج من ذاتِ الشقّة المقصودة؟!! ما معنى ذلك!! ... تضاعَف اتّساعُ عينيه قليلًا وهو يُحاول الربط بينه وبين الموضوعِ برمّته، هاتفُ أخته في يده، وحقيبتها يحملها في الأخرى. كيف وصلا إليه؟ هل خُدع منه أم ماذا! هل وقعَ في فخٍ أحمقَ وكان يُجالس عدوًا لصباحاتٍ وقهوة؟! .. تشتت أفكارُه وهو يزفُر خلجاتِ صدرهِ للهواءِ المُثقلِ بأنفاسِه الصقيعية، تثبّتت نظراته عليه وهو يلمحُ الإستنكارَ في عينيه، لم يكُن يحادثهُ في شيءٍ يخصّ حياتهُ الخاصة، كان غامضًا معه! حذرًا والحذرُ يتشبّعُ فيه بشكلٍ عفويٍ مع أي شخص، لكن فكرةَ خداعهِ بطريقةٍ أو بأخرى جعلت الدمَ يفورُ في عروقه، جعلت أفكارهُ تتضاربُ في عقلهِ بغضبٍ وقهر . . تبدّلت نظراتُ الدهشةِ في عينيه لحقدٍ ويُوسف يقتربُ منهُ وهو يميل رأسها جانبًا قليلًا ببعضِ الإستغراب دونَ أن يفقدَ ابتسامته، وبهدوءٍ يُردف : شلونك بدر؟ ، وبعدين شفيك متنح كذا!
تراجعَ بدر تلقائيًا للخلفِ حين أصبح أمامه مباشرةً وهو ينظر إليه بحقدٍ واحتقـار، وبنبرةٍ باردة : متنّح فيك ، نسيت إنّك عايِش هنا
رفعَ يوسف إحدى حاجبيه باستغرابٍ من حركتِه لكنه لم يعلق، في حينِ أردفَ بدر وهو يشير بعينيه للحقيبةِ في يده : لمين ذي؟
نظَر يوسف للحقيبةِ النسائية ببعضِ الاستنكار لسؤاله - الفضولي - بطريقةٍ لا تليق، لكنهُ حمَل الموضوع ببساطةٍ وهو يرفعها ويردُّ بشفافية : بنتي أخذتها الصُبح بعد ما طاحت من بنت اصتدمت فيها
تصلّبت ملامح بدر بحقدٍ أكبر، ذاتُ الكذبةِ يتداولها الرجل وابنته - كما يزعُم -، يُدرك جيدًا بأن غادة لم تخرج اليوم، لكنّه حتى الآن عجِز عن حل لغز وصول الحقيبةِ إليهم، ولن يتهاوَن معهما في مكرِهما هذا. لفظَ بنبرةٍ مشدودة وهو يوزّع نظراته على ملامح يوسف الوقورة والتي أصبَحت كريهةً بمكرها في هذهِ اللحظة : اصتدمت فيها؟ اهـاا
عقدَ يوسف حاجبيه أكثر والمزيدُ من الغرابة تسكنهُ لحالِ بدر معه، لبرودهِ ونظراته الحاقـدة ... وجّه عيناه للواقف بجانب بدر بصمتٍ وسكُون، وباستفسارٍ هادئ : ما عرفتنا على الأخ
بدر يبتسمُ ببرودٍ وهو يرفعُ إحدى حاجبيه بسخرية : يهمك تعرفه؟
ارتفعَ حاجبي يُوسف بصدمةٍ من إجابته وسكَن عينيه قليلٌ من الحرجِ لردّه الغريب ونبرتهِ الأغرب، تنحنحَ ليُخفضَ نظراته قليلًا ويهتفَ بصوتٍ باسمٍ بالرغم من تعامل بدر الغريبِ معه والذي اعتاد منهُ الإحترام : شكلي مضايقك ، عسى ماشر
بدر دونَ أن يفقد ابتسامته الباردة : لا شـر دامك تحمل هالملامح البريئة والمسالمة وتخدع الناس بعكس جوّاتك
ضوّق يُوسف عينيه باستنكارٍ وصدمةٍ منه ومن أسلوبه في الحديثِ اليوم بعد أن اعتـاد منهُ الإحتـرام لأيـامٍ طويلةٍ ومنذ عرفه، تلاشَت ابتسامتهُ وهو يبلل شفاههُ ويتركَ لأفكارهِ المتخبّطة في رأسه أن تتشتّت عنهُ كي لا يفقِد هذهِ العلاقة التي لم تتعمّق بعد، لكنّها كانت لذيذةً بحجم جمـال شخصية بدر، لذا هو مستنكر! مستنكرٌ لكنّه لن يأخذ أسلوبه الآن وطريقتهِ في الحديثِ بمحمَل الحقيقة .. تجمّدت عيناه على عيني بدر الباردة، وشفتيه انفرجتا تهتفانِ بخفوت : وش لقيت مني عشان هالحكي؟
بَدر بحقد : أنت أدرى وأكثر مني بعَد .. * مدَّ يدهُ إليه ليُردف بأمرٍ جامد * هات الشنطة والجوّال
تراجَع يوسف للخلفِ بدهشةٍ من وقاحته : بـــدر!
بدر يُقاطعهُ بانفعال : قلت هاتها! صدقني للحين أُعتبر ماسك نفسي لا أذبحك على تجرّأك لأختي
يوسف باستنكار وعقلهُ غاصَ في غرابةِ الموقفِ وصدمته : أختك!!
بدر بصراخٍ غاضبٍ وهو ينتشل الحقيبةَ بفظاظةٍ ومن ثمّ الهاتف : حمييييير! ما عندكم أساليب غير هالأساليب الوصخة زيّكم
قالَ كلماتهِ الأخيـرةَ وهو يدفعهُ للجدارِ ويضغطَ على عنقهِ بذراعه اليُسرى بينما امتلأ وجه يُوسف بالصدمةِ والألـمِ لذلك الإصتدامِ والإختناقِ في ذاتِ الوقتِ لذراعِ بدر القاسيـة.

في جهةٍ أخرى وقبلَ دقائق
تنهّدَت أرجوان التي كانت تجلسُ على سريرِها وهي تنظُر للفراغ، ما إن أغلقت من ذلك الإتصالِ المُزعج حتى كان والدها يفتحُ بابَ الشقّة الخارجي ويدخل، لم تنتبه إليه وقتها، لكنّه لم يستغرق ثواني إلا وهو يدخلُ غرفتها المفتوحة لتنظرَ إليه متفاجئةً لكنّها سرعـان ما وقفَت لتقبّل رأسهُ حين أصبحَ أمامها مباشرةً، لفظَ بابتسامة : متضايقة؟
أرجوان تبتسم مُواريةً كلَّ ضيقها وأحزانها خلف ابتسامتها : لا
يُوسف بخفوتٍ حنون وهو يمسحُ على شعرها الأسود : لا ، متضايقة فلا تكذبين
زفَرت بقلّة حيلة وهي تنظُر للأسفَل بضيـاع، لتنحدِر كفّهُ عن شعرها إلى كتفيها ويشدّها إليه برقةٍ يحتضنها بحنان، حينها أغمضَت عينيها وعضّت شفتِها السُفلى لتزرعَ رأسها في صدرهِ الحنُون، هامسـةً بغصّةٍ في نهايَةِ الأمـرِ بعد أن قررت منذ البداية أنها ستصمت : ليان تعبت اليوم
عقدَ حاجبيهِ وهو يرفعُ رأسه بسرعةٍ وقلقٍ إلى سريرِ ليـان الذي كانت تنـامُ فوقهُ بإرهاقٍ يظهرُ في حركةِ صدرها وتنفّسها المضطرب، أبعدَ أرجوان عنهُ قليلًا لتتحرّك قدماه بسرعةٍ متّجهًا لسريرها، جلسَ على طرفِه ليضعَ كفّه على وجنتها متحسسًا الحرارة التي انخفضَت كثيرًا عن الصبـاح، وعيناهُ تُظلمانِ بأساه، شفتاهُ تتكوّرانِ في آهةٍ خافتةٍ تشرحُ صريرَ قلبهِ الملتوِي بضياعِه.
استدارَ إلى أرجوان وملامحهُ تمايلَت بحزنٍ لمدى التقصيرِ الذي يشعر أنّه يوخزُ صدرهُ بسهامه، كم باتَ يُقصِّر، كم باتَ يؤذيهنَّ ببُعده، بالمسافاتِ التي لا تنطوِي بينهُ وبين الحُزن، ذاكَ الذي كان يَستطيعُ غلبهُ كثيرًا ومواراتَهُ عنهنَّ وعن رعايته لهن، لكنّه من بعد هذا الشوقِ ومن بعدِ أن انسحبَت جذورُ جيهان منه، شعر بالضعف! بالضعف حدَّ الإبتعـاد، بالحُزنِ حدَّ التقصير، لطالمَا كان تُربتها، وكانتْ أمها الماء التي تسقيها لتنمو فيه، لكنّها من بعدِ أن اقتلعت نفسها منه أصبَح تربةً فارغَة، أصابه القحطُ ببعدِ ابنته، ذهبَت جودتُه ولازمهُ الضيقُ ليقصِّر أكثر، والأبُ إن فقدَ إحدى أميراتِه يجد نفسه يهتم بالباقياتِ بقوّةٍ حتى لا يفقدهن، لكنّ الأمـر كان عكسيًا لديه! كان عكسيًا بطريقةٍ مؤذيةٍ لهُ قبل أن تكون لهن.
بلل شفتيه وتنفّس بألم، هامسًا ببحّة : وش صار لها؟
أرجوان بشفتين ارتعشتا وهي تقرأ حُزن عينيه، كما توقّعت! كان ليحزن، لذا أرادَت الصمت، أرادتهُ بشدّةٍ حتى لا تُسكن المزيدَ من الحزن في عينيه، لكنّها باندفاعٍ أعمى أخبرته، حينَ اختطفتها الضيقَة أخبرتهُ دونَ شعورٍ وليت لسانها قصَّ قبل ذلك .. ردّت بألم : قامت وهي مصخّنة وترجّع، ما كان باين عليها كثير قبل الفطور بس من طلعت من البيت هي راحت تنام شوي وبعد نص ساعة قامت تبكي وترجّع على نفسها
نظَر للسريرِ الذي غيّرت أرجوان مفارشه، ليتنهّد بضيقٍ وحزنٍ وهو يهمس : وأيش سويتي لها؟
أرجوان تشتت عينيها وترد بكذب : جلست أحط لها كمادات لين انخفضَت حرارتها
يوسف ويقرأ نبرتها الكاذبـة استدارَ لينظر إليها بشك : والترجيع؟
أرجوان صدّت بنظراتها عنه بعد أن نظرَ لعينيها، وبتوتر : بطّل من نفسه ، بس ما أستبعد ترجّع بأي وقت
قطّب يوسف جبينه لينطقَ بهدوءٍ حازم : تكذبين على أبوك؟ للمرة الثانية من جيت طبعًا
عضّت شفتها السُفلى بإحراجٍ وعيناها لا تلتقيَانِ به، قامَ ليتّجه إليها وصوتُ خطواتهِ جعلها تتوتّر لتخفض رأسها للأرضِ وتُشبكَ كفيها ببعضهما في صمت، بينما وقفَ هو أمامها مباشرةً ليضعَ يدهُ على شعرها ويلفظَ بهدوء : ليه تكذبين؟ وش مسوّية؟
أرجوان بتوترٍ ونبرةٍ خافتة : ما سوّيت شيء
يوسف بحزم : الكذبة الثالثة!!
لوَت لسانها داخِل فمها وقطّبت جبينها بذنب، في حينِ انخفضَت يدهُ ليُمسك ذقنها بحنانٍ ويرفعَ وجهها إليه لتنظر لعينيه رغمًا عنها ، وبخفوت : تكذبين عليْ أرجواني؟ من متى!
ارتعشَت شفتاها بألمٍ واضطرابٍ وتمايلَ حاجباها بحزن، زمّت شفتيها لتُسكِن الرّعشة التي تملأ شفاهها، هامسةً ببحّةٍ وغصة : رحت الصُبح للصيدلية اللي قُربنا ، وجبت الدواء .. بس
عقدَ يوسف حاجبيه وهو يُمرر اصبعه على حاجبيها بعد أن تركَ ذقنها، وبصوتٍ حنونٍ رغمَ الضيقِ الذي يسكُن نصفَه : وليه هالتعقيدة؟ والكذب عليْ!!
صمتت من جديدٍ دونَ أن يرد، ليدرك حينها بأن موضوع كذبها عليهِ مختلف، وقتئذٍ زفَر بقلقٍ وهو يمسك كتفيها ويشدّها إليه قليلًا : احكي، وش فيك وش صار عشان هالكذب والسكوت!!
نظَرت لعينيه مليًا وهي تعضُّ باطنَ خدّها، ووجَدت نفسها تنطلقُ في إخبـارهِ بما حدث، بتلك الفتـاة وباصتدامِها وذاكَ الإتّصـال لتبترَ بعضًا من وقاحةِ حديثِ بدر معها دونَ أن تخفي بأنّه كان فظًا، بينما عضَّ يوسف شفتهُ بعد أن اعلمته بما حدث، ولفظَ أخيرًا بضيقٍ وحاجبيه بنعقدان بعتاب : وليه ما انتظرتي لوقت رجوعي وعلمتيني؟ وقتها أنا بتصرّف
أرجوان بخفوت : ما كان ودي أضايقك بتعب ليـان
يُوسف بعتاب : الحين هذا سبب * زفَر بقلّة حيلة * جيبي الشنطة وأنا بتّصل على الرجـال مرة ثانية وأتفاهم معه
شعرَت أرجوان بالضيقِ لتلك الفكرة، فهي لم تكُن تريد لوالدها أن يتصادمَ بالحديثِ مع وقحٍ مثله، لكنّها صمتت مبتلعةً رفضَها لتُعطيهِ الحقيبةَ ويخرج.


في الخـارج
كانت ذراعُ بدر تضغطُ على عنقِ يُوسف أكثر، ملامحه تتشنّج بحقدٍ وقهرٍ وغضَب، بينما يدُ يوسف تحاول إبعادهُ عنه وغضبهُ من الجهةِ الأخرى اعتلا لمـا يفعل، بالرغم من صدمتِه ودهشتهِ بما يحدث إلا أنّه لم يكُن ليسمحَ للصدمةِ أن تشلَّ سرعةَ الإستجابةِ لديهِ في وضعٍ هكذا، لذا حاوَل دفعهُ عنه إلا أن بدر بقوّة بنيتهِ ثبّته وهو يلفظ بحقد : تدري وش ودي فيه الحين؟ أقتلك ، أقتلك بكل قهر جوّاتي وعن كل جلسة وقهوة تشاركناها وكل سالفة حكينا فيها مع بعض ... خسيييييس
لفظَ تلكَ الكلمة وهو يتركهُ ويتراجعُ بعد أن سحبهُ شريكه الذي كان معه، في الوجهِ الصحيح هو من سمحَ لهُ بسحبهِ وتركهُ بملءِ إرادته ... رفعَ اصبعهُ متوعدًا وهو ينظر ليوسف المُمسك بمقدّمة عنقه بألمٍ في حين اتّجهت نظراتهُ غاضبةً إليه وعاتبة : بتركك الحين ، مو لشيء سوى إنّي محترم هذيك الجلسات بيننا وبتركك لين تستوعب كشفي لك ... راجِع لك صدّقني ولو اكتشف إنّ أختي أو أخوي ماهم في الشقة وقتها اعتبر نفسك ميّت أنت والزفتة اللي مكلمتني أوّل ... ولا تفكر مجرد تفكير تهرب، بحصّلك بكل سهولة


،


الساعة الخامسةِ والنصف مساءً
بعد أن خرجَ سلطان من عندهم جلَست غيداء بجانبِ غزل وملاصقةً لها، بينما وجهها يتجهّم بضيقٍ وصوتها الحانقُ همسَ في أذنها ببعضِ الخبث : يدافع عنك هاه؟! دواكم عندي ما أكون غيّود إذا ما رجعتك له حمرا
غزل دونَ إدراكٍ عقدَت حاجبيها تنظر إليها بعد أن اقتلعتها من عالمِها الرمـادي وصورةُ سلطان الباسِم وهو يُحادثُ أمّه تستقرُّ في عرشِ ذلك العـالم كملكٍ على تلكَ اللحظة، صورةٌ بالرغم من كونها بعثَت إليها الضيقَ إلا أنها تبعث الأمـان أيضًا. هتفَت بتساؤل : شقصدك؟
غيداء بلؤم : الحين أفهّمك وش قصدي
ولم تكَد تستوعب شيئًا حتى شعرَت بأسنانِ غيداء تعضّها في ذاتِ المكان الذي عضتها فيهِ ومن فوقِ قماشِ بلوزتها، صرَخت بألمٍ وهي تحاولُ إبعادها عنها بينما قفزَت ام عنـاد بصدمةٍ لتقتربَ منهما صارخةً بغضب : اتركيها يا الخبلة اتركيها حسبي الله على ابليسك
غزل بألمٍ وهي تضعُ كفّ يدها الأخرى على جبين غيداء محاولةً دفعها عنها ليزداد تشبّث غيداء ومنهُ ألمها، صرخت : يا حمااااااااره أنا ما عضيتك بهالقوة الله يكسّر هالسنون
ابتعدَت غيداء بعد أن ضربتها امها بغضبٍ على كتفها وهي تبتسم بانتصارٍ ووحشيةٍ غير مباليةٍ بألمِ تلك الضربة، ومن ثمَّ رفعَت كفّها اليُمنى في مشهدٍ تمثيليٍ لتمسحَ بظاهرها على أسفلَ زاوية فمها كنايةً على مسحِ الدم، حينها كشّرت غزل بغيظٍ وهي تهتف : مصاصة دماء مجنونة أعوذ بالله، ما أستبعد بيوم تجيني وأنيابك بارزة وودك تشربين دمي
ابتسمَت غيداء ببراءةً وهي تنظر لأمها التي توجّه إليها نظراتٍ قاسيةً ومتوعدة، وبعينين ترمشان : لا وش دعوى وش أبي بدمك الفاسد؟ ما نستغني عن دم ام عناد
ام عناد بغضب : دواك عندي يا قليلة الأدب
غزل بقهرٍ وهي تفرك عضدها من فوقِ البلوزة : أيه خالتي واللي يعافيك عاقبيها بغت تآكل جلدي هالمسعورة
غيداء تحرّك حاجبيها نزولًا وصعودًا باستفزاز : وبغيت بعد أرجعك لسلطان حمرا ، بس للأسف ام عناد موجودة إن شاء الله في مرات قادمة
في تلك اللحظـةِ تصاعدَ رنينٌ من هاتفٍ مـا، انتفضَت غيداء لتُديرَ رأسها ناظرةً لهاتفها بجانبها وتبدّلت ملامحُ وجهها لتحملهُ بسرعةٍ وهي ترفض المكالمة، وبنبرةٍ مرتعشة : هالرقم له فترة مزعجني بعطي عناد
ام عناد عقدَت حاجبيها وهي تجلس بجانبها، وبنبرةٍ اهتمـام : قد رديتي عليه؟!
غيداء بتوترٍ وهي تُعيد خصلات شعرها لخلف أذنها : لا
ام عناد : يمكن وحدة من صديقاتك
ازدردَت غيداء ريقها وهي التي لم تعتَد على الكذب، وبخفوت : يمكن ، بسأل صديقاتي بكره
أفرجَت أم عناد شفتيها لتلفظ بجملةٍ أخرى، لكنّ غزل قاطعت الموضوعَ وهي تشعر بأن غيداء محتاجةٌ لمن يُنقذها من هذا الموقف، فهي تقرأ بسهولةٍ اضطرابَ عينيها الآن : خالتي أقدر أروح المطبخ أجيب لي مويا؟!
ارتفعَت نظرات أم عناد إليها لتقطّب جبينها وتقف : تروحين أنتِ؟ لا والله ما تتعبين حالك أنا اللي بروح
ارتفعَت نظراتُ غيداء لامها وإدراكها البطيء والذي سافَر عنها لم يدفعها لتنهضَ بسرعةٍ وتذهبَ عوضًا عنها، قلبها فجأةً بدأ بالإضطرابِ منذ سمعَت ذاكَ الرنينِ وكأنّها تقومُ بمعصيةٍ مـا، لا تدري لمَ عند " سارة " تحديدًا تشعر بالخوفِ حدَّ أن تصمت وكأنّها قامت بجريمةٍ لمجرد أن سارة تضايقها.
استدارَت إليها غزلْ ما إن خرجَت ام عناد، عقَدتْ حاجبيها وهي تهتفُ بخفوت : وش قصّة هالرقـم اللي مزعجك؟!
بللت غيداء شفتيها لتتنحنحَ وهي تفركُ كفيها بين فخذيها وتهمس بارتباك : ما أدري شكلها وحدة من صديقاتي مثل ما قالت ماما
غزل بشك : ماهو رجّال يعني؟!
غيداء بذعر : لا لا أصلًا ما رديت
غزل تعقدُ حاجبيها وتضوّق عينيها : كذابة ، واضح رديتي أجل ليه خايفة كذا مو من رقم عاد!
غيداء بتوتر : لا والله ماهو رجّال
غزل : أجل؟!
غيداء تُدير رأسها عنها وتنظر للأرض : ما عليك السالفة ما تحتـاج
غزل بإصرار : لا بتعلميني ترى منتبهة لك من آخر مرة جيت لا يكون رجّال وتكذبين علي؟
غيداء بجزع : لا وش رجّاله تبيني أنجن؟!
ابتسمَت غزل بعطفٍ لخوفها وبراءتها ، وبرقة : طيب شالسالفة؟!
غيداء بتوترٍ تعترف : وحدة من زميلاتي
ارتفعَ حاجبي غزل بقليلٍ من الاستنكار، وبحيرة : وحدة من زميلاتك؟! طيب وين المشكلة بالضبط؟!!
غيداء بخفوت : ماهي بزينة
غزل : من أي ناحية؟!
غيداء تهزُّ كتفيها قليلًا : ما أدري بس عناد يقولي لا أقرب منها ، أساسًا أنا ما أرتاح لها
بقيَ إحدى حاجبي غزل مرتفعًا باستنكارٍ للموضوعِ برمّته والذي ترى أنه لا يستحقُّ كل هذا الاضطرابِ والخوف، لوَت فمها باستياءٍ لتُردف : وأيش تبغى منك مزعجتك؟!
غيداء بارتباكٍ تُميل رأسها جانبًا : تقول إنها تبي تكون صديقتي وعازمتني على حفلة عندها ... من الأسـاس أنا صرت أخاف منها من كثر ما تحن وبكل مرة تقول حفلة!!
زمّت غزل شفتيها قليلًا وهي تنظر ببعضِ الإحتقـار لتفكيرها، ماهذهِ المحدوديـة في الحيـاة؟! لا تنكِر أنها تلمحُ السعـادةَ في حياتِهم لكنَّ السعادة لابد من أن تُرفقَ بالحريّة التامـة، بعيدًا عن هذهِ القيود العمرية، كونها مراهقةً لا يسمحُ لهم بتحديدِ نطاقِ حريّتها!
لوَت فمها بغيظٍ وهي تبتلعُ الإحتقارَ في صوتِها لتنطق بصوتٍ يتوارى عنه الاستفزاز : أخوك ما عنده سالفة بنت بعمرك وش بتسوي بعد؟!
غيداء بصوتٍ فاتر : هي عمرها 17 ماهي بعمري
غزل بانفعال : ويعني؟! وش هالتخلف أستغفر الله أجل تحبسين نفسك ما تشوفين العالم؟!
ازدرَدت غيداء ريقها بصعوبةٍ وحديث غزل لا يروقها، هي ليست " محبوسة " بالمعنى الفعلي! بل على العكس فعائلتها لم تتّجه يومًا لقمع حرّيتها وتدرك أنّهم يهدونها الحرّية الكافيـة والتي لا تؤذيها، لذا إن قيل لها بأن - فلانة - لا تصلحُ للمصاحبـة فهي بالتأكيد لا تصلح، وذلك لا علاقة لهُ بالحرّية وقمعها.
فتَحت فمها لترد، لكنّ دخول ام عنـاد وقتذاك جعلها تصمت وتواري الموضوعَ خلف جدارِ صمتها، نظرَت إليها غزل من طرفِ عينيها وهي تتناولُ كوبَ المـاء، لو أنّها بالفعل تمتلك الحرّية التامة من عائلتها ما صمتت الآن وخافَت من أمها، لو أنّها كما ترى سعيدةً كفايـةً وتعيش بين عائلةٍ مثالية لمَا كان هذا التوترُ والخوف يصاحبها بل أخبرت أمها ببساطـة ... غريبٌ أن ترى فيها كلَّ تلك السعـادة وحياتها مُحتَكرةٌ بهذهِ الطريقة! هل تتصنع السعادة مثلها إذن؟! وعائلتها بالرغم من جمالها لم تصبح باذخة الجمـالِ حتى الآن؟! ... لكن ماذا عنها؟! لطالما كانت تمتلك الحريّة القصوى وتخرج من المنزل متى تريد وتعود متى تريد! تقوم بكلِّ ما يشتهيهِ كبتُ مشاعرها وضيقها في المنزل، لكنّ السعادة لم ترفرف على ملامحها! لم تلامسها ولو خطأً!! فهل تقترن السعادة بالحرية فعلًا!!!


يتبــع ..

كَيــدْ 03-10-15 02:35 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 


بقيَ في سيّارتِه لساعاتٍ يجولُ شوارع الرّيـاض، يعدُّ عدد السيّاراتِ والعابرين، يمشّط الطرقـات بصدرِه - الموجوع -، بحدقتيه الواهنتينِ في سماواتِها السبع، وكم هي فقيرةٌ سماواتها، دونَ شمس، دونَ غيوم، دونَ طيورًا تحلّق فيها، اكتفَت سماواتها بها كملاكٍ أبيَض، وأنا الشمس الحـارقةُ في تلك السماوات وحناياها التائهةُ في أنينِ الماضي والحاضـر.
عضّ شفتهُ بعنفٍ حتى كادَ يدميها، أوقفَ سيّارتهُ جانبًا أمـام إحدى المقاهي التي واعده فيها المدعوَ ليث السعد، هذا الليثُ الذي كان يصرُّ على معرفته طوال الأسبوعِ المنصرم، ولا ينكر أنّه بالرغم من كونِه يرى في عينيه اللؤم إلا أنّ قلبه استلطفه! كيف؟ لا يدري، لا يعلم عنهُ شيئًا سوى اسمه، لكنّ عينـاه حين ينظر إليها يشعر بأنّها غاليتين عليه، أين رآهـا؟! لا يعلم! فقط رآها، في حلمٍ جميل، في حيـاةٍ جميلة، في لحظةٍ جميلة ربما! .. فقط هما جميلتان! يرتاح لهما رغمًا عن مكرهما، لذا وجدَ نفسهُ ينصاع لمعرفتِه، يوافقُ على المواعيدِ التي تسرقها الزمن منهما ويبتسم له، أحـاديثهُ جميلة! تمامًا كعينيه، أحاديثهُ ليست غريبةً عنه، تمامًا كعينيه! إلهي ماهذا الإنجرافُ نحوه؟ لمَ يشعر بأنّ هذا الرجلَ عزيزٌ على قلبه!
زفَر بعنفِ حيرتِه التي ضاعفَت ضيقه، أولًا نجلاء، والذي ظنَّ بأنه حين يكشف المستور عن سماواتِها سيرتاح، والآن هذا الليثُ الماكر، القريبُ منه والغريب عنه.
بللَ شفتيه وهو يعقدُ حاجبيه ويخفضُ رأسه قليلًا ليسندهُ على المقودِ بعد أن ثقلَ بأفكارهِ وخيباتِه، استمرَّ لثوانٍ طويلةٍ وهو يحاول تذكّر بعض الأذكـار القليلةِ التي يحفظها لينزاحَ هذا الضيقُ عن قلبه، ويا للأسف لم يحفظ يومًا دعاءَ الكربِ والهم بالرغم من كونِه أكثر إنسانٍ ربما يلازمه الصيقُ لأيامٍ بلياليهنّ .. يالشفقتهِ على نفسه! ويالَهذا البعد المقيتِ بينه وبين ربِّه، لن يظلَّ هكذا، لأجـلها هي على الأقـل قبل أن يكون لأجله، لأجل حبّهِ الذي سيكافحُ ليرضى الله عنهُ ويجلبها إليه بعد كلِّ أخطائِه.
وإن كانَ لا يعرف دعـاء الهم، فأول ما يعودُ للمنزل سيحفظه، وسيقرأ من بعدهِ سورةَ يوسف، فكم من حزنٍ سمعَ عنهُ وكانت قراءة سورة يوسف سببًا في انجلائـه.
رفعَ رأسهُ ليمسحَ على وجههِ بكفُّه اليمنى ومن ثم فتحَ البـاب ليترجّل عن سيارته، تحرّكت قدماه متناسيتانِ كلّ الوهنِ والضعفِ في حنجرتهِ الباكيـة، النائحةِ على ضريحِ الماضي الذي مرَّ ولم يمُت، لم يُدفَن وجَهّزَ هو ضريحهُ محاولًا دفنـه في القريب العاجل، يا الله عجِّل بهذا الدفن، عجّل بهذا الدفن.
مررّ أنامله بين خصلات شعرهِ المتجعّدة ليدخُل للمقهى ويبحثَ بعينيه عن - ليث/شاهين -، لمحهُ يلوّحُ لهُ بكفه ليبتسم ويتّجه له، وما إن وصل إليه حتى وقفَ ليُصافحهُ بينما ألقى أدهم السلام ليردَّ عليه.
شاهين : كيفك عساك طيّب؟
أدهم يبتسم بوهن : الله يقولها
شاهين : أفا! وش فيك ؟!!
جلَس أدهم ليزفُر وابتسامتهُ لا تتناثرُ مع زفراته، نطقَ بخفوت : ما عليك شويّة ضغوطات بالشغل
شاهين بشكٍ بعد أن جلس : أنت قايل تشتغل في بنك مو؟!
أدهم : أيه
ابتسمَ شاهين ابتسامةً فاترةً وهو يهتف : شكلك شكل دكتور
اتّسعت عينا أدهم بتعجبٍ وهو يضحك باستنكار : لا عاد وش دكتور؟ ما يليق علي
شاهين بصوتٍ ضيّقٍ يتوارى خلفه الحقد : ليه ما يليق؟
أدهم بابتسامةٍ يتنهد : خلّينا هالأشغال الراقيـة لأصحابها ، ماني مؤهل لها
شاهين يرفعُ إحدى حاجبيْه باستنكارٍ لكلماتِه، وبالرغم من عدمِ اهتمامـه الفعلي بهِ وبالبؤسِ الذي يُحيطه رغمًا عن محاولتهِ لسحقهِ إلا أنه هتف بفضولٍ رغمًا عنه : ليه تقول عن نفسك هالحكِي؟ واضح ما عندك دافع لطموحات عاليـة، منت واثق بنفسك؟!
أدهم : مو عن مافيه ثقة، بس رحم الله امرئٍ عرفَ قدرَ نفسه
تقطّبت ملامحُ شاهين والإستنكارُ يعلوها لسوداويّةِ تفكيره، لعينيه الصافيتين، لحدقتيه اللتين يسكُن فيها حزنٌ وطيبةٌ في ذاتِ الوقت! كلُّ المكر والشر الذي رآهُ فيها يوم التقى بهِ أول مرةٍ وثاني مرةٍ انقشَع فجأة، هل كان تمثيلًا؟ أم أنَّ التمثيل هو الآنَ في هذا الصفـاء؟! في هذهِ الشفافيـة، في هذهِ الملامح بتقاسيمها الحادة لكنَّ كل الحدة واهيةٌ يظهر من خلفها إنسانٌ ذو قلبٍ طيّبٍ مهما تراءى الشرُّ عليه ... مجرّدُ تمثيل! كلُّ ما يظهر عليه الآن مجرّد تمثيل! والا لما اقترنَ اسمهُ بأخيهِ ومأساتِه، حتى وإن لم يكُن طبيبًا فهذا لا ينفِي أن يكُون لهُ علاقة بكل شيء، لذا من الغبـاء أن يلتفتَ لتلك الشفافية في أحاديثِه ونظراته.
تنحنَح شاهين ليردفَ بهدوء : خلنا من هالموضوع واضح يضايقك ، وش تطلب؟!
ابتسمَ أدهم وهو يرفعُ إحدى حاجبيهِ لتحويرهِ للموضوع بتلك الطريقةِ وذاك العذرِ الواهي، ليسَ غبيًا كي لا يدرك تصنّعه، ولا بأس! لينظر إلى أين ستصل الأمور.
أشـاح شاهين نظراته عنه وهو يعضُّ طرف شفتهِ ليستدعي النادل، في حين أخفضَ أدهم نظراته للطاولـةِ ينظر لكفِيه المتعانقتين فوقَ سطحِها مسافرًا بذهنِهِ نحوَها من جدِيد، نحوَ البقيّة الباقيـةِ من تلكَ الذكرى التي سرَدها على عبدالله، والذي كانَ مجملها " أنها بقيَت لأسبوعينِ تقريبًا عند والدها الحقيقي والذي اضطرَّ لنسبتها إليه حينَ انتشَر الخبرُ يومذاكَ بسرعة، لكنّ الخبَر انتشرَ محرّفًا ليظهر بكونِه تزوّج من أخرى زواجًا صحيحًا وكانت تلك هي الابنةُ الناتجة من ذلك الزواج الذي لم يطُل، فاضطر وقتها لينسبها إليه وخلالِ أسبوعينِ ونيف كان قد وضعها في دورِ الأيتـامِ بحجة أنّه لا يفتخرُ بأن تكُون تلك ابنته، وضعها بخفـاءٍ وبطريقةٍ غيرِ مباشرةٍ تسمح لأحدٍ بأن يكتشفَهُ حتى ممن في الدارِ نفسه، ومن الواضح أنّه كلّف أحدًا بإيصالها أو ربما رماها عند بابِهم فقط! لا يدري كيفَ تركها هناك، ولا يهم كيف! كلُّ ما يدركه أنّه رمـاها لمجهولٍ قاسٍ، مجهولٍ مسننٍ يجرحهُ هو قبلًا في حينِ لم يعلم بذلك إلا متأخرًا، متأخرًا جدًا ... وبقيَت هي متواجدةٌ اسمًا بينَ تلك العائلةِ فارضةً نفسها في بطاقةِ العائلة، وأمّا لاختفائها الفُجائي فكان يستطيعُ بكلِّ بساطةٍ تفسيرهُ للنـاس، ربّما كانت عند امها الغيرِ معروفةٍ للناسِ مثلًا! لدى أحدِ العائلة! في مكانٍ مـا ... بينما لم يكُن ذاك المكانُ سوى ظلامٍ أنقذها اللهُ منه حين سقَطت في كنِفِ عائلة عبدالله، بطريقةٍ أو بأخرى، يُدرك أنها لم تكُن صدفة! "
زفَر بحرارةٍ وهو يعدُّ الأيـام القليلةَ التي بقيَت فيها معهم، تلك الأيـام الجميلة المُعطّرةِ برائحتها الطفولية، ويا الله من رائحتها الطفولية! كم بقيَ يدفنُ وجههُ في عنقها يشتمُّ رائحتها العذبَة، لأسبوعٍ ونصفٍ كأكبرِ تقدير، ومن بعدها غادرتهم لحيـاةٍ أخرى، يُدرك أنها ستكون قاسيةً لو لم يكُن اللهُ معها.
استفاقَ من ذكرياتِه حين سأله شاهين مرةً أخرى عمّا يُريد أن يطلبه، حينها ابتسم بفتورٍ وهو يجيبه.


،


عودةٌ لساعاتٍ ماضيـة - بروكسيل
فتحَ بابَ الشقّة بسرعةٍ وعجَل، دخَل وهو يمررُ نظراته في الصّالة، لا أحد سوَى الرِيح المُتمثل في " شيء " ... قلبهُ نبضَ بقلق، بخوفٍ وخشيةٍ من الفقدِ من جديد، من الحُزن من جديد، من سوءاتِ الحيـاةِ أسفل ظلِّ الوحدة، هو وحيدٌ بوجودهما! فكيفَ هو دونهما؟! كيف!! هو منكبٌ على وجههِ حتى وهما معه، لذا سيُكفّنُ إن فقدهما!!
ارتعشَت شفاههُ وقدماهُ تخونانِهِ برعشةٍ مُضطربةٍ خافتـة تلعنُ ثباته، ابتلعَ ريقهُ بصعوبةٍ ليفتحَ فمهُ وهو يتّجه لغرفتها هاتفًا بخوفٍ من أن تُبتر الإجابـةُ من حياتِه : غــ ــادة ، ح حُــسااام
صمتَ قليلًا ونظراتُه تنهارُ بجزع، لن يكُون هنـاك رد! هل أصابهم شيءٌ مـا! هل أصابهم سوء!! ... لم يكَد يستغرقُ في أفكارِه الحارقةِ حتى وصلَ إليه صوتٌ مرتعشٌ يُجيبه ويقترب منه : هلا بدر ، حسام نايم
وقفَت عند البابِ بهيئتها المُضطربة ليُغمِضَ عينيه بقوةٍ ويتنهّد سامحًا لكل ذرةِ توترٍ وخوفٍ كانت في صدره أن تذهب، أن تُغادره، أن تموتَ لبعضِ الوقتِ حتى يحيا هذهِ الساعات .. سقَطت الحقيبةُ التي وضعَ فيها هاتفها من يدهِ بعد ارتخائها، لتتحرّك أقدامه المتوترةِ بسرعةٍ هذهِ المرّة حتى وصَل إليه ولفَّ ذراعيهِ حولها ليحتضنها هامسًا بكبتٍ وراحة : الحمدلله إنك بخير ، الحمدلله يارب
بينما كانت هيَ قد غابَت كلّيًا عنهُ وعن كلماتِه وعيناها تتّسعانِ بحقيبتها المرميةِ أرضًا، قلبها ارتجفَ بين أضلعها وهي تفكر بخوفٍ كيف وصلت إليه؟ فقدتها قبل عودتها إلى هُنا وبعد أن ظللت من كانَ يُراقبها بشقِّ الأنفس أو لربما هم من كانوا تركوها ، بالتأكيد فقدتها أثناءَ ذعرها، لا تدري أين بالضبط، لكنها فقدتها قبل أن تجيءَ وبعد أن غادرت من الشقةِ تحملها، فكيف وصلَت إليه؟!!!
أبعدها عنهُ بدر وهو يُمسك كتفيها وينظر إليها براحةٍ وشكرٍ وامتنانٍ لله، ابتسمَ باهتزازٍ ليلفظَ بخفوت : بغى عقلي يطير من الرعب على بالي صار لكم شيء
لم تنظر إليهِ ونظراتها على حقيبتها، شفتيها ترتعشان كما حدقتيها، وكان هذا التوتّر الذي يسكن محياها وعدم نظرها إليه دافعًا لينظر ناحيـةَ الحقيبة، عقَد حاجبيه قليلًا ليُعيد نظراتهُ إليها مدققًا بنظرتها المرعوبة بشك، وبخفوت : شفيك؟!
انتفضَت بتوترٍ لتوجّه نظراتها إليه وتهتف بتلعثم : وين لقيت شنطتي؟!
بدْر بهدوءٍ وهو يعقد حاجبيه : متى ضاعت عليك؟!
غادة بتوترٍ انتفضَت : هاه! ااا تو تو كانت معي قبل نص ساعة بس فجأة ما عاد لقيتها عندي
جعّد ملامحهُ بشكٍ لتوتّرها وتلعثمها في إجابةٍ يُدرك أنها غير معقولة، شدّ بكفيه على كتفيها قليلًا ليلفظَ بنبرةٍ حازمـة : وين بتختفي يعني كانت بالكنبة وقت ما دخلت فأخذتها
شتت عينيها المرتعشتين وذهابُ إدراكها في هذهِ اللحظة جعلها تقعُ في فخّه : أيه صح حطيتها من شوي في الصالـة وشكلي نسيتها
ارتعَشت كفّاه على كتفيها ليُخفضهما ووجههُ يتجمّد بذهول، أغمضَ عينيه قليلًا قبل أن يفتحهما بحدةٍ ناظرًا لعينيها الكاذبتين، وبصوتٍ حادٍ يتمنى أن تكون كلّ شكوكِه خاطئة : طلعتي من البيت اليُوم؟
نظرت إليهِ غادة بصدمةٍ من سؤالهِ وفغرت فمها : هاه؟!
بدر بحدةٍ وغضب : طلعتي من البيت اليوم؟!!
ارتعشَت شفاهها لتعضَّ السفلى منها وتصمت مُغمضةً عينيها بخوف، حينها تراجعَ بدر بصدمةٍ وعيناه تتوسّعـان بذهول، بألم، بندم، بخجلٍ من نفسه وغضبٍ منها، انتفضَت كفّاه وذراعهُ اليُسرى التي خنقَ بها يوسف لسعته فجأة، انقبضَ قلبه وهو يُغمضُ عينيه بقوّة، يسترجعُ ما قاله له، شتمه؟ أم أن ذاكرته مشوّشة، شتمه!!! ... عضَّ شفته بقوّةٍ وخجلٌ كبيرٌ اكتسحَه وألمٌ وغضبٌ عميقين تجذّرا في قهرٍ جعله يفتحُ عينيهِ ويصرخُ بها دونَ شعور لتتساقطَ مياهُ غيمةِ قهرهِ وخذلانهِ منها عليها : سويتيها!! سويتيها وطلعتي؟ ليييييه؟
اضطربت أكثر وهي تتراجع للخلفِ بخوفٍ هاتفةً بغصّة : بدر أنـا . .
بدر بصراخٍ يقاطعها : ليييه؟ ليه تعصين كلامي ليه؟ أنتِ تدرين وش كبر خطورة اللي سويتيه؟ تدرين وش اللي تسوينه عشان تعصين!!
عضّت شفتها بعبرةٍ تخنقُ صوتها وكلماتها، تحشرجَ صدرها واختنقَت عيناها بدموعٍ حبيسةٍ خلفَ المُقَل، بينما عاد هو ليُمسك كتفيها حتى يهزّها بقهرٍ يهزُّ ذرات سكُونه معها : ما تدرين بشيء! ما تدرين بالخوف اللي ينزرع بقلبي كل ثانية أكون فيها بعيد عنكم ... ليه يا غادة تكسرين كلمتي وتستهينين بحياتِك في حياتِي؟ ليه تستهينين بخشيتي عليكم! بمكانتكم بعمري! ، يعني لازم أثبت لك إني بموت لو صابكم شيء؟ لازم!!
سقطَت دموعها أخيرًا وهي تصدُّ بوجهها عنه وعينيها النادمتين تلتمعانِ بحُزنها، بينما عضَّ هو شفتهُ بقوّةٍ حتى انتشَر لونُ الدمِ فيها لشدّةِ ضغطه، لشدّة خيبتهِ وصدمتِه بها، لثقتِه، لقلقهِ الدائِم عليهما لتستهين بذلك القلقِ والخوفِ في تهورٍ وغبـاء. نطقَ مُردفًا بصوتٍ مستوجِع : هاين عليك؟ لهالدرجة هاين عليك وأنتِ تدرين إنه ما عاد عندي وطن غيركم؟ حرام عليك يا غادة وحسبي الله على تهوّرك ، حرام عليك يا غــادة


،


أناملها تدلّكُ جانبَ عنقها المتيبّس وهي تمشي في الممرِّ المؤدي لغرفتها، فتحَت بابَ الغرفـةِ وهي تعقدُ حاجبيها بألمٍ من عنقها، لترتخِي تلكَ الإنعقادةُ عن حاجبيها وتنزلَ كفّها إلى كتفها قليلًا ما إن اصتدمَت نظراتها بزوجها الجالسِ على السريرِ وقدميهِ تتدلّيانِ على الأرضِ بينما يسندُ مرفقيه على ركبتيه ومن ثمَّ رأسهُ على كفيْه، تُحيطُ بهِ هالـةٌ من الهمِّ والضيقِ وحيرةٌ تبتلعهُ بأكملهِ في بحارٍ لا قرارَ لها، في غياهِب لا تُضيء ... أغلقَت البابَ بقلقٍ لتقتربَ منهُ وصوتها يندفعُ إليه بخشيَة : عبدالله وش صايـر؟
رفعَ عبدالله رأسهُ إليها وهو يعقدُ حاجبيْه والصداعُ يكادُ يفتكُ برأسه، نظراتهُ التائهةُ في ذلك اللقاءِ وتلك المحادثـةِ بينهُ وبين أدهم جعلت قلبَ هالـة يقلقُ أكثر، جلَست بجانبهِ لتضعَ كفها على كتفِه بمواساةٍ على ما لا تعلم، فقط كل ما تدركهُ أنّ زوجها متضايق، تائهٌ في أمرٍ عصيّ، ومن الطبيعي أن تقلقَ لضيقه، لذا نطقَت بخفوتٍ قلِق : قالت لي الخدّامة بوقت الصلاة إنّك رجعت قبل العصر، وجيت ما حصّلتك وعرفت إنك بالمسجد .. بس ليش ما علّمتني إنك جيت؟ وليش متضايق!
أغمضَ عينيه بقوّةٍ ليضغطَ على جفنيه بسبابةِ وإبهامِ يدهِ اليُمنى، لفظَ بصوتٍ مرهقٍ جامـد : اتركِيني بروحي الحين
هالـة باهتمـام : هديل قالت لي إن إلين تضايقت عشانك طلعت بدون لا تتغدى، وكانت منتظرة رجعتك عشان تغدّيك .. لو درَت إنك هنا من قبل العصر ما تركتك
تأوّه بصمتٍ واسمها ينغرسُ أحرفهُ في قلبه، كلُّ حرفٍ يزرعُ جذرهُ المُسنن في إحدى حجراتِه الأربَع، كل حرفٍ يقفُ في حنجرتهِ ليمنعَ كلَّ كلمةٍ من الخروجِ دونَ اختناقِه ببحّة ... همَس بإرهاقٍ وعذاب : ماهو هي اللي ذابحتني! ... اتركيني ام ياسر واللي يعافيك، ودي أنام شوي قبل صلاة المغـرب
شدّت كفها على كتفهِ وحاجبيها ينعقدانِ بينما قلبها انقبَض بقلقٍ أكبَر لتُدرك بكلماتِه تلك أنّ ضيقهُ الآن غير طبيعي، و " ماهو هي اللي ذابحتني " انصبّت في قلبها بحممٍ ساخنةٍ أحرقَت سكونها، هل يقصدُ إلين؟! ... لفظَت بصوتٍ قلق وخوف : ماهو من عوايدك تنام بهالوقت المكرُوه .. شفيك أرعبت قلبي؟
عبدالله بإرهاقٍ أبعدَ كفّها عن كتفِه ثمَّ انحنى ليخلعَ حذاءهُ ومن ثم جوربَه، وبأمرٍ مرهق : جيبي لي بندول ومويا ولا تحاتيني ، شويّة ضيقة وتروح
هالـة دون اقتناعٍ ابتلعَت إصرارها بالرغمِ من كونِ الخشيَة سكَنت قلبها لحالِه ولإلين، لفظَت : على أمرك * لتنهضَ وتخرج من الغرفـةِ لتجلب لهُ ما يريد *


يتبــع ..

كَيــدْ 03-10-15 02:47 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



في غرفةِ إلين
تدفُن وجهها في الوسـادةِ وصدرها يضطربُ بنبضاتِها المحتكرةِ في صوتِ ياسِر وسؤاله ذاك، في نظراتِه، في ابتسامتهِ المرفقةِ مع نبرتهِ الجـادة، نبرتهِ التي وجّهت إليها لكمةً بذكرىَ ماضيةٍ لم تمضِي مع " كَان "، التصقَت بتلك الكلمةِ دُونَ معناها الفعلي، دونَ أن تكُون ماضيًا لفظًا ومعنى .. وبالرغمِ من تلكَ الصّدمـةِ التي تحمّلت في كلماتِه، في سؤاله الذي لم تتوقعهُ ونسيَت مع الأيـامِ أنّهُ أدركَ هذا المـاضي، أدركَ تلك اللحظـة السوداءَ في حياتِها .. منذُ تلك الليلة! تلك التي رأت فيها أدهم في إحدى كوابيسها، صرَخت فيها بذعرٍ لتفتضِح أمرَ ذلك الماضـي أمامه، ومن ثمّ حدثَ ما حدثَ بعد أن دخَلت عليهم هالـة وظنّت بهما سوءً . . . عضّت شفتها بقوّةٍ وهي تدفنُ وجهها في الوسـادةِ أكثر فأكثر، لمَ لم ينسى ياسِر؟ لمَ عـادَ ليستفسر عن هذا الموضوعِ المؤلم؟ لمَ لم تنسى هي؟! مهما حاولَت التناسي إلا أن صورةَ ملامحِ أدهم في ذلك اليومِ لن تنساها، ملامحُ حاقـدة، غاضبـة، عينَان امتلأ بها شرٌ وغضبٌ صبّهُ عليها، لازالت تذكُر لمساتِه لوجهها وجسدها، تكميمهِ لفمها حتى لا تصرخ، عيناها الجاحضتانِ بذعرٍ في عينيه، لازالت تذكُر همساتِه الغامضةِ والتي لم تفهمها كليًا بينما أناملهِ تتلمّس العرقَ النابضَ في عنقها بذعر، تتحرّك صعودًا ونزولًا على جانبِ عنقها وكأنّهُ يتأكد من كونِها لم تفقد نعومَةَ الأطفـالِ بعد.
" نسيتك؟ صح!! أنـا نسيتك! وما تستاهلين اللي فيني تجاهِك "
" أبي ضرائب تضحيتي "
" أرهقت نفسي كثير فيك "
وهمساتٌ كثيرةٌ صبّها في أذنيها، كثيرةٌ توارَت خلفَ ذعرها وعدمِ إدراكها في تلكَ اللحظة، توارَت خلفَ أنفاسها التي كانت تتصاعدُ وتتصاعدُ لتغلّفَ مسامعها وتسقطَ بعدَ ثوانٍ مغشيًا عليها . . لم تتجاوز الخامسـةَ عشرةَ يومها، ولم تكُن تلك المرّةُ الأولى التي يتحرّشُ فيها بها، لكنّها كانت المرّة الأولى التي يجيء فيها تحرّشه بتلك القسوة، بتلك الملامِح الغاضبة، بذلك الصوتِ الحـاقِد، بنبرتِه التي كانت كمن يُحادثُ نفسه ويُحاول إقناعـها ، يالقسـوةِ تلك الذكرَى! يالوطأتِها القارسـة، صقيعيةٌ تلك اللمسات المُحرّمة، من أخْ! ولكم جاءت القسوةُ كلّها في تلكَ الكلمة، " أخ! ما عرِف حرمـة أخته ".
ابتسمَت بأسى وشفاهُها ترتعش، يومذاك كانت ذاهبةً لتقابِل صديقاتها في الدار، صديقاتها المشاركَاتِ لحالتها وفقدها، وكم كرِهت من بعد ذلك اليومِ الذهابَ إليهم واحتكَرت علاقتها بهِم في الإطمئنـان عليهم عن بعدٍ فقط.
تأوّهت بألمٍ وهي تسترجعِ سؤال ياسِر من جديد، إن كانت هي لم تنسى ولن تنسى فهو بالمقابِل لن ينسى رغبتهُ في المعرفـة، ليست رغبةً بقدرِ ماهو خوفٌ وخشيةٌ عليها، وتُدرِكُ ذلك.

*

ياسر : أبي أعرف منك سالفة الإعتداء القديمة ، ما نسيتها للحين
نظَرت إليه بصدمةٍ وبهوتٍ وعيناها تنفرجانِ في اتّساعٍ تائهٍ عن الإدرَاك، بينما شدَّ هو على قبضتيهِ وهو يقدِّم جسدهُ للأمـامِ قليلًا في حين كان يجلسُ في أريكةٍ مقابلةٍ لها تفصلُ بينهما مسافةٌ قليلة بينما طاولةٌ زجاجيةٌ مستطيلةٌ تقبعُ في المنتصفِ بينهما لتتكّون كحاجزٍ يفصُل انفعالهُ الذي بدأ يطفو على ملامحهِ لتوهانِ عينيها وصوتِها .. لم تتوقّع أبدًا أن يتذكّر انكشافَ الستارِ عنها في تلك الليلة، لم تتوقّع بأن يستثير ما حدثَ من جديدٍ ويتجرأ على سؤالها، لم تتوقّع بتاتًا أن يمتلك جرأةً وانفعالًا كافيين يسمحان لهُ بالرّغبةِ في معرفةِ ما حدثَ لها أو بالأحرى " الإهتمـام بها ".
بللت شفتيها ومن ثمَّ ازدردَت ريقها وكفّيها تتشنّجانِ مناصرةً لتشنّجَ لسانها، بينما زفَر هو يزفرُ انفعالاتِ صوتِه ليهتفَ بصوتٍ هادئٍ ظاهريًا : يهمني الموضوع، كثر ما تهمني هديل .. أنتِ أختي في النهايـة
تحشرَج صدرها وهي تخفض ناظريها عنه، وانقباضاتُ قلبها تشتدُّ وتقسى خلفَ أضلعها، الدمُ يُضخُّ بعنفٍ إلى شرايينها وبريقُ عينيها يخفتانِ في ليالِ حُزنٍ مريرة، في ليالِ ضعفٍ أليمة، في شفقٍ يحمرُّ بهما وتغيبُ شمسها دونَ أن يسطعَ القمرُ بدرًا ينقذها من الظـلام.
تقوّست شفتاها قليلًا وهي تشدُّ على قبضتيها، وبتحشرجٍ أطلقت صوتَها وحبالها تهتزُّ بحزنٍ واختنـاق : لا تحاتِي ، للحِين عذراء
ياسِر يعقدُ حاجبيه بألمٍ لصوتِها المشروخِ بوجعِه، بلل شفتيه ليلفظَ بحنانٍ لا يخلو من الحزم : ما سألتك عذراء أو لا .. سألتك عن السالفة بكبرها .. مين ومتى وشلون! أبي أعرف
إلين تشتت حدقتيها بضغطٍ هائلٍ يصبُّ على حبالِها الصوتيةِ وقلبها ليندفعَ دمها بجنونٍ في جسدها وترتفعَ حرارةُ الجوِّ فجأة ... هتفَت بغصّة : اسمح لي ، ما أبي أحكِي
ياسر بإصرار : لا لازم تحكين ، أنا أبي أسمع
إلين : وأنا ما أقوى! جد ما أقوى
ياسر بهدوءٍ خافتٍ وهو يحاول لمحَ عينيها في انخفاضِ ملامحها للأسفل : ليه؟!
إلين بألم : لأني ما أقوى بس! نفسي أضعف من استرجـاع هالموضوع ... يوجعني كثير!
ياسر بحزم : وعشانه يوجعك داوي هالوجَع بذِكرُه ورميه للهوا! لي إذا شفتي إنه مافيه شيء بيقدر يحمله! ... طلّعي اللي بقلبك
رفعَت إلين كفيها بوجعٍ خانقٍ وهي تسمحُ لدموعها أن تنفرَ من عينيها بذكرَى لا تنتفضُ عنها، باغتصابٍ مريرٍ لمُراهَقةٍ رمـادية، بحرارةٍ تسري في جسدها لتلك اللمسـاتِ المُحرّمة، لا زالت يدهُ تعبُر، لازالت كفّهُ اليُسرى تكمم صوتَها، تخنقُ النبراتِ في حنجرتها وتكعفُ كل كلمةٍ وأخرى أسفَل لسانها، لازالت شفاههُ تلامس أذنها في همسٍ مـا، في كلماتٍ حاقدةٍ وصوتٍ غاضب، في نبرةٍ حزينة! نبرةٍ خافتةٍ لا تُسمَعُ للملأ، ولم تكَد هي تسمعها، ينعصرُ صوتُه في حقدٍ وحزن، في غضبٍ وتمردٍ على مالا تعلم! ... لازالت تلكَ النـارُ تشتعلُ في مساماتِها لبصماتِه التي خلّفها على بشرتِها ولم تُمسَح حتى الآن.
غطّت أذناها بكفّيها وهي تشهقُ دون شعورٍ وتغصُّ بتلك الذكرى الذائبةِ في صدرِها حممًا ومخلّفاتِ غيمةٍ حمَلت الصديدَ وأسقطتهُ في قلبِها، في رئتيها، في حنجرتها لتختلطَ كل كلمةٍ مع مرارتِه وتخرجَ مستوجعةً تجهلُ التداوِي بنسيَان : ما أبي ، الله يخليك ياسر ، الله يخليك لا تجبرني أحكِي ... ما أبي!!
وقفَ مبهوتًا لبكائها المُفاجئ، والتفَّ حولهُ الصمتُ لثوانٍ طالت والألـمُ استوقفهُ عليها، لأنينها ونحيبِ الدمعِ على وجنتيها، لافتراسِ رموشها لعينيها في عناقٍ والتفافِ كل رمشٍ بآخر، في انطباقِ أجفانِها، بينما الدمعُ يتكتّلُ كلّما ارخَت أجفانها ليُعاودَ الإنحدارَ على وجنتيها كلّما شدّتهما.
بلل شفتيه وهو يشتت حدقتيه عنها بوجعٍ عليها، زفَر بتذبذبٍ ليرفعَ يدهُ ويمررها على شعره، ليلفظ أخيرًا بخفوت : آسف ، ما نويت أبكّيك .. وبترك الموضوع حاليًا مثل ما تبين ... بس سامحيني مقدر أتجاهله، وبرجع أسألك بوقت ثاني
قالَ كلماتهُ تلك لتتحرّك قدمـاه باتّجاهِ البابِ ويخرج، بينما انحدرت كفّاها إلى وجهها لتغطّيه وهي تُحاول إسكانَ هذا الدمع، عاتبةٌ على دمعها! ألم تقل أنها لن تبكِي مجددًا؟ والآن عادَت للبكَاءِ من سؤال! من ذكرَى ولمسةٍ محرّمة، عادَت لتبكي دونَ إرادةٍ لتدرك كم هي ضعيفةٌ ودموعها السِّلاح، لتدركَ كم أنَّ إراداتِها ووعودها لذاتِها كاذبـة ... قلتُ لن أبكي، فلمَ بكيتُ منذ أول استثارةٍ لآلآمي التي تجري على قلبي وأحاولُ طردها؟!


،


اقتربَ موعدُ أقـامةِ صلاةِ المغرِب، خلعا حذاءهما عند البـابِ ليدخلا بعجلةٍ حتى يحصلا على الوقتِ الكـافِي ليُصلِّيا تحيّة المسجِد، بينما صوتُ سلطان يخرحُ غاضبًا على عناد وهو يتّجهُ لذيلِ الصفِّ الثالِث : وفي الصف الثالث بعد؟! كلّه منك أخرتنا أنت ووجهك ، ساعة في الحمام ياللي ما تخاف ربّك؟ أنا أصلًا مين قالي أنتظرك!!
ضحكَ عناد ببراءةٍ وهو يقفُ ويلفظ : اصص ولا كلمة خلنا نلحق نصلي تحية المسجد
لوَى سلطان فمهُ ليستدير عنه وهو يستغفر، ومن ثمَّ رفعَ كفيه ليكبِّر ويبدأ بالصـلاة، غافلًا عن تلك العيونِ الناظرَةِ إليه منذ دَخل وصاحب العينانِ يجلسُ في الصفِّ الأولِ ورأسهُ يستدير ناحيتهما بصمت، ينظر لتقاسيمِ وجهه المسترخيةِ في صلاتِه وشفاههِ التي تتحرّك في تلاوةٍ خافتـةٍ لا تُسمع ... ابتَسم ابتسامةً خافتـةً وهو يُدير وجههُ عنه في اللحظةِ التي سلّم فيها من كان بجانبهِ ليستغفرَ ثلاثًا ومن ثمّ نظرَ إليه باسمًا : حيّ الله الشيخ سلمان راس الرجاجيل والشيوخ ، وينك يا رجّال ما عاد تنشاف
ابتسمَ سلمان بشفافيةٍ وهو ينظرُ إليهِ ليهتف بهدوء : الله يحييك ويبقيك ياجعل راسك سالم ... أبد انشغلنا بالحياة بس
الآخر : المهم إنك طيب بشّر ما تزوّجت
سلمان بابتسامة : أبد عاجبني هالحـال ولا ظنّي ببدّله
الآخر : وين عاجبك هالحال بدون ولَد يشيل اسمك ويرعاك بكبرك؟!
سلمان وابتسامتهُ لا تختفي عن شفاهه، وجّه نظرةً خاطفةً لسلطان ليُعاودَ النظر للجالسِ بجانبه وينطق بخفوت : مكتفي بواحد
الآخر : ولد فهد الله يرحمه؟ الا جد ليه ما عاد نشوفك ويّاه كثير مثل قبل
خفتت ابتسامتهُ لتلتوِي شفاههُ بسخريةٍ وهو يدركُ أن الذي يُحادثهُ وصلَ لمـا يريد، للأسئلةِ التي تشبعُ فضوله الذي تنامى لدى الكثيرِ ممن استنكر غيابَ سلطان عن صحبته المعتـادةِ قبلًا . . لذا أجابه بجمود : لازم تشوفونا لما نكون مع بعض يعني؟!
الآخر بتوترٍ يبلل شفتيهِ بلسانه : لا بس بيني وبينك سامع حكي
سلمان بسخرية : وش مكنونه؟!
الآخر : سمعت إنّكم متهاجرِين ، عاد ذا كلام النـاس وتمنيت يكون كذب
سلمان بجمود : على قولتك كلام النّاس ... كذب لا تحاتيه
الآخر بفضولٍ بعد مجاراةِ سلمان لهُ وعدم صدِّه عن التدخل في شؤونه : بس سمعت بعَد إنكم فصلتوا شغلكم عن بعض وتركت السكَن ويّاه في بيت المرحوم! عشان كذا صدّقتهم
رفعَ سلمان إحدى حاجبيه وهو ينظر في عينيه بقوّة، وبنبرةٍ جافّة : أنا اللي قايل له يفصل شركته عن شركتي ، الولد صار رجّال وأبيه يرتفع بحياته ويستقر بعيد عني ، بكره لو ربي أخذ أمانته بيظل مستند عليْ؟! * أردفَ بسخرية * وبعدين ماله داعي توضّح اهتمـامك بحالنا عشان تشبع فضولك! عيب عليك ترى رجّال طول وعرض وهذي اهتماماتك!
شعرَ الرجلُ بإحراجٍ وهو يتنحنحُ ويعتذر، بينما صدَّ عنه سلمان لتمرَّ الثواني بسرعةٍ قبلَ أن تُرفع الإقـامة، وعينيه انحدرتا رغمًا عنهُ لينظر لهما وقد كان سلطان جالسًا بجانبِ عناد متجهمًا بغضبٍ بينما عنـاد يضحك باستفزازٍ له ... فابتسم.

بعدَ صلاةِ المغرب
أنتهى من سنّة المغرب، وجلس قليلًا يذكُر أذكارهُ دونَ أن يُدير رأسه مجددًا إليهما حتى لا ينتبها إليه، بينما كان سلطان لازال " يتحلطم " لتأخّرهما ويلومُ عناد الذي نطقَ بمللٍ منه : يا شيييييخ طير بس أبثرتني ، عارف والله إنه مو قهر على التأخير كثر منت حاب تزعجني بس
سلطان بامتعاض : أنت أساسًا من كثر منت مزعج بدرجة كبيرة طال الإزعاج لنفسك يعني ما يحتاج
عناد : هه هه هه ودي أضحك والله
سلطان يبتسم : ياليت والله اشتقنا لضحكتك الجميلة
ضحكَ عناد رغمًا عنه : الله يخليك والله ماني زوجتك لا تتهور بس
سلطان : هههههههههههههههههههه الحين مين جاب هالطاري؟ * دفعَ كتفهُ بكتفِه وغمَز بلؤم * واضح فكرة الزواج لاعبة براسك عشان كذا مبثرني زوجتك وماني زوجتك ... عقدت النيّة هاه
غمزَ مرةً أخرى ليُكشّر عنـاد بنفورٍ وينطق : أعوذ بالله أعوذ بالله بسم اللي علي من الزواج تف تف تف تف
سلطان ولم يستطِع كبحَ نفسه ضحكَ بقوةٍ لفتت بعض الأنظـار : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه الله يهدي سريرتك للزواج وترضَى عن السالفة
عناد بابتسامة : والله ما هقوتي يا خوي اقتنعت إنّي أنفع للعزوبية
سلطان بابتسامةٍ ماكرِة : نشوف أول ما تتزوج صدقني بذكّرك
عناد : مافيه أمل لا تحاول، ماني مشفوح مثل بعض الناس تزوجوا وعمرهم 27
سلطان يرفعُ إحدى حاجبيه : وخير يا طير إذا 27؟
عناد يضحك : أمزح ياخي شفيك طنقرت ، قم قم بس خلنا نطلع
سلطان يقفُ وهو يشدُ ظهرهُ للخلفِ قليلًا وكفيه على خصره، حرّك عنقهُ المتيبّس يمينًا ويسارًا في حينِ نهضَ عنـاد واستعدّا للخروج. بينما كانت تلك العينـان لازالت تتابعهما بصمتٍ بعد أن تجاهلَت النظر تجاههما إلا أن ضحكةَ سلطان العاليـة جعلته ينظر إليهما من جديد، بصمتٍ من بعيد، كالعـادة.

يتبــع ..

كَيــدْ 03-10-15 03:13 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



في منزل عنـاد
جلَست بجانبِ غزل بعد أن أنهَت صلاتها للتوِ ومن قبلها غزل، كان الضيقُ يسكُن صدرها من بعد حديثِهما السابِق، من بعدِ كلمَاتِ غزل التي جاءت مخالفـةً لكلِّ قناعاتها ورؤيتِها للموضُوع برمّته، بالتأكيد هي لم تفهم بعدُ شيئًا، لذا جاء ردّها وانفعالها في الرفض.
زفَرت وهي تفركُ كفيها وتنظر للأرض، في حين طالعتها غزل بعقدةِ حاجبٍ وهي تلاحظ صمتها من بعد ذلك الحديث، لوَت فمها الممتلئ بكلماتِ احتقـارٍ كثيرةٍ ابتلعتها رغمًا عنها لتنطقَ بخفوتٍ مستغلةً كونَ ام عنـاد لم تأتِ بعد : غيّود ، للحين تفكرين بالموضوع؟
اتّجهت نظرات غيداء الضيّقةَ بأفكارها إليها لتنظر إليها لثوانٍ بصمتٍ دونَ إجابـه، وهي داخليًا تشعر بالندم لأنها أخبرتها، لكنّها في النهايـة هزّت رأسها بالإيجابِ لتزفُر غزل بقهرٍ وهي ترفعُ كفّها إليها وتضعهُ على كتِفها، وبحزم : تبين تدفنين عمرك بهالخوف المُبالغ فيه؟ وش خوف بالله هذا حكر لحياتِك .. عيشيها لا تظلّين كذا دافنة نفسك بالبيت
غيداء وشفتيها ترتعشانِ بتوترٍ طفوليٍ وإدراكٍ غيرَ كافٍ لما هو صحيح، نطقَت بغصّة : ماما وعناد وسلطان ماهم مقصرين، ماهم دافنيني بالبيت! بالعكس أطلع بس مو مع أي شخص
غزل بحنق : يا سلام وش مو مع أي شخص؟ ترى هالبنت توها مراهقة مثلك ياهوه! غيّود يا عمري جد أنا شفقانة عليك وش بيصير لا رحتي حفلة ببيتها؟ أكيد بيكون فيها تجمّع ماراح تكونين بروحك
غيداء تُشتت حدقتيها باضطرابٍ وصوتها المُتحشرج يخرُج تائهًا بين كلماتِ غزل وقناعاتها التي استمدّتها من عائلتها : م ما أدري ، ما أدري
غزل بنبرةٍ حازمةٍ مصرّة : اقبلي دعوتها ما عليك ، وإذا تبين بروح معك جرّبي تكسرين روتينك شوي
ازدردَت ريقها وهي تعضُّ طرفَ شفتها السُفلى بقوّةٍ توازي قوّة اضطرابها وتشتت تفكيرها في خضمِ إصرارِ غزل، صمتتْ ولم تردَّ لتزفُر غزل وهي تبتعدُ عنها قليلًا وتشدّ على شفتيها المكتنزتين، في حينِ عاصـر ذلكَ الصمتُ دخُول أم عنـاد ليتحوّر الموضوع رغمًا عن غزل.


،


الثامنةُ مساءً
خرجَ من الحمّامِ وهو يجفّفُ وجههُ من المـاء، كانت تجلُس على السرير تقرأ كتابًا في يدها وعيناها منشدّتانِ مع الأحرف والكلماتِ والجُمل، ابتسمَ برقّةٍ وهو يرمي المنشفةَ على طرفِ السرير لتنتبهَ إليهِ وترفع نظراتها إليه متعلقةً بعيناه، ابتسمَ لها لتبتسم رغمًا عنها، وجلَس بجانبها ليسألها برقّة : وش تقرين؟
جيهان بخفوت : رواية
فواز وعيناهُ معلّقتين بعينيها : وش اسمها
جيهان : ما عليك تقهر
ارتفعَ حاجباهُ قليلًا وصفُّ أسنانه يظهر بابتسامته، مدّ يدهُ ليختطفَ منها الكتابَ ويُديره حتى يقرأ اسمه، " أحببتك أكثر مما ينبغي "، اتّسعت ابتسامته أكثر لتتحول لضحكةٍ خافتة، رفعَ نظراته لعينيها الضيّقتين هاتفًا : قد قريتها
جيهان تلوي فمها وتهتف بعبوس : ترفع الضغط ، عزيز حمار
فواز بتسلية : وليه ما تكون جمان؟
جيهان بقهر : كلهم ، بس هو سادِي
ضحك : صدقيني حتى هي غلطانـة ، اللي تعرف قيمة نفسها ما تستهين فيها بهالطريقة
جيهان بغيظ : هو حمار وهي أكثر ، اوووف خاين
بلل شفتيه دونَ أن يفقد ابتسامته، وحين فتحَ فمهُ ليردّ سبقته بوحشية : وهي بعَد شلون تتمسّك فيه؟ يكفي إنه خاين وتزوّج بعد ... الله ياخذ الرجاجيل اللي مثله
توتّر رغمًا عنهُ وشتت عيناه بصمتٍ وابتسامته تلاشت، بينما لوَت هي فمها لتتذمّر مما قرأته ومما استفزّها وأسكَن الإضطرابَ في قلبه .. زفَر وهو يحاول طردَ توتّره، وماذا يعني كلامها؟ لاشيء، مجرّد روايةٍ قرأتها واستفزّتها ، الواقع مختلف، مختلفٌ جدًا.
زمّ شفتيه لينظرَ إليها وهو يضعُ الكتابَ جانبًا ويلفظ بصوتٍ خافتٍ طردَ التوتر عنه : جوعان
نظرَت إليه وهي تعقدُ حاجبيها : أكيد العشى بيكون الحين أو بعد شوي
فواز يبتسم : بطني ودّه يذوق أكلة من يدينك
ابتسمَت بخجلٍ وهي تُرخي انعقادةَ حاجبيها : بتذوقه إن شاء الله
فواز ضحك : أيه ابتسمي مرة ثانية بهالطريقة ، خجلك لذيذ! عاد جانا عشى مختلف
عضّت لسانها قليلًا وهي تُخفضُ نظراتها، ليُبلل شفتيه ويبتسم بينما امتدّت يدهُ إليها ليضعَ أصابعهُ أسفل ذقنها ويرفعَ وجهها إليه لتلتقي أعينهما في موجةِ عاطفةٍ تقتلع الأخضر من المشاعرِ والمُتيبّس خلفَ حاجزٍ وخجل، وبنبرةٍ خافتةٍ عاشقة : يقول هشام جخ " انا اللي كل ما أجوع، بعِنِيكِ بتصبّر "
ضحكَت جيهان ضحكةً خجولة وهي تحكّ عنقها وكلماتُ الشاعرِ المصري في " مصر " دغدغَت قلبها ومشاعرها، لفظَت بخجل : يعني أنا مصْر؟
فواز بابتسامة : عميقة بجمالك مثل نيلها
جيهان ببسمةٍ خجولةٍ والحمرة تتصاعد لوجهها الأبيض : شكرًا
فواز يرفع حاجبيه : بس!!
جيهان بحبور : ممنونة للشُكر اللي ما يوصل روعة حكيك ... بس
فواز : ما عندك تعبير ثاني؟!
جيهان : مافيه تعبير كافِي عندك ، سحبت كل التعبيرات
عضّ شفتهُ بمكرٍ وهو يقتربُ منها ليُداعبَ وجنتها بأنفهِ ويهمس : كِذا يعني تتهرّبين؟
ضحكَت بخفوتٍ وهي تتراجع : تقدِر تقول كِذا
وقفَ فواز وهو يبتسم ويمرر لسانهُ على شفتيهِ واضعًا كفيه على خصره : يبيلي أجل أعطيك درُوس في التعبير ، تمام ما يغلى عليك * مدّ يده * كل درس بخمس مئة
جيهان بعبوس : توّك تقول ما يغلى عليك
فواز : والحين أقول مافيه تعب بدون أجرة
جيهان : نصّاب ماعليك شرهة


،


على طاولـةِ العشاء، تركَت ام سيف ملعقةَ الشوربة لتحمدَ الله وتنهض، رفعَ سيف نظراتهُ إليها متسائلًا : ما أكلتي كثير!
ام سيف : اكتفيت الحمدلله
اتّجهت للمغاسِل لتتركَ ديما بدورها مافي يدها وتستعدّ للنهوض، أصبَحت شبهَ باردةٍ مع ام سيف وعقلها يُخبرها بأن لها علاقةً متينةً بمسألةِ رجوعِ طليقته ... لوَت فمها بحنقٍ واستياءٍ وهي تنهض، لينظر إليها سيف وهو يضعُ كوبَ العصير، هاتفًا : شبعتي؟
ديما دون أن تُدير رأسها إليه، ببرود : الحمدلله
سيف بنظرةٍ متأملةٍ لها وهي تُدير ظهرها : طيب خليك معاي لين أخلص تعرفيني ما أحب أجلس بروحي
رفعَت إحدى حاجبيها بحدةٍ لتستديرَ إليها واضعةً كفيها على خصرها، وبحنقٍ ونبرةٍ نافِرة : بصفتي مين أجلس؟
سيف باستفزاز : زوجتي وام ولدي
ديما بحقدٍ كشّرت : زوجتك ومغصوبين على هالكلمة من واقعنا الأليم ، أما ام ولدك فهذي بلّها واشرب مويتها ... هالولد قد قلت لك لي وبس ، تراني متجاهلة للحين بس لا تظن إني تاركتك على هواك تنبسط فيه
عضَّ طرفَ شفتِه يكتم ابتسامته وهو يلحظ سرعة استفزازهِ لها في ثوانٍ في هذهِ اللحظاتِ دونًا عن برودها السابق، لذا شعر بسعادةٍ ترفرفُ في قلبه، وبنبرةٍ متسلية : خلاص دامك ما تبين ام ولدي فبتقول ام بنتي
زمّت شفتيها بغضبٍ وهي تحرّك كفّها في الهواء بعشوائية : أنت ما تفهم؟
ضحكَ سيف وهو يستمتع بردّها عليه بعيدًا عن برودها الذي يقتلهُ ويشطرهُ نصفين : مرّات أشك انك تتوحّمين عليْ ، عاد يقولون إذا الزوجة توحّمت على زوجها فهذا دليل الحب
احمرّ وجهها بحنقٍ وهي تزفُر بغيظ، رفعَت إحدى حاجبيها بتحدٍ لتقتربَ منه حتى وقفت بجانبهِ ورأسه يتّجه ناحيتها ناظرًا إليها، رفعَت يدها لتنقرَ كتفهُ بإصبعها ونظرتها المتحدّيةِ تتحوّر بحقد : أخاف تكذّب الكذبة وتصدقها .. ما أبي أكسر قلبك
ارتفعَت يدهُ بسرعةٍ ليُمسك بإصبعها ونظراتهُ تتعلّق بعينيها في جسرٍ يرفض انكساره مهما اهترئ، مهما واجهتهُ الريحُ محاولةً نيلِ سقوطهِ وانهدامـه ...شدَّ على اصبعها التي اختفَت بين قبضتـه، و . . . .

.

.

.

انــتــهــى

البارت شبه شامل عاد والا -_- ، وبالنسبة للي مشتاقين لتميم فلا تحاتونه بيجيكم صبركم على تمرّده بس :)

* شلت هم اني نزلت البارت بوقت الصلاة، عسى بس ما يشغلكم وآخذ ذنوبكم صلاتكم أهم لاحقين على الرواية ؛ وقراءة ممتعة ()

+ امتحانات الميد راح تبدأ وأنا ما ودي أنشغل عنها بالروايـة وطبيعي راح أبدأ مذاكرة بشكل مكثّف من اليوم ، لذلك مضطرة أبدّل موعدنا ليوم واحد بالأسبوع " الخميس " وبيدوم هالموعد للثلاث الأسابيع القادمـة لوقت ما تخلص امتحاناتي ويحلّها ربي (())


ودمتم بخير / كَيــدْ !




bushraa 04-10-15 12:20 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
بالتوفيق يا رب
والدرجه الكامله بأذن اللي عينه ما تنام

fadi azar 04-10-15 12:37 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اتمنى لكي التوفيق في امتحاناتك اختي اعتقدت غزل تساعد غيداء على الصح لكنها لم تتعلم من تجربتها وتعظ

أبها 04-10-15 09:38 AM

أسعد الله أوقاتك أختي كيد وجميع القارئات ..

يعجز اللسان على الرد أمام روعة حروفك ..
ونشعر بالضآلة أمام فخامة كتابتك ...
لكن قد يفي قليلا دعاؤنا لكِ بالتوفيق والسداد يا مبدعة .

جزئية اليوم أصابني بخيبة أمل كبيييرة من الغزل !!
توهمت للحظة أن الغزل قد تكون عوناً لغيداء في مواجهة شر
(ساره) وتساعدها في أخذ الحيطة والحذر من هكذا زميلات
لكونها تعرضت فيما يبدو لغدر وخداع من أحدهن ..
لكن صُدمت بتشجيعها لغيداء للذهاب للحفلة رغم علمها
برفض والدتها وأخيها لذلك !
وكذلك ربطها للسعادة في الحرية التامة في الخروج من
البيت وكأنها لم تلدغ هي من تلك الحرية المزعومة !!!

يوسف ..إنسان راقي إلى حد الوجع وحليم لدرجة العجب ..-
فلا أعجب من زوج علم بخيانة زوجته ثم ستر عليها
واستمر يعيش معها في ذات البيت - !!
فكظمه إذاً لغيظه أمام سوء أدب بدر ووقاحته يُعدُّ شيئاً يسيراً.
بالنسبة إليه ..!

إلين .. إلى الآن الماضي غامض بالنسبة لنا .كيف وصل أدهم
إليها في الميتم وأين تحرش بها داخل الميتم أم خارجه ؟؟
ولمَ بعد هذا التحرش المتكرر منه وسوء أخلاقه
أصرت أن تعيش معه ؟ ألا يعتبر أمراً مستغرباً ؟
تساؤلات كثيرة حول الواقعة بإذن الله نجد إجاباتها عند مبدعتنا كيد.

سليمان .. (وش جابك عند مسجد سلطان ؟ )
الله يستر منك ..

أدهم ... كان يرى عيني متعب من خلال عيني شاهين
ولذلك كان يشعر بالإنجذاب نحوه ..
خلال هذه الجلسات المتكررة سيكتشف شاهين حقيقة
أدهم وهل هو من أوقع أخاه في حفرة المخدرات أم لا ؟؟؟

ديما ... لا يكون سيف كسر اصبعك ؟؟؟؟ 😄

كل الشكر والتقدير للمبدعة كيد .
وأسأل الله العلي القدير أن يفتح عليك
فتوح العارفين ..🍃🌸🍃

bluemay 04-10-15 10:28 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


بارت ابدااااع

لذيذ ودسسسسسم ... يسلمو ايديك يا قمر وحاشاك من القصور




غزل !!!!
عن جد انها ما بتتعلم ولا بتتعظ !! يعني انت من بين خلق الله لازم تكوني بتعرفي شو الكوارث اللي ممكن تصيب البنت من ورا هيك امور.

بصراحة بديت اعتقد انه في ناس ما في امل انهم ينصلحو والله المستعان.


غيداء بتمنى انها ما تتشجع من حكي غزل .. واحسن لها تكون جبلنة ولا يضيع مستقبلها متل غزل .




ديما .. قدرت تتلاعب باعصاب سيف . بس هي كمان ما زالت تحت تعويذة حبه.




جيهان ... خوفتي فواز وخليتيه ياكل هم من هﻷ لردة فعلك لما تعرفي.



بدر .. عن جد رحمته . اكيد اللي مر فيه مش قليل.
ولكنه ضعيف بنظري ﻷنه صار مغلل بالشك والظنون .

تصرفه مع يوسف وقبله مع ارجوان اكبر دليل. برأيي ما حكم عقله ﻷنه الدلائل بتشير ﻷنه ممكن غادة تكون هي المرأة المشتبهة ولكنه بإرادته اقصاها وفضل يتهم ابرياء ويسيء إلهم.

اتوقع ما رح يقدر يصلح خطأه مع يوسف بسهولة الا لو كبرياءه مو مهم عنده وما بظن هيك .

ياي عاد لو اتصالحه واتجوز ارجوان يوووووبي .



مشهد ارجوان ويوسف وهي بتخبره عن السالفة بصراحة كان مؤثر كتييير.



سلمان ؟!@#$؟!؟!

هدول مؤشرات استغراب وعدم فهم للحقيقة مش مسبة لووول

أمممم يعني عن جد انك بتقدري تتلاعبي بأفكارنا وتعاطفنا يا بت يا هنودتي

بصراحة وللمرة الأولى على التوالي اتعاطف مع سلمان واحس بحجم فقده ولو انه نتيجة فعل ايده طبعا .




ادهم .. من كل قلبي بتمنى انه ربنا يهديه ويثبته عالهداية
وانه يحقق حلمه ويرتبط بألين / نجلا بالحلال.


الين .. مو الساهل رح تتقبل ادهم وخاصة انه ارتبط بأبشع ذكرى عندها
ولكن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء

بتمنى انها تعطيه فرصة ويطلع هو قدها وما يخيب ظني.



علاقة الين بياسر ما زالت حساسة لسه رغم كل شي مو بالساهل تتغير.
برايي طريقة صحيحة ولو هي قدرت تحكي عن الحادثة قد تتخلص من سيطرتها عليها.



شاهين .. لوين بده يوصل مع ادهم ؟!
اعجبني انه حس بتغير ادهم وبتمنى انه يوقف معه ويدعمه.



ابداعك اكبر من اني اقدر اوفيه بتعليقي... بكفي تعرفي انك امتعتينا واسعدتينا


بتمنى لك التوفيق والتفوق واكيد بنقدر ظرفك وكلنا شوق لإبداعك



تقبلي مروري وخالص ودي


○° الله أغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله ، وأوله وآخره ، وعلانتيته وسره .°○

كَيــدْ 08-10-15 05:57 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 


-
-




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :$$
مساء السعادة والسرور على أرواحكم العذبة؛ إن شاء الله تكونون بخير وسعادة.
أدري رجعت وقصّرت معاكم بالردود :( بس ماعليه تحملوني بهالفترة حتى التعليقات بالكِك والسناب والإنستقرام وإلخ من صفحاتي بالسوشيال مديا مقصّرة معاها :( عذرًا منكم خصوصًا الجميلات بالإنستقرام بس برجع لكم والله :"""

نجي للمهم وهو البارت اللي المفروض يكون اليوم ، عذرًا منكم بيتأجل وما أدري لمتى بالضبط فعليًا ما أدري ! عقلي مشوّش بهالفترة ومضغوطة مثل ما قلت لكم لدرجة إني جبت العيد بامتحان اليوم :(!
معليش هالفترة تحديدًا ماراح أقدر ألتزم كثير معاكم وبقصّر وأتمنى تقدرون ظروفي بس خلال هالأسبوعين ، والبارت كان ودي أقول لكم بيكون بكره بس خفت يتأجّل مرة ثانية ، عشان كذا ماراح أحدد وقت معيّن بس بحاول أخليه خلال هاليومين
+ مالي خلق لتعليقات سلبية وتجديد الموّال القديم ، أعتقد واضح لكم إني أحاول ألتزم بقد ما أقدر وللحين إعتذاراتي قليلة جدًا فأتمنى تحترموني مثل ما أحترمكم، سواءً هنا أو بالآسك فعليًا مالي شغل السلبيات وعدم تقدير ظروف الآخرين! وكل شخص وضميره عاد من الحين أقولها لكم " دراستي مستحيل أقصر فيها عشان الرواية " ، أتمنى تكون الصورة وصلت لكم :/ !


* الله يسعدكم ويوفقكم ولا يحرمني منكم ()


بحر عذب 11-10-15 03:07 AM

السلام عليكم اولا :: بالتوفيق كاتبتنا المميزه والرائعه
ثانيا::: عندي رد او نقول ردود كثيره لاصحاب الانتقادات السلبيه
الكاتبه بشر يصدر منه الخطا وهي ما غصبت اي شخص انه يقرا روايته ويصير من متابعينه
ثالثا::: يا صحاب النقد السلبي خفو علينا كان بكم شده وحيل يله ورونا شطارتكم واكتبو روايه نشوف مستوى تفكيركم
اخيرا ::: اعتذر من الجميع وسامحوني على كلامي لكنه من قلبي طلع اهم نقطه من خلاله نقدر ننقد نقد سلبي اذا كانت الكاتبه تدعو لشذوذ اي كان نوعه او تغيير مقاييس الحلال والحرام لكن ماشفنا هذا منها
بعدين القصص من الخيال فيها بعض من الصدق وماهو بكلهن
واقولكم فيه بعض الردود ببعض القصص تخلي الكاتبه تاقف عن الكتابه من كثر ماتلاقي من النقد الجارح والموجع فرجاء كل من تابعت روايه تقول كلمه طيبه للكاتبه ولالا تنقد من الاصل (سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت)

-
-




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :$$
مساء السعادة والسرور على أرواحكم العذبة؛ إن شاء الله تكونون بخير وسعادة.
أدري رجعت وقصّرت معاكم بالردود :( بس ماعليه تحملوني بهالفترة حتى التعليقات بالكِك والسناب والإنستقرام وإلخ من صفحاتي بالسوشيال مديا مقصّرة معاها :( عذرًا منكم خصوصًا الجميلات بالإنستقرام بس برجع لكم والله :"""

نجي للمهم وهو البارت اللي المفروض يكون اليوم ، عذرًا منكم بيتأجل وما أدري لمتى بالضبط فعليًا ما أدري ! عقلي مشوّش بهالفترة ومضغوطة مثل ما قلت لكم لدرجة إني جبت العيد بامتحان اليوم :(!
معليش هالفترة تحديدًا ماراح أقدر ألتزم كثير معاكم وبقصّر وأتمنى تقدرون ظروفي بس خلال هالأسبوعين ، والبارت كان ودي أقول لكم بيكون بكره بس خفت يتأجّل مرة ثانية ، عشان كذا ماراح أحدد وقت معيّن بس بحاول أخليه خلال هاليومين
+ مالي خلق لتعليقات سلبية وتجديد الموّال القديم ، أعتقد واضح لكم إني أحاول ألتزم بقد ما أقدر وللحين إعتذاراتي قليلة جدًا فأتمنى تحترموني مثل ما أحترمكم، سواءً هنا أو بالآسك فعليًا مالي شغل السلبيات وعدم تقدير ظروف الآخرين! وكل شخص وضميره عاد من الحين أقولها لكم " دراستي مستحيل أقصر فيها عشان الرواية " ، أتمنى تكون الصورة وصلت لكم :/ !


* الله يسعدكم ويوفقكم ولا يحرمني منكم ()

[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/QUOTE]

كَيــدْ 13-10-15 05:54 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 


-
-

السلام عليكم ورحمة الله
مساء الورد والسعادة والسرور ، أجيكم والا نسيتوا المكان ؟ * تبالغ شوي ما عليكم *

اليوم خلصت امتحاني الأول اللي شيّب راسي ، وما أقول غير يارب إني أجيب فيه الفل مارك وإذا غلطت أعمي عيون المُصححين عن الغلط يارب يارب :P

الزبدة نجي للي يهمكم بعد عن قرقرتي :/ بخصوص البارت فأنا كاتبة كم حدث من قبل، وراح أبدأ اليوم أكمله وبما أن امتحاني الجاي يوم الأحد فبقدر أذاكر بالراحة ومنها أكتب بالراحة بعد، إن شاء الله خلال ثلاثة أيام يكون عندكم ولا يهونون اللي ملّوا أو نسوا الأحداث مع إنه ما مر كثير عشان تنسون عاد :( تجرحوني كذا * قلب مكسور *


والله يسلمكم ويسعدكم ولا يحرمني من دعواتكم الحلوة ()




bluemay 13-10-15 07:08 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته


هههههههههه يسعد مساك يا عسل

يا رب من المتفوقين بامتياز قولي آمييين


متشووووقة كتير للجاي

اتوصيلنا عاد بموضوع ارجوان ... وجنان حركيلنا اﻷحداث معها .. حزينة انه مهملها هيك فواز >_<

موفقة يا رب


لك خالص الود

○° الله أغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله ، وأوله وآخره ، وعلانتيته وسره .°○

كَيــدْ 16-10-15 01:03 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




السلام عليكُم ورحمة الله ويركاته ()
كيفكم؟ إن شاء الله طيبين؟ وجمعة مباركة على جميع المسلمين

البارت كنت مخططة أنزله اليوم بس بيكُون بكره على ما أشوفه اكتمل، وإذا جاكم قصير عن ما تتوقعون اعذروني بهالفترة وإن شاء الله بعوضكم قريب وقريب جدًا.


الله يسعدكم ويخلي كل أيامكم فرح :$$

كَيــدْ 17-10-15 03:55 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



السلام عليكم :$ مساء الخير ...

نص ساعة كذا وينزل الجزء لكم ، لحظـات فقط أكمل المراجعة وأنسقه ()

كونوا بالقرب ..

كَيــدْ 17-10-15 04:15 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 


سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكُم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورِضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف خير وصحة وعافية



بارت اليوم مع إن المواقف فيه شوي قصِيرة لكني أشوفها دسِمَة ومهمة جدًا ، * أقصد الموقف الواحد مو البارت ككل * ؛ ركزوا شوي وأنتم تقرأون، + لي منكم شكر كبير جدًا ، كبير يتجاوز صدري وكبتي على تقديركم لي ولظروفي، توقت بنسبة 51% أشوف تعليقات توصلني بالآسك تتذمّر وتسيء لي كالعـادة، لكن ولا تعليق! لذلك إنا جدًا ممتنة لكم، لثقتكم ولصبركم، وأوعدكم إني بكُون محل هالثقة، وبحاول أعوضكم بعد امتحاناتي باللي يرضيكم بإذن الله ويرضيني ()
ممتنة لعيونكم اللي تقرأني ، وممتنة لأناملكم اللي ترسل لي حكِي يشرح الروح ، الله لا يحرمني ويسعدكم أضعاف السعادة اللي تزرعونها بقلبي :$

وهذا البـارت وصل لكم، قراءة ممتعة وانتبهوا يشغلكم عن واجباتكم الدينية والدنيوية

بسم الله نبدأ
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !


لا تلهيكم عن العبـادات


(56)




تعلّقت نظراتهُ بعينيها في حبلٍ قوي/ في جيدٍ متين، التهمَت قبضتهُ سبابتها التي لامَست كتفهُ بتحدٍ متمرّد، ودونَ أن يُحيد بنظراته بقيَ يشرحُ لعينيها خلجاتِه دونَ أن تفهمه، يتّصلانِ في بُعدٍ مؤلم/مُحرقٍ للسكُون فترَى دخان صبرهما يتصاعدُ من حولهما ليبعثَ في الأجواءِ المزيد من الحرارة. رفعَت ذقنها بكبرٍ وهي تنظر إليه بتحدي، ابتسَم رغمًا عنه لنظراتهِا وهو يشعر بارتخاءِ سبابتها في قبضتهِ دونَ أن تحاول سحبها وكأنها تُثبت لهُ قوّتها، نظراتها مغويَةٌ لشفتيهِ حتى يلامس رموشها المتقوّسةِ كجناحِ حمامةٍ حرّة، وبمـا أن رموشها بعيدة عنه، سحَب يدها إليهِ أكثَر عن طريقِ إصبعها ولامسَ بشفتيه باطنَ معصمها ليقبّلها قبلةً عميقةً أثارت زوبعةً من الإرتعاشِ في جسدها لتسحب يدها دونَ شعورٍ متفاجئةً من قُبلتهِ المُباغتَة.
ارتفعَت نظراته المبتسمةَ إليها وشفتيهِ ترسُمان بسمةً صغيرةً عابثـة، في حينِ شتت نظراتها بقهرٍ من بعثرتهِ لها وهي تُمسك معصمها بيدِها الأخرى حتى تُطفئ النار التي اشتعلت ببشرتِها وأحالت سكُونها وبرودها أمامـه إلى رمـاد، ولم تدرك ذلكَ إلا حين لمِحت نظراته السعيدةَ بتأثّرها، وكيفَ لا تتأثّر بِه؟ مهما تصنّعت البرودَ نحوَه تبقى مشاعرها فقيرةً إليه ولا سواهُ يغنيها عن الموتِ المُبرمجِ لسكُونها، يبعثرُها كيفما شـاءَ ليلملمها في لحظةِ جُرحٍ منهُ يجمّدُ انصهارها بِه، جمّعتَ بي كل العمليـات الكيميائية، أنا أنصهرُ بِلمستِك، لأتجمّد بجرحٍ منك، أتبخّر بنيرانِ سُخريَتك، لأترسّبَ في لحظةٍ على سطحك. منك لله! ما عاثَ بي أحدٌ قطّ فسادًا كما فعلتَ أنت.
ازدردَت ريقها وهي تشتت عينيها، في حينِ امتدّت يدهُ مرةً أخرى حتى يمسك بكفِّها ويحتويها كاملةً هذهِ المرة في كفّه، حاوَلت سحبها بحنقٍ دونَ أن تنظر إليه، إلا أنّهُ شد عليها بإصرارٍ لتزفُر باستياءٍ وتهتف : ياخي اتركني
سيف يرفعُ إحدى حاجبيه ويلوي فمهُ طاردًا ابتسامته، لفظَ بامتعاض : لا تقولين ياخي ، ماني أخوك
ديما بقهرٍ وجّهت نظراتها إليه لتنطقَ بغل : أقول ما أقول مو شغلك
سيف باستراخاءٍ وكفّه الحرة تلعبُ بالملعقةِ على الصحن في حركاتٍ دائريـة بينما الأخرى تداعبُ بشرتها بإبهامِه .. لفظَ بخفوت : التبلّد ما انخلق معك صدقيني ، تمثلينه بس ما أتقنتِ الدور
التوَت معدتها وهي تُدير رأسها عنهُ بغصّةٍ تواري حُزن أحداقِها المُظلمَة، وبهمس : التبلد ما انخلق معي مع إني أحتاجه ، دايم نكتشف إن الأشيـاء اللي ما انخلقت معنا هي أكثر شيء نحتاجها عشان نعِيش ، مثل الفقير المِحتاج للقناعة، والغني المحتاج للإحساس بالفقر، وأنا المحتاجة للطفل مثل ما احتجت للتبلد! ؛ وأنت كمان محتاج ، بس لقلب يحس باللي حوله
زمّ شفتيه ونظراته تتجمّد قليلًا كما كفّه المطوّقةِ لكفها الناعمة، الساخنـةُ بارتعاشاتِها المنفعلة، شدّ على يدها أكثر ونظراتهُ الهادئـة ظاهريًا والمتصلّبة جعلتها ترفعُ أنفها بترفّعٍ وهي تحاولُ سحب كفها منه، حينها احتدّت نظراتهُ قليلًا وهو يشدُّ عليها بقوةٍ ويلفظ بحزم : ما تحسين إن حياتنا صارت مبزرة؟ وش بقينا للأطفال؟
ديما بنبرةٍ مشدودة تنظُر إليه بقلة صبر : احنا الأطفال فلا تحاتي
سيف : وش تبين بالضبط؟ المفروض ثلاث سنين تعرفك فيني كشخص متكبر! خلاص أعترف إني واحد مكابر وش تتوقعين مني؟!
ديما تغصُّ بعبراتها ليخرح صوتها متذبذبًا مجروحًا : تكابر على أيش بالضبط؟ ما عندك شيء تكابر عليه
سيف بحدة : عندي مشاعر وأحس وعندي قلب عكس ما تظنين! في بالك إني أنبسط بالدموع وأفرح بحُزنك! غبية والله وما تعرفيني زين
ابتسمَت بسخريةٍ رافعةً زاويةَ فمها بينما الدموعُ تغص في عينيها : واو صدمتني صراحة! عندك مشاعر وما تنبسط بحُزني! تعترف إنّك سبب حُزني؟ تمنيتك تكُون كل شيء بس ما تكون دموعِي! تمنيتك تكون ولو غيمة صيف عابرة بس ما ترسل لي برقَك وتحرقني وتمشي! جرح الحبيب يذبح لو ما تدرِي!
تنهّد سيف بعجزٍ وهو يشعرُ بالصداعِ ينتشُر في رأسه، يعترف بأنّه يُكابِر على مشاعره، يُبدي عكس ما يُخفي، والحواجزُ بينهما ترتفعُ وأوّل تلكَ الحواجِز ماضِيه وقناعاتِه المبنية على ذاكَ الماضِي، أشبَع نفسهُ بأفكارٍ اقتنعَ بها، ولن يكُون إحناؤها عنهُ سهلًا، لذا " أُحبك " صعبةٌ عليه! أكبرُ من أن يستطيعَ نطقَها، أفعالهُ تثبت عكسَ تلك الكلمة، يُدرِك ذلك، وليس بمقدورهِ شيءٌ أمام سهامهِ الجارحةِ لها، والتي أصبحت تجرحه هو قبلًا كلّما رأى عينيها النازفتين بها بحزنٍ يلتمع.
شعرَ بها تحاولُ سحبَ يدها بقوةٍ أشد من ذي قبل ليُرخي يدهُ حتى يشعر بارتعاشها الواهنِ والذي كان يُسكنه بشدهِ لها، تركها وهو يزفر زفرةً أقربَ لآهةٍ عاجزَة، بينما لوَت هي فَمها وهي تُحارب دموعها اللامعةَ بين رمُوشها، تخنُق شهقةَ ألمٍ تتحشرجُ في صدرِها، تلوي الكلماتَ المختنقةَ في حنجرتها وتوأدها قبل أن تخرج لتشرح لهُ مدى ضعفها .. تحرّكت قدماها لتبتعد عنه بينما عضّ هو شفتيه بانفعالٍ ليُمسك بالملعقةِ ويرميها على الصحنِ الزجاجِي بقوةٍ مُحدثًا فرقعَةَ غضبٍ لا يستبعِدُ أن تكون حطّمت الصحن.


،


فتحَ بابَ غرفتهِ ليخرجَ منها وقطراتٌ من الماءِ تسقطُ من شعرِه بعدَ أن استحمّ وتركَ تجفيفهُ للهواء، كان قد عـاد للمنزلِ منذُ نصفِ ساعةٍ تقريبًا، دخَل ولم يجِد سُهى فاتّجه لغرفته مباشرةً واستحم بماءٍ باردٍ يُطفئ المشاعِر التي اشتعلَت في صدره منذُ الظهيرةِ وحتى هذهِ الساعةِ من الليل، لمَ يشعرُ بأن الأجـواءَ صارت حارةً طيلةَ الوقت؟ ليلًا ونهارًا، في أيِّ شهر هم من هذهِ السنة الهجرية؟ في الشهر الخامس ربما أو السادس! لا يهم، كل الشهورِ باتت في عينيهِ مُبهمَة، لا يُجيد الأيـام ولا يفقهُ منها إلا الليالي الطويلة.
رفعَ يدهُ ليضغطَ على جفنيه بإبهامهِ وسبابته بعد أن أغمض عينيه، اتّجه لغرفةِ سُهى ليضربَ الباب مرّةً ومن ثمّ انتظرَ إجابتها وهو يُمني نفسه بأنها غفرَت لهُ وإلا ما كانت لتُحدّثه بعد أن أفصحَ لها سابقًا عما يُريد فعله في موضوعِ نجلاء .. انتظرَ لثانيتينِ حتى وصلَ إليه صوتها الهادئ سامحًا لهُ بالدخول، حينها ابتسم بحيويةٍ وهو يفتحُ البابَ لتظهرَ لهُ جالسةً على السريرِ تقرأ كتابًا، رفعَت رأسها إليهِ وهي تضعُ الكتابَ جانبًا بينما اقتربَ منها مبتسمًا : صافي يا لبن
ابتسمَت رغمًا عنها : لا تمني نفسك
أدهم بإحباطٍ تلاشت ابتسامته : يلا عاد اعتذرت منك مية مرة
سهى تخلعُ نظارة القراءة وتضعها جانبًا : باقي منتظرة المليون
أدهم بوجوم : أستاهـل
سهى ابتسمَت من جديد : الحمدلله وأنت عارف
اقترَب منها حتى وقفَ أمامها، ومن ثم انحنى إليها قليلًا وهو يمسك رأسها ليقبلَ جبينها لافظًا بخفوت : أنا آسف مليون مرة
لوَت سهى فمها وهي ترفعُ حاجبًا بلؤم : ما أبي " آسف مليون مرة " ذي، تأسف مليون مرة جد
أدهم برجـاء : يلا عاد لا تذليني
سهى تمط شفتيها بـ " نذالة " : لا بذلك لين تكرهني أو تكره نفسك
أدهم يبتسم وهو يقبل جبينها مرةً أخرى : تعرفين إني ما أقدر أكرهك ، يهون عليك أكره نفسي يعني؟!
سهى بلا مبالاة : أيه يهون علي مثل ما هنت عليك وغلطت
أدهم ووجهه يتلونُ بإحراجٍ وذنب : آسف ، تعرفين إني لا عصبت أصير غبي
سهى بحدة : تصير وقح!
عضّ طرفَ شفتهِ بحرجٍ وهو يشتت عينيه عن عينيها الحادتين، وبضعفٍ تلبّسهُ حينَ شعرَ بحاحةٍ ماسة إليها في هذهِ اللحظة، دُونَ أن ينظر إليها، دون أن يحتفظ بثباتِ صوته، دُون أن تباغته ابتسامةٌ وكل بسمةٍ عابرةٍ قد تجيئه بعد مشاعِره اليوم ستنشطِر : طيب تسمحين لي أحط راسي بحضنك حتى لو زعلانة؟
تصلّب وجهها قليلًا وهي تتبّع بأسماعِها الحُزنَ في نبرتِه، الضعفَ والخـواءَ ليرقَّ قلبها رغمًا عنها وعن إهانتهِ لها وقسوتِه، فرُغم الجراحِ تذُوب القسوةِ في قلبٍ انتصفَت فيه الأمـومةُ له، الحنان، وهي التي تُدركُ أنه بالرغم من كونِ الفارق العُمري البسيطِ بينهما إلا أن طيْشهُ يجعلُ منه صغيرها ذو العشرِ سنين، يأسهُ يجعل منها الحدَّ الفاصِل لموتِه.
عقَدت حاجبيها وهي تكتمُ تأوّهاتِ قلبها وأنينَ حُنجرتها لأجله، ازدردَت غصّةً ساخنةً وهي تهمسُ لهُ بابتسامةٍ حنونة : تعال جعل من ردّك خايِب
ابتلعَ كلماتِ الحُزنِ التي زاحمتْ أنفاسه، ودونَ أن ينظر لوجهها استلقى بجانبها كطفلٍ وحيدٍ في كهفٍ نائي وليلةٍ قارسة، وضعَ رأسهُ في حُجرها كأنّما الدفءُ غادرهُ للأبَد واحتاجَ دفءَ جنسه، دفءَ الحنونِ من جِنسه! لمَ شعرَ الآن أن صدرهُ احتاجَ أمًا؟ لمَ شعر الآن أن حُزنهُ احتاجَ أمًا؟ لمَ شعر أن البرُودةَ تسللت إليه في لحظةِ غدرٍ من الدفءِ والوحدةِ وابتلعَتهُ في بؤسها، ليُناجِي دونَ شعورٍ حُضن أم! حُب أم! حنانَ أمٍ وسعةَ أم! .. لطالمـا عاشَ دونَ أن يفقهَ هذا المعنى فعليًا، لا يعرفُ أمه سوَى من صُور، شقراءُ جميلة، لم يعترف فيها والدهُ وتركها ليعِيش طيلةَ عمرهِ مع أمٍ أخرى، أمٍ تخلّت عن ابنةِ رحمها فكيفَ عساها تكُون أمًا له؟!!
أغمضَت سهى عينيها قليلًا قبل أن تفتحهما رافعةً كفها حتى تمسحَ على شعرهِ الرطِب بماءٍ لم يُغادِره، وبنبرةٍ خافتةٍ حنونة وشرارةِ حُزنهِ تصلها واضحةً لتلتهمَ سكُونها : شفيك حبيبي؟
أدهم بضيقٍ وهو مُغمضُ العينين يُظلمُ أحداقهُ عن الواقع : متضايق
سهى بحنان : ليه؟ * صمتت قليلًا قبل أن تُردف * الموضوع فيه هيَ؟
شعَرت بتصلّب رأسهِ فوقها وهديرِ أنفاسه التائهة، حينها زفَرت بقلةِ حيلةٍ لتهمِس : درَت؟
أدهم بضعفٍ يشدُّ على شفتيه وصُورتها تقتحمُ الظلامَ وتسكُن أحداقه : ما أدري ، بس علمت كفيلها، وما عندي علم إذا هو علمها أو لا
عمّ الصمتُ للحظاتٍ طويلة لا يقطعهُ سوى أنفاسها المستقرة بالرغم من كونها مُحملةً بأساها عليه، وأنفاسِهِ الساخنـة، الخارجةِ من أعمقِ حفرةٍ يقطُن فيها الحُزنُ والإنفعال، من رئتينِ التصقَت بها أنفاسها الطفولية ورائحتها التي شغَرت كل أعضائهِ وتوهّم هو أنه نساها، من ذا الذي ينساها؟ تمرينَ لتضعي اقتباسًا منكِ في كلِّ أرض، في كل زوايةٍ ومكَان، تمرّينَ لتُزهري بجمالٍ في كل زاويةٍ مُغفِرةٍ في هذهِ الأرضِ الخاويـةِ إلا منكِ، من ذا الذي ينساكِ؟ وأنتِ الفرضُ في الحيـاة والأرضُ الخصبةُ من فوقِ الجفاف.
قطّب جبينهُ وهو يُحاولُ محوَ صورتها على باطِن جفنيهِ ليراها مهما أطبقهما على حدقتيه، فتحَ عينيه مباشرةً وهو يتنفّس بضيقٍ يُمحقُ سكُون أنفاسِه، بينما تخلخلت سُهى خصلاتِ شعرهِ لتهتفَ بخفوتٍ وهي تبتسمُ وتعقدُ حاجبيها : تحبها؟
ارتعشَت كفّهُ وصمَتَ لبعضِ الوقتِ يُداري فيه انفعالَ حواسهِ بسؤالها الذي دغدغَهُ وبعثَ في أوصالهِ رعشةً ماتت منذُ دهر، وبنبرةٍ خاويةٍ من السكُون نطَق : وش تشوفين؟
سهى تتّسع ابتسامتها، لتلفظ : واضح إنك تحبها، الماضِي يثبت هالشيء، والحاضر كمان يثبت .. والا ما كنت ...
قاطعَها أدهم بضعفٍ يُصيبهُ من هذا الموضوعِ الذي كادَت تنطُق به ويدرك أن غلقَ بابهِ لن يكُون سريعًا، ذاتَ الموضوع المتعلقِ بسؤالها لهُ تلك الليلةِ ليُقتلعَ من جذُورِه : خلاص سهى ، لا تفتحين هالموضوع
سهى بتعجبٍ رفعَت حاجبيها : كذا والا كذا الموضوع راح ينفتح وأكيد كفيل نجلاء إذا ما جاك بكره أو بعده عشانه بتجيك نجــ .. * قاطعَت كلامها بشهقةٍ لتُردف بذهول * لا يكُون ما علمته!!
ابتلَع أدهم غصةً ليهمس : أيه
سهى بصدمة : أهبل أنت!! شلون ما علمته بالموضوع كامل!
أدهم بضعفٍ يُديرُ وجههُ ويدفنُ ملامحهُ في حُجرها ليهرُب بتلك الحركةِ من ذنبٍ وعقابٍ يتجلّى في أنِينِ صدره، بتحشرج : ما قويت ،
سهى بحدة : ما قويت؟ وين أصرفها ذي؟!! ، أدهم حرام عليك، أنت جيت تريّح عمرك وتصلح الغلط تروح تكشف النص بس! النص اللي ماهو مهم كثر الباقي!!
شدَّ على أجفانِه بقوّةٍ يخنقُ التماعَ عينيهِ بضيقِه، صدرهُ أطلقَ آهةً صامتةً اصتدمَت بأضلاعِ قفصهِ الصدري مرتدّةً إلى الداخلِ بصدَى مجروحٍ متصدِّع، وبصوتٍ خافتٍ تتحشرجُ نبراتهُ ويضيقُ باتّساعِ ألمِه وضعفه، بصوتٍ يُقرئ ذاتهُ بالعبرَات ، لفَظ راجيًا : الله يخليك قفلي عن الموضوع الحين ، بعلمه، والله بعلمه، بس مو الحين .. مو قبل ما أحس إني أقدر ... الموضوع استنفدتي، حسيته أكبر مني وهو ما اكتمل! ما وصِلت لمربَط الفرَس وضعفت! شلون تبيني أكمل أجل؟ والله ما قويت .. بس أوعدك بحاكيه مرّة ثانية، بس مو الحين
تنهّدت سهى لصوتِهِ الواهِن، واستسلمَت لرجائـِه أخيرًا، لتهتفَ بصوتٍ مستسلمٍ غيرِ راضٍ : اللي يريحك


،


رمَى هاتفهُ جانبًا على الكومدينة بمزاجٍ ضيّق، استلقى على ظهرهِ أولًا وهو يزفُر بضيقٍ ينتشرُ في كاملِ جسده، لذا استدارَ على جانبهِ الأيمن، ثمّ في النهايةِ استقرَّ على بطنهِ وهو يحترقُ بأفكَارِه وعمّا يجبُ عليهِ فعله، هل يعتذر؟ هل يملك الجرأةَ أصلًا!! .. احترقَ وجههُ بقهرٍ وغضب، كلّما عادَت بهِ الذكرى لما فعَل لامَ نفسهُ كثيرًا على تسرّعه، لكن ماذا عساهُ تكون ردّة فعلهِ وهو الذي صبَّ ثقتهُ بأختهِ ولم يجد تفسيرًا آخر لكل الذي أمـامه؟ .. عضّ شفتهُ وهو يعودُ ليستلقي على ظهرهِ ويُغمضَ عينيه محاولًا النومَ وقد عانقَت عقاربُ الساعةِ الحاديةَ عشرة.
ومن خلفِ الباب، وقفَت غادة وهي تُعانق كلَّ كفٍ بالأخرى بتوتر، منذ ما حدث وهو يتجاهلها ولا يُحادثها حتى بعينيْه، ازدردَت ريقها وهي تشعر بعُمقِ خطأها، بعُمق ضيقها الآن لتجاهُلهِ وهي الوحيدةُ سواه، منذ الظهيرةِ وهي تلومُ نفسها عشرين مرةً وألفًا ودونَ نهايةٍ لهذا الملام، ضيقٌ اختنقَ كل صمتٍ فيها ودفعها أخيرًا للاقترابِ من غرفتهِ بعد أن كانت تلوِي ألمها في صدرها كلّما نطقَت باسمهِ ومشى متجاهلًا لصوتِها ونبرتها الراجية.
رفعت يدَها لتُمسكَ بالمقبضِ دونَ أن تفكر حتى بالطرق، فهي تُدرك جيدًا أنه سيتجاهلها، أو ربما يأمرها بأن تنقلعَ من خلفِ بابه، ولربما وصَل بهِ غضبه إلى إغلاقِ البابِ بالمفتاح، لذا اندفعَت بتهورٍ لإدارةِ المقبض وفتحِ البابِ بقوّةٍ جعلتهُ ينتفضُ بعد أن كان مُمدًا وقد بدأ النومُ يداعبه، اشتدَّ وجههُ بغضبٍ بعد أن نظر للبابِ الذي فُتحَ ورآها، وبصرخةٍ جعلتها ترتعش : نـــــــــعـــــــم!!
غادة بارتعاشٍ حاولَت تثبيطَ شدّته وقفت مكانها دونَ أن تُغادر بعد صرختهِ التي كانت كافيةً لدفعها لكن ليس في موضوعٍ كهذا، لفظَت بتوترٍ ورجـاءٍ هامسة : الله يخليك بدر اسمعني
بدر بقهرٍ وحدةٍ نهضَ من سريرهِ ليقتربَ منها بخطواتٍ تُحطِّمُ استواءَ الأرض، ومع كل خطوةٍ كانت أنفاسها تتصاعدُ دون أن تتحرك، بثباتٍ واهٍ لم تتحرك! . . وقفَ أمامها مباشرةً بعينين تشتعلانِ غضبًا وعتابًا يترقرقُ في زواياهما، شدَّ على أسنانهِ ليخرجَ صوتهُ خافتًا من بينها بجفاء : انقلعي من وجهي
غادة بضعفٍ بدأت شفاهها ترتعشُ وعينيها يتكتّلُ فيها الدمع، بغصّة : الله يخليك
بدر بحدة : قلت انقلعي من وجهي ، ما ودي أشوفك
انتفضَ صدرُها بشهقةٍ موجعةٍ ملأت حنايا عينيها بالمزيدِ من الدموعِ ليعصى على أجفانِها حملها وسقطَت كقطراتِ مطرٍ باردةٍ في ليلةٍ شتويَة. لم يُبالِي بدمعِها ورجـاءِ عينيها، لم يُبالي بتقوّس شفتيها، بِانتفاضةِ كفيها وشهقتها التي عبرَت حُنجرتها وجرحتها بحدّتِها .. أمسكَ بعضدها في قسوةٍ أغرقتهُ حتى عينيه، حتى في وجههِ المُتصلّبِ دونَ رأفةٍ بدموعِها وما فعلتهُ لا يُمكِن تجاوزهُ مهما وصَل بهِ الحنانُ عنَان السماء، تحرّك وهو يشدُّ على عضدها يغرسُ قسوتهُ في أنامله، في تشنّجِ أعصابهِ نحوها ليتّجه للبابِ ويخرجَ من غرفتِه وهي معه، وبكل حدةٍ نفضها من يدهِ دافعًا لها للأمـامِ قليلًا ومن ثم تراجعَ وأمسك بمقبضِ البابِ ليلفظَ بصوتٍ مقهورٍ حملَ في طيّاتِه عتابًا واستثارَ الشفقُ سماءهُ ليغيبَ عنهُ شمسهُ الدافئ نحوها : الله لا يخليني، وأنا اللي مستعِد أذبح العالم عشانك، أغلَط على الصغير والكبير عشانك، أشقَّ احترامي لأي شخص عشانِك .. وآخرتها ألاقي منك هالإستهتار اللي يحوّل ثقتي فيك لهباء، الله لا يخليني بس لا يوجعنِي مرّة ثانية فيكم!
لفظَ كلماته الأخيرةِ بغصّةٍ ليدفعَ البابَ مُطبقًا لهُ في وجهها، وتلكَ عاقَرها الإنهيارُ لتجلسَ في مكانها ودموعها تشقُّ وجهها بينما أنينُها يشقُّ سماءَ صدرها.


يتبــع ..


كَيــدْ 17-10-15 04:27 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



خرجَت من غرفتها ترتدي بيجاما مُرقّطةً ذاتَ كمٍ قصيرٍ وبنطال " برمودا " يصلُ لأسفلَ رُكبتيها، تُجفف شعرها بمنشفةٍ صغيرةٍ ولسانها يُدندنُ أغنيةً بعفويةٍ تامّة وصفـاءٍ يختزلُ الضيقَ في صدرها بل يُمحقهُ لثوانٍ دونَ أن تنتبهَ لذلك .. لرُبّما تبدّلُ أجواء حياتِها أثّر بها قليلًا، اختلاطها بأناسٍ إيجابيين، باسمِين، تكشّر الدنيا في وجههم فيضحكونَ لها .. لا تدري ما السبب، بل هي لم تنتبه حتّى لتبدّل مزاجها هذهِ الأيـام.
ابتسمَ الآخرُ ابتسامةً صغيرةً وهو يُغلقُ التلفـاز، حينها صمتت فجأةً وفتحت عينيها عاقدةً حاجبيها قبل أن تتّسعُ أنظارُها بهِ ويملأ الإحراجُ ملامحها .. بِحَرج : من متى أنت هِنا؟
سلطان يضعُ جهازَ التحكّم بجانبهِ ويهتف بابتسامة : ليه أنا وين رحت؟ كل اللي سوّيته إني نزلت للرسبشن وحاكيتهم بعُطل السخان
ابتسمَت بخجلٍ وهي تقتربُ واضعةً المنشفةَ على كتفيها، لفظَت بخفوتٍ وهي تجلس على ذاتِ الأريكةِ التي يجلسُ عليها صانعةً مسافةً لا بأس بها بينهما : أيه والله زين ما سوّيت ، المويا الباردة ذبحتني والله
سلطان يقف بهدوء : بترتاحين من كل هذا قريب إن شاء الله
استنكَرت حركتَهُ بعد أن وقف، إذا ابتعدَ عنها وجلسَ في أريكةٍ منفردة وكأنّه يمنع أي جلوسٍ لها قُربه، عقدَت حاجبيها وتجاهلت الأمر فهو لا يعنيها في شيء، وتساءلت بهدوء : وش قصدك؟
ابتسمَ وهى يضعُ ساقًا فوق أخرى : بتعرفين قريب
غزل تضمُّ فمهَا للأمامِ قليلًا بدلال، وبتذمر : ماهو من مصلحتك تفتح هالموضوع وبهالطريقة ، فضولي يعني كثرة حنتي
ضحكَ سلطان بخفوت : وأنتِ تتعاملين مع إنسان صبور إلى حدٍ مـا
رفعَت حاجبيها بلؤم : " إلى حدٍ ما " أظن بتفيدني عشان أستغلها
سلطان يرفعُ كتفيه دونَ مبالاة : جربي مع إنك ماراح تآخذين مني شيء
غزل بامتعاض : نشوف
نظرَ إليها مبتسمًا ليُفرّقَ الصمتُ بين صوتيهما لدقائِقَ في حينِ كانت عيناهُ تنظُران لملامحها التي تنطُق براءةً رُغم حدّة جمالها، رغمَ مكُوثِ التيهِ في أحداقها ولربما كانت البراءةُ ملؤها تكمُن في ذاكَ التِيه.
عقدَت حاجبيها قليلًا لنظراتهِ ودون أن تدري تصاعدت الحُمرة لوجنتيها لتُشيحَ وجهها عنهُ وتُشغل عينيها بالنظرِ لجهازِ التّحكم الذي كان بجانبها على الأريكةِ بعد أن رمـاه، حينها تسنّى لهُ الحـالُ ليُدقّقَ في النظرِ إلى ملامِحها بصمت، يتتبّع بعينيه تقاسيمها السمراءَ وكأنّهُ في هذهِ اللحظاتِ بوصلةٌ وهي الشمـال الدافئ، الشمـال الذِي يقُود التائهين في الصحارِي واللّيالِي الباردة. أكمَل عمليةَ التّتبعُ ليصلَ إلى رموشِها الطويلةِ والكثيفة، تُغطِي توهَان أحداقها عن العالِم أجمع، تُعانقُ دموعها كثيرًا ولطالمـا كان يرى منها في البدايةِ عناقًا عنيفًا يمنعها من السقوط، والآن انفكَّ ذاكَ العناق العنيفُ وأصبَح رقيقًا يُطبطبُ على مقلتيها فتبثُّ أحزانها إلى أرضِ وجنتيْها وتسقي جفافها . . عقدَ حاجبيه وأنظارهُ تنجذبُ إلى خصلةٍ سوداءَ متموجةٍ تمرّدَت على شعرها وتسللَت فوقَ عينيها لتُشاركَ رمشَها في تغطيَةِ سفينتِها العسليةِ عنه ... أسنانهُ دُونَ شعورٍ منهُ حكّت بباطِنِ خدّه داخلَ فمِه، أشـاحَ نظراتهُ عنه ليمنعَ نفسه عن المزيد من التحديقِ الذي يرى أنه لا يحقُّ به! زواجهما ليسَ طبيعيًا، وهذه " الليست طبيعية " تُحرِّمُ عليه مثل هذهِ النظـرات، مثل هذا التوتّر الذي أصابهُ أول مرةٍ يومَ كانا في منزلِ والدتِه، في قسم الضيوف، بعد تلكَ الليلةِ التي كَادَ أن يُفتكَ بهما في حادثِ الشاحنةِ الطائشة لولا رحمةُ الله، لازال يتذكّر تلك اللحظةَ بعد أن تجاهلها كليًا وتناساها، بعد أن قالت لهُ " الله يلعنك نتّفت شعري "! وغضبَ منها يومذَاك وصبَّ غضبهُ في حدةِ ملامحه، لكنّه حين انحدرَت عيناهُ نحو أجفانها المتوترةِ خوفًا منهُ في ذلكَ النهارِ ومن ثمَّ انحدرَت لشفاهها المرتعشةِ وجد نفسهُ يبتعدُ عنها ويتركها!! . . . ماهذا الجنونُ يا الله؟! هوَ يمتلكُ الكثيرَ من الثباتِ أمـام أي امرأة، لم يصِل للمرحلةِ التي يتغلبُ فيها جمالٌ على قُدرتِه، ومرّتين توتّرت فيها أنظاره لتبتعدَ عنها لا يعنِي شيء! لا يعني شيئًا إطلاقًا!!
شدَّ على شفتيه وطردَ تلك الأفكَار عنهُ وهو يُعيد نظراتهُ إليها بعد أن غلّفها بالجمُود، اشتدَّ وجههُ نحوها وهو يُقرئ نفسه بأنّ أفكارهُ مجرّد غباء، جنونٌ وقتيٌ والوقتُ بينهما لم يصِل لجعلهِ يتأثّر بها، مضَى على قُربها منهُ أربعةُ أشهرٍ تقريبًا وربما أكثر، والجمـال ليسَ كافيًا حتّى يحرّك من هو مثله، فهي ينقصها الكثير، الكثيرُ جدًا ليُرضيه ويجعله ينجذبُ نحوها.
بلل شفتيه وهو يضوّق عينيه تجاهَ نقطةٍ من الكثيرِ الذي ينقصها، لذا دونَ استعدادٍ منهُ وجدَ نفسه يتطرّق لها ويسألها بهدوءٍ وجمود : كيف عشتي حياتِك؟
غزل رفعَت نظراتها المستغربةِ إليه : شلون؟
سلطان بهدوءٍ تقدّم للأمـامِ قليلًا وأسند مرفقيه على ركبتيه ومن ثم ذقنهُ على كفيه، وبتمهلٍ وضّح مقصده : أقصد البيئة اللي عشتي فيها ، وعشان تفهمين قصدي أكثر * ركّز بنظراته عليها ليُردف بجمود * أنا مستغرب إنك سعودية وجاهلة بالدِين كذا، بالعادة حتى لو لاقيتي شخص ما يصلي بس هو يعرف كيف الصلاة، حتى لو ما يتوضى هو يعرف للوضوء .. أنتِ ما تعرفين شيء فاستنكرت هالنقطة!
ازدردَت ريقها بتوترٍ وهي تشتت حدقتيها عنهُ وقد أربكَها سؤاله ككل مرةٍ ترتبكُ فيها لهذا الموضوع، لكنها أجابت بخفوت : ليه تستنكر؟ عادي وإذا كنت سعودية؟ غصب أعرف لهالأمور؟
سلطان يرفعُ حاجبيه بتعجب : لا بس بيئتك مُسلمة، منتِ في دولة كافرة تتواجد فيها أقلّيات وبالتالي جهل كبير من فئة كبيرة حتى من المسلمين نفسهم! أنا ما أستبعد إن فيه ناس ممكن تكون جاهلة حتى وإن كانت عربية من دولة مسملة 100% بس أبي أفهم كيف كانت بيئتك؟ .. ترى أعرف أبوك من مدة طويلة لأنه صديق عمي المقرب، وبالعادة كنا نصلي مع بعض بالمسجد كثير .. صح قلت لك مرة ما أستبعد إن عائلتِك ما تعرف الصلاة كلهم بس شوفي أبوك يعرف يصلي وصلاة صحيحة! ممكن يكون كل هالشيء كذب قدامنا بس هو في النهاية يعرف!
غزل باضطرابٍ دونَ أن توجّه نظراتِها إليه : يصلّي ، وأمي بعد تصلي.
سلطان بهدوء : وأيش اللي اختلفوا فيه عنك؟
غزل تُجيب بخفوتٍ متألّم : كون الشخص يصلي أو داخل بديانة معيّنة مو بالضرورة يكون متأثّر فيها جد، المسيحي ماهو بالضرورة يكون متقبّل دينه بكل جوارحه، ونفس الشيء عند البوذي واليهودي وحتى المسلمين! كثيرين تراهم يسوّون الشيء كعادة، أو لأن بيئتهم فرضت عليهم هالشيء .. ومثل ما قلت قليل تلاقي سعودي وعربي عمومًا ما يعرف يصلي ، بس السؤال هو يعرف لأنه يحب هالشيء والا لأنها عادة أو شيء انفرض عليه كونه بين مسلمين؟ .. نفس الشيء عندي، انفرضَت علي الصلاة بسببك، والا أنا مثل ما قلت لك ما أحس فيها
صمتَ لبعضِ الوقتِ ولربّما كان تفاجئه سبب سكوتِه، لم يتوقّع أن يكُون تفكيرها بهذا الشكل، بالرغمِ من كل جهلها في أمورٍ مهمة إلا أن تفسيرها جاءَ منطقيًا يُدركهُ جيدًا ويؤمن به، ولم يتوقع لوهلةٍ أن تؤمنَ هي به ... هتفَ بنبرةٍ مشدوهة بعد ثوانٍ : من وين جايبة هالتفكير؟
غزل توجّه نظراتها إليه وتلفظَ بنبرةٍ جازعَة : أنا أقدّس الأديـان، ماني جاهلة بهالشكل، والدين إذا ما اقتنعت فيه مستحيل أفكّر أتعمق فيه وأتعلمه لمجرد إن بيئتي تجبرني، ما أحب أنجبر على شيء خصوصًا إذا كان متعلق بدين! ولأني أعرف عظمة الدين وخصوصًا الإسلام لقيت نفسي أنحرج لأني ما أعرف أصلي أول ما كشفتني، نفس الشيء بأول يوم أخذتني فيه من بيت أبوي، لمّا صليت معك ماقدرت أتحجج بشيء يبعدني عن الصلاة - اللي ما أعرف لها - لأني عارفة إنه شيء غريب الشخص ما يعرف للصلاة وهو ببيئة مسلمة! فحصلت نفسي وقتها أصلي معك كتقليد فقط، أسرق منك الحركات وأقلّدها .. يومتها كرهت نفسي!!
سلطان بذهول : تقدسين الأديـان؟ طيب ماقد فكرتي مرة تتعمقين فيها بدرجة تخليك تعرفين الصلاة شلون؟!!!
غزل تهزُّ رأسها بالنفي : ولا مرّة ، ويمكن أساسًا لأن المواقف اللي انحطيت فيها بشكل يجبرني أصلي مع الناس شبه معدومة فما فكّرت ، وما أظن كنت بفكّر * ابتسَمت وهي تقرأ الذهول في عينيه * ترى مهما بان علي جاهلة وما كملت تعليمي الجامعي أنا وحدة كانت تحب القراءة الذاتية، وكثير أقرأ إن الدين إحساس الشخص بالسعادة والراحة وأنا ما حسيت بهالشيء تجاه شيء أجهله! فطبيعي تشوف فيني هالتناقض مع إني ما أشوفه كذا
أطبقَ الصمتُ على فمهِ للحظاتٍ وهو يقطِّبُ جبينه، لكنّهُ عاد ليسألها من جديدٍ وهو يقدم جسده للأمـام أكثر : طيب كيف البيئة اللي عشتي فيها؟ مع إني أوافقك بكل اللي قلتيه بس ماني مقتنع إن عيشتك هنا ما حطتك بمواقف كثيرة تخليك فيها تصلين قدام الناس غصب
غزل تبتسم بأسى : مين قالك إني كنت أساسًا عايشة بالسعُودية؟ ترى أغلب حياتي كانت بالتنقل ببين الدوَل وعيشتي هنا بالأسابيع والشهور بس .. * أردفَت بابتسامةِ سخريةٍ ونبرةٍ لاذعة * وعشان أوضح لك أكثر ليه أنا جاهلة بالإسلام والصلاة مع إن امي وأبوي يعرفون وش هي الصلاة ترى هم ما عرفوا وش يعني بنتهم! ما اهتموا لشيء يخصني بالمعنى الصحيح
تغضّن وجههُ بحنقٍ وهو يُشيحُ بملامحه عنها ويزفُر، لا يتعجّب! فمن كانت ابنةُ أحمَد لا يُستنكرُ ضياعُها بهذا الشكلِ أخلاقيًا حدَّ أن لسانها مُرِّغَ في القذارَة، هل يوجدُ عائلةٌ بهذا الشكل؟ لطالما قال بأن الأب والأم فطرتهم العنايـة بأولادهم والخوف عليهم، لكنّه اكتشف مع غزل بأن لكل قاعدةٍ شوَاذ، وليست كل عائلةٍ كالأخـرى.
وجّه نظراتهُ إليها وهو يُحاول ترقيقَ ملامحه، وبهدوءٍ ظاهريٍ ابتسم : طيب نقطة بصالحنا إنك تعرفين وش يعني الدين وتقدسينه ، وإن شاء الله الباقي علي، راح أخليك تحبين هالشيء وتبعدين فكرة الإجبـار ذي ، أنتِ عطيتيني الضوء الأخضـر والا؟
صمت لبرهةٍ قبل أن تهزَّ رأسها بالإيجاب، حينها اتّسعت ابتسامتهُ وهو يحوّر الموضوعَ بعيدًا عن هذا المجـال : على طاري الدراسة، قلتِ مرة إنك تركتيها بعد الثانوية
غزل بهدوء : أيه ، ماني من حقين الدراسة
سلطان : عاد بهالزمن الشهادة الجامعية شيء أساسي بالحيـاة
حرّكت كفّها في الهواء دونَ مبالاة : مو بالنسبة لي ، أهم شيء أعرف أكتب وأقرأ وأحكي كم لغَة وكفاية! أقرأ بيني وبين نفسي عن مليون تعليم غثيث
سلطان تجاهَل كلّ كلماتها ورؤيتها الضيّقة للتعليم ليُركّز بنقطةٍ واحدة، بنبرةٍ مُهتمة : تحكين كم لغة!! ليه أنتِ تعرفين غير العربية؟
غزل ترفعُ إحدى حاجبيها : طبعًا ، والا بس التعلم في المدارس ترى السفر يعلّم بعد ... خذها مني قاعدة الاستماع أول أساسيات تعلّم أي لغة والا ما كنت عرفت تحكي لهجتك الحين من كنت صغير ... كان عندك ورقة وقلم وواحد يدرّسك؟؟
سلطان ضحكَ رغمًا عنه على انفعالها : هههههههههههههههههه طيب شفيك أكلتيني بقشوري؟ ما قلت شيء والله
أطبقَت شفتيها بإحراجٍ حين انتبهَت لنفسها وحشرت كفيها بين فخذيها بقليلٍ من الخجل، ليُردف بابتسامةٍ أظهرت صفَّ أسنانه : تحكين انجليزي؟
غزل تبلل شفتيها دونَ أن تغيّر وضعيتها، وبنبرةٍ بِها بعض التحدي : ?What do you think
سلطان يضحكُ ويرفعُ كفيه مستسلمًا : لا جد جد اليوم هزمتيني ، دامنا بيوم الصدمَات احكي لي بعد وش تعرفين من لغات؟
غزل تبتسمُ ونشوةٌ تُدغدها للإطراءِ الذي تسمعهُ في نبرتِه : هو الإنجليزي اللي أتقنها بقيّة اللغات نقول شوي شوي ، مثل الفرنسية والتركية هذي يبيلي شوي وأضبط وضعي فيها ، ?What about you
سلطان يرفعُ حاجبًا بلؤم : تبين تتفاخرين قدامي والا كيف؟ ترى عادي أغلب العالم صارت تتعلّم انقلش من صغرها بعد بهالزمن
غزل بامتعاضٍ حكّت عنقها : طيب شفيك خلني أكمل احساسي بالعظمَة والا قاعد تتهرّب من سؤالي؟
سلطان : هههههههههههههههه لا كله ولا نتهرّب من أسئلة الغزال العظيم ، بس على فكرة يحق لك هالشعور دامك متعلمة كم لغة وأنتِ ما عندك غير شهادة ثانوية .. عمومًا أحكي انقلش أكيد وفرنسيَة بينما غلبتيني بالتركي
عضّت شفتها وهي تبتسمُ بخجل : ترى مو مرة
سلطان : هههههههههههههه مسرع ما استحيتي وين راح التفاخر اللي من شوي بعظمتِك؟
غزل تهتفُ بامتنانٍ دونَ أن تفقد ابتسامتها : شُكرًا
سلطان بابتسامة : على؟
غزل : لأنّك حسستني بهالشعور ، مو بالعادة أحد يزرع فيني هالفرحـة بأي إطراء ، دفعت فيني شويّة ثقة
سلطان بخفوت : وليه شويّة ثقة؟ منتِ واثقة من نفسك؟!!
صمتت ولم تردْ، بينما تغاضَى هو عن هذا الموضوعِ لوقتٍ آخر يكُون مناسبًا أكثر، وقفَ واتّجه إليها مُحطمًا المسافـة القليلةَ بينهما، وهذهِ المرةِ جلسَ بجانبها لكنَّ مسافةً لا بأس بها تفصُل بينهما، وبهدوءٍ ونظراتها تتّجه إليه : قلت لك من قبل إنك جميلة، والحين بضيف على الجمال بناءً على حواري معك اليوم إن فيك جانب مُثقف ولو إني ما عرفت حجمه للحين ، لكن هالاثنين كافيين عشان تثقين بنفسك
تهدّلت أجفانها وأسدلتها على عينيها بصمت، في حين ابتسمَ ليُردف : عمومًا مو هذا موضوعي الحين ، أعطيني ايميلك عشاني برسل لك شيء فيه
رفعَت نظراتٍ متسائلةٍ إليه : وشو؟
سلطان بابتسامة : قلتِ إنك قارئة كفاية عشان تعرفين عظمة الأديان ، بس واضح إنك تآخذين الموضوع بالمُجمل ما تعمقتي كثير، فاليوم برسل لك قبل لا أنام مجموعة فيديوهات نقول ممكن تخليك تعرفين العظمة الكاملة للصلاة بعد الله، واحتمال أرسلها لِك بالواتس بعد بس أفضل يكون بإيميلك ، وأبيك تشوفين الفيديوهات وتسمعينها كاملة ، ومو أي كلام! إذا كنتِ تقدّسين الدين فاسمعي الحكِي اللي فيه كامل عشان تعرفين قدسيته كاملة


،


في الصبـاحِ الباكِر
قعدَت على السريرِ بعد أن نهضت وهي تفرُك عينيها ونسيمُ الصباحِ الباردِ كمنَ في رائحةِ عطرهِ الذي غلّف الغرفـة، عقدَت حاجبيها قليلًا وهي تنظر إليه، يقفُ أمامَ المرآةِ يُعدّل " نسفة " شماغهِ بعد أن وضعَ العطرَ على الكومدينة ولم ينتبه إلى استيقاظها بعد، توجّهت نظراتُها لساعةِ الحائطِ ليزدادَ انعقادُ حاجبيها وهي ترى عناقَ عقارب الساعة للسادسةِ والنصف، ودُونَ شعورٍ لفظَت ببهوتٍ وهي تُعيد توجيه نظراتها إليه : الساعة ستة ونص وما صحيتني؟ وماشاء الله متجهّز وخالص وواضح بتداوم وتخليني بعد!!
استدارَ إليها سيف متفاجئًا لنهوضها، عقدَ حاجبيه وهو يتناولَ الكبكَ ويرتديه، وبهدوءٍ يوافقُ هدوءَ الصبَاح : وش مصحيك؟
ديما تُزيحُ اللحافَ عنها وتقف، بقهر : ليه ما صحيتني؟!
سيفَ بذاتِ الهدوءِ وهو يرتدي الكبكَ الآخر : بعد ليه ما صحيتك؟ أكيد ما أبيك تداومين
شدّت على أسنانها بحدّةٍ وعينيها تتّسعان قليلًا، وبعدوانيةٍ باردَة وهو ترفعُ إحدى حاجبيها : مو بكيفك
سيف : لا بكيفي عشان بعد كذا ساعة تتّصلين علي تبكين و * يقلد نبرتها الراجية * سيف تكفى بسرعة بطني يعورني خذني للمستشفى
شعَرت بالقهرِ وشدّت شفتيها من سُخريتِه، تحرّكت باتّجاهِ الحمـام وهي تهتفُ بصوتٍ عالٍ بعضَ الشيءِ تتجاهلُ أمره : عشر دقايق وبكون جاهزة
شدَّ سيف على أسنانهِ بغضبٍ ليلفظ بحدة : ديما ، عن العنـاد من هالصُبح ، قلتلك منتِ مداومة يعني منتِ مداومة ، إذا منتِ مهتمة لحملك خليني أهتم له أنا شوي
استدارَت إليهِ وهي تضعُ كفيها على خصرها ونطقَت بعنفٍ طفوليٍ وهي تجعّدُ ملامحها وتضوق عينيها : نعـــــــم!!! تهتم فيه شوي؟ ليه على أي أساس!
سيف بتحدي : ولدي
لوَت فمها بسخريةٍ باردة وهي تلفظ : أنا امه وابوه
سيف بسخرية : أجل أنا ولده وما دريت؟ * أردفَ بغضب * عن المبزرة وارجعي نامي
ضربَت قدمها بالأرض بقوةٍ وهي تهتف بعناد : ما أبي
سيف يزفرُ بقلة صبر : لا حوووول ، يا الله صبرني على تقلبات هرموناتها لين ما تولد بالسلامة
ديما بعناد تتجاهل كلامه : بداوم
سيف بغضبٍ اشتدَّ وهو يرفعُ اصبعًا بتحذير : ولا كلمة ثانية! بطّلي عناد وانثبري
ديما بقهر : بداوم
سيف بحدة : وبعدين!
ديما : بداوم
عضَّ شفتهُ بغضبٍ لتتحرّك قدماهُ باتّجاهها، حينها نظرَت إليه برعبٍ إلا أنها أخفت رعبها خلفَ ستارةٍ رقيقة وبقيَت ثابتةً في مكانها تنظرُ إليهِ بحقدٍ باردٍ مستفز، وقفَ أمامها مباشرةً وهو يرفعُ إحدى حاجبيه، وبخفوتٍ مُحذر : طيب ، لك اللي تبينه ، وإذا اتّصلتي علي بعد كم ساعة عشان آخذك المستشفى اعرفي إنك لو لحستي الأرض ما جيتك
قال كلمَاتهُ تلكَ ومن ثمّ استدارَ عنها ليتّجه نحوَ البابِ حتى يخرج، بينما رفعَت هي ذقنها بانتصارٍ وابتسامةٌ باردةٌ ترتسم على شفتيها، وما إن رأته يفتحُ البابَ حتى انطلقَ لسانها ليلفظَ ببرود : لا تتعّب حالك لو صار لي شيء بطلب من أحد غيرك ياخذني للمستشفى ، الفرّاش على سبيل المثـال
شدّ على مقبضِ البابَ واستفزازها ينجحُ في الوصُول لما يُريد، إلا أنه لم يستدِرَ إليها وهو يردُّ بنبرةٍ حادةٍ محذّرة : أذبـحـك !
ليخرجَ ويُغلقَ الباب من خلفهِ لتعضَّ هي شفتها السُفلى بغيظ.


،


في بروكسيل
أغلقَت البابَ بعد أن خرجَ يُوسف، جزيئاتُ البردِ تتخلخل عظامها وتُرعِشُها، لا تدرِي إن كانَ من التكييف أم أنّ الثلجَ يقطُنُ في جسدها بعد أن شلّها الشتـاءُ عن الصيفِ والدفء. رفعَت كفّيها إلى فمها ونفخَت من أنفاسها الدافئة عليهما، ثمّ فركتهما ببعضهما لتتّجه نحوَ جهازِ التحكمِ بتكييف الصالـة وتُغلقه بالرغم من كونِه لم يكُن مرتفعًا.
عادَت لغرفتها وقد قررت أن تأخذ لها حمامًا دافئًا يُعيد حياةَ الدفءِ في جسدها، بينما كانت ليان في هذهِ اللحظاتِ نائمةً وقد غادرها المرض، لازالت تذكُر كيفَ أن والدها قد عادَ البارحة بعد خروجهِ بنصفِ ساعةٍ تقريبًا أو ساعةً إلا ربعًا .. وجههُ كان مقلوبًا رأسًا على عقبٍ بدرجةٍ أفزعتها وطرأ في عقلها أن ذاكَ الشاب كما كان فظًا معها كان مع والدها، ولربما بصورةٍ أكبر! اتّجهَت لسؤالهِ عمّا حدثَ ليُخبرها بجمودٍ أنه التقى بأخِ الفتـاة، وسلّمه الحقيبة بعد أن اعتذرَ منه الشابُ لسوء ظنه، فقط! قصةٌ لا تدري لمَ لم تقتنِع بها، لكنّها رأت فيها تباعدًا عن ملامحِ والدها، ودونَ شعورٍ منها بقيَت تشتم ذلك الرجلَ بقهرٍ وهي تتخيّل أنه آذى والدها بكلمةٍ ما كما كان معها.
زفَرت بحنقٍ وهي تتناولُ روبَ الحمامِ المُعلّق، ثم اتجهَت للحمـام وهي تحاولُ طردَ صوتِه المُزعِج وكلماته الأشد إزعاجًا عن عقلها.

يتبــع ..


كَيــدْ 17-10-15 04:37 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



خرجَ من غرفتهِ والحدّةُ تسكُن ملامحه، يتحلّى بسوداويةٍ ملأتْ عيناهُ وحتى في ملابسهِ المُنحصرةِ في رماديٍ وأسود، اتّجه لغُرفـة غادة بعد أن حمَل هاتفها الذي لمحهُ فوقَ طاولـةِ الصالة، دخَل ليجدها مُمددةً على سريرها تنظر للسقفِ بشرودٍ حزين، عيناها تلتمعانِ بدموعٍ سقطَ جزءٌ منها بخطٍ يسيرُ وفقَ الجاذبية الأرضية، إلى أذنيها دونًا عن وجنتيها .. احتدّت نظراته بقسوةٍ تتضاعفُ تجاهها دونَ أن تلتهمهُ ولو بضعُ رحمةٍ نحوها، اقتربَ منها بخطواتٍ شديدةٍ جعلتها تنتبه لتستديرَ بسرعةٍ وتُفاجأ لأنهُ جاءها، ولم يخفى عليه بريقُ أملٍ تلألأ في عينيها، وابتسامةٌ بدأت تُولدُ على شفتيها وهي تنتظر أن تسمعَ منه كلمة الغفـران، أن يطلب منها عدمَ تكرارِ ما فعلته وإلا فإنه سيعتبُ عليها كثيرًا، أن يعبّر عن كونِ قسوتِه تلتحقُ بخوفِه عليها، بحبهِ لها، وليس هو من قد يطول بجفائهِ معها.
لكنّ كل آمالها تبخّرت فجأةً وهو يرمي الهاتفَ عليها بقسوة، تحتدُّ ملامحه أكثر قبل أن يلفظَ بجفاء : جوالك يجلس معك، ما تتركينه .. ومن اليوم ورايح راح يبقى مراقب، ولا تفكرين مجرّد تفكير إنك تقفلينه أو تخلينه هنا وتطلعين من البيت، بتّصل عليك متى ما بغيت، وياويلك! * رفعَ اصبعه بتحذيرٍ ليُردفَ بقسوة * يا ويلك يا غـادة لو تكتمل الرنّة الأولى وأنتِ ما رديتي علي!
ارتعشَت شفتاها بألم، نزفَ قلبها وهي تنظرُ لهُ دونَ استيعاب، سكنَت تجعيدةُ وجعٍ بينَ حاجبيها وسقطَت دموعها هذهِ المرّة على وجنتها وهي تقرأ عدم ثقتهِ بها في كلِّ كلمةٍ يقولها، في كلِّ نبرةٍ أقامها على صدرها ومزّق بها سكُونها، في كلِّ نظرةٍ قاسيةٍ لفظها إليها وجرحت أحداقها، استثارت مقلتيها لتسقطَ دموعها بغزارة، دونَ شُحٍّ وأنينٌ خافتٌ بدأ يخرجُ من صدرِها الملكوم لكنّه لم يحرّك فيه شيئًا، لم يرقق من ملامحه وبقيَت القسوةُ تتضاعفُ على وجههِ وهو يُخفض يدهُ ويُردفُ بنبرةٍ قارسةٍ وصوتٍ حاد : فاهمة!
شهقَت بألمٍ لتغطي فمها بكفها وهي تومئ برأسها، ليستديرَ هو عنها دونَ مبالاةٍ ويخرجَ من غرفتها ... ومن الشقةِ بأكملها! تاركًا لها تنتحبُ بينما عيونٌ صغيرةٌ كانت تتابعُ كلَّ شيءٍ من خلفِ الباب، وما إن اتّجه بدر حتى تجمّد خلفَ الجدارِ بذعرٍ من أن يراه لكنّ بدر أعمـته القسوةُ هذهِ اللحظة.


،



كالعـادة، شايٌ بدونِ سكرٍ أمامـه على الطاولـة، يحتسيهِ بهدوءٍ باردٍ تعاكسُ حرارةَ الشـايِ وهو يستذكِرُ كل ما حدثَ البارحـة، صدمتهُ بالإنقلابِ الذي أصابَ بدر، بواقحتهِ معهُ حدَّ أنه قامَ بخنقهِ وكسَر الإحترامَ الذي كان يراهُ فيه .. تأمّل لونَ الشايِ الشفاف بشرُود، كل الأوانِ مهما تكتّلت وتكثّفت باتت في عينيه شفّافـة، كلُّ البشـر، كلُّ الحيـاةِ أمامـهُ خادِعة مهمَا تحلّى تمثيلها بصدقٍ مُهلك، يا قسوةَ الخذلانِ حينَ يجيءُ من شخصٍ رأى بهِ مثاليةً قارَبت على الاكتمال، يا قسوةَ الخِداع! يمرُّ لينثرَ حممًا ويُفيقَ الألآم، يمرُّ ليغرسَ نصلًا مُسممًا ويستثيرَ الآهات، هو فعليًا لم يتأثّر كثيرًا بصدمته ببدر بحجمَ ما استثارَت هذهِ الصدمة صدمةً أشدّ لم تمضِي بعْد، صدمةً أقسى تجيءُ كثيرًا في أحلامه، صدمةً بزوجةٍ صاحبها سنينَ طويلةً ولأكثرَ من عقديْن، ثمّ جاء يومٌ ارتُفعَ فيهِ ستارُ الحقيقة عن كلِّ كذبةٍ وخداع، لازالَ يذكُر كيفَ أنّهُ قرأ مرةً في هاتفها رسائل استنكرَ مافيها وصُدمَ بالمعنى الفعلي للمواعيدِ الموثوقةِ في خضمها، وحين واجهها توتّرت وألحقَت الحقيقة بكذبةِ أنّ المُرسل بالتأكيدِ أخطأ بينها وبين أحدٍ آخر، لكنّ توترها واضطرابها وارتعاشَ كلماتها وهي تردُّ جعلَ ثقلًا ما ينحشرُ في حنجرته، زرعَ شكًا دفعهُ مرةً للخروجِ وراءها بعد أن قالت مرةً أنها ذاهبةٌ لإحدى صديقاتِها .. ويا ليتَ شكّه ما قامَ وبقيَ معميًا عن الحقيقة، يا ليتها لم تفعلها وتُدمّر كل السنينِ الجاريـةِ بينهما، لكنَّ ليتَ تبقى ليت، وكلّ أمانيهِ تحطّمت حين رأى من قابلت، وحين كتمَ غيظهُ رغمًا عنهُ بينما الرعشةُ تقتلُ جسده، ومن ثمّ رفعَ هاتفهُ من بعيدٍ وهو يراقبها ليتّصل بها ويأمرها بصوتٍ أسكنَ رعشاته بأن تعودَ للمنزل حالًا فهناكَ حالةٌ طارئةٌ تستدعيها .. راقبَها بكل ألمٍ وخيبةٍ وهي تمشي وترفعُ هاتفها لتتّصل بالسائق الذي لم يبتعد حتى يعُود، ومن ثمَّ ركبَت وعادَت للمنزلِ الذي وصَل إليه قبلها بدقائق، لتتكسّر كلُّ الموجاتِ يومَها، لتتحطّم كلّ الإشـاراتِ في المضي، وهو يواجهها بكل حرقةٍ بما رآه، يخنُق إرادتهُ في قتلها، في إزهاقِ روحها الخائنـة، انتهَى توترها، واعترافها أخيرًا بكل خجلٍ وذنب، انتهَى ذلك اليومُ بقسوةِ ما فعلته، ووجدَ نفسهُ أخيرًا يُضطرُّ للصمت، للصبرِ على ما حلَّ عليه من مصيبة، كلُّ ذلك لأجلِ أميراتِه، يستطيعُ تحمّل كل شيء ومرارةَ الخيانةِ لأجل ابتسامةِ واحدةٍ منهن حتى تُشرقَ شمسُ البسمةِ على أرضِ آلآمه .. أميراتِه التي غادرتهن البسمةُ وباتت تزورهنَّ كضيفٍ سيُغادر، وهو يقفُ عاجزًا، فقدَ كلَّ قدرتهِ على إسعادهن، فقدَ كل قدرتهُ مهما حاول وتظاهر العكس، أصبحَ عاجزًا بدرجةٍ تؤلمهُ قبل أن تؤلمهن.
رفعَ عينيهِ المُعتمتينِ عن الشاي لينظُر في وجوهِ الحاضرين وابتساماتهِم، واشتياقهُ لكُبرى بناتهِ جعلهُ يبتسم فجأةً وهو يرمي صورةَ زوجته المُتوفَى، تلك النمرةِ المُتمردة! ابنةُ امها في التمردِ وحتى في تعلّقها بها لتتصرف معه بهذا الشكلِ القاسِي .. تقطّب جبينه فجأة، ثمّ مسحَ على وجههِ بكفهِ وهو يهمسُ بوجع : الله لا يجعلها مثل أمها ، بعيدة عنها يارب، بعيدة عنها!
عضَّ شفتهُ ليزفُر، ومن ثمّ تناولَ هاتفهُ من على الطاولـة وهو يُريد الإطمئنان عليها عن طريقِ فوّاز، وبما أن صوتهُ الآن خفَتَ بآلآمهِ وغصّاته لذا أرسل إليه : " السلام عليك ، كيفك فواز وكيف الأهل؟ طمني على جيهان "
انتظرَ لدقائقَ قصيرة، ومن ثمّ جاءه الرد : " وعليكم السلام ، الحمدلله طيبين نشكر الله .. جيهان بخير، متغيرة كثير عن أول وصارت تضحك وطلعت من قوقعتها شوي، الحمدلله على هالتغيير .. كيفك أنت؟ ومتى بتجون ترى الزواج ما بقى عليه غير أسبوع، لازم تكون جنبها "
ابتسمَ يُوسف بسمةً شقّت عنانَ ألمِه ونسَت الغصّةُ صوته، همَسَ بحمدٍ وشُكرٍ لله ودعاهُ بدوامِ ابتسامتها وضحكتها، بدوامِ حالها بل تطوّره إلى نسيانِ كل حزنٍ قد يمرُّ على قلبها، كيف يُقنعها بأن ابتسامتها جميلة؟ بأنها تبتسم ليحلَّ الجمـال على كل الأرض، كيف يشرحُ شغفهُ برؤيتها؟ فرحتهُ بما قرأ! وكيفَ لا يسعدُ وقلبهُ الأبويِّ يشقى عليهِ حُزنها؟ .. صغيرتي، أميرتي، وحُزنها يهزُّ عرشِي، يهزُّ حياتِي بأكملها .. يا الله احفظ ابتسامتها من كل عبوس، احفظ ضحكتها من كل بُكاء، احفظ سعادتها من كل حزنٍ واطرد شيطانًا سُمِّيَ - الألـمُ - عنها، اللهم إنّي أعيذها بكَ من كل دمعةٍ مالحةٍ قد توجعِ قلبها، من كلِّ غصةٍ قد تسكُن حنجرتها، من كلِّ ضيقٍ قد يُجاورُ صدرها، اللهم إني أسـألك باسمكَ الكريم أن تمضي بعيدًا عن كلِّ ظرفٍ عاكِر، هي جميلةٌ يا الله! وجمالها يتضاعفُ في ابتسامتها، فاحفظها لها، احفظها لها، احفظها لها.
غمرتهُ القليل من الراحـةِ بعد ما قرأ، وسكَنت البسمةُ شفاهه ليضعَ الهاتف على الطاولـة بعد أن أرسل رسالته الأخيرة إلى فواز : " الحمدلله، أنا أثق فيك يا فواز، وأثق بأنك تقدر تسعدها فلا تخيّب ثقتي، بنتي أمانتك، لا تكون سبب في حُزن هالأمـانة وحاول بقد ما تقدر تتحملها، أعرفها لسانها سليط لما تعصب، بس هي طيبة . . . أنا بخير دام ضحكتها عامرة! ورحلتنا للسعُودية بتكُون بكره إن شاء الله عشان أشوف فرحتها اللي أكيد ما راح أكون بعيد فيها "


،


دخَل بخُطى متوترَة، عيناهُ تفقهانِ طريقها جيدًا، لم تمرّا على أحدِ المتواجدين، فقَط بقيتا تمعنانِ النظرَ في مقعدهِما المُعتـاد، في كُرسيهِ المُعتـاد، ولم يخِب ظنّه إذ رآه.
زفَر بعجز، بالكثيرِ من الخجَل، لكنّه كما أخطأ يجبُ عليهِ الإعتذار، بديهيًا كـان بالرغمِ من خطأه لن يستبعد فكرةَ أن يكُون يُوسف بالفعلِ رجلًا لا يؤتمَن، لكن لأجـل الصباحاتِ التي كانت بينهما، لأجلِ الأحـاديثِ وأكوابِ القهوةِ والشايِ دونَ السّكر التي شاركتهما لصباحَات، يجبُ عليه أن يعتذر، وقد لا يفقدُ حذرهُ بناءً على كونِه لا يثِقُ بأحد، حذرهُ المعتـاد ضدَّ أي شخص، وهو ذاته الذي كان يتحلّى بهِ مع يوسف منذ عرفَه.
اتّجه للطـاولةِ بعجَل، وقفَ بجانبِ كرسيهِ بقليلٍ من الترددِ قبل أن يستدِير يوسف منتبهًا لمن وقف بجانبه، ولم تخفَى على بدر إماراتُ الصدمةِ وكأنّه كان يتوقع عدمَ لقائه مجددًا بعد ما حدث، أو على الأقل عدمَ وقوفه بجانبهِ والتفكيرِ بالجلوس في هذهِ الطـاولةِ معه.
يُوسف يعقد حاجبيه باستنكـار : صباح الخير ، إذا باقي عندك شيء ياليت تتركه لنفسك، ما أبغى أفقد باقِي احترامي لَك
تجرّع بدر إحراجهُ وبلل شفتيه قبل أن ينحني قليلًا ويقبّل رأسه باعتذارٍ بشكلٍ فاجئ يوسف وزرع الذهولَ في عينيه، وبخفوتٍ متأسّف : أعتذر منك عم يوسف ، السموحة منك على اللي سويته واللي اكتشفت إني غلطت في فهم الموضوع . . اعذرني! حياتِي تضطرنِي لرمي الاحترام على جنب حتى مع الكبار
عقَد يوسف حاجبيهِ بقوةٍ وهو يلفظُ باستنكار : بهذيك الطريقة؟! تخنق وتسب!
بدر بإحراجٍ توتّرت اعتذاراتهُ وبزغَت بعيدةً عن معناها : عاد هذا اللي صـار
يُوسف بحدةٍ عاتبة : حتى اعتذارَك شاذ! صدمتني على كثر الثقافة والاحترام اللي كنت أشوفه فيك ... اجلس بس اجلس والا تبي تظل واقف؟
ابتسم بدر ابتسامةً ضيّقة وهو يتحرّك ويجلس أمـامه، الطاولـة تفصل بينهما كالعادة، الجلساتُ دائمًا ما تكُون بينهما هادئةً حتى مع الأحـاديثِ الشائقةِ بينهما، ولا ينقص ذلك الهدوءَ سوى شطرنج.
تنحنحَ بدر قليلًا ورفعَ نظراته ليوسف الذي كان ينظر إليه بتفحّص، ويُدرك جيدًا بأنّه بناءً على كونِه جاءه واعتذر، فسيواجههُ يوسف بأسئلةٍ وتفسيرات، ولم يستغرق يوسف لثوانٍ حتّى تحرّكت شفتاه مؤكدةً توقّعه : ليه سويت اللي سويته؟
صمتَ بدر لثوانٍ طويلة، ينظرُ ليوسف بنظراتٍ امتلأ فيها الكثيرُ من الحذر، ليبتسم يُوسف ابتسامةً خافتةً ويلفظ : حاولت ما أخليك تطيح من عيني، بس للأسف طحت! لذلك ممكن تفسّر عشان ترجع صورتك؟!
بدر بحذر : طبيعي أطيح من عينك .. عشان أكون صريح معك بالعـادة ما أهتم لنظرة الناس لي
يوسف : وأيش اللي اختلف
بدر : ما قلت إنه اختلف شيء!
يوسف : يعني تبي تقولي ما يهمني نظرتَك لي! صح؟
بدر بجمود : بالضبط
زفَر يوسف : صدمتني كثير، بس ما عندي غير سؤال واحد على اللي قلته تو .. ليه جيت واعتذرت بما أنك ما تهتم لنظرتي لك؟
صمتَ بدر لدقائق وملامحهُ جامدَة، بلل شفتيه بلسانهِ قبل أن يتنهد ويُجيب : ما أدري، بس تقدر تقول إنه نفس السبب اللي ما خلاني أقتلك أمس، قلت لك احترامًا للي كان بيننا
رفعَ يوسف حاجبيه دونَ رضى بإجابته : بس! مو لأنك غلطان!
بدر بخفوتٍ وتعب : ما تفهمني، مستحيل تفهمني .. وممكن بعد تكون فاهمني بس تتصنّع العكس
يُوسف : رجعنا للغلط! تكذبني! ... عمومًا على طاري أمس والثقة المنزوعة تجاهي عندك .. أنا مو مخفة عشان ما أفهم ولو جزء بسيط من الحكي اللي رميته ... بدر أنت كيف نمط حياتك؟ اكتشفت إني ما عرفت شيء عنك
ابتسمَ بدر بحُزنٍ وفتور : ما تعرف شيء، لو توصل جلساتنا للألف إذا ما بغيت ماراح تعرف!
يُوسف يبتسم : ولو عرفت؟
ضحكَ بدر ضحكةً قصيرة منزوعةَ الحيـاة، ليلفظ : أنت وشطارتك .. * صمَت لثوانٍ قصيرة قبل أن يتنهد ويُردف بابتسامةٍ تكادُ لا تُلمح * عادي نرجع مثل قبل!
يوسف بابتسامة : بنفس الحذر والغموض صح؟
بدر بضحكةٍ قصيرة : يعني منتبه لي من البداية؟
يوسف : أيه ، مو بس أنت الفطين حتى أنا .. عمومًا نرجع مثل قبل، ليه لا؟ بس ذكرني أمس وش قلت لي؟ خسيس وحمار وشيء ثاني أو لا؟!
بَدر بحرجٍ احمرّ وجهه هذهِ المرة ليتنحنح، وببحة : الله يخلف عليك يا بدر ، واضِح هاللي سويته واللي قلته بيجلس مختوم على جبينك لنهاية العُمر
ضحكَ يُوسف : آثـار الصدمة ، يحق لي أعلق عليك .. وتستاهل دامك ما تبي تبرر! .. بس براحتك، وأنا أكيد بعلق براحتي.


،


قرأ آخر رسالـةٍ وصلتهُ من عمه، كان لا يزالُ يجلس على السريرِ في ظلامِ الغرفـة وضوءُ الصباحِ الخافـتِ يتسلل إليْه، يسندُ ظهرهُ على مقدمةِ السرير، المفرشُ يغطي رجليه كامليين بينما بقيّة جسدهِ تصتدمُ بهِ البرودةُ دونَ عائِق.
التمعَت عيناهُ في الظـلامِ وهو يقرأ كلماته " أنا أثق فيك يا فواز، وأثق بأنك تقدر تسعدها فلا تخيّب ثقتي، بنتي أمانتك، لا تكون سبب في حُزن هالأمـانة وحاول بقد ما تقدر تتحملها، أعرفها لسانها سليط لما تعصب، بس هي طيبة "
أثق فيك ، أثق فيك ، أثق فيك
بنتي أمانتك ، بنتي أمانتك ، بنتي أمانتك
لا تكون سبب في حُزن هالأمـانة ، لا تكون سبب في حُزن هالأمـانة ، لا تكون سبب في حُزن هالأمـانة
سكنت شفاههُ الرعشة، اضطربَت أناملهُ وتنفّسه، تباعدَت ذرّات الأكسجينِ عن أنفه، وارتفعَ صدرهُ وانخفض بشهيقٍ وزفيرٍ متسارِعين ... انطفأ نورُ الهاتفِ بعد لحظاتٍ قصيرةٍ ليُغادرَ مصدرُ الضوءِ الأقوَى في الظلام في هذه اللحظة، أدارَ وجههُ إلى ملامحها النائمةِ والمشوّشةِ لعينيه في الظـلام، تأمّلها كثيرًا وكلماتُ يوسف تُعيدُ مجدها في عقله، تترددُ في صدًى مهلكٍ داخِل صدره .. مدّ يدهُ دونَ شعورٍ ليملسَ وجنتها الدافئة، زفَر بألمٍ عميقٍ وهو يتخيّل أن هذه - الأمانة - قد تحزنُ يومًا وسيكُون هو محرّك هذا الحزن .. عضَّ شفته بقهرٍ وصورةُ جـنان تجيء في عقله، مهما حدث، ومهما كانت طرفًا سيسبب معمعةً في حيـاتِه وحبّه، إلا أنه يجدُ نفسه يُشفق عليها، يعطفُ عليها، بالرغم من كونِه لم يرَها منذ يومِ عقدِ النكاح، ذلك اليومُ الذي كان يتحاشى فيه النظرَ لوجهها الحزينِ ليلمحها لمحاتٍ سريعـة، وبالرغم من كونِ شعورهِ ناحيتها حيادي، إلا أنه من الجهةِ الأخرى لا يستطيعُ طردَ صورةِ هيثم وابتسامتهِ يومذاكَ وهو يلحقها بنظراته، ورغمًا عنهُ تُستثارُ التساؤلاتُ في صدره.
بلل شفتيهِ وهو يعتدلُ ويتمدد، يُقبّل وجنتهَا وهو يُقسم بأغلظ الأيمـان أنه سيُسعدها، ولن يؤثِّر زواجه بعلاقتهما مهما حدَث، يستطيعُ أن يكُون عادلًا بينهما، فقط يحتاجُ لبعض الوقتِ حتى يستقرَّ قليلًا في حياتِه مع جيهان، ومن ثمّ سيُفصحُ عن هذا الزواج ولن يبخس جنـان أبدًا، فليس هو من قد يجعلها معلقةً بهذا الشكل، مهما كانت طريقةُ زواجهما ومهما تصاعدَت التساؤلاتُ في صدره.


يتبــع ..


كَيــدْ 17-10-15 04:47 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




جلسَ على طاولـةِ الإفطـارِ بمضض، مزاجهُ مهترئٌ منذُ يومين وسوءُ مزاجهِ يعني سوءَ أخلاقهِ مع من حولِه، لم يُلقي التحيّةَ ولا " صباح الخيرِ " على جدهِ الذي رفعَ إحدى حاجبيه مستنكرًا، وبحزم : ولد! عندك شيء؟
تناولَ تميم التوستَ ببرودٍ ودونَ أن ينظر إليه لفظَ بتكشيرةٍ ونزق : ما حكيت شيء
جده بذاتِ الحـزم : هالتكشيرة وهالصوت يحكون ، أنا ما قلت لك من قبل كون معِي مؤدب!
رفعَ نظراتهُ المتململةِ هذهِ المرّة إليه، لوَى فمهُ بكبتٍ ليلفظَ أخيرًا بصوتٍ بهِ القليل من الحدة : ما قللت أدبي!
جدهُ بطريقته المعتـادة في الحديثِ والتي تستفز تميم كثيرًا، أشارَ بحاجبيهِ إليه ونطقَ ببرودٍ حـازِم : وليه الحدة الحين؟
تميم وضعَ التوست : اوووووف جدي واللي يعافيك خلني بحالي الحين
رفعَ جدهُ حاجبيهِ باستنكارٍ حـاد، ونطقَ بجدٍ وحزم : ماشاء الله! وتعرف تحكِي بعد وتنافخ! لا شكل رُومـا لعبت بعقلك
تميم بغضبٍ ما إن سمع " روما "، شدّ على الطاولـةِ بكفيهِ وتقدم للأمامِ قليلًا لافظًا بقهر : الله ياخذ روما أخذ عزيزٍ مقتدر ، ليتك ما تكرّمت علي بهذيك الإجـازة العملية الرهيبة! طحت في غرامها لدرجة إني خفت أتعلق فيها
جدهُ بغضب : تتمصخر؟
تميم بغضبٍ مُماثل : لا محشوم يا جدي العزيز
جدهُ بأمرٍ غاضب : انقلع ، انقلع من وجهي يا كلب! ما عرفت أمك تربيك وطحت فيك رجّال ما عاد ينفع عليه الحكي .. انقلع من وجهِي
تميم وقفَ بحنقٍ وهو يلوِي فمه : مشكُور على تربيتك لِي بعد وفاة أمي ، مع إن الشغلة أساسًا مصلحة عشان تستفيد مني تمامًا مثل اللي يصير حاليًا .. * أحنى جسدهُ للأمامِ قليلًا واضعًا كفهُ على صدرهِ في تحيةٍ مُطيعةٍ ساخـرة، ليُردف * أنا تحت أمرك دايم مسيو سعُود ، تحت أمرك دايم
تابعهُ جدّه بنظراتٍ غاضبـةٍ حانقة وهو يُغادرُ غرفـة الطعام بوجهٍ متشنجٍ بغضب، خرجَ ليتّجه لبابِ المنزلِ مباشرةً وهو يُريد الطيرانَ بعيدًا عن هذا المكان الذي يُقيّدُ حريته، ليبحثَ عن ما يُسليه في هذا الصبـاح وتمردٌ في داخلهِ تمنّى أن يكون شخصًا وهو " بدر "، يُدرك أنّه إن التقاه فستندلعُ نيرانٌ في صدرِ بدر، وقد تُثمر تلك النيران بشجار، باشتبـاكٍ يجعلهُ يُفرّغ كل مافي صدرِه.
" يا رب حطه بوجهي يارب "


،


قبل ساعة - الريـاض
نظَرت لساعةِ هاتفها بعد أن مدّت يدهَا وهي تدفُن وجهها في السريرِ بنُعاس، وفعَت رأسها عن الوسادةِ ليُنيرَ وجهها بضوءُ الهاتفِ ليظهرَ تفاجئها مليًا وهي تقرأ الساعة، شهقت لتجلسَ لافظةً بخفوت : ستة ورُبع؟!!
استدارَت إلى شاهِين الغارقِ في نومِه وهي تفرُك عينيها بكفها الأخرى، تنحنحَت لتُطلق أسرَ بحّة النومِ من حنجرتها حتى تلفُظَ أخيرًا : شاهين ، شاهيين قوم الساعة صارت ستة ورُبع
لم يتحرّك شاهين لتضعَ هاتفها من جديدٍ على الكومدينة ومن ثمّ اقتربَت منه أكثر حتى تهزَّ كتفهُ وتلفظ : شاهين قوم تأخرت على دوامك
تملمَل في نومهِ وهو يهمهمُ بانزعاجٍ لتبتسمَ رغمًا عنها، وبهمسٍ ناعِمٍ لفظَت وهي تقتربُ منه أكثر : شاهين قوم واللي يعافيك ، اترك نومَك الثقِيل ذا
بلل شفتيه الجافتينِ دونَ أن يفتَح عينيه، أنفاسها اصتدمَت بوجنتهِ نظرًا لاقترابها منه، لتشقَّ البسمةُ ملامحهُ ونظرًا للظـلامِ الذي ضاعفَت منهُ ثخونة الستائرِ التي غلّفت الغرفـة عن الصباح لمْ ترَه رؤيةً واضحة، وشكّت في الابتسامةِ المشوّشة التي تلمحها على شفتيه، لذا مدّت كفها لتهزَّ كتفهُ بإصرار : شاهيييييين
شاهين بابتسامةٍ لم تغادرهُ رفعَ يدهُ ليُمسك كفّها التي على كتفِه، تسللت شهقةٌ متفاجئةٌ من شفتيها ليضحكَ بخفوتٍ وهو يقبّل باطِن كفها، وببحةِ نومٍ همَس : صباح الخير يا وجه الخير
سحَبت يدها بقليلٍ من الخجلِ بينما قعدَ وهو يُمدّدُ يديهِ بكسل، في حينِ كانت عيناها تحاولانِ رؤيتهُ بوضوحٍ أكثر في الظـلام، بينَ خيوطِ السوَاد، استدارَ إليها وهو يبتسم، وبهدوء : شوفي راحت الساعات عليْ، كل منك
فغَرت فمها باستنكارٍ للحظة، ما الذي فعلتهُ هي؟ .. ولم تترك السؤال يبقى في داخلها إذ لفظَت بامتعاض : مني؟ أنا شسويت؟
شاهين بابتسامـة : جلست أتابع انتظـام أنفاسك بالليل، ما عرفت أنـام
تصاعدَت الحُمرةُ في وجهها لتتجرّع ريقها بتوترٍ وهي تُخفض رأسها، وبارتباكٍ خجول : بتروح عليك بقيّة الساعات وأنت تبيع الحكِي
شاهين يضحك : أفا! أنا بيّاع حكي
أسيل بهمسٍ تُضيع الموضوع : الساعة صارت ستة ونص
شاهين : ههههههههههههه مسرع! تبين تتهربين مني يعني؟ بس ما ألومها لو صارت سريعة ، الوقت الحلو دايم يمضِي بسرعة!
صمتت بخجلٍ أمـام غزلِه، لينهضَ هو من السريرِ مُتجهًا للحمـام حتى يمسحَ وجههُ ويفرّش أسنانه على عجل، فهو قد نهضَ سابقًا وقت صلاة الفجرِ واستحمَّ وصلى ثمّ عـاد للنوم.


،


دخَل لغرفـةِ الطعـامِ على عجَل، عينـاه يُمررها على كلِّ شيء، على الطاولةِ والطعامِ فوقها، على الجدرانِ وكل زاويـة، على هالة وياسر وهديل، لكن ليسَ هي! يتجاهلُ النظَر إلى إلين، بعد كل شيءٍ هو ضعِف، ضعِفَ وهو الذي ظنَّ نفسهُ قويًا، ولا يظنُّ أن له قدرةً كافيـةً على إخبـارها، إن كان الضعفُ قد تلبّسه لما سمعَ فكيفَ بِها والموضوعُ يخصّها هي تحديدًا؟ .. عضَّ شفتهُ السُفلى بألمٍ وهو يسمعُ ضحكةً خافتةً قصيرة على شيءٍ قالتـهُ لها هدِيل، تناولَ كوبَ الحليب على عجلٍ ليشربهُ دفعةً واحدة ومن ثمّ تحرّك ينوُي الخرُوج .. إلا أن هالة التي كانت تراقبهُ باستنكارٍ أوقفتهُ حين هتفت باسمه متعجّبة : عبدالله! الحين هذا فطورك؟
عمَّ الهدُوءُ واتّجهت الأنظـارُ إليه بصمت، هو لم يتناول الغداء معهم في البارحـة، ولا حتى العشاء! وهذا ما دفعَ إلين لتهتفَ برجاءٍ وهي تعقد حاجبيها دونَ رضا : اجلس كل معنا ، ما أكلت شيء أمس
انقبضَ صدرُه وهو يُديرهم ظهره، أطبقَ الصمتُ عليه بعدَ نبرتِها الراجيـة، والتي أثارت في قلبهِ المزيد من الألم، المزيد من الوجعِ والعتبِ على ماضٍ كهذا، المزيدَ من الحقدِ والكره لوالدها، لأمها، لأدهم قبلهم! أدهـم الذي كان يُدرك كلَّ شيءٍ منذ البدايـة، لكنّ الشيطانَ فيه جعلهُ يصمُت ويستغلُّ اعتقادها الخاطئ بأنهُ أخـاها، ولا تفسيرَ آخر لصمتهِ ومجاراتهِ لها.
بلل شفتيه بصمت، وتحرّكت قدماه متجاهلًا استنكـار هالة ورجاء إلين ونظراتِ ياسِر وهديل، لم يردَّ عليهم ليخرج وهذهِ المرة صمتت إلين بضيقٍ وهي تُقطّب جبينها وتنظر للطاولـة وشهيتها للطعـامِ سُدّت، في حين تذمّرت هالة بقلقٍ وهي تأخذُ إبريقَ الشايِ وتسكُب لياسر : من أمس حاله ماهو معجبني، رجع بعد ما طلع الظهر ومزاجه مقلوب! ما رضى يحاكيني بشيء ونام بعد العصر بعد ما شرب حبوب للصداع على غير العادة! والعشـاء رفضه بعد .. مدري شفيه أبوك قلبي قارصني!
توتّرت إلين وهي تستمعُ لكلماتها، شعرَت بالقلقِ عليه، في حين رفعَ ياسِر نظراته إليها ورأى القلقَ مليًا عليها، ليبتسم مطمئنًا لها : لا تحاتينه إلين ، أكيد شيء بالشغل
تضاعفَ توتّر إلين وهي تزدردُ ريقها وتؤمئ برأسها، فهي منذ البارحة وبعد حوارِها معهُ وهي تُحاول أن تتحاشَى النظر إليه، أن تتصادمَ معهُ بكلمةٍ ما، وكَان ياسر يُدرك ذلك جيدًا، لكنّ هذا لم يجعلهُ يميطُ التفكير عن الموضوع مرةً أخرى واختيـار موعدٍ آخرَ ليُحادِثها.


،


رفعَ هاتفهُ المكتبيَّ ليتّصلَ بالسكرتير، ردّ عليه في غضونِ ثانيتين ليلفظ باحترام : سم طال عمرك
سلطان بهدوءٍ حازم : أرسِل لي سعد بسرعة
السكرتير باستفسار : سعد خالِد؟
سلطان : أيه
السكرتير بتوتر : بس هو اليوم ما داوم
سلطان يعقدُ حاجبيه بحدة : كمان اليوم ما داوم؟!
السكرتير : أيه ، طول الأسبوعين اللي فاتوا كان يداوم بشكل متقطّع ، يوم ويومين لا، والحين صار له كذا يوم ما شفناه
لوَى سلطان فمهُ بحنقٍ للإستهتارِ الذي يراهُ في تغيّبات سعد الكثيرةِ على غيرِ العـادة، ما الذي حدثَ بالضبط؟ اعتـادَ عليهِ ملتزمًا بالمواعِيد، لكنّه بالتأكيد لن يتغافَل عن هذا التغيّب الكثيف منه، وسيرى في أمره.
هتفَ سلطان بحزمٍ بعد موجةِ الأفكـار تلك : أول ما يجي بلّغه يجيني بسرعة لمكتبي ... حسابه معي عسِير


،


الصبـاحُ الثاني في هذهِ الغُرفة، يقفُ من جديدٍ أمـام النافذة، في الطابقِ الرابِع هو، يبحثُ بنظراتِه عن طريقةٍ للهرب، فبما أن البابَ مُحكمُ الغلقِ من الخـارج، فالنافذةُ خيارُه الوحيد، كثرةُ الأنابيبِ ستُساعده، ومن حُسن حظّه أن التكييفَ هُنا هو القدِيم، يستطِيعُ القفزَ فوقَ المكيفاتِ لتحتمِل ثقله، لكن كيف؟ وهو يرى أن الحـارسَ لا يتركُ غرفتهُ الصغيرةَ بجانبِ الباب الذي يفتحُ " أوتوماتيكيًا " بناءً على مراقبته البارحـة له، الأمـر ليس سهل، لكن الجنُون أن يبقى هُنا بعد أن علِمَ من هُم.
زفـر بضيقٍ وهو يُطلق أقذعَ الشتائمِ على إبراهيم، على نفسهِ الغبيةِ التي ورّطتهُ معه، على ركضهِ خلفهُ بكل بلاهة.
وفجأةً فُتحَ البابُ لينتفِض، استدارَ بسرعةٍ ليظهرَ أمامه سالِم بابتسامتهِ الباردة/البشعة، بنظراتهِ الساخرةِ والتي لا تبشّر بالخير .. بينما قابَل هو نظراته وابتسامتهُ تلك بأن رفعَ ذقنهُ ونظرَ لهُ باحتقـار.

.

.

.

انــتــهــى

لحد يقُول قصير، حاولت أجيب كل الشخصيات وضغطت على نفسي بقد ما أقدر! فيه شخصيات ما ظهرت ومنهم " ماجد " اللي ودي أحرك حكايته بكل بارت بس ما صار، + عندي بكره امتحان لأكثر مادة ترهقني، ومع كذا كنت أكتب وأذاكر مع بعض، أحاول أنظم وقتي ما بين المذاكرة وفترة راحة من المذاكر للكتابـة، واليوم قلّصت ساعات نومي عشان أصحى بدري وأقدر أنزل لكم البارت بعد ما أكمله وأرجع بعدين أكمل اللي بقى لي من المذاكرة ، فياليت ما تنسوني من دعواتكم :$ ()

ربي يسعدكم ويخليكم، والبـارت الجاي ما ودي أحدد موعد وأتخلف عنه! لذلك بعطيكم الوقت قبلها بيوم أو اثنين، وأعيد للمرة الألف " اصبروا علي بهالفترة " :(


ودمتم بخير / كَيــدْ !


أبها 17-10-15 07:24 PM

جزيل الشكر لكِ أختي كيد .

وفالك النجاح بإذن الله ..

نقدر لكِ التزامك وجهودك ..

ونخجل من مطالبتك بأكثر من ذلك .جزئية رائعة كالعادة

،.أدهم ..هل هناك أمر أهم مما أفضيت به لعبدالله ؟؟
هل الأمر المهم هو رغبتك بالزواج منها ؟؟
ومن ثم خشيت من غضب عبدالله وأن يطردك شرّ طرده .!

بدر .. ردّ فعلك العنيف تجاه غاده أمر متوقع ففكرة
أن تفقد آخر من تبقى لك لن تكون هيّنة ..
فالتساهل في هذه الأمور قد يعني خسارتك لعائلتك.
وغاده تحتاج لقرصة أذن لتهاونها .
.وبما أنك اعتذرت ليوسف فقد عفونا عنك .

يوسف ..كبير في أخلاقك ورقيك .فلو كان رجلا آخر
ناله ما نال من بدر لربما بصق على وجهه وثأر لنفسه .

سعد تعاطفت معه وأرجو أن يتمكن من الهرب
فقد يكون هروبه ومعه كم هائل من المعلومات
فيه نفع لقضية سلطان والإطاحة بعصابة سلمان واحمد !



مرة أخرى شكرا من القلب 🍃🌸🍃

fadi azar 17-10-15 11:03 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
معقولي ان يكون ادهم متزوج من الين وهزا هو ااسر الثاني اللزي لم يبوح به موفقة بالامتحانات

bluemay 22-10-15 06:59 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الله يسعدك هنودتي ويوفقك بدراستك وامتحاناتك ...

بصراحة الباااارت رااااااائع ﻷبعد حد وعن جد دسسسسم واستمتعت فيه كتير ..

وبحب اشكرك ﻷنك لبيتي رغبتي باﻹهتمام بجنان اكتر ... عجبني حكي فواز وربي يعينه على العدل بيناتهن.


غزل امتعضت من تفكيرها وما بقول غير الحمدلله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله.



بدر ما بعرف شو بدي اعلق عليه وعلى ثقل دمه مع يوسف ... هو فيه خير بس مطمووووور بعيييد هههههههههه

وعن جد يوسف قليل امثاله .. قطع قلبي وهو بجترع اﻷلم لوحده .




توم وجيري أوووبس بقصد ديما وسيف .. إلى متى هذا الكر والفر ؟!!
عن جد ديما مؤثرة عليها هرمونات الحمل اكيد

تصرفاتها عن جد مش طبيعية ..



غادة بتستاهل ﻷنها مستهترة وما عندها مسؤولية .. بس بدر زودها لوووول



أدهم ... عن جد قطططططع قلبي . الزلمة متدمر لأبعد حد
الحمدلله انه سهى رحمته ..

بس عن جد هل فيه سر اكبر من هيك ؟!!!
وشو هو ؟!!
في توقع ﻷحد المتابعين اعجبني وهو ممكن يكون متزوج منها مثلا !!!



عبدالله حمله ثقيييل الله يعينه
وألين منتظرك شي عظيم وبتمنى تثبت وما تجزع منه.




أسيل وشاهين دوم الروقان يا رب.


يسلمو ايديك

رائعة كعادتك

كلي شوووق للقادم



لك ودي

○° الله أغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله ، وأوله وآخره ، وعلانتيته وسره .°○

كَيــدْ 23-10-15 09:33 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباحكم/مساءكم فرح وسعادة لا تنضب على أرواحكم الجميلة ()

كنت ولازلت حاطة ببالِي أنزل بارت بهالأسبوع، لكن قدّر الله إن جهازي يتعطّل للمرة الألف مع هالروايـة :((
أدري فيه ناس بتسيء الظن وتقول تتعذر وتكذب لكن لو بتعذّر بقول " امتحانات " فقط يعني ما يحتاج أكرر عذر قديم وأتبلى على جهازي :( لكن يشهد الله إني ما أكذب، وشكلي بتشاءم من الرواية يوم كنت أكتب باللاب كان يتعطّل كثير ولما حوّلت عالجوال تعطّل هو بعد :(
في البداية وطوال هالأسبوع كان عندي مشكلة بالنت لكنها محلولة وبسيطة، والحين جهازي فجأة كذا علق وأشوف التنبيهات لكن الشاشة ما تستجيب للمس! وحاليًا منتظرة الشحن ينتهي عشان يطفى وإن شاء الله المسألة مجرد تعليق أمّا إذا مشكلة ثانية فأظن بتأخر شوي. + أزيد من الشعر بيت قروب الجامعة في جوالي وعندي امتحان يوم الإثنين وكل شيء متعلق بالإمتحان فيه وشايلة همه * تبكي والا تبكي * :( الله يسهل وييسر بس.

بديت اليوم أكتب باللاب بس يدي تعوّدت على الجوال من فترة لكن بحاول وإن شاء الله يطلع مني شيء ، والحمدلله على كل حال :""""


أشوفكم على خير ودعواتكم :(


طُعُوْن 23-10-15 09:59 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اهلين هنو.. مساء الخير..

اوقات يصير لي كذا ويعلق الجوال.. طيب اضغطي على زر التشغيل
مع زر الهوم واجلسي معلقة عليها لين يطفى الجهاز.. بعدها اجلسي دقيقة
وشغليه رح يشتغلك عادي💔-> تبي البارت😈

كَيــدْ 23-10-15 10:52 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طُعُوْن (المشاركة 3569633)
اهلين هنو.. مساء الخير..

اوقات يصير لي كذا ويعلق الجوال.. طيب اضغطي على زر التشغيل
مع زر الهوم واجلسي معلقة عليها لين يطفى الجهاز.. بعدها اجلسي دقيقة
وشغليه رح يشتغلك عادي💔-> تبي البارت😈


يا مساء الورد
أنا أبوسك والا أخمك؟ ضبط ضبط والحمدلله وطلع مجرد تعليق
طلعت جاهلة ومفهية مع الآيفون وأنا " الخبيرة للنهاية في أبل " -> طلعت خرطي :P
تعودت ما أقفل الجوال أو نقول تعودت أقفله من زر القفل بس وأكيد يحتاج تمرير ولمس من الشاشة وتوي أدري بهالطريقة O_o وأنا اللي جلست ساعات أنتظر انتهاء الشحن * تبكي *
شكرًا شكرًا دايم تفزعين لي واليوم أثبتي بجدارة إني وحدة مهايطة يبيلي آخذ لي كورس مع أبل هههههههههههههههههههههههه
فكيتي أزمة يختي آي لوف يو والله (())

ولعيونك بكمل البارت اليوم وبكرة وأنزله بأقرب فرصة :$$

طُعُوْن 23-10-15 11:47 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كَيــدْ (المشاركة 3569654)



يا مساء الورد
أنا أبوسك والا أخمك؟ ضبط ضبط والحمدلله وطلع مجرد تعليق
طلعت جاهلة ومفهية مع الآيفون وأنا " الخبيرة للنهاية في أبل " -> طلعت خرطي :P
تعودت ما أقفل الجوال أو نقول تعودت أقفله من زر القفل بس وأكيد يحتاج تمرير ولمس من الشاشة وتوي أدري بهالطريقة O_o وأنا اللي جلست ساعات أنتظر انتهاء الشحن * تبكي *
شكرًا شكرًا دايم تفزعين لي واليوم أثبتي بجدارة إني وحدة مهايطة يبيلي آخذ لي كورس مع أبل هههههههههههههههههههههههه
فكيتي أزمة يختي آي لوف يو والله (())

ولعيونك بكمل البارت اليوم وبكرة وأنزله بأقرب فرصة :$$


هههههههههههههههههههه حسيت ودك تخميني-> واثقة😎

عاد تذكرت يوم تهايطين و تتحديني باللهجات ومحد خسر غيرك😏

..

يللا هات الهدايا فكيت لكم أزمة وبينزلكم بارت💃🏻

آي لوف يو تو والله❤

bluemay 24-10-15 05:47 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
ههههههه

ربي يسعد صباحكم يا جميلات


الله يوفقك هنودتي وتجيب النتائج اللي يحبها قلبك ..

كَيــدْ 27-10-15 06:14 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مساء السعادة والسرور

كيفكم؟ عساكم طيبين
طبعًا مدري صراحة شقول لكم أحسني خجلانة منكم :( عطيت كلمة لبنات سألوني بالآسك وقلتلهم الاثنين! بس كان عندي يومتها امتحان سهرت عشانه وأول ما رجعت البيت نمت بعبايتي وملابس الجامعة من غير لا أحس ، فعُذرًا منكم :(
والحين البارت جالسة أكمله، ساعة وبنزّل لكم جزئية منه كتصبيرة على ما يكتمل كلّه وبعدها بنزله لكم كامل، بإذن الله لو اضطريت أسهر عليه بسهر
+ أجّلت محاضرة اليوم ورجعت البيت بدري عشان أتفرغ له، يعني مافيه اثبات أكبر عشان تتأكدون إن الرواية " واجب دنيوي " بعيوني! جديًا ماهي مجرد رواية كتبتها وممكن أسحب عليها بيوم. راح تكتمل بإذن الله.

+ البنات الجميلات اللي يغرقوني بتعليقاتهم الحلوة، أشكر تواجدكم والود ودي أرد على كل وحدة فيكم :$**

- لالاه سان لو تشوفين البسمة اللي شقت وجهي وأنا اقرا كلامك، متخيلتني من مواليد الثمانينات!! عاد أنا أكثر وحدة أنتظر أوصل لعمر الـ 20 فما فوق أحب الكُبر بس مدري حسيتني كبيرة بزيادة يوم قلتِيها ههههههههههههههههه
أنا على عكسك أشوف البنت اللي بعمري ضروري تكون ناضجة خلاص صرت كبيرة ترى :P

- نورة وروح السلطنة يسعدلي هالتواجد والله !! فخورة بكلامكم الرقيق عساني أكون عند حسن الظن بس () جعلني فدا هالوجيه الطيبة
+ اعتذر منك روح السلطنة سؤالك مر علي أكثر من مرة وعندي تحفّظ عن الإجابـة، معليش يا ستّي ونشكر لك جمال تواجدك ، لي عودة مفصّلة لتعليقك بس يسعفني الوقت شوي :(


انتظروا التصبيرة بعد ساعة أو أقل وإن شاء الله ما يتأخر البارت بكبره عليكم :$$$



كَيــدْ 27-10-15 07:17 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




تصبيرة من الجُــزء (57)





الطـاولة تفصلُ بينهما، يحمِل في صدره مشاعر تناقضت في هذهِ اللحظة، ما بين حُزنٍ وفرَح، ما بين ترددٍ واندفاع، ما بين خوفٍ وأمـل. يشعُر بأنّ نارًا تجرِي في أوردتِه، وعيناهُ الناظرتيْنِ إلى فيصل تضيقانِ بحوارٍ يُضيعُ الثباتَ في تكوينهِ ويُحيلهُ هشًّا هُلاميًا يهتزُّ صوتهُ ويتثاقل. رفعَ كُوب الماءِ الباردِ أمامه ليرتشفهُ دفعةً واحدةً لتوترِه، وبرودةُ الماءِ انتشرَت في صدرهِ بسرعةٍ حسيّة، دونَ أن تُطفئ الحرارةَ المتعمّقةَ في أعماقِة . . نطقَ بصوتٍ واهنٍ هشٍ وهو يُرطّب شفتيه بلسانِه : أي نقطة بالضبط تقصد بسؤالك؟
فيصل بهدوءٍ وهو ينظُر إليهِ مباشرة : كل اللي يقدر لسانَك ينطقه، كل شيء صار معك من وقت ما تركت بلدك!
ماجد بنبرةٍ مرتعشَة : ما أبي أحكِي
فيصل يرفعُ حاجبيه دونَ أن يفقد نظراتهُ الهادئة، يُشبك أنامله ببعضها أسفل ذقنه : وشلون تبي أحد يساعدك؟
ماجد : أنا أساسًا أشك إن فيه أحد يقدر يساعدني! خلاص حياتِي تعلّقت بهالمصير، متخبّي طول عمري لين أمُوت
فيصل : شلون عايش حياتك هنا؟ مسكنَك وقوت يومك؟!
ماجد يبتسم بُحزنٍ وأسى : أعمال عشوائية، كل فترة شيء جديد .. منها أغيّر جوي وأمشّي حياتِي شوي، والوقت اللي ما أحصل فيه شغل أجلس طول يومي أتمشى بشوارِع بارِيس .. ااااخ يا كِثر ما كرِهتها!
فيصل : تثق بربّك؟
ماجد يعقدُ حاجبيه بضعف : أثق فيه ، وبأنه قدّر مقاديرِي قبل لا أولد .. بيصيبني كل شيء هو كتبه لي!
فيصل : خذ بالأسباب! ادعي ربّك الدعاء يرد القضـاء .. وبعدين وش اللي مخليك متأكد إن ربي كتب لك تحيا طول عمرك بهالشكل؟ متخبي على قولتك؟
صمت ماجِد وأُطرِقت الكلماتُ في حنجرتِه التي تضيقُ بغصّاتِ سنين، بينما أردفَ فيصل بهدوء : ودامك يائس لهالدرجة، ليه وافقت إني أساعدك؟
ماجد يشتت عينيه قبل أن يبتسم بسخريةٍ مرّة، تُنثَر مرارتها في حلقهِ لتأتِي الكلماتُ وتجرّه، من أنينٍ، لآهةٍ، لتأفأفٍ بَكّاءٍ متذمرٍ من حالٍ مُرْ! لفظَ بنبرةِ وجَع : دغدغني الأمل، وضحّكْنِي على نفسي شوي! ماهي الحيـاة لعبة؟ بجرّب ألعب وش عندي؟ يمكن أخسر، بس وش عندي؟ أنا بنظر أهلي ميت! منسِي، فلو مت جد محد بيحزن عليْ مرتين، الحُزن على الميت مرّة، والحُزن على المفقُود مرّة، مافيه فرق والله! بكل الحالتين مفقود.
عقدَ فيصل حاجبيه لتسكُن مرارةُ كلماتِ ماجد بين حاجبيْه في تعجيدةِ جَزع، رطّب شفتيه بلسانِه قبل أن يُخفض كفيه بعد أن فضَّ تشابكهما، وبنبرةٍ جامِدة : شلون وصِلت لهالحال؟ أبي أسمع كل شيء من فمّك أنت
تحشرَجت الكلماتُ للحظةٍ في صدره، كيف يُخبره؟ ويجدد كل الأوجاعِ مرّةً أخرى؟ كيفَ يُخبره؟ وعيناه تحكِي عنه مواجعَ وظلامًا يحتكرُه! كيف يُخبره؟ وهو الذي استطَاعَ صبرًا حتى الآن بينما البُكاءُ يشقُّ صدره في كل ليلةٍ دونَ دموع، يتأمّل السماء السوداءَ دونَ دموع .. النجُوم شاهدة! اسألها عني، فهي تفقهني أكثر مني، اسألها عن حُزني، فهي رأتهُ في صورةٍ وصُور، اسألها عن مأسآتِي، فأنا أُخبرها بها كلّ ليلةٍ لأدثّرها في الضُحى والنهار، وتعودَ للعلوّ ليلًا من جديد .. لا تسألِ العيونَ عن حُزنها، ولا الصوتَ عن حشرجَتِه، لا تسأل الابتسامةَ عن ربكتها، ولا الجسدَ عن انتفاضتِه ؛ كلّها تعابير! لا تُجيد التفسير عن السبب! اسأل الشاهدِين، العابرِين، السنينَ والماكثينَ في صدرِي عن حُزني إليهم، عن حُزني منهم، عن التماعِ الحنينِ فيَّ كلّ حين، لا تسألنِي! فأنا فقدتُ الحديثَ في كومةِ الأنين.
أشاحَ عينيه عنهُ لينظُر للشارِع المكتظِّ بالعابرِينَ عبرَ نافذةِ المقهى الزُجاجيـة، أمالَ شفتيهِ بابتسامةٍ حزينَة، والتوَى لسانهُ في فمهِ مُعبرًا عن حُزنهِ في أسطر : وش تبي تعرف؟ شلون تورطت؟ شلون بالغلط كنت متواجد مرّة في وحدة من حوارِي الرياض الفقيرة! ، بغيت أتصدّق يومتها والله! رحت أشُوف حال اللي أقل مني وأشكر ربي! أتصدّق عليهم يمكن دعوة من فم واحد منهم توصل للسما وتدخّلني الجنة، تدخّل أحبابِي الجنة! ما بغيت أكثر والله! ما كنت طمّاع .. ومن غير لا أحسب حساب، سمعْت وشفت اللي المفترض ما أشوفه، وغصب عني ندمت إني يومتها رحت هناك! إني يومتها تصدّقت! إني يومتها طحت بحفرة للحين تحاصرنِي
وجّه نظراته إلى فيصل الذي كان يستمعُ إليه صامتًا بملامحَ جامدة، واتّسعت بسمةُ الأسى على شفتيه وهو يسرُد لهُ مأسآته : كانوا مجموعتين من الناس اللي يثيرون الرّيبة، بآخر الليل والمكان فاضي ومظلم! اللي فهمته إنها متاجرة بالأسلحة أو شيء من هالقبيل! ووقتها صارت مشكلة بين واحد من المجموعَة المُشتَرية وواحد من المجموعة اللي كانت تبِيع
عَادَت ذاكرتهُ لتلك الليلة، لتلكَ الحُفرة، لتلك اللحظاتِ التي ختمَت على عقدِ تعاستِه.

*

: أنا مالي نقاش معك أنت، نقاشِي مع رئيسك
الآخر بعنف : وكلامه بيكُون نفس كلامي! البضاعة ناقصة ووزنها يحكِي، ومحنا مسلمينك الفلُوس لين ما تجيبها لنا مثل ما كان الاتفاق
لوى الرجُل الأول فمهُ بتقززٍ ليهتفَ بشر : الشرهَة ماهي عليك على اللي خلّاك تنُوب عنه ، احنا معرُوف عنّا ما نسلم بضاعة ناقصة، الكمية مثل ما اتفقنا وتقدر تراجعها.
الآخر : لا مراجعة ولا هم يحزنون الفلُوس محنا مسلمينها لين ما تكمّل المطلُوب.
احتدّت ملامحُ الرجل الأوّل لتتحرّك يدهُ بخفةٍ نحوَ حزامهِ ويسحبَ مسدسه، وقبل أن ينتبه الآخر كان قد وجّهه إليهِ بسرعةٍ ليدفُن الفوّهةَ في كتفهِ وتتسرّب شهقةُ الآخر بذعر. وبحدةٍ وشر : آخر كلمة عندك؟ تبي تلعب علينا أجل؟!!
الآخر تزيغُ عيناهُ وينتفضُ جسدهُ قليلًا وقدماهُ تُضعِفهما الرّعشة، بذعر : استهدي بالله يا سالم.
سالم يبتسم بشر : مو أنا اللي ينلعِب علي! جيب الفلُوس بسرعة والا منت شايف طيّب .. وأنا قول وفعل مثل ما سمِعت
تراجعَ من معَ الرّجلِ بذعرٍ بعد أن أشهر سالِم بسلاحه، بينما تحرّكت شفتا الآخر بكلماتٍ مرتعشَةٍ ليأمر أحد رجالِه بتسليمه النقود، حينها تقدّم أحد من في الخلفِ بترددٍ وخوفٍ ليتقدّم أحد رجالِ سالم من الجهةِ المُقابلة بعد أن أشارَ لهُ برأسه، بقيَ لوقتٍ يعدُّ النقودَ في الحقيبَة بينما تحدّث سالم بترفّعٍ ونبرةٍ ضيّقة : كان اتّفاقنا تحوّلون في البداية ربع المبلغ لنا، بس تجاهلتم بغباء وظنّيتوا إننا بنمشي الوضع بالتسليم اليدوي بس ما دريتوا إنّنا ما نجاري أبد!
ارتفعَ صوتُ الرجلِ من الخلفِ بكلمتين فقط : الفلوس كاملة
حينها ابتسمَ سالِم وهو يجذبُ المسدّس للخلفِ قليلًا بعد أن كان مدفونًا في كتفه، ليدوِي صوتُ إطلاقِ الرصاصِ فجأةً ومن ثمّ صرخةٌ متألّمةٌ بعد اختراقِ الرصاصةِ كتفَه، ليتراجعَ سالم وهو يضحكُ ضحكةً متسليةً مُردفًا : هذا عقابك ، واحمد ربّك ما قتلتك * رفعَ نظراته لأتباعِه ليُردف بشر * خذوا كلبكم
انتفضَ الرجَالُ من خلفِ المُصابِ بخوف، بينما بقيَ هو يشدُّ على كتفهِ ويتأوّه بألمٍ والدماءُ تُغرقُ كفّه، في حينِ كانت عينا ماجد تتّسعانِ بذهولٍ وهو ينظُر لما يحدثُ أمامـه، للجنونِ الذي يراهُ لأوّل مرةٍ في حياتِه، كان يندسُّ في إحدى الأزقّةِ المظلمة وأسنانه تعضُّ على شفتِه وهو يراقبُ ما يحدث، يستمعُ لما يُقال، ولمحَ المدعوّ سالِم الذي لم يرى وجههُ جيدًا في الظلام وهو يُعيد أمرهُ على رجالِ الآخر الذين كانوا تسعًا أو عشرًا، حينها تقدّم اثنانِ منهم ليُمسك كلّ واحدٍ بإحدى ذراعيّ رئيسهم ويرفعوهُ ويتوجّهوا بعد ذلكَ لإحدى السيارتينِ ويساعدونهُ للركُوب، وانتشرَ نصفَهم في سيارةٍ والآخرُ في الأخرى، ومن ثمّ تحرّكت الإطاراتِ بصوتٍ مزعجٍ ليختفِي ظهُورهم في الساحةِ بعد الذي حدَث.
ابتسمَ سالِم بسخريةٍ وهو يأمرُ رجالهُ بالتراجع، بقيَت سيارتي " بي ام دبليو " سوداوتين تخصّهم، ركبَ معضمهم في واحدةٍ وبقيَ اثنانِ وسالِم معهم، تحرّكت السيّارةُ الأولى قبل أن يتحرّك الباقيان ويركبا في الأمامِ وأحدهما يقُود، بينما كان سالِم يحملُ حقيبَة النقودِ واقفًا في مكانِه دونَ أن يتحرّك، ينظُر للأرضِ المُظلِمةِ بابتسامةٍ باردةٍ وبعضُ الشرُودِ أصابه، وعينا ماجِد الساكنتينِ في الظلامِ تُراقبانِ بقيّة ماقد يحدُث وأذناه تنتظرانِ أيّ حديث، وبديهيًا لم يكُن ليستطيعَ التراجُع في تلكَ اللحظةِ دونَ مغادرةِ من بقي وإلا فبالتأكيد سيتنبّه له هذا المجنون وسيقتلهُ لا محالة!
حرّك سالِم عنقهُ يمينًا ويسارًا ليُذهبَ تصلّبها ومن ثمّ تحرّك ينوي المغادرَة، لكنَّ صوتَ هاتفِ ماجد صدَح فجأةً بقوّةٍ لتسرِي نفضةُ ذعرٍ في جسدهِ وتتّسع عيناهُ مرافقةً اتّساعَ عينا سالِم في تلكَ اللحظة!


،


التحمَت العيُون ببعضها، الشراراتُ تتلاقَى لتُشعل فتيلًا من الحقدِ والإزدراءِ القاسِي .. لوَى سالِم فمهُ ببرُودٍ وهو يقتربُ منه، يبتسم بسخريةٍ مريرة ناظرًا للنافذةِ من خلفه، ليردَّ لهُ سعد الابتسامةَ بأخرى باردة، تغتصبُ الابتسامةَ نفسها وتظهر بعيدًا كل البُعد عن مسمّاها.
سالم ببرود : تتأمّل مهرَب؟
سعد بعنف : قلتلك ماني جالس لكم لو على موتِي
سالم وابتسامتهُ تتّسع بشكلٍ مُستفز : اووووه! لهالدرجة شريف!
سعد : أسوي بلاوي الدنيا كلّها بس ما أحشر نفسي في شيء ماراح ينتهي! ... ليه أنا بالذات؟!!
سالم يقتربُ منه بخطواتٍ متكاسِلة وهو يُميل فمهُ ببلادة، هاتفًا بنبرةٍ جليدية : لأنّنا نبيك
سعد بقهر : ما أعرف سلطان صدّقني! كل معرفتي فيه مجرّد عمل
سالم : تأدي المطلوب
سعد : لا مو عن كِذا! أنت تبي شخص تقدر تتخلّص منه بعدين بسهولة بعد ما ينصاع بسهولة! فيه الأقرب مني لسلطان .. بس ما عرفتني زين ومستحيل أنصاع لكم
سالم بابتسامة : والله!
سعد بقهرٍ أكبرَ وهو يضرب الجدار من خلفهِ بقبضتِه : وليه سلطان بالضبط؟ ما أظن إنه بنَى عداوة مع أحد لهالدرجة اللي تخليه يدخل مع ناس مثلكم في مشاكل!
سالم بهدوء : على قولتك ، ما سوّى لنا شيء، بس احنا لنا شيء عنده! تقدر تقول هو ما يدرِي عن هوى دارنا أصلًا! بس ذنبه إنّه ولد فهد وهذا كافِي حتى عشان ننهي حياته
عقَد سعد حاجبيه باستنكارٍ ودُونَ فهم : ولد فهد!!
سالم : مو كأنِّي معطيك وجه بزيادة؟
ارتفعَت زاوية فمِ سعد في ابتسامةٍ ساخرة : ولي الفخر طبعًا
سالم يبتسم بازدراءٍ له، وبمكر : أبوك يشتغل شغل على قد حاله في مدرسة، فرّاش بالمعنى الأصح، امك مُقعده، عندك أخت عمرها 16 سنة تدرس بالثانوية، واثنين أخوان واحد عمره 9 سنين والثاني عمره 8 سنين في الإبتدائية
اتّسعت عينا سعد بذهولٍ واستنفارٍ مما ينطُقُ بهِ وعقلهُ يُحاول تداركَ المعنى المغلّف خلف حديثه، في حين أكمل سالم ببرود : إذا جينا للصورة العامة فأنت المُعيل الأول لأهلك، شغلك يعتبَر زين مع إني أستنكر للمرة الألف إنّك عرّضته للخطر بمصاحبتك لإبراهيم! * ابتسم بسخرية * وهذا اللي يأكد لي سذاجتك يا إمّعة
سعد يتجاهل محاولـة استفزازهِ الأخيرة وهو يزدردُ ريقهُ ويتقدّم خطوةً واحدة للأمـام، وبحذر : أنت وش تبي بالضبط من سرد كل هالمعلومات عني وعن أهلي؟
سالم ببرود : أبيك تدرك أنت مع مين تتعامل
سعد بتردد : يعني؟
سالم : نقدر بالمعنى الكامل للبساطة ندمّر هاللي أنت تحيا عشانهم ، بشربة مويا!
ارتعشَت شفتاه وحلقهُ يجفُّ من كلّ كلمَةٍ ونبرَة، عيناه انحسَر عنها موجُ التّمردِ وانصاعَ لخفوتٍ وتجمّد، في حين اتّسعَت ابتسامةُ سالم وهو يميلُ مستندًا بكفهِ على طاولـةٍ بجانبِه : نقدر نتفاهم الحين


،


عانقَت عقاربُ الساعة مع العاشِرةِ والربع، تجلسُ فوقَ سريرِها وحاسوبها أمامها، عيناها تخفتانِ بنورهما قليلًا وزفرةٌ باردةٌ ببرودةِ غرفتها تُغادرُ رئتيها الواهنتين. أطبقَت شاشة الحاسوب وهي تتنهدُ بضيق، لا بأس! هي قد سمِعَت العديدَ من القصص، وليس مهمًا إن كانت قصصًا أخرى قد تؤثر بها أم لا .. لا تدرِي ما شعورها بالضّبط أمامَ ما تسمع! لا تنكر أنّ جسدها اقشعرّ للحظات، ليسَت المرّة الأولى التي تسمعُ فيها قصصًا كهذهِ ولا تتأثّر بعظمتها، لكنّ قلبها بالرغم من تأثّره لطالما غلّفه الشيطانُ بعدَ حين! لا! ليس شيطانًا، هي فقط لا تدرِي! ليست كلُّ العوالِم تناسبها، ليسَت كلّ حالةٍ تناسبها، لرُبما يُناسبها الضياعُ فقط! أن تكون مجهولةً للأبـد، ألّا تعرفَ نفسها، هل هذا يُرضيها فعلًا؟! أم أن الشيطان غلّفها فعلًا في صورةٍ ما!
عضّت شفتها وهي تُزيح الحاسُوبَ جانبًا بعد أن أغلقَت ما كانت تسمعُ من قصص، كانت القصّة الأولى بالمعنى الصحِيح، ولم تُكمل نصفها حتّى، تحدّثت القصّة عن " إبراهيم عليه السلام "، وكيف وجّههُ عقلهُ لمعرفةِ ربّه، كيفَ ابتهلَ للشمسِ حتى أفلت، ومن ثمّ القمرَ ليجدَ الطريقَ الصحيحَ أخيرًا، لمْ تُكمل! اقشعرّ جسدها وأي إنسانٍ لم يغزُو الإلحاد قلبهُ بعد كان ليتأثر ولو بصورةٍ بسيطة.
تنفّست بحدةٍ واهنَة وهي تمدُّ ساقيها بعد أن كانت تعكفهما وتجلسُ عليهما، دلّكتهما قليلًا لتُذهِبَ تيبّسهما ومن ثمّ تمددت على ظهرها لتنظُر للسقفِ بشرود، تتابِعُ نقوشاتِهِ بكَدر، بسخطٍ من نفسها ومن " ما الذي تريده؟ "، من هذا السؤال الذي يجُول لياليها لتُدرك أنها مجهولة الهويّة، وأن الهوية ذاتها تغيبُ عن ملكوتِها وفضائها والمجرّة التي تحياها فلا أمل لإشراقها يومًا في سمائها، لا أمل في أن تمرَّ يومًا كشهابٍ عابِر، أو تسقطَ عليها كمطرٍ موسمي، أو على الأقلِّ مطرٌ نسيَت غيمتهُ وجهتها ووقفَت خطأً فوقها.
أغمضَت عينيها وشهيقها يتعمّق لتكتمَ نفسها لثوانٍ قليلة قبل أن تزفُر بهدوءٍ وعُمق، تُحاول إسكانَ انفعالاتِ دمِها وعقلها، شهيق، زفير، وللإنفعالاتِ بقيّة!
شدّت على عينيها مُسدلةً ستارَ أحداقها فوقها، تُغلِّفُ ينبوعها السخيَّ والبخيلَ في آنٍ بأهدابِها الكثيفة، علَّ الدفءَ يغزو عينيها يومًا بعد أن تدثّرهما باعتناءٍ وتُصبح دموعها فرحًا لا تعاسـةً واحتياجًا.
بحثَت عن النومِ بين جحورِ أفكارها وغياهِبِ صدرها، تحاولُ الهربَ من كل كدرٍ لا يزول، لكنّ صوت هاتفها منعها من الهرب في هذهِ اللحظة لتفتحَ عينيها وتعقدَ حاجبيها بضيقٍ من أن يكُون والدها، ليس وقتهُ الآن! مزاجها فعليًا لا يحتمل! تعبَت من تكرارِ قول " سلطان قال بننقل بيته بعد أيام! ".
زفَرت وهي تجلُس ومن ثمّ مدت يدها نحو هاتفها لتأخذه من الكومدينة، نظرت للشاشةِ لتتّسع عيناها للحظةٍ قبل أن تبتسم ابتسامةً باهتة وهي ترى اسم سلطان يسطَعُ في الشاشة.


،


أسندَ ظهره للخلفِ على ظهرِ كرسيّه المكتبي، ابتسمَ بهدوءٍ وصوتها الخافتِ يصلهُ متوترًا : ألو
سلطان بابتسامة : ياهلا ، كيفك؟
غزل تبلل شفتيها قبل أن تهمس بوجوم : توني قبل كم ساعة كنت قدامك.
سلطان : هههههههههههههههه من باب ما جاء في الذوق بس شكله ذوق غير متبادَل.
عقدَت حاجبيها وهي تلملمُ فمها وتمطّهُ للأمـامِ بامتعاض، وبحدة : حاشاني من قلّة الذوق!
سلطان يبتسم ويلفظ برقّة : أي والله حاشى الذوّيقين من كل صفة حلوة ناقصة.
تنحنحَت بحرجٍ وهي تضعُ كفّها اليُسرى على حنجرتها، وببحّةٍ ووجهها يمتلئ بخجلٍ ضاعفَ من جمال ملامحها : وش تبي متّصل؟
ابتسمَ بلؤمٍ حين وصَلت لهذهِ النّقطة، وبنبرةٍ بريئة : وش تسوين؟
غزل تعقدُ حاجبيها باستنكارٍ وتخفضُ كفها : جالسة
سلطان : بتنامين؟
غزل تلوِي فمها : كان ودي أنام بس انت دقيت وأساسًا ما هقيت إني كنت بقدِر أجيب النوم لعيُوني.
سلطان : أجل دامك جالسة الظهر ودي أرجع وألاقي الغداء جاهز.
رفعَت حاجبيها متفاجئةً من طلبهِ للحظة، ونبرتهُ المتكاسلة كانت تحمِلُ مكرًا إلا أنهُ في قرارةِ نفسهِ يُريد منها أن تنهضَ وتشغَر فراغها بما يملأه، ألا تسمحَ لعقلها بالتفكيرِ العميقِ الذي قد يؤدِي بصدرها للضِيق، ولا أمهرَ من الفراغِ في جلبِ الضيق.
بينما كانت غزل قد فغرَت فمها قليلًا ووسّعت عيناها وصوتُها يلفُظ مستنكرًا : تبيني أطبخ!!!
سلطان ببساطة : أيه.
غزل باستنكارٍ أكبر : باللهِ!!!
كتمَ ضحكتهُ ليُبلل شفتيه بلسانهِ ويهتفَ بجديّة : كل شيء عندك متوفّر! بدل جلستك كذا فاضية دوري عن طريقة طبخ الرز ، أقلها مسلوق * نطقها بسخريةٍ طفيفة ليُردف بهدوء * واشغلي فراغك ذا !
غزل بنفور : ما أعرف أطبخ وأنت أدرى.
سلطان : الله يرضى على النت.
غزل من بين أسنانها لفظَت بحنق : ما ودي! مو آخر عمري عاد أطبخ .. أساسًا أنت لازم تجيب لي خدامة.
رفعَ حاجبيه بتعجب : لا بالله! مو عندي الدلع خدامة أفكّر لا صرتِ في بيتك بس في الحين لا!
ارتعشَت أطرافها لوهلةٍ حين نطقَ " بيتك "! لكنها تجاهلَت رعشتَها لتلفظ بوجوم : بانحرق، وبتنقطع يدي! وبتصير ريحتي بصل وخياس!!
سلطان بسخرية : يا ربــــي لا كذا كثيييير عليكي
غزل اغتاظَت لسخريتهِ وطريقةِ حديثهِ ونبرتِه المُمتلئةِ استفزازًا حدّ أنها لفظَت بقهرٍ وحدة : كل تبن ، أساسًا أنا ليه أسمع حكِيك؟! منت قادر تجبرني.
سلطان يتجاهل أول كلمتين، لينطقَ بحزم : أرجع والغداء جاهز، ماني متأخر .. الساعة 12 ونص وأنا عندك
شهقَت غزل وهي ترفعُ معصمها لمرمى عينيها لتقرأ الساعة، وبرفض : تبيني أطبخ بساعتين؟!!!
سلطان : ساعتين كثيرة عليك أصلًا
غزل تنفخُ فمها بقهر : ماني قايمة لو يتقطّع بطنك من الجوع
سلطان : أجل رجعي لي المكرونة اللي أكلتيها.
لوَت فمها بحنق، وبحقد : مصدّق نفسك على مكرونتك من زينها عشان تذلني عليها.
سلطان باستفزاز : حبيتيها ومدحتيها يومتها
غزل تُشتت عينيها في زوايا الغرفة قبل أن تُجيبَ بتذمّر : يعني ، كانت مقبولة نوعًا ما.
ابتسم وهو يُحارِبُ ضحكةً من الإنفلات، وانخفضَت جدّية نبرتِه وهو يلفظ ببعضِ الرقّة : الساعة 12 ونص ويكون الغداء جاهز تمام؟ أي شيء حتى لو كنت أدري بيطلع شين، المهم اشغلي نفسك وتعلّمي.
غزل بحقد : بيطلع شين هاه!! طيب طيب ماعليه بسوي لك وتفتخر أصلًا وغزل بجلالة عظمتها تطبخ لك أنت أول طبخة بحياتها.
سلطان ولم يُحارب ضحكتهُ هذهِ المرّة، ارتفعَت لتهزَّ هدوءَ صوتِه : هههههههههههههههههههههه الله يستر ، بس خلينا نشوف المواهب يمكن تطلعين من الناس اللي مهما سوّت يدينها تخلي الأكل حلو!
غزل بغرور : صدقني أنا منهم.
سلطان بضحكة : طيب ... يلا أتركك بكمل شغلي
غزل بعجل : لحظة لحظة
سلطان : هاه!
غزل : على ذكر المواهب ، ترى أعرف أرقص مصري وهندي وهيب هوب ومجموعة رقصات.
قالت جملتها تلك ليصلها صوتُ سلطان الذي غرقَ في ضحكةٍ طويلةٍ أربكَت جسدها لترتعش، قبلَ أن يلفظ بنبرةٍ ضاحكةٍ متسلية : طيب يا مجموعة رقصات
ابتسمَت باهتزازٍ لضحكتهِ التي انتهَت بجملتهِ تلك ومن ثمّ بإغلاقهِ للهاتف، عضّت شفتها دونَ أن تُنزل هاتفها عن أذنها وضحكتهِ تتكرّر بصدى في داخلِ جسدها ليضطربَ قلبها على أنغامِه، رفعَت يدها اليُسرى دونَ شعورٍ لتضعها فوقَ قلبها وهي تلفظ ببحّةٍ متوترة : والحين! أنا بجنوني وافقت أطبخ!!!



يتبــع ..
بإذن الله ماني متأخرة ()



fadi azar 28-10-15 02:29 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
رائعة جدا منتظرينك

كَيــدْ 28-10-15 04:27 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافية

بسم الله ،
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات


(57)





الطـاولة تفصلُ بينهما، يحمِل في صدره مشاعر تناقضت في هذهِ اللحظة، ما بين حُزنٍ وفرَح، ما بين ترددٍ واندفاع، ما بين خوفٍ وأمـل. يشعُر بأنّ نارًا تجرِي في أوردتِه، وعيناهُ الناظرتيْنِ إلى فيصل تضيقانِ بحوارٍ يُضيعُ الثباتَ في تكوينهِ ويُحيلهُ هشًّا هُلاميًا يهتزُّ صوتهُ ويتثاقل. رفعَ كُوب الماءِ الباردِ أمامه ليرتشفهُ دفعةً واحدةً لتوترِه، وبرودةُ الماءِ انتشرَت في صدرهِ بسرعةٍ حسيّة، دونَ أن تُطفئ الحرارةَ المتعمّقةَ في أعماقِة . . نطقَ بصوتٍ واهنٍ هشٍ وهو يُرطّب شفتيه بلسانِه : أي نقطة بالضبط تقصد بسؤالك؟
فيصل بهدوءٍ وهو ينظُر إليهِ مباشرة : كل اللي يقدر لسانَك ينطقه، كل شيء صار معك من وقت ما تركت بلدك!
ماجد بنبرةٍ مرتعشَة : ما أبي أحكِي
فيصل يرفعُ حاجبيه دونَ أن يفقد نظراتهُ الهادئة، يُشبك أنامله ببعضها أسفل ذقنه : وشلون تبي أحد يساعدك؟
ماجد : أنا أساسًا أشك إن فيه أحد يقدر يساعدني! خلاص حياتِي تعلّقت بهالمصير، متخبّي طول عمري لين أمُوت
فيصل : شلون عايش حياتك هنا؟ مسكنَك وقوت يومك؟!
ماجد يبتسم بُحزنٍ وأسى : أعمال عشوائية، كل فترة شيء جديد .. منها أغيّر جوي وأمشّي حياتِي شوي، والوقت اللي ما أحصل فيه شغل أجلس طول يومي أتمشى بشوارِع بارِيس .. ااااخ يا كِثر ما كرِهتها!
فيصل : تثق بربّك؟
ماجد يعقدُ حاجبيه بضعف : أثق فيه ، وبأنه قدّر مقاديرِي قبل لا أولد .. بيصيبني كل شيء هو كتبه لي!
فيصل : خذ بالأسباب! ادعي ربّك الدعاء يرد القضـاء .. وبعدين وش اللي مخليك متأكد إن ربي كتب لك تحيا طول عمرك بهالشكل؟ متخبي على قولتك؟
صمت ماجِد وأُطرِقت الكلماتُ في حنجرتِه التي تضيقُ بغصّاتِ سنين، بينما أردفَ فيصل بهدوء : ودامك يائس لهالدرجة، ليه وافقت إني أساعدك؟
ماجد يشتت عينيه قبل أن يبتسم بسخريةٍ مرّة، تُنثَر مرارتها في حلقهِ لتأتِي الكلماتُ وتجرّه، من أنينٍ، لآهةٍ، لتأفأفٍ بَكّاءٍ متذمرٍ من حالٍ مُرْ! لفظَ بنبرةِ وجَع : دغدغني الأمل، وضحّكْنِي على نفسي شوي! ماهي الحيـاة لعبة؟ بجرّب ألعب وش عندي؟ يمكن أخسر، بس وش عندي؟ أنا بنظر أهلي ميت! منسِي، فلو مت جد محد بيحزن عليْ مرتين، الحُزن على الميت مرّة، والحُزن على المفقُود مرّة، مافيه فرق والله! بكل الحالتين مفقود.
عقدَ فيصل حاجبيه لتسكُن مرارةُ كلماتِ ماجد بين حاجبيْه في تعجيدةِ جَزع، رطّب شفتيه بلسانِه قبل أن يُخفض كفيه بعد أن فضَّ تشابكهما، وبنبرةٍ جامِدة : شلون وصِلت لهالحال؟ أبي أسمع كل شيء من فمّك أنت
تحشرَجت الكلماتُ للحظةٍ في صدره، كيف يُخبره؟ ويجدد كل الأوجاعِ مرّةً أخرى؟ كيفَ يُخبره؟ وعيناه تحكِي عنه مواجعَ وظلامًا يحتكرُه! كيف يُخبره؟ وهو الذي استطَاعَ صبرًا حتى الآن بينما البُكاءُ يشقُّ صدره في كل ليلةٍ دونَ دموع، يتأمّل السماء السوداءَ دونَ دموع .. النجُوم شاهدة! اسألها عني، فهي تفقهني أكثر مني، اسألها عن حُزني، فهي رأتهُ في صورةٍ وصُور، اسألها عن مأسآتِي، فأنا أُخبرها بها كلّ ليلةٍ لأدثّرها في الضُحى والنهار، وتعودَ للعلوّ ليلًا من جديد .. لا تسألِ العيونَ عن حُزنها، ولا الصوتَ عن حشرجَتِه، لا تسأل الابتسامةَ عن ربكتها، ولا الجسدَ عن انتفاضتِه ؛ كلّها تعابير! لا تُجيد التفسير عن السبب! اسأل الشاهدِين، العابرِين، السنينَ والماكثينَ في صدرِي عن حُزني إليهم، عن حُزني منهم، عن التماعِ الحنينِ فيَّ كلّ حين، لا تسألنِي! فأنا فقدتُ الحديثَ في كومةِ الأنين.
أشاحَ عينيه عنهُ لينظُر للشارِع المكتظِّ بالعابرِينَ عبرَ نافذةِ المقهى الزُجاجيـة، أمالَ شفتيهِ بابتسامةٍ حزينَة، والتوَى لسانهُ في فمهِ مُعبرًا عن حُزنهِ في أسطر : وش تبي تعرف؟ شلون تورطت؟ شلون بالغلط كنت متواجد مرّة في وحدة من حوارِي الرياض الفقيرة! ، بغيت أتصدّق يومتها والله! رحت أشُوف حال اللي أقل مني وأشكر ربي! أتصدّق عليهم يمكن دعوة من فم واحد منهم توصل للسما وتدخّلني الجنة، تدخّل أحبابِي الجنة! ما بغيت أكثر والله! ما كنت طمّاع .. ومن غير لا أحسب حساب، سمعْت وشفت اللي المفترض ما أشوفه، وغصب عني ندمت إني يومتها رحت هناك! إني يومتها تصدّقت! إني يومتها طحت بحفرة للحين تحاصرنِي
وجّه نظراته إلى فيصل الذي كان يستمعُ إليه صامتًا بملامحَ جامدة، واتّسعت بسمةُ الأسى على شفتيه وهو يسرُد لهُ مأسآته : كانوا مجموعتين من الناس اللي يثيرون الرّيبة، بآخر الليل والمكان فاضي ومظلم! اللي فهمته إنها متاجرة بالأسلحة أو شيء من هالقبيل! ووقتها صارت مشكلة بين واحد من المجموعَة المُشتَرية وواحد من المجموعة اللي كانت تبِيع
عَادَت ذاكرتهُ لتلك الليلة، لتلكَ الحُفرة، لتلك اللحظاتِ التي ختمَت على عقدِ تعاستِه.

*

: أنا مالي نقاش معك أنت، نقاشِي مع رئيسك
الآخر بعنف : وكلامه بيكُون نفس كلامي! البضاعة ناقصة ووزنها يحكِي، ومحنا مسلمينك الفلُوس لين ما تجيبها لنا مثل ما كان الاتفاق
لوى الرجُل الأول فمهُ بتقززٍ ليهتفَ بشر : الشرهَة ماهي عليك على اللي خلّاك تنُوب عنه ، احنا معرُوف عنّا ما نسلم بضاعة ناقصة، الكمية مثل ما اتفقنا وتقدر تراجعها.
الآخر : لا مراجعة ولا هم يحزنون الفلُوس محنا مسلمينها لين ما تكمّل المطلُوب.
احتدّت ملامحُ الرجل الأوّل لتتحرّك يدهُ بخفةٍ نحوَ حزامهِ ويسحبَ مسدسه، وقبل أن ينتبه الآخر كان قد وجّهه إليهِ بسرعةٍ ليدفُن الفوّهةَ في كتفهِ وتتسرّب شهقةُ الآخر بذعر. وبحدةٍ وشر : آخر كلمة عندك؟ تبي تلعب علينا أجل؟!!
الآخر تزيغُ عيناهُ وينتفضُ جسدهُ قليلًا وقدماهُ تُضعِفهما الرّعشة، بذعر : استهدي بالله يا سالم.
سالم يبتسم بشر : مو أنا اللي ينلعِب علي! جيب الفلُوس بسرعة والا منت شايف طيّب .. وأنا قول وفعل مثل ما سمِعت
تراجعَ من معَ الرّجلِ بذعرٍ بعد أن أشهر سالِم بسلاحه، بينما تحرّكت شفتا الآخر بكلماتٍ مرتعشَةٍ ليأمر أحد رجالِه بتسليمه النقود، حينها تقدّم أحد من في الخلفِ بترددٍ وخوفٍ ليتقدّم أحد رجالِ سالم من الجهةِ المُقابلة بعد أن أشارَ لهُ برأسه، بقيَ لوقتٍ يعدُّ النقودَ في الحقيبَة بينما تحدّث سالم بترفّعٍ ونبرةٍ ضيّقة : كان اتّفاقنا تحوّلون في البداية ربع المبلغ لنا، بس تجاهلتم بغباء وظنّيتوا إننا بنمشي الوضع بالتسليم اليدوي بس ما دريتوا إنّنا ما نجاري أبد!
ارتفعَ صوتُ الرجلِ من الخلفِ بكلمتين فقط : الفلوس كاملة
حينها ابتسمَ سالِم وهو يجذبُ المسدّس للخلفِ قليلًا بعد أن كان مدفونًا في كتفه، ليدوِي صوتُ إطلاقِ الرصاصِ فجأةً ومن ثمّ صرخةٌ متألّمةٌ بعد اختراقِ الرصاصةِ كتفَه، ليتراجعَ سالم وهو يضحكُ ضحكةً متسليةً مُردفًا : هذا عقابك ، واحمد ربّك ما قتلتك * رفعَ نظراته لأتباعِه ليُردف بشر * خذوا كلبكم
انتفضَ الرجَالُ من خلفِ المُصابِ بخوف، بينما بقيَ هو يشدُّ على كتفهِ ويتأوّه بألمٍ والدماءُ تُغرقُ كفّه، في حينِ كانت عينا ماجد تتّسعانِ بذهولٍ وهو ينظُر لما يحدثُ أمامـه، للجنونِ الذي يراهُ لأوّل مرةٍ في حياتِه، كان يندسُّ في إحدى الأزقّةِ المظلمة وأسنانه تعضُّ على شفتِه وهو يراقبُ ما يحدث، يستمعُ لما يُقال، ولمحَ المدعوّ سالِم الذي لم يرى وجههُ جيدًا في الظلام وهو يُعيد أمرهُ على رجالِ الآخر الذين كانوا تسعًا أو عشرًا، حينها تقدّم اثنانِ منهم ليُمسك كلّ واحدٍ بإحدى ذراعيّ رئيسهم ويرفعوهُ ويتوجّهوا بعد ذلكَ لإحدى السيارتينِ ويساعدونهُ للركُوب، وانتشرَ نصفَهم في سيارةٍ والآخرُ في الأخرى، ومن ثمّ تحرّكت الإطاراتِ بصوتٍ مزعجٍ ليختفِي ظهُورهم في الساحةِ بعد الذي حدَث.
ابتسمَ سالِم بسخريةٍ وهو يأمرُ رجالهُ بالتراجع، بقيَت سيارتي " بي ام دبليو " سوداوتين تخصّهم، ركبَ معضمهم في واحدةٍ وبقيَ اثنانِ وسالِم معهم، تحرّكت السيّارةُ الأولى قبل أن يتحرّك الباقيان ويركبا في الأمامِ وأحدهما يقُود، بينما كان سالِم يحملُ حقيبَة النقودِ واقفًا في مكانِه دونَ أن يتحرّك، ينظُر للأرضِ المُظلِمةِ بابتسامةٍ باردةٍ وبعضُ الشرُودِ أصابه، وعينا ماجِد الساكنتينِ في الظلامِ تُراقبانِ بقيّة ماقد يحدُث وأذناه تنتظرانِ أيّ حديث، وبديهيًا لم يكُن ليستطيعَ التراجُع في تلكَ اللحظةِ دونَ مغادرةِ من بقي وإلا فبالتأكيد سيتنبّه له هذا المجنون وسيقتلهُ لا محالة!
حرّك سالِم عنقهُ يمينًا ويسارًا ليُذهبَ تصلّبها ومن ثمّ تحرّك ينوي المغادرَة، لكنَّ صوتَ هاتفِ ماجد صدَح فجأةً بقوّةٍ لتسرِي نفضةُ ذعرٍ في جسدهِ وتتّسع عيناهُ مرافقةً اتّساعَ عينا سالِم في تلكَ اللحظة!


،


التحمَت العيُون ببعضها، الشراراتُ تتلاقَى لتُشعل فتيلًا من الحقدِ والإزدراءِ القاسِي .. لوَى سالِم فمهُ ببرُودٍ وهو يقتربُ منه، يبتسم بسخريةٍ مريرة ناظرًا للنافذةِ من خلفه، ليردَّ لهُ سعد الابتسامةَ بأخرى باردة، تغتصبُ الابتسامةَ نفسها وتظهر بعيدًا كل البُعد عن مسمّاها.
سالم ببرود : تتأمّل مهرَب؟
سعد بعنف : قلتلك ماني جالس لكم لو على موتِي
سالم وابتسامتهُ تتّسع بشكلٍ مُستفز : اووووه! لهالدرجة شريف!
سعد : أسوي بلاوي الدنيا كلّها بس ما أحشر نفسي في شيء ماراح ينتهي! ... ليه أنا بالذات؟!!
سالم يقتربُ منه بخطواتٍ متكاسِلة وهو يُميل فمهُ ببلادة، هاتفًا بنبرةٍ جليدية : لأنّنا نبيك
سعد بقهر : ما أعرف سلطان صدّقني! كل معرفتي فيه مجرّد عمل
سالم : تأدي المطلوب
سعد : لا مو عن كِذا! أنت تبي شخص تقدر تتخلّص منه بعدين بسهولة بعد ما ينصاع بسهولة! فيه الأقرب مني لسلطان .. بس ما عرفتني زين ومستحيل أنصاع لكم
سالم بابتسامة : والله!
سعد بقهرٍ أكبرَ وهو يضرب الجدار من خلفهِ بقبضتِه : وليه سلطان بالضبط؟ ما أظن إنه بنَى عداوة مع أحد لهالدرجة اللي تخليه يدخل مع ناس مثلكم في مشاكل!
سالم بهدوء : على قولتك ، ما سوّى لنا شيء، بس احنا لنا شيء عنده! تقدر تقول هو ما يدرِي عن هوى دارنا أصلًا! بس ذنبه إنّه ولد فهد وهذا كافِي حتى عشان ننهي حياته
عقَد سعد حاجبيه باستنكارٍ ودُونَ فهم : ولد فهد!!
سالم : مو كأنِّي معطيك وجه بزيادة؟
ارتفعَت زاوية فمِ سعد في ابتسامةٍ ساخرة : ولي الفخر طبعًا
سالم يبتسم بازدراءٍ له، وبمكر : أبوك يشتغل شغل على قد حاله في مدرسة، فرّاش بالمعنى الأصح، امك مُقعده، عندك أخت عمرها 16 سنة تدرس بالثانوية، واثنين أخوان واحد عمره 9 سنين والثاني عمره 8 سنين في الإبتدائية
اتّسعت عينا سعد بذهولٍ واستنفارٍ مما ينطُقُ بهِ وعقلهُ يُحاول تداركَ المعنى المغلّف خلف حديثه، في حين أكمل سالم ببرود : إذا جينا للصورة العامة فأنت المُعيل الأول لأهلك، شغلك يعتبَر زين مع إني أستنكر للمرة الألف إنّك عرّضته للخطر بمصاحبتك لإبراهيم! * ابتسم بسخرية * وهذا اللي يأكد لي سذاجتك يا إمّعة
سعد يتجاهل محاولـة استفزازهِ الأخيرة وهو يزدردُ ريقهُ ويتقدّم خطوةً واحدة للأمـام، وبحذر : أنت وش تبي بالضبط من سرد كل هالمعلومات عني وعن أهلي؟
سالم ببرود : أبيك تدرك أنت مع مين تتعامل
سعد بتردد : يعني؟
سالم : نقدر بالمعنى الكامل للبساطة ندمّر هاللي أنت تحيا عشانهم ، بشربة مويا!
ارتعشَت شفتاه وحلقهُ يجفُّ من كلّ كلمَةٍ ونبرَة، عيناه انحسَر عنها موجُ التّمردِ وانصاعَ لخفوتٍ وتجمّد، في حين اتّسعَت ابتسامةُ سالم وهو يميلُ مستندًا بكفهِ على طاولـةٍ بجانبِه : نقدر نتفاهم الحين


،


عانقَت عقاربُ الساعة مع العاشِرةِ والربع، تجلسُ فوقَ سريرِها وحاسوبها أمامها، عيناها تخفتانِ بنورهما قليلًا وزفرةٌ باردةٌ ببرودةِ غرفتها تُغادرُ رئتيها الواهنتين. أطبقَت شاشة الحاسوب وهي تتنهدُ بضيق، لا بأس! هي قد سمِعَت العديدَ من القصص، وليس مهمًا إن كانت قصصًا أخرى قد تؤثر بها أم لا .. لا تدرِي ما شعورها بالضّبط أمامَ ما تسمع! لا تنكر أنّ جسدها اقشعرّ للحظات، ليسَت المرّة الأولى التي تسمعُ فيها قصصًا كهذهِ ولا تتأثّر بعظمتها، لكنّ قلبها بالرغم من تأثّره لطالما غلّفه الشيطانُ بعدَ حين! لا! ليس شيطانًا، هي فقط لا تدرِي! ليست كلُّ العوالِم تناسبها، ليسَت كلّ حالةٍ تناسبها، لرُبما يُناسبها الضياعُ فقط! أن تكون مجهولةً للأبـد، ألّا تعرفَ نفسها، هل هذا يُرضيها فعلًا؟! أم أن الشيطان غلّفها فعلًا في صورةٍ ما!
عضّت شفتها وهي تُزيح الحاسُوبَ جانبًا بعد أن أغلقَت ما كانت تسمعُ من قصص، كانت القصّة الأولى بالمعنى الصحِيح، ولم تُكمل نصفها حتّى، تحدّثت القصّة عن " إبراهيم عليه السلام "، وكيف وجّههُ عقلهُ لمعرفةِ ربّه، كيفَ ابتهلَ للشمسِ حتى أفلت، ومن ثمّ القمرَ ليجدَ الطريقَ الصحيحَ أخيرًا، لمْ تُكمل! اقشعرّ جسدها وأي إنسانٍ لم يغزُو الإلحاد قلبهُ بعد كان ليتأثر ولو بصورةٍ بسيطة.
تنفّست بحدةٍ واهنَة وهي تمدُّ ساقيها بعد أن كانت تعكفهما وتجلسُ عليهما، دلّكتهما قليلًا لتُذهِبَ تيبّسهما ومن ثمّ تمددت على ظهرها لتنظُر للسقفِ بشرود، تتابِعُ نقوشاتِهِ بكَدر، بسخطٍ من نفسها ومن " ما الذي تريده؟ "، من هذا السؤال الذي يجُول لياليها لتُدرك أنها مجهولة الهويّة، وأن الهوية ذاتها تغيبُ عن ملكوتِها وفضائها والمجرّة التي تحياها فلا أمل لإشراقها يومًا في سمائها، لا أمل في أن تمرَّ يومًا كشهابٍ عابِر، أو تسقطَ عليها كمطرٍ موسمي، أو على الأقلِّ مطرٌ نسيَت غيمتهُ وجهتها ووقفَت خطأً فوقها.
أغمضَت عينيها وشهيقها يتعمّق لتكتمَ نفسها لثوانٍ قليلة قبل أن تزفُر بهدوءٍ وعُمق، تُحاول إسكانَ انفعالاتِ دمِها وعقلها، شهيق، زفير، وللإنفعالاتِ بقيّة!
شدّت على عينيها مُسدلةً ستارَ أحداقها فوقها، تُغلِّفُ ينبوعها السخيَّ والبخيلَ في آنٍ بأهدابِها الكثيفة، علَّ الدفءَ يغزو عينيها يومًا بعد أن تدثّرهما باعتناءٍ وتُصبح دموعها فرحًا لا تعاسـةً واحتياجًا.
بحثَت عن النومِ بين جحورِ أفكارها وغياهِبِ صدرها، تحاولُ الهربَ من كل كدرٍ لا يزول، لكنّ صوت هاتفها منعها من الهرب في هذهِ اللحظة لتفتحَ عينيها وتعقدَ حاجبيها بضيقٍ من أن يكُون والدها، ليس وقتهُ الآن! مزاجها فعليًا لا يحتمل! تعبَت من تكرارِ قول " سلطان قال بننقل بيته بعد أيام! ".
زفَرت وهي تجلُس ومن ثمّ مدت يدها نحو هاتفها لتأخذه من الكومدينة، نظرت للشاشةِ لتتّسع عيناها للحظةٍ قبل أن تبتسم ابتسامةً باهتة وهي ترى اسم سلطان يسطَعُ في الشاشة.


يُتبــع ..

كَيــدْ 28-10-15 04:36 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




أسندَ ظهره للخلفِ على ظهرِ كرسيّه المكتبي، ابتسمَ بهدوءٍ وصوتها الخافتِ يصلهُ متوترًا : ألو
سلطان بابتسامة : ياهلا ، كيفك؟
غزل تبلل شفتيها قبل أن تهمس بوجوم : توني قبل كم ساعة كنت قدامك.
سلطان : هههههههههههههههه من باب ما جاء في الذوق بس شكله ذوق غير متبادَل.
عقدَت حاجبيها وهي تلملمُ فمها وتمطّهُ للأمـامِ بامتعاض، وبحدة : حاشاني من قلّة الذوق!
سلطان يبتسم ويلفظ برقّة : أي والله حاشى الذوّيقين من كل صفة حلوة ناقصة.
تنحنحَت بحرجٍ وهي تضعُ كفّها اليُسرى على حنجرتها، وببحّةٍ ووجهها يمتلئ بخجلٍ ضاعفَ من جمال ملامحها : وش تبي متّصل؟
ابتسمَ بلؤمٍ حين وصَلت لهذهِ النّقطة، وبنبرةٍ بريئة : وش تسوين؟
غزل تعقدُ حاجبيها باستنكارٍ وتخفضُ كفها : جالسة
سلطان : بتنامين؟
غزل تلوِي فمها : كان ودي أنام بس انت دقيت وأساسًا ما هقيت إني كنت بقدِر أجيب النوم لعيُوني.
سلطان : أجل دامك جالسة الظهر ودي أرجع وألاقي الغداء جاهز.
رفعَت حاجبيها متفاجئةً من طلبهِ للحظة، ونبرتهُ المتكاسلة كانت تحمِلُ مكرًا إلا أنهُ في قرارةِ نفسهِ يُريد منها أن تنهضَ وتشغَر فراغها بما يملأه، ألا تسمحَ لعقلها بالتفكيرِ العميقِ الذي قد يؤدِي بصدرها للضِيق، ولا أمهرَ من الفراغِ في جلبِ الضيق.
بينما كانت غزل قد فغرَت فمها قليلًا ووسّعت عيناها وصوتُها يلفُظ مستنكرًا : تبيني أطبخ!!!
سلطان ببساطة : أيه.
غزل باستنكارٍ أكبر : باللهِ!!!
كتمَ ضحكتهُ ليُبلل شفتيه بلسانهِ ويهتفَ بجديّة : كل شيء عندك متوفّر! بدل جلستك كذا فاضية دوري عن طريقة طبخ الرز ، أقلها مسلوق * نطقها بسخريةٍ طفيفة ليُردف بهدوء * واشغلي فراغك ذا !
غزل بنفور : ما أعرف أطبخ وأنت أدرى.
سلطان : الله يرضى على النت.
غزل من بين أسنانها لفظَت بحنق : ما ودي! مو آخر عمري عاد أطبخ .. أساسًا أنت لازم تجيب لي خدامة.
رفعَ حاجبيه بتعجب : لا بالله! مو عندي الدلع خدامة أفكّر لا صرتِ في بيتك بس في الحين لا!
ارتعشَت أطرافها لوهلةٍ حين نطقَ " بيتك "! لكنها تجاهلَت رعشتَها لتلفظ بوجوم : بانحرق، وبتنقطع يدي! وبتصير ريحتي بصل وخياس!!
سلطان بسخرية : يا ربــــي لا كذا كثيييير عليكي
غزل اغتاظَت لسخريتهِ وطريقةِ حديثهِ ونبرتِه المُمتلئةِ استفزازًا حدّ أنها لفظَت بقهرٍ وحدة : كل تبن ، أساسًا أنا ليه أسمع حكِيك؟! منت قادر تجبرني.
سلطان يتجاهل أول كلمتين، لينطقَ بحزم : أرجع والغداء جاهز، ماني متأخر .. الساعة 12 ونص وأنا عندك
شهقَت غزل وهي ترفعُ معصمها لمرمى عينيها لتقرأ الساعة، وبرفض : تبيني أطبخ بساعتين؟!!!
سلطان : ساعتين كثيرة عليك أصلًا
غزل تنفخُ فمها بقهر : ماني قايمة لو يتقطّع بطنك من الجوع
سلطان : أجل رجعي لي المكرونة اللي أكلتيها.
لوَت فمها بحنق، وبحقد : مصدّق نفسك على مكرونتك من زينها عشان تذلني عليها.
سلطان باستفزاز : حبيتيها ومدحتيها يومتها
غزل تُشتت عينيها في زوايا الغرفة قبل أن تُجيبَ بتذمّر : يعني ، كانت مقبولة نوعًا ما.
ابتسم وهو يُحارِبُ ضحكةً من الإنفلات، وانخفضَت جدّية نبرتِه وهو يلفظ ببعضِ الرقّة : الساعة 12 ونص ويكون الغداء جاهز تمام؟ أي شيء حتى لو كنت أدري بيطلع شين، المهم اشغلي نفسك وتعلّمي.
غزل بحقد : بيطلع شين هاه!! طيب طيب ماعليه بسوي لك وتفتخر أصلًا وغزل بجلالة عظمتها تطبخ لك أنت أول طبخة بحياتها.
سلطان ولم يُحارب ضحكتهُ هذهِ المرّة، ارتفعَت لتهزَّ هدوءَ صوتِه : هههههههههههههههههههههه الله يستر ، بس خلينا نشوف المواهب يمكن تطلعين من الناس اللي مهما سوّت يدينها تخلي الأكل حلو!
غزل بغرور : صدقني أنا منهم.
سلطان بضحكة : طيب ... يلا أتركك بكمل شغلي
غزل بعجل : لحظة لحظة
سلطان : هاه!
غزل : على ذكر المواهب ، ترى أعرف أرقص مصري وهندي وهيب هوب ومجموعة رقصات.
قالت جملتها تلك ليصلها صوتُ سلطان الذي غرقَ في ضحكةٍ طويلةٍ أربكَت جسدها لترتعش، قبلَ أن يلفظ بنبرةٍ ضاحكةٍ متسلية : طيب يا مجموعة رقصات
ابتسمَت باهتزازٍ لضحكتهِ التي انتهَت بجملتهِ تلك ومن ثمّ بإغلاقهِ للهاتف، عضّت شفتها دونَ أن تُنزل هاتفها عن أذنها وضحكتهِ تتكرّر بصدى في داخلِ جسدها ليضطربَ قلبها على أنغامِه، رفعَت يدها اليُسرى دونَ شعورٍ لتضعها فوقَ قلبها وهي تلفظ ببحّةٍ متوترة : والحين! أنا بجنوني وافقت أطبخ!!!


،


وضعَ رأسهُ على الطاولـةِ وهو يتركُ كل الضجيجِ من حولهِ وتدريباتِ الرجَال ويُغمضُ عيناه، هاتفه منذ أكثر من ساعةٍ وهو يَصرخ مناديًا الإجابـة، كان هو " عبدالله " الذي يتّصل به، لكنّه تجاهلهُ بالكلّية وهو يُدرك أنّه بالتأكيد سيكُون وصلَ إليهِ تمرّد البارحـة أو على الوجهِ الصحيح - تهوّر البارحة -! بالتأكيد علم ممن ثارَ عليهم ونظرًا لكونِه أمرَ بتتبّع هاتفِ أخته ومن ثمّ غادرَ مع أحد الرجـال فبالتأكيد لم يكُن ذلك ليمرَّ مرُورَ الكِرام.
أحـالَ هاتفهُ لوضعِ الصامِت وهو يلوِي فمهُ بضيق، ومن ثمّ نهضَ دونَ أن يوجّه أنظارهُ لأحدِ المتواجدين ليتّجه للحماماتِ حتى يُبدّل ملابسهُ ويخرج ليستنشقَ بعض الهواء دونَ أن يُبالي إن كان قد انتهَى تدريبُ اليومِ أم لا.

بعد وقت
كان يعبُر بين المارّة والزِحـامُ يخنقه، رائحـةُ الزحامِ كريهة، وأصوات الناس المتداخلةِ مُزعجةٌ تتجاوزُ الضجيجَ بأميـالٍ عديدة، في كلِّ جزءٍ ذكرى، كان مرةً يمشي برفقتها في بيئةٍ كهذِه! بعد مجيئهم لبروكسيل بأيامٍ قليلة وقبل تلكَ الواقعة، كانت تعتقلُ ذراعهُ وتقيّد أنفاسهُ بها، نظراتهُ بعينيها، جسدهُ يحفظُ تضاريسها بالتصاقِها به، ابتسمَ ابتسامةً طفيفةً وهو يهمسُ لها برقة : ابعدي شوي ، لا يكون جيتي هنا ونزعتِي الحيا!
أروى بحنقٍ تشدُّ على ذراعهِ وتلفظَ بعداوة : والله لو ما تسكت بدفّك قدام العالم بعد! قاعدة أتطمّن على أملاكي إنها باقية لي
بدر بضحكة : لا تطمّني من هالناحية ، أخاف أفكر للحظة أهرب منك وتذبحيني.
أروى بشر : والله مو أذبحك بس! الا بقطّع كل عضو فيك وأرميه بزيت مغلي
بدر : هههههههههههههههههه فرعُون!
أروى : أيه حاسب ، ترى عيونك ذي اللي تروح لهالأوربية والثانية أنا منتبهة لها
بدر يعقدُ حاجبيه وهو يبتسم : افا! والله ما أتجرأ أبي حياتِي أنا
أشاحت أروى وجهها عنهُ وهي تزفُر وتحرّك كفها أمامَ وجهها هاتفةً بضيق : هفففف زحمة تجيب الكتمة.
بدر يبتسم بمشاكسة وكفيه في جيبي معطفهِ بينما ذراعها تلتفُّ على ذراعهِ في صورةٍ حميمية : أنتِ السبب
عقدَت حاجبيها وهي توجّه نظراتها إليه : وشو؟
بدر يوضّح مقصده : الشارع زحمة منّك، كل العالم تتنفّسك لأنك أكسجين
فغَرت فمها قليلًا وسُرعان ما تصاعدَت الحُمرة على وجنتيها وهي تُشيح بوجهها عنه، وبربكةٍ تُصيب نبرتها لتخرجَ مرتعشةً بخجَلٍ وبحّة : وش هالغزل الفاحش؟
بدر بابتسامةٍ عاشقة : وأنتِ فاحشة جمال! ، لا تلومين الفحش أجل إذا كان وصف للكمال
ابتسمَت تُداري خجلها : لا يكُون ودّك أسكت وأخلّي ذراعك وأبعد عيُوني عن عيُونك عشان تقز بالبنات من غير لا أنتبه .. والله ما أتركك وبسوي زحمة لك بعد
ضحكَ وهو يُخرجُ كفيه من جيبه ويُحيطُ كتفيها بذراعهِ اليُمنى : سويتيها وانتهيتي، محد زاحمني بحياتِي كثرك! بس والله أجمل زحام بحياتِي، زحــام حيـــاة.

*

عضّ شفته لتلكَ الومضةِ من الذكريـاتِ، وزاحمَ صدرهُ عطرها في رئتيه، حُبها في قلبه، عيناها في عينيه، وجسدها المطبُوعُ على جسدِه، لازال دفئها يستشعرهُ في كلِّ حين، ولازال صوته يغزو أذناه، لم ينسى! وألذُ " اللانسيان " حين يكونُ تجاهَ الحبيب، يا الله لا تُنسنِي إيّاها! أنا أحيا على ذكراها، تتلبّسني في صوتِي، في نظرةِ أحداقي، في نبضاتِي وفي كلِّ نفسٍ يأتيني ويُغادرنِي، " هي زحام حياة! ".

زفَرَ ليُمرّر أنامله بينَ خُصلاتِ شعره، واهتزَّ هاتفهُ في جيبهِ ليُغمضَ عينيه ويستسلمَ هذهِ المرّة للرد، رفعهُ أمام وجهه المُتجهّم للحظات، ومن ثم ردّ باستسلامٍ ليضعهُ على أذنه وتصله صرخةُ عبدالله الغاضبـة : بـــدري!! كان لا رديت! تعبت نفسك صراحة.
بدر بوجوم : وش تبي يا طويل العُمر
عبدالله بصرخة : عمري بيصغر معك! الشيب طلع براسي منك ، كم مرة أقول إنك حمار!!
بدر وتجهّم ملامحه يتضاعف : صرت ما أشوف صورتي بالمراية غير حمار.
عبدالله بحدة : تتمصخر أنت ووجهك! ... قولي شسويت أمس هاه! ليه كل البلبلة اللي سويتها؟
بدر يرفعُ حدقتيه للأعلى : كذب
عبدالله : لو أنه كذب كنت ردّيت علي من أول ما اتصلت مو بعد ألف وألفين مرة!
بدر بضيقٍ وتجهّم : الكذب حرام
عبدالله من بين أسنانه : وش سويت؟!!!
بدر بقهر : ما سويت شيء أكبر من إني جبت العيد!
خفتَت الحدّة في صوتِ عبدالله قليلًا ليهتفَ بوعيد يُصاحبه القليلُ من القلق : شلون؟
بدر يشتت حدقتيه في المارة : شكّيت بأحد، وطلعت غلطان
عبدالله : لا يكون تهوّرت وسويت شيء؟
بدر بكذب : لا تطمّن
صمتَ عبدالله لبعض الوقت وكأنّه يستشعر الكذبَ في صوته، في حين غابَت عينا بدر عن رؤيةِ ما أمامه في شرودٍ عابِر ليصتدمَ كتفهُ بكتفِ أحدِ المارّة في تلك اللحظة، حينها عضّ شفته ونظر للرجلِ الأشقرِ باعتذار : أعتذر
ومن ثمّ أكملَ طريقهُ في حين نطق عبدالله بحدة : وليه ما ترد علي؟
بدر : مالي خاطر أكلم أحد
عبدالله واستفزّته برودة صوته : غصب عنك ترد ، ومرة ثانية تعيدها أرجّعك السعُودية من فوق خشمك
لوَى فمهُ بضيقٍ من هذا التهديدِ الذي لطالما كرّرهُ على مسامعه، وبنبرةٍ خافتـة : تطمّن ، أنا حريص إني أبقى، وإن شاء الله متى ما خلّصت هالمهمة برتاح من الشغل بكبره
عقدَ عبدالله حاجبيه دونَ رضا بما يسمع، وبحدة : بكُون حريص إنّك ما تتركه.
بدر : صدّقني أنتظر هاللحظة بفارغ الصبر.
عبدالله : بتنتظرها للأبد
بدر بزفرةٍ متحشرجة : أقدر أقفل؟
صمت عبدالله لبعضِ الوقت قبل أن يزفر ناطقًا : فمان الله
أغلقَ بدر وهو يتنهّدُ بضيقٍ ويضوّق عيناه ناظرًا للسمـاءِ المُشمسة، الدافئةِ دفئًا بعيدًا عنه، بعيدًا عن نطاقِ قلبه الذي لم يعرف سوى دفئها، قُيّد بأغلالِ كفيها القابضتين عليه كسَجينٍ التحقَ مصيرهُ بها، وهروبه من سجنها يعني أن يلاحقهُ الموتُ طيلة حياتِه.
بلل شفاههُ بلسانهِ وهو يرفع هاتفهُ لعينيه من جديدٍ ويتّجه لرقم غادة.


،


تصاعدَ رنينُ هاتفها بقوّةٍ وهي في الحمامِ تمسحُ وجهها، بهتت للحظاتٍ قبل أن تنتفضَ راكضةً باتّجاهه وهي تُدرك جيدًا بأنه بدر، القاسي عليها منذ البارحـة، والذي هددها بأنها إن لم تردَّ عليهِ مباشرةً فلن يمرّ ذلك مرورَ الكرام.
وصلَت لهاتفها بعجلةٍ بينما التوَت قدمها اليُمنى ما إن وقفَت لتتأوّه وتسكُن للحظةٍ مُغمضةً عينيها بوجَع، وحينَ تصاعدَ الرنينُ التالي انتفضَت لتمدَّ يدها نحو هاتفها المرمي على سريرها لتردّ مباشرةً بنبرةٍ مستوجعة : ألو
بدر بصرخة : ليييه ما رديتي من أول رنة؟؟ أنا وش قلت لك!!
ارتعشَت لصوتِه الصارخ وابتلعت ريقها وعيناها تلتمعانِ بحُزنٍ مرير، انتفضَ صوتها بغصّةٍ وتشتت حدقتيها بربكةٍ لتهمسَ باختناق : كنت في الحمـام
بدر بقسوة : وأنا وش دخلني؟ والله لو تآخذين جوالك للحمـام بعد المهم ما تمر الرنّة الأولى إلا وصوتك واصلني
لم تستطِع كبحَ بكائها لتسقطَ دموعها دفعةً واحدةً كمطرٍ سخيٍ وتختنقَ نبرتها بألمٍ ورجـاءٍ وهي تلفظُ بنبرةٍ باكيـة : ليه تقسي علي بهالطريقة؟ ما عهدتك كِذا
بدر بنبرةٍ لا مباليةٍ وبعجلةٍ يُخبرها أنّ هناك ماهو أهم منها الآن : فكيني بس ، وأحذرك مرّة ثانية ياويلك لو ما تردين من أول رنّة.
أدرَكت أنّه سيُغلق وصمتت! لا تجدُ شيئًا يدفعهُ لسماعها، لم يكُن يومًا قاسيًا هكذا، لم يكُن بهذا الجفاء لتُجافيها البسمةُ بعينِها وتضمحلَّ الدنيـا، " أنت أهلي! "، وحريٌّ عليَّ أن تُصيبني التعاسةُ إن جافيتنِي.
تقوّست شفتاها لتجلس على سريرها بعد أن أغلقَ دونَ وداع، وقدمها الملتويَةُ تجاهلت ألمها، شهقَت بخفوتٍ ودموعها تسقُط على وجنتيها كتيارِ نهرٍ جاري، دمعةٌ تدفعُ دمعَة، وندمٌ يغلّف شهيقها.


يُتبــع ..

كَيــدْ 28-10-15 05:35 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




ذكرَى لا تزَال عالقـةً في الحاضـر، قبل وقتٍ ليسَ بطويلٍ كانَ يسردُ مأسآتَه، والآن تكتملُ المأساة في صريرٍ ليليٍّ وعُنفِ لحظـة، اتّساعُ زوجين من الأعينِ وانتفاضةُ كفٍ بحثَت عن هاتفهِ في جيب بنطالِه الجينز ويُطفئ الرنينَ في لحظةِ هلَع، وانتفاضةُ قدمينِ تحرّكت تبحث عن مصدرِ هذا الصوتِ وأذنانِ تعملانِ بوصلةً لأقدامه، عضّ شفتهُ بربكةٍ وهو يرى أن المتّصلَ لم يكُن سوى " محبوبته "! . . جاءَت في وقتٍ خاطئ، وأودَت بحياتِه لربّما للممـات.
أطفأ الرنينَ بسرعةٍ لكن بعد فواتِ الأوان، وكانت أذنا سالم قد عثرتَا على الجهةِ المعنيّةِ بالقضـاء، من مثلهِ يجد سهولةً عظمى في استخدامِ حاسّة السمعِ لديه وقد اعتادَ بسهولةٍ أن يعثُر على أدقِّ الأصوات.
وقفَ خلفهُ مباشرةً وعيناهُ تلتمعانِ في الظلامِ بشرٍ ورغبةٍ في القتـل، كان ماجد حينها يُداريه بظهرهِ بعد أن استدارَ وقتَ بزوغِ الرنينَ وكان يبحث عن هاتِفهِ في جيبه.
لوَى سالم فمهُ بحدةٍ وأشرقَ صوته بنبرةٍ قاسيـة : مين هنا؟!
تجمّد ماجد في مكانه، وغادرتهُ أنفاسهُ في زفيرٍ تلوّثَ بتوتّرهِ ليجدد هواءهُ بشهيقٍ كان ملوثًا أيضًا، ملوثًا بعبقِ هذا الرجلِ الذي يقفُ خلفهُ ويحادثهُ بنبرةٍ ملأتها رائحة العجرفة!
كرر سالم سؤاله بنبرةٍ أقسَى وأكثر شرًا : ميييين؟ والا حابب نتعرّف على حضرة جنابك بطريقتنا الخاصّة؟!
زمّ شفتهُ بقوّةٍ وهو يدسُّ هاتفهُ في جيبهِ ويستدير بهدوءٍ وبطء، بينما ملامحُ وجههِ تتجمّدُ وتتشنّج بتوتره، في حين عقدَ سالم حاجبيهِ وهو يرفعُ هاتفهُ ويُشغل ضوءَه مسلّطًا لهُ نحوهُ ليُغمض ماجد عينيه كردّةِ فعلٍ عكسيّة.
سالم يهتف ببرودٍ وهو يتأمّل وجه هذا الذي تجسسَ عليهم دونَ أن يدرك حجم ما فعَل : فار صغير حشَر نفسه بالمكان الغلط! أنت تدري وين صرت؟ ووين بتكُون!
عضَّ زاويـةَ فمهِ وقدماهُ تيبّستا قليلًا كما كلماته، ينظُر إلى عينيه مباشرةً دونَ أن يحيد عنهما، ودون أن يجدَ ما يقُولهُ في الجهةِ المُقابلة!
مدَّ سالم يدهُ فجأةً وبسرعة ليقبضَ على مقدّمة " تيشيرت " ماجد ويشدّهُ إليه بقوّة، لم يكُن بوسعه في هذهِ الأثناء أن يخرح مسدسه ويقتله في نفس اللحظة إذا كان يُنير ملامحه الحادّة رغم تجمّدها بنور هاتفهِ ويشدّهُ من ياقتِه باليدِ الأخرى. أردفَ بنبرةٍ حادة : جاوب! تدري وين بتكُون؟
عقدَ ماجد حاجبيه دونَ أن ينبس ببنت شفة، لا يدري ما شعُوره في هذهِ اللحظة! لكنّه يدرك أنّهُ في خطر! في خطرٍ قد يودي بحياتِه.
شدّ سالم يدهُ على " تيشرته " ليتركهُ فجأةً ويقبض على عنقهِ بقوّة، وبغضب : كنت تتجسس علينا؟
أغمضَ ماجد عينيه بقوةٍ باحثًا عن صوتِه حتى وجده، وباختناق : أتجسس على أيش؟
سالم بشر : لا تتذاكى ، عارف إنّك سمعت وشفت كل شيء فلا تسوّي فيها اللي مو فاهم قصدي
ماجد بصوتٍ يختنقُ وحُنجرته تكاد تتحطّم خلفَ قبضةِ سالم : عارف وش؟ أنا جد مدري وش تقُول أنت، توني واصِل هنا
اتّسعت عينا سالِم بحدةٍ ليدفعهُ للخلفِ عن طريقِ عنقه حتى اصتدمَ ظهره بقوةٍ على الجدار، شدّه نحوه للأمامِ ليهتفَ بنبرةٍ جليدية : تحاول تهرب من الشخص الغلط!!
دفعهُ للخلفِ من جديدٍ بقوّةٍ أكبر ليصتدمَ ظهرهُ بالجدارِ مرةً أخرى بضِعفِ عنفِ الاصتدامِ الذي قبله، حينها تأوّه ماجد ليرفعَ كفيْه ليدِ سالم مُحاولًا فكّ قيدِه، إلا أن سالم كان يشدُّ على عنقهِ بصورةٍ أكبر حتى احمرَّ وجه ماجد، ليهتفَ أخيرًا بقسوة : وش اسمك؟
لم يكُن بوسع ماجد أن يُجيبه في تلك اللحظة، وإن كان بوسعه ذلك لم يكُن ليفعل! فآخر غباءٍ قد يقُوم بهِ هو أن يخبره من هو.
سالم يُكرر بنبرةٍ مشدودة : وش اسمك؟
ماجد بصمتٍ ينظر إليهِ ونور الهاتف المسلّط عليه أثـار المزيدَ من قسوةِ ملامحِ سالم وهو يراقب ملامحه الجامدة رغمَ اختناقِها بيدِه. كرر للمرة الثالثة : مو من عادتي أعيد وأزيد في كلامي ، فهالمرة بتكون الأخيرة وإذا ما جاوبت اعتبر نفسك ميّت
أرخى قبضتهُ ومن ثمّ شدها على عنقه ليُردف بنبرةٍ صقيعية : وش اسمك ؟!
بلل ماجد شفتيه وهو يضوّق عيناه وينظر إليهِ نظرةً جامدة تنثُر التحدِي وعدمَ الإنصياعِ له، حينها شدَّ سالم على أسنانه وكفّه تشدُّ بقوةٍ على عنقهِ ينوي إزهاقَ روحه، وقتئذٍ تشنّج وجه ماجد وهو يرَى الموتَ يتلألأ أمامَ عينيه، لكنّ هاتفهُ عاد من جديدٍ ليرنَّ في هذهِ اللحظاتِ الغيرِ مناسبة، ليشدّ على أسنانهِ في حين ظهرت صف أسنانِ سالم في ابتسامةٍ قاسيةٍ قبل أن يُطفئ نورَ هاتفه فجأةً ويضعهُ في جيبهِ وتنتقل كفّه لجيوبِ ماجد باحثًا عن هاتفه! انتفضَ ماجد حينها وانتشر الغضبُ على ملامحه، فهو يدرك جيدًا من المتّصل في هذا الوقت! لا غيرها بالتأكيد، لا غيرها.
صرخَ بغضبٍ واهنٍ وحنجرتهُ تتألم : أبعد يدك يا الخسيس
سالم يتجاهله وهو يقيّد جسده بالجدار ويتناول الهاتفَ بعد عثوره عليه في موجةِ الضعف التي هاجمت ماجد إثر خنقهِ له. أضاءَ وجه سالم بابتسامةٍ شرسة وهو يقرأ الاسم، بينما كان ماجد يصرخ بقهرٍ وهو يركلُ ساقهُ بقدمِه، ومرّت ثانيةٌ سريعة قبل أن يرفعَ سالم الهاتف لأذنه بعد أن ردّ على الإتصال وصمت مستقبلًا صوتَ الفتــاة التي هتفَت باندفـاع ....


،


تجلسُ على إحدى كراسي طاولـةِ المطبخِ بجزعٍ وهي تتأفأفُ وعيناها تبكيان، مسحت دموعها بقهرٍ لتلفظَ من بينِ أسنانها حاقدة : الله ياخذك يا سلطان الله يااااخذك ، أنا مين قالي أسمعك؟ ليه ماقفلت بوجهه وقفلت الجوّال بكبره وتجاهلته!!
عادت لتمسح عينيها المُحترقتين برائحةِ البصل وفركتهما بسبابتيها، وقد نسيت أنّها قطعت الفلفلَ منذ قليلٍ لتحترق عيناها أكثر وتصرخَ وهي تنهضُ بألمٍ وقدماها تبحثانِ عن المغسلةِ حتى تُسكن النارَ التي اندلعَت في عينيها، كانت تمدُّ كفيها أمامها كي لا تصتدمَ بشيء، ودموعها هذهِ المرّة سقطَت بقهرٍ وعجزٍ بعيدًا عن تأثير البصلِ وهي تشتم سلطان في سرّها، وقفَت أمام المغسلةِ وبحثَت عن مقبضِ الماءِ لتفتحهُ وتمسحَ وجهها وترشَّ عينيها بماءٍ باردٍ علّهُ يطفئ هذهِ الحرارةِ وهذا الألم.
غزل بنبرةٍ مقهورةٍ باكيـة : الله ياخذك من سابع سماه يا حيوان أنا مين قالي أجاريك ميييين؟!!
بقيَت لبعضِ الوقت في حالتها، تسكُن أمامَ المغسلةِ متّكئةً على حافتها تارة، وتارةً أخرى تعودُ لرشِّ عينيها بالماء حتى استطاعت أخيرًا فتحهما إلا أن النار لازالت تسكن زواياهما.
تنهّدت بقهرٍ وهي تتناولُ الصابونَ السائلَ وتغسلُ يدها جيدًا لتُزيل آثار الفلفل، أغلقَت الماء بعد انتهائها ومن ثمّ استدارَت تنظُر للطاولـةِ التي صارَ حالها لا يرثى لها من الفوضى! لم تكُن قد بدأت بعد لكنها كانت تقطّع الخضروات التي تحتاجها وبديهيًا كانت تحتاجُ عشرَ دقائقَ كاملة لتقطيعِ نوعٍ واحدٍ من الخضروات! تقطيعها مأساوي! .. تجهمت ملامحها ومطّت شفتيها بامتعاضٍ لتتحرّك باتجاه البابِ وهي تهتفُ هامسةً بتذمر : أنت وجهك وجه كبسة من يدي؟ أبرك لك تآخذ من مطعم وتلحس كوعك بعد حمد وشكر لله على إني قطّعت شيء وحرّقت عيوني بالبصل والفلفل.
كانت قد وصلت للبابِ وهي " تتحلطم "! توقّفت قبل أن تخرجَ من المطبخ، واستدارَت بوجومٍ تنظُر للطاولـةِ من جديد، حسنًا لا تُنكر أنها شعرت بالقليل من المتعة، لكن " عيونها أغلى والله! "، لوَت فمها بامتعاضٍ وهي تُخفض بصرها ناظرةً ليدها التي امتلأت بالفلفلِ وأحرقت عيناها، المرّة الأولى فلفل! وسيتبعها احتراقٌ وقطعٌ في إحدى أصابعها بالتأكيد إن لم تكُن كلّها.
غزل بوجوم : أتخيّل يدي تتشوّه بعد هالعمر وأنا اللي عمري ما طبخت شيء ، ماش نتنازل لك يا طويل العمر ومنها أغيّر جوي شوي والا هو مو عشان سواد عيونك!
مطّت شفتيها لتعودَ أدراجها للطاولـة وتجلس حتى تكمل التقطيع بحذرٍ وبطء، وقد كانت تسرقُ نظرةً وأخرى لهاتفها بجانبها والذي كانت قد اطّلعت على طريقةِ عملِ الكبسةِ منه.


،


بعد صلاةِ الظهرِ بوقت
تجلسُ ضمن أجواءٍ كئيبةٍ بالنسبة إليها، تتذوّق الأرز بشهيةٍ مسدودة وهي ترى ابتسامةَ فواز مع أمه التي تحادثه بدلالٍ أمومي. الآن أرغمها على النزول والأكل معهم قسرًا! كيف يتجرأ؟!!
نفخَت فمها الفارغ من أي لقمةٍ لتزفُرَ بقنوط، لم تأكل سوى القليل والآن الملعقةُ تطوفُ في طبقها جيئةً وذهابًا وهي تسترجع اللحظة التي دخلَ فيها فوّاز إليه وأمرها بالنزول للغداء، وحين رفضَت نطقَ بجملةٍ جامدةٍ ليخرجَ من بعدِ أن ألقاها غيرَ سامحٍ لها بالإعتراض " أنا مو جاي آخذ موافقتك، بتنزلين والا والله ما يصير طيب. "! ووجدَت قدماها بعد تهديدهِ ذاكَ تتحرّكان باقتضابٍ وانصياعٍ غريبٍ عنها لتنزِل وتُشاركهما هذهِ الجلسةَ البليدة! المُنفرةِ من كلِّ معاني الاجتماع على مائـدةِ طعام عائلية. آهٍ ما أجمل اجتمـاع عائلتها هي فقط! مشاكساتُ ليان، رقّة أرجوان وصمتُها وهي تأكُل بحجّة أنها تحترم نعمةَ اللهِ وليس وقت الطعام هو الأنسبُ للضحكاتِ والحديث، ابتسامةُ والدها لمبدئها، وأوامرُ أمّها لليان بأن تتعقّل وتتركَ الفوضويَة في أكلها. آه! يا لذاذةَ تلكَ الوجبـات، الآن تشعر بالندمِ على كلِّ وجبةٍ فرّطت بها بحجّة " الزعل " أو الحمية! على كلِّ وجبةٍ فرّطت بالجوِّ العائلي فيها، على تململها حين تشبعُ وتأمرها أمها بأن تأكل المزيد، لتَبقى طيلة جلوسها الباقي معهم تلعب بالمعقةِ على الطبقِ كما تفعل الآن، تقطّع الأرزَّ لأنصافٍ كما تفعلُ الآن، يظلُّ كوبها الثاني من العصير والذي سكبته لها أمها ممتلئًا كما كوبها الأولُ الآن، تُقطّب وجهها وتنظُر للطعامِ أمامها بمللٍ لتنهضَ بعد أن يُفرجَ عنها دونَ أن تحمِد الله. لطالمـا كانت تُسمِّي لكنها تنسى الحمد! فهل هذا عقابٌ على عدمِ شكرها للهِ على نعمته تلك؟ هل تبدّل حالها لأنها لطالما نسيَت الحمد بعد كل وجبة؟! يا الله كان سهوًا، لم أتعمّد عدمَ حمدكَ وشكرك، سقطَ الحمدُ سهوًا من فمِي، وسقطَت تلك الأجواء ليعتليها البرود، اشتقتُ لكلِّ شيء، لكلِّ شيءٍ يا الله وأنت الوحيد العالِم بأنّ تلك الحميمية غادرتني حتى في أحلامي، باتت أحلامي بخيلةً عليْ، منامي كوابِيس! أرى فيها الضيقَ يسكنني ويُحيلُ بشرتِي إلى ضباب.
تنهّدت بضيقٍ وانعقدَ حاجبيها بألم، بللت شفتيها قبل أن تضعَ الملعقةَ وتهمسَ بالحمدِ لتنهضَ مغادرةً نحوَ المغاسِل، في حين كانت نظراتُ فواز تتابعها وهو يرى البؤس الصامتَ على ملامحها، لذا زفَر بضيقٍ هو الآخر لينبعثَ صوتُ أمه إلى أذنيه : لا تجبرها مرة ثانية تنزل إذا ما ودها
فواز يستديرُ إليها بسرعةٍ وهو يبتسم بتوتر، وبهدوء : ما جبرتها، سألتها وين تبين الغداء وقالت معانا
ام فواز بهدوءٍ مماثلٍ له : لا تكذب علي، واضح مغصوبة على الجلسة
فواز يعقدُ حاجبيهِ بضيقٍ وهو يقف، هاتفًا : ماعليك يمه احنا نتفاهم لا تضيّقين على نفسك بالتفكير فينا . . . أستأذنك
عقدَت حاجبيها دونَ رضا بما قاله، كيف لا تُضوّق على نفسها به؟! هي قلقةٌ عليه، من هذا الزواج ومن حياتِه مع جيهان والتي ترى أنها لا تُناسبه.

كانت قد نسيَت كفّها أسفلَ المـاءِ وشردَ عقلها بعيدًا عن هذا النطاق، جاء من خلفها وهو يُدرك شرودها، فابتسم ابتسامةً ضيّقة ومدّ كفهُ للصابونِ السائلِ ليفرّغ جزءً كبيرًا منه في كفّهِ ولو أنّ نزعةَ ضيقهِ أرادت تفريغَ المُحتوى بأكمله!
انتبهَت إليهِ جيهان لتسحبَ يدها من أسفلِ الماء وتتراجعَ تاركةً لهُ المجـال حتى يغسل يدهُ من المغسلةِ ذاتها، وقف في مكانها بصمتٍ بينما تحرّكت هي تنوي الخروج، إلا أنه منعها حين هتفَ بنبرةٍ هادئة وهو يغسل كفيه أسفل الماء دونَ أن ينظر إليها : ليه ما أكلتي؟
جيهان تقفُ قبل أن تخرج وتستديرَ إليه قليلًا، وبخفوت : أكلت
فواز بهدوء : تضايقتي من الجلسة مع أمي؟!
التوى فمها ببسمةٍ ساخِرة إلا أنها كبحت صوتها الحاقدَ من البزوغِ لتهتفَ بكبت : لا شدعوى وش أتضايق؟
فواز ويُدرك كذبها، هزَّ رأسه بالإيجاب وصمت منهيًا الحديث لتعضَّ زاويـةَ شفتها السُفلى وتُغادر.


يتبــع ..

كَيــدْ 28-10-15 06:45 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




دخَلت لغرفةِ والدِها تنوِي أخذ ملابسهِ المتسخةِ لتنظّفها بنفسها، فلطالما كانت ولازالت لا تحبُّ إلا أن تُنظّفها هي ومهما حدثَ لن تتغيّر عاداتها أبدًا. جمعتهَا في سلّة الغسِيل وخرجَت حاملةً لها، والدُها يجلسُ في الأسفلِ بعد أن جاءَه أمجد، لم تدخُل إليهما حتى الآن! وتركَت أمر إعدادَ الشايِ والقهوةِ للخادمـةِ على غيرِ العـادة.
اتّجهَت لغرفـةِ الغسيلِ وعقلها يغوصُ من جديدٍ في فكرةٍ سطعَت في عقلها قبل وقت، هل حدَثت فرصةٌ مـا لتُرضعها من ظنّتها " أمها "؟!! هل أمجد خالها فعلًا؟ لكن والدها لم يكُن ليرضى بهذهِ التباسطِ في علاقتها بِه، مهما حدثَ ومهما يكُن لم يكُن والدها ليرضى!
عضّت شفتها تطردُ تلك الفكرةَ من رأسها وهي تستعدُّ لغسلِ الملابِس .. مضَت لعشرِ دقائقَ في غرفَة الغسيلِ خرجَت من بعدها تجفّفُ يدها في تنورتها المطبّعة لتتّجه للمطبخِ تنوِي شُربَ المـاء، دخَلت وفتَحت الثلاجة وهي تسمعُ صوت والدها يصلها مختلطًا بصوتِ أمجد، تجاهلَت صوتهما وسكَبت لها ماءً في كوبٍ زجاجيٍ لتتنهّد بقوةٍ وإرهاقٍ يستحلُّ سكُونَ صدرها ويُحشرجُ أنفاسها، ارتشفَت منهُ القليلَ وعيناها تشردانِ بسطحِ الماءِ المستوي، بشفافيتهِ وصفائهِ حدَّ أنها ترى بوضوحٍ يدها البيضاء، لو أنّ الصفـاء يجيئُها في بضعِ قطراتٍ لربّمـا أصبحَت أحزانها أكثرَ وضوحًا، لأصبحَت دموعها تسقُط أمام والدها وحتى أمجد! لم تكُن لتكتمَ خيباتها، لم تكُن لتصمتَ على أحزانها ويجيشَ صدرها بأوجاعٍ تقطّع الحيـاةَ فيها.
عضّت شفتها بقوةٍ ووهنَت يدها، هاهي تُسافرُ مرةً أخرى نحوَ أفكـارِها السلبية التي انتشلَت ثباتها، وما إن غادرها هذا الثبـات حتى ارتخَت يدها دونَ شعورٍ عن الكوبِ ليسقطَ بمائِـه عند قدمها العاريةِ مباشرةً متحطمًا وتتناثَر شظايا عديدةً منهُ على قدميها، صرخَت بألمٍ أفاقَت عليه، وتراجعَت للخلفِ وهي تقطّب ملامحها بوجَع، تنظُرُ لقدميها بشفتينِ فاغرتيْنِ مُتأمّلةً الشظايا التي اخترقَت جلدها وجرحَت بشرتها الناعمـة، وفي لحظةٍ خاطفةٍ ركضَ الزمـان لترفعَ أنظارها نحوَ البابِ بسرعةٍ فورَ وصول صوتٍ لم تتوقّعه في هذا الوقتِ إليها محملًا بقلق : وش صـار؟!!


،


أصبَحت الساعةُ الثانية عشرةَ والنصف تمامًا، كانت لتوّها تُطفئ النارَ وهي تعضُّ إبهامها بتوتر، لا تدري إن كان الوقت كافيًا وانتهَى عند هذهِ الدقيقة، فتحَت الغطـاءَ بحذرٍ لتواجهها رائحةٌ شهيّة، ابتسمَت بتوترٍ وهي تنظُر لحبّات الأرز بعينيها، يكفيها، لا بأس، بالتأكيد نضجَت وانتهى الوقتُ هنا.
لوَت فمها وهي تُقنعُ نفسها بهذا الحديث، ثمّ أعادت الغطاء لتبدأ بتجهيزِ الأطباقِ بحماسٍ بعد أن بعثَت الرائحةُ ثقةً كبيرةً بما طبخَت، رتّبت الطـاولة بعد أن نظفتها من الفوضَى التي كانت، وضعَت الأطباقَ والملاعقَ وابتسامةٌ تشقُّ ملامحها السمراء، الآن ستثبتُ لهُ بأنّها من فئة " الناس اللي مهما سوّت يدينها تخلي الأكل حلو! " .. بللت شفتيها عند تلك النقطة وشعرت بانتشاءٍ وحماسٍ كبيرٍ يتصاعد، اعتدلَت في وقفتها ثمّ اتجهت للثلاجـةِ لتنظر للمتوفرِ من العصير، أخرجت اثنانِ " كولا " ووضعت كلّ واحدٍ بجانبِ طبَق، وفي تلكَ اللحظةِ تحديدًا كان البابُ الخارجيُّ يُفتح ليدخل سلطان وتستقبلهُ رائحة الطعـام التي كانت ظاهريًا " شهيّة "، ابتسمَ دونَ شعورٍ وأنفهُ مذهول، لكن كما يُقال " المظاهر خدّاعة "، وإن كان في الحقيقة لا يهتم كثيرًا لماهيَةِ ما ستطبخه، يكفيه أنّها فعَلت، وأنّهُ نجح في ملئِ فراغها الشاغرِ قليلًا.
اتّجه مباشرةً للمطبخِ وابتسامتهُ ترتسمُ على ملامحه، وقفَ يتّكئ على البابِ ناظرًا لابتسامتها البلهاء والتي كانت تغطّي ملامحها وهي ترتّب الطاولـة، حينها اتّسعت ابتسامته ليتنحنحَ حتى يُثير انتباهها، مُردفًا : أشوفك قاعدة تبدعين؟
رفعَت رأسها بسرعةٍ ناظرةً إليه قبل أن تتّسع عيناها وابتسامتها وهي تقتربُ منه بخطواتٍ واسعة، حتى وقفَت أمامهُ مباشرةً لتمدَّ يدها بعفويةٍ وتُمسكَ كفّه هاتفةً بحماس : وأخيرًا جيت ، يلا تعال اجلس وعطني رأيك
بلل شفتيه دونَ أن يفقدَ ابتسامته وهو يسحبُ كفهُ من يدِها بلطف، وبنبرةٍ رقيقة : طيب لحظة أبدل ملابسي
عادَت لتُمسك بكفّه بحماسٍ ومن ثمّ سحبته وهي تهتفُ برفض : لا بالأول تعال وتغدى والأكل حار ، ماهو حلو إذا برد
ضحكَ لحماسها ليمشِي خلفها بانصياعٍ وحماسها الطفولي يُشعرهُ بالرضا والراحة، سحبَت الكرسي للخلفِ حتى يجلس، حينها كبتَ ضحكةً أخرى لحماسها الكبير وجلسَ صامتًا ينظُر إليها وهي تأخذُ صحنهُ وتتّجه للأرزِ حتى تغرفَ لهُ بكرمٍ حاتمي، اتّسعت عيناه بذهولٍ ليلفظ بسرعة : يا بنت لا تحطين القدر كله ماني مآكله كل هذا والله
غزل بحماسٍ دونَ أن تنظر إليه : لا بتآكل أجلس ، مجلسني في المطبخ ساعتين ومنت مآكل؟
سلطان بضحكة : عسى ما انحرقتي أو تقطّعتي؟
غزل تستديرُ إليه حاملةً طبقهُ بعد أن ملأته، اقتربَت منه لتضعهُ أمامه : لا أبشرك احترقت عيُوني بالفلفل
سلطان يضحك : ماعليه تكبرين وتنسين
غزل بامتعاص : اترك الكلام وذوق يلا
نظرَ سلطان لطبقهِ وحبيباتُ الأرزِّ تبدو غيرَ ناضجةٍ تمامًا، لكنهُ ابتسمَ دونَ اهتمامٍ لشكلهِ وحتى الطعمُ لن يهتم له! فيكفيه أنها حاولَت ويكفيه أنّه استطاع دفعها لذلك.
رفعَ الملعقةَ ليتذوّقها، كانَ ملحها شبه معدومٍ إن لم يكُن معدومًا فعلًا! الأرز غيرَ ناضج، والمـاءُ لم يجفَّ تمامًا إضافةً لكونِها أكثرت من الفلفلِ قليلًا! لكنّ ملامحه لم تُظهر سوءَ ما طبخَت، بل على العكسِ رفعَ يدهُ إليها مُلصقًا طرفَ سبابتهِ بإبهامهِ في حركةٍ تُخبرها بأنه " ممتاز "، حينها أضـاء وجهها بسعادةٍ لتضحكَ دونَ شعورٍ وتلفظَ محرّكةً حاجبيها : شفت شلون ، أنا غزل ماني حيا الله
سلطان يبتسمُ لحديثها ويُكمل طعامه، بينما تحرّكت هي بحماسٍ باتّجاه بابِ المطبخ لتهتفَ بإشراق : بروح آخذ لي شور على السريع أبدل فيه ريحتي وأجيك ، ماني متأخرة
تابعها بصمتٍ مُبتسمٍ حتى اختفَت من ناظريْه، روحها طفوليةٌ مهما غيّبتها في قناعٍ كاذِب، تسعدُ لأبسطِ الأمـور، مديحٌ طفيفٌ يكفي لالتماعِ عينيها بسعادة، ولربما لو قدّم لها لعبة للأطفال لبكَت فرحًا !
عضّ شفتهُ ليضعَ الملعقةَ ويمدَّ يدهُ نحوَ العصيرِ حتى يفتحه، لكنَّ هاتفهُ قاطعهُ في تلك الأثنـاءِ برنّين رسالةٍ وصلته لتعودَ أدراجها وتتّجه لإخراجِ هاتفهِ من جيبِ ثوبه، ولم تكَد تمرُّ لحظةٌ حتى غابَت تلكَ البسمةُ وتجمّدت كفّه وملامحه وهو يقرأ اسم المرسـل .... سلمـــان

.

.

.


البارت الجـاي ماراح يتأخر وبيكون جميل وحافل بإذن الله :$$ إذا مرة مرة تأخر بيكون حدّه يوم الاثنين يعني مافيه أيام كثيرة بتفصلنا عنه

وَ للمعلومية : قصّة ماجد راح يغيب اكتمالها لفترة بسيطة لأنّه ولهالحد وصلنا للمطلوب في حبكتنا وبتكتمل لكُم في الوقت المناسب، - فلا تنسونها ولا تنسونها ولا تنسونها! -، وإذا اضطريتوا تحفظون رقم البارت يكُون أفضل لأن وقت اكتمال قصّته ضروري تكونون مجمّعين الحدثين وما يكون غاب عن بالكم!
وملاحظة : عبدالله " رئيس بدر " ماهو نفسه أبو ياسر لا تلخبطون! مجرد تشابه أسمـاء فقط.


+ إحدى متابعاتي الجميلات توفّت قريبة لها وزوجها وطفليْها! أتمنى تدعُون لهم بالرحمة والفردوس الأعلى وإن الله يصبّرها في مُصابها ويحوّل كل حزن لفرح في القريب العاجل.
الله يرحمهم ويوسّع مدخلهم ويغلّفهم برحمته.



ودمتم بخير : كَيــدْ !

fadi azar 30-10-15 12:13 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
الله يرحمهم يصبر اهلهم

أبها 30-10-15 02:40 PM

السلام عليكم أختي كيد وجميع المتابعات ..

ماجد أو متعب ..قصته مؤثرة جدا ووقع بين براثن أناس
تشربوا الإجرام ..متاجرة بالأسلحة ! إذا فليس بمستغرب
أن يمتهنوا القتل ويتسلوا بالتعذيب !.
لكن كيف وصل متعب إلى باريس ؟ وبمساعدة من ؟ .
أدهم هو فقط من يعلم بمكانه إضافة إلى سند
.هل يكونا هما من ساعداه؟
لن أخمن فأنا فاشلة في التوقعات
متشوقون لمعرفة المزيد يا كيد .

أتوقع أن ناصر جاء مشيا على قدميه بعد
سماعه لصراخ جنان ..😊 هل أصبت في التوقع ؟

كل الشكر والتقدير لمبدعتنا كيد .🍃🌸🍃

كَيــدْ 02-11-15 09:19 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 


-
-


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مساء الورد :$ معليش ما دخلت من بدري عشان انتظاركم للحين
بس البارت إن شاء الله ماراح يتأخر مرة، ثلاث ساعات أو أربع أكمل كتابة فيها وساعة أراجع وبعدها بينزل لكم بإذن الله :"" يعني بينزل حول 2 أو 3 ؛ فاللي ودها تنام تنام لا تنتظر وإن شاء الله تصبّح عليه ()

شكرًا لانتظاركم وثقتكم ممتنة لكم جدًا :$$


كَيــدْ 03-11-15 02:16 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 






-
-

صباح الخير على الصاحيين.

شوي وينزل جزء اليوم. الرجـاء عدم الرد لأنه بيكون فيه شويّة تأخير بنزول كل جزء ورى الثاني.


كَيــدْ 03-11-15 02:23 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 





سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافية ، وعسى الممتحنين مبيضين الوجه بس :$$

بسم الله نبدأ.
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبـادات


(58)*1





ابتسمَ وهو يرى وجه أرجوان المُنتفخِ لنومها في هذا الوقتِ على غيرِ العـادة، كان يجلسُ على إحدى أرائك الصالة وهي تقف مستندةً على إطار بابِ غرفتها وتفركُ عينها اليُمنى بكفها، وبرقة : غريبة نايمة بهالوقت !
أرجوان ببحّة النوم، لفظَت : مليت ومالقيت لي إلا أنـام، شلون دخلت؟
يوسف بابتسامةٍ وهو يفتحُ ذراعيه لتقتربَ منه : هالمرة ما نسيت المفتاح الثاني
ابتسمَت بكسلٍ لتقتربَ منه حتى جلسَت بجانبهِ ووضعت رأسها على صدرهِ ليضمّها إليه بحنان، أغمضَت عينيها بدلالٍ ودائمًا ما يكُون الأبُ هو العشيقُ الأول ولا يسبقهُ رجُل.
بدأ يمسحُ على شعرها المتناثرِ بفوضويةٍ على كتفيها وهو يهمسُ بهدوء : كيفها ليان؟
أرجوان باسترخاءٍ وحركةُ صدره المنتظمةِ صعودًا وهبوطًا تبعثُ في نفسها الأمـان والحياة : صارت حالتها كويسة، بس تتدلّع
يوسف بحب : يحق لها
أرجوان تضمُّ شفتيها لتمدّهما للأمـامِ بدلال : يعني لأنها آخر العنقود؟ مسكينة البنت الوسطى دايم حقها مسلوب من البِكر وآخر العنقود
ضحكَ وهو يمسحُ على ظهرها ويلفظَ بحنان : هالبنت الوسطى غطّت على خواتها بعقلها فما يحتاج نثبت لها بأي طريقة غلاوتها
أرجوان : أووووه أجل جيهان عقلها ماش ولابد! طيب طيب بيوصلها ويجيك العقل بعدين
ابتسمَ ابتسامةً باهتةً لتصمتَ هي في المقابلِ حينما تحشرجَ تنفسهُ وشعرت باضطرابِ صدره، عقدَت حاجبيها وهي تفتح عينيها وتضوّقهما بضيق، زفَرت بألمٍ وابتعدَت عنهُ قليلًا شاتمةً نفسها في داخلها، ابتلعَت الضعفَ الذي ناورَها في هذهِ اللحظة لتهمسَ بتهكّمٍ وابتسامةٍ ضيّقة : أوافقك تراها غبية
يُوسف يُشتت عينيه ليزفرَ ويلفظَ بضيق : الله يسعدها ويوفقها بحياتها.
أرجوان : محد يسعد بحياته وهو عاق! هذا اللي ما يخليني أرتاح لما أفكر فيها.
يوسف بحدة : أرجوان!
أرجوان بقهر : وأنا الصادقة صح أحبها وهي أختي الكبيرة بس مو معناته ما أعترف إنها سيئة! وصدّقني بتشوف كل اللي تسويه من عيالها * وقفَت بعنفٍ لتُردف * من ولدت وأنا متعودة على مقولة " عيالك بيعاملوك بنفس طريقة معاملتك لأمك وأبوك "! الحياة دين يا يبه الحياه دين.
عضّ شفتهُ والضيقُ والألمُ يرتسمُ في وجههِ بألوانٍ لا تُمحى ولن يمحيها الزمن، بألوانٍ سوداءَ معتمةً أسكنَت تقطيبةَ وجعٍ على جبينه لتتأوّه أخيرًا وهي تعودُ لتجلس بجانبهِ وتضعَ رأسها على كتفهِ ودمعةٌ خائنةٌ سقطَت من عينها اليُسرى، دمعةٌ تسقُط لتكسرَ كل موجةِ راحةٍ قد تباغتها وتَسكُنها، كيفَ أسكُن وألمكَ يحتاجُ دمعًا فقط حتى يكتمل؟ كيفَ أرتاح وأنتَ راحتي التي جُرحَت ومزّقها الزمنُ و - ابنة - ليتها تدركُ ماهيَ فاعلة! ليتها تدرك كم تقسو عليك وكم تدفعني للحقدِ على أفعالها. قلتها مرةً وسأُعيد، لن أسامحكِ يا جيهان وأنتِ حُزن والدي والتجعيدةَ بين حاجبيْه.
قبّلت كتفهُ باعتذارٍ وهي تهتفُ ببحّةٍ تتكثّفُ في حنجرتها لتختلطَ مع كل كلمةٍ تعبرها : آسفة ، ما قصدت أزعّلك بكلامي، آسفة يبه
تنهّد يوسف وهو يُغمضُ عينيه لفترةٍ طالت قبل أن يُديرَ رأسهُ إليها ويهتفَ بصوتٍ خافتٍ رخوي : إذا باقي لكم شيء ما جهزتوه خلّصوه بسرعة .. رحلتنا الساعة 10 بالليل


،


اتّسعت عيناهُ وملامحهُ تتجمّدُ كالصخر، حدقتاه تتحرّكان من جديدٍ بادئتين بأول حرفٍ في تلكَ الرسالـةِ حتى آخرها ، " مساء الخير، ما أظن نسيت العادة اللي كنّا وأتمنى - لازلنا - بنسويها كل ثلاث شهور وهي عشـاء مفتوح في بيت فهد وباسمه، مرّت خمس شهور على آخر مرّة سوينا فيها هالعادة! وأنت شكلك نسيت الموضوع بكبره، واضح وش كثر الصدمات تخلّيك توقف حياتك! "
جفّت حنجرتهُ ودونَ شعورٍ رفعَ كفّه الأخرى ليضعها على مقدمةِ عنقهِ وكأن الكلماتِ والأحرف ستزهقُ روحه وتنتشل الحيـاة منه، ماذا يُريد بالضبط؟ ماذا يريد من الإهتمـام بهذا الموضوع المتعلق بوالده؟! هل يقصد استفزازه فقط؟ بكل وضاعةٍ وبالسلاحِ الأقسى!! بأبيه الذي قتلهُ بنفسه؟ ممَ هو؟ يُريد أن يفهم فقط كيفَ يفعلُ كلّ ذلك ويُناقض نفسه وكل شيء! يناقضُ الزمنَ والقسوةَ التي صبّها فيما فعلَ وفي كلماته أمامه كثيرًا!
وقفَ بعنفٍ ليتراجعَ الكرسي للخلفِ بقوةٍ مُحدثًا جلبةً وفوضى لا تجيءُ نصف الفوضى في صدره، تحرّكت قدماهُ ليتّجه لغرفتهِ وهو يتنفس بتحشرج، دخلَ ليُغلقَ البابَ من خلفهِ ومن ثمّ رفعَ الهاتفَ إلى وجههِ وهو لا يفكّر سوى بأمرٍ واحد . . بالإتصــالِ به!

رنينُ الهاتفِ يبزغ، قلبهُ انكمشَ للحظةٍ وصدرهُ ضاقَ ككلِّ مرةٍ يعُود فيه الزمنُ ليُكرر نفسهُ في ذكريات، في إطارٍ كان يجمعُ صورةً مـا لهُما، الشبهُ بينهما، السنواتُ بينهما، المواقف الكثيرةُ وسِنّهُ الذي كبُرَ معه، عاشَ برفقتهِ أكثر ممّا عاشَ مع والده، فكَان طبيعيًا قبل أن يعلمَ الحقيقة أن يردَّ بـ " أبوي سلمان " كلّما سأله أحدٌ من تحب أكثر! كان طبيعيًا جدًا، طبيعيًا جدًا قبل أن يراهُ بعينِ الشر.
انقطعَ الرنينُ بعد رنّتين، وجـاءَ صوتُ سلمان يحملُ في طيّاته ذهولًا لكنّه في ذاتِ الوقتِ يهتفَ بثبات : السلام عليكم.
سلطان باندفاعٍ وحقد : أنت وش تبي بالضبط؟!!
أطبقَ الصمتُ على سلمان من الجهةِ الأخرى لبعضِ الوقت، قبل أن يتنهّد ويلفظَ بهدوءٍ لا يتناسبُ مع هذا الوقتِ أبدًا : رد السلام أول.
سلطان بغضب : وعليكم!
سلمان بسخرية : هذي الرد للكفار ، قول وعليكم السلام ورحمة الله ، تعرفها والا أعلمك حبيبي؟
زمَّ سلطان شفتيه والدمُ يتصاعدُ في ملامحهِ من الغيظِ والقهر، شدَّ على قبضتهِ بجانبِ فخذهِ ليلفظَ بخفوتٍ حادٍ وهو يتمنى أن يبصقَ الشتائمَ على وجهه : الله لا يسلم كل صورة جمعتنا قبل!
صمتَ سلمان واستكنَ نَفَسُه، في حين غابَت النبرات عن صوتِ سلطان وهو يعقدُ حاجبيه بألمٍ ويلفظَ بخفوت : وش تبي بالضبط؟!
سلمان يُبلل شفتيه قبل أن يهتفَ بثبـات : ما أبي شيء غير إنّي أبلغك إن العشاء بُكره، وفي بيت فهد اللي هو بيتك، عارف إنّك خلصت تصليحات من زمـان.
سلطان بغيظٍ وأطرافهُ انتفضَت بالبساطةِ التي يهتفُ بها بعد ما فعله وبعد أن كان السبب في " خراب " هذا البيت : على كيف أبوك هو؟!!
سلمان يبتسمُ ببرود : طحت من عيني صراحة ما كنت أتوقع ولا واحد بالمية إنّك ضعيف لهالدرجة! حياتك توقف عند أي عقبة!
شتت سلطان عينيه ونارٌ تستعرُ في صدره، نارُ غضبٍ وقهرٍ تختلطُ ببرودةِ ألمٍ صقيعية تخترقُ عظامَه. تحرّكت قدماهُ بوهنٍ حتى وصلَ إلى سريرهِ وجلَس، مسحَ على وجههِ بكفّه المُحرَرة لينطقَ بخفوتٍ واهتزاز : ضعيف! أيه ضعيف ، لأن كل حياتِي زائفة وهذا بحد ذاته كافي!
سلمان : كل حياتك؟ والـ 12 سنة اللي كنت فيها بكنف أبُوك؟
سلطان بضياع : احتسبت حياتِي من وراها! عمري 15 سنة بس!
أطبقَ الصمتُ من جهةِ سلمان الذي كان يجلسُ على كرسيِّ مكتبهِ الجلدي أمامَ حاسوبهِ الذي انطفأ نورُه، ونظرةٌ في عينيه انطفأت! زمَّ شفتيه وأغمضَ عينيهِ ليتراجعَ بظهرهِ للخلفِ بعنفٍ اصتدمَ بظهرِ الكرسيِّ ودفعهُ للتراجعِ عبرَ إطاراته، ملامحهُ تجمّدت لثوانِ، وملامحُ سلطان من الجهةِ الأخرى أظلمت وهو يعضُّ شفتهُ السُفلى وضعفهُ مُزري! يكرهُ هذا الضعف، لكنّه يستحلهُ رغمًا عنه! يكرهُ هذا الاستسلامَ في صوتِه. لو أنّه يملك حلَقةً واحدةً تكفي ليأخذ سلمان جزاءهُ فيرتاح! لو أن تلكَ القضية لم تندثِر بـ " راضِي "! لو أنّه كان فقط أقلَّ غموضًا وأقلَّ براعة! لكان الآن ارتـاح على الأرجح! لكان ارتاح مهما كان قبلًا قريبًا منهُ حدَّ أنه يناديهِ بـ " يُبه "! شُوّهت تلك الكلمة بأقذعِ الأفعـال، بكلِّ دمٍ بارد، انتحَل الأبوّةَ وهو اليتيمُ إليها، علّق قلبَ طفلٍ بهِ وكبرَ الطفلُ دونَ قلبهِ الذي مهما أقنعَ نفسه لن يستطيعَ أن يُكمل حياتهُ كما يجب! حياتهُ انحصرَت بِخمسةَ عشرَ عامًا فقط، كل السنينِ السابقة لم تكُن حياةً بقدرِ ماهي فقط تأشيرةٌ إليها.
فتحَ سلمان عينيهِ وانخفضَ صدرهُ بتنهيدةٍ صامتـة، تقدّم جسدهُ للأمـامِ من جديدٍ ليُبسطَ ذراعهُ فوقَ سطحِ المكتبِ قبلَ أن ترتسمَ ابتسامةُ سخريةٍ لاذعة على شفتيهِ وهو يهتفُ بتهكم : أجل اعتبر نفسك مالك حيـاة، مو عشان حياتك زايفة على قولتك بس لأنّك وقفت عند هذاك الزيف وما قدرت تبني لنفسك حقيقة بعد ما تشطب الـ 27 سنة اللي فاتت وتبدأ عُمرك من جديد.
أردفَ بسخريةٍ بعد صمتِ سلطان : مُثير للشفقة.

يتبــع ..

كَيــدْ 03-11-15 02:38 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 





: وش صار؟ ليش الصراخ!!
رمَشت سريعًا ودونَ استيعاب وهي تنظُر لأمجد الذي وقفَ عند البابِ عاقدًا حاجبيه ونظراتهُ يُمررها من أعلاها لأسفلها ليتأكّد إذا ما كان هنـاك شيئًا، بينما ازدردَت هي ريقها بتوترٍ وشدّت شفتيها اللتين ارتعشتـا لتهمسَ بإحراجٍ وهي تشتت حدقتيها للأسفلِ متجاهلةً الألمَ في قدميها : الكوب طاح وانخرشت ، ما فيه شيء.
اشتدّت تعقيدةُ حاجبيه وتصلبَ وجههُ بينما نظراته تبدّلت لازدراءٍ وكُرهٍ لم ترهُ في حين كانت نظراتها بعيدةً عنه، ارتفعَت زاويـةَ شفتهِ العُليا في صورةِ نفورٍ منها وهو يهتف بصوتٍ لاذع : دلع بنات في النهايـة * استدارَ عنها ناويًا الخروج والابتعاد * هه، كالعادة ماورى راسك إلا المصايب.
زمّت شفتيها بألمٍ لحديثهِ والتمعَت عيناها بشعورٍ قاسٍ من النُبذِ تجاهها، لم تكُن يومًا تتألّم من حديثهِ ونظراته كما الآنَ وبعدما علِمَت السبب وراء هذا الكُره، بعدما علمَت كم أنّها دخيلةٌ بدرجةٍ تكفي لبعثِ كلِّ أنواعِ الكره والإزدراءِ في النفُوس. سمعَت صوتهُ يرتفعُ قليلًا مطمْئنًا لناصِر الذي كان هو بالتأكيد من فزعَ لصرختها وطلب منهُ الاطمئنانَ عليها، فهو بالتأكيد لن يهتم! لن يهتم لنكرةٍ مثلها.
تحرّك ينوِي المـغادرة، إلا أنه في النهايـةِ تراجعَ إليها وأدارَ رأسه نحوها دونَ أن يُديرَ جسدهُ بالكامل إليها، نظَر لهيئتها الضعيفة وهي تنظر للأسفلِ تضمُّ كفيها ببعضهما، ترتعشُ بصورةٍ غيرِ ملحوظةٍ لم يرَها، قبل أن يلفظَ بصوتٍ غليظٍ وجامد : مبروك على الزواج.
رفعَت رأسها إليهِ بسرعةٍ متفاجئـةً مما انطلقَ من شفتيه تجاهها، عيناها اتّسعتا قليلًا وشفتيها انفرجتا بذهولٍ مما جعلهُ يبتسمُ بسخريةٍ ويتحرّك مبتعدًا هذهِ المرّة تاركًا لها تتوهُ في تناقضهِ وتقلّباتِ لسانهِ التي نقشتهُ في صـورةٍ لا تفقهها.


،


فتحَ البابَ بكفّينِ تحتضنهما البرودة، دخَل شقّتهُ الخاويـة على عروشها ليزفُر بعمقِ ما تشاركهُ مع وحدتِه، أصبحَ صديقًا للجمادات، كلّما تباعدَت فطرتهُ في الحيـاةِ مع الناس وجدَ الجماداتِ تقتربُ لتصبحَ صديقته، تحتضنُ المرآة صورتهُ كلَّ يومٍ حتى يُحادثَ نفسهُ بالصبـر، فكلّ ذلك سينتهي، وإن لم يكُن بحيـاةٍ أفضل فسيكُون بممات.
أغلقَ البابَ من خلفهِ والتصلّب يشقُّ ملامحه، عينـاهُ تنطفآن بكلِّ الذكرياتِ التي سردها اليوم على فيصل، ليست كل الذكريات! فهو لم ينحلَّ بعد من حذرهِ ليُخبره عن كل شيء، اقتصَر في سردِ تلكَ الليلةِ فقط، وقليلٌ مما تبعها وجعلهُ غائبًا، ولم يُخبره عن ما تبقّى ولا عمن تبقّى.
رمَى نفسهُ بإهمـالٍ على أريكةِ الصالـة الكريمية، زفَر وهو يسندُ رأسهُ للخلفِ وصورة أدهم جاءته ممن دثّرهُم بعيدًا عن حديثِه، ممتنٌ له! كيف أنّه ساعدهُ كثيرًا في محنته، كيفَ أنّه غيّب الكثير من الصعوبـاتِ التي واجهته .. وسأبقى ما حييتُ أحتضنُ كلَّ ما فعلتهُ لي. بلل شفتيه بلسانهِ ومن ثمَّ أخرجَ هاتفهُ من جيبهِ ليتّجه لرقمهِ حتّى يتّصل به، وضعَ الهاتفَ على أذنه ليتابعَ الرنينَ بأسماعِه حتى حلّ محله صوت أدهم الباسم : حيّ الله صاحب الصوت الغائب.
ماجد يبتسم : الله يحييك.
أدهم : كيفك يا رجّـال؟ زين إنّك فكّرت تتصل ، تغلّيت وقلت بشوف إذا بيفكر فيني أو لا.
ماجد يميلُ برأسهِ قليلًا ممرغًا لهُ في الأريكةِ وصداعٌ يحشُر نفسهُ في رأسهِ قسرًا : اترك الكذب عنك دايم أتّصل عليك أنا.
أدهم : يا كذّاب! أظن لو ما أفكر فيك ما سمعت صوتك.
ضحكَ ماجد ضحكةً مبتورة وهو يُغمض عينيه : طيب ليه محسسني إني زوجتك؟
أدهم : افا عليك! الأولى والثانية والثالثة والرابعة بعد.
ماجد يشهقُ ويفتح عينيه : حرام عليك تبيني أموت؟
أدهم يرفعُ إحدى حاجبيه بغرور : والله ولك الشرف بعد ... * أردف بجديةٍ هذهِ المرّة * أقول ما عليك من هالحكِي ، كيفك أنت؟ بالفترة الأخيرة صرت متغيّر ... * بشك * صاير شيء؟
صمتَ ماجد لبعضِ الوقتِ قبل أن يتنهّد ويحرّك كفه اليُسرى باتّجاهِ مقدّمةِ عنقهِ حتى يريحها على بشرتِه وكأنّ حنجرتهُ تنتفضُ بردًا بغصةٍ وكفهُ ستدفئها، بلل شفاههُ في حينِ عقدَ أدهم حاجبيه بقلقٍ لصمته، وقبل أن يلفظَ بشيءٍ سبقهُ ماجد ببعضِ الهدوء : حصّلت أحد بيساعدني ويطلّعني من هاللي أنا محتجز فيه!
فغَر أدهم فمهُ دونَ استيعابٍ في بادئ الأمـر، قطّب جبينه للحظةٍ مرّت بسرعةٍ حتى وجدَ حاجبيه يرتفعانِ وصوتُه يتسلل من بين شفتيه مصدومًا : كييييف؟؟!
ماجد بهدوء : اللي سمعته ، واحد اسمه فيصل سلمته مصيري بعد الله وقال إنه يقدر يساعدني.
أدهم بانفعال : متأكد؟ متأكد بيساعدك!!
ماجد يُغمضُ عينيه بأمل : نقول يارب.
أدهم : واثق فيه؟
ماجد يصمتُ لبعضِ الوقت، وما كان ليحتاج أدهم سوى لثانيتين من الصمتِ حتى يصرخَ في وجهه : أنت مجنووون؟!
ماجد يتنهّد وينظر للأرضِ بفراغ : لا تحاتي ما جبت اسمك.
عضَّ أدهم شفتهُ بغضبٍ بعد ما قاله ليرتفعَ صوته صارخًا في أذنهِ بشتيمةٍ جعلته يجفل لثانيتين قبل أن يعضّ شفتهُ بغيظ : أدهم احترم نفسك!
أدهم بغضب : اللي يكون معاك ينسى الاحترام بكبره ... ما جبت اسمي؟ هذا تفكيرك فيني؟!! طيب ، خلّ هالفيصل ينفعك ولا طلع كذّاب بعدها فكر باسمي أو لا.
أغلقَ الهاتفَ بغضبٍ ليخلّف وراءه اجفالـةَ ذهولٍ على ملامحِ ماجد لانفعالهِ الذي يراهُ غيرَ مُبرّر، حاولَ الاتصال بهِ من جديدٍ لكن أدهم تجاهلهُ مما أثـارَ فيه الحنقَ ليلفظَ بقهرٍ وهو يرمي هاتفهُ بجانبه : بالطقــاق يا حرمه.


،


عبَرت البـرودةُ صدرهُ بعد الكلماتِ التي قالها، تجمّدت ملامحه وتصلّبت نظراته المتوجّهةِ للأرضِ بصمتٍ أطبقَ على حُنجرته، في حينِ وقفت " مثير للشفقة " نصبَ عينيه لتمرَّ لحظاتٌ بصمتهِ وصمتِ سلمـان من الجهةِ الأخرى وهو يُدرك جيدًا كيف ستكُون كلماتِه عليه.
ارتفعَ صدرُ سلطـان ببطءٍ في نفَسٍ متذبذب، وأغمضَ عينيه للحظـةٍ وهو يدرك قبلًا أنّ تلك الكلمة تشرحهُ حرفيًا فهوَ مهما أنكَر يبقى يمُوجُ في ضعفهِ حينمـا يستذكره، مهما حاولَ التجاهل تبقى الذكريـاتُ تمنعه، الكُره لا يكفي، الحقدُ لا يكفي، يحتـاجُ النسيان أو التبلد! يحتاجُ ما يجعلهُ يمرُّ على هذهِ الجراح ليثنر الملحَ ولا يشعر بحرقةٍ تعانقه وتنتشل كلَّ آهةٍ من صدرِه قسرًا.
بلّل شفتيهِ وأغمضَ عينـيهِ للحظـتين، كلُّ لحظةٍ ترقُص فوقَ أضلاعهِ على لحنٍ خاصٍ من الاندلاع، من النـار الداخليةِ التي تجرِي في عروقهِ بعنفٍ يتركُ لها الإصتدامَ بأقربِ ما تنولُهُ فتعزفُ لحنًا تفرّدت بهِ هيَ وصنعَت منه أغنيةً حزينة، وحُزنهُ تجاوزَ صوتَ النايِ بمراحِل، كم ظُلمَ النايُ بتعظيمِ حُزنهِ حتى آمنَ أنّ صوتهُ لا يجلبُ فرحةً عابـرة، في جسدي " موسيقار " ابتكرَ آلةً لم تُسمى ولن يُدوّنَ التاريخُ لها اسمًا، آلةً موسيقية خُلقت من ألـم، صوتُها أنينٌ وآه، تجلبُ الدموعَ ولا تزرع بسمةً مهما تاهَت في ألحانِها.
انتشَل صوتُ البـابِ هذا الصمت، فتحَ عينيه واستنشقَ الأكسجين بشهيقٍ عنيفٍ بعضَ الشيءِ بينما بقيَ سلمان من الجهةِ الأخرى يُشاركه الصمت طيلةَ ما مضى من لحظـات، يقرأ كلّ اختلاجاتِه من الحشرجةِ التي أنَّ بها صدرهُ وعرقَلت أنفاسـه. رفعَ سلطان أنظـارهُ إلى البابِ وبلل شفتيه وصوتُ غزل يأتيهِ متذمرًا : ليه سحبت على الأكـل؟ لا يكون ما عجبك وكنت تجاملني!
أنزلَ سلطان الهاتفَ إلى حجرهِ ليتنحنحَ قبل أن يعتلي بصوتهِ الجامدِ قليلًا حتى يصلها : روحي غزل ، شوي وبلحقك.
صمتت غزل من الجهةِ الأخرى وهي تقرأ الجفـافَ في صوتِه، لتتوترَ رغمًا عنها لكنّها في النهايـةِ هتفت بخفوتٍ وانصياع : طيب.
تابعَ سلطـان صوتَ خطواتها وهي تبتعدُ عن غرفتـه، حينها زفَر راسمًا عقدةً بينَ حاجبيه متجاهلًا كل الكلماتِ التي سردها سلمان على أذنيه وأيُّ استفزازٍ قد يُحاولـه، رفعَ هاتفهُ إلى أذنهِ من جديدٍ ليلفظَ بحدة : اسمع ، أنا موافق على العشـاء ، مو عشانك بس عشـان أبوي بس! وعلى قولتك ماني موقّف حياتِي عليك! إذا مو كل حياتِي فالجزء الباقي لأبوي.
لم يجبهُ سلمـان مباشرة وكلماتٌ تتصارعُ في حنجرتهِ بعيدًا عما يتحدّث بهِ سلطـان، لم يتركها حبيسةً داخلَ فمهِ بل أطلقَ لجامها ليسأله بقنوط : كيفك مع غزل؟!
سلطان يعقدُ حاجبيه مستنكرًا من الجهـةِ الأخرى، لكن سرعـان ما انفكّت تعقيدةُ حاجبيه ليرفعَ أحدهما باستفزازٍ ويلفظ بنبرةٍ مشدودة : شدخلك؟!
سلمـان بهدوء : مو شيء كثر ماني قاعد أتطمن عليها ، ترى مالها شغل فينا! لا تحاسبها على شيء.
سلطـان بغيظ : للمرة الثانية مالك دخل بحياتِي.
سلمـان دونَ اهتمـامٍ لما قال، لفظ : من طفولتها ماذاقت فرَح تام ، لا تذوّقها بالحُزن الحين.
صمتَ سلطان متفاجئًا من حديثِ سلمـان الذي يتوافقُ كثيرًا مع ما أدركهُ منذ فترةٍ تجاهها، انعقدَت الكلماتُ العنيفةُ في فمهِ وسكنَه الاستنكار لإدراكِ سلمـان لها والذي بقي هو لبعضِ الوقتِ حتى يُدركه، لفظَ بصوتٍ مستنكرٍ وهو يقطّب ملامحه : على أي أسـاس استنتجت إنها ما ذاقت الفرح؟!!
سلمان يبتسم : من كانت طفلة وأنا وفهد عارفين كل صغيرة وكبيرة عنها، تقدر تقول كنا مثل الأبوين لها خصوصًا إنها قريبة من عمرك ... ما تذكرها؟!!
ذهلَ سلطان بهذهِ المعلومةِ التي لم تمرَّ يومًا على لسانِها أو ليقُل لم تمرَّ على ذاكرتهما، لا يذكرها أبدًا! ولرُبّما هي أيضًا لا تذكر شيئًا متعلقًا بهِ حتى والدهُ وسلمـان، ماهذا التشابُك الصادم؟ والذي لم يتوقّعه ولو واحدًا بالمائة. انتشلهُ سلمان من ذهولهِ بصوتهِ الشـارد حينما أكمل بخفوت : وصلت طفولتها المؤلمة للضرب! أبوها مجنون رسمي، أو نقول سادِي! لدرجة إنه مرّة من المرات اعترف بكل وقاحة إنّ فيه أثار بجسمها من ضربه لها!
أجفَل سلطان وهو يستذكِر اللحظـة التي عاد فيها من مقرِّ الشرطـة تاركًا لنفسهِ هُنـاك بعد مقابلته لسلمـان، كيف أنّ يدهُ ارتفعَت في لحظةِ غضبٍ ودونَ شعورٍ ناويةً صفعها بعدَ شتيمتها لهُ وتقليلها من تربيته، كيفَ أنّ الذُعرَ أصابها لتصرخَ بخشيةٍ من كفّه أن تسقطَ على وجهها ... انقبضَ قلبهُ والتوَى حلقهُ بـألم، كـان يُدركُ أنّها لم تعِش حيـاةً سويّة، كان يُدركُ أنّ العالم لم ينصفها وسقطَت في براثِنِ صيّادٍ انتشلَ حقّها في الحيـاة كأيّ بشر، هي كالغزالِ البرّيِّ الذي وقعَ في مصيدةِ البؤس، فقدَت حرّيتها في الضحك، أسرَها الحُزنُ ونقشَ رماديّتهُ على بياضِ صفحتها.
سلمـانُ يردفُ بابتسامةٍ حمَلت بعضًا من السخرية : وإذا كنت طبعًا تنازلت عن قرارك بزواجك الصوري ذا أكيد ملاحظ هالآثار.
انتفضَت أطرافهُ بغيظٍ من وقاحتهِ في التدخل بشؤونِه، لذا هتفَ بنبرةٍ مشدودةٍ كالوتَر : للمرة الثالثة مالك شغل فيني.
سلمان بضحكةٍ مستفزّةٍ ووقاحة : لا تخالف فطرتك وتشكك العالم برجولتك عاد! جيب لنا ولد بسرعة عشان نناديك بو فهد.
سلطان ووجههُ اشتعلَ بغيظهِ وتحديدًا لأنّه يذكُر اسم والدهِ بسلاسةٍ وكأن الذنبَ ينسلخُ عنه، لفظَ بوقاحةٍ مماثلةٍ له : والله عاد غيرنا ما تزوّج أبد وهو اللي مشككنا برجولته!
سلمان : ههههههههههههههههه صاير وقح وقليل أدب يا ولد!
سلطان بابتسامةٍ مُغتصبَة : ومنكم نستفيد.
سلمان يبتسم ببرود : الوعد بكره.
تشنّجَ فكّه وتركَ لعقلهِ حرّية السفرِ لصورٍ من المستقبل القريب، أن يراه أمـامه، بهيئتهِ الواثقة وابتسامتهِ المتعجرفة بعد كلِّ ما خلّفهُ وراءه، وهل سيستطيعُ السيطرةَ على أعصابِه؟ كيفَ لهُ أن يسمحَ لهُ بالولوجِ لمكانٍ قتلَ فيهِ وأحرقه بعد سنين؟ كيف عساه يصبُر على رؤيتهِ ويتصنّع عكسَ الحقدِ أمـامَ العالمِ أجمع!! ... ازدردَ ريقهُ وقاومَ اختناقًا خلّفته كلماتٌ ملأت فمهُ ومنعَت الأكسجين من الولوجِ إليه، لفظَ بصوتٍ متخاذلٍ حاولَ اسكانَ الوهَن فيه : أنـا موافق ، بس بشرط!
رفعَ سلمـان إحدى حاجبيه، لكنّه لفظَ بهدوءٍ مستجيب : وأيش هو؟!
سلطان : العشاء يكُون في بيتك! ماني متحمّل أشوفك بنفس المكـان اللي حرقته.
سلمان بسخرية : يعني بيفرق؟ في النهاية بتشوف وجهي غصب عن عيُونك بعَد ، ولا تنسى إحنا تعودنا نخلي هالعشـاء بالبيت اللي كان عايش فيه فهد يعني ما يصير!
سلطان : هذا آخر اللي عندي.
تنهّد سلمان باستسلام : طيب ، لك اللي تبيه، طبعًا لأنك مثير للشفقة وحزنت عليك.
تجاهلَ سلطان كلامه بالرغم من كونِه استفزّه، لينطقَ بصوتٍ مغتاظٍ ونبرةِ كُره : إذا ما عندك شيء ثاني فـ مع السلامة.
ليُغلقَ دونَ مبالاةٍ لردّهِ ويسكُنَ للحظاتٍ ناظرًا للأرضِ والهاتفُ يقبعُ في كفِّهِ المعانقةِ لـه، في كلِّ مرةٍ يُقابلُ فيها سلمان أو يسمع صوته تشتعلُ نارٌ في صدرهِ وخليطٌ من الوجعِ والحقد، الأسى والتمنّي بأن يكون كل هذا كابوسًا امتدَّ لأشهرٍ غابَ فيها عن النهوض، لكن كل شيءٍ حقيقي! كل شيءٍ يزرعُ الأسى والحزن، كل شيءٍ كان زائفًا والآن ظهرت الحقيقة التي تمنى لو أنّه مات على نقيضها ولم يكتشفها.
زفَر بألمٍ لينهضَ ويتّجهَ للبـابِ حتى يلتحقَ بغزل التي أسكَنت فيه حُزنًا على حالها، رغبةً في ضمّها إلى صدره ومسحِ كلِّ وجعٍ شاركها طفولتها حتى الآن. لا تزالُ طفلة! وكأنّها نسيَت نفسها قبل سنين، في مكانٍ مـا، في لحظةٍ مـا، كبُرَ جسدها ونسيَت روحها المعتادةَ على النمو قبل سنينَ لتبقى طفلةً تتمنى الكثيرَ مما لم تحصل عليه في كنفِ والدٍ كمـا وصفهُ سلمان - سادي -.


يتبــع ..


كَيــدْ 03-11-15 03:09 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




يلتفّون حولَ طاولـةِ الطعامِ ووجهها متجعّدٌ دونَ رغبةٍ بما أمامها، وعدمُ رغبتها تلكَ ظهرت مليًا في تقطيعها لكلِّ حبةِ أرزٍ إلى أنصافٍ صغيرة، بينما عينا سيف تراقبها وإحدى حاجبيه ترتفعانِ باستنكارٍ لمـا تفعل، ليلفظَ أخيرًا بهدوء : ديما ، ليه ما تآكلين؟
رفعَت ديما نظراتها إليه لتكشّر : مالي نفس بشيء!
سيف بهدوء : لازم تآكلين.
نظرَت ديما لام سيف قبل أن تُعيدَ توجيهَ نظراتها إليه وتلفظَ بنبرةٍ باردةٍ بعض الشيء : خاطري بورق عنب، ومخلل خيار!
ابتسمَ لها ليُشير لعينيه ويهتف بنبرةٍ " رايقة " : أبشري.
رفعَت إحدى حاجبيها لمزاجهِ الجيدِ بعد الصبـاح، إن شبِّه بشيءٍ فهو كالطقس! يتبدّل في لحظةٍ ما دونَ مؤشراتٍ في كلِّ مرة، وإن جاءت لشرحِ مناخهِ المُعتاد فهو غالبًا ما يكون جافًا كصحراويته! قليلًا ما تستشعر الأمطـار منه.
لوَت فمها لتنظر لأرز من جديدٍ وتُكمل تقطيع حبّاتها، حانت نظرةٌ من ام سيف إليها وقتذاك لتعقدَ حاجبيها قليلًا وتلفظَ باستنكار : ديما! ليه اللعب بالرز إذا ما ودك لا تجلسين طيب!
نظَرت إليها ديما بضيقٍ بعد ما قالته، ضوّقت عينيها ولوَت فمها لتهتفَ بنبرةٍ هجومية : شكلي ضايقتك؟ آسفة خالتي إن شاء الله آخر مرة.
وقفَت بقليلٍ من الفظاظة ليرتفعَ حاجبي سيف بصدمةٍ مماثلة لانعقادةِ حاجبي امه، تحرّكت ديما مبتعدةً عنهما لتستديرَ ام سيف بذهولٍ إليه وتلفظَ مبررة : ما قصدت شيء!
سيف يبتسم بتوترٍ غاضِب : معليش يمه امسحيها بوجهي ، نفسيتها خايسة بهالفترة.
صمتت وهي تعقدُ حاجبيها بضيق، في حينِ حثّها سيف على متابعةِ طعامها ونهضَ بحجّة الشَّبَع، اتّجهَ للمغاسِل في بادئ الأمر حتى يغسلَ يدهُ وملامحه تحتدُّ بغضبٍ لأسلوبِها الفظِ معها، اتّجه ليصعد بعدما غسَل يدهُ وهو يعضُّ شفتهُ السُفلى بغيظ، قدماهُ تكسرانِ المسافةَ بخطواتٍ متباعدة، وصَل أخيرًا إلى الجناحِ ودخَل وهو يُحاول أن يسكنَ حنقهُ منها ويُهدِّئ من حدةِ غضبه.
وجدها تجلسُ أمام التلفاز تُفرّغ غيظها بجهازِ التحكّم في كبساتٍ متتاليةٍ عنيفةٍ عليه، رفعَ حاجبيه بحدةٍ وزمَّ شفتيه وهو يقتربُ منها لافظًا بعنف : مافيه شيء سلم منك؟ أول شيء الرز وبعدين الريموت؟!! طبعًا وما ننسى أمي.
عقدَت ديما حاجبيها بمزاجٍ متعكّر، لم تنظر إليه وقلّبت القنوات متجاهلةً له، حينها شدَّ على أسنانه بغيظٍ ليقترب منها أكثر حتى وقف بجانبها وانتشلَ جهازَ التحكّمِ منها، رماهُ على الطاولةِ بشدةٍ وهتفَ بنبرةٍ حادة : ليه رديتي على امي بهذيك الطريقة؟
رفعَت أنظارها الباردةَ إليهِ لتبتسمَ ابتسامةً جامدةً صقيعية وتلفظَ بهدوءٍ لا يتماثل مع حدّةِ مزاجه : أي طريقة؟
سيف بحدة : ديما وبعدين معاك!! يعني ما ترتاحين إلا وتسوين عشر مشاكل في اليوم.
زفَرت بحدةٍ وقلّة صبر لتنهضَ بعنفٍ وهي تتأفأف، تحرّكت أقدامها حتى تبتعد عنهُ دونَ أن ترد، لكنّ ردّة فعلها تلك استفزّته ليُمسكَ بعضدها قبل أن تبتعدَ ويجذبها إليه بقوّة، وبحدةِ صوتهِ لفظ : إذا أكلّمك ما تلفين عني . . والنهاية معك أنتِ؟ مصرّة ما تمشّين ولا يوم بسلام!!
زفَرت بنفادِ صبرٍ ليشدَّ على عضدها بقوّةٍ آلمتها وهو يحاول كتم غيظه، تركَها أخيرًا ليتراجعَ قليلًا ويلفظَ بغضب : انقلعي من وجهي ، ومرة ثانية تحترمين نفسك مع أمي ... ما توصل قلّة أدبك معاها سامعة؟؟!


،


دخَل للمطبخِ ليجدها متجهّمةَ الملامح، تحتضنُ لقمةً في فمها وتنظُر لطبقها ببؤسٍ وقهر، عضَّ شفتهُ وهو يتمنى لو أنّها ممن يتذوّق المرَّ حلوًا إن كـان من صُنع يدِه، لكن على ما يبدو فهي قد اكتشفَت فظاعةَ ما صنعَت.
تنحنحَ وهو يخطو إلى الطـاولةِ مُبتسمًا، حينها أدارَت وجهها إليهِ وهي تضعُ الملعقةَ على صحنها وتبتلعُ اللقمةَ المحشورةَ في فمها قسرًا، لتلفظَ أخيرًا بعتابٍ مقهور : تضحك عليْ هاه؟ هذا ، هذا ، هذا وش؟!! يييييع
ضحكَ رغمًا عنهُ لتعبيرِ ملامحها الطفولية، وبأسلوبٍ تربويٍ رفعَ اصبعهُ وكأنّه يُحادثُ طفلة : لا تقولين يع، ما يجوز هذي نعمة غيرك محروم منها.
غزل بامتعاضٍ تنفخُ فمها وشعرها المُبلل يطوفُ من حولها : ما أخذت راحتي في الحمام كله من الحمـاس عشان أذوق اللي طبخته، حتى شعري ما نشفته! ارجع غرفتك لك الحق تهرب والله.
سلطان يضحَك وهو يقفُ بجانبِ مقعدها مسندًا كفه على الطـاولة : ما هربت ، بس كان عندي اتّصـال مُهم
غزل بتذمرٍ ترفعُ نظراتها إلى وجهه : لا تكذب.
سلطان يبتسم : والله ما أكذب.
صمتَ واختفَت ابتسامتهُ وهو يتأمّل وجهها المُصفّى من أي " مكياج "، بحثَ في ملامحها عن أثرٍ ما ولم يجِد، لتنحدِر نظراتهُ إلى عنقها الظاهرِ من فستانها المُشجر " الكت " والذي يصلُ إلى نصفِ ساقيها، لم يجدْ ما يُثبِتُ ما قالهُ سلمان في عنقها بعد وجهها، لذا انحدرَت نظراتهُ أكثَر إلى كتفيها، عضديها، زنديها، ذراعيها، وكانت انحداراتهِ المتفحّصة تلك كافيةً لتبعثَ ارتعاشاتٍ عديدةً متناوبـة إلى جسدها وتحشرجَ أنفاسها وهي ترى نظراتهُ تلكَ بوضوحٍ بشكلٍ لم ترهُ من قبل، بشكلٍ لم تلمحهُ في عينيه ولا تدرك ماهيّتهُ بالضبط، ضمّت جسدها بذراعيها بذعرٍ من انحداراتِ حدقتيه على جسدها ليتنَبهَ هوَ لتوتّرها واضطرابها بعدَ جرأةِ نظراته، لكن توتّرها ذاكَ لم يكُن حاجزًا كافيًا حتى يتوقّف، يُريدُ رؤيـةَ الدليلِ على حياتِها الماضيـة، الدليلَ على هذا الفراغِ الذي يسكن عينيها وهذا الخواءِ في صدرها، يريد أن يحزن عليها أكثر! ليُدرك كم أنّ حزنهُ على نفسهِ لا شيءَ أمـامَ مُصابِ غيره، يُريد أن يمسحَ كلَّ جرحٍ وآخرَ بكفيْهِ ولمسةٍ حنونةٍ منه، لا يهمُّ ما وضعهما، لا تهم كيفية علاقتهما، هو أقرَّ بأنه سيغيرها دينيًا، سيغيّر أخلاقها، ومن المُجحف في حقها ألا يلتفت لجِراحها.
مدَّ يدهُ إليها ليُمسكَ كتفيها، انتفضَت وتجمّد جسدها وعينيها اتّسعتا ناظرةً لوجههِ بذعرٍ وترقّب، بينما كان لتصلّب ساقها رأيًا بعيدًا كل البعدِ عن الهربِ الآن أمـام نظراتهِ وتلك اللمسة، ما الذي يُريدهُ بالضبط؟!!
رفعها سلطان بهدوءٍ ليجعلها تقف، انصاعَ جسدها لهُ بعد أن أصبحَ في وزنِ الرّيشة بينما عينيها المتسعتينِ بذعرٍ لم تفارق ملامحهُ ونظراتهِ إليها، شفتيها فاغرتين تناجيانِ القليلَ من الهواءِ الذي انسحبَ في شكلٍ عكسيٍ إثرَ خوفها. بينما شدَّ سلطان على كتفيها ليُديرها قليلًا حتى واجهتهُ بظهرها الذي يضطربُ بتنفسها، مدَّ يدهُ ليُمسكَ بمقدّمةِ فستانها حتى يفتح سحّابه، حينها تيقّظت ساقيها وانطلقَ صوتها في صرخةٍ مذعورة لتحاول الهربَ إلا أنّ ذراعهُ التفّت على بطنها ممانعةً لها من الهرب، مثبّتةً لها على جسدهِ وظهرها الذي ابتعدَ بمقاومتها اقتربَ من صدرِه، دفئه يصلها جيدًا لينشر رعشاتٍ عنيفةً في كاملِ جسدها وهي تقاومُ ذراعهُ القويّةَ حتى تهربَ من براثنه، لكنها لم تكُن شيئًا أمـام قوّته! لم تكُن شيئًا وكان كلُّ مافيها ضعيفًا بذعرها عدا صوتها الذي كـان يخرجُ صارخًا : ابعد عني ، سلطـــان وش تسوي ابـعــد ... اتركنــــي.
شهقَت بقوّةٍ حينَ شعَرت بهِ يسحبهُ كاشفًا ظهرها لترتعشَ ساقيها بقوّةٍ وذعرٍ وينتهي دعمهما لجسدها، ولولا ذراعُ سلطان لكانت سقطت على ركبتيْهـا بضعفها ذاك . . .

.

.

.

انــتــهــى

موعدنا بحاول أرجّعه لبارت كل أربعة أيـام، إذا ما قدرت فبيكون يوم الأحد.
+ هالفترة إذا صار وشفت البارت ماهو طويل بشكل كافي بجزءه على جزئين ينزلون بمواعيد مختلفة، الجزء الثاني راح يحمل رقم البارت ككُل بدون تجزئية وبينزل مرة وحدة مع الجزء اللي يسبقه، ما أدري إذا بتزعجكم الفكرة أو لا! بس على هالوضع الروايـة بتوصل لرقم 200 بارت بعد :( :" أمزح مو ميتين بس بيكون رقم أجزاءها كبير ومُمكن مُنفر والسبب إن البارت نفسه ما نقول قصير بس ما يخدم طول الروايـة.
حاليًا أنا قاعدة أجمّع روابط الأجزاء عشان أحطها بأول صفحة، إذا اعتمدت كلامي اللي فوق راح ينزل بس رقم البارت " بعد إضافة الجزء الثاني " واللي يقراها مُكتملة بيكون البارت طوييييل جدًا وهالشيء طبعًا مهم لأنه بيقلص عدد الأجزاء.

+ أسيل وشاهين لعيُونكم بنجيبهم البارت الجـاي، الساعة 3 بالضبط كنت بضيف موقف لهم بس خلاص الوقت ما عاد يسعفني ونعست ووراي دوام فلازم أنام طبعًا :( فاضطريت أأجل تواجدهم للبـارت الجـاي، + محادثة سلمان وسلطان أكثر شيء تأخرت فيه بهالبارت واستنفدني عن بقية المواقف :("""
تصبحون على خير ()


ودمتم بخير / كَيــدْ !

أبها 04-11-15 05:48 PM

كل الشكر والتقدير ل كيد المبدعة ..

ضحكت على روحي وأنا أتوقع إن ناصر وقف على رجليه 😄.

فاشلة في التوقعات مية مية .

جزئية اليوم أكثر من رائعة .

أمجد ..قاسي قاسي قاسي ..

.ماجد وضياع العمر في الغربة و المجهول.. مؤلم حقاً أن تكون ميّتا
في نظر أحبتك ..ولا تتمكن من إبلاغهم بحقيقة وجودك .
هل يستطيع فيصل مساعدته فعلا ؟

ديما تغيرت كثيرا ..لا اعتقد سبب ذلك كون والدته فقط اقترحت عليه
أن يرد بثينه إلى ذمته ..أكثر ما أخشاه أن تتحول إلى نسخة مكررة
من جيهان ..

مرة أخرى ..شكرا من القلب .🍃🌸🍃

كَيــدْ 09-11-15 03:42 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 


-



مساء الخير والسعادة :$ نعتذر للتأخير النت انقطع وما رجع غير 12 بالليل وكنت وقتها خلاص اذاكر امتحان اليوم فما كان فيه مجال أراجع البارت وأنزله.
+ المهم الحين ان الجزء راح ينزل حول الساعة 7 قُرب العشـاء ()


- أبها ، عاد مافيه إشكالية من التوقعات الشاطحة يا كثر ما نشطح ^^ بس ما أخفي عليك ابتسمت متعجبة الفكرة :P


* دمتم بخير دائمًا والله يسعد أرواحكم ضعف ما تسعدوني.

كَيــدْ 09-11-15 06:16 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافية ، وعسى الممتحنين مبيضين الوجه بس :$$
للحين أنا مبيّضة الوجه بس خربتها بامتحان اليوم :( نقول الحمدلله وبس ()

يلا نخليكم مع البارت عساه يكون مُمتع لكم :$ طبعًا جمعته مع الجزء السابق مثل ما قلت وخليته بارت واحد، وكذا نقلل من احتماليـة وصول عدد البارتات لفوق المئة.

استلموه الحين. وهمسـة لكل قارئ ولكل يد تكتب كلام حلو، عسى ربي يسعدكم ويرزقكم الراحـة من حيث لا تحتسبون، الله يسلم وجوهكم الطيبة ()


بسم الله نبدأ.
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبـادات


(58)




ابتسمَ وهو يرى وجه أرجوان المُنتفخِ لنومها في هذا الوقتِ على غيرِ العـادة، كان يجلسُ على إحدى أرائك الصالة وهي تقف مستندةً على إطار بابِ غرفتها وتفركُ عينها اليُمنى بكفها، وبرقة : غريبة نايمة بهالوقت !
أرجوان ببحّة النوم، لفظَت : مليت ومالقيت لي إلا أنـام، شلون دخلت؟
يوسف بابتسامةٍ وهو يفتحُ ذراعيه لتقتربَ منه : هالمرة ما نسيت المفتاح الثاني
ابتسمَت بكسلٍ لتقتربَ منه حتى جلسَت بجانبهِ ووضعت رأسها على صدرهِ ليضمّها إليه بحنان، أغمضَت عينيها بدلالٍ ودائمًا ما يكُون الأبُ هو العشيقُ الأول ولا يسبقهُ رجُل.
بدأ يمسحُ على شعرها المتناثرِ بفوضويةٍ على كتفيها وهو يهمسُ بهدوء : كيفها ليان؟
أرجوان باسترخاءٍ وحركةُ صدره المنتظمةِ صعودًا وهبوطًا تبعثُ في نفسها الأمـان والحياة : صارت حالتها كويسة، بس تتدلّع
يوسف بحب : يحق لها
أرجوان تضمُّ شفتيها لتمدّهما للأمـامِ بدلال : يعني لأنها آخر العنقود؟ مسكينة البنت الوسطى دايم حقها مسلوب من البِكر وآخر العنقود
ضحكَ وهو يمسحُ على ظهرها ويلفظَ بحنان : هالبنت الوسطى غطّت على خواتها بعقلها فما يحتاج نثبت لها بأي طريقة غلاوتها
أرجوان : أووووه أجل جيهان عقلها ماش ولابد! طيب طيب بيوصلها ويجيك العقل بعدين
ابتسمَ ابتسامةً باهتةً لتصمتَ هي في المقابلِ حينما تحشرجَ تنفسهُ وشعرت باضطرابِ صدره، عقدَت حاجبيها وهي تفتح عينيها وتضوّقهما بضيق، زفَرت بألمٍ وابتعدَت عنهُ قليلًا شاتمةً نفسها في داخلها، ابتلعَت الضعفَ الذي ناورَها في هذهِ اللحظة لتهمسَ بتهكّمٍ وابتسامةٍ ضيّقة : أوافقك تراها غبية
يُوسف يُشتت عينيه ليزفرَ ويلفظَ بضيق : الله يسعدها ويوفقها بحياتها.
أرجوان : محد يسعد بحياته وهو عاق! هذا اللي ما يخليني أرتاح لما أفكر فيها.
يوسف بحدة : أرجوان!
أرجوان بقهر : وأنا الصادقة صح أحبها وهي أختي الكبيرة بس مو معناته ما أعترف إنها سيئة! وصدّقني بتشوف كل اللي تسويه من عيالها * وقفَت بعنفٍ لتُردف * من ولدت وأنا متعودة على مقولة " عيالك بيعاملوك بنفس طريقة معاملتك لأمك وأبوك "! الحياة دين يا يبه الحياه دين.
عضّ شفتهُ والضيقُ والألمُ يرتسمُ في وجههِ بألوانٍ لا تُمحى ولن يمحيها الزمن، بألوانٍ سوداءَ معتمةً أسكنَت تقطيبةَ وجعٍ على جبينه لتتأوّه أخيرًا وهي تعودُ لتجلس بجانبهِ وتضعَ رأسها على كتفهِ ودمعةٌ خائنةٌ سقطَت من عينها اليُسرى، دمعةٌ تسقُط لتكسرَ كل موجةِ راحةٍ قد تباغتها وتَسكُنها، كيفَ أسكُن وألمكَ يحتاجُ دمعًا فقط حتى يكتمل؟ كيفَ أرتاح وأنتَ راحتي التي جُرحَت ومزّقها الزمنُ و - ابنة - ليتها تدركُ ماهيَ فاعلة! ليتها تدرك كم تقسو عليك وكم تدفعني للحقدِ على أفعالها. قلتها مرةً وسأُعيد، لن أسامحكِ يا جيهان وأنتِ حُزن والدي والتجعيدةَ بين حاجبيْه.
قبّلت كتفهُ باعتذارٍ وهي تهتفُ ببحّةٍ تتكثّفُ في حنجرتها لتختلطَ مع كل كلمةٍ تعبرها : آسفة ، ما قصدت أزعّلك بكلامي، آسفة يبه
تنهّد يوسف وهو يُغمضُ عينيه لفترةٍ طالت قبل أن يُديرَ رأسهُ إليها ويهتفَ بصوتٍ خافتٍ رخوي : إذا باقي لكم شيء ما جهزتوه خلّصوه بسرعة .. رحلتنا الساعة 10 بالليل


،


اتّسعت عيناهُ وملامحهُ تتجمّدُ كالصخر، حدقتاه تتحرّكان من جديدٍ بادئتين بأول حرفٍ في تلكَ الرسالـةِ حتى آخرها ، " مساء الخير، ما أظن نسيت العادة اللي كنّا وأتمنى - لازلنا - بنسويها كل ثلاث شهور وهي عشـاء مفتوح في بيت فهد وباسمه، مرّت خمس شهور على آخر مرّة سوينا فيها هالعادة! وأنت شكلك نسيت الموضوع بكبره، واضح وش كثر الصدمات تخلّيك توقف حياتك! "
جفّت حنجرتهُ ودونَ شعورٍ رفعَ كفّه الأخرى ليضعها على مقدمةِ عنقهِ وكأن الكلماتِ والأحرف ستزهقُ روحه وتنتشل الحيـاة منه، ماذا يُريد بالضبط؟ ماذا يريد من الإهتمـام بهذا الموضوع المتعلق بوالده؟! هل يقصد استفزازه فقط؟ بكل وضاعةٍ وبالسلاحِ الأقسى!! بأبيه الذي قتلهُ بنفسه؟ ممَ هو؟ يُريد أن يفهم فقط كيفَ يفعلُ كلّ ذلك ويُناقض نفسه وكل شيء! يناقضُ الزمنَ والقسوةَ التي صبّها فيما فعلَ وفي كلماته أمامه كثيرًا!
وقفَ بعنفٍ ليتراجعَ الكرسي للخلفِ بقوةٍ مُحدثًا جلبةً وفوضى لا تجيءُ نصف الفوضى في صدره، تحرّكت قدماهُ ليتّجه لغرفتهِ وهو يتنفس بتحشرج، دخلَ ليُغلقَ البابَ من خلفهِ ومن ثمّ رفعَ الهاتفَ إلى وجههِ وهو لا يفكّر سوى بأمرٍ واحد . . بالإتصــالِ به!

رنينُ الهاتفِ يبزغ، قلبهُ انكمشَ للحظةٍ وصدرهُ ضاقَ ككلِّ مرةٍ يعُود فيه الزمنُ ليُكرر نفسهُ في ذكريات، في إطارٍ كان يجمعُ صورةً مـا لهُما، الشبهُ بينهما، السنواتُ بينهما، المواقف الكثيرةُ وسِنّهُ الذي كبُرَ معه، عاشَ برفقتهِ أكثر ممّا عاشَ مع والده، فكَان طبيعيًا قبل أن يعلمَ الحقيقة أن يردَّ بـ " أبوي سلمان " كلّما سأله أحدٌ من تحب أكثر! كان طبيعيًا جدًا، طبيعيًا جدًا قبل أن يراهُ بعينِ الشر.
انقطعَ الرنينُ بعد رنّتين، وجـاءَ صوتُ سلمان يحملُ في طيّاته ذهولًا لكنّه في ذاتِ الوقتِ يهتفَ بثبات : السلام عليكم.
سلطان باندفاعٍ وحقد : أنت وش تبي بالضبط؟!!
أطبقَ الصمتُ على سلمان من الجهةِ الأخرى لبعضِ الوقت، قبل أن يتنهّد ويلفظَ بهدوءٍ لا يتناسبُ مع هذا الوقتِ أبدًا : رد السلام أول.
سلطان بغضب : وعليكم!
سلمان بسخرية : هذي الرد للكفار ، قول وعليكم السلام ورحمة الله ، تعرفها والا أعلمك حبيبي؟
زمَّ سلطان شفتيه والدمُ يتصاعدُ في ملامحهِ من الغيظِ والقهر، شدَّ على قبضتهِ بجانبِ فخذهِ ليلفظَ بخفوتٍ حادٍ وهو يتمنى أن يبصقَ الشتائمَ على وجهه : الله لا يسلم كل صورة جمعتنا قبل!
صمتَ سلمان واستكنَ نَفَسُه، في حين غابَت النبرات عن صوتِ سلطان وهو يعقدُ حاجبيه بألمٍ ويلفظَ بخفوت : وش تبي بالضبط؟!
سلمان يُبلل شفتيه قبل أن يهتفَ بثبـات : ما أبي شيء غير إنّي أبلغك إن العشاء بُكره، وفي بيت فهد اللي هو بيتك، عارف إنّك خلصت تصليحات من زمـان.
سلطان بغيظٍ وأطرافهُ انتفضَت بالبساطةِ التي يهتفُ بها بعد ما فعله وبعد أن كان السبب في " خراب " هذا البيت : على كيف أبوك هو؟!!
سلمان يبتسمُ ببرود : طحت من عيني صراحة ما كنت أتوقع ولا واحد بالمية إنّك ضعيف لهالدرجة! حياتك توقف عند أي عقبة!
شتت سلطان عينيه ونارٌ تستعرُ في صدره، نارُ غضبٍ وقهرٍ تختلطُ ببرودةِ ألمٍ صقيعية تخترقُ عظامَه. تحرّكت قدماهُ بوهنٍ حتى وصلَ إلى سريرهِ وجلَس، مسحَ على وجههِ بكفّه المُحرَرة لينطقَ بخفوتٍ واهتزاز : ضعيف! أيه ضعيف ، لأن كل حياتِي زائفة وهذا بحد ذاته كافي!
سلمان : كل حياتك؟ والـ 12 سنة اللي كنت فيها بكنف أبُوك؟
سلطان بضياع : احتسبت حياتِي من وراها! عمري 15 سنة بس!
أطبقَ الصمتُ من جهةِ سلمان الذي كان يجلسُ على كرسيِّ مكتبهِ الجلدي أمامَ حاسوبهِ الذي انطفأ نورُه، ونظرةٌ في عينيه انطفأت! زمَّ شفتيه وأغمضَ عينيهِ ليتراجعَ بظهرهِ للخلفِ بعنفٍ اصتدمَ بظهرِ الكرسيِّ ودفعهُ للتراجعِ عبرَ إطاراته، ملامحهُ تجمّدت لثوانِ، وملامحُ سلطان من الجهةِ الأخرى أظلمت وهو يعضُّ شفتهُ السُفلى وضعفهُ مُزري! يكرهُ هذا الضعف، لكنّه يستحلهُ رغمًا عنه! يكرهُ هذا الاستسلامَ في صوتِه. لو أنّه يملك حلَقةً واحدةً تكفي ليأخذ سلمان جزاءهُ فيرتاح! لو أن تلكَ القضية لم تندثِر بـ " راضِي "! لو أنّه كان فقط أقلَّ غموضًا وأقلَّ براعة! لكان الآن ارتـاح على الأرجح! لكان ارتاح مهما كان قبلًا قريبًا منهُ حدَّ أنه يناديهِ بـ " يُبه "! شُوّهت تلك الكلمة بأقذعِ الأفعـال، بكلِّ دمٍ بارد، انتحَل الأبوّةَ وهو اليتيمُ إليها، علّق قلبَ طفلٍ بهِ وكبرَ الطفلُ دونَ قلبهِ الذي مهما أقنعَ نفسه لن يستطيعَ أن يُكمل حياتهُ كما يجب! حياتهُ انحصرَت بِخمسةَ عشرَ عامًا فقط، كل السنينِ السابقة لم تكُن حياةً بقدرِ ماهي فقط تأشيرةٌ إليها.
فتحَ سلمان عينيهِ وانخفضَ صدرهُ بتنهيدةٍ صامتـة، تقدّم جسدهُ للأمـامِ من جديدٍ ليُبسطَ ذراعهُ فوقَ سطحِ المكتبِ قبلَ أن ترتسمَ ابتسامةُ سخريةٍ لاذعة على شفتيهِ وهو يهتفُ بتهكم : أجل اعتبر نفسك مالك حيـاة، مو عشان حياتك زايفة على قولتك بس لأنّك وقفت عند هذاك الزيف وما قدرت تبني لنفسك حقيقة بعد ما تشطب الـ 27 سنة اللي فاتت وتبدأ عُمرك من جديد.
أردفَ بسخريةٍ بعد صمتِ سلطان : مُثير للشفقة.


،


: وش صار؟ ليش الصراخ!!
رمَشت سريعًا ودونَ استيعاب وهي تنظُر لأمجد الذي وقفَ عند البابِ عاقدًا حاجبيه ونظراتهُ يُمررها من أعلاها لأسفلها ليتأكّد إذا ما كان هنـاك شيئًا، بينما ازدردَت هي ريقها بتوترٍ وشدّت شفتيها اللتين ارتعشتـا لتهمسَ بإحراجٍ وهي تشتت حدقتيها للأسفلِ متجاهلةً الألمَ في قدميها : الكوب طاح وانخرشت ، ما فيه شيء.
اشتدّت تعقيدةُ حاجبيه وتصلبَ وجههُ بينما نظراته تبدّلت لازدراءٍ وكُرهٍ لم ترهُ في حين كانت نظراتها بعيدةً عنه، ارتفعَت زاويـةَ شفتهِ العُليا في صورةِ نفورٍ منها وهو يهتف بصوتٍ لاذع : دلع بنات في النهايـة * استدارَ عنها ناويًا الخروج والابتعاد * هه، كالعادة ماورى راسك إلا المصايب.
زمّت شفتيها بألمٍ لحديثهِ والتمعَت عيناها بشعورٍ قاسٍ من النُبذِ تجاهها، لم تكُن يومًا تتألّم من حديثهِ ونظراته كما الآنَ وبعدما علِمَت السبب وراء هذا الكُره، بعدما علمَت كم أنّها دخيلةٌ بدرجةٍ تكفي لبعثِ كلِّ أنواعِ الكره والإزدراءِ في النفُوس. سمعَت صوتهُ يرتفعُ قليلًا مطمْئنًا لناصِر الذي كان هو بالتأكيد من فزعَ لصرختها وطلب منهُ الاطمئنانَ عليها، فهو بالتأكيد لن يهتم! لن يهتم لنكرةٍ مثلها.
تحرّك ينوِي المـغادرة، إلا أنه في النهايـةِ تراجعَ إليها وأدارَ رأسه نحوها دونَ أن يُديرَ جسدهُ بالكامل إليها، نظَر لهيئتها الضعيفة وهي تنظر للأسفلِ تضمُّ كفيها ببعضهما، ترتعشُ بصورةٍ غيرِ ملحوظةٍ لم يرَها، قبل أن يلفظَ بصوتٍ غليظٍ وجامد : مبروك على الزواج.
رفعَت رأسها إليهِ بسرعةٍ متفاجئـةً مما انطلقَ من شفتيه تجاهها، عيناها اتّسعتا قليلًا وشفتيها انفرجتا بذهولٍ مما جعلهُ يبتسمُ بسخريةٍ ويتحرّك مبتعدًا هذهِ المرّة تاركًا لها تتوهُ في تناقضهِ وتقلّباتِ لسانهِ التي نقشتهُ في صـورةٍ لا تفقهها.


،


فتحَ البابَ بكفّينِ تحتضنهما البرودة، دخَل شقّتهُ الخاويـة على عروشها ليزفُر بعمقِ ما تشاركهُ مع وحدتِه، أصبحَ صديقًا للجمادات، كلّما تباعدَت فطرتهُ في الحيـاةِ مع الناس وجدَ الجماداتِ تقتربُ لتصبحَ صديقته، تحتضنُ المرآة صورتهُ كلَّ يومٍ حتى يُحادثَ نفسهُ بالصبـر، فكلّ ذلك سينتهي، وإن لم يكُن بحيـاةٍ أفضل فسيكُون بممات.
أغلقَ البابَ من خلفهِ والتصلّب يشقُّ ملامحه، عينـاهُ تنطفآن بكلِّ الذكرياتِ التي سردها اليوم على فيصل، ليست كل الذكريات! فهو لم ينحلَّ بعد من حذرهِ ليُخبره عن كل شيء، اقتصَر في سردِ تلكَ الليلةِ فقط، وقليلٌ مما تبعها وجعلهُ غائبًا، ولم يُخبره عن ما تبقّى ولا عمن تبقّى.
رمَى نفسهُ بإهمـالٍ على أريكةِ الصالـة الكريمية، زفَر وهو يسندُ رأسهُ للخلفِ وصورة أدهم جاءته ممن دثّرهُم بعيدًا عن حديثِه، ممتنٌ له! كيف أنّه ساعدهُ كثيرًا في محنته، كيفَ أنّه غيّب الكثير من الصعوبـاتِ التي واجهته .. وسأبقى ما حييتُ أحتضنُ كلَّ ما فعلتهُ لي. بلل شفتيه بلسانهِ ومن ثمَّ أخرجَ هاتفهُ من جيبهِ ليتّجه لرقمهِ حتّى يتّصل به، وضعَ الهاتفَ على أذنه ليتابعَ الرنينَ بأسماعِه حتى حلّ محله صوت أدهم الباسم : حيّ الله صاحب الصوت الغائب.
ماجد يبتسم : الله يحييك.
أدهم : كيفك يا رجّـال؟ زين إنّك فكّرت تتصل ، تغلّيت وقلت بشوف إذا بيفكر فيني أو لا.
ماجد يميلُ برأسهِ قليلًا ممرغًا لهُ في الأريكةِ وصداعٌ يحشُر نفسهُ في رأسهِ قسرًا : اترك الكذب عنك دايم أتّصل عليك أنا.
أدهم : يا كذّاب! أظن لو ما أفكر فيك ما سمعت صوتك.
ضحكَ ماجد ضحكةً مبتورة وهو يُغمض عينيه : طيب ليه محسسني إني زوجتك؟
أدهم : افا عليك! الأولى والثانية والثالثة والرابعة بعد.
ماجد يشهقُ ويفتح عينيه : حرام عليك تبيني أموت؟
أدهم يرفعُ إحدى حاجبيه بغرور : والله ولك الشرف بعد ... * أردف بجديةٍ هذهِ المرّة * أقول ما عليك من هالحكِي ، كيفك أنت؟ بالفترة الأخيرة صرت متغيّر ... * بشك * صاير شيء؟
صمتَ ماجد لبعضِ الوقتِ قبل أن يتنهّد ويحرّك كفه اليُسرى باتّجاهِ مقدّمةِ عنقهِ حتى يريحها على بشرتِه وكأنّ حنجرتهُ تنتفضُ بردًا بغصةٍ وكفهُ ستدفئها، بلل شفاههُ في حينِ عقدَ أدهم حاجبيه بقلقٍ لصمته، وقبل أن يلفظَ بشيءٍ سبقهُ ماجد ببعضِ الهدوء : حصّلت أحد بيساعدني ويطلّعني من هاللي أنا محتجز فيه!
فغَر أدهم فمهُ دونَ استيعابٍ في بادئ الأمـر، قطّب جبينه للحظةٍ مرّت بسرعةٍ حتى وجدَ حاجبيه يرتفعانِ وصوتُه يتسلل من بين شفتيه مصدومًا : كييييف؟؟!
ماجد بهدوء : اللي سمعته ، واحد اسمه فيصل سلمته مصيري بعد الله وقال إنه يقدر يساعدني.
أدهم بانفعال : متأكد؟ متأكد بيساعدك!!
ماجد يُغمضُ عينيه بأمل : نقول يارب.
أدهم : واثق فيه؟
ماجد يصمتُ لبعضِ الوقت، وما كان ليحتاج أدهم سوى لثانيتين من الصمتِ حتى يصرخَ في وجهه : أنت مجنووون؟!
ماجد يتنهّد وينظر للأرضِ بفراغ : لا تحاتي ما جبت اسمك.
عضَّ أدهم شفتهُ بغضبٍ بعد ما قاله ليرتفعَ صوته صارخًا في أذنهِ بشتيمةٍ جعلته يجفل لثانيتين قبل أن يعضّ شفتهُ بغيظ : أدهم احترم نفسك!
أدهم بغضب : اللي يكون معاك ينسى الاحترام بكبره ... ما جبت اسمي؟ هذا تفكيرك فيني؟!! طيب ، خلّ هالفيصل ينفعك ولا طلع كذّاب بعدها فكر باسمي أو لا.
أغلقَ الهاتفَ بغضبٍ ليخلّف وراءه اجفالـةَ ذهولٍ على ملامحِ ماجد لانفعالهِ الذي يراهُ غيرَ مُبرّر، حاولَ الاتصال بهِ من جديدٍ لكن أدهم تجاهلهُ مما أثـارَ فيه الحنقَ ليلفظَ بقهرٍ وهو يرمي هاتفهُ بجانبه : بالطقــاق يا حرمه.


،


عبَرت البـرودةُ صدرهُ بعد الكلماتِ التي قالها، تجمّدت ملامحه وتصلّبت نظراته المتوجّهةِ للأرضِ بصمتٍ أطبقَ على حُنجرته، في حينِ وقفت " مثير للشفقة " نصبَ عينيه لتمرَّ لحظاتٌ بصمتهِ وصمتِ سلمـان من الجهةِ الأخرى وهو يُدرك جيدًا كيف ستكُون كلماتِه عليه.
ارتفعَ صدرُ سلطـان ببطءٍ في نفَسٍ متذبذب، وأغمضَ عينيه للحظـةٍ وهو يدرك قبلًا أنّ تلك الكلمة تشرحهُ حرفيًا فهوَ مهما أنكَر يبقى يمُوجُ في ضعفهِ حينمـا يستذكره، مهما حاولَ التجاهل تبقى الذكريـاتُ تمنعه، الكُره لا يكفي، الحقدُ لا يكفي، يحتـاجُ النسيان أو التبلد! يحتاجُ ما يجعلهُ يمرُّ على هذهِ الجراح ليثنر الملحَ ولا يشعر بحرقةٍ تعانقه وتنتشل كلَّ آهةٍ من صدرِه قسرًا.
بلّل شفتيهِ وأغمضَ عينـيهِ للحظـتين، كلُّ لحظةٍ ترقُص فوقَ أضلاعهِ على لحنٍ خاصٍ من الاندلاع، من النـار الداخليةِ التي تجرِي في عروقهِ بعنفٍ يتركُ لها الإصتدامَ بأقربِ ما تنولُهُ فتعزفُ لحنًا تفرّدت بهِ هيَ وصنعَت منه أغنيةً حزينة، وحُزنهُ تجاوزَ صوتَ النايِ بمراحِل، كم ظُلمَ النايُ بتعظيمِ حُزنهِ حتى آمنَ أنّ صوتهُ لا يجلبُ فرحةً عابـرة، في جسدي " موسيقار " ابتكرَ آلةً لم تُسمى ولن يُدوّنَ التاريخُ لها اسمًا، آلةً موسيقية خُلقت من ألـم، صوتُها أنينٌ وآه، تجلبُ الدموعَ ولا تزرع بسمةً مهما تاهَت في ألحانِها.
انتشَل صوتُ البـابِ هذا الصمت، فتحَ عينيه واستنشقَ الأكسجين بشهيقٍ عنيفٍ بعضَ الشيءِ بينما بقيَ سلمان من الجهةِ الأخرى يُشاركه الصمت طيلةَ ما مضى من لحظـات، يقرأ كلّ اختلاجاتِه من الحشرجةِ التي أنَّ بها صدرهُ وعرقَلت أنفاسـه. رفعَ سلطان أنظـارهُ إلى البابِ وبلل شفتيه وصوتُ غزل يأتيهِ متذمرًا : ليه سحبت على الأكـل؟ لا يكون ما عجبك وكنت تجاملني!
أنزلَ سلطان الهاتفَ إلى حجرهِ ليتنحنحَ قبل أن يعتلي بصوتهِ الجامدِ قليلًا حتى يصلها : روحي غزل ، شوي وبلحقك.
صمتت غزل من الجهةِ الأخرى وهي تقرأ الجفـافَ في صوتِه، لتتوترَ رغمًا عنها لكنّها في النهايـةِ هتفت بخفوتٍ وانصياع : طيب.
تابعَ سلطـان صوتَ خطواتها وهي تبتعدُ عن غرفتـه، حينها زفَر راسمًا عقدةً بينَ حاجبيه متجاهلًا كل الكلماتِ التي سردها سلمان على أذنيه وأيُّ استفزازٍ قد يُحاولـه، رفعَ هاتفهُ إلى أذنهِ من جديدٍ ليلفظَ بحدة : اسمع ، أنا موافق على العشـاء ، مو عشانك بس عشـان أبوي بس! وعلى قولتك ماني موقّف حياتِي عليك! إذا مو كل حياتِي فالجزء الباقي لأبوي.
لم يجبهُ سلمـان مباشرة وكلماتٌ تتصارعُ في حنجرتهِ بعيدًا عما يتحدّث بهِ سلطـان، لم يتركها حبيسةً داخلَ فمهِ بل أطلقَ لجامها ليسأله بقنوط : كيفك مع غزل؟!
سلطان يعقدُ حاجبيه مستنكرًا من الجهـةِ الأخرى، لكن سرعـان ما انفكّت تعقيدةُ حاجبيه ليرفعَ أحدهما باستفزازٍ ويلفظ بنبرةٍ مشدودة : شدخلك؟!
سلمـان بهدوء : مو شيء كثر ماني قاعد أتطمن عليها ، ترى مالها شغل فينا! لا تحاسبها على شيء.
سلطـان بغيظ : للمرة الثانية مالك دخل بحياتِي.
سلمـان دونَ اهتمـامٍ لما قال، لفظ : من طفولتها ماذاقت فرَح تام ، لا تذوّقها بالحُزن الحين.
صمتَ سلطان متفاجئًا من حديثِ سلمـان الذي يتوافقُ كثيرًا مع ما أدركهُ منذ فترةٍ تجاهها، انعقدَت الكلماتُ العنيفةُ في فمهِ وسكنَه الاستنكار لإدراكِ سلمـان لها والذي بقي هو لبعضِ الوقتِ حتى يُدركه، لفظَ بصوتٍ مستنكرٍ وهو يقطّب ملامحه : على أي أسـاس استنتجت إنها ما ذاقت الفرح؟!!
سلمان يبتسم : من كانت طفلة وأنا وفهد عارفين كل صغيرة وكبيرة عنها، تقدر تقول كنا مثل الأبوين لها خصوصًا إنها قريبة من عمرك ... ما تذكرها؟!!
ذهلَ سلطان بهذهِ المعلومةِ التي لم تمرَّ يومًا على لسانِها أو ليقُل لم تمرَّ على ذاكرتهما، لا يذكرها أبدًا! ولرُبّما هي أيضًا لا تذكر شيئًا متعلقًا بهِ حتى والدهُ وسلمـان، ماهذا التشابُك الصادم؟ والذي لم يتوقّعه ولو واحدًا بالمائة. انتشلهُ سلمان من ذهولهِ بصوتهِ الشـارد حينما أكمل بخفوت : وصلت طفولتها المؤلمة للضرب! أبوها مجنون رسمي، أو نقول سادِي! لدرجة إنه مرّة من المرات اعترف بكل وقاحة إنّ فيه أثار بجسمها من ضربه لها!
أجفَل سلطان وهو يستذكِر اللحظـة التي عاد فيها من مقرِّ الشرطـة تاركًا لنفسهِ هُنـاك بعد مقابلته لسلمـان، كيف أنّ يدهُ ارتفعَت في لحظةِ غضبٍ ودونَ شعورٍ ناويةً صفعها بعدَ شتيمتها لهُ وتقليلها من تربيته، كيفَ أنّ الذُعرَ أصابها لتصرخَ بخشيةٍ من كفّه أن تسقطَ على وجهها ... انقبضَ قلبهُ والتوَى حلقهُ بـألم، كـان يُدركُ أنّها لم تعِش حيـاةً سويّة، كان يُدركُ أنّ العالم لم ينصفها وسقطَت في براثِنِ صيّادٍ انتشلَ حقّها في الحيـاة كأيّ بشر، هي كالغزالِ البرّيِّ الذي وقعَ في مصيدةِ البؤس، فقدَت حرّيتها في الضحك، أسرَها الحُزنُ ونقشَ رماديّتهُ على بياضِ صفحتها.
سلمـانُ يردفُ بابتسامةٍ حمَلت بعضًا من السخرية : وإذا كنت طبعًا تنازلت عن قرارك بزواجك الصوري ذا أكيد ملاحظ هالآثار.
انتفضَت أطرافهُ بغيظٍ من وقاحتهِ في التدخل بشؤونِه، لذا هتفَ بنبرةٍ مشدودةٍ كالوتَر : للمرة الثالثة مالك شغل فيني.
سلمان بضحكةٍ مستفزّةٍ ووقاحة : لا تخالف فطرتك وتشكك العالم برجولتك عاد! جيب لنا ولد بسرعة عشان نناديك بو فهد.
سلطان ووجههُ اشتعلَ بغيظهِ وتحديدًا لأنّه يذكُر اسم والدهِ بسلاسةٍ وكأن الذنبَ ينسلخُ عنه، لفظَ بوقاحةٍ مماثلةٍ له : والله عاد غيرنا ما تزوّج أبد وهو اللي مشككنا برجولته!
سلمان : ههههههههههههههههه صاير وقح وقليل أدب يا ولد!
سلطان بابتسامةٍ مُغتصبَة : ومنكم نستفيد.
سلمان يبتسم ببرود : الوعد بكره.
تشنّجَ فكّه وتركَ لعقلهِ حرّية السفرِ لصورٍ من المستقبل القريب، أن يراه أمـامه، بهيئتهِ الواثقة وابتسامتهِ المتعجرفة بعد كلِّ ما خلّفهُ وراءه، وهل سيستطيعُ السيطرةَ على أعصابِه؟ كيفَ لهُ أن يسمحَ لهُ بالولوجِ لمكانٍ قتلَ فيهِ وأحرقه بعد سنين؟ كيف عساه يصبُر على رؤيتهِ ويتصنّع عكسَ الحقدِ أمـامَ العالمِ أجمع!! ... ازدردَ ريقهُ وقاومَ اختناقًا خلّفته كلماتٌ ملأت فمهُ ومنعَت الأكسجين من الولوجِ إليه، لفظَ بصوتٍ متخاذلٍ حاولَ اسكانَ الوهَن فيه : أنـا موافق ، بس بشرط!
رفعَ سلمـان إحدى حاجبيه، لكنّه لفظَ بهدوءٍ مستجيب : وأيش هو؟!
سلطان : العشاء يكُون في بيتك! ماني متحمّل أشوفك بنفس المكـان اللي حرقته.
سلمان بسخرية : يعني بيفرق؟ في النهاية بتشوف وجهي غصب عن عيُونك بعَد ، ولا تنسى إحنا تعودنا نخلي هالعشـاء بالبيت اللي كان عايش فيه فهد يعني ما يصير!
سلطان : هذا آخر اللي عندي.
تنهّد سلمان باستسلام : طيب ، لك اللي تبيه، طبعًا لأنك مثير للشفقة وحزنت عليك.
تجاهلَ سلطان كلامه بالرغم من كونِه استفزّه، لينطقَ بصوتٍ مغتاظٍ ونبرةِ كُره : إذا ما عندك شيء ثاني فـ مع السلامة.
ليُغلقَ دونَ مبالاةٍ لردّهِ ويسكُنَ للحظاتٍ ناظرًا للأرضِ والهاتفُ يقبعُ في كفِّهِ المعانقةِ لـه، في كلِّ مرةٍ يُقابلُ فيها سلمان أو يسمع صوته تشتعلُ نارٌ في صدرهِ وخليطٌ من الوجعِ والحقد، الأسى والتمنّي بأن يكون كل هذا كابوسًا امتدَّ لأشهرٍ غابَ فيها عن النهوض، لكن كل شيءٍ حقيقي! كل شيءٍ يزرعُ الأسى والحزن، كل شيءٍ كان زائفًا والآن ظهرت الحقيقة التي تمنى لو أنّه مات على نقيضها ولم يكتشفها.
زفَر بألمٍ لينهضَ ويتّجهَ للبـابِ حتى يلتحقَ بغزل التي أسكَنت فيه حُزنًا على حالها، رغبةً في ضمّها إلى صدره ومسحِ كلِّ وجعٍ شاركها طفولتها حتى الآن. لا تزالُ طفلة! وكأنّها نسيَت نفسها قبل سنين، في مكانٍ مـا، في لحظةٍ مـا، كبُرَ جسدها ونسيَت روحها المعتادةَ على النمو قبل سنينَ لتبقى طفلةً تتمنى الكثيرَ مما لم تحصل عليه في كنفِ والدٍ كمـا وصفهُ سلمان - سادي -.


،


يلتفّون حولَ طاولـةِ الطعامِ ووجهها متجعّدٌ دونَ رغبةٍ بما أمامها، وعدمُ رغبتها تلكَ ظهرت مليًا في تقطيعها لكلِّ حبةِ أرزٍ إلى أنصافٍ صغيرة، بينما عينا سيف تراقبها وإحدى حاجبيه ترتفعانِ باستنكارٍ لمـا تفعل، ليلفظَ أخيرًا بهدوء : ديما ، ليه ما تآكلين؟
رفعَت ديما نظراتها إليه لتكشّر : مالي نفس بشيء!
سيف بهدوء : لازم تآكلين.
نظرَت ديما لام سيف قبل أن تُعيدَ توجيهَ نظراتها إليه وتلفظَ بنبرةٍ باردةٍ بعض الشيء : خاطري بورق عنب، ومخلل خيار!
ابتسمَ لها ليُشير لعينيه ويهتف بنبرةٍ " رايقة " : أبشري.
رفعَت إحدى حاجبيها لمزاجهِ الجيدِ بعد الصبـاح، إن شبِّه بشيءٍ فهو كالطقس! يتبدّل في لحظةٍ ما دونَ مؤشراتٍ في كلِّ مرة، وإن جاءت لشرحِ مناخهِ المُعتاد فهو غالبًا ما يكون جافًا كصحراويته! قليلًا ما تستشعر الأمطـار منه.
لوَت فمها لتنظر لأرز من جديدٍ وتُكمل تقطيع حبّاتها، حانت نظرةٌ من ام سيف إليها وقتذاك لتعقدَ حاجبيها قليلًا وتلفظَ باستنكار : ديما! ليه اللعب بالرز إذا ما ودك لا تجلسين طيب!
نظَرت إليها ديما بضيقٍ بعد ما قالته، ضوّقت عينيها ولوَت فمها لتهتفَ بنبرةٍ هجومية : شكلي ضايقتك؟ آسفة خالتي إن شاء الله آخر مرة.
وقفَت بقليلٍ من الفظاظة ليرتفعَ حاجبي سيف بصدمةٍ مماثلة لانعقادةِ حاجبي امه، تحرّكت ديما مبتعدةً عنهما لتستديرَ ام سيف بذهولٍ إليه وتلفظَ مبررة : ما قصدت شيء!
سيف يبتسم بتوترٍ غاضِب : معليش يمه امسحيها بوجهي ، نفسيتها خايسة بهالفترة.
صمتت وهي تعقدُ حاجبيها بضيق، في حينِ حثّها سيف على متابعةِ طعامها ونهضَ بحجّة الشَّبَع، اتّجهَ للمغاسِل في بادئ الأمر حتى يغسلَ يدهُ وملامحه تحتدُّ بغضبٍ لأسلوبِها الفظِ معها، اتّجه ليصعد بعدما غسَل يدهُ وهو يعضُّ شفتهُ السُفلى بغيظ، قدماهُ تكسرانِ المسافةَ بخطواتٍ متباعدة، وصَل أخيرًا إلى الجناحِ ودخَل وهو يُحاول أن يسكنَ حنقهُ منها ويُهدِّئ من حدةِ غضبه.
وجدها تجلسُ أمام التلفاز تُفرّغ غيظها بجهازِ التحكّم في كبساتٍ متتاليةٍ عنيفةٍ عليه، رفعَ حاجبيه بحدةٍ وزمَّ شفتيه وهو يقتربُ منها لافظًا بعنف : مافيه شيء سلم منك؟ أول شيء الرز وبعدين الريموت؟!! طبعًا وما ننسى أمي.
عقدَت ديما حاجبيها بمزاجٍ متعكّر، لم تنظر إليه وقلّبت القنوات متجاهلةً له، حينها شدَّ على أسنانه بغيظٍ ليقترب منها أكثر حتى وقف بجانبها وانتشلَ جهازَ التحكّمِ منها، رماهُ على الطاولةِ بشدةٍ وهتفَ بنبرةٍ حادة : ليه رديتي على امي بهذيك الطريقة؟
رفعَت أنظارها الباردةَ إليهِ لتبتسمَ ابتسامةً جامدةً صقيعية وتلفظَ بهدوءٍ لا يتماثل مع حدّةِ مزاجه : أي طريقة؟
سيف بحدة : ديما وبعدين معاك!! يعني ما ترتاحين إلا وتسوين عشر مشاكل في اليوم.
زفَرت بحدةٍ وقلّة صبر لتنهضَ بعنفٍ وهي تتأفأف، تحرّكت أقدامها حتى تبتعد عنهُ دونَ أن ترد، لكنّ ردّة فعلها تلك استفزّته ليُمسكَ بعضدها قبل أن تبتعدَ ويجذبها إليه بقوّة، وبحدةِ صوتهِ لفظ : إذا أكلّمك ما تلفين عني . . والنهاية معك أنتِ؟ مصرّة ما تمشّين ولا يوم بسلام!!
زفَرت بنفادِ صبرٍ ليشدَّ على عضدها بقوّةٍ آلمتها وهو يحاول كتم غيظه، تركَها أخيرًا ليتراجعَ قليلًا ويلفظَ بغضب : انقلعي من وجهي ، ومرة ثانية تحترمين نفسك مع أمي ... ما توصل قلّة أدبك معاها سامعة؟؟!


،


دخَل للمطبخِ ليجدها متجهّمةَ الملامح، تحتضنُ لقمةً في فمها وتنظُر لطبقها ببؤسٍ وقهر، عضَّ شفتهُ وهو يتمنى لو أنّها ممن يتذوّق المرَّ حلوًا إن كـان من صُنع يدِه، لكن على ما يبدو فهي قد اكتشفَت فظاعةَ ما صنعَت.
تنحنحَ وهو يخطو إلى الطـاولةِ مُبتسمًا، حينها أدارَت وجهها إليهِ وهي تضعُ الملعقةَ على صحنها وتبتلعُ اللقمةَ المحشورةَ في فمها قسرًا، لتلفظَ أخيرًا بعتابٍ مقهور : تضحك عليْ هاه؟ هذا ، هذا ، هذا وش؟!! يييييع
ضحكَ رغمًا عنهُ لتعبيرِ ملامحها الطفولية، وبأسلوبٍ تربويٍ رفعَ اصبعهُ وكأنّه يُحادثُ طفلة : لا تقولين يع، ما يجوز هذي نعمة غيرك محروم منها.
غزل بامتعاضٍ تنفخُ فمها وشعرها المُبلل يطوفُ من حولها : ما أخذت راحتي في الحمام كله من الحمـاس عشان أذوق اللي طبخته، حتى شعري ما نشفته! ارجع غرفتك لك الحق تهرب والله.
سلطان يضحَك وهو يقفُ بجانبِ مقعدها مسندًا كفه على الطـاولة : ما هربت ، بس كان عندي اتّصـال مُهم
غزل بتذمرٍ ترفعُ نظراتها إلى وجهه : لا تكذب.
سلطان يبتسم : والله ما أكذب.
صمتَ واختفَت ابتسامتهُ وهو يتأمّل وجهها المُصفّى من أي " مكياج "، بحثَ في ملامحها عن أثرٍ ما ولم يجِد، لتنحدِر نظراتهُ إلى عنقها الظاهرِ من فستانها المُشجر " الكت " والذي يصلُ إلى نصفِ ساقيها، لم يجدْ ما يُثبِتُ ما قالهُ سلمان في عنقها بعد وجهها، لذا انحدرَت نظراتهُ أكثَر إلى كتفيها، عضديها، زنديها، ذراعيها، وكانت انحداراتهِ المتفحّصة تلك كافيةً لتبعثَ ارتعاشاتٍ عديدةً متناوبـة إلى جسدها وتحشرجَ أنفاسها وهي ترى نظراتهُ تلكَ بوضوحٍ بشكلٍ لم ترهُ من قبل، بشكلٍ لم تلمحهُ في عينيه ولا تدرك ماهيّتهُ بالضبط، ضمّت جسدها بذراعيها بذعرٍ من انحداراتِ حدقتيه على جسدها ليتنَبهَ هوَ لتوتّرها واضطرابها بعدَ جرأةِ نظراته، لكن توتّرها ذاكَ لم يكُن حاجزًا كافيًا حتى يتوقّف، يُريدُ رؤيـةَ الدليلِ على حياتِها الماضيـة، الدليلَ على هذا الفراغِ الذي يسكن عينيها وهذا الخواءِ في صدرها، يريد أن يحزن عليها أكثر! ليُدرك كم أنّ حزنهُ على نفسهِ لا شيءَ أمـامَ مُصابِ غيره، يُريد أن يمسحَ كلَّ جرحٍ وآخرَ بكفيْهِ ولمسةٍ حنونةٍ منه، لا يهمُّ ما وضعهما، لا تهم كيفية علاقتهما، هو أقرَّ بأنه سيغيرها دينيًا، سيغيّر أخلاقها، ومن المُجحف في حقها ألا يلتفت لجِراحها.
مدَّ يدهُ إليها ليُمسكَ كتفيها، انتفضَت وتجمّد جسدها وعينيها اتّسعتا ناظرةً لوجههِ بذعرٍ وترقّب، بينما كان لتصلّب ساقها رأيًا بعيدًا كل البعدِ عن الهربِ الآن أمـام نظراتهِ وتلك اللمسة، ما الذي يُريدهُ بالضبط؟!!
رفعها سلطان بهدوءٍ ليجعلها تقف، انصاعَ جسدها لهُ بعد أن أصبحَ في وزنِ الرّيشة بينما عينيها المتسعتينِ بذعرٍ لم تفارق ملامحهُ ونظراتهِ إليها، شفتيها فاغرتين تناجيانِ القليلَ من الهواءِ الذي انسحبَ في شكلٍ عكسيٍ إثرَ خوفها. بينما شدَّ سلطان على كتفيها ليُديرها قليلًا حتى واجهتهُ بظهرها الذي يضطربُ بتنفسها، مدَّ يدهُ ليُمسكَ بمقدّمةِ فستانها حتى يفتح سحّابه، حينها تيقّظت ساقيها وانطلقَ صوتها في صرخةٍ مذعورة لتحاول الهربَ إلا أنّ ذراعهُ التفّت على بطنها ممانعةً لها من الهرب، مثبّتةً لها على جسدهِ وظهرها الذي ابتعدَ بمقاومتها اقتربَ من صدرِه، دفئه يصلها جيدًا لينشر رعشاتٍ عنيفةً في كاملِ جسدها وهي تقاومُ ذراعهُ القويّةَ حتى تهربَ من براثنه، لكنها لم تكُن شيئًا أمـام قوّته! لم تكُن شيئًا وكان كلُّ مافيها ضعيفًا بذعرها عدا صوتها الذي كـان يخرجُ صارخًا : ابعد عني ، سلطـــان وش تسوي ابـعــد ... اتركنــــي.
شهقَت بقوّةٍ حينَ شعَرت بهِ يسحبهُ كاشفًا ظهرها لترتعشَ ساقيها بقوّةٍ وذعرٍ وينتهي دعمهما لجسدها، ولولا ذراعُ سلطان لكانت سقطت على ركبتيْهـا بضعفها ذاك . . .


،


تعلو شفتيها ابتسامةُ صفـاء، تستمعُ لأحادِيثِ عُلا المُتخَمةِ بإطراءها لشاهين، ومن ثمَّ التذمّر منهِ في حين، كثيرًا ما تبقى معها تستمعُ لأحاديثِها التي لابد من أن تتضمّنه، من الواضِح جيّدًا مثاليتهُ في عينيها، وإن لم يكُن مثاليًا هي ستراهُ كذلك بما أنه ابنها الوحيد الباقِي، يُدللها، كما يُدللها هي، يرسمُ ذاتهُ مثاليًا في أعينِ من يُحب! تمامًا كما تراه، مثاليًا حدَّ أن مثلها لا تنفعُ له.
لفظَت علا بتجهّمٍ أيقظها من شرودها العابـِر : يبيله كف أو اثنين يخليه يعتدل ؛ لا هو ما يستحق الكفوف! أنا أعرفه ما يسوي شيء يستفزني إلا لأنه يفكر فيني * لوَت فمها بحنق * آخرتها سفرتكم لشهر العسل اللي ألغاها، شسوي بهالولد أنا!!!
اتّسعت ابتسامةُ أسيل ووأدتْ ضحكةً رقيقةً كادت تظهرُ على شفتيها الملوّنتين بملوّنِ شفاهٍ قرمزي، عيناها المزيّنتين برسمةِ قطّةٍ أضافت جاذبيةً إليها انتهاءً بشعرها الخفيفِ والمتطايرِ حول وجهها القمحي. حكّت شفتيها ببعضهما البعض والتمعَت عيناها بصفـاءٍ لتلفظَ بنبرةٍ رقيقة : وهو الصادق والله أجل تبينا نسافر ونخليك؟
ضمّت عُلا فمها للأمـامِ بدلالٍ لتلفظ : ما زعلتي؟ خفت يسبب هالشيء توتر بيني وبينك من البداية عشانه قدّمني عليك
اتّسعت عينا أسيل بذهولٍ وانفرجَت شفاهها قبل أن تهتفَ متفاجئـةً من تفكيرها : هااااو! من جدك تفكرين إني ممكن أكون بهالأنانية؟
عُلا بخجل : مو عن كذا بس مافيه عروس الا وتتمنى سفرة بشهر عسلها
أسيل تعقدُ حاجبيها : طيب أنا بكون مختلفة عن الناس وبمشي بنمط مختلف وبقضّي شهر عسلي عندك .. لا أكون ضايقتك بس وما تبيني؟!!
عُلا بشهقة : افا عليك وش هالكلام؟ إذا ما وسعك البيت توسعك عيوني.
أسيل وأجفانها تتوتّر بحرج : تسلملي عيونك
ابتسمت علا بمحبةٍ لها وهي الأنثى التي تواجدَت في حيـاةِ ابنيها معًا، قبلًا متعب، والآن شاهين، لذا كان حريًا بها أن تكُون قريبةً إليها بهذا الشكلِ وتشغُرَ مكانًا خاصًا في قلبها. همَست : الله يسلم روحك.

مضَت الدقائقُ سريعـَة، تحرّكت كلٌّ منهما باتّجاه غرفتها حتى تصلّيا العصر، سجودُها يطولُ بدعواتِها المستوجِعة، المجروحةُ بسهمٍ حادٍ نُثِرَ السمُّ على حَدِّهِ وانتشرَ في دمها ليسحبَ الحيـاةَ منها . . اللهم يا حيُّ يا قيوم، يا سميع دعائي ورجائي، يا من ألجأ إليهِ في سرّائي وضرّائي، أصلِح لي قلبي كلّه! انزعهُ مني! * تُرتِّلُ بوجع * اجعل ذكراهُ عابرة، هو يستحقُّ الكثير، فانزع حبَّ الراحِل من قلبي واغفر له وارحمه، واغفر لِي هذا الحُب الذي أخشى أن يطولني عندكَ بذَنب، اللهم يا حيُّ يا قيّوم، وفّق شاهين لكل ما يتمناه، ووفّقني لإسعاده.
استغفَرت كثيرًا وصلّت على نبيِّ البَشر، أنهَت صلاتها بالسّلامُ ومسحَت على وجهها بكفّها من أثـآرَ السمُومِ والآفآتِ فيه، آثـارَ حُبٌّ مؤذي، ولا ضررَ ولا ضرار، كلُّ ماهو مضرٌّ محرّم، ولا أريدكَ في يومٍ أن تصيرَ ذنبًا يتعلّق بنحري ويلتفُّ حينها حبل شاهين حولي بضيقي.
نهضَت لتحملَ سجّادتها وتطويها، وفي خلالِ لحظاتٍ كانت تحمِل هاتفها من على التسريحةِ وتتّجه لرسائِل الواتسِ بعد التنبيهاتِ العديدةِ التي وصلت إليها وواحدةٌ منها جاءتها من " شاهين ".
فتَحت محادثتهُ لتعقدَ حاجبيها تلقائيًا وهي تقرأ رسالته : ( ترى متضايق وواجبك تبعدين هالضيقة عني )
توتّرت نظراتها للحظة، لمَ قد يشعُر بالضيق؟ لوهلةٍ خشيَت أن تكُون هي السبب بما أنّه طلبَ منها أن تُزيحَ ضيقه، سحبَت شفتها السُفلى لداخلِ فمها عن طريقِ أسنانها العلوية، وبدأت أناملها النقر على أحرف الهاتفِ لتكتب له : ( ليه متضايق؟ )
انتظرَت قليلًا ولم تمرّ نصفُ دقيقةً حتى ردَّ عليها وكلماتهُ تنقشُ التسلية بعيدًا عن الضيق الفعلي : ( مشتاق لك )
عقَدت حاجبيها في بادئ الأمـرِ دونَ استيعاب، لكن سُرعان ما احتلّتها ابتسامةٌ واسعة والتمعَت عيناها براحـةٍ بعد القلقِ الذي داهمها، بالتأكيـدِ تكفي أذيتها السابقـةُ له، والآن هي غيرَ مستعدةٍ للمـزيدِ من سلبيتها لتنثرها على حياتِه.
بللت شفاهها وتراجعت لسريرها حتى تجلس، بدأت بالكتابة إليهِ من جديد والابتسامةُ هذهِ المرة تعلوها : ( خلصت شغلك؟ )
رد عليها بعد لحظاتٍ قليلة : ( لا )
أسيل : ( أجل وش هالإستهتار قاعد تكلمني الحين؟ )
شاهين : ( أول شيء حاليًا أنا جالس وما عندي شيء، تقدرين تقولين بريك .. ثانيًا، ليه تضيعين موضوعنا الأساسي؟ )
أسيل تتّسع ابتسامتها أكثر : ( ترى دعيت لك بصلاتي )
انتظَرت لوقتٍ طـالَ أكثر وكأنّه استلذَّ بما أرسلته إليه وما دغدغَ قلبه، ردَّ بعد ثوانٍ طويلة : ( يا بخت اسمي اللي انضم لدُعاك! )
تصاعدَت الحُمرة إلى وجنتيها، ربّما لو علمَ ما تضمّنتهُ دعواتها لكَان لهُ مزاجٌ آخرَ وردٌ آخر بعيدًا عن " يا بخت! ".
شتت تفكيرها السلبي عن عقلِها، ونظرَت لرسالته الأخرى التي جاءتها قبل أن ترد عليه : ( مودي حاليًا مود غزل )
عضّت طرفَ شفتها وكتمَت ابتسامتها : ( بيّاع كلام كالعـادة، بس أطربنا )
شاهين : ( بتجاهل حكيك ، بس ماعليه اقري كويّس وخلي حُمرة خدودك تزيد طيب؟ )
ما إن قرأت رسالتهُ حتى تضاعفَ احمرارُ وجنتها فعلًا وقبل أن تقرأ غزله، زمّت شفتيها بخجلٍ وضوّقت عيناها قليلًا بعد أن وصلت إليها أول شطرٍ من غزلِه : ( تبينها بالشعر والأدب؟ أنتِ الوزن والقافية اللي تزيّن كل قصيدة، لا! أنتِ القصيدة. )
سعُلت قليلًا وارتفعَت كفّها الأخرى لوجنتها المُحمرّة، بقيَت حدقتيها متجمدةً على الهاتفِ وقلبها يضطرِب وكلماتهُ تتدافعُ واحدةً تلوَ الأخرى لتُكثّفَ ذنبها في حقِه، لتكثّف احتقارها لذاتها، بقيَ يُرتّل كلماتٍ عليها وعيناها تقرآن ببريقٍ يخفت، بخجلٍ يتباطئُ أمـامَ خذلانها لهُ حتّى تقوّست شفتاها أخيرًا والتمع الدمعُ من مقلتيها.
( تبينها بالتاريخ؟ أنتِ الحضـارة الباقيـة في كل حدود موطني )
( تبينها بالجغرافيا؟ أنتِ التضاريس اللي انطبعَت في قلبي والمُناخ الدائِم بدفئه )
( تبينها بالرياضيات؟ أنت العدد اللي يشغر كل شيء بالحياة )
( وإذا بغيتيها بالنحو، أنت الضمة اللي تروي ارتعاشاتي، والكسرة في غيابِك! أنتِ الجمع للجمال والحيـاة )

( أنتِ بلاغتي، وكنايتي عن الحياة )


يتبــع ..

كَيــدْ 09-11-15 06:57 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




بخطواتٍ واسعةٍ تطرقُ الأرضَ بمزاجِ صاحبها كان يتّجه للدرج، يسمعُ صوتَ جده الذي يُناديه باستمرارٍ لكنّه يتجاهلهُ تمامًا ولا يُبالِي بنداءآته.
وصَل لآخر عتبةٍ حين سمعَ صوتَ جده الذي صرخَ بغضبٍ من تجاهله : الله يلعنك!!
ابتسمَ ببرودٍ وتضاعفَت ابتسامته بعد سماعِه لصوتِ تحطّم زجـاج، يبدو أن العجُوز صبَّ غضبه على كوبٍ أو ما شـآبه.
ضحكَ بسخريةٍ وأكمـل طريقهُ إلى غرفته، دخلَ ليتنفّس بضجرٍ ويتأمل غرفته ذي الألـوان المعتمة والتي تضاعفُ من كآبتِه. تحرّك ناحيـةَ سريرهِ ليرمي نفسهُ فوقَه دونَ أن يخلعَ حذاءهُ حتّى، بقيَ يتأمّل السقفَ لدقائِق، يغيبُ بعقلهِ الذي شرِدَ عن هذا المكـان، بأفكـارٍ كثيرةٍ يقمعها في صدرهِ ولا يُعرّيها لأيِّ أحـد، يتركُ غموضَ حياتِه لنفسه! لنفسهِ فقط!
تقلّب على جهتهِ اليُمنى وهو يُخرج هاتفهُ الذي نسيهُ في جيْبِه، فتحهُ ليعقدَ حاجبيهِ متفاجئًا من رسالةٍ وصلت إليه، من ذاكَ الرقمِ الذي اتّصل بهِ مرةً . . رقمُ عنــاد.


،


في وقتٍ سابِق
انتفاضاتُها كانت تتضاعَف، دموعها سقطَت بخوفٍ كما سقطَت قوّتها وصارَ جسدها بأكملهِ يصبُّ ثقلهُ على ذراعِ سلطان، عيناها اتّسعتا على الأرضِ المُصقَلةِ بالبرودة، قدماها الحافيتين تتضاعفُ رعشتهما وحدقتيها تتجمّدانِ في الفراغ، ماذا سيحدثُ الآن؟ هل انتهَى الأمـرُ هنـا؟ أمـام قوّتهِ عند ضعفها؟ أمـامَ مقاومتها الواهيـَة؟ كيفَ أخلَّ بالوعدِ بعد أن وثقَت بِه؟ وكيفَ ستكُون ردّة فعلهِ بعد أن يعلمَ حقيقتها! سيقتلها! سيقتلها لا محـالة.
ازدادَ ذعرها، واتّسعت عيناها أكثرَ ليُقاومَ جسدها ذراعهُ من جديد، صرخَت باسمهِ حتى يتركها، حاولت ركلَ ساقهِ إلا أن ركلاتها كانت ضعيفةً بتهدّل ساقيها، حاولت أن تفكَّ ذراعهُ التي تُحيطُ بطنها إلا أنّ ارتعاشهما كان يجعلهما لا شيء! لا شيء!!! . . بكتْ أكثر! هاهي ترى نهايتها تلتمعُ أمـامها، بكت أكثر وهاهو الموتُ سيسرقها كما كانت تتمنى! لطالما انتظَرت اللحظـة التي تغادرُ فيها الدنيا ببؤسها ودعَت اللهَ بذلك، لكن دائمًا ما يكُون الموتُ ساخنًا، مهما تمناه الإنسان إلا أن فطرته لا تريده أن يجيء سريعًا ويسرقه، وإلا لما كان البعضُ منهم بحثَ عن اكسيرَ الحيـاة وآمنَ به.
غرزت أظافرها بكمِّ ثوبه ليصلَ أثرها إلى بشرتهِ ويتألّم من فوقِ القُماش الأبيض، لكنهُ لم يكُن ليُبالي وهو يعقدُ حاجبيه، ينظرُ لبشرةِ ظهرها التي حمَلت آثآرًا بالفعل! آثآرًا لم يجدها في مكانٍ آخرَ من جسدها . . تنفّس باضطراب، وعيناهُ تتابعانِ خطوطًا رفيعةً مضَى عليها الزمَن، بعضها تُخبرهُ بوضوحٍ أنّها سكنتها منذ أكثر من عشرِ سنوات، وإخرى لم تدثّرها السنينُ بعد، لكنَّ الأشهـرَ تغلّفها، فهل تكُون الأخيـرةُ من هذهِ الآثارِ قبل أن تُصبِحَ في كنفه؟ . . زمّ شفتيه يكتُم آهةً كادت تهربُ من فمهِ عليها، وجدَ يدهُ الأخرى ترتفعُ رويدًا رويدًا، حتى استقرّت أطرافُ أصابعهِ ملامسةً جرحًا في أسفلَ عنقها، لم يكُن شديدَ الوضوح، لكنّه غرزَ نفسهُ فيها قسرًا مُناقضًا بلونِه الفاتحِ بشرتها السمراء . . شعر بجسدها يقشعر، وقاوَمتهُ من جديدٍ وصوتُ أنفاسها المُرتفعِ تستقبلهُ مسامعهُ بكلِّ أريحيـة، ثقلها يزدادُ ليشدَّ بذراعهِ القويّة أكثرَ وتُمارسَ عضلاتهُ تحمّلها لثقلها، كانت قد بدأت تنتحِبُ وصوتها يخرجُ من بين شفتيها متقطعًا راجيـًا : الله يخليك سلطان ، أنت اللي حِكت مصير هالزواج! حرام عليك اللي تسويه فيني!!
عقدَ حاجبيه قليلًا وابتسمَت شفاههُ ابتسامةً ضيّقةً أبعدُ ما تكُون عن معناها، كان الأسى يسكُن زوايـا تلكَ البسمَة، عيناهُ انعقدَ فيهما الصفـاءُ وامتلأت حقدًا على عائلتها، على والدها، ولو أنّه أمامـهُ لقتلهُ بيديه.
أخفَض يدهُ وشاركَت ذراعهُ في الإلتفافِ حولها، أحاطَ كتفيها ليُلصقَ ظهرها بصدره، انتقلَت جزيئـات دفئهِ إليها حتى يُسكَن ارتعاشها، إلا أنّهُ لم يكُن سوى كالحطبِ الذي ضاعفَ نارَ رعشَتها ودموعها الساقطة، رجاءها الذي يزدادُ تقطّعًا واختناقًا بنحيبها.
شدّ ذراعيه حولها أكثرَ وهمسَ قُرب أذنها بصوتٍ حنونٍ وحرارةُ أنفاسهِ تُلهبُ عنقها : اشششش ، ماني مسوي لك شيء، لا تخافين مني. أوعدك بكُون آخر إنسان ممكن يأذيك، هذا إذا كنت من قائمة اللي بيضرونك أساسًا!
ارتعشَت شفاهها للحظةٍ ثمّ سكَنت دونًا عن جسدها، بينما خفتَ صوتُه أكثر، وبقيَت حرارةُ ذراعيْه هي الوحيدةُ التي تتحدّث، التي تهبطُ بارتعاشاتها، تنقُل الأمـان إليها بينما شفاههُ تتحرّك دونَ صوتٍ مرتِّلًا المعوذتيْن وبعضَ الذِكر، لتتناقصَ رعشتها أخيرًا، ويقلَّ عُنف تنفسها واضطرابه، أصابعها لازالت تنغرسُ في ذراعه وتَزيدُ في قوّتها وكأنّما الرعشةُ هبطَت ليصعدَ تشنّجها.
سلطان يهمسُ بصوتٍ يبعثُ الأمـان إليها قسرًا : اهدي ، غزالة!
أغمضَت عينيها بقوّةٍ وفغَرت فمها حين لفظِه بـ " غزالة "! ارتخَت أصابعها قليلًا عن ذراعه، أظافرها لم تشعر بألمها إلا الآن، لكن الألـمَ اندثَر، والخوفُ عاقرهُ الآمـان، البُكـاءُ غلفهُ الصمت، صوتُ نحيبها وأدهُ صوتُه وحنانه . . أعـادت رأسها للخلفِ إلى كتفِه، تسندهُ إليهِ بعد أن هزمها الضعفُ وصوتُه، بعد الرُعب الذي كاد يقتلها وهي تتخيّل نفسها في غيرِ الموضعِ الذي يُلائمُها . . ازدردَت ريقها بصعوبةٍ والدمعُ يسكُن على بشرةِ وجنتها ويترسّب : توعدني ما تأذيني؟!
سلطان يبتسمُ وهو يُخفض ذراعهُ المُحيطةَ لكتفيها ويُشارك الأخرى في إحاطةِ خصرها، وبخفوتٍ بعد نبرتها الخافتـة والتي حملت رجاءً عميقًا وكأنّها تشكُّ بحديثه : أوعدك.
غزل تفتحُ عينيها وتُكرر لتتأكد : لو أيش ما صار؟
سلطان بتأكيد : لو أيش ما صار.
تنهّدَت وبعضُ القلقِ من المستقبلِ يغادر صدرها، هل بإمكانها أن تثق بِه؟ هي ليسَت مجنونةً لتفضَح نفسها على الصعيد الذاتي أو على غدرها له، لكنها لا تعلم ما تخبئه الدنيـا لها، ولربما انقلبَت الأمـورُ رأسًا على عقب.
بللت شفتيها وهي تشعر بدفء ذراعيه على خصرها، توترَت لتتحرّك معترضةً على هذا الوضع وهي تهمس : طيب اتركني
سلطان شدّها إليه بعد حركةِ اعتراضها، لينطقَ بحزم : بالأول جاوبيني ، وش قصّة هالعلامات اللي بظهرك؟
أجفلت وتصلّب جسدها بين أضلاعِه بصدمةٍ من سؤالـه، وكأنّ الآثـار وذكراها عفى عليها الزمَنُ ونسيتها في حينِ غرّة، في حينِ ذعرٍ وخشيـة، كأنّها في لحظةٍ ما لم تهتمَّ لأن يراها بحجمِ ما صوّبت اهتمامها حول ألّا يلمسها.
تنفّست بتوترٍ وهي تُخفضُ عينيها وتُحاول الانسحابَ من بين ذراعيه، وبغصة : آثار قديمة
سلطان بحزم : بعضها ماهي قديمة هالكثر!! نقول قبل لا تصيرين عندي؟!
ازدردَت ريقها بتوترٍ ولم تُجِب، ليعضَّ هو شفتهُ السُفلى بقهرٍ ويلفظ غاضبًا : الله يبتلي أبوك بكسر في يده عشان يعرف بعدين شلون يضرب صح!
شهقَت بخفوتٍ ذاهل، بصدمةٍ من إدراكِه! كيف يعلم؟! وكأنّه لم يقترب ويكشفَ ظهرها إلا وهو يكاد يجزم أنهُ سيجد ما توقّعه، أو أراد التأكّد! . . ارتعشَت شفاهها وتصلّب جسدها وعادَ لثُقله، إنّها تُكشَفُ أمامـهُ يومًا بعد يوم، يرى كلَّ معاناتِها وخيباتِها طيلةَ أعوامها الماضيـة، يرى ضعفها. أنقشعُ من كلِّ حواجزي أمامكَ يا سلطان، كل حواجزي.
وجدها ترتعشُ من جديد، حينها حررها من ذراعيه ورفعَ كفيه إلى كتفيها ليُديرها إليهِ أخيرًا ويلسعَ الهواء البارد عُريَّ ظهرها. نظرَ لوجهها الذي كانت تُخفضُه، تنظُر للأرضِ بهوان، انسحَبت ألوانُ الحيـاةِ منها وباتت شاحبةً بعد أن جعلها بهذهِ الشفافيـةِ أمامه.
سلطان بخفوت : ارفعي راسك وناظريني.
قوّست شفتيها وارتعشَت أهدابها دونَ أن تستجيب، ليُردفَ بحزم : ارفعي راسك وناظريني.
غزل بارتعاشةِ شفتيها المتقوستين للأسفل، بقيَت تنظر للأرض بضعفٍ لتهمسَ ببحّةٍ متحشرجة : شلون عرفت؟ ليه أصلًا عرفت!!
سلطان يشدُّ على كتفيها وهو يعقدُ حاجبيهِ ويقرأ كل خيباتها التي تنبضُ في ملامحها الباهتـة، همسَ بحنـان : ما يهم شلون عرفت! بس ليه عرفت؟ لأني لازم أعرف! كلمة زوج ما تعني العلاقة الجسدية وبس يا غزل! هي احتواء ، وواجبي أحتوي كل انكساراتِك وأجبرها
شهقَ صدرها شهقةً حمّلت كل آهةٍ على متنها، حمّلَت كل انكسارٍ لا يُجبَر! واللهِ لا تُجبر، انكساراتي دائـمة، لن يُساعد شيءٌ في جبرها، حتى احتواءتُك لا تكفيني لأنسى كل ما مرَّ وتربّع في أطرافِ بُكائي.
همسَت بغصّةٍ تُترجمُ كل انفعالاتِ الكلامِ في داخلها بنبرةٍ واهنـة : مافيه شيء يجبرها يا سلطان ، مافيه شيء! هي صارت مثل الظل لي، ما يتركنِي!
سلطان يشدُّ على أسنانِه دونَ رضـا بما تقُول، لفظَ بانفعـال : بتتركِك! لا بتتركك، حتى الظل يختفي باللحظة اللي تغيب فيها الشمس، وأنتِ شمس انكساراتِك يأسِك، غيّبيها.
غزل ترفعُ عينيها إليهِ وأسنانها تطئُ على شفتها كاتمةً آهةً أخرى، الدموعُ تعانقُ يأسها، أهدابها تلتمعُ بملحِ البُكـاء، تسقطُ من جديدٍ في صورةٍ ذائبة، وكأنّما كلُّ مافيَّ ينصهر، حتى الملوحةُ التي يتنفسها قلبي. نطقَت بنبرةِ بُكاءٍ وانهزام : ما أقوى أغيّبها، يأسي فوقي، والجروح اللي شفتها في ظهري عمقها أكبر بكثييير، تجاوزت روحي والمضيّ بهالحيـاة.
سلطان باعتراضٍ لما تقُولُ قطّبَ ملامحهُ وأعـاد إدارةَ ظهرها إليه، اقشعرَّ جسدها حينَ شعرت بطرفِ سبابتهِ تعبرُ فوقَ جرحٍ أفقيٍ رفيع في منتصفُ ظهرها، لافظًا بهدوء : تحسين بألم فيه؟
تحرّكت للأمـام حتى تهربَ من لمسته، وبغصّة : لا تحاول .. مافيه مجـال أنسى.
أمسكَ عضدها قبل أن تبتعدَ وأعادها إليه، وبحزم : تحسين بألم فيه؟
صمتت كلماتُها قليلًا وبقيَ حديثُ عينيها يتساقطُ بهدوء، نطقَت أخيرًا بهمسٍ واهِن : لا
سلطان : كم جلست تألمك؟
غزل باستسلام وانصيـاعٍ تُجيبه : أسبوع أو اسبوعين ، ما طوّلت أكثر
سلطان : حتى لو لمستيها؟
غزل : أيه
سلطان يبتسم : وليه معطيتها أكبر من حجمها؟ دام أثرها الحسي اختفى بهالسرعة ليه تخلّدين المعنوي منها؟!
غزل تزدردُ ريقها بغصّة : أثرها مو سطحي يا سلطان! مو سطحي
سلطان : شايفة إنّ الغلط اللي سويتيه وقتها كان يستاهل هالضرب؟
رفعَت كفّها المرتعشَة لتمسحَ دموعها الصاخبـة، ودموعُ قلبي من يمسحها؟ تلكَ الآثـار من يمسحُ وخزتها لروحي كلَّ يوم؟! . . لفظَت بنبرةٍ تهتزُّ أوتارها، تغصُّ كلماتها في عبراتها لتظهرَ لهُ أقربَ للنحيبِ وجسدها يتقوّس قليلًا إلى الأمام : أغلبها ما كانت تستاهل! والله العظيم ما تستاهل
سلطان يُمسك كتفيها حتى يمنع سقوطَها إثر انهيارها، لفَظْ : أنتِ تشوفين إن الغلط ما كان يستاهل هالضرب ، وصدقيني هالضرب ما يستاهل توقّفين حيـاتِك عنده.
غزل بنحيبٍ تشدُّ قبضتيها المتشنجتين فوقَ بطنها، دموعها تسقطُ أكثر : طيب وش أسوي يا سلطـااان؟ وش أسوي؟ حتى الآثـار اللي قدرت أزيلها من جسمي للحين أحس إنها موجودة! أحس إنها فيني وتكسرني أكثر!! شلون تبيني ما أوقف عندها؟ شلوووون؟!!
لفظَت كلمتها الأخيرة بحرقةٍ تتضخّم، ليبحَّ صوتها وتسعل بقوة. لو أنّ الحُزنَ واليأس يُغادر بالسعـال، بالزفير، بالأساليبِ الطبيعية، لو أنَّ كل السلبيات تُغادرنا عبر المسامِ يا الله! أؤمِن جيدًا بأنَّ ابتلاءَآتك تصبُّ نفسها في المكـان المُلائم، لو أنّ ابتلاءها كان ابتلائِي، لو أن ابتلائي كان ابتلاءها، لرُبما اختلفَت النتائج، قد لا أبـالي ولا تُبالي، سترتاحُ باغتيـالِ والدها، ولم تكن الضربات يومًا لتُزهقَ الحياة مني! لكنّك يا الله وضعت الابتلاء حيثُ يجبُ أن يكُون، امتحنتنا بما يُلائم خلقتنا، فسقَطَت وأكاد أسقط! أكـاد أسقُط يا الله!!
لو أنّ لي كرّةً أخرى لألتحمَ بوالدي وأموت معه! .. وأرتـاح من الأسى والخيباتِ الآن . . . انزعجَت ملامحهُ وهو يتأمّل ظهرها الملكُومَ بقبضةِ اللا إنسانية . . إلهي! ما بـالُ - لو - تغدرُني؟ أنا الذي آمنتُ كثيرًا بكَ وبقدرِك، أصبح إيماني يضعف بطريقةٍ لا أُدركها/بطريقةٍ مُباغتـة، أصبحَت لو تندسُّ بمكرِها بينَ حديثي.
شدَّ شفتيه وانحنى إلى أذنها ليهمسَ بصوتٍ أخفى الحُزن في حناياه : تثقين فيني؟
صمتت ولم تمتلك الرد، أو بالأحرى لم تمتلك الجرأةَ على الرد، حينها تبسّمت شفاهُ سلطان رغمًا عنهُ ليُردف بخفوت : صمتك يقولي أيه، وبنفس الوقت يقول إنك خايفة من هالثقة!
بللت شفتيها اللتين جفّتا فجأةً ولم ترد، حينها أدار جسدها إليه لتُقابله بملامحها، لكنّها أخفضت وجهها عنه لا تريد النظر إليه، ليُمسكَ بذقنها أخيرًا مُرغمًا لها على النظر إليه حين رفعَ وجهها نحوه، وبهدوء : من أي ناحية خايفة؟ .. أكسِر ثقتك وأخذلك؟ تطمني، عمري ماراح أخذلك، بفترة زواجنا على الأقـل.
شتت عينيها عن عينيه التي قرأت فيهما ثقةً وحنانًا عظيمين، لطالما درّبت نفسها على عدمِ الثقةِ بأحدٍ وتحديدًا صنفَ الرجـال، لكن رغمًا عنها، رغمًا عنها بدأت تشعرُ بأنها تثقُ به، بنظرةِ عينيه، باحتواءِ صوتِه لها، تنقشعُ كثيرًا من غرورها الكاذِب الذي تلبّسته كثيرًا وتصبح أمامهُ بعفويةِ طفلة.
هتفَ سلطان وهو يضوّق عينيه قليلًا، بنبرةٍ فيها بعضَ الغموض : أو نقول خايفة لا تتطوّر الثقة لشيء ثاني!!
عقدَت حاجبيها بغيرِ فهم، حينها تنهّد وأردفَ بضيق : غزل، وين تشوفين نهاية هالزواج؟!
غزل بعقدةِ حاجبيها وبحيرة : أكيد طبعًا الطلاق ، * تنفّست باضطراب * لا يكون بتغيّر رأيك؟
سلطان : قلتها لك قبل وبعيدها، لو أن زواجنا كان بظروف ثانية كنت بفتخر فيك كزوجة، أفرح فيك وأحبك! بس كل الظروف عكسنا يا غزل، هالزواج مستحيل يتم، ومستحيل أصوّره بنفس الوقت كزواج حقيقي وأتلاعب فيك!
عضّت شفتها السُفلى بتوتر وبعض الراحةِ وإن دغدتها إلا أنها تخاف من هذهِ النقطة : وأنا بعد مستحيل أفكر بأن الزواج ممكن يكتمل ، خلاص شفت نفسي ما أناسب هالزواج! ومستحيل أعلق أملي فيه
سلطان يتنهد : ومشاعرك؟!
غزل بتوتر : مشاعري؟
سلطان يعقد حاجبيه : خايف عليك منها!!
عقدَت حاجبيها من الجهةِ الأخرى بحيرة : قصدك أحبك مثلًا؟!!
صمتَ سلطان دونَ ردٍ وهو ينظر لها بنظراتٍ جامدة، حينها فغرَت فمها بنفورٍ من تلكَ الفكرةِ لتهتف باندفاعٍ ساخر : وليه ما تخاف من مشاعرك أنت؟!!!
سلطان بجمود : أنا محصن، لو حسيت نفسي ممكن أحبك أو حتى أحس برغبة فيك بقدر أقاوم نفسي
غزل بقهرٍ من ثقتهِ بنفسه، لفظَت بسخرية : الخوف من الرجّال في أي علاقة مو من البنت ، طبيعي البنت تقدر تمنع نفسها من أي اندفـاع بس الرجّال هو المُسيطر في العلاقات فالخوف منك لا تطيح فجأة
ابتسمَ رغمًا عنهُ لنبرتها المقهورة والمندفعة، وبصوتٍ ضاحك : ليه تنفعلين طيب؟ أول شيء الحب محد يقاومه ما قصدت الرغبات الجسدية على الوجه الخـاص، بس أنا كرجّال أقدر أقتل رغبتي فيك بالزواج، أنتِ طبعًا ما تقدرين
عضّت شفتها بقوةٍ واتّسعت عيناها بقهر، كتّفت ذراعيها أمام صدرها ولفظت بصوتٍ ممتعض : يا سلااام! آخر زماني زوجي يتزوج علي وأنا بذمته! لا والله ما صارت في حق غزل بنت أحمد
سلطان : شوفوا وين وصلت!! * زفَر ليُردف بجدية * أجـل بتطمّن من ناحيـة مشاعرك على الأقل بهالوقت
غزل بقهرٍ ترفضُ أن تغير الموضوع : لا والله ! محسسني إنّك الرجال الوحيد على الأرض والبنات كلهم طايحين عندك! واثق يعني إنّي ماراح أقاومك وما فكرت إنه ممكن أنت تطيح بشباكِي!!
سلطان بضجر : غزل اتركينا من هالموضوع وخلينا بسالفتنا الأساسية
ارتعشَت شفتيها قليلًا ودموعُ ذلك الحديثِ لم تجف بعد، هتفَت بغصّةٍ معترضة وهي تُمسك بكفهِ على ذقنها وتنزلها : قفل عليه
سلطان بحزم : لا
غزل بقهرٍ نظرَت لعينيه ومقلتيها تلتمعان استعدادًا لبثِّ دمعٍ جديد : ليه لا؟ بكيتني بما فيه الكفاية اليوم ، قلتلك انكساري ما ينجبر! ما ينجبر لو تصير لي دواء
سلطان بنبرتهِ الحازمـة والواثقة ، نطَق : وأنا بصير لك دواء، بمسح كل أثر بروحك، بخليك حتى لو شفتي هالأثر في المرآية ما تذكرين من وين جاء! ثقِي فيني.
أغمضَت عينيها بقوّةٍ وهزّت رأسها بالنفي وهيَ تقفُ متجمدةً كتمثالٍ أمامه لا حيـاة فيه، وبنبرةِ انهزام : ما تقدر! ما تقدر ، الله يخليك اتركنا من هالسالفة
سلطان : أقدر وبتشوفين هالشيء
غزل سقطَت دموعها من جديدٍ رغمًا عنها، زمّت شفتيها دونَ أن تفتحَ عينيها لهُ وارتفَعت كفيها المرتعشتين لتضعَ ظاهرهما على عينيها في صورةِ بكاءٍ طفولي، زمّها لشفتيها لم يستطِع كتمَ نحيبها، استسلامها، ضعفها وانهزامها، لم يستطِع تغليف هذا الضعف الذي لا ينفكُّ منها.
بينما اعترضَت ملامح سلطان عن هذا البُكـاءِ والإنهيـار، عضَّ شفتهُ السُفلى قبل أن يُمسك كتفيها ويجذبها إليه بقوةٍ حتى دفنها بصدرِه، أحاطَها بذراعيه القويّتينِ وانخفضَ وجههُ ليهمسَ بجانبِ أذنِها اليُمنى بخفوتٍ رقيقٍ وكأنّه يحادث طفلة : الغيوم حلاتها كيف؟ تكُون بيضاء صح؟ ما تبكي إلا لما تصير سوداء، صح نحب مطرها بس نحب بياضها، بياضها أجمل يا غزالة، ولأنك جميلة هالمطر ما يناسب عيُونك.
ارتعشَت في أحضانهِ ولولا كفيها على عينيها لتبلل صدرهُ من دموعها الحاتمية، همسَت ببحةٍ متألمة تتمرّغُ بين أضلاعِه الاثني عشَر : مطرها عذب، وأنا مالح!
سلطان يقبّل رأسها بتلقائيةٍ ويهمس : مطرها حيـاة، وأنتِ تبكين والبُكاء ماهو عيب، بس خليه حياة لِك يا غزل! لا تبكّين عيونك على شيء ما يسوا.


،


بعدَ الساعـةِ العاشرةِ بدقائق، كانت تجلسُ أمـام التلفازِ بروتينٍ أصبحَ يُلازمها منذ جاءت هذا البيت، ملامحها تشرحُ اشتعال الضجرِ والمللِ فيها، تضغطُ أزرّة جهاز التحكّم بعشوائيةٍ وذقنها يستندُ على كفّها اليُسرى.
دخَل في تلكَ اللحظة، يُمسّدُ مؤخرَة عنقه المُتصلّب، عيناه تتثبّتان عليها، قبل عشرِ دقائِق اتّصلَ بهِ يُوسف ليُخبره بأنّ طائرتهم ستُقلع، وأكّد هو عليه بأنّه سيكُون باستقبالهم حين وصولهم. والآن! عليهِ أن يوصلَ إليها خبر انكماشِ المسافاتِ بينها وبين عائِلاتها، واللقـاءُ سيُسطّرُ خلالَ ساعاتٍ قليلة.
عقدَ حاجبيْه قليلًا، واقتربَ منها في حينِ رفعَت عينيها العاتبتين حتى الآن عليه، على إرغامهِ لها لتأكل غداءها وعشاءها في الأسفـلِ معهم . . صدّت بملامحها عنه وهي تقطّب جبينها وتلوي فمها ممتعضـة، حينها ابتسمَ رغمًا عنه، واقتربَ منها أكثـر حتى وصلَ إليها ليجلسَ بجانبها أخيرًا، لافظًا وجزءه العلوي من جسدهِ يستدير بأكملهِ إليها : ليه نظرات الزعل من عيُونك الحلوة؟!
جيهان بجفاءٍ دونَ أن تنظر إليها : ماهي زعلانة
فواز بابتسامةٍ لم تُغادر شفاهه : وليه هالتجعيدة بجبينك أجل؟
جيهان ترفعُ يدها بتلقائيةٍ وتضعها على جبينها وملامحها ممتعضة، حرّكت أصابع يدها بشكل رأسيٍ على جبينها في حين بلل هو شفتيه بلسانهِ ومدَّ يدهُ ليتناول كفّها من على جبينها ويجذبها إلى حجره، عانقها بيدهِ التي غلّفت كل جزءٍ منها، وضاقت عيناهُ قليلًا وهو يلفظُ بنبرةٍ جعلتها تُديرُ رأسها إليه وتعقدُ حاجبيْها : ودي أتكلّم معك.
راقبها وهي تُشتت عينيها عنهُ لثانيتين، وكأنّها توتّرت لتلك النبرَة، تجزمُ بأنّها ستستقبلُ حديثًا من الذي يُجيدُ عرقلةَ نبضاتِ قلبها وجريـانِ دمها في شرايينها.
تنحنَحت تُخفي توترها ومن ثمَّ همسَت بترقّبٍ وهي تنظرُ لعينيه : وشو؟
فواز يداعبُ ظاهرَ كفها بأنامله وأنظـاره الجامدة في عينيها المترقبتين بقلق، يخشى أن تجيء ردّة فعلتها بالنفُور أو بالصمتِ الدّالِ عليه، وهو قد بات يتوقّع أي ردّة فعلٍ منها. هتفَ بهدوء : اليوم رحلـة عمّي يُوسف للريـاض.
تصلّبت ملامحها للحظـةٍ بصدمة، وبرقَت عيناها ببريقٍ خاطفٍ بينما تحشرجَ تنفّسها وتعرقلت نبضـاتُ قلبها كما تكهّن بهِ عقلها، قُضمَت الكلماتُ بصمتها، وفغرَت شفاهها وهي تتخيّل اللحظـة التي ستراهم فيها من جديد، هل تنكر أنها اشتاقتهم؟ تُريد الشعورَ بأضلاعِ والدها من جديد! اشتمـامَ رائحةِ العودِ في ملابسه، مداعبـة شعر ليـان، والحديثُ مطولًا مع أرجـوان. كثيرٌ هذا البُعد! كبيرةٌ تلكَ المسافـة التي كانت حتى قبل أن تغادرهم، لمَ انقلبَ الحـالُ يا الله؟ تُدرك أنّني ضعيفةٌ كفايـةً كي لا أصطبر، كي أغرقَ في بحيرةِ دمعي ويغصَّ الحمدُ في حلقي.
بقيَ يُراقبها وهو يرى التشتت الذي سرقها، ارتعاشَ شفتيها، يريد استنبـاطَ لهفةٍ أو نفور، لكنّ البهوت في ملامحها كان حياديًا، لمْ يجعله يتلقّف طرفًا من مشاعرها.
عضَّ زاويـة شفتهِ قبل أن ينحني نحوها بدرجةٍ لم تُلحظ ليلفظَ بنبرةٍ جامدة : لا يكُون هالشيء مضايقك؟
تشنّج فمها وشهيقها يتواترُ بضعف، كيفَ قد يُضايقها؟ ألا يرى لمعـة الشوقِ في عينيها؟ ألا يسمعُ صوتَ نبضات قلبها العاليـةِ انفعالًا؟! . . ابتسمَت باهتزازٍ وانخفضَ مجالَ رؤيتهِ لأحداقها حين أسدلَت جفنيها قليلًا وهي تلفظُ بصوتٍ حمَل البحّة معه : متى؟!
فواز يقطّب جبينه دونَ أن يكون فهمَ مغزى سؤالها وابتسامتها إن كانا فرحًا أم لا : الساعة 10، خلاص قد أقلعت طيّارتهم.
عقدَت حاجبيها بضيقٍ انتشلها فجأةً والإحبـاط سكنَ صوتها الذي نطق : يعني بيوصلون متأخر! بتروح تستقبلهم أنت؟
فواز بهدوءٍ يقرأ الضيقَ في صوتها : أيه
جيهان بلهفةٍ لم تكُن غامضةً أخيرًا : أقـدر أروح معك؟
تصلّبت شفتيه للحظاتٍ وبقيَت نظراته تحملُ نفس الجمود ولم يغِب، وكأن عقله ينتظر أن يستوعبَ هذه اللهفـة والشوقَ في صوتِها . . وسرعان ما جاءتهُ القدرة على الاستيعابِ أخيرًا، ابتسمَ وتنهّد براحـة، فآخر ما يُريد أن تحمِل مشاعرَ سلبيةً ضدَّ قدومهم، وهذهِ المُعاكسـةُ لظنونهِ أراحتـه، فحمدًا لله.
بلل شفتيه وهو يتركُ كفّها ويرفعَ كفه ليضعها على شعرها المنطلقِ حولها ويداعبه، وببسمة : ما أقدر، بتكونين وقتها نايمة فانتظري لين بكره وشوفيهم
تعجّن وجهها دونَ رضـا ونفخَت فمها قليلًا باعتراض، وبرجـاء : ماراح أنـام ، الله يخليك بروح معك
فواز يهزُّ رأسه بالنفي : بكره تشوفينهم ببيتكم مرة وحده، ما اشتقتي لبيتكم بعد؟
جيهان بذاتِ الرجـاء : اشتقت له بس اشتقت لأصحابه أكثر ، الله يخليك فواز بروح ، * ابتسمَت بمكر * يلا عيُوني يهون عليك تردني؟
رفعَ حاجبًا وصدرهُ يرتفعُ بأنفاسه، وبالرغم من تأثير كلمتها الماكـرة عليه إلا أنه لفظَ بحنق : وصايرة تتدلّعين علي بكلام معسول؟ طلعتِ منتِ هينة ، بس بفكر أول
أمسكَت كفّه التي على رأسها وأخفضتها لشفتيها لتقبّلها مُتخذةً أساليب كافيـة حتى يرضى، حينها ارتعشَت كفهُ ليسحبها وهو يعقدُ حاجبيه بتوتر، لتبتسمَ هي ببراءةٍ غيرَ مباليـةٍ بجرآءتها معهُ بحجم ما كانت تريد أن تذهب معه، أن تراهم حينَ يُشرقون بهذهِ الأرضِ التي أظلمَت من دونهم.


،


عادَت التكشيرةُ تشقُّ طريقها في ملامِحه، تسكُن بين حاجبيه في تقطيبةٍ حـادة وتوسِمُ تشوّش البسمَةِ في شفاهِه. كـانَ يجلسُ في المطبَخِ على إحدى الكراسي الخشبيـة، ساقهُ تمتدُّ لتستقر قدماه على الطاولة، الهاتفُ بين كفّيه يُقلّب الكلمـات فيه بحنقٍ واضحٍ ولّد رسـالةً حمقـاءَ لو أنّه كان بمزاجٍ آخر لرأى الحماقـة تتضاحكُ عليهِ في زواياها.
( شوف ، إذا جلست مع هالفيصل لا عاد تعرفني ولا أعرفك! تقرا؟؟ أنت شكلك خلاص يئست وقمت تعلّق نجاتك بكل ناس والثّانين، وأنـا مو هايِن علي تنتحر، أيه ذا انتحار، عندك شيء؟! )
رمَى الهاتفَ على الطاولةِ المستطيلةِ بلونها الخشبي المحروق، والتوى فمهُ بغيظٍ وهو يشتمهُ دونمـا مواربـة، ولو أنّ ماجدًا كان أمامه للكمهُ لشتائمهِ الفاسقـةِ تلك كعادتِه حين يتمادى لسانه.
أدهم بسخرية : يساعدك هاه؟ والله إذا ما كان كذّاب ما أكون أدهم، اااخ ليتني أقدر أروح لباريس بهالوقت.
دخَلت سهى على كلمتهِ الأخيرة لترفعَ حاجبيها وهي تمرّرُ أحداقها من رأسه إلى قدميه في صورتهِ الفوضوية، هتفَت بنبرةٍ مشدودةٍ ساخرة : شكلي مضيّقة عليك ما خليتك تآخذ راحتك بالطّلعة
وجّه نظراتهِ إليها متفاجئًا لتواجدها المفاجئِ ليعقدَ حاجبيْه أخيرًا، وقد كان التفاجئ فعليًا يصبُّ لكلماتها التي لا معنى لها! لذا هتفَ بتهكّم : أكيد ما قصدت كذا.
اقتربَت منَ الطاولةِ حتى وقفَت بجانبِ قدميهِ بحذائهما وهي ترفعُ حاجبًا ناظرةً لهما باشمئزاز، حينها تنحنحَ منحرجًا وأنزلهما بسرعةٍ بينما انبعثَت كلماتها ساخـرة : منت في شقّة عزابية، واترك عنّك هالحركات العربجية
أدهم يلوي فمهُ ويهتفُ بانزعـاج : لا تبالغين
سُهى : أقلها احترم وقفتي عندك
أدهم يفرجُ فمهُ لينطقْ، لكن سرعان ما أطبقَ شفاههُ وهو يبحث عن المناسِب ليقُوله، في النهاية لفظَ بتجهّم مُكررًا : لا تبالغين
نظَرت سهى للأرضِ حولهما والتي امتلأت بقشورِ فستقٍ هنـا وهنـاك، وبحنق : أبالغ؟!
أدهم يتابعُ الأرضَ معها حتى ابتسمَ ببراءةٍ وهو يعُودُ لتوجيه نظراتهِ إليها ويحكُّ عنقهُ محرجًا، وبنبرةٍ بريئة : خلّصت الفستق اللي بالثلاجة
سهى تمطُّ شفتيها بامتعاض : الله !! ، بطل يا ولد أخوي الله يقوّيك
أدهم بتجهم : تتريقين؟
سهى توسّع عينيها بصدمة : لا لا وين؟ بالعكس أنـا فخورة فيك ، مو ناقصك غير تدخل موسوعة غينيس أو أسلمك جائزة أوسكـار من عندي أنا شخصيًا، جائزة أوسكار بحلّة أبو ريالين من التخفيضات اللي جنبنا
نطقَت كلماتها تلكَ وهي تسحبُ الكرسيَّ لتجلس، في حين كان أدهم ينظر إليها بصمتٍ وهو يعقدُ حاجبيه ويلوي فمهُ ممتعضًا من سخريتِها منـه والتي باتت تجيده بعد أن عُكسَت الأدوار . . زفـرَ بصمت، كمـا صبَرت سيصبِرُ هـو، وكما تمادى معها حدَّ الإهـانة لن يُعاتبها حتى تُشفى إهانتهُ تلك، فهو يستحقُّ الكثير، بحجمِ أذيّته لمن حوله، بحجمِ سلبيّتهِ التي تغلّفُ أفعالهُ مع من يحبُّ ويكره، لمْ يُحبَّ شخصًا إلّا وآذآه بحماقته، سُهى، وطفلته، حتى والده! والدهُ الذي مهما كـان قاسيًا معه إلّا أنّه أخطأ حين سافـر لأيـامٍ وتركهُ ممددًا على سريرهِ دونَ أن يطمئنَّ عليهِ قبل ذهابـه، تركهُ ليتعفّن هنـاك، وعـاد بعد أنَّ ظنَّ أن لا قلبَ له، أن لا مكانـة لهُ ليكسرهُ وفـاته، وحين بكتْ عيناه! أدركَ أنّهُ مامـن سَويٍّ لا يبكي والده! أنـا الذي أبكِي فقدانَ الأم في قصائِد صدرِي، لم أرهـا يومًا وبكيتها، فكيفَ لا أبكِي القاسي الذي رعانِي؟!
ظهـرَ البؤسُ على نظراتهِ التي التحقَت بالفراغ، وبقيَت هي تتابعهُ بصمتٍ وتعقدُ حاجبيها لحالتـه، وهو يُتابع انحداراتهِ نحو أفكـارهِ السلبية، نحوَ منحدرِ الظـلامِ الذي ألقى بهالةِ الضوءِ على أطرافِ العتـابِ لذاتِه . . مـارستُ الأذيـةَ حتى أصبَحتُ محترفًا فيها، وحدكَ يا ماجـد مغفرتِي! وحدَك الذي لمْ أؤذيـه يومًا ورجوتُ الله كثيرًا على أن تكُون كفّارتِي عن ذنوبِي، فلا تتهوّر! لا تتهوّر وترحـل قبلي، ابقَى كعملي الصـالح والذكرى الحسنـة.
تنحنحَت سُهى لترقّقَ صوتها وتطردَ السخريـة والجفـاء فيه، نظَرت للطـاولةِ الحاملة لبعضِ قشورِ الفستق لتُظلمَ عينيها بلونِه الخشبي، قدماها حكّت فيهما الأرض عبارةً عن التّوترِ وهي تهمس : برجَع لبيت أهلي
ارتفعَت نظراتُ أدهم بسرعةٍ كالمدفع، بينما ماجَ في عينيه الواسعتين صدمةً لم ترهـا لكنّها كانت تدركها جيدًا في تحشرجِ أنفاسهِ وتحرّك جسدهِ بعنفٍ فوقَ الكرسيِّ حتى صدرَ صوتُ زمجرةً احتجَّت على عنفـه.
مضَت الثواني سريعًا، ينظُر إليها والجفـافُ نالَ حلقـه، ارتعشَت شفتاهُ قليلًا قبلَ أن يصدُّ عنها ناحيـة اليسار وينظرَ للأرض مُبتسمًا بأسى : طفشتي مني؟ والا لأنّك زعلانة مني؟ اعتذرت منك والله!
ظهرَ التحشرجُ في كلمـاتهِ بالرغم من كونِه أرادَ إخفاءه، صوتهُ غصَّ أخيرًا في خيبةٍ وأخرى وهو يُغمضُ عينيه ويعُود لتخيّل هذا البيتِ خاويـًا من جديد، تعبرهُ الريحُ وأنفاسـه فقط! وهو الذي هربْ! تركهُ بعد أن غابت روحُ والـدهِ حتى لا تتوحّدَ فيهِ الجدران ويسمعَ صريرَ صدرهِ المجروحِ بوضوح، صدره الذي لا ينقصهُ سوى الهدوءُ والخـواءُ حولهُ حتى يفضحَ جرحهُ لأذنيْه.
رفعَت سهى نظراتها إليه وهي تعقدُ حاجبيها لمظهرِ وجههِ الذي أعتـمَ ونَال منهُ الإعيـاء، ازدردَت ريقها بتوترٍ وأخفَت عبـرتها وهي تبتسمُ ابتسامةً رخويةً باهتـة، هاتفةً بنبرةٍ مرحـةٍ كاذبة : محمّد قطّعني من الإتصـالات، كل شوي يسألنِي متى راجعة ومتى! عمّك ذا بثرة والا أنت من يتركك؟
أدهم يصمتُ قليلًا دونَ رد، لازالت نظراتهُ تتعلّق بالأرضِ وبلاطُ المطبخِ الأسـودْ يجيء منافسًا لسوادِ نظراتِه في هذا الوقت. همَس بسخريةٍ مريرةٍ لنفسه : أمي تركتني، وأبوي تركني، وأنتِ بتتركيني! حتى هالعم اللي تحكين عنه وجدي وكل أهلي اللي يمكن نسوني تركوني ! مين بقى؟!
ارتعشَت شفتاها قليلًا وتلاشت تلك الابتسامـة الخادعـة، الكلمـات تُحاربها لتطفو، التبريراتُ كثيرة، وكلّها بعيدةٌ أشدَّ البُعد عن فكرة تركِه! لا يعلم بمكانتهِ لديها، هي الأم له قبل العمة، ومامن أمٍ تترك ابنها كما تقُول، ولو أنّ لأمـه الفرصة لبقيَت تُسكنه في أحضانها أبدًا، تُدرك ذلك، فصورةٌ قديمةٌ اختزنت في عقلها لتكَ الأم الشقراء وهي تبتسمُ لها طفلةً لا تعِي الكثير، تمسحُ شعرها وتحدّثها بعربيةٍ متكسّرةٍ وبصوتٍ حنون، وإن كانت ذاكرتها لا تُسعفها كثيرًا عن تلك الأم، فحديثُ العائلةِ كافي، مهما كانت فالحديثُ الطيب عنها كان منتشرًا بينهم، لكنَّ ابنهم في النهايـةِ ظلمها، حتى ابنها حرمهُ من اسمها ونسبهُ لزوجته الأخرى!
بللت شفتيها قبل أن تُرخي انعقادةَ حاجبيها وانفراجَ أجفانها من فوقِ عينيها، وبحنان : والله الود ودي لو أبقى معك لطول العمر، بس أنت فاهم ومسوي العكس، لازم أرجع! ما عاش من يتركك، بس صعب أجلس طول عمري هنـا مع إنّي أتمنى . . * ابتسمَت بحالميـةٍ لتُردف * وبعدين نجلاء بتجيك وتنسيك وحدة اسمها سهى وكل أهلها بعد.
فغَر فمهُ وتصلّبت ملامحهُ بعد أن أدارها إليها بضيـاع، حينها اتّسعت ابتسامتها وهي ترفعُ حاجبيها بلؤمٍ وتهتف : ليه هالنظرات؟ مسوي فيها ثقيل وما تبي تعترف إنك تبيها تصير لك اليوم قبل بكره ، ليه الإنتظـار أجل؟
توتّرت ملامحُ أدهم رغمَ البريقِ الذي سطعَ في عينيه، شتّت حدقتيه وازدردَ ريقهُ وصوتهُ انبعثَ من خشونةِ حنجرتهِ وجفافها بنبرةٍ خافتـة : وش قصدك؟
سهى بابتسامة : ضاع الولد! شوف أنت بتحاكي كفيلها اليوم وبتعلمه بباقي السالفة والأهم منها، وعلى هالأسـاس بتصير لك.
بقيَ أدهم فاغرًا شفتيه بصورةٍ باهتـة وكأن الفكرةَ سرقَت كلَّ ألوانِه، أن تكُون في بيتِه! ويشعر بها من جديد!!! . . أغمضَ عينيه بقوّةٍ رغمًا عنه، وكأنّ الفكرةَ أكبـر من احتماله، حينها ضحكَت سهى بقوّةٍ ولفظَ صوتها بعبث : ااااخ يا نجلاء وينك بس؟ طلعتِ مضيّعة علوم ولد أخوي منذ مبطي


،


نظرَت للسـاعةِ بشرود، العقاربُ تحاربُ الثانيةَ عشرةَ في معركةِ وقتٍ لا يعُود، كالوقتِ الذي مضَى في الظهيرة، كلحظـةٍ كتلك، لربما لا تتكرر! وستمضِي ذكراها مع الوقت، هل ستمضي ذكراها فعلًا؟ لا تعلم! لكنها لا تظن، قد تمضي لديه، لكنّها الآن لازالت تشعُر بدفءِ جسدهِ على جسدها، بأنفاسهِ التي تحرقُ عنقها وأذنها، بتلكَ القُبلةِ اليتيمـةِ على شعرها. كل تلكَ اللمسـاتِ من بعد ذاكَ الذعر الذي كاد يُزهقُ روحها.
تنفّست باضطرابٍ وأصابعها ارتعشَت، ما الذي يفعلهُ بها؟؟!! . . . نهضَت من على سريرها واتّجهَت للمرآة، كفّيها أمسكتا بطرفِ بلوزةِ بجامتها الخوخيـة، رفعتها لتخلعها عنها في اللحظةِ التي وقفَت فيها أمـامَ المرآة، رمتها على الأرضِ واستدارَت ليظهرَ لها انعكـاس ظهرها الموشُوم، تأمّلته من أطرافِ عينيها وجزءٌ منها تبلّد ناحيـته بعد أن وجدَت كلَّ مافيها يبثُّ إليه، مجددًا! كأول مرةٍ بكَت في أحضـانه، تلك الأحضان السحرية! ممَ هو مخلوقٌ بالضبط؟
رفعَت يدها اليُمنى بارتعاشٍ لتلفّها من فوقِ كتفيها إلى أن وصَلت أطراف أصابعها لأوّل جرحٍ لامسـَه، تلمّسته وخشونةُ بشرةِ سلطان لازال أثرها فوقَه، حينها أغمضَت عينيها وتأوّهت، هنـاكَ وخزٌ ما في تلكَ المنطقـة، ليسَ من أثرِ الجرحِ بحجم ماهو من أصابعِه! . . ممَ هو مخلوقٌ بالضبط؟!!
بللت غزل شفتيها بتوترٍ وهي تفتحُ عينيها وتسحبُ يدها بسرعةٍ بعد أن سرقتها تلكَ اللمسة، وبنبرةٍ مبحوحةٍ متوترة : أنا شسوي بالضبط؟ مو لازم أتأثّر فيه! بس ليه هو مثالي كذا! ليييه؟!
تذكّرت كلماتـه التي استفزتها وقتَذاك حين تحدّث عن امكانيةِ انجذابها له، حينها مطّت شفتيها وضوّقت عينيها بامتعاضٍ لتطردَ كل أفكـارها المجنونةِ تلك وتهتفَ بسخريةٍ شرسة : ياااه يا ملكَ الوسامة! تخسي بس
صمتت! وتجهّم وجهها لتعقدَ حاجبيها في صورةِ استسلامٍ بعدَ كلماتِها ونبرةِ السخرية الواهيـةِ في صوتها، لقد علِم عن الجزء الأكبـر من حياتِها! كشفها! كشفَ كلَّ الهوانِ الذي عاشَت بِه . . " آه "! كلُّ دروعِ القوةِ التي انتحلتها أمامـه سقطت، عرّيتني من كلِّ شيءٍ يا سلطـان، أغرقتنِي بِك! بتخلخلكَ لأحزانِي وخيباتِي يومًا بعد يوم.
زفَرت باستسلامٍ لكل ما حدثَ اليومَ وهي تنحني لتأخذ بلوزةَ بجامتها، لقد علمَ وانتهى الأمر، لقد علمَ وبثَّ فيها شيئًا ما في الوقتِ الذي أُسندَت فيهِ إلى صدرهِ وتحدّثت، تحدّثت حتى أُفرغَت من كلِّ شكوَى.
ارتدت بلوزتها ومن ثمّ عادَت باتّجاهِ السريرِ كي تنـام، لكنّها توقّفت فجأةً وتصلّبت في مكانها وهي تعقدُ حاجبيها لافظةً بحيرة : لحظة أنا صليت عشاء؟ * عقدَت حاجبيها قليلًا وهي تحاول أن تستذكر، لتلفظَ أخيرًا بخيبة * لا والله ما صليت! . . أصليها الحين والا ماله داعي؟ لا لا وش أصليها قد راحت وانتهى الموضوع
لوَت فمها دونَ مبالاةٍ وجلست على السريرِ لتتمدّدَ أخيرًا، تقلّبت فوقهُ وفكرةٌ واحدةٌ تأخذها وتجيء بها، هل تتركها فعلًا؟ منذ متى كانت تهتم؟ لكنّها اتفقَت معه، ومن الخداعِ ألّا تصليها بعد اتّفاقهما!!
زفَرت بغيظٍ من اهتمامها بذاكَ الاتفـاق، نهضَت من السريرِ لتتوجّه للحمـامِ حتى تتوضّأ، وبعد دقائِقَ خرجَت وبدأت تفرشُ السجـادةَ وترتدي رداءَ الصـلاة، لتكبّرَ أخيرًا وبعضُ الأخطـاءِ السابقةِ توارَت لكنّ الكثيرَ منها بقي نظرًا لجهلها الذي يُدركهُ سلطان ويتعاملُ معه رويدًا رويدًا.


،


بضعُ سرقاتِ تـأملٍ في هذهِ الأرض، في الوطن، حاجبيها ينعقدانِ منذ تلألأت أضواءُ الرياضِ أسفلهم، عيناها تتلألآنِ مع هذهِ الأضواءِ التي لم تعُد بعيدةً كما السابقِ وطوتْها المسافـاتُ أخيرًا، في صدرها رغبـةٌ باحتضـانِ موطنها في صدرها كي لا يُغادرها أو تُغـادره من جديد، ولا أزكى من الوطن! وكأنّما روحها انتَشت ومُدّت بالطاقـةِ ما إن وصلوا، أنفاسها أصبحَت أنقى بعد أن لُوّثت بالغربـة، والآن هاهم يعودون أخيرًا، أخيرًا!!
أدارَت رأسها لليـان المُستغرقـةِ في النوم، ابتسمَت وهي ترفعُ يدها لتُلامس خصلاتِ غرّتها الناعمـة، وبخفوتٍ وشفاهها المبتسمة تُشرقُ بصفـاء : رجعنا.

.

.

.

انــتــهــى

وموعدنـا الجاي يوم الخميس، + وصلنا لنقطـة لذيذة على قلبي وممتعة في الكتابة، وعسى بس تكُون ممتعة لكم :$$
أغلبكم يشوف قوّة في الأجـزاء الأخيرة، من ناحية الأحداث والأسلوب، ولو إنّي طماعة وما رضيت عن أسلوبي للحين! ودي بأكثر من كذا :p لكنّي في النهايـة فخورة بكل حكيكم الطيب، والود ودي لو أخلّي له إطـار خاص أعلقه بجدار غرفتي وأشوفه بكل يوم :"""
وكونوا واثقين إني ما أنسى أحد يحط بصمة خاصة بروايتي، صحيح أختكم في الله مُبتلية بزهايمر مُزمن، لكن يشهد الله إن الجمـال اللي مثل جمالكم ما ينتسى، فلا تقولون أبدًا " إذا تذكرينا للحين " حتى لو غبتوا فترة طويلة !
بعيُوني أنتم والله :$$ شكرًا لصبركم وانتظاركم لي ()


ودمتم بخيرٍ دائمًا : كَيــدْ !


fadi azar 09-11-15 10:20 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
انصدم فواز بفرحة جيهان لوصول والدها كان متوقع انها تحزن لكنها مشتاقة لاهلها فصل رائع

أبها 10-11-15 05:46 PM

روعة روعة تبارك الله ..

يعجز اللسان عن التعبير عن كمية الجمال التي تغلف كلماتك .
وأخجل أن أعلق على سردك يا كيد ..
لكن الذي أملكه هو دعائي لكِ ..
حفظكِ الباري وأدام عليكِ نعمه ..

(ملحوظة) ..إلين غاطسة .عسى ما شر ؟؟

🍃🌸🍃

كَيــدْ 12-11-15 06:54 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 


-

-


مساء السعـادة والويكند والليل الدافئ :$$
قهوة وبارت هذا مطلبكم حسب حماسكم بالكلام في السناب؟ وما نبخل عليكم أكيد بالبارت، بس عاد القهوة منكم ونبيها مُرّة تصحصح كل إرهاق هالأسبوع :""
لعيونكم جالسين على هالبارت اللي مملوء مشاعر أبويـه للنخـاع، اليوم اللقـاء بين جيهان ويوسف لذلك حابة هالبارت ومعطيته كامـل مشاعري والتأني اللي جواتي، عشان كذا نقول صبرًا يا قُرائي الأعـزاء، بينزل بوقت متأخر شوي، واحتمـال تنامون وهو باقي ما نزل ويكون صباحية الجمعة ()
وطبعًا المشاعر الكثيفة كِذا بالغالب تأخذ مني وقت! أتأخر بكتابة الموقف الواحد لأنـه يستنفذني، والبارت من بدايته مشاعر متكثفة على الأغلب.

ربي يسعدكم ويسعد المتنحين اللي كل مرة ننزل بارت ما يشوفونه مع إن بارتي الأخير كان مزروع بآخر صفحة من بركات - ردودكم الباخلين فيها - * فيس يطالع بنص عين *

يحفظكم المولى ويخليلي عيونكم الحلوة ()

bluemay 13-11-15 08:37 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يعني لو مو قايلة انك مشغولة ومضغوطة بهالفترة

كان قلت هاي البارتات طلعت من واحدة مروقة ومتمزمزة عاﻵخر

الله يحميك وربنا يبارك لك ابدعتي واتعب وانا اقول اتعبتي

اكيد في تطور وااااضح ورقي مركز في اسلوبك .. وكل مالك عم بتبهرينا بزيادة


بصراحة انا محرجة منك وبعتذر لتقصيري بالتعليق

بس الله بعلم كيف ظروفي مانعتني ..

بس الك مكانة ممممممميزة بقلبي

وبحب اكون مروقة انا بقرأ لك مشاان اتمزمز وما افوت تفصيل من رائعتك


بتمنى تلتمسيلي العذر وكوني متأكدة انك بتمسي شغاف القلب بكتابتك

اللي بتحمل لمسة الإخلاص واﻹتقان الواضحة .


مقدرين لمجهودك ولتعبك وإلتزامك في مواصلة رائعتك ..


تقبلي مروري المتواضع وخالص ودي

○° الله أغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله ، وأوله وآخره ، وعلانتيته وسره .°○

كَيــدْ 13-11-15 11:28 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 


سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن

شلونكم عشانكم طيبين؟ البارت هالمرة بينقسم لثلاث أجزاء، وممكن جزئين حسب اجتهادي بالجزء الجـاي ، وعشان نكون صريحين هالشيء يعتمد على القفلة :P القفلة في بالي وجاهزة لهالبـارت كامل، وعاد أنا ونذالتي ما صرنا نقصر :$$ وبحسب كلامي السابق القفلة بتكون قاسيـة واللي تكتشفها لها جائزة مني :"""

كثير منكم يسألني قربنا من النهاية؟ وبقولكم لا! لكننا دخلنا في معمعة القضية الأسـاسية في الرواية، القضية اللي إذا انحلت بدأت فصول النهايـة أو نقول حلّها هو فصول النهاية! . . بقي الثلث الأخير فقط، والثلث الأخير ما يعني اننا اقتربنا من النهايـة كثير ، هالثلث طويل بحجم المُتبقي من الأحداث.


نجي طبعًا لكوننا دخلنا مساء الجمعة والموعد بالصباح :( أنا قررت قرار قاطع ما عاد أنزل بارت يوم خميس الا اذا كنت ساحبة :P طبعًا طوال الأسبوع يكون نومي قليل ومتقطع وأعوضه يوم الخميس غالبًا، فمن غير لا أحس أنام وهذا اللي صار أمس :$ فعذرًا منكم على هالشيء :( بيني وبينكم كنت كل ساعتين أقوم مفجوعة وأناظر الجوال والساعة ، صارت 4 الفجر! لا لا يمديني انام بس نص ساعة واقوم اكمل ، صارت 6!! لا لا باقي يمديني :/ وعلى هالحال لين صارت الساعة 8 * فيس بخدود حمراء * بس لكم تتخيلون الوضع والمعاناة وعلى هالحادثة قررت المحكمة تحريم بارتز الخميس إلا من إجازة مُعتمدة من صاحبة الرواية الموقرة يوم الخميس والسحب طبعًا لازال جاري مع سبق الإصرار والترصد :)

^ ما عليكم امسحوا الهبال بوجهي وخلونا ندخل بالبارت اللي كله مشاعر وقهرني أنا قبلكم :(


بسم الله نبدأ ، وجمعة مباركة على الجميع أولًا وأخيرًا
وهمسـة لكل قارئ ولكل يد تكتب كلام حلو، عسى ربي يسعدكم ويرزقكم الراحـة من حيث لا تحتسبون، الله يسلم وجوهكم الطيبة ()


قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !


لا تلهيكم عن العبـادات


(59)*1




برودةُ السّحَر وما قُبيْل الفجر، زفيرُ السمـاءِ التي لازالت تحتفظُ بفستانِ السواد وترفضُ خلعهُ عنها، هاهيَ السيـارةُ تقف، قبل نصفِ ساعةٍ من الوصول! نصفِ ساعـةٍ تطُول، وكأنّ هذا القُرب يرفضُ رحمتها، يرفضُ تكليلهُ بعناقِ الشوق، ببكـاءِ الحنين، هذا القُرب الذي يُكبِّل كل مقدرةٍ لها على المُكابـرة، مرَّ الكثير! الكثيرُ يا أبي، ومهما تصاعدَ العتـابُ في قلبي فأنتَ كنتَ ولازلت تدغدغُ رغبتي في الارتمـاء بين أضلعك، فهل سأستطيعُ فعلها اليوم؟! هل سأستطيع!
تنتفضُ من أفكـارها، تـشدُّ عينيها إلى فواز الذي هتفَ يأمرها بالنزول بصوتٍ توتّر رغمًا عنه وهو يفكّر باللقـاء. سكَنت للحظـة، ومن ثمَّ بللت شفتين جفّفهما البرد، ولم تكُن تلك البرودةُ في الأجـواء، بل في صدرها، يُرجف قلبها، يوهن عظامها . . هو بردُ الحنين!
زفَرت بضعفٍ بدأ ينتابُ قوّتها الزائفة والتي تغلّفها بإرادتها في رؤيةِ عائلتها الصغيـرة، فتحَت البابَ لتنزل، ومن ثمَّ نزلَ من بعدها فوّاز . . وتحرّكت الخطوات!
الوقت يمضي ببطء! كيفَ يفعلها؟ كيف تمتدُّ نصفُ ساعةٍ لتصبح ساعات، وكيف سيكُون اللقـاء؟ كيفَ تجمّل تلك الأشواقَ بثباتٍ وهي التي تهتزُّ أضلعها الآن! رغبـةٌ واتتها بـالبُكـاء، مشتاقـةٌ حدَّ الموت، وهذا الشوقُ بدأ ينجـرف، بدأ يغلّف نفسهُ بكيفية اللقـاء، بروايـةٍ فصولها لم تنتصف! لازلنـا في أوجِ العقدة! لازال الاشتعـال باقٍ، فهل يكفي اشتياقي يا أبي حتى أرتمي إليك؟ حتى تكبلني إليك؟ حتى تسرّحَ التقصفـاتِ في أوجاعي وتهذّبها؟ أنـا ابنتكَ المبتورةُ من التفكيـر، أغضب، أتمرد، أعصِي! لكنَّ قلبي يبقى يُحب من يُحب! مشتـاقةٌ يا والدي، مشتـاقةٌ حدَّ البُكاء، حدَّ التكفّن في الحيـاة، مشتاقةٌ والمنى أن يقودني الشوقُ لما بينَ كتفيْك.
انتفضَت، وشُدّت قيودُ شرودها، فغرَت فمها وهي تنظر لفواز تحـاول استبعـابَ ما نطق! مرَّ الوقت! وهاهـم يظهرون! من بين جموعِ النّـاس!


،


نامَت بعدَ أن بكَت، بعد سيلِ قسوةٍ جديدةٍ منه، لم تعتد كلَّ ذلك الجفاءِ منه! وكان حريًا بها أن تضعف بهذهِ الدرجة! أن تنـام بعد موجـةٍ عاتيةٍ من الدموع، موجةٍ اصتدمَت بشاطئ أحـلامها وفضّلت الهربَ إليْه، فهـاهو لم يمرَّ الكثير على جفائِه لتشعر بأنّها كثيرةٌ عليها، كثيرة جدًا!
الدمُوعُ جفّت على وجنتيها، غرفتـها تغرقَ في إضـاءةٍ صاخبـةٍ وبرودةٍ صاخبـة، تضمُّ كفها اليُمنى تحت الوسادة، والأخرى ترتمي بجانبها على السرير، ترتعشُ ارتعاشـاتٍ طفيفةٍ إثـر البرودة.
دخـلَ في تلكَ الأثنـاءِ بعدَ أن فتحَ البـابَ بهدوء، لم يستطِع النوم، وقضى ليلـهُ في الصالة، يجلسُ على الأريكـةِ وأنظارهُ للفراغ، مشاعرهُ تتخبّط ما بينَ حنينٍ من الماضي وما بينِ خوفٍ في حاضره! من مستقبله.
وقفَ بجانب سريرها بصمت، بملامحَ أرهقها الأرقْ، عينانِ ترجوها لو أنّها رحمته! لو أنّها لم تتهوّر، لو أنّها لم تزرع في صدره تلك الخشيـةَ وذاكَ الذعر، ومن الطبيعي جدًا أن يجيء ردّهُ عليها بتلك القسوة التي توازي قسوةَ صفعتها له! . . أسكَنت في قلبهِ رعشة! لو أنهُ قد أصابـها شيء، لو أنّها قد مسّت بأذى، كان ليمُوت! كان الموتُ هذهِ المرة ليسرقه، فكلُّ التحمـل الماضي كان لأجلهم، وكيف سيبقى إن ذهبوا؟ قولي لي! كيف تبكين؟ كيفَ تُجرحِين مني؟ وهذا لا أراهُ في قاموسي عقاب، أنا لا أعاقبـك! هذهِ ردة فعلٍ فقط! فكيفِ إن عاقبتك؟
جلسَ على السريرِ بجانبها، ينظُر لوجههَا الذي ترسّبَ فوقهُ الملح، ماءُها غادر وتبخّر، وبقيَت تلك الملوحةُ تُرش في قلبه هو، وليسَ على وجنتيها.
لوهلـةٍ تمنّى لو أنّه يتركها بكنفِ أعمامهِ في الدمـامِ مع حُسـام، أن يبتعدوا! بعدَ أن رفضَ طيلةَ السنينِ أن يبتعدوا رغمَ الخطر، أن يبقوا معهُ حتى يحيا، ويقتصَّ لعائلته!
ضوّق عينيه، وابتلعَ ريقهُ وتلك الفكرة التي لا تناسبِ وحدته، كيفَ يُخيَّلُ لهُ أن يبقى لوحده؟ دونهم!! هم البقية الباقية، البقيّة الباقية يا الله!
ازدردَ ريقهُ بصعوبة، وارتفعَت كفه ليمسحَ على شعرها الأسـود، نظـر لوجهها مطولًا، وتنهّد أخيرًا ليقف، ومن ثمَّ سحبَ لحافها حتى يغطيها ويُسكن ارتعاشَ أناملها بردًا . . تحرّكَ ليُغادر، لكنّ كفها الباردة فاجأته حين امتدّت متسللةً لتُمسكَ بكفه، تمنعه من المُغادرة، وصوتها المبحوحُ والذي احتفظَ بنبرةِ البُكـاء واختلطَ بهِ النعاس ينبعثُ متسللًا إلى مسامعه : بدر!
تجمّدت يدهُ في كفّها، وتجمّدت ملامحهُ من الجهةِ الأخرى لتسكنَها القسوةَ من جديد. شعرَ بها تجلسُ من خلفهِ وتشدُّ يدهُ نحوها حتى يستديرَ إليها دونَ فائدة وهي تلفظُ برجـاءٍ منقطعِ الراحـة : بدر ، يا كل أختك اللي مجافيها! وتمسح على شعرها بالليالي! . . الله يخليك، ما أبي يدك حنونة علي بنومي وبس! أبيك تسامحني، وتمدها لي بحنانك بكل ساعة!
يدهُ لازالت متصلّبة، باردة، تجافيها من عناقِ أناملٍ كمـا جافاها بصوتِه ونظراته، ملامحهُ تعودُ فيها القسوة لمجـاريها، وتلكَ اليدُ التي اشتدّ تصلبها ، سحبـها أخيرًا بجفـاء! لتتحرّك خطواتهُ أمـام نظراتها التي أجفلت لثانيتين، قبل أن تنكسرَ ضعفَ انكساراتها وتعودُ الدموعُ لتخضّبها بضعف.
غـادة وصوتُها يعودُ للأنين، تحرّكت بسرعةٍ لتنزل عن سريرها وتلحقَ به بخطواتٍ سريعةٍ قبل أن يخرجَ من غرفتها، تُمسكُ بيدهِ اليُسرى بقبضتيها لتمنعَ خروجه، وبصوتٍ ينتحب تعودُ للرجـاء بعمق، بألم، بندمٍ وانكسـارٍ لهذا الجفـاء الذي لا يليقُ به! واللهِ لا يليق : الله يخليك بدر، الله يخليك
حـاولَ سحبَ يدهِ بقسوةٍ وحدة، لكنّها شدّت عليها بقوّة لتسحبها إلى شفتيها وتبدأ بنثرِ قُبلاتها عليها برجـاء، حينها انتفضَ وسحبها بغضبٍ وقوّةٍ أكبـر، وبصوتٍ حادٍ من بين أسنـانهِ وهو يستديرُ إليها بجسدهِ كلِّه : قايل لك ألف مرة بمعنى واضح من كلامي لا تحاوليــن! لا تحــاولين ، لأنّ جرحك مابعده برى وما راح يبرى بالرجاء والبوس في كفي! لا تظنين إنّ سواتك سهلة وغفرانها سهل! الا والله بخليك تاكلين أصابعك ندم على اللي سويتيه وتحسبين حساب خطواتك في المرات الجايـة.
رمى كلماته الغاضبـة تلك ومن ثمَّ تحرّك ليخرج، بينمـا سكَن رجاؤها، اعتذاراتها، محاولاتها، وبقيَت رعشـةُ البُكاءُ تلملمُ تلكَ الدموعَ في انحدارٍ صامت.


،


الهواءُ ينسحبُ فجـأة، المكانُ بحجمهِ الهائلُ يضيق، الناس يختفون، واحدًا واحدًا، فردًا فردًا، والأصواتُ يبتلعها الصمتُ عدا هذا الضجيجِ في صدرها، عيناها تتجمّدانِ برؤيـةِ الملامحِ الوسيمةِ لكل فتـاة، ملامح الأب التي هزمَت في وسامتها كلَّ الرجـال، ملامحه التي غطّاها الشحوب، النحول! . . ما بالها الدمُوع بدأت تتكتّل؟ ما بالُ غصةٍ كتلكَ تملأُ حنجرتي، وصدري يضيق بأنفاسه؟ ما بـال تلكَ الرعشـة التي قيّدت أطرافِي؟ يا الله! ماهذا الشوق؟ ماهذا الألـم؟ ماهذا الوجـع الذي ينخرُ الخاصـرة؟ . . . أقدامها ترتعش! من حيثُ لا تحتسبُ تراجعَت للخلفِ خطـوة، دونَ شعورٍ كانت أحداقها تخطو على ملامحه! كتفيه، صدره، على نحالـةِ جسده التي تصرخُ بوضوح، وقلبها يصرخُ من الجهةِ الأخرى! شوقها تضاعف، لكنَّ تراجعًا مجنونًا هزمـها، لذا خطَت أقدامها للخلـف، وكأنّها بذلك تهرب من مرآه، عقلها بدأ يعاتبـها على تهورها ومجيئها رغمًا عن فواز، عن هذا الحنين، عن الرغبـة في الارتمـاء في أحضانه، ولازالت الرغبة تتصاعد! لكنَّ الحاجـزَ ظهرَ من جديدٍ فجأة، معترضًا كل رغبـاتها، كلَّ ما أرادتهُ وما احتاجَت.
أمسكَ فواز كتفيها من الخلفِ وهو يعقدُ حاجبيه بتوجسٍ من تراجعها المفاجئ هذا، وبخفوت : وصلوا يا جيهان! ماهو أنتِ ودك تشوفينهم وأصريتي تجين معي؟
شتت عينيها بتوترٍ وأنفاسها تضطرب، هزّت رأسها بالإيجابِ في صورةٍ واهنـة، ليتحرّكَ هوَ ويدهُ تشدُّ يدها حتى لا تتراجع، ليس الآن بالتأكيد، ليسَ الآن وهو لن يسمحَ لها بهذا التراجـع الجـارح، كما أصرّت على المجيء، فرغمًا عنها سترحّب، ستبكي لمرآهم قسرًا وستنثُر الدمُوع! فهيهات أن تصرَّ على المجيء لتوجِع.

ومن بعيد، يُديرُ رأسهُ هنا وهنـاكَ بحثًا عنه، يُمسكُ كفَّ أرجوان بإحدى كفيه، والأخرى تُمسكُ بليـان الذي يسرقُ تهدّلُ أجفانها نَعَسًا صحوتها، تتمتم متذمرةً بصوتٍ باكٍ تُريد السرير، وهو يبتسم وعينيه تبحثان دونَ ردْ.
انتفضَت نظراتهُ إلى أرجوان التي تمسّكت بكفهِ بقوِةٍ وعينيها تكادُ تُقتلعانِ من محاجرها وهي ترى فواز الذي يقتربُ وهو يمسك بامرأة، امرأة! تكادُ تقسم أنها هي! نعم، هي! هي حيهان لا غير.
لفظَت دونَ تصديقٍ وكأنّها توقّعت ألا تلقاها إلى يومِ زواجها، هذا إن اعتبَرت اللقيا من جيهان نفسها! فتمرّدها يجعلها تتوقّع منها الجفـاء حتى النهايـة، وإيلامَ والدها حتى النهاية، وزرع العتـابِ واللومِ في صدرها إلى الأبد! : يبه . . جيهان!
عقدَ حاجبيه في بادئ الأمـر وقلبهُ انقبضْ، وفي لحظـةٍ سريعة وجّه أنظـارهُ في الاتجاهِ الذي أشارت إليه بسبابةٍ ترتعش ترقبًا واشتياقًا!
حينَ يطولُ الجفـافَ أرضًا لسنينٍ عجاف، حينَ يزرعُ نفسهُ دأبًا في الصدورِ في ومضـة - اشتياق -! ومضة!! كيفَ يعبّر بومضة؟ هي واللهِ نـارْ! نارُ اشتياقٍ أحرقَت أرضـهُ وجففتهُ من المحاصيلِ والمـاء، زرَعت الجفـافَ في صدرٍ أبويٍ امتلأ بالحُب عتيًا، امتلأ ببناتٍ ثلاث، زهراتٍ ثلاثٍ أثمرت وواحدةٌ منهنّ وتمرّدت! . . طـال الجفاف! لتجيء غيمةٌ حُبلى فجأة، والأرضُ التي تحترقُ بنارٍ يُصبح ترابها خصبًا، ويُنبَتُ منها الزرعُ بسرعة.
هل أعشَب هذا الصدر؟ بتلكَ الغيمةِ الصـادمة، تلكَ الغيمـةُ الحُبلى بدائِهِ ودوائـه .. كيفَ إن كانَ ما يراهُ حلمًا صوّرهُ اشتياقه؟ حنينهُ الأبويِّ لضم زهرتهِ الكُبرى بين كتفيْن انحنيـا بعد أن كانا مسندًا لها؟ كسرته تلك الـزهرة! كسرتهُ بجفـاءٍ وصدْ! .. هل هي أمامـهُ بعد اشتيـاق؟ بعدَ جفافٍ وظمأ؟ هل هيَ أمامـهُ ويراها أم أنه يرى طيفًا اشتاقَ لرائحتـه؟

دائـرةٌ تضيق، وخطواتٌ تريدُ التراجعَ بقوّة، عينانِ ترتعشُ نظرتهما، وثُقلٌ سكنَ ساقين ليستشعرهُ فوّاز بتباطئ خطواتها، شدّها رغمًا عنه، وعقدةٌ سكنت بين حاجبيْه بحنق، بغضبٍ من فكرةِ تبدّل هذا الشوقِ الذي جرفها للإنـدفاع! وهاهو يشعر بها تريد الهرب بعيدًا كي لا تقترب. ليسَ الآن! لا تكسريه بنفورٍ يا جيهان، لا تكسريهِ بعد رؤيـاهُ لكِ هُنا!
بينما الربكـةُ انخلقَت بينَ رئتيها ومسـارِ أنفاسها، اضطربَ صدرها، وخفَقت أهدابها وقلبها ينحدر انتظـامُ نبضاته، يتسارع، والملامحُ الوسيمةُ تتعلّق بعينيها في نظرةٍ جفول! وكأنّ عقلهُ لا يستوعبُ هذا الغيث، لا يستوعبُ مجيئها، واشتياقـهُ لأيـامٍ وأسابيع سيُختم بمرآها، يُنهي فصل مشاعرَ مستوجعة، قصّةً استنفدتْ كل قدرةٍ على المضي في الحيـاةِ بابتسـامة ، سيحتضنها بين أضلاعه، يقبّل مقدّمة رأسها، ويهمسُ لهـا بأن لا تُجافي والدها مرّةً أخرى! بأن قلبه لا يحتملُ بُعدَ أميرته، اختفـاء صوتها عن مسامعه، غياب " يبه " عن سماواتِ أسماعِه. سيقُول لها بأنّ أكبـر حُزنٍ كان في حياتِه هو هذا البُعد.

تتقلّص المسـافاتُ فجأة، لا ليسَ فجأة! بل أن الأفكـار مرّرت الوقتَ دونَ أن تشعر، ووجدَت نفسها أمامهُ فجأة، أمـام أرجوان، ليـان التي انعقدَ حاجبيها وهي تنظُر لها وكأنّها تحاول التعرف على من خلفِ العبـاءة، على هذهِ العينين الظاهرتين من بين النقـاب، تلك العينين التي يُخبرها عقلها بأنّها لا تجهلها!! . . اتّسعَت ابتسامتها بشدّةٍ فجأة، وانتفضَت كفها من كفِّ والدها وهي تكسر المسافةَ الفاصلة في خطوةٍ لتعانقَ فخذيْها وصوتها الطفولي يُغادرهُ النعاسُ ويسكُنه الحماس : جيجي ، جيجي
تضاعفَ ارتعاشُ شفاهها وتسارعت أنفاسها وهي تقطّب جبينها وعيناها تتمايلانِ بشوقٍ ملتـاع، تغرقـانِ في موجٍ مالـحٍ تغصُّ فيهِ سفينتيْها، زمّت فمها وهي تُحني ظهرها قليلًا، تتمنّى لو أنها خـارج المطار، ليس من حولها أحد، تُعانقُ ليـان عن كلِّ بُعدٍ وشوق، تعانقها عنها وعن والدها الذي ما إن رأتـه حتى التـاعَت حنجرتها وغصّت في وجَع! تراجعَت رغمًا عنها، وبقيَت أذناها تنتظرانِ صوته، تنتظرانِ كلمـةً منهُ لفواز، وليسَ لها!، تشعُر بنظراتهِ المتسلطـةِ عليها في شوقٍ عاجـز! عاجـزٍ حدَّ الوجَع.
ابتلَعت غصّتها وكفّها تعانقُ شعر ليـان وتعبثُ به، تعضُّ شفتها السفلى قبل أن تحررها وتهمسَ بخفوتٍ يائِس : اشتقت لك لياني!
قبّلت جبينها بعمقٍ وليان تضحكُ بسعـادةٍ لرؤيـاها، بينما تسللت نبرةٌ من بين شفتي والدها كانَت خافتـة، تائهةً بإرهافـهِ لسمعهِ نحوها بينما النبرةُ اتّجهت لفواز الذي رحّب بهِ وتحمد لهُ بالسلامـة : الله يسلمك يا فواز، منوّرة الرياض بأهلها
فواز يشعر بالتّوتر رغمًا عنه، تجاهلها لهُ الآن أوجعهُ هو! فكيفَ بيُوسف! ندمَ لأنّه وافقها على المجيء، فرحَ بحماسها، فكيفَ ينطفئ الآن بهذهِ الوقاحــة! ... لفظَ بهدوءٍ يحمل خلفهُ غضبًا ووعيدًا لها : شلونِك يا بنت العم؟
أرجوان تبتسمُ ابتسامةً باهتـة وهي تستمعُ لهمسِ جيهان لليـانْ بشوقٍ وتجاهلٌ قاسٍ للواقفِ بجانبها : الحمدلله عساك طيب.
فواز يوجّه نظراتهِ نحو ليـان التي كانت جيهان تقرص خديها، اتّسعَت ابتسامتهُ الغاضبـة لينحني نحوها ويحملها بين يديه بمشاكسةٍ يُحاول بها إطفـاء الاجتمـاعِ البـاردِ وأثرهُ الواضـح على عينيْ يُوسف، بالتأكيد كان يعتقدُ منها شيئًا آخر بما أنّها جاءت معهُ لاستقبالهم، وليس هذا التجاهل المُفاجئ! بالتأكيد سيفكّر بأنه أجبرها على المجيء معه وهي التي لم تكُن تريد، وهذا سيُضاعفُ من الأوجـاعِ أكثر.
صرخَت ليان حين شعرت بهِ يعضّها في خدها وهي تضربهُ على كتفيه : يا متوحش يا خايس نزلني نزلني
ضحكَ وهو ينحني ليُقبّل وجنتها التي احمرّت : آسف ليون بس اشتقت لك
ليان بعبوس : معفن
فواز يَستديرُ ناحيـة عمهِ محاولًا كسرَ التوتر وهو يضحك : تسمح لي أقص لسانها؟
ابتسمَ يُوسف ببهوت وهو ينظر إليه بعد أن كانت نظراته معلّقةً بجيهان التي كانت تنظر للأرضِ بشرود، تضمُّ عضدها الأيسر بكفّها اليُمنى، وشرخٌ تضاعفَ في قلبـهِ بعد كلِّ تلكَ المشاعـر التي قررَ إطفـاء حممها بعناقٍ أبوي، عنـاقٍ تبكي فيهِ على صدره! لكنَّ تجاهلها جـاءَ مُعاكسًا، جـاءً صادمًا بعد أن رأى أن الجفـاء لازال يقبعُ بينها وبينه، بكل وحشية! بكل وحشيةٍ تزرعُ في صدره المزيدَ من الجفاف! لم تكُن غيمةً حُبلى! كانَ رحمُ مشاعرَ فارغًا، فارغًا بشكلٍ ضاعفَ انحناءَ كتفـيه، ضاعفَ جفـافَ أرضه، يا الله! هل يعقل أن تكون غيمةً عقيم؟ لن تروي تربته الخصبة؟ ولن تزرع فيها خضرةً وعُشبًا؟ . . جزَّ العُشبُ الذي بدأت بوادره في صدره، وعـاد خاويًا على عروشه، كأنّما العنـاقُ يُقسم ألّن يُجهضَ حُزنـه.
بقيَت جيهان تنظُر للأرضِ ببؤس، تزيد من عناقِ عضدها، لا تدري لمَ تراجعَت، لمَ هذا البُعد الذي أسكن نفسه من جديدٍ رغم الإقتـراب، كانت تنتظره! حتى ترتوي بِه، رغمًا عن كل أحزانها، عتابها، جروحها، رغمًا عن كل شيء، كانت تنتظره! وهذا الجسدُ يريد الارتمـاءَ في صدره، هذهِ الرئـةُ افتقدَت رائحته لأيـامٍ طوال، لكن لمَ لا تستطيع؟ لمَ تيبّست أقدامها فجأة؟ لمَ نفرَت وظهرَت كلُّ الصورِ الماضيـةِ من جديد؟ . . الغصّة تتضخّم في حنحرتها، الملوحةُ تتكتّل في محاجرها، الحُمرةُ بدأت تسكُن وجنتيها، بوادرُ البـكاءِ تجيء، لمَ لا تتحرّك نحوه؟!!
تنفّست بألمٍ وهي تشعر بأن شهقةً تريد الانتفاضَ من صدرها، لكنّها كبحتها قسرًا، وبقيَت تنظر للأرضِ بصمتٍ شردَت نظراتها معـه، وبقيَت ترى بياضًا ينتشر حولها، غابَ كلُّ شيء، أصواتهم، وملامحهم، وغابت هي في عالمٍ آخر . . لم تستيقظْ منهُ إلا على شفاهٍ تعانقُ جبينها، وكفينِ تُمسكَانِ كتفيها! ورائحـةُ عودٍ لا تنساهُ تخترقُ أنفها، يترجمها عقلها بسرعة .. بأنّه المـاءُ الذي انتظرتهُ حتى ترتوي، المـاءُ الذي سقطَ عليها الآن ولم يستطع أن يبقى بعيدًا، بعيدًا أكثر.
فغَرت شفتيها وعينيها ترتفعانِ إلى عنقه، ابتعدَ قليلًا ومسحَ على رأسها وهو يبتسم ببهوت، ينظُر لعينيها البنيتين، الملتمعتين بدمعٍ لا يهوى النضوب كتمرّدهـا الذي يتضاعفُ نضوجه، وبصوتٍ هامسٍ يحمل كمًا هائلًا من حنانهِ وحبه الأبوي، من اشتياقٍ قاسٍ لصوتها : كيفك يا عيون أبوك؟
عيناها الناظـرةِ إليه بسكونٍ سرعـانَ ما ارتعشَت! سفينتيها توتّرت بثورانِ موجِها، اهتزّت أحداقها ودموعها سقطت كورقةِ خريفٍ حاربها الجفاف! وجـدت نفسها دونَ شعورٍ تتراجعُ للخلف، ترفعُ كفّها إلى فمها لتغطيه وتشهقَ ببكاءٍ متذبذب، تتركُ الردَّ على سؤالهِ عالقًا على أطرافِ بكائها، كيفَ يجتمعُ فصلان؟ تلكَ البرودةُ الشتوية في صدري! تلكَ الثلوجُ الصقيعية التي تُحيطُ قلبي، وذاكَ الجفاف الخريفي الذي يحتقنُ عيناي ليُسقط الملح رغمًا عني!، طـال الجفافُ جوارحي يا أبي، بؤسُ الخريفِ يمنعني من الإرتـواءِ بأضلعك، كيف أرتمي في أحضانك؟ علّمني من جديد؟ كيف أتدللُ على مسامعك وأنطق " يبه " بمكرِ ابنةٍ طفلة!
عقدَ يُوسف حاجبيه بصدمةٍ من بكائها الذي صبَّ ملوحته على قلبه، ليكسرَ تلك الخطوة التي ابتعدتها باقتـرابٍ وهو يهمس بصوتٍ أجش : جيجي! يا فرحتي الأولى . . ما يهون علي بكاك يا عين أبوك!
تراجعَت أكثر وهي تحاول كتمَ أنينها بكفّها، وحين وضعَ كفّه على رأسها من جديدٍ انتفضَت واستدارت دونَ شعور، وكأنّها تقولها لهُ بوحشيـةٍ صامتـة . . لا تقترب أكثر، لا تقترب!!

يتبــع ..

كَيــدْ 13-11-15 12:01 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



سوادٌ ليلي، وفترةٌ صباحيـة، أذانٌ يرتفعُ ويُدغدغُ أسماعـه، الصـلاةُ خيرٌ من النوم، الصـلاةُ خيرٌ من النوم . . يردّدُ مع المؤذنِ ورأسه يستكينُ على وسادته، ينتهي الترديدُ ويذكر الله قليلًا ومن ثمَّ يدعوه علّ تلكَ البدايـة تدوم، تدومُ لتغسلَ كلَّ ذنوبِه الماضـية، ليغسل كلَّ ماضٍ وكلَّ أذيـةٍ سابقـة . . يدعو الله أن يجيء ذلك النورُ على حياتِه في صورةِ طفلةٍ كبرَت وبقيَت طفلةً في صدره، اليـومَ قد ينتهي كلُّ شيء، كل الانتظـارِ الماضي، وهذهِ المرة لن يتردّد!
جلسَ حتى تتدلّى ساقيهِ باتّجاهِ الأرضِ التي نظرَ إليها بصمتٍ في الظلام، كادت سهى ترغمه البارحة على اتمـام كل شيءٍ بحجة أنه يجب عليه ألّا يؤجل عمل اليوم إلى الغد، لكنّه استطاعَ اقناعها بأن يكُون كلُّ شيءٍ اليوم، بأنْ يستعد قليلًا، ويمررَ الأكسجين إلى رئتيه قبل الإنقطـاع الذي سيحدث حين يُحادثُ عبدالله ، كيفَ ستمرُّ الأمـور؟ كيف؟ هل ينتهي كل شيءٍ بأن تُصبح له؟ بأن يمرر أنامله على وجنتيها من جديد؟ يقبل عينيها؟ يُداعب شعرها؟ . . لمَ أنتِ حُلم؟ وأجمل أحلامي! لمَ أنتِ غنـاء؟ وأعذبُ السمفونيات! هل بدأتِ تتحققين لي كحلمٍ اقتربَ في واقعي؟ هل بدأ صوتِك بالبزوغ على مسرحٍ فنّيٍ لن يستحلّه أحدٌ بجمالهِ سواك؟ تخلقينَ وراءكِ ربكةً مجازها أنّكِ شلالٌ يندفعُ بقوةٍ ويسقطَ فوقَ سطحي الراكد! تشتتينني يا نجلاء! بكلِّ عنفوانٍ تشتتيني.
بلل شفاههُ التي ابتسمت بربكـة، أفضـلُ حلٍ أن يتّصل بعبدالله في المساء، لن يُقابله، فهوَ يكاد يجزمُ بأنه سيقيّد عنقه بكفيه ويخنقه إن سمعَ مالم يقُلهُ في المرّة السابقة!
نهضَ ليتّجه للحمام حتى يستعدَّ للصـلاةِ ويذهب للمسجدِ باكرًا طاردًا كل أفكـاره اللذيذة!


،


هدوءٌ سلبيٌ يعمُّ السيارة، رأسها استراحَ على النافـذةِ البـاردة، تنظرُ للأنوارِ المصطفِة في الطريقِ بشرُود، أناملها تداعبُ حقيبتها بتِيه، والأنفـاسُ تفصُل الصمتَ بحركةِ موجاتٍ متوترةٍ بعضَ الشيء.
بجانبها ليـان، على الطرفِ الآخر أرجوان تنظُر للطريق من النافذةِ بشكلٍ مماثِل، هي حتى لم تُسلّم عليها! لم تنطُق ببنتِ شفةٍ والقهـرُ تنامى في صدرها على ملامحِ والدها التي كان ضوؤها يغادرُ بعد صدها، بعد أن تجاهلت كل حديثهِ المشتـاق، كيف تجرّأت وضاعفَت الحُزن لألفْ؟ كيف تقسو؟ أتظن أنها لا تستطيع القسوةَ من الجهةِ الأخرى انتقامًا لوالدها؟ أتظن أنها ستضحك معها وتعانقها متجاهلةً كل خيبةٍ وألمٍ تزرعها في صدره؟ هيهات! هيهات والله يا " جوج"!
توقّفت السيـارة أمامَ بيتهم الذي يطوفُ من حولهِ الظـلام، الوحدة، لا تزورهُ سوى الرِيح، بيتهم الذي اشتاقت، اشتاقت حدَّ الوجع!
نظَرت لهُ بعينين تلتمعانِ شوقًا لكلِّ مافيه، لغرفتها، لحديقتهم، للأشجار والزهور التي كانت تعتني بها وتسقيها في كلِّ يوم، لهذا المنزل الذي سقاهم سنينَ بالسعـادة، لتنكسِر في النهايةِ بخطأٍ من أمها! . . . فغَرت فمها تكتمُ آهةً صامتـة، تدعو الله لها بالرحمـة والغفران. تحرّكت كفها لتفتحَ الباب بعد أن نزل والدها الذي كان يجلس في الأمـامِ ومعهُ فواز، كادت أن تترجّل عن السيارةِ لولَا كفُّ جيهان التي أمسكَت بيدها، حينها استدارت إليها بجفاءٍ ظهر من عينيها وبينهم تسكُن ليـان التي انتظرت نزول إحداهما حتى تنزل من خلفهم، لفظَت جيهان بغصّة : أبي أسلم عليك! ما عطيتيني فرصة وأنا أشوفك تتجاهليني!
ارتفعَ حاجبها بصمتٍ وهي تشعر بالغيظِ من بساطتها بعد الجرح الذي خلّفتهُ في صدر أبيها، شدّت كفها لتسحبها بقوّةٍ وقسوة، ومن ثمَّ استدارَت لتترجّل عن السيـارةِ وهي تلفظُ بصوتٍ بارد : يلا ليـان
تحرّكت ليـان من خلفها والنُعاس يعاود السيطرة على أجفـانها، في حين بقيَت جيهان في مكانها والجفـولُ والجفاف ينعقدانِ في ملامحها، ترتعشُ شفاهها بألمٍ لتزمّهما وتُغمض عينيها وهي تُعيدُ ظهرها للخلف، تسندهُ على ظهرِ المقعد، سامحةً لآهاتها التي كانت تحبسها بالخروج في صورةِ آهةٍ وحيدةٍ عميقةٍ مجروحةٍ للنخـاح، تمسّدُ كل الأوجـاعِ ولا تتلاشى.
لمَ فعلت ما فعلت؟ لمَ نفرت؟ وكلُّ مافيها يُريده، يحتاجه، لكنّها تعصِي رغباتها واحتياجاتها، تعصِي كلَّ السعـادة السابقة لمجيئهم، إصراها على فواز ليجيء بها معه حتى تراهم! حتى تعانقَ هذا البُعد وتُسكن كل شوقٍ ولوعةٍ في صدرها، فلمَ تراجعَت في النهاية؟ لمَ؟
وجدَت نفسها تعضُّ على شفتِها، تشدُّ على أجفانها فوق حدقتيها، تتحشرجُ أنفاسها وتنفلتُ دمعةٌ وأخرى من زوايا عينيها المُطبقـة، تحتاجـه، تحتاجـه! فلمَ تفعل بنفسها هذا؟!!

مضَى الوقتُ سريعًا، وانكسَرت الدقائقُ في ظرفِ ثلاثٍ إلى خمس، سمعَت صوتَ البابِ الأمامـي يُفتح، ليدخل فوّاز بغضبٍ وعنفٍ هزّ السيـارة ويغلق البابَ بشدةٍ افزعتها، صارخًا : وما تنزلين بعد!! جالسة بروحك في السيـارة وأنا اللي ظنيتك ورانا؟!! كل هذا مكابر وغرور ياجيهان؟ حتى السقف ما تبينه واحد فوقكم؟!!!
أردفَ صارخًا بعنفٍ وغضبٍ أقوى وعيناه تكاد تخرجُ من محجريها باحمرارهما الغاضب : انزلي واركبي قدام
بللت شفتيها دونَ رد، فتحَت الباب بصمتٍ وقد كانت تجلس خلفِه ونظراته تتعلّق بها في المرآة، استدارَت حول السيارةِ من الأمـامِ حتى وصلت وفتحَت الباب ودخلت، وما إن أغلقَت البـاب حتى تحرّكت السيـارة بعنفٍ احتجّت عليه إطارات السيارة ولسانهُ ينطلقُ بقهرٍ وهو يشدُّ على المقودِ وموجاتُ صوتِه تهزُّ أوتـار صمتها : أصريتي تجين وأنا اللي قلت لك لا! تتبوسمين على أساس فرحانة بس من جينا بدا هالغرور يرجع يعصِى ويتمرد! حسبي الله على إبليسك ، حسبي الله على إبليسك وعصيانِك!!


،


السمـاءُ بدأت الزرقةُ تغتالُ سوادها، تجلسُ على سريرها والسُجـادةُ تفترشُ الأرض أمامها، تشعر بالصداعِ يداهم عقلها بقضيّةِ نُعـاس، أزعجـها سلطان قبل ذهابه للمسجد وبقيَ يطرق الباب بمشاكسةٍ حتى صرخَت غاضبـةً ليضحكَ ويذهب وهو يوصيها بنبرةٍ ضاحكةٍ أن تصلي ومن ثم تنام من جديد، تجاهلته وحاولت النوم، لكنّهُ طارَ فوقَ جنـاحِ ازعاجاتهِ لها لتتأفأف وتنهضَ متّجهةً للحمـام، والآن هاهي تجلس برأسٍ يكاد ينفجر، لم تصلي بعد، وجسدها يرغب بالإرتمـاءِ للخلفِ والعودة للنوم متجاهلةً كلَّ شيء.
بدأ رأسها يثقل أكثر، تكـاد تسقطُ للخلفِ لا محـالة وذراعيها المعانقتانِ لرداءِ الصلاة ترتخيـان، حان منها تراجعٌ طفيفٌ للخلفِ حين هزمها الخمول لكنَّ طرقةً رقيقةً على الباب جمّدت جسدها وجعلتها تفغر شفتيها وتعقدُ حاجبيها وتنظر للبـاب بخمول.
سلطان بابتسامةٍ من خلف البـاب : نمتي والا للحين صاحية؟بفطّرك برى.
شعَرت بالحقد تجاهه، بينما فتحَ الباب هذهِ المرة ونظر لهيئتها الخاملة وهي تنظر إليه لتتّسع ابتسامته، وبرقة : تقبل الله
بقيَت تنظر لهُ بجمودٍ للحظـات، بعينين كسولتـان وملامحَ ساكنـة تزورها ربكةٌ لذكرى من البارحـة، ذكرى جعلتها تتنحنحُ بتوترٍ وتُشيحُ برأسها عنهُ وهي تهمسُ بصوتٍ مشدود : باقي ما صليت
رفعَ حاجبيهِ ومعهما معصمهُ حتى ينظر للسـاعة، وبهدوءٍ ونظراته لم ترتفعْ إليها بل بقيَت تترقّب حركة العقـارب : أجل صلي شوي وتشرق الشمس
هزّت رأسها بالإيجاب بتوترٍ وهي تُريد خروجهُ بسرعة، يداهمها شعورٍ بأنها عاريةٌ أمامه بعد كلِّ ما اكتشفهُ عنها! بعد انسـلاخِ تلكَ الدروعِ التي حاصرت نفسها بها، يداهمها شعورٌ مُهلكٌ بأنّ صوته ورائحـة عطره القوي كدروعٍ أخرى، أقوى وأشد من سابقها! بأنّه أمــانٌ آخر! وهذا الشعور تخافه وبشدة.
سمعَت صوتَ خطواتهِ تقترب، حينها انتفضَت بقوةٍ ووقفَت دونَ أن تنظر إليه وهي تشدُّ على رداءِ الصلاة، وقفَ بجانبها مباشرةً وأمسكَ بكتفيها وهو يبتسم، وبخفوتٍ وهو ينظر لموضعِ السُجـادة : لمّا تصلين ، بين كل فرض والثاني بدّلي موضع السجادة ولو خطوة!
شعَرت بحُمرةٍ تغزوها من حيث لا تحتسب، جسدها اقشعرَّ وتوترَ لكفيْه المعانقتين لكتفيها لتحاول شرخَ تلك الربكةِ باستفسارٍ مرتعش : ليه؟
سلطان بخفوت : لمّا تسجدين الشحنات اللي براسك تتفرّغ بالأرض بقدرة الله سُبحانه ، كل هالشحنـات ممكن تسبب أمراض وصداع شبه دائِم بالراس، فلمّا تتفرغ بالسجود احتمـال تجلس بالأرض لفتـرة، فلو صليتي الفرض الثاني بنفس المكان ممكن ترجع لراسك دامها لهذاك الوقت بقيت بالأرض! عشان كذا بكل مرة غيري مكان صلاتك، حرّكي سجادتك بس شوي عن المكان اللي صليتي فيه قبل.
عقدَت حاجبيها باهتمـامٍ وارتفعَت عيناها بفضولٍ إليه، انتفضَت الربكـةُ عنها لتهمسَ بانشداد : أول مرة أدري بهالشيء.
سلطان يبتسم : ماقد سمعتي بقصّة الرجـال الغير مسلم اللي شاف مسلم يسجد سجود شكر في إحدى المطارات الأجنبية؟ فرح وقرب منه وبعد ما رفع المسلم راسه سأله إذا كان عندك نفس مرضي! اللي علاجه هالحركة؟ فقال له المسلم إنه يسجد ومافيه مرض! وهالشيء موجود عندنا في ديننا . . سبحان الله شوفي عظمة ديننا! كل شيء فيه علاج . . كثير أندية حول العـالم تخلّي الشخص قبل لا يبدأ أي تمرين يسوي تمرين يرفع يده بمحاذاة أكتافه أو أذآنه، يركع، يسجد، يجلس جلسة الشهـادة، يسلم ، هالتمارين عرفوا انها مفيدة للجسم، بس ما عرفوا إنها أساسًا موجودة بعقيدتنا. الله ما فرض شيء عبث! ولا خلق شيء عبث . . * ابتسم بمشاكسة * وفي خلقهِ شؤون، شوفيني أنا ما خلقني عبث، جيت مرسول خصيصًا لك عشان أمشيك في السراط المستقيم وأمسك بيدك للجنـة بإذن الله
انقطَعت سلسلة انشداهها بالمعلومـات التي كان يسردها، عقدَت حاجبيها بتجهّمٍ مما قالهُ وضمّت شفاهها بحنقٍ لتلفظَ بصوتٍ ساخر : سبحان الله ، وهالمرسول قاعد يهذر على راسي وبتشرق الشمس على قولته وأنا ماصليت ، أنت شكلك تبيني أطيح من السراط المستقيم للنـار أو أخطي للجنة زاخفة!
ضحك : لا بسم الله عليك إن شاء الله نلتقي في الجنـة وفي فردوسه ونشرب من الكوثر ونكون من اللي يمشون فوق السراط بسرعة البرق ، أنتِ بس صلي السنة وبعدها الفجر ، لا تنسين!
هزّت رأسها بالإيجاب لتجاريه بينما هي في الأسـاس لن تصلي سوى الفرض، تحرّك باتّجـاهِ البابِ وهو يُردف برقة : إذا خلصتي لا تنامين على طول، نجنب نفطر وبعدين نرجع تمام؟


،


ضوءُ الأبجـورةِ يتمرّد بجانبـه، هاهو يُعيد تلكَ الرسـالةَ للمرّة العاشـرةِ ربّما، عينـاه تُضيآن ببسمةٍ مستمتعـة، بمكرٍ وعبثٍ لا يُغادرانه.
( أستاذنا الفاضل تميم ، أول شيء السلام على وجهك الكريم .. ثاني شيء ؛ نقول قصدك من " ست " عرش وملك! إذا تطرّقنا لهالمعنى فنحط في الإعتبـار إن قصدك ينصب على فكرة مكـان يصدر منُه الرأس الكبير " ملك " كل الأوامر، أو نقول المصائب! ما علينـا . . على هالأسـاس فهمت إن اللغز الثاني بيكون توضيح لهالمكان اللي تقصده . . بين الواحد والأربعة! 2 و 3 ، المكان أكيد موقع معروف أو دولة أو مدينة! قلت في البداية شلون أستخرج منه المطلوب؟ ضرب؟ جمع؟ طرح؟ وما طلع معاي غير لملمة الرقمين ، - 32 - ، مفتاح دولة بلجيكا! اللي أنت فيها! . . فهل أصبنا أستاذنا الفاضـل؟ )

.

.

.


يتبــع في الجـزء القـادم يوم الثلاثاء أو قبله () + احتمال أفاجئكم فيه بعد يومين عاد نقول احتمال :$$

شكرًا لعيونكم الحلوة وربي يسعد أرواحكم.

ودمتم بخير / كَيــدْ !



أبها 13-11-15 04:48 PM

😳 بسم الله ...!!!!

ما مداني أقرأ الجزء إلا وهو مخلص !!!
مو قبول يا كيد ..أقصر جزء نزلتيه لحد الآن .😢

جيهان ..ونزاع بين رغبتها الداخلية في العودة لأحضان
أسرتها وبين مكابرتها ورفضها لذلك .
الله يعينك يا يوسف ..

عناد ...مو هيّن دكتورنا طلع أشطر من كونان في حل الألغاز😄

أدهم .. تحمست أعرف الموضوع اللي مخبيه عن عبدالله
ويا ترى هل عبدالله ممكن يتقبل منه أي شرح أو توضيح بعد
المعلومات اللي عرفها منه سابقاً ..
لا تتأمل كثير يا أدهم 😓

شكرا من القلب لمبدعتنا🍃🌸🍃

bushraa 14-11-15 07:01 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
ابدعتي كيد تسلم اناملك الجميله والله يخليك لنا ولا يحرمنا منك

فتاة طيبة 15-11-15 03:34 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
كيد حبيبتي بالنسبة لكلام السلطان عن السجود وعن الطاقة السلبية هذي كلها أمور مو صحيحة ولاوردت في ديننا انما كلها من تاليفات علماء الطاقة اللي اغلب كلامهم غير مؤسس على علم صحيح عموما إذا حابة تتبحري في خرافات الطاقة اقرأي للدكتورة فوز كردي لها مؤلفات في هذا المجال .

كَيــدْ 15-11-15 07:01 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتاة طيبة (المشاركة 3574084)
كيد حبيبتي بالنسبة لكلام السلطان عن السجود وعن الطاقة السلبية هذي كلها أمور مو صحيحة ولاوردت في ديننا انما كلها من تاليفات علماء الطاقة اللي اغلب كلامهم غير مؤسس على علم صحيح عموما إذا حابة تتبحري في خرافات الطاقة اقرأي للدكتورة فوز كردي لها مؤلفات في هذا المجال .


عزيزتي تسلمين والله وربي يجزاك بالخير والجنة :$$ ممتنة لتصحيح هذي المعلومة - اللي ظلت ببالي سنين وآمنت فيها -! نقول آمنت فيها بعيد عن الكلام المذكور ببحثي بعد حكِيك وإن فيه شرك لأنه يستعين فيها بغير الله وأن - الأرض - تُزيل الضيق! طول الوقت ببالي فقط أنها معجزة من الله ومن الأسباب وووو الخ.
ربي يجزيك بالخير ويسعدك، ودامها انطرحت بالبارت اللي فات خلاص راحت علي وما أقدر أعدلها دام الكثير قرأها، بس لازلت أحمل سلاح كوني الكاتبة وبعدّل هالمعلومة مع تواتر الأحداث بشكل ما يأثر - نستخدم عقولنا هنا - :P

وأما عن الطاقة فما أخفي عنك اني أبحرت :( قريت كذا خرافة بس للأمانـة فراستي ما صدّقتها بشكل كلي -> وين كانت فراستك قبل تكتبين ذي أجل :P


تسلمين مرة ثانية يا بعد چبدي والله ()




أبها 15-11-15 07:01 PM

مساء الخيرات ..
بالنسبة لتعليق أختي فتاة طيبة
كنت أود أن أنوه على نفس القضية وأن العلة في ذلك
إنما لتكثير أماكن العبادة والسجود حيث أن تلك المواضع
تشهد لصاحبها يوم القيامة ..واستشهد العلماء من قوله تعالى
" فما بكت عليكم السماء والأرض " مثل ذلك
وليس لإمتصاص الأرض للطاقة السلبية دخل في ذلك .
ثم عدلت عن التعليق لأن ذلك حتماً رأي سلطان ولا دخل لكيد
فيه ، أليس كذلك ؟! 😊

كَيــدْ 15-11-15 07:09 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبها (المشاركة 3573662)
😳 بسم الله ...!!!!

ما مداني أقرأ الجزء إلا وهو مخلص !!!
مو قبول يا كيد ..أقصر جزء نزلتيه لحد الآن .😢

جيهان ..ونزاع بين رغبتها الداخلية في العودة لأحضان
أسرتها وبين مكابرتها ورفضها لذلك .
الله يعينك يا يوسف ..

عناد ...مو هيّن دكتورنا طلع أشطر من كونان في حل الألغاز😄

أدهم .. تحمست أعرف الموضوع اللي مخبيه عن عبدالله
ويا ترى هل عبدالله ممكن يتقبل منه أي شرح أو توضيح بعد
المعلومات اللي عرفها منه سابقاً ..
لا تتأمل كثير يا أدهم 😓

شكرا من القلب لمبدعتنا🍃🌸🍃


أبها! مو كأنك كسرتي مجاديفي مرة وحدة؟ خليني أقولك ان احساسي خالج احساسك بالقصر :( بس في عدد الصفحات ما نقصنا عن المعتـاد كثير! جاك إيحـاء بالقصر فقط لأن أغلبية البارت ينحصر بجيهان وعائلتها المجيدة ، حتى أنا شفته بالقصر اللي بعيُونك بس " ماهو أقصر جزء حتى الآن " -_-
نعوضكم بالجاي ولا يهمكم كم عندي أبها ومتابعين أنا * قلوب *


كَيــدْ 15-11-15 07:14 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبها (المشاركة 3574155)
مساء الخيرات ..
بالنسبة لتعليق أختي فتاة طيبة
كنت أود أن أنوه على نفس القضية وأن العلة في ذلك
إنما لتكثير أماكن العبادة والسجود حيث أن تلك المواضع
تشهد لصاحبها يوم القيامة ..واستشهد العلماء من قوله تعالى
" فما بكت عليكم السماء والأرض " مثل ذلك
وليس لإمتصاص الأرض للطاقة السلبية دخل في ذلك .
ثم عدلت عن التعليق لأن ذلك حتماً رأي سلطان ولا دخل لكيد
فيه ، أليس كذلك ؟! 😊



يسلملي اللي تعزز :$$ لا والله ماهو رأي سلطان الا كيدكم طاحت في الغلط :( تو رديت على فتاة طيبة قبل ردك بدقايق ، كنت مؤمنة بهالشيء للأمـانة بس بإذن الله بنعدل بطريقتنا الخاصة الحمدلله إني أقدر أرقع السالفة دام الرواية روايتي وما اكتملت للحين :P واللي طبعًا ما أقدر أعلقها كذا والعالم تظن انها صحيحة وهي غلط!
شكرًا لتنبيهكم ()

أبها 15-11-15 07:16 PM

تسلمين يا كيد ..ربي يسعدك دنيا وآخرة .
ويوفقك ويفتح عليك فتوح العارفين ..
يعجبني مرونتك وتقبلك للحق بصدر رحب ..
وبالنسبة لقصر الجزء
بصراحة من كثر ما الأجزاء ممتعة ورائعة
الواحد ما يحس بالوقت ,وهو يقرأ باستمتاع ومندمج ع الآخر
.فجأة يلقى كلمة انتهى ..! لا تلومينا ...تحطيم 😓

كَيــدْ 15-11-15 07:22 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبها (المشاركة 3573662)
😳 بسم الله ...!!!!

ما مداني أقرأ الجزء إلا وهو مخلص !!!
مو قبول يا كيد ..أقصر جزء نزلتيه لحد الآن .😢

جيهان ..ونزاع بين رغبتها الداخلية في العودة لأحضان
أسرتها وبين مكابرتها ورفضها لذلك .
الله يعينك يا يوسف ..

عناد ...مو هيّن دكتورنا طلع أشطر من كونان في حل الألغاز😄

أدهم .. تحمست أعرف الموضوع اللي مخبيه عن عبدالله
ويا ترى هل عبدالله ممكن يتقبل منه أي شرح أو توضيح بعد
المعلومات اللي عرفها منه سابقاً ..
لا تتأمل كثير يا أدهم 😓

شكرا من القلب لمبدعتنا🍃🌸🍃


نسينا نعلق على توقعاتك الجميلة :$ ههههههههههههههههه عناد وليدي طالع على أمه يحب الألغاز :P لا كونان ولا شارلوك هولمز يجون ربعه -_-

طبعًا نتوقع من عبدالله أي شيء ومن حقه! أدهم طايح من عينيه وما يشوف شيء حسَن فيه، وما نستبعد ان اللي بقى من المستور أشد وبيخلي عبدالله يذبحه بعد مثل ما صرح أدهمنا الموقر :D
يعني طريق الوصول لإلين والزواج فيها صعب ! مرة صعب ونشوف وش بيسوي قيسنا ()

العفو لروحك الحلوة ..

كَيــدْ 15-11-15 07:27 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبها (المشاركة 3574160)
تسلمين يا كيد ..ربي يسعدك دنيا وآخرة .
ويوفقك ويفتح عليك فتوح العارفين ..
يعجبني مرونتك وتقبلك للحق بصدر رحب ..
وبالنسبة لقصر الجزء
بصراحة من كثر ما الأجزاء ممتعة ورائعة
الواحد ما يحس بالوقت ,وهو يقرأ باستمتاع ومندمج ع الآخر
.فجأة يلقى كلمة انتهى ..! لا تلومينا ...تحطيم 😓


ربي يسلمك ويسعدك بالضعف ويرزقك ضعف هالدعوات :$ آمين يارب..
وش زينه الحق والله والحمدلله ان فيه ناس كانت عارفة الصحيح ونبهتني وكل بني آدم خطاء، بالعكس كنت بتحمّل ذنب كل شخص يآخذ باللي ذكرته ويؤمن فيه، ولازم طبعًا ننوه لغلطنا ونصححه بشكل ما يخلي اللي ذكرته نقطة سلبية في حق روايتي.
بعد قلبي والله جعلني فدا هالعيون الحلوة واللي تشوف كل شيء حلو () إن شاء الله نحاول نعوضكم بالبارت الجاي بكل قدرتي ..
ربي يسعدك ولا يحرمني :""

كَيــدْ 17-11-15 04:16 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



-

-

السلام عليكم :$ ومساءكم روحـانية وإيجابية دائمة ..
إن شاء الله تكونون بألف خير وسلامة :""

موعدنا اليوم راح يكُون ماحول الساعة 9 أو 10
وعسى بس يكون جزء اليوم لكم مثل ما أشوفه بالضبط ()


ربي يسعدكم ويخليلي هالقلوب الزينة ..


أبها 17-11-15 06:25 PM

كل شي منك حلو يا كيد

بانتظارك بإذن الله 🍃🌸🍃

كَيــدْ 17-11-15 09:16 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافيـة


يا هلا بالعيون الزينة ، ختّمنا البارت كامل وجمعنا الجزئين خلاص ، طبعًا الجزئية الثانية أطول بكثير من الأولى ودللت اللي طلبوا ظهور شخصيات فقدوها ، عاد يا حظكم فيني أدلل كثير ترى :$$ جزء اليوم بينتهي على حقيقة جديدة من الماضي الممتد في روايتي للآن ، سر جديد بينكشف وبنتعمق فيه أكثر ، فجهّزوا أنفاسكم للقفلة :"""

وقبلًا عندي نقطة مهمة / إحدى الجميلات نوّهت على مسألة " الشحنات والسجود " وأنّ هالشيء خرافات - أنا كنت مؤمنة فيها للأسف -، كنت أقرا عنها وما بحثت من الجانب الديني البحت وانحصرت بالعلمي، المعلومة خاطئة ومتعلقة بالأوثـان وشرك ومن هالكلام ، فأعتذر لهالخطأ اللي كان من نفسي والشيطـان ، كل بني آدم خطاء، فإذا لمحتوا خطأ مني نبّهوني وبكون لكم أكثر من شاكرة ()
البعض منكم يتجاهل كلامي قبل البارت من الحماس جعلني فدا :$ فبتحمّل مسؤولية تصحيح هالخطأ مع تتابع الأحداث وبستخدم سلاح " ان الرواية روايتي " وبيتعدّل كل شيء في الأحداث القادمة وليس الجزء نفسه ، كثير منكم قراه وكثير رسخت هالمعلومة في بالهم فحقنا عليه نعدّلها.

والحين استلموا الجزء على بركة الله ،
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !


لا تلهيكم عن العبادات



(59)





برودةُ السّحَر وما قُبيْل الفجر، زفيرُ السمـاءِ التي لازالت تحتفظُ بفستانِ السواد وترفضُ خلعهُ عنها، هاهيَ السيـارةُ تقف، قبل نصفِ ساعةٍ من الوصول! نصفِ ساعـةٍ تطُول، وكأنّ هذا القُرب يرفضُ رحمتها، يرفضُ تكليلهُ بعناقِ الشوق، ببكـاءِ الحنين، هذا القُرب الذي يُكبِّل كل مقدرةٍ لها على المُكابـرة، مرَّ الكثير! الكثيرُ يا أبي، ومهما تصاعدَ العتـابُ في قلبي فأنتَ كنتَ ولازلت تدغدغُ رغبتي في الارتمـاء بين أضلعك، فهل سأستطيعُ فعلها اليوم؟! هل سأستطيع!
تنتفضُ من أفكـارها، تـشدُّ عينيها إلى فواز الذي هتفَ يأمرها بالنزول بصوتٍ توتّر رغمًا عنه وهو يفكّر باللقـاء. سكَنت للحظـة، ومن ثمَّ بللت شفتين جفّفهما البرد، ولم تكُن تلك البرودةُ في الأجـواء، بل في صدرها، يُرجف قلبها، يوهن عظامها . . هو بردُ الحنين!
زفَرت بضعفٍ بدأ ينتابُ قوّتها الزائفة والتي تغلّفها بإرادتها في رؤيةِ عائلتها الصغيـرة، فتحَت البابَ لتنزل، ومن ثمَّ نزلَ من بعدها فوّاز . . وتحرّكت الخطوات!
الوقت يمضي ببطء! كيفَ يفعلها؟ كيف تمتدُّ نصفُ ساعةٍ لتصبح ساعات، وكيف سيكُون اللقـاء؟ كيفَ تجمّل تلك الأشواقَ بثباتٍ وهي التي تهتزُّ أضلعها الآن! رغبـةٌ واتتها بـالبُكـاء، مشتاقـةٌ حدَّ الموت، وهذا الشوقُ بدأ ينجـرف، بدأ يغلّف نفسهُ بكيفية اللقـاء، بروايـةٍ فصولها لم تنتصف! لازلنـا في أوجِ العقدة! لازال الاشتعـال باقٍ، فهل يكفي اشتياقي يا أبي حتى أرتمي إليك؟ حتى تكبلني إليك؟ حتى تسرّحَ التقصفـاتِ في أوجاعي وتهذّبها؟ أنـا ابنتكَ المبتورةُ من التفكيـر، أغضب، أتمرد، أعصِي! لكنَّ قلبي يبقى يُحب من يُحب! مشتـاقةٌ يا والدي، مشتـاقةٌ حدَّ البُكاء، حدَّ التكفّن في الحيـاة، مشتاقةٌ والمنى أن يقودني الشوقُ لما بينَ كتفيْك.
انتفضَت، وشُدّت قيودُ شرودها، فغرَت فمها وهي تنظر لفواز تحـاول استبعـابَ ما نطق! مرَّ الوقت! وهاهـم يظهرون! من بين جموعِ النّـاس!


،


نامَت بعدَ أن بكَت، بعد سيلِ قسوةٍ جديدةٍ منه، لم تعتد كلَّ ذلك الجفاءِ منه! وكان حريًا بها أن تضعف بهذهِ الدرجة! أن تنـام بعد موجـةٍ عاتيةٍ من الدموع، موجةٍ اصتدمَت بشاطئ أحـلامها وفضّلت الهربَ إليْه، فهـاهو لم يمرَّ الكثير على جفائِه لتشعر بأنّها كثيرةٌ عليها، كثيرة جدًا!
الدمُوعُ جفّت على وجنتيها، غرفتـها تغرقَ في إضـاءةٍ صاخبـةٍ وبرودةٍ صاخبـة، تضمُّ كفها اليُمنى تحت الوسادة، والأخرى ترتمي بجانبها على السرير، ترتعشُ ارتعاشـاتٍ طفيفةٍ إثـر البرودة.
دخـلَ في تلكَ الأثنـاءِ بعدَ أن فتحَ البـابَ بهدوء، لم يستطِع النوم، وقضى ليلـهُ في الصالة، يجلسُ على الأريكـةِ وأنظارهُ للفراغ، مشاعرهُ تتخبّط ما بينَ حنينٍ من الماضي وما بينِ خوفٍ في حاضره! من مستقبله.
وقفَ بجانب سريرها بصمت، بملامحَ أرهقها الأرقْ، عينانِ ترجوها لو أنّها رحمته! لو أنّها لم تتهوّر، لو أنّها لم تزرع في صدره تلك الخشيـةَ وذاكَ الذعر، ومن الطبيعي جدًا أن يجيء ردّهُ عليها بتلك القسوة التي توازي قسوةَ صفعتها له! . . أسكَنت في قلبهِ رعشة! لو أنهُ قد أصابـها شيء، لو أنّها قد مسّت بأذى، كان ليمُوت! كان الموتُ هذهِ المرة ليسرقه، فكلُّ التحمـل الماضي كان لأجلهم، وكيف سيبقى إن ذهبوا؟ قولي لي! كيف تبكين؟ كيفَ تُجرحِين مني؟ وهذا لا أراهُ في قاموسي عقاب، أنا لا أعاقبـك! هذهِ ردة فعلٍ فقط! فكيفِ إن عاقبتك؟
جلسَ على السريرِ بجانبها، ينظُر لوجههَا الذي ترسّبَ فوقهُ الملح، ماءُها غادر وتبخّر، وبقيَت تلك الملوحةُ تُرش في قلبه هو، وليسَ على وجنتيها.
لوهلـةٍ تمنّى لو أنّه يتركها بكنفِ أعمامهِ في الدمـامِ مع حُسـام، أن يبتعدوا! بعدَ أن رفضَ طيلةَ السنينِ أن يبتعدوا رغمَ الخطر، أن يبقوا معهُ حتى يحيا، ويقتصَّ لعائلته!
ضوّق عينيه، وابتلعَ ريقهُ وتلك الفكرة التي لا تناسبِ وحدته، كيفَ يُخيَّلُ لهُ أن يبقى لوحده؟ دونهم!! هم البقية الباقية، البقيّة الباقية يا الله!
ازدردَ ريقهُ بصعوبة، وارتفعَت كفه ليمسحَ على شعرها الأسـود، نظـر لوجهها مطولًا، وتنهّد أخيرًا ليقف، ومن ثمَّ سحبَ لحافها حتى يغطيها ويُسكن ارتعاشَ أناملها بردًا . . تحرّكَ ليُغادر، لكنّ كفها الباردة فاجأته حين امتدّت متسللةً لتُمسكَ بكفه، تمنعه من المُغادرة، وصوتها المبحوحُ والذي احتفظَ بنبرةِ البُكـاء واختلطَ بهِ النعاس ينبعثُ متسللًا إلى مسامعه : بدر!
تجمّدت يدهُ في كفّها، وتجمّدت ملامحهُ من الجهةِ الأخرى لتسكنَها القسوةَ من جديد. شعرَ بها تجلسُ من خلفهِ وتشدُّ يدهُ نحوها حتى يستديرَ إليها دونَ فائدة وهي تلفظُ برجـاءٍ منقطعِ الراحـة : بدر ، يا كل أختك اللي مجافيها! وتمسح على شعرها بالليالي! . . الله يخليك، ما أبي يدك حنونة علي بنومي وبس! أبيك تسامحني، وتمدها لي بحنانك بكل ساعة!
يدهُ لازالت متصلّبة، باردة، تجافيها من عناقِ أناملٍ كمـا جافاها بصوتِه ونظراته، ملامحهُ تعودُ فيها القسوة لمجـاريها، وتلكَ اليدُ التي اشتدّ تصلبها ، سحبـها أخيرًا بجفـاء! لتتحرّك خطواتهُ أمـام نظراتها التي أجفلت لثانيتين، قبل أن تنكسرَ ضعفَ انكساراتها وتعودُ الدموعُ لتخضّبها بضعف.
غـادة وصوتُها يعودُ للأنين، تحرّكت بسرعةٍ لتنزل عن سريرها وتلحقَ به بخطواتٍ سريعةٍ قبل أن يخرجَ من غرفتها، تُمسكُ بيدهِ اليُسرى بقبضتيها لتمنعَ خروجه، وبصوتٍ ينتحب تعودُ للرجـاء بعمق، بألم، بندمٍ وانكسـارٍ لهذا الجفـاء الذي لا يليقُ به! واللهِ لا يليق : الله يخليك بدر، الله يخليك
حـاولَ سحبَ يدهِ بقسوةٍ وحدة، لكنّها شدّت عليها بقوّة لتسحبها إلى شفتيها وتبدأ بنثرِ قُبلاتها عليها برجـاء، حينها انتفضَ وسحبها بغضبٍ وقوّةٍ أكبـر، وبصوتٍ حادٍ من بين أسنـانهِ وهو يستديرُ إليها بجسدهِ كلِّه : قايل لك ألف مرة بمعنى واضح من كلامي لا تحاوليــن! لا تحــاولين ، لأنّ جرحك مابعده برى وما راح يبرى بالرجاء والبوس في كفي! لا تظنين إنّ سواتك سهلة وغفرانها سهل! الا والله بخليك تاكلين أصابعك ندم على اللي سويتيه وتحسبين حساب خطواتك في المرات الجايـة.
رمى كلماته الغاضبـة تلك ومن ثمَّ تحرّك ليخرج، بينمـا سكَن رجاؤها، اعتذاراتها، محاولاتها، وبقيَت رعشـةُ البُكاءُ تلملمُ تلكَ الدموعَ في انحدارٍ صامت.


،


الهواءُ ينسحبُ فجـأة، المكانُ بحجمهِ الهائلُ يضيق، الناس يختفون، واحدًا واحدًا، فردًا فردًا، والأصواتُ يبتلعها الصمتُ عدا هذا الضجيجِ في صدرها، عيناها تتجمّدانِ برؤيـةِ الملامحِ الوسيمةِ لكل فتـاة، ملامح الأب التي هزمَت في وسامتها كلَّ الرجـال، ملامحه التي غطّاها الشحوب، النحول! . . ما بالها الدمُوع بدأت تتكتّل؟ ما بالُ غصةٍ كتلكَ تملأُ حنجرتي، وصدري يضيق بأنفاسه؟ ما بـال تلكَ الرعشـة التي قيّدت أطرافِي؟ يا الله! ماهذا الشوق؟ ماهذا الألـم؟ ماهذا الوجـع الذي ينخرُ الخاصـرة؟ . . . أقدامها ترتعش! من حيثُ لا تحتسبُ تراجعَت للخلفِ خطـوة، دونَ شعورٍ كانت أحداقها تخطو على ملامحه! كتفيه، صدره، على نحالـةِ جسده التي تصرخُ بوضوح، وقلبها يصرخُ من الجهةِ الأخرى! شوقها تضاعف، لكنَّ تراجعًا مجنونًا هزمـها، لذا خطَت أقدامها للخلـف، وكأنّها بذلك تهرب من مرآه، عقلها بدأ يعاتبـها على تهورها ومجيئها رغمًا عن فواز، عن هذا الحنين، عن الرغبـة في الارتمـاء في أحضانه، ولازالت الرغبة تتصاعد! لكنَّ الحاجـزَ ظهرَ من جديدٍ فجأة، معترضًا كل رغبـاتها، كلَّ ما أرادتهُ وما احتاجَت.
أمسكَ فواز كتفيها من الخلفِ وهو يعقدُ حاجبيه بتوجسٍ من تراجعها المفاجئ هذا، وبخفوت : وصلوا يا جيهان! ماهو أنتِ ودك تشوفينهم وأصريتي تجين معي؟
شتت عينيها بتوترٍ وأنفاسها تضطرب، هزّت رأسها بالإيجابِ في صورةٍ واهنـة، ليتحرّكَ هوَ ويدهُ تشدُّ يدها حتى لا تتراجع، ليس الآن بالتأكيد، ليسَ الآن وهو لن يسمحَ لها بهذا التراجـع الجـارح، كما أصرّت على المجيء، فرغمًا عنها سترحّب، ستبكي لمرآهم قسرًا وستنثُر الدمُوع! فهيهات أن تصرَّ على المجيء لتوجِع.

ومن بعيد، يُديرُ رأسهُ هنا وهنـاكَ بحثًا عنه، يُمسكُ كفَّ أرجوان بإحدى كفيه، والأخرى تُمسكُ بليـان الذي يسرقُ تهدّلُ أجفانها نَعَسًا صحوتها، تتمتم متذمرةً بصوتٍ باكٍ تُريد السرير، وهو يبتسم وعينيه تبحثان دونَ ردْ.
انتفضَت نظراتهُ إلى أرجوان التي تمسّكت بكفهِ بقوِةٍ وعينيها تكادُ تُقتلعانِ من محاجرها وهي ترى فواز الذي يقتربُ وهو يمسك بامرأة، امرأة! تكادُ تقسم أنها هي! نعم، هي! هي حيهان لا غير.
لفظَت دونَ تصديقٍ وكأنّها توقّعت ألا تلقاها إلى يومِ زواجها، هذا إن اعتبَرت اللقيا من جيهان نفسها! فتمرّدها يجعلها تتوقّع منها الجفـاء حتى النهايـة، وإيلامَ والدها حتى النهاية، وزرع العتـابِ واللومِ في صدرها إلى الأبد! : يبه . . جيهان!
عقدَ حاجبيه في بادئ الأمـر وقلبهُ انقبضْ، وفي لحظـةٍ سريعة وجّه أنظـارهُ في الاتجاهِ الذي أشارت إليه بسبابةٍ ترتعش ترقبًا واشتياقًا!
حينَ يطولُ الجفـافَ أرضًا لسنينٍ عجاف، حينَ يزرعُ نفسهُ دأبًا في الصدورِ في ومضـة - اشتياق -! ومضة!! كيفَ يعبّر بومضة؟ هي واللهِ نـارْ! نارُ اشتياقٍ أحرقَت أرضـهُ وجففتهُ من المحاصيلِ والمـاء، زرَعت الجفـافَ في صدرٍ أبويٍ امتلأ بالحُب عتيًا، امتلأ ببناتٍ ثلاث، زهراتٍ ثلاثٍ أثمرت وواحدةٌ منهنّ وتمرّدت! . . طـال الجفاف! لتجيء غيمةٌ حُبلى فجأة، والأرضُ التي تحترقُ بنارٍ يُصبح ترابها خصبًا، ويُنبَتُ منها الزرعُ بسرعة.
هل أعشَب هذا الصدر؟ بتلكَ الغيمةِ الصـادمة، تلكَ الغيمـةُ الحُبلى بدائِهِ ودوائـه .. كيفَ إن كانَ ما يراهُ حلمًا صوّرهُ اشتياقه؟ حنينهُ الأبويِّ لضم زهرتهِ الكُبرى بين كتفيْن انحنيـا بعد أن كانا مسندًا لها؟ كسرته تلك الـزهرة! كسرتهُ بجفـاءٍ وصدْ! .. هل هي أمامـهُ بعد اشتيـاق؟ بعدَ جفافٍ وظمأ؟ هل هيَ أمامـهُ ويراها أم أنه يرى طيفًا اشتاقَ لرائحتـه؟

دائـرةٌ تضيق، وخطواتٌ تريدُ التراجعَ بقوّة، عينانِ ترتعشُ نظرتهما، وثُقلٌ سكنَ ساقين ليستشعرهُ فوّاز بتباطئ خطواتها، شدّها رغمًا عنه، وعقدةٌ سكنت بين حاجبيْه بحنق، بغضبٍ من فكرةِ تبدّل هذا الشوقِ الذي جرفها للإنـدفاع! وهاهو يشعر بها تريد الهرب بعيدًا كي لا تقترب. ليسَ الآن! لا تكسريه بنفورٍ يا جيهان، لا تكسريهِ بعد رؤيـاهُ لكِ هُنا!
بينما الربكـةُ انخلقَت بينَ رئتيها ومسـارِ أنفاسها، اضطربَ صدرها، وخفَقت أهدابها وقلبها ينحدر انتظـامُ نبضاته، يتسارع، والملامحُ الوسيمةُ تتعلّق بعينيها في نظرةٍ جفول! وكأنّ عقلهُ لا يستوعبُ هذا الغيث، لا يستوعبُ مجيئها، واشتياقـهُ لأيـامٍ وأسابيع سيُختم بمرآها، يُنهي فصل مشاعرَ مستوجعة، قصّةً استنفدتْ كل قدرةٍ على المضي في الحيـاةِ بابتسـامة ، سيحتضنها بين أضلاعه، يقبّل مقدّمة رأسها، ويهمسُ لهـا بأن لا تُجافي والدها مرّةً أخرى! بأن قلبه لا يحتملُ بُعدَ أميرته، اختفـاء صوتها عن مسامعه، غياب " يبه " عن سماواتِ أسماعِه. سيقُول لها بأنّ أكبـر حُزنٍ كان في حياتِه هو هذا البُعد.

تتقلّص المسـافاتُ فجأة، لا ليسَ فجأة! بل أن الأفكـار مرّرت الوقتَ دونَ أن تشعر، ووجدَت نفسها أمامهُ فجأة، أمـام أرجوان، ليـان التي انعقدَ حاجبيها وهي تنظُر لها وكأنّها تحاول التعرف على من خلفِ العبـاءة، على هذهِ العينين الظاهرتين من بين النقـاب، تلك العينين التي يُخبرها عقلها بأنّها لا تجهلها!! . . اتّسعَت ابتسامتها بشدّةٍ فجأة، وانتفضَت كفها من كفِّ والدها وهي تكسر المسافةَ الفاصلة في خطوةٍ لتعانقَ فخذيْها وصوتها الطفولي يُغادرهُ النعاسُ ويسكُنه الحماس : جيجي ، جيجي
تضاعفَ ارتعاشُ شفاهها وتسارعت أنفاسها وهي تقطّب جبينها وعيناها تتمايلانِ بشوقٍ ملتـاع، تغرقـانِ في موجٍ مالـحٍ تغصُّ فيهِ سفينتيْها، زمّت فمها وهي تُحني ظهرها قليلًا، تتمنّى لو أنها خـارج المطار، ليس من حولها أحد، تُعانقُ ليـان عن كلِّ بُعدٍ وشوق، تعانقها عنها وعن والدها الذي ما إن رأتـه حتى التـاعَت حنجرتها وغصّت في وجَع! تراجعَت رغمًا عنها، وبقيَت أذناها تنتظرانِ صوته، تنتظرانِ كلمـةً منهُ لفواز، وليسَ لها!، تشعُر بنظراتهِ المتسلطـةِ عليها في شوقٍ عاجـز! عاجـزٍ حدَّ الوجَع.
ابتلَعت غصّتها وكفّها تعانقُ شعر ليـان وتعبثُ به، تعضُّ شفتها السفلى قبل أن تحررها وتهمسَ بخفوتٍ يائِس : اشتقت لك لياني!
قبّلت جبينها بعمقٍ وليان تضحكُ بسعـادةٍ لرؤيـاها، بينما تسللت نبرةٌ من بين شفتي والدها كانَت خافتـة، تائهةً بإرهافـهِ لسمعهِ نحوها بينما النبرةُ اتّجهت لفواز الذي رحّب بهِ وتحمد لهُ بالسلامـة : الله يسلمك يا فواز، منوّرة الرياض بأهلها
فواز يشعر بالتّوتر رغمًا عنه، تجاهلها لهُ الآن أوجعهُ هو! فكيفَ بيُوسف! ندمَ لأنّه وافقها على المجيء، فرحَ بحماسها، فكيفَ ينطفئ الآن بهذهِ الوقاحــة! ... لفظَ بهدوءٍ يحمل خلفهُ غضبًا ووعيدًا لها : شلونِك يا بنت العم؟
أرجوان تبتسمُ ابتسامةً باهتـة وهي تستمعُ لهمسِ جيهان لليـانْ بشوقٍ وتجاهلٌ قاسٍ للواقفِ بجانبها : الحمدلله عساك طيب.
فواز يوجّه نظراتهِ نحو ليـان التي كانت جيهان تقرص خديها، اتّسعَت ابتسامتهُ الغاضبـة لينحني نحوها ويحملها بين يديه بمشاكسةٍ يُحاول بها إطفـاء الاجتمـاعِ البـاردِ وأثرهُ الواضـح على عينيْ يُوسف، بالتأكيد كان يعتقدُ منها شيئًا آخر بما أنّها جاءت معهُ لاستقبالهم، وليس هذا التجاهل المُفاجئ! بالتأكيد سيفكّر بأنه أجبرها على المجيء معه وهي التي لم تكُن تريد، وهذا سيُضاعفُ من الأوجـاعِ أكثر.
صرخَت ليان حين شعرت بهِ يعضّها في خدها وهي تضربهُ على كتفيه : يا متوحش يا خايس نزلني نزلني
ضحكَ وهو ينحني ليُقبّل وجنتها التي احمرّت : آسف ليون بس اشتقت لك
ليان بعبوس : معفن
فواز يَستديرُ ناحيـة عمهِ محاولًا كسرَ التوتر وهو يضحك : تسمح لي أقص لسانها؟
ابتسمَ يُوسف ببهوت وهو ينظر إليه بعد أن كانت نظراته معلّقةً بجيهان التي كانت تنظر للأرضِ بشرود، تضمُّ عضدها الأيسر بكفّها اليُمنى، وشرخٌ تضاعفَ في قلبـهِ بعد كلِّ تلكَ المشاعـر التي قررَ إطفـاء حممها بعناقٍ أبوي، عنـاقٍ تبكي فيهِ على صدره! لكنَّ تجاهلها جـاءَ مُعاكسًا، جـاءً صادمًا بعد أن رأى أن الجفـاء لازال يقبعُ بينها وبينه، بكل وحشية! بكل وحشيةٍ تزرعُ في صدره المزيدَ من الجفاف! لم تكُن غيمةً حُبلى! كانَ رحمُ مشاعرَ فارغًا، فارغًا بشكلٍ ضاعفَ انحناءَ كتفـيه، ضاعفَ جفـافَ أرضه، يا الله! هل يعقل أن تكون غيمةً عقيم؟ لن تروي تربته الخصبة؟ ولن تزرع فيها خضرةً وعُشبًا؟ . . جزَّ العُشبُ الذي بدأت بوادره في صدره، وعـاد خاويًا على عروشه، كأنّما العنـاقُ يُقسم ألّن يُجهضَ حُزنـه.
بقيَت جيهان تنظُر للأرضِ ببؤس، تزيد من عناقِ عضدها، لا تدري لمَ تراجعَت، لمَ هذا البُعد الذي أسكن نفسه من جديدٍ رغم الإقتـراب، كانت تنتظره! حتى ترتوي بِه، رغمًا عن كل أحزانها، عتابها، جروحها، رغمًا عن كل شيء، كانت تنتظره! وهذا الجسدُ يريد الارتمـاءَ في صدره، هذهِ الرئـةُ افتقدَت رائحته لأيـامٍ طوال، لكن لمَ لا تستطيع؟ لمَ تيبّست أقدامها فجأة؟ لمَ نفرَت وظهرَت كلُّ الصورِ الماضيـةِ من جديد؟ . . الغصّة تتضخّم في حنحرتها، الملوحةُ تتكتّل في محاجرها، الحُمرةُ بدأت تسكُن وجنتيها، بوادرُ البـكاءِ تجيء، لمَ لا تتحرّك نحوه؟!!
تنفّست بألمٍ وهي تشعر بأن شهقةً تريد الانتفاضَ من صدرها، لكنّها كبحتها قسرًا، وبقيَت تنظر للأرضِ بصمتٍ شردَت نظراتها معـه، وبقيَت ترى بياضًا ينتشر حولها، غابَ كلُّ شيء، أصواتهم، وملامحهم، وغابت هي في عالمٍ آخر . . لم تستيقظْ منهُ إلا على شفاهٍ تعانقُ جبينها، وكفينِ تُمسكَانِ كتفيها! ورائحـةُ عودٍ لا تنساهُ تخترقُ أنفها، يترجمها عقلها بسرعة .. بأنّه المـاءُ الذي انتظرتهُ حتى ترتوي، المـاءُ الذي سقطَ عليها الآن ولم يستطع أن يبقى بعيدًا، بعيدًا أكثر.
فغَرت شفتيها وعينيها ترتفعانِ إلى عنقه، ابتعدَ قليلًا ومسحَ على رأسها وهو يبتسم ببهوت، ينظُر لعينيها البنيتين، الملتمعتين بدمعٍ لا يهوى النضوب كتمرّدهـا الذي يتضاعفُ نضوجه، وبصوتٍ هامسٍ يحمل كمًا هائلًا من حنانهِ وحبه الأبوي، من اشتياقٍ قاسٍ لصوتها : كيفك يا عيون أبوك؟
عيناها الناظـرةِ إليه بسكونٍ سرعـانَ ما ارتعشَت! سفينتيها توتّرت بثورانِ موجِها، اهتزّت أحداقها ودموعها سقطت كورقةِ خريفٍ حاربها الجفاف! وجـدت نفسها دونَ شعورٍ تتراجعُ للخلف، ترفعُ كفّها إلى فمها لتغطيه وتشهقَ ببكاءٍ متذبذب، تتركُ الردَّ على سؤالهِ عالقًا على أطرافِ بكائها، كيفَ يجتمعُ فصلان؟ تلكَ البرودةُ الشتوية في صدري! تلكَ الثلوجُ الصقيعية التي تُحيطُ قلبي، وذاكَ الجفاف الخريفي الذي يحتقنُ عيناي ليُسقط الملح رغمًا عني!، طـال الجفافُ جوارحي يا أبي، بؤسُ الخريفِ يمنعني من الإرتـواءِ بأضلعك، كيف أرتمي في أحضانك؟ علّمني من جديد؟ كيف أتدللُ على مسامعك وأنطق " يبه " بمكرِ ابنةٍ طفلة!
عقدَ يُوسف حاجبيه بصدمةٍ من بكائها الذي صبَّ ملوحته على قلبه، ليكسرَ تلك الخطوة التي ابتعدتها باقتـرابٍ وهو يهمس بصوتٍ أجش : جيجي! يا فرحتي الأولى . . ما يهون علي بكاك يا عين أبوك!
تراجعَت أكثر وهي تحاول كتمَ أنينها بكفّها، وحين وضعَ كفّه على رأسها من جديدٍ انتفضَت واستدارت دونَ شعور، وكأنّها تقولها لهُ بوحشيـةٍ صامتـة . . لا تقترب أكثر، لا تقترب!!


،


سوادٌ ليلي، وفترةٌ صباحيـة، أذانٌ يرتفعُ ويُدغدغُ أسماعـه، الصـلاةُ خيرٌ من النوم، الصـلاةُ خيرٌ من النوم . . يردّدُ مع المؤذنِ ورأسه يستكينُ على وسادته، ينتهي الترديدُ ويذكر الله قليلًا ومن ثمَّ يدعوه علّ تلكَ البدايـة تدوم، تدومُ لتغسلَ كلَّ ذنوبِه الماضـية، ليغسل كلَّ ماضٍ وكلَّ أذيـةٍ سابقـة . . يدعو الله أن يجيء ذلك النورُ على حياتِه في صورةِ طفلةٍ كبرَت وبقيَت طفلةً في صدره، اليـومَ قد ينتهي كلُّ شيء، كل الانتظـارِ الماضي، وهذهِ المرة لن يتردّد!
جلسَ حتى تتدلّى ساقيهِ باتّجاهِ الأرضِ التي نظرَ إليها بصمتٍ في الظلام، كادت سهى ترغمه البارحة على اتمـام كل شيءٍ بحجة أنه يجب عليه ألّا يؤجل عمل اليوم إلى الغد، لكنّه استطاعَ اقناعها بأن يكُون كلُّ شيءٍ اليوم، بأنْ يستعد قليلًا، ويمررَ الأكسجين إلى رئتيه قبل الإنقطـاع الذي سيحدث حين يُحادثُ عبدالله ، كيفَ ستمرُّ الأمـور؟ كيف؟ هل ينتهي كل شيءٍ بأن تُصبح له؟ بأن يمرر أنامله على وجنتيها من جديد؟ يقبل عينيها؟ يُداعب شعرها؟ . . لمَ أنتِ حُلم؟ وأجمل أحلامي! لمَ أنتِ غنـاء؟ وأعذبُ السمفونيات! هل بدأتِ تتحققين لي كحلمٍ اقتربَ في واقعي؟ هل بدأ صوتِك بالبزوغ على مسرحٍ فنّيٍ لن يستحلّه أحدٌ بجمالهِ سواك؟ تخلقينَ وراءكِ ربكةً مجازها أنّكِ شلالٌ يندفعُ بقوةٍ ويسقطَ فوقَ سطحي الراكد! تشتتينني يا نجلاء! بكلِّ عنفوانٍ تشتتيني.
بلل شفاههُ التي ابتسمت بربكـة، أفضـلُ حلٍ أن يتّصل بعبدالله في المساء، لن يُقابله، فهوَ يكاد يجزمُ بأنه سيقيّد عنقه بكفيه ويخنقه إن سمعَ مالم يقُلهُ في المرّة السابقة!
نهضَ ليتّجه للحمام حتى يستعدَّ للصـلاةِ ويذهب للمسجدِ باكرًا طاردًا كل أفكـاره اللذيذة!


يُتبــع ..




كَيــدْ 17-11-15 09:19 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




هدوءٌ سلبيٌ يعمُّ السيارة، رأسها استراحَ على النافـذةِ البـاردة، تنظرُ للأنوارِ المصطفِة في الطريقِ بشرُود، أناملها تداعبُ حقيبتها بتِيه، والأنفـاسُ تفصُل الصمتَ بحركةِ موجاتٍ متوترةٍ بعضَ الشيء.
بجانبها ليـان، على الطرفِ الآخر أرجوان تنظُر للطريق من النافذةِ بشكلٍ مماثِل، هي حتى لم تُسلّم عليها! لم تنطُق ببنتِ شفةٍ والقهـرُ تنامى في صدرها على ملامحِ والدها التي كان ضوؤها يغادرُ بعد صدها، بعد أن تجاهلت كل حديثهِ المشتـاق، كيف تجرّأت وضاعفَت الحُزن لألفْ؟ كيف تقسو؟ أتظن أنها لا تستطيع القسوةَ من الجهةِ الأخرى انتقامًا لوالدها؟ أتظن أنها ستضحك معها وتعانقها متجاهلةً كل خيبةٍ وألمٍ تزرعها في صدره؟ هيهات! هيهات والله يا " جوج"!
توقّفت السيـارة أمامَ بيتهم الذي يطوفُ من حولهِ الظـلام، الوحدة، لا تزورهُ سوى الرِيح، بيتهم الذي اشتاقت، اشتاقت حدَّ الوجع!
نظَرت لهُ بعينين تلتمعانِ شوقًا لكلِّ مافيه، لغرفتها، لحديقتهم، للأشجار والزهور التي كانت تعتني بها وتسقيها في كلِّ يوم، لهذا المنزل الذي سقاهم سنينَ بالسعـادة، لتنكسِر في النهايةِ بخطأٍ من أمها! . . . فغَرت فمها تكتمُ آهةً صامتـة، تدعو الله لها بالرحمـة والغفران. تحرّكت كفها لتفتحَ الباب بعد أن نزل والدها الذي كان يجلس في الأمـامِ ومعهُ فواز، كادت أن تترجّل عن السيارةِ لولَا كفُّ جيهان التي أمسكَت بيدها، حينها استدارت إليها بجفاءٍ ظهر من عينيها وبينهم تسكُن ليـان التي انتظرت نزول إحداهما حتى تنزل من خلفهم، لفظَت جيهان بغصّة : أبي أسلم عليك! ما عطيتيني فرصة وأنا أشوفك تتجاهليني!
ارتفعَ حاجبها بصمتٍ وهي تشعر بالغيظِ من بساطتها بعد الجرح الذي خلّفتهُ في صدر أبيها، شدّت كفها لتسحبها بقوّةٍ وقسوة، ومن ثمَّ استدارَت لتترجّل عن السيـارةِ وهي تلفظُ بصوتٍ بارد : يلا ليـان
تحرّكت ليـان من خلفها والنُعاس يعاود السيطرة على أجفـانها، في حين بقيَت جيهان في مكانها والجفـولُ والجفاف ينعقدانِ في ملامحها، ترتعشُ شفاهها بألمٍ لتزمّهما وتُغمض عينيها وهي تُعيدُ ظهرها للخلف، تسندهُ على ظهرِ المقعد، سامحةً لآهاتها التي كانت تحبسها بالخروج في صورةِ آهةٍ وحيدةٍ عميقةٍ مجروحةٍ للنخـاح، تمسّدُ كل الأوجـاعِ ولا تتلاشى.
لمَ فعلت ما فعلت؟ لمَ نفرت؟ وكلُّ مافيها يُريده، يحتاجه، لكنّها تعصِي رغباتها واحتياجاتها، تعصِي كلَّ السعـادة السابقة لمجيئهم، إصراها على فواز ليجيء بها معه حتى تراهم! حتى تعانقَ هذا البُعد وتُسكن كل شوقٍ ولوعةٍ في صدرها، فلمَ تراجعَت في النهاية؟ لمَ؟
وجدَت نفسها تعضُّ على شفتِها، تشدُّ على أجفانها فوق حدقتيها، تتحشرجُ أنفاسها وتنفلتُ دمعةٌ وأخرى من زوايا عينيها المُطبقـة، تحتاجـه، تحتاجـه! فلمَ تفعل بنفسها هذا؟!!

مضَى الوقتُ سريعًا، وانكسَرت الدقائقُ في ظرفِ ثلاثٍ إلى خمس، سمعَت صوتَ البابِ الأمامـي يُفتح، ليدخل فوّاز بغضبٍ وعنفٍ هزّ السيـارة ويغلق البابَ بشدةٍ افزعتها، صارخًا : وما تنزلين بعد!! جالسة بروحك في السيـارة وأنا اللي ظنيتك ورانا؟!! كل هذا مكابر وغرور ياجيهان؟ حتى السقف ما تبينه واحد فوقكم؟!!!
أردفَ صارخًا بعنفٍ وغضبٍ أقوى وعيناه تكاد تخرجُ من محجريها باحمرارهما الغاضب : انزلي واركبي قدام
بللت شفتيها دونَ رد، فتحَت الباب بصمتٍ وقد كانت تجلس خلفِه ونظراته تتعلّق بها في المرآة، استدارَت حول السيارةِ من الأمـامِ حتى وصلت وفتحَت الباب ودخلت، وما إن أغلقَت البـاب حتى تحرّكت السيـارة بعنفٍ احتجّت عليه إطارات السيارة ولسانهُ ينطلقُ بقهرٍ وهو يشدُّ على المقودِ وموجاتُ صوتِه تهزُّ أوتـار صمتها : أصريتي تجين وأنا اللي قلت لك لا! تتبوسمين على أساس فرحانة بس من جينا بدا هالغرور يرجع يعصِى ويتمرد! حسبي الله على إبليسك ، حسبي الله على إبليسك وعصيانِك!!


،


السمـاءُ بدأت الزرقةُ تغتالُ سوادها، تجلسُ على سريرها والسُجـادةُ تفترشُ الأرض أمامها، تشعر بالصداعِ يداهم عقلها بقضيّةِ نُعـاس، أزعجـها سلطان قبل ذهابه للمسجد وبقيَ يطرق الباب بمشاكسةٍ حتى صرخَت غاضبـةً ليضحكَ ويذهب وهو يوصيها بنبرةٍ ضاحكةٍ أن تصلي ومن ثم تنام من جديد، تجاهلته وحاولت النوم، لكنّهُ طارَ فوقَ جنـاحِ ازعاجاتهِ لها لتتأفأف وتنهضَ متّجهةً للحمـام، والآن هاهي تجلس برأسٍ يكاد ينفجر، لم تصلي بعد، وجسدها يرغب بالإرتمـاءِ للخلفِ والعودة للنوم متجاهلةً كلَّ شيء.
بدأ رأسها يثقل أكثر، تكـاد تسقطُ للخلفِ لا محـالة وذراعيها المعانقتانِ لرداءِ الصلاة ترتخيـان، حان منها تراجعٌ طفيفٌ للخلفِ حين هزمها الخمول لكنَّ طرقةً رقيقةً على الباب جمّدت جسدها وجعلتها تفغر شفتيها وتعقدُ حاجبيها وتنظر للبـاب بخمول.
سلطان بابتسامةٍ من خلف البـاب : نمتي والا للحين صاحية؟بفطّرك برى.
شعَرت بالحقد تجاهه، بينما فتحَ الباب هذهِ المرة ونظر لهيئتها الخاملة وهي تنظر إليه لتتّسع ابتسامته، وبرقة : تقبل الله
بقيَت تنظر لهُ بجمودٍ للحظـات، بعينين كسولتـان وملامحَ ساكنـة تزورها ربكةٌ لذكرى من البارحـة، ذكرى جعلتها تتنحنحُ بتوترٍ وتُشيحُ برأسها عنهُ وهي تهمسُ بصوتٍ مشدود : باقي ما صليت
رفعَ حاجبيهِ ومعهما معصمهُ حتى ينظر للسـاعة، وبهدوءٍ ونظراته لم ترتفعْ إليها بل بقيَت تترقّب حركة العقـارب : أجل صلي شوي وتشرق الشمس
هزّت رأسها بالإيجاب بتوترٍ وهي تُريد خروجهُ بسرعة، يداهمها شعورٍ بأنها عاريةٌ أمامه بعد كلِّ ما اكتشفهُ عنها! بعد انسـلاخِ تلكَ الدروعِ التي حاصرت نفسها بها، يداهمها شعورٌ مُهلكٌ بأنّ صوته ورائحـة عطره القوي كدروعٍ أخرى، أقوى وأشد من سابقها! بأنّه أمــانٌ آخر! وهذا الشعور تخافه وبشدة.
سمعَت صوتَ خطواتهِ تقترب، حينها انتفضَت بقوةٍ ووقفَت دونَ أن تنظر إليه وهي تشدُّ على رداءِ الصلاة، وقفَ بجانبها مباشرةً وأمسكَ بكتفيها وهو يبتسم، وبخفوتٍ وهو ينظر لموضعِ السُجـادة : لمّا تصلين ، بين كل فرض والثاني بدّلي موضع السجادة ولو خطوة!
شعَرت بحُمرةٍ تغزوها من حيث لا تحتسب، جسدها اقشعرَّ وتوترَ لكفيْه المعانقتين لكتفيها لتحاول شرخَ تلك الربكةِ باستفسارٍ مرتعش : ليه؟
سلطان بخفوت : لمّا تسجدين الشحنات اللي براسك تتفرّغ بالأرض بقدرة الله سُبحانه ، كل هالشحنـات ممكن تسبب أمراض وصداع شبه دائِم بالراس، فلمّا تتفرغ بالسجود احتمـال تجلس بالأرض لفتـرة، فلو صليتي الفرض الثاني بنفس المكان ممكن ترجع لراسك دامها لهذاك الوقت بقيت بالأرض! عشان كذا بكل مرة غيري مكان صلاتك، حرّكي سجادتك بس شوي عن المكان اللي صليتي فيه قبل.
عقدَت حاجبيها باهتمـامٍ وارتفعَت عيناها بفضولٍ إليه، انتفضَت الربكـةُ عنها لتهمسَ بانشداد : أول مرة أدري بهالشيء.
سلطان يبتسم : ماقد سمعتي بقصّة الرجـال الغير مسلم اللي شاف مسلم يسجد سجود شكر في إحدى المطارات الأجنبية؟ فرح وقرب منه وبعد ما رفع المسلم راسه سأله إذا كان عندك نفس مرضي! اللي علاجه هالحركة؟ فقال له المسلم إنه يسجد ومافيه مرض! وهالشيء موجود عندنا في ديننا . . سبحان الله شوفي عظمة ديننا! كل شيء فيه علاج . . كثير أندية حول العـالم تخلّي الشخص قبل لا يبدأ أي تمرين يسوي تمرين يرفع يده بمحاذاة أكتافه أو أذآنه، يركع، يسجد، يجلس جلسة الشهـادة، يسلم ، هالتمارين عرفوا انها مفيدة للجسم، بس ما عرفوا إنها أساسًا موجودة بعقيدتنا. الله ما فرض شيء عبث! ولا خلق شيء عبث . . * ابتسم بمشاكسة * وفي خلقهِ شؤون، شوفيني أنا ما خلقني عبث، جيت مرسول خصيصًا لك عشان أمشيك في السراط المستقيم وأمسك بيدك للجنـة بإذن الله
انقطَعت سلسلة انشداهها بالمعلومـات التي كان يسردها، عقدَت حاجبيها بتجهّمٍ مما قالهُ وضمّت شفاهها بحنقٍ لتلفظَ بصوتٍ ساخر : سبحان الله ، وهالمرسول قاعد يهذر على راسي وبتشرق الشمس على قولته وأنا ماصليت ، أنت شكلك تبيني أطيح من السراط المستقيم للنـار أو أخطي للجنة زاخفة!
ضحك : لا بسم الله عليك إن شاء الله نلتقي في الجنـة وفي فردوسه ونشرب من الكوثر ونكون من اللي يمشون فوق السراط بسرعة البرق ، أنتِ بس صلي السنة وبعدها الفجر ، لا تنسين!
هزّت رأسها بالإيجاب لتجاريه بينما هي في الأسـاس لن تصلي سوى الفرض، تحرّك باتّجـاهِ البابِ وهو يُردف برقة : إذا خلصتي لا تنامين على طول، نجنب نفطر وبعدين نرجع تمام؟


،


ضوءُ الأبجـورةِ يتمرّد بجانبـه، هاهو يُعيد تلكَ الرسـالةَ للمرّة العاشـرةِ ربّما، عينـاه تُضيآن ببسمةٍ مستمتعـة، بمكرٍ وعبثٍ لا يُغادرانه.
( أستاذنا الفاضل تميم ، أول شيء السلام على وجهك الكريم .. ثاني شيء ؛ نقول قصدك من " ست " عرش وملك! إذا تطرّقنا لهالمعنى فنحط في الإعتبـار إن قصدك ينصب على فكرة مكـان يصدر منُه الرأس الكبير " ملك " كل الأوامر، أو نقول المصائب! ما علينـا . . على هالأسـاس فهمت إن اللغز الثاني بيكون توضيح لهالمكان اللي تقصده . . بين الواحد والأربعة! 2 و 3 ، المكان أكيد موقع معروف أو دولة أو مدينة! قلت في البداية شلون أستخرج منه المطلوب؟ ضرب؟ جمع؟ طرح؟ وما طلع معاي غير لملمة الرقمين ، - 32 - ، مفتاح دولة بلجيكا! اللي أنت فيها! . . فهل أصبنا أستاذنا الفاضـل؟ )


يُتبــع . .

كَيــدْ 17-11-15 09:21 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



لازالت حتى الآن لم تنَمْ، النومُ أبعدُ المخلوقاتِ عنها في هذهِ اللحظـات، عيناها غارقتان بسواه، بما هو أهـم وأرقُّ على قلبها، كالمدِّ الرقيق حين يعانقُ شاطئًا ما، لكنّه يبلل رملهُ ويحوّلهُ إلى طين مهما كانت رقّته! . . تجلسُ في الصـالةِ السُفلية، ماكثةٌ فوقَ الأريكـةِ الطوبية وعنيها تتأمّلان كل زاويةٍ في الصـالة، كل التفاصيل التي لم تنساها، لم يُشوّشها الغبـارُ بعد، في عينيها لازالت هي، مهما ترسّبَ الغيـابُ فوقها تبقى بحلّتها ولمعانِها بين أجفانها، تلكَ الطـاولةُ الزجاجيـة السوداء في المنتصف، لازالت نظيفة! الغبـارُ فوقها لم يُزهق لمعانها! الصُور المصففةُ على الجـدار لـبرج إيفل، لساعةِ بيغ بن، لشارعٍ ممتدٍّ وأوراقُ الخريفِ تتساقطُ في أنحائه كالأوراق الذابلة في صدرها، وتلكَ الصورةُ في زواية الصـالة على طاولةٍ سوداءَ أُخرى صغيرةً بعض الشيء، صورةٌ تحملُ ملامحَ أبيها في عمرٍ أصغر، ولازال حتى الآن وسيمًا لم يفقد ملامحه.
أغمضَت عينيها بقوةٍ لتُردي ظهرها للخـلف، تنفّست لثوانٍ بصورةٍ منفعلة، تسترجعُ ملامحَ أبيها في المطـار، لم يُغلفه الحُزن كما حدثَ بيدِ جيهان، لم يحدث أن رأيتُ تلكَ اللمعـة الحزينة في عينيه، لم يحدثُ أن لمحتُ خيباتٍ تتساقطُ على كاهلهِ بذاكَ الحجمِ كما حدث معكِ أنتِ فقط! وتطلبين السلام؟ تعبّرين عن الاشتياق؟ أنتِ التي تسلل الحديثُ عن الاشتياقِ من بين شفتيكِ، لا حقَّ لك! لا حقّ لكِ وتلكَ الحاجبين انعقدت ألمًا بعد صدّك ، كيف تتركين يدهُ معلّقةً في الهواءِ بعد أن مسحَ على رأسك؟ كيف تتركين الكلماتِ تنحشرُ بين شفتيهِ دونَ ردٍ منكِ؟ كيفَ لكِ أن تسمحي لبريقِ ذاك الحزن أن يظهر من مقلتيه! وتتحدثين عن الاشتيـاق؟ والشوقُ ملؤهُ في صدره؟
فتحَت عينيها بوجعٍ لتصتدمَ بنقوشاتِ السقف، لكنّها شهقت بخفوتٍ فجأةً وهي ترى والدها يقف بجانبها بالضبط، حينها اعتدلت ووجهت نظراتها إليه هامسة : ما نمت والا صحيت تو والا كيف؟ توها الساعة 8 الصبح.
ابتسم يوسف بإرهاقٍ وعينيهِ تُخبرانها بوضوحٍ أنه لم ينَم منذ صعدَ إلى غرفتـه : وأنتِ ليه ما نمتِ والا صحيتِ تو؟ توها الساعة 8 الصبح.
أرجوان تبتسم : ما نمت ، قاعدة أفكر بأوسم الرجـال في الدنيا.
جلس بجانبها وهو يضحك ضحكةً قصيرة : كأنك تغازليني؟
أرجوان بحب : لا فيه ذبّانة طاحت على شعرك وكنت أقصدها هي.
اقتربت منه وهي تحرّك يدها فوقَ شعره كنايةً عن " وشوشةِ " الذبابِ ليبتسم، حينها ابتسمت هي في المقابلِ لتقفَ قليلًا ومن ثمّ دنَت على رأسهِ لتقبّله.
أرجوان : جعلني ما انحرم من هالريحة، إذا ما غازلت أوسم الرجـال وهو أنت أجل أغازل مين؟ يازين المغازِلْ المُباحة بس.
يوسف : الحين اتركي عنك المغازل وروحي نامِي ، مو أنتِ ودك تزورين صديقتك عالعصر اليوم؟
شعَرت بغصّةٍ وذكرى عابـرةٌ قديمة تمر، لكنها ابتلعَت غصّتها لتهتفَ بخفوت : بمر أسلم بس وأمشي ، ماني مطولة مع إني اشتقت لها حيل
يوسف : أجل نامي لا تجلسين تخربطين لها من النعاس
ابتسمت : طيب تآمر أمر يابو البنات نجيب النوم لعيوننا غصب بس وراك أنت بعد ما تنام؟
يُوسف يتنهد وهو في الحقيقة تعسّر عليهِ النومُ في غرفةٍ حمَلت ذكرياتِه مع زوجته، ودمها يشعر أن رائحته لازالت طازجةً على الأرض! لذا هو يفكر بأن ينـام في غرفة جيهان، لربما شعر بالراحـةِ بعيدًا عن أشبـاح الذكريات تلك. لفظَ بجمود : شوي وبطلع وراك


،


لا شيء، فقط انعكـاسُ ملامحَ شاحبـة، شفتين جافتين، مرآةٌ تجعلُ الأنثى في داخلها مستفَزةً لتُخرج أدوات التجميل وتبدأ بتغييبِ كل أثرٍ للتعبِ على ملامحهـا ، شفتين تصبّغتا بالأحمـر، عينان رسمتهما بإتقـان، وجنتان تلوّنتا بهالةٍ مشمشية، وكتفين يؤلمانها! تشعُر بألمٍ أسفل بطنها، لكنَّ هذا الشيء طبيعي حسب ما ذكرته الطبيبة بالرغم من خوفها من تلكَ المسألة، لم يأتِ ليذهب، جاءَ بعد أن ظنّت أنه لن يجيء، لذا من الطبيعي أن تخاف من كل شيء.
تأوّهت قليلًا وأغمضَت عينيها وهي تعضُّ شفتها قبل أن تشهقَ وتضعَ كفها على فمها ليتلطخَ باطنها بحُمرةٍ من شفتيها، ركضَت للحمـام لتبدأ بتفريغ مافي معدتها التي أصبحت فارغة، تقيّأت حتى بدأت تقلصاتٌ مؤلمةٌ في معدتها، وبعد دقائق كانت تتنفسُ بإجهادٍ وهي تتكئُ على المغسلةِ وتنظرُ لوجهها الشاحبِ في المرآة، لم تُفلح مساحيق التجميل! تمامًا كما كانَ الشحوبُ يسحقها في الروضة، تتقيّأ كثيرًا ويرسم الإرهاقُ تضاريسهُ فوقَ ملامحها. مسحَت وجهها ومن ثمّ تحركت بعد لحظاتٍ لتخرجَ من الحمـام بترنّحٍ وتعَب، وصَلت للسريرِ لتتمدّدَ ومن ثمَّ زفَرت وبدأت تمسحُ على بطنها وتقرأ بعضَ الآيـات القرآنية للحظـات.
أينَ هو؟ لمَ ليسَ معها الآن في حالاتٍ تتلبسها وتوجعها وستظل كذلك كثيرًا حتى تلِد؟ تحتاجه، وإن غلّفت ذلكَ بالبرود، تحتاجه، وإن تصنّعت أنها غيرُ ذلك . . قالت ستعتاد! على غيابِه وعلى ابتعـاده، ما دامت امرأةٌ أخرى عانقت حبائلَ أفكاره فستعتادُ الغيـاب، إن كانت امرأةٌ أخرى ستسحقُ كبرياءها بتوسلها إليه ألا يتركها ، فستعتـاد! . . وبالرغمِ من أرجحةِ أرجوحةِ هذا الإعتيـاد المُصطنع، إلا أن احتياجهـا لهُ يحرّك أرجوحةَ قُربه أكثر، لا مجال للمقـارنة! اعتيـادي واهن/ضعيف! لا يكاد يتأرجحُ في سماواتِ حياتنا حتى تنقطعَ حبالُه، احتياجِي إليكَ أكبر! واللهِ يا سيف أكبر، لكننّي بالرغم من كل شيءٍ أربطُ حبال أرجوحةِ الإعتيـادِ وأمضي، سأمضي يا سيف! بعيدًا عنك، عن امرأتِك الأخرى التي سرقَت خطابَ الملكيةِ مني، عن ابنكَ الذي سبقَ ابني إليك، عن كل شيءٍ يخصّكَ يا سيف . . سأمضي!
زمّت شفتيها وبدأت بطقوسِها الأمومية التي أصبحت تعتادها، تمسحُ على بطنها، تنظُر لهُ وتتمنى أن يكبر بسرعة، أن ينتفخَ ويبدأ ركلُ ابنها وتحرّكاته، أن تسمعَ نبضاته . . تمسحُ عليه وطقوسها تكمن في الحديثِ معه، في الشكوى إليْه : بنتركه يا أمك، وبتولد يتيم معنويًا، ما عليك! لا تحاتي ، إذا تحبني بترضى! أجـل يكسرني فيها؟ ما يحس فيني يا حبيبي، ما يحس فيني! اللي سمّاني مي مو بعيدة عليه تحتضنه وينساني! . . تدري يا أمك؟ هي بيننا! كل لحظة هي بيننا، وكأنّها قيّدت أبوك بحبالها وسحبته لها للأبد! باقية فيه ونرضَع من حليب تواجدها الفاسد! قاعدة تمرضنا يا أمك! قاعدة تمرضنا! . . أنت معي والا معه؟ بتمشي مع أمك والا بتظل معه؟ أخـاف تسوي فيني زي ما سوّى هو! لا توجعني مثله . . أرجوك! لا تكون عاق لي وتوجعني مثله، ولا تكُون عاق فيه وتساعده على المعصية! دم المؤمن على المؤمن حرام .. حرام يسفك فيني ، لا تعاونه وتحط ذنبي برقبته ، كون بار فينا كلنا.
تحشرجَ صوتها في آخر الكلمـاتِ لتعضَّ شفتها وتبكِي ، مردفةً بوجَع : شوفه ، مُحب للسيطرة ، مانعني أداوم وأرجع مع غيره وكأنّي بخونه على سبيلِ المثال!!! تارك دوامه وجاي للروضة عشان يرجّعني، وكالعادة هواش حتى في سيارته! حتى وأنا حامل!! تسمع يا حبيبي؟ أبوك عاق بحبي له . . جابني ورجع لدوامه، وكأنّه سوى بس فرض عشان ما تختلْ قوانين سجونه وراح! شايفه؟ شايفه وش كثر هوّ قاسي؟ . . يا ترى يوم كانت حامل كان يجلس معها؟ يترك شغله عشانها؟ يجلس جنبها ويحاكيه معها؟ يا قو قلبه وتاركني أحاكيك بروحي؟ شايفه؟ شايفه وش كثر هوّ موجعني؟
شهقَت بكلماتٍ حادةٍ تخرجُ فتُصيبُ مخارجَ صوتها بمقتَل، ارتفعَت كفّها لتُغطّي فمها وتغصَّ في بُكـاءٍ ساديٍّ هوى عينيها وحُزنها، هوى الروح المعلّقة ما بينَ ضحكةٍ وممات، الحُزن وجهٌ من أوجهِ الموت، لكنّه موتٌ حيْ! تشعر بهِ وأنت تتحرّك، تستنشقهُ وأنت تتنفّس ، الحُزنُ مخلوقٌ يُستثار! استثرته يا سيف فيَّ، استثرتهُ فيَّ!


،


هنـاك لحظةٌ ما عالقـة، في تلكَ الدقائق، في تلكَ الساعات الصباحيـة. ماذا حدثَ بالضبط؟ لا تدري! هذا السؤال بُترَ جوابه، هذا السؤال سقطَ في مستنقعٍ متخثّرٍ كدمِي في عروقي، توقف جريان الدمِ عند عينيْه! توقّفت معهُ كلُّ حواسِي، اشتياقي تباطأ للخلف، سُجنَ خلفَ قضبـانِ العتـاب. رأيتكَ يا أبي، ولم أستطِع! لم أستطِع سوى كسر نظرتكَ - الملتاعةِ شوقًا! . . أبِي، يا ترنيمةً خاصـةً أرتّلها بـ " يُبه "! اندفعَتْ، وتباطأ الاندفـاعُ فجأة، توقّفتْ، وتباطأ الوقوف فجأة ، الآن! هاهو الشوق يجرفني مرةً أخرى، يُريد الاندفـاع إليك.
ماذا حدثَ بالضبط؟ بل ماذا يحدث؟ ما إن رأيتكَ حتى تعالت الأسوارُ حولنا لتتكسّر الآن، هل ليَ الحقُّ لأظفر بلحظـةٍ أخرى لا أكسُر فيها موجَ شوقك؟ . . ترتعشُ في مكانها أسفلَ اللحافِ بدموعٍ أخرى بعد تلكَ الدموعِ الصباحيـة ما إن عادت، ترتعشُ وخصام فوّاز لها صباحًا لا تُبـالي به، كلماتهُ التي تسللت عبر مساماتها أوجعتها وقتذاك، وتجاهلتها الآن، تجاهلت كل شيء! كل شيءٍ سوى عينيه. كيف تفقهُ البُعد وهي التي لا تُطيقه؟ كيفَ تفقهُ الهجرَ وهي التي لا تقوى على هجرِ العيُون؟ لا تقوى مرَّ الابتعـاد، يا - يُبه -، " شوقي جحيم، وانتظاري جحيم، أقل مافي لفحهِ يقتلُ! " والله يقتل! كيفَ تخبره أن اشتياقها - مُعاق! - ما إن يلمحُ المُشتاقَ إليه حتى يُصرَع، كيفَ تُخبره واللسانُ التصقَ بسقفِ فمها ما إن حادثها بنبرته! ياه يا نبرته! يا حدّتها على جُرحِ الاشتياق، يا جمالِ لحنهِ الذي تغنّى فوقَ ركادةِ مائها، كيفَ لنبرةٍ أن تستثيرَ كل هذا الوجعْ؟ كيفَ لنظرةٍ أن تستفزَّ الروحَ المعميّةَ في داخلي عن الاقتراب؟ كيفَ لكَ يا أبي أن تُحيلني في لحظةٍ إلى جثةٍ ترتعدُ أسفل لحافها ولن يُسكِنَ ارتعادها سواك؟ ما أقساني يا - يبه -، عليَّ قبل أن يكون عليك.
بعد عودتِهم أسقاها فواز بكلماتٍ غاضبةٍ صارخةٍ صبّت في عينيها بكاءً محمومًا، لم تردَّ عليه، لم تستطِع، حُزنها أكبر من أن تتغلّب على غصّةٍ تمثّلت في رؤيته.
( أنتِ من أيش مصنوعة؟ شلون تحسين؟ شلون هان عليك هالتصرف وخَلْقْ هالحُزن بعيونه بعدْ حنين؟ ماهو أنتِ المشتاقة؟ ماهو أنتِ المتحرقة لهم وجيتِ غصب عني؟ ليتني ما وافقتك يا جيهان وشفت هاللمعة بعيونه؟ ليتني ما وافقتك وتركتك تنقعين بشوقك الكاذب والمنافق، ليتني ما قلتلك أساسًا وخليتهم يجون ويكونون تحت سماك من غير علمك! أنتِ أساسًا يهمّك يتنفسون نفس هواك؟ يحترقون من نفس شمسك؟ وجودهم وعدمهم سواء بقلبك ! يا قو قلبك ؛ لااا!! يا قسوته! هذي ماهي قوّة، هذي قسوة! قسوة مجبول عليها قلبك لدرجة انه يعق ويمشي وكأنّه برْ . . حسبي الله على ابليس وبس!!! )
تلكَ الكلمات جعلتها تكتمُ الأنينَ الذي اصتدمَ بكفها ليخرجَ مختنقًا، ليخرجَ محملًا بوجعٍ وآهاتٍ واحتراق، لفظَ كلماته بغضبٍ وقسوة ليخرج من بعد ذلك وصوتُ البابِ الذي أطبقهُ بقوةٍ تردّدَ في صدرها مرارًا، مرارًا، مرارًا ولم يتوقّف حتى الآن وهذا الصدى يُثبت خواء صدرها، يثبت فراغَها عدا من أضلعٍ لا تتفرّغ!
أطبقت أجفانها بقوةٍ وصدرها يئنُّ بألمٍ لا ينشطر/لا ينكسر. ارتعادها أسفلَ اللحافِ بالرغمِ من دفئهِ دفعها للملمةِ نفسها والتقوقعِ حول جسدها كجنينٍ في رحمِ أمّه ليتَ هذا الرحم لفظه بأوجاعهِ قبل أن يخرج للدنيـا ويتذوقها - تقسيطًا.


يتبــع ..

كَيــدْ 17-11-15 09:40 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 





حتى الآن لازالت مشاعرهُ متخبّطة، هاهوَ يطفو فوقَ سريره، وألفُ سفينةِ مشاعرَ تغرقُ في صدره، تتحطّمُ تلكَ السُفن، ولا تجدُ مرفأً لها سوى مُحيطِ صدري، وإن لم تتحطّم توقّفت في ميناءِ كتفيّ، وأحنَتهما! هاهوَ اليومَ ينتبهُ لتفاصيلِ الغرفـةِ التي يقطنُ فيها كما لم ينتبه قبلًا، الساعـةُ ذات التصميمِ الكلاسيكي على الجدارِ الرمـادي، الستائرُ بلونِ العِنب، الكرسي الهزازُ الخشبي أمامَ النافذة النافذِ منها ضوءُ الشمس محملًا بدفئـه، الأرضيـة " الباركيه " الفاتـحة والمفرشُ العنابي الزغبـي، يا كآبـة الغرفة! ويا كآبتهِ الآن حدَّ أن يتأمّل كل شطرٍ منها ويحفظَ تفاصيلها في عقله.
زفَرَ زفرةً يتيمة، وكأنّك يا الله كتبت لكلِّ ما يحتويني أن يكونَ يتيمًا دونَ أب . . جلسَ وهو يعقدُ حاجبيه ويتنهّدُ بضيق، اليومَ سيراه، لكنّه لن يـراه في ذاتِ الوقت! لن يـراهُ كما كان ينبغي قبلًا، لن يراهُ سوى كروحٍ هُلاميةٍ ستجلبُ الأوجـاعَ والآلآم، لن يراه! كما حرمـهُ من رؤية " فهد " منذ كان طفلًا.
تحرّك بانزعاجٍ من تصلّب جسدهِ فوقَ السرير ليتّجه للبـابِ ويخرج، كان هناك صوتُ ضجيجٍ في المطبخ، لذا عقدَ حاجبيه وهو يبتسمُ ببهوت، والتحقَت خطواتُه باتّجاه بابِ المطبخ ليراقبها دونَ أن يدخل وهي تُضعُ كوبًا أمامها على الرفِّ وتنتظر غليان الماءِ في الغلايـة الكهربائية، تضعُ سماعاتٍ في أذنها وتهزُّ إحدى ساقيها ورأسها .. لوى فمهُ بضيق، لكنّه لن يعلق أبدًا على هذا الإدمـانِ للأغاني الأجنبية والتي كثيرًا ما يلمحها تستمعُ إليها، من الغبـاء أن يظن بأنه سيستطيعُ تغييرها في ليلةٍ وضحاها، ومن الغبـاءِ أن يجبرها في كل شيء! لذا سيتركها الآن، وأمامـهُ الوقتُ الكافي كي يغيّرها كليًا، سبعةَ أشهرٍ أو أكثرَ بقليل!
تنحنحَ ولم تنتبه للصوتِ العالـي المُغتـال لأذنها، حينها ابتسمَ وهو يراها تأخذ الغلاية وتصبُّ المـاء على كوبها، ليقتربَ بنظرةٍ خبيثةٍ حتى وقف بجانبها تمامًا لتشهقَ هيَ بفزعٍ من جسدهِ الذي ظللها فجأة، في حين رفعَ إحدى حاجبيه وهو يتنـاولُ كوبها ويعودُ أدراجـه إلى البـاب ببساطة.
غزل التي كانت وقتها قد أغلقَت الأغنية التي كانت تستمعُ إليها وتحرّكت باتجاههِ بحاجبين معقودين وقلبٍ ينبض بشدة : خرشتني! وبعدين اعطني كوبي
سلطان يبتسمُ وهو يتّجه للصالـة، وبعدمِ مبالاة : تنحنحت وما سمعتي ، والكوب آيام سوري بس مالك فيه حاجة
ارتفعَت إحدى حاجبيها وهي تتحرّك خلفـه، بالرغـمِ من توترٍ أصابـها واحتراقٍ تشعر أنّه زحفَ إلى جسدها ما إن شعرت بهِ يُظللها وكأنّهُ أشرقَ من فوقها كشمسٍ قريبة، إلا أنها أخفت كل ذلك التوتّر وتجاهلت كل وخزٍ أصابَها في ظهرهًا وتحديدًا في الأماكنِ التي مشَت عليها أصابعه! . . عضّت شفتها برعشـةٍ سريعةٍ طفَت فوقَ جسدها، واقتربَت أكثر وهي تهتفُ بثباتٍ مواريةً خلفهُ ربكَةً جاءتها من حيثُ لم تحتسب : شلون مالي فيه حاجة؟ ترى حطيت فيه سم عشان أنتحر فما ينفع لك!
ارتفعَت إحدى حاجبيه وهو يبتسمُ ناظرًا إليها وقد جلسْ، وتلكَ البسمةُ ضاعفَت توتّرها أضعافًا لترتبكَ الكلماتُ في فمها وتصمت، بينما رفعَ هو الكوبَ وارتشفَ منه القليلَ متجاهلًا حديثها ليكشّر أخيرًا ويُبعده عن نطاقِ شفتيه : الله يكرم النعمة بس وش حطيتي فيه؟ لا والله السم أظن أرحم
ارتفعَ حاجبيها والتوى فمها بحنقٍ من صراحتهِ - الوقحة - لتقتربَ منهُ بعد أن نفضَ بنبرتهِ المتقززة كل توترٍ فيها، وقفت أمامهُ مباشرةً وانتشلَت الكوبَ من يدهِ بعد أن أرخاها وهو يضحكُ على ملامحها المستاءة، في حينِ لفظَت بقهر : ما عجبتك قهوتي طس عنها وخلّى أصحابها يشربونها ، عشنا وشفنا تسرق وتنقد بعد!
سلطان بضحكة : لا جد والله وش حطيتي فيه؟ طعمه استغفر الله بس !!
غزل برفعةِ حاجب وهي تتحرّك بغرورٍ وتتّجه لأريكةٍ أخرى منفردة : والله عاد ما حطينا شيء غير مكوّنات القهوة ، إذا ما عجبتك جامل والا بس فالح تجامل في الغداء؟!
راقبها ضاحكًا من تذمّرها وهي تجلس، ليهتف : شكلي كنت فظ!
غزل ترتشفُ من قهوتها : الحمدلله عارف . . مممممم لذيذ
غرقَ في ضحكةٍ صاخبةٍ وهي تحرّك حاجبيها نزولًا وصعودًا وتعودُ لترتشفَ وتهتفُ من جديدٍ " لذيذ " وكأنها بذلك تعتقدُ أنها ستغيظه.


،


تحشُرُ الهاتفَ بين كتفِها وأذنها، تضعُ بعضَ الفواكـه بكل ترتيبٍ وعنايـةٍ في الصحنِ بينما شفاهها تبتسمُ وهي تُحادثُ شاهين من الطرفِ الآخر : اسمع ، قريت مرة قصة عن زوج وزوجته . . كان الزوج فيها إذا ما نامت زوجته يحكي لها قصص لين ما تنام! وأمس أنت تشاخر وأنا أتقلب والنوم معيي يجي
شاهين يمثّلُ الصدمة : افا!! وليه ما صحيتيني أجاور العيُون النجلا في السهر؟
أسيل تبتسمُ رغمًا عنها وأطرافُ أناملها تتحرّك فوقَ تُفاحةٍ ترأست فوقَ الفواكه : أنت فاضي لي والا للتشخير؟
شاهين يضحك : كذاااابة وش تشخيره بعد؟ عارف نفسي زين إذا مقهورة لأني نمت وأنتِ لا لا تتهمينا زور! ، عمومًا يا ست الحسن والجمال، كذا مرة كنت بحكي لك قصة قبل النوم وتتضايقين والا الحين غرتي من الزوج وزوجته؟ علينا!!
أسيل بضحكةٍ خجولـة : قصصك القديمة بايخـة ، أنت أول شيء كمل لي قصة مارجوري مكال المعلقة من قبل زواجنا وبعدين تبجّح بقصصك.
شاهين بشهقة : هو أنـا ما كملت لك قصتها؟!
أسيل تتحرّك لتسحبَ الكرسي وتجلس، أسندَت مرفقيها فوقَ الطـاولةِ وابتسمت باستمتاعٍ في الحديثِ معه، برقّة : لا ، ما كملت.
شاهين بخبث : هو كنا يومتها مشغولين بالنوتيلا والا كيف؟
احمرّت ملامحها قليلًا وانعقدَ حاجبيها بضجرٍ من هذه " النوتيلا " التي لن ينساها! لربّما كانت تلكَ من أسوأ اللحظـات في حياتِها معه، أن رآها هوَ ملطّخةً بها ليمسحها هو أخيرًا من فوقِ شفتيها!! . . تضاعفَت الحمرةُ في ملامحها لتتنحنحَ وتلفظَ بربكَة : لا مو هذا السبب ... كنا يومتها * حاولت التذكر لتعقد حاجبيها أخيرًا وتردفَ بضجر * قول القصة وبس.
غرقَ شاهين في ضحكةٍ طويلةٍ لصوتها المُتشبّعِ خجلًا، ثمَّ بهدوء : يقولّك يا طويلة العُمر ، هذي امرأة إيرلندية على مطلع القرن الثامن عشر صابتها حمّى شديدة وعلى إثرها يُقال ماتت، طبعًا هي ما ماتت! هي دخلت في غيبوبة من الحمى وعلى هذاك الزمن كان الطب بدائي شوي وظنوها ميّتة ، طبعًا تمّت مراسِم العزاء ودفنوها
فغَرت أسيل شفتيها وهي تكتم شهقةً طفيفةً وتهتفُ بقهر : متسرعين وأغبيـاء!
شاهين بضحكة : أجل فرضًا ميّتة جد يتركون تسرعهم ويخلونها تعفن عندهم؟ . . المهم يا طويلة العمر ، كان في اصبعها خاتم ذهبي حاولوا أهلها ينزعونه منها وما قدروا فدفنوه معها، وبهذيك الفترة كان فيه ظاهرة مشهورة وهي " لصوص المقابر " اللي كانوا ينهشون القبور ويآخذون أي حلي أو شيء ثمين يُترك مع الجثة، ولذلك كانوا أهل مارجوري خايفين على حرمة قبرها وحاولوا ينزعونه بس ما رضى فتركوه
أسيل وقد بدأت تنسجمُ مع القصة التي يرويها : طيب
شاهين بابتسامةٍ وهو يستقبلُ موجـات الحماسِ في صوتها : بنفس اليوم جاء لقبرها لصّيْن ، نبشوا قبرها وفرحوا بالخاتم اللي في اصبعها وحاولوا عبث يخلعونه، وكل محاولاتهم باءت بالفشل مثلهم مثل أهلها ، بس مع كل الفشل كانوا مصرّين يشيلونه لو أيش ما صار . . تتوقعين وش سووا؟
أسيل بانسجام : وشو؟
شاهين بابتسامةٍ لئيمة : حزري.
أسيل بقهر : يوووه شاهين كمّل عن اللعانة!
شاهين ينظُر لساعةِ معصمه، وبجمود : الوقت راح وأنا أحاكيك ، بتشغليني عن شغلي أكثر.
أسيل بانفعـالٍ مقهور : شاهين لااا ، الله يخليك كمّل أول.
شاهين بابتسامةٍ لم تسطَع على كلماته : وتشغلين وقتي بدون مقابل؟
وكأنها فهمت مقصدهُ من المُقابل، توتّرت واحمرّ وجهها قليلًا لتعضَّ شفتها السُفلى، وبنبرةٍ متهكمة : ما تلاحظ إنك جالس تراهق على هالعُمر؟
شاهين : هههههههههههههههه تعجبني الذكية اللي فهمت وش أبي . . وأما عن مسألة أراهق فما عليك أنا اللي أراهق والا أنتِ؟ يلا أعطيني بوستي.
أسيل بخفوت : طيب ممكن تدخل علينا خالتي ترى هي في الصالـة وأنا دخلت المطبخ على أساس أجيب فواكه بس وأرجع لها! تراني تأخرت.
شاهين بلؤم : من أول ما دخلتِ ما فكّرت تجيك الا بوقت البوسة؟ .. يلا أشوف هاتيها تراك بخيلة حيييل علي
أسيل بخجلٍ قبّلت الهاتفَ قبلةً سريعةً وكأنّها تُقبلهُ هو، ضحكَ بصخبٍ من الجهةِ الأخرى وهو يُغمضُ عينيه ويلفُظ : متأكدة بستيني والا يتهيأ لي؟ شاك والله هذي بوسة؟
أسيل بنبرةٍ خجولة : احمد ربك وبوس يدينك وجه وقفا ، * أردفت بنبرةٍ نفضَت عنها الخجَل وتصنّعت فيها الجمود * ويلا كمّل القصة.
شاهين يخنقُ ضحكته : وين وصلنا؟
رفعَت حاجبًا : أظنك تعرف لا تماطل!
شاهين : لا خلاص أنا آسف عمتي بس لا تذبحيني * أردف مبتسمًا * وصلنا عند إصرار اللصين إنهم ياخذون الخاتم مهما كان والا؟ . . عمومًا يا طويلة العمر، إصرارهم دفعهم يفكّرون بأيش؟ أيه يا ستّي يقطعون اصبعها كله ولا يروح عنهم الخاتم!
شهقَت أسيل : حسبي الله
شاهين : وفعلًا قطعوا اصبعها وفي اللحظة اللي صار فيها الدم يسيل كانت هي تفتح عيونها وتصرخ هذيك الصرخة اللي قتلت واحد منهم لحظتها من الرعب وخلّت الثاني يهرب ونقول أخذ وضعية " ذهبَ ولم يعد "، ما أظن بعد هاللي صار بيعرف للقبر طريق الا وروحه برى جسمه.
أسيل بقلق : والمسكينة اللي انقطع اصبعها؟
ضحكَ على نبرتها القلقة : شدعوى زعلانة عليها هالقد؟ المهم إنها قامت بشكلها المأساوي وبكفنها والدم يسيل من اصبعها ورجعت لبيتها ، في الوقت اللي كان فيه زوجها وعياله بعزاء والزوج حزين دقّت الباب فقال الزوج فيما معناه " لو انها كانت حيّة كنت بحلف ان اللي يدق الباب هي "، وقام يفتح الباب وكانت الصاعقة! شافها قدامه بشكلها المأساوي ، التراب مغطيها، الكفن عليها والدم يسيل منها! ما استوعب الصدمة وطاح وقتها بمكانه متوقف قلبه من الخرعـة.
أسيل بشهقة : مات!!
شاهين يبتسم : أيه ، ويقولون عاد ! يقولون انه بعد ما مات شالوه ومن المقبرة اللي قامت منها دفنوه هو
ضحكَت ضحكةً قصيرة ليضحكَ هو في المقابل، مُردفًا : وعاشت مارجوري سنين ويقولون عاشت حياتها وتزوجت وماتت بعد سنين طويلة وهالمرة انتظروا فترة على ما دفنوها .. وفي النهاية كتبوا على قبرها عبـارة ( عاشت مرة دُفنت مرتين )


،


هرولَ فوقَ عتباتِ الدرج نزولًا، يرتدي بنطالًا من الجينز الكحلي ومعطفًا طويلًا إلى ركبتيه بلونٍ كريمي فوقَ بلوزتهِ البنية الصوفية، هذهِ المرّة تخلى عن عنـاده بعد أن أصبحَ مزاجه " عال العال "! توجّهت خطواتهُ نحوَ مكتبِ جدّه وهو يبتسم ويدندنُ بمتعة، وقفَ أمام البابِ وطرقْ، ودون أن ينتظرَ ردًا منه فتحَ الباب وهو يهتف بنبرةٍ متباسطةٍ وكأنّه لم يحدُث شيءٌ بينهما قبلًا : مساء الخير
تصلّب جدهُ الذي كـانَت أناملهُ تعبثُ بلوحةِ مفاتيحِ الحاسبِ أمامه، ارتفعَ إحدى حاجبيه وهو يرفعُ نظراتهِ الغاضبـةِ إليه، غضبهُ منهُ ما انطفأ لكنّهُ أخمدَ في الوقتِ الذي لم يرهُ فيه والآن هاهوَ يُستثـار. أغلقَ تميم الباب من خلفهِ ببساطةٍ وهو يبتسمُ ويقترب من مكتبهِ إلى أن جلسَ في المقعدِ الذي أمامه على الجانبِ الأيسر، رمى بجسدهِ عليه وهو يُردف : اوووه يا بطني جوعاااان ما كأنّهم اليوم تأخروا بالغداء؟
سعودْ يخلعُ نظّارتهُ ويضعها على الحاسوب بعد أن أطبقه، حاجبهُ لازال مرتفعًا وازدادَت حدّة نظراته، بنبرةٍ حـادة : تو الساعة 12 ، بيكون جاهز خلال دقايق بسيطة . . وبعدين مستر تميم وش اللي خلّاك ما تفطر اليوم معي وتتعشى أمس برى؟ لا أكون مو معبي عينك بس!!
اتّسعَت عينا تميم وهو يفرُشُ ذراعيه على ذراعيِّ الكرسي وساقُه اليمنى فوقَ اليسرى يمتدّان بأسلوبٍ فظٍ في الجلوس، لفظَ بدهشة : افا وشو مو معبي عيني؟ بالعكس مسيو سعود أنت الراس وأنـا خدّامك المُطيع اللي تكرّمت عليه و سمحت له يآكل معك وجباته ، ما نتجرّأ أبدًا نقول عنك هالحكي ونتواقح معك!
سعود بحنقٍ من سخريته : تخسى أنت ووجهك
تميم بابتسامةٍ باردة : افا عليك!
سعُود بغضبٍ يرفعُ اصبعهُ محذرًا لـه : سكوتي لك ما يعني إني ما أقدر أوقفك عند حدك يا ولد خالد ونورة! اتقي شر الحليم اذا غضب! قسمًا عظمًا لو تكرر أسلوبك الزفت إني لأوريك النجوم في عز القايلة.
لوى فمهُ بحنقٍ ثمّ اعتدلَ بجلستهِ وهو يحاول تفريغَ الحنقِ الذي أصابـه بابتسامةٍ ضيّقة : شكلي ضايقتك كثير بمزاجي! نعتذر ترى ماحسينا بنفسنا.
سعود دونَ مبالاةٍ وهو ينتشلُ أوراقًا من الدرجِ الذي سحبَه : فيه صفقة أبيك تديرها.
ارتفعَ إحدى حاجبيه وابتسمَت شفاههُ بسخرية : على أمرك
سعُود بنبرةٍ حازمـة : بعطيك كل المعلومات اللي تخصها الحين ، هالمرة الصفقة كبيرة ونحتاج فيها ذكاءك!
تميم بنبرةِ سخريةٍ لاذعـة : لا يكُون بننهب كنيسة أو بنسرق لوحـة الموناليزا أو ممكن نقتلع تمثال الحُريّة ونزرعها بالبحر الأحمر جنب نافورة جدة؟ الوكاد إنها تبي تتروش من ماءنا العذب!
ارتفعَت نظراتُ سعود بحدةٍ غاضبـة ومحذّرةٍ إليه، حينها ابتسمَ بوداعةٍ وهو يرفعُ كفيه ويلفظَ بنبرةٍ بريئة : نمزح معك يا بوي ليش هالنظرات؟ كمل كمل يا جدي الغالي وش الصفقة جعلني عوارض بيضاء بس.


يُتبــع ..

كَيــدْ 17-11-15 10:01 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




: كيف يعني؟ تبينا نقتله؟!!
ارتفعَت نظراتُ سالم ببطءٍ إلى سؤال إبراهيم المُستنكر، وابتسمَت شفاههُ ابتسامةً باردةً خبيثة وهو يهتف بشر : إذا اقتضى الموضوع أو نقُول على الأرجح أيه!
تابعَ بعينين مستمتعتين ردّة فعلِ سعد الذي عقدَ حاجبيه وعضَّ شفتهُ السُفلى بغضبٍ يسطُع من عينيه ونفور واضح، اتّسعت ابتسامتهُ أكثر ومن ثمَّ اتّكأ على الطاولةِ التي تفصلهُ عنهما، ليُردفَ بهدوءٍ باسِم : للحين ما ندري هو عنده خبر بالمصيبة اللي عنده ويتصنّع إنه ما يدري أو هو فعلًا ما يدري! بس الوقايـة خيرٌ من ألفِ علاج أبوه فهد كان لفتـرة طويلة ظاهر للكـل بوجه البريء وهو يشتغل من ورى الكل بمعاونـة سلك المباحث ضدنا، لين ما حصـل على ملفّات تخص مشاريع وصفقات كثيرة ودليل قاطع على أسمـاء بارزة ومعروفة بتخلينا كلنا نروح وطي ، وقبل 15 سنة قدر عضو منا وهو قريب منه ينهي حيـاته ويآخذ كل الأدلـة اللي عنده بس بقى دليل واحد! دليل واحد هو اللي للحين ضايع
عقدَ سعد حاجبيه بشدةٍ بينما شردَ إبراهيم في المعلومات التي يتلقاها وصمت، في حينِ كانت يدا سعد قد بدأتا بالانتفاضِ بحنقٍ وانفعـال، ما معنى كل هذا؟ لمَ يسردُ لهما تفاصيل لا تعنيهما فعليًا؟ هل هو غبي؟ هل هو ساذجٌ ليصدّقَ أن بعد كل ذلكَ سينجو؟ .. هل يتوقّع منه القتلَ أساسًا؟؟؟
نظرَ لسالم بحقدٍ عميقٍ والآخر يبتسم ببساطةٍ وينظرُ لهُ بتحدي، ارتفعَ جسدُ سالم الذي كان واقفًا ويتكئ على الطاولـةِ بكفه، ليُردفَ بابتسامةٍ باردة : عندك شيء تقوله استاذ سعد؟
لوَى سعد فمهُ وابتسمَ ابتسامةً ضيّقة وهو يرفعُ حاجبًا : أبد أستاذ سالم ، أنت بس تبينا نجيب هالدليل وننهي سلطان من الوجود صح؟
سالم بابتسامةٍ باردةٍ يومئ برأسه : صح ، ولو اكتشفت انك لاعب بذيلك!
قاطعهُ سعد ببسمةٍ حاقدة : قصّه
سالم : لااا! القص شيء بسيط عندي ، وأنت فاهم مقصدي
رمقهُ بكرهٍ ثمَّ صدّ عنه، حينها ضحكَ ضحكةً خافتـة ومن ثمَّ استدارَ عنهما موليًا ظهرهُ إليهما ليهتفَ بحزم : عندكم فرصـة ووقت طويل ، وأعتقد تملكون مهارة كافية بتزداد مع بعض التمارين وبتقدرون تجيبون لنـا الملف ، ( ملف الرازن ).


خرجْ، وانقشعَ الصوتُ الكريهُ بين ذبذباتِ أنفاسهما، زفرَ إبرهيم أنفاسهُ وأعـاد ظهرهُ للخلفِ حتى يسندهُ على الأريكةِ المزدوجة، وبجانبهِ زمّ سعد شفاههُ وهو يقبضُ قبضتيه فوق فخذيه، ينظرُ للأرضُ بقهرٍ يسعُ كل مصائبِ الأرضِ وينضح. لفظَ بجانبه إبراهيم : وش اللي بدّل رأيك؟
أدار سعد رأسهُ إليه بنظراتٍ باردة ورمقهُ بحقد : في أيش؟
إبراهيم ينظُر إليه بهدوءٍ وذراعيه تفترشانِ ظهرَ الأريكةِ من خلفه : ما كنت تبي تتعاون معاهم!
سعد وشفاههُ ترسم شبحَ ابتسامة : مجبور طال عمرك مجبور
إبراهيم بجمود : بتقتله؟
سند يرفعُ إحدى حاجبيه : وأنت بتقتله؟
إبراهيم ينظُر للأمـامِ بشرودٍ وكفّهُ ترتفعُ لتعانقَ وجنةً رُسمَ عليها جرحٌ يُضيفُ إلى ملامحهِ قسوةً وحدةً كمـا سالم، وبنبرةٍ كارهـةً لكل من يُسمى - سلطان -، : ما يهمني إذا بيموت أو لا ، يهمني أولًا أكسره، أحطمه، أخليه هو والتراب واحد ، يهمني أكسر هالثقة اللي يشيلها على أكتافه وأسكن حزن بصدره يكفيه عن الموت!!
سند ببرودٍ وهو يدرك جيدًا حقده الكبير تجاه سلطان : ما يهمك اذا يموت على يدك أو لا؟
إبراهيم بثقة : لا !


،


محـاولةُ النومِ باءت بالفشـل، هاهـيَ الآن تنزلُ للأسفـلِ وهنـاك ذنبٌ عالقّ في جُحرها، ذنبٌ وخجلٌ يعتري صدرها بعد الذي فعلتهُ البـارحـة في الغداء تجـاه ام سيف، لم تستوعِب نفسها إلا بعد ساعـات، لم تتغيّر! سوى أنّ الموجَ حين يكونُ هادئًا وتبدّلت الأجواء فجأةً سيُستثـار! سوى أن المدَّ يرتفعُ حين تتبدّلُ أوجه القمر، لم تتغيّر، سوى أن الضغوطـات حين تستمدُّ الطـاقةَ من " سيف " ستصيبُ هدفها لا محال.
بللت شفتيها بتوترٍ وهي تتجاوز آخر عتبـاتِ الدرج، في العشـاء البارحـة كانت تجلسُ معها دونَ أن ترفعَ وجهها إليها، تستمدُّ الاختبـاءَ من تواجد سيف معها، واليومَ أيضًا قامت بذات الشيءِ في الإفطـار، والآن! سيف غيرُ متواجد، والخادمـة أخبرتها أن الغداء جـاهز، وهاهي ستقعدُ معها بـ " سواد وجهها "!!!
فكّرت في أن تتراجع بعذر أنها لا تشتهي شيئًا، لكن صورتها ستُصبح أكثر سوءً بتركها تأكل غداءها وحدها . . تنهّدت باستسلامٍ وقررت أن تمضي قُدمًا، دخَلت إلى غرفة الطعامِ وألقت السلام بخفوتٍ حرِج وهي تنظر لخطوات قدميها لتردّ ام سيف السلام بخفوت. جلَست في مقعدها دونَ أن ترفعَ نظراتها إليها وتحاشى الحديثُ صوتيهما لتبدآ الأكـل بصمتٍ مُطبقٍ على الأفـواه. صمتٌ طـال بين كل لقمةٍ وأخرى، وبين كل عتابٍ وآخر في صدرِ ديمـا. يجبُ عليها أن تعتذر، يجب عليها أن تقُول شيئًا وتمحق خطأها السابـق، تنحنحَت ورفعَت رأسها إليها وهي تعضُّ زاويةَ شفتها السُفلى بصورةٍ غيرَ ملحوظة، في حين ارتفعَ رأسُ ام سيف في المقابل بعد نحنحتها، وبتوتر : خالتي
ام سيف بهدوء : سمي
ديما تزدردُ ريقها ومن ثمَّ تُبلل شفتيها وهي تضعُ الملعقةَ وتهمس بغصّة : أمس ، ما أدري ليش تصرّفت بهذاك الأسلوب! أنا آسفة !!
صمتت ام سيف لبُرهةٍ وملامحها اختزلَت الجمود، عقدتْ حاجبيها بعد ثوانٍ قصيرة وهي تضع الملعقةَ في المقابل وتلفظَ بهدوء : ما أخفي عليك إني تفاجئت منك ، أول مرة يكون فيها كلامك معي بهالشكل اللي صدمني!!
ارتعشَت شفتاها واحمرّت وجنتيها بحرجٍ وهي تُخفضُ رأسها، لتبتسمَ هيَ ابتسامةً خافتـة : بس مع كذا من داخلي كنت أبني لك مليون عذر وأقول نفسيتها وحامل ومضغوطة يمكن! مع إني مقتنعة إن الشخص لو حمل ضغوط الدنيا كلها على أكتافه ماله حق يفرّغها بشخص ثاني خصوصًا إذا كان أكبر منه وواجب عليه احترامه.
ديما بتبريرٍ كـاذبٍ بعض الشيء وهي تُريد معرفـة حقيقة إذا ما كان لها دخلٌ في قرار سيف بإرجاع بثينة إليه أم لا : أعتذر منك خالتي ، وكلامك على عيني وراسي وأنا مقتنعة بهالشيء ، بس غصب عني! غصب عني وأنا أفكر ومقهورة لأن سيف بيرجع زوجته الأولى .....
قاطعتها ام سيف بضيق : من حقه يا ديما من حقه! في النهايـة بثينة ام عياله ومهما كانت أخلاقها وتصرفاتها غير مقبولة بنظري إلا أنها ام زياد! . . ما أخفي عليك أنا لي يد بالموضوع ، أنا اللي أثرت هالفكرة براس سيف
انتفضَت أطرافها وخفقَت أهدابها وهي تقطّب جبينها وتنظر إليها بخيبةٍ عُظمى، تمامًا كما توقّعت، هي من استثارت تلكَ الفكرة! هي العميلـةُ لدى كلِّ الأطراف، ساعدتها أولًا لتحمل، والآن هي ضدّها! ضدها وتلومها ولا تلومها! . . عضّت شفتها بقوّةٍ كادت تدميها وأخفضت ملامحها عن نطـاقِ عينيها وهي تتنـاول الملعقةَ من جديدٍ تبتلعُ عبراتٍ تنحشرُ في حنحرتها الملكومـة، تلفظُ بصوتٍ واهنٍ خائب : ما ألومك ، هو ولدك وتبين له الراحـة واللي يسعده . . ما ألومك! هو ولدك، ولدك! وأنا أعرف وش عمق شعور الأم تجاه ولدها! أعرف . . أكثر من أي شخص ثاني!


،


( صباح الخير، كيفك؟ ما أعرف غير إني أدخل بالمواضيع مباشرة، مافيه أحلى من كذا ... بالمرة السابقة حاكيتك عن جزء كبير ومهم بحياة إلين . . أعتذر! جزء كبير ومهم بس ماهو الأهم. ما أدري كيف أوضح لك! بس عضلة لساني ماقدرت غير تهذر بالنص من اللي فات! ما أدري، بس اللي أعرفه إني ما عاد قدرت أكمل ... تكرهني؟ أدري بهالشيء، والود ودك ما عاد أنشاف بحياتك بس بقولك وبكل ثقة .. بتشوفني قدامك قد شعر راسك وأكثـر! وتراني واثق بكلامي.
عمومًا ، صبّحنا عليك قبل المسا، وحابب أقولك ودي أستفتح مساك بصوتي والموضوع المهم اللي يخص إلين، أعتذر! أسلوبي دفش شوي .. بس وش السواة؟
بتّصل عليك عالساعة 1 الظهر ، أتمنى ترد، لأن الموضوع يهمك أنت في المقـام الأول بما أنك بمقام أبوها .. مع السلامة )
تلك الرسـالة، وصلته في السـاعة الحاديةَ عشرة والنصف، والآن! أصبحت الساعة هي الواحدةُ إلا عشرًا أو أقل، هاهو يقرأها للمرة الخامسـةِ ربما أو أكثر! لا يُهم، قرأها عديدًا، وبتوجسٍ وربكة! ما الذي يخفيه ذلكَ الشـاب - الدميمُ خلقيًا -! هل بقيَ شيءٌ لم أعرفهُ وكما يقُول " الأهم "؟ وما المعنى من " بتشوفني قدامك قد شعر راسك "؟ هل ينقصهُ أيضًا أمـام هذا الكره المقيتِ له؟
عضَّ شفتهُ بحنقٍ وانسحبَ عن تلكَ الرسـالة، زفَر بتوترِ الدقائق الباقيـةِ قبل اتّصـاله، سيخرج من المنزل، سيُحادثهُ خارجًا! لا يدري لمَ! لكن التوجس الذي أصابه وحديثُ أدهم يخبره بأن الموضوعُ مُرهق، معقد، يتجاوزُ كل السابقِ وقد لا يمسك زمام أعصابه فيصرخَ شتمًا ولعنًا له!
تحرّك باتّجاه بابِ الغرفـةِ حتى يفتحهُ ويخرج، مُشتتٌ قليلًا بعدَ تلكَ الرسـالة، هل يتجاهلهُ ويغضُّ الطـرف عن مصيبةٍ قد تحل؟ هل يمضي جاهلًا؟ أفضلُ من صدمةٍ أخرى ستزيدُ من وجعه والثقلُ الذي على كتفيه؟ . . عقدَ حاجبيه، هو الذي لا يستطيعُ وضع عينيه في عيني إلين حتى الآن! لا يستطيع! يخاف أن تقرأ الحقيقةَ في عينيه وتنهـار، يخاف عليها من حقيقةٍ كهذه! فكيف إن حمِلَ مصيبةً أخرى واعترافًا آخر؟
عضَّ شفتهُ وأمضى بترددٍ قد يتراجعُ بعده! لكنَّ صوت هديل المنادي لاسمهِ من غرفة إلين التي تجاوزها ولم ينتبه لبابها المفتوح دفعهُ ليتراجعَ ويدخل، قطّب جبينه وهو يراها جالسةً فوقَ السرير تنفخُ فمها بقهر، بينما هديل تقف ويدها على ذقنها بينما ضحكةٌ تتراقصُ بين شفتيها لكنها تخنقها بصعوبة. لفظ باستنكـار : وش فيه؟
نظرت إليه هديل لتبتسم ابتسامةً كبيرة وتهتفَ بضحكة : أبد الله يسلمك بس نبيك تحكم بيننا بالعدل ، وهاه ترى ويلٌ لقاضي الأرض من قاضي السماء يا ويلك لو تظلم!
ابتسم بحيرة : طيب ، وش السالفة؟
هديل بمرح : أبد دخلت عليها وقريت سورة الناس بكل صوتي عندها وهي جتها سكتة مؤقتة من الصدمة
عبدالله : بسم الله عليها ، طيب وش السبب؟
هديل بضحكة : قراءتي لسورة الناس يعني اني ختمت القرآن وفزت عليها ، عاد شوف وضعية الصنم اللي أخذتها ، شوي وتبكي!
إلين بقهرٍ ترفعُ حاجبيها وتنفخ الهواءَ من فمها : الصنم ما يبكي
هديل تحرّك يدها في الهواء دونَ مبالاةٍ ونظراتها لم تتجه إليها بل معلقةٌ بوالدها : ما علينا .. المهم يا طويل العمر ، بعد ما شفتها تحنّطت قدامي من حرَّ الهزيمة ضحكت عليها وقلتلها أمزح ما بعد خلصت توني في الجزء 26 هاه هاه هاه! المهم اني قلتلها كذا وبدل ما تروح حالة التحنيط ذي توسّعت عيونها ونقزت لي تقول ضفدع وهي تنقنق كذابة ما قريتي! كذابة قاعدة تقرين بسرعة ، طبعًا نسلك لعقلها المضروب انه ما حدد قريت أو ما قريت! . . عمومًا احكم بالعدل أيها القاضي ترضى انها تقذف صِدق مُحصن بالكذب؟
رفعَ عبدالله حاجبيه بصمت، في حين ابتسمت هديل ببراءة وصدّت إلين تنظُر لخاتمٍ في اصبعها وتزفُر بحنق. هديل بابتسامة : هاه يا طويل العمر وش تقول؟
عبدالله يتحرّك خطواتٍ قصيرةً للخلفِ ليخرج في النهاية تحت أنطار هديل المذهولة من تجاهله وهو يهتف بحدةٍ تصل إليهم : الحين هذي سالفتكم اللي موقفيني عشانها؟ والله من كثر الفضاوة أقول روحي بس قابلي دروسك وافلحي بدل المناقر والكذب
اتّسعت عيناها وفغرت فمها في حين انفجَرت إلين ضاحكـة وصوتها ينبعثُ إليها بكلماتٍ مستفزة ساخرة لهديل التي نفخت فمها واتّجهت إليها لتنتشل وسادةً وتضربها بها، وكانت تلكَ الضحكـة الصاخبـة تصله! على بعد خطوات، تصله جيدًا، وتُصيب قلبهُ بانقباضاتٍ مستوجعة.


بعد دقائق.
توقّفت السيـارة على بُعدٍ يهربُ فيه من ذبذباتِ ضحكتها ذات الموجات الصوتية العاليـة! كانت الساعةُ حينها تشير للواحدةِ وخمسِ دقائق، لم يأتِ اتصال أدهم حتى الآن، حتى المواعيد لا يفقهُ الوفـاء بها!
زفَر بضيق، يتمنى لو يجدُ خصلةً واحدةً حسنَة تخصّه! وإن وجد! هل ستكون تلك الخصلة شفيعةً لخصاله السيئة والتي اندرجت منها قذارته حدَّ أنه خدعَ إلين ليستدرجها إليه؟ أي قبحٍ يحمله؟ وأي قلبٍ فاسدٍ يضخُّ دمهُ ذاك؟ دمهُ الذي يحملُ المعصيـة ولا يحملُ غفرانها!
سلاسُلُ تفكيرٍ لا تنقـطعُ بفعلِ الزمنِ أو ذاتِه، يتعمّقُ في محيطِ تلكَ الطفـلةِ التي قسَى عليها الزمنُ بما يكفي! ويخشى أن تسقط فجأةً وهي حتى الآن لم ترتفع كما يجب! لا زالتْ جافة، لم تلِن بعد، وريحٌ أخرى ستكسرها يا الله! ستكسرها.
قُطعَت تلكَ السلسلةُ برنينِ هاتفه، بلل شفاههُ قبل أن يرفعهُ وينظر لرقـمِ أدهم مطولًا ، مطولًا حتى بعد أن ردَّ عليه وبقيَ معلّقـًا بـ " ألو! ".
من الجهـةِ الأخرى . . كان قد عقَدَ حاجبيْه استنكارًا لعدمِ ردّهِ بالرغم من كونِ أنفاسهِ العنيفة تصلهُ جيدًا، شدَّ على الهاتفِ وهمسَ بحيرةٍ متوترة : ألو! موجود عالخط والا شلون؟
سمعَ تنهيدةً عميقةً خرجَت من أعمقِ منطقةٍ في بركـان مشاعرِه، تنهيدةً كانت حارة! حارقة . . قبل أن يهمسَ بصوتٍ جامدٍ يحملُ في طيّاتِه الحقد الكثير له : موجود . . وش عندك؟
أدهم يبتسم ابتسامةً أبعدَ ما تكون عن مكنونيتها : ليش منفّس طيب؟ عمري ما حاكيتك وكنت رايق!
عبدالله بسخرية : وعمري ما حاكيتك وحسيت إني أحكي مع إنسان مؤدب!
أدهم ببرود : افا! أنا قليل أدب؟
عبدالله بعنف : معدوم أدب إذا بنكون صريحين
ابتسم أدهم بسخريةٍ ومكيّفُ سيارته يشعر أنّ هواءهُ يختلطُ بحرارةِ الأجـواءِ ولا يُسعفه ليبرّد جسده المُشتعِل. لفظَ بخفُوت : واضح إني مرة طايح من عينك، ما فيه مجال نرتفع؟
عبدالله : ياليت! بس ما ظني فيه ، أنت اختزلت كل السلبيات فيك
أدهم بابتسامةٍ تلتوي سخريةً على نفسه : كل إنسان فيه السلبيات والإيجابيات
عبدالله : وأنا عمري ما سمعت عن مخلوق ما يملك إيجابية وحدة! وهالشيء وللعجَب كان فيك !
عضَّ شفته يكتمُ ضحكةً ساخرةً متأسيةً على تلكَ النظرةِ الفادحـة تجاهه، وبخفوتٍ يلملمُ خلفها خيبة : ما يغفر لي كوني علّمتك بالماضي؟
عبدالله : هذا بعيد عن كونه خطوة إيجابية منك ، هذا واجب فقط وأديته مُرغم! أعتقد لو بيدك كنت كمّلت على كذبتك لين ما تنهيها! يا الله وش كثر أنت إنسان ما تنوصف سيئاته.
أدهم : تكرهني؟
عبدالله بسخرية : بعيد الموضوع عن الكره ، مين أنت أصلًا عشان أكرهك؟ أنت نكرة مالك مكان !
أدهم دُون تردد : طيب لو بغيت أتقرّب من حضرتكم ونقتل هالكره بأني أتقدم لإلين وأسعدها؟
وقعَ طلبهُ كالصاعقة التي أصابت جسده وأحرقته، كموجٍ عاتِي تغلّب على مقاومتِه وأغرقـه .. اتّسعت عيناه بصدمةٍ ونفُور، وعقلهُ يُحاول تقليب ما قالَ على صفيحةِ الإستيعاب، يُريد أن يتزوجها؟ هل هذا ما قصدهُ بـ " أتقدم "؟ أم أن عقله استمعَ خطأً لحديثٍ لم يُقال، لحديثٍ يُدرك أنه سيُصيبه بجنونٍ قد يقتله.
بينما هتفَ أدهم بنبرةٍ قويّةٍ في حينِ غابَ صوتُ عبدالله لثوانٍ طالت : أيه أبيها ، إذا كنت طايح من عينك عشاني كنت أستدرجها مثل ما تظن فأنا ودي أعدل هالصورة بزواجي منها.
ارتعشَت شفاهُ عبدالله وعينيه تحمرّان بغضبٍ من وقاحـة هذا الطلب الذي لا يجدُ لهُ قاموسًا أو مكانًا منطقي! أويتجرّأ؟ يطلبها منه؟ يطلبها بكلِّ وقاحـةٍ وكأنّه لم يقُم بشيء؟ لم ينوي تجاهها بنيةٍ سيئة؟ وكأنّه يمتلك صفاتًا حميدة تسمحُ لهُ بالزواجِ أصلًا!!
عضَّ شفتهُ بغضبٍ واشتدّت كفهُ على الهاتفِ بينما دوى صوتهُ بغضبٍ عارمٍ هاجَم أذنهُ ليسبيها خلفَ غضبانِ الضجيج : يا وقح!! تخسي وتعقب تطلبها مني بكل بساطة يا كلب!!!
أدهم بنبرةٍ ساخرة : عاد ما أدري إذا يصير نقولك أنت هالكلمة بس ترى بصير نسيبكم عن قريب يعني ما ينفع تشتمني كذا! هذا إذا كان الرضـاع يعطي مجال واسع لك.
عبدالله بحنق : والله لو تبطي ما تاخذها يا وقح! أنا أهبل أسلمها لك؟
أدهم باستفزازٍ بعد كلماتِ عبدالله : لا تحلف ترى بتكفر
عبدالله وبدأت يدهُ ترتعشُ إثر انفعالـه، يتمنى لو أنه أمامـه ليسحقْ عنقهُ بقبضتيه، تحرّك جسدهُ باضطرابٍ فوقَ المقعدِ وامتدّت يدهُ دونَ شعورٍ للتكيفِ حتى يضاعفهُ أكثر والحرُّ يهاجـمُ جسدهُ بضراوة، صوتُ صراخ طفلةٍ في الشـارع، ومزاميرُ تعوي، صوتُ مواءِ قطّةٍ وكل الأصـواتِ تتداخل ولا يستوعبُ منها سوى صوتِ أدهم وطلبهِ وحديثهِ المجنون! المستفزّ لرغبـة القتلِ فيه.
قبضَ يدهُ المرتعشَة وانبثقَ صوتُه من عمقِ الغضبِ وهو يهتفُ بجنون ؛ أنت تظن كونها مكفُولة أو لقيطة على الوجه الصحيح قدام الناس بيوقف نصيبها؟ تظن مالها ناس تحكي فيها؟ مالها ناس يمدحون أخلاقها ؟ تظن إن نصيبها واقف لدرجة إني أفقد الأمـل أو هي تفقده ونوافق على واحد مثلك!!!
أدهم بابتسامةٍ مجنونة : صدّقني ما تصير لغيري وأحلف لك بالثلاث بعد.
جنّ جنونهُ لثقته المتضمنة في كلماتـه ولقسَمِه، لذا صرخَ بعنفٍ حانق : بالغ في الحلوف بس نذرًا عليْ ما تمس منها شعره!
ارتعشَت شفاهُ أدهم وانتفضَت يدهُ انفعالًا وقلبهُ ينبضُ بسرعةٍ مجنونة! بسرعةٍ تسابقُ أفكـارهُ وكلماته، تسابقُ الزمن وتخترقهُ بمشـاعرَ تنتفض! تحترقُ كجمرةٍ لو وضعَت في بحرٍ لأشعلتهُ وأحالتـهُ بخارًا! لا نـارَ كنـارها، تحرقُ كل شيء! حتى عظامي وأضلعي تتآكلُ بنارها، تتآكل - بلذاذةٍ - مهما آلمتهُ إلا أنهُ يدمنها. ابتسمَ ابتسامـةً واسعة، أيُطلقُ نذرًا لن يفي بِه مهما تفانى في ذلك؟ لا يُدرك شيئًا! لا يدرك شيئًا ويقُول بأنها ستكُون لسواه؟ فليحـاول، فليحـاول ذلك ليجدَ أنيابهُ تخترقُ كلَّ من قد يفكّر بأخذها مني.
أدهم بثقة، بكلماتٍ حادةٍ تشقُّ السكُونَ بنصلها، بكلماتٍ تشوّهُ الضجيجَ من حولهُ وصوتَ الفحيحِ الذي عانقَ الأجـواء الدافئة خارجًا، الهواءُ ساكنٌ على نافذتِه، يترسّبُ ويشتعلُ بهذهِ الحرارة، اجتمعَت حرارةُ الأجواءِ وجمرةٌ في صدره بمشاركةِ كلماته، وأحـالت كل هواءٍ إلى زمهرير! : تنذر؟ صدقني بتكفر على نذرك المتهور ... تنذر؟ وأنت أساسًا ما تدري إني زوجها وباخذها رضيت والا انرضيت؟!!

.

.

.

انــتــهــى

عساه بس كان ممتع لعيونكم الحلوة :$$ نقُول لهالنقطـة وورى وبالبارت الجاي ويمكن لخمس بعد بتكون الأحداث مُستثارة كما لم تُستثَر من قبل :D

وحاليًا أطلب منكم الإذن بالتأخر شوي بالبارت الجـاي، عندي امتحان يوم الأحد والله الشاهد ما قد ذاكرت منه شيء وهو يبيله أقل شيء أسبوع للمذاكرة :( عشان كذا بضغط نفسي شوي خصوصًا إن هالمادة جبت العيد فيها بالإمتحان الأول ولازم أعوض الحين
موعدنا إن شاء الله بيكون يوم الخميس ، وأتمنى منكم العذر والسموحة جعل ربي يسعدكم ويوفق الممتحنين منكم :""""


ودمتم بخير / كَيــدْ !


فتاة طيبة 18-11-15 01:42 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
الله يوفقك ياكيد في اختباراتك معذورة حبيبتي خذي راحتك .

bluemay 18-11-15 08:16 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
معذورة وربي يوفقك وتجيبي علامة ممتازة فيها




بارت دسسسم فعلا ...


حزنت لديما وخيبتها


وضحكت مع اسيل ومشاغبة زوجها



و وقف قلبي مع اعتراف ادهم ...


واو بصراحة مشمتخيلة اشلون اتزوجها !!! بس من كللل قلللبي بتمنى يتم زواجهم وانه يقدر يعوضها ويسعدها .



رائعة هنودتي ومتشوقة كتير للجاي لك ودي


○° الله أغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله ، وأوله وآخره ، وعلانتيته وسره .°○

أبها 18-11-15 01:40 PM

الله يفتح عليك يا كيد ويوفقك ..سهالات بإذن الله .
لي عودة باذن الله للتعليق

أبها 19-11-15 04:35 PM

ماشاءالله تبارك الله ..تسلم يمينك وكلك يا كيد ..

كالعادة جزئية رائعة تناولت تقريبا جميعا الشخصيات ..

المهم فيها هو سبب مقتل فهد أنه كان متعاون مع المباحث
في كشفه لأوراق العصابة ..
ملف الرازن الذي يخص سعود الرازن المدبر الأكبر لتلك
العصابة من خارج المملكة ..
لذلك كان تميم يحاول أن يستفز سلطان برسائلة
التي كانت نوعا من التهديد المبطن ..شطحت وللا صح 😄

والمفاجأة الكبرى في الجزء هو زواج ادهم من إلين !!!😳
كيف ومتى ولماذا ؟؟
كيد ..هل هذه خدعة أخرى من أدهم ؟
إذا كان متزوج فعلا منها لماذا لم يخبر عبدالله منذ البداية؟
كان وفّر على نفسه تلك المصادمة معه !
لماذا أخبر عن نفسه أسوء جزئية في حياته وهي محاولة
خداع إلين بأنه أخاها ؟ هو من شوّه صورته بنفسه
فهل ينتظر بعد ذلك أن يتقبله عبدالله زوجاً لإلين !!

ديما ..صدمتك أكبر من احتمالك . أليس كذلك ؟
استبعد فعلا أن يرد سيف بثينة بعد أن شاهد الفرق
الشاسع بين شخصية ديما وبثينة ؟ ( شيبي من وجع الراس ؟)

يعطيك العافية أختي كيد
وموفقة بإذن الله .
🍃🌸🍃

فيفي سولى 20-11-15 03:29 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
فين الباقى من الرواية ماتشوقونا

كَيــدْ 26-11-15 06:45 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 


-
-

السلام عليكم ورحمة الله
مساء السعادة والفرح والويكند الجميل :$ شايفين كم مرة أنسى وأحط البارت يوم الخميس مع إنه اليوم اللي المفترض أرتاح فيه؟ طبعًا لعيونكم سحبنا اليوم على الجامعة وشبعنا نوم - مسويّتكم عذرها وهي ما صدقت على الله - :P

بالنسبة لبـارتنا اللزيز، غرقت فيه ونسيت أهذر على راسكم عشان أأكد لكم الميعـاد اليوم، نتلاقى بآخر الليل ببارت يحمل ماضي خطير عن أدهم وإلين، للحين لازلت أكمله وحسيت إني طوّلت عند أدهم O_o هالولد مُشاكس حتى في الكتابة :/
ماعليه انتظروني يا حلوين :"" + حبيت تعليق نانو دلع على إنه انحصر بمجموعة محددة من الأبطال بس دخل قلبي () شكرًا لتواجدك اللذيذ يا جميلة :$ والمزيونة Ar_m ! القصيدة أتعب وأنا أقول مهلكة! تدرين إني انفتنت وتأثّرت بجمالها؟ حسيتها فعلًا تحاكي حال يوسف، اليوم بحطها مدخل للبـارت عشان الكل يشوف جمالها (())

مشمشه ، معليش حبيبتي ممكن تعطيني الفتوى؟ بحثت وكل اللي قريته إنها ما تجوز بس باقي أبحث عشان أتأكد من مفتين أكثر ثقة.

Shid||| حابة أقولك ابعدي فكرة إن سلمان أبو سلطان، هو ولد فهد مافيه شك بهالشيء وسلمان فقط رباه ، أما بالنسبة لجنان فموضوع التبني ما أحب أستخدمه برواياتي لأنه ببساطة حرام فهي بنته فعلًا ماهو متبنيها أو شيء من هالقليل.

أبها ، ما تستعجليش على رزقك أكيد بيتوضح كل شيء عن زواج أدهم وإلين :) هالولد مو قايلة لكم مُشاكس؟


دمتم بخير وبسعادة وعسى أيامكم كلها فرح كثر ما تسعدوني ()


كَيــدْ 27-11-15 12:22 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعـة ورضا من الرحمـن
إن شاء الله تكونون بألف صحّة وعافية


جالسة أراجع البارت وعيوني مقفلة للمعلومية فقط، ما انتهيت من المراجعة للحين فقلت أنزل اللي خلصتهم عشان أجبر نفسي على التكملة وما أنـام من غير لا أحس - وهذا خوفي حاليًا - :/ لذلك كل جزء والثاني ممكن يتأخرون عن بعض :( معليش يعني :" + بارت اليوم كنت منتظرته من زمــان ومن البارتات اللي بتنكشف فيها إحدى أوراق الروايـة ويبدغ جزء من الماضـي - التعيس :( فعسى تكون القراءة ممتعة لكم ()


بسم الله نبدأ
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات

+ هالقصيدة الجميلة من اختيـار الحلوة Ar_m وصفًا لحال يوسف، - آي لوفد ات - !! جدًا جميلة وحبيتها وشفت فيها يوسف وحُزنه فعلًا، اقرأوها واستمتعوا بكل كلمة فيها ()


أبُـنيّتي..
يا زهرةَ الأيامِ
يا عطرَ الربيعْ
كم قد حملتكِ في يدِي
كالحُلمِ
كالأملِ الوديعْ
أبُـنيّتي..
يا فرحةَ الوجدانِ يا ريحانتي
تترنّحُ اللحظاتُ في صدري
ويخنقني الأسى..
فلكَم تعبتُ من الحياةِ
فإنْ نظرتُ إليك ألقى
في جواركِ راحتي
كم داعبتْ
عينايَ عينكِ طفلةً
كم قد نسيتُ لأجلِ
ضحكتكِ الجميلة ذاتي
ولطالما أخفيتُ عنك مدامعي
وتداعت الأوجاعُ فيّ لِكي أرى
إشراقَ وجهك في الصباح الآتي
والآن هدّ العمرُ أيامي
فصرتُ على العصا متوكئًا..
لكنني رغم انقضاءِ العُمرِ لن أنساكِ
أبُـنيّتي..
مازلتِ في عينيّ أجملَ طفلةٍ
أتُرى إذا جنّ الزمانُ حبيبتي
وقسى عليّ العُمرُ
وانطفأ الحنانُ بساحتي..
بالله من يحنو عليّ سواكِ



(60)






تعبـرُ بعض الكلمـات الأذان فتخرقها، وأخرى تداعبُ الصدورَ بوحشيةٍ جارحـة، وإن كانت الكلمات مجنونةً ستكُون وحشيتها أضعافًا مضاعفـة، لا تُصدّقُ بالمعنى الفعلي.
لازال يتذكر ذلك اليومَ كما لو أنه لم يمضي عليه أربعةَ عشرَ عامًا، كما لو أنّه كان الأمس أو اللحظـة التي سبقَت الآن، كما لو أنّه كان الآن!
كان عُمرها ثمانيـةَ أعوامٍ بحسبِ ما أوردتهُ شهـادةُ ميلادِ " نجلاء "! كيف أنه اندفعَ بجنون، وخُدع بسهولةٍ من والدها، لازال يتذكّر تلك اللحظـات وتهوّره الذي بالرغم من جنونهِ إلا أنّه التهور الأجمـل في تاريخِ تهوّره كلّه، ذاك التهوّر الذي ضمّها إلى اسمه وعانقَ بأهدابهِ أحلامهِ معها ليُصدمَ بواقعٍ جعلهُ يفتحُ عينيهِ باتساعهما وتسقط!
" للحين أنت زوجها؟ "، وكأنّ هذا السؤال حلمٌ يزاورهُ في كلِّ منامٍ ولا يتركـه، منذُ ألقتـهُ سهى عليه وضـاع الجوابُ في حنجرته حتى أدركَهُ ولم يتركه، ليسَ هوَ من نسي، لكنّه تناسـى لسنينٍ هذا الأمــر وطـواهُ في طيّ النسيـان بكل أنانيـة، بكل جنونٍ بعد أن كـاد يؤذيها أو على الأحـرى آذاها.
شُقَّت الكلمـاتُ والخواطر الداخلية بصرخـةٍ غاضبةٍ جاءته من عبدالله الذي حمّل كل الغضب في صدره ونبرتِه الحـادة، بنبرةٍ كانت منذ الأسـاسِ بركانًا والآن انفجَر بحديثهِ ذاك : لااا تجاوزت حدودك! أنت شلون مخلوووق؟ وش تحس فيه بالضبط !! وتسأل بعد إذا فيه إمكانية تتغيّر نظرتي تجاهك؟ ما أقول غير الله يخلف على من ربّاك ، تفوووو على رجَاجيل مثلك.
تنفّس بانفعالٍ وهو يفتحُ بابَ سيارتهِ وينزلُ غاضبًا ليُردف بصرخة : زواج بإلين احلم فيه سامع، ومسألة إنك زوجها فوالله بكسر راسك بغيرك وهذاني أحلف لك ، والحين يا تنثبر بعيد عني وتقفل يا تدخل بالموضوع اللي طلبت مني احاكيك عشانه ، هذا إذا كان فيه موضوع أصلًا!!
صمتٌ أطبقَ على أدهم من الجهةِ الأخرى وهو يعقدُ حاجبيه قليلًا ويبتسم ابتسامةً ضيّقـة تحملُ أوزارَ الأسى، وبهدوءٍ ساخرٍ من حالـه : هذا هو موضوعي يا * بسخريةٍ لاذعة * عمي . . خلني أرجع أفتح الموضوع لك بمقدمة ممكن تعطيك مجال عشان تستوعب . . أنا ، أدهم ، ولد عبدالله السامي ، عمري كلّه ما قرّبت الحرام ، أو حتى فكّرت مجرد تفكير فيه! ولك تربط بين كلامي من شوي وكلامي الحين . . أعطيك خمس دقايق تستوعب؟!
عقدةُ حاجبين، وتجعيدةٌ تسكُن بينهما، يُغلقُ بابَ السيـارةِ من خلفه، واليدُ الأخرى تشدُّ على الهاتفِ بتوجسٍ من حديثه الذي لم يفهم منه شيئًا إلا أنّه قرأ الخطـر فيه، لذا خرج صوته حادًا لم يتخلى عن غضبه : لا تتكلم بالألغاز!!
أدهم بابتسامةٍ باردة : أنا متزوج إلين ، من 14 سنة ولا أذكر عاد إني طلقتها عشان تقدر تكسر راسي بغيري وتزوّجها !!


،


: غريبة متّصلة عليْ من رقمك السعودي
أرجـوان تبتسمُ والعمارة التي تقطنُ فيها صديقتها مروى تتراءى أمامها، بللت شفتيها قبل أن تهتفَ بشوق : حزري
شهقت مروى بقوةٍ من الجهة الأخرى : لاااا تقووولين؟!!!
أرجوان : همممم
مروى بصرخة : رجعتِ للريــاض ؟!!
أرجوان بابتسامةٍ سعيدة وكأنها لم تستوعب بعد أنها عادت لتشمَّ عبيرَ هذهِ الأرض : أيه ، شاركناك في أرضها
مروى بسعادةٍ وهي تتحرّك حول سريرها وتكادُ تختنقُ أحرفها بضغطها على فمها بكفها : يا بختها هالأرض يا بختها ، يا حيَّ هالصوت اللي يكلمني منها، اشتقنا والله اشتاقت الريـاض
ضحكَت أرجوان بصخبٍ ليبتسم يوسف وينظر ناحيتها : والله هالشوق عندي مستفحل ، ضاقت فيني بروكسيل أحسني كرهتها مع إني عِشت نص حياتِي فيها!
مروى : ييييع مافي وجه مقارنة أصلًا ، ما تتقارن أي أرض بأرضِك اللي تنتمين فيها
أرجوان : وأنتِ الصادقة * ابتسمَت بحماس * يلا أنا عند عمارتكم بالضبط شوي وتلاقيني قدام بابكم
شهقت مروى بصدمة : كذاااابة
لم تنهي كلمتها إلا وهي تركض خارجَ غرفتها إلى الباب الخارجِي حتى تنتظر، في حينِ ابتسمت أرجوان بتوترٍ لتهمسَ بخفوت : بسلم بس وبمشي ماراح أدخل حتى
مروى تعقدُ حاجبيها : ليه؟ أكيد مو على كيفك ما تدرين وش كثر مشتاقة لك وقلبي يضرب بقوة ماني مستوعبة إنك في الرياض
أرجوان بتوترٍ تُخفضُ صوتها : معليش مروى بس أسلّم من عند الباب وبمشي
فقدت مروى ابتسامتها وتضاعفت انعقادةُ حاجبيها بشك، لتهمس بهدوءٍ ظاهري : لا يكون بسبب اللي سوّاه جويسم بآخر مرة زرتيني فيها قبل لا تسافرين! اصدميني وقولي تأثرتِ من حكيه؟
أرجوان بحزنٍ تهمسُ وصوتها تخشى أن يصل لمسامعِ والدها : نحكي بعدين
توقّفت السيـارة لتبتسمَ أرجوان ببهوتٍ وتنظر لوالدها : ماني متأخرة
يوسف بابتسامةٍ حنونة : أنتظرك
فتحَت باب السيـارة ومن ثمَّ أغلقتهُ وهي تستمعُ لكلمات مروى الغاضبـة والعاتبة : ما عليك منه ، والله العظيم حتى أبوي هاوشه لما علمته !! هذا متخلف رجعي وش لك من حكِيه؟
أرجوان تزدردُ ريقها لتهتفَ بعتبٍ وهي تتجاوزُ بوابة العمـارة : ما عليه هو ما ينلام على حكيه! أنتِ تتوقعين أنه بيكون أول واحد وآخر واحد يغلط علي وعلينا كلنا عمومًا عشان سالفة أمي؟ هذي البداية يا مروى ، وكوني رجعت لبيئتي فأنا مستعدة لأكثَر من كِذا، هيأت نفسيتي لكل كلمة ممكن تجيني من الناس حولي ، ما عدت في بروكسيل! أنا رجعت، ومرّات الهرب صدق زين.
مروى تعضُّ شفتها وشتائمُ كادت تخرج من بينهما تجاه أخيها الذي لازالت تستذكر كلَّ كلماتِه قبل أشهر، كلَّ كلماته التي تعمّد أن يرفع فيها صوتهُ حتى تصلها.
توقّفت أرجـوان عند البابِ لتبتسمَ ابتسامةً واسعـةً وتهتف : الباب كأنه اليوم يلمع بزيادة؟
مروى تفتح الباب من الجهةِ الأخرى وتضحكُ لتلتمعَ عيناها برؤيتها، ودونَ أن تُنزل الهاتفَ من أذنها أو تغلق : لمعة عيُونك من الفرح أكيد
أرجوان تُخفضُ هاتفها، تلتمعُ عيناها بشدةِ الشوقِ الجارف وبشدةِ البُعد الذي نمى ولا تقواه، عضّت شفتها لتطأ على شهقةٍ لامست فمها وحشرتها قبل أن تخرج، سكنتْ الرعشةُ أطرافها وأبحرت الغصّة فوقَ نبرتها لتخفتَ بشدةٍ وهي تخرج محملةً باسمِها في صورةِ اشتيـاق : مروى!
مروى بغصة : ادخلي جعلني بحّة بس ، ما أقدر أضمك من هنا درءً للفضايـح
ابتسمَت من بينِ دمُوعها لتدخلَ وتتجاوزَ البابَ بخطواتٍ بسيطة، دفعتهُ مروى بقدمها دونَ مبالاةٍ بهِ لتتعلّق أخيرًا بعنقها وتبكي دونَ إرادةٍ منها بعد أن وجَدت أن الدمعَ هو المنفذُ الوحيد ليشرحَ للالتقـاءِ مدى عظمته.


،


في وقتٍ سابق
لازالت الكلماتُ تنكسرُ عند مفترقِ شفتيه وتُمحَق، عقلهُ دار في دوامةٍ لا قرار لها، صدرهُ تحشرجَت فيه الأنفـاس ليجد أطرافهُ ترتعشُ وهو ينظر للأمـامِ ببهوتٍ وحرارةُ الشارع الشبه خاوٍ في هذا الوقت تسلخُ استيعابه عن عقله، تُشكِّلُ حاحبيه في عقده، وتصبّ في رمشِه ذوبـانَ كلماتِه لتتساقطْ.
ماذا يقُول؟ وكأنّ الذي يُقـال الآن يُمكن أن يُقـال؟ وكأنّه سيصدّقه أصلًا؟ سيصدق هذهِ الكلمـات المجنونة، كيف يتمادى بهذا الشكل؟ أين لهُ أن يصعد أكثر في قذارتهِ وهو اعتلا المنابِر؟ . . تنفّس مضطربًا غاضبًا، وارتفعَت كفّه اليسرى ليمسحَ على رأسهُ ويُنزل شماغهُ ومن ثمّ تراجعَ ظهرهُ أخيرًا ليتكئ على بابِ السيـارة، وبخفوتٍ متقرّف : ما عاد بقى قاع أدنى من اللي أنت فيه، وين تبي توصل بعَد؟
أدهم يعضُّ شفتهُ من الطرفِ الآخر ويتراجع بظهرهِ للخلف، همس بصوتٍ أجش بعيدًا عن نبرتِه الساخـرة وهو يغطّي أحداقهُ الملتمعة بأهدابِه في انخفاضـةِ جفنٍ كأوراقٍ سقطَ عليها الندى، أوراقٌ ذهبيةٌ يابسة لن يساعد الندى سوى في كسرها، : وصّلني للي تبيه ، بس للحين أذكر كل شيء! كل شيء ، من عيشتي لثمانية سنين من بعد روحتها عن بيتنا واللي كنت خلالها أظنها ببيت أبُوها! ما دريت وش صـار لها .. من اليوم اللي رحت فيه لبيت هذاك الأبو وصـار بيننا هواش ، انتهى بأني طلبت يد بنت عمرها 8 سنين! متخيل؟ كل اللي أعرفه وقتها اني انجنيت، كنت أشوف في عيُون أبوها كره لها وكنت متأكد ميّة بالمية إن حياتها عنده تعيسة . . .
قاطعـهُ عبدالله بصرخةٍ مذهولة وهو يفتح عينيه على اتّساعهما : بــــس يا ولــد كافي تلفيق وتأليف!! * بغضبٍ أردف * أنت انسان مُقرف! وصلت فيك لهِنا!! أسـ ...
قاطعهُ أدهم باسمًا بثقة : ما أألف ، ما وصلت لهالنقطة من الخيـال! أنا انسان أحب أعيش في الخيال لعلمك، بس ما أجسّده واقعيًا للي قدامي ، ولا أعرف أألف !!
عبدالله برعشـة : أنت مجنون! منتبه وش قاعد تقولي؟! زوجهــا!! أي لعبة ذي؟
أدهم : ما ألعب ، قد قلتها لك وبكررها ، عمري ما قربت الحرام أو فكرت فيه مجرد تفكير
ارتعشَت أطرافُ عبدالله أكثر، وتشنّجت شفاههُ ليسحبَ السُفلى منها لفمهِ بلسانه، وكأنّه وقعَ في حفرةِ جنونٍ ليخترقهُ صوتُ أدهم بكلماتهِ هذه من كل صوب، هذا جنون! جنــونٌ لا يُصدَّق، كيف قد يأتِي بقصةٍ كهذه! كيف يكُون زوجها؟ كيفَ ينتفضُ الآن خوفًا من نبرةِ أدهم الواثقـة وكلماته؟ . . عضَّ شفتهُ بانفعالٍ قبل أن يزدردَ ريقه بصعوبةٍ وكأنّ كل ما قالهُ أدهم انحشرَ في حنجرته، وبنبرةٍ انخفضَت حدّتها وكأنّه يرجوه أن يتوقف : مهما كان اللي تبيه ، لا توصل هِنا!
زفَر أدهم من الجهةِ الأخرى وتقدّم بجسدهِ للأمامِ قليلًا وهو ينظُر للطريقِ الساكنِ فيهِ كلُّ شيءٍ عدا هواءٌ ساخنٌ أشبه بلفحةِ جحيم، ابتسم ابتسامةً ضيّقةً وتراقصَت صورةُ ذلك اليومِ على نبرتِه التي هدأت من سخريتها : عارف إن اللي قلته لك جنون ، منت مصدق؟ أدري ، بس أقدر أثبت لك بعقد الزواج نفسه اللي تكامل بولي أمرها والشهود، زواجي كان بنجلاء، ماهو بإلين ، بس ما أظنّك بتوصل بكرهك لي إنّك تحط فوارق وتخلّي نجلاء شخص وإلين شخص . . أنت وضميرك وخوفك من الله عاد.
شعرَ برأسهِ يكـادُ ينفجرُ مع كلماتِه الأخيرة والتي نطقها ببرودٍ قاتـل، تحشرجَتْ الكلماتُ في حلقهِ وتوتّرت حبالهُ الصوتيـة، لو أنّ الكلمـاتَ تقتل لربما أودتهُ طريحًا الآن، لو أنّ الكلمات تقتل لكان الحق في القتل سيكُون لكلماتِ أدهم فقط، حتى وإن كانت كاذبة! خروجها من بين شفتيه كافٍ ليُديرهُ في إعصـارٍ أهوجَ من الأفكـارِ حتى يُطيحَ به.
لم يكُن الإعصـارُ في داخِلهِ فقط، بل كانَ أشدَّ في أدهم، صوتُه البارد، نبرته الساخرة، نظراتهُ التائهةُ في الأمـام، كلّ ذلكَ صورةٌ عكسيةٌ كاذبـة، فهو يشتطُّ في داخله بانفعالٍ يجعلُ الأنفـاس لا تكفيه ليتوازن، تكادُ حرارةُ رأسـه ترتفعُ لينفجرَ في ثرثرةٍ عن مشاعـرَ سكنتهُ وظنّها ماتت، عن الظلمِ الكبيرِ الذي عاشْت به، الظلمُ أكبر منه! آذاها كثيرًا، آذاها في صورةِ زواجٍ مجهولٍ لم تعرف عنه شيئًا، وبقيَت الأقدار تصفُّ بجانبهِ لأربع عشرة سنـة، ماذا لو أنّها تزوّجت وحمل ذنبًا عظيمًا على كتفيه؟ وكأنّه سيسمحُ بذلك! مهما أقنـع نفسه لسنينٍ أنّه لم يعُد يبالي بها إلا أنه رغمًا عنه كان يراقبُ كل تفاصيل حياتها وإن لم يتعمّق كثيرًا، كان ليعلم إن كـان هنـاك من أرادها زوجةً له، وكـان ليقتلهُ ويصلبه. كان بعيدًا جدًا، يُرغم نفسهُ على البُعد، وفي ذاتِ اللحظة كان قريبًا قربًا لم يسمح لهُ بملامسةِ ظلّها حتى. لازال إلى الآن بعيد، وقريبٌ في ذاتِ اللحظة! لازال الظـالمُ الذي أزهقَ حياتها دونَ أن تدري، لكنّهُ أنانيٌ بها . . سامحيني! على حُبي لك، سامحيني، على أنانيتي بك، على إيذائي لكِ طول تلكَ السنين، على كلِّ لحظةٍ تجاهلت فيها حقيقتكِ بالنسبـةِ لي ولم أُسلّم بأقدارنا معًا، آذيتكِ كثيرًا . . فسامحيني!
يأتيهِ صوتُ عبدالله بهمس، بنبرةٍ هادئةٍ انقشعَ عنها الانفعـالُ وهو يُغمض عينيه : وينك أنت؟
أدهم يبتسمُ بأسى : عشان تذبحني مثلًا وترمّلها؟ لا معليش ماقد عشت حياتِي معها.
عبدالله بذاتِ النبرةِ الهادئة : وينك؟
أدهم يتنهّد : أبيها.
عبدالله بخفوتٍ وهو يشدُّ على أسنانه : بتأكّد أول من حقيقة إنها بنت أحمد الكلب ، ومن بعدها بتأكّد إذا كانت قصّة الزواج حقيقة أو ملفّقة . . وإذا كانت حقيقة تعقب تلمس منها شعرة ، بتطلقها وأنت ما تشوف الدرب.
ابتسم أدهم باستفزازٍ يلتوي بهِ معدته : والله لو تعطيني مال قارون! تدري ، المشكلة اللي مانعتني الحين إنّي أشيلها غصب عنك من بيتك هو إنّ فيه تواجد لنجلاء وبنفس اللحظة لإلين ، نجلاء مالها إثباتات مثل إلين! هي فقط مسجلة كإبنة لأحمد مع شهادة ميلادها ، وإلين عندها هويّة شخصية فيها وهذا اللي بيصعّب السالفة شوي ، لكن صدّقني بتكون لي، بتكون لي لو تقايضها بمال العالم وبكل نساء الأرضْ!
عبدالله بسخرية : نساء الأرض! ومال العالم!! مو كأنّك معطي لنفسك حجم أكبر وأنت ما تتجاوز قدر الحشرة!!
ضحكَ أدهم ضحكةً ميّتة : لا تجرحني كذا ، تراني زوج بنتك.
عبدالله بملامحَ تتعجّن كرهًا له : ما تشرّفها
أدهم بنبرةٍ مستفزة : لو أقولك هي بنفسها راح تفرح وتجيني تصدّقني؟
عبدالله بحنق : ابلع لسانك المعفن ذا.
أدهم يتجاهلُ ويكمل باستفزاز : تراها هربت من بيتك بآخر الليالي وجتني تحتمي فيني ببيتي وهي تظنني أخوها ، شلون لو عرفت إنّي زوجها أصلًا؟!
أردفَ بعبثٍ وهو يستمعُ لأنفاس عبدالله المُنفعلة : أووه على فكرة تراها محلوّة كثير ، فتنتني بجمالها.
صرخ عبدالله وعينيه تحمرّان بقهر : خسييييس! ماراح تلمس منها شعرها ، تبطي يا أدهم ، تبطي.
أدهم يبتسم بتحدٍ وتلاعب : لا تخليني أبدا أفكر بخطة عشان أخطفها ، أنا من غير طايح من عينك ما يضر أشتغل شغل عصابات.
شعر بغضبٍ ناريٍ اعتلا صوتَه . . ليصرخ : عساك بنار جهنم
أدهم ببرودٍ يستفزه وطبعهُ يعُود دائمًا إلى نقطة العنـاد والاستفزاز : ليه منت من كاظمين الغيظ؟ حاول تكون منهم عشان تدخل الجنة من بابهم * لوى فمهُ ليُردف * ولا تدعي عليْ بجهنم ودنا بالفردوس وتكون - نجلاء - زوجتي فيها مثل ماهي زوجتي بالدنيا. * لفظَ باسم نجلاء بتشديدٍ قاصدًا استفزازهُ أكثر *
عبدالله بحنق : صح غلطت عليك لأني ما دعيت لك بالباب اللي لازم تدخله . . عساك من الهاوية يا أدهم.
أدهم : هههههههههههههههه افا عليك والله نبي الجنة صدق.
عبدالله : الجنة للصالحين.
أدهم يبتسمُ ابتسامةً ميتَةً بعد أن قتل ضحكته : ليه أنا طايح من عينك كِذا؟
عبدالله : اسأل نفسك ، اسأل نفسك وراجعها تراك سيء! حيييل سيء وإذا كانت سالفة الزواج صدق فأنت تجاوزت السوء بمراحل ، ومستحيل أخلي زواجك فيها يتم .. بتطلقها وأنت ما تشوف الدرب وهذاني قلتها لك.
أغلقَ الهاتفَ من بعد كلماتهِ تلك ويدهُ تنتفضُ بعُنف، عضَّ زوايـة شفته وجبينه بدأ يتعرق لحرارةِ الأجـواء بعد أن هربَ من الجلوسِ في سيارته التي شعر بأنها تضيقُ عليه وتكبس أنفاسه، والآن ماذا! هل ذاك الجنونُ حقيقي؟ لمَ لا؟ إن صدُق بأنها ابنة ذلك - الأحمد - فلا يستبعد أن يكُون زوّجها في صغرها أيضًا ومن رجُلٍ كأدهم، فالطيور على أشكالها تقع!!
زفَر وهو يمسحُ على وجههِ بكفّه، استدارَ ليفتحَ الباب وهو يلفظُ بهمسٍ والضيقُ والقلقُ يسكنه : يا الله العاقبة الحسنة ، يا الله اجعل كل هالشيء خيال وكذب! لا تكسر ظهري فيها كافي علي اللي قبله!


يُتبــع ..

كَيــدْ 27-11-15 12:46 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 


من جهةٍ أخرى . . استكنَ في سيارتهِ ورأسهُ يتراجعُ للخلفِ ناظرًا للأعلى بشرود، أنا سيء! سيءٌ جدًا وأدرك ذلك، لم أفعل في حياتِي ماهو صالحٌ سوى رجُلٍ يغيبُ في الغُربة وينتظر الخلاص، لم أفعل أي حسنةٍ في حياتِي! أنا سيء، وأؤمن بذلك، لذا فإن قلبًا طاهرًا كقلبها لا أستحقه، لكنّي ألتوي بأفعالي لأحصل عليها قسرًا، لو أنّني أعتمد على حسناتي، على صورةٍ جيدةٍ لي أمامها حتى أظفر بها، ما ظفرت! لذا أنا سأكُون سيء، سأبقى كذلك حتى أحصل عليكِ . . نجلاء!

في إحدى نهاراتِ الصيفِ الحارقَة، ابتدأت رحـلةُ الاشتياقِ في الاندلاعِ بجحيمها في صدرِه، كان عمرهُ يومذاكَ عشرونَ عامًا، غابَت نعومةُ بشرتها ورائحتها الطفولية ثمانِي سنين، يا الله ! كيف تحمّل لهيبَ هذا الشوقِ الذي أذابَ أضلاعـه؟! . . قرّر ، وذهبَ إلى منزل والدها ، لم ينساه! لم ينسى أيَّ شيءٍ عن تفاصيلِها، لكنّها غابَت عن عينيه، ليُصدم فيما بعدُ بحقائقَ أهلكته.

*

بنبرةٍ حانقة : كيف يعني؟ أبي أشوفها.
أحمد يرفعُ حاجبًا وهو يضعُ ساقًا فوقَ أخرى ويجلسُ فوقَ أريكةِ المجلسِ الخارجي الحمراء، ببرود : بأي صفة جايني عشان تشوفها؟!
أدهم باقتضاب : بصفة إنّي عشت معاها لأيـام كأخ!
أحمد يبتسم ومن الواضح أنه يُخفي ضحكته : لا تضحكني! في النهاية اكتشفت إنك مالك فيها صلة صح؟ أجـل ما يصير تشوفها.
عضَّ شفته بغضبٍ واراهُ خلف نبرتهِ المُتشنجة : أفهم إن مقصدك ما يجوز؟ يا شيخ ترى عمرها 8 سنين يعني لا تفكر إنّك بتقنعني بعُذرك.
أحمد : عمرها 8 سنين وحتى وإن كان اثنين منت شايفها ، هي الدنيا سايبة تبي تجبرني تشوف بنتي بعد؟؟
قال - بنتي - بسخريةٍ واضحةٍ وتقرّفٍ ينبعُ من عينيه، لذا اشتعلت عينا أدهم بنارٍ وهو يقبضُ كفيْه بقهر : وليه تقولها كِذا؟
أحمد يرفعُ حاجبيه بتعجّب : وش أقول بعد؟
أدهم بغضب وأفكارٌ عديدة قفزت إلى رأسه لنبرةِ أحمد المزدرئة وهو ينطق تلك الكلمة : إذا منت مبسوط ببنتك فهذي ماهي مشكلة طفلة مثلها هذي مشكلتك وتحلها بينك وبين نفسك ما تطلّعها لها أو للعالم!
أحمد يلوي فمه باستنكارٍ لنبرته تلك، وبسخرية : والله ما بقى إلا بزر يعلمني شلون أتصرف مع هذيك!
أدهم بحدةٍ يعتلي بها صوته : اسمها نجلاء ماهو هذيك.
أحمد ببرود : لا ترفع صوتك ببيتي.
أدهم بنبرةٍ أشد : الله يلعنك أنت وبيتك.
وقفَ أحمد ببرودٍ وهو يبتسم بحقد، كتّف ذراعيه حول صدرهِ ناظرًا إلى عيني أدهم الملتمعةِ بغضب، لينطقَ بهدوء : تفضل برى لو سمحت ، ولا صرت بيوم ولي عليها أو لك عندها حق هنا تقدر تعارضني على أي شيء يخصها * أشار للبـاب بابتسامةٍ ليُردف * تفضل
لم ينهض أدهم من مكانهِ وهو يرمقهُ بحقدٍ ويشد قبضتيه على فخذيه، تساقطَت العديدُ من الأفكـار في رأسه، من الصورِ أمـام حدقتيه عن حياتِها هُنا، كيف تعيش؟ كيف تبتسم؟ كيف تضحك؟ هل تضحكُ وتبتسم أصلًا؟ هل مازالت النعومةُ تقطنها أمْ أن خشونةَ الأيـام كانت حليفها في الثمانِي سنين التي جرَت . . أرعبتهُ فكرة ألّا تكُونَ بخير، لذا ارتبكَ فكّهُ السفلي في رعشةٍ وجفّت حنجرته ليبتلعَ لعابهُ حتى يُبلل مجرى كلماتِه وأنفاسه، وعيناهُ تشتعلان أكثر مرافقةً لنبرتهِ الحـادة والحاقـدةِ بجنون : طيب وإذا قلت لك أبي أصير فعلًا وليّها وأتزوجها !
اتّسعت عينا أحمد بصدمةٍ للحظـات، وجفلَت ملامحهُ محاولًا استيعابَ طلبه، لم يطُل بتعبيرِ الصدمةِ تلك، بل سرعان ما ابتسم والتمعَت عيناهُ بخبثٍ وهو يخفضُ يده التي كانت متوجهةً نحوَ البـابِ ويقتربُ منه لافظًا بنبرةِ مكر : متأكد من اللي تبيه؟
أدهم بثقة : أيه متأكد.
ضحكَ أحمد دونَ أن يستطيع السيطرةَ على سعادته : بتسوي فيني خير يمكن يكون كافي عشان يدخلك الجنة بعد.
شعر بالغضبِ لتصريحه الوقحِ والمباشر بأنّه لا يريدها، لذا وقفَ وهو يلفظُ بنبرةٍ حادة : متى؟
أحمد بابتسامةٍ ماكرة : لو تبي اليوم ما عندي مانع ، بعد العشاء؟!

وتم كلُّ شيء! بلمحِ البصـر تمامًا مثلما زُرعَ فيه الجنون، لا! ليسَ جنونًا، سيكُون أحمقَ إن مثلها بالجنون، هي تستثيرُ الجانبَ المتهوّر فيه، تستثيرُ التهوّر اللذيذَ فقط وهو الذي لطالما كان تهوّره جنُونًا لاذعًا حتى يتوقف عندها لتكُون الحد الفاصل بين اللذّةِ التي تودي بهِ في نعيمٍ بعكسِ اللذاعـةِ التي تُسقطهُ في حفرةِ من جهنم!
كنتُ أعدُ نفسي والمُملك بجانبي بأنني سأكونُ كوالدكِ قبل زوجك، كانت يداي تنتفضانِ بغيرِ استيعاب! أن يكُون حلمًا مثلكِ قد تحقق وأنتِ أطهرُ أحلامي، كدتُ أُقسم تلك الليلة بأنّ عملًا صالحًا هو ما جعلكِ لي، كدت أُقسم وأنا المغسولُ بذنوبٍ شكَكتُ للحظةٍ أنني لربما تصدّقتُ - بريالٍ - أو أمطتُ أذى عن طريقٍ ما! وإماطةُ الأذى عن الطريق صدقة، والصدقةُ تطفئ غضب الرب! كدتُ أُقسمُ يومها بأن الله رضى عني بصدقةٍ قد أكونُ نسيتها لكنّها جاءت بكِ، لا تتعجبي كل ذلك - اللا تصديق -، فأنتِ ارتقيتي لمرحلةٍ تخطّيتي فيها حدودَ التصديق، وأخشى أن أغلو بكِ في يومٍ ما وتتسببين في تكفيري بعد أن جئتنِي بحسنَة.
كان المُملّك يبارك له بعد توقيعه وولي أمرها، لم يستمعْ لكلماتهِ ولم يفقه العربية وقتذاك، كان يومئ فقط، وما إن رحلَ حتى نظرَ لأحمد الذي كان يبتسم وهو عائدٌ من جهةِ البابِ بعد توديعه، وبلهفةٍ لم يستطِع إخفاءها : الحين ما عندك عذر عشان تمنعني أشوفها.
أحمد وعيناه تلتمعان بلؤم : عفوًا! أنت تدري إن عمرها 8 سنين؟
أدهم دون فهم : طيب! أنت قلت ماني ولي أمرها ولا أقدر أشوفها بس الحين أعتقد الوضع اختلف.
أحمد بابتسامةٍ تتّسع وبُرود : ما أحب إن بناتي يقابلون أزواجهم ببيتي ، لا صارت ببيتك تقدر تشوفها قدامك.
أدهم وبدأ الغضب يتسلل إليه، أدرك بأنّه يتعامل معهُ بصيغة العناد لا أكثر : بما أنّك ما تبيها ومشمئز كونها بنتك ما أظن تمنعني آخذها أجل!
أحمد يعضُّ شفتهُ وهو يقفُ أمامـهُ مباشرةً ويلفظُ بوقاحةٍ وعيناهُ تضيقان : يقُول الشرع إن زواج البنت الصغيرة يجوز وما عليه حرج ، بس إذا كان جسمها ما يقوى على العلاقة الزوجية فهِنا ما يجوز إنّ الزوج يدخل عليها ، ونجلاء جسمها ما يساعد، عشان كذا بتنتظر يا حلو والا ودك تأذيها مثلًا؟
احمرَّ وجههُ رغمًا عنه لوقاحته، غضبًا قبل أن يكُون إحراجًا، لكنّه تنحنحَ وبلل صوتهُ بنبرةٍ واثقةٍ ابتسم بها بتحدي : تأكد ماني مأذيها وبنتظر لين تكبر .. فلا تتعذّر بشيء تدري إني أقدر أتجاوزه.
أحمد يضحك بوقاحة : هههههههههههههه تعجبني ، بس بعَد ما اقدر أسلمها لك.
أدهم بقهر : وش اللي يمنع؟
أحمد ببرودٍ يُلقي القنبلةَ على رأسه : اللي يمنعني إنّها من بعد ما جبتوها لي رميتها بدار أيتـام ولا أدري عاد وش وضعها الحين * ابتسم بتسلية * إذا قدرت توصل لها هِنا هي لك.
وكأنّ صاعقةً سقطَت على رأسِه، اتّسعت عيناه بصدمة، وتحجّر جسدهُ وتجمّد دمهُ عن الجريـان، لازال يذكر كل شيء في تلكَ اللحظات، لم ينسى شعورهُ يومذاك، لم ينسى وقعَ الصدمةِ عليه وهو يقفُ دون شعورٍ ويلكمهُ على وجههِ دونَ تردد، كيف أنّه صرخ! شتمهُ بأقذع الألفـاظ، كيفَ أنّه نوى قتلهُ في تلك اللحظـاتِ وأحمد يصخبُ بضحكةٍ باردةٍ منه بعد خداعِه له. لازلتُ أذكُر ذلك اليومَ يا نجلاء، تحطّم كلُّ شيء، كل شيء! وكان من الغبـاءِ أن أظن بأنه سيُعلمني باسم الدار، تحطّمتُ في دائِرتك، كيف رماكِ؟ كيفَ فعلَ ما فعل؟ هل هنـاك قلبٌ كذاك؟ قلبٌ قطّع روحي لأشـلاءٍ وأنا أرى حياتِك هناك وأتخيّلها، أتخيّل جريانها بقسوة! كان بديهيًا أن تمرَّ صورُ القسوَةِ أولًا، وأشعر بأنني أمـوت، كان بديهيًا أن تتألّم عينايَ بملوحةِ دمعٍ بعد أن خرجتُ من منزلهِ وصرتُ أجوبُ الشوارعَ كمتشردٍ يبحث عن قوتُه، وكنتِ قوتي التي لم أجد، فقدتك، بعد أن ظننتُ بأنني ظفرتُ بكِ.


،


جاءَ الليلُ وعمَّ سكونهُ المُرعب، دائمًا ما يكُون الهدوءُ مُرعبٌ بعد أن شوّهت صورتهُ بالمثلِ الذي يقُول " هدوءِ ما قبل العاصفة "! . . يستعجلها بصوتٍ متذمرٍ يسكنُ البرودُ طيّاتـه، كان يرتدي ثوبًا أسود، و " غترةً " بيضـاءَ يستريحُ أحد طرفيها على كتفهِ الأيسـر، عطرهُ الرجـولي يغلّف المكان ويصلها إلى غرفتها وهي تتناول عباءتها بخفةٍ وتركضَ بكعبِ حذائـها الأحمـر نحو بابِ غرفتها، وبنبرةٍ عاليةٍ بعض الشيء : خلصت خلصت هذاني جـ .. * أكملت بلعثمة وهي تنظر إليه * جيت
فغَرت فمها وهي تنظُر إليه يقفُ قرب البـابِ وهاتفهُ بيده، فكّها السُفلي كاد أن يسقطَ وعيناها لم تستطِع إلا الربكـة أمامَ جاذبيته الرجـولية، رفعَ نظراتهُ إليها وابتسمَ بهدوءٍ لكنَّ ابتسامته اختفَت فجأةً ليعقد حاجبيه مستنكرًا لنظراتها الغريبةِ إليه : وش فيك؟
غزل تلعثمَت لتخرجَ كلماتها بتأتأةٍ وهي تشتت حدقتيها بحرجٍ وتلومُ نظراتها تلك : لا لا ولا شيء . . نمشي؟
سلطان يـعاودُ الابتسـام : أي

ركبا السيـارة، وبدأت المسافـةُ تتقلّصُ مقتربـةً من لقـاءٍ يُربكه، يُحاول حصرَ هذا الموعدِ في والدهِ لكنّه لا يستطِيع! لا يستطيعُ وسلمان يتنفّس هواءه، يلمحهُ ويلمحُ ضحكاتهُ وحديثُ الناس معهُ وهم يرونهُ في صورةِ الصالـحِ ذو الذكرى الحسنـة، هذا اليومُ لطالما كان لأجـل والده، لكنّهُ يصبح لوالدهِ ولسلمان! الكلُّ يراهُ ملاكًا، لا أحد يعرفه، لا أحـد ، وأنا أكثر من أوذيَ من هذا - الشيطان -، يكفي أنني أحببتهُ كما لم أحب والدي حتى!
غزل تفركُ ذراعها وتبلل شفتيها المتلونتين بالأحمـر في حينِ توجّه نظراتها إليه وتقتلُ الجانبَ الجاذبي فيه والذي أربكها سابقًا، تنحنحَت لتلفظ : وش مناسبة هالعَشـاء؟ * أردفت بحيرة * قلت لأبوك؟
سلطان بهدوءٍ ونظراته معلقةٌ بالطريق : نسويه كل سنة ، ما يكُون لناس معيّنة حتى الفقراء وأي شخص يقدر يجيه، يعني تقدرين تقُولين صدقة للمرحوم.
غزل : أوووه أكيد مُتعب ويكلف كثير!
سلطان يبتسم : لجل عين تكرم مدينة، طلبت كميّة كبيرة من الأكـل وبيكون الحين على وصول ، وأكيد عمي سلمان ما قصّر
لفظَ كلماته الأخيرة بسخريةٍ لتلتقطَها غزل وتلاحظَ تبدّل صوتهِ حينما لفظَ بـ - عمي - وكأنّهُ يقُولها بتحشرجٍ مـا.
صمتت بعد نبرتِه تلك، واحتفظَت بأي كلمةٍ قد تستثيرُ بها الحديث وهي تنظُر للطريقِ ورائحـةُ عطرهِ تخترقُها إلى رئتيها حتى وصلَ لمنزل عنـاد لتبقى فيهِ إلى ما بعد العَشـاء.


،


نظرَت لهُ من خلفِ اللحافِ الذي غطّت بهِ نفسها إلى أنفها، كان يقفُ أمامَ المرآةِ ويرتدي كبكه، يتجاهلها تمامًا وبقسوة، حتى نظراتهُ التي تتّجهُ إليها دونَ قصدٍ منهُ تتحوّر للبـرودة حين يرى عينيها. تكره تجاهله! لكنّه في النهاية لا يحقُّ له أن يتدخّل بينها وبين والدها، مهما حدث لا يحق له.
بللت شفتيها بلسانها وهي تشتت حدقتيها، عادت لتنظرَ لظهره، وببحةٍ خرجَ صوتها حزينًا رغمًا عنها : ترى حفلة زواجنا بعد كم يوم.
صمتَ لبعضِ الوقت وسكنَت كفهُ فوقَ كمهِ الأيسر وهو يُغلق الكبك، ارتفعَت أنظارهُ إليها عبر المرآة لتعقدَ حاجبيها بتحشرجِ أنفاسها عن رئتيها، مُردفة : لا تتجاهلني كذا وتتعامل معي بشكل بارد!
فواز ببرودٍ استدارَ إليها وأسندَ جسدهُ بطرفِ التسريحة، لوى فمهُ ليلفظَ بصوتٍ جامـد : كأنّك تتأثرين من الجفـاء؟
جيهانْ بغصةٍ حاولت ابتلاعها ليظهر صوتها واضحًا، لكنها لم تستطع وتلاشى الوضوحُ عن صوتها تحتَ حطـامِ أوجاعها : تعاقبني لأني أجافي أبوي؟
فواز ونظراتهُ تتثبّت بها بحدةٍ قاسيـة : أعاقبك لأنك خنقتي عيُونه بالدمع.
جيهان ترتعشُ شفتها السُفلى والدموع تتجمعُ بمحاجرها، جلسَت وصدرها اختنقَ بهرولة الأكسجين عنها، صورتهُ عادت لتجري في ذاكرتها، جسدها ارتعشَ وهي تتذكّر أنها كانت أمام خطوةٍ من السكنِ بأضلاعـه، لكنها فوّتت تلك الفرصـة، فوّتتها دونَ إرادةٍ منها.
تنفّست بألمٍ وفي لحظةٍ سريعةٍ انهـارت أخيرًا بعد كل ذلك التحشرج، الغصـاتُ تتدافعُ من جديدٍ في محجريها، تشعرُ بالجفافِ يوخزُ حنجرتها ورموشها تبتلُّ بدمعها الذي سقطَ على وجهها كمطرِ الشتـاءِ وارتفعَت كفّاها لتغطّي وجهها غارقةً في بُكـاءٍ صامتٍ جعلهُ يجفل للحظـات، لا ينقصها المـزيد، يكفي أنّ جفاءها لوالدها يؤلمها هي قبلًا، لا تحتمل جفاءً آخر، لا تحتمل صدًا آخر من فواز . . عضَّ شفتهُ واقتربَ منها بعد زفرةٍ عنيفـة، جلسَ بجانبها على السريرِ وامتدّت ذراعاهُ ليلفّها حولها ويسحبها إليه بقوةٍ دافنًا لها في صدره، صدره الذي مهما كان دفئهُ كبيرًا إلا أنّهُ لا يُشبعها عن صدرِ أبيها.
ارتفعَ بكاؤها وابتعدَ عن صمته، شدّت أناملها على ثوبِه لتُبلل صدرهُ بدمعها وهي تهتف بصوتٍ متحشرجٍ متوسّل : لا تزودها علي ، الله يخليك، ما أتحمل تجافيني! والله ما أتحمل.
تنهّد بصمتٍ وشدّها إلى صدره، رقّ صوته رغمًا عنهُ وهو يمسحُ على شعرها وينطقَ بحنان : خلاص كافي دموع جوجي، بس أنا خايف عليك قبل كل شيء ولا يهون عليْ عمي، خايف علينا! على عيالنا يا جيهان
شهقَت ببكاءٍ وهي تدفُن وجهها في صدرهِ وتُخفي حمرة ملامحها، في حين ابتسمَ وهو يقبّل رأسها ويُردف : أمي كانت تقولي كثير إن عقوق عيالك فيك دليل إنّك كنت عاق بأمك وأبوك ، خايف عليك وعلى عيالنا مستقبلًا!
جيهان تعضُّ شفتها السُفلى بقوةٍ حتى كادت تُدميها، صدرها يهوِي بحُزنه، تُدرك أنها مُخطئة، لكنها تفعل كل ذلك دونَ إرادةٍ منها، تحرّكها الذكرى وتستحلُّ جسدها في صدٍ ونفُور. همسَت بغصّة : ما أكون قاصدة اللي أسويه ، والله ما أقصد!
فواز يبتسم : عشان كِذا ودامك عروس ونبيك تعيشين لحظات كل عروس بتكونين في بيتك عمي لين يوم الزواج عشان نشتاق لبعض ومن هالكلام
شهقَت بصدمةٍ وهي تبتعدُ عنه وتنظر لعينيه، عيناها اتّسعت قليلًا برفضٍ في حين هزّت رأسها يمينًا وشمالًا وهي تهتفُ باعتراض : أكون في بيت أبوي؟ لا لا مستحيييل
فواز يعقدُ حاجبيه بحدة وابتسامتهُ تختفي : ليه إن شاء الله؟
جيهان برجـاءٍ رغمَ لهفتها لقُربه : ماراح يكون فيه غير الوجع ، صدقني ما ينفع ، ما ينفع أكون قريبة منه يا فواز
فواز بجمود : لا بتكونين قريبة منه ، وهذي آخر كلمة عندي
تشبّثت بثوبهِ برجـاءٍ وهي تُحاولُ أن تُبعده عن تلك الفكرة ، تريد قربه بالفعل، لكنّها أدركت منذ رأته في المطـار أن هذا الشوقَ ينجرفُ باتّجاهٍ خاطئ ما إن تراه، ببحةٍ ترجوه : بتوجعه أكثر، هذا اللي تبيه؟
اقتربَت ملامح فواز الحادة من وجهها أكثر لينطقُ بأمرٍ قاسٍ من بينِ شفتيه : الحين بطلع وإذا رجعت ألاقيك جاهزة . . ما أبي أجبرك بس مشكلتك ما ينفع معك غير كِذا، لو لِنت معك بتجلسين طول عمرك تصدّينه ، فلا تلومين إلا حالك
قالَ كلماته تلك ليبعدها عنهُ بقليلٍ من الخشونة، اتّجه للبـابِ وخرج، في حين تابعته بضعفٍ ودموعها تسقطُ بصمتٍ بينما أسنانها تمارسُ الضغطَ على شفتِها السُفلى.

يُتبــع ..


كَيــدْ 27-11-15 01:20 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




خرجَت من الحمـامِ ترتدي الرُوب السُكري، تُجفف شعرها بمنشفةٍ صغيرةٍ وتتأمّل خصلاتهُ وهي تُفكّر بأنها تُريد صبغه، لكن لتسأل الطبيبة أولًا إن كانَ ذلك لا يضرُّ جنينها.
اتّجهت للخزانـةِ حتى تُخرج ملابسها بعدَ أن رمَت المنشفةَ على السرير، وقفَت للحظاتٍ وهي تلوي فمها ومزاجها الذي تحسّن بعدَ رحلةٍ لا بأس بها من البـكاء يجعلها تختار ألوانًا مشرقة، بكَت بعد أن هربت من حديثها مع ام سيف ولو أنّ الدموع تروي لروَت العـالمَ كلّه بدمعها. زفَرت لتمدَّ يدها وتتناولَ " تيشرت " سكري يحملُ صورةَ " تويتي " في منتصفه وبنطالًا من الجينز السماوي، أغلقَت بابَ الخزانة لتستدير، لكن ظهرها اصتدمَ بهِ بشهقةٍ مفزوعةٍ في اللحظةِ ذاتها الذي وقفَ فيها سيف أمامها، لترتفعَ كفها إلى صدرها وهي تُحاول تنظيم أنفاسها في حين احتدّت ملامحها بحنق : خرّعتني ، تنحنح قول شيء مو تدخل كذا!
سيف يضعُ كفّه على بابِ الخزانةِ بجانبِ رأسها ويبتسم وهو يقرّب ملامحهُ من ملامحها : بسم الله عليك ، مرة ثانية بصارخ قبل.
ديما بحقدٍ تكشّر بملامحها : تتطنّز؟
سيف يمثّل الذهول : لا شدعوى بس خايف على الأدرينالين لا يرتفع عندك من الرُعب.
ديما بقهر : الأدرينالين للحين محافظ على حياتِي معك بعد الله.
سيف بضحكةٍ لئمةٍ وهو يدفنُ وجههُ في شعرها الرطبِ : مو كِذا عاد!
ديما توتّرت رغمًا عنها لكنّها تجاهلت توترها بنبرةِ حقد : كم مرة انفعلت بسببك! قلبي اذا ما توقف من لحظة مثل الحين بيتوقف من غضبي وحُزني!
تجاهلَ كلماتها وأخذَ يمرّغُ أنفهُ بين خصلاتِ شعرها، انخفضَت كفّهُ عن الخزانةِ لترتفعَ الأخرى ويعتقلَ خصرها بكفيْه، وبهمسٍ تحشرجَ بمشاعرهِ وهو يشد على خصرها : اشتقت لك! ابتعدتي حييييل يا ديمتي!
تصلّب جسدها للحظتين قبل أن تصيبه رعشةٌ ملأتها حتى صوتها، أغمضَت عينيها بقوةٍ وشدّت على شفاهها المرتعشة لتحاول بجهدٍ إيقاعَ ذلك التوترْ، حتى هي تشعر بالشوقِ إليْه! لكنّ كل شيءٍ بينهما لابد أن ينتهي، كل شيءٍ توقّف عند - بثينة -! كل شيءٍ غادرنا وأوّل تلك الأشيـاءِ أكسجين علاقتنا، نحنُ نختنقُ يا سيف، نلفظُ أنفاسنا الأخيرة بعد ثلاثِ سنينِ عجـاف، بعد ثلاث سنينٍ كم طالـت حتى هذهِ اللحظة.
أسقطَت ملابسها وهي تفتحُ عينيها وتضع كفيْها الباردتين على كفيه مُحاولةً تحريرَ خصرها النحيل من دفءِ بشرتهِ التي تجاوزَت ثخانـة الروب، وبنبرةٍ تبتعد كثيرًا عن مشاعرها التي غلّفتها لتخرج محملةً بكلماتٍ ساخـرة : المفروض أنبسط الحين والا أطير من الفرحة؟
ابتسمَ رغمًا عنهُ وهو يشدُّ على خصرها أكثر معاندًا كفيها اللتين تحاولان تخليصها منه، وبعبث : المفروض الأدرينالين يرتفع عندك الحين عشان قلبك ما يتوقّف من السعادة.
ديما بتحدي : وأنت الصادق عشان ما يتوقف من القرف!
رفعَ حاجبهُ الأيسر وهو يُبعد ملامحهُ عن شعرها، واجهَ ملامحها وهو يلفظُ بسخرية : من وين جات ذي يتوقف من القرف؟
ديما تبتسم ابتسامةً عريضةً لتستفزّه : من كتـاب المقرفون في الحيـاة.
سيف يضحكُ دونَ روح : أها المؤلفة أنتِ؟
ديما تضحكُ معه في المقابل : وبطلها أنت.
بلل شفتيهِ ونظراتهُ تزدادُ حدّة، تركَ خصرها لترتفعَ كفاه إلى مقدّمةِ روبها ويُغطي صدرها الذي كُشف جزءٌ منه وهو ينظرُ إلى عينيها ببرود، راقبَ تصاعدَ الحمرةَ إلى ملامحها وتوتّر عينيها اللتين شتتهما بعد ثلاثِ سنينَ بينهما ولازالت تخجلُ منه في بعض اللحظـات، ابتسمَ رغمًا عنهُ وشفتيها اللتين زمّتهما قليلًا وهي تشتت عيناها أغرتاهُ ليقبّلهما، حينها اقتربَ منها دونَ حواجزَ ليعتقلَهما في قبلةٍ جعلت جسدها يرتخي متفاجئًا لكن سرعان ما وجدَت نفسها تضيعُ بأنفاسهِ التي ارتطمَت ببشرتها لتُحرقها وإحدى كفيْه تستقرُّ خلف رأسها متخلخلًا بأنامله خصلاتِ شعرها.
لا تدرِي كيفَ تستطيع أن تصدّق أنها تُريد الابتعاد عنه؟ كيف تستطيعُ تكذيبَ هذهِ المشاعر التي تُخالجها الآن وكلُّ مافيها يعيشُ بأنفاسِه، أهدابها التي توتّرت في رفرفةٍ مضطربةٍ تُثبتُ أنها سفينةٌ هو رياحها، لن تستطيع التحرّك بدونه، لكنّها لازالت تُكابـر، لازالت تتكهّن بأن بعدها عنهُ أفضل، وهي التي تُدرك في قرارةِ نفسها بأنّ البُعد يعني الشقـاء، لكنّها لن تُبالِي! يكفي ما نالتهُ منه، يكفي.
شعرت بهِ يبتعدُ عنها، لتشهقَ رغمًا عنها وكأنّه قضمَ روحها في قُبلتهِ تلك، فتحَت عيناها لتنظر إليه بضيـاع في حين ابتسمَ هو وكفّه تسقُط عن رأسها، حينها عقدَت حاجبيها بقهر، من كونها تريده، من كونها معلقةً بهِ إلى هذا الحد، دفعتهُ عنها ليبتعدَ بإرادته بضعُ خطواتٍ للخلف، انحنَت لتتناول ملابسها من الأرضِ ومن ثمّ اتّجهت إلى الحمام وهي تمسحُ شفتيها بظاهرِ كفّها اليُمنى وكأنّها بذلك ستمسحُ قبلتهُ وآثارها على مشاعرها.


،


" واااااي اشتقت لك يا سمراء "
ضحكَت رغمًا عنها بصخبٍ وهي تضربُ كتفها : ملكّعة ، وعارفتك بيّاعـة حكي.
غيداء تتجاهل تلك الضربـةَ وتحتضنها بوداعة، قبّلت وجنتها بقوّةٍ وتعمّدت أن يُلامس لعابها بشرتها السمراء لتشهقَ غزل بقوّةٍ وتدفعها وهي تمسحُ وجنتها بتقرف : يييع ! لا لا يييييع على وجهك يا كلبة وش ذا القرف !!
بللت غيداء شفتيها وهي تبتسم بفخر : والله لك الشرف وريقي يلامس بشرتك الخايسة ذي ، فيه دراسة تقُول إنه يعالج التصبّغات الجلدية قلت يمكن يخليك بيضاء مثلي
قالت كلمتَها الأخيرة وهي تقلّبُ عينيها وترفرفُ برموشها في غرور، حينها صخبت غزل بضحكتها رغمًا عنها وهي تهزُّ رأسها بالنفي وتُدير أصبعها حول رأسها علامة الجنون.
غيداء " باستهبالٍ " تقفزُ وتُحيطُ ذراع غزل بذراعها، وبسعادة : ترى امي ماهي هِنا ، كذبت على سلطان عشان يجيبك عاد خفت يعاندني ويقول منتِ كفو تجلس زوجتي معك يسويها النذل.
غزل : وين راحت؟
غيداء تسحبها معها وهي تحرّك كفها الأخرى دونَ مبالاة : مدري عنها أكيد عند وحدة من صديقاتها * أردفت بحماس * الزبدة خلينا نروح للمسبَح امي مانعتني منه وقلت أستغل فرصة خروجها وأكسر القوانين
غزل : هههههههههههههههههه ما من عقلك فايدة! مييييح الله يخلف عليك بس


،


ابتسمَ ببرودٍ لفيصل الذي وقفَ معه أمـامَ العمـارةِ التي يقطنُ فيها، رفعَ كفّه ليضعها على كتفِ ماجد وهو يبتسمُ لهُ بتحفيزٍ ويلفظَ بنبرةٍ واثقة : أنا معك ، للحظـة اللي تصير فيها بأمـان وتصير بين أهلك وناسَك.
ماجد يهزُّ رأسهُ بالإيجابِ وهو يهتف : ما تقصّر يا فيصل ، أملي فيك من بعد الله كبير.
اتّسعت ابتسامة فيصل ليودّعهُ ويغادرْ، بينما تنهّدَ ماجد واتجْهت أنظـارهُ نحوَ بابِ المبنى لتتحرّك أقدامهُ أخيرًا ويدخُل، وصلَ للطابقِ الذي يسكُن فيه، وأفكـاره اتّجهت نحوَ أدهم الذي كان غاضبًا منه وكلّما اتّصل بهِ تجاهله، ابتسمَ ابتسامةً ضيّقة وهو يُردد في داخلهِ بـ " طفل "، باتَ يفهمهُ كثيرًا، طفلٌ في هيئةِ رجُل، تصرّفاتـه همجيةٌ بعض الشيء، لكنّ قلبهُ أبيض! وإن أحبَّ شخصًا كان لهُ ملجأً وعونًا يُخرسُ كلَّ سوءآتِه.
أخرجَ هاتفهُ وقد قرّرَ الاتصـال به من جديد، كان في تلكَ اللحظـةِ قد وقفَ أمـام بابِ شقته، وفي اللحظـةِ التي أدخَل فيها المفتـاح شعرَ بشخصٍ يُمسك معصمهُ ويُديرهُ إليه بقوّة لينتهي بلكمةٍ على وجههِ أسقطته على الأرض وطـار بها الهاتفُ بعيدًا.

.

.

.

يُتبـع بالجُزء القـادم.

نقُول إن شاء الله بليلة الثلاثاء ، - وليلة الثلاثـاء أقصد فيها من بعد مغرب الاثنين للفجر عشان اللي دايم يفهمون " ليلة اليوم الفلاني " غلط ()

توضّح لكُم جانب كبير من ماضي أدهم وإلين، ومن اللي ذُكر لكم تظنون أدهم كذّاب؟ على الأرجح لا! بس ركزوا بجملة قالها في جُزء من حديث النفس عنده " لكنّي ألتوي بأفعالي لأحصل عليها قسرًا، لو أنّني أعتمد على حسناتي، على صورةٍ جيدةٍ لي أمامها حتى أضفر بها، ما ضفرت! لذا أنا سأكُون سيء، سأبقى كذلك حتى أحصل عليكِ . . نجلاء! " :) هالجزئية كافية عشان تخلينا نتوقّع إن أدهم يصير رجُل عصابات على قولته المهم يحصل عليها غصب من عبدالله العنيد :P فعادِي نحط ببالنا إن قال لعبدالله شيء منا مناك وهو كذّاب :/


ربي يسعد أرواحكم الطيبة ()

ودمتم بخير / كَيــدْ !


bluemay 27-11-15 11:02 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
يضرب الحب شو بذذذذل ... اسوأ شعور انه نتعلق باللي بذلونا ويهينونا وكأننا بنحب العذاب لنرضى فيهم. >>> فيس مدرعم من غيظه على ديما

بصراحة انا بكره سيف ويستاهل انه يحبها وتعذبه خليه يدوق من كاسه اللي شربها اياها.



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


بعد ما هديت شوي والسموحة هنودتي بس عن جد شي بجلللط وبعدين مع تيم وجيرو >>>> امففففف فيس مغيوظ




وه بس .... والله وحمي الوطيس
ورح نشوف ادهم بحلة جديدة

وه بس عالرومانسية ... كأني بشوف قيس بثينة
وجميل ليلى
قيس عبلة
وعنتر لبنى

وه بس خربطت علومي لوووول

طريقك خضرا يا ولدي
بس عاد لا تتهور كثير شوي بس

وانت يا عبدالله استهدي بالله
الولد طالبها على سنة الله ورسوله
وشوله تعاند وتحلف وتهدد

الله يصلح بينهم


بس الين وخوفها من ادهم عائق بوجهه لازم يتخلص منه.





جيهان .. تستااااهلي
فواز تتعثر الكلمات في حقك .. كفو والله ويرحم والديك ونعم الرجال والله






ارجوان ومروة لقاء مؤؤؤثر كتييير





غزل طاحت ومحد سم عليها
بس ما حبيتها .. تطيح هي وهو لأ >>> فيسي المنحاز ماد بوزو مو عاجبه




الله يستر من هالجمعة مع غيداء

يا رب ترجع ام عناد بسرعة .

قلبي مو مطمن ابد







روووووعة وتسلم ايديك يا قمر

والقصيدة توحفففة مشكورة عالإختيار


تقبلي مروري وخالص ودي
«اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي»

bushraa 27-11-15 02:33 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
ذي اول مره اكتب توقعاتي ي رب تصيب وما تخيب
بسم الله الرحمن الرحيم
نبدا بسلمان سلمان شخصيه طيبه وصالحه كثير فما اتخيل انو في يوم من الايام بيقتل حيوان فشلون بإنسان ونقول انه هو يبي الشرطه تمسك احمد وهو متعاون معهم وواضح حبه الكبير لسلطان فمن المستحيل انه يأذيه
وانا بحبك ي سلمان


المهم الغزاله طاحت ومحد سمى عليها المهم ي رب تعترف لسلطان اللحين انها مو بكر وانها مخدوعه والسبب مو منها وياليت تبعد عن غيداء لانو خايفه على غيداء منها حتى لو كانت تسولف معها بطيب نفس وخاطر وبث

ديما الله يقلل حب سيف من قلبك ي رب ويفكنا من سالفه رجعه بثينه
واتوقع والله اعلم انه بيرجع بثينوه وتكره في حياته ويعرف ان ديما جنه ويطلقها وتنتهي معانه ديما ي حبي لها


كان اول تعليق فيه توقعات في حياتي كلها المهم ي رب يصيب وما يخيب ولو جزء منه وياليت يكون جزء سلمان فديته اانا
وخلاص خلصت

أبها 28-11-15 06:56 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
الفتى المشاكس ..وما أدراك ما ذاك الفتى !!!

أدهم يذكرني بشخصيات من نوعيته ..أعرفهم
كثيري الإصرار و العناد ..لدرجة تؤذي أقرب المقربين لديهم ..
حياتهم ليس بها قرار ولا استقرار كثيرو الحركة ..إلا أن قلوبهم بيضاء
قصة أدهم وزواجه من نجلاء أغرب من الخيال ..هل ممكن
أن يقود التعلق بطفله إلى الزواج منها؟ أذلك هو الحب ؟
أبدعتِ في وصف الموقف وكأنني أنظر إلى عبدالله
وقد تملكته الحيره وبلغ الغضب منه مبلغه ..خشيت عليه
وهو يستمع إلى تلك الإعترافات أن يتوقف قلبه ..وتصيبه جلطة!
كان الله في عون الاثنين ...

فواز..علاجك لحالة جيهان علاج ناجع.. أفضل من الطبيب
النفسي ..بعض الأمور تحتاج إلى حزم وشدة 👍🏼

غيداء ..أخيرا ظهرت بعد غياب ..غزل وغيداء .!
الله يستر !

ماجد .. يا فرحة ما تمت 😢
هل خدعه فيصل ؟؟
أم أن المتهجم ليس له دخل بالعصابة ومطاردة ماجد؟؟
كل الشكر والتقدير لمبدعتنا كيد 🍃🌸🍃

fadi azar 30-11-15 12:56 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
يمكن عودة جيهان الى منزل والدها ومعاملتها القاسية لوالدها قد جعل اختها تصارحها بحقيقة والدتهم وكم يوسف مظلوم

كَيــدْ 30-11-15 06:19 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




-
-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :$$
مساءكم خير وسعادة واسعة يشملها رحمة الله ()

بقى لي موقف بس وأخلّص البارت، راح يكون بارت صادم وورقة جديدة راح تُقلب ومثل ما قلت لكم هالفترة بتكون بارتاتنا – مُستثار فيها الأحداث لأقصى حد! حاليًا احنا في فترة أحداث دسمة وتحتاج تركيز، تركت كل شيء وجلست أكمله لكم، وعاد لحد يقولي البارت قصير لا تطلع الجنية اللي فيني -_-
تاركة امتحان بكرا وماقد ذاكرت منه شيء وضاغطة على نفسي عشان اخلص البارت بدري وبعدين أذاكر - رفقًا بالقوارير - * دموع *
يلا بقى لي موقف بس ومراجعة، ساعتين أو أقل ويكون قدام عيونكم الحلوة عساني ما انحرم هالتواجد بس :"""

وبالنسبة للي يراسلوني بالكِك والسناب والانستقرام والبيبي ووووووو الخ! إذا تأخّرت عليكم فسامحوني حتى اللي يعلقون هنا وهم الأولى بمشاركتي لكم بس وضعي جدًا ما يسمح وأنا بنفسي ما أعرف أتعامل مع كل هالضغط اللي أكبر مني! عندي واجبات ماقد سلمتها وامتحانات الفاينل راح تبدأ وحالة! فسامحوني الله يجزيكم بالخير أحـاول أقل شيء ما أتأخر عليكم بالتنزيل.

شكرًا لعيونكم ولله اللي كتب تواجدكم بين صفحات روايتي ()




كَيــدْ 30-11-15 08:32 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 





سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمَن
كيفكم يا حلوين؟ عساكم طيبين دايم ()


هالمرّة الجزئين منفصلين، فيه أجزاء لازم أضمّها ببعض في بارت واحد بس هالمرّة اختلف الوضع :"" الموقف الأول دسِم ومُفاجئ بس لا يمنعكم من تكملة باقي البارت بتركيز ، متى ما تشوّش تركيزكم توقّفوا عن القراءة وبعدين كملوا -> مذاكرة امتحان ماهو بارت :P

يلا استلموا جزء اليوم وقراءة ممتعة ، بسم الله
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكُم عن العبـادات


(60)*2





أخرجَ هاتفهُ وقد قرّرَ الاتصـال به من جديد، كان في تلكَ اللحظـةِ قد وقفَ أمـام بابِ شقته، وفي اللحظـةِ التي أدخَل فيها المفتـاح شعرَ بشخصٍ يُمسك معصمهُ ويُديرهُ إليه بقوّة لينتهي بلكمةٍ على وجههِ أسقطته على الأرض وطـار بها الهاتفُ بعيدًا.
شهقَ وتقيّأ دماءً من فمِه لقوّة تلكَ اللكمة، نظرَ بذهولٍ للرجلِ الضخمِ ذو البشرةِ السمراء الذي لكمهُ وهو يجلس ويستندُ إلى الأرضِ بكفّهِ اليُمنى بينما اليُسرى يضعها على فمه.
قلبهُ بدأ يتراقصُ في جوقةِ الخوف! أصواتٌ عديدةٌ بدأت تتداخلُ في رأسهِ وتلكَ الهجمةُ لا معنى لها إلا واحد، لا أحد! لا أحـدَ ســواهم!! إلهي ما الذي يحدث!!
تحدّث الرجُل بلغةٍ لم يفهمها إلى الاثنين اللذين كانَا معه، فهم من إشارتهِ برأسه إليه أنّه يأمرهم بأن يقبضوا عليه ويجرّوه معهم. وما إن اقتربوا حتى انتفضَ وصفعَ يدَ الأولِ الذي أمسكَ بذراعِه، تحوّلت ملامحهُ فجأةً إلى متوحشة وهو يهربُ من الموتِ بعد سنتين، لن تنتهي غربتهُ وهربهُ ذاكَ بالموت! لن تنتهي إلّا بفرحٍ ولقـاء، يا الله آمنت بأنّ الدعـاءَ يردُّ القضـاء، وكنتُ في كل يومٍ بالرغم من يأسي أدعوكَ إن كنت كتبتَ لي الموت هنا أن يُردَّ ذلكَ بدعوةٍ من شفاهي، دعوةٌ من صدرِ - أمي - بالرحمـة! لطالما يكونُ قلبُ الأم مُحبًا حتى بعد أن يمُوت أولادها، أكـادُ أقسم أنها تدعو لي بالرحمة مع كلِّ فرضْ، قبل أن تنـام، حين تستذكرني بذكرى عابرة، تدعو لي بالرحمـة فصُبّ رحمتك التي وسعت كلّ شيءٍ يا الله واكتبْ لي عودةً تبتهلُ بها ملامحها، لا أُريد الموت! مهما تمنّيتهُ في صدري إلّا أنني لا أريده بهذا الشكل ودونَ أن يدري أحدٌ أنّي عشتُ لأموتَ مرتيْن.
تراجعَ للخلفِ بوحشيةٍ وعيناهُ تتّسعان بغضب، استعدَّ بكلِّ ما أوتيَ من عزيمةٍ للحيـاةِ أن يحمي نفسه، دعواتَ أمه، بُكـاءَ حبيبته، إن لم يكُن قد تبقّى لي ممن أحببتهم سوى هاتيْن فهما كافيتين، غدرنِي شخصٌ كانَ لي كلَّ الضحكـاتِ في الدنيـا، غدرتنِي يا أخِي! لكنْ تبقيتـا لي، تدعوانِ لي وتبكيان لأجلـي ، ودموعهما لن تذهبَ هكذا، سيعُود ، سيعُود مهما وقفَت الغربة فوقَ أكتافهِ وثقلت إلا أنّه لن ينحني.
صرخَ بغضبٍ وهو يُخرج من جيبهِ سكينًا صغيرًا : Get away from me.
أشـار الأسمـر للرجلانِ بأن يبتعدا، ومن ثمَّ لوى فمهُ ليلفظَ بصوتٍ ثقيلٍ قاسٍ جعلهُ يجفلُ بصدمة : تعال معنا وأنت ساكت ، ما بتضر إلّا حالك بهالعنـاد.
ماجد بتقزز : وعربي! أنتم من أيش بالضبط؟
الرجُل : هربَك لسنتين وهويّتك المزيفة هذِي ما يكفّون عشان ما نحصّلك، تتذاكى كثير علينا! . . سيّدْ متعب..
اتّسعَت عينـاهُ وارتعشَ السكِينُ في يدهِ برعشته، تراجعَ للخلفِ واسمهُ الذي كادَ ينساهُ يؤلمُه، اسمهُ الذي أضاعهُ في وطنهِ ينحره، اسمهُ الذي فقدهُ في المطـار قبل سفرهِ لميونخ جاءَ الآن وعُثِر عليه بين مفقوداتِ الأسمـاء.
يا الله! منذ متى كانتْ الهويّاتُ تُبكِي، منذ متى كانت الأسمـاء التي تنتمي إليـنا تُحشرجُ الروحَ بهذا الشكل، هاهو اسمهُ أصابهُ في مقتلٍ حين لُفظَ بهذا الشكلِ الصريحِ ومن صوتٍ غير صوتِ أدهم، لمَ يشعر بأنَّ أحرفهُ الأربعةَ تحشر ذاتها في حنجرته؟ لمَ سقطَ صوتُه بهذا الشكلِ الموجع؟ وكأنّه قاطعُ رقابٍ أسقطَ سيفهُ على عنقهِ لجريمةٍ لم يرتبكها، جريمةٌ سمّيت من بينِ المعاصي المستوجبـةِ للقصاص " كان اسمهُ فلان "!
تحشرَجت عيناهُ بدمعٍ أبى أن يسقط، هزّ رأسهُ بالنفي وجريمته تلكَ تُبكيه. تعبتْ! كثرة المناجاةِ في الليالي قاتلـة، تعبتُ من رغبتي في العودة! تعبتُ من شوقي لاسمي أولًا ، يئستُ ويأسي مهما أغرقني إلا أنني أدعو بالعودة رغبةً لا أمـل.
كلُّ شيءٍ عـاد فجأة، تلكَ الليلة، ذلك الحريقُ الذي لم يكُن ممن عانوهُ ورأوه، كانَ يومذاكَ بعيدًا عن الفندقْ، لتوّه خرجَ من المشفى بعد أن أخبرهُ الطبيبُ بأنّهُ في الجزءِ الأخيرِ من العلاج، كانَ بعيدًا، بعيدًا جدًا! لكنّه تمنى بعد ذلك الحريق لو أنّه كان فيه! لو أنّه كانَ ممن ماتوا وذهبَ إلى عائلته جثّةً ليُدفنَ في أرضهِ دونَ صدمةٍ وخيبةٍ في الليالي التي تلَت تلكَ الليلة، دونَ خذلان، دونَ شيءٍ يُذكـر، دونَ هذا البُعدِ وهذهِ الغُربة.
رجلٌ ماتَ في حريق، فقط! رجلٌ مات في حريق ، ولم يمُت حين اكتشفَ بأنّهُ غُدِر، لم يمُت حين اكتشفَ بأنّهُ غُدِر!! لم يمت تلك الموتةَ الموجعة!
شفاههُ بدأت بالارتعـاش، لمَ قلت اسمي؟ لمَ قلته؟ كان يكفي بأن تناديني بأيّ شيء، لكن لمَ استثرتَ كلَّ ذلك الوجعِ فيَّ؟ لمَ قلوبكم هكذا؟ أُرهقتُ يا الله، أُرهقتُ وجـاء اسمي الآن شاطرًا لِي دونَ وجعي.
صرخَ بألمٍ والدموعُ في عينيه تتكتّل دونَ سقُوطٍ يرحمُ بكـاءَ صدره، يرحمُ البُعد الذي أعشَبَ بوحشيةٍ وامتلأ شوكًا فيه : لا تقرّب! أحـذرك .. لا تقرّب!
ضحكَ ضحكةً مجلجلةً وهو يقتربُ بعبث : وش بتسوّي بهالسّكين؟ يا ولد ارحم حالك أنا لو مكانك تمنّيت الموت وسلمت نفسي للي يبيني وش هالحيـاة؟ كنت بنتحر أقل شيء.
متعب بألمٍ ترتعشُ شفاههُ ليعضَّ السُفلى والدمعُ جعلَ رؤيتهُ ضبابية، أيأتِي الآن شامتًا؟ يا الله ارحمنِي! ارحمنِي من هذا الحُزن واكتب لي بهِ عودةً وحيــاة.
ازدردَ ريقهُ وهو لم يعُد يرى ملامحهُ من ستارِ الدموعِ على أحداقِه : أنت لو فيك ذرّة حيـاة ما بعتْ عُمرك للحـرام ، اتركني لوجه الكريم أقل شيء تحصّل في هالمسكين أجر.
هوَ : أجْر فلوس؟ معليش ما نقبل بغيرها.
متعب بازدراء : الله يحرقك.
هوَ بسخريةٍ وأقدامهُ تقتربُ منه بينما متعب يعُود للخلف : إيانا وإيّاك، * باستفزازٍ له * طبعًا ما ننساه هو بعد ، شاهين صح؟ كان رهيييب هالرجّال الله يحفظه.
ارتعشَت يدهُ بقهرٍ والنـار اندلعَت في صدره، بدأت دماءهُ تغلي ورغمـًا عنهُ خشيَ في نبرتهِ تلك التهديدَ به، بالرغمِ من كونِه يُدرك بأنّهم لن يؤذوه، كيف لا وهو معهم؟ لكنّه يبقى قبل كلَّ شيءٍ وقبل غدرِه له الأخَ الذي لطالما مسحَ على شعرهِ ومارسَ دورْ " الأخِ الأكبرَ " عليْه، كيف لا! وهو ضحكتهُ التي كان يعنيها؟ مهما كانَ غدرهُ كبيرَ الحجمِ حتى وصل إلى هُنا وقتله أمـامِ عائلته إلّا أن حبّه ومكانته في قلبهِ لم تتزحزح، جُرحَت لكن بقيَت، بكلِّ شيء، بكل ذكرى، بكلِّ ضحكة، بكلِّ شيءٍ يا أخِي بقيْت! وذاكَ الغدرُ لم يستطِع أن يمحوك وليتهُ فعل، ليتهُ فعل مع كلِّ ليلةٍ يبزُغ فيها القمرُ بأشكالٍ عدّةٍ ويبقى حُزني يتصاعد، تبقى أمنياتِي تطُوف حولكم، لن أسامحك! لكنني لن أكرهك، أبدًا، لن أستطِيع.
متعبْ يلفظُ بنبرةٍ متحشرجةٍ لدى ذكرهِ لاسمه : تخسي ، لا تجيب اسمه على لسانك.
هوَ : اوووهوووو لا ما أصدق! ما ترضى عليه ينحرق بالنار!! لا لا ما أقدر على حُب ووفاء مثل كذا وهو بنفسه ما كان عنده هالمشاعر الفيّاضـة ... ههههههههههههه أشفق عليك صراحة ليت الدمعْ اللي في عيونك الحين يشُوفه ويحسسه بالذنب.
عضَّ شفتهُ بقهرٍ ليُكمل ذاك وهو يمارسُ استفزازهُ بأقصى ما يستطِيع : طيب ابكي! ليه ماسكها بعيُونك وتزيد حرقة جفونك !
متعبْ يصدُّ بوجههِ عنه ودمعةٌ سقطَت رغمًا عنه، أيبكِي دهرًا مضاهُ هنا وأحرقَ قلبه؟ أم يغضُّ الطرف عن حُزنٍ اشتعلَ في محاجرهِ وأرادَ دمعًا الآن؟ هل يسمحُ للضعف أمامه؟ حسبي على الكبرياءِ إن كان سيُعمّق هذا الحُزن في صدري، حسبي على الدمعِ إن عانَد حاجتي لهُ وسكنَ دونَ سقُوط.
كان أكبر خطأٍ قام بهِ أن صدَّ عنه، اندفعَ ذاكَ بخفةٍ لتتّسع عينا متعب لكنَّ الوقتَ مضى على الحذرِ إذ أمسكَ بمعصمِ يدهِ المُمسكةِ بالسكِينِ واعتقلَ كفّه الأخرى أيضًا، ضحكَ وهو يضغطُ على معصمهِ حتى أسقطَ السكين بينما شعر متعب بأنّ عظامهُ تحطّمت، دموعهُ هذهِ المرّة كانت تسقطُ بعد تلكَ الدمعة الوحيدةِ مثلَه، كانت تسقطُ دونَ شعورٍ منه وهو يُحاول بأقصى ما يستطِيع أن يقاومَ قبضتيْه القويّتين وصدرهُ يئن، باسمِ الحرّية، باسم والدته، باسم أدهم، باسم أسيل، باسم شاهيــن!!
شعرَ بضربةٍ قويّةٍ في مؤخرةِ عنقهِ ليتأوّه بقوّة وتترنّح الدنيـا في عينيه.


،


في جهةٍ أخرى . . كانَت عيناه تقرآن جدرآن غُرفتـهِ الكئيبة، هاهوَ من جديدٍ يستنفدُ مشاعرَ أقسى من ذي قبل، القنـاعُ الذي يرتديهِ كاذب! مهما تصنّع السخريةَ والعنـاد واللا مبالاةَ إلّا أنّه كاذب، دائِمًا ما يجدُ نفسهُ يواجهُ قسوةَ الآخرينِ تجاههُ بسخريةٍ وعنـادٍ وإن كان مُخطئًا. نعم أخطأ! آذآها كثيرًا، ومن حقِّ عبدالله أن يقسو ويجعلهُ يُطلّقها، وكأنّه سينصاع؟ اقتربَت منه هذهِ المرّة، سيكفّر عن كل سيّآته، يُقسمُ بذلك، سيكفّرُ عن تجاهلهِ لها طيلةَ تلكَ السنين، سيُكفّرُ عن كل الجنونِ الذي حصل، عن كلِّ ما فعـل، سأكفّر عن كل شيءٍ لأجلِ عينيْكِ، فاغفروا لي! فقط اغفروا كي لا أصبحَ أسوأ، أنا السيءُ جدًا حتى أظفر بما أُريد، فكيف إن كان ما أُريدهُ هو لي؟ أُدركُ بأنّ كل ما فعلتهُ جنونٌ ولا يصدّق، بأنّ صمتِي عن الحقيقةِ ذنبٌ لا يُغتفر، لكنّي بالرغم من كلِّ ذلك لا أعذرني، حبّي مجنونٌ كبدايتـه، وهذا الحُبُّ يسير بذاتِ الجنونِ الذي بدأ. لكلِّ شخصٍ أسلوبه في هذهِ الدنيا، في حبّه، في حياتِه، في علاقاته، وأنا أساليبي مجنونةٌ مثلي ، فاعذروني!
زفَر وهو يرفعُ هاتفَه، اشتـاقَ لذلك الغائبِ الذي خاصمهُ وهجرَه، يتجاهل اتّصالاتِه العديدة والتي أحرقت هاتفهُ قبل أن تتوقّف وكأنّه يئسَ منه أو قرّرَ الحفاظَ على بعضِ كبريائـِه . . ابتسم ، لطالما سأعترفُ وسأكرر هذا الاعتراف، أنتَ الحسنـةُ الوحيدةُ في حياتِي يا - متعب -.
قرّرَ أن يُنهي هذا العقابَ وهذا الصد، ضغطَ زرَّ الاتصـال وانتظَر أن يجيءَ الرنين . . لكنّ هاتفـهُ كـانَ مُغلق!


،


" قاعدة أحـاول أستوعبك! "
ابتسمَ بعد جملتها المُستنكرةِ تلكَ وألقى برأسهِ على فخذيْها، رائحةُ عطرها دغدغت حواسَه، وهيَ تورّدت وجنتاها بخجلٍ وتجمّدت للحظـات، لترفعَ يدها أخيرًا وتتخلخل خصلاتِ شعره، بينما أغمضَ هو عينيه باسترخـاءٍ لافظًا : من أي ناحية تستوعبيني؟
أسيل تبتسم برقةٍ خجولة : الغزل عندك ما ينضب.
شاهين يقبّل كفها قبل أن يضمّها إلى صدره، بحالميةٍ وهو يُغمض عينيه : بينضب إذا نضب حبّك ، وحبّك ماراح ينضب فبالتالي هوّ باقِي.
أسيل تعضُّ طرفَ شفتها السُفلى : بيّاع حكي.
شاهين بضحكة : يا كثر ما تكررينها عليْ ، عمومًا يقولون لك اليوم البحر اضطرب، تدرين ليه؟
أسيل تُجاريه : ليه؟
شاهين يفتحُ عينيه وينظر لعينيها بحُب : التاريخ اليوم 14 ، القمر اكتمل.
احمرّ وجهها بشدةٍ لغزلهِ الصريحِ والمُباشِر، بللت شفتيها وغصّةُ الإحراجِ تُسكِنُ صوتها، في حين رفعَ هو كفّها ليُقبّل سبابتها، ومن ثمّ الوسطى، ينقُل جزيئاتِ عشقهِ عبر تفاصيلِ بصمتِها : إضطرابَ المد يعني اضطراب حوّاءْ لأنّك بينهم، حرام خذيتي منهم كل شيء!
أسيل تتنحنحُ بحرج : بيكبر راسي.
شاهين : تعوّدي على الغزل لأنه خُلق لِعيونك، المُعتـاد المفترض ما يربكك.
أسيل تُشتت عينيها بحرَج، تُحاول تغيير دفّة الحديثِ بعد استسلامها لكلماتِه : يقُولون فيه خسوف قريب.
شاهين يبتسم : شدعوى العالم حسدوك؟
أسيل ووجهها أصبَح كالدم : شاهين خلااااص!!
جلسَ وهو يضحكُ على تعبيرها المُحرَج، يعشقها ولا يستطيعُ أن يغفلَ عن ربكةِ قلبهِ حينَ يُقبّلها، لا يستطيعُ تجاهلَ أمواجِ السعادةِ التي تُغرقُ صوتـهُ في مُحيطِ التغزّل بها وحسب! في محيطها هي . . قبّل وجنتها المُحمرّة وهو يُريد قضمها للإغـراءِ الذي يستفزّهُ فيها، نهضَ عن السريرِ ليتّجه للحمـام وهو يهتفُ باسمًا : تأخّرت على الجماعة ، جهّزي لي ملابسي على ما أطلع من الحمام تمام؟
أسيل تنزلُ عن السرير : اوكي.
دخَل إلى الحمـام لتزفُر وترفعَ يدها إلى وجنتها بشرود، مهما ضحكَت بصدقٍ معهُ إلّا أن ضحكتها ميّتة! قلبها ينقبضُ ويوجعها، هنـاك صوتٌ يتكرر صداهُ داخلها ويُحرقها بنارٍ ذائبةٍ لا تبرُد، هنـاك تداخلاتٌ موجيةٌ في معدتها تجعلها تضطربُ رغمًا عنها، كوابيسها الليليةُ لا تتركها، صوتُه الذي يُناديها! صوتُه الذي يُعاتبها، صوتُه الذي يقول لها بأنّها خائنة، بأنّها تُحرقه، بأنّ خيانتها تلكَ مؤلمـة، تستيقظُ ليلًا والكوابيسُ قد حشرجَت نومَها، تعضُّ شفتها لتدفنَ نفسها بأحضانِ شاهين النائِم وكأنّها تطلبهُ أن يحميها من كلِّ ذلك الذنب! من كلِّ تلك الهتافاتِ والعتـاب، من لحظَةٍ وافقت فيها على هذهِ المعصيـةِ لشريعةِ الحُب الذي لم يمُت ولن يمُوت، لن يمُوت! يُحزنني أنّه لن يموتَ يا شاهين كما يُفرحنِي أيضًا، يُحزنني أنّني أؤذيكَ كثيرًا بهذهِ العلاقةِ الخاطئة، ليسَ ذنبكَ أنْ تمسّكت بي، ليس إلا ذنبي، أنا التي وافقتُ منذ البداية، أنا التي أخطأتُ منذ البداية، أنا التي أحللتُ هذا الخريفَ علينا، أحللتهُ يا شاهين وحرّمتُ كل الفصولِ الأخرى، حرّمتُ الدفء، المطر، التورّدَ في فصلٍ ربيعيٍّ لنـا، بقيَ الجفـافُ فقط، وكم اعتدتُ الجفاف! اعتدّتهُ واللهِ يا شاهين لكنّه حرامٌ عليك، لا يليقُ بك، أنتَ الغصنُ الطريُّ الرطبُ ذو الأوراقِ الخضراء ، لا يليقُ بك خريفي.
وضعَت يدها على قلبها الذي يؤلمها بشدّة، يئنُّ كثيرًا! يئنُّ طالبًا الخلاص من كلِّ هذا الذنب . . ارتعشَت شفاهها لتتحرّك باتجاهِ الخزانةِ وهي تُقاومُ الدمع الذي اختنقَ بملوحتهِ في عينيها، إن بكَت الآن كيفَ عساها تُخفي آثار ذاكَ البُكاءِ أمامه؟ قاومَت، وكم أصبحت مقاومة الدمعِ أسهل بعد أن اعتادتْه.


يُتبــع ..



كَيــدْ 30-11-15 08:51 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 





بابتسامةٍ وهي تحرّك ساقيها في الماءِ بعد أن شمّرت بنطالها إلى ركبتيها : وليه خالتي مانعتك من المسبح؟ أكيد مسوّية شيء.
غيداء الغارقةُ في الماءِ إلى ذقنها، لوَت فمها بضجرٍ لتلفظَ بدلال : عقااااب ، كنت قبل كم يوم أستعبط وأرقص عند المسبح وماحسيت الا وأنا مفحّطة له بسبب المويا اللي على الأرض وطحت طبعًا وراسي جاء بالحافّة ، عاد صوتي الغبي طلّع صرخة وصلت لآخر الحـارة وماما جات منخرشة وخايفة عليْ بس الحمدلله كنتْ وقتها مدوخة شوي من الضربة مو مرة وقدرت أطلع من المويا وهي من هذاك اليوم حلفت ما أطب المسبح الا وقت ما يصدر العفو منها.
ضحكَت غزل بقوةٍ ولم تستطِع سوى أن تضع كفها على فمها محاولةً قتلَ ضحكاتها إلا أنها ما استطاعت، رفعَت غيداء إحدى حاجبيها لتتحرّك مقتربةً منها بتهديد : أقسم بالله لأسحبك وأخلِيك جنبي وبعدها دوري لك على ملابس ، اهجدي.
غزل من بينِ ضحكاتها تحرّكُ حاجبيها للأعلى والأسفل : عادي بجلس مبلولة لين تجي خالتي وتكشفك.
غيداء تتحوّل للوداعةِ فجأة : لا شدعوى بعطيك من ملابسي
غزل : هههههههههههههههههه أنتِ بالأول شايفة جسمك يا المعصقلة وشايفة طولك يا السنفورة؟
غيداء بسخرية : عداااال يا كيم كارداشيان.
غزل بضحكة : لا وييين أنا أحلى طبعًا.
تجعّدت ملامح غيداء بازدراءٍ وهي تراها تقلّب عينيها بغرور : خفي علينا.
ضحكَت غزل وهي تركلُ الماء بقوةٍ ليتناثر على وجهِ غيداء التي سعلت بعد دخُول المـاء لفمها وهي تشتم بصوتٍ متقطّع، بينما قفزَت غزل بعجلةٍ حين رأتها تقترب منها بسرعةٍ بعد أن مسحت وجهها ونيتها بسحبها إلى الماء ترسبت على نظرتها الحاقدة : تعالي يا معفنة يا الخايسة وين بتروحين مني؟
غزل بضحكٍ صاخبٍ فتحت فمها لتتكلم إلا أنها ما إن نطقت بحرفٍ حتى أردفتهُ بصرخةٍ صاخبةٍ وقدمها تعرقلت من فوق الماءِ وتزحلقت، جاءها العقابُ دُون أن تقُوم غيداء بشيء، لذا غرقَت تلك بضحكةٍ شامتة وهي تراها تجلس وتمسك ظهرها متأوّهةً بألم.
غيداء بشماتةٍ ضاحكة : الله يمهل ولا يهمل هههههههههههههه شكرًا شكرًا يا ربي أحبك.
نظرَت إليها غزل بحقدٍ وهي تمسّد ظهرها : بوريك وبعلم خالتي انك سبحتي طيّب يا غويّد نشوف بعدين الله يمهل ولا يهمل صح.
نهضَت وهي لازالت تتأوّه وتمسك بظهرها لتتحرك خارجةً وبعضُ الماءِ بلل جزءً من ملابسها، في حين بقيَت غيداء تضحك وهي متأكدةٌ بأنها لن تشيَ بها لوالدتها.
بقيَت قليلًا تسبحُ تاركةً غزل وعقلها يسبحُ معها في أفكارٍ وخيالاتٍ وهي تعُود في بعض اللحظـات لذكرى ذلكَ اليومِ في منزل سلطان حينما احترق، ارتعشَت رغمًا عنها، لربما غادرها الجهلُ قليلًا، وفهمت وجهًا من الحيـاة بعد ما حدثَ لها ومنذ أن سألت سارة ذاكَ اليوم، كرهَت نفسها، وخجلت من حيـاةٍ هي فيها، أسوأ شعورٍ داهمها في حياتِها كلّها كان شعورها يومذاك . . اقشعرَّ جسدها فجأة ببرودةِ تلك الذكرى وبالرغم من دفءِ المـاءِ إلا أن دفئهُ لم يستطِع الوصول إلى ثلجيةِ ذلك الشعُورِ بالخِزي.
زفَرت بوجَع، أخطأ عنـاد كثيرًا حينَ ظنّ بأن الصمت هو الحـل مع ما أصابها، ربّما خانتهُ معرفتـه وبراعته عند أخته هذهِ المرّة.
خرجَت من المسبحِ وتنـاولت المنشفةَ لتجفّف جسدها وشعرها، تحرّكت باتّجاه المجلس لتقف عند الباب هاتفةً بصوتٍ فاتِرٍ حزين : ببدّل ملابسـ ..
صمتت مستنكرةً حينما رأت غزل تُحادثُ في هاتفها بابتسامةٍ وديعة : طيب ، ما عليك خليها علي هي بس خجولة شوي.
غيداء تُغمض عينيها وتفتحهما بصدمةٍ وهي تُحاول أن تستوعبَ بأن الهاتف الذي تُحادثُ فيه غزل هو هاتفها هي!!!
أغلقَت غزل الهاتفَ وأخفضتـه، لتبتسم : شفت جوّالك يرن ورديت ، حرام عليك واضح إنّ هالبنت شحليلها وحابتك.
شهقَت غيداء دون تصديق : ساااارة !! تقصدين ســـااارة؟!!!
غزل بهدوءٍ وكأنّها لم تقُم بخطأٍ ما : أيه هي ، قلتلها اليوم بنزورها استحيت منها على كثر حنّتها وواضح الزعل بصوتها منك ، تقول تتجاهلينها بعد في المدرسة شدعوى !!
غيداء بغضبٍ من تطفّل غزل الذي تجاوزَت بهِ المعقول : نزووورها؟ أنتِ مستوعبة وش قاعدة تقولين .. * وضعَت كفيها على رأسها لتسقطَ المنشفة التي كانت على كتفيها * يمه يا قلبي ومعطيتها كلمة بعد؟ تبيني أطلع من غير شور عناد وماما؟ ولسارة بالضبط اللي عنـاد كارهها!!!
غزل بسخريةٍ رفعَت إحدى حاجبيها : والله يا هالعنـاد مصدّق روحه وماخذ مقلب بنفسه يقال له الحق يحكم على فلان وعلّان وهو السالفة كلها مجرّد سيطرة! أكره هالنوع من الرجـال على باله هو الحاكم والعالم كلّها تحت يده.
غيداء بحنقٍ من حديثها العلني أمامها عن أخيها : ما أسمح لك غزل! ، معليش لا تخربينها بيننا بسبب وحدة ما تعرفينها وجيتي حشرتي نفسك بسالفتي ويّـاها.
غزل تصمتُ عن ذمّ عنـاد وهي في داخلها لا تُريد خسارة غيداء التي تصنعُ منها جانبًا لا تعرفه وتضحكُ معها بعفوية، صمتت لثوانٍ قبلَ أن تلفظَ بهدوء : طيب شوفي ، أنا قلت لهالبنت نزورها اليوم أنا وأنتِ، بما أنك متوجسة منها فبروح معك ، هي رحّبت بالفكرة وما قالت شيء لو إنها ناوية لك بنية قشرا تلعثمت وتهرّبت .. إذا لاحظنا فيها سلوك مُريب صدّقيني بعتذر منك على كل كلمة قلتها في حقْ أخوك.
غيداء تهزُّ رأسها بنفيٍ شديدٍ لتلك الفكرة : لا لا ولا تحاولين مستحيل أطلع لها وعناد ماهو راضي.
غزل بمحاولةٍ وإصرار : بس اليوم !! يمكن عناد سامع عنها شيء وظلمها عشان كذا خايف عليك ،
وفي ذاتها تقول " الا متجبّر وشايف حاله الله يخسف برجاجيل مثله لو ماهم في هالحياة كانت الدنيا بخير "!!
أكملت وهي تقفُ وتقتربُ منها : أنا بكُون معك لا تحاتين غيود وإذا شفنا عليها شيء نطلع من بيتها مباشرة . . هاه شرايك؟
صمتتْ غيداء لبعض الوقتِ بقلقٍ ورفض، لتبتسمَ غزل وهي تضعُ كفّها على كتفِها الرطِبَة : أنا معك غيود وبس مرة أولى عشان تكسرين ظنّك اللي بيكون خاطئ على الأرجح ، ماراح نطوّل صدقيني.
بللت غيداء شفتيها بقلقٍ وازدردَت ريقها : طيب عناد وماما؟ يمكن ترجع بعد شوي.
غزل بانتصارٍ بعد أن استشفّت في حديثِ غيداء بعض الرضَا : الحين اتّصل عليها وأقولها بنروح لصديقتي وأكيد ماراح تقول لا ، وبما أنّها هي بعد ظنّها سيء تجاه سارة ماراح أقولها معليش! . . عارفة بيت سارة أنتِ وينه؟
غيداء تهزُّ رأسها بالنفي وعلى وجهها وشاحٌ من القلقِ والذعرِ من فكرة أن تذهبَ إليها دونَ رضا أخيها، أردفَت غزل ببسمة : خلاص ماعليه نكلمها في طريقنا. سواقكم موجود صح؟
غيداء تُعاود هزّ رأسها بالإيجابِ صمتًا.
رفعَت غزل هاتفها حتى تُحادث ام عنـاد وهي تلفظُ بحماس : خلاص روحي بدّلي ملابسك واجهزي على ما أكلمها.


،


يقفُ أمـام البابِ الخارجي وهو ينظر للرجـال اللذينَ يدخلونَ إلى منزله، ملامحهُ صامتـة، لا تحكِي عن شيءٍ مما في صدرِه، يتمنى لو يسيرُ هذا الليلُ سريعًا وينسى نفسهُ معلقًا في هذا المكـان ولا يمشي خطوةً باتّجاهِ هذهِ الخيبـة، يتمنى لو يذهبُ جسده على الأقل لكن لتبقى روحهُ ومشاعرهُ هنـا، ليتجمّد الحُزن هنا، في هذهِ الخطوةِ الساكنةِ لا الخطوةِ التي تليها، في هذهِ الخطوةِ الصامتـة لا خطوةُ الاقترابِ من نـارٍ تُحرقه.
زفَر بضيق، ماهذا الضغط الذي يُمارسهُ على ذاته؟ ليته رفضْ! أو على الأقل جعل كلَّ هذا في منزلهِ هو دونَ حضور سلمان، لم يكُن ليهتم للنـاس ونظرتهم وأسئلتهم الفضولية حول غيابِه! كل شيءٍ كان ليكُون سهلًا، سهلًا جدًا ، غيرَ الآن!!
أدار رأسه للصوتِ الذي كان يُحادثـه : هذي الساعة المباركة اللي شفناك فيها يا بو فهد.
استدارَ سلطان وابتسم : أهلين عمي بو نواف.
مدّ يدهُ ليُصافحه. أبو نواف بعتب : وينك يا رجّال غطست وما عاد شفناك.
سلطان بلطف : مشاغل الدنيا.
أبو نواف : سمعت إنّك شِلت زوجتك من بيت أبوها بدون لا حفلة ولا شيء! ولو إني استغربت تسرّعك بس حابب أقول مبروك الله يجعل حياتَك ويّاها كلّها فرح ويرزقكم بالذريّـة الصالحة.
سلطان : تسلم.
أبو نواف : الله يسلمك ، ندخل والا واقف منتظر أحد؟
سلطان يهزُّ رأسهُ بالنفي ووقتُ مجيء أبو نواف كان مناسبًا حتى يجدَ الدافعَ ليدخل : أبد كنت توني واصل على جيّتك.
تحرّكـا ليدخلا، بدأ أبو نواف بالسؤال عن سلمان وهو يبتسم على مضضٍ ويردَّ عليه، لا أحدَ يعلمُ كم أنّ تعليقهُ فيَّ يجرحني بسهامٍ عددها السنواتُ التي مضَت معه.

كان يقفُ مُحدّثًا أحد العاملين اللذين استأجرهم لتنظيمِ عشاءٍ ضخمٍ كهذا، يتحدّث معهُ بجمودٍ وذات الهيبةِ التي لا تتزحزح، تحرّك العامل مبتعدًا بعد أن انتهى من حديثهِ وأوامره له. استدارَ ليعاودَ الدّخول للمجلسِ الخارجيِّ الواسِع، لكنّه تجمّد في مكانه فجأةً وهو يلمحُ سلطان يأتِي مقتربًا ومعهُ أبو نواف، يُحادثهُ بابتسامةٍ من يراها يصدّقها، لكنّه وبما أنه يدركه جيدًا أكثر من أيِّ شخصٍ آخر رأى تلكَ الابتسامةَ بحقيقتها، ببهوتها ومجاملتها.
لا أحدَ يفهمهُ كمـا هو، لا أحد يتعرّى أمامه سلطان بكلِّ مشاعرهِ إلا أمامـه وإن حاولَ أن يسترَ ذلك العريّ بتصنّعِ اللا مبـالاة والحقد، يدرك أكثرَ من أيِّ شخصٍ آخر أنّه لازال يتألم، لازال يضعفُ بحبّه لهُ وإن حاولَ إقنـاع ذاته بأنّه كرِهه.
ابتسمَ ببهوتٍ في المقابـل، في تلكَ اللحظةِ اتّجهت عينا سلطان وأبو نوّاف إليه، توقّف الزمن للحظـاتٍ قصيرة، في ملامِحِ أبيه المختبئة في تقاسيمه، في نظراتِهِ البـاردة، في وقوفهِ الثّابت وجمودُ وجههِ وعينيْه المتّجهتين إليه . . يراهُ لترتبكَ الحيـاة! لتفقدَ توازنها، ليس عدلًا! ليس عدلًا أن يتحشرجَ صدرهُ كلّما رآه ويغصَّ القهرُ في عينيه بينما هو جامد/بارد. ليس عدلًا كل ما يحدثُ له الآن وما يحدثُ كلّما رآه، هاهو صدره يتوعّكُ بنَفَسِه، هاهي الكلماتُ تغصُّ في حلقه والقهرُ في محاجرِه، كان يعلمُ أنّه سيلقاه، لكنَّ اللُقيا ككل مرةٍ تكونُ قاسيةً متخثّرةً في حلقـه، لا تمرْ! كلُّ ما يتعلق بهِ لا يمرْ، يتوقّف عنده، تتوقّف الحيـاةُ بمُجملها، يصبحُ أضعفَ فيها من أن يصمُد، إلهي ماهذا الضعف! ماهذا الضعف!! . . عضَّ على شفتهِ بقوّة وشد على قبضتيْه، جسدهُ تشنّجَ تلقائيًا عدا أقدامهِ التي أكملت سيرها بصمتْ، بجانبِ أبو نواف الذي ابتسمَ لسلمان المُقتربِ منهم بابتسامةٍ مماثلة/جامدة!!
وقفَ أمامهم وصدرُ سلطان يبدأ في الارتفاعِ منفعلًا مع انخفـاضٍ خائب، رحّب سلمان بأبو نوّاف ومن ثمّ نظر لسلطان بابتسـامةٍ لم يستطِع قراءتها، كيف لا والألمُ يحجبُ عن عينيه كل شيء، بقيَت النظراتُ تتواجـهُ بصمتٍ في حربٍ طاحنـةٍ لم يُنهِها التاريخ، لم تَكتُب نهايتها السِّيَرُ بعد. من سيربح؟ من سيُنهي رحلتهُ في محطّة الراحـة، هل يكُون سلمان فيرتاحُ ضعفَ ارتياحه؟ أم يكُونُ هو فتُغسل كلُّ آلآمـهِ بعد خيباتٍ أُلوفْ! بعد خيباتٍ وحُزن! هل سيرتـاح أصلًا؟ وكيف يرتاح؟ وهذا الغدر لم يكُن كأيّ غدر، هذا الغدر عمرهُ خمسةَ عشرَ عامًا بِيضًا أحبّهُ فيها كما لم يحبَّ أحد، رأى الحيـاةَ فيه لتتحطّم نافذتهُ فجأةً فكيف عساهُ يُكمل رؤية الحيـاة كما كانت.
أجفلَ وتراجعَ خطوةً للخلفِ وهو يلحظُ اقترابَ سلمان، توجّست ملامحه وانعقدَ حاجباه باستنكـارٍ قلِق، في حينِ بقيَ هو يبتسم بتلكَ الابتسامةِ المُبهمةِ ذاتها، حتى وقف أمامهُ مباشرةً أمام أنظـارِ أبو نوّاف ليضعَ كفّهُ على رأسِ سلطان ويقبّل جبينه!!
اتّسعَت عيناه بصدمة، وارتعشَ رغمًا عنهُ بعد أن اضطربَ قلبهُ الذي نسيَ قُبلةَ تلكَ الشفاه، نسيها وقد كانت الأخيرةُ قبلَ تلكَ الصّدمـةِ بلحظاتٍ غيرِ طويلة، اعتاد في كلِّ يومٍ هذهِ القُبلة ليردّها بواحدةٍ في أنفهِ وأخرى على رأسه، لكنّها الآن صادمة! شاذّةٌ عن وضعهما الأسـودِ بعد بياضِه . . تراجَع بقوّةٍ وعنفٍ وهو ينظُر إليه بقهرٍ وألم، يُداعبُ الذكريات الحلوةَ لهما بوحشيةٍ تؤلمه، يُـوَلّفُ الأيـامَ بينهما بدمٍ لن يجف، جُرحَت، ودمها لن يجف! تاللهِ لن يجف . . في حين كانت إحدى حاجبيْ أبو نوّاف قد ارتفعَت باستنكارٍ للشحناتِ التي لحِظها بينهما وفضّل الابتعاد عنهما.
سلمان بهدوءٍ مُستفزّ وهو يُبلّل شفتيه : جاء في بالي احتمال 1% إنك ماراح تجي ، هالواحد كان كافي عشان أصدّقـه.
سلطان يزدردُ ريقهُ وهو يضوّق عينيه بحقدٍ ويدفعُ مشاعره المضطربة بعد تلكَ القبلة : لا عـاد تمثّل قدام العالم بشيء مقرف ما يليق لك!!
سلمان بابتسامةٍ ظهرَت بها أسنانه : وش تمثيله؟
سلطان بقهر : لا عاد تقرّب مني.
سلمان باستفزازٍ له : اوووه هذا اللي مخليك تناظرني بهالحقد؟ عمومًا تفضّل يابو فهد تو ما نوّر البيت بطلّتك.
صدّ عنهُ سلطان بقهرٍ ومضى باتّجاه المجلس، رغبـةُ القتلِ تتأجِج في صدرهِ من جديد، أمنيـتهُ المجنونة تعود لتنثرَ صداها في عقله من جديد، لو أنّ كل ذلك حلم؟ لو أنّ كل ذلك وهم؟ لو أنّه في غيبوبةٍ ما سيستيقظُ بعدها ليُصدم بأنّ كل هذا الألمِ سراب! لو أن - لو - لم تأتِي في هذهِ اللحظـة ليُدرك أنّ كل شيءٍ لم يكُن، لم يكُن! وتبقى لو تشرحُ الضعفَ والخذلانَ في صدورِنا.
هزّ رأسـهُ وهو ينفضُ تلكَ الأفكـار ويكفكفُ حزنه خلفَ ابتسامةٍ باردة، ليُلقي السلام ما إن دخَل.


،


ترمي ملابسها في الحقيبةِ بفوضويةٍ عنيفة، دموعها تجري على وجنتيها بقهر، في لمعةِ أحداقها غضبٌ وحُنقٌ من إرغـامِ فوّاز لها بما لا تقواه، مهما أرادته وتمنّته إلا أنها لا تقواه، لا تقوى لقاءه، لا تقوى رؤيـة عينيه لترمي نفسها في أحضانـه، ستوجعه، ستُعيدُ تلكَ اللمعـةَ من جديدٍ ليحلَّ العتابُ مرةً أخرى، هي لا تفعلُ كلّ ذلك بتخطيط! ليسَت بذاكِ السوءِ الذي يراهُ من حولها، ليسَت بذاكِ السوءِ الذي يسمحُ لأرجـوان بإيلامها، بتجاهلها، بالصدِّ عنها وإلحاقِ المزيدِ من الأوجـاعِ إليها.
لمَ تشعُر بالوحدةِ تخنقها؟ تستحلُّ الجزء الأكبر من حياتِها، تلكمُ معدتها بحضورِها المُسيطرِ على دفّةِ حياتِها، فوّاز لا يكفيها عن السنينِ التي عاشتها بين عائلتها، لا يكفيها عنِ الضحكاتِ المجنونةِ تلك، عن الإجتماعاتِ المُشاكسة، عنِ الليالي التي استدعَت فيها أرجوان لتسهر معها في غرفتها على فيلمٍ جديدٍ لتمثّلا النومَ كلّما فتحَ والداها البابَ حتّى يتأكدا من نومهما، عنِ الرّقصاتِ المجنونةِ التي كانت تؤلفها وصراخِ أرجوان لتُغلقَ الأغانِي وقد قررت أن تتوب وتتوقف عن الاستماع إليها لتعُودَ دونَ شعورٍ لتشغيلها كلّما انطفأت، ويدخلَ والدها أخيرًا ويغلقها لأنّهما أزعجتاه، يبدأ مسيرةَ النصحِ وأنّ رصاصًا ذائبًا ينتظرهما في النـار، فترتعبان لساعاتٍ ثمّ تنسيا النصح وتعُودُ الكرّة، عن كل شيء! عن كلِّ جنونٍ عاشتـهُ في كنفِ عائلتها، عن كلِّ تلكَ الرقـةِ والسعـادة التي كانت تُحيطها. ليسَت ذكرى عابرة لتتجاهلها! ليسَت ذكرى عابرة لتنساها وتُدثّرها بابتسامةٍ تشقُّ الأرضَ لعُمقها، منذ وقفَت تلكَ الغيمةُ في حياتِنا ونحنُ نتظرها أن تهطُل بماءٍ عذبٍ يجعلنا نبتسم، لكنها توقّفت فقط، توقّفت لتظللنا عن الشمس، توقّفت لتُزهقَ ظلالنـا.
شهقَت بألمٍ وهي تجلسُ على السريرِ بجانب الحقيبةِ التي حملت قليلًا من الملابس بفوضويّةِ مشاعرها، عضّت شفتها السُفلى ووجنتيها تحمرّان ملتهبةً بهذا البُكاء، بكاؤها فاضِح، إن داهما بكَت ملامحها وإن لم تسقط الدمُوعُ بعد، سيأتِي فوّاز ليرى المعالم التي نحتها على وجهها لإرغامه لها على مالا تريد، لا وجعَ أكبر! سابقًا تركها والدها بقسوةٍ وأمرها أن تذهب مع فواز " بلا حفلة زواج "! والآن فواز سيُعيدها إليه بذاتِ القسوةِ بحجّةِ " حفلةِ الزواجِ " هذه! من ذا الذي يحتملُ هذا التراشُق؟ يؤذونها كثيرًا بقسوتِهم هذِه، يؤذونها كثيرًا.


يُتبــع ..

كَيــدْ 30-11-15 09:13 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




لازالتْ الليالـي كعادتِها طويلـة، الظلامُ طويل، والصبحُ يغادر بسرعة، كم باتت تكرهُ الليل! الكتابـة، الشاي، كلّ ذلك كانت تحبّه! لكنها فجأةً كرِهته، لطالمـا كانت تحب كتابة المقالاتِ العلمية، الاجتماعية، تمارسُ شيئًا أدركتهُ من قراءآتِها والكثيرُ من تخصصها الذي لم تُكمله " علم اجتماع ". ولطالمـا كانت تقرأُ اعتقاداتٍ كانت تراها خاطئةً عن الكتابـة، بأنّ الكتّاب مجانين، مريضينَ بالوحدة! الانطوائية، يُسهبونَ في حزنهم ويبالغون فيه، أو ينثرونهُ على أوراقهم حتى لا يُغرقهم، رأتْ كل ذلك هرطقات! لكنها الآن أدركت أنها تُعاني من ذلك، أنّها أصبحَت انطوائيةً فجأة، تُسهب في حزنها، مُثيرةٌ للشفقة!!
هل هو إسهابٌ في الحزنِ أم أنّ الصدمةَ ذاتها تستحقُّ هذا الحزنَ وأكثر؟ تستحقُ التضاؤل أمام الحيـاة، لطالما أنشدت في أحرفها بأنّ الحيـاة لا تتوقّف على شيء! لمَ كذبت؟ لم كتبت شيئًا واختلفَت عند فعلِه؟ هل تختلفُ موازينُ القناعات حينما تصبحُ الإصابة لكَ شخصيًا؟ ليست نصحًا، ليست توجيهًا، هي جرحٌ في داخلها، فكيف توجّه ذاتها بكلمات وهي المُحتاجـةُ إلى طبيبٍ يوجّهها ودواءٍ يجعلُ جرحها يلتئمْ!
غارقـةٌ كانت في صورةٍ لـه، في هاتفِ أخيها الذي أعطاها لتضعهُ في الشاحـن، يبتسم للكاميرا، يقفُ بجانبِ فـارسْ وملابسهُ السوداءُ تنعكسُ على بشرتهِ فتجعل منه جذابًا للنظـر، كفهُ اليُمنى على كتفِ فارس، يستقيمُ بجانبهِ الأيسر، لا يليقُ بها! هذا ما فكّرت به، هو لتلكَ فقط، مهما رأت في ملامحه الجاذبية والرجـولة، كحلمِ كل فتـاة، لكنّه ليس لها، هي سارقة! سارقةٌ انتشلتهُ من بينِ يدي جيهان، تدركُ أنّه لو أرادها لرأته أو سمعتْ عنه بعد عقد قرآنِهما، لكنه اختفى! ليُثبت أنه يحاول لملمة نفسه بعدَ زواجٍ لم يُرِده.
شعرَت بشخصٍ يقفُ خلفها، توتّرت واستدارَت بسرعة لترى فارس يقفُ خلفَ الكرسي الأبيض الذي تجلسُ عليه، يعقدُ حاجبيه باستنكارٍ والواضـحُ أنه رأى ما كانت تنظر إليه.
ارتبكَت نظراتها وأغلقَت هاتفهُ بسرعة وهي تكادُ تقتلُ نفسها، لم تتخيل ولو بنسبة واحدٍ بالمائةِ أن يجيء في هذه اللحظة! لمَ ذلك يــا الله!!! لمْ تشعر بحمرةِ الخجل التي تصاعدَت في وجهها لتتلعثمَ الكلماتُ في فمها : أنا ، كنت ، بس ... يعني مااا ...
قاطعها صوتُ فارس بهدوءٍ ليُنهي مسيرة لعثمتها وإحراجها : كنتِ تتأمّلين بصورة فوّاز!!
انفرجَت شفاهها وماتت الكلماتُ في حنجرتها بعد ما غرقَت في إحراجٍ كثافتـهُ حجم الذنبِ الذي تلبّسها في هذهِ اللحظة وكأنّها كانت تتأمّل رجلًا لم يُصبح زوجها، تتأمّل رجلًا يُحرّم عليها أن تفكّر بهِ كتفكيرٍ امرأةٍ بزوجها .. زوجها! لمَ الكلمة مؤذيةٌ لهذا الحد؟ ثقيلةٌ في التفكير، لا تنتمي إليها! لمَ شعرت بأنّها كبيرةٌ جدًا، عظيمةٌ بدرجةٍ يحرّم عليها قولها، وكأنّها سرقَت حقيبةً وسمّتها أمام العالمين " حقيبتي "؟ .. آه! يا لفداحــةِ ذنبها! ما الحدُّ المكتوبُ لمن هي مثلها؟ ما الحدُّ الملائـمُ لسارقةٍ تقتلعُ الأزواج من زوجاتِهن! يُقطعُ فرحهنّ من خِلاف، أولًا يذهبُ دونَ الابتسامة، تستطيعُ التبسّم، لكنْ حينما يكتملُ الحدُّ ستذهبُ تلك البسمة، فهل ينتظرها هذا الاكتمال؟
ارتعشَت شفاهها وهي تنظُر لملامحِ فارس الناظِر إليها بصمتٍ أثلجَ الدمع الذي يكادُ يسقط، ذوّب الذنبَ ليسيلَ من مساماتِها فيُلهبَ بشرتها البيضـاء، احمرّت ملامحها فوقَ احمرارها الطبيعي، عضّت شفتها لتُخفضَ وجهها أخيرًا بذنبٍ ومعصيـة، تزدردُ ريقها، ذاكَ الذي يختلطُ بمرارةٍ كالعلقم، يعبُر الحناجـر فيزيدَ من لوعـةِ - الآه -! تلكَ الآهـةُ التي خرجَت من بين شفتيها الآن لتُردفها بنبرةٍ مُتحشرجةٍ تُبرر بها : دخلت الصور بدون قصد مني عشان أشوفه، ما كنت أدري إن له صور عندك والله! ما كنت أدرِي.
لفظَتها بصوتٍ يمتلأُ بحشرجةِ بكاءْ، انعقدَ حاجباه أكثر، بلل شفتيه وتحرّكَ رأسه ناظرًا لحنايا غرفتهِ بتشتتٍ وهو يزفُر هواءً تمنّى لو أنه كان وجعَ أختـه . . نظَر إليها، وجهها غلّفته خصلاتُ شعرها البندقية التي سقطَت على ملامحها البيضاء لتَستُر حُزنها، تقبضُ على هاتفهِ بقوّة، وكفّها الأخرى تُداعبُ بهِ قماشَ بنطالها القطنِيِّ الأسـود. لفظَ بخفوت : لو ترسلين الصورة لجوّالك بعد وتجلسين تتأمّلينها ليل ونهار ماني قايل لك شيء! بالعكس بكُون مبسوط.
عقدَت حاجبيها لحديثهِ وارتفعَ رأسها ليرى عينيها الغارقتين في ملوحتهما الذائبة، ابتسمَ مُردفًا : ترى فوّاز صديقي وعارف أخلاقه، طبيعي أتمنى شخص مثله لك، بس إنّي أشوف فيك عدم الرضا! تتزوجينه غصب! تبكين لأنّك ما تبينه!! هِنـا أكيد بتضايق وبصرْ إنك تتطلقين منه لو ما ودك فيه حتى لو كان صديقي.
صمتت وتلاشَت الكلمـاتُ في لحظةِ استماعِها له، بقيَت تستمعُ بصمتٍ وهي تقرأ محاسـنَ فوّاز التي ذكرها، هي لا ترفضه لشيءٍ سوى أنّ السوءَ هيَ! أنّ الذنبَ هي، أنها سارقــة!!
فارس يُكمل بابتسامةٍ وهو يمدُّ يدهُ ويتناول هاتفهُ من بينِ كفيْها بعد أن فصلَ الشاحنَ عنه : انصدمت وأنا أشوفك تناظرين صورتـه، لا تبررين خوف مني! ناظريه! بس قوليلي إنّك رضيتي فيه؟!
أجفَلت وهي تراه يفتحُ صورتهُ تلكَ ويقفُ بمحاذاةٍ لها وهي جالسة، أخفضَ هاتفهُ ووضعَ الصورةَ أمامها، ليهمسَ بأمل : راضيـة فيه يا جِنان والا الدعوى ودّك تشوفين الشخص اللي تزوجتي فيه بدون رضاك؟!
شتت عينيها عن الصورةِ رغمًا عنها، ارتفعَ صدرهَا مضطربًا لأقصاهُ لينسى زفيرًا ساخنًا مُتحشرجًا، أيظنُّ بأنها تريده؟ تريدُ شخصًا خُتم اسمُ امرأةٍ على جبينه؟ ربّما يُحبها، لا تهتم! لكنّهُ لها، لهـا منذ البدايةِ ولم يكُن يومًا يُفكّر فيها. ارتعشَت شفتاها قبل أن تهمسَ بخفوتٍ متحشرجٍ بغصّاتها وهي تنظر للأرضِ بعيدًا عن صورته : عادي عندك أكون زوجته الثانية؟
صمتَ فارس لبعضِ الوقتِ وصمتت بسمته، لكنّه تنهّد أخيرًا ليسحب هاتفهُ ويضعُ كفّه على كتفها : ناظريني طيب.
جنان تستديرُ إليه بوجهها المُحمر، بلل هوَ شفاههُ قبلَ أن يهتفَ بهدوء : أنا كرجّال ما عندي أبدًا مانع من التعدد ، فغلط إنك تسأليني أنا هالسؤال لأن نظرتي للموضوع بتكون نفس نظرة معظم الرجـاجيل ، أنتم الحريم نظرتكم عاطفية بحتة، بس احنا نختلف! يمكن البعض إذا مو المعضم منا ما يكُون مؤهل لهالخطوة ، بس فواز!! أبصم لك بالعشرة ولو كان عاشق لمرته بعد مستحيل هالشيء يخليه يظلمك! مستحيييل، يمكن للحين هو مختفي شوي عن حياتِك من بعد العقد، بس بيرجع ، وبيعاملك مثل أي زوج وبيسعدك بعد. لا تفكرين إنّي ما أفكر لأختي برجال تكون هي الأولى بحياته، أنا فكّرت من جانب المنطق ومن الجانب الإيجابي للموضوع ، وش يدرينا ممكن يجيك رجّال ما تزوج من قبل ويخليك تعيشين بجهنم! وممكن رجّال متزوج ثلاث ويعيّشك بنعيم!! . . خلي عاطفتك الحين، وخلّي تفكيرك بمرته الأولى ، فكّري بنفسك جاك رجّال يُشهد له بأنّه نشمي ومستحيل يضيمك!!
سقَطت دموعها برفضٍ لحديثه، كيف يطلبُ منها أن تترك عاطفتها وتفكيرها بزوجته! كيف يقُول بأنّه يتحدّث بالمنطق! لو أنّها في موقِعِ جيهان هل كان ليقول هذا الحديث؟ هل كانت هيَ لترضى بأن يتزوج زوجها بأخرى؟؟ لا علاقـة لها بنظرة الرجـال، لا علاقة لها إن كان جيدًا سيعدلُ أم لا، لكنّها لا ترضى! لا ترضى أن تمتلكَ رجلًا هو لغيرها أساسًا، لا ترضى أن تستحوذَ على ممتلكاتِ غيْرِها.
هزّت رأسها بالنفِي والاعتراضِ لكلِّ ما قاله، تحررت حنجرتها من تضخّم تلك الغصة وتضاءلت ليخرج صوتها أخيرًا بعد احتباسِه، ليخرجَ معترضًا عنيفًا : أفكّر بنفسي؟ أنا لو فكّرت بنفسي بقول ماراح أرضى إن زوجي يتزوّج عليْ! ماراح أرضى إنّي أكون ثانية بحيـاة رجّال، إذا أنتم الرجاجيل تغضبكم فكرة إنّ طليقتك وهي طليقتك وما عادت لك تزوّجت من بعدك، فكيف أفكر بشخص هو ملكْ غيري؟ ما يهمني هوّ نشمي، هو رجّال بيسعدني، ما يهمني غير إني ما آخذ حياة غيري! عمري 23 سنة يا فارس! ليه أحجز عمري بشخص متزوج وأنا ببداية حياتِي؟!!
زفَرَ واستقامَ مُبعدًا كفّه عن كتِفها، ابتأستْ ملامحهُ قليلًا وتلاشت كل ظلالِ البسمةِ والأمـل، لن يُرغمها على شيء، مهما تمنّى رجلًا كفواز لها إلا أنّها ستبقى ككل أنثى، من الصعبِ أن ترضى بحالٍ كهذا، الإناثُ خُلقنَ ليمتلكنَ رجلًا واحد، لا يستطعن التعداد، لذا دائمًا ما تكونُ نظرتهنَّ تملّكيةً لمن يُحببن، أمّا الرجـال فخلقوا وهم يستطيعون أن يكون في كنفِهم أربعة! وهنـا سببُ اختلافِ النظـر . . لن يُجبرها! بالتأكيدِ لن يُجبرها.
صمتَ للحظـاتٍ قليلة قبل أن يركّز بنظراته على عينيها ويهتف بحدّية : تبينه يطلّقك يعني؟
جنان بقوّةٍ تنظر في عمقِ عينينه : أيه ، أبي الطلاق.
فارس بعد زفرةِ يأس : لك اللي تبينه ، والله ما تجلسين بذمته إذا هالشيء يضايقك ولو إنّي أبيك تفكرين أكثر بعيد عن عاطفتك.
ابتسمَت جنان بسعادةٍ وهي تقفُ وتقتربُ منه، قبّلت كتفهُ وهي المحتاجةُ لوقفةٍ كهذهِ تُريحها من كلِّ هذا الذنب، كفارةٌ لمعصيتها، لا أمـل لها إلا فارس، لا أمـل لها إلا هو.
همسَت بنبرةٍ مـمتنةٍ باكية وهي تأكّد لهُ ما تريد : أي فارس ، الله يخليك ما ابيه! ما ابيه ولا بفكر بالعكس حتى.


،


ضجيجٌ يملأُ مسامعها، أحاديثُ تختلطُ بلهجاتٍ عربية، مصرية، شامية، ليبية، والكثيرُ من اللهجاتِ الخليجية! لطالما عشِقَت اللهجـات، كانت دائمًا ما تظهرُ بلسانٍ ذُو حلّةٍ جديدة يضحكُ بها بَدر، دائمًا ما يقُول لها بأنّها " زاحفة "! وتتجاهلهُ هي وتحادثه بلهجةٍ تكون تارةً نجديةً بحتة، وتارةً حجازيةً بحتة، ومرةً جنوبية، ومراتٍ كثيرة شمالية أو مصرية والأكثرُ أن يخلطَ حديثها بالمغربِ والمشرق، يقُول لها بدر في بعضِ المرّات " خرّبتي اللهجة "! فتردُّ عليه بلهجةٍ جنوبيةٍ متدللة " احلف لك اللهجة قاعدة تقول يطعنّي اللي يحكي بي ما جمّل الحكِي الا فمّش العذبْ يا غادة وما زانَ الغزل الا لعيونِش الحلوة عساشْ عن حوّاء كلهم يفدونِش بسواد عيونهم ويضمونش برمشهم جعل الضيم ما يقربش ولا يضايق قلبش "، فيضحكُ طويلًا دونَ أن يستطيعَ كبحَ ضحكاتهِ وهو يقول من بينها " وي وي وش دخّل كل هالغزل ردّي على قدّ الجواب ! " فيأتِي ردّها ضاحكةً " ما أسهبت في الحديث إلا لأجل - الشين - ".
أينَ ذلك الدلال؟ تلكَ الضحكةُ الطويلة؟ الآن هاهو يجلسُ على طاولةٍ بجانبها مع عربيٍ يعرفهُ في هذا المطعمِ العربي المُزدحمِ بصحراءِ الشرقِ الأوسط، تنظرُ لطبقها ببؤسٍ و " الكبابُ " لا يُغريها هذهِ المرّة على غيرِ العادة، وأمامها حسام يأكلُ طعامهُ بشهيّةٍ مفتوحة.
ازدردَت ريقها وشهيتها مغلقة، رفعَت عينيها تنظرُ إلى ابتسامتهِ وهو يحادثُ الذي يجلسُ أمامه خلف الطاولـة، تنتظرُ أن يرفعَ عينيه، تُدرك أنها إن اتّصلت بهِ سيتجاهلها تمامًا، لذا انتظَرت أن ينظر نحوها وهي واثقةٌ بأنّه ينظر نحوهم كلّ عشرِ ثوانٍ بقلقهِ الذي لا يرضى أن يتركه.
رفعَ عينيه فعلًا حتى يطمئن عليهم، أسوء شيءٍ أن يعيشَ الإنسان حياةً يخشاها! يخشى أن يُسرقَ منها فجأة أو يُسرق من يُحبْ.
التقطتهُ عينا غادة لتُشير إليه بأنها تُريده، حينها تجمّدت نظراته، وتجاهلها! بكلِّ بساطةٍ وهو يعُود ليحادثَ من معه.
تحشرجَ صدرها بألم، زمّت شفتيها والوجعُ يتجدّدُ في صدرها، تجاهلهُ لا يُربّي عن المعصية، تجاهلهُ يقتل! واللهِ يقتـل . . وجَدت نفسها تندفعُ بألمها لتقف متجاهلةً ردّة فعله، تمرّدت ساقاها لتتّجه إلى طاولته وتقفَ أمامه مباشرةً ليرفعَ هو نظراته متفاجئًا، بينما لم تترك لهُ الوقت الكافي ليستوعبَ إذا هتفَت بثبات : متى بنطلع؟ اختنقت من المكـان.
شعرَ بغضبٍ عارمٍ جعل النارَ تندلعُ من عينيه بوعيدٍ وهو يأمرها بصمتٍ أن تعود لطاولتها، لكنّها ثبّتت قدميها رغمَ خوفِها لتبقى في مكانها، وعينُ الرجلِ الآخر تتابعُ ما يحدثُ بصمتٍ وهو يُداعبُ بيدهِ سماعة التجسس المُختبئةِ خلفَ ياقةِ قميصه!
بدر بنبرةٍ ثقيلةٍ غاضبة بعد أن رأى أنّها لن تتحرّك : عفوًا أختي! من وين تعرفيني؟!
صُدمت وتجمّدت ساقاها، تحرّكت خطوةً للخلفِ وملامحها تبدّلت مائةً وثمانينَ درجةً لتتنحنحَ وهي تُحاول بفشلٍ أن تحسّن خطأها بعد ما فهمته : مو ئلت يا بيبي رح تدفع عني وبعدها بدنا نطلع نتمشّى سوا؟!
قالتها بدلالٍ مُرتبكٍ وهي تميل على طاولتهِ قليلًا، بينما غضبٌ عارمٌ في ملامحهِ كان يجري، يحاولُ تجميد يدهِ كي لا تندفعْ وتفقأ عينَ الرجل الذي ينظُر إليها بطريقةٍ يُدركُ أنها قذرة!! . . لفظَ بصوتٍ ثابتٍ وابتسامةٍ قاسية : اووه أنتِ اللي صدَمت فيها أول ما دخلت المطعم!! يا حليلك باقي متأمّلة ترى لقيت لي اللي تغطّي عنك.
تصنّعت الغضبَ وهي تستقيمُ وتحملُ كوبَ الماءَ الذي بقيَ منهُ القليل لتُسقطهُ على كمّ معطفِه ، وبقهر : هيك عم تلعب فيّا يا ابن الكلب!! يخرب بيتك شو حقييير.
قالت كلماتها بغضبٍ ومن ثمّ ابتعدَت عنهم لتجلسَ في إحدى الطاولاتِ الفارغة وتهزَّ ساقها بغضب، بينما رفعَ الرجل الذي مع بدر حاجبًا وابتسمَ بتسلية : عنيفة!!! ولذييييذة صراحة لو مكانك ما أضيّعها عليْ.
بدرْ بقهرٍ يمسحُ معطفهُ الجلديَّ من الماء وصدرهُ يشتعل، نظر إليه ولفظَ بابتسامةٍ ضيّقة : ما عليك منها نكمّل حكينا.
نظرَ إليهِ بعد أن كانت نظراته متعلقةً بغادة، وبمكر : اللي يشوفك يقول ماوراه هالحركات طلعت من جنبها.
بدر بغضب : نرجع لموضوعنا أفضل من هالحكي الفاضي يا محمد.
محمد يغمزُ له : الحين فاضي والا يوم دخلت وشفت المزّة كان غير.
يكادُ يلكمهُ لا محالة! بل يكـادُ يقتله!! لو لم يكُن صوتُ عبدالله يصلُ أذنيه الآن بأن يتجاهل، لقتلَهُ لا محـالة.
تنحنحَ بدر ووارى نارهُ خلفَ نبرةٍ جـادة : المهم ، أنت الشاهد الوحيد حاليًا لنا على أعمـال سعُود الرازن وتجاوزاته، الدلائِل الحين معك؟!
محمد بابتسامةٍ ماكرة : في شقّتي ، نروح لها؟
بدر بتهرّب : لو مو عندي أشغال الحين! نتّفق على موعِد ثانِي؟
صمتَ محمّد لوقت، ثمّ هتف : ما أقدر! خروجي مرتيْن وثلاث بهالشكل خطر علي وأنت أدرى من بعدْ خيانتي لسعود، أكيد ماراح يتركنِي كذا.
صمتَ بدر لثوانٍ وكأنّه يُفكر بينما كان يستمعُ لحديثِ عبدالله في أذنه، ومن ثمّ هتفَ بثبـاتٍ بعد تلقّيه للأوامر : بأجّل كل أشغـالي وأروح ويّاك ، أكيد بخلّي حراسة علينا ونقدر منها نحمِيك.
وقفَ محمد وابتسامةُ نصرٍ تتجلّى على شفتيه، أخيرًا هاهو سيوقعُ ببدر وينجح في مهمته التي ستُكلل بمكافأةٍ لم يحلم بها حتى! ... : مشينا
تحرّك محمد ومن خلفهِ بدر يتباطأُ خطواتٍ وهو ينظر بطرفِ عينيه لغادة التي كانت لا تزال تجلسُ لوحدها بعيدًا عن حُسـام، تنظُر إليه بمراقبةٍ صامتـةٍ وقلِقه، تُعاتبُ ذاتها في داخلها على تهوّرها المجنون، تطلبهُ سماحًا أخيرًا وإن لم يكُن قد سامحها على خطأها الذي يسبقهُ بعد. بينما كان بدر ينظُر إليها بعينينِ يرجوها منهما أن تكون حذرة، أن تبقـى بخير، حتى يعُود!
كان خلفَ محمّد بخطوات، لذا أخفَضَ صوتهُ وهو يُحادثُ عبدالله بعد أن أبعد نظراته عن غادة : أهلي ! أهلي لا تخليهم هنـا بروحهم تكفى.
عبدالله من الجهةِ الأخرى وهو يضوّق عينيه بتأثرٍ لنبرته : لا تحاتي، الحين نوصّلهم لشقتك سالمين.


،


الأحـاديثُ تتداخلْ، كأنّ اللغـاتِ كلّها اجتمعَت في أذنيْه حتى تدورَ بهِ الأحرفُ ولا يفهمُ منها شيئًا، هنـاكَ ضائقةٌ شعوريةٌ في صدره، في جانبُه الأيسر عضلةٌ ضاقَ بها الدمُ وجفّت، توترٌ في أنفاسـه، رائحةُ العودِ المُعتـادِ على سلمان امتصّتها كل زاويـةٍ ليشعرِ بهِ على يمينه، على يساره، أمامهُ ومن خلفه! هناكَ مرضٌ اعتلّه اسمه " سلمان "، مرضٌ لا شفـاءَ منه، مهما أجزمَ أن العدلَ سيُشفيه إلا أنه في قرارةِ نفسهِ لن يُشفى.
يرتشفُ من القهوةِ العربية، عيناهُ شاردتـانِ في لونِ القهوةِ الاستثنائي، رُمزَت هذهِ القهوةُ إلى العربِ بمرارتها وبالرغم من هذهِ المرارةِ إلّا أنّها مصدرُ إدمـانٍ لدى المُعضَمِ منهم، وسلمـان قهوةٌ أخرى! كيفَ تجتمعُ المرارةُ والحاجـةُ فيه؟ إلهي! هل يعترفُ بأنّه يحتاجه! أمـازال حتى مع سنواتهِ السبعِ والعشرينَ يحتاجُهُ أبًا يطبطبُ على كتفِه كلّما تعرقل؟ ما الذي يُفكّرُ به؟ أيُّ أبْ؟ أيُّ أبٍ وهو قتل الأبَ ذاتـه.
عضّ طرفَ فنجانِ القهوةِ دونَ أن يستطيعَ مقاومـةَ ذلك والضغطِ الذي يضيقُ بقلبه، هذهِ القسوةُ قد تمتدُّ إلى قلبهِ فتُفيقهُ مما هوَ فيه، هذهِ القسـوةُ قد تجعلهُ يستيقظُ من إدمـانِ تلكَ المرارة! آه يا الله! الهمني الصبر، ما عادت روحي تقوى، ما عادت تقوى كلَّ هذهِ الخيبـات.
لم يشعُر بعنـاد الذي جلسَ بجانبه، كانَ يُراقبُ انفعالاتِه منذُ دخَل، نظَر إليه بتركيزٍ ليُصدمَ من وضعهِ ويرفعَ يدهُ حتى يضعها على كتفهِ هاتفًا بقلق : سلطان!
سلطان ينتبهُ إليهِ ويستديرُ بعد أن أرخى أسنانهُ وأنزل الفنجـان، نظرَ إليهِ ببؤسٍ وهو يشتكي بعينيه مِن حُزنِه وخذلانِه، يستسلمُ لكلِّ كلمةِ شكوى تهطُل من حدقتيه ليلتقطها عناد ويشدَّ على كتفِهِ أكثر، لافظًا بهمس : تحمّل ، تحمّل! ليلة وبتعدّي.
سلطان بحشرجةٍ يصدُّ عنه : هو بكل لحظـة في بالي ، ماهو ليلة وبس! ماهو ليلة.
عناد بقوّة : وماهو أنت اللي تضعف عشان خيانة وغدر! اصحى يا سلطان هي حيـاة هذي كل ما شفته انقلبت حواسك؟
سلطان بقهر : ماني أنت، ولاني مثلك أقدر أتجاوز! عمرنا 15 سنة يا عناد! عمرنـا ماهو يومين!!
عناد بحدة : ليه ماهو 27!! ليه تحصر نفسك بهالشكل فيه؟؟
سلطان : و 27 أييش؟ 15 سنة منها له!!
عنـاد بغضب : أعوذ بالله ! أعوذُ بالله!!!
عضَّ سلطان شفتهُ وهو يضعُ الفنجانَ بحدةٍ صخبَت بهِ الطاولةُ الزجاجية ولفتت منها بعض الأعيُن القريبة، دخَل في تلكَ اللحظـةِ عاملٌ اقتربَ منه ليهمسَ لهُ - بأنّ سلمان يُريد منهُ أن يشرفَ على جزءٍ من العشـاء فوحدهُ لن يستطيع.
نهضَ بحنقٍ وهو يحاول إقنـاع نفسه بأنّ تجاهلهُ لهذا اليومِ خاطئ، لطالما كان الأكثـرَ حماسًا، ووالدهُ - الحقيقي - لا يستحقُّ كل هذا البرودِ في صدقةٍ له، تحرّك ليتبَعهُ من خلفهِ عناد وهو قلقٌ عليـه.

.

.

.

انــتــهــى ..

ما عندنا تعليق :) ارتحتوا أخيرًا ياللي مجهدين نفسكم بمتعب وماجد وهو وماهو هو؟! الحين طلعنا من نطاق هالسؤال وصرنا بنطاق ( وش بيصير له؟ وش بيصير لأسيل؟ شاهين؟ وش قصّة شاهين أساسًا !!! )
جزئيته كانت بتبكيني عاد :( - يعني ابكوا معي - لووول. فديته ولدي عاش بغربة سنتين -> قاعدة تلطّف الجو عشان ما تجلدونها :P
عمومًا ، موقف متعب كنت بغيّر مكانه وأخليه قفله عشان تواجده في البداية ممكن يشتت تركيزكم عن باقي البارت، بس مكانه الصحيح هو البداية وبخرّب تنظيم البارت لو غيّرت ترتيب الأحداث.

سُو ، نشوفكم على خير وحاولوا ما تخلّون تفاجئكم بمتعب ينسيكم باقي المواقف * دمعة * :" + دعواتكم لي عندي امتحان بكرا ماقد ذاكرت منه شيء وحصرت وقتي اليوم بهالبارت، لا تبخلون علي بدعاءكم.

^ هذا وهي ما عندها تعليق :) الزبدة موعدنا الجاي يوم السبت ()

ودمتم بخير / كَيــدْ !






فتاة طيبة 01-12-15 08:07 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
يالله صدمتيني ياكيد صدددددددمة عنيفة اجل شاهين غدر باخوه مستحيل شخصيته طول القصة ماتدل على هذا الشيء ...
بعدين غزل ان شاء الله تاكل علقة محترمة من سلطان عساه يعلقها برجولها ايش دخلها في البنت تخربها على اهلها الله ياخذ تفكيرها الغبي .

bluemay 01-12-15 10:13 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
يا هلا وغلاا والله


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته


ويسعد صباحك حبيبتي وكل اوقاتك ...


بالنسبة لقضية متعب فأنا متأكدة من براءة شاهين تماما وما هي إلا مكيدة من عصابة سويلم الله اعلم شو المقصود منها.



انا احتج واعترض وااندب واشجب واستخدم جميع صيغ القمم العربية عالقضايا المصيرية لوووول

ليش فارس يوقف مع جنان ؟!!
خلونيمن اخوها وبطيخ ..
يعني هي لساتها صغيرة وما بتعرف مصلحتها

بس عشمي كبير انه فواز كفو وما بطلقها .

اصلا انا غاسلة ايدي من جيهان وعشمي انه جنان بتعوضه وبتبهج امه .







أسيل .. يا من يمسكني شو اسمه
اي وبعدين مع موالك اللي ما بنتهي ؟!!

بصراحة ولﻷننا في عصر صار الحب فيه مزيف وسلعة تقول صناعة صينية لووول إلا من رحم ربي

بس اللي صاير انه البعيد عن العين بنمحي من القلب
واللي بجرح القلب بأقرب حاوية بنقلب لوووول >>> لا اليوم شيطان اﻷمثال شاد همته معي هههههه

فأسيل عاملة فيها قيس بن ذريح مدري شو سمه هذاك
يعني مو قادرة استوعب معاناتها وشايفاها ميلودراما كورية ثقيلة >>> ولا بعرف وجوههم لووول مجرد تمثيل فيهم لا اكثر

يعني راحمة هالشاهين اللي مضوي لها ايديه شموع وهي ما زالت تتغنى بمتعب وايامه .

المصيبة بعد ما تدرى انه حي .. اي وقتها بتقلبها أوبرا مآساوي اكيد

يلا لنشوف غلى اين ستصل بنا الرحلة وياهم .






غزل طالعت وشها الشين بذا البارت
وساوت اللي كنت خايفة منه
يا رب امها ترفض ﻷنها راجعة عالبيت تكون

غيودة خايفة عليها وسوير الله يرد كيدك بنحرك يا الطفسة ..






سلطان فعلا معاناة وجوده مع شخص كان بمثل كل شي حلو وصار بمثل كل شي بشع ومؤذي

بس من حكي سلمان انا حاسة انه مضطر يمثل ليحمي سلطان
ﻷنه في خطر على حياته لو وقف بجانبه متل اول

بصراحة محير بس اظن انه مو متل تخيل سلطان السيء عنه.






مشكورة با الغلا و ربي يوفقك بامتحاناتك

ومقدرين لتعبك معنا


البارتات فعلا مميزة وكل ما لها عم تحتدم اكتر


متشوووووقة كتيرللجاي

تقبلي خالص ودي

«اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي»

bushraa 01-12-15 02:57 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
الله يسعدك يا شيخه على هالبارت الجميل

أبها 02-12-15 12:12 PM

شاهين ؟
شاهين ؟؟
شاهين ؟؟؟

لا أبداً .لا يمكن .هناك لبس في الموضوع ..
متعب .لا تصدق ما يقال لك ،لابد وأن واشياً حاقداً
قد أسَرّ لك بمعلومات مغلوطة .
شاهين الرجل الحنون البارّ بأمه ..الذي ينتفض إذا ذُكر اسمك
بسوء لحبه إياك وثقته التامة بكِ ! لا يمكن أن يكون قد غدر بك .

زواج أسيل من شاهين سيكون باطلا لأنها ما زالت على ذمة متعب
وعلى فرض أن الزواج قد فسخ لطول الغياب
أو بطُل الزواج لمظنة وفاته وقضاءها لعدة الوفاة
كيف ستكون ردة فعلها حين تعلم أنه ما زال على قيد الحياة ؟؟
و كيف ستكون ردة فعل أمه قبل ذلك ؟؟
متعب ..هل ستنجو من تلك العصابة ؟؟ كان الله بعونك

جنان .. لا ملامة عليك في رفضك لهذا الزواج ..مامن إمرأة
إلا وترفض أن يشاركها أحد في زوجها وإن كانت له مبغضة
لا اعتراض على شرع الله وحكمه ولكن
تلك فطرة في النساء كافة ..
قرارك يدل على رجاحة عقلك رغم صغر سنك
فالابتعاد عن المشاكل بداية خير من الخوض فيها.

غزل ..تلك المتهورة .أرجو أن يأتي من يمنع هذه الزبارة .

كيد .شكر الله لكِ مجهودك
ووفقكِ لكل خير .🍃🌸🍃

بِدُون اسم 03-12-15 12:03 AM

قررنا أخيرًا نتغلّب على الكسل المعشش فيني وأعلّق على الرواية بشكل عام.

نبدأ بشاهين، مستبعد تمامًا تمامًا عن الشُبهه بقضية متعب وكلي ثقة بوجود شخص خبيث مفربك السالفة عدل.
بالنسبة لعلاقته مع أسيل، إذا جت علي أتمنى تكمّل معه بأي طريقة كانت، لكن حالها كلش مايعجبني فما أستبعد عليها تركض لمتعب من جديد وتنسى كليًا هالزواج.

غزل/ التخمين اللي جاء في بالي: ما أعتقد غزل فقدت عذريتها "إذا كانت فاقدتها" بسبب صديقه سابقه لها، لأنّ لو فعلاً بسببها راح تكون جدًا جدًا غبية بمعنى الغباء والتخلف الحقيقي في موقفها مع غيداء.
هي تحركت الحين بشكل عفوي لأنها تكره سلطة الرجل بس، ما أعتقد ابدًا إنّها بعفويتها الساذجة بتذوق غيداء بنفس اللي ذاقته. لذلك بما إنّ حقيقة غزل وماضيها مبهم مانقدر نظلمها بس أنا فعلاً مو مرتاحة لسارة إذا ماخاب ظني، ربما تكون فعلاً خبيثة بس غزل كلش بريئة بالموضوع.

ديما،سيف/ كيد بجد يعني أحس حالتهم طوّلت زيادة، مافيه تقدّم أبد، لا سيف ناوي يتنازل ويتلحلح شوي يوضح لها حبّه وينفي جيّة بثينة، ولا هي بقادرة بأهم مرحلة في حياتها إنّها تستقر نفسيًا وجسديًا. فارحميهم، وهوّني عليهم شوي وخلّينا نتحمس لجزئيتهم والتطورات اللي بتغير من روتينهم شوي.

جيهان/ وما أدراك ما جيهان، حقيقة حقيقة!
مستفزّتني لأبعد لأبعد درجة! أنا معها في وضعها مع فواز، لكن عند أبوها معليش.
ممصختها زيادة عن اللزوم، مهما غلط ابوي ولعن جدفي ورماني للكلاب، أقل شي يكون اسلوبي بارد حجر تجاهه، أجامله، أسلك له على بلاطة، بس انّي ما اعتبر له وجود رغم إنّه هو اللي بادر، لا وقدام زوجي بعد!
هذا وهو لا لعن جدفي ولا رماني للكلاب!!! إلا أطهر وأنقى من كذا بكثير، بجد لا تعليق.

جنان/ قرارها عين الصواب، فكّرت بعقلانية قبل تسبقها عاطفتها. بيجيها اللي أفضل من فواز يكون لها ومايشاركها فيه أحد...

أدهم ونجلاء/ عيني عليك باردة ياهند،
معقدة معقدة، القصه من عقدتها مو قادرة ولا معطيه نفسي فرصة عشان أفكر وش النتائج اللي بتصير.
منتظرينك تبهرينا بحلّ هالعقد بطريقتكِ اللي ماتخطر على البال.

ختامًا/
في البداية جدًا كنت متحمسة للكوبل سلطان وغزل/ بس مشاعري بردت ناحيتهم يعني ماحبّيت كل شوي يقول ترا زواجنا فترة خلّي العلاقه من بعيد لبعيد، ومع ذلك يسوي حركات ويهتم وكأنه جاهل يعني إنّ اللي قدامه حجر. ياليت يبدأ شوي يناظرها مثل ماهي بدت تناظره مو تطيح هي زيادة وهو جالس متّكي وترا زواجنا فترة ها 😌😂

لكن مشاعري لازالت بصف ديم، يمكن لأنّها واقع قاعده أشوفه قدّامي حاليًا، منتظره بس نهاية سعيدة وقريبه لها.
مو طماعه بس أبي تطور بسيط يهدّي من نفسيتها ويروّقها ويخفف عليها.


*** أخيرًا، أنا مغرمة بسليمان.
قلبي العاشق يقول إنّه يجوز فيه بذرة شر
بس مو شرّاني مرّة، ينحب.

حلم الشروق 03-12-15 11:39 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
ما أعتقد شاهين له علاقة بقضية متعب أعتقد سند له دور بالقضية انتقاما من شاهين

كَيــدْ 05-12-15 07:59 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، شلونكم عساكم مبسوطين؟ :$$
شكلكم نسيتوا إنّ ميعادنا اليوم والا كيف؟ غريبة ما جاني استفسار بالآسك مو بالعادة :/

عمومًا بوصل للمهم حاليًا، اسمحوا لي آخذ لي يومين زيادة أكتب فيهم، آخر امتحان لي كان يوم الخميس وبرجع لامتحانات الفاينل بعد أسبوعين، المهم في السالفة إنّ الإرهاق كلّه طلع هاليومين لدرجة اني عوّضت السهر بـ 14 ساعة نوم!! :( -> كرهت نفسي صراحة :((
مزاجي جديًا سيء وما كان موده للكتابة والضغط على نفسي فيه بس ، فكنت أحاول أستمتع اليومين اللي فاتوا مع الكتابة طبعًا - حسيتني مكبوتة ما عليكم أكره الضغوطات - * قلب مكسور * :""
لذلك البارت راح يكون يوم الاثنين أو على صباح الثلاثاء وعسى بس ما يزعجكم هالشيء ودي أطلّعه بشكل يرضيني قبل لا يرضيكم خصوصًا إن الأحداث لهالفترة تحتاج تركيز مني ونفس مفتوحة.

أشوفكم على خير ()

أبها 05-12-15 08:09 PM

أخذي راحتك يا كيد ..

وبالتوفيق إن شاءالله .🌷

bluemay 05-12-15 08:47 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
مسمووووحة يا الغلااا

ولو انه رح توحشينا وابطالك بس لعيونك بنصبر

وربنا يوفقك ويفتحها بوجهك يا قمر


مع خالص ودي


«اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي»

fadi azar 06-12-15 12:34 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
على راحتك اختي نحن بانتظار الفصل القادم للرواية


الساعة الآن 03:43 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية