منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   الروايات المغلقة (https://www.liilas.com/vb3/f836/)
-   -   قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر (https://www.liilas.com/vb3/t195238.html)

Amoonh 11-12-14 05:52 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر القيد الثالث والعشرين
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
صباح الخير والرضى من الله للجميع
رائعه كعادتك في كل بارت
وياليت اذا تقدري تنزلي بارتين بالاسبوع بااول الاسبوع مع يوم الخميس ..عشان الاحداث تكون واضحه اكثر ومانرجع للفصل اللي قبل البارت..وبالتوفيق لك ..

كَيــدْ 11-12-14 08:27 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر القيد الثالث والعشرين
 
السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته
صباح السعادة

- تنهيدة قوية - / وأخيرًا توني أنتهي من كتابة البارت
مواصلة عليه لأني ماني ضامنة فراغي بالليل لذلك ضغطت على نفسي وخلصته
والحين براجعه بس وبيكون عندكم :$ :)


انتظروني ()


اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Amoonh (المشاركة 3496216)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
صباح الخير والرضى من الله للجميع
رائعه كعادتك في كل بارت
وياليت اذا تقدري تنزلي بارتين بالاسبوع بااول الاسبوع مع يوم الخميس ..عشان الاحداث تكون واضحه اكثر ومانرجع للفصل اللي قبل البارت..وبالتوفيق لك ..



وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
صباحك سعادة وراحة دائمة
الروعة بعيونك حبيبتي
والله الود ودي لو أنزل لكم بارتين بالأسبوع ، بس عليها بيتراجع أسلوبي وطول البارت اللي يوصل للأربعين صفحة تقريبًا
وسبق وكنت أنزل بارتين وكانوا قرائي ملاحظين تذبذب أسلوبي بسبب الضغط اللي أواجهه لذلك نصحوني بنفسهم أخلي البارتين واحد بس
والأغلب عاجبه الوضع حاليًا ويشبعه طول البارت وكثرة الأحداث فيه
+ أنا مرتاحة في الكتابة مع هالوضع بدون ضغط كبير لذلك أنزل البارت وأنا راضية عنه

في النهاية هدفي الأول هو رضاكم بشكل البارت نفسه ()






كَيــدْ 11-12-14 10:49 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر القيد الثالث والعشرين
 



سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بأتم صحة وعافية ()


بسم الله نبدأ
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
بقلم : كَيــدْ !


قيود بلا اغلالها
فأنيابٍ فتاكة أزهقتها
لتعانق القيود قدري
فلا حركة تزحزحها
و لا قوةً ترهقها
بل وبكل عنوة تزداد ثباتاً فقوة
و على ساحة الهزيمة أتخبط
بين الأفراح و الأتراح اترنح
و على حافةٍ شائكة ينتهي مصيري
فأهيم بالحب ,,
بل وأتشبتُ بقدري بعناق طال أمده سنوناً فسنون
أحببتُكِ يا قيودي
فأحبيني ,, و ألهميني الرتق
و لا تكرهيني ,, لتلهميني الفتق
و ما كتبه الله لي كان خيراً
راضياً ,, راضياً يالله ..
فأنت يا إلهي المولى
و أنا عبدك يا خالقي ..

* للمبدعة : معذبني حبك


لا تلهيكم الرواية عن العبادات



(24)






غرقَت في خجلها حتى اختنقت، غرِقت في إحراجها دون أن تحاول الطفو على سطحه، غرقت في ضجيجٍ وهي ترى عينيه المُتفحصتانِ لها، يبتسم وكأنه يرى لوحةَ " الموناليزا " بينما هي في الحقيقةِ لوحةٌ تزيّنت بالبشاعةِ في لحظةِ غباء.
ارتعشت شفتاها وهي تشتت أنظارها عنه، ودون أن تعلم ما الذي يتوجب عليها فعله في هذهِ الأثناء اتجهت للتسريحةِ لتضع الصحن على سطحها، وحين رأت وجهها المُحمرّ وحالته في المرآة تمنت لو تنشق الأرض وتبتلعها.
دون أن تشعر رفعت كفها اليُمنى لتمسح بظاهرها على شفتيها تُزيل أثار النوتيلا وهي تشتمها بداخلها، بينما هو وقف في مكانه ينظر إليها وابتسامةٌ ضاحكةٌ ارتسمت على شفتيه، كفيه دُستا في جيبي بنطالهِ الجينز ونظراته الباسمةُ كانت تلحظها عبر المرآة، تشتت نظراته إليه لثانية، ثمّ تشتتها عنه لثوان.
تناولت من المناديل الموضوعِ على التسريحةِ بخفةٍ لتمسح ظاهر كفها من الشوكولاة، ثمّ استدارت إليهِ لتنظر إلى عنقهِ للحظاتٍ طالت وهي تشعر أن النظر لعينيه أمرٌ صعبٌ للغاية، أمرٌ خارج قدرتها في هذه الأثناء، أمرٌ يتجاوزها لمراحل عديدة.
همست وهي تخطو باتجاه البابِ بارتباك : بوصّلك للمجلس
كان يتبعها بعينيه حتى وصلت للباب وفتحته، وهمسها ذاك كان كسمفونيةٍ تجاوزت في جمالها جميع سمفونيات بيتهوفن التسع، همسها هو سمفونيةٍ عاشرةٍ لبيتهوفن نسي إطلاقها للملأ فكان إطلاقها له وحده، في القرن الواحدِ والعشرين وليس التاسعَ عشر، من قال أنّ سمفونياتك التسع يا بيتهوفن هي الأجمل؟ من كان له الحق ليختار ما الأجمل بينها والأجمل في الحقيقةِ هي ما أُخفيت للآن؟ من أعطاكَ الحق لتُخفي هذه السمفونيةِ التي ستتجاوز في جمالها كلّ موسيقةٍ حيّة؟
كل نبرةٍ من صوتِها الناقوسي يعبرُ سمعهُ ولا يتجاوزه، كل نبرةٍ هي في الحقيقةِ معزوفةٌ تكاملت من جميع جوانب الفتنةِ والجمال.
هتف شاهين بابتسامةٍ وهو يتطلع بوجهها : يعني بتطرديني من غرفتك؟
ارتبكت أكثر وهي تقبض على المنديل الذي لا يزال في قبضتها، وباضطراب : ما قصدي أطردك ... بس ، بس احنا في المكان الغلط
اتسعت ابتسامتهُ بمكر : طيب نعســـــــااان!
احمرّ وجهها وهي تتذكر كلماته البارحة، ثمّ أدارت وجهها عنه وهي تردّ بتلعثم : أبدّل وألحقك
عضّ شاهين طرف شفتهِ وهو يهمس مُتأملًا ملامحها المُحمرة وعيناها في تلك الأثناء كانت تتجهان للأرض : ليه تبدلين؟ شكلك بالبيجاما أحلى لأنك بعفويتك
ازدردت ريقها وهي تُعيد تدوير وجهها إليه دون النظر إلى نقطةٍ أخرى غير عنقه، وباضطرابٍ بهِ بعض الأمر الحاد : يكفي!
ضحك بخفوتٍ وهو يتحرك باتجاهها لتنتفض للحظةٍ وتتراجع كقطةٍ تحاول الهرب من قفصٍ مغلق، لكن من شدةِ تعثرها لم تخرج من الباب المفتوح بل اتجهت لخلفهِ نحو الجدار لتصطدم أخيرًا به.
وقف أمامها مُباشرةً وهو يُخرج كفيه من جيبه، ثم سكَن يتأمل تفاصيلها الناعمةِ ورقّةِ ملامحها، عيناها المُستدلِ جفنيهما على لؤلؤتيها البُنيتين القاتمتين، حاجبيها الخفيفين وأنفها الصغير، شفتيها الرقيقتين، ووجنتيها البارز عضمهما قليلًا لنحالتها. لمَ تراهما عيناه جميلةً بالرغم من أن ملامحها عادية الجمال؟ لمَ يرى أنها لخصت الجمال في ملامحها وقمحيةِ بشرتها؟ ألأنها أصبحت تخصه وكل ماهو ملكه يكونُ جميلًا بعينيه؟ أم لأنّ قلبهُ ينبض بقوةٍ وجاذبيةٌ كبيرة يستشعرها نحوها حين يكُون قُربها؟
مدّ يدهُ دون أن يشعر ليضعها في النهاية على وجنتها، لتفغر شفتيها وتنتفضَ وأنفاسها يكادُ يقسم أنه يسمعها، أنفاسها التي ثارت بملمسِ كفهِ على وجنتها، يتلمس عضمها الذي تمردَ بعد موتِ متعب ليظهر بينما كانت سابقًا مُمتلئةَ الوجنتين.
همس شاهين بخفوت : نحيفة! مرة نحيفة
شتت أسيل نظراتها وهي تعضّ طرف شفتِها، أنفاسها تتمردُ لتفرّ منها، تشعر أنها تختنق، ستصيبها نوبةُ ربوٍ إن لم يبتعد، تقسم أنها ستموتُ اختناقًا.
شهقت بقوةٍ ما إن شعرت بطرفِ إبهامهِ على زاويةِ فمها، ليبتسم وهو يرى بهوتها وعيناها المُتسعتين.
شاهين بجرأة : من تزوجتك وأنا ودي أعرف ملمسهم!
ارتفعت نظراتها إليه هذه المرة، تنظر لوجهه بصدمةٍ غيرَ مُتخيلةٍ لجرأته التي كان متعب يضاهيها كثيرًا، لكنّ ما اختلف الآن كان الشخصَ والمكانَ والزمان، اختلف الوضع واختلفت الأدوار، اختلف اسم المسرحيةِ واختلفت أُغنيةُ البدايَة، إنها الآن في مسرحيةٍ بائسةٍ حزينة بعد أن كانت في مسرحيةٍ سعيدة، تعيش دور الحزينةِ بعد أن كانت في السابق هي الفرِحة التي لا يُضاهيها في سعادتها أحد. سُدلت الستائر عن المسرحية السابقة، ورفعت عن المسرحيةِ الجديدة التي استنفدت روحها حتى النهاية فلم يتبقى بها ولو شطرُ روح، باتت جسدًا ميتًا يتحركُ كرجلٍ آلي، باتت حيةً ميتةً تتنفس وتأكل وتشرب وتقوم بكل مقومات الحياة دون أن تكونَ حيةً بالفعل!
همست بارتباكٍ وهي تتنفس بصعوبةِ دخول الهواءِ إلى رئتيها بفعل قربه وملمس طرفِ ابهامهِ على شفتها : ا بـ ... ابعد
زمّ شفتيه وهو يتأوه بعبث : عن هالفتنة أبعد؟ يا ساتر بس!
زمّت شفتيها للحظةٍ ليتحرك إبهامه عنهما للأسفل ويقبض بكامل قبضتهِ على ذقنها برقة، وبهمسٍ باسم : يخي الرجال محروم ليه ما تقَدّرين؟
ارتفعت حرارةُ وجهها ووجنتيها تشتعلان احمرارًا، قبضتها الحاملةُ للمنديل ارتخت ليسقط وهي تشعر بجسدها يخمُل فجأةً بمرأى عينيه الجريئتين أمام عينيها المضطربتان.
" شاهين " ... انتفض للخلف وهو يسمع صوتَ أمها التي اقتربت من الغرفةِ حين لاحظت تأخره ولم يعجبها الأمر، لكنها اطمأنت لرؤيتها للباب مفتوحًا لتدخل أخيرًا وقد كانا من خلف الباب فلم ترهما.
ام فواز باستغراب : هاو! وين راحوا؟؟
زمّ شاهين شفتيه وهو يكبح ضحكةً ليست بوقتها، ثم خرج من خلف البابِ ليهتف بابتسامة : هنا يا خالتي .. معليش على وقاحتي بدخول غرفتها بهالطريقة بس كنت بلحقها قبل تبدل بيجامتها
ام فواز باستنكار : وليه ما تبيها تبدل؟
شاهين بمكر : شكل زوجتي حلو لما تكون بعفويتها
ام فواز ولم تستطع منع لسانها المتمرد من الإنطلاق : قول بفوضويتها
خرجت أسيل من خلف الباب ووجهها احمرّ بدرجةٍ أكبر، وبخفوتٍ عاتب : يمه!
ام فواز : وأنا الصادقة ... زين ما كانت الغرفة عايشة في فوضوية بعد، ترى دايم تكون بحالة فوضوية وهالمرة من زين حظها بس
غرقت في ملابسها وهي تتمنى الهرب من جديدٍ أمام إحراج أمها لها، لكن هذا الذي ضحكَ بصخبٍ الآن ضحكةً سمِجةً سيلحقها من جديدٍ بالتأكيد، لذا صمتت وفضّلت تقبل الإحراج برحابةِ صدرٍ ووجنتيها المُتوردتين كالوردِ كانت محور جاذبيتها في هذه الأثناء.
ينظر إليها بصمتٍ وعيناه فقط تتحدثان، لازالت شفتيه تحتفظان بابتسامةٍ هي الأثر الباقي لضحكتهِ على فوضويةِ زوجته، وهي اللمحةُ الأولى التي ستلمحها ذكرياتٌ بدأت بالطفوِ على سطح ذاكرته.
- زهرةَ اللوتس -

*

يجلسان كلٌّ على سريره، واحدٌ يقوم بالكتابة على الحاسوبِ والآخر يرسم شيئًا ما في كراسته.
رفع شاهين أنظاره عن كراستهِ وهو يهتف مناديًا باسم الآخر : متعب
رفع متعب بدورهِ رأسه عن حاسوبه لينظر إليه : هاه
شاهين يرفع الكراسة ليضعها أمام وجهه : شرايك؟ بالله مو حلو؟
متعب وهو يرى شخابيطَ لم يفهمها فعليًا، وكل ما فهمهُ هو أنها رسمٌ لوجهٍ وملامحَ ما! وجهٌ قبيحٌ لم يُرد أن يُصرح لهُ ويقول " مين ذا اللي مشت السيارة فوق وجهه! " . . لذا هتف بتساؤلٍ بريء : وش ذا؟
شاهين بابتسامةٍ عريضة : هذا ملك جمال السعودية
متعب بسخرية : لا يكون انت؟
شاهين بفخر : لا حبيبي أنا كنت أرسمك انت .. شرايك ضبطتها مو؟
رفع متعب حاجبيه بقوةٍ وهو يأخذ إحدى الوساداتِ من سريرهِ ليرميها في وجهِ شاهين الذي غرقَ في ضحكه، وبحدة : شت!!!
شاهين : هههههههههه خلاص اممممم
أشار على فمه بشكل أُفقي كنايةً عن إغلاقه، ليهزّ متعب رأسه بنفيٍ آسيًا : متى بتكبر انت! صرت شايب وعمرك ثلاثة وثلاثين ولازال عقلك متوقف عند العشرة
شاهين بابتسامة غيرَ مُبالٍ بالإهانةِ الصريحة التي وجهت له : توني انتبه اني شبت! أجل وش نقول عنك؟؟
متعب : لا أنا كبرت وخلاص هذاني على باب زواج بس انت!!! للأسف للحين على مبزرتك
شاهين بسخرية : مين اللي رافض ينام بغرفة بروحه ويبي بجنب أخوه الصغير؟؟
متعب يُشير بإصبعهِ إليه : الكلام موجه لك أنت
شاهين ضحك : خلاص هو جد يعني أنا ما ودي نكون بغرفتين منفصلة ... بس اعترف انت وش تبي بالضبط؟؟؟ ماتبي نفس اللي أبيه أنا؟
متعب بتحدي : أبي بس أستقل وأفتك من وجهك
شاهين بثقة : أتحدااااااك
متعب : هههههههههههههه أقول مناك بس
شاهين بضحكة : شفت شفت؟
متعب : خلاص ياخي فكني من حنتك أي ما أقدر أستغني عنك ارتحت؟ * أعاد وجهه للحاسوب * خلاص اسكت بكمل شغلي
استلقى شاهين على ظهرهِ وهو يتناول كُرتهُ المطاطية المفضلة التي تنام بجانبهِ عادةً : إيش تسوي؟
متعب وعيناه معلقتان بالشاشة : أكتب
شاهين وهو يرمي الكُرة للجدار أمامه بقوةٍ لتُعادَ إليه : الله يوفقك في مسيرتك يا نزار
استدار إليه متعب فجأةً ليسأله : شاهين
شاهين يتناول الكُرةَ ويجلس : سم
أزاح متعب الحاسوب جانبًا ليستدير إليه بالكامل مُعتدلًا في جلسته، وبجدية : وش أفضل أنواع الزهور عندك؟؟
تغضّن وجه شاهين وهو يهمس بحيرة : أفضل أنواع الزهور؟ ... ممممم ، بصراحة مو في بالي لأني ما أهتم للزهور كثير ... بس يمكن * مطّ فمهُ بحيرةٍ قبل أن يُردف * يمكن التوليب والا الزئبق
متعب بسخرية : الزنبق الزنبق ... جايب لي اسماء حافظهم ومسوي فيها فاهم ... هه دكتور يُقال وما يفرق بين الورد والمعدن
لم يستطع شاهين منع نفسه من الضحك وهو يهتف دونَ إحراج : غلطنا غلطنا ... قصدي الزنبق ... بس ياخي ما أهتم للزهور ما تفهم؟!
متعب بابتسامة : طيب تعرف شكل اللوتس على الأقل؟
هزّ شاهين رأسهُ بالإيجاب : بعض الشيء ... مار علي صورتها مرة وللحين لازالت في بالي
متعب : مممم طيب برأيك إيش اللون الأفضل؟ اللوتس الزرقاء والا البيضاء؟
شاهين " بعبط " : السوداء
متعب بحدة : شاهيييين! عن العبط عاد تراني أتكلم جد
شاهين بملل : طيب وش تبي فيهم؟
متعب يُشير لحاسوبه : قاعد أكتب موضوع عن اللوتس ومحتار بين الثنتين لونيًا، وش الأحلى؟!
تكلم شاهين بتفكيرٍ جديٍ هذه المرة : أعتقد الأزهار الزرقاء تعتبر من الأزهار اللي ماهي منتشرة كثير مو؟
متعب : ما أدوّر على الإنتشار بس أبي الجمالية
شاهين بتفكيرٍ وهو يُنزل ساقيه إلى الأرض : ممممم أشوف بالنسبة لي الزرقاء، أحس تجذب أكثر لأن الأبيض اعتيادي
قطّب متعب جبينه بتفكير وهو يهزّ رأسه بالإيجاب : وجهة نظر معقولة ... الزرقاء تعتبر ملكة العطور والأحلى رائحة من البيضاء
شاهين وقد شعر بالإهتمام والموضوع شدّه بعض الشيء : طيب البيضاء وش يميزها؟
متعب : البيضاء كانت عند المصريين القدامى رمز للبراءة والنقاء ولازالت للحين
شاهين بتفكير : سبحان الله كل الثنتين تمثلني * نظر لمتعب ليردف * يعني أنت السوداء؟
ضحكَ متعب وهو يهزّ رأسه بالنفي : ما تجوز انت عن حركاتك؟ يوم حسيتك مهتم قلبت كل شيء.
ضحكَ شاهين بخفوتٍ قبل أن يهتف متسائلًا باسمًا : طيب علمني أنت ... وش تمثل لك اللوتس
ارتسم على وجه متعب الوسيم طيفُ ابتسامة، وعيناه برقتا بشيءٍ ما لم يفهمه في تلك اللحظات، وبهدوءٍ خافتٍ حالم : سر!
عقد شاهين حاجبيه وهو ينظر إليه بحنق، وحين أصرّ عليه ليُخبره ماتعنيه له رفض وعانده أكثر بينما هو مصر، لينْشب بينهما ما يشبه الشجار وينتهي يومهما ذاك بنومهم مُتخاصمين.

*

لم يفهم، لم يكُن ليفهم في تلك اللحظاتِ ما يعنيه متعب، لم يكُن ليقرأ تلك الإبتسامةَ العاشقةَ وعيناه اللتين تلألأتا ببريقٍ ما لم يفهمه وقتذاك، لكنه الآن أدرك، الآن فهم، الآن علمَ ما تعنيه اللوتس له، البيضاء براءةٌ كما براءةُ أسيل التي ظهرت لهُ اليوم بعفويةِ شكلها وخجلها الجميل، الزرقاء ملكةُ العطور والأزكى كما يستشعر عبيرها بأنفه.
لستِ هيّنةً يا أسيل، لستِ سهلةً أبدًا يا من كانت عند المصريين رمزًا للنقاءِ والبراء، لستِ سهلةً أبدًا يا من لُقبتي بملكةِ العطور. لستِ سهلة .. لستِ بتلك الإنسيابيةِ ليكون عبوركِ عاديًا، أنتِ صعبةٌ للحدِ الذي يؤرق ويُبكي، أنت حادةٌ كسكين، ناعمةٌ كالحرير، دخولُك كان سهلًا، لكنّ خروجكِ سيكونُ صعبًا، صعبًا جدًا يا أسيل.
تناقضٌ هاجمه، ونارٌ ما اشتعلت بصدرهِ لكنهُ حاول إطفاءها دون أدنى فائدة. ما الذي يجعلها عشيقةً لأخيه ومهمةٌ عنده؟ ما الذي يشعره بكل هذه الجاذبية نحوها وبأنه يريدها بأي ثمن؟ ... هل يغار عليها من متعب؟
اتسعت عيناه عند تلك الفكرةِ وهو يتنفس بحرارةٍ وعنف، ثمّ تحرَك فجأةً ينوي الخروج وهو يهتف باضطراب : أنا طالع على ما تبدلين
ترددت أسيل قبل أن تتحرك باتجاهه وهي تهمس باضطراب مُماثل : بوصلك للمجلس
وقف للحظةٍ ينظر إليها بملامح لا تُفسر، ثمّ تحرك لتتحرك من خلفه. أيشعر بالغيرة بالفعل؟ أيشعر بالقهر حقًا؟؟ ما تلك النيران في صدره؟ ما تلكَ العاصفةُ التي تقتلع سكونَه؟ ما ذاك الصفير الذي أزعجه؟ يشعر بالقهر؟ وممن؟ من أخيه المتوفى! زمّ شفتيه وهو يتنفس بصعوبة، وأسيل أصبحت تمشي أمامه لتصبح الأمورُ أسوأ، ليتهيّض شعورهُ وعيناه تتأملانها، تتأمل تفاصيلها الصغيرةَ بتلك البيجاما الطفولية/البريئة. وعقله لا يستوعب أبدًا، لا يستوعبُ أنه يشعر بمشاعر سلبيةٍ تجاه أخيه الذي لم يكُن بينهما أيّ مشاعرَ سلبيةٍ يومًا، حتى أنهما حين يتشاجران يكونان كطفلين أحمقين يشتمان بعضهما البعض بصوتٍ يحاولان كبح الضحكِ به، يذكر تمامًا ذلك اليوم ذاته الذي تحدثا فيه عن " اللوتس "، حين تشاجرا لرغبةِ شاهين في معرفةِ معنى اللوتس عنده، وفي خصم شجارهما هتف متعب : والحين ياخي اترك المبزرة وقولي أكتب عن أي لون؟ الزرقاء والا البيضاء؟
شاهين بسخرية : اكتب عن الزرقِيضاء
يومها ضحك متعب، ضحك وهو يسقط على سريرهِ ليستغل شاهين ضحكه وينقض عليه مُكملًا شجاره معه.
فهل سيأتي اليوم ليشعر بالقهر منه وبسبب من؟ أنثى لا غير؟ أنثى كانت لأخيه قبل أن تكون له؟ أنثى جعلته يشعر بالتملك ناحيتها وبأنها أنثاه وحده؟
زفر بحرارةِ الإضطرابِ داخلهُ وهما يُكملان طريقهما إلا أن أوصلته للمجلس، وفي أثناء مشيهِ خلفها وحتى بعد أن أوصلتهُ وبعد أن استأذنت لتخرج كان عقله يسبحُ في أفكاره، ولا زال صدرهُ يعيش في تناقضاته.
أيُّ أنثى أنتِ؟ إنّك نقطةُ الجاذبية المُتمركزةِ المُتحركةِ في هذهِ الأرض الشاسعة، إنّك محورُ الإضطراباتِ والتناقضات في صدرٍ بات يجهل هويتهُ ويتخبطُ في جهلهِ الأعمى، إنّك مذاقٌ غامضٌ خاصٌ لم أميزهُ حتى الآن، فأي أنثى أنتِ؟.


,


خرَجت من المجلسِ الذي يجلس فيهِ شاهين بعد أن دخلت ابنتها إليهِ وقد بدّلت ملابسها، تنهدت وهي تشعر بالضياع بين اثنين، ابنتها الأرملةُ سابقًا والتي ليست مقتنعةً بزواجها الحالي بالكامل، وابنها الآخر المُغترب عنها والذي أخبرها سابقًا وقبل أيامٍ أن زوجته أصبحت عنده! هكذا دون أيّ إعلانٍ رسميٍّ. غضبت حين أعلمها بذلك لكنها في النهاية رضيت بما حدث فماذا عساها تفعل مع فواز وجيهان تحديدًا؟ الزوجان اللذان ظلمتهما كثيرًا وندمت!
جيهان هي الأنثى التي عشقها فواز منذ المراهقة، منذ أن كان يراها طفلةً ليكبر ويكبر حبه لها، وحين كان يُريد طلب يدها في السنوات الأخيرةِ رفضت ليس لشيء سوى لأنها ترى أرجوان الأفضل، أرجوان هي الأجملُ والأعقل، أرجوان هي المُثلى وهي التي ستناسبهُ وليست جيهان.
أصرّت على رأيها ذاك حتى تخلى عن فكرةِ الزواجِ نهائيًا ليعودَ إليها بعد الذي حدث أخيرًا وسوءِ ظنها بهما.
ماذا كان بوسعها في ذاك اليوم السيء؟ ما عساها تكُون ردّةُ فعلها وهي ترى فواز يدخل ومعه جيهان التي لم تكن بحالٍ طبيعية! يومها لم تقتنع بقصة فواز الذي أخبرها أنه وجدها ملقاةً على الأرض ليأخذها للمشفى فعيناها لم تكونا عيني طفلةٍ بل كانت عيني امرأةٍ وأم! تلك القصةُ لم تصدقها في ذاك الوقت لكنها اضطرت مُرغمةً على سردها لمنى التي تساءلت عما حدثَ مذعورة ما إن رأت ابنتها تعبةً أكثر من السابق. وبعدها بأيامٍ كان فواز يتقدمُ ليطلبَ يد ابنة عمهِ مُستقلًا ظنها السيء بهما، ولم يكُن بوسعها الرفض وقتذاك.


,



فرَكت كفاها ببعضهما وهي تجلس على بعدٍ ليس بقليلٍ عنه، عيناه تتفحصانِها بهدوءٍ بعد أن ارتدت فستانًا ناعمًا أظهر قوامها في تمسّكهِ بجسدها النحيلِ إلى نصفِ ساقها، عيناها تنظران لكلِ شيءٍ سواهُ هو، للجدار وللأرضيةِ والطاولاتِ إلا هو الذي اختفت ابتسامةُ الحضور التي كانت قبل دقائق خلت.
همست وهي ترفع يدَها لتُعيدَ إحدى خصلات شعرها المتمردةِ إلى خلفِ أذنها : تشرب شيء؟
شاهين بهدوء : عمتي ما قصرت
بللت شفتيها التي غُلفَّت بلمعةِ " القلوس " وارتباكٌ يُصاحب كل تفصيلٍ بها، في هزّ ساقها اليمنى، في تشتّتِ حدقتيها، في أناملها التي استقرت على أذنها بعد أن أعادت شعرها لورائه.
ازدردت ريقها بتوترٍ قبل أن تهتف وهدوءه هذا غريبٌ عليها : هالمرة مقلب ثاني ... بس بأسلوب مختلف
ابتسم شاهين ابتسامةً تكاد لا تُرى وهو يُعيد ظهره ليسندهُ على ظهر الأريكة، وبهدوء : ما قدرت على زعلك أمس قلت أجيك اليوم
قطّبت جبينها بضيق : في كلا الحالتين انت ضايقتني ... أمس انتظرتك وما جيت، واليوم ما انتظرتك وجيت!
ضحكَ شاهين ضحكةً خافتةً وهو يعودُ ليتقدمَ بجسدهِ إلى الأمامِ ساندًا مرفقيه على ركبتيه : هذا أسلوب الشخصيات المهمة .. يظهرون في وقت محد يتوقعه
رفعت نظراتها إليهِ هذه المرّة وهي تُقطب جبينها، وقد كان واضحًا أنها كانت ستردّ بتهورٍ ما لكنها تراجعت في النهاية حين انتبهت لتهتف وقد تلوّن وجهها بالأحمر : أقل شيء الشخصيات المهمة يكون وراهم صحافة تكشفهم .. اما أنت فظهرت من مكان محد كان متوقعه
شاهين بابتسامة : وش كنتِ بتقولينه؟
ازداد ارتباك أسيل وهي تُخفض نظراتها لحجرها وتبدأ باللعب في أصابعها : و .. ولا شيء
شاهين ولازال يحتفظ بابتسامتهِ الهادئةِ تلك : ماعليه كأني عارف الطنازة اللي كنتِ بتقولينها فيني بس دامك ما قلتيها نمشيها
احمرّ وجهها بدرجةٍ كبيرةٍ ليضحكَ وتفاصيلها الصغيرة تُثير استمتاعه، مراقبتها وحدها تُمتعهُ بدرجةٍ كبيرة، احمرارُ وجنتيها يُسليه، وخجلها العذري كبحرٍ ورديٍّ يرويه.
شاهين بمتعةٍ وقد نسيَ كل ما عكّرَ مزاجهُ منذ لحظات : تدرين يا أسيل .. اليوم أول يوم أشوفك فيه براحة مزدوجة ... مرة بعفويتك وطفولتك، ومرة بأنوثتك وجمالك!
زمّت شفتيها وصدرها اضطرب بأنفاسها، بينما أردف بخفوت : أول مرة أشوفك فيها بدون عباية ولا طرحة تزعجيني فيها كل شوي .. شكله كان غلطي من البداية يوم كنت ما أجيك لهنا بس أطلعك معاي
المكانُ حارٌ جدًا، بل كان حارًا منذ البدايةِ والآن ازدادَ حرارةً، باتت هي كسائلٍ أثّرت به الحرارةُ ليغلي، وجزيئات الهواء تهيّضت لتتحركَ بشكلٍ أسرع وبعشوائيةٍ أكبر جعل عُنفَ أنفاسها واضحةً لها، ولأنّ الصوتَ يكون أشدّ حين تُصبح الجزيئات أكثر كان صوت هذه الأنفاس يصلهُ بسهولة.
ابتسم شاهين أكثرَ وهو يقف بهدوء، حينها انتفضت هي لتقف بدورها مُرتبكةً غير مستوعبة.
شاهين بضحكةٍ وهو يُخفض كفيه للأسفلِ أن اهدئي : شوي شوي على نفسك والله ما بآكلك ... حبيت بس أجلس جنبك لأن صوت أنفاسك ما توصلني
كانت سخريةً فهمتها جيدًا لتُبلل شفتيها بلسانها وتعودَ للجلوسِ ما إن لاحظت حماقةَ مظهرها وهي واقفة، ألا تكفي حماقاتها منذ دقائق طويلةٍ خلت؟
شاهين وهو يقترب منها ليجلس أخيرًا بجانبها يفصل بينهما جزءٌ ليس بقليل : سألتيني من شوي إذا بشرب شيء ... بس الحين ماودي أشرب بس ودي آكل
أسيل بتوترٍ وصوتها خرج حادًا بعض الشيء : تآكل إيش؟؟؟
ضحك شاهين بمكر : لحظة وين راح عقلك قليل الأدب؟
كادت تسقط على وجهها الذي اختفى لونه الحقيقي وبات أحمرًا، تشعر أنها الآن لا شيء! اختفت وتلاشت، ماهذا اليوم السيء يا إلهي!!!!
همست بتلعثمٍ وهي تتمنى لو تقتله : إيش تبي؟؟
شعر بالشفقةِ عليها لكنّه أيضًا لا ينكر التسلية التي يحضى بها في هذه الأثناء، لم يرها مرةً بهذه الحرية التي تواتيه، لم يرها مرةً بهذا الوجهِ المُحمرِ الجذاب، لم يرى يومًا حياءها الأنثوي الذي لم يظن أنه ثمينٌ إلى هذا الحد. إنها جميلة، تبدو أجمل حتى من مظهرها الذي سبق هذا، هُنا اجتمعت البراةُ والطفولة مع الجاذبيةِ والبهاء، هنا اجتمعت اللوتس الزرقاء والبيضاء، هنا اجتمع خجلها الذي أخفى نفورها لتبدو امرأة شاهين، امرأةَ شاهين فقط بخجلها العذري.
هتف في النهايةِ وهو يبتسم ابتسامةً تحمل كل مشاعرَ حلوةٍ تجاهها، وهو يطمع في رؤية خجلها واضطرابها وتخبطها أكثر وأكثر : أبي بس نوتـــيـــلا
لفظ الكلمة الأخيرة بتشديدٍ عميق، بنبرةٍ ضاحكةٍ جعل كل سكونٍ فيها يتحطم، كل ثباتٍ فيها يتجزءُ إلى ألف جزء.
تمتعت عيناه برؤية جانبِ وجهها المقابل له في حين كان جالسًا بجوارها يفصل بينهما القليل، وجهها الذي سُحب ألوانه من شدةِ إحراجها وشفتيها زمّتهما بتوتر، كفاها اللتان ستشتعلان نارًا لا محالة من شدةِ فركها لهما ببعضهما البعض، كما تشتعلُ نيرانه حين تلتقي أنفاسهما في ذات المكان، كما تشتعل نيرانه حين تلتقي عيناهما/صوتهما.
" وش تبي مني بالضبط؟ " . . تمنت لو تصرخ بها وتُنهي طريق إحراجه لها المُتعمَد، تمنت لو تمتلك القليل من الجرأةِ لتستدير وتضع عينيها بعينيه حتى لا يشحذ نفسه بالطاقةِ أكثر ويُحرجها.
ضحكَ شاهين وهو يتابع تفاصيل وجهها وعيناها اللتان ترفرفان، يستشعر حنقها منه المُخالِط لإحراجها، لذا هتف أخيرًا : خلاص آسف آسف ... راح أعقل
بللت شفتيها بلسانها وهي تزفر، لتهتف أخيرًا وصدرها يرتفع بشهيقها الحانق لينخفض بزفيرها المُفرِّغ لخجلها : تبي تشرب شيء؟
ابتسم حين أعادت سؤالًا ذكرته قبلًا دون أن تنتبه، ليُدركَ جيدًا تأثيره في الثواني التي خلت على تفكيرها وذهنها، لم يُرد إحراجها أكثر وتذكيرها بأنها تُعيد له ذات السؤال فهتف : لا مشكورة ... أبيك بس تتركين هالخجل وتلفين تطالعيني ، لا تحسسيني اني جالس مع صنم!
ارتبكت قبل أن تُدير وجهها إليه قليلًا : كذا يرضيك؟
شاهين : هههههههههههه ليه العصبية طيب؟
أسيل : ماني معصبة
شاهين : صح صح منتِ معصبة ولا يهمك
قطّبت جبينها بانزعاج : لا تحاكيني مثل الطفلة!
شاهين : ما عرفنا لك!!
توترت نظراتها أمام عينيه اللتين كانتا تنظران في عينيها مُباشرة، فأخفضتها بسرعةٍ وهي تهمس : حاكيني عادي
شاهين بابتسامةٍ وهو ينظر لخصلاتِ شعرها التي انسابت إلى جانبي وجهها حين أخفضته : كيف عادي؟
أسيل بخفوت : بس عادي
ضحكَ بخفوتٍ على تخبطها اللذيذِ ليرفع كفيه ويُحيط وجهها بهما يرفعهُ إليه، حينها اتسعت عيناها وهي تتجمد في مكانها، فغرت شفتيها دون صوتٍ وهي تشعر أن الهواء يغيب ويخون رئتيها، أن الهواء اقتصر على الدخول إلى رئتي شاهين دون رئتيها.
همس شاهين وهو يُعيد خصلاتها إلى خلف أذنيها بابتسامةٍ عابثة : أكثر شيء أحبه في المجانين هو براءتهم
عقدت حاجبيها ومناداتهُ لها بـ " المجنونة " تُثيرُ حنقها، لكنّ الحنق غيرَ معنيٍ في هذه اللحظات، فملمس كفيه يُشتت كل شعورٍ آخر سوى الإضطراب، ضاع تفكيرها وهي ترى نفسها بهذهِ الحالةِ معه، بهذهِ الصورةِ التي لا تتمناها إطلاقًا، ضاعت كما ضاع وفاؤها، إنها خاينة! خاينةٌ بالدرجةِ التي تجعل حُب متعب لها ذاك كبيرًا عليها وهي صغيرةٌ عليه، ليس لها الحق في أن تقبل حبهُ لها وهي التي لا تحمل هذهِ الدرجةَ من الوفاءِ له، لا تستحقهُ وهو الذي لو كان في مكانها لقابلَ حبها بالوفاء. مع أنها سمعت قبلًا كلامًا غير هذا! سمعت أنه لو كان مكانها لتزوج في أقرب فرصة! لتزوجَ وتجاوزها فهو رجلٌ في النهاية.
لكنها لن تصدق، لن تقتنع بذلك فمتعب هو حبيبها الذي أحبها كما أحبته، ولن يتخلى عن حبها إطلاقًا.
همست تردّ عليه دونَ تعبير : إذا كان برأيك جنون ... فأنا أحب هالجنون
جفل وتلاشت ابتسامتهُ وهو يتراجع، يُطلق وجهها من بين كفيه وصدرهُ ارتفع بشهيقٍ حارٍ لتتحول نظراتهُ في لحظةٍ إلى قسوةٍ وبرودٍ انجلى عنها أي شيء آخر. أيّ تمادٍ هذا؟ أيّ وقاحةٍ تلك التي غلّفت كلماتها؟ من تظنه؟ من تظنه لتقول ما قالت؟؟؟
عضّت لسانها ندمًا بعد أن رأت تعابيرَ وجهه ونظراتهِ القاسية، ما الذي قالته؟؟ ما الذي تجرأت على إطلاقهِ أمامَ رجلٍ هو زوجها حاليًا؟؟
زفرَ بقوةٍ وهو يعض طرف شفتهِ السفلى بقهر، ثم هتف وهو يشدّ على أسنانه : أجل تمتعي بجنونك يا مجنونة
نهضَ ينوي الرحيل، لتقف معه وضميرها أنّبها لوقاحتها تلك، ودّت لو أن لسانها قُطعَ قبل قولها هذا، ودّت لو أنه صفعها قبل قولها هذا، إنّ ما فعلته الآن بحقهِ كبير، كبيرٌ جدًا يتجاوز الإحتمال فمن ذا الذي يُمرر إقرار زوجتهِ بجنونها بغيره وإن كان أخاه؟ من ذا الذي تخترقهُ الخيانةُ دون أدنى ألم؟ أجل إنها تخونه، تمامًا مثلما تخون متعب، إنها بين نارين لا تدري ما الذي يجب عليها فعله، إنّها معلقةٌ من عنقها في وسطِ بئرٍ جافٍ يمتدّ إلى دون قاع، هل تبقى معلقةً حتى تختنق؟ أم تسقط دون أن تعلم متى ستصل؟؟
أمسكت بكفهِ دور شعورٍ وهي تهمس : شاهين
سحب يدهُ بعنفٍ وهو يلفظ بحدةٍ في وجهها : عساه مافيه شاهين مع وجهك ذا!!
أسيل برجاء : آسفة والله آسفة ما انتبهت للحكي اللي قلته
شاهين بسخرية : يا سلام!
أمسكت بكفهِ من جديدٍ لتجذبهُ تحاول جعلهُ يجلس من جديد لكنه لم ينصَع لرغبتها، وبندم : ما على المجنون حرج
شاهين بعجبٍ يرفع حاجبيه : لا وبعد تقرّين؟؟
شدّت على أسنانها قبل أن تهتف ببعض العنف : أنت اللي فتحت السالفة من البداية، تقول عني مجنونة شتتوقع طيب؟؟
شاهين بحدة : أتوقع احترام منك للحمار اللي قدامك ولو من باب المجاملة على الأقل
قطّبت جبينها وبحماقة : تسب نفسك وتبي غيرك يحترمك؟
هتف شاهين بصوتٍ يكاد يكون صراخًا : أسييييييييل
انتفضت وهي تُفلت كفهُ بذعرٍ من صوته، لكنّهُ ما إن شعر بها تُطلق يده حتى شدّ على كفها بعنفٍ وهو يسحبها إليهِ بقوةٍ جعلتها تصتدم به : قد سمعتي بجوليا فازيكاس؟
ارتبكت هي تحاول أن تبتعد عنه، لكنها هتفت بصوتٍ حاولت بثّ الثباتِ بهِ دون جدوى : لا ، مين هذي؟
شاهين بحدة : هذي الله يسلمك مرَة كانت تقتل الرجاجيل بسمْ اسمه الزرنيخ ... تدرين وش أفكر فيه الحين؟
أسيل بضعفٍ تُجاريه : وشو؟
شاهين وهو يلصقها بها أكثر ويدهُ الأخرى ارتفعت ليضمها إليه بقوة : أفكر أنتقم للرجاجيل اللي قتلتهم فيك أنتِ وأسممك الحين
شهقت وهي تشعر بذراعيه تحتضنانها، ولون وجهها انسحب وهي تحاول الإبتعاد ليشدها هو إليه أكثر فأكثر، لم تلتف إلى ماقاله بقدر ما كانت حواسها مشدوهةً عند التصاقها به بهذا الشكل الجريء الذي لم يكن الا بينها وبين . . . عضّت شفتها وهي تحاول التنفس بطبيعيةٍ وطرد صورةِ متعب عن ذهنها. بينما استرسل في كلامه وهو يشعر بشعورٍ لم يشعر بهِ من قبل وهي بين أحضانه : بتقولين وش علي منها الحين! ... بقولك مدري بس جت في بالي يمكن لأنها كانت مرَة ما ترضى على بنات جنسها وتساعدهم في قتل رجاجيلهم .... ويا ليتكم تستحقون!
حاولت الإبتعاد عنه، ومن بين أضلعها كان قلبها يضربُ في صدرهِ بعنف، تحاول الإنسياب من بين ذراعيه القوتين لكن على ما يبدو فالوضع قد أعجبه.
أسيل تهمس برجاء واختناقٍ لما هيَ عليه : شاهين اتركني
شاهين بلؤم : ليه؟ ما تقدرين تقاوميني مثلًا!!
احمرّ وجهها من وقاحته وهي تهتف بشعورٍ فعليٍّ بالإختناق : ترى بختنق!
عضّ شفته حين تذكر المرةَ التي أخذها فيها للمشفى، حينها ارخى ذراعيه عنها لتبتعد وتشهقَ بقوةٍ بعد أن شعرت بأن الهواءَ غادرها.
نظرَ إليها مطولًا وهي تضع يدها على صدرها وتزفر وكأنها كانت في عراكٍ ما، مع عدوٍ لها! وكأنها كانت مُغلّفةً بشيءٍ سرَق منها أنفاسها وكاد يقتلها.
زمّ شفتيه بقهرٍ قبل أن يهتف بجديَة : مرة ثانية انتبهي لحكيك ... لأني أعتقد إني بجيب معاي سم الزرنيخ وقتها وأقتلك فيه!
قطّبت جبينها وشتت عيناها باضطرابٍ عنه، تبلل شفتيها بارتباكٍ وهي تتراجع حتى جلست. إنّ سكونها ينهارُ أمام عبثه، إنّها تسقط رويدًا رويدًا وتفكيرها بدأ بالإضمحلالِ في خضم ارتباطها به.
كيف عساها ستكمل حياتها بهذه الطريقةِ المُضطربة؟ كيف عساها تصطبر على هيجان البحر داخلها؟ هل تنتظر الغرق لتموت؟ أو لربا رحمتها الأقدار لتُزجّ في أقرب شاطئٍ قبل أن يُصبح الموت خيارًا لابد منه!
نظرَت إليه بوجهٍ بائسٍ حانق، لتهتف من بين أسنانها بحدةٍ وصبرها نفد وانتهى : قلتلك نتطلق من البداية بس رفضت! لا تحاسبني بعدين!!
رفع شاهين حاجببه والغضب بدأ بالتسلل إليه أكثر وأكثر : يا حلاتك والله! وكأني ضربتك وقلتلك من البدايَة وافقي علي بالغصب؟
ازدردت ريقها وهي تخفض رأسها أمام كلماتهِ وحجته التي أخرستها، بينما هو صمتَ دون أن يكُون الوضع سهلًا عليه، وكيف يكون سهلًا على رجلٍ شرقي مثله؟. إننا الشرقيون نتحلى بصفاتٍ فطريةٍ لن تمدّها الحياةُ بالزوال، إننا الشرقيون نغار بالفطرةِ ولن نُسلخ من هذه الصفةِ مهما اختلطنا بمجتمعٍ غربيٍ قد يُمحق صفاتًا أخرى مُكتسبة، إننا نغارُ بحجمٍ قد يؤرقنا، قد يُرهقنا، وقد يقتلنا أيضًا!
تنهد بكبتٍ وهو يقتربُ منها، لترتعش في مكانها تنظرُ إليهِ بإرهاقٍ من مواجهتها له. جلس بجانبها ليسكن للحظاتٍ حتى صوتُه سكن، لكن نظراته كانت نارًا يندلعُ وقد يحرق كل أخضرٍ ويابس، إلا أنها لم تُحرق في النهاية!
أدار رأسه إليها فجأةً، وعينيه هبط توقدهما بدرجةٍ بسيطة، وبحزم : اسمعيني ... بقولك شيء واحد أبيك تفهمينه، قناعة يمكن تستنكرينها ويمكن ما تصدقينها
أنا رجال شرقي خليجي سعودي في النهاية، تفهمين وش يعني هالإنتماء؟ قبل لا أكون سعودي أنا خليجي، وقبل لا أكون خليجي أنا شرقي، تفمهين وش يعني شرقي؟؟!! * أردف بتشديد * يعني أغااااار لدرجة الموت
أخفضت رأسها وهي تفرك كفيها ببعضهما توترًا، لتمتدّ يديه فجأةً ويحتضن كفيها المتكومتان بين قبضتيه، حينها تيبست في مكانها وتيبست أنفاسها، بينما تابع هو : لكن الأهم من هذا كله ... هالشرقي اللي جالس جنبك متقبل حبك لغيره حاليًا
اتسعت عيناها قليلًا دون أن تستدير إليه وأذناها لا تصدقان ما تسمع، كيف يمكن لرجلٍ أن يتقبل حب امرأتهِ لغيره؟ هي تدرك جيدًا ذلك وتعلم أنها تؤذيه حين تُفصح عن حبها لغيره، وبالرغم من ذلك تؤذيه!!
لم تصدق ما قاله لكنها لم تنبس بشيء، ليشدّ هو على كفيها مُتابعًا بخفوت مُعذب : حبك لمتعب ماهو حرام يا أسيل ولا هو مؤذي لي بحجم ما اعترافك مؤذي! حبك له كان نتيجة علاقة شرعية ما أقدر أحاسبك عليها
أنتِ قبل لا تكوني زوجتي كنتِ أرملته، وطبيعي راح يكون عندك له مشاعر خاصة بقدر أغيرها لك بعدين، بس اسكتي! لا تفصحين عن هالحب كل ما بغيتي تبتعدين، اسكتي والزمي لسانك وحدودك عشان لا تطلعيني من طوري، خلي حبك هذا في قلبك بس لين ماتقدر العشرة تغيره وأنا واثق من هالشيء. يوم من الأيام بيصير متعب ذكرى حلوة أنا ما أحاسبك عليها بالعكس! ما أبيه يموت من عقلك لأن الزوج لو مات أو ابتعدت الزوجة عنه ما يموت في الذكرى بس ممكن يموت بالقلب! الزوج لما يختفي فجأة تظل ذكراه شيء حلو وممكن سيء بس ما يموت!
ما أبيك تنسينه يا أسيل بس أبي قلبك ينساه ... ما أستعجل قلبك في نسيانه بس أبيه يتناساه ... ما أحاسبك على حبك له لأني أعرف انه ينحب وأفتخر إن زوجتي ما تحب لمجرد الحب! زوجتي تحب لأنها تميّز مين اللي يستاهل الحب، طيب ما أستاهله برأيك؟؟
صدقيني يا أسيل ... ما آذاني حبك له كثر ما آذتني أشواك لسانك وعدم مبالاتك! لا تعترفين ... اخدعيني بس لا توجعين هالشرقي بعدم مبالاتك فيه واحترامه!
انسابت كلماته كانسياب السَموم في أذنيها، كانسيابِ رصاصٍ ذائبٍ إلى طبلتها لتحترق، كانسياب صراخٍ مزّق أسماعها وأرداها صماءَ لا تسمع شيئًا، لم تجد ما ترد به، لم تجد صوتها وقد ضاعت الأحرف من بين شفتيها، غُمرت في النسيان كما نسيت نفسها في هذه اللحظاتِ لضآلةِ حجمها.
نظر إليها وقد صمت وضاع صوته بعد ما انتهى من حديثهِ الذي جفف حلقهُ من الريق، لذا ابتلع ريقهُ ليسترجع صوتهُ ويُخصب الجفاف الذي واتاه، ينظر لوجهها الذي بقي متجمدًا كما هو، تنظر بعينيها إلى الأرض وقد انسحب منهما كل حنقٍ وكل تمردٍ وكل شعور، أدرك جيدًا تأثيرَ كلماتهِ السابقةِ عليها فانتهت كلماته.
لذا هتف بهدوءٍ وهو ينظر لساعته : ما بقي شيء على صلاة العشاء .. أستأذن
أطلق كفيها من قبضتيه ليقترب من وجهها ويطبع شفتيه على وجنتيها، حينها لم تكن ردة فعلها كسابقاتها ولم تنتفض فزعًا ككل مرة، بل بقيت متجمدةً في مكانها بينما ابتعد عنها واقفًا، هاتفًا : فمان الله


,


نظر للساعة التي اقتربت من السابعةِ والربع، اقترب وقت الصلاة لذا تركَ حاسوبهُ الذي كان في حجره ونهض عن سريرهِ ليتجه للحمام ويتوضأ.
بعد دقائق خرج وهو يشمّرُ أكمامهُ عن ساعديه، ومن ثمّ أخذ هاتفهُ من الكومدينة ليضعه على وضع الصامت ويدّسهُ في جيبه، ليخرج من بعدها من غرفته.
كاد أن يتجه للباب لكن لفت نظره جسدٌ مُستلقٍ على الأريكة، وحين استدار كانت غزل متكومةً بجسدها نائمةً في وقتٍ كهذا ليُقطب جبينه مستغربًا، ما الذي أحضرها لتنام هنا تحديدًا؟ هي في العادةِ لا تخرج حين يكون متواجدًا وهذه طبيعةُ حياتهما منذ فترة، كالغريبين في نفس المكان، كالماءِ والنارِ لا يلتقيان، كالصالح والطالحِ لا يتفقان في شيءٍ من صفاتهما.
أشفق عليها وهو يرى جسدها الطويل يتكوم وسطَ أريكةٍ لا تتسعه، لذا اقترب منها ينوي إيقاظها للصلاةِ أولًا ولتنام في غرفتها ثانيًا.
سلطان يهتف باسمها بهدوء : غزل ... غزل
لم تستجب لنداءاتِه، لذا مدّ كفهُ ليضعها على كتفها، حينها انتفضت جالسةً وهي تشهق ما إن شعرت بكفٍ ما لمستها.
عقد سلطان حاجبيه وهو يتراجع : بسم الله شفيك؟؟
حاولت أن تتراجع دونَ فائدة فظهرها كان يصطدم بظهر الأريكةِ في النهاية، إحدى كفيها استقرت على كتفها الذي لمسه وعيناها كانتا مُتسعتان بذعر تنظران لوجهه : وش تبغى؟؟
سلطان بجمودٍ وهو يرى نظراتها له وصوتها الحاد انسابَ إلى أذنيه : نومتك هنا غلط غير عن وقتك طبعًا ... قومي صلي عشاء وارجعي نامي بغرفتك
ارتبكت لترطّبِ شفتيها بلسانها وهي تؤمئ برأسها لتُجاريه، بينما هو لم يمنع نفسهُ من سؤالها : غريبة جالسة في الصالة وأنا موجود!
غزل بتوتر : ماهي غريبة ولا شيء .. ممنوع يعني؟؟
نظر إليها مطولًا بملامح لا تفسر، لتُطرق برأسها تُشتت عيناها عنه وهي تشعر بالضعف حين تواجهه، إلى أن همس في النهايةِ بشبحِ ابتسامة : لا .. خذي راحتك
زفرت ما إن شعرت بهِ يبتعد باتجاهِ البابِ ويخرج، لترفع رأسها للأعلى تغمض عينيها بقوة. متى ستنتهي من كل هذا يا الله؟ متى سترتاح وتعيش كبشريةٍ لها الحق في الحياة؟ متى ستتنفس هواءً نقيًا لا يحمل في جزيئاتهِ ألمٌ هزمها حد الإغماء؟ .. إنها تعِبة، تعِبةٌ بالقدر الذي يجعل موتها يقترب ببطءٍ ولا ينتشلها بسرعة.


,



كانت في المطبخ تحضّرُ كوبا قهوةٍ لها ولفارس حين رنّ هاتفها الذي وضعته على الطاولة المُستطيلة في وسطِ المطبخ، تركت الكوبان وهي تُقطّب جبينها خشيةً من أن يكُون هيثم، فهي قد أقرت أنها ستفضحه حينها ولن تتراجع عن ذلك إطلاقًا، وهذا ما هي تخشاه!
تخشى أن يكُون هو ليس لأنها تخاف عليه من فارس، بل هي تخاف على العلاقة فقط، تخاف على الحبل الذي يربطها بخالها، ذلك الحبلُ الذي هو أدقٌ من الشعرة، تخافُ أن ينقطع، تخاف على علاقة فارس نفسه بخاله، على علاقةِ والدها بأخِ زوجتهِ الراحلة. لذا هي تخشى كثيرًا أن يكون هيثم، تخشى أن يكون كلامها قبلَ ساعاتٍ بالنسبةِ لهُ ليس إلا دعابةً أو تهديدٌ لا فعل به.
اقتربت من الطاولةِ وهي تتمنى في سرّها ألا يكون هيثم، تدعو الله أن يرحمها من خطوةٍ تعلم جيدًا ما توابعها. وما إن رفعت هاتفها ونظرت لمن يتصل، حتى تنهدت وقلقُها انزاح عنها.
ردّت وهي تبتسم باهتزاز : يا دب ... خرّعتني، لهالدرجة متعيجز تنزل لي؟
ابتسم فارس وهو يسند ظهرهُ على وساداتِ سريرهِ هاتفًا وهو ينظر لشاشةِ حاسوبه : في إيش بالضبط خرعتك؟
ارتبكت جنان وهي ترد : كنت أسوي القهوة وفجأة اتصلت عشان كذا
فارس بابتسامة : طيب متى مخلصة ترى لقيت فيلم بيعجبك أكيد
عبست جنان بدلال : مو كذا اتفقنا!
فارس : يلا عاد ، قلتلك ما يمديني آخذك للسينما اليوم مشغول، ما بقى غير ساعة ونص عشان أجلس فيها وياك يرضيك يعني بعد ما جلست أدور على شيء حلو من نص ساعة؟
مطّت فمها وهي تتنهد، ثم بخفوتٍ مُتغنج : اوكي .. رحمتك
فارس : يا ملاغتك بس ... بسرعة اطلعي غرفتي منتظرك
أغلق بعد جملته تلك لتبتسم وتضع الهاتف ومن ثمّ تعود لإكمال القهوة، وبعد دقيقتين كانت تحمل الصينيةَ وبها الكوبان مع هاتفها صاعدةً لغرفة فارس.

جلست بجانبه على سريرهِ بعد أن ناولتهُ كوبه ووضعت كوبها على الكومدينة، ثمّ نظرت لشاشةِ حاسوبهِ تسأله : إيش الفيلم؟
فارس : فيلم **** ، بيعجبك أكيد
جنان : ليه هو أنت قد شفته قبل؟
فارس : اهمم
عبست : يا سلام! عشان تحرقه علي الحين وتزعجني بثرثرتك!!!
ضحك فارس وهو يُحيط عنقها بذراعه ويُلصق رأسها بصدره بقوةٍ رجولية : بلاش هالحكي بسكت هالمرة
جنان باختناق : خنقتني يا الخايس
رنّ هاتفها في تلك اللحظةِ ليُحررها وهو ينظر إليه بابتسامة : لا تردين أو كلمي بسرعة أوكي؟
لم ترد عليه وهي تنظر لهاتفها بارتياب، إن لم يكُن في المرةِ الأولى هو فهل سيكُون الآن؟
بللت شفتيها بارتباكٍ وهي تنهض وتدعو الله أن لا يكُون هو، وما إن وصلت حتى رفعته عن الكومدينة لتنطر للرقم قليلًا، بيدين بدأتا بالإرتعاش انفعالًا، بعينين التمعتا قهرًا. ما هذا العناد والإصرار الذي يغلفه؟ هل يستهين بها إلى هذا الحد؟ هل يرى أنها ضعيفةٌ إلى هذا الحد الذي يجعل تهديدها له مجرد كذبة؟
عضّت شفتها بقوةٍ وهي تتنفس بعنف، " لا الولد ولا أبوه "! ... كلاهما يؤرقانها ويؤذيانها بطريقةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرة، كلاهما يحبُ إيذاء غيرهِ دون أن يتفكر في العواقب، وهي الضحيةُ لكليهما، هي المرمى الذي يرميان فيه كُرهتهما المُلتهبة، إن كان لا احترام لها في عيني هيثم، فهو لن يكون له ذلك!
هتف فارس باستغرابٍ وهو يراها واقفةً في مكانها دون أن ترد أو تتحرك، بحاجبين معقودين : جنان وش فيه؟ ردي!
استدارت إليه فجأةً وذقنها المقسوم رأسيًا بدا أشدّ حدةً ليعلم أنها غاضبة، وهكذا تكون حينما تغضب أو تبكي، فذقنها دلالةُ هاتين.
اعتدل فارس في جلسته وهو يُزيح حاسوبهُ جانبًا، وبقلق : وش فيه؟
اقتربت منه بوجهٍ يشعُ غضبًا، ثم وقفت عند السرير للحظاتٍ صامتةٍ تضاعف بها قلقهُ حتى هتف بحدة : جنااان احكي وش فييييه؟؟؟
مدّت إليه الهاتف بقهر، وصوتها انسابَ إلى أذنيه حادًا مُختنقًا بغصتها : تصرف معه
رمت الهاتف في حُجرهِ ثم استدارت لتهرولَ خارجةً من الغرفةِ ودمعةٌ يتيمةٌ سقطت من عينها اليسرى، دمعةٌ لخصت قهرها من دناءةِ من كان على الأحرى أن يكون من الفئةِ التي تخشى عليها، من الفئةِ التي ترفع رأسها بها.
حمل فارس الهاتف الذي استكان رنينهُ مع صوتِ إغلاقها للباب، لينظر إليه للحظاتٍ وهو لم يفهم شيئًا! . . ودون أن يستغرق وقتًا طويلًا في التفكير اتجه للمكالمةِ الوحيدة التي لم يتمّ الرد عليها ليظهر لهُ الرقم الغير مدونٍ عندها، ومن ثمّ اتصل!


,


كان قد أنهى فرضهُ وجلس يذكر أذكار ما بعد الصلاة، عيناه مُسترخيتان تنظران للأرض دون وجهةٍ معينة، دون بريقٍ ما تُثبت أنهما حيّتان.
دعى ربه كثيرًا، في كل سجدةٍ ولربما لو أنه لم يكن يُصلى جماعةً يتبع الإمامَ لظلّ في السجدةِ الأولى حتى الآن! . . دعا ربه أن يُرشدهُ للصواب، دعا ربه أن يُزيل هذا التناقض في صدره وهذا الضياعِ الذي يعيشه، دعا الله أن يُنير له كل ظلامٍ يعشعش في صدرهِ ويفُكَّ عنه كل ضيق، دعا الله في مسألتهِ مع - سلمان - ونسي حياتهُ مع غزل!
لا يشعرُ بأي قوةٍ تمتدّ إليه، لا يشعر أنه يُقدمُ على شيءٍ حتى الآن، هو لا يعلم من الأساس ما الذي يجب عليه فعله ولا يعلم ما الخطوةُ التالية.
تنهد بضيقٍ وهو ينهض ينوي أن يُصلي السنة ومن ثمّ سيخرج، لكنه ما إن وقف حتى شعر بكفٍ تقع على كتفه، ومن ثمّ صوتٌ باسمٌ ينسابُ اليه : يا هلا في بو فهد
استدار إليه سلطان مباشرةً ليبتسم : بو سلطان!
ابتسم عناد وهو يرفع حاجبًا : سم يابو عناد
ضحك سلطان وهو يصافح كفه ويهتف : خشمك يا الذيب
اقترب منه سلطان ليُقبل أنفه بمحبةٍ أخويَة، ثم ابتعد عنه باسمًا : غريبة ملاقيك هنا! هالمسجد بعيد عن بيتك عشان تجيه خصيصًا
سحبه عناد معه ليجلسا على الأرض، وبابتسامة : كنت جاي عشانك من الأساس ولما أذن عشاء قلت أكيد بلاقيه في المسجد
سلطان : غريبة الشيخ عناد جاي برجوله بدل لا يتصل
عناد بمداعبة : شيخ غصبًا عن خشمك .. وبعدين أنا جاي بسيارتي مو برجولتي
سلطان بتكشيرة : يا ثقلك
استنشق عناد عبق العطور الرجولية التي اختلطت فيما بينها ليتراجع بجذعه للوراءِ قليلًا يستند بكفيه على المفرش الأحمرِ للمسجد : عمومًا أنا جاي عشان أشوف القاطع أخوي البزر ومنها أبلغك بعزيمة أمي لك ولمرتك بكرة عالغداء
سلطان باستغراب : تبلغني؟ وليه ما اتصلت علي بنفسها؟
حركَ عناد حاجبيه وابتسامةُ خبثٍ تجلّت على شفتيه : زعلانة منك لأنك ما زرتها من فترة ولأنك تممت زواجك من غير لا تعلمها من البداية وبدون طقطقة وحفلة .. الله يستر عليك بكرة
تأوه سلطان وهو يعضّ شفته بهلع : الله يكتب لي عمر جديد بس ، يمكن تذبحني!
عناد : ههههههههههههه شيء وارد تعرف زعل أمي كويس
عبس وهو ويتمتمُ بشيءٍ ما على الأحرى هي أدعية، بينما سكنت ملامح عند فجأةً وهو ينظر لوجهه المُرهق بجمود، وبهدوء : وش فيك يا سلطان؟
نظر إليهِ سُلطان بصمتٍ ونظراتٍ طغى عليها ألمٌ نخره حتى الإحتضار، وملامحه قد تحوّلت للأسى فجأة، ثم همس : انت أدرى
تنهد عناد وهو يعتدل بجلسته وينظر في عيني سلطان بحزم : سلمان؟
سلطان يبتسم بسخرية : شرايك؟
عناد : للحين على إصرارك بالإنتقام؟
أومأ برأسه ببطءٍ وهو يهمس : المشكلة شلون؟
عناد : شلون هذي لا تدوّر عليها ... ابتعد بس عن هالفكرة
تحولت نظراتُ سلطان لغضبٍ وهو يهتف من بين أسنانه : أبتعد عن هالفكرة؟ أبتعد عنها بعد اللي سواااااه!!!
عناد بنظراتٍ قويةٍ وحدة : ايه تبتعد عنها ، لأنك ماراح تجني شيء بس بتشوه صورتك وتصير إنسان أتفه من الحشرة!
سلطان بوجوم : عناد!
عناد بجدية : ايه حشرة! ... أخوي مو تافه لهالدرجة، شوف وين وصلت؟ لو تبي تنتقم بتصير أسوأ من سلمان وأشكاله ، انت بس حاول تظهر العدالة مو تنتقم وتروح فيها بعدين!
سلطان بخفوتٍ مقهور : أظهر العدالة!!
عناد : يعني عندك الإنتقام أسهل؟ دوّر على شيء يثبت إدانة سلمان ... وقتها تقدر تفتح القضية من جديد بعد ما تقفلت بإدانة العم قاضي
صمت سلطان وهو يُزيح وجهه عنه دون أن يلفظ بشيء، حينها مدّ عناد كفه ليضعها على كتفهِ ويُديره إليهِ بقوة : العدالة أسهل من الإنتقام يا سلطان، بتصير سيء لا فكرت في الإنتقام، بتصير سيء مثل سلمان بالضبط ... يرضيك؟
أطرق سلطان برأسه دون أن يجد ما يرد به، من ذا الذي يتمنى أن يكون كسلمان؟ من ذا الذي تُرضيه هذه الدناءة؟ بالتأكيد لا أحد، لكن من ذا الذي يرضى بعدالةٍ يرى أنها لا تُطفئ الجمرات في صدره؟!!!
ابتسم له عناد وهو ينهض هاتفًا : يلا خلنا نصلي السنة ونطلع نتمشى شوي ونحكي
ابتسم لهُ سلطان ببهوتٍ وهو ينهص بدوره : في الرياض؟
ضحك عناد بخفوت : يازينها الرياض ولا فيه أحلى منها ... مدينة سياحية بعيوني
سلطان بابتسامة : هذي حال كل مواطن يهايط بحبه الميمون لوطنه ... عمومًا خلنا نصلي وبعدين نكمل حكينا .. أظن إن الفجر بيأذن واحنا بعدنا نحكي
ضحك عناد وهو يهمس فجأة : تذكر يوم صلينا السنة جماعة؟
نظر إليه سلطان ليضحك فجأةً بذكرى لن تزول من ذاكرته : والأدهى مبتدعين سنة للعصر!
عناد : هههههههههههههه انفضحنا يومتها في المسجد
سلطان بنشوةٍ لتلك الذكريات البريئة في مراهقتهما : أقل شيء أنا كان عمري 14 سنة ، انت الكبير الفاهم اللي كان عمره 18 سنة
عناد بضحكة : اللي المفترض يكون فاهم بس مو ضروري عاد!
سلطان بابتسامةٍ وهو يرفع حاجبه الأيسر : لا تسلك لروحك!
عناد : الله يهديه عمي سلمان ما يعرف ينصح ويوجه بالهداوة لازم بالفضايح .... ههههههههههه للحين أذكر صدمته لما سألنا وش تصلون ونقول له سنة العصر جماعة هههههههههههههههه
صمت سلطان فجأةً وقد اختفى كلّ أثرٍ للضحك، وحين انتبه إليه عناد صمت هو الآخر دون أن يلفظ بشيء.
همس سلطان بعد ثوانٍ من الصمت، بألم : ليه كل شيء يتعلق فيه؟
تنهد عناد هاتفًا : لأن الله يبي هالشيء
وضع كفه على كتف سلطان مُردفًا : تناساه وخلنا نكمل صلاتنا ونطلع


,


كانت تستفسر عن كل شيءٍ بحدة، منذ عاد وهي تُعيد تكرار أسئلتها عليه والتي أجاب عليها واحدةً تلو الأخرى مرارًا ومرارًا.
سألتهُ بشرٍ سؤالًا أعادته للمائة مرةٍ ربما : طيب ضربتك؟ مدت يدها عليك؟؟
هزّ زياد رأسه بالنفي وببراءةٍ وهو يجيب : بس طردتني
بالرغم من أن سيف قد حذرهُ بلطفٍ من أخباره لأمه بما حدث، قال له أنها ستمنعهُ من الخروج معه مرةً أخرى ليهوّل الموقف عليه فلا يتحدث بما حدثَ معه في منزله، وهو بدورهِ قد صمت ما إن رأته عاد مبكرًا دون أن ينام عند والده كما أصر سيف على والدها حتى وافق دون استشارتها، سألتهُ مرارًا ولم يجيب، حتى صرخت في وجهه غاضبةً في النهايةِ ليتحدثَ خائفًا منها كما خوفهُ من ديما - العجوز الساحرة - برأيه.
زمت بثينة شفتيها المُتوردتين بقهرٍ وغضب، كيف تتجرأ تلك المرأة بالصراخ على ابنها وطردهُ من منزلٍ لهُ الحق به؟!
وحشيةٌ انتبابتها عنده هذه الفكرة، ليس لتلك التافهةُ الحق، أيّ حقٍ فيما فعلته، هي وحدها من لها الحق في الصراخ عليه، في ضربه، في توبيخه، ولا لأحدٍ الحق ليفعل ذلك حتى سيف!!!
همست بوحشية : أنا بوريها شغلها التافهة
جود بعبوسٍ وهي جالسةٌ على سريرِ بثينة وبحجرها زياد : بتروحين لبيتها مثلًا؟؟
بثينة بوحشية : ايه بروح وبعطيها كف على وجهها لأنها تجرأت وصرخت بوجه ولدي وطردته!
جود بسخرية وهي تلعب بخصلات شعر زياد : يا سلام! بتتهجمين عليها في بيتها بكل بساطة كذا؟؟؟
بثينة وهي تتجه لعباءتها المُعلقة تنوي الذهاب لديما بالفعل في غمرةِ جنونها : ايه بسوي كل هذا ومحد بيمنعني ... محد يقدر يدوس على زياد بطرف وأنا عايشة ... والله لأكِّها الويل
جود بسخرية : وأنتِ بتأكلين الشرطة بعدين!
استدارت بثينة إليها بحدةٍ وهي تحمل عباءتها المُكومةُ في يدها : انقلعي من وجهي!
وقفت جود ببرودٍ بعد أن أجلست زياد على السرير ومن ثمّ اتجهت للباب : بنقلع .. بس حطي ببالك وش بيصير بعدين لا صرتِ بالسجن .. * بتشديدٍ ماكر وهي خائفةٌ من تهور أختها بالفعل * سيف بيآخذ زياد عنده ووقتها جد بيكون في يدين زوجته
سكنت فجأةً وملامحها المشدودةُ بغضبها ارتخت بما سمعت، عقلها اتجه لما وراء ما كانت ستفعله وما الذي سيحصل لزياد بالفعل، تتخيل أن تكون في السجن وزياد عند سيف، قريبًا من ديما!! غيــــــرُ ممكن!!!
هتفت جود بلطفٍ وهي ترى سكون أختها بعد كلامها : سيف أكيد ما سكت وأخذ حق ولدك ... خلاص لا تسوين مشاكل وبعدين تندمين!
نظرت إليها بثينة بتوهانٍ ومن ثمّ نظرت لزياد الساكن في مكانه ينظر إليها بترقب، حينها ابتسمت لهُ باهتزازٍ لتعودَ وتنظر لجود : تهقين أخذ حقه؟
جود تبتسم برقة : ما سمعتي زياد وش قال لك؟ سيف تهاوش مع مرته عشانه
زفرت وقد اقتنعت بالمكوث وعدم التهورِ والذهاب لمنزل سيف بتلك الصورةِ الوقحة، هل كانت ستفعل ذلك بالفعل؟ لربما لو أنها فعلت لكان حدث مثلما قالت جود تمامًا، أو لربما كان سيف ليقوم بنفسه بالمطالبةِ بابنه لأنه رآها انسانةً متهورةً لا يطمئن لمكوث زياد عندها.
قطّبت ملامحها الفاتنةِ وهي تعضّ شفتها المُمتلئة، ثمّ استدارت لتُعلق عباءتها وهي تهمس لنفسها : مستحيل ياخذه مني ... مستحيل!


,


كان جالسًا بجانبها، ترمقهُ كلَ ثانيتين لتراه مُغمضَ العينين ورأسه سيسقط لا محالةٍ، لذا كانت تضربهُ على فخذه حتى يفتح عينيه وشفتيها تزمهمها لتُستر ضحكاتها على مظهره. كان قد أُهلك تمامًا من النعاس لكنها لم ترحمه، في النهايةِ همس لها بنعاس : بيصير لي أربعة وعشرين ساعة وأنا مانمت! ... ماتبين تفرجين عني؟
سهى بلؤم : لا تأخر شوي ... أنا قاعدة أطبق عدالة الأرض، مين قالك ما تحافظ على صلواتك بوقتها؟؟
أدهم : اووووووف وصليت عشاء وش بقي بعد؟
سهى بضحكة وهي تراه يُغمض عينيه ويفتحهما : بعد أنتظر شوي بس
أدهم يقف بانفعالٍ ويرمي إحدى الوسادات في وجهها : عطيتك وجه
سهى تتصنع الصرامة بينما ضحكاتها ستفلت لا محالة : اجلس وكمل معاي هالفيلم!
أدهم يتجه للدرج متجاهلًا لأمرها : والله ما جلست . . أستاهل أنا اللي مجاريك من البداية
صرخت سهى : ترى مفتاح غرفتك عندي أقدر أدخل وأضايقك
صرخ هو الآخر بقهر : بنــااام في الحمااااام
حينها لم تستطع منع ضحكاتها أكثر فضحكت : هههههههههههههههه تسويها وانت ولد أبوك
اختفى أدهم عن نظراتها مًتجاهلًا لها لتبتسم، ثمّ نظرت في أركان المنزل بهدوءٍ وصمت، أركان المنزلِ التي تبكي أحدًا يلعب بين حناياها، أركان المنزل التي تبكي على أطلالِ الوَحشة. كيف كان أدهم يعيشُ هنا وحيدًا؟ كيف كان يجلس دون عبدالله التي هي تدرك من هو وكيف يعيش يومه؟ تدرك إهمالهُ الكبير لولدٍ عاشَ معهم سنينِ لينتشله بحجة أبوتهِ له بعد ذلك. وليته يستحق الأبوة كما يقول!
تنهدت وهي ترفع جهاز التحكم لتُغلق التلفاز الذي لم تفتحه الا لكي تمنع أدهم من النوم وليجلس معها رغمًا عنه.

بينما في الأعلى، رمى بجسدهِ على السرير بعد أن وضع هاتفه على الكومدينة ليُغلق عينيه مباشرةً وهو يشعر بالنعاسِ يُغرقه، كانت عمتهُ لئيمةً بالدرجة التي جعلتها تمنعه من النوم حتى الآن.
أدهم بهمسٍ ناعس : ماعليها يا عمتي بتنرد لك بكرة
أخذتهُ بوادر النومِ إليها وكاد يغرق في نومِه لولا صوتُ الهاتف الذي انتشله من غرقه، تقلب على سريرهِ وهو يهمهم بانزعاج، تجاهلهُ لكنه لم يتوقف عن الرنين. لذا رفع يدهُ وهو لا يزال مُغلق العينينِ ليردَ دون أن ينظر للرقم في حين كان مُنبطحًا على بطنه .. وبضجر : همممم
عبدالله يُقطب جبينه من الجهةِ الأخرى : نايم؟
فتح أدهم عينيه ما إن ميّز الصوت ليجلس مُعتدلًا وهو يهمس باستنكار : هذا أنت؟؟؟
عبدالله : ايه أنا .. مين ينام بهالوقت بالله؟
كشر أدهم وبوقاحة : وانت شعليك مني؟؟
لوى عبدالله فمه وهو يهزّ رأسه يمينًا ويسارًا بأسى : منت راضي تعدل لهجتك في الكلام مع ناس أكبر منك؟
حكّ أدهم فروة رأسه ببرود : ما ظنتي بفكر حتى
عبدالله بسخرية : أتخيل لو .. * بتشديدٍ عميق * نجلاااء كانت عايشة بينكم من صغرها بتكون مثلك والا لا؟
صمت أدهم للحظاتٍ وهو يرسمُ الجمودَ على ملامحه، وبعد برهةٍ هتف بهدوء : بركات تربيتك .. تبيني أرجع 33 سنة عشان أحضى بفخر تربيتك لي؟
تأفأف عبدالله من سخريته، مرةً واحدةً فقط، مرةً واحدة يتمنى لو يكون فيها معه جديًا ومهتمًا.
أردف أدهم دون مبالاة : والحين شتبي؟ فيني نوم وماني فاضي لك
عبدالله : غريبة مو كنت مصر قبل عشان تاخذ إلين؟ والحين وش صار؟
صمت أدهم للحظاتٍ وهو يُبلل شفتيه بلسانه، لا ينكر أنه تراجع، في هذا الوقت على الأقل، منذ البداية وهو لا يريدها أن تأتيه، لكنه ما إن شعر بالوحدةِ حتى تراجع وتهور بقراره، يخشى عليها من نفسه! يخشى أن يؤذيها دون أن ينتبه، هو لا يعرف كيف يكُون أخًا ولا يستطيع تصنع شيءٍ ليس به، يخشى أن يُخطئ في التعامل الصحيح معها فيؤذيها، لذا كان من الأفضل أن يرفضها وينبذها من حياةٍ هي تُريدها.
كان من الأفضل أن أكون في مكانٍ وأنتِ في مكانٍ يا نجلاء، من الخطأ أن نكون في البيت ذاته وأنا الذي لا يُجيد التعامل مع النساء، لا أجيد الأخوة ولا التعامل كنصف أخ! وقد كان الحظ حليفكِ حين كان عبدالله هو والدك الذي خاف عليك أكثر مني أنا! ابقي بعيدةً فقط، ابقي بعيدةً كي لا أؤذيكِ فأندم. آذيتكِ في الماضي ولا أنوي إيذاءكِ في الحاضر ولا في المستقبل. يكفي ما فعلتهُ بكِ فابتعدي، ابتعدي كما يُريده اختلاف تكويننا.
همس بصوتٍ لا يفسر وقد تبدّل من عدم المبالاةِ إلى ماهو آخرٌ لم يميّزه عبدالله : بدلت رأيي ، خلها عندك أفضل لها دامك أبوها
قطّب عبدالله جبينه وهو لا يستوعب عدم مسؤوليته، وباستنكارٍ خافت : كذا بكل بساطة؟
أدهم ببرود : اي كذا بكل بساطة!
عبدالله بصوتٍ كان بهِ بعض الغضب : طيب ، لك اللي تبيه يا عديم المسؤولية ، بعدين لا تجيني وتقول أبيها! والله ما تاخذها الا على جثتي سامع!!!
بلل أدهم شفتيه قبل أن يهمس : فمان الله
ثمّ أغلق الهاتفَ ليرميه على السرير بجانبهِ ويتمدد وزفرةٌ عنيفةٌ تخشخش بها صدرهُ كانت تحملُ الكثير والكثير من الكبت، لن يندم، هذه هي الخطوةُ الصحيحة، لن يتهور مرةً أخرى وإن ابتعدت سهى وعاد له شعورهُ بالوحدة، لن يتهور ليحتاجها بجانبه، فالعيش بوحدةٍ أسهل بكثيرٍ من إيذائها، العيشُ بوحدةٍ أهونُ عليه من تعريضها للخطر بجانبه، هو لا يستحق أن يكون كالأخ لها، لا يستحق!


,


من الجهةِ الأخرى
نظر عبدالله لهاتفهِ بغيظٍ بعد أن أغلق أدهم، هل كانت إلين تُريد الذهاب إليهِ فعلًا؟ هل كانت تريد الإستنادَ لظهرٍ هو أعوجٍ لن يستطيع تحمل ثقلها؟ .. ما عدمُ المسؤوليةِ هذه؟ هل يرى المسألةَ لعبةً ليتراجع متى ما أراد؟
كانت حكمةً منه أن رفض ذهابها إليه، فهو كان يُريدها في لحظةٍ ما، والآن تخلى عنها بكل بساطة، فما الذي يضمن له أن تكون بخيرٍ عنده؟؟؟
تحركَ مُغضن الجبينِ لغضبه، ثم اتجه للأعلى صاعدًا لإلين التي كانت تجلس مع هديل في غرفتها تذاكران سويةً كما رغبت هديل.
ضرب الباب بهدوءٍ ثم دخل يُطيل برأسه من خلف الباب باسمًا بكبت : أدخل؟
رفعت هديل رأسها إليه في حينِ كانت جالسةً على السريرِ مع إلين، وتلك الأخرى ما إن رأته يدخل حتى رفعت يدها بعفويةٍ لتضع " الآيشارب " الليموني على رأسها.
هديل بابتسامة : ياهلا ياهلا .. تو ما نور المكان
دخل عبدالله مُتجهمًا حين رأى ما فعلتهُ إلين، لكنه لم يعلق فهو يريدها أن تعتاد بنفسها دون أن يُرغمها على ذلك. وبهدوء : ودي أحكي مع إلين
ابتسمت هديل بمرح : يعني أطلع؟؟
ابتسم عبدالله لها بحنان : أنتِ أو هي بنفسها تطلع معاي ... ماراح أطول
تحركت هديل برحابةِ صدرٍ باتجاه الباب وهي تهتف باسمة : ما عندي مانع منها أرتاح شوي وأحرك رجيلاتي على قولة عجايزنا الحلوين
خرجت من الغرفة وأغلقت الباب من خلفها، ليتنهد عبدالله وهو ينظر لإلين التي نظرت إليه بحاجبين معقودين هاتفةً بتوجس : وش فيه؟
اقترب عبدالله منها حتى جلس بجانبها، ينظر إليها للجظاتٍ قبل أن يهتف بهدوءٍ مُستفسر : بسألك وياليت لو تجاوبيني بصدق ... فكرة مين كانت روحتك لأدهم؟
ارتبكت لتشتت نظراتها عنه، وبهدوءٍ وهي لا تنظر لعينيه : هو كان يبيني قربه على أساس إني أخته، وأنا كمان كنت أبي أعيش مع عائلة حقيقية لي
نظر عبدالله في عمق عينيها المُشتتةِ حدقتيهما عنه بحدةٍ وصرامة : كذابة ... طالعي بعيوني وقولي لي إنك أنتِ اللي طلبتي منه هالشيء!
بللت شفتيها بلسانها ثمّ عضت زاويةَ شفتها السُفلى لترفع رأسها وتنظر إليه بتوتر : وش اللي خلاك تفكر بهالشيء الحين؟
عبدالله بقهر : لأن الأخ المبجل توه من شوي قايل لي ماعاد يبيك!
اتسعت عيناها تنظرُ إليهِ بصدمةٍ وهي لا تستوعب ما قاله، وبحذر : وش قال؟؟؟
عبدالله بحدة : قال بالحرف الواحد بدلت رأيي ... خلها عندك أفضل لها
اهتزت شفتا إلين بعبرةٍ وهي تُشتت نظراتها عنه، خُذلانًا وخيبةً وأسى، الجميع ينسحب من مسؤوليتها واحدًا تلو الآخر، الجميع يتخلى عنها واحدًا تلو الآخر، الجميع يستخلص نفس منها، أولًا والدها وأمها، والآن أخوها الذي كان آخر آمالها التي انطفأت، كلهم استخلصوا أنفسهم من دمها، كلهم خذلوها والآن حين وثقت بالأخير انسحب!
عضّت شفتها تُسكن ارتعاشهما، ثمّ رفعت نظراتٍ مُهتزةٍ إليه لتهمس بإصرارٍ مقهور : أنا بكلمه
اتسعت نظرات عبدالله بصدمةٍ وهو يقف بغضب : شلون يعني تكلمينه؟ لهالدرجة ما تبين تجلسين بهالبيت؟
إلين بقهر : مثل ما أقنعته قبل بقنعه الحين
عبدالله بجبينٍ مُقطب : يعني تعترفين انك اللي طالبة بهالشيء ماهو هو؟
إلين بضعفٍ وخذلان : ايه أنا ... أنا اللي كنت محتاجته وبظل محتاجته وراح يساندني
عقد عبدالله حاجبيه بحدةٍ وهو يهمس : يعني العيش عند شخص ما يبيك أفضل لك من هنا؟
أطرقت برأسها ودموعها حجبت الرؤيا عن عينيها، وبألم : جربت شعور الحياة بين عائلة ماهي ملكي .. ماهي من دمي .. وفي النهاية انخذلت من فرد كان الأحرى هو الشخص اللي راح أكون ممتنة له طول عمري
جربت هالشعور، وما عندي مانع لو تكرر بس مع عائلة هي ملكي، مع شخص يحمل دمي .... ولعلمك ترى أنا كرامتي ميتة من يوم ولدت، كرامتي من الأساس ما ولدت معي وما عندي أي مانع لو شخص حاول جرحها لأنها من الأساس ماهي موجوده عشان تنجرح!
زمّ عبدالله شفتيه عند محطةِ كلماتها الموجعة، المُنسابِ بين أحرفها ونقاطها حممٌ أحرقت جوفه، والحزنُ في عينيها حكايةٌ عنوانها بشرٌ تخلى الضمير عنهم فأبكى بيت أحزانها، الحُزن في عينيها روايةٌ لا " تمَّت " مُذيّلةٌ بها، الحُزن في عينيها استقرّ بجورِ الملوكِ وعرشهُ ملحُ دموعها.
زفرَ بكبتٍ وهو يتراجع دونَ وجهةٍ مُحددة، وقدماه دونَ إذنٍ من عقلهِ تحركتا باتجاهِ الباب، لكنهما توقفتا فجأةً لتهمس شفتاهُ بكلماتٍ يُقرّ عليها ما يُريد : من اليوم ورايح موضوع التجرية هذي انسيها ... أنا كفيلك قانونيًا إذا ما ودك تعترفين إني أبوك، وعند هالنقطة دوّري على الحق والباطل ..... أدهم انسييييييه
رمى بكلماتِه تلك ليفتح الباب ويخرج، وتلك بدورها سقطت الدموع التي كانت مستقرةً في عينيها كضبابٍ غزى بلدةً باردةً اختفت الحياةُ منها، كانت كـ " تسونامي " أغرقت كلّ روحٍ لتتلاشى صورُ الحياةِ في جزيرةٍ ما نعمَ أصحابها بالخيرات في يومٍ من الأيامِ لتنتهي هذه الخيراتُ بماءٍ كان على الأحرى أن يكُون حياتهُم لا موتُهم. سقطت دموعها كبتلاتِ وردٍ تخلت عن تويجةٍ هي في أمسّ الحاجةِ إليها، سقطت كسقوطِ أوراقِ الشجرِ في ربيعٍ ما، تخلى السقوطُ عن الخريف وآثر ربيعًا كان فرضًا أن يكُون مخضرًا، تخلى الإخضرارُ عن ربيعٍ كان فرضًا أن يكُون بهجةً، وتخلت البهجةُ عن ربيعٍ كان فرضًا أن يكون سعادةَ أعينٍ تتطلع به، الربيع والخريف بينهما صيفٌ آثرَ الإنسحابَ فحراراتهُ لم تكن لتعيش في صدرٍ كصدرها وفي عينٍ كريمةٍ كعينيها.
انتهت الفصول الثلاثةُ في عينيها وقلبها وبات فصل الشتاءِ جائرًا يُملئ صدرها بالجليد، بات حاكمًا يعصفُ داخلها برياحهِ العاتية، بأنفاسهِ المُتجمدة، لذا تجمدَ صدرها ومات في ريعان الشباب، لذا تجمدت عيناها وذابتا في اللحظةِ ذاتها لتُسقطا دموعها بكرمٍ حاتمي.
دخلت هديل بعد لحظاتٍ وهي مُقطبةُ الجبين، وباستفسارٍ دون أن تُدقق النظر في وجه إلين : وش فيه أبوي طلع معصب؟
مسحت إلين دمعها وهي تنهض من مكانها، حينها انتبهت لها هديل لتهلع وتقترب منها : إلين! وش صاير؟؟؟
لم تُجبها إلين وهي تجمع كُتبها من على السريرِ لتحملها وتتجه للباب، لكنّ هديل لم تسمح لها حينَ أمسكت بها من كتفها وأدارتها إليها بعنف، وبحدة : أتكلم معك وش صار عشان تبكين ويكون أبوي معصب كذا؟؟
نظرت إلين بعُنفٍ إلى وجهها بعينيها الباكيتين، وبصراخ : اللي صار إني أكرهكـــم!!
ثمّ نفضت نفسها عن كفِ هديل بقوةٍ لتتجه للباب وتخرج، بينما تلك وقفت في مكانها مصدومةً من صراخِ إلين الفُجائي إضافةً لبكائها وغضب والدها بعد حديثه معها!!


,


ضَرب الجرسَ بعُنفِ الغضبً في داخله، يضغط عليه بشكلٍ متكررٍ حتى كاد أن يُحطمه، وعقلهُ يسترجع ما حدث قبل دقائق، عقله يسترجع ما سمعَ بعد أن اتصل بالرقم الذي لم يُركز به ولا بمألوفيتهِ بالنسبةِ إليه. حينها انسابَ إليهِ صوتٌ يعرفه جيدًا، صوت كيف عساه لا يعرفه وهو صوتُ قريبه الذي كان بحقارةٍ كافيةٍ حتى يفعل ما فعل.
" ما أصدق حبيبتي متصلة علي بنفسها!!! "
حينها جُفل، جفل بعد ما سمعهُ والزمن توقف عند تلك اللحظة، لم يشعر بنفسه ولم يشعر بصوتهِ الذي ارتفع بصراخهِ وهو يشتمهُ بأقبح الشتائم، يتوعده بأعظم التوعداتِ إلى أن أغلق هيثم بنفسه، حينها حمل نفسه وجاء إليه وهو يتوعد بقتلهِ اليوم.
والآن هاهو يقف وعيناه تكاد تكونان نارًا من غضبه، يضرب جرس الباب وحين تأخروا في فتحهِ ركلهُ بقوةٍ وهو يصرخ : بذبحك اليوم يا هيثم والله لذبحك
فُتح البابُ ليرى أمامهُ الخادمة الآسوية والتي نظرت إليه بذعرٍ وهي تعرف تمامًا من هو.
تحدثت بإلإنجليزية : ماذا هناك؟
فارس بحدة : وخري عن طريقي
دخل بعد أن دفع الباب أكثر لتبتعد عن طريقه، ثم وقف في منتصف الصالة صارخًا : هيثم يا حماااااار يا خاااااااين
نزل وقتها أمجد من الأعلى مُهرولًا وهو يقطب جبينه لصراخ فارس، وما إن رآه حتى هتف بتساؤلٍ مستغرب : فارس! شفيك؟ ليش قاعد تصارخ؟؟؟
فارس بقهر : وين هيثم؟؟
أمجد باستنكار : صاير بينك وبينه شيء؟
فارس بغضب : وين هيثم؟؟
نظر أمجد للخادمة ليسألها عن هيثم، لترد عليه وهي خائفةٌ أنه قد خرج مُسرعًا قبل دخولِ فارس بقليل، حينها اشتعلت عينا فارس غضبًا وهو يتجه للباب ينوي الخروج وصوته ارتفع بشتايم يوجهها لهيثم : الخسييييس ، الخاين الجباااااان
اقترب منه أمجد ليوقفه من كتفه ويُديره إليهِ هاتفًا بصرامة : إيش صاير بينك وبينه؟
فارس بقهرٍ وهو يُبعد يدَ أمجد ببعض العنف : إسأل ولدك بنفسك يا خال
قال كلماتهُ تلك ليخرج من بعدها ويُخرج أمجد هاتفه من جيبهِ بوجهٍ صارمٍ وهو يعرف ابنه جيدًا، بالتأكيدِ سيكون قد أجرمَ بشيءٍ ما ليكون فارس العاقل بهذا الغضبِ والشر.
اتصل عليه لينتظر قليلًا وهو يتجهُ لأقربِ أريكةٍ ويجلس عليها، وما إن رفع الخط حتى هتف بانفعال : وش مهبب يا حمار؟؟
ازدرد هيثم ريقهُ وهو يهمس : فارس جاء للبيت؟
أمجد بحدة : يعني مسوي شيء؟؟؟
هيثم بذعر : والله ما سويت شيء ... والله ما سويت شيء ..... هي ، والله هي
أمجد بصرامة : تكلم حبة حبة .. إيش صاير بينك وبينه؟؟


,


دخل وهو يحمل العشاءَ في يده، لم يجدها في الصالةِ لذا عبس بضيقٍ وهو يدركُ أين هي. في زنزانتها المُبجلةِ التي هي - غرفته -، في قفصها التي تجلس فيها عادةً.
وضعَ العشاء على أقربِ طاولةٍ واتجه للغرفةِ بوجوم، وما إن رآها جالسةً على السريرِ تلمّ ركبتيها إلى صدرها وذراعيها أحاطتا ساقيها حتى ازداد وجومه، وجهها كان يوضحُ مدى ذهاب عقلها وشرودها، لذا حين ناداها بخفوتٍ لم تُجبه، فاقترب قليلًا ليجلس أخيرًا بجانبها، حينئذٍ انتفضت لتنظر إليه بضياع.
فواز بهدوءٍ وهو يتأملُ حزن عينيها : ما ودك تطلعين من سجنك؟
صدّت عنه لتعودَ لتأملِ الفراغ، حينها احتدت نظراتهُ وهو يضع كفهُ على كتفها يُديرها إليه بعنف : جيهااااان
زفرت بكبت، ثمّ نظرت لعينيه بحدةٍ لتهتف : إيش تبغى؟ تبيني أكلمه؟؟؟
فواز يزفر بضيق : الود ودي بس انشغل شوي ... * أردف بعد تنهيدةٍ قصيرة * يلا العشاء جاهز
جيهان ببرود : ما ودي
فواز يُغمض عينيه بصبر : أعوذ بالله .. لك فترة ما أكلتي! ودك تموتين علي؟؟
جيهان بحدة : يكون أحسن!
وقف وهو يهتف بحدة : ويكون أحسن لو شلتك بنفسي
لم يُهدها الوقت لتستوعب كلامه، بل انحنى بسرعةٍ ليحملها بين ذراعيه وتشهق هي بصدمةٍ صارخةً بذعر : نزلنـــي
ضحكَ فواز وهو يتحرك للباب رافعًا حاجبيه بلؤم : للحين تخافين؟؟
أحاطت جيهان عنقهُ بخوفٍ وهي تُغمض عينيها بقوةٍ هاتفة : فواااز
اختفت ضحكةُ فواز لتحلّ محلها ابتسامة وهو يتجه باتجاه الطاولة التي وضع عليها الطعام، وبخفوت : يا عيون فواز أنتِ
بللت شفتيها بارتباكٍ ما إن سمعت غزله البسيط ليتيبس تفكيرها للحظات، وعيناها نسيتا الظهورِ من خلف غيمهما، نسيتا الشروق لتُدفئا عينيه المُتلهفتين لأبسطِ نظرةٍ منها. إنّ عينيكِ كبحرٍ ضاعت زُرقته، إنّ عينيكِ حملتا العروبةِ في بُنّيةِ عدستهما وكبرياءِ نظرتهما، إنّ عينيكِ بحرٌ لا وجودَ لاثنينِ لهُ على هذه الأرض الشاسعة، يتلاشى كرمُ البحار عندهما، يتلاشى جمال زرقتها عند جمال بُنيّتك.
أجلسها على الأريكةِ أمامَ الطاولةِ ليجلس هو بجانبها مُسندًا ظهره للوراء، وبابتسامة : جبت العشاء، وشلتك لهنا، وباقي شغل الحريم ماراح أسويه
صمتت للحظاتٍ مُتنهدةً وهي تنظر لما على الطاولةِ ببرود، ثمّ وقفت بهدوءٍ لتحمل الأكياس وتتجه للمطبخ بصمتٍ دونَ أن ترد بينما نظراته تتابعها بصمتٍ مُماثل.


,


حين اقتربت الساعةُ من منتصف الليل كانت جسدها مُسجى على السرير وجفنيها لم يُداعبهما النوم حتى الآن، وكيف يواتيها النوم وهي بقيت طيلةَ الوقتِ تبكي وتحترق عيناها بدموعها المالحة؟ إنه يتفنن في وجعهِ يومًا بعد يوم ويتمادى بغرسهِ لنصلهِ في قلبها. ما عاد هناك صبرٌ يعتريها، ما عاد في قلبها حبٌ يكفي لتحمله، لربما ما بقي هو ما تحتضنهُ الآن في أحشائها، لربما هو من يجعلها تنتظر الفرج وأبوابَ السعادة عندَه، إنّ كل شيءٍ ذهب، لم يبقى ما قد يشعرها بالسعادةِ معه، فقط هذا الطفل، فقط هذا الطفل، وإن هو رحل فستسقط لا محالة.
سمعت صوتَ باب الجناح يُطبقُ بقوةٍ دلالةَ غضبهِ الذي لم ينطفئ حتى الآن، حينها لم تشعر بنفسها وهي تقف لتتجه للحمامِ بعجزٍ ظهر في ترنحها. تُريد الهربَ منه ومن غضبهِ ليس خوفًا إلا على مافي بطنها، تريد الفرارَ بجلد طفلها فقط وليس بجلدها.
وصلت لباب الحمامِ لتُمسك بمقبضِه، وقتها فُتح باب الغرفةِ ليدخل سيف وتتجهَ نظراتهُ مباشرةً إليها.
سيف بكبوت : ديما
تيبست في مكانها وهي تتنفس بعنفِ القهر داخلها، لم تنظر إليه ولم تتابع طريقَ الهروب، تجاهلت الاثنين معًا وظلّت تبحر في قهرها الذي كانت أمواجهُ ترميها في أكثر من شاطئ، والآن رمتها عند التجاهل والوقوف مكانها تنتظر رحمةَ الله.
اقترب منها بملامحَ طغى عليها الجمود، حتى ما وصلَ إليها أمسك بكتفيها ولفها إليه بهدوء : أبي أتفاهم معاك والحين
نظرت في عينيه الغاضبتين بعينيها الباردتين، لثوانٍ أصبح الكلامُ ملغيًا ولم يتبقى سوى لغةِ العيون، لثوانٍ باتَ بريق أعينهما وحدهُ قد جمع كلّ اللغاتِ وترجمها في لغةٍ خُصصت لهما وحدهما.
عيناها باردتين بدرجةٍ تنخر العظام، بدرجةِ الموت في ليالي الشتاء، عيناها صرحٌ عظيمٌ كان الألمُ هو مُمثله، عيناها لوحةٌ تلوّنت بالرمادي.
لانت عيناه دون شعورٌ وهو يتأمل عيناها، لانت دون أن يختفي كامل الغضب فيهما. عيناها مُثبطاتٌ لغضبه، عيناها تُهدهد الغضب في عينيهِ دون أن تكونا العلاج التام وكم يتمنى! كم يتمنى لو أنهما كافيان لردعهِ عن إيلامها، كم يتمنى لو أنّ بهما ما يُغيّرُ تفكيره ويُزيل فكرة عدم شواذها عن كل النساء، هي مختلفةٌ كثيرًا، لكنها لن تكون شاذة، لن تنسلخ عن جلدها وتتلبس بما هو ليس لها، لن يتغيّر تكوينها عن بقيةِ النساءِ لتكون مناسبةً في نظره. لا يريدها مثالية، لا يتمناها كذلك، لا يُطالبها بما هو بعيدٌ عن أيِّ بشري، لكنه يريد منها إثباتًا، إثباتًا واحدًا على نزاهةِ قلبها، إثباتًا يؤكد له أنها لن تتغير إن أرخى الحبل ودللها بالدرجةِ التي تتمنى، إثباتٌ واحدٌ يؤكدُ له أنها لن تبتعد ... لن تبتعدِ إن عاملها كما تريد.
همست لهُ بعتابٍ تُيقظه من أفكاره : وانت خليت فيها تفاهم يا سيف؟؟
نظر لوجهها بوجوم، بينما أردفت ببرود : اتركني بحالي اليوم، ما ودي أتفاهم مع شخص ما يعرف وش معنى التفاهم وجاي يبي يطبق مفهومه الخاطئ وهو معصب!
زمّ شفتيه ليُمسك عضدها ما إن تحركَت تنوي الذهاب، وبخفوتٍ حاد : ديما ... ماله داعي العناد أنتِ كذا تعصبيني جد .... ماني معصب تطمني
ابتسمت ساخرةً وهي ترفع يدها الأخرى لتضعها على يدهِ التي تعتقل عضدها، وبصوتٍ لاذعٍ بارد : لا معصب ... معصب والا ما كنت ناديتني باسمي
جفل للحظاتٍ ما إن سمع ما قالته، وعيناه المتسعتان كانتا تتابعان يدها وهي تفكّ قبضته عن عضدها، لتبتعد أخيرًا متجهةً للسرير وتستلقي في النهايةِ فتُديره ظهرها.
بينما هو كان في مكانه، بل على الأحرى يحترق في مكانه، إنها تعرفهُ حتى أكثر من نفسه، تحفظهُ عن ظهر قلبٍ وتفهم كل خلجاته، تعلم ما غضبهُ وما رخاؤه، تعلم ما معنى تلك الحركةِ وتلك، تعرفه جيدًا ... تعرفه بدرجةٍ موجعه.
أغمض عينيه بقوةٍ قبل أن يعضّ على شفتهِ بقهر ... لا ، لا تعرفه، لا تعرفه إطلاقًا، لو كانت تعرفهُ لما جهلت ما معنى مناداتهِ باسمها في غضبه، لو كانت تعرفهُ لما جهلت مدى انتمائها إليه، هو ينطق اسم " ديما " لأن " ديما " هي نفسه، ديما هي الإنتماءُ والحياةُ والفرحةُ والضحكةُ والغضب! ديما هي التي يمتلكها ويحبها وليست مي، ديما التي تكون حاضرةً حين يكون غاضبًا لأن لسانهُ يعشق أن يكون على حقيقتهِ وإن كذب مرةً أو مرات.
مي لا وجود لها في نفسه، لا وجودَ لها الا على لسانه، مي ليست حقيقةً بل ديما هي الحقيقةُ لا غير.
هو ينطقها في لحظةٍ يكون فيها مقهورًا/غاضبًا/صادقًا، ليتناقص غضبهُ بحقيقتهِ - ديما - التي لن تُكذّب أبدًا.
ألا تعلمين أن الغضب يجعل الإنسان صادقًا يا ديما؟ ألا تعلمين أن الغضب حين يواتي الإنسان يؤثر على صدقهِ فلا يكذب؟ وأنتِ حقيقتي الغيرُ مشكوكٍ بها، أنتِ المنيةُ والمناة، أنتِ الحياةُ والإستحالة، أنتِ الطموحُ الذي لا يتحطم والزجاجُ الذي لا ينكسر ولن ينكسر ما دمتِ لي ومعي، أنتِ الشريعةُ التي اعتنقتها في الحب ولن أكفرَ بكِ بعد إيماني.
وصل إليهِ همسها الذي اختنق بغصةٍ لم تستطع إمحاقها : بنام .. الله يخليك اتركني بهالوقت ، إذا أنت لما تعصب تطلع برى البيت وممكن تفرغ غضبك بهالطريقة فأنا لما أعصّب أفضل إني ابتعد شوي كم ساعة، لذلك أبي منك تعطيني هالفرصة اللي ممكن تروّقني شوي
زمّ شفتيه قبل أن يزفر، ثمّ بجمودٍ وهو ينظر لتضاريس جسدها التي صدّت بهِ عنه : نامي .. وبكرة بيكون كلامنا أمر مافي جدال فيه


,


دخل الجناح بمزاجٍ مُختلفٍ بعد أن التقى بعناد اليوم، على الأقل لازال هناك من هو معه، يشكي له ويواسيه، يُفضفض له ويسمع. في بعض المراتِ يكون عناد له الطبيب وليس الأخ فقط، واليوم شعر بذلك بعد أن تحدثا مطولًا.
كان يدندن بشيءٍ ما، لكنهُ توقف في مكانهِ ما إن سمعَ خشخشةً ما في المطبخ، ولم يتطلب ذكاءً ليُدركَ أنها غزل فهي الوحيدةُ التي تعيش معه هنا. اقترب من المطبخ وهو ينوي إخبارها بعزيمةِ أمه له ولها غدًا على الغداء، وما إن دخل حتى وجدها جالسةً أمام الطاولة المُربعةِ وكوبُ القهوةِ على سطحها، تتسلى بهاتفها وعلى ما يبدو لم تكن منتبهةً له.
دخل بهدوءٍ حتى وقف بجانبها، لتشهق فزعًا وترفع رأسها تنظر إليه بذعر : سلطان!!
سلطان بهدوء : ايه سلطان .. شفيك انخرشتي؟
أطرقت برأسها بارتباكٍ وهي تهمس : ما انتبهت لك
سلطان وهو يرفع كوب القهوة : هممم
تذوقهُ ليُقطب جبينه ويضعه، حينها ازداد ارتباكها وظهر الإحراجُ على وجهها، وبارتباك : مو حلو صح؟
ابتسم سلطان وهو يتجه للثلاجةِ ويفتح بابها، وبمزاح : رحمَ الله امرئٍ عرف قدر نفسه
قطّبت جبينها وهي مستغربةٌ من نبرتهِ " الرايقة " اليوم عكس كل مرةٍ يتحدث فيها معها، وبعفوية : وش معناها؟
استدار إليها بعد أن أخذ قنينة ماءٍ مستفسرًا : إيش اللي وش معناها؟
غزل : الجملة اللي قلتها
سلطان باستنكار : رحم الله امرئٍ عرف قدر نفسه؟؟؟
أومأت برأسها بهدوءٍ ليُردف مُستنكرًا : ما تعرفين معناها؟
غزل : أسمعها كثير وأقولها بعد أوقات ... يعني فاهمتها بس مو كثيير، ولما أذكر اللي فاهمته من هالحديث يقولي غيري فيه معنى أعمق
سلطان بسخرية : وإيش اللي فاهمته انتِ بالضبط؟ وبعدين منو قالك إن هذا حديث؟
غزل بتوترٍ وإحراج : وحدة من معارفي
اقترب سلطان ليسحب الكرسي للخلف ويجلس عليه بعد أن وضع قنينةَ الماءِ على الطاولةِ دون أن يشرب منها، وبهدوء : هالوحدة ما عند أبوها علم وقاعدة تتفلسف
رفعت غزل حاجبيها بحدة : تراها صديقتي!
سلطان : اووووه لا تكون صديقتك هي ابن العثيمين عشان أقدّر تفسيراتها
أمسكت لسانها من سؤاله " ومين هذا بعد؟ " منعًا لإحراجِ نفسها عنده، فهي لا تعلم من الدين الا القليل، حتى الصلاةُ لا تعرف عنها شيئًا ولا تذكر متى آخر مرةٍ صلت بها، ربما كانت وقتها في الصف الثاني الإبتدائي وما حولها، ومن الأحاديثً النبوية لا تحفظ شيئًا سوى أحاديثَ حفظتها منذ زمنٍ لامتحانٍ كانت تخشى أن تفشل فيه وهي التي لطالما تكون " على الحافة "، وهاهو ما حفظته قد ذهب أدراجَ الرياح.
أردف سلطان وهو يستند بوجنتهِ على كفهِ ناظرًا لوجهها : هذي مقولة لعمر بن عبدالعزيز ماهو حديث للنبي .. ومعناها إن الإنسان لما يعرف قدر نفسه يحترم غيره ويتمسك بربه أكثر فما يخيب
لوت فمها وهي تشتت نظراتها عنه هامسة : شكرًا على التوضيح
ابتسم وهو ينهض هاتفًا بأريحية : عمومًا أنا جاي أعلمك إننا بكرة معزومين عند أمي
رفعت نظراتها لتصل إلى وجهه وهي عاقدةٌ لحاجبيها : أمك؟!
سلطان : أمي بالرضاع ... عازمتنا على الغداء بكرة
نظرت إليه مطولًا دون تعبيرٍ ليُردف أخيرًا بابتسامةٍ مازحة : وتطمني تراني قلت لولدها يوصيها ما يكون في الغداء سمك
ابتسمت ابتسامةً طفيفة تُريد منها دفعهُ لإنهاءِ كلامه، ليردّ لها الإبتسامةُ بدورهِ ثم ابتعد عن المكان ليخرج، حينها زفرت وهي تفكر بالبعيد، كان جزءً منها يطالبها بالرفض فهي غيرُ معتادةٍ على الإختلاطِ بكثيرٍ من الناس وصداقاتها هي صداقاتٌ بُنيت على أساس علاقةِ عائلةٍ بعائلتها، كل صديقاتها - القليلات - هم من معارف والدها وأمها فقط. لذا هي لم تعتد الدخول بين أناسٍ جُدد، لكنها في النهايةِ صمتت وجزءٌ آخر منها فضّل " تغيير جوها " بعد أيامٍ عديدة قضتها هنا دون أن تخرج.

.

.

.


انــتــهــى ..

ما حسيت البارت أرضاني بس إن شاء الله يرضيكم ()

+ تنويه للي ما يدري للحين / الجزء ينزل يوم كل أسبوع وهو الخميس


ودمتم بخير / كَيــدْ !






fadi azar 12-12-14 12:07 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر القيد الثالث والعشرين
 
فصل رائع جدا

ابنة الحظ 12-12-14 02:25 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر القيد الثالث والعشرين
 
يعطيك العافيه .. الفصل قمة الابداع ومنتهى الروعه .. الف شكر ع المجهود المشكور ودمتي لنا

حنان الرزقي 12-12-14 03:50 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر القيد الثالث والعشرين
 
قلت انك لست راضية تماما عن الفصل وهذا امر طبيعي فما من انسان يبلغ درجة الكمال ولكن هناك جوانب كثيرة متميزة اراها من وجهة نظري المتواضعة كأسلوبك السلس في الانتقال من الحاضر الى الماضي حينما كان شاهين يسترجع مشهد زهرة اللوتس دون ان تربكي القارئ و كذلك اعجبني الحوار الراقي بين شاهين وزوجته وان كنت استبعد وجود رجل يرضى ان تتذكر زوجته حبيبها السابق حتى ولو لم تفصح عن ذلك وهذه فطرة او غريزة التملك عند الرجل اما مااراه بارزا في كتاباتك هو كثافة الوصف فكثيرا ماتغرقين في وصف مكان او زمان او عضو من اعضاء الجسد كعيني جيهان او كلمة (ديما) واثرها في نفس قائلها . في الحقيقة الاكثار من الوصف سلاح ذو حدّين فهو من ناحية يبرز مهارة الكاتب في استعمال اللغة واساليبها المختلفة و يعطي لمحة عن الاطارين الزماني والمكاني والشخصية اي صفاتها الخارجية والنفسية ولكنه من ناحية اخرى يشتت القارئ اذ ينهمك في متابعة المقطع الوصفي و ينسى ماكان من احداث قريبة وقد يجعله يملّ سريعا من الرواية خاصة اذا لم يجد احداثا جديدة وهنا اعذريني لانني لم الحظ تطورا كبيرا او ازمة كبرى في احداث هذا الفصل بينما يجب ان يتوفر ذلك كي تمتدّ الرواية وتظل مشوقة لاينفك يفكر فيها حتى الفصل القادم . اشكرك انستي ووفقك الله

كَيــدْ 18-12-14 06:58 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر القيد الثالث والعشرين
 





السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ()
صباحكم سعادة حبايب كيد


بهالأسبوعين رجعت عندي الحالة اللي مدري شسمها اللي أصير فيها عديمة تركيز - روائيًا -
صايرة لو فتحت على البارت وكتبت أكتب رُبع موقف وأقفل مباشرة لأني أشوف إني قاعدة أكتب شيء غلط وبأسلوب ماهو أسلوبي وبدون تركيز!
وما ترجع كيد لسابقتها الا قبل يومين من البارت وأعتقد واضح لكم بآخر بارت الرداءة اللي حسيته فيه
بدون مجاملة! البارت شلون كان؟ أنا أشوفه سيء جدًا ورديء بدرجة خلتني أنزله وأنا مترددة.

لي يومين مواصلة بالليل على البارت بس وأحاول ما أشغل نفسي بشيء ثاني
طيب قد سمعتوا بالمعلومة اللي تقول إن العقل يصير متحفز أكثر والإنسان ينجز بإبداع أكبر بآخر الليل أكثر منه بالنهار؟
أظن إني أثبت المعلومة بتجربة شخصية :p
عقلي ما صار يركز الا بالليل أما بالنهار أحسه يصير للأبجدية فورمات لووول


البارت راح ينزل أكيد
بس أعذروني لأنه يمكن يتأخر، بقي لي موقفين ونص ويمكن أزوّد شوي لأني أشوف البارت هالمرة أقصر من كل مرة مع إنه شامل لكل الشخصيات
عمومًا إذا ما نزل اليوم بينزل على صباحية الجمعة

جدًا أعتذر :(






كَيــدْ 19-12-14 12:55 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر القيد الثالث والعشرين
 




سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن



بسم الله نبدأ

قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
بقلم : كَيــد !


لا تلهيكم عن الصلوات



(25)




قبل ساعاتٍ خلت
استمع لكلمات ابنه حتى انتهى، ووجهه لا تعبيرَ مقروءٍ به، لا تفسير واضحًا في عينيه.
هتف هيثم باضطراب : صدقني يبه والله هي! هي اللي من البداية كانت تلاحقني وتتصل علي، وأكيد لاعبة على عقل فارس وقايلة له إن اللي يصير هو العكس
صمت أمجد دون أن يرد بشيء، لم يلفظ بشيءٍ منذ بدايةِ حديث هيثم، فقط كان مُنتحلًا لشخصيةِ المُستمع لا غير.
هتف أخيرًا بجمودٍ جعل قلب هيثم يضطرب أكثر : طيب متى بدت تلاحقك بالضبط؟ ما أقصد بالمكالمات.
ردّ هيثم باضطرابٍ بأول مدةٍ طرأت على عقله : من ثلاثة شهور تقريبًا
أومأ أمجد إيماءةً تكاد لا تُرى وهو يهمس من بين أسنانهِ الموصدة : طيب ، ارجع للبيت الحين
هيثم بتوتر : بس فارس يظن
أمجد بثقة : والله ما يلمسك وانت ما سويت شيء
زفر هيثم زفرةً ساخنةً ينفث كل حرارةِ الإضطرابِ والذعرِ من جسده، ثم همس : توعدني؟
أمجد بتأكيد : أوعدك
تنفس براحةٍ وهو يبتسمُ بتوتر : طيب، راجع
أمجد : فمان الله
ثم أغلق ليزفر بكبتٍ وغضب الأرض كلها اجتمعت في صدره، اشتعلت عيناه بقهرٍ وهو يمسح بكفهِ على وجهه إلى أن توقفت كفاه فوق فمه، ودون ترددٍ رفع هاتفه من جديدٍ أمام عينيه ليتجه لرقم فارس.
انتظر قليلًا والهاتف من الجهةِ الأخرى يرن، ينظر إليهِ فارس الذي كان يجلس في سيارته بعمق الحنق والغيظ في داخله، لم يكُن يريد الرد على أمجد تحديدًا في ساعةٍ تشتعل فيها روحهُ ولا تنطفئ، لكنه في النهايةِ أجاب قسرًا وبصوتٍ حانق : وش فيه يا خال؟ إذا ودك أحكي عن اللي صار فولدك أدرى بسواته خله يتكلم
تنهد أمجد بكبتٍ قبل أن يهتف : تعال الحين
قطّب فارس جبينه وهو يُمسك زمام صوته كي لا يرفعه في وجه خاله، وبكبت : ليه؟
أمجد بحدة : تعال وبس ... هيثم عندي
اتسعت عينا فارس وهو يتمتم بحدة : عندك؟؟
أمجد ببرود : ايه .. لا تتأخر * ثم أغلق *
زمّ فارس شفتيه بانفعالٍ وهو يحرك سيارتهُ بسرعة وغضبهُ الذي لم يقل منذ تولّد تصاعد أكثر.

بعد دقائقَ طويلة
وصل فارس ووجهه متشنجٌ بغضب نبضاتهِ التي تتصارع فيما بينها، بغضبِ اشتعال عينيه، بغضبِ الدماء التي تتدفق لملامحه التي احمرت.
ترجّل عن سيارتِه ثم أطبق باب السيارةِ من خلفهِ بعنفٍ مُتجهًا لباب بيتِ خاله، وما إن ضرب جرس الباب حتى فُتح هذه المرة بسرعة.
دخل متجاهلًا الخدامة التي انزوت خلف الباب وهي ترى ملامحه هي ذاتها التي كانت قبل دقائق، بل كانت أشدّ اشتعالًا.
وجد خالهُ جالسًا في الصالة يقلّب الهاتف بين كفيه وعلى وجهه تعبيرٌ غير مقروء، ينظر للفراغ بعينين جمد الشعور فيهما وباتت عيناه باردتان كالصقيع.
هتف فارس بعنفٍ وهو يقترب منه بخفة : وينه الخاين؟؟
رفع أمجد رأسه إليه، وبقسوة : تعال
فارس يتوقف في مكانهِ على بعد خطوتين منه : مو قلت عندك؟ أجل وينه فيه ما أشوفه؟
أمجد بحدة : تعال
فارس بقهرٍ يشد على أسنانهِ ليصدر صريرًا من بينها : أنا الغبي اللي صدقتك ونسيت انه ولدك!
اشتعلت عينا أمجد وهو يهتف من بين أسنانهِ بتحذير : قلت تعال يا فارس
زفر فارس وهو يشتت نظراته هنا وهناك مُنفعلًا، وأمجد ينظر إليه بحدةٍ ينتظر منه أن ينصاع لأمره، لكنّ فارس في النهاية استدار عنه ينوي الذهاب.
أمجد بحدة : فــااارس
لكن فارس تجاهله بحجم الغضب في داخله وهو يتحرك راحلًا، إلّا أن عيناه توقدتا بجحيمٍ وهو يرى هيثم واقفًا أمامه، هيث الذي تراجعَ بذعرٍ ما إن رأى فارس أمامه، إلا أن تراجعه كان بلا أي فائدة، فعقله تيبس للحظاتٍ كانت كفيلةً بجعلهِ يقفُ للحظةٍ وينسى الهرب.
انقض عليه فارس ليعتقل ياقةَ ثوبهِ بين أنامله، وصرخةٌ انسابت من بين شفتيه حملت كلّ القهر الذي غلّف صدره : يا حقييييييييير
صرخ أمجد من الجهةِ المُقابلةِ يوقفه : فااااارس
إلا أن فارس كان كمن تشرّب التجاهل ونسي من هو هذا الذي يناديه. دفعَ بهيثم للخلفِ وهو يهتف من بين أسنانه بشر : يا حبيبتي؟ هاه
دفعهُ من صدره ببعض العنف بكفهِ اليسرى بينما اليُمنى كانت متشبثةً بقميصه، مُردفًا بحدة : تبي تجرب الحب؟ ودك تعرف وش هو الحب؟ ودك طيب تعرف عواقبه؟؟
صرخَ بقهر : ودك تعرف وش يعني اللعب بالبنات؟ والأهم ودك تعرف وش يعني إنك توصل بانحطاطك لاستهداف بنت عمتك؟؟ جاااااوب ودك تعرف؟ * صرخ بصوتٍ أعلى * جااااااااااااااوب
رفع قبضته اليُسرى ينوي لكمه، وذاك أغمض عينيه بقوةٍ وهو يرتعش، إلا أن كف أمجد كانت أسرع لتُمسك بقبضة فارس بقسوة، وصوته كان أكثر قسوةً وهو يزمجر : إذا ناديت عليك لا تطنش
نفض قبضة فارس بقوةٍ للأسفل وهو يرفع يديه مرةً أخرى ليفكّ قبضة فارس الأخرى عن قميص هيثم الذي كادت ابتسامةُ الراحةِ ترتفع إلى شفتيه بعد أن ظنّ بأن والده كان يكذب عليهِ ليُسلمه لفارس.
كانت قبضةُ فارس مُتشبثةً بقميص هيثم بشكل جعل تحررها صعبًا إلا أن أمجد في النهايةِ استطاع، ووجهه تصلّب بقهرٍ أشعل النيران في صدره، أشعل الكُره في قلبه لكلا الواقفين بجانبه، ماذا كان يتوقع من خاله هذا؟ هل ظنّ أنه سيرمي بكرهه لأخته حتى يكون عادلًا؟ هل ظن أنه سيسمح بمعاقبةِ ابنه وإن كان مُخطئًا لأجل جنان التي يُمقتها؟؟
شعر بأحشائه تلتوي وهو يغمض عينيه بقهر، يشدّ على أسنانه وشفتيه ارتعشتا من شدةِ غيظه. أدار رأسه قليلًا إلى أمجد وهو يفتح عينيه لينظر إليه مُزدرئًا : كذا يعني؟ ما هقيتها منك والله!
تحركت قدما هيثم بفعل خوفهِ الذي لم يندثر ليندسّ خلف كتف والدهِ يحتمي به، حينها ابتسم فارس ساخرًا وهو يُشير إليه : هذا الجبان ، الخسيس .. حتى وإن كان ولدك ، شلون توقف معاه وهو غلطان؟
هيثم بوقاحةٍ وهو ينظر لفارس ببعض الخوف : هي الغلطانة ، بدل لا تجيني وتتضارب معاي روح ربّي أختك
صرخ فارس بعينين اتسعتا والتهبتا بجنون : شــــــب! لا تجيب طاري أختي على لسانك يا وقح
رفع أمجد كفهُ بوجهٍ جامدٍ يوقف الحديث : اسكت يا فارس * أدار رأسه قليلًا لهيثم الذي ابتسم * وانت بعد يا هيثم
صرخَ فارس منفعلًا : ماراح أسكت .. إذا كنت تسكت عن ولدك لا غلط فأنا ماراح أسكت لأن غلطته تمس أختي قبل لا تمسني
أمجد بحدةٍ ينظر إليه : قلت اسكت!
هزّ فارس رأسه بحقد : مو هالمرة ، إذا كنت بهالشكل يا خالي راح أنسى مين تكون! بأي حق تنسى " الظلم ظلمات يوم القيامة " وتوقف بصف الظالم؟
هيثم يبتسم بتشفي ثمّ يهتف دون مبالاة : بحق إنه ماهو خالها عشان يخرب علاقته بولده!
اتسعت عينا أمجد بشدةِ الصدمةِ التي انتابته، وفارس الآخر قطّب جبينه وهو ينظر إليه باشمئزاز : وش تهبب انت؟
هيثم بتحدي : قاعد أقـو ...
قاطعهم أمجد الذي تحشرج صوتهُ وصدره يرتفع بأنفاسهِ الحادة : انت انطم وابلع لسانك ، من وين جايب هالجنون؟
ارتبك هيثم واختفت ابتسامتهُ وهو يهتف : أنا ...
استدار إليه أمجد ليُقاطعهُ بصرخةٍ أفزعت هيثم وفارس كلاهما : أنت أيــش؟ هاه! قولي أنت أيش؟
تضاعف ارتباك هيثم وهو يهتف بصوتٍ يكاد يتلاشى : يبه شفيك تصارخ علي؟
بلل أمجد شفتيه بغضبٍ قبل أن يسأله : قلت لي متى بدت جنان تلاحقك؟
هيثم يبتلع ريقه قبل أن يرد : قبل ثلاث شهور تقريبًا
دوى صوتُ صفعةٍ أُطلقت من كف أمجد إلى خد هيثم، صفعةٌ كانت صادمةً لفارس أكثر منه لهيثم الذي فغر شفتيه لا يستوعب ما حدث، بينما وقف فارس في مكانه دون أن يتحرك أو يقوم بشيءٍ وعقلهُ توقف للحظات.
أمجد بقسوة : ثلاث شهور؟ ثلاث شهور يا مسود الوجه؟ ... على بالك مخفة تلعب علي؟
هيثم بذعرٍ وهو يشتت نظراته عنه : يبه والله ما ...
صرخ أمجد مقاطعًا له : لا تحلف يا كلب، على بالك الحلف لعبة والا أيش؟؟؟
قبل ثلاثة شهور يا ذكي ما كنا هنا، كنا في دبي ياللي ما تستحي على وجهك وقاعد تبتلي على بنت عمتك
بهت هيثم وانسحب لون وجهه، بينما زمّ أمجد شفتيه وهو يمد يديهِ ليضعهما على كتفيه بحدة : وعدتك وقلت لك والله ما أخليه يلمسك لو كنت ما سويت شيء ... بس لو كنت سويت وش بسوي وقتها؟
نظر هيثم إلى وجهه بملامح ضاعت خلف خوفه، بعينين حملتا رجاءً خفيًا، ليفزعَ حين دفعه والده إلى فارس بقسوةٍ مُردفًا : عمري ما خليت أي أحد من خلانك أو أعمامك يضربك، ولا أحد منهم غيري أنا، كنت لما تسوي غلطة أقولهم أنا بربيه عليها بس ما يضربونك! بس الحين ياهيثم، الحين ياللي المفترض أرفع راسي فيه، غلطتك ما كانت تمسني أنا أو تمسك، غلطتك تمس فارس وجنان، تمس غيرك ، وغلطاتك قبل ما تتقارن بغلطتك الحين . . لذلك أنا سلمتك لولد عمتك اللي ضريته بعدم مرجلتك
نظر هيثم لوالده بملامح غاب عنها الأمان الذي كان قبل قليل، برجاءٍ تدفق من عينيه، بينما نظر فارس لخاله بعينين مالتا بامتنانٍ له، كيف ظنّ بهِ سوءًا وظلَمه حين ظنّه ظالمًا؟ كيف كان سهلًا عليه أن يحقد بكل تلك البساطة؟ . . شعر بفداحةِ ظنّه ليقترب منه بخطواتٍ واسعة حتى وقف أمامه، ثم وضع كفه خلف رأسه وأحناه قليلًا ليُقبله.
فارس بامتنان : مشكور ، مشكور يا خال .... وأعتذر منك على سوء ظني وقلة أدبي
زفرَ أمجد بكبتٍ دون أن يرد عليه، ثم استدار تاركًا المكان لهما بصدرٍ تحشرج بأنفاسه وهو يشعر بالخذلانِ تجاه ولده الذي لم يتوقع منه ذلك!
ما إن رآه هيثم يذهب حتى تحرك هو الآخر ينوي الهرب، لكن فارس كان أسرع منه إذ استدار إليه بسرعةٍ وأمسك بهِ من خلفيةِ قميصهِ يجذبه إليه.
أدارهُ إليه ليشدّه من ياقةِ قميصهِ هاتفًا من بين أسنانهِ وهو ينظرُ إلى اهتزاز حدقتيه ذعرًا : ماراح أضربك ... تدري ليه؟ مو عشانك بس عشان خالي اللي احتِرم كونه ما قد ضربك أحد غيره، وما ودي أسلب منه هالحق
رمش هيثم للحظاتٍ دون أن ينبس بشيءٍ والكلماتُ تتنافر، حباله الصوتية تقطّعت ومن أين قد تواتيه الجرأة ليرد وهو الذي كان قبل قليلٍ يتواقحُ عليه.
أردف فارس من بين أسنانه بقهر : بس شلون؟ شلون قدرت تسوي سواتك وتنسى مين هي؟؟ شلون يا واطي؟؟؟
ازدرد هيثم ريقه دون أن يرد، وعيناه تشتتا عنه، لا يملك ما يدفعه للنظر في عينيه، لا يملك ما يدفعه للرد! ككل مجرمٍ يقع عليه دليل إدانته! ماذا يملك ليرد به مدافعًا عن نفسه!!!
نظر إليه فارس بازدراءٍ ليدفعهُ عنه أخيرًا، وبحقد : انقلع من وجهي يا واطي!


,


منتصف الليل
جسدها يستلقي على السرير، تنظر لنقوشات السقف بشرودٍ وعيناها يهتزّ بهما الندم ويتلاشى بهِ كلّ شعورٍ آخر فيهما. إن النفس تصغر حين تُخطئ بحقّ قطةٍ صغيرةٍ فكيف بحق إنسان؟ كيف تكون حين تُخطئ بحقِ مخلوقٍ هو من جنسها؟ إنها صغيرةٌ للغاية، صغيرةٌ للحدِ الذي غلّف العظمةَ في كيسٍ مُمغنط ثمّ رماهُ في بحرٍ كان قاعهُ مُغطى بمغانط جذبتهُ إليها كي لا يطفو، قاعهُ الذي لا يُرى ولن يُرى كما الراحةُ في حياتها تلاشت وباتت غيرَ مرئية، كما تغيب الحياةُ في بؤبؤها ليُصبحَ مُعتمًا لا بريق به.
تنهدت بكبتٍ وهي تتقلب لتنبطح على بطنها، ثمّ مدت يدها لتستطيل للكومدينةِ وتأخذ هاتفها، حينها توجهت فورًا للواتس أب ومباشرةً لمحادثاتها معه.
ضميرها يؤلمها، تتمزق بين اثنين، تغيب الإبتسامةُ في خضم الوجع الذي يُغدقها وتُغرق غيرها به، تتكسر الراحة بمطرقةِ إيلامها لهُ ولفداحةِ فعلها معه.
لكن شاهين كان رجلًا من نوعٍ آخر! رجلًا لم يكُن كغيرهِ ممن يفروضُون أنفسهم بالقوة، صحيحٌ أن زوجها السابقَ كان أخاه، وأنها وإلى الآن لازالت تذكره، إلا أنه لم يتجاوز الوضع لكنهُ تجاوز عن تماديها لبعض الوقت كما قال، لا يريد منها أن تنساه لكن يريد منها تناسيه، لا يريد منها أن تسلخ حبه من قلبها بمعجزةٍ ما وبسرعةٍ لكنه يريد منها أن لا تذكره، وكم كان كثيرًا عليها أن ترى رجلًا يقول لها ذلك.
زفَرت بضيقٍ لتشردَ قليلًا عند اسمه الذي دونته " ش " بكل عجرفةٍ وفظاظة! وفي خضم شرودها كان رؤيتها لـ " جاري الكتابة " صعبًا وهي تغوص في فكرها المنحور، في ذهنها المُشتت، في غياهب روحها التي طغت على كل نور.
أغمضت عينيها للحظة، ثم فتحتها بعد ثانيتين وهي تتنهد، وما إن خرجت من محادثتها معه حتى وصلت إليها رسالةٌ منه جعلتها تجفل في مكانها وتتسع عيناها باضطراب، وبعشوائيةٍ عادت لتنظر إلى ما أرسل.
شاهين : " ما نمتي للحين؟ "
بللت شفتيها بلسانها ارتباكًا، ثمّ زمتهما وهي ترى " جاري الكتابة " لازالت جاريةً حتى قبل أن ترد.
شاهين : " اعترفي تفكرين فيني مو؟ "
رسمت بحاجبيها ثمانيةً مُستنكرة، هل ينسى هذا الرجل كل ما يحدث في يومه سريعًا ليعود كما كان؟ هل يُبَسط الحياةَ بهذه الدرجة وهي التي لازالت وإلى الآن تتفكر في كل حرفٍ واقترابٍ وأنفاسٍ تداخلت بينهما، كل كلمةٍ وقحةٍ أُطلقت من بين شفتيها القاسيتين، وكل كلمةٍ أُطلقت برقيٍ منه هو، عكسها تمامًا. انتبهت لرسالةٍ جديدةٍ وصلت منه لتقرأها بعينين لمعتا ضحكًا رغمًا عنها.
شاهين : " يقولون لو شخص فكر فيك تجيك حكة في جسمك، وأنا أقول وش فيني أحك! "
عضت شفتها تكتم ضحكةً تمرّدت عليها، ثمّ بعفويةٍ بدأت تكتب لتتسع ابتسامتهُ في الجهةِ المُقابلة.
أسيل : " واضح انك من الناس اللي تحب تفلسف كِل شيء "
شاهين بابتسامةٍ بدأ يكتب : " وأيش اللي عطاك هالصورة الحلوة لي؟ "
أسيل تتسع ابتسامتها ومركز ذاكرتها تخلى عن ما حدث منذ ساعاتٍ دون أيّ رغبةٍ معنيةٍ منه : " في كل مرة أكلمك لازم تجيب لي فلسفة من راسك "
شاهين بابتسامةٍ رد : " يقول سقراط : حاجة الإنسان للعقل أكبر من حاجته للمال "
ضحكت أسيل رغمًا عنها ثمّ ردت : " شدخل؟ "
شاهين : " لا بس قاعد أتفلسف على قولتك "
اعتدلت لتجلس وابتسامتها تشقّ طريقها إلى شفتيها، كم من المهارةِ يحمل ليُخرجها مما كانت فيه، كم من المهارةِ في كلماتهِ لتبتسم رغمًا عنها ولا يكُون تجاهلهُ أمرًا موجودًا.
كادت ترسل إليه لكنه سبقها : " ودي أتصل، ممكن؟ "
اضطربت عيناها وهي تقرأ رسالته تلك مرارًا ومرارًا، ثمّ رفعت كفها اليُمنى التي كانت تضغط بها الأحرف لتقضم بأسنانها على ظفر إبهامها، لا تملك الجرأة لتتحدث معه بعد وقاحاتها معه، بل لا تملك الجرأة من الأساس في علاقتها البسيطة هذه والتي لم تتطور كثيرًا بعد.
تأخرت في الرد عليه لكن ابتسامته من الجهةِ الأخرى اتسعت وهو يكتب لها مُرسلًا : " تدرين إن صوتك يفتن؟ "
تشتت فكرُها والحُمرة بدأت تغزو ملامحها. دائمًا غزلهُ يكون بسيط الكلمات عميقًا في خجلها ليستثيره، دائمًا يحمل من الكلمات ما تستطيع إخراسها واستثارة حيائها. تشجعت قليلًا لتبدأ بالضغط على الأحرف حتى ترد عليه بتوترٍ اتضح في كلماتها : " بنام الحين "
ضحك شاهين من الجهةِ المقابلة ثم أرسل : " ما فيه، دام النوم ما جاني ماراح تنامين "
أسيل بعبوس : " من أي دستور جبت هالقانون؟ "
شاهين : " من دستور الحياة والموت والنوم والشرب ووو إلخ كلها مع الزوج "
ضحكت ضحكةً خافتةً لتضع كفها على فمها لثوانٍ، ثم أخفضتها لترد عليه : " طيب القبر؟ "
شاهين : " يخي انتو الحريم حتى القبر ودكم تشاركونا فيه؟ "
ابتسمت أسيل قبل أن ترد : " مو من شوي تقول كل شيء مع الزوج؟ "
شاهين : " صح كل شيء مع الزوج حتى الموت، يعني كوني هندية مطيعة واحرقي نفسك لا مت بس ما ودي تندفين معاي كوني بروحك "
أسيل : " يا سلام! "
شاهين : " على شرط، انتظري يومين وبعدين اقتلي نفسك والحقيني "
أسيل بابتسامة : " والمغزى؟ "
شاهين : " عشان تتأكدين اني ميت وعقب تقتلين نفسك "
ضحكت أسيل للمرةِ الثانية على " استهبالاته " التي لا تنتهي، ثم نظرت للرسالك التي أرسلها من جديد : " تعرفين مارجوري كال؟ "
كتبت وابتسامتها تشقّ شفتيها : " مو قلت لك أنت تحب تفلسف كل شيء! أنا شعلي من قصص العالمين؟ "
شاهين يبتسم من الجهةِ المُقابلة وعقله تناسى كل ما حدث معها قبل ساعات، كم يحب حين يستدرجها لتُصبح عفويةً معه بدرجةٍ تقتل قلبه، إنّ بها من السذاجةِ ما يكفي لتترك كل شيءٍ وتصبح عفويةً لكنها تحتاج للمحرك الصحيح، تنسى أخطاءها في لحظةٍ حين تجد المتعة في شيءٍ ما مُتعلقٍ بمن أخطأت في حقه، وهذا الشيء قد أحبه بها فهو لا يريدها متقوقعةً في ذاتها ما إن يحدث بينهما شيءٌ ما، بل يريد منها النسيان بسرعة، نسيان الأمور السيئة وليست الجميلة.
رد عليها وهو بدوره قد كان جالسًا على سريره كوضعها تقريبًا، والصُدفُ تفقد خفيّها تلقائيًا عند رجلٌ وامرأةٍ وصل بينهما شيءٌ ما لا يُعرف تفسيره، شيءٌ فقد ماهيته وبات غيرَ مرئيًا. : " عليك إنك زوجة شاهين .. ويلا بتصل عشان أعلمك مين هي مارجوري "
رمشت لثوانٍ قبل أن تشهق بقوةٍ وابتسامتها سُرقت من شفتيها، لم يكن لها المجال لترد عليه، ولا الفرصة لتعارض، فـ " ش " أنار هاتفها بعصيانٍ لرغبتها، بفرضٍ ختم نفسه ضمن قوانين شريعة علاقتهما، شريعتهما التي كان شاهين هو أساسها وهي التابعة لتلك الشريعةِ والمختوم على جبينها " تابعيةٌ غيرَ مؤمنةٍ بالكلية "!، هل الكفر ببعض الفروض يعدّ كفرًا أكبر تعاقب عليه؟ هل يتوجب عليها أن تؤمن بالكليةِ أم ستكون خارجةً عن هذه الشريعةِ التي علقت بها كما علقت عيناها بدموعٍ لم تنضب منذ أشهر، كما غاب الشعور عند نقطةِ الفقد.
ترددت وهي ترى حرف اسمه يتلألأ أمامها، أترد أم لا؟ أتتواقح معه أكثر أم ترتقي قليلًا عند شخصٍ لا يستحقُ كل ذلك الخذلان منها!
رفعت إبهامها المُضطرب ليكون الإختيار أخيرًا عند الرد! ثمّ رفعت الهاتف إلى أذنها ببطءِ الإستيعاب الذي يتملكها.
همست ما إن وصلت إليها أنفاسه دونَ صوته الذي كان تائهًا للحظة : ألو
تنهد شاهين وهو يرمي بجسده للخلف ليسقط على نعومةِ الغطاء، ثم بابتسامة : تدرين؟ قاعد أذوب الحين!
اشتعلت وجنتيها بالحمرةِ وحدقتيها تبحثان عن استقرارٍ آثر الضياع وتاهَ بين غيومِ ارتباكها كشمسٍ مات بريقها خلف تلك الغيوم، تلك الغيومِ التي لم تضع الهطول في قاموسها خيارًا وآثرت البقاء في تكثّفها.
همس شاهين بابتسامة : قد قلت لك قبل إنّ بحة صوتِك تعذّب؟ ... * تأوه قبل أن يُكمل * جتني حكة في أذوني من أثرها اللي احتك فيها
بللت شفتيها المُرتعشتان وقلبها يرقصُ على دقّاتهِ بينما كان التواءُ أحشائها مؤلمًا.
شاهين وهو يسمع تحشرج أنفاسها التي تمنى في هذه اللحظةِ لو أنها أنفاسه، همسَ بعاطفةٍ كانت كمَدٍ جرفها : باقي بس كم يوم زيادة ... أقل من أسبوع ... وتكون أنفاسك هي أكسجيني الدائم
أغمضت أسيل عينيها بقوةٍ وشفتيها انفرجتا بكلماتٍ سريعةٍ كان انتشار جزيئات صوتها انفعل بفعل الحرارةِ التي تجتاح جسدها في هذه الأثناء : شاهين بنام .. بتقول القصة أو اقفل؟
شاهين بخفوت : القصة إنك صرتِ خليّة من خلاياي ... لا أنتِ الخلايا كلها اللي تكوّني!
استنشقت الأكسجين بعنفٍ أصدر شهقةً خافتةً ليضيع الزفير من بعده، تحشرجت أنفاسها بتحشرج مُخها الذي تعطّلت مراكزهُ ولم يتبقى سوى مركزِ السمع والإدراكِ لكلماته.
شاهين يُردف وحشرجةُ أنفاسها كانت تفاعلًا كيميائيًا نتيجتهُ تحشرج أنفاسه أيضًا : تهقين وش اللي فيني؟ مو حب يا أسيل صح؟ الحب ما يجي بهالسرعة وبكم أسبوع. طيب وش اللي فيني؟؟
بهتت ملامحها وانسحبت ألوانه تدريجيًا. لا، لا تحبني، لا تحبني أرجوك، لا تفتعل لي ذنبًا عقابه سيُجرى فيك، لا تُعلّق عنقكَ بخيطٍ رفيعٍ لن ينقطع، لا تُخطئ بحبٍ لن تكون نتائجهُ إلا الألم. إنني لا أستحق حبًا منك فلا تُشعرني بالذنب حين تُجسّده في قلبِك وتصرفاتك، لا تُحمّلني بذنبٍ لن ينسلخ مني وأنا التي وُشم قلبها باسمِ غيرك، أنا التي تنفست أحرف غيرك وأحرفُك لن تتشربها أنفاسي مهما حدث، لن تتشربها أنفاسي وهي التي اقتصرت على الميم والتاء والعين والباء، أربعةُ أحرفٍ فقط وأُغلق الباب! أربعةُ أحرفٍ وانتهت أنفاسي من بعدها، أربعةُ أحرفٍ ولن يحدث أن تكون خمسًا فلا تُقطّع ضميري الذي لن يكون ألمه كافيًا لأحبك. من ذا الذي يقود ذاته للجحيم؟ من ذا الذي يهوى نارًا لا تنطفئ؟ لذا لا تُحبني، لا تحبني، أتوسلك بكلّ ما تحب لا تحبني!
ارتعشت شفتاها وهي تتوسل الله أن يزرع في قلبه كرهًا لكن ليس حبًا! فهو لازال جاهلًا في الحب، لا يُدركُ ألمه ولا يدرك ناره التي تكوي القلب دون أدنى رحمة.
شعر شاهين باضطرابها ليبتسم، ثم هتف بحنان : قلت لك ما ظنيته حب لأني مؤمن إن الحب ما يجي في شهر! بس مع كذا أنا أوعدك .. راح تبادليني، راح تبادليني الحب في لحظة عابرة منك ما يستوعبها عقلك ... وقتها ماراح تحسين الا وروحك تنتمي لي أنا وبس
ازداد ارتعاش شفتيها وهي تدرك تمامًا أن كلامه سيظلّ كلامًا فقط، مافي قلبها وشم، وشمٌ لن يختفي ولن يساعد أيُّ شيءٍ لإخفائه، لن تكون هناك عواملُ تعريةٍ لتُخفيها وسيبقى هذا الوشمُ في قلبها أبد الدهر.
همست بعذابٍ وصوتها يتحشرج بألمها : بقفل!
شاهين يجلس وابتسامتهُ الحنونة لم تهتز : ما ودك أحكيك عن قصة مارجوري؟
أسيل بتعثر : بكرة ، خلاص أوعدك بكرة أتصل عليك وتعلمني
شاهين وقد راقت له الفكرة حيث أنه سيحدثها لوقتٍ أطول من وقتٍ كهذا يعانق منتصف الليل : مممم اوكي، وعد الحر دين هاه!
أومأت برأسها وكأنها تراه أمامها وكل ما يهمها الآن هو أن تُغلق وتنفرد بدموعها التي كادت أن تسقط، كل ما يهمها هو أن تُعزّي روحها النازفة بألمِ الضمير.
كان شاهين هو من أغلق حين لم تجبه، وابتسامته كان تُلخص جميع التفاعلات التي تنشأ في صدره، هذه الأنثى تُحدث به أمرًا لم يُحدثه أحدٌ فيه من قبلها، هذه الأنثى أطلقت تعويذةً ما جعلت كينونيته تختلف، هذه الأنثى رشّت سمّها عليه ليكون قلبهُ بهذه الحال العنيفةِ في ضرباته.
رمى بجسده للخلف ثمّ أغمض عينيه، وشفتيه انطلقتا بهمسٍ كان كالسر بينه وبين أذنيه : وتبين الطلاق؟ والله ما تطولينه يا زهرتي وأنتِ خلاص صرتِ لي.
وكأنها المنشودةُ التي انتظر قدومها لتعبث به بهذا الشكل، لا بل هي فعلًا المنشودة وليست " كأنها "، هي التي غلفت فكرهُ في مدةٍ وجيزة لتكون شخصًا لا يَعبرهُ بشريٍ بل يتوقف أمامه يتأمل قدرة الله في تكوينه بتناقضاتٍ جما، يتوقف أمامه وتجاوزه مستحيلٌ كاستحالةِ جفافِ البحر وموت الحُب في هذه الحياة.

بينما ارتمت هي على السرير تحتضن وسادتها وكأنها تهرب من مخاوفها إليها، تهرب من حبهِ لها إلى وسادةٍ تتمنى لو أنها تشرّبت كل دموعها ولم يتبقى في بئرِ عينيها شيء، وتلك البئر أقسمت على الكرم، إنها كصحراءٍ لم يكُن فيها إلا واحتين اثنتين، تذرفان الدموع دون هوادةٍ والدمع عند بابيها - مقلتيها - سخاء.


,


انقضى الوقت وهما جالسين أمام التلفاز منذ أن أنهيا عشاءهما، بصمتٍ تجاوز وضع الصمت بأميال، وفواز يسترق النظر لوجهها المُتجه للتلفاز بجمودٍ كل دقيقتين، يُحاول أن يُخلخل هذا الصمت ببعض المواضيع لكنها بدورها تقطع الموضوع قبل أن يبدأ حتى.
زفر بملل وعلاقتهما بدأت تتخثر وهذا مالن يسمح له، إنها منه وفيه، كل ما يفعلهُ هو لها لأنها هو، كل ما يُصيبها من آفآتٍ يمسّهُ قبل أن يمسها، كلّ آهةٍ تُصدر منها يتشربُ ألمها صدرهُ ليتأوه هو أيضًا، يتشرب صدره الوجع ليتغلف بهِ فقط ويسمح له بنخرهِ حتى الموت.
أطال في النظر إليها بوجهٍ لا يطُولهُ التفسير، ويديه كانتا مستقرتان على حجره، لكنهما أخيرًا قررتا التمرد والإستطالةَ إليها، إلى أن وصلَ إلى جسدهِ رعشتها عبرَ يديه، رعشتها حين شعرت بذراعيه تطوقانها لتستديرَ بأكمالها إليه فاغرةُ الشفتين.
اضطربت أنفاسها وهي تنظرُ لوجههِ الذي تشرّب بالسكون عدا عيناه اللتان كانتا تُنظران إليها ببريقٍ ما.
همست باضطراب : ب بروح .. أنام
ارتفعت زاوية فمه في ابتسامةٍ توقدت بروحٍ لا يمتلكها إلا هو، ينظر إليها بابتسامتهِ تلك ليزدادَ اضطرابها وأيضًا غضبها، حاولت أن تفكّ نفسها عنه إلا أنهُ أمسكَ بها بقوةٍ وهو يضحك ضحكةً خافتة عبرت سمعها كعبورِ موجٍ جارف حتى تشدّ على أسنانها وغضبها ازداد كما توترها. همس بعبث : والنوم ما جاك الا بهالدقيقة
جيهان بحدةٍ وهي مُطرقةً برأسها عنه تنظر لحجرها : ايه
فواز بهمس : طيب ارفعي راسك وناظري بعيوني وقولي عندي نوم فكني ... وقتها يمكن أفكك
جيهان دون أن ترفع رأسها : يمكن؟
أومأ فواز برأسهِ ليهتف : السالفة تعتمد عليك أنتِ وعلى أدب صوتك
رفعت رأسها إليه عاقدةً حاجبيها، وهي بذلك تردف أمواجها على أمواجهِ السابقة، أمواجها التي تدفقت من عينيها اللتين لطالما كانتا حدّ السيف الذي ينغرس في صدرهِ قاصدًا قلبه، تعويذتها التي احتفظت بها منذ طفولتها، بنّية عينيها البريئتين وإن تلبّستا بفستانٍ غير البراءة.
أغمضت جيهان عينيها مُضطربة، ثمّ هتفت بصوتٍ هادئٍ بعض الشيء : ممكن تفكني؟ ودي أنام
فواز بابتسامةٍ أظهرت صف أسنانه : تو تو تو ، مُش كدا يا ولية ... يعني أنا أئولك ارفعي راسك وبصّي بيا تروحي تغمضي عنيكِ؟؟
زفرت لتفتح عينيها قليلًا وهي تهمس من بين أسنانها : سامج
فواز بعتابٍ مازح : افا!
ضربته في صدره براحةِ كفها وهي تأمره بحنق : بعّد عني بروح أنام
شدّها إليهِ أكثر حتى التصق رأسها بصدرهِ الذي استشعر حرارة أنفاسها المُضطربة، من ذا الذي لا يدفعهُ الحُب للجنون؟ إنّ الإنسان حين يُحب يصبح شاعرًا، والشاعر حين يحب يصبح مجنونًا. لكنّه خالف المنطقين واتجه من إنسانٍ عاديٍّ لمجنونٍ دون أن يكُون شاعرًا ودون أنّ يُذيل اسمه بقصيدةٍ ما، انحنت حبال عقلهِ للجنونِ وكم سيكون جنونهُ مُحببا لأنه بها. وهاهي القوافي بدأت بالإستواءِ عند خُصلاتِ شعرها وثلجيةِ ملامحها، اختلت الأوزانُ لتُنشئ ديوانًا يحمل في كل قصيدةٍ فيه اسم " جيهان " الذي سيُخلّد أمد الدهر.
غمَر وجهه في شعرها المُتمرد على كتفيها وظهرها ليستنشقَ عبيره، ولم يكن منها سوى إغلاق جفنيها كبابٍ أُغلق وضاعت مفاتيحه، وهاهي تضيعُ مرةً أخرى بينه، هاهي تضيع بين عاطفتهِ المجنونة.
كم من السنينِ تلزمها لتتعلم التغافل عن عواطفه؟ كم من السنين تلزمها لتتجاهله؟ كم من السنين تلزمُ قلبها ليتعلم الإنتظام في لحظاتٍ كهذه؟ . . كرهك سهلٌ يا فواز بسهولةِ ما كان خذلانكِ لي سهلًا، لكنّ تجاوز أمواج عواطفِك صعب، صعبٌ للغاية وصعوبته تهزمني.
شعرَ بكفها التي كانت تستريح على صدرهِ تشدّ على قميصه، حينها شدّها إليه أكثر، وإحدى كفيه ارتفعت لتستريح على مؤخرةِ رأسها ترفعهُ إلى وجهه.
ضاع في ملامحها المُضطربة، في أهدابها التي كان من الأرجح أن تكون مُحيطةٌ لعدستيها، لكنّ أجفانها كان لها رأيٌ آخر لتغلّف جمال نظراتها.
خلخل خصلات شعرها بأنامله، ثم همس لها بابتسامةٍ حنونة وهو يمسح على رأسها : هذا خوف والا خجل؟
عضّت شفتها بشدةٍ وهي تُديرُ رأسها عنه دون أن تفتح عينيها، قلبها يضرب في قفصها الصدري ينوي تحطيمه، دمها يتدفق بجنونٍ قد يؤدي لتفجر أوردتها الدموية، كم يملك من الطاقةِ ليُؤثر بها إلى هذا الحد؟ كم يملك من التمَكن ليخلبها بهذهِ الطريقةِ العنيفة؟ تُدرك أن المرأة عاطفيةٌ بدرجةٍ تجعلها تتأثر بقرب أي رجل، لكن هل يحدث هذا مع من تكرهه أيضًا وتحقد عليه؟
شعرت بيدهِ تتجه إلى ذقنها لتُعيد وجهها إليه، بينما ذراعهُ الأخرى لازالت تُحيط خصرها بتملك. وفي لحظةٍ كانت شهقة مجنونة تُصدر منها وعينيها فتحتا أبوابهما باتساعٍ مصدومٍ وهي تشعر بهِ يُعانق شفتيها بكل جرأةِ عاطفته.
صدرها أصبح يرتفع ويهبط بعظمةِ أنفاسها التي لم تكن إلا أنفاسهُ عند هذا الإقتراب، قلبها أطلق يمينًا بالإنفجار لا محالة، ودمها تمركز في ملامحها لتحمرّ حد الإشتعال، عيناها فقدتا بصرهما في لحظةٍ لم تكن عابرة! عقلها نسي نفسه ورمى بها في أعمق قاعٍ في الغباء!. في كل اقترابٍ منه إليها، في كل عناقٍ وكل همسةٍ وكل لمسةٍ لم يكُن تأثيره عليها كهذهِ اللحظة، في كل ثانيةٍ لم تكُن عاطفتهُ كالآن، قلبها زأرَ بجنونِ الإضطرابِ الذي يهاجمه في هذه اللحظة، بجنونِ السيوفِ التي تتدفق إليه.
بينما كانت ليدهِ التي اعتقلت ذقنها الحرية لتسقط إلى خصرها ويضمها إليه بكلتا ذراعيه يوسم انتماءها إليهِ وانتماءه إليها، خلق اسميهما لبعضهما، والحُب وإن غاب من طرفٍ إلا أنه قادمٌ لا محالة، يلوح بكفهِ في الأفق، يغلّف غيابه " بالتغلي " وسيأتي وهذا وعدٌ مني يا جيهان، وعدٌ مني إليكِ أن تتشربي حبي إلى أن ينضح، وعدٌ مني إليكِ أن أكون محوركِ وقُطرك، حبكِ لي كقبلتي هذه، سيأتي في حين غفلةٍ منكِ، سيُغلفكِ ويطوي ساعاتِ بُعد قلبينا عن نقطةٍ سويَّة، سيُغلفكِ ويمحي كل طريقٍ مُتشعبٍ في طريقنا.
التهمت الطاقةُ كفاها لترتفعان وتدفعانه عنها في لحظةِ جنون، حينها حررها من ذراعيه بمحض إرادتهِ لتنتفض بقوةٍ تنظر إليهِ بعينين متسعتان وفمٍ يلهث بعنف، فاغرةُ الشفتين لا تستوعب ما يجري.
تراجع عنها قليلًا وهو يبتسم لها بنشوة، وإحدى حاجبيه تمردت لترتفع في نظرةٍ أثارت بعض الحنق فيها ولازال خجلها غالبًا.
زمّ فواز شفتيه قبل أن يهمس بعبث : مو ودك تنامين؟ هذاني تركتك! .. وما ظنتي بنام وراك، لأن النوم وعيونك غايبة شيء صار من ضرب الخيال.
ازدردت ريقها وهي تشعر بالتخبط، ثمّ شتت نظراتها خلف نظراته المُستمتعة بتخبطها واضطرابها، وفي لحظةٍ لم يكن يرى منها سوى جسدها الذي هرولَ بسرعةٍ مُختفيًا عنه.
ضحكَ بخفوتٍ وهو يضع إحدى كفيه على عينيه يهزّ رأسه يمينًا وشمالًا، وقلبه هناك لم يكُن في اضطرابهِ أقل منها، قلبه يرتعش كحمامةٍ مُبللة، هذا هو أول التقاءٍ بين شفتيهما، وقد كان كالتقاءِ نارين بينهما صفيحةٌ من " ماءٍ " تبخر وتبخر معه كل شعورٍ آخر يؤرق سعادته بها، إنّك السعادةُ التي تبيت في سباتٍ شتويٍّ داخل قلبي، إنّك الشرارةُ التي تستقرّ فيَّ منتظرةً هبوبَ نسيمٍ يُشعلها ويحوّلها إلى نارٍ لا تنطفئ.


,


دخل البيت في وقتٍ متأخرٍ للغاية، ووالده وإخوتهُ بالتأكيد سيكونون نيامًا في هذه الساعة. زفر بكبتٍ وكم يتمنى لو أنها تكون متيقظةً فهو يحتاج أن يتحدث معها بأسرع وقت، يحتاج إلى الحديث معها وسماع كلماتها التي ما كانت يومًا إلا ترياقًا لضيقه، غضبهُ لازال حائرًا داخله، قهرهُ لازال قائمًا في صدره، وبالرغم من أنه لم يضرب هيثم إلا أنه الآن تمنى لو فعلها وحطّم وجهه فلربما كان قهرهُ وقتها قد تحطم!
مسحَ بكفهِ على وجهه وهو يزفر ويتعوّذ بالله من الشيطان، ثمّ اتجه لعتباتِ الدرج ينوي الصعود لغرفتها وهو يحدّث نفسه بأنه سيتكلّم معها في الغد.
في تلك اللحظةِ كانت جنان تخرج من المطبخ بوجهٍ مُحمرٍّ وكوبٌ احتوى على عصيرِ ليمونٍ كان في يدها، انتبه إليها ليتوقف مباشرةً وينظر إليها للحظات، وهي بدورها وقفت في مكانها تنظر إليه وعيناها الباكيتان مُعلقتان في عينيه.
عقد حاجبيه وهو ينظر لوجهها الذي انتفخ ببكائها، وكم تمنى في تلك اللحظة لو يعود لهيثم ويُبرحه ضربًا لأنه أبكى أميرته.
فارس يقترب منها وهو يهتف بخفوتٍ حانٍ : أفا! .. عيون فارس تبكي؟
شهقت وهي تُخفض رأسها عنه، ليقف أمامها مُباشرةً مُردفًا بحنان : أرجع وأضربه؟ أوعدك بكسّر له أسنانه لو تبين
هزّت رأسها بالنفي وعيونها تبكي من جديد، وما إن سمع صوتَ شهقاتها حتى ضمّها إليه بحنانٍ أخوي وهو يهمس بمزح : شفتي؟ تركت شغلي المهم اليوم . . لا مني شفت الفيلم معاك ولا مني رحت لشغلي
لم ترد عليه وهي تخفي وجهها في صدره، وعظمةُ الخذلان في صدرها تتبرعم أكثر وأكثر، تتجذر في قلبها لتتألم. همست بتحشرج : وش سويت؟ خفت عليك كثير وندمت!
قطّب فارس جبينه وهو يبعدها عنه قليلًا، وببعض الحدة : ندمتي؟ أنتِ أصلًا المفروض أضربك بعد على سكوتك كل هالفترة
تقوّست شفتاها وهي تشهق بعبرة، لتلين ملامحهُ قليلًا لكنّ الحدةَ لم تغب عنها، أردف : من متى وهو يزعجك
جنان بخفوتٍ وهي تنظر للأرض دون أن ترفع وجهها إليه : ما أذكر بالضبط بس من كم سنة، يمكن له سنتين وأكثر
زمّ فارس شفتيه غضبًا وهو يروّض جسده قسرًا كي لا يخرج ويعود لهيثم مُبرحًا له ضربًا، ومن بين أسنانه : كان يزعجك بالإتصالات بس؟
شتت نظراتها هنا وهناك وهي تشعر بالإضطراب يغتالها، ليُمسك فارس كتفيها هاتفًا بحدةٍ آمرة : احكي!
ازدردت ريقها قبل أن ترد بصوتٍ كاد ألّا يسمعه : أصلًا بدت إزعاجاته بالإتصال من يومين يمكن
اتسعت عيناه وهو يعضّ شفته قهرًا وشتيمةٌ ما صدرت منه، كفّاه انزلقتا عن كتفيها ليسألها وجحيمٌ ارتسم على عينيه : شلون يعني؟ كان يحتك فيك؟ يضايقك؟ آذاك بشيء * أردف بصوتٍ عالٍ بعض الشيء * والله إني راجع له وذابحه
تشبّثت بهِ بقوةٍ ما إن لمحته يتحرك ينوي الذهاب له فعلًا، والكوب الذي كانت تحملهُ في كفها اليُسرى اهتزّ باهتزازِ كفها لتتناثر ذراتٌ من العصير على بشرتها وعلى الأرض، وبرجاء : فارس ، إهدا ، الله يخليك إهدا شوي ما سوي لي شيء والله ما ضرني ... كان بس يلاحقتي من بعيد لبعيد بس
فارس ينظر إليها دون تصديق : له أكثر من سنة ويلاحقك من بعيد لبعيد بس؟!!
أومأت له وهي تخشى تهوره في لحظةِ غضب، وهي التي راودها الندم قبل ساعاتٍ لغيابهِ الذي طال بعض الشيء، وكم ودّت لو أنها تحمّلت إزعاجاته ولم تُعلم فارس الذي ما إن رأته الآن حتى انزاح ثقلٌ ما على صدرها.
هتف فارس وهو ينظر في عينيها المُحمرتين ببكائها : بس تدرين؟ الغلط راكبك أنتِ بعد لأنك سكتي عنه من البداية
لم ترد عليه وهي تشتت نظراتها عنه، أجل هي مُخطئةٌ أيضًا، لكن ما كان بيدها أن تفعل عند شخصٍ كهيثم تحديدًا؟ ولد خالٍ يكرهها بدرجةٍ لا تسمح لها بقمع البقية الباقية بينهما، هذا إن كان هناك ما بقي!
أغمض فارس عينيه بقوةٍ ثم فتحمها ليتحرك مبتعدًا عنها، صاعدًا لغرفتهِ في غمرةِ حُزنها وبكاء عينيها اللتين تعلقتا بالفراغ.


,


الخامسة فجرًا
أفاق من نومهِ على كفٍ تهزّ كتفه، وصوتٌ عنيفٌ بعض الشيء كان ينادي باسمه. لم يفتح عينيه وهو يدرك تمامًا من هو الذي يزعجهُ في هذا الوقت.
بينما هي وقفت مُكتفةٌ ذراعيها وهي تنظر إلى وجهه بحدة، ومن ثم صرخت : أدهـــم
تأفأف وهو يُدير جسده عنها، لتُمسك ذراعه بحدةٍ وتسحبه تحاول إجلاسه : حشا مو جسم إنسان هذا
هتف أدهم بتأفأفٍ وهو مُغمض العينين : أعوذ بالله!
سهى تُقطّب جبينها : أدهم واللي يعافيك اصحى ، الناس بيصلون ويخلصون وانت نايم!
تنهد ثمّ جلس دون أن يرد أو ينظر إليها، لتبتسم له وتربت على كتفهِ بحنانٍ هاتفة : يلا حبيب عمتك قوم
كشّر وهو ينهض متجهًا للحمام، وقبل أن يُغلق الباب هتف ببحةِ النوم : ما تليق عليك النعومة
كشّرت هي الأخرى وهي تراه يُغلق الباب من خلفه، لتتحرك تنوي الخروج وهي تتمتم بتذمر : ما عليه يا أدهم أهم شيء إنك صحيت


أنهى صلاته مع الإمام، وأجواء المسجد لن يبالغ إن قال أنهُ نسيها تمامًا في وقت الفجر، نسي النفحات التي تعبق في المسجد وتأثيرها الخاص. في هذا الوقت دائمًا ما تكون الوجوهُ بشوشة، في هذا الوقت لا يأتي المراءون كثيرًا بل يكون المسجد مكتاظًا باللذين تغلغل بهم الإيمان لدرجةٍ تُنير وجوههم.
تنهد وهو يشعر أنه في مكانٍ لا يناسبه! لا يليق بهِ أن يكون هنا وفي هذا الوقت فهو يدنّسه!
وقف ينوي الخروج سريعًا، لكنه سكَن في مكانهِ وهو يرى إمام المسجد المُلتحي يقف أمامه بابتسامةٍ بشوشة. ارتبك وهو يردّ إليه ابتسامةً مهزوزة وهو يشعر أن من أمامه كبيرٌ جدًا، كبيرٌ عليهِ بدرجةٍ جعلت ثقته بنفسه تهتز.
الإمام : تقبل الله منك
أدهم بتوتر وهو يبلل شفتيه بلسانه : منا ومنك
وضع الإمام كفهُ على كتف أدهم وهو يتحرك ليتحرك أدهم معه تلقائيًا، وبوقار : كيفك يا ولدي؟
أدهم بخفوتٍ وهو يمشي معه آليًا إلى وجهةٍ لا يعرفها : الحمدلله طيب
اتسعت ابتسامةُ الإمام يطلب منه الجلوس على الأرض لينصاع لأمره تلقائيًا ويجلس، ومن ثمّ جلس الإمام من بعدهِ مُرفًا ببشاشة : تدري يا ولدي ، لي أكثر من 15 سنة أشتغل بهالمسجد، عمر عيوني ما غلطت في التفريق بين الرجل اللي كل يوم أشوفه وبين اللي توه أول مرة يدخل!
اضطرب وهو يستمع لكلمات الإمام التي ما كانت إلا مقدمةً لنصحٍ وتوجيهٍ لطالما كان يكرهه، وهو الرجل الذي لطالما كان يمشي على هواه، يكرهُ الإنصياع وإن دفعهُ الحُب مراتٍ على التحلي بهِ كما يحدث مع " سهى " التي تُرغمه بطريقتها على الإنصياع لها، فهي ليست كأيّ شخصٍ عابرٍ يمرّ مرور الكرام، ليست كأيّ شخصٍ عابرٍ يتجاوزه بكل بساطة تمامًا كـ . . زمّ شفتيه عند ذلك الإسم، ثمّ ازدرد ريقه بتوترٍ وهو ينظر للإمامِ دون تركيز، والذي أتبع : تعرف يا أدهم وش يعني مسجد؟
بهت أدهم عند لفظهِ لاسمه، ولسانه في لحظاتٍ ما يُربط ويتربض في فمه مستقرًا دون أن يتحرك لافظًا شيئًا، لذا كان صامتًا وهو ينظر للإمامِ وفي عقله سؤال واحد ... كيف يعرف اسمه وهو لم يقابله من قبل؟
أردف الإمام وهو يحتفظ بابتسامتهِ له : المسجد من السجود، والسجود من الطمأنينة والإلتجاء لله ... وش تحس فيه وأنت ساجد يا أدهم؟؟
" إيش أحس فيه وأنا ساجد؟ "!!!.
احتار عقلهُ عند هذا السؤال، وقد أظهرت ملامحه تعابير الحيرةِ التي توقعها الإمام، بينما ربض ذلك السؤال في عقله، ما الذي يشعر بهِ عند السجود؟؟ . . لا إجابه! لأن لا شيءٍ يواتيه! لا يشعر بشيءٍ وجبينهُ مُلتقٍ بالأرض، ما الذي قد سيشعر بهِ وقتها وهو لا يقوم سوى بصلاةٍ اعتاد الجميع على تأديتها!!
وضعَ الإمام كفهُ على فخذهِ وهو ينظر لعينيه بابتسامةٍ لازال يحتفظ بها، ثم هتف برفق : أبي أشوفك بكرة هنا بمثل هالوقت ... وقتها بسمع منك الإجابة * وقف ليُردف * فمان الله ، وعظم الله أجرك!
اتسعت عيناه قليلًا وهو يلمحهُ مغادرًا، حينها وقف بسرعةٍ وهو يهتف : لحظة!
استدار إليه الإمام مبتسمًا : آمر يا ولدي
شعر ببعض الحرج من لطفه، إلا أن ذلك لم يظهر على ملامحه وهو يسأله مستفسرًا : شلون تعرفني وتعرف إن أبوي توه ميت؟؟
الإمام بابتسامة : محد من هالحارة ما أعرفه .. ولعلمك ترى كل اللي عايشين بهالحي كانوا مقررين يأدون الواجب عليهم بس بكل مرة ما نلاقيك في بيتك
تجهم وجهه دون إدراكٍ لعلاقتهم الفعلية بهِ حتى يهتموا بتعزيته! لمَ قد يفكرون بهِ ويهتمون لأمرهِ وهم لا يعرفونه؟ لمَ قد يقتربون منه وهم يعلمون تمامًا من هو والده الذي مات قريبًا؟؟
لم ينتبه للإمام الذي تحرك لينزوي في إحدى زوايا المسجد يقرأ من المصحف، بل كان عقله يسبح بهِ في بحارٍ عديدة، في محيطاتٍ لا تنتهي، اليوم شعر بضياعٍ أشدّ بعد حديثه مع هذا الإمام الذي يعرفه، يعرف اسمه، ويعرف والده، هذا الإمام الذي سأله سؤالًا احتار في الإجابة عنه، والآن قام بتعزيته!!
طفا من غرقهِ في محيط أفكارهِ وهو يرى رجلًا ثلاثيني يقترب منه ويمدّ يدهُ إليه، لم يستوعب في البداية لكنه ما إن استعاد إدراكه حتى مد يده ليصافحه باستغرابٍ وإحدى حاجبيه ارتفعا، ولم يكد يتساءل في نفسه " ماذا يريد هذا الرجل " حتى انساب إلى أذنيه صوته الهادئ وابتسامته البشوشة تُغلّف كلماته : عظم الله أجرك يا خوي
فغر شفتيه وتنفسه توقف للحظات، وفي ثوانٍ كان رجلٌ آخر يقترب ويصافحه، ثمّ يرمي عليه ذات الجملة، وآخرٌ وآخر كانوا يلفظون بكلماتٍ تخفف عليه وهم يرون تعابيره المصدومة وسكوته ظنًا منهم أنه لازال يغرق في حزنه على والده حتى الآن، ولم يدركوا معنى صمته، لم يدركوا ما جاش في صدره، لا أحد يتقرب من آخر إلا لمصلحةٍ ما! هو مؤمنٌ بذلك، مؤمنٌ بأن البشر خلقوا وهم يقيمون العلاقاتِ مع بعضهم فقط لمصالحهم، مؤمنٌ أنهم مخلوقاتٍ " مصلحجية "، يؤمن بذلك كإيمانهِ بنفسه، لكن لمَ اهتز هذا الإيمان وكأن - نفسه - اهتزت فجأة؟ ما الذي يريده هؤلاء من رمي السلام عليهِ وتعزيته؟ ما الذي يملكه ليتوددوا إليه؟ ولمَ هذا الصدق في أعينهم؟
رباه! إنّ نفسه تهتز، يدرك ذلك في هذه اللحظة، إنّ روحه تهوي بإيمانهِ الذي تشبث بهِ منذ سنينَ طوال، إنّ صدق أعينهم يبكيه! هل يريدون منه شيئًا أم أنّ المصلحةَ لم تشمل جميع الناس؟ هل لازال هناك من هو صادقٌ بعد ألفٍ وأربع مائةِ عامٍ وسنين؟ بعد - الصادق الأمين -؟
ابتسم لهم باهتزازٍ وهو يرد عليهم بكلماتٍ موجزة : " مشكور " " أجرنا وأجرك " " الله يجزيك بالخير "


,


عاد من المسجد بفكرٍ شارد كما خرج من البيت، تأمل الظلام الذي يغلف المنزل ليتنهد بكبتٍ ثم صعد العتبات مُتجهًا لجناحه.
وقلقٌ يعانق صدره منذ البارحةِ ومنذ ما حدث، قلقٌ يخطف سكونهُ ويحفّزه على التصرفِ " بحقارةٍ " قد تهدم الكثير في قلبها.
عضّ شفته وثقتهُ بها تهتز، تهتز باهتزاز سكونه في ساعاتٍ خلت وإلى الآن، ومُهرته بدأت بالتمرد عليه، بدأت مهرته الصغيرةِ تكبر وتبتعد عن مُروضها، تتمرد عليه لتركض في البراري مبتعدةً عن حقلِ سيطرتـه.
لم يشعر بنفسه وانفعالهُ يتصاعد بتصاعد سلبيةِ أفكاره، أسنانه وطأت بشدةٍ على شفتهِ وقدماه تحركتا بهرولةٍ لغرفتهما. وقتئذٍ رآها تطوي سجادة صلاتها وتدسّها في الخزانة، بينما توقف هو للحظاتٍ يكبح انفعالاته، ينظر لهيئتها الناعمةِ والمسالمة " عن بعد ".
بعد ما رأى ردة فعلها مع ابنه باتت صورتها المُسالمة تتلاشى قليلًا، بدأت صورةٌ طيّبةٌ لها تحترق، أيعقل أن تقوم ديما يومًا بإيذاءِ زياد؟ أيعقل أن تتحلى بصفاتٍ لم يرها في بثينة حتى؟؟
حين أغلقت باب الخزانةِ انتبهت له واقفًا عند الباب، لترمقه بنظراتٍ تبثّ برودةً في يومٍ مثلج، في أحد القطبين، دون أن يكون هناك فروٌ يُدفئه، لسعته برودة نظراتها ليشعر بالتواءٍ مؤلمٍ في معدته. حينها شدّ على أسنانه وهو يقترب منها، هاتفًا بجمود : انتهت فترة البُعد اللي تحتاجينها
رفعت إحدى حاجبيها وهي تُديرهُ ظهرها تنوي الإتجاه للحمام، وببرود : أنا اللي أقرر
اقترب منها بهرولةٍ ليقف خلفها مُباشرةً ويُمسك بمعصمها بحدةٍ يُديرها إليه، ثمّ من بين أسنانه : عمر البعد ما كان باختيارك في علاقتنا! عمرنا ما ابتعدنا من الأساس وبكل مرة أجذبك لعندي بإرداتي أنا والبعد عندي محرم، عدا مرة وحدة كانت خارج إرادتي!
ازدادت حدّة نظراتها وهي تهتف بسخريةٍ كان ألمُ صدرها في كلماتها فظيعًا، كانت الفجوةُ في صدرها تتعمق، وجذور الحزن في قلبها تتشعب : كانت بإرادتك ، بإرادتك يا سيف ولسانك هو اللي حكى باللي يبه عقلك وظاهَر!
يقولون الشخص في لحظة غضبه يكون بكامل صدقه، وأنت أثبت هالشيء، أثبته يا سيف لما ما كنت تعتبرني زوجة!
ما الذي سيشفع لخذلانكَ عندي؟ ما الذي سيشفع لقسوتكَ إياي؟ ما الذي سيكون دليل براءتك في محكمتي التي سأكون فيها القاضي والمحامي!
أتُراك تُعيد مجد قلبي الذي سُلب؟ أتُراك تُطلق هويتي التي سرقتها عن ظهر بطش؟ أم أنّ أمومتي التي تتغلغل صدري الآن ستكون شفيعةً لك يومًا؟
سيف يُقطّب جبينه وهو يصحح لها : لساني ما يكون صادق ، بس قلبي صادق! صادق بديما يا ديما!
عقدت ديما حاجبيها وهي تزدرد ريقها بتوتر : شتقصد؟
جذبها إليه قليلًا وهو يتنهد : قصدي إن لساني يومتها ما كان بوعيه، بس عمره الظهار ما كان بصدق ورغبة والا بيكون الشخص مجنون!
ديما ترفع حاجبيها بسخرية وهي تسحب يدها : صح مثلك
تحركت تنوي الذهاب، لكنه عاد وأمسكها ليجذبها إليه بحدة، وبأمر : ما خلصت كلامي!
تأفأفت وهي تعضّ شفتها بحنق، ووجهها كان يصدّ عنه لجانبها الأيمن، حينها ارتفعت كفه الأخرى ليُمسك بذقنها ويُعيد تدوير قرصها الأسمر إليه، وبغموضٍ اتسعت بهِ عيناها : ودك بولد؟
ارتعش جسدها وفغرت شفتيها وهي تنظر لعينيه التي لم تفهم فيهما شيئًا، وقلبها الرابض هناك انتفض بشدة، دمها ضُخّ بقوةٍ وعيناها التمعتا بما هزّ قلبها، لكنّ صوتها إنساب إليهِ حزينًا : طيب بالأول جاوبني .. أنت لما حملت مرتك وش كان شعورك وقتها؟
عضّ سيف شفته بحنق : لا تردي على سؤالي بسؤال! وبعدين هي ماهي مرتي هي طليقتي!
رفعت كتفيها دون مبالاةٍ وهي تهتف ببرودٍ هاجم صدرهُ كعواصف جليديةٍ قتلته : دامها للحين عايشة بحياتنا فهذا يعني انك ما أطلقتها من حياتك!
زمّ سيف شفتيه قبل أن يغمض عينيه بقوةٍ هامسًا : وش مفهوم الطلاق عندك؟
ديما : الطلاق نسيان، الطلاق تحطم علاقة لازم يرتاح فيها الطرفين، بس الظهار! .. هه
ارتعشت حدقتاه وهو يهمس لها بعينين ضيقتين : يعني لا طلقتك بتنسيني؟ بترتاحين؟
ارتعش قلبها وهي تنظر في عمق عينيه بحزنٍ غلف حدقتيها، بحزنٍ هزّ أعماقها المجروحةَ منه، " لا طلقتك " تُعطي احتمالًا بإمكانية الفعل، " لا طلقتك " تُثبت لها أنها لن تكون مختلفةً ليتمسك بها، إنها سهلةٌ ليتجاوزها كسؤال " اختاري الإجابة الصائبة " وخياران اثنان تراءى أمامه، إما - طلاقٌ وراحة - وإما - تمَسكٌ وضيق -، وهو بالتأكيد سيبحث عن راحته، سيبحث عن ما يبعده عن كل ضيقٍ وسيتخلى عنها، هل يعبث بها؟ هل هي صغيرةٌ في عينيه إلى هذا الحد؟؟
همست بألمٍ تكذب على نفسها قبل أن يكون عليهِ وهي تتمنى جرحه لكن هيهات فهو إنسانٌ لا يشعر! : من ناحية بنساك، بنساك! . . ومن ناحية برتاح، برتاح! .. وش عنك طيب؟؟
اشتعلت عيناه وهو ينظر إليها بحدةِ قهره الذي تولّد منها، لكنه في النهاية يُدرك أن ما لفظته ليس إلا كلماتٍ، فقط مجرد كلمات، إلا أن هذه الكلمات آلمته وأشعلت القهر به : ما يمديني أعلمك وش بيكون شعوري لأن كلمة طلاق بيننا مستحيلة!
ابتسمت بسخرية : مصدقتك
سحبت يدها منه وهي تريد الخلاص من وقوفها بقربه، إلا أنه كان أشدّ عنادًا منها وهو يعيدها إليه إلى أن أحاط خصرها بإحدى ذراعيه، ومن ثمّ أعاد لها السؤال الأول الذي تحوّل لأسئلةٍ عديدة : جاوبيني ... تبين ولد؟
اشتعلت عيناها بشدةٍ وهي تنظر إليه بحقدٍ تجلّى على قلبها الذي صاحَ في مكانه يُريد التمزّقَ والخلاص من اسمه الذي سكن به، يريد الخلاص من ختمه المُحرم والذي غلّفها كلها، ثم بحقدٍ همست : حقييييير
توقدت نظرته بدوره، ثم خلّصها منه ليُبعدها عنه بعنفٍ ووجهه تصلّب بغضب : لسانك طايل ، شكله يبيله قص!
ديما بتحدٍ خائب : جرّب! جرّب يابو الشهامة ... قاعد تقهرني بسؤالك هاه! قاعد تستفزني وتحرني . . تراك كذا ما تزرع فيني الا رغبة بالقتل .. بس مو قتلك انت ، قتل ولدك عشان تحس وتعرف وش يعني ما يكون عندك ضنا
أومأ برأسه ببرودٍ وهو يرفع إحدى حاجبيه : لا مو لسانك اللي يبيله قص، أنتِ كلك شكلك مشتهية ضرب!
توَحشت ملامحها وهي تبتعد عنه للخلف، وبتحذير : والله لو تمد يدك علي ما بتشوف خير سامع! اقسم بالله ما أجلس عندك دقيقة
ارتفعت زاوية فمه في ابتسامةٍ لا تفسير لها، ثمّ اقترب منها ببطءٍ وهو يهمس بعينين التمعتا : وأنا متى ضربتك يا ديمتي؟
تراجعت أكثر وأذناها تلتقطان اللفظ الجديد لاسمها، لفظٌ يختلف عن " مي " وعن " ديما " التي لا يعرفها إلا لحظة غضبه، وشعورٌ خالجها بالإنتماء لهذا الإسم الفريد، الإسم الذي أُطلق من شفتيه بلحنٍ مختلفٍ تمامًا! طردت أفكارها العقيمةَ تلك وهي تهتف بخيبة : حتى لو كنت ما ضربتني بشكل مباشر بس تراك تتعامل بطريقة خايسة مثلك . . . أمس دفيتني !!!
اتسعت ابتسامته وهو يقترب أكثر، ثم بهمس : ما قصدت
ديما بوجهٍ مقطب : كذا بكل بساطة!
هزّ كتفيه وهو يقف أمامها مباشرة، ثمّ أمسك كتفيها برقةٍ لينحني قليلًا ويقبل وجنتها اليُمنى، وبهمسٍ قرب أذنها : ما قصدت
ارتعش جسدها انفعالًا باقترابه، وأنفاسها اضطربت وهي تحاول الإبتعاد عنه والفكاك من يديه، ألا أن قبضتيه تشبثتا بها وهو يُحني وجهه لوجنتها الأخرى مقبلًا إياها ومن ثمّ يهمس قرب أذنها : ما قصدت
عضّت شفتها وأغمضت عينيها بقوةٍ وهي التي تضطرب بصورةٍ له في ذهنها فكيف بهذا الإقتراب؟؟
دفعته عنها بقوةٍ في حين غفلةٍ من قبضتيها لتتراجع وهي تضع كفيها على وجنتيها، تنظر لعينيه بنفورٍ وقهر، بحقدٍ وخذلانٍ منه، يُبعدها عنه بمحض أفعاله ثمّ يتوقع منها الإقتراب بمحض إرادته! يعبث بها لأنها أنثى ضعيفة وهو رجلٌ يظنّ أن النساء لعبةٌ في يديه!! سحقًا! حاشا لن تكون في يديه لعبةً يعبث بها كيف يشاء ثمّ يتركها، لن تكون بهذا الرخص بعد اليومِ وجوره لن يطبّق عليها.
هتفت بحقدٍ من بين أسنانها : حقييييييييييير
ثمّ استدارت عنه لتدخل للحمام وتطبقه بقوةٍ وهو واقفٌ في مكانه يتطلع بظلها الذي اختفى ليظهرَ محلّه هذا الباب البائس، بحاجبين ارتفع إحداهما وعينين توقدتا عبثًا، ستعود إليه، يُدرك ذلك فهي ديما/مي، ستعود إليه في وقتٍ قريب لذا هو مطمئنٌ لأنه يثق بذلك.
ضحكَ بسخريةٍ خافتة ليهمس : لا شكله لسانها يبيله قص من جد!!


,


بعد صلاةِ الظهر
جلست على سريرها لدقائق، عقلها يسبح في أفكاره، ترتدي ثوبًا مخمليًا أبيض ينساب على جسدها بنعومة، ووفقًا لاتفاقها مع سلطان هاهي ترتدي كما يشتهي لا كما تشتهي.
كيف ستكون بين أناسٍ لا تعرفهم؟ كيف ستكون بين عائلةٍ كاملةٍ وهي التي لم تعتد على مخالطة أناسً كُثر؟
زفرت بكبتٍ وارتباكٌ يراودها، يُشتت فكرها، تشعر بثقتها تهتز، هذا إن كان هناك ثقةٌ بها! وهي التي تجرّعت الذلّ منذ الصغَر فكيف قد تنمو ثقتها بنفسها؟ . . يُقال أن الشخص حين يتصنع الثقة سيتحلى بها أخيرًا، لكن لمَ لم تتحلى بها حتى الآن وهي التي تصنعتها سنين طوال؟ لمَ لم تتحلى بها وهي التي تصنعتها في وجهِ كل عدو! نعم! فالكل هنا عدو، الكل في هذه الأرض عدوٌ لبعضهم البعض ينهشون لحم بعضهم كي يرتفعوا ويُعيشوا.
انتبهت لطرقٍ على بابِها، حينها عضّت شفتها بارتباكٍ وهي تنظر للباب بضياع، وصوت سلطان انساب من خلفه هادئًا : غزل .. جهزتي والا بعدك؟
بللت شفتيها باضطرابٍ وهي تشتت نظراتها، لسانها يريد الحديث والتراجع، لكنه ما إن أعاد لفظ اسمها حتى هتفت بسرعة : جاية جاية
سلطان : منتظرك
ثمّ اختفى صوته لتزفر بكبت، إنها ضعيفة، ضعيفةٌ لتواجه أناسًا كُثر، ضعيفةٌ لتواجه بني جنسها! . . عضّت شفتها بقهرٍ من نفسها وعينيها اشتعلتا بحقد، لمَ تخاف؟ لمَ تخاف ممن هم مثلها؟ لمَ تخاف من أناسٍ ستضرهم قبل أن يضروها؟! . . نعم! ستضرهم قبل أن يضروها، فهي تثق تمامًا بأنهم سيكونون أناسًا ذوي نفوسٍ قذرة، لأنهم بشر! والبشر جميعهم هكذا!!
نهضت وشفتيها ترتجفان بحقد، بألمٍ من حالها التي تسقط في كل يوم، بوجعٍ يتغلغل في روحها، منذ تعرّفت على العالم وهي ترى صنفًا واحدًا من الناس، الصنف الذي يشبه والدها، الصنف الذي يشبه أمها التي لم تكن أم!، أمها التي ولدتها كمن لفظَ شيئًا حقيرًا ليعيش حياتهُ بما يستحق! بين أناس مثله! هذا إن كان هناك من يختلف.
اتجهت للخزانةِ حتى تأخذ عباءتها المعلقة، والتي هي ذاتها التي اشتراها لها سلطان والتي كانت " محتشمة بزيادة " من وجهةِ نظرها على الأقل.
ارتدتها مُرغمة ثمّ خرجت من الغرفةِ لتجدهُ جالسًا يتسلى في هاتفهِ منتظرًا لها، وما إن انتبه لفتحِ بابها حتى رفعَ رأسهُ إليها ليبتسم بهدوءٍ وهو يراها كما يُريد وكما يجب.
وقف بهدوءٍ هاتفًا : يلا
لم تستجب له وهي ترفع حاجبيها، ثمّ بتساؤل : غريبة، ما ودك تتأكد من لبسي!
لم تختفي ابتسامته الهادئة وهو يقترب منها هاتفًا : شفتك لابسة العباية اللي اشتريتها لك وهذا يكفي
غزل ببرود : يعني عادي لو كنت مفصخة من داخل العباية؟!!
ضحكَ بخفوتٍ على تعبيرها : إن بعض الظن إثم، لذلك أنا قاعد أظن فيك حسن
شتت نظراتها عنه وهي تزفر الهواء ببطءٍ من بين شفتيها، وجملتهُ تلك! ... أثرت بها! لمست شيئًا ما بداخلها، شيئًا ما تجهله، والظنّ الذي لفظهُ منذ ثوانٍ، الظن الحسن، كان ... كان ....
ازدردت ريقها وهي تُشيح بنظراتها عنه، ثم تحركت مُتجاوزةً له وهي تهمس بارتباك : طيب ما ودك ...
قاطعها حين استطال بقبضتهِ ليُمسك بزندها ويجذبها إليه، ثم نظر لوجهها لترتعش، وعيناها اضطربتا بخوفٍ وارتباكٍ وهي تنظر في عمق عينيه تحاول أن تحرر نفسها منه، عينيه التي كان فيهما من الرقّة ما يكفي ليُربكها.
ابتسم وهو يرفع كفهُ الأخرى حتى يُمسك بطرف خمارها ويرفعه ليُغطي وجهها بطبقةٍ رقيقة.
همس بهدوء : أظن كذا أفضل وأكمل احتشام!
في هذه اللحظةُ كان بها من الضعف ما يحول بين عنادها وبينه، ضعفٌ مقيتٌ لا تدري من أين جاءها لتصمت وتومئ فقط، بينما ابتسم هو لإيمائها وبظنهِ أن طاعتها هذه ليست إلا احترامًا لاتفاقهما الذي ينصّ على " الأخذ والعطاء ".
هتف بأريحيةٍ وهو يتحرك : يلا

.

.

.

انــتــهــى


مافيش قفلة ولا أحداث نارية كثيرة بهالبارت :( وعليه قصير صح؟ <- أسبقكم قبل تهاجموني :P
وإلين أيضًا مختفية :$ من الأساس مالها ظهور مهم بهالبارت لأنّ الأحداث اللي تخصها بهالفترة باردة بعض الشيء وفيه ظهور خاص لها قريب.

الزبدة البارت الجاي والأخير قبل الإمتحانات بيكون أطول إن شاء الله وأحداثه أهم واختتامية قبل أسبوعين من التوقف عشان الإمتحانات.




ودمتم بخير / كَيــدْ !




أبداع أنثى 19-12-14 12:11 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر القيد الثالث والعشرين
 
يعطيك ربي الف عااافييه ..صدقتي مانبي نهاجمك :)

اميري البارت ذا فواز وجيهان ي لبببى ع فوااز العاشق

بعد شاهين وجميلته اللي يحاول يطلعها من قوقعته .عندي ثقه بما يستطيع فعله حتى تخرج من قوقعتها
ومتحمسه لايام تجمعهم
بالختام مستمتعين بهذه الرائعه اللي تكتبيها اناملك الرائعه

كل الشكر لك

fadi azar 19-12-14 05:36 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر القيد الثالث والعشرين
 
فواز وجيهان يحتاج لوقت حتى يعيد ثقة جيهان به وحبه ولمعاملة الجيدة والحب بتوصل لطريق قلبها فصل كتير حلو

حنان الرزقي 19-12-14 06:52 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر القيد الثالث والعشرين
 
شكرا وفقك الله في امتحاناتك . ارى ان علاقة جيهان وفواز وشاهين و اسيل تتجه نحو المسار الصحيح والطبيعي في اي علاقة زوجية بل تتجه اكثر الى التفاهم والهدوء النسبي بعد الثورات السابقة وان كانت جيهان مازالت مصدومة من قبلة فواز فانهابالتاكيد سيكون لها دور في زعزعتها وتغيير بعض من افكارها وتصرفاتها بينما علاقة سيف وديما تشهد في المقابل تازما وديما قاربت ثورتها لذلك على سيف ان يجهز نفسه لذلك وهو الذي يظن نفسه يمتلك زمام الامور

ابنة الحظ 20-12-14 04:04 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر القيد الثالث والعشرين
 
الف مليون شكر على مجهودك الخرافي عزيزتي ، روعه الاسلوب ونقل مشاعر واحاسيس الابطال بشكل راقي ومعبر يصبرنا على قصر البارت ، فسلمت الايادي كيد ودمتي لنا ...

كَيــدْ 26-12-14 12:17 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر القيد الثالث والعشرين
 


سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم

صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف خير وعافية



في البداية راح أعلمكم بأن فيه شخصيات أساسية ماراح تظهر :( وهم سيف وديما وأسيل
وأي شخصية ما تشوفونها بالبارت ما يعني شيء كايد! ترى أنا ككاتبة تختلف رؤيتي للبارت وطوله وعمق أحداثه وشموله
أنا مثلًا أعتبر هالبارت متكامل وإن ما ظهرت إحدى الشخصيات
ظهور شخصية عن الثانية ما يعني إنها مهمة أو اني تعمدت ما أظهرها أو طول البارت ما أسعفني :/! بس فيه شيء اسمه زمن، وشيء اسمه تنظيم الأحداث ، فاهميني؟
بمعنى ما أقدر أتخطى الزمن اللي أنا فيه عشان أجيب شخصية معينة تحبونها!
وقد قريت مرة تعليق لقارئة في منتدى على رواية أنا أتابعها : " الكاتب هو اللي يعرف متى لازم يظهر شخصياته "
فخلوا هالجملة في بالكم لأنه صعب بكل مرة أقول لكم الشخصية ماراح تطلع فاعذروني
!

وبسم الله نبدأ
لا تلهيكم عن العبادات


قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
بقلم : كَيــدْ !


(26)



قبل ساعات - العاشرةُ صباحًا
لتوهِ دخل المنزل، كان قد خرج بعد أن عاد من المسجد فجرًا ليجلس في البيتِ قليلًا ثمّ ينطلق مبتعدًا عنه، وقد كانت عودته في الأساس ليبحث عن عمته، لشيءٍ ما شعر بحاجتهِ لها الآن، شعرَ بحاجتهِ للحديثِ معها والبحث عن إجاباتِ الأسئلةِ التي تدورُ في رأسه، لكنه ما إن عاد حتى وجدها قد نامت بعد أن أدّت صلاتها، لذا خرج، خرج حين لم يجد من يُجيبه ليُمشّطَ الطرقات يبحث عن الإجابات في الأرصفة، في البيوت وفي الأشجار، في النسيمِ وفي زرقةِ السماء، كالتائهِ في إحدى البراري لا يجدُ إنسًا من حوله ولا جان. بالرغم من اكتظاظ الطرقات في بداياتِ الصباح بالسياراتِ ومزاميرها، بالأرجل التي تتجه لدواماتها مشيًا، بأصواتِ البشر التي تحومُ حول أذنيه، إلا أنه كان يمشي وحيدًا، لا يسمع شيئًا، لا يرى أحدًا، لا يشعر بشيءٍ إطلاقًا فهو وحيدٌ في برٍ منزوٍ عن الحياة، يمشي وحيدًا يبحث عن إجاباتٍ لأسئلةٍ ترَبضت في عقله منذ بداياتِ الصباح.
كم يكرهُ الرياض! كم قال تلك الجملةِ في قلبه عديدًا ولازال يذكرها في صحوتهِ وحتى في منامه. إنّك يا الرياض أرضٌ كئيبة، إنّكِ يا الرياض غُبارٌ غلف مُقلتي ليُهيّظ الدمع فيهما، إنّك يا الرياض مكانٌ قاحلٌ ولا أدري كيف يُحبك الكثير ممن يعيشون في هذا البلد. هل الإنتماء يُعمي إلى هذا الحد؟ هل الإنتماء يُصوّر القبيح بالجميل؟ لا أدري كيف يرونها جميلة، كيف يرون صيفها الحار كربيعٍ تنتشر نسائمهُ العليلة؟
مسحَ بكفهِ على وجهه، ثمّ تحرّك بعد أن كان واقفًا عند الباب، يبحث بعينيه عن عمته وهو الذي يدرك أنها في هذه الساعات لن تكُون نائمةً أبدًا.
سمعَ أصواتًا في المطبخ، حينها زفرَ وهو يتجه إليه، وما إن دخل حتى وجدها تتحدث في الهاتف دون أن تنتبه لدخوله، ويداها كانتا مشغولتين بصنعِ عصير ليمونٍ لها بينما الهاتف حشرته بين كتفها وأذنها.
انساب إلى أذنيه صوتها المُتضايق : محمد وبعدين! . . دام أبوي وافق خلاص مالك حق تردني
انعقدت حاجباه وهو يستمع لكلماتها، ولم يكُن صعبًا على عقلهِ أن يفهم ما المعنى، لم يكُن صعبًا عليه أن يدرك ما سبب الضيق الذي انزوى في صوتها وزرعَ الضيقِ في قلبهِ أيضًا لإدراكهِ ما محتوى الحديث الذي يُلفظ من عمه - محمد -. يريدها أن تعود، بالتأكيد يريد ذلك، فهو قبل أن يكونَ خائفًا عليها من العيش معه لطباعهِ التي سيكون أخذها من والده على الأرجح يكرههُ ككرههِ لأخيه! . . عضّ شفتهُ بحنقٍ وهو يتمنى لو يستطيع قتله، هو ليس وحيدًا ليشعر به، حولهُ عائلةٌ يقضي وقته معهم، لا يهاب الوحدة لأنه لم يجربها، لا يحتقرها لأنه لم يواجهها كما واجهها هو، لذا هو يحتاج سهى، يحتاجها بكلّ الدمِ الذي يجري في عروقه، يحتاجها بعدد الأيامِ الذي بكى فيها حالهُ دون دمع، بطولِ المسافةِ بينهُ وبين راحته التي انسلخ هاءُ الغائب عنها لتضمحلّ عنه.
سهى تتأفأف ثمّ ترد على محمد بكبت : محمد واللي يعافيك خلاص! . . بتجي يعني؟ وعلى بالك برجع معاك؟ تراني مع ولد أخوي ماني مع غريب
نهضت نزعتهُ المُتهورة ليقترب منها بخطواتٍ مُتسعة، وما إن وقف خلفها وانتبهت هي لتشهق وتستديرَ بذعرٍ حتى سحب الهاتف ليضعه في أذنهِ ويتكلم بعجرفة : خييييييير
صمتٌ أطبق على محمد من الجهةِ الأخرى، تتشرّب أذناه الصوتَ ليستوعب قليلًا، لكنّ أدهم لم يُهدِهِ الوقت الكافي حتى يستوعب لرميهِ بكلماتٍ يُردفها على سابقتها : مين؟ أظنّ الرقم غلط!
كانت سهى تراقبهُ بعينين متسعتين وصوتها انساب إليه هامسةً بصدمة : أدهم!!!
رفع أدهم كفهُ ليُسكتها، ثمّ تابع بحدة : لا عاد تتصل مرة ثانية يا أستاذ
ليُغلق من بعد كلماته تلك وهو يشد على أسنانه، بينما تلك شدّت على أسنانها ولازالت معالم الصدمةِ تغزو ملامحها، وبقهرٍ منه انتزعت الهاتف من قبضته لتهتف بحدة : تعرف هذا مين؟
نظر إليها أدهم ببرودٍ ليهتف : مين؟
سهى بحدة : هذا عمك يا غبي
رفع كفه ليرمق أظافرهُ بلا مبالاةٍ وهو يرد : طيب ويعني؟
ازداد اتساع عينيها أكثر وهي تُمسك بعضدهِ بقوةٍ هاتفةً بعنف : أنت جنيت صح؟ .. شوف! بتصل عليه الحين واعتذر له، قوله كنت أظنك واحد مزعج لعاب داشر صايع اي شيء، المهم اعتذر له
ارتفع حاجبا أدهم بحدةٍ وهو ينظر إليها باستنكار، وباستهزاء : يا ســـلام! ما بقي غير أعتذر له!
سهى بحدة : أدهم احترم نفسك تراه عمك
أدهم دون مبالاة : مو معترف فيه مثل ماهو مو معترف فيني
وضعت كفها على جبينها وهي تستدير برأسها للجهةِ اليُسرى شادةً على أسنانها بحدة : يا ليييييل .. أنا قاعدة أحاول أزيّنك عنده وأمدح فيك وانت من جهة ثانية تخرب!
أدهم بازدراء : ومين قالك تزينين صورتي عنده؟ هه! ما بقي إلا أدور رضاه.
قبل أن تتمكن سهى من استيعاب كلماته لترد كان صوت هاتفها يتصاعد، حينها رفعته بسرعةٍ وهي تجزم أنه محمد، وبالفعل كان هو!
رفعت نظراتها المتوجسةِ إليه عن الهاتف، وذاك أدرك معنى نظراتها جيدًا، تريد منه الرد وتفسير ما قاله له بطريقةٍ أخرى، لكنّ ذلك من ضرب المُحال ولن يكون!
صدّ بنظراتهِ عنها، ثمّ تحركَ ينوي الخروج متجاهلًا الورطةَ التي وقعا بها كليهما، لكنّه ما إن تحرك حتى أمسكت بذراعهِ تنظر إليه برجاء، لكنه لم يكن ينظر إليها حتى.
سهى برجاء : أدهم! كلّمه واللي يعافيك ما ودي بمشاكل وياه.
لم يرد، ووجهه مُنتّحلٌ بالجمود واللامبالاة، هل تريد منه أن يتحدث معه بالفعل؟ مع ذلك الذي كان جافًا معهُ منذ تعرّف على الدنيا؟؟
همس بحدةٍ وهو ينفض يدهُ ويتحرك : مو شغلي!


,


دخل الغرفةَ بعد عودتهِ من عملهِ مُبكرًا، السماء تعكس قُرب انتهاءِ وقت الصباح ليحلّ الظهر بعد وقتٍ وجيز، النوافذ الزجاجية التصق بها ماءٌ تكثف ببرودةِ الأجواء لتتضبب الرؤية إلى الخارج.
وجدها تُرتب ملابسًا بقيت في الحقيبة ولم تُخرجها بعد، وجهها هادئٌ هذا الصباح ولا مشاعرَ محددةٍ به، لكنّ بعض الشحوبِ يشقّ طريقه إليها، بعض الشحوب الذي يغلّف بياضها ويُعكّر صفو ملامحها.
بدأ عقله في هذه الأثناء بالمقارنةِ بين صورتها التي التصقت بجدرانِ ذاكرته قبل وفاة أمها وبعد زواجهم، وصورتها الآن بهذا البهوت والبرودةِ الصقيعيةِ المتملثةِ في بورتريه الموت! زهرته تذبل، وأشواكها المُلتفة حول ساقها بدأت تتلاشى، رحيقها بدأ يتبخر بفعلِ دخان الحزن، ولا دخان دون نار! . . هناك نارٌ فيها تسمى الضياع، هناك نارٌ في جوفها تُسمى الوحدة، هي تشعر بالوحدةِ مع أنه بقربها، تشتاق لعائلتها ويدرك ذلك، تشتاق لوالدها الذي هجرته وتجاهلت حاجتها له، وهو بدوره سيعيدها إليه قبل أن يأخذها بالشكل المعتاد والذي سيرضيها أنثويًا، زهرته ليست أقل من أي أنثى أخرى، بل هي إستثنائيةٌ على وجهِ العموم، إستثنائيةٌ لن تصل أنثى لمقامها الرفيع.
زهرتي تنمو على تربةٍ خصبة، زهرتي تنمو على أرضٍ إستثنائية، تبدأ برعمًا إستثنائي، وتزهر بسرعةٍ إستثنائية، زهرتي بيضاءُ نقية، حمراءُ مغرية، صفراءُ صديقة، زهرتي زنبقةٌ صغيرة/طفلة، زهرتي ذاتُ رحيقٍ خاص، ذات عبقٍ إستثنائي، في كل هذه الأرض لم تنمو زهرةً مُعمرة وجميلة بتناقضاتٍ جما مثلها. إنكِ زهرة فواز فقط، زهرةٌ لا تموت، يزوركِ الذبول ولا ينولك، لكنكِ لا تموتين فأنتِ الزهرة التي نَمت على أرضي، أنتِ الزهرة التي وصلت للصبابةِ تحت ناظري وصارت امرأةً فتيّة.
عقلهُ يدرك تمامًا حجم ما بينها وبين والدها، يُدرك أنها تلومه في موت أمها، لكنه لا يدرك تمامًا كل التفاصيل بل يعلم أنها تلومه فقط دون أن يعلم بالسبب، لم يُرضه أن يلجأ لغير عناد الذي يعرفه أشدّ المعرفة، وهو يُقرّ ويُأكد أنه لو كان عناد قريبًا لسمح بجلساتٍ وجهًا لوجه! فهو عناد، صديقه، لا يثق بأحدٍ كما يثق به، يخاف عليها عند أحدٍ لا يعرفه، لا يأتمن عليها بعد أن حاول السائق أن يغتصبها مرة، حتى وإن أخذها لامرأةٍ ما الذي سيقنعه أنها لن تتآمر مع أحدٍ لتؤذيها؟! هم في بلدٍ أجنبي، تنتشر فيه المساجد بشكلٍ كبير، ينتشر فيه مُسلمون بكمياتٍ كبيرة، لكن ما الذي يجعله يأتمن عليها عند طبيبٍ غير عناد الذي هو صديقه المقرب؟!!
لم تنتبه لهُ في البداية، لكنّه من خطوةِ اقترابٍ منها أصدرَ صوتًا جعلها تستدير بسرعةٍ إليه.
نظرت إليهِ بصمت، وشفتيها انفرجتا قليلًا، تشتت حدقتاها ودون مقدماتٍ بدأت الحُمرة تتصاعد في ملامحها لتصدّ عنه أخيرًا. حينها ابتسم رغمًا عنه لخجلها، ثمّ اقترب ببطءٍ منها ليجلس أخيرًا بجانبها على السرير. صامتًا باسمًا تتدلى ذراعيهِ في الهواء ومرفقيه مستندان على ركبتيه، أذناه تلتقطان صوت أنفاسها المُضطربة جيدًا، يشعر برغبتها في الهرب لتتسع ابتسامته أكثر، وبطرف عينيْه كان يلمح اهتزاز ساقيها توترًا.
أما هي، فقد كان صدرها يرتفع بشهيقهِ ليهبط بالزفير، صوت أنفاسها المُرتبكة تُدرك أنها تصل إليْه، ومعدتها بدأت بالإلتواء بتوترٍ عظيم وهي تتذكر قُبلةَ البارحة التي لازال أثرها على شفتيها، طعمها لازال يجري في فمها، واضطراب قلبها بسببها هاهو يعود ويفرض نفسه مرةً أخرى في صدرها، لازالت تشعر بأنفاسه التي تنفستها، ولازال الهواء مُشبعًا بعطره.
شعرت بهِ يضعُ كفهُ على ظهرها، حينها ارتعشت فقراتها وابتعدت عن نطاقِ كفهِ بسرعة وهي تُدير رأسها إليه لتتراءى ابتسامتهُ الهادئةِ لها، بهدوءٍ بعكس الهواءِ الباردِ والصارخ الذي يتغلغل مسماتهما، بعكسِ النظراتِ الصاخبةِ التي بينهما، بعكس لمستهِ التي كانت كتيارٍ انتقل إلى جسدها.
همس لها بهدوءٍ وهو ينظر في عينيها : جاء الوقت
قطّبت جبينها للحظةٍ بعدمِ فهم، لكنها سرعان ما أزالت تقطيبها وعيناها تتسعان بتساؤلٍ كان بها من التردد الذي منعها من لفظ ما سطع في رأسها.
فواز بهدوء : أعتقد إنك فاهمة كفاية
عقدت حاجبيها وهي تُشيح نظراتها عنه، الضيق والرفض ارتفع على سطحِ ملامحها ليفهم جيدًا عدم رغبتها إلا أنّه أصرّ ورفع الهاتف - الذي هو هاتفها - ليتصل بـ " عنــاد "


,


يجلس في مكتبه، يُقلّب هاتفه بين كفيه مُنتظرًا اتصال فواز في هذا الوقت كما أخبره قبلًا.
يتطلع بالباب الذي يُقابله بهدوء، وأفكارٌ طفَت على سطحِ عقله، أفكارٌ لا تخص سوى " سلمان " لا غير، وسلمان يعني سلطان، الرجل الذي لازالت بعض الحيرةِ تهاجمه في أمرهِ إلى الآن، لكنّ الحيرة بدأت برؤية الضوء رويدًا رويدًا، بدأ يفهم، بدأ عقله يُحلل القليل الذي وصل إليهِ بعد بحثهِ وتطوّره بصورةٍ مُقنعةٍ خلف أدلةٍ تُثبت كل شيء.
التوت شفتيه بابتسامةٍ ماكرة وهو يهمس : والله وطلعت منت بسهل يا عمي العزيز
رنّ هاتفه في تلك اللحظة، حينها رفعه أمام عينيه وابتسامته تحوّلت من مكرٍ إلى ارتخاءٍ ومحبةٍ صادقة، أجاب ليضع الهاتف على أذنه هاتفًا : أهلين يا الحبيب وعليكَ السلام ورحمة الله وبركاته
أعاد ظهره للخلف وهو يردّ بعتاب : أفا عليك بس وشو مشغول وأنا اللي معطيك هالوقت بالذات؟ . . . ههههههههههههه تقصد إني كذاب؟ لا والله محشوم أكذب عليك بس جد والله ما عندي أي موعد أخرته عشانك تراني أمين في شغلي وما أقدّم أخوياي على اللي معطيهم وقتي قبل . . . خلاص طيب مرة ثانية بيكون وقتنا بالليل عشان تصدقني ، اتفقنا؟ . . . * اتسعت ابتسامته ليُردف بهدوء * اوكي هاتها بس خلك بعيد عنها لا تشوفك وأنا أكلمها وتظل ساكتة وهي عندها حكي ، حتى لو شتمت وقالت شيء غلط ما عليك خلها تطلع اللي بصدرها
عبس فواز من الجهةِ المُقابلة وهو يهتف بحدة : لا والله حلوة هذي بعد! شتم وتطلع اللي بصدرها؟!
عناد : ههههههههههههههه شكلك غثيث وبدائي
فواز يرفع حاجبيه مُتعجبًا : يا سلام! صار الشخص لما ما يرضى على نفسه المهانة بدائي!!
عناد : يا شيخ! يا إنك تستغبي أو إنك غبي من جد .. البنت أنت بنفسك قايل عنها مضغوطة نفسيًا ومكتئبة، وبعدك تقول مهانة ومدري أيش؟؟ خلّك رقيق وإنساني شوي واترك الكرامة على جنب
لوى فواز فمه وكيف لعناد أن يفهمه؟ إن ما بينه وبين جنان ليس مجرد شتمٍ منها وقسوةٍ منه، ما بينهما أشد، لو كان الأمر كذلك لعذرها مع حالتها النفسية، لكنّ مابها عنادٌ تظنّه صحيحًا إلى جانب نفسيتها، وعناد سيساعدها على التغيّر ليجعلها مؤهلةً لتقبّله لا ليجعلها تتقبله! هي الآن مضغوطةٌ نفسيًا، لكنّ ذلك ليس سبب نفورها بل التقبُّل من فكرها أولًا وليس من عناد، فعناد سيساعد لكنّه لن يكون السبب الأساسي لتتقبله.
بينما جيهان كانت لا تزال بجانبه، تنظر إليه بحقدٍ هذه المرة وإحدى حاجبيها ارتفعا وهي تفهم تمامًا أنهما يتحدثان عنها بالتأكيد.
" يا مسود الوجه يا اللي ما تستحي يا عديم النخوة "!! . . أرادت وبقوةٍ أن ترشق هذه الكلمات في وجهه، حاقدةٌ عليه لأنها ترى أنه بذلك يسترخصها بجعلها تُحادث غيره، حاقدةٌ عليه في هذهِ الأثناء لأنه يتحدث عنها أمامها وبكل وقاحةٍ ويظنّ أنها لن تفهمه!
استدار إليها فجأةً لتجفل للحظاتٍ ثم تتراجع قليلًا وهي جالسةٌ على السريرِ تنظر إليه بتأهب، حينها ابتسم على نظراتها الحاقدة، كان من الغباءِ أن يتحدث بهذا الشكل أمامها لكن لمَ لا يعبث بها قليلًا؟!!
رفع إحدى حاجبيه وابتسامته لا تزال مُتجليّةً على ملامحه، ثمّ اقترب منها ليُحيط خصرها ويضع الهاتف في أذنها، وبنذالة : بجلس هالمرة معاك ، يا ويلك تسبّين!!
ضحكَ بخفوتٍ وهو يلمح انتفاخ أنفها بغضبٍ جعلها شهيّـةً لعينيه، بينما هي كانت مُغتاظةً من كلامه أولًا، ومن هذا الذي يُسمى طبيبًا!! وصل إلى أسماعها زفير عناد الذي سمع كلام فواز، ثمّ تنحنح ليهتف بصوتٍ ثابت : السلام عليكم
لم ترد عليه، بينما أسند عناد ذراعه على مكتبه ووجهه جامدٌ بعملية، وهي تتمنى لو تُغلق الهاتف، يتغلغلها الحنق وبعض الحرج والخوفِ أيضًا، فهي التي لم تعتد على الحديث مع رجلٍ غريبٍ من قبل سوى من له الإمكانية كوالدها وفواز! وهي التي تشعر أنها لن تستطيع أن تكون بكامل طبيعتها وثباتها عند الحديث مع رجلٍ بعد ما حدث معها سابقًا، بالتأكيد ستضطرب، وحتى ولو لم تكن الحادثة قد أثرت بها كثيرًا إلا أنها لن تكون بكامل تقبلها لأي رجل! وربما لو أنها لا تعرف فواز منذ طفولتها ولولا علاقتها الوطيدةِ به لما كانت ستتقبل قربه بخجلٍ لا غير بل على الأرجح كانت لتضطرب خوفًا منه ولو قليلًا. ربما هذا هو التفسير لتقبلها لفواز - علاقتهما الأكثر من مجرد ابناء عمومة -، أو ربما أنها كانت قويةً كفاية لتتجاوز الحادثة دون أن تحتاج للجوء لطبيبةٍ نفسية مختصة، وعلى الأرجح ليست كل من تتعرض لمحاولة اغتصاب ستتشوه نفسيتها!
لا تعلم، لا تعلم ولا تدرك تفسيرًا لحالتها أو تصنيفًا لها. لا تعلم سوى أنها تشعر بالأمان مع فواز وإن كان رجلًا!
شعرت بفواز يوكز كتفها بكتفه، لذا نظرت إليه وكفيها في حجرها بينما الهاتف مثبتٌ في أذنها بيدِ فواز.
رفع فواز حاجبيه وهو يهمس لها : ليه ما تحكين؟
كشرّت وكم أرادت الصراخ في وجهه " ما تغار أنت؟؟ ". أليست الغيرة متعلقةً بالحب؟ أليس الحبيب يغار على حبيبه؟ لمَ يشذّ عن القاعدة الآن؟ لمَ يزرع الشكوكَ في قلبها بعدم حبه لها؟ هل يتوهم حبه لها أم أنه يكذب لا غير؟؟
شعرت بالحنق لهذه الأفكار التي هاجمتها، تحاول أقناع نفسها بأمورٍ لن تجلب لها سوى - الأرق -، والأرق يُصاحبها في معظم الليالي التي تلجأ فيها إلى السريرِ حزينة، فهل ستجعل أرقها هذا دائمًا بتفكيرها في أمرٍ لن يضرها اثباته من نفيه؟؟!
زمّت شفتيها وحدقتيها تشتتا عن كل شيء، لن يضرها؟ لن يضرها عدم حبه؟؟ . . لمَ تكذب على نفسها؟ لم تخدع ذاتها وهي التي ترى أن حبّه لها وكلمات الغزل والجوى ترويها؟ وهي الزهرة الذابلة التي تحتاج لحبه، تحتاج بأنانيةٍ لأن يحبها ليذهب ذبولها وتصبح ناظرةً زكيّة . . نعم، هي أنانية، حتى وإن لم تحبه تريد منه أن يحبها، تريد منه أن يمدّها بطاقةِ الحب وإن لم تمدّه بها.
زفرت بضيقٍ وهي تغمض عينيها بقوةٍ لشعورها بألمٍ في صدرها، أهو ألم الضمير؟؟
ازدردت ريقها وهي تسمع كلماتًا من الطبيب - عناد - لكنها لم تفهم كلمةً واحدة، لم تفهم وكلّ أمرٍ بات في عقلها مُبهمًا، بات في نفسها الأنانية والحقيرة غير مرغوبًا!


,


الواحدةُ والنصف ظهرًا.
جلست بعد أن وصلا، تنظر لكل ركنٍ من المجلس الذي جلست به، تقيّمهُ بعينيها اللتين حملتا ذوقًا رفيعًا في أناقتها الشخصية وفي الديكورات.
كان المجلس راقيًا، لونه الأزرق الكلاسيكي أرضاها ذوقيًا، يبدو أن عائلته المتواضعة الصغيرة ليست من " الدقات القديمة ".
لوت فمها تُغطي ارتباكها بثباتٍ زائفٍ ونظرةٍ متعاليةٍ في عينيها، شتان ما بين ظاهرها وباطنها، شتان ما بين عينيها الثابتتين وقلبها المضطرب في الداخل، قلبها الذي سينفجر لا محالةَ من ارتباكِ الخوف فيها، يُزعجها كثيرًا أن تكون ضعيفة، يُحزنها أن تتصنع القوة والثقة وهي بعيدةٌ عن ذلك تمامًا، بعيدةٌ عن كل صفةٍ إيجابية وهي إلى السلبيةِ أقرب، لا بل هي السلبية بعينها!
شتت نظراتها بحدتها، ثمّ زفرت وهي تنظر لسلطان الذي أطال في بثّ أشواقهِ لأمه التي تتحاشى الحديث معه بكثرةٍ بحجةِ غضبها عليه، إلا أنها تراه رغم هذا الصدِّ يُمسك بكفها ويقبّلها بدلالٍ انساب من قبلاتهِ وكلماته، حتى جعلها في النهايةِ تبتسم ليضحكَ وهو يحتضنها.
تشنّجت ملامحها وهي تنظر لهما، وعيناها رقّتا بألمٍ ما. هل هي أمّه بالرضاع فعلًا؟ هل هذه المشاعر يبثها لأمٍ لم تلده؟؟ . . تلألأت عيناها وجفّ حلقها وهي تنظر إلى عناقهِ لها وتقبيلهُ لرأسها، تنظر لابتسامتهِ وابتسامتها، تنظر لعينيه اللتين تتلألٓان بمشاعرَ وسعادةٍ خاصة. كلّ هذا لأمٍ لم تلده! كلّ هذا لأمٍ لم يعِش معها كل لحظاتِ حياته!! وهي ماذا؟ لمَ لم تكن أمها كذلك؟ لمَ لم تكن أمها التي ولدتها كأمه التي أرضعته؟؟
شعرت بروحها تتألم، تتألم في لحظاتٍ لن يتوفر فيها دواءٌ يُسعفها، تختنق في لحظاتٍ لن يكون بعدها عودةٌ للأكسجين وستختنق للأبد، إنها تفتقد بورتريةً لن تتشكل ما عاشت.
ما عاد هناك ما يُنتظرُ واللوعةُ تقتلها، ما عادت ترويها الأماني التي انزوت في زاويةٍ تخصّها وفضّلت المكوث هناك، ما عاد هناك غيمةٌ تمشي فوقها، بصحبتها، تُظللها وتُمطر عليها ولو بذرّاتِ سعادة.
شعرت بغصتها تخنقها، ورأسها أطرقته بسرعةٍ حتى لا يظهر ألمها وحُزنها لأحد، حتى لا يظهر ضعفها الفعلي أمامهم، ساكنةٌ كانت في مكانها، كغصنٍ قاسٍ نهايته الكسر، كانحناءاتِ الزهرِ كل ما طال ساقها، وكَذا ستكون نهايتها فهي مهما طالت في تصنعها ما ليس بها تنحني روحها أكثر وأكثر.
اقتربت ام عناد من غزل وهي تبتسم لها برقة : يا حيّ مرة الغالي ، بسم الله ما شاء الله شهالزين؟
توترت من نبرتها وكلماتها، وقد كانت مُطرقةُ الرأس لا تنظر إليها، لم ترد وصوتها تبعثر برغبةٍ منها لأنها لا تريد الرد! أوليست هي من أقرّت قبل أن تأتي بالكثير؟؟
استنكرت ام عناد صمتها لكنها بعفويةٍ وحسن نية استدارت لسلطان الواقف عند الباب تهتف بابتسامة : شكل مرتك خجولة مرة!
ابتسم سلطان بهدوء وهو ذاته استنكر صمتها، وفي تلك الأثناء كانت سحابةٌ شقية ترتمي على سلطان ليفزع ويمسك بها كردةِ فعلٍ عكسية.
أحاطت غيداء ظهرهُ بغنجٍ وهي تهتف بدلال : سلطــاني
ابتسم سلطان ما إن استوعب عقله غيداء وفوضويتها المُدللة، وابتسامةُ ام عناد كانت مشاركةً له لتتحول لضحكةٍ خافتة ومن ثمّ تغادر المجلس. بينما أمسك سلطان بخصرها ليرفعها وهو يلفظ باسمها مُبتسمًا : غيداءتــي
ضرخت غيداء به وهي تضع كفيها على ساعديه : نزلني
سلطان بضحكة : على كم؟
غيداء ووجهها يحتد بحنق : قلت نزلني بتطيحني وبعدين بتعور!!
سلطان : ياااي يا الحساسة
ثمّ أنزلها لتضرب صدرهُ بكفها بقوةٍ وهي تتجهم بغضب : سامج
ضحك سلطان ثمّ انحنى ليُقبل وجنتيها ويضع كفه على رأسها : كيفك يا بعد سلطانك؟
ابتسمت غيداء بحبٍ له : بخير ومشتاقة لك .. تزوجت ونسيتنا هاه!
اتجهت عيناه عشوائيًا لغزل التي كانت بنفس الحالة لا تنظر لأحد، أناملها تعبث بثوبها الناعم، بشرودٍ استشعره في حركاتها العشوائية، وتناقض لون الثوب وبشرتها جعل منها امرأةً فاتنة، فاتنةً للحد الذي يجعل تأمل هيئتها كالنظرِ لبحرٍ عميقٍ في بداياتِ الفجر، في زرقةٍ كزرقةِ المكان، وفي وسطِ هذا البحر تسبح حوريةٌ سمراءَ بلباسٍ أبيض نقي.
رفعت غيداء إحدى حاجبيها بمكرٍ وهي توكزه بمرفقها ذراعه : أكلت البنت بعيونك
نظر إليها بسرعةٍ وتلك رفعت رأسها بعشوائيةٍ تنظر إليهِ بعد تلك الجملةِ التي أطلقت من تلك الطفلةِ التي لم تنتبه لتواجدها إلا الآن.
غيداء تفغر شفتيها وهي تنظر لغزل : واااو يحق لك تنسانا صراحة، أحد يترك هالجمال؟
ركلها سلطان في ساقها بخفة وهو يرفع إحدى حاحبيه : استحي على وجهك يا بنت
ابتعدت عنه وهي تتجهم : رِجل عوراء!!
ضحك سلطان على تعبيرها بينما اقتربت غيداء من غزل متجاهلةً ضحكات سلطان وهي تبتسم لها بدلالٍ طفولي : تصدقين احلويتي عن يوم الملكة
نظرت غزل في عيني غيداء ببرود، لا تذكر أنها رأتها من قبل ولا تذكر أنها لمحت ملامحها. اقتربت غيداء منها أكثر لتعانقها بعفويةِ عناقها لكل من هو قريبٌ منها، وبابتسامةٍ فرِحَة : ياااي مناسبين على بعض
سلطان بضحكة : من بدايتها طيّحت الميانة
كشّرت غزل من قُرب هذه المُتطفلةِ منها بهذا الشكل لتنتزع جسدها بعشوائيةٍ للخلف، ثم اغتصبت ابتسامةً مُتعالية وهي تنظر في غيداء التي فغرت شفتيها بصدمةٍ ثمّ قطّبت ملامحها بإحراج، وبصوتٍ رخيم : مشكورة من ذوقك
تراجعت غيداء وقد تبدّلت ملامح وجهها كليًا، وذاك اتسعت عيناه بصدمةٍ لردةِ فعلها، بينما ابتسمت غيداء باهتزازٍ تُداري احراجها وهي تهمس : بروح أساعد ماما
لتخرج من بعدها وعيني سلطان تتبعانها بتوقدِ نارٍ أحرقت زوايا ناظريه، لم يستوعب ما حدث منذ ثوانٍ، عفوية غيداء! وعجرفة زوجته الوقحة!!! كيف تتجرأ؟ كيف تتجرأ؟؟؟!
استدار بقوةٍ إلى غزل التي تشاغلت بهاتفها، يزمّ شفتيه بغضبٍ ليقترب أخيرًا منها وتلك قلبها بدأ بعزف سمفونياتِ خوفٍ لا تنقطع، عيناها تنظران لشاشةِ الهاتف باتساع الذعر في قلبها، وخطواته المقتربة كانت كمحفزٍ لهرمون الأدرينالين الذي بدأ بالإندفاع في جسدها بقوة.
وقف أمامها مباشرةً، ثمّ مدّ كفه ليُمسك بذقنها بقوةٍ ويرفع رأسها إليه، وبحدةٍ وهو ينظر لعينيها المشتتين في كل زاويةٍ بالغرفةِ عداه : تعرفين وش سويتي الحين؟؟
أغمضت عينيها للحظةٍ تُثبّط ارتباكَ قلبها، ثمّ فتحتهما وهي تتصنّع القوة في بريقهما : ايه عارفة
شدّ على أسنانهِ بحنقٍ ثم ترك ذقنها وهو يهتف بوعيد : بس شكلك منتِ عارفة النتائج!!
عضّت طرف شفتها وهي تنظر لوجهه بارتباك، بخوفٍ وهي تتوقع أن ترتفع كفهُ في أيّ لحظةٍ لتهبط على وجنتها. لم ترد عليه وهي تشعر أن قلبها سيتوقف الآن بعد هذا الجنونِ التي يواتيه، في نبضاتهِ كان أسرعَ من الخيل. إلا إنها وبالرغم من ذلك كانت تنظر له بنظراتٍ تُشبه نظراتها التي كانت في بداياتِ زواجهما، بعيدًا عن الخوف، بعيدًا عن الإرتباكِ والخشيةِ منه، حتى أنّه عقد حاجبيه وهو المعتاد على اهتزاز نظراتها في تصنّعها بالقوة.
لا يدري كم أثرت بها علاقته مع عائلته تلك، لا يدري أنها تتمنى لو كانت مكانه، تنعم بحضن أمها، بدلالها في الحديث معها. لو أنها على الأقل كان لها أختًا تشاركها أحزانها، تخفف عنها وتُنسيها قسوة والديهما. شعرت بعبرتها تخنقها، سبحت في أحلامها حتى قالت " والديهما " ولم تقل " والديها "، سبحت في أحلامها التي لم ولن تتحقق فهي مخلوقةٌ من التعاسة، فتاريخ ميلادها، وساعة ميلادها، والدقيقة التي ولدت فيها ... كلها هي ذاتها التي خُلقت فيه التعاسة وباتتا توأمتين لم يتشاركا الرحم ذاته. وُسمت التعاسة على جبينها وباتت ملتصقةً بها وإلى الأبد.
زفر سلطان بحدةٍ وهو يرفع اصبعه مُحذرًا : الحين تعتذرين منها سامعة؟ وحسك عينك تغلطين عليهم وهم ما غلطوا معك
نظرت إليه بشرٍ وهي تهمس بتساؤلٍ حاد : أعتذر لها!!
سلطان بحدة : إيه
غزل بتحدٍ وهي ترفع إحدى حاجبيها وتتناسى خوفها منه : احلم بهالشيء!!
شعر بالغضب يتدفق إليه بجرعاتٍ خارقة وهو يرى تحديها له، إنها لا تحسب حسابًا لكلماتها ضده، وهو على الأرجحِ قد تساهل معها كثيرًا!
أمسك بها من عضدها ورفعها لتقف، ثم هتف من بين أسنانه بغضب : ما بيصير لك طيب لو ما اعتذرتي ، إلا غيداء، سامعة؟ إلا غيداء ما أسمح لأحد يأذيها
لانت ملامحها وهي تشعر بالحزن يتغلغل أعماقها، هل هم الأخوة هكذا؟ هل هم الأخوة لا يسمحون بتضرر بعضهم؟ هل العلاقة الأخوية بهذا العمق الذي لم تتذوقه؟ يا الله! إنها لم تملك شيئًا قط! لم تحضى بشيءٍ بتاتًا وهي الفقيرة التي ظنّت أنّها بأموال والدها غنية. أنا الفقيرةُ إلى الحب، الفقيرةُ إلى الصداقة، الفقيرةُ إلى مشاعر تقتنصني من براري الوحدة، إنني الفقيرةُ إلى كل مقومات السعادة، والتي وقَعت في بئرٍ جافة. كُسرَ ظهري يا الله بفقرٍ تغلغل قلبي الذي جفّ وتهدل، تهشّمت الدنيا في عيني وباتت صورتها محطمة/نافدة.
لمَ لم تحظى بأخوةٍ من قبل؟ لمَ لم تُرزق بمن يُخفف عليها وطأة الأحزان؟ .. لم هي فقيرةٌ إلى هذا الحدِّ يا الله!!
ظهر الحزن في عينيها، الغضب، القهر، الفقر! ظهرت كلّ تلك الآفآت دون أن يظهر لهُ خوفها.
همست بعذابٍ وهي تنظر في عينيه بملامة : واللي عنده أخ، عادي يهين أحد ثاني عشانه؟؟
قطّب جبينه ويدهُ أطلقت عضدها عشوائيًا، ونظرةُ عينيها التي حملت العديد من المشاعرَ جعلت قلبه يلين قليلًا، جعلت عيناه ترقّان والحُزن في عينيها كقنبلةٍ تفتك بكل شيءٍ حولها، تفتك حتى بحدةِ عيناه وقسوةِ قلبه.
زفر وهو يغمض عينيه للحظة، ثمّ فتحمها لينظر إليها نظرةً اختلفت عما كانت قبل قليل، وبهدوء : أنا ما أهينك يا غزل ولا عمري بفكر بإهانتك ... بس أنتِ، أنتِ اللي تهينين روحك ولو إنه الإعتذار ما يعتبر إهانة
غزل بقهر : ماراح أعتذر ولو إني غلطت
سلطان يرفع إحدى حاجبيه : ومعترفة بغلطتك بعد؟
رفعت ذقنها بتعالٍ وهي تمحو نظرة الحُزن في عينيها بنظرةٍ مغرورة : غزل لو غلطت محد له الحق يحاسبها على غلطتها
سلطان وصوته يعود لحدته، حتى وجهه تشنّج بغضبه الذي عاد للإرتفاع بعد تواقحها : أنا لي الحق أحاسبك ، ويلا انقعلي واعتذري منها والا والله ما بيصير لك طيب
تصاعد انفعالها بجملته الأولى التي كانت كالنسيم الذي أشعل شرارةً كانت بها، شرارةً تولّدت بفعل " لي الحق " قديمًا والآن هاهي تلفظ منه! من سلطان!!
وضعت كفها على صدره في لحظةِ جنونٍ لتدفعه بحدةٍ برقت في نظراتها، ثم بنبرةٍ متحدية : لك الحق؟ هاه! لك الحق؟؟!
اشتعلت عيناه بغضبٍ وهو يرفع قبضته ليُمسك بيدها التي تمادت عليه، ووجهه احتدّ بدرجةٍ مُخيفةٍ بعثت في قلبها الخوف الذي تصاعد لعينيها هذه المرة!
سلطان يلفظ الكلمات من بين أسنانه : يدك هذي ... لو تنرفع علي مرة ثانية أكسرها .... فاهمة!!
ازدردت ريقها وهي تحاول سحب يدها من بين كفهِ القوية، وجهها كان إليه، لكنّ حدقتيها كانتا للأسفل. تكرهه! لكنها تكرهه أكثر حين يكون غاضبًا وقاسيًا.
سمع صوتَ أمه التي كانت تناديه، حينها ترك يدها ووجهه لازال متصلبًا بغضبه، ثمّ استدار عنها ليردّ بصوتٍ عالٍ كي يصلها : سمّي يمه
دخلت ام عناد في تلك اللحظةِ لتتوقف عند الباب وتهتف : عناد جاء .. روح له المجلس على ما نخلّص الغداء
أومأ لها وهو يغتصب ابتسامة، لتردّ له الإبتسامة وهي تقترب من غزل : معليش حبيبتي تركناك بروحك، بس انشغلت بالغداء شوي
سلطان بابتسامة : ما عليه يمه بتدخل معاكم المطبخ وماراح تكون بروحها
اتسعت عينا عزل ما إن سمعت كلماته، وتلك ابتسمت بإحراجٍ وهي تهتف : لا وشوله تدخل المطبخ! توها داخلة العايلة ما تعرفنا عليها كثير عشان نحشرها في المطبخ من بدايتها
سلطان : دامها من العايلة فهي بنتك ما يحتاج وقت
ام عناد بلطف : أكيد بنتي فما ودي أتعبها
ضحك سلطان بخفوت : لو تسمعك غيداء بتقوم الدنيا ولا تقعدها
ام عناد بضحكة : خلها تتعلم السنع للحين ما تعرف تسلق بيض زي الناس! لازم تترك المويا تجف وينحرق البيض كلّه!!
ضحك سلطان بقوةٍ وهو يتجه للباب ينوي الذهاب لمجلس الرجال عند عناد : بقول لها صدقيني
ضربته على كتفهِ بابتسامةٍ ما إن مرّ من جانبها : نمّام
اختفى عن عينيها وهو يضحك، بينما تلك كانت قد تيبّست في مكانها للحظاتٍ وشعورٌ غيرَ مُصنفٍ في قاموسها تدفّق إلى قلبها، قالت منذ ثوانٍ " بنتي "!! . . غابت عن العالم للحظاتٍ وهي تنظر للفراغ بعينٍ زائلة، لا تعلم ما الذي تشعر بهِ تحديدًا في هذه اللحظات، هل تزدرء قولها - بنتي -؟ أم أنها سعيدة؟ أم أنها مصدومةٌ لا غير!! لا تعرف، لا تعرف ما الذي تشعر به! لا تعرف ما الذي أصاب قلبها الذي ينقبض في هذه اللحظات، لا تعرف ما الذي أصاب معدتها التي التوت لتتألم، لا تعرف ما الذي أصاب عقلها الذي فقد التركيز، لا تعرف ما الذي أصاب عينيها . . . لمَ تبكيان؟!!
عيناها تبكيان! عيناها تذرفان الدمع في حضرةِ أحدٍ ما!! عيناها خانتا البند الأول والأخير في حياتها، " لا دموع أمام أحد "، لكنهما الآن تبكيان بفعل - بنتي -!! . . ألهذا الحد يتغلغل أثر كلمةٍ كهذه في قلبٍ لتذرف الدموع من عيونها؟ ألهذا الحد تكون كلمة مكونةً من أربعةِ أحرف ثقيلةً على مقلتيها لتبكي؟
مسحت دموعها بسرعةٍ دون أن ترفع رأسها لأم عناد التي اقتربت منها هاتفةً برقة : ما عليك منه حبيبتي أنتِ ارتاحي وبتجلس معك غيداء ... ماني متأخرة
رفعت رأسها إليها تنظر لها بضياع، ثمّ ابتسمت باهتزازٍ ولسانها انطلق دون إرداةٍ من عقلها : لا ماله داعي .. بدخل معاكم المطبخ
ام عناد : لا لا ارتاحي ما عليك من كلام سلطان
هزّت رأسها بالرفض مُصرّة : لا أبي أدخل وياكم تعبت من الجلسة
ابتسمت لها أم عناد وهي تومئ برأسها وتمشي لتتبعها غزل التي لا تدرك فعليًا لمَ أرادت أن تكون معهم وهي التي لا تجيد شيئًا في أعمال المطبخ، هي التي أقرت أنها " ستتغدى فيهم قبل لا يتعشوا فيها " . . إلا أنها الآن لم تشعر بنفسها إلا وهي مُنجرفةٌ إليهم، بهذا الشكل!!


,


تناول لقمةً من الأرز، ثم رفع عينيه لينظر لأمه التي تجلس أمامهُ مبتسمًا، إلا أن ابتسامته تلاشت وهو يراها لم تتناول شيئًا من طعامها، والتجاعيد فرضت نفسها بحدةٍ أكبر على جبينها.
وضع شاهين الملعقة وهو يقطب جبينه تلقائيًا بدوره، ثم بتساؤلٍ قلق : ليه ما تاكلين؟
رفعت نظرها إليه لتبتسم ببهوت، حينها ابتسم وهو يغمز لها : آه فهمت .. منتظرتني أأكلك هاه!
هزّت رأسها بالنفي وهي تدفع الصحن قليلًا عنها : لا حبيبي ، أنتِ كل بالعافية عليك
انعقد حاجبيه بشدةٍ وتلاشت ابتسامته، وبنبرةٍ مُستنكرة : ما ودك تاكلين؟
هزّت رأسها بالنفي وهي تبتسم : مالي نفس لوى فمه بضيقٍ ليدفع صحنه بدوره : أنا بعد انسدت نفسي
عُلا بحدة : شاهين! عن الدلع عاد
رفع شاهين كتفيهِ وهو يعيد ظهره للخلف ليسنده على ظهر الكُرسي، ثم بلا مبالاةٍ هتف : لازم أتدلع إذا تدلعتي أنتِ ... ودك آكل كلي أنتِ بعد
تأفأفت بقوةٍ وهي تقف، ثم هتفت بحدةِ الغضب : كيفك
تجعّد جبينه بشدةٍ والإستغراب يعلو وجهه وهو يراها تبتعد بمزاجٍ لا يراه بها عادةً، منذ جلس وهو يشعر أنها اليوم مُتعكرة المزاج، لا مُزاح ولا ضحك ولا دلالَ في كلماتٍ تُطلقها إليه. يُقلقهُ كثيرًا أن يرى أمها هكذا، لا يُرضيه أن تبتعد البسمة عن شفتيها وتضيق نظراتها، حزنه من حزنها، وفرحه من فرحها، كيف لا وهي أمه؟ كيف لا وهي روحه التي استحلّت جسده؟ كيف لا وهي الوحيدةُ التي تبقّت له؟ إنها جنته وناره، نبض قلبه فكيف يرضى بضيق قلبه وهو الذي سيموت بهذا الضيق؟
وقف ليتجه قاطعًا المسافة إلى غرفتها بخطواتٍ واسعة، ليدخل أخيرًا دون أن يطرق الباب الذي كان شبه مفتوحٍ من الأساس، حينها رآها جالسةً على سريرها مُنكسةَ الرأس تنظر للأرض بشرودٍ حزين، يا الله! من يُحزن هاتينِ العينين؟ من يخلعُ نظرة السعادةِ من عينيها الحنونتين ليحولهما لحزينتين؟ من " استرجى " على إحزان أمه؟ . . يقسم بكلّ أسماءِ الله وصفاته، بكل ما أحلّ على الإقسام به! لو كان من أحزنها إنسًا لخلع عينيه في هذه اللحظة.
تقدّم إليها ليجلس على الأرض أمامها، ثمّ وضع كفيه على ركبتيها لثوانٍ وهو ينظر لوجهها الحزين . . نظر لثوانٍ لعينيها اللتين اتجهتا إليه للحظة، ثمّ عادت لتنظر للأسفل إلى حُجرها. وفي لحظةٍ كانت إحدى كفيه ترتفع عن ركبتها وتُمسك بذقنها رافعًا وجهها قليلًا، هامسًا بصوتٍ حنون : ام متعب دايم راسها مرفوع
أسند ذقنه على ركبتيها برقةٍ وهو يُكمل وشبح ابتسامةٍ حنونة ارتسمت على شفتيه : لذلك لا عاد أشوفك تطالعين الأرض
ابتسمت له ببهوت، ثمّ رفعت إحدى كفيها لتخلخل بأناملها خصلات شعره، وهو أدار وجهه ليُريح وجنته على فخذيها، وقلبه وعقله وكلّ حواسهِ وما فيه يدركون أنها ستتحدث الآن من تلقاءِ نفسها، ولأنه المحتوي لها دائمًا وأبدًا، ولأنها المُحتويةُ له دائمًا وأبدًا، كان لابد أن تشكي لهُ ويشكي لها، تُعاتبه ويعاتبها، تمازحه ويُمازحها، هما اثنان ليس لهما إلى بعضيهما، على الأقل قبل أن تأتي أسيل. وكما توقع هاهي بدأت بالحديث بصوتٍ هامسٍ حزين : بتسافر
قطّب شاهين جبينه دون أن يرفع رأسه، وأناملها الحنون توقفت عن تمشيط شعره مُتخلخلةً لخصلاتهِ باستكان. تابعت بصوتٍ شابه الحزن والعجز : سوزان بتسافر
رفع رأسه بسرعة، ثمّ نظر في وجهها باستنكارٍ وهو الذي نسي أنه ليس وحيدها الذي تشكي إليه، ليس وحيدها الذي تتسلى معه بل هناك مخلوقةٌ كم يبغضها تشاركها به!!
أخفى حنقه وغيرته الغبية وهو يهتف باستنكارٍ أقرب للزمجرةِ وملامحه تعطّفت بحقد : هي قالت لك؟
لم تنته لنظراتِ الحقد في عينيه وهي تؤمئ برأسها، ثمّ هتفت بذات الصوت الحزين الذي ضاعف جرعاته لتزداد جرعات غيرته الطفولية التي لا تناسب رجلًا بالغًا : تقول بتسافر ، بعد زواجك بيومين ... وبتكون فيه ممرضة بدلها
تنفس بعمقٍ وهو يُحاول تعقّل الجنون الذي هاجمه فجأةً والذي استنكرهُ هو بنفسه، هل بالفعل يغار؟ وممن؟ من سوزان! وعلى أمه؟؟ لطالما كانت هذه الغيرة تظهر في أوقاتٍ قليلة، لكنها كافيةٌ لتظهر لنفسه مدى صغر عقله.
كشّر من أفكاره وهو ينظر لأمه يُحاول جعل صوتهِ متزنًا : طيب شصار يمه؟ خليها براحتها، صعب نجبرها على شيء ما تبيه وهي ماهي ملزومة بالقعدة!
عُلا بضيق : بس أنا تعودت عليها، وصارت مثل بنتي . . . صار لها هنا قرابة السنة وشلون بتعود على بعدها؟
شاهين بهدوءٍ ظاهري وهو يُمسك بكفيها بين كفيه : مثل ما تأقلمتي مع تواجدها راح تتأقلمين مع غيابها
علا : فيه فرق
شاهين بلطف : تقدرين تنهينَه
أردف وهو يبتسم لها بعد أن قبل كفيها بحُبٍ وحنانٍ بالغ : طيب وأسيل؟ نسيتيها؟؟!
رقّت ملامحها قليلًا عند ذاك الاسم الذي التصق بمتعب قبلًا وهاهو يلتصق بشاهين، ذاك الاسم الذي ترى فيه مالا تراه في أي اسم فهو الذي تعلّق بابنها الراحل وهاهو يتعلق بالآخر أيضًا، رائحةٌ قديمةٌ وحديثة، ذكرياتٌ جميلة تعلّقت به تُريد بأي ثمنٍ أن تكون صاحبةُ هذا الاسم بقربها. همست وقد تهدّج صوتها قليلًا : أكيد ما نسيتها .. بس بعد ما يقوى علي بُعد سوزان حبيبة قلبي
شاهين بابتسامةٍ وهو ينظر ليدها المُجعدة بين كفيها يُداعب أناملها : بس ما تقدرين يا يمه تمنعينها من حياتها عشان تكون قربك .. أنتِ نقدر نجيب لك ممرضة بدالها، ترعاك وتحنّ عليك وتكون زي بنتك مثلها تمامًا، بس هي ما تقدر، من لها بديل عن أهلها وبلدها؟!! فكري بواقعية يمه هي مو شيء ينباع وينشرى!
صمتت ولم ترد، وتنهيدةٌ مكبوتة انطلقت من صدرٍ مُثقلٍ بالكثير، من صدرٍ هاجمه الحُزن مرارًا ليبث الفرح والحنان بعطاءٍ كبير.
وقف شاهين ليُقبل جبينها، ثم هتف بمزاحٍ مُهددًا : ترى بقول لأسيل إنك ما تبينها ووقتها برري لها
رفعت نظراتها إليه لتبتسم ابتسامةً صغيرة، وهو بدورهِ ردّ لها الابتسامةَ بعطاءٍ هاتفًا : والحين يا ست علا بتقومين وتاكلين؟ ... ترى قطوك شاهين جوعان


,


طرقت باب غرفة فارس بهدوء، وفي عينيها بريق الحزن لم يختفي بعد، لم يردّ عليها لتطرق من جديد، إنه يتجاهلها، تدرك ذلك، لا يريد الحديث معها ولا مواجهتها، وكم آلمها ذلك جدًا، فهي المعتادة على فارس الذي يعبث بشعرها قبل أن يذهب إلى عمله، هي المعتادة على فارس الذي يجلس في الجهةِ المقابلة لها على طاولة الطعام، يمدّ قدمه ليوكز ساقها، ثمّ تنظر هي إليه لتبتسم بينما يرفع هو حاجبيه لها. لكنه اليوم لم يعبث بشعرها قبل أن يذهب، لم يوكز ساقها، لم يتلاعب بحاجبيه أمامها.
عضّت شفتيها وهي تفتح الباب حين تجاهلها تمامًا، يُدرك طرقاتها ويميّزها من بين أخوتها كلّهم، تُدرك هي أدراكهُ لهذا لذا هي تعلم أنه يتجاهلها دون سواها وهي التي لم تعتد تجاهله لها، لم تعتد قسوته عليها بحرمانها من دلاله.
حين دخلت وجدته جالسًا على سريره يتصفح كتابًا بين يديه، حتى دخولها تجاهله!!
جنان بصوتٍ باهت : فارس!
أدار رأسه إليها بهدوءٍ ليلفظ نظراتٍ باردةٍ إليها، وبهدوء : نعم
قطّبت جبينها وهي تقترب منه، حتى نظراته كانت قاسية، أقسى من تجاهله لها، أقسى حتى من صوته البارد الذي وصل إليها. جلست بجانبه على السريرِ وهي تُمسك بإحدى كفيه بين كفيها، ثم بعتاب : اليوم مهم يا فارس، أهم يوم بالنسبة لنا كلنا
تنهد فارس وهو يهتف لها بنفس الصوت الذي نخر عظامها بقسوته : والمطلوب!!
جنان برجاء : لا تكون كذا! أبوي اليوم محتاجنا، محتاجنا مع بعض، مثل كل يوم فلا تخذله!
تنهد فارس مرةً أخرى وهو ينظر لها ببعض الحدة : طيب شسوي فيك إذا كنتِ تنرفزين؟؟
زمّت شفتيها وهي تُطوّق عضدهُ بيديها، ثمّ أراحت رأسها على كتفهِ وهي تهمس بصوتٍ تجلّى بهِ الحزن : ما أقدر على زعلك ، ولا يهون علي بيوم ما تعوّر لي ساقي أو تخرّب عليْ شعري
أغمض عينيه للحظةٍ وقلبه يرقّ قليلًا لأميرته الصغيرة، قلبهُ الذي ما غضب مرةً عليها لأكثر من ساعتين، دائمًا ما تكون الكمال الأخوي له، والضحكةُ له حين يكون وجههُ متجهمًا عابسًا، فكيف لقلبهِ أن يغضب عليها لأكثرَ من عشر ساعات؟ كيف لقلبهِ أن يقسو عليها وصوتها الحزين والعاتب ينساب إلى أذنيه؟!
جنان تردف بعد موجةِ صمته الغيرَ مرغوبٍ بها : طيب وش تبي مني أسويه لك عشان ترضى؟ وأنا أوعدك أسوي أي شيء .. المهم أشوف فارس حبيبي ، مو اللي ساكت الحين
ارتسمت على شفتيه شبح ابتسامةٍ وهو يُميل رأسه قليلًا إلى رأسها المُستقر على كتفه، بصمتٍ وهو يستمتع بهذا التدليل منها بهدفِ إرضائهِ فقط. وقد غزته بعض الأفكار " النذلة " رغم أنّ قلبه الآن راضٍ عنها ولطالما كان قلبه يرضى عند أخطائها الصغيرةِ منها والكبيرة دون انتظارٍ لأمرِ عقله.
رفعت رأسها عن كتفه لتبتسم وهي تقرص وجنته : يلا فروسي قاعدة أذل نفسي عندك وبعدك ما رضيت؟ . . طيب ...
قاطعها دخول رامي دون أن يطرق الباب وهو يهتف بملل : أنتِ هنا وأنا أدور عليك؟ أبوي يبيك
زفرت بحنقٍ وهي تنظر له بشر : الحين هذا وقتك؟؟
رامي بمكر : قصدك الحين هذا وقت أبوي؟ * ركض خارجًا وهو يصرخ * والله إني قايل له اليوم
صرخت جنان وهي تقف لتركض خلفه : يا كذّاب يا نمّام
ضحكَ فارس بقوةٍ وهو يسمع ردّ رامي عليها بصوتٍ عالٍ وهو يدخل لغرفة ناصر : أنتِ اللي قلتِ ما كذبت


,


دخلت المطبخ وهي ترتدي ثوبًا طويلًا بلونٍ بنيٍ أشبه بعباءة، و " آيشارب " وضعته على كتفيها للحيطة إن دخل ياسر أو عبدالله!
هذه المرة كشفت شعرها وتمشّت في البيت دون أن تغطيه ليس لشيءٍ سوى لمحاولة إرضاء عبدالله الذي ترى في عينيه الضيق كلما رأى هذا التحفظ منها، وأيضًا ... محاولةٌ فاشلة للتكيّفٍ في بيئتها الجديدة، والإنسان إن لم يتكيف بهوياتهِ المتجددة وبئته المتغيرة كيف عساه يعيش؟ تحاول إقناع نفسها بذلك وهي التي تعدّ نفسها من الأموات! لم تكن تدرك قبلًا، ولا في أحلامها حتى أنها بهذا الضعف! بهذا اليأس الذي خلب حياتها، لم تكن تُدرك أنّها إنسانةٌ مُهتزّة الشخصية، تسقط بسرعةٍ وتهوى في دون قاع، لم تكن تُدرك أنها من بضع عقباتٍ ستتعرقل وتسقط دون أن تحاول النهوض حتى!
فتحت الثلاجة وحدقتيها تهتزّان بضعف، تزم شفتيها تُوقف ارتعاشهما استعدادًا للبكاء الذي بات مرافقها وصديقها، هي نفسها ملّت من ضعفها، تنظر لنفسها بعين الشفقة لأنها تُثيره! إنسانةٌ بائسة، تكسّر ساقها، بل قُطعت جذورها وانتهت! فماذا تنتظر بعد؟ ماذا تنتظر وهي التي تحاول إقناع نفسها بأنها ستستطيع لملمة نفسها ولو قليلًا عند أدهم؟! ماذا تنتظر وهي التي وضعت أمامها أنّ أدهم هو الذي سيُعيد هذه الجذور كما كانت؟ أدهم الذي تخلى عنها في المقابل وسلخها من حياته بكلّ بشاعة! أدهم الذي كان له من القسوة الكثير، كان بهِ من البرود ما جعل قلبه لا يهتزّ بها حتى! . . لكنّها بالرغم من ذلك لن تتوقف عن دهس كرامتها وستعود للمحاولة معه لتعيش عنده قسرًا إن لم يكن برضائه.
تناولت قنينة ماءٍ ثم أغلقت الثلاجة، تحرّكت تنوي الخروج، لكنها توقفت فجأةً وهي تنظر للواقفة أمامها، بعينٍ اشتعلت رغمًا عنها وخطوةٍ عادت للخلف، شدّت على القنينة بيدها وقلبها ينبض بعذابِ الألمِ الذي مازالت تتذوق مرارته إلى الآن، تتجرع حرارته التي تحرق جوفها، تحرق فمها قبل أن تصل إلى بلعومها، إنها اللعبة - الطفلة - التي لعبَت معها دور الأم، إنها اللعبة التي تسلّت بها لتشعر بأمومةٍ غير غريزيةٍ ستزول بالتأكيد، إنها ليست ابنتها الحقيقة، فما المعنى من إيذائها؟ هي ليست أمها الحقيقية، فما المانع من اللعب بها قليلًا؟ وتلك القلّة امتدت لسنوات، لاثنتانِ وعشرون عامًا عجافٍ على قلبٍ ظنّ أنه بنعيم استوى أخيرًا نقمة، على قلبٍ يرفرف بين عائلةٍ اقتربت من حدود الحقيقة لولا الإسم فقط! لولا الإسم الذي ينتهي دون لقبٍ لصدّقت أنها ابنتهم، لصدقت أنها بين عائلةٍ حقيقية وليست شبه حقيقية!
بينما كانت هالة تنظر إليها نظرةً تحمل الكثير، تحمل كثيرًا من الندم، كثيرًا من الرجاء، وكثيرًا من الحنان والحب!!
" يا شيخة! "، هل حبٌ أمومي يجيء مع تنكيلٍ بحي؟ هل خُلق حبٌ في هذه الأرض بتهشيمِ قلب؟ هل وُجدَ حبٌ وضع في قاموسه تمزيقَ الروح؟ وهل وجد حبٌ كان من بنوده تكسير نفس الإنسان إلى شظايا؟
زمّت شفتيها بعبرةٍ وهي تهمس بتحشرجٍ تصاعد مع موجاتها الصوتية : ابعدي شوي.
هالة بحزمٍ وهي تنظر لانحناءات وجهها بحزن : مو قبل ما أحكي معك
اهتزّت حدقتاها بحقدٍ وهي تنظر لوجهها بملامة : وش تحكين فيه؟ ما يكفيك اللي سويتيه؟
هالة بصوتٍ ثابتٍ جعل المثل القائل " شين وقواة عين " مطابقًا لها ليتقطّب جبين إلين بقهر : أنتِ منتِ فاهمة شيء ، منتِ عارفة شيء ... ما تعرفين نفسك كثر ما أعرفك لذلك لازم أحكي!
لم تُبالي لكلامها، لم تلتفت له حتى، ونزيف قلبها يتضاعف، جُفّ قلبها وتهدّل، جُفّت أوردتها وانكمشت، جفّ جسدها وباتت " جلدًا على عظم "، ألا ترى ما خلفته بها؟ ألا ترى ما أعلمتها هديل به : " نحفانة وصايرة جلد على عظم "
ألا ترى ما خلفته بها في فترةٍ وجيزةٍ كانت كقرن؟ ألا ترى كلّ هذا البؤس والمعاناة في عينيها؟ يا الله! كم لها من الجور لتُتابع الحديث معها بكل بجاحة؟ كم لها من الشرّ كي لا تهتزّ بما فعلت؟ أبوءُ لكَ بضعفي يا الله، أسعفني بالصبر، مدّني بالطاقةِ لأصبر أكثر ولا أصفعها بكلماتي وأنا التي كما قال فاروق جويدة - يئست من الصابرين -.
همست برجاءٍ وكفّها تشدّ على القنينةِ في يدها : اتركيني بحالي
هالة بإصرار : مو قبل لا تعرفين
أغمضت عينيها بقوةٍ تشدّ على أسنانها التي وطأت على الحروف فسحقت مخارجها : ما أبي أسمع ... اتركيني
هالة تقترب منها خطوةً وهي تهتف بعينٍ وصوتٍ ثابتين : قلت مو قبل ...
صرخت وهي تفتح عينيها وزجاج الصبر الرقيقِ الذي كان بينهما تحطّم وتحوّل لشظايـا : ما أبي أسمـع .. ما أبـــي أسمـــع ... اتركيني في حالي ما أبيــك ما أبي شوفتك


,


جالسٌ بكل أريحيةٍ يضع ساقًا على أخرى وعيناه متجهتان لهاتفهِ ينتظر قدوم سلطان، ابتسم ورفع رأسه ما إن سمع خطواته، ليتراءى أمامه سلطان المبتسم والذي ألقى السلامَ فور دخوله.
عناد بابتسامة : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ... تو ما نور البيت
اقترب بخطواتٍ متّزنةٍ إليه وهو يرد بغرور : معلومة قديمة
ضحك عناد بخفوتٍ ثم لفظ وابتسامته تكشف عن صف أسنانه اللؤلؤية : يا شيخ! تعال بس سلم على عمك
اقترب سلطان برحابة صدرٍ لينحني إليه ويقبل أنفه ثمّ جبينه باحترامٍ ومحبة، ثم ابتعد عنه وما إن كاد أن يجلس حتى هتف عناد بخشونة : لحظة ... نسيت كفوفي وركبتي
ضحك سلطان وهو يدفعه بخفةٍ وبالرغم من بساطةِ دفعهِ له إلا أن عناد سقط جانبًا ليستند على ذراعه في حين ارتختاءٍ من جسده.
سلطان : هههههههههههههههه نحفان والا وشو يا سمرون؟
اعتدل عناد في جلسته وهو يهتف بتكشيرة : غش ، ما كنت مركز معك
رفع سلطان كتفيه وهو يجلس مُسترخيًا : مو شغلي
عناد بوعيدٍ وهو يرفع إحدى حاجبيه : مردودة بس صبرك علي


في جهةٍ أخرى
دخلت المطبخ مع ام عناد، وعلى وجهها تعبير الغرابة، من نفسها قبل أن يكُون من تصرفها وانصياعها لعواطفها! هل جنت؟ هل فقدت عقلها لترقّ معهم ومن ثمّ يضربون ضربتهم!!
لا بأس، لتكن حذرةً فقط، وما إن تشعر بخطوةٍ منهم حتى تردّ قبل أن يضربوا ضربتهم. إنها في معركة، بالتأكيد هي في معركةٍ لابد لها فيها أن تحذر، هي في معركةٍ اعتادت دائمًا فيها الإستسلام وجعل من حولها يضدهدها ويسبيها، لكنها هذه المرة ستكون أكثر حذرًا.
ام عناد بابتسامةٍ وهي ترى غيداء تُديرهم ظهرها تُقطع السلطة : يمه غيداء ...
قاطعتها غيداء بتجهمٍ وهي تُقطع الجزر في آلةِ تقطيع الخضروات : تكفين يمه ما ودي أروح وأجلس معاها ... هالبنت ما تستحي
قطّبت غزل حاجبيها وقد هاجمها بعض الحرج إلا أنها أخفته، بينما ابتسمت ام عناد بتوترٍ وحرجٍ وهي تنظر لغزل : معليش يمه خليك منها هي لسانها من زمان متبري منها
استدارت غيداء بسرعةٍ وهي تفتح فمها بدهشةٍ لرؤية غزل، إلا أنها عبست وهي تعود لتصدّ عنهم دون أن تتحدث، فيما تنحنحت غزل وقدميها تحركتا لتقرتبا منها، دون أدنى أمرٍ من عقلها ودون أن تفكر حتى، بل إن عضلات قدميها تحرّكت دون أن تلجأ لعقلها، ودون أن تفكر في أمر سلطان لها بالإعتذار، لمَ لا تتناقض كما كل مرةٍ وتنظر ما سيحدث إن هي تعاملت معهم باللين؟!!
حسنًا هذه استراتيجيةٌ أخرى، بما أن ام سلطان قالت لها " ابنتي " وبما أن غيداء فرحت بها واحتضنتها في أول لقاءٍ بينهما لمَ لا تلين كتمويهٍ في البداية؟ لمَ لا تستخدم الخداع في الحرب؟ فإما أن يكونوا بالفعل كما تتمنى - وذلك مستحيل -، وإما أن يكونوا كغيرهم حينها ستوجه فوّهة المدفع إليهم.
وقفت بجانب غيداء ببعض التردد وهي تهمس باعتذارٍ غير مباشر : أنا ما أحب أحد يقرب مني .. ممم دايمًا مع صديقاتي لما وحدة منهم تحضني مباشرة أعطيها كف
أدارت غيداء إليها رأسها وهي ترفع حاجبًا بحقدٍ طفولي : ماني صديقتك أنا
غزل بإحراجٍ حقيقي : ولأنك منتِ صديقتي زين وقفت على هذيك الحركة
لوت غيداء فمها وهي تصدّ عنها وتُتابع عملها بينما ابتسمت أم عناد وهي تتجه للأرز الذي مازال على النار لتتفقده، تعرف ابنتها جيدًا وتعرف أنها خلال ثوانٍ ستبدأ بالحديث مع غزل بكامل عفويتها.


,


جلس أمام والدهِ بارتباكٍ واضح، كان أمجد يجلس في غرفةِ مكتبهِ على أريكةٍ جلدية بلونٍ بيجي، يضع ساقًا على أخرى وفي يدهً كوب قهوةٍ بينما كان هيثم أمامه يفصل بينهما طاولةٌ زجاجية تربّعت باستطالتها لتمنع احتكاكهما، يكفي احتكاك نظراتهما، ويكفي حدة هذه النظرات.
كان أمجد هو أول من تحدّث ببرودٍ يعاكس نظراته الحادة والقاسيةَ إليه : أولًا .. من وين جايب الكلام اللي قايله أمس لفارس؟!
ازداد اضطراب هيثم وهو يُدرك مقصدهُ جيدًا، لكنه تعمّد الصمت وهو يشتت نظراته عنه، حينها تنهد أمجد بهدوءٍ وهو يضع الكوب على الطاولةِ بقوةٍ جعلته ينتفض وينظر لوالده بقلقٍ وخوف، إن كانت الطاولة الزجاجية لم تُكسر فيكفي أن سكون قلبه قد كُسر وتناثر، وهو المدلل الذي اعتاد الحرية والإنطلاق دون قيود، هو الذي لم يكن والده ينظر إليه بكل هذه القسوةِ العارمة والحدة، السبب جنان، السبب في كلّ هذا هو جنان!!
أردف أمجد بحدةٍ وهو يشدد على الكلمات ليشدّ حبل الخوف على قلبهِ أكثر : قلت لك من وين جايب الكلام اللي قلته أمس؟
تلعثم هيثم وهو يتحدث مُشتتًا نظراته عنه : أي .. أي كلام؟
رفع أمجد إحدى حاجبيه وهو يميل بجسدهِ إلى الطاولةِ وكفاه على سطحها، وبخفوتٍ مُحذر : صح ، أي كلام؟؟ هو أنت تدري وش تهبب؟ تدري وش العاقبة طيب؟؟
بلل هيثم شفتيه بلسانه، ثمّ ازدرد ريقه يشعر أن حلقه قد جف وانتهى. بينما أمال أمجد رأسه قليلًا للجهةِ اليُسرى وهو يهتف وكأنه يُفكر بصوتٍ مسموع، نظراته المُخيفة كانت إلى عينيه المُضطربتين مباشرة : طايش، صايع، لعّاب، قدامي بصورة ومن وراي بصورة ثانية مُخزية ... مين كان يظن إن ولد أمجد بهالدناءة اللي تخليه يلعب ببنات الناس، ومين؟ بنت عمته!!
زمّ شفتيه وهو ينظر للأرض، وقبل أن تُبادر ذهنه أي فكرة كان صوت أمجد يخرج مندهشًا : آآه صح نسيت ... مو هي ماهي بنت عمتك مثل ما قلت ومثل ما قصدت؟؟!
أوكي .. أنت جنيت على نفسك
وقف بحدةٍ لترتفع نظرات هيثم المرعوبة إليه، ووجه أمجد الصارم كان مرعبًا لهُ بدرجةٍ مُريعة، يخترق جسده بنظراتهِ الحادة التي كانت بمثابةِ سيفٍ ينغرس به.
أتبع أمجد بحزمٍ وأمرٍ انبعث له كالصاعقة : رحلتك اليوم الساعة 10 للدمام، راح تعيش بهالفترة عند أمك اللي ما خربك الا دلعها لك وكأنك بزر ما تفرّق بين الصح والخطأ، وانسى بروكسيل لين ما أقرر أنا إنك تذكرها
وقف هيثم بصدمةٍ وعيناه تتسعان، عقابٌ قاسٍ من أبٍ يُدرك جيدًا تعلق ابنه بهذهِ المدينة التي عاش بها أغلب سنين حياته، لم يعتد العيش في الدمام بالرغم من محبته لأمه، لكنّه مُعتادٌ على الحياةِ هنا، مُعتادٌ على استنشاقِ هواء بروكسيل وهو كالسمكةِ سيموت بالتأكيد إن غادر موطنه دون رجعة!
انفرجت شفتاه وعيناه تتوسلانه : يبه تكفـ
قاطعه أمجد بحدة : اصصصص ولا كلمة .. على بالك اللعب على بنت عادي! وكونك في بلد غربي مُباح لك تغلط وتتعدى حدودك! أنت في النهاية أيش؟؟! خاف ربك بدل هالخوف من إنسان مثلك
عضّ هيثم شفته بقهرٍ وكلّ الحقد في قلبهِ تجلى على من كان السبب، بينما مشى أمجد بهدوءٍ بعكس ما خلّفه في ابنه مُتجهًا للباب : اليوم عملية ناصر ... كم ساعة وبطلع من البيت للمستشفى، والخدامة قلت لها تجهز شنطتك وأكيد قرّبت تخلّص.
بس والله والله يا هيثم لو أدري انك عصيتني لأحرمك من بروكسيل طول عمرك
رشق بكلماته تلك ومن ثمّ خرج ليُطبق الباب من خلفه بقوة، ولم يتنظر سوى ثانيتين، لحظتين اشتعلت فيهما عينيه نارًا وجحيمٌ تمركز في صدره.
ركل الطاولة الزجاجية بقوةٍ لتسقط وتتحطم لشظايا، وأسنانه وطأت على شفته السُفلى بقوةٍ بينما كان صدرهُ يرتفع ويهبط بجحيمٍ هوائيٍ تستنشقه أنفه ومن ثمّ ترشقهُ ملوثًا.
وبحدةٍ وحقدٍ همس من بين أسنانه متوعدًا : ودك أسافر؟ طيب .. ماعندي مانع ... بس والله لخلّي صورتي في عقل من كان السبب ما تنتسى ، والله لدفعك الثمن يا جنان بهاليوم!! وما أكون هيثم لو ما خليتك تبكين بدل الدموع دم!!


,


صراخها كان عاليًا بدرجةٍ كافية حتى يصل لمسامع من في البيت معهم، اقتربت منها هالة بصدمةٍ وهي تراها بدأت بالإنهيار ونحيبها ارتفع بينما غرق وجهها بدموعها في لحظةٍ واحدة.
تراجعت للخلف وهي تراها تقترب، صدرها يئن بوجعه، وقلبها ينزف بألمه، صوتها بُحّ بحشرجته، مُرتفعًا صارخًا ببحةٍ تكاد تُقسم هالة أن حبالها الصوتية ستُقطع لا محالة : ابعــدي .. ابعدي عني ، أنتِ السبب في كل شيء .. أنتِ السبب
ضيعتيني ، خليتيني أجهل نفسي ، خليتيني حتى روحها ما أعرفها
تصاعد القلق على وجه هالة وهي تقترب أكثر تحاول إمساكها وكلّ مافي نيتها هو زرعها في صدرها لتهدئة هذا الموج المنهار الذي أمامها، إلا أن إلين صرخت بنحيب وهي تغمض عينيها بعذاب : وخــري لا تقربين ... لا تلمسيني ما أبيك
دخل في ذلك الوقت عبدالله الذي كان لتوه عائدًا من عمله ومعه هديل التي فُجعت من صراخ إلين الذي وصل حتى لغرفتها.
صرخ عبدالله بغضب وهو يرى إلين تجلس على الأرضية الباردة بضعفٍ وانهيارٍ بينما كانت هالة تنوي السقوط إليها بإصرار : هــــــالـــــة!!
استدارت إليه لترمقه بنظراتٍ حادة، ثمّ عادت للنظر لإلين وهي تهمس برويةٍ جالسةً بجانبها : إلين حبيبتي ...
قاطعتها إلين وهي تُغطي وجهها بانهيار، وكل ما فيها يصرخ بوجع : ماني حبيبتك ، ولا بقلبك علي رحمة! الكلام ببلاش لا تتصنعين شيء ماهو فيك
سعلت بقوةٍ وحلقها يصرخ باستنجادٍ بعد موجات الصراخ تلك، ثمّ نظرت إليها بوجعٍ وهي التي تشرّب جسدها الوجع عبر مسماتها ليُصبح جزءً من دمها، من هرموناتها، من كلّ ما يكوّنها. والوجع ليس إلا دهونًا فائضةً عن الحاجة، يُتخم قلبها بالنزيف وعينيها بالدموع، يُسمنها بمشاعر سلبيةٍ فلمَ لم يكن لجسدها القدرة على طرده؟ لمَ كان جسدها ضعيفًا إلى هذا الحد الذي جعل مناعته مسلوبةٌ ضدّ الوجع، لا يستطيع طرده، لا يستطيع أيّ دواءٍ معالجتها منه، لا يستطيع أي مضادٍ تخليصها منه.
أتبعت وهي تقوّس شفتيها ببكاء، وخصلاتٌ من شعرها الناعم التصقت بدموعها : تظنين إنك كسبتي فيني أجر بهالرضاعة؟ تظنين إني بفرح يوم تعطيني عائلة حقيقة ومحارم حقيقين؟ . . أو كنتِ من البداية تبيني؟ مشتهية أكون بنتك؟ هاه! بس بعدها ندمتي صح؟ قلتِ وش فيني جنيت! وش فيه عقلي اختار وحدة لقيطة أخذتها من ميتم؟ وش فيها لحتى أعطيها شرف مشاركة عيالي بحليبي؟ * أكملت بأسى * هالبنت لقيطة، حتى اسمها ماهو اسمها، هالإسم منسلخ ومتبري منها فـ أيش أبي بوحدة زيها! ليه ألوث نفسي بإعطاءها الحق في مناداتي - يمه -؟
اقترب عبدالله منها وكلماتها تهزّ قلبه بشدة، عيناه ضاقتا وهو ينحني ليُمسك بكتفيها ويرفعها، وبحنان : إلين ...
قاطعته وهي تُنزل يديه عن كتفيها، ثم مسحت على أنفها وعينيها وهي تهتف بإصرار : بطلع ، هالمرة بطلع يا عمي ولا راح تمنعني .. وما عاد لي رجعة . . . ويا تعطيني الجوال أتصل أو أوقف تاكسي يوصلني ، وتراني عارفة البيت وين يعني بكل الحالات مافيه شيء يمنعني أروح له
اتسعت عينا عبدالله ببعض الحدة بينما اندفعت هالة بصدمةٍ وهي تهتف بتساؤلٍ قلق : بنتي إلين وين ...
رفعت إلين إصبعها إلى أنفها وهي تهزّ رأسها بالنفي مُقاطعةً لها بتحذير : لا .. هششش .. لا تغلطين على نفسك وتقولين لي يمه! لا تنزلين مستواك لمستوى لقيطة انتبهي! مستواك رفيع فحافظي عليه
أظلم وجه هالة بينما كانت هديل منزويةً عند الباب تُطالع ما يحدث بصدمة، لا تستوعب أن إلين وصلت إلى هذا الجنون في الحديث وهذا اليأس! قلبها ينبض بقوةٍ في صدرها ووجعٌ أصابها لما هي بهِ من ألمٍ ينبض في عينيها، لما هي بهِ من ضياعٍ ينتشر مع موجاتِ صوتها.
نظرت إلين إلى عبدالله وهي تبتسم له باهتزاز، ثمّ باختناق : ما ودك تعطيني؟ يعني أوقف لي تاكسي صح؟
لم يرد وهو ينظر إلى وجهها بحدةٍ تراها في عينيه وإن كان هناك ألمٌ عليها و" شفقة " !! .. لا ، لا تريد شفقةً منه، ولا من أي أحد، الشفقة داءٌ لا دواءَ له، الشفقة تظهر في لحظةٍ لتختفي في آنٍ ويظهر محلّها الندم، الشفقة شرٌ لابد من إمحاقه، لذا هي لا تريد شفقة أحد، لا تريد رحمة أحد ... لا تريد أي أحد! فليبتعدوا عنها وحسب، فليتركوها في شأنها!!
تحركت مبتعدةً عنه، تنوي بحنونٍ نهض في عقلها أن تذهب إليه، بقدميها!!

.

.

.

انــتــهــى

وموعدنا إن شاء الله بعد ثلاث أسابيع
تراني ملخبطة شوي في مواعيد الإمتحانات بس الأكيد إنه أول ما تنتهي الإمتحانات راح يكون عندكم بارت عن كل أسبوع أو بارت بطول ثلاث بارتات



ودمتم بخير / كَيــد !






fadi azar 29-12-14 02:00 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر القيد الثالث والعشرين
 
فصل رائع جدا

ترانيم الصبا 05-01-15 04:41 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
كيد ابدعتي ورايتك تستحق المتابعه اسلوبك جدا راقي وكتابتك ناضجه رغم ان البداية صادمة وقوية

سلطان وحياته الحزينه وقاتل ابوه يكتشف بعد سنين انه عمه ما اتوقع ان سليمان سواه الله لايبلانا
جيهان وانتحار امها ونفورها من ابوها حياتتهم صدمه ووتوجع القلب
اسيل موت خطيبها وزواجها من اخوه مأساه خلصو الرجال يعني بس مدري ليش احساسي يقول انه ما مات
ديما وسيف وش هالعيشه الي عايشينها ليش متحمله سيف من زين الخلق عشان تصبر يضرب الحب شو بيذل

كان ودي افصص ابطالك بس ودي اكمل قرأت البارتات وان شاء الله لي عوده بعليق مفصل بتوفق

كَيــدْ 13-01-15 08:09 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 









السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ()
مساءكم سعادة وراحة

اللي خلصوا امتحانات مبروكين وعساكم نجحتوا وارتحتوا يا رب
واللي للحين يكرف في الكتب الله يسهل عليكم وييسر لكم كل صعب.
الفرج قادم ومافيه شخص يتعب ويجتهد إلا ويحصد ثمار تعبه . . الله يسعدكم بالنتائج السّارة :$

المهم الحين :"" كان الود أخلي البارت بنفس ميعاده عشان اللي يخلصون يوم الخميس أولًا وعشان ما نلخبط المواعيد ثانيًا
بس طلعت عندي سفرة الخميس من حيث لا أحتسب، فبكون مشغولة وما راح يمديني أنزله
لذلك الجزئين راح ينزلون لكم قبل الميعاد
يوم الأربعاء تحديدًا :*

لكم محبتي ومودتي :$ انتظروني ()





bluemay 13-01-15 08:22 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الحمدلله على سلامتك

وربي يوفقك ويوفق الممتحنين كلهم

وبإنتظارك أكيد ..


لك ودي




°•○اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي○•°

كَيــدْ 14-01-15 02:48 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 





سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم سعادة وراحة بال
عساكم بصحة وسعادة من بعد كرف الإمتحانات :$
الله يوفق الجميع ويسعدكم بالنتائج المحمودة يارب


بسم الله نبدأ
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
بقلم : كَيــدْ !


لا تلهيكم عن العبادات




(27)






صعدَ ينوي الإتجاه إلى غرفتهِ بعد أن أنهى غداءه مع والدته وتركها تستريح في غرفتها. للعجبِ إنّ العمر في بعض الأحيان لا يُعطي المشاعر حقها، أو ربما المشاعر تستحلّ الإنسان وإن كانت طفوليةً وهو في الثلاثين!
تجهّمت ملامحه وهو يزفر بعمق، وماذا إن كان يغار على والدته؟ هل " انتهت الدنيا "؟
لوى زاوية شفتهِ السُفلى بأسنانه للداخل، ثم زفر للمرة الثانية وهو يهتف بحقد : وخير يعني؟ خلوني طفل اففف
توقف على بعد خطواتٍ من غرفته، ثمّ مرر لسانه على شفتيه وابتسم فجأةً وعقله يُقرر على قدميه الإتجاه للجهةِ الأخرى، وصورةٌ لامرأةٍ بهيةٍ تراقصت أمام عينيه، كلّ تفصيلٍ بها يستقر في مركز ذاكرته، كلّ ردّات فعلها المُضطربة يختزنها في عقله وقلبهِ وجسده! وعيناه تختزلان كلّ انتفاضاتِ قلبهِ لتُصيّرها انتفاضةً واحدة، واحدةً بحجمٍ لا يحتملها جسده فيسقطَ مغشيًا على انجذابهِ لها، أو ربما حبها؟!!
لا يهم! لم يعد الأمر مهمًا سواءً كان حبًا أم انجذابًا، يكفي أنه ينصهر بفعل حرارتها، ويكفي أنّها تنجرف بحيائها بفعل موجاته، يكفي أنه يشعر بالتكامل بها، ويكفي أنّ ابتداءه بات بها وانتهاءه إليها. والقصائد اهتزّ وزنها حين التقينا، لم تستوِي القوافي عند محجريْكِ يا أسيل، لم تستوي ولغة الضاد " عيّت تنصاع عند عيونِك "، تضيع الأحرف والكلمات وينتهي الشعر والنثر عندك، ينتهي التعبير وكل اللغات تضعُف فحولتها وتسقط، تسقط كما سقطت أنا من حيث لا أعلم، وبوقتٍ لم أدركه.
دفع باب الجناح الخاص بهما ببطء، الجناح الذي قارب على الإنتهاء والوقت لم يُسعفه ليختار الديكورات معها، لكنّه بالتأكيد سيجعلها تختار بعض الإضافات ليصبح جناحهما مشتركًا في لمستهما، ينبض بهما معًا. قطَع الصالة البيضاء أرضيتها وجُدرانها، والتي غلب على ديكورها اللون الخربزي وبعض التداخلات الذهبية ليشقّ طريقهُ إلى غرفة النوم، وضوءُ الشمس الذي كان يخترق النوافذ ليُهدي الغرفة إنارةً طبيعية جعل عيناه تبتسمان وهو يتخيّلها، تمشي للنافذةِ في بدايات الصباح لتُشرّعها سامحةً للضوءِ بالنفاذ، لكن هل عسى هذا الضوءُ أن يغلب ضوءها ونورها؟ هل عساه يتحداها أصلًا؟!!
اقترب من السريرِ ليرمي بجسدهِ عليه، ثم أغمض عينيه وهو يتنهد وابتسامةٌ زيّنت ملامحه، استنشق ذرات الهواء المُثقلةِ بدفء الشمس التي تجتاح هذه الغرفةَ بهمجيتها فارضةً نفسها على قلبِ الأرض كما فُرضت أنثى على قلبه وانتهى.
ودائمًا ما يُقال " وقع في الحُب " لا " مشى إليه "، ولأن الحُب حفرةٌ لا قاع لها كان لابد للإنسان أن يقع في هذه الحفرةِ دون خيارٍ آخر كالمشي إليها. لحظة! لمَ يتحدث عن الحُب الآن؟؟
قُطعت سلسلةُ أفكاره بهاتفه الذي اهتزّ برنينهِ في جيب بنطاله، لذا مدّ كفه ليدسّها في جيبهِ ثمّ أخرج الهاتف، وما إن رأى المُتصل حتى أشرقت ملامحه وهو يجلس بحدةِ اندفاع الأكسجين إلى رئتيه، بحدّةِ نبضاتهِ التي تسارع مدى ضجيجها. لقد اتصلت به! اتصلت بهِ في حين توقَع تجاهلها له.
ردّ عليها وهو يبلل شفتيه ويُوزن انفعالاته، ثم بصوتٍ مُشرق : صباح الظهر
ارتبكت هي من الجهةِ المُقابلة وهي تقف أمام مرآةِ التسريحة بعد أن كانت تنظر لانعكاس صورتها مطولًا، تُحاول بثّ القوةِ في نفسها لتستطيع الإتصال بهِ في حين تمنت العكس، لكنها وعدته، وعدته ولم تكن لتخلف بوعدها له. حتى انعكاس صورتها يبدو أقوى منها! بينما الجسدُ الأصلي كان واهنًا، جافًا مُتهدلًا، ميتًا حيًا كـ " زومبي " لا يعرف إلى أين يلجأ لأنه شبه ميتٍ في كل بقعةٍ في وطنه! لذا كان الأجدر بها أن تسافر حيث اللا أحد، حيث اللا وجود، حيث اللا مكان.
رطّبت شفتيها بلسانها وهي تنظُر لقدمها التي تتحرك في الأرض راسمةً نصف دائرة، وبهمس : مساء الخير
شاهين بابتسامة : صوتك حلو
احمرّت ملامحها وهي تعضّ زاوية شفتها السُفلى، وباضطراب : ما تعيش بدون غزل أنت؟
شاهين بفخر : المغازلة من أساسيات الحياة
اتسعت عيناها قليلًا بدهشةٍ وهي تهمس مُستنكرة : تغازل؟؟
ضحك وهو يعود لرمي جسده على فراشِ السرير الثخين والعاري دون مفرشه، والذي كان يحتفظ بالكيسِ الذي يُغلّفه : أول محاولاتي في المغازلة كانت في الروضة ، يومتها فيه زميلة صغنونة حلوة كنت أبي قلمها بس رفضت
التمعت عيناها بضَحِك، حاولت بأقصى جهدها ألا تضحك، لكن ضحكتها انسابت دون سيطرةٍ وهي تنطق باختناقِ الأحرف التي ضاعت بين موجات ضحكها : أيا اللي ما تستحي هههههههههههههههه
شاهين وعيناه تلتمعان لضحكتها الأشبه بغناءِ العصافير في مطلعِ الصباح، بصدًى لموسيقةٍ عذبةٍ لا تنتهي : أذكر يومتها تبت عن المغازلة بعد ما جبهتي طارت
وضعت كفها على فمها وملامحها تسترخي لتنتهي بابتسامةٍ صغيرةٍ مُشرقة تجيئُها من حيث لا تحتسبُ حينما يتحدث " باستهباله "، لم تكُن تعتقد، ولا في أعمق أحلامها أن رجلًا غير متعب قد تضحك معه وعلى كلماتٍ ينطقها وهي مُدركةٌ تمامًا أنه يريد بها إضحكاها وإظهار ابتسامتها لا غير، وهي بذلك تُقرّ أنّها لا تستحقه، تعلم ذلك وقد يعلم هو ذلك أيضًا، لكن لمَ يتجاهل هذه الحقيقة؟ لمَ لازال مُتمسكًا بامرأةٍ موبوءةٍ بحبٍ ذهب صاحبه ولم يذهب هو؟ إنها ليست سوى ورقة خريفٍ ذابلة، ذهبيتها مُغريةٌ للنظر، لكنها ميّتةٌ في النهاية فما المُميزُ فيها ليتمسك رجلٌ كشاهين بكمالهِ وميزته بها؟ . . هل هي مجرد مصلحةٍ كما أسلف؟ لأجل أمه فقط؟ أم أن الأمر أعمق كعمق نظراتهِ لها!!
عضّت شفتها وهي تتذكر ما قاله لها البارحة، لكم تخشى حبه أن يُصبح حقيقةً فيلسعها عذاب الضمير، وكم تخشى أن يُلسع هو بحبها فهي تعلم ما معنى الحب حين يكُون الطرف الآخر غير موجود، وهي التي انسلخت عن الوجود فكيفَ قد تُحب مخلوقًا حيًا وهي التي تعلقت بآخر؟
وصل إلى مسامعها صوته الهامس : وين راحت الحلوة؟ والصوت الحلو!
تحشرجت أنفاسها وصدرها يضطرب باضطراب تنفسها، بينما افترت شفتاها عن كلماتٍ راجية : شاهين خلاص، لا عاد تحكي بهالطريقة
بهتت ابتسامته قليلًا وهو يُدرك تمامًا مقصدها من كل هذا، وكيف عساه لا يدرك وهو الذي بات يفهمها في فترةٍ قصيرة؟ ولأنها كتابٌ مفتوحٌ تلفظ ما في صدرها بكل وقاحةٍ كان واجبًا على عقله أن يفهمها في أبسطِ حركةٍ منها حينَ تصمت. لن يُظهر ضيقه هذه المرة، لن يغضب ويُخاصمها لوقاحتها الغير مباشرة، لأمرها له بالسكوت لأنها لا تحب سماع مثل هذه الكلمات من رجلٍ غير .... عضّ شفتهُ بقوةٍ حتى كاد يُدميها، ثمّ حاول رسم ابتسامةٍ كانت مُهتزّةً بحجم اهتزاز صدرهِ في هذه الأثناء، وهاهو يتصنع الغباء ويُحوّر المعنى لآخر : لهالدرجة يعني تستحين؟!
عقدت حاجبيها بانزعاجٍ وهي تتحرك قليلًا لتجلس على كرسي التسريحة، ثم بهدوءٍ تحاول تحوير الموضوع من الجهةِ المُقابلة : ما ودك تحكي لي القصة؟
التوت ابتسامته للجهةِ اليُسرى ساخرةً وهو يردّ بلؤمٍ مُنتقِم : لا ما ينفع ، لازم نلتقي وجه لوجه وأحكيها لك
انسابت إلى أذنيه شهقتها الخافتة، بينما غطّى وجهها العجز الذي غلّف صوتها أيضًا : بس أنت قلت اتصل! .. و
لتصمت وهي تلوي فمها بضيق، رُبما لأنها أصبحت تعلم أنه حين يضع خروجها معه نُصب عينيه سيفعل! ولن يُفيد اعتراضها ولا مماطلتها، لن يفيد أمام عناد رغباتِه.
شاهين بمكرٍ يتشرّب يأسها : أمرِّك بعد العِشاء؟
أسيل بملامح ضاقت وصوتُها خرج منزعجًا، هذه المرة اليأس غلبَ اعتراضاتها وانتهى صوتُ الرفض، اتجهت حبال صوتُها للوداعةِ اليائسة وهي تهمس : طيب
ابتسم شاهين وعينيه ترقّان، ليس هذه المرة، انتهت فترة " رغمًا عنكِ " واضمحلت، تلاشت وباتت غبارًا، هذه المرة لن يُرغمها على الخروج معه بأي شكلٍ من الأشكال، اقترب موعد حفلة زواجهما فمن الأفضل أن يترك لها الوقت بعيدةً عنه كي يكون لها المجال لتُفكر وترضى، يُريد أن يبدأ معها بدايةً جيدة، بعيدةً عن الغصبِ والإرغام، بعيدةً عن عبوس ملامحها المقهورة، بعيدةً عن أهازيجِ صوتها المُعترض/الخائب/الضعيف.
ارتفعت زاويةُ فمهِ للجهةِ اليُسرى في ابتسامةٍ عابثة وهو يلفظ كلماته بهمسٍ خطِر : طيب اتفقنا ... وبعدين أنا ودي أوريك جناحنا وأعطيك مجال تكمّلين الألوان بذوقك
اتسعت عيناها من الجهةِ الأخرى وذاتها تتبعثر ويضيعُ منها الإلتئام، تتلعثم الكلماتُ في حنجرتها وتضيع، تنفد الإعتراضات في حنايا الضياع. كيف نسيت أنه سيأتي اليوم الذي تدخل فيه ذاك البيت مرةً أخرى بعد موت متعب؟ كيف نسيت أنها ستعودُ لتسكن هناك وليس فقط مجرد الزيارة؟ كيف نسيت أنّها ستكون في ذاتِ المكان الذي احتضن أنفاسهُ وموجاتِ صوتِـه؟ كيف نسيت أنّ رئتيها ستستنشقان ذراتِ هواءٍ وُجدت في نفس المكان الذي كان يُسعف رئتيه بالهواء؟ . . والأهم من كل هذا، كيف ستتأقلم؟ كيف ستتجاوز هذه الحقيقة لتعيش؟ كيف ستتأقلم في العيش بين جدارن ذاك البيت؟ كيف عساها تتأقلمُ لتُسعف شاهين بالإنصافِ وكلّ مافي ذاكَ البيتِ يُذكرها به؟
عضّت شفتها وعيناها غامتا بدموعٍ مأساوية، كل شيءٍ ضدها لتبقى تتذكره وتُزعج شاهين بعدم التناسي! كل شيءٍ يُذكرها بمتعب ليُعذّبها ضميرها بضيق شاهين، كل شيءٍ يهوَى ضيقه فما ذنبها هي يا الله؟ ماذنبها ليظلّ ضميرها يُعذبها ليل نهارٍ ولا يضِلُّ هذا العذاب عنها؟ . . وفي كِلا الحالتين هي تضِلُّ طريق الراحة وتمشي في إحدى الطُرق المتشعبةِ له، هي تضِلُّ الطريق الذي يجب عليها أن تسلكه ولا تصلُ للنهاية، لا تريد النسيان، بل التناسي فقط أمام شاهين، لا تهوى تعذيب غيرها وإن كان دون قصدٍ فماذا عساها تفعل؟ ماذا عساها تفعل وهي التي أُغلقت كلّ السُبلِ أمام وجهها وباتت لا تعرف من هي حتى؟ باتت تجهل المخرج الصحيح والقرار الصحيح.
إلهي! إنني لا أضِلُّ الطريق إلى الراحة وحسب، بل أنا أضلُّ الطريق إلى نفسي التي تاهت بين غبارٍ غيرِ مرئي، جعل مني غيرَ مرئية! إنني أضلُّ الطريق إلى ذاتي ولا أجدُ بُدًا من التقوقع بصمتٍ حول نفسي الضائعةِ وحسب، إنني أضلُّ الطريق وكلُّ الطرقِ كاذبة، كلّ الطرق وهميةً لن تصل بي سوى للـ - الوخز -
ضحكَ بخفوتٍ وهو لا يستشعر سوى صمتها، صمتها الذي هو أيضًا شديدُ العذوبةِ منها! وقد قام عقله بتفسير الأمور كما تفكر - تقريبًا - ولم يفهم أنهُ يُحشرج أنفاسها ليس فقط لأنها ستكون في البيت ذاتهُ معه، بل لأنها ستكون في البيتِ ذاته الذي عاش فيهِ متعب.
لفظ شاهين بضحكةٍ مُهدئًا : تطمني تطمني ياحلوتي ، الموضوع مجرد مزحة
لم يبدو على وجهها أي تعبيرٍ للراحةِ ورأسها مال قليلًا لليسارِ في تفكيرٍ جديٍ بعيدًا عن مزاحه، فهي بالفعل ستكون قريبًا معه، في البيت ذاته الذي جمع بعض المواقف بينها وبين متعب، في البيت ذاتِه الذي احتوى أنفاسِهم جميعًا. وكيف يطلُب منها التناسي قبل النسيان مع هذا الظرف الفضائحي؟ كيف يُريد منها أن تنسى وهي في مكانٍ يحمل طفولة متعب إلى موته؟


,


كانت تقف بجانب غيداء التي تصدّ بوجهها عنها ولم تلفظ بكلمةٍ بعد ما قالتهُ غزل، تنظر إليها بصمتٍ تبحث عن كلماتٍ تقولها، وبالرغم من شعورها بإحساسٍ سلبيٍ وهي تحاول بطريقةٍ ما فتح حديثٍ مع هذهِ الطفلة إلا أن شعورًا آخر بالراحةِ والرغبة كان يجتاحها. لن تخسر شيئًا بالمحاولة، فقط المحاولة، وإن لم تكسب شيئًا فستعود للفظاظة، حينها لن تشعر بالذنب أو يواتيها ذاك الشعور مرةً أخرى، شعورها بالحاجةِ لما رأته فيهم، شعورها بالرغبةِ للعيش في مُناخٍ كمناخهم، في تضاريسٍ كتضاريسهم، وإن كثرت التلال وطغت حرارةُ الصحراء إلا أن السهول ستكون شبهَ دائمةٍ على مدارِ الدهر ... هذا بالطبع ظاهريًا، وهي لم ترى سوى الظاهر، وكم جذبها حد الإعياء.
همست بلطفٍ وهي تنظر لما تفعله : أساعدك؟
غيداء دون أن تنظر إليها : مافيه داعي
قطّبت ملامحها في لحظةٍ لكنّها عادت لفردها بلطفٍ وهي تشعر أنّ عقلها يصرخ محتجًا على هذا الحال، يصرخ بالكبرياءِ المطعون أن تلفظ كلماتٍ دفاعيةٍ لهذا الأسلوب الذي تتلقاه من طفلةٍ لا غير! لكنّ قلبها الواهن والعطِش يصرخ من الجهةِ المُقابلة بصوتٍ أقوى محتاجًا لارتواءٍ يُعيد الخصب فيه، وبين هذا الشد والجذبِ كانت روحها المُتمزقةُ جافةً كقلبها، لذا كان صوت عقلها ضعيفًا، ضعيفًا بدرجةٍ لم يجذبها بتاتًا.
تحركت غيداء بعد أن أنهت تقطيع الخضروات لتتجه للطاولة وتضعها في الصحن الموضوع عليها، ومن ثمّ اتجهت للمغسلةِ لتغسل يدها.
تحدّثت دون أن تنظر لها، بصوتٍ فيه من التردد القليل : تعرفين تطبخين؟
ارتسمت شبه ابتسامةٍ على شفتيها دون أن تشعر وهي تُجيب ببساطة : وش عنك أنتِ؟
غيداء تهزّ كتفيها ومن ثمّ تستدير إليها : ما أعرف
اتسعت ابتسامة غزل بإشراقٍ وهي تُجيب بذات البساطة : أنا بعد
حينها ظهر الذهول على ملامح غيداء التي نظرت إليها لخمس ثوانٍ فقط، ومن ثم نظرت لأمها التي كانت واقفةً تتفقد الأرز، لتهتف بوجوم : شفتي!!!
استدارت ام عناد مُبتسمةً لتنطق لغزل بضحكة : عجبك؟ الحين بتلاقي الموضوع حجة
وضعت غيداء كفيها على خصرها لتهتف باعتراض : مالي شغل! يعني أنا اللي للحين ما تزوجت تجبريني أتعلم وغزل المتزوجة ما تعرف!!
ضحكت ام عناد بخفة : لو هي عندي كان علمتها
غيداء بحنق : المهم انها متزوجة وما تعرف، وهذي هي عايشة حياتها بدون كوارث مثل ما تقولين! وأنا اللي توني ما وصلت العشرين غصب أتعلم!!!
ضحكت ام عناد بشكلٍ أشد وهي تُدير رأسها عنها وتتجه للطاولة لتسحب احدى الكراسي وتجلس : ما علي من كلامك .. تتعلمين غصب عنك مالك شغل بالعالم والناس
لوَت غيداء فمها بحنقٍ وهي تسحب كرسيًا آخر لتجلس، بينما بقيَت غزل واقفةً مكانها تنظر إليهما، إلى حزمِ امها الذي تختبئُ الرقةُ خلفه، إلى شدّتها الحنونة. هل كانت أمها كذلك وهي التي لم تنتبه للرقةِ خلف قسوتها أم أن عينيها صادقتين؟ هل كان ما تراه في قسوةِ أمها خطأ؟ هل أخطأت في تمييز محبة أمها من عدمها؟ . . قطّبت جبينها وعقلها بدأ برسم الأعذار الواهيَة لعلّ قلبها ينشرح بذلك. لربما كانت تقسو لمصلحتها، لربما كانت شديدة البأس عليها لأنها فقط تحبها.
" إلهي بس! " . . هزّت رأسها بالنفي وهي تعضّ شفتها بحزنٍ وأسى، ما الذي تحاول إقناع نفسها به؟ ما الذي تُحاول زرعهُ في عقلها الذي تشرّب تلك القسوةَ وانفجر بألمهِ دون أن يكُون انفجاره ظاهريًا؟ ما الذي تريد نيله من تراهاتٍ لن تجلِب لقلبها سوى المزيد من الطعنات المسمومة؟ . . أمها كانت إحدى السكاكين التي طعنتها بنصلٍ مسموم، أمها كانت إحدى الأوبئة التي أصابتها دون أن يكُون لها دواء، أمها كانت فايروس ليس له مصل! فكم عليها أن تحتمل بعد؟ كم بقيت لها من الأيام لتعيشها وقلبها يتضخم بنزيفه الذي عاكس المنطق وتمركز للداخل دون أن يكون للخارج؟ كم بقي لها لتنتظر الموت وترتاح من هذه الدنيا؟ . . لكن هل سترتاح بالفعل؟
راقبتها عينان في تلك الثواني، عينان ملأها الإستنكار لهذهِ النظرةِ المُتألِمة في عينين كان من الأرجح أن تتشربا الفرح فتزدادان جمالًا، عينان التمعتا عطفًا وهي ترى مدى الحُزن في صبيّةٍ لم ترى الكثير من الدنيا بعد.
همست أم عناد بحنانٍ وهي تنظر لغزل التي غرقت واقفةً في بحرِ خلجاتها المُعذِّبة : يمه غزل
رمشت قليلًا قبل أن ترفع ناظريْها إليها لتتجلى نظرة الضياع عليهما، ثم بفتور : نعم
ام عناد بابتسامةٍ حنونة : تعالي حبيبتي اجلسي شفيك واقفة؟
تحركت بآليةٍ باتجاه الطاولةِ التي طافت حولها أربع كراسي من جهاتها الأربع، لتسحب الكُرسي الذي كان مُقابلًا لام عناد ومُجانبًا لغيداء.
أردفت أم عناد بلطفٍ وهي تتأمل لمعة عينيها الواهنة : كيفك مع سلطان؟
ابتسمت غزل باهتزاز : طيّبة
غيداء تندفع بكلماتٍ ساخرة : بس ثقيل طينة صح؟
لم تختلف ابتسامتها الباهتة وهي تهزّ رأسها بالنفي، بينما كانت ام عناد تقيّم ما تراه أمامها، تقيّم هذا الحُزن الذي يلتمع على محياها، تُحلل إنكسار نظراتها وحاجبيها مُنعقدانِ دون رضا، ما الذي قد يجعل فتاةً أقدمت على الزواج للتو حزينةً بهذه الدرجةِ المؤلمة، ما الذي يجعل فتاةً بهذا العمرِ مًنكسرة النظرات، مًنحنيةُ الإبتسامة؟ ما الذي قد يدفع هذا الغزال للحزن ومقوّمات السعادة تطُوف من حولها، أو ربما ذلك!

في المجلس
أعاد ظهره للخلف مُسترخيًا وهو يمطّ ذراعيه بكسل، ثمّ همس وهو مُغمض العينين : جوعاااان متى بيخلصون
ابتسم عناد وهو يتفقد الرسائل التي وصلته في هاتفه توًا : يعني أنت ما جيت الا عشان تعبي كرشك؟
فتح سلطان عينيه وهو يعتدل في جلسته وينظر إليه رافعًا إحدى حاجبيه بمكر : جيت وكلّي شوق لأكل أمي والا أنت ما جبت خبرك
عناد : طيب تعرف تاكل تراب؟
سلطان بتكشيرة : لا ما أعرف علمني
وضعَ عناد هاتفهُ جانبًا وهو ينظر إليه بهدوء : أنت شكلك جاي بمبزرتك اليوم وإلا هذي أثار الشوق؟
ابتسم سلطان وهو يرفع حاجبهُ الآخر بمكر : وراك اليوم مع الشوق؟
عناد يُجاريه بابتسامةٍ ويدندن : قتلني الشوق قتلني
سلطان : هههههههههههه تبيني أدوّر لك عروس تطفي هالشوق؟
عناد : أعوذ بالله! تبي تشتغل لي خطابة أنت؟
سلطان بضحكة : وأيش فيها؟ عشانك أكون مليون خطابة
حرّك عناد كفه في الهواء بنفورٍ وهو يهتف : لا حبيبي خلينا الزواج لأصحابه ما ودي أتزوج ، يا زين العزوبية بس والله يهنيكم في وجع راسكم
ضحك سلطان وهو يهزّ رأسه دون تصديق : إذا أنت تقول كذا ما ينلامون العزّاب اللي حولنا
عناد بأريحيةٍ يُعيد ظهره للخلف ويغمض عينيه مًتنهدًا : ما يحس بحلاة العزوبية إلا احنا .. مو بزران تزوّجوا وعمرهم سبعة وعشرين!
سلطان بتهديد يرفعُ حاجبًا : لمين قاعد ترمي هالكلام يا أخ؟
فتح عينيه وهو ينظر إليه مُبتسمًا ببراءة : أبد سلامتك
في تلك اللحظةِ رنّ هاتف سلطان مُفصحًا عن وصول رسالةٍ ليرفعه قبل أن يردّ عليه. ولم يستغرق الكثير حتى قطّب جبينه مُستنكرًا لما قرأه : بين الواحد والأربعة؟؟
عقد عناد حاجبيه وهو يقترب منه ليقرأ ما وصله هاتفًا بتساؤل : وش فيه؟
مطّ سلطان شفتيه وهو يمد الهاتف إليه هاتفًا باستنكار : رقم غريب وواحد قاعد يتسلى
تناول عناد الهاتف ليقرأ الرسالة بصوتٍ عالٍ وجبينه يزداد انقطابًا : " دوّر علي بين الواحد والأربعة " !! ... * رفع نظراته لسُلطان مُستنكرًا ليُردف * وش المقصود؟
سحب سلطان الهاتف ليردّ دون مبالاةٍ وهو يضع الهاتف جانبًا : ما عليك أكيد مزحة سامجة من بعض ربعي
هزّ عناد كتفيه وهو يعتدل بجلسته مبتعدًا قليلًا عنه، ثم سأل بهدوء وهي يُركز بنظراته على أصابعه التي كان يُفرقعها : خبري إنّك صاير ما تطلع كثير مع ربعك من بعد زواجك وشكلك ما صدقت على الله وغرقان بالعسل ... يحق لهم يعصبون ويمزحون معك بسماجة * ابتسم مازحًا ليُردف * والا عندك رأي ثاني؟
لم يسمع ردّ سلطان في الثواني الأولى، لذا رفع نظراته إليه وهو لا يزال يحتفظ بابتسامته، ليراه وقد أخذ هاتفه من جديدٍ يتطلع بشيءٍ ما بنظراتٍ اختلفت جذريًا عن عدم المبالاةِ السابقة، حينها تلاشت ابتسامته وهو يُقرّب رأسه إليه مُستفسرًا بقلق : وش فيه الحين بعد؟
سلطان بحيرةٍ وهو يبحث بين رسائله، دون أن يرفع نظراته إليه : لحظة! .. قبل كم يوم بعد جتني رسالة من رقم كمان غريب! * بلل شفتيه وهو يفتح الرسالة السابقة والتي كانت من رقمٍ آخر مُختلف * هذي!
عناد باستغراب : رقم مُختلف؟
سلطان باستنكارٍ يزداد بها انعقاد حاجبيه وتقطيبُ ملامحه : مختلف ... تهقى يكون من واحد من ربعي؟
انتشل الهاتف من يديهِ ليُدقق بالرسالةِ التي لم تحتوي إلا على حرفين " ست "، وبقراءته للمكتوب ازداد استغرابه، ليهمس بحيرة : ست؟ الرقم ستة؟؟
رفع عينيه قليلًا للرقم الذي كان غريبًا بدرجةٍ أثارت شكوكه، وعقله بدأ بالتساؤل، هل توجد دولةٌ تحمل هذا المفتاح؟ هل الأمرُ مجرد مزحةٍ بالفعل؟ ... ولمَ لم تجيء هاتين الرسالتين إلا لسلطان؟ وفي هذه المعمعةِ التي تحدث من حوله؟؟!
ثارت شكوكه حول هاتين الرسالتين التي لم تكن تحمل في مكنونها سوى لغزٍ يحتوي على الأرقامِ لا غير! من ثلاثةِ أرقامٍ مُختلفةٍ كان تكوينها يُثير القلق قبل الشك.
تناول هاتفهُ الموضوع بجانبه ليبدأ بتدوين الرقمين المُرسَلِ منهما وسلطان يراقبه والقلق هاجمه لانفعال عناد واهتمامه لهذا الموضوع . . هل يُعقل أن يكون الأمر مُتعلقًا بسلمان؟؟
احتدّت نظراته عند تلك الفكرة، ودون أن يشعر عضّ شفته بقوةٍ كادت تُدميها، والشعور يُغادرهُ تلقائيًا حين يُهاجم سلمان عقله، حين يهاجم خلجاته، حين يُهاجم ساعاتِه ولحظاته، وهو المُخترق للوقتِ والمتخلخل له بكل عنجهية، هو الذي فرض نفسه بين المكان واللا مكان، بين الزمان واللا زمان، بين عقلهِ وقلبه، في أواسطِ روحه، بين الحُب والكره! هو الذي فضّل التخلخل في البيْـنِ والإستقرار هناك، يتربّصُ بكل صمتٍ مُزعجٍ لا يُفسَّرُ ولا يُحلل، غيرُ متوقع! . . إنه الرجل الغيرَ قابلٍ للتنبؤ، المُتسلط على الناس بشكلٍ حيادي!
نظر لعناد الذي ناولهُ هاتفه بحدةٍ ليهتف بانفعال : أيش؟ لا تقول!!
عقد عناد حاجبيه وهو ينظر لسلطان بقلق، لكنّه ابتسم ابتسامةً خادعةً مُهتزّة وهو يهتف : وشو بعد؟ الأرقام واضح إنها ماهي سعودية، يمكن فواز قاعد يلعب عليك برقم ثاني ماهو له ولا هو بلجيكي! * أكمل بمزاح * أكيد ماخذه لناس أجنبية عن بلجيكا هناك وينتقم منك لأنك من تزوجت نسيت العالم
انخفضَ حاجبيْه بشكٍ وعدمُ الإطمئنان والتصديق كان بادٍ على وجهه بدرجةٍ واضحة، لذا أردف عناد وهو يرفع حاجبيه باستفسارٍ حادٍ يُبعد عقله عن نطاق الشكّ في الموضوع : خير؟ لا يكون شاك فيني؟ روح تأكد من ربعك والا من فواز . . أنا وش لي عشان أطلع لي رقم ماهو سعودي بس لهدف ألعب عليك؟ ... هه ، هذا اللي ناقص أضيّع وقتي في المبزرة
لوَى سلطان شفته وهو يرفعُ إحدى حاجبيه ناظرًا له بحدة، ثمّ هتف بترفّع : لك العزّة إذا وقتك ضاع عشاني


,


السقفُ بات مُغريًا للتأمل، جسدهُ مستوٍ على سريره. وعيناه مُتعلقتان بالأعلى في طقسٍ خاصٍ بمن تشرّبتهُ الوحدة واعتاد عليها، في طقسٍ بين إنسانٍ دائمًا ما يكون وحيدًا وبين الجمادات التي حوله، فقط! لا شريك آخر سوى الجدران والطاولات وكل ماهو ساكن، كل مالم يحتوي على روحٍ بعكسه، كل مالم يحتوي على مشاعرَ بعكسه، كل مالم يحتوي قلبًا ينزفُ قرونًا هي في أصلها يومٌ تجلّت الآلآم والخيبات فيه، تجلّت الآفات على روحهِ فيه، تجلّت دموعٌ خفيّةٌ تظهر إلى الداخل وليس للخارج! . . إنه يشذّ عن البشر في كلّ شيء، في وحدتِه بالرغم من كونهِ يُصاحب أناسًا - في أيامٍ معدودةٍ من كل شهر -، في دموعه التي تنجرفُ للداخل، في قلبهِ الذي ينزف بدلًا من أن يضخّ الدم لا أن ينزف به، في كوْنِ الجمادات مُغريةً لعينيْه حتى يتأملها.
ابتسم بأسى وهو ينظر للسقف بحُزن، ثمّ تمتم بكلماتٍ ساخرةٍ على حاله : حتى أنت بيجي يوم وتطيح علي بعد ما تمل من عيوني! صح؟
أغمض عينيه للحظةٍ ثم فتحها وهو يردف بسخريةٍ لاذعة : ليش ما ترد؟ .. اووه صح نسيت إني المجنون الوحيد اللي يكلم شيء ما عنده لسان يحكي فيه، الشخص الوحيد اللي ما عنده إنسان يحب يحكي معه فترة طويلة
صدّ برأسهِ للجهةِ اليُمنى وهو يزفر بضيقٍ تجلّى على ملامحهِ الحادة، وعينيه ضاقتا! ضاقتا بدرجةِ ضيق الدنيا أمامه، ضاقتا بحجم الضيق الذي يجتاح فوادَه، بعكسِ حجم السعادة في حياته، والتي كان حجمها - زيرو -! لا وزن/لا كمية/لا حجم، لا شيء! لا شيء!
لا شيء إطلاقًا. السعادة لم تتبرع له بالقليل منها، لم تتكرم عليْه بجزءٍ منها، بـ - شقفة - تُغنيه عن الكثير، لا يُريد الكثير بحجم ما يُريد القليل، ليس طماعًا، ليس طماعًا، سيَقْنَع بالقليل، لن يطمعَ فقد قالها الإمام الشافعي " العبدُ حرٌّ إن قَنع، والحرُّ عبدٌ إن طمع، فاقنعْ ولا تطمع فلا شيءٌ يشينُ سوى الطمع "! فماذا يُريد أكثر؟!
تنهد وهو يغمض عينيه وكفُّه اليُسرى مُستقرةٌ على صدره، وفي تلك اللحظة سمعت أذناه طرقًا خفيفًا على الباب، ومن ثمّ فتْحُه ليتظاهر بالنوم وهو يُدرك تمامًا من الطارق، يُدرك تمامًا أنها سهى التي ستتركه بسرعةٍ وتواجدها لن يزرع بهِ شيئًا سوى المزيدَ من الأسى والخيبة فور ذهابها. إلهي كم أنَا شقيٌ في هذه الدنيا، إلهي كم تلخّص الجنون في عقلي الذي تشرّب الخيبات حتى مات! إنني شقيٌ بحجم ما أودي بهِ من الأرواح في مأساةِ " هيروشيما "، شقيٌ بقوةِ أمواج " تسونامي "، بعددِ قطراتِ الدماءِ اللا معدودة التي ذُرفت على هذهِ الأرض ومُنذ قُتل هابيل على يدِ أخيه. إلهي كم من الصدمات تلزمني حتى أتجاوز الحُزن وأعتاد؟ كم من الآفآت تبقّت حتى يُصبح جسدي منيعًا؟ كم من العقبات تبقّت حتى أصلِ لنهاية الطريق وأموت؟ ... فأرتاح!
سمع خطواتها تقترب منه، ثمّ شعر بانخفاض السرير إثر جلوسها عليه، وفي تلك الأثناء كان لم يفتح عينيه ولا ينوي فتحهما في ضعفٍ أصابه، لا يُريد مواجهتها، لا يُريد النظر في عينيها ليرى إنعكاس وجهه البائس في حدقتيها، لا يُريد أن يرى في نطراتها رغبةً في الذهاب وهو الذي وعدَ نفسه أنه لن يُخاطر حين تذهب ويستغلّ إلين! ما ذنب تلك الفتاة لتكون عند شخصٍ لا مسؤولية لديه كما قال عبدالله؟ لا يُعتمد عليه، لا يُستند عليه فكيف عسى لفتاةٍ أن تكون في كنفه؟
نظرت سُهى لجفنيه اللتين كانتا تكشفانه، وحدقتيه من خلفهما تتحركان بوضوح. طفل! لازال طفلًا لا يعي الكثير، لازال طفلًا شقيًا حين يُخطئ يتهرب بأي طريقةٍ كانت كما يفعل الآن، لازال كما هو لم يتغير سوى قليلًا في مظهره، بينما لازال جوهرهُ هو ذاته، وإن تحلّى بصفاتٍ بعيدةٍ عنه.
تنهدت قبل أن تنحني لتوازي شفتيها أُذنيه، وعيناها تلألأتا حنانًا وهي تهمس لهُ بكلماتٍ رقيقة، ومن ثمّ قبّلت جفن عينهِ اليُسرى لتقف وتتجه للباب بخطواتٍ مُتزنة .... ومن ثمّ خرجت.
فتح عينيه اللتين غامتا بمشاعر عديدةٍ وهو ينظر باتجاه الباب، يسترجع كلماتها وإحساسها به، إحساسها بضيقهِ وما يختلج فكره، إحساسها بخوفهِ من ذهابها، من عودتِـه وحيدًا يعيش هاهنا بمفردة، يعيش بين جدران البيت وحيدًا لا يُشاركه سوى صوتِ الرياح، وضجيجِ الصمت!
" لا تخاف ، ماني تاركتك ، ماني مخليتك أقل شيء بهالوقت - تُكمل بصوتٍ حنونٍ مداعِب - لين ما تتزوج "


,


صوتُ خطواتها كقرعِ الطبولِ في إحدى - أعياد الموت -، تقطعُ المسافاتِ بخطواتٍ ثقيلةٍ على سمعها وصدرها المُثقل بجراحٍ عديدة كان يزن مئاتِ الأطنان، يزنُ مقدار الدموع التي ذرفتها سابقًا وهاهي تذرفها الآن بكرمٍ حاتمي/بضعفٍ مُخزي!
زمّت شفتيها وهي تفتح باب غرفتها، بقي الباب الأخير، فقط الأخير، وبعدها ستُنار الدنيا في عينيها أو يزداد ظلامها! لم يتبقى لها سوى هذا الحل فإن كان خطأً سترسب في آخر سؤالٍ لتفوز بالسعادة، ستترسب على بحرِ الموت! على بحرِ النفاد والإنتهاء، لن تكُون إلا خواءً أشدّ من الآن، لن تكُون إلا وردةً ذبُلت وانتهى فصُل جمالها، لن تكُون إلا قنديلًا فقد هيْبتهُ بذهابِ صعقاتِه، لن تكُون إلا أرضًا خصبةً استوت قاحلةً وانتهى اخضرارها ... لحظة! منذ متى كانت خصبة؟ منذ متى حملت الإخضرارَ تاجًا على رأسها وهي التي وُلدت قاحلةً وربما ستموتُ كذلك. هي التي ولدت على قشٍ لا غير فكيف لها أن تُصبح على عرشِ الخصبِ والإخضرارُ تاجها؟؟
تقوّست شفتاها وعيونها تلفظُ الدموع تباعًا، تلفظ ملحَ الحياةِ ولوْعة الأيام التي واجهتها، تُعزي ذاتها التي ماتت واستقرّت على نعشها.
وقفت أمام التسريحةِ لتضع كفيها على سطحها تضغطُ بقوةٍ احتبس بها الدمُ واحمّرت مفاصلها. ثمّ نظرت لانعكاس وجهها القمحي عبر المرآة، لعينيها الكئيبتان، لشفتيها المُمتلئتان وحجم وجهها الطفولي، لجمالها الذي لم يُسعفها بالرضا. دائمًا وأبدًا هي ترى نفسها ناقصة، دائمًا وأبدًا هي ترى أن الجمال ينقصها، والسعادةُ أيضًا كذلك، لم تكُن يومًا قنوعة، لم تقتنع يومًا بما هي فيه يا الله! حتى وإن تصنّعت الرضا إلا أنها لم تقتنع! . . تتراكم الآفاتُ والأمراض على قلبها الذي انتفض برغبةٍ عارمةٍ بالرضا ولم يطُلْه، تترسبُ الحمم على صدرها ليحترق! ويحترق معهُ كل ركنٍ في جسدها، كل جزءٍ منها. إنها واهنةٌ افتقدت القوةَ التي لم تكُن إلا - السعادة -، إنها ضعيفةٌ بالقدر الذي ذرفتهُ من الدموع.
مررت كفها على شعرها الذي طال إلى كتفيها لتشدّ على خصلاتها في النهايةِ وهي تُغمض عينيها وتعضّ على شفتها، تُميل رأسها للخلف قليلًا رافعةً وجهها للأعلى مُطلقةً آهةً مُتألمة بحجم الألم الذي ترعرع في قلبها.
دخل في ذاك الوقتِ عبدالله وعلى وجههِ حدةٌ تواجدت أيضًا في نبرةِ صوتها التي أُطلقت إليه ما إن رأته عبر المرآة : لا تمنعني! . . مافيه شخص بيقدر يمنعني بهاليوم
عبدالله بغضبٍ يُشتت نظراته هنا وهناك بكبت : ارتاحي الحين، صار اللي يرضيك ويريحك . . طلقت هالة وانتهينا!!
اتسعت عيناها بصدمةٍ وقلبها سقط في هوّةٍ لا نهاية لها والدُنيا تُعتم في عينيها، فغرت شفتيها تنظر إليه بصدمةٍ وهي لا استوعب. طلقها! طلق زوجته! وبسببها!!! طلّقها وقد كانت السبب! كانت السبب في تشتت عائلة، في تخريب بيتٍ كامل؟؟.
بينما أردف عبدالله بقسوةٍ دون أن يُهدِها الوقت لتستوعب القليل : مالك طلعة من هالبيت، هي الدنيا سايبة ومافيه قانون؟ أنتِ قانونيًا في كفالتي وأنا مسؤول عنك في كل شيء، وبيكون طلوعك من هنا كبير في حقي وحقك.
سقطت جالسةً على كُرسي التسريحة وعيناها خاويتان، تنظران للأرض بعدمِ استيعاب، كلماتهُ عبرتها دون العبورِ الفعلي! عبرتها دون أن تسمعها، دون أن تستوعبها، وكلّ ما يتأرجح في عقلها الآن هو " طلقْتَها "!!!!
ألهذهِ الدرجة؟ إلهذهِ الدرجةِ هي نُقطةٌ سوداءُ في صفحةِ هذه العائلة، ألهذا الحدّ وصل تأثيرها السلبي؟ . . الآن هي تُجزم، إنها زلزالٌ ضربَ هذا البيت في ثوانٍ ليُسوّيه بالأرض، إنها غُبارٌ لوّث هواء هذه العائلة النقي. هل خُلقت لتُصبح بؤسًا يقع على الناس؟ هل خُلقت لتكون السهْمَ المُحرك للتعاسةِ على من تريد؟ هل خلقت لتكُون فجوة! فجوةٌ يقع بها من لا يجب عليه الوقوع؟ فجوةٌ سوداءُ اختارت من لا يصحّ عليها الإختيار؟ . . كلّ من حولها كان أنقى، كلّ من حولها كان لا يستحق هذا، فلمَ فعلت كل ذلك؟ لمَ أجرمت في حقهم ونشرت السواد في حياتهم؟ لمَ تلبّست بثوبِ الملاكِ في أعينهم لتتمثل لهم بالشيطان في أرواحهم؟ لمَ أفسدت هذا الشمل وهي التي تُعظّم الشمل؟!
يا الله! لمَ صنعْتُ هذه الحُفرة وأنا التي تُدرك معنى - العائلة - أكثر من أي شخصٍ آخر؟ لمَ فعلتُ ما فعلتُ وأنا التي عظّمت هذه النعمة حدّ الإفتتان بها؟ إننا الأيتام نشعر بقيمةِ العائلة لأننا فقدناها، نشعر بها أكثر من أيِّ شخصٍ آخر. ونحنُ البشر لا نعظّمُ النعمة التي نملكها إلا إن فقدناها، فكيف فعلت ما فعلت بما عظّمت؟ كيف فعلت ما فعلت بما افتتنت؟ كيف كان بي كلّ تلك السادية حتى فعلت ذلك؟ لمْ يأتِ يومٌ شعرت فيه بالغيرة! لم يأتِ يومٌ حسدتهم فيه على ماهم به! أقسم بذلك، لم أحسدهم يومًا يا الله، لم أحسدهم، لم أحسدهم وأنا البعيدةُ عن ذلك والقريبةُ من الأسى على حالي، لقد تأسّيتُ فقط، تمنيتُ أن أحظى بما هم بهِ ولم أتمنى أن أنتشل ما يملكونه، صدقني يا إلهي لم يكُن ذلك مما دوّن في جدولِ شيمي، صدقني لم أقصد ذلك، لم أقصد ... تالله لم أقصد.


,


الرابعة مساءً
رائحةُ المعقمات كانت تخنقها، وبياض الجُدران كانت تراه في عينيها سوادًا، تلك هي رائحةُ المشفى الذي لم تشعر أنها تكرهها إلا اليوم، ذلك هو لون جدران هذا المكان الذي لم تشعر أن الراحةَ لن تنتمي إليه! . . تتوسل الله في هذا اليوم أن تُنار أضواءُ السعادة في عائلتها، تتوسلُ الله في هذا اليومِ أن تُفتح أبواب الراحةِ ولا تُغلق أبدًا، تتوسل الله أن يأتيها خبرٌ تتمناه كما لم تتمنى سواه.
أمسكت بكفِ والدها المُسجّى على السرير الأبيض وعيناها تبكيان، بينما ابتسم لها بعذوبةٍ وهو يهمس : قولي لا إله الا الله
ارتعشت شفتاها وهي تنظر لهُ بألم، ثمّ بهمسٍ موازٍ لهمسه : لا إله الا الله
ناصر بهدوئِه الذي يبعث الطمأنينة إلى قلبها : قولي توكلت على الله
ضحكت بخفوتٍ وهي تمسح عينيها : توكلت على الله ... قولها أنت طيب
ناصر : توكلت على الله ولا حول ولا قوة الا بالله ... طيب حطي يمينك على راسي وادعي لي بالشفاء
وضعت كفها اليُمنى على رأسه مُباشرةً لتلفظ بتوسلٍ يشُوبهُ نحيبُ البكاء : اللهم رب الناس ، أذهب البأس، أشفِ أنت الشافي، شفاءً لا يُغادره سقمًا
اللهم اشْفه وعافه ، وأبرِئْه من كل سقم ، وأتم عليه صحته ، وأَرجعه سالمًا غانمًا سليمًا معافى لأهله وأسرته
اتسعت ابتسامةُ ناصر وهو يهمس لها برقة : زاد تفاؤلي من بعد دعائِك
اقترب فارس منهما ليُمسك كتفيها ويجذبها إليه قليلًا هامسًا برقة : خلاص جنان خليهم ياخذونه لغرفة العمليات * نظر لوالدهِ مُبتسمًا * أنتِ ما تعرفين إن بو فارس بطل؟
ضحكت بخفوتٍ وسبابةُ يدها اليُمنى مستقرةٌ تحت عينها بعد أن كانت تمسح دموعها : إلا أكيد ... وأحلى بطل
اقتربت ممرضتان مع طبيبٍ رغبةً في أخذهِ لغرفةِ العمليات التي سيقطنُ فيها أربع ساعات، حينها تراجعت جنان للخلف وهي تشعر أن قلبها ينقبض بشعورٍ سلبي، تشعر أنّ روحها ممسوسةٌ وصدرُها موطوءٌ بجبلٍ عظيم، تختنق بأنفاسها التي رفضت أن تُسعف رئتيها بطبيعية، تتحشرش بدموعها وتتعثر بقلقها، لمَ تشعر بكل هذا الخوف؟؟!


,


دفعَ الباب بقوةٍ بعد ما وصل إليه من حديثِ الخادمة المتوارية خلف الباب، ووجهه تشرّب أعاصير الغضب بعد أن كان الهدوءُ مترسبًا عليه، متغلغلًا به، إلا أن الحديث الذي وصل إليه على لسان - بثينة - أثار جنونهُ المتعقل فيه.
ألَم يُحذرها من قبل؟ ألَم يكُن تحذيره كافٍ لتفهم جيدًا ما معنى أن تتحداه؟ ألا تدرك من هو سيفَ الآن وليس سيف السابق؟ يبدو أنها تدفعه لما لا يُريد اللجوءَ إليه، تدفعهُ للقوةِ التي لا يبتغيها الآن. حسنًا يا بثين، لكِ ما تريدين!
شهقت الخادمة بعد أن دخل بتهورٍ وألقى عليها نظراتهِ الغاضبة والتي أثارت الرعب في قلبها.
سيف بحدة : نادي بابا
الخادمة تهزّ رأسها بذعرٍ ومن ثمّ تهروِل متجهةً للداخل، بينما تراجع هو للخارج خلف الباب، تحسبًا كي لا يمرّ أحدٌ وهو واقفٌ بذاك الشكل في بيتهم. من الجيدِ أنه تبقى بهِ بعض الحكمِة كي لا يهجم على حصنها دفعةً واحدة. ومن بعدِ خطئـها ذاك، من بعدِ تهوّرها وحماقتها هذه، لن يندم إن أصبح بينهما " المحاكم "! لن يتوانى في أخذ زياد قسرًا إن هي منعته عنه، كانت طِيبةً منه أن تركهُ لها منذ البداية، بل كانت حماقة!
عضّ زاوية شفتهِ السُفلى وهو يهزّ ساقه بغضب، يعدّ الثواني إلى أن يجيء والد طليقته، يتجاوزُ الثانيةَ إلى الدقيقة، والدقيقة إلى ساعة في هذا الإنتظار الذي يرى بعينيه أنهُ طال.
وصل إليه والد بثينة بعد أن كاد صبرهُ ينفذ، وما إن رآه حتى ابتسم له وهو يرد على ترحيبه الطيّب باحترام. وبعد أن تفضّل داخلًا في المجلس بدأ في الحديث بهدوءٍ ظاهري : ممكن أحكي مع طليقتي شوي!


,


لتوهِ عاد من عمله حتى يُصعق بما سمع، هل ذهب من مكانٍ ليعُود لآخرَ اندلعت به النيران؟ هل غادر منطقةً جليديةً باردة ليعود وقد أُحيلت إلى بركانٍ ثائر؟ ما الذي حدث بالضبط؟ ما الذي خالج الجو الصقيعي في البيت ليُشعل النيران به.
نظر لهديل بحنقٍ وهو يهتف من بين أسنانه : أيش صار بالضبط وخلى أبوي يطلق أمي؟
هديل بصوتٍ متحشرجٍ ضايع : ما أدري ما أدري ، ما فهمت شيء! كانت تحكي مع إلين وفجأة ..
صمتت وهي تُغمض عينيها بقوةٍ والضياعُ يهاجمها، الضعفُ تخلخل مساماتها ببطشٍ لتنهار قدماها وتجلس على الأرض ودموعها تسقط مع سقوطها، لم تشعر يومًا بالضياع كما الآن وكما هذه اللحظات التي هي كالسيف يقطع الوقت ليُرديها في اللا زمان! لم تشعر يومًا أنها لن تكُون شيئًا حين تنفصل الرابطة التي جُلبت لهذا العالم عن طريقها، لم تشعر يومًا أنها يتيمة! إن الرابطة تموت، وهي بذلك تموت، إنّ والداها أمام فوهةٍ ستُطلَق منها القنبلةُ الأخيرة قريبًا، قريبًا جدًا، أو لربما قد أُطلقت وانتهى الأمر.
بكت بعد أن تيبّست دموعها في محجرْيها في تلك اللحظات، بكت هذه المُصيبة التي حلّت عليها والتشتت الذي بدأت تشعر به منذ الآن، بكت سنينًا كانت تنظر فيها لأُناسٍ عاشوا بين أبويين مُطلقين ولم تهتم، بكت اللحظات التي كانت فيها تسمع قصص العائلات المُشتتة ولم تشكر فيها الله على ماهي به. كانت تمتلك من الفسوق الكثير كي لا تشكر! كانت تمتلك من النقص الإيماني الكثير حتى نسيت ( واشكروني ولا تكفرون )!! فهل هذه عقوبةٌ لعدم شكرها؟ هل ما تشعر به الآن وما هي به نتيجةُ عدم الشكر!!!
انحنى إليها ليجلس مُستندًا على إحدى رُكبتيهِ وأصابع قدمهِ الأخرى، ويديه امتدتا ليُمسك بكتفيها قلقًا : هديــل!
هديل باختناقٍ تتخبّطُ بكلماتها وهي تمسح دمعاتها وترفع ناظريْها إليه : كانت إلين تبكي و .. وتصارخ! كانوا بروحهم في المطبخ وفجأة صارت إلين تقول بتطلع عند مدري مين .. أنا وأبوي جينا المطبخ على صوتها .... و ، وبعدها طلعت من المطبخ، وتهاوشوا أمي وأبوي شوي ....
عقد حاجبيه حين صمتت ليحثّها على المتابعة : ايه كملي ، وش صار بعدين؟
هديل بنحيب : ما أدري ما أدري ... تهاوشوا شوي وصار اللي صار بعدين
شدَ بقبضتيهِ على كتفيها وهو يهتف بانفعال : طيب وينها أمي؟
نظرت إليه ببهوتٍ وحاجبيها ينعقدان بغرابة : أمي؟
ياسر بحدةٍ وجبينه يتقطّب ليخرج صوته منفعلًا : ايه وينها؟ لا تكون طلعت!
هزّت رأسها بالنفي وهي تزدرد ريقها، تشعر أن حنجرتها باتت جافةً كما جفّ قلبها من شدّة حزنـه في تلك الساعات : خوفتني أكثر من اللي صار نفسه!
رفعت رأسها للأعلى تستنشق الأكسجين بعنف، ثم أخفضته وهي تمسح دموعها بكفيها لتُردف بصوتٍ تحشرجت بهِ الكلمات : تخيّل ما سوّت شيء من كثر صدمتها .. حتى طلعة من البيت ما طلعت! حبست نفسها بغرفتها وما عاد طلعت منها
اتسعت عيناه قليلًا مُستنكرًا ردة فعل أمه، كان من الطبيعي أن تغضب وتخرج من البيت مُباشرةً ولا تظلّ به، لكن ردّة فعلها أخافته! أخافته حتى من فكرةِ خروجها من البيت.
هتف ياسر بسرعة : ووينه أبوي الحين؟
هديل تهزّ كتفيها قبل أن ترد : طلع لغرفة إلين بعد اللي صار ، وشكله قالها كم كلمة تمنعها من خروجها وطلع لأني ما عاد شفته
عضّ شفته بقوةٍ وهو يقف ليتجه للأعلى مهرولًا، وكل ما خطر في عقله الآن هو أمرٌ واحد ... أمه!!


,


قطّب جبينه ينظر إليه باستنكارٍ بعد ما سمِع منه، ليبتسم الآخر بهدوءٍ وهو يلحَظُ استنكاره لهذا الطلب، ثمّ تقدّم بجسده للأمام قليلًا ليُردف بثقة : اعذرني يا عمي بس بنتك قاعدة تسلب حقي في ولدي! أنا لو ودي آخذه غصب عنها كنت بلجأ للمحاكم مباشرة وندخل في مليون باب! . . وبحسب الشرع زياد صار بعمر يسمح له بالإختيار بيننا، حتى لو كان متعوّد على امه أكثر مني والأرجح إنه بيختارها هي أنا أقدر أكُون خسيس وألعب على عقله وهذاني أقولها لك بدون أي تردد . . أقدر آخذه بكل سهولة بس ما ودي تصير الأمور بيننا كذا
لذلك الأفضل أوقفها من البداية عند حدها قبل لا أسوي شيء ما يرضيها . . أبي أحكي وياها مع تواجدك طبعًا
تنهد والد بثينة وهو ينظر إليه دونَ تعبيرٍ مقروء، دون تفسيرٍ اتضح على ملامحهِ الهادئة بطبيعتها، ثمّ لبث ثوانٍ قليلة، ينظر فيها لعيني سيف الواثق ليتمتم بعدها بكلماتٍ ما ومن ثمّ يقف خارجًا من المجلس.

اتسعت عيناها وشهقةٌ عاليةٌ انسابت من بين شفتيها وهي تنظر لوالدها دون استيعاب.
ما الذي سمعته للتو؟ ما الذي لفظ بهِ والدها الآن؟ تُقابل سيف؟ تتحدث معه؟
شعرت بقلبها يهوي بذعرٍ وهي تفكر بما سيقولهُ لها، لكن هل عساه يتجرأ ويهددها أمام والدها؟
بثينة بذعر : أنت شتقول يبه؟ أكلمه؟؟؟
أومأ عبدالعزيز بهدوءٍ ليلفظ : تطمني أكيد بكون وياك ... البسي عبايتك وتعالي
عضت شفتها بقوةٍ وهي تُمسك بذراعِ والدها مذعورة، سيأخذه! سيأخذ زياد منها، سيأخذ روحها منها كما أخبرها قبلًا، حذرها سابقًا من أن تفعل أمرًا خاطئًا لتشوّه فكر زياد عنه أو تمنعه منه وهاهي تجاهلت تحذيرهُ ليأتيها! هاهي لم تُهدي الأمر بالًا ليجيء سيف بكل جرأةٍ ويطلب الحديث معها، ليُهددها أو ربما يُخبرها برفع قضية حضانة زياد ... أمام والدها!!!
إلهي! سيقتلع روحها! سيُمزق قلبها، إلا هو، إلا ابنها، إلا زيـاد الذي تخلّت عن أمورٍ عديدة لأجله، فكم من رجلٍ تقدّم إليها ورفضته؟ وكم من فرصٍ للزواج جاءتها لتغضّ طرفها عنها لأجله، فقط لأجلهِ فلا تجعله يأخذه مني يا الله، لا تجعله يقتلعُ حياتي من جذورها ويقذفني في صحراءٍ خاوية/جافة، لا تجعله يا الله يخنق أنفاسي بأخذه مني. إنه ابني، ابني أنـا فقط، روحي فكيف لجسدي أن يحيا دون روح؟!
تقوّست شفتاها وهي تهمس بعذابٍ ودموعها بدأت بالإنهمار دون انتظار : لا تخليه ياخذه، الله يخليك يبه زياد لـي أنا! لا تخليه ياخذه مني
قطّب والدها جبينه، ثمّ تنهد وهو يضع كفهُ على كفها المُتشبثةِ بذراعه، وبصوتٍ مُطمْئِن : تطمني .. ما أظنه بياخذه منك وهذا واضح من كلامه ... بس في النهاية أنتِ قاعدة تغلطين لما تحرمينه من حقه
بثينة بذعرٍ وهي تهزّ رأسها بالنفي وصوتها الباكي والواهن يعبر من بين شفتيها بعذاب : والله ما أحرمه .. خلاص ماراح أحرمه منه بس لا ياخذه ... الله يخليك لا ياخذه
أومأ والدها مُطمئنًا : ماراح ياخذه إن شاء الله . . أنتِ بس البسي عبايتك والحقيني
بثينة بذعر : ألحقك؟؟
والدها بتروي : أيوا خلينا نشوف وش عنده ... وبعدين منتِ خايفة ترفضين الحين وياخذه عناد؟
انتفضت وهي تتراجع للخلف تزدرد ريقها بتوترٍ عظيم، تتلعثم بكلماتها التي أضاعت الأحرفُ المُكونةُ لها مخارجها : جايـة .. خلاص جايـة

كان يجلس مُنتظرًا، جالسًا يهزّ ساقهُ وعلى ملامحه تعبيرٌ هادئٌ مموِّهٌ لا غير، بينما هو في داخله يُحاول زعزعة الأعاصير دون أدنى فائدة، اليوم سيضعُ حدًا لوقاحتها، اليومَ سينتهي من - وجع الرأسِ - هذا ويعلمها درسًا من الواضح أنها لم تتعلمه في الفقه، وهاهو سُلّط عليها ليُعلمها إياه بطريقةٍ لا يفهمها إلا الحمقى المُتمردين.
سمعَ صوتَ خطواتٍ ليرفع ناظريْه وهو يدرك تمامًا من الذي جاء، دون من يريد! عضّ زاوية شفته السُفلى بحنقٍ وهو يرفع إحدى حاجبيْه سائلًا : ما ودها تقابلني؟
جلس والد بثينة ليزفر بخشونةٍ ثمّ ينظر إليهِ بهدوء : جايـــة

.

.

.

يتبع في الجزء الثامن والعشرين
طبعًا بحطه لكم بعد ما أصحى من نومي :$
تركيزي صاير شبه زيرو فبكمل موقف بالأول وأنام
وبعد ما أصحى براجعه وأنزّله لكم ()


تحياتي.



ابنة الحظ 14-01-15 04:08 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
يعطيك العافيه كيد ، وكالعاده بارت مميز و يحكي الكثير بين ابطالنا ، ننتظرك وخذي راحتك عزيزتي ، وحنا معك ....... دمتي لنا

كَيــدْ 14-01-15 07:43 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




(28)




الوقتُ لا يمشي في حلقة! لا يعتبر الدائرةَ دربًا، فالدائرة لها بدايةٌ حين تُرسم فقط، وليس لها نهاية! الدائرةُ شكلٌ حين تُرمق لا يكُون لها لا نهايةٌ ولا بداية، شكلٌ هندسيٌّ مُقلقٌ كدورتها الدموية المضطربة. وبالرغم من إدراكها لذلك، إلا أنها تمنّت في لحظة خائنة، في لحظةٍ عابرة، لو كان الوقت يسلك دربًا مُنحنيًا كالدائرة، لو كان الوقتُ يعبرُ دائريًا لعاد! لعادَ وغلّف ساعات الوقتِ الذاهب بالندم، لكانت استطاعت تغيير مستقبلها بعد هذا الندم، وهذه حكمةٌ إلهيةٌ أن الوقت يمشي مُستقيمًا.
نعم، فالوقت يمشي مستقيمًا، يُغلّف الإنسان بالندم حين يُخطئ، وبتمني رجوعه حين يسعد في لحظاتٍ ما.
وكما تتمنى في لحظاتها هذه وهي تشقّ خطواتها نحو المجلس، أسنانها تطِئ على شفتها السُفلى وقبضتيها مشدودتين، لو أن الوقت يعود قليلًا فقط لكانت سمحت لزياد بالخروج مع والده! لكان هذا الرعب الذي يواتيها الآن ابتعد عنها وأطلقها، وبما أن سيف يطلُب مقابلتها فهي هاهنا في خطر! قُرب ابنها منها في خطر!!
إن سيف يُدرك، كما يُدرك كل من حولها أن زياد هو الأكسجين في حياتها، أنّ زياد هو الدم الذي يجري في عروقها فإن انساب عنها سيُصيبها الشحوبُ وتموت!
وقفت أمام باب المجلس لدقائق وهي تتنبؤ بما سيحدث في الدقائق القادمة، سيقول زياد أصبح لي، سيقول انقشعي عن هذا الوجود، سيقول انتهت فترة حضانتكِ له وسيأتي الآن لي . . سيقول ويقول ويقول، وتبقى هي تهوى دون روح!
أليس هو الذي عاش أربعَ سنين بعيدًا عن ابنه ولم يهتزّ له جفنْ؟ أليس هو الذي تزوّج وأكمل حياته بينما هي فضّلت المكوث دونَ زواجٍ آخر لأجل زياد فقط؟ . . مُعادلةٌ سهلةُ الحل، الحقُّ لها فيه وليس له، الحق أن يكون زياد لها فقط. كفّتها راجحة، والعدل أن يبقى زياد في كنفها، والظلم كل الظلم إن انتشله منها.
استنشقت ذرّات الأكسجين من حولها إلى رئتيها اللتين تتأكسدان بمرارةِ كلّ ما يعبر جسدها، ثمّ رفعت قبضتها المُتكوّمة لتضرب الباب وهي تتشبث بعباءتها بكفها الأخرى.
نهض والدها ما إن سمع صوت ضرباتها على الباب، بينما التوت ابتسامةُ سيف في الخفاء، بمكرٍ وهو الذي ينوي في هذه اللحظات أن يُهدي إليها " قرصة أذن "!
فتح والدها الباب ليهمس لها ببضع كلماتٍ ومن ثم دخلت بهدوءٍ ظاهري لا يعكس اختلاجاتها في هذه الأثناءِ وهي تمشي بجواره، إلى أن جلست في النهاية ووالدها يجلس بجانبها وهي تنظر لأنامل يديها اللاتي استقرت على فخذيها تتشبث بعباءتها اضطرابًا.
وضعَ ساقًا على أخرى وابتسامتهُ تشقُّ طريقها في ملامحه، وما إن فتحَ فمه ليتحدث حتى شنّت عاصفةٌ صغيرة هجومها على المجلس ليستدير لجهةِ الباب الذي فُتح بقوةٍ ويتراءى لهُ زياد راكضًا إليه.
لم يستوعب شيئًا وهو يشعر بهِ في أحضانه، يبكي مُمرغًا وجهه في صدرهِ ليتبلل ثوبُه بدموعه، بينما وقفت بثينة من الجهةِ المُقابلةِ مُتسعة العينين غيرَ مُصدقة، ألم يكن مع جود؟؟
سيف يُبعده عنه قليلًا ينظر لوجهه الطفولي بملامح متفاجئة، يرفع إحدى كفيه ليُزيح شعره الأجعد الكثيف عن وجهه، هامسًا بحنانٍ ولطف : افا يا الذيب؟ أنا ما علمتك إن الأبطال ما يبكون؟
عاد زياد ليتشبّث بثوبه ويدفن وجهه في صدره، وبصوتٍ طفولي باكٍ : أبي أروح معاك . . ماما تضربني
تقطّبت ملامحه بشدةِ صدمته وهو يرفع رأسه تلقائيًا لبثينة التي كانت ما تزال واقفةً في مكانها، يُرسل إليها نظراتٍ بالرغم من مقدار الصدمةِ بها إلّا أن الغضب كان يتجلى بصورةٍ مُرعبة، مرعبةٍ للغاية كسهامٍ نارية تُطلقُ إليها!
عضّت شفتها اللتين ارتعشتا، ونظراتها تشتت هنا وهناك، ليس الآن! لمَ دخل؟ لمَ دخل الآن؟ . . أغمضت عينيها بقوّةٍ تُحارب دمعها الذي أراد عبور مقلتيها، بالتأكيد سيجعل هذا الضرب ذريعةً ليأخذه، بالتأكيد سيتهمها بالقسوة . . . فتحت عينيها وشفتيها تهتزان، تنظر لزياد الذي كان يجلس على حُجره دافنًا وجهه في صدرهِ يشتكي إليه، وهي التي ما ضربتهُ يومًا إلا حين تخافُ ابتعاده أو تخشى عليه، واليوم ضربتهُ ضربًا - لم يكن مُبرحًا - لأنه عارض حين منعته من الخروج مع والده، وهاهو ذاك الضرب يقف الآن بينها وبينه، يقفُ كالحاحز الخشبي قد يدوم وقد لا يدوم، قد يكُون الأثر الأخير قبل ابتعادهِ وقد لا يكون، وكم تتمنى في هذه اللحظات لو أن الوقت كان بالفعل يسير في حلقة، وما التمني إلا غبار!
وضع سيف كفهُ على رأس زياد يُخلخل أناملهُ بين خصلاتِ شعره، وبحدّة النظرات التي كان يوجهها إليها هتف : تضربينه؟؟
عضّت باطن خدها وهي تُدير وجهها للجهةِ اليُسرى من جسدها، قلبها ينبض بشدة، صدرها يرتفع بانفعالاتِ الهواء حولها، بانفعالات الموجات الصوتية التي تصلُ أذنيها، صوتُ تلك الإنقباضات بين أضلعها. إلهي إنّ الزمن يتوقف عند عيني زياد، يتوقف لأتأملها بنشوةِ الأمومة التي تتغلغل قلبي، إنّ عيناي لا ترتويان إلا عند ناظريْه، إنّ الحياةَ لا تعبرني بحلوها إلا معهُ فلا تجعله يسلبُ مني هذه النشوة يا الله، لا تجعله يسلب مني الملذةَ الوحيدة التي تبقّت لي في هذه الدنيا وكل الملذات زائلةٌ عند عينيْه، كلّ الملذات تنتهي عنده كما تبتدئ به.
وقف والدها الذي احتدّت نظراتهُ المُوجهةِ لسيف، وبصوتٍ حمل هدوءً عاصفًا : خلاص سيف! مالك صلاح تتكلم معاها بهالطريقة، قلنا تتفاهم معها في أحقيتك بولدك مو تحاسبها
زمّ شفتيه وهو ينظر إليه بحدةٍ لم يستطع قمعها، وصلابةُ نظراتهِ وصوته كانت بعكس تكوينها الرخو في هذه الأثناء، تكوينها الذي انقلب رأسًا على عقِب حين تعلق الأمر بزياد، تخاف أن تتحدث، أن تًعارض، أن تتطلق صوتها المتمرد فينتشله أبدًا، تخاف أن تفكّ لجام لسانها الذي قُيّد في هذه الأثناء فتتقيّدَ بحزنٍ أبد العُمر.
نظرت لزياد المُحتضن لوالدهِ بوجعٍ ثقبَ عينيها ليعبرهما كلّ شعورٍ سلبيٍ في هذه اللحظاتً التي توقف عندها الزمن وتعثّر، كتعثر صوتها، كتعثر كلماتها، كتعثر صلابتها . . دون نهوضٍ يتبعه!
هتف سيف بحنقٍ وهو يُحاول كبت انفعالاته أمام والدها الذي لم يكُن سهلًا عليه أن يُقلل من احترامه برفع صوته : بس ياعمي هو ولدي مثل ماهو ولدها! من يوم ولد وأنا ما تجرأت أمد يدي عليه، ولأنه ولدي لي الحق أحاسب كل شخص يضربه وأقتنع بالسبب! * وجه نظراته الحادة إلى بثينة ليُردف باستفسارٍ مُستنكر * أقنعيني ليه ضربتيه!
شتت نظراتها وهي تزمّ شفتيها المُرتعشتين، تستنشق الأكسجين بهرولةِ الحُمرة إلى وجهها الذي احتقن بضعفها وخوفها في لحظاتٍ كان قلبها ينبض فيها بقوّة، وأظافرها تكاد تخترق باطن كفها التي احمرّت بشدّة ضغطها عليها.
التوت ابتسامةُ سيف بسخريةٍ وازدراء وهو يلفظ بحاجبٍ ارتفع بارتفاع غضبهِ وهو الذي يكاد يُجزم ما السبب! : لأنه بغى يطلع معاي وزعل لما منعتيه!
فغرَت شفتيها ليعبر الهواءُ البارد إلى جوفها عبر فمها، ونظراتها اتجهت تلقائيًا إليه ليتجلى الرعبُ والضعف في عينيها ويصلهُ هذا الشعور الصريح عبر فتحة نقابها.
ارتفع حاجبه الآخر وروحٌ شيطانيةٌ داخلهُ نهضت ليشعر بالتشفي والنشوة لتلك النظرات المصفوعةُ بالضعف، لتلك النظراتِ الموسومةُ بضعف الأمومةِ وذعرها من الفقد، ولم يكُن هو الإنسان المُتسامح والمثالي ليشعر بالأسف عليها، لم يكُن الإنسان المُتقاضي عن الماضي حتى يمسحه بابتسامةٍ ويتجاوز، لم يكُن الإنسان الذي نهض بعد تعثّره بالماضي ولن يكون! لن يكُون وهو الذي بحجم ما عانى سابقًا منها لازال يُعاني! . . مازال يُعاني في طبيعةِ علاقتهِ الحالية مع ديما، في طبيعةِ علاقته مع ابنه. لذا كان حُريًا عليه أن يتحلّى بتلك الروحِ الشيطانية وينتقم لنفسه ولو قليلًا.
أزاح نظراته عنها ليوجهها إلى زياد، وابتسامةُ شرٍ تجلّت على شفتيه وهو يهمس لهُ بصوتٍ مسموعٍ حنون : شرايك تجي تنام عندي اليوم؟
رفع زياد وجهه المُنتفخ ببكائـه إليه، ولم يكُن صعبًا عليه أن يستشعر التردد في عينيه بعد ما فعلته ديما به، لذا توسّعت ابتسامتهُ وهو يهمس مُطمئنًا : لا تخاف أبوك البطل معك وأي شخص بيقول لبطلي الصغير شيء بضربه مباشرة ... شرايك؟؟
اتسعت ابتسامةُ زياد، وتلك تهاوى قلبها وعيناها تتسعان بذعرٍ ورفض، ترقرقت الدموع على سطحهما في حين نظرةٍ من سيف الذي شعر بنشوتهِ تتضاعف، برضًا عظيمٍ يُغلّف قلبه، هذهِ هي نقطة ضعفها الوحيدة، زياد وفقده، زياد وابتعاده، زياد وشعورها الأمومي نحوَه، وهو الذي لا يستصعب التحلي بصفاتٍ - حقيرةٍ - حتى يرى هذه النظرة في عينيها ودموعها، حتى ينتشي بانتصارهِ عليها وإن كان بطرقٍ لا تُشرّف!!
اقتربت بثينة من والدها لتتشبث بذراعهِ بقوّةِ الوجع الذي يتغلغلُ روحها في هذه الأثناء، لينظر إليها بنظرةٍ خاطفة ومن ثمّ يعود للنظر إلى سيف، وبحدة : سيف . . ما كان هذا كلامك!!
رفع سيف حاجبًا وهو يهتف بجمودٍ بينما أنامله تتخلخل خصلات شعر ابنه : سوّيت شيء غلط؟ . . أمس كنا متفقين إن زياد ينام عندي، بس صار شيء خلاني أرجعه لأمه ... أجرمت الحين لأني أبي أعوّض أمس باليوم وأنتو اللي وافقتوا قبل؟؟
عضّت بثينة شفتها بقوةٍ وهي تُضاعف تشبّثها بثوبِ والدها، ولسانها فكّ انعقاده لينطلق دونَ شعورٍ بصوتٍ مُهتزّ : وبترجعه؟
ارتفعت إحدى زوايا شفتيه بلؤم : إذا بتضربينه مرة ثانية ما أظن!
اندفعت بقوةٍ لتهتف بانكسار : أنا ما أضربه أصلًا إلا لو غلط
سيف ببساطة : وأنا قلت اضحكي له لو غلط؟ . . وكأنك تقولين إنّ زياد أجرم يوم بغى أبوه!
اُبتلعت كلماتها في جوفها لتتشتت نظراتها عنه، لذا تنهد وهو يضع زياد أرضًا ليقف مُبتسمًا : عن إذنكم
تحرك قليلًا ينوي الخروج وهو يُمسك بكفِ زياد الصغيرة، لكنّه توقف فجأةً ليُدير رأسه ناظرًا لوالد بثينة بابتسامةٍ لطيفة : طبعًا سكوت بثينة معناه في النهاية موافقة . . أتمنى ما تعتبرني وقح


,


توقف عند الباب للحظاتٍ وهو يزفر الهواء السلبي من رئتيه، ينظر للمقبض مطولًا بتفكيرٍ عقيم. ما الذي ينتظره؟ ما الذي ينتظره كي لا يدخل وينظر لحالة أمه؟ ما الذي يجعله يتردد الآن ويدخل؟ هل يخشى رؤية انكسارها؟ هل يخشى رؤيةَ دموع والدته؟ وكيف لا يخشى ودموعُ العزيز دائمًا ما تكون محطّ وجعٍ عند الآخر، فكيف إن كانت هذه الدموعُ لأمه؟ كيف إن كانت لمن تُسمى في أغلب هواتف الأبناء - ست الحبايب -؟
اجتذب أنفاسهُ بعنف، ثمّ وضع كفّه على مقبض الباب ليُديره، لكنّه فُتح من الطرف الآخر لتنسحب كفهُ تلقائيًا، وتتسع عينيه صدمةً برؤيته لأبيه! . . ما الذي جاء به؟؟؟
همس ياسر دون استيعاب : يبه!!
زفر عبدالله وهو يُغمض عينيه بإرهاق، ثمّ تحرك ليُغلق الباب من خلفه وهو يهمس بهدوء : تطمن . . تفاهمت معها ورجعتها
ازداد اتساع عينيه بغرابة، هكذا بكل بساطة؟ هكذا جرَت الأمور وأرجعها لعصمته؟ دون تدخلٍ منه ودون أيّ شيء آخر؟
كان صعبًا عليْه أن يستوعب كلماته، لذا هتف دون تصديق : رجعتها؟ بكامل إرداتك؟؟
مسَح عبدالله ملامحه بكفه، ثم زفر لينظر في عيني ياسر بهدوء : ايه بكامل إرادتي . . سواءً طلبتوا أو لا أنا وهالة عشرة عمر حتى لو غلطت ما أقدر أستسهل الطلاق في النهاية
تراجع ياسر للخلف مُقطَّب الجبين، ليهمس بحرقةٍ رغم رضاه بعودتها إليْه : ما تستسهل الطلاق؟ ما تستسهله وأنت اللي من كم ساعة راميه عليها ومقلل من قدرها؟
صمت عبدالله للحظاتٍ دونَ تعبيرٍ مقروءٍ على ملامحه، والقهر يشتعل في صدرِ ياسر من فكرة أن والدهُ استهان بعلاقته مع والدته في لحظةٍ ما، في لحظةٍ غير عابرة، في لحظةٍ كانت لحظةَ غضب! حتى وإن كانت كذلك، الأمر في النهاية يعني أنّ الغضب يجعله يستهين بالطلاق إلى هذا الحد! يستهين بعشرةِ العُمر كما يقول!!
هتف عبدالله بهدوءٍ يعكس خلجات عينيه دون نبضات قلبه، يعكس الكلمات التي استقرّ الهدوءُ بها في غيرِ موضعه، بكل بساطة : كانت لحظة غضب!!
اهتزّت شفتاه ووجهه يتغلّف بالنفور لهذا المبدأ، إن كانت لحظات الغضب تخوّل لصاحبها كل أمرٍ مُهوّلٍ فهذه مصيبة! إن كانت لحظات الغضب تُهدي العذر لمن يخطئ فالوضع أصبح غيرَ مُطَمئنٍ في هذا البيت!
لمح والده وهو يبتعد عنهُ بخطواتٍ استفزّتـه، حتى اختفى من أمام عينيْه، حينها أدار رأسه إلى الباب، يجب عليه أن يدخل إليها، لن يرتاح ولن يطمئن حتى يراها، لن يشعر بالراحة تتغلغله حتى يشهد راحتها هي، فموضوع عودتها إلى والده لا يكفي، لا يُحمّله الإكتفاء فرؤيةُ عينيها غيرَ حزينتين هو الراحة برمّتها.
وضع كفه على مقبض الباب ليُديره، لكنّه تراجع حانقًا مُستغفرًا ما إن وجد الباب مغلقًا، فهي ما إن خرج عبدالله وسمعت صوت ابنها حتى اندفعت لتُغلق الباب، لا تُريد الحديث معه ولا مع أيّ أحد، لا تريدُ رؤيةَ أحدٍ بعد أن استنفدت كامل طاقتها في الحديث مع زوجها. ما عاد لديها طاقةٌ تشحذ بها كلماتها، ما عاد لديها القدرةُ لتتحدث.
فاليوم تحدثت كثيرًا، أفصحت بالكثير مما أخفتهُ سنينًا!!


,


قبل ساعاتٍ خلَت - بعد صلاة العصر بدقائق
لتوّهِ عاد من المسجدِ مع عناد الذي كان شاردًا من بعد حديثهم قبل الغداء، يلمحه كل دقيقتين يفتح هاتفهُ ليتأمل شيئًا ما، والقلق ينساب إليه تلقائيًا حين يرى هذا القلقَ الذي يُزاول عناد، الأمرُ متعلقٌ بتلك الرسائل، ليس غبيًا ليُصدق " تصريفته " تلك، ليس ساذجًا حتى يُصدق ما قاله فالأمر أكبر من مجردِ مزحة، لكن لا بأس في تصنّع الحماقةِ حين يتعلق الأمر بسلمان.
هتف بابتسامةٍ صغيرة وهو يتجهُ للمجلس الذي تجلس فيهِ غزل مع والدته : بلحقك بعد شوي
أومأ عناد بهدوءٍ ليُكمل طريقه، بينما قطعَ هو المسافاتِ حتى وصل إلى باب المجلس، لكنّه توقف عند جُملةٍ مُتوترةٍ أُطلقت من فمِ غزل : ما عندي صلاة
عقد حاجبيه مُستنكرًا، ألم تكن قبل أسبوعين تقريبًا لا تُصلّي كما أخبرته ليلى؟ . . سمعَ صوت أمه ترد عليها برقة : أجل برجع لك بعد ما أصلي . . وغيداء ماراح تتأخر عليك
غزل بابتسامةٍ مُهتزة : خذوا راحتكم
اتجهت للباب الذي كان يقف خلفه سلطان، وما إن فتحته حتى رسم ابتسامةً على شفتيه برؤية ملامحها التي تقطبت أولًا ثم انبسَطت لتبتسم لهُ بحنان : متى جيتوا من المسجد؟
تخطّاها سلطان وهو يردّ عليها بهدوء : تونا واصلين . . إذا ما صليتي للحين روحي ما ودي أشغلك ... أنا بجلس مع زوجتي شوي
أومأت له لتتحرك مُبتعدةً عنه بخطواتٍ واسعة تنوي اللحاق بصلاةِ العصر قبل أن يُغادر ميعادها.
بينما كانت نظرات سُلطان تتابعها إلى أن اختفت، ومن ثمّ استدار ينظر لغزل التي كانت تجلس بكامل هدوئها المُتوتر! نظراتها لحُجرها الذي استقرّ كفّيها عليه تفرُك أناملها ببعضها اضطرابًا تحاول إخفاءه.
اقترب منها بهدوء وهو يرسم الجمود على ملامحه، ثم جلس بجانبها ليهمس بلطف : صليتي؟
كان وجهها يغرق بين خصلات شعرها، مُدنّقةً لرأسها وشعرها يلتف حول وجهها ليختفي عنه، ويختفي معه مظهر الإرتباكِ الذي تصاعد في ملامحها السمراء. لا تُريدهُ بجانبها، ولا قريبًا منها، ركبتهُ تكاد تلتصق بركبتها، تشعر بدفء جسده يعبر جسدها، وصوتُ أنفاسه الهادئة تعبر طبلة أذنها كموجاتٍ فوقَ صوتية.
حرّكت رُكبتها تصنع فراغًا بينها وبين ركبته، وحين لاحظ حركتها والمعنى الذي كان خلفها رفعَ حاجبًا دون أن يتغيّر تعبيرٌ آخر في ملامحه، ليضع ساقًا على أخرى وهو يزفر بجمود : ما جاوبتيني
ازدردت ريقها لترفع كفّها اليُمنى وتُطيلها لجانب وجهها الأيسر تُزيح خصلات شعرها عن ملامحها، وقد كان ذاك الجانب الأيسر هو المُقابل لسلطان الذي رمق عينها المُنخفض جفنها على صفيحتها العسليةُ القاتمة، ولم يكُن صعبًا على عيناه أن تُميّز الضعف المُختبئ خلف نظرتها.
افترّت شفتاها عن همسٍ متوتر، ولم تضع ولا احتمال 1٪ أنه سمع حديثها مع أمه، لذا أجابته : ايه .. صليت قبل تجي
عقد حاجبيْهِ بقوّةٍ والاستنكار يُغطي ملامحه، إجابتها الآن تناقض السابقة! تناقض ما قالته لأمه قبلَ لحظاتٍ خلَت، فما المعنى في ذلك؟؟ . . أدار وجهه عن جانب وجهها وهو يتفَكر، لن يظن بها سوءً قبل أن يتأكد، ربما كانت محرجةً منه، ربما خجلت من أخبارهِ بما أخبرت بهِ والدته.
رطّب شفتيه بلسانه وهو يقنع نفسه بتلك الفكرة، لتوه الآن يستوعب أنه لم يرَها سابقًا تُصلّي أمامه بعد أن صلّيا معًا في أول ليلةٍ لهما، لكن ليس من الضروري أن يراها! بالتأكيد، ليس من الضروري أن يراها، وليس من العدل أن يظنّ بها سوءً وهو غيرُ متأكدٍ من ظنونه، " إن بعض الظنّ إثمٌ يا سلطان " . . فليقنع نفسه بتلك الفكرة الآن، حتى يتأكد على الأقل.
شدّ على أسنانهِ وهو يُغمض عينيه، وتلقائيًا هاهي الخشيةُ بدأت بمزاولتهِ عند فكرة أنّ من تزوجها لا تصلي!! ليس إلى هذا الحد! ليس إلى تلك الدرجة، إن السلبيات تتدفق منها بغزارة، لمْ يرى منها حتى الآن ما يُقنع عقلهُ أنها صالحةٌ كفايَة، فهل ستتوقف سلبياتها عند الصلاة؟؟
استغفر ربّه وهو يطرد تلك الأفكار من رأسه، ثمّ نظر إليها بهدوءٍ في حين كانت قد أدارت كامل وجهها إليه، تنظر إليه بوجهٍ مُقطّبٍ إثر الإنفعالاتِ التي بدَت على ملامحه وصوت استغفاره الذي كان مسموعًا.
هل هو غاضبٌ الآن أيضًا؟ هل جاءها الآن بانفعالاتهِ ليُفرّغها بها؟ وهي التي لم تكره فيه شيئًا بحجم ما تكرهُ غضبَه، حتى وإن لم يكُن وإلى الآن قد أرْدَف الضرب خلفه إلا أن اشتعال عينيه حين يغضبُ كافٍ لتخشاه! سهامه التي يُطلقها من عينيه الجامدتين تكفي لصرْعِها! بالرغم من كونهِ حنونٌ ويتعامل معها بالطيبة، لا تنكر ذلك، إنّ الحنان يظهر أمامها في غيرِ الساعات التي يغضب بها، لكن هذا الحنان ليس إلا خادعًا للعيَان، وكيف لا يكُون كذلك وهو - رجُلٌ - قبل أن يكُون إنسانًا.
همس بجمودٍ وهو يطرد أفكاره تلك قسرًا : اعتذرتي من غيداء؟
تصلّبت ملامحها، ثمّ لوَت فمها لتصدّ بوجهها عنه، في الساعات السابقة لا تنكر أنها استمتعت! لا تنكر أنّ جلوسها معهم أثّر بها وجعلها تبتسم على الأقل، لم يسبِق لها أن أكلَت في جوٍ حميميٍّ كما اليوم، ولم يسبق لها أن أحبّت الأكل مع أحد! اعتادت في بيتِ والدها أن تتقوقع في غرفتها، تطلب من إحدى الخادمات إحضار الطعامِ إليها، وكم من مرةٍ تركها والدها بما تبتغيه، لكنّه في مراتٍ أخرى يجد فعلتها هذه مداعاةً للخصام وللضرب أخيرًا!
شعَرت بقبضةٍ صلبة تقبض بحدةٍ على إحدى كفيها المستقرتين في حجرها، لتفغر فمها وتنظر إليْه تلقائيًا مُتسعة العينين، بينما كان ينظر إليها بحدةٍ غاضبةٍ تسللت من بين شفتيه : أحذرك .. إياني وإياك تستخدمين أسلوب الطناش معاي مرة ثانية
اهتزّت حدقتاها وهي تُشتتهما عنه، بينما شدّ هو على كفها الباردةِ بقوةٍ لم تكُن مؤلمةً لها جسديًا، إلا أنها كانت كافيةً لتوخز صدرها بوجعِ الإضطهاد الذي تستشعره من كل من هو حولها.
ليست مُجبرةً على الصمت، ليست مجبرةً على تلقي الإهاناتِ من كل حدبٍ وصوب، أليست هي من أقرّت بأن لا حقّ لسلطان في أمرِها ولا ضربها؟ إذن لمَ تصمت الآن؟ لن يفعل بها شيئًا، لن يضربها ولن يقوم بأي شيء، فهما ليسا وحدهما، ليسا في الفندق الذي يقطنان فيه، لذا لا مجال ليتمادى.
سحبت يدها بعنفٍ من بين قبضتهِ لتُعيدها لحُجرها، ثمّ بصوتٍ خافتٍ ونظراتها بعيدةٌ عنه، في أبعد زاويةٍ لا ترى فيها عيناه : ماني مجبورة أجاوب
مال إليها قليلًا وهو يُمسكُ ذقنها هذه المرة ويرفع رأسها للأعلى حتى تواجهه بنظراتها، وبصوتٍ فاترٍ ونظراتهُ الجامدة تنظر في عمق عينيها الواهنتين : بكل مرة تكلميني تكون عيونك بعيدة عن عيوني. ليه؟ لهالدرجة ضعفك مُخزي؟
ازدردت ريقها وهي تُمرر لسانها على شفتيها، مُغمضةً عينيها قليلًا عند مرأى عينيه الحادتين . . إنها ضعيفة، ضعيفةٌ بدرجةٍ مُخزيةٍ كما يقول، أين هي غزل التي واجهتهُ بها حين اقتلعها من بيت والدها؟ أين هي غزلُ ذاك اليوم حين نظرَت إليه رافعةً أنفها؟ أين هي غزلُ الثقةِ الزائفة؟ غزلُ التمرد وعدم الطاعة! غزلُ اللسانِ اللاذع الذي انطفأ عند شخصٍ غيرِ والدها!
وهي المُتكونةُ من خيوطٍ ضعيفة غُزلت لتتكون بخامةٍ رديئة، أنا الدخان الذي تصاعد دونَ نارٍ لينقشع في جزءٍ من الثانية، أنا المسرح الذي اهتزّ دون زلزال، أنا المخلوقً الرخويُّ الذي مات دونَ سبب وهو واهنٌ كما كان في مسيرةِ حياته، أنا السيرةُ الذاتية التي ابتدأت عند تاريخِ الوفاةِ ولم يدوّن لها تاريخِ ولادة، أنا مسقطُ الرأس الذي كان قبرًا، الضريحُ الذي كان مُتشققًا، الكفنُ الذي كان رديئًا، أنا المُنسلخ عنها كلّ شيءٍ اقترَن بالحياة والمُلتصقة بالممات.
زمّ سلطان شفتيه وهو يحرّك رأسه بالنفي، ثم زفرَ بأسى ليهمس وأنفاسهُ تصتدم ببشرتها لتحترق بها : مثيرة للشفقة! ... من يوم خذيتِك وأنا ما أشوف فيك غير إنسانة متصنعة! ضعيفة!
لمَح تشنّج ملامحها عند كلماته، لتتجمد ملامحه أكثر ويزداد صلابتها، جاذبًا وجهها إليه وشهقةٌ خافتةٌ أُصدرت من بين شفتيها ذعرًا لتفتح شراعَ عينيها باتساعِ الخشيةِ التي زاولت قلبها عند هذا القُرب. وضعت كفيها تلقائيًا على صدرِه وذقنها تحرر من قبضتهِ التي سقطت إلى كتفٍ والأخرى طوّقت الكتف الآخر، وفمهُ جانَب أذنها ليهمس لها ببرودٍ وهو يشعر بارتجاف جسدها : لا عاد تتصنعين القوّة وعيونك تكشف خوفك وضعفك!
شدّت على ثوبهِ بقوةٍ حتى كادت أن تغرس أظافرها في صدره، والغصّة هاجمتها في حين كبرياءِ عينيها اللتين منعتا دموعها من السقوط، حتى تصنعها هُزم! حتى تظاهرها انتهى عنده! انجلَت سُحب قوّتها الشفافة، انجلى التصنع الذي كانت تشحذ بهِ نفسها لتقتنع بفكرةِ أنّها ما زالت تمتلك القليل من القوة. إنها الكتاب المكشوف لكلَِّ عابر، اليتيمةُ إلى كلِّ شيء، الفقيرةُ إلى القوّةِ والضآلةُ طريق السعادة! . . عضت شفتها والوجع ينخرها، عينيها تحترقان بدموعٍ تمنَّت أن تسقط في هذه الأثناء! حًنحرتها يضيع منها النحيب ويسرق النسيانُ صوتها.
ابتعد عنها قليلًا لينظر لعينيها اللتين التمعتا بحزن، ووجهها استرخى بحزنِه وخيبته، تنتشر جنودُ الألم على صفيحةِ ملامحها، تسرق منها كل شعورٍ حيْ.
همس سلطان بصوتٍ غلّفهُ الحنان وهو يرمق حُزن عينيها : ابكي ، ابكي يا غزل ... لا عاد تحبسين دموعك . . ابكي
أغمَضت عينيها بقوةٍ لتشهق بقوّةِ استنشاقها للأكسجين وكأنها تطفو من قاعِ بحرٍ بعد غيابٍ عن الهواء، صدّت وجهها عنهُ تعضُّ طرف شفتِها، وبصوتٍ غلّفتهُ بحّةُ الجفاف الذي يواتِي حلقها : مين قال إنّ عيوني فيها دموع؟
ابتسم سلطان ابتسامةً تكادُ لا ترى، وبخفوتٍ لا زال يحتفظُ بحنيّته : لمعة هالعسل اللي بين جفونِك.
اضطربت وهي تُدرك أنه يقصد بكلامه الشبيه بالغزل لون عينيها فقط، لم يقصد عينيها بذاتها ولم يقصد التغزّل بهما. لكنّ صوتُه الآن بحدّ ذاتهِ غزلٌ في حنانه! في رقّته!
زمّت شفتيها وهي تتنفس باضطراب، قلبها ينبض بمدى الإرتباك الذي يواجهها.
همست بتوترٍ وهي تُزيح نظراتها عن ملامحه : أخوك بروحه.
اتسعت ابتسامته ليزفر ويلفظ مجاريًا لها : صح نسيت
رفع كفه ليُمسك بإحدى كفيها التي مازالت حتى الآن تشدّ على ثوبه، ثمّ أخفضها مُبتسمًا لينهض بعد ذلك خلف نظراتها الغيرِ مستوعبة، وكفها تراجعت دون أن تشعر لتدسّها بين فخذيها بخوفٍ لازال مُستحلًا لها.
إنه بارع! بارعٌ في تصنّعه الحنان، بارعٌ في استمالةِ مشاعر الآخرين! بارعٌ في تمثيل الصفات الحسنة. لمَ هو بتلك الحقارة حتى يخدعها؟ لمَ هو بتلك الدونيةِ حتى يُعاملها بهذهِ الطريقةِ وهو لا يؤمن بها.
لكلّ شخص أسلوبه في التعذيب، لكلّ شخص قانونة لسحق الآخرين. كيف لهُ من القسوةِ حتى يُريها الجانب الجميل فيه ليُديره أخيرًا؟ كم لهُ من السادية حتى يتلذذ بتعذيب مخلوقٍ جافٍ لم يستقبل حنانًا من قبل؟
كُن قاسيًا، كُن فقط قاسيًا، لكن لا تُعاملني بهذه الطريقةِ كأبٍ مثالي، كأخٍ مثالي، كزوجٍ يخاف حُزن زوجتهِ والمثاليةُ بعيدةٌ عن كل البشر . . فقط كُن قاسيًا، كُن قاسيًا ولا تفعل بي هذا!


,


قُرابةَ السادسة
عبَر عتبات الدرج بخمولٍ يرتسم على ملامحه، كان خطأً منه أن نام في تلكَ الساعةِ حتى الآن.
وهكذا هو الإنسان حين يشعر بالضيقِ أو بالغضب، يُعالج نفسه بأسلوبٍ خاصٍ به، وعلى الأرجح كان الأسلوب الأمثل له هو النوم حتى هذهِ الساعة.
رطّب شفتيه وهو يتحاشى النظر لسُهى التي كانت تجلس على إحدى الأرائكِ المخملية تنظر إليْه بنظراتٍ ثاقبة، وقدماهُ تحركتا مُبتعدتان باتجاه المطبخ دون أن يلفظ بشيءٍ وهو المُتبرئ من الأحرف والأبجديات في هذه اللحظة، هو الذي قطّع حبالهُ الصوتيّة حتى لا يتحدث معها هذا اليومَ على الأقل بنفسيتهِ - السيئة -.
لكنّ صوتها كان لهُ رأيٌ آخر، فكلماتها الأشبهُ بالهمس عبرت أذناه بهدوء : أحط لك شيء تاكله؟
توقف في مكانهِ للحظاتٍ دون أن ينظر إليها، وحبالهُ بقيت لثوانٍ حتى تُربط من جديدٍ وتعود باثّةً صوتًا مبحوحًا : شكرًا توني قايم من النوم ومالي نفس
تحرّك من جديدٍ ينوي الذهاب للمطبخ حتى يشرب بعضًا من الماء، إلا أن صوتها عاد لإيقافهِ بذات الهدوء : صليت؟
توقف من جديد ليُوجّهَ حدقتيه إليها دون أن يُدير رأسه : ايـه
لوَت فمها وهي تُقاوم رغبتها في عتابهِ لأنه صلّى في البيت، فهي حين صعدت لغرفتهِ تنوي إيقاظه وجدت بابهُ مُغلقًا، وهو بذلك يُخبرها بطريقةٍ غير مباشرة بعدمِ رغبته في رؤيتها، وعلى الأرجح أنه لا ينوي الحديث معها بطبيعيةٍ طيلة هذا اليوم.
عجبًا! من الذي يجب عليه أن يتعرقل أسلوبهُ تجاه الآخر؟ أليس من الأحرى أن تكون هي الغاضبة وليس هو؟ أليس من الأحرى أن يكُون العتاب من نصيبها بعد أن قام بتوريطها مع محمد؟ . . لوَت فمها بحنقٍ وهي تراه يُكمل طريقهُ باتجاه المطبخ حتى اختفى من أمام عينيها.
بينما دخل هو بملامحَ متشنجة، والنار تُفتت عظامه، التأكسدُ يهاجم روحه، والجفاف يفرض نفسه على عروقهِ ليجفّ قلبه أخيرًا بنفاد دمائه. ما فائدة الماءِ والطعام وهو الذي
يتعرّق كل مسببٍ للحياة ليترك المضرّات تسكن جسده؟ ما فائدةُ التمسكِ بالحياة من الأساس وهو الذي يركض الموت إليه فيلحق بهِ ويلتصق به بلزوجةِ حلزونٍ وتشبث نجمةِ بحر! بلسعاتِ قنديلٍ وسوادِ حِبر الأخطبوط! وهو الصخرة التي كان يجب عليها أن تستقبل تلك اللزوجة دون تقرّف، تستقبل نجمةَ البحر دون تضايق، تستقبل لسعاتِ القنديل ليتفتت ولا يرتعش، ليتلوّن باللون الأسود وهو الذي تحلّى بالرماديةِ منذ صغره فمباذا ستضرّه المزيد من القتامة؟!! بماذا ستضرّه اللزوجةُ والكهرباء، بماذا سيُضره التصاق الموتِ بهِ وهو الذي ما أطلق الفساد يومًا عن ذاته؟
فتح الثلاجة ليُتناول قنينةً ومن ثم يخرج من المطبخ، وفي طريقه للدرج سمعَ صوتًا حانقًا يُطلق من سهى : ضربني وبكى، سبقني واشتكى ... مين اللي له الحق يزعل؟
لوَى فمهُ وهو يتجاهلها ويُكمل طريقه، لا داعي للتحدث معها الآن في مزاجه السيء، وهو الذي يعرف مزاجهُ حقّ المعرفة بينما يجهل نفسه!
إلا أن قدماهُ توقفتا فجأةً عندما سمع صوتها يُطلَق بعتاب : تراني بديت أحس بالملل من كثر ما أجلس بروحي
استدار إليها بنظراتٍ باردةٍ كالبرودةِ التي هاجمته بعد ما قالته، ويتعلّق الصمت بهذه النظرات لا غير، ينظر إليها ببرود، وتنظر هي إليه بعتابٍ و " زعل ".
تمرّرت اللحظات عند شفتيه اللتين افترتا عن كلماتٍ تغلغلت البرودةُ أحرفها، إلا أنها كانت مُرفقةً بحرارةٍ اشتعلت في قلبهِ لا غير، لتنتقل تلقائيًا إلى سهى : خلاص ارجعي! من حقك تحسين بالملل مع شخص فاسد مثلي ، وزين ما ظنيتيني منحرف مثل رأي أخوك المُبجل . . هه! مدري شاللي يحس فيه تراك عمتي في النهاية!
اتسعت عينا سهى بصدمةٍ لتلفظ بدهشةٍ صارخة : أدهم! لا تتواقح
هزّ أدهم كتفيه وهو يهتف ببساطة : الوقاحة صارت مني أنا مو من أخوك؟ . . ايه ، صح عليك أنا الغلطان دايمًا والكل صح
قطّبت جبينها بوجومٍ ليتحرّك هو مبتعدًا عنها بوجهٍ غلّفته البرودةُ والوجع، غلفتهُ الآفآت التي استوطنت بهِ ولم تترك شبرًا واحدًا منه كي لا تُصيبه. وما إن اختفى عن ناظريها حتى زفرت بكبتٍ وهي تشعر بالتشتت يُهاجمها. بالرغم من مزاجه، من تقلباته، من وقاحته! إلا أنها لن تتركه، لن تتركه مهما حدث فهو يحتاج إليها أكثر من أي شخصٍ آخر، وهي الوحيدة التي ستقومُ بمعالجته.


,


على أعتابِ الساعةِ السابعة
تجلس على إحدى كراسي الإنتظار، أناملها تشدّ على معطفها الزيتي بتوترٍ جَمْ، ووجهها الأبيض أصابه الإضطراب في أدقّ تفاصيله، من أنفها الصغير الذي كان ينتفخ ويتقلص بتوتر، إلى رمشات عينيها ووطء أسنانها على شفتها، ذقنها ازداد مظهر بروزهِ ووجهها كان محمرًا إثر خوفها وتوترها.
هذه الساعاتُ تمشي ببطء، فقط لأننا نريد منها العبُور بسرعة، هذه الساعات كالريح تمشي بما لا تشتهي سُفن الظروف، ما إن يكُون الإنسانُ في ساعاتٍ فرِحة حتى تمرّ كومضةِ برق! لكنها حين يتعلق الأمر - بمأسآةٍ - تمشي أبطأ من السلحفاة! ولن تكُون النتيجة سوى ارتفاع نسبةِ الأدرينالين في جسدها لتنفعل بهذهِ الطريقة.
أمام غُرفةِ العمليات كان كلٌّ على حدة يقف في مكانٍ خاصٍ به، فارس يتكئ على إحدى الجدران بظهرهِ وقدماه تهتزان بتوترٍ ملحوظ، بينما كان أمجد أيضًا متواجدًا يقفُ مقابلًا لفارس على الجدار الموازي له، كان هادئًا بعكسهم، مُتكتفَ الذراعين ينظر للأرض بهدوءٍ واتزان ... بعكس فارس، وبعكسها هي والإنفعال يُغلّفها بأكملها.
استقرّت نظراتها على أمجد، والإضطراب يتضاعف ألفَ ضعفٍ حين يكُون متواجدًا، تحديدًا من بعد ما حدث أخيرًا، بالتأكيد سيكُون قد علمَ بالأمر ولا تدري حتى الآن ما كانت ردّة فعله تجاه ابنه وتجاه نظرته لها. بالتأكيد سيكُون حوّر الموضوع كما يشتهي وكما سيقتنع، وقعت نظرتهُ لها أكثر حتى تساوت مع الوحل. لكن ما المهم الآن؟ بالرغم من استنكارها هدوءه وهي المُتيقنةُ بمعرفتهِ إلّا أن الهدوء كان من الأرجح سيكون خارج الموضوعِ برمّته، فـ أمجد لا يتعامل معها إلا بحرارةٍ وإن تصنّع الهدوء الخارجي . . صدرهُ ينتفخ بكرهه لها، وقلبه يشتعل بحممٍ لا تنطفئ، يكرهها كما لم يكره أحدًا، لكنها وإلى الآن لا تُدركُ السبب!!
زمّت شفتيها وهي تُزيحُ نظراتها عنه، تنظُر لأناملها المُتشنجة على فخذيها، ليس مهمًا، لا شيءَ مهمٌ في هذه اللحظات غيرَ والدها وصحته، فلينظر لها بالطريقةِ التي يريد، وبالنظرةِ التي تُقنعه، فليزدرئها ويحتقرها، فليشعر بما يُريد فالأمر سِيان! المهم الآن هو هذا الإضطراب الذي لن يزُول إلا بعودةِ والدها يمشي من جديد.


في جهةٍ أُخرى
دخلَ المُستشفى مُهرولًا وهو ينظر لساعة يدهِ مُتأفئِفًا. تعوّذ من الشيطان وهو يرفع هاتفه من جيبِ معطفهِ حتى يتصل برقمِ فارس. وفي لحظاتٍ كان صوتهُ ينساب إليه.
فواز بعجلة : معليش فارس تأخرت عليك .. صار حادث وتقفّل الطريق عشان كذا ما أمداني أوصل إلا بهالوقت . . . خلاص ما علينا وينك فيه بالضبط؟
أكمل طريقهُ وهو يتحدث مع فارس في الهاتف، ومن خلفهِ كان هيثم يدخل بتعبرٍ شيطاني يغلف وجهه، ونارٌ مستعرةٌ كانت لاتزال مُهتاجةً في عينيه.


,


بصراخٍ طفولي : لاااااااا انقلع يا معفن
ضحكت أرجوان وهي تجلس ناظرةً للحرب التي شُنت أمامها ما بين أختها وهاذين التوأمين. وبجانبها كانت جيهان تجلسُ بملامح غطّاها الملل!
ابتسمت وهي تنظر إليها، لازالت كما هي، لا تُحب الأطفال ولا ضجيجهم.
همست أرجوان برقّة : مزعجينك؟
زفرت جيهان وهي تُقلّب في قنوات التلفاز، بالرغم من انزعاجها بضجيجهم إلّا أنها ممتنةٌ لهم، ممتنةٌ لأرجوان التي جاءتها، وممتنةٌ لوالدها الذي لم يُمانع! لا تدري ما سيحلّ بها إن ظلّ يومها بذات الروتين، تجلس مع فواز فقط، بمناوشاتٍ لا تظنّ أنها ستنتهي يومًا، بخلافاتٍ لا تظنّ أنها ستنجلي، وما إن يخرج حتى تبقى لوحدها، تُقابل الجدران والجمادات، تشرد بأفكارها إلى السلبيات، تشعر أن الوحدةَ تُطبِقُ عليها وتنتشل الحياةَ منها.
إنها مُبتلية! إنها تُعاقب. الإنسان لا يُبتلى إلا اختبارًا أو لمعصيةٍ يقُوم بها، وهي معصيتها لازالت وإلى الآن تجري كما يجري الدمُ في أوردتها، تُهرول كهرولةِ الدمع على وجنتيها دائمًا وأبدًا.
( وقُل لهما قولًا كريما )
ازدردت ريقها وهي تُدير حدقتيها لأرجوان حتى تبتسم لها بغصّةٍ وعيناها تنكسران بانكسار نظرتها إلى نفسها، ثمّ بصوتٍ متحشرج : لا . . موَنسين عليْ
وكأنها لا تدرك، وكأنها لا تعلم، إنّ " الوناسة " مُبتعدةٌ عنها بألافِ الأميال كما يبتعد عنها الفرج. لمْ تعمل بهذه الآيةِ ولم تُقدّر معناها فكيف عساها لا تشقى؟ كيف عسى المرء أن تتيّسر حياته عند إغضاب أحد والديه؟ كيف عسى العُسر ألّا يُزاوله وهو الذي استهان بحقّ أحد والديه وعصا؟ . . الذنبُ يسير عليها كمستعمارتِ نملٍ تسيرُ باستقامةٍ على جسدها الذي وهَن، الذنبُ ينغرس في قلبها كالجذورِ ليتشعّب، الذنبُ يستحلّ كيانها لتشعر باللوعةِ تُهاجمها.
لكن ما كان عساها أن تفعل؟ هي في النهاية تشعر باستعمار الشيطانِ لها كي لا تغفر اوالدها كونهُ السبب، هي في النهايةِ تُسيطرُ عليها فكرة - هو السبب - ولن تنسلخ هذه الفكرة مادام ليس هناك ما يُنفي صحتها.
لمَحت أرجوان وهي تبتسم لوائل الذي كان يجلس في حُجرها وليان تنظر إليه بحقدٍ وغيرة، لازالت تذكر تلك الفتاة، والتي كان اسمها جنان، تلك الفتاةُ التي قابلتها في أول أيام قدومها إلى هنا، والتي ظهرت أمامها بشكلٍ أحمق!
هؤلاء إخوتها، فكما قال فواز تلك الفتاة والدها في صدد عمليةٍ تُجرى له، وقد كان صعبًا أن يأخذوا هؤلاء الأطفال معهم فاقترح فواز أن يتركهم عندها، وحين استصعبت ذلك كونها لا تُجيد التعامل مع الأطفال اتصلت بأرجوان لتجيئها.
سمعت ليان تهتف بحقد : خليه ينزل
لم تختفي ابتسامةُ أرجوان وهي تهتف لها برقّة : عيب ليون ما يصير تقولين له كذا . . أنتِ عاقلة مو؟
مطّت فمها دون رضا وهي تصدّ عنها وزفرةٌ غاضبةٌ تصدر من بين شفتيها، وما إن استدارت لترى أحد التوأمين يعبث بلعبةٍ لها " عروس باربس " حتى صرخت حنقًا : هيييييه اترك باربي حقي
رفع رامي حاجبهُ وهو ينظر للعبةِ بازدراء، ثم مدّها إليها هاتفًا " من طرف خشمه " : من زين لعبتك عاد، تشبهك! . . خذيها بس احنا الرجاجيل ما نلعب بمثل هالألعاب التافهة
احتقنت عيناها بالدموع وهي تنتزع اللعبة من يدهِ وتركض إلى أرجوان شاكية : أرجوان شوفيه
لم تستطِع أرجوان منع نفسها من الضحك، وتلك لم تستطع مقاومةَ دموعها المقهورة فانسابت على وجنتيها المُمتلئتين. حينها كانت جيهان تنظر إليها بملامحَ مشتدّة، ثم اقتربت منهم بعد أن جلست على ركبتيها لتزحف إلى رامي هاتفةً بشرٍ ينبض في صوتها وعينيها الضيقتين : وش قلت عن لعبتها؟
قطّب رامي جبينه وهو يتراجع قليلًا إلى الخلف، بينما فغرت أرجوان شفتيها باندهاشٍ دون أن تستبعد تهوّر أختها لأجل ليان. لذا هتفت بتحذير : جيهان اتركيه منك تراهم بزران وطبيعي يتهاوشون
رفعت جيهان كفها لتُخرسها وهي تهتف بحزم ناظرةً إليها : خليني أتصرف معاهم بنفسي لا تتدخلين * عادت لتوجيه نظراتها لرامي الواجم * ايه علمني وش قلت عن لعبتها؟
هزّت أرجوان رأسها بالنفي وهي تتمتم بخفوت : بزرة أنتِ بعد؟
أجاب رامي بثقة : لعبتها مخيّسة
اتسعت عينا جيهان بحدةٍ بينما قاومت أرجوان ضحكةً تمرّدت لتنساب من بين شفتيها بخفوت، لكنها شهقت ما إن رأت جيهان تُمسك أذنه بحزم : زين والله! وطلع للبزران لسان
تحركت بسرعةٍ بعد أن وضعت وائل على الأرض، لتُمسك بكفِّ جيهان وتخلص أذن رامي منها وهي مُقطبة الجبين لتصرف أختها الطفولي : أنتِ من جدك تحطين عقلك بعقل بزر؟ وبعدين تراهم جابوه أمانة مو عشان تتهاوشين وياهم!
تراجعت جيهان للخلف جالسةً على الأرض بعد أن كانت مُستندةً على ركبتها، لتردّ بعدم مبالاةٍ واجمة : عشان ما يتجرأ مرة ثانية ويتكلم عن لعبة ليان
أرجوان : أعوذ بالله من عقلك!!
نظر رامي لجيهان بحقدٍ وهو يرفع حاجبيه، ثمّ وجه نظراته لليان المُتشبثةِ بلعبتها ووجهها مُحمرٌ لبكائها، لكنّ الرضا كان يُغلف ملامحها الطفولية بعد دفاع أختها عنها.
مدّ لسانه لها بإغاظة، ثمّ هتف مُتحديًا : لعبة مخيّسة تشبهك
وما إن رأى اتساع عيني جيهان واستعدادها لتنقضّ عليه حتى هرب بسرعةٍ لإحدى الغُرف يتبعهُ التوأم الآخر والذي كان ينظر لجيهان بحقدٍ لتصرفها مع أخيه.
زفرت جيهان بتكشيرة : مالت عليك بزر!
زمّت أرجوان شفتيها تمنع ابتسامةً من الظهور كما كلماتٌ أردات الخروج بقوّة " أجل وش نقول عنك؟ "


,


إبهامها يضغط على أزرّة جهاز التحكم بحنقٍ كان يرتسم في طريقةِ تنفسها العنيفة، وصدرها يشيجُ بانفعالاتٍ كيميائية كان نتيجتها صوتُ تنفسٍ غاضب.
منذ أن عاد سيف مع زياد وهي تحبس نفسها في هذا الجناح، وقد كان من الأأمن أن كان سيف مُحترمًا لرغبتها هذه المرة ولم يُدخله هنا، فهي بالفعل لا تدري ما ستكون ردّةُ فعلها إن رأته، ولا تُدرك على وجهِ التحديد ما يُصيبها إن رأت طيفهُ يعبر أمامها، وكأنّ شيطانًا يتلبسها بمرآه، فهذا الطفل وإن كان ابنَ شخصٍ غالٍ على قلبها إلا أنها تتمنى أن يزول من حياتهم بأكملها.
استغفرت ربها وهي تُغمض عينيها هامسةً بغصّة : يا ربي أنا شفكر فيه؟ وش ذنبه؟ حتى لو أكرهه مالي حق أفكر بهالطريقة، هو في النهاية ماله ذنب.
تنهدت بقوةٍ وهي تفتح عينيها قليلًا، من الطبيعي أن تكرهه وهي في هذه الحالة، مشاعرها نحوهُ ليست حيادية فسيف لم يترك مجالًا للحياديةِ في هذهِ العلاقة، لم يترك مجالًا لتتقبله في حياةِ زوجها وليس مهمًا أن تحبه فمن الصعب على امرأةٍ أن تُحب ابن زوجها من أخرى! والمرأة دائمًا ما يكون النصيب الأكبر في ترجمة حبها للغيرة، كيف لامرأةٍ مثلها أن تُحب فتًا كان نتيجةَ علاقةِ زوجها بأخرى؟ كيف لها أن تتحلى بصفةٍ لم تكُن من صفات بناتِ حواء حتى تُحبه؟
وضعت جهاز التحكمِ جانبًا وهي تُعيد رأسها للخلف لتسندهُ على ظهرِ الأريكة، مغمضةً عينيها وأنفاسها تتحشرج بأفكارها. على الأقل هي لن تُفكر بإيذائه، ليست امرأةَ أبٍ شريرة لتفكر على هذا النحو! ليست إنسانةً تخلّت عن الإنسانية لتُؤذي طفلًا. هي لم تتمكن يومًا من إيذاء والده عمدًا، فكيف تؤذي الابن؟!!!
استقرّت كفها على بطنها وهي تشعر بالتواء أحشائها، ازدردت ريقها باضطرابٍ وعقلها بدأ بالتفكير بعيدًا عن قلبها. وماذا عن هذا؟ ألا يُعتبر إخفائكِ لهذه الحقيقة عن زوجكِ إيذاءًا له؟ ألا يُعتبر صمتكِ عن هذا الحمل معصية؟
فتحت عينيها بقوةٍ وهي تنتفضُ معتدلةً في جلستها، مُتسعةَ العينين وصدرها يضطربُ بأنفاسها العنيفة. أيُّ معصيةٍ وأيُّ إيذاء؟ أي إخفاءٍ وأيُّ صمت يُعتبرُ خطأً؟ هل أصبحت الحمايةُ خطأ؟ هل أصبحت رغبتها خطأ؟ هل أصبحت غريزتها في هذا الشغف خطأ؟ أم أن الخطأ يكمن في الأسلوب ذاته؟ . . حسنًا، فليكُن أسلوبها خطأً وليكن ما يكُن، فالغايةُ تبرر الوسيلة، وكما تُدين تُدان!
فلتكُن هي المُخطئةُ بما أنها ستسعد أخيرًا، وهي التي كانت دائمًا منصاعةً له، تقوم بما يُريد وهو الذي لا يستحق! لن تشعر بالذنب ولو قليلًا، لن تشعر بالعطفِ عليْه عند هذا الخداع.
إن الضمير ينتهي عند هذا الحد ويتلاشى، ذاك كان ما قررتَهُ بأفعالك يا سيف، إن كُنت نصلًا حادًا ينغرس في صدري، فلا ضيرَ من أن أكون نصلًا سامًا غير مسنون! لم أؤذِك من قبل، ولم أتعمد يومًا إيذاءك، لكن هذا ما تُريده أقدارنا، وهذا ما يقتضي عليه سعادتي! وأنا التي مازالت على قيدِ حُبك الذي أصبح - بالٍ - بفعل يديكَ لا غير، فلا تحزن! ولا تغضب، فالحب إن كان باليًا لا يعني الزوال، لكنّه يعني الإنسلاخ عن بعض قواعدهِ واستباحةَ الإيذاء.
زفرَت لتنهض وهي تنظر لساعةِ يدها، مازال الوقت مبكرًا، ومازال نوم ذلك الطفل مُتأخرًا.
لوَت فمها بضيقٍ وهي تهمس بكبتٍ وعتابٍ لنفسها : خلاص ما عليك منه يا ديما . . الله يخليه لأهله بس
تحرّكت باتجاه غرفة النوم، لمَ لا تُسلي نفسها بمشاهدةِ مقاطع في اليوتيوب إلى أن يجيء موعد نومها؟ والذي يبدو عليه أنه لا يُحب الإنفصال عن موعدهِ والتنازل ليأتي مُبكرًا.

.

.

.

انــتــهى

صايرة حنونة معكم هاليومين في القفلات صح؟ :$ يلا تهنوا بالقفلات الهادئة لأن الأحداث بدت تنحدر لمنحدر ثاني ويمكن تكثر قفلاتنا في البارتز الجاية :)


(؛ كان فيه مواقف تمنيت كثير تظهر لكم بهالبارتين أو بارت ثالث ملحق فيهم ، بس ما حالفني الوقت هالمرة فما قدرت أطول البارتين أكثر من كذا أو أضيف ثالث :/
الجزء 27 أخذت في كتابته أكثر من أسبوع، يمكن ما تشوفنه مهم لهالدرجة بس أنا أشوف أهميته كبيرة واحتاح مني كتابته ببطء.
لذلك الأحداث اللي كنت متحمسة تظهر لكم بعد الإختبارات راح تظهر في البارتين الجاية إن شاء الله


+ بودي أعطيكم كلمة أكيدة بخصوص البارت الجاي :( بس مثل ما علمتكم وراي سفرة فما أدري إذا بلاقي وقت أفضى فيه للرواية أو لا
إذا مرّ يوم الإثنين وما عطيتكم خبر أو دخلت المنتدى فاعرفوا إنه ماراح يكون فيه بارت

أتمنى تلتمسون لي العذر :$*


ودمتم بخير : كَيــدْ !







منـار القمر 15-01-15 10:08 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
تروحين وترجعين بالسلامه

جزء راائع تسلم الايادي

fadi azar 15-01-15 01:09 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
فصل رائع جدا

فتاة طيبة 17-01-15 02:28 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
جميل جدا جزء مليء بالمشاعر سلمت يداك كيد ....

كَيــدْ 21-01-15 12:26 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 







السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ()
مساءكم سعادة ورضا من الله. إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافية :$

طبعًا ما حبيت أتركم متخبطين وما تدرون إذا بينزل بارت الخميس أو لا لذلك حبيت أدخل وأعطيكم خبر.
ما أخفيكم علم، في الأيـام اللي فاتت ما كتبت غير كم سطر. من بعد الظهر أطلع وما أرجع إلا بآخر الليل فما أحصل وقت للكتابة وهذي طبيعة السفر.
أحاول أكتب وأنا برى البيت بالجوال بس تركيزي ما يكون كامله بالرواية لذلك أغلق النوت وأقول بكتب لما أرجع، وأكيد وقت رجوعي بكون تعبانة وأنام مباشرة.
في النهاية كانت النتيجة هي الكم سطر اللي كتبتهم :(( الزبدة ما أظن إنّ اليومين اللي باقية تكفيني عشان أكمل البارت لذلك ماراح يكون فيه جزء بهالأسبوع للأسف وبيتأخر للأسبوع الجاي.
أتمنى تلتمسون لي العذر.



ودي واحترامي ()


bluemay 21-01-15 02:39 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته


ودي أقول من حظي ولكن أخاف أعزائي القراء يحدفوني بالطماطم لوووول

طبعا بعتذر حضوري متأخر ولكن بحاول ألحقكم بهاليومين إن شاء الله


ما شاء الله كتير مبدعة يا كيد .. متمكنة من اللغة والتشبيهات والتصويرات عالم نابض لحاله.


أستمتعت باللي قرأته وكونت فكرة بسيطة عن اﻷبطال


حبيت قوة سلطان وإرادته .

وعناد مثل العزوة والسند ﻷحبته.

كرهت جيهان لسلبيتها ومعاملتها السيئة ﻷبوها وزوجها ..

إلين شخصية رائعة بس الظروف تمشي عكسها .

ديما ما ادري ليش تصبر على سيف ؟!!

شاهين البار بأمه شخصية حيرتني هل هو مستهتر أم جاد !!

ولي عودة بعد ما أستكمل قراءتها ..

تقبلي مروري المتأخر وخالص ودي




°•○اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي○•°

احتاج الامان 22-01-15 10:26 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
السلام عليكم رواية جميلة والاجمل عدم تحديد بطل واحد لها جميع الاشخاص فيها لهم جانب رائع ويستحق المتابعة ليسوا منزهين عن الاخطاء او دائما ايجابيين لهم جانبهم السلبي الذي يمت للواقع قليلا مع اني ارى بعض الشخصيات اقرب للخيال اسلويك رائع ومنمق سلس والاحداث تنتقلين بها بسلاسة
مع اني بعض الاحيان احتار من مِن الشخصيات التي تتحدث ولهذه الحيرة لذه في اكتشاف ما يدور
ارجو ان تتقبلي مروري وانا لك من المتابعين

ضَّيْم 26-01-15 10:27 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
رواية أكثر من رائعة، شدّت انتباهي منذُ الوهلة الأولى.
الأفكار والأحداث المُبهرة، تنوعكِ في الشخصيات، اللغة المُتمكنة في وصف الأحداث بدقة،
جديّة الحوار بين الشخصيات أول شيءٍ أٌقيمه عند قرائتي لأي رواية...... أحسنتِ كيد ()

لكن في الحقيقة لم أكمل القراءة بعد، أشعر بأنِّي ان تعمقت لن أستطيع التحكم في نفسي.
وسيكون فكري محصور ب"متى سيكون البارت القادم؟"
لذلك؛ وضعت الرواية في المفضلة، وبشغف لرؤية البارت الأخير لأستكمل القراءة وأعود هنا مرة أخرى
لأُعبر عن جمال روايتكِ..

أكثر شخصيتين متشوقة جدًا للأحداث بينهما، غزل وسلطان :rolleyes: *قلب*

كيد... أريدكِ أن تنهي روايتكِ على مهل، لا أريد أن تكون "قيود" مثل بعض الروايات التي أقرأها
تشدُكِ من بداية الرواية بالأحداث الشيقة المُثيرة! وفي النهاية! نعم تكون سعيدة ومُرضية؛ لكن صياغة الحدث قد ضعفت.
حتى الحوار لم يعد كما كان في البداية..

*سأدخل هنا في كل مرة ستضعين البارت، متمنيّة أن يكون البارت الأخير حتى أبدأ بقرائتها ()

كل الود ()

كَيــدْ 29-01-15 10:06 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




سلامّ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم راحة وسعادة دائمة لا تنضب

بسم الله نبدأ على بركته
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات





1*(29)






ما إن عانقت عقارب الساعة السابعةَ إلا رُبعًا حتى وقفت مع الإثنيْنِ بلهفةٍ يتخلخلها الخوف. بحجم ماهي تتمنى أن تنجح عمليته ويعود للمشي إلا أنها تُدرك أنّ روحها ستنهار بانهيار والدها إن حدث العكس! وكأن الأمر يخصها هي وحدها دون سواها، وكيف لا يخصّها حين يكُون هذا الأمر بحجمه هي سعادةُ والدها وراحته؟
بقيَت فقط رُبع ساعةٍ لا تمرّ الآن كمرورِ الكرام، لا تمرّ كمرورِ عابرِ سبيل، هي دقائقُ مصيرية، دقائقُ من شدّة جورها فضّلت العبور ببطءٍ وصمتٍ لتخلع ما تبقى من صبر الساعاتِ الماضيات.
تمررت نظراتها المُضطربة على فارس الذي انحصر ارتباكهُ على هزّ ساقيه، رأسهُ مُرتدٌ للخلفِ يسنده على الجدار لترتفع ملامحه للأعلى مُغمضَ العينين، بعيدًا كان عنهم ببضع خطواتٍ وفواز يقف بجانبه يتحدث معه بكلماتٍ ما، وليس بوسعها سوى أن تقُول له بنظراتها التي لم يرمقها حتى الآن : أشعر بك!
وكيف عساها لا تشعر بهِ وهما في هذهِ الأثناء اثنين حملا ذات الاضطراب وذات اللهفةِ القاسية، اثنين انتظرا سنينًا حتى حانت اللحظة، اثنين قُيّدا بهذا البلدِ لأجل والدهم فقط. وهاهي اللحظة تحقن نصلها المُضاد للهدوءِ في عروقهما لتنتشر في كامل جسدهما مُحدثةً كلّ هذه الضوضاء، محدثةً كلّ تلك الزلازل الغير مرئية في صدرهما/تنفسهما.
تنهدت بكبتٍ وهي تُزيح ناظريها عنه، لتصتدم تلقائيًا بأمجد الذي كان قد بدّل مكانهُ واقترب أكثر من باب غُرفة العمليات فاضحًا قلقه، وعينيه اللتين رسمتا هدوءً ظاهريًا على سطحهما استقرتا على قدمه، مكتفًا يديه وقد استطاعت بمشقّةٍ مُلاحظة عضّه الطفيف على جزءٍ من شفتيه. ظلّت نظراتها معلّقةً بهِ دون أيّ تفسير، على الأقل هو مُهتم، هو قلقٌ مثلها ومثل فارس، خائفٌ على من توارى خلف الباب ليوارِي معه كل ارتكاز. بالرغم من ملاحظتها لعلاقة والدها الشبه قويّةٍ به إلا أن فكرةَ عدم مبالاتِه هاجمتها للحظة! هاجمتها لبروده هذا وهدوئه الذي اقتحم وقتًا ومكانًا غيرَ مُناسبين.
ارتفعت نظراته في لحظةٍ إليها، ودون أن تعلم السبب هاجمتها رجفةٌ اغتالت فقراتِ ظهرها لتزدرد ريقها لنظراته الباردة، أزاحت نظراتها عنه بسرعةٍ بعد أن قرأت اللا شيء في عينيه! بينما ظلّ هو ينظر إليها للحظاتٍ بعد أن أدارت حدقتيها عنه، ثمّ زفر بانفعالٍ ظهر فجأةً على ملامحه ليُدير وجهه عنها إلى باب غرفةِ العمليات.
رنّ هاتفه فجأةً في جيب بنطاله، ليدسّ كفهُ فيه ويخرجه ناظرًا للمتصل بذات الهدوء والبرودِ الذي لطالما استفز جنان بدوامهِ على ملامحه. ولم يستغرق ثانيتين وهو ينظر لاسم المتصل ليرد ويرفعه إلى أذنه مُجيبًا بهدوء : نعم
من الجهةِ الأخرى : يبه
أمجد بهدوء : وصلت المطار والا بعدك؟
هيثم بصوتٍ خافت : ايه توني واصل، اتصلت عشان أبلغك
أومأ أمجد وكأنه يقف أمامه، ثمّ هتف بخفوتٍ بارد : تروح بالسلامة
عضّ هيثم شفته من الجهةِ الأخرى وهو يقرأ المعنى المبطن خلف " تروح بالسلامة " دون " وترجع "! . . لا بأس، سيَرضى والده في النهايـة شاء أم أبى وسيعود للعيش في المدينة التي اعتاد عليها منذ سنين مراهقته، كما سيرضى هو بانتقامهِ الذي بدأ بالإقتراب!
أغلق أمجد الهاتف ليُعيدهُ في جيبه، ثمّ عاد ليتكتف وهو يتنهد بقلّةِ صبرٍ لم تظهر كاملةً على ملامحه، يرفع ساعته التي بدأت تقترب من الثامنة وهو يعدّ الثواني عدًا بعينيه.


,


أجلسهُ بحضنهِ بعد أن جاءهُ مُبتعدًا عن والدتِه، وما إن أجلسهُ حتى بدأ بالتحدثِ معه ببراءةٍ ليردّ عليه بخفوتٍ مبتسم، إلا أن عقله كان يُبحر تارةً معه، وتارةً بعيدًا إلى تلك التي مازالت حتى الآن مُحتجزةً لنفسها في الأعلى، تنتظر نوم زياد رُبما حتى تُحرر نفسها من هذا الحبس الإنفرادي.
زفرَ وهو يغمض عينيه للحظة، فلتفعل ما يحلو لها، فلتحبس نفسها أبد الدهر، فلتقم بما تريد المهم ألّا تؤذي زياد! لم يتخيّل يومًا، ولا في أسوء كوابيسه، أن ديما الحنونة والتي تُحب الأطفال وتتمنى أن تصيرَ أمًا قد تُحاول يومًا إيذاء ابنه! لكنّه منذ رأى ردّة فعلها الأخيرة بدأ يرسم حدًا حول ابنه، ولن يتردد في التعامل معها بقسوةٍ إن حاولت مجرد محاولةٍ أن تؤذيه.
انتبه لزياد الذي كان يسأله عن شيءٍ ما بعبوسٍ وتردد، لكنّه لم يسمعه جيدًا لذا همس لهُ بابتسامة : وش قلت حبيبي؟
زياد بخفوتٍ ينظرُ إليه بحزن : صاحبي يقُول إنّه بيروح في الإجازة لدبي
رفع سيف حاجبيْه مُبتسمًا، ثمّ همس بحنان : تبيني آخذك لدبي؟
هزّ زياد رأسه بالإيجاب وهو يهتف بذاتِ الصوتِ الخافت : مع ماما مثل ما هو بيروح مع امه وابوه
أجفل سيف ومُسحت ابتسامته، وعينيه ارتفعتا تلقائيًا لعيني امه التي تنهدت بصمت. كانت نظرةُ زياد المُلقاة إليه كافيةً لتزعزعه، كافيةً لتجعلهُ ينظر إليه بأسى جاش في صدرهِ عند مطلعِ حديثهِ وهدفهِ البريء، هدفه الذي لم يتعلق بالسفر بحجم ما تعلّق باجتماع والديْهِ سويّةً! هدفه الذي لن ينولهُ للأسف.
واسم بثينة ذاته يتمنى لو يمحوه نهائيًا من حياته، لكنّ ذلك شبهَ مُستحيلٍ بما أنها ام ابنه، وكيف لهُ أن يسمح بتواجد طفلٍ آخر في حياتـه وهو يرى ما يعانيه زياد؟ ذاك بحدّ ذاته يوجعه! يوجعه ألّا يحقق لابنه السعادة التامة، يوجعه أن يكون زياد مشتتًا ما بينه وبين والدته، يوجعه أن يرى نظرات الشغف في عينيه لاجتماعٍ لن يحدث مهما حدث! لن يحدث وكلّ طريقٍ لذلك قد رُدم وتلاشى، كل طريقٍ لتلك الحياةِ انتهى ومُسح!
نظرَ إلى زياد بعينين خاويتين والكلماتُ تُسحب منه، بمَ يردّ عند نظراتِ هذا الطفل؟ بمَ يرد وهو يرى عينيه الصغيرتين تلتمعان برجاءٍ وأمل؟
ابتسم باهتزازٍ إليْه وهو يهمس مُحاولًا تضييع الموضوع : ماودك تجيب كتبك الحين وأشوف وش بقى لك ما درسته؟
عقد زياد حاجبيْه وهو يمدُّ شفتيه للأمام قليلًا : طيب قولي أول بنروح والا لا؟
زفر سيف وهو يزمّ شفتيه ماسحًا على وجهه بكفه، ولم يجد ما يرد به عليه أمام اصرارهِ لسماعِ الجواب سوى : إن شاء الله
اتسعت ابتسامةُ زياد بسعادةٍ وهو يقفز عن حضنه ليُحضر حقيبته التي كان يضعها على مقعدٍ مُنفرد. بينما رفع سيف نظراته من جديدٍ إلى أمه بعجزِ طفلٍ لا يعلم ما الذي يجب عليه أن يفعلهُ ويردّ به، ولم يجد لهُ سوى الإلتجاء لأمه التي أشارت بيدها بمعنى " فيما بعد ". وكيف له أن ينتظر؟


,


" فستانك بيوصلنا إن شاء الله صباحية زواجك ". نظرت إلى أمها بعينين مسلوبتي اللمعان بعد أن قالت تلك الجملة، ويالسخرية فقد نسيت موضوع الفستان من أساسه! إن كانت نسيت نفسها فهل يضرّ أن تنسى قطعةَ قماشٍ بيضاء لا تتناسب معها؟ هل سيضرّ أن تُزفّ إليه بثوبٍ أسود يعكس مزاجها؟ . . " يا الله بس!! "، كم هي كئيبةٌ إلى حدٍ مُقزز! فارغةُ الروح والكيان، إنّها كغذاءً انتهت صلاحيته ونفد.
عضّت شفتها وهي تؤمئ ببساطةٍ لا تتماشى مع مزاجها المُضمحل، بينما أردفت أمها بهدوءٍ وهي تلاحظ عتمةَ عينيها عندما يُفتح أمرٌ ما متعلقٌ بزواجها : وراك بكرة جلسة تنظيف في مشغل *** ، حجزت لك من كم يوم و ...
قاطعتها أسيل وعيناها توسّعتانِ بصدمة : يمه!! وش له كل هذا حرام عليك؟
ام فواز تُقطّب جبينها باستنكارٍ لما تسمع : وش اللي وش له الله يهديك؟ أنتِ عروس ولازم تتجهزين
بدأت تلقائيًا بهزّ ساقها مُضطربة، وصوتُ شاهين يهاجمها بغتةً، صوتهُ في آخر محادثةٍ بينهما والتي انتهت بصمت الطرفين حتى أغلقت. أليس من العدلِ الآن أن تستوحذ الوحشة عليها عند هذا المُفترق؟ وصوتُ شاهين في هذه اللحظات يضعف عند صوتٍ آخر شجيٍّ يهتف باسمها بضراوة، يأمرها بكلّ الجنون الذي استحلها أن تفعل شيئًا، أن تهرب مثلًا! أن تقتل نفسها مثلًا! يأمرها ألا تستبيح حرمةَ علاقتهما بهذه الصورة القاسية، ألا تنتهك أحقيتهُ بها فقط حتى وإن كان ميتًا! يأمرها بكلّ المرارةِ التي تتجرعها في هذه الأثناء وطعمُ الصديد يستقرّ في حلقها، بكلّ الخريفية التي تسكنها والجفافْ! لا تَجُرِّي قلمًا فوق اسمي وتحنيني من حياتك! لا تُذنبي في حقّ قلبك، لا تُخطئي في حقّ نفسك فتغتاليها، لا تفعلي يا أسيل وكل المجالات للنسيان خائبة، كل الطُرق للتأقلم تنتهي عندي ولن تصلَ شاهين يومًا يا أسيل! . . تذكري حين ارتبكتي أول يومٍ لنا وبعد عقد قرآننا وأنا جالسٌ بجوارك، تذكري فستانك السكري وكفّاك التي احمرّتا باضطرابهما وأنتِ التي لم ترحميهما بفركك المُستمر، تذكّري حين همست لكِ بـ " مبروكٍ " فغرقتي في حُمرتك، تذكري صوتِك الذي انحدر باضطرابهِ لتهمسي بعد دقائق مُرتبكة " أيش اسمك "! وكل الحماقةِ اجتمعت عند رأسك بينما اندهشت لذلك، كل الحياء تمركز بكِ لتلفظي بسؤالٍ جوابهُ مُدرَكٌ لكنه اغتال اللحظاتِ ليظهر بذاك الشكل المُضطرب، تذكري تأوّهكِ بعد همسكِ والدموع التي سقطت في لحظةٍ مُعلنةً ارتفاع بكائك. وأنا من الجهةِ المُقابلة بدأت بتهدئةِ زوجتي التي بدأت ببكاءٍ لا يليق لا بالزمان ولا بالمكان ولا حتى بشكلها! بدأت بتهدئةِ تلك الطفلةِ " الرويانة " ذات الفستان السكري، تلك اللوتس الساحرة بعينيها، الآسرِ صوتها، المُبتدئ منها جمال الإناثِ والمُنتهي عندها، المُتجسدةِ للفتنة القاتلةِ لرجلٍ شرقيّ مثلي.
لذا احذري يا أسيل ولا تخطئي، لا تبكي عند رجلٍ غيري لحماقةِ سؤال قد يخرج منك مُضطربًا، لا تدعي غيري يُهدئ نوبةَ بُكائكِ المُدلل . . لا تخونيني! لا تخونيني!!!
اهتزّت شفتاها فجأةً وساقيها سكنتا، بينما بدأت الغُرفة تُطبق على صدرها بكل قوّة، والإختناق يُهاجم رئتيها بينما بدأت الدموع بالتجلي على صفيحةِ عينيها عند مسمع هذا الصوت الذي لازال يجري في مسامعها، عند الكلمات التي مازالت تُحارب الأكسجين الذي أُهدر في الغرفةِ وتبرأ منها، عند انحناءِ حاجبيها بألمِ قلبها قبل صدرها الذي اختنق وتيتّم بموتِ الأكسجين.
قلبها ينزف في هذه اللحظة، روحها مُشتتةٌ ما بين الموت والحياة، مُعلّقةٌ في سقفِ الإكتفاءِ من الحياة والإبتداءِ بالممات! . . لم تُدرك أنها في هذه اللحظاتِ كانت تشهق لا إراديًا تُحارب الهواءَ ليدخل، ولم تسمع صوت أمها التي بدأ بمناداة اسمها بصراخٍ خائف، سمعها انحصر بذاك الصوت، فقط ذاك الصوت دون غيره، دون سواه.


,


تجاوز الوقت ما انتظروه! فالساعةُ الآن لم تعد الثامنة بل أصبحت الثامنةُ وعشرًا، لمَ تأخروا عن الميعادِ المُنتظر؟
بدأ الإرتباك يتضاعف بمئاتِ المرّات عند كلّ الواقفين، وتلك عيناها بدأتا تلتمعان بدموعٍ خائفة وقبضتيها تشدّان على معطفها الثخين. عيناها الدامعتان مُعلقتان بباب غرفة العمليات، وشفتيها بدأتا تتمتمان مُستغفرةً بخفوتٍ يُخالف ضجيج الإرتباكِ والخوف في صدرها.
بينما كان فارس يقف بجانب فواز ينظر إلى ساعته مرةً ومرات، وملامحه تشتدّ بمدى الإنفعال الذي واتاه منذ دخل والده غرفة العمليات وهاهو هذا الإنفعال يتضاعف عشر مراتٍ الآن. نظر لفواز ليهتف غاضبًا : وش فيهم تأخروا مو قالوا الساعة ثمان؟
وضع فواز كفه على كتفه مُحاولًا تهدئته : اهدا وتعوّذ من الشيطان كل شيء راح يكون تمام إن شاء الله
زفرَ فارس بحرارةٍ والهواء الذي يُطلق من صدره ساخنٌ بالنيران التي تندلع فيه انفعالًا، بينما كان أمجد الآخر على وقفته ذاتها لم يتحرك ولم يبدي انفعالًا واضحًا على ملامحه، إلا أن نظره لساعته كلّ ثانيتين كان يفضح توتره.
فُتح بابُ غرفة العمليات أخيرًا، لتخرج منها ممرضةٌ كانت تمشي بهرولةٍ ضاعف الذعر الذي في قلبها، ودون أن تشعر بنفسها لحقتها بسرعة لتُمسك بذراعها وتوقفها صارخة : ما الذي يحدث؟؟
الممرضة بسرعةٍ وتوتر : لقد حدثت بعض المضاعفات . . كان يجب أن تكون العملية ناجحة، لكن لا ندري ما الذي حدث! لا أحد يدري!!
اتسعت عيناها بصدمةٍ لما تسمع، بينما تشنج فارس في وقفته وهو ينظر إليها وعينيه مُتسعتين، غير معقول!! . . سحبت الممرضة يدها لتُكمل طريقها باستعجال، وهي الأخرى بقيت واقفةً في مكانها، تنظر للفراغ دون استيعابٍ لما سمعت، ما الذي يعنيه كلامها؟ ما الذي قالته من طلاسم؟ ، هي لا تفهم! لا تفهم شيئًا!! أكانت تقصد أن والدها لن يمشي مجددًا، أن الحلم مات في مهده؟ أنها استيقظت من منامٍ حلمت فيه أنّها تصوّر والدها وهو يركض مع فارس كما قبل! . . هل انتهى الحُلم الذي انتظرته وزاولت المشفى مع والدها لأجل تحقيقه؟ الحلم الذي جعلها تتأقلم هنا قسرًا لأجله؟
غصّةٌ ثقيلة كانت كالسد في حنجرتها، عيناها غامتا بدمعٍ كثيفٍ وأطرافها بدأت بالإرتعاش. استدارت فجأةً بجنونٍ وهي لا ترى أمامها من دموعها، ثمّ بخطواتٍ مهتزّة تحركت باتجاه غرفة العمليات وهي تُحرك رأسها نفيًا : أنتو أصلًا فاشلين . . ما تعرفون لشيء، ما تعرفون لشيء * صرخت * فاااااااااشليييييين
ما إن وصلت للباب حتى شعرت بجسدٍ يطوّقها من الخلف ويمنعها من المتابعة، لتصرخ دونَ وعيٍ وهي تنهار كليًا بمقاومتها ووجهها تغلّف بدموعها التي سقطت كوابلٍ لتشقّ وجنتيها بعذابٍ والمصيبة ذاتها وقعت عليها بحجمٍ كان كأنّ الحلم يعنيها وحدها، انهار قلبها بانهيار دموعها وهي التي كانت تدرك أنّها ستنهارُ لا محالة لو حدث عكس ما ابتغوه. هي التي تفاءلت بذلك! هي التي كانت مُتشائمةً منذ البداية ولم تتفاءل بالنجاح بحجم ما خشيت الفشل! هي التي قصّرت في الدعاء ولم تعتكف رافعةً يديها إلى السماء. هي السبب والنقطة السوداءُ في الصفحة البيضاء كما كانت دائمًا وكما اعتادت أن تكون، كما كانت ليكرهها أمجد وكرههُ لها بات واضحًا سببه، بالتأكيد يعلم أنها نقطةٌ سيئة في هذه العائلة، سابقًا كانت أمها تكرهها! كانت تبغضها بدرجةٍ جعلتها ترسم لها هذا الوشم في زندها، كانت تكرهها لأنها تعلم . . أنها كالرقم ثلاثةَ عشر، كالغرابِ يتشاءمون به.
قاومت بقوّةٍ تتعاكس مع انهيارها وذاك الجسد الصلب كان يجاري قوّتها أضعافًا، يُطوّقها بقوةِ ذراعيه إلى أن رفعها قليلًا عن الأرض وهو يصرخ بفارس الذي كان يقف في مكانه وكأنّ الإستيعاب لا يجد إليه منفذًا : فــــاااااارس
انتفض فارس فجأةً عند اسمه الذي أيقظه من صدمته، وما إن انتبه لما يحدث وانهيار أخته حتى اقترب منها ومن أمجد مهرولًا وقد كان صراخها كافيًا ليجتمع بهِ عددٌ من أطباءِ وممرضي المشفى، لتكُون نهاية ذاك الإنهيار والصراخ هو الإنخماد تحت الإبرة المُهدئـة.


,


ارتفع صوتُ ضحكها رغمًا عنها وهي ترى حركات غيداء البلهاء مع سلطان عند الباب، كان قسرًا أن تظهر ضحكتها عفويةً بينما كان ظهورها من الأمور النادرةِ التي لا تحدث إلا كومضةٍ لا غير.
لا تذكر متى ضحكت آخر مرة، ولا متى ارتسمت ابتسامتها على شفتيها كما ارتسمت اليوم عديدًا، لا تذكر متى استمتعت بهذا الشكل كما اليوم، رُبما كان معه! في تلك الأيام الماضية! لا تدري، لا تدري، هي فقط مُستمتعةٌ بالدرجة التي أنستها الكثير والكثير مما يواجهها من مساؤئ، بدرجةٍ جعلت عقلها يغفل عما سيواتيها بعد ساعاتٍ ربما. ماهذا التأثير الذي يجعلها تنطق بالمرح؟ كيف عساه الوقت يكُون بهذا الجمال معهم؟ كيف عساه ينسلخُ من صفاتِ البؤس والإختناق وهي بينهم؟ . . إلهي كم من الحرمان أصابها حتى تتمتع بما تراه الآن وبما تسمع؟ حتى تتلذذ بالقليل الذي سينتهي بعد ساعاتٍ بعدما ترحل؟
من خلف الباب كان سلطان يُحاول الدخول وغيداء تمنعه، وما إن سمع صوت ضحك غزل حتى استدارت حواسه كلّها لتلك الضحكةِ الناعمة والتي لا يذكر أنه سمعها من قبل!
همس سلطان لغيداء التي كانت تنظر إليه من جزءٍ بسيطٍ ومن بُخل ما فتحته له : ضحكة مين ذي؟
غيداء ترفع حاجبها بلؤم : على أساس منت عارفها؟ والا بس تبي تصرفني؟ . . أقول روح روح بس تارك أخوي المسكين بروحه وجاي لمرتك
قطّب سلطان ملامحه بتمسكن وهو يلفظ بدلالٍ جعل غيداء تضحك : حرام عليك غدوتي بس شوي! يرضيك يعني تمنعيني أسولف مع أمي شوي وأنحشر مع هذاك المعقد؟
غيداء بضحكة : تسولف مع أمي؟ لا تكفى ما طلبَتك اعترف بس انك تبي تشوف مرتك
ارتسمت ابتسامةٌ بسيطة على شفتيه وهو يرفع حاجبًا : من بعد ما سمعت هالضحكة الحلوة أي بشوفها
ما إن سمعت غزل ما قال حتى مُحيت ابتسامتها تلقائيًا وتبدّلت ملامحها وأُعتمت، وفي أثناء ذلك كانت ام عناد الأخرى قد قطّبت ملامحها حين انتبهت لذلك وعيناها تلقائيًا تراقبان أقلّ انفعالاتٍ لها.
غيداء : أقول يلا من غير مطرود بتسمع ضحكتها لين تقول بس بعد ما ترجعون بيتكم، وش ذنب أخوي المسكين تتركه بروحه؟
سلطان بعناد : لا تخليني أحط هالباب براسي وأكسره
غيداء تتصنع الخوف : لا تكفى تراه غالي
سلطان بابتسامة : أجل نادي غزل أبيها بكلمة راس
عبست غيداء وهي تُدير رأسها إلى غزل هاتفةً وقد لوت فمها دون رضا : جاوبي زوجك ثقيل الدم
كانت سترفص وتبقى جالسةً بينهم وكأنها بذلك تحتمي بهم من وحشٍ ما! إلا أنها حين انتبهت لموقعها وطبيعة نظرتهم لها وقفت حتى لا يُفتضح أمر علاقتهم، بينما كانت تلك الخلجات لا تخفى على ام عناد التي لحظت ترددها في الذهاب إليه . . هل بينهما خلافٌ ما؟
وقفت غزل خلف غيداء تنظر إليه باضطراب : نعم
نظر سلطان لغيداء الواقفة ينتظر ذهابها، وحين بقيت كما هي ولم تتحرك بلؤمٍ رفع إحدى حاجبيه : خير؟
ابتسمت غيداء ببراءةٍ وهي تتحرك مُبتعدة : لا ولا شيء
بقي يُتابعها بعينيه حتى اختفت عنهما جالسةً بجانب أمها، ثمّ وجه نظراته لغزل مُبتسمًا ليشير برأسه أن تقترب منه فاقتربت وعلى وجهها إمارات الإضطراب والاستغرابِ معًا، ما الذي يُريده منها الآن؟
همست بتوترٍ تجلّى في صوتها : وش فيه؟
اتسعت ابتسامته وهو ينظر لعينيها المُضطربتين، ثمّ بهمس : ضحكتك حلوة، لا عاد تجففين صوتِك منها.
انفرجت شفتاها قليلًا وهي تنظر إليه بعينين اتسعتا دون استيعاب، لم تستوعب كلماته ولا نظرته تلك، نظرته التي يُطلقها إليها كثيرًا فتتجاهلها بإرادتها! نظرته الحنونة والمرفقةُ بالصفاءِ والصدق!
ازدردت ريقها وهي تُزيح وجهها عنه، لن تنخدع بهِ ولا بنظراتِه وكلماته، لن تقوم سوى بتكذيب هذه النظرة في عينيه وهو الرجل الذي تحلى ببراعةٍ خارقةٍ في التمثيل لم ترها في غيره من قبل، حتى غيره كان أقل كفاءةً منه!
ابتسمت بسخريةٍ لتُعيد نظراتها إليه، ثمّ بقوّةٍ ظاهرية وصدرها ينفعل بالقهر الذي واتاها حين تكابلت بعض الذكريات في عقلها لتمثيله عليها! : ما تعرف تمثّل الطيبة يا سلطان
تقلّصت ابتسامته قليلًا دون أن تتلاشى، وعيناه نظرتا في عينيها بثقةٍ صلبة جعلتها تهتز وتُشتت حدقتيها عنه، إلا أنها هتفت بأسى دون أن تنظر إليه : كلكم تحبون التمثيل، كلكم!
هذه المرة اختفت ابتسامته نهائيًا وبدت على ملامحه التعجب، وباستنكار : كلكم!!!
عضّت طرف شفتها وهي تُميل حاجبيها بألمٍ لا يخفى عن عينيه، هذه الفتاة تخفي شيئًا، عيناها تحكيان عن لسانها! عن قلبها، عيناها كصفيحة النهر تعكس ما بداخلها وإن لم يكُن كلّه، إلّا أن ما يظهر فيهما كافٍ ليُدرك أن الرحيق من هذه الوردةِ الجميلة قد سُرق، أن الأنين في صدرها قد سَكن، والدمع عند محجريها استقرْ!
مدّ يدهُ ليُمسك بكفها الصغيرة ويسحبها برفقٍ للخارج، ولم يخفى عليه تشنج كفها الباردة عند دفء كفه. هل يتعمد هذه الحركات معها؟ هل يتقصد هذا الإقتراب منها اليوم؟
ومضت في ذاكرتها فجأةً حديثهما قبل يومين تقريبًا، حين قال لها بكل ثقةٍ أنه يستطيع جذبها إليه، يستطيع جعلها تحبه! . . انتفضت بقوةٍ وهي تسحب يدها وتتراجع، عيناها اتسعتا بإدراكٍ كان من حسن حظها أن جاءها مُبكرًا، أجل إنّه يتعمد هذا الأسلوب وهذا التمثيل، يظن أنه بذلك سيجعلها تتعلق به، ترتاح إليه! . . لا! حاشا ولتحلم بذلك يا سلطان، لستُ أنا من قد تتعلق برجل، لست أنا من ستُخدع بمكرك هذا وخُبثك، إنّك كسواكَ كما كنت أثق، تحاول بكل أنانيةٍ أن تفوز حتى بالبشر لتعذبهم أخيرًا! تحاول أن تكُون الصياد الذي يجذب الغزال بفخٍ ما ومن ثمّ يصطاده. كم أنتم قاسين أيا معشر الرجال، كم من القسوةِ تمتلكون لتبسّطوا نحر الإناث؟ كم من السادية تتمتعون والوأدُ عندكم بات حضارةً ابتعدت عن التخلف والجاهلية؟ ألا تُدرك يا سلطان أنّ التُراب أُلقي عليّ حتى وصل عنقي؟ ألا تُدرك أنّ ما تبقى مني ليس إلا رأسًا ومن بعد ذلك سيُتَمم وأدي.
قطّب جبينه لملامحها التي طغى عليها الذعر والخوف، يُدرك تمامًا أنه يجلب لها الذعر حتى وإن لم يقم بشيءٍ ضدها، وهو بالفعل لا يعلم لمَ تخافه!
اقترب منها بهدوءٍ هامسًا كي لا يسمعه أحد : بنت! وش فيك خفتي وكأن اللي قدامك وحش؟
زمّت شفتيها وهي تعود للخلف، تقاوم صوتها كي لا تصرخ، لن تكُون أنت! لن تكُون أنت من يُلقي آخر ما تبقى من التراب ويُغطي رأسي، لن تكُون أنت!!
هتفت باهتزاز : وخر! لا تقرب والا والله بصرخ وأفضحك قدام أهلك!
احتدّت ملامحهُ عند تهديدها له ليتعوّذ من الشيطان بصوتٍ مسموع لها، ليس وقت الغضب الآن! . . هتف بهدوءٍ جاهَدَ كي يُظهره : تعوّذي من الشيطان اللي يسمعك يقول مسوي لك شيء!
غزل بتوتر والخوف يأتيها من كل جانب، فكرة أنّهُ يمثّل كي يكسب الرهان أخافتها، أصابتها بالذعر مما غفلت عنه : بصرخ .. والله بصرخ
عضّ طرف شفته السُفلى وهو يقف في مكانه بينهما بضع خطواتٍ لا غير، نظر في ملامحها بحدةٍ دون صوت، ليتراجع أخيرًا وهو يومئ برأسه هاتفًا : طيب، هددي بعد، هددي براحتك وكأن اللي قدامك ماهو رجال بزر! * أردف بغضب * الوعد في البيت ياللي مستقوية بالفضايح!!


,


نظر مطولًا لابنه بعد أن انسحب من عنده ذاهبًا لجدته حتى تذاكر له هي، بعينين لا تعبير فيهما يتطلع بضآلةِ حجمه، وبراءةِ نظرته التي يزورها الحزن مراتٍ بسببه ولا يستطيع هو فعل شيءٍ لذلك، وكم أن هذا العجز يؤذي شعوره الأبوي نحوه، أن تكُون عاجزًا بهذا الشكل عن إسعاد - ضناك -، أن تكُون عاجزًا عن مسح نظرةِ حزنٍ زوالته إلى الأبد، أن تكون واقفًا أمامه، تتطلّع بعينيه اللتين تتأملانك بلمعةِ رجاءٍ مكسورة، وأنت من الجهةِ الأخرى لا تنظر إليه سوى بعجز ... هذا ما سيكون فوق احتمال كل أب!!
يا الله! . . شتت نظراته عنه وهو يشدّ على شفتيه بحنقٍ من ذاته، إن كان يعجز عن أمرٍ كهذا فأي أبٍ هو؟ إنّه عاجزٌ بدرجةٍ مُخزية، عاجزٌ عن إسعاد ابنه قبل أن يكُون عاجزًا عن إسعاد نفسه . . وإسعاد ديما معه!
ارتخت ملامحه فجأةً وعيناه تتجهان للدرج تلقائيًا، توقف تفكيره للحظاتٍ وهو يتأمل عتباته، من أُخادع يا الله؟ إنني أكذب على نفسي قبل أي شخصٍ آخر، أكذب عليها، وأكذب على كلّ من حولي، أيّ سعادةٍ هذه التي لا أستطيع جلبها لنفسي؟ أيّ سعادةٍ تلك قد تهرب مني حين تكون تلك السمراء في ذات البيت الذي أسكن به؟ حين تنام بقُربي، أشتم رائحتها الزكية، وأستشعر دفئها الذي تغلّب على الشمس فكان الطاقة التي تتخلخلني، أي كذبٍ أعيش فيه حين أقول أنني - غير سعيد -؟؟ . . حتى وإن كانت سعادتي ناقصةً بتعكّر حياتنا معًا، بابتعاد ابني عني، إلا أنني على الأقل أستحوذ على نصف السعادةِ بقُربها.
ارتسمت ابتسامةٌ طفيفة على شفتيه تكاد لا تُلحظ، ثم نهض هاتفًا بخفوت : راجع بعد شوي
رفع زياد رأسه إليه ولم يكد ينطق بشيءٍ حتى تحرّك مبتعدًا عنهما.
بينما عبر هو العتبات بخطواتٍ واسعة، يُدرك في هذه اللحظاتِ أنّه أنانيٌ بدرجةٍ غير معقولة! أنانيٌ حين أقرّ بأن له نصيبٌ في السعادة بينما يعلم حقّ اليقين أنها تكُون معظم يومها حزينة. أنانيٌ أنا بكِ، أنانيٌ بعينيكِ، بسُمرةِ ملامحكِ وتوّردُ وجنتيكِ، أنانيٌ أنا بهدوءِ ملامحكِ والتماع حدقتيك القاتمتين، أنانيٌ في حبٍ لم يجد له في قاموس الإعتراف مكانًا، لم يجد له في نطاق الإفصاح موطنًا! . . حبي لكِ عُرفيٌّ فضّل الإنطواء في صدري، فضّل الغربة عن الهويّة، فضل الإلتجاء خلف القُضبان.
في لحظاتٍ كانت قدمه تطأ غرفةَ نومهما، ليستنكر وضعيتها حين أن كانت مُمتددةً على جانبها الأيمن تُدير الباب ظهرها. اقترب منها حتى وصل إلى السرير، ليهمس وهو واقفٌ في مكانه : نايمة بهالساعة؟
فتحت عينيها ما إن سمعت صوته، والبعد كل البُعد بينها وبين النوم في هذه اللحظات. في تلك الدقائق السابقة وبعد أن أغلقت الحاسوب حيث لم تجد ما يُسليها بقيت مُمددةً على السرير بهذه الوضعية وأناملها تعبث بطرف المفرش، تُفكر بهِ وبها، وبابنهما المُنتظر من قبلها، تُفكر باستغفالها إياه و ( ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن )!!
من خلال تلكَ الأفكار أدركت أنها مُرتدّةٌ عن دائرة الطاعة! أدركت أنها تقوم بمعصيةٍ كُبرى إلا أنها بالرغم من ذلك لم تشعر برغبةٍ في إخباره ولا بالذنب! يكفي انصياعًا واتباعًا، تكفي تلك الوعودُ والقرارات، تكفي المشقّة بهذا الغباءِ وتبًا! تبًا لذاك الحُب الذي ما كانت نتيجته سوى الحرمان والخذلان، الدموع والآهات، لم تكُن الدنيا جميلةً في عيني يومًا كاملًا وأنا التابعيةُ لعينيك، لم يكُن انصياعي هذا إليك عادلًا لي، لنفسي، لقلبي وكبريائي الذي نزف حتى واتآه الجفاف واستحلّ به، بات قلبي كورقةٍ جافةٍ انسحبت الحياةُ منها وماتت، بات كقنبلةٍ انفجرت وانتهت فائدتها بالنسبة لصاحبها. ألا تُدرك ما معنى أن ينفجر القلب؟ أن يلفظ مافيه من مشاعر وأحاسيس! أن ينتهي وبذلك ينتهي الحب؟ أنا شارفت على ذلك، " أبشرّك ما بقي غير شوي وينفجر! ".
شعرت بهِ يجلس بجانبها، وقد استطال برأسه قليلًا لينظر لملامحها ويتأكد ما إذا كانت نائمةً بالفعل، وما إن رأى عينيها مفتوحتين حتى ارتسمت ابتسامةٌ طفيفة على شفتيه لمرآهما، لجفنيها اللذين ينطبقان ببطءٍ دون أن تحاول مجرد محاولةٍ على تدوير حدقتيها إليْه.
انحنى قليلًا إليها وهو يُزيح شعرها المُتحرر عن جانب وجهها، ثمّ همس بصوتٍ عبر أوردتها واتكأ على قلبها الذي أُرهق به : زعلانه؟
بللت شفتيها ما إن سمعت كلمتهُ تلك والتي أشعلت نيرانًا في صدرها، وكفُه التي بقيت مُستقرّةً على وجنتها كانت كمعدنٍ وجّهت الحرارة إليه ليلسعها، دفءُ بشرتهِ أمام برودةِ وجنتها كان كالماءِ المغلي! هي في النهايـة تنصهر ككل مرةٍ عند لمسةٍ منه، لكن ليس هذه المرة!!
مسَح على وجنتها برقّة إلى أن وصلت كفه إلى جانب عنقها، ثم أردف بهمسهِ ذاته : علاقتنا هاليومين صارت مخيّسة!
ارتفع حاجبها دون شعور، ووجها أدارته تلقائيًا إليه وقد برز عرقٌ في جبينها بمدى الحنق الذي تصاعد بها، ودون أن تستطيع السيطرة على نفسها هتفت بحنق : من يومها مخيّسة
سيف : عارف بس هاليومين مخيّسة بزيادة
عضّت شفتها بقوّةٍ لوقاحته! يعترف بكل بساطةً أنه يُدرك بطبيعةِ علاقتهما " المخيسة "، بكل برودٍ اجتمع في القطب الجنوبي الذي تمثّل في عينيه. كم من القسوةِ يحمل حتى يقتل القتيل ويمشي في جنازته؟ حتى يقطفها بكل عنجهيةٍ وردةً بهيّةً ليدعها تجفّ في إحدى أدراج غرفته! كم من الساديةِ يحمل حتى يُقطّع أجنحتها ليدعها حبيسةَ قفصه لا تستطيع هربًا؟
ابتسمت بسخريةٍ وهي تنظر إليْه، ليرفع حاحبيهً مُبتسمًا إبتسامةً لا تفسير لها عند ابتسامتها تلك. ثمّ هتفت بسخريةٍ وهي تعتدل جالسةً وظهرها مُسندٌ على الوسادة : حرام عليك يا بو زياد تارك ولدك بروحه تحت؟
قطّب جبينه وهو يلمح سخريةَ كلماتها، واللوعة التي غلّفت صوتها. إلا أنه عاد ليرفع حاجبًا وهذه المرة بحدةٍ بينما ابتسامته مُحيت ومُحي معها ظلّها.
مال إليها قليلًا ليجذبها إلى صدرهِ مُطوّقًا جسدها بذراعيه، وبلؤم : تطمني عليه بعيد عنك وما بيصير له شيء
زمّت شفتيها وألمٌ هاجم قلبها، كم أنت قاسٍ، في كل يومٍ تزرع أثار قسوتك وتغرسه في قلبي، في كل يومٍ يتشعب ألمي آلاف الشُعب وأنت تضحك غير مبالٍ بي، في كل يومٍ أتأملُ البعيد السراب والمُنقطع نهائيًا عن حياتنا بأمل أن يتحوّر ماهيته ويصبح حقيقة، يصبح واقعًا أضحك فيه ولا يكُون للبكاء إليّ منفذ.
بللت شفتيها وهي تنظر في عينيه اللتين تأملتا عينيها بشيءٍ آخر لم تفهمه، هذه النظرة الناعمةُ في عينيه لا تظهر إلا قليلًا، لا تظهر إلا كقطراتِ مطرٍ تجيء نادرًا في صحراء، كحلول الدفء في أراضي " التندرا "!
همست لهُ بألمٍ تمكّن من صوتها وكفيّها مستقرتين على صدره الصلب : يا قسوتك!
شتت نظراته عنها للحظةٍ وهو يزفر بحرارة، ثمّ عاد لينظر في عينيها بقوّةٍ ليُردف على كلمتها تلك بحدة : ويا سذاجتك!
أغمضت عينيها بقوّةٍ وهي تزفر بحرارةِ التفاعلات التي تجيش في صدرها، وحبي لكَ لا يكفي حتى أتغاضى، لا يكفي حتى أُحملّني الغفران عند زلاتِك، لا يُمهّدُ لي الطريق إلى النسيان وكل نسيانٍ يتلاشى عند جُرح الفؤادِ وانشطاره، عند نزف الروح وتفجّر أوعيتي الدمويَة بالضغط الذي يتكالب عليها.
ابتسمت بأسى لتهمس بسخريةٍ على حالها وهي تؤمئ برأسها : ايوا ، يا سذاجتي يوم شفتك الرجُل الكامل في عيوني
أعاد لها ابتسامتها بابتسامةٍ حملت نفس ما حملته من سخريةٍ لديها، لكنها كانت ساخرةً على حالهما معًا وليس فقط على ذاته، ساخرةً على مدى سذاجةِ عينيها اللتين ما لمحتا يومًا في عينيه غير القسوة، على مدى ابتعادها عن مكرِ الإناث وكيدِ النساء فلم تحاول مرةً من المرات أن تجذبهُ إلى الإعتراف يومًا بأن قلبه امتلأ بها ونسي السابقة تمامًا، عن ذاك القيد الذي التف حولهما ومنَع لسانه من البوحِ وكل بوحٍ ينشطرُ بالكنايةِ التي ما استوعبتها يومًا، لم تستوعبي بلاغةَ لساني وأفعالي في التعبير، لم تستوعبي كنايةَ تمسكي بكِ بتلك القسوةِ التي تتمثل في أفعالي، لم تفهمي يومًا يا ديما أن بعض الكلماتِ والقصائدِ إن فُسّرت ذهب جمالها وأنا جمال تعبيري في الكنايةِ والسّجعِ والجناس! أنا الأبجديةُ الصعبة في التغبير والقاسيةُ في الفهم، فلمَ لا تحاولين درَس بلاغتي في التعبير وفهمي؟
ارتفعت يدُه إلى مؤخرةِ رأسها ليتخلخل بأناملهِ خصلات شعرها يجذب رأسها إلى صدرهِ يدفنهُ بين أضلاعه، أنفاسها الدافئةُ كانت تجعل جسده يقشعرُّ ما إن ترتطم بثوبهِ وتصلَ بشرته التي تلتهبُ بها.
أغمضت عينيها وأنفها تتشرّب رائحته، جفناها يرتخيان على صفيحةِ عينيها وهي تستمع لتلك العضلةِ التي تنبض بشدةٍ في صدره، وبالرغم من كونها سابقًا ستصمت وتنسى الكثير وهي تسكن صدره تستقبل عاطفته بكل شوقٍ إلا أنها الآن ابتعدت عن التناسي وكما أسلفت فكل نسيانٍ الآن قد تلاشى كما التناسي. لذا همست وهي تُحرّك أنامل كفها اليُسرى على انبساطِ صدره العريض : مو بغيت تحكي معي على سالفة أمس؟
شعرت بتصلّب صدره، إلا أنه همس وهو يمسح على شعرها : نحكي بعدين
ابتعدت عنه قليلًا، لترفع عينيها إليْهِ بقوةٍ تهتف بشجاعةٍ مُنقطعة النظير : بس أنا أبغى أحكي الحين بخصوص موضوعنا
زفر وهو يعضّ طرف شفتِه ويشتت حدقتيه التي أعادهما إليها بعد ثانيتين وقد انغرست القسوةُ بهما، ثمّ بحدة : طيب .. دامك مشتهية التجريح الحين فتحملي اللي بيجيك
بحدةٍ أكبر أردف دون أن يُهديها الوقت لتتحدث : تذكرين بداية زواجنا؟ . . طيب تذكرين اتفاقنا؟؟؟!
احتدّت نظراتها وهي تتذكر ذاك الإتفاق اللعين، حاجبيها انعقدا ولوعةٌ أصابت صوتها : العيال؟
أومأ برأسه وملامحه تشتدّ بقسوة : أيش قلت لك؟ قلت ما أبي عيال ووافقتي ولا اعترضتي
اندفعت ديما بالكلام وأناملها تشتدّ دون شعورٍ على قماش ثوبه، وبلوعة : أنا وش يدريني إنّك قصدت طول العمر؟ قلت لي لين مايجي اليوم المناسب بس ما جاء هاليوم! ولا أظنه بيجي! . . خدعتني!
سيف : ما خدعتك! عطيتك العلم من البداية وقلت لين ما يجي الوقت المناسب . . مو ذنبي إنّه ما جاء!
سقطت دموعها وهي تنظر لعينيه الساديتين، وقلبها ينقبض بألم، هاجم الجفاف حنجرتها وملح دموعها وصل شفتيها لتتذوقه ما إن بدأت بالكلام بصوتٍ بُحَّ بجفافه : ماني منتظرتك! ولاني منتظرة هالوقت المناسب بالنسبة لك يجي
شعرت بذراعهِ التي مازالت تطوّق جسدها تحتدّ بشدّها إليه، بينما يده التي كانت تسبح بين خصلاتها تشنجت كما ملامحه التي أصبحت تنضح بقسوةٍ لا تبشر بالخير! لكنها لم تتراجع! بما أنّها أصبحت في هذه المعمعةِ فلن تخرج حتى تُطلق كلّ ما لديها.
أردفت قبل أن ينطق هو بقسوةٍ قُمعت من كلماته قبل أن تخرج : أنا أشوف الوقت صار مناسب لي . . بالنسبة لك أنا بنت الناس، ممكن تتركني من أبسط مشكلة وأبسط زلّة، وأهلي بعد عمر طويل ماهم دايمين لي مين بيبقى لي؟
أنت عندك ولدك وبيكبر ويهتم فيك ويراعيك . . بس أنا لا كبرت وش بيصير فيني يا سيف؟
أنا راسمة ببالي كل الإحتمالات، تقول مستحيل تطلّقني ولازم أبعد هالفكرة من راسي بس وش اللي يخليني أثق بهالشيء؟ وش اللي بيخليني أثق في إنّي ما راح أرتمي على أهلي وأكون ثقل عليهم بعدين وأنا لا ولد يهتم فيني ولا بنت تحنّ عليْ!
شايف الفرق اللي بيني وبينك؟ شايف تفكيري وين وتفكيرك الأناني وين؟
لا تلومني يا سيف . . لا تلومني لا سوّيت شيء يعارض أنانيتك
أنت تدري إنّي أحبك ، بس الحب ما يعني عندي التنازل عن كل شيء! ما يعني عندي الإنحلال عن حقوقي اللي أنت ربحت فيها واللي عايش مبسوط وهي جنبك.
وكأنّ كلماتها كانت وقودًا سُكبت على نارٍ هي في أصلها هوجاء، كانت الفحيحَ الذي جعلهُ ينتفض مُتأهبًا، كانت منفذًا لشكٍ اقترب من الحقيقة . . انتفض بقوّةٍ مبتعدًا عنها، ينظر إليها بعينين اتسعتا بشرٍ كان سببًا في اهتزاز حدقتيها اللتين ما زالتا تتصنعان القوة.
ولم تكد تستوعب شيئًا وهي تراه يتجه لعباءتها المُعلّقة حتى عاد ليرميها عليها هاتفًا بقوّة : البسي عبايتك
انتفضت بذعرٍ لتنظر لعينيه اللتين ارتفع عنصر القسوةِ فيهما أكثر، وباهتزاز : ليه؟
سيف بصوتٍ مُحيت كل علاقةٍ فيه بالرفق : عشان أتأكد لا كنتِ لاعبة من وراي!

.

.

.

انــتــهى


وقبل لا تقولوا لي قصير في جزء ثاني يوم الأحد راح يشمل الأبطال اللي ما ظهروا هنا :$


ودمتم بخير : كَيــدْ !







أبداع أنثى 30-01-15 12:01 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
كييييد ي مجرمممه وش ذي القفله وقفت قلبي معها

الا ديوووووم مابي يصير لها شي ولا للي تحمله بداخلها

عجبني تفكيرها المنطقي ..انا معها بكل شكوكها وخوفها
سيف ماله أي حق بتحجيره ع زوجته

اسيييل رحمت تأنيب الضمير لها وضعها النفسي متعب
أكيد جاتها نوبه ربو حاده ..والله يستر

bluemay 30-01-15 12:16 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
يسلمو إيديك حبيبتي

ولي عودة بتعليق بعد القراءة



لك ودي




°•○اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي○•°

ايشو المطيري 01-02-15 05:40 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
ننتظرك اليوم الاحد :(
مرهه متحمسسسه :"""(

كَيــدْ 02-02-15 02:47 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباح الورد :$ -> مالها وجه تقابلكم :$$

نقول أيش؟ : تندمت مليون مرة إنّي قلت لكم بنزل لكم يوم الأحد بارت وخليتكم متلهفين له وفي النهاية ما نزل
طيب وش صار بالضبط عشان ما قدرت أنزل؟
داومت أمس مواصلة في السهر اللي كان على الرواية :$ كنت حاطة في بالي إنّي أسهر على البارت وأكمل بقية المواقف في البريكات على الجوال، وأول ما أرجع البيت أراجعه وأنزله
بس صار إني انصدمت بجدولي :(( طول الأسبوع اللي فات ما قدرت أدخل موقع الجامعة وأشوف جدولي وما شفته الا اليوم
والمصيبة إنّي بيوم الأحد ما أرجع إلا الساعة 5 العصر!! متخيلين هالشي!!
بغيت أنجلط زود عن كونه أول يوم ويبي لي أتعوّد شوي فما تأقلمت في الكتابة بين العالم.
وأول ما رجعت البيت كنت خلاص تعبانة حيل وعيوني ما أقدر أفتحها.

طيب شايفين هالمأساوية؟ عاذريني صح!!
المهم بالنسبة لبارت الأحد، أنا أشوف إنّه الأفضل يتأخر ليوم الخميس كعادتنا
وأوعدكم بيكون طويل وراح يشمل شخصيات ثانية ما كنت بظهرهم فيه بحكم انه خاص بالشخصيات اللي ما ظهرت في الجزء الأول منه . . شرايكم؟

وأتمنى من كل قلبي تلتمسون لي العذر ماهو بيدي أتأخر عليكم ولو إنّي أتعمد هالشيء ما كنت نزّلت الرواية أصلًا وأنا في بالي أماطل
تذكرت اليوم وحدة من المتابعات قالت لي مرة : لا تاخذك كلية الطب منا :(((
بس إن شاء الله الدراسة ماراح تاخذني منكم وبنكون مثل ما كنا إلا إذا صار شيء يمنعني



أحبكم :$ ربي ما يخليني من حلوّ قلوبكم ()


كَيــدْ 05-02-15 09:36 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 





سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم/مساؤكم راحة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بأتم صحة وعافية


بسم الله نبدأ
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
بقلم : كَيــدْ !



(29)*2



تستقرُّ على سريرها، تُواجه الباب بجسدها وعيناها تنظران إليهِ بخواءٍ يستحلّ الروح قبل الجسد، يستحلّ العقل فيسيطر على أعصابها التي توقفت عن عملها، يستحلّ كل شيءٍ ما عدا مركز الذاكرة التي تنتعش كل ثانيتين بما يؤرقُ عيناها المُرهقتين.
كم مرةً يجب أن تُنبِئ ذاتها أنّها وصمةُ ألم؟ كم مرةً يجب أن تُدرك أنّها وجعٌ وبؤسٌ مُتنقل؟ حتى أثرها بُثّ حولها لتنقل هذا البؤس إلى عائلةٌ أخرى. اليوم عبدالله طلّق هالة وغدًا ماذا؟ ماذا بقي بعد؟ ما الذي لم تفعله بعد؟ انتهت أيام الضحكاتِ والمزاح فيما بينهم، انتهت الأيام التي كان يقول لها عبدالله فيها " لا تزعليني منك وتقوليلي عمي! "، انتهت الأيام التي كانت تُمازح فيها ياسر بشكلٍ جاهدت فيه أن تبدو طبيعيةً حتى لا تُظهر حبها للعيان، انتهت الأيام التي كانت فيها تتلقى الحُب من هالة سعيدةً تشعر أنها كغيرها لتستوعب العكس حين تُصبح على سريرها، انتهت تلك الأيام والساعات والدقائق الماضياتِ المهرولات في ذاكرتها الآن، طُوِيَت الثواني بين الآهةِ والخيبات، طويت وما عاد شيءٌ يُبسطها. كيف عساها تعود معهم كما كانت بعد كل هذا؟ كيف عسى الأيام تعودُ لمجراها والماءُ الراكد هيهات أن يجري وهو في محبسه!
رفعت كفّها لتُغطي بهِ عينيها النازفتين بدموعٍ تجري لتشقّ وادٍ ليس بذي زرع! جُفّت وجنتاها بملحٍ تخلخل مساماتها واستقرّ ليعمّ الجفاف، والقحط كلّ الحقطِ حين لا تكُون بين عائلةٍ يجري دمُها في دمكْ، البؤسُ كل البؤس حين تنسلخ من وهمٍ التصق بكَ اثنان وعشرون عامًا لتستشعر أخيرًا أنّك لا شيء! لم تمتلك شيئًا طيلة حياتك، لم تمتلك لا حبًا ولا حنانًا يُغنيك عن حقيقةٍ تمنيتها ولم تنُلها.
ارتفع صوتُ أنينها قليلًا وكفُّها لا تزال أمام عينيها، ترتعشُ ككل خليّةٍ مُكونةٍ لها، كشفتيها اللتين انفرجتا مُناجيةً هواءً دخل ببرودتهِ ليُضاعف الوجع والألم.
همست بعذابٍ وحتى كفّها بات مُشوّشًا لعينيها اللتين تبللتا بالدمع : مالك مكان يا نفسي، مالك مكان وكل ركن بهالعالم تخلّى عنك!


,


الماءُ يتدفق على جسده، يستقبل رذاذه البارد بكل ترحابٍ علّ هذه البرودة تُطفئ القليل من ناره، تلك النار التي تلتهم كل شعورٍ بالراحة قد تعتريه.
أغمض عينيه اللتين غلّفهما الماء وشُوِّش منهما النظر . . كيف للإنسان أن يسكُن بين البيْنِ والبيْنِ في حين اتساع هذه الأرض؟ كيف يكُون وحيدًا في هذا البين وعدد سكان الأرض أضعاف الملايين؟ هلّ شقّ لنفسه بين المجرّاتِ مجرةً أخرى يعيش بها؟ يدور في كوكبٍ خاصٍ بهِ حول شمسها ونجومها؟ يختفي عن كوكبهِ القمرُ فيعيش ليلًا في ظلامٍ لا يجد فيه الشمس قمرًا يعكس عنه نوره! . . حسنًا وماذا عن النهار؟ حين تشرق الشمس لينوله الضوء بضع سويعاتٍ حارقات؟ . . طبقةُ الأوزون انسلخت عن كوكبه، الإشعاعات تأتيه من كل جانبٍ ليحترق! لا النهار نهارٌ باعتدالٍ ولا الليل ليلٌ مٰعتدلْ! . . الأشعة فوق البنفسجية! التحت الحمراء! السينيةِ وغيرها وغيرها! كلّها تخلخلت جلدهُ وأصابته بحروقٍ لا شفاء منها، أصابتهُ أمراضٌ نالت منه نفسيًا دون أن تطفو على جسده الذي يحترق احتراقًا غير مرئي!
يا رباه! ألا تكفيه تلك الجروح في قلبهِ حتى يمرض جسده؟ ألا تكفيه تلك العاهات المُستديمة بروحه ليجيء الإحتراق الجسدي من حيث لا يعلم!
فغر شفتيه وهو يرفع ملامحه قليلًا مُقابلًا تيار الماء، ليشرُق بما اخترق جوفه ويسعل خافضًا لرأسه يضع كفّه اليُسرى على فمه.
سعل قليلًا والماء يَبسُط شعرهُ المُتجعد، ثم تحرّك مُبتعدًا عن النطاق الذي يجري فيه وهو يمسح وجهه ويتنحنح مُغلقًا الصنبور من خلفه.

بينما كانت هي تجلُس على سريره منتظرةً خروجه من الحمام، تتلاعب بمفرش السرير الأسود بكآبةٍ تُطابق كآبةِ الغرفةِ بأكملها، تطابق الجدران التي تلوّنت بالرمادي مُختلطةً ما بين بياض الأرضية وسواد المفرش. لكنها وما إن سمعت صوتَ سُعاله الحاد حتى سكنت أناملها وانشدّت حواسها إليْه بقلقٍ لم ينزَح إلا بعد أن سكَن سُعاله.
تنهدت بضيقٍ لتعود لإطلاق كبتها في مفرشه، ولم تنتظر سوى ثلاث دقائق حتى خرج وهو يرتدي بنطالًا بيتيًا أبيضًا عارِ الصدر. وقد كانت تدرك أنه سيتفاجئ ما إن يراها في غرفته بعد ذاك الصمت بينهما والذي تلاه خصامٌ لم يكُن مُفترضًا بهِ أن يكُون.
نظر إليْها للحظاتٍ مُتفاجئًا قبل أن يتحرك للخزانةِ ويتناول أقرب " تيشيرت " ليرتديه، ومن ثمّ استدار إليها ليهتف ببرود : وش فيه؟
بللت شفتيها وهي تشتت نظراتها عنه، مشاعرها نحوه كأمٍ أكثر من كونها عمّةً فقط، تشعر بحنانِها يندفعُ إليه كأمواجٍ تندفع تلقائيًا نحو الشاطئ. همست برفق : أدهم وبعدين معاك؟
تنهد وهو يضغط على أعلى أنفه بين عينيه والصداعُ يتضاعف في رأسه عوضًا عن التراجع بعد أن استحم بهذا الماءِ البارد.
ظهر شبح ابتسامةٍ على شفتيها وهي تُميل رأسها قليلًا نحو الجهةِ اليُسرى، وبخفوت : تدري وين المشكلة؟ أخذت ملامح أبوك، وحتى جزء من مزاجه وأخلاقه! بس ما أخذت لا ملامح أمك ولا رُبع من أخلاقها
انعقد حاجبيه قليلًا وهو يُمعن النظر بها، والأحاديث القليلة التي تُثار عن أمه دائمًا ما تشدّه للسماع والتغاضي عن مزاجه السيء، لا يعرف عنها شيئًا، لا عن حياتها ولا عن صفاتها الخُلقية بعيدًا عن الخَلقية التي حفظها عبر صورةٍ لها، لم يكُن يعرف عنها سوى القليل كطريقة زواجها بأبيه وخداع هذا الأبِ لها ليرميها أخيرًا.
انتبهت لسكُون ملامحه وشغفِ عينيه للسماع، عيناه كانتا تُناجيانها للمتابعة لكنّ كبرياء لسانه اللعين لم يتحدث.
اتسعت ابتسامتها قليلًا لتُردف وومضاتٌ من تلك الذكرى حين كانت طفلة لا تفقه الكثير تلتمع بذاكرتها : أمك كانت طيبة، طيبة بشكل كبير . . مع إنّي ما شفتها غير يمكن مرتين أو ثلاث بس بكل مرة تشوفني فيها تقعد تحاول تكلمني بعربيتها المكسّرة وتلاعبني وكأني بنتها! كنت طفلة وقتها، وكوني طفلة ارتحت لها كثيييير وما نفرت كطبيعة فيني.
اقترب منها قليلًا بتردد، ليتوقف على بُعد ثلاث خطواتٍ من أمامها وأنفاسه تتحشرج بتلك الصفة التي ما وجدها في والده يومًا، " الطيبة " التي تمناها في أبيه ولم يجدها.
نظرت إليه دون أن تختفي ابتسامتها، لتدعوهُ بعينيها للجلوس بجانبها، وبكل ترحابٍ ردّ على دعوتها تلك بالموافقةِ شغفًا ليجلس بجانبها وعينيه لازالتا معلقتين بها دون أن ينبس ببنت شفة.
أكملت وهي تنظر للأمام دون أن تستدير إليه، تُدرك جيدًا أنه سيحاول بأقصى جهده عدم إظهار تأثّره على ملامحه إن هي نظرت إليه، لذا كان من الأفضل أن تنظر لكل شيءٍ عداه : جمال خُلقي وجمال خَلقي . . كلها اجتمعت فيها وما كانت مثل ما يقول البعض كافرة أكيد أخلاقها زفت! . . مع إنها كانت مسيحية بس أخلاقها تجاوزت أخلاق الكثير من المسلمين
اتسعت ابتسامتها لتُردف بهمس : كانت ملاك عندي كطفلة ... تدري وش يعني ملاك؟
عضّ طرف شفتهِ وحُنجرتهُ تحفُل بغصّةٍ جعلته يختنق، عيناه احترقتا بملحٍ مُذابٍ كان آخر محطاتها هي جفنيه، لذا كان من الصعب أن تقع! كان من الصعبِ أن تختار وجنتهُ محطةً أخرى وهو الذي شابَ على ابتعاد أمه ووالده عنه فما الذي قد يحشرج عينيه الآن؟ ما الذي قد يستفزّهُ للبكاء؟ . . لا شيء يستحق! لا الأمهات ولا الأباء يستحقون هذه الدموع عندما يُقصّرون في حق أبنائهم، لا الوطن هم ولا الملاذ حنانهم، هاهو كبِر وعانق الثلاثينيات دون أمٍ بجانبه تزرع حنانها فيه، دون أبٍ يشدّ من عزيمته، فما الذي قد يجعله يحنّ لما لم يشعر به؟
أغمض عينيه بقوةٍ وهو يزدرد ريقه يدفع غصّاته، ثمّ بهمسٍ غيرِ آسى : ما كانت أم! كانت مجرد مَـرَة لجأت لشبه زواج وهي عارفه إنّه خاطئ عشان تستمـ .....
صمت عند تلك الكلمة وصدره ينتفخ بالأكسجين الذي اختار صدره ملجأً، يتحشرج وشجرةُ عائلةٍ قُطعت من أصلها قبل أن يُكتب لها الشموخ، انقطعت كل السُبل للفخر بالأنسابِ وكبرياءِ القبائل التي كان من الحكمة أن تُدثر مع الجاهلية حتى لا يستشعر هذا النقص الآن، لا الفخر فخرهُ ولا الشجرةُ أثمرَت بأحفادٍ يكًُونون العكس من جدهم. قُمعت تلك الرجاءات والأحلام الطفولية بزوجةٍ جميلة وأطفالٍ سويين، قُطعت المجالات للسعادة وكل بابٍ أُغلق في وجهه كان فولاذًا، كل بابٍ أُوصِد استحلّ جزءً من أمالهِ ليُدثّرها .... ليدفنها!!!
أغمض عينيه وهذه المرة اختارت دموعه محطةً غير أجفانه، سقطت بسقوط روحه في قاعِ التعاسة ووحلِ الآحلامِ التي نهض صاحبها قبل تمامها، لم أُفسّر حلمًا قبع في صدري مرةً، لم أُحاول مرةً التفسير والسُنّة أن يُحدّث الشخص من يُحب عن أحلامهِ وأنا الذي لم أجد مرةً من أُحب حتى أحدثه، دُفنت أحلامي في مهدها يا الله لأكبر شابًا خاويًا لم يحمل آماله في جيبهِ ومضى، كبِرت وكل الفراغ يسكنني والبؤس كل البؤس على من لم يمضي بأحلامٍ تحفّز الشباب في صدرهِ كلّما شاخ.
سقطت دمعته على قماش بنطاله الأبيض وأنامله ارتعشت ليشدّ بها على ركبتيه، سقطَت وكلّ سقوطٍ لا نهوض من بعدهِ مُصيبة! وحالي كتلك الدمعة التي لم تعُد ولن تعود، سقطتُ في ذاك الوحلِ وتوسّخت بآفةٍ لم يُذكر كيفية الطهارةِ منها في كُتب الفقه والدين، ظفرتُ بتلك النجاسة وحيدًا مُعاقًا وانتهى بي المطاف في مشفًا لا أطباءَ فيهِ ولا دواء.
تحشرجَت بتلك الدمعة التي رأتها تسقط على وجنتهِ بعد أن استدارت إليه مصدومةً لما قاله، كانت مُستعدةً للصراخ في وجهه والخصام معه، لكنه ما إن قطع كلمته تلك لتسقط دموعه حتى شعرت بأن شيئًا ما خُلع منها.
لم تشعر بنفسها إلّا وهي تندفع إليه لتمسح دمعهُ بكفها وهي تبتلع ريقها لغصّةٍ واجهتها، لم تكُن الدموع من الأمور التي تليق بأدهم، لم يكن الضعف يومًا لائقًا بهِ وبملامحه القاسية، لم يكُن هناك ما يليق به سوى القوّةِ واللامبالاة لتجيء هذه الدموع وتشطر كل تلك الصفات بهذا الضعف الذي كسى ملامحه.
كانت كفاها الدافئتين مدفعًا للمزيد من الملوحةِ في عينيه! لم تكن إلا محفزًا ليضعف أكثر . . تساقطت دموعه واحدةً تلو الأخرى وكل تلك القناعاتِ تلاشت عند هذا الوجع، من قال أن البُكاء ضعف؟ من قال أن الرجل لا يبكي؟ نحن الرجال نشعر أيضًا، نحن بشرٌ كالإناث فكيف تجرأتم على تحريم البُكاء لننفجر بأحزاننا؟ كيف تساهلتم بهذا الحجم مع حُزن الرجال؟ . . وَيلكُم من الله قتلتونا! قتلتونا بتلك القناعات والقواعد التي أضنتنا، قتلتونا بكبرياء الرجل الشرقي وصلابته، قتلتونا بكبتنا وما أقسى الكبت حين يسكن صدرًا كصدري الذي شاخ بوجعه.
غطّى عينيه بإحدى كفيهِ وهو يُحاول إسكان وجع صدرهِ كي لا يئنَ والأنين يسكن محجريهِ اللتين تفجرتا الآن كعينٍ معطاء، تفجرتا أمام سُهى التي وجدت نفسها فجأةً تبكي معه وحُزنه صعبٌ إلى حدٍ " يُبكي الحجر ".
همست بغصة : أدهم حبيبي ...
قاطعها بصوتٍ مُتحشرجٍ ببكائه : تكفين اطلعي واتركيني بحالي
سهى : بس ...
قاطعها مرةً أخرى برجاء : تكفييين
ازدردت ريقها عند كلمته تلك، عند ضعف صوته الراجي الذي لم تعهده قبلًا . . وقفت وهي تمسح على ملامحها بكفها، ثمّ تحركت باتجاه الباب تنوي الخروج وهي تستودعه الله، إلا أنها توقف أمام الباب تُحاول تعديل صوتها الذي بُحّ : بس لعلمك يا أدهم ، زواج أمك وأبوك ما كان غلط وأنت منت شبه ولد غير شرعي مثل ما قالك عبدالله أكيد ومثل ما كان يقول قبل . . مين قال إنّ زواج العرف حرام؟ دامه استوفى الشروط كاملة فهو صح والعرف مجرد مسمى بس! . . * استدارت إليه لتنظر لظهرهِ المُوجّهِ إليها * مجرّد إن الزواج ما كان مُشهّر ولا مسجّل ما يعطيك الحق تحرمه وتقول عن أمك اللي قلته قبل شوي! خاف ربك يا أدهم ... خاف ربك هذي أمك
لفظت بكلماتها تلك بحرارةٍ وصوتٍ اختنق بانفعالها، ومن ثمّ خرجت دون أن تترك المجال قليلًا ليفكر حتى بالرد.


,


نظرت إليْه فاغرةً فاهها بعد ما قاله وأمرهِ ذاك، عباءتها استقرت على حُجرها بعد أن رماها عليها، ونظراتها تعلّقت بملامحه الغاضبة والتي كساها الشك . . كيف أمكنه الشكُّ أن يصل إليه بهذه السرعة؟ هل هي غبيةٌ لهذا الحد حتى توضح له؟
هتف بقوّةٍ حين لحظ سكُونها : يلا امشي قدامي أشوف
ازدردت ريقها دون أن تتحرك، ومعدتها التوَت من شدّة خوفها عند نظراته تلك وتنبؤاتِها لما سيحدث مستقبلًا عبر تلك النظرات، بالتأكيد قد يتهوّر إن علِم، قد يتسبب بموت ابنهما الذي لم يخُض في التكّونِ بعد!!
اتسعت عيناها عند تلك الفكرة وقلبها بدأ ينقبض بشدة، غير ممكن! لن تسمح لذلك بالحدوث ولن تُهدي للموتِ مجالًا ليصل ابنها الذي لم تفرح بهِ بعد، ستكُون الأم المُدافعة بكل ضراوةٍ عن طفلها، ستكُون اللبوةَ المتوحشة إن اقترب أحد من صغيرها حتى وإن كان هذا الشخص هو أسدها!!
ارتعشت أطرافها قليلًا قبل أن تشدّ على أسنانها وهي تُحاول تثبيط عزم الأدرينالين الذي اندفع بخوفها ذاك واضطرابها في جسدها، تُحاول جاهدةً السيطرة على أعصابِها لتبدو قويّةً واثقةَ اللسان والعبارات.
رفعت أنفها قليلًا لتهتف بجمود : بكل يوم تثبت ساديتك أكثر وأكثر
زمّ شفتيه بقوةٍ وفكرة امكانية استغفال ديما له بهذه البشاعة تُثيره بالجنون، حتى بثينة لم تكُن لتتجرأ على فعل ذلك وهي الأشد تمردًا، فهل تفعلها ديما الوديعة؟؟ . . لم يستطع السيطرة على نفسه وهو يقترب منها مُمسكًا بزندها ليشدها إليه قليلًا إلى أن جلست على ركبتيها فوق السرير، وبجنون : قلت لك البسي عبايتك وامشي قدامي . . اتركي عنك البربرة اللي مالها داعي
شُدّت ملامحها بقهرٍ وقوةٌ لا تعلم من أين تجيئُها تُدفع في جسدها بإصرار الأم الخائفة على ابنٍ لها ذهب يُجاهد في أراضٍ استحلها العدو، كأمٍ تعمل وتتعب وهي ترى أطفالها جياع، كأمٍ تسهر الليالي حين يكُون أحد أطفالها تعِبًا . . هي في النهاية أم، في كل الأحوال هي أمٌ وإن كانت أمًا لطفلٍ لم يجئ بعد، لم يتكوّن حتى الآن، لم يرفسها في رحمها ولم يحن وقت مُخاضها بهِ بعد، لكنّ مجرد التفكير بأنّها تحمل علقةً لم يُنفخ فيها الروح تستثير الأمومةَ فيها، تستثير الحُب والشغف الذي انتظرته ثلاث سنينَ وهاهو يشقّ الطريق حتى يجيء ويتحقق.
سحبت زندها من بين قبضته، ثمّ نظرت في عينيه بشدّةٍ لتهتف من بين أسنانها : تراك تغلط غلطة كبيرة يا سيف . . تغلط غلطة ما ظني بغفر لك بعدها
بلل شفتيه وهو يتراجع قليلًا، وصدره تحشرج بأنفاسه التي اضطربت مع اضطراب تفكيره : أنتِ اللي تجبريني على هالأسلوب
لوَت فمها : يا سلام! تراك مصدّق دور السلطان والجارية المحكوم عليها بالعبودية! . . * أعتمت ملامحها لتُردف بجمود * لا تخليني أكرهك يا سيف
رفعَ كفّهُ ليضغط بإبهامه وسبابته على صدغِه، واحتمال أن تكرهه يضغط على قلبهِ بقسوةٍ وهو الذي كان يثق سابقًا أنّها لن تفعل! لن تقوى على كرهه لكنّ تلك الثقة تزعزت فجأة! تزعزت عند شعوره بابتعادها عنه في هذهِ الفترةِ الوجيزة. ما الذي حدث لتبتعد عنه؟ ما الذي تبدّل حتى تُصنع تلك المسافة بينهما؟ منذ البداية وهذا هو نفسهُ وتلك علاقتهما، فما الذي تغيّر حتى تبتعد؟ كانا قريبيْن منذ البداية، كان يشعر بها فيهِ حتى مع حُزنها وجُرحها منه، لكنّ هناك ما حدث الآن لتنسلخ منه وتُصبح بجوارهِ فقط وليس فيه!
أغمض عينيْهِ بقوةٍ وهو يزفر بحرارةٍ مُحاولًا تهدئـة ثورة غضبه، ليهتف بخفوتٍ حاد : مسويّة شيء من وراي يا ديما؟
ديما بجمودٍ بَرُعَت في التسلّحِ به : شيء مثل أيش؟
فتَح عينيه لينظر إليها بنظراتٍ لا تفسير لها، ثمّ بصوتٍ حادٍ وهو يشدّ على أسنانه : والله والله يا ديما لو أدري إنّك مسوّية شيء من وراي عشان تحملين ما تلومين إلّا حالك
نظرت إليْه ببرودٍ وقلبها بين أضلعها يصرخُ بانقباضاته، كان رُغمًا عنها أن تشعر بالخوف من تهديده هذا لترتعش فقراتها، إلا أن ملامحها فضّلت الإنصياع لما تُريد بعيدًا عن " رُغمًا عن " لتبدو ساكنةً جامدة وكأن تهديده هذا لا يعنيها ولم يكُن موجهًا لها.
أمالت رأسها قليلًا وهي تنظر لملامحه الحادة، ثمّ بثقةٍ وهدوءٍ يتعاكسان مع خلجاتها الداخلية : تبي تشيّك على الحبوب بعد شيّك! روح تأكد إذا بعدها مثل ماهي آخر مرة أو نقصت
لفظت ما لفظت بكل ثقةٍ كلامية لأنها تُدرك جيدًا ما تقول! فهي حتى وإن لم تعد تستعمل تلك الحبوب إلا أنها مُنتظمةٌ في إزالةِ قُرصٍ في كل يوم.
نظر إلى عينيها الغريبة عنه نظرتها، بملامح تشنّجت وهو يبحث عن ديما التي اعتاد بعيدًا عن هذا الجمود، عن هذا التمرد الذي لا يليق بها، عن هذه الملامح التي لم تكُن يومًا ملامح ديما المُسترخيةِ بوداعةٍ وجاذبيةٍ لا تليق إلا بها . . أين ذهبت عنها؟ أين ذهبت ديما عمن أمامه الآن؟ عن هذهِ الإنسانة التي لا يعرفها ولم يلتق بها من قبل!
ارتخت ملامحه وهو يتأمل عينيها بغُربة، إنّ في عينيها شيئًا لم يكُن يومًا في حناياها، شيئًا لم يعُد يلقى فيه ملاذه كما السابق! عينيها الآن كطريقٍ هو فيه عابر سبيلٍ لا غير!
لا تكوني كذلك! لا تغتربِي عني وأنتِ الهويـةُ التي ينقسم عندها كلّ البلدان، أنتِ النهايـةُ التي لم يكُن بعدها شيءٌ والبدايةُ التي قُمع قبلها كل شيء، أنتِ الأشياءُ من الشيءِ والوجود من كل الوجود.
لا تُدركين يا ديما أنّ عينيكِ ملاذٌ آمنٌ كل رجائي ألّا يُبدّل بأرضٍ مُغطاة بالدم! كلّ رجائي ألّا تصيرا يومًا مجرّد دربٍ سأتجاوزه دون أي أثر، وأنتِ التي لم تكُن يومًا مجرد عثرةٍ نهضت منها، أنتِ الإنحناءُ الذي سكن بين حاجبيكِ لأسقط فيه وأنسى النهوض، أنتِ الغرورُ الذي نطَقت بهِ عيناكِ وأنا صريعُه! أنا البدايةُ التي بدأتِ منها والنهاية التي توقفتِ عندها ولن يكُون هناك غير ذلك، تُدركين كما أدركُ أن الشمس تشرق من المشرق، لم تشرق من المغربِ ذات يومٍ فكيف عساكِ تشرقين من الغُربةِ وأنا شرقُكِ وهويتكِ التي لن تتخلي عنها يومًا.
انساب صوتها البارد إلى أذنيه ليكُون الصقيع الذي جعل كل خلاياه ترتعش، جعل مسامعه تنتفضُ بمُناجاةٍ لصوتها الذي كان يشغرُ خطّ الإستواء! : أجيب الحبوب عشان تشوفها وتتأكد؟
عضّ شفته بقوّةٍ وهو يندفع إليها بانفعالٍ جعل ملامحها تتبدّل لتتراجع هذه المرة وقد سكن بعض الذعر عينيها، وفي غُمرة ظنّها أن جنونهُ طفا على عقله وقد يُجرم بها الآن كان لجسدهِ رأيٌ آخر حين عانقها بقوّة.
اتسعت عيناها بتوترٍ وهي تشعر بإحدى كفيه على مؤخرةِ رأسها يدفن ملامحها في كتفه، وأنفاسها اصتدمت بهِ حارّةً لتُضاعف حرارةَ صدرهِ الذي نبض بين أضلُعه فؤادٌ كان يصرخ بها هي فقط.
همس لها بجنونٍ وهو يشدّها إليه أكثر : ما أبي أشوف شيء غير عيونك . . بس عيونك!
فغرت فاهها وهي تشعر بالتناقض الذي يسكنه انتقل إليها تلقائيًا لتضعف عند صوتِه، في لحظةٍ هاهو يتبدّل لتتبدّل معه هي! وهو المُتحكم بكامل شخصِها ما إن تسكن ضلعه! هي الضعيفةُ إليْه في ساعاتٍ غلَّفت القوة وطوته بعيدًا، لم يعلم يومًا ولم يدرِك أنّه الشّق الذي يجتمع فيه الماءُ الدافئ والبارد، التقاءُ بحريْن واحدٌ منهما استوائيٌ والآخر قطبي، يجي في لحظةٍ وقد غلب برده، ولحظةٌ أخرى يكُون فيها دافئًا يتخلخل مساماتها ليُنعشها.
رفع رأسها ليوجّه ملامحها إليه، يتأمل عينيها باحثًا عن ملاذهِ ونظرتها الوديعة التي يعشق، الجاذبية التي تمركزت بحدقتيها وانسلخت عن مركز الكُرةِ الأرضية، محور التناقضات التي أقرّ بهِ وهو الآن يشهد ما أراد وما اعتاد عليه، يشهد التماع عينيها الجميلتين بعيدًا عن تلك الغُربة.
ابتسم بحنانٍ وهو يقترب منها مُقبّلًا عينها اليُسرى ومن ثمّ اليُمنى التي أطال في تقبيلها ليسكنها دائمًا وأبدًا.


,


على سريرها تَمدد جسدها النحيل ورأسها اتجه للأعلى بصورةٍ يستطيل بها عنقها حتى يدخلها الأكسجين بأريحية، ما زال صدرها يرتفع ويهبط حتى يدخله الأكسجين الطبيعي بضراوةٍ بعيدًا عن الأكسجين الذي بخّته لها أمها قبل ثوانٍ.
والعيون حين يتحشرج الصدر تُشاركه تلقائيًا في حُزنه وخيباته، هناك علاقةٌ وطيدة بين كل عضوٍ وآخر في الجسد، فدائمًا حين يتألم قلبها تبكي عيناها، وحين تبكي عيناها يرتعش جسدها!
سمعت صوت أمها ينبعث إلى أذنيها بقلق : خلاص نامي حبيبتي ولا تتعبين نفسك أكثر
اتجهت عيناها إلى عينيها بضعفٍ والحياةُ مسلوبةٌ منهما، شعرت أن صوتها جُفّ بدرجةٍ ستجعل منه عاملَ احتكاكٍ في حنجرتها فتُجرح! لذا أومأت برأسها فقط لتبتسم أمها وتمسح على خصلات شعرها الخفيفة قبل أن تتحرك مُغادرةً الغرفة.
أغمضت عينيها بقوّةٍ وهي تعود لتوجيه ملامحها للأعلى، تتعلق بسقف التأمل الخاص بمرضى النفوس، بالطبع هي مريضة! تدرك ذلك كما لم يدرك غيرها، مريضةٌ هي بحبٍ تجاوز مرحلة الحُب وبات جوى وإدمانًا ترتجعه كلما حانت منها لحظةُ حزنٍ واكتئاب، كلما حانت منها لحظة خيانةٍ يوخز بهِ قلبها!
تصاعد صوت رنين هاتفها فجأةً لتنتفض وتفتح عينيها وقد كان صوته هو الحبل الذي أنتشلها من بئر أفكارها.
تناولت الهاتف الذي كان قابعًا على الكومدينة لتتحشرج أنفاسها ما إن رأت ( ش ) يتجلى في شاشة الهاتف.


,


استقر الهاتف بجانب أذنه اليُسرى والرنين مازال مُستمرًا، ينتظر وصول صوتها إليْه بعد أن كان هناك ما يُحفّزه منذ نصف ساعةٍ على الإتصال بها، جزءٌ منه كان قلقًا عليها ويأمره بكل ضراوةٍ أن يطمئن عليها ليطمئن قلبه ويسكن قلقه الذي بزُغ من حيث لا يعلم، والقمر لا يبزغ إلا حين يحلّ الظلام!
انتظر لثوانٍ وحاجبيه ينعقدان لتأخر وصول صوتها إليه، بالرغم من كونه قد اعتاد على هذا التأخير إلا أن وطأه الآن كان أشدَّ وكأن جبلًا ما يعلو صدره، كأن الأرض بأكملها ركلته عنها ومن ثمّ اعتلته ليشعر بكلّ هذا الضيق الذي زاوله ولم يرحل ولن يرحل إلا إن سمع صوتها.
وأنا الذي زاولته الحياة حين لمحت - عيناكِ، فلا تكوني سببًا في مزاولة الضيقِ لي لغياب صوتِك عن مسمعي.
من الجهة الأخرى، نظرت لرقمه لثوانٍ طالت وهي تنتظر سكون الهاتف، بشفتين جفّتا وانفرجتا حتى يدخلها الهواء، بعينين تستذكران صورته وأذناها يتكرر صدى صوتهِ فيهما، بكلّ ما أمرها بهِ في خيالٍ وبكل ما أراد، كيف عساها تكُون الممحاة التي تمسح صوته وصورتـه بهذه السرعة؟ كيف سيمكنها هدمُ صداه والصدى في الوادي العميق لا يغيب بسرعة؟ وهي الوادي التي آوت صوته ليتردد بصداه دون توقف، هي الكاميرا الرقمية التي صوّرت خياله حين زاولها ولن تُمسح هذه الصورة من ذاكرتها ولو تبللت بماء البحار والمحيطات المالحة، لن ينجلي الصوت ولا الصورة بماءِ غيثٍ والشمسُ سكنت فوق رأسها وانقشت كل الغيوم، تلاشت الرياح التي قد تُحرّك غيمةً ما مُحملةً بماءٍ تبخّر وثقل عن استطاعتها.
سكن صوتُ هاتفها فجأة، لترتسم ابتسامةُ سخريةٍ على شفتيها . . مالي ومال الفُرصِ في الحياة وأنا التي جففها سديم الحب؟ مالي ومال الدُنيا وأنا المعلقة بسقف الأموات أناجي أحدهم؟ بصوتٍ رفيعِ الجفاف ضيّق المسام، بصوتٍ خالَ الإنخفاض أسلوبًا للإقناع حتى يجيء طيفٌ اندثر! إلهي كيف تمكّن منها هذا الضعف الإيماني إلى هذا الحد؟ كيف تمكّنت منها الحياة وملذةٌ واحدة تجسّدت بإنسانٍ جعل الإيمان عندها ضعيفٌ بدرجةٍ مُخزية . . هل يكفر الإنسان حين يتعلق بميت؟ هل يُصيبه الكفر بالقضاءِ والقدر ليخرج من دائرة الإسلام؟
عضّت شفتيها وروحها تلتوي بنارٍ اندلعت في أرجائـها، تستغفر بهمسٍ وهي تُغمض عينيها بلوعةِ الجوَى والهيام، لتتأوه أخيرًا ما إن سمعت صوت الهاتف يعود للرنين، ودونَ أن تفتح عينيها وتتأكد من المُتصل رفضت المكالمة دون تفكيرٍ بأي عاقبة.
اذهب، اذهب واتركني رجاءً، ليس هذا هو الوقت المناسب، لا أُريد أن أنفجر لأنسفك أنت وأنا القنبلةُ الموقوتة التي شارفت على الإنفجار، شارفت على تدمير أحدٍ ما ولن أسمح بأن يكُون هذا الأحد هو أنت! لن أسمح لنفسي بجرحك بدرجةٍ أُدرك أنها لا تليق بإمرأةٍ جرّبت ما معنى التعلق بآخر. فلأنفجر مع نفسي، دعني أنفجر بنفسي وعليها! بعيدًا عن بشرٍ لا أؤذيهم . . دعني الآن وحيدةً أختلي بذاتي وصوت مؤشر القنبلة رفيقٌ لي، يُخبرني بميعاد تفجيري، بالوقت الذي سأُفرّغ فيه ما بداخلي، وكلّ رجائي ألّا يطول هذا الوقت.
من الجهةِ الأخرى، وضع الهاتف أمام عينيه وقد تصلّبت ملامحه وبردت نظراته فجأة بعد ما فعلته، عينيه مُتجهتان لشاشة الهاتف التي أُعتمت ليظهر إنعكاس ملامحه التي غطّتها صلابةُ غضبه في هذه الأثناء!
انطفأ قلقه عليها وانطفأت رغبته في سماع صوتها، وكم من مرةٍ اتّصل بها ولم ترد، إلا أنّه في كل المرات لم يشعر بما شعر به الآن، بهذا الغضب والقهر لتجاهلها إياه بعد كل تلك الدقائق التي كان فيها يفكّر بها وقلبه يُناجي الإطمئنان عليها، يناجي سماعَ صوتٍ طبيعيٍ هادئٍ لا آفة به. إلّا أنها في النهاية كانت بخير! وهو الوحيد الذي لم يعد كذلك!!
عضّ شفته بقوّةٍ وهو يرمي الهاتف على سريره بغضب، ثم هتف من بين أسنانه بوعيد : صابر عليك . . صابر يا أسيل بس لكل صبر حدود!!


,


التاسعة بتوقيت بروكسيل
فتحت عينيها ببطءٍ لتهاجمها تشوّش الرؤيا، والإستيعاب الذي كان مُغادرًا انتظر قليلًا قبل أن يأتيها، وقد كانت الثواني التي ظلّت بها ساكنةً دون استيعابٍ كافيةً حتى يزول تشوّش الرؤيا وتصتدم عيناها ببياض الجدران. قطّبت جبينها ورأسها يصرخ بصداعه، أين هي؟
رفعت كفها اليُمنى لتضغط بظاهره على جبينها وهي تتأوه من صداعها وثقل رأسها، وخلال ثانيتين فقط، كانت عيناها تتسعان بقوّةٍ وعقلها يتذكر كل ما حدث في الساعات الماضيات، شهقت بعنفٍ وهي تجلس متجاهلةً ألم رأسها، ثمّ بدأت بالتلفت هنا وهناك تنظر لأرجاء الغرفة بعينين ذهب بريقهما، لا أحد هنا! ماذا يعني ذلك؟
عضّت شفتيها اللتين ارتعشا وهي تتذكر كلمات تلك الممرضة، ربما كانت تحلم، ربما كان كل ما حدث من خيال عقلها فقط . . نظرت لساعة معصمها بسرعةٍ لتشاهدها وقد عانقت التاسعة، انتهت عمليته منذ ساعةٍ وذاك التأخير الذي كان وما تبعه من كلام تلك الممرضة لم يكُن سوى حلمًا، بالتأكيد سيكون والدها الآن في غرفتهِ نائمًا بعد تلك العملية الناجحة. ابتسمت لأفكارها وشفتيها ترتعشان، أجل ناجحة، لقد نجحت وسيعود للمشي من جديد.
وقفت بوهنٍ والضعف يُرسل موجاتهُ في خلاياها، لم تستطع الوقوف لثلاث ثوانٍ لتسقط أخيرًا جالسةً على السرير تقبض على مفرشهِ بضعفٍ وهي تُغمض عينيها قهرًا، يجب عليها أن تتحرك وتخرج كي تتجه لغرفةِ والدها وتتفقده، بالتأكيد سيكون مازال نائمًا أو ربما واعيًا وعينيه تبتسمان بسعادة . . ابتسمت لتلك الفكرةِ وعيناها تلتمعان بفرح، وما إن شحذت نفسها بالقوّةِ عن طريق تلك الأفكار ووقفت حتى فُتح الباب.
وجّهت نظراتها لمن فتح الباب لتتيبّس وعيناها توسّعتا بصدمة.


,


الحادية عشرة بتوقيت السعودية
كان مُنشغلًا في حاسوبهِ حين تصاعد رنين الهاتف الأرضي الذي كان على طاولةِ المكتب بجانب حاسوبه، تناول السماعة دون أن يرفع نظراته عن شاشة الحاسوب، ليصل إليه صوتُ الآخر هاتفًا باحترام : استاذ سلمان
قاطعه سلمان بعجله : أي موضوع تبيني فيه أجله لبعدين أنا حاليًا مشغول
أعاد السماعة لمكانها دون أن يترك للآخر مجالًا ليتحدث، ثم عاد للغرق في أعماله.
لم تكد تمرّ خمس دقائق منذ أغلق، حتى تفاجئ بمن يفتح الباب دون استئذانٍ ليرفع نظراتٍ حادةٍ وقد كان أمر الحراس من قبل بمنع أي أحد من الدخول إليْه في غمرةِ عمله.
تحوّلت نظراته من حدّةٍ إلى صدمة في لحظةٍ واحدة وهو يرى أحمد يدخل مكتبه مُترنحًا بثقلٍ غير طبيعي.
هتف بصدمة : أحمد؟؟
أحمد بثقل لسانه وهو يقترب منه بترنحٍ وغيابِ وعي : المفروض تسمح لي أدخل بيتك بدون أذن . . ليه حتى أنا صديقك مو مسموح لي أدخل؟
عقدَ حاجبيه بحنقٍ وهو يربط بين كلماته المُتقطعة، تصاعدت وتيرةُ حدّتهِ وهو ينظر إليه بتقزز، كم مرةً أمره بعدم المجيء إليْه بهذه الحالة؟ وكم مرةً قال له ألا يشرب في تواجده.
هتف سلمان بحدةٍ وهو يضوّق عينيه بقرف : الله يقرفك! أنت شايف شكلك عشان تجيني؟
توقف أحمد أمام المكتب مباشرةً ليضربه بقبضتيهِ وجسده يتمايل يمينًا ويسارًا، ثمّ بصوتٍ عالٍ مُتقطع : لييييه ليييييييييه؟ حتى أنت ما تبي تكلمني؟
عضّ سلمان طرف شفتهِ وهو يهزّ رأسه يمينًا ويسارًا بأسى، ثمّ وقف ليتحرّك مُتجهًا إليه : وبعدين شلون دخلت وأنا قايل محد يدخل بدون أذن؟ ناوي تفضحنا عند العالم أنت؟
أحمد بضحكةٍ مُتقطعة : ومين حضرتك وزير والا أمير والا أيش؟
أتبع جملته الساخرة تلك بضحكةٍ أقوى ليرفع سلمان إحدى حاجبيه بازدراء، ثم تأفأف بعد ذلك وهو يرفع إحدى كفيه ماسحًا على جبينه يُحاول لملمة أعصابه التي لطالما كانت تُفقد عند استهتار أحمد في موضوع لا يقبل النقاش لديه.
رفع نظراته إليه ليهتف بقوّة : شوف أحمد . . مع إنّي عارف إنك منت معاي بس خلني أتكلم، ولو إنّ الموضوع مقرفني بس بطلّعك في غرفة تنام فيها أو تتسبح عشان تصحصح وتبدّل هالريحة المقرفة اللي فيك .....
قاطعه أحمد الذي ترنّح ليسقط على إحدى الأرائك الجلديةِ الفاخرة وهو يرفع كفّه اليُمنى ويلوّح بها دون مبالاة : لا .. لا . . ما ودي أنام ولا أتسبح، تعال تعال خلنا نحكي شوي
تعوّذ سلمان من الشيطان وهو يمسح على ملامحه قابضًا ذاته كي لا يطرده الآن ويرميه خارجًا.
أردف أحمد وهو يطوّح برأسه للخلف، بصوتٍ ساخرٍ يحمل الكثير من البغض : لما أتصل عليها ما ترد . . بنت الكلب تمرّدت من راحت بيت الكلب الثاني وصارت تحتمي فيه * ضحك بسخريةٍ ليُكمل * سألتها يوم دخلت جناحه وهو طالع لا تكونين تحبينه؟ بس ما ردت علي
ارتفع حاجبي سلمان دون فهمٍ لحديثه، إلا أن عينيه برقتا في لحظةٍ وهو يقترب منه هاتفًا بهدوءٍ حذر : مين تقصد؟
أحمد : ميييين غيرها غزل الملعونة ومعاها التيس الثاني سلطان
تقطّبت ملامحه للحظةٍ وهو يقف أمامه، ودون أن يتحدث بشيءٍ أو يعلّق على شتائمه ترَكه يُكمل مافي جعبته : أبيها تفيدني بس هالحمارة شلون تفهم؟ لا عقل ولا شخصية بس فالحة بالفضايح ومصاحبة الرجاجيل
نفخَ بقوّةٍ وهو ينهض عن الأريكة، كاد يسقط إلّا أنه اتكأ على سطح المكتب وهو يهتف بثقلٍ مُغلقًا إحدى عينيه : خلاص بنام . . وين هذيك الغرفة اللي تكلمت عنها
لم ينبس سلمان بشيءٍ وملامحه مُتصلّبةٌ بجمود، تحرّك باتجاه المكتب وهو يأمر أحمد باتباعه ليلحقه الآخر بتعثر.


,


رمى أوراقه وابتسامةُ النصر تتجلى على شفتيه، نفخ صدره وهو يهتف بثقلِ الكِبر الذي سطع على عينيه : ربحت
زمّ الآخر شفتيه وهو يتأفأف بحنق، ثم أزاح كومة الأوراق النقدية إلى سند الذي وضعَ قدمًا على أخرى وهو يبتسم بلؤم : لعبة ثانية؟
الآخر بتكشيرةِ الحنق الذي نفض بهِ نظراته عنه : لا شكرًا اكتفيت اليوم
نهض عن مقعده ليتحرك مبتعدًا بينما ثبت سند في مكانه وابتسامته لازالت مُرتسمةً على شفتيه، هاقد كسب اليوم بضعةَ آلافٍ وما إن يخرج من هنا سيتجه إلى أقرب محلٍ ليشتري شيئًا لأمه يُسعدها بهِ ويعيدها كما كانت غير رسميةً معه منذ ما حدث آخر مرة.
احتدّت نظراته وأعتمت عيناه وصورة شاهين في ذاك اليوم تتجلى أمامه، لم يرهُ بعد ذاك اليوم وجهًا لوجه، لكنْ يكفي أنّه يراه في نظرات أمه الحزينة، في حدقتيها العاتبتين عليْه، في جفائها معه، يكفي أنّ صدره يتحشرج حين يتحدث معها وتردّ ببرودٍ والسبب كلّه على عاتق ذاك الـ ....
لم يسمع المتحدثين إليه ممن حوله بعد أن ربح وهو يعضّ شفته بغضبٍ ناهضًا وعيناه تشتعلان بنارٍ هوجاء، كان ينوي أخذ ما ربحه والخروج إلا أنّه توقف وهو يرى رجلًا يقف أمامه.
رفعَ إحدى حاجبيه مُستنكرًا لوقوفه أمامه وما بينهما ليس إلا خطوةً واحدة، النظارة الشمسية كانت تُغطي عينيه في هذا الوقتِ من الليل، يتلثم بشماغهِ وهذه الهيئة المُثيرة للشكّ جعلته يُعيد إحدى قدميه للخلف وهو يرمقه بحذر.
سند بحذر : تبي شيء؟
الرجل بصوتٍ رخيم : الأخ سند؟
سند بذات النبرةِ الحذرة : وصلت


,


للتو غادر سلطان مع زوجته، ودّعه عند الباب مع أمه وغيداء وهو يرسم ابتسامةً هادئة سرعان ما اختفت لتحلّ محلها الجديةُ والوجوم وهو يستدير بعد أن غاب سلطان عن عينيه، تحرّك مُتجهًا لعتبات الدرج ينوي الصعود لغرفته والإختلاء بنفسه قليلًا، إلا أن صوت أمه أوقفه : ودك تنام؟
أومأ دون أن ينظر إليها : أيوا وراي شغل بكره
تابع خطواته إلى غرفته، وعقله الذي كان منذ ساعاتٍ يسبح مُجاريًا تيّار تلك الأفكار يُحاول التركيز والتغاضي قليلًا عن تلك الرسائل التي قرأها حتى يذهب سلطان، هاهو الآن يعود للغرق هذهِ المرة في أفكاره دون محاولةِ السباحة أو التعلق بطوف نجاة.
وصل إلى غرفته أخيرًا، ثم اتجه لسريره ليرمي بجسدهِ عليْهِ ودونَ مقدماتٍ اتجه للأرقام التي دوّنها في هاتفه وتلك الرسالتين كانت قد غُرست في عقله وتشعّبت جذورها لتبقى مُلتصقةً بهِ ولا ينساها.
الأولى " ست "، والثانية " بين الواحد والأربعة "!!
عضّ زاويةَ فمهِ ليبدأ بالكتابة في محرك البحث " قوقل " حتى يتأكد لأي دولةٍ تعود تلك الأرقام، لن يهدأ لهُ بالٌ حتى يفهم ما تلك الرسائل التي تصل سلطان ولماذا؟ لماذا هو تحديدًا ولمَ في هذا الوقت الذي تشبّع بالإحتكاكِ وشرارةٌ يخشى أن تشتعل؟؟
بحث عن مفتاح الرقم الأول، ليظهر له أخيرًا أنها من إحدى دول جنوب إفريقيًا، ثمّ اتجه ليتأكد من الرقم الثاني والذي كان يُدرك مسبقًا أنها من دولةٍ أخرى، إلا أنّه رفعَ حاجبيه مستنكرًا حين وجد أنها من إحدى الدول الأوربية.
كان يتوقع أن تكون من مصر أو السودان أو المغرب أو أي دولةٍ إفريقية بعد الأولى، لكن أن تكُون من قارتين مختلفتين! . . ماذا يعني ذلك؟؟؟!!
لم يطل في التفكير، بل اتجه مباشرةً ليتصل بأصحاب الرقمين أو على الأحرى صاحب الرقمين، اتصل أولًا بالرقم الأول ليجد بدلًا عن الرنين كلامًا لم يفهمه، حينها حزر أن يكُون الرقم لم يعد متواجدًا أو مغلقًا، لذا توجّه للرقم الآخر والذي فهم من اللغة الإنجليزية أنه لم يعد متوفرًا!!
لوى فمه وهو يرمي الهاتف جانبًا ويتأفأف مُغمضًا عينيه، وبكفهِ مسح على ملامحه وهو يهمس بكبت : وش يعني كل هالشيء؟ . . معقولة يكون له علاقة موت أبوي فهد؟؟
أنزل كفهُ عن ملامحه وعيناه تتجمدان على الفراغ، بالتأكيد، أن تظهر هاتين الرسالتين وهذين الرقمين في وقتٍ انسلخ منه الهدوء ليعجّ بالفوضى فهذا بالتأكيد كارثة تعلّقت بالكارثة التي وقعت قبل خمسة عشر عامًا! من الذي يعبث مع سلطان الآن؟ يُدرك جيدًا أنه ليس سلمان، إذن من هو؟؟


,


تخطى عتبات الدرج نزولًا بهدوءٍ وملامح ساكنة، كيف يُمكن لوردةٍ سكنها الجفاف أن تعود للحياةِ حين ترتوي بعينين فقط؟ عينين كعيني فراشته التي مازالت في الأعلى لم توافق على النزول معه، هل قال مرةً أن الحياة تبتدئ منها وتنتهي عندها؟ ربما قال ونسي من شدةِ الفتنة! والفتنة حين تتجسّد بامرأةٍ تُصيب الدنيا في معتقلها وتسحق الأرض من مركزها . . كل المخلوقات لا تنجذب لمركز الجاذبية في الأرض، فالجاذبية انسلخت عن قانون الكتلة وتمركزت في عينيها، باتَ قانون الجاذبية كالتالي، كلّما كانت الكتلةُ فاتنة كانت الجاذبيةُ أكبر، انتهى زمنُ الكتلةِ الأكبر والأصغر وأتى زمن الفتنةِ والمَقتل، إنّ عينيكِ قاتلتين حملا دمَ جاك السفاح في القرن التاسع عشر، وكلّ رجائي أن يتوقف سفكهما في دمي، في مجرى أوردتي بلذاذةٍ لا تقبل التنصيف.
ابتسم وهو يرى زياد قد شارف على النوم في حضن جدتـه، حينها اقترب منه ليهتف بخفوت : بتنام يا الذيب؟
أومأ زياد وهو يفرك عينيه، حينها أمره سيف بالنهوض وتتبعه ليأخذه لغرفةِ والدته التي أرادت أن ينام عندها، وما إن تمدد جسدهُ الصغير على السرير حتى بدأ سيف بالعبث بخصلات شعره اللولبية ليُغمض زياد عينيه دون أن يسكن لسانه.
سأله ببراءة : أجهز شنطتي عشان نسافر مع ماما في الإجازة؟
تجمّدت كفهُ للحظةٍ بين خصلات شعره، وزفرةٌ ساخنةٌ تسللت من بين شفتيه شاركتها عيناه حرارتها بمدى الحُزن الذي تجلى في حدقتيه، وهاهو الشعور بالعجز يعود ليُزاوله ويمحق راحته عن بكرة أبيها، هاهو العجز الأبوي الذي شعر بهِ منذ ساعاتٍ وهو يُحدثه يعود ليلسعه بنارِ قسوتها.
همس زياد حين تأخر سيف عن الإجابةِ وهو مُغمض العينين : بابا
أغمض سيف عينيه لثانيتين وهو يعضّ طرف شفته : يا عيون بابا . . * اجتذب الأكسجين إلى رئتيه ليُردف بابتسامةٍ مُهتزة * خلاص حبيبي مو الحين، شوف الإجازة متى بعدها مطولة
فتح زياد عينيه لينظر إليْه بلهفةٍ طفولية أرهقته، ومن ثمّ أومأ بصمتٍ مُبتسمًا ليعود لإغلاق عينيه مُحاولًا النوم.
مكث عنده لدقائق حتى نام، وعيناه تتأملان ملامحه الساكنة بنومه بحزنٍ لتُشاركه كفّه التي تُمشّط خصلات شعره بهدوء . . تنهد بكبت، ثمّ نهض مُتجهًا للباب ينوي الخروج بعد أن أطفأ الأنوار ثمّ عدّل التكييف.

في الأسفل.
تخطّى العتبات نزولًا وهو يزفر مرارًا ومرارًا لافظًا جزيئات الهواء التي ثقُلت بالشحنات السلبية دون الإيجابية حتى لا تعتدل، في حين كانت أمه لازالت حتى الآن جالسةً في مكانها تنظر لملامحه التي غلّفها الوجوم والضيق، وما إن اقترب منها وجلس حتى سألته بهدوءٍ قبل أن يبدأ بالحديث : متضايق عشان زياد؟
رفع سيف نظراته الواهنة إليها وهو يتنهد بكبت، لم يرد عليها للحظاتٍ وهي تقرأ كل تعبيراتهِ التي تترسب على ملامحه في هذه الأثناء.
هتف بخفوت : ما اقدر أسوي له شيء! حاس نفسي عاجز وواقف بينه وبين أحلامه . . * ضوّق عينيه بألم * طلبه صعب ، والله صعب
صمتت للحظاتٍ دون أن تنبس ببنت شفة، وصمتها كان الهدوء الذي سبق العاصفة، تلك العاصفة التي تمثّلت فيما نطقت به بعد لحظات : طيب ليه ما ترجع بثينة؟


,


نظرت بصدمةٍ للبابِ الذي فُتح ليظهر من خلفهِ هيثم مُبتسمًا بلؤمٍ ومكر، وعيناها اتسعتا ليذهب كل بريقٍ مُتأملٍ ويحلّ محلّها الذعر . . ما الذي يفعله هنا؟ هي لم تكد تبدأ تغفل عما حدث سابقًا وتحاول التناسي ليأتي الآن بكل بجاحةٍ ويعودَ كسَمومٍ تهب موسميًا!
أغلق الباب من خلفهِ لتتراجع للخلف وتصتدم بالسرير، تعلّقت حدقتيها بهِ وريقها يُبتلع ببطءٍ إلى حنجرتها علّه يمدّ جفافه بالرطوبة ولو قليلًا . . همست بتوتر : وش تبي بعد؟
هيثم بمكر : بس أحكي معك
عضّت شفتها بتوترٍ قبل أن تتهوّر وتصرخ، لتهتف بتحذير : هيثم روح وبلاش فضايح
لوى فمه وهو يرفع حاجبيه لؤمًا، وصدره ارتفع جاذبًا ذرّات الهواءِ النقية ليُحرر ثاني أكسيد الكربون من جسدهِ ويخرجه، وبصوتٍ خاوٍ كما ابتسامته الملتوية : مافيه فضايح يا ستّي . . غرفتك وطلبتهم يغيّروها وقت ما كان فارس عند أبوك، والناس من حولنا أقنعهم بكم كلمة تسكتهم وانتهينا
انقبض قلبها داخل أضلعها، ورعشةٌ سرَت في فقراتها كما يسري نذير الخطر في أذنها لتتمزّق طبلتها بحدتهِ في هذه اللحظات، قلّبت عيناها وهي تهمس بفتورٍ وضعف : وش ناوي عليه بعد؟ تعتدي علي وأنا بنت عمتك؟
تأتأ وهو يُعيد ظهره للخلف يسنده على الباب الأبيض كبياض الغُرفة الذي كان في تضادٍ معنويٍ مع قلبه المُشبع بالحقد في هذه الأثناء، وبازدراء : ما بنزل نفسي لمستواك . . وش تتوقعين بسوي فيك أنتِ؟
بللت شفتيها بارتباكٍ وهي تُريد الخروج من هذه الغرفة الخانقةِ بأيِّ طريقةٍ كانت : وخّر عن الباب
ارتفعت زاويةُ فمه للأعلى قليلًا ونظرةُ القسوة حلّت على حدقتيه : يكفيني أدمرك، مو ضروري أدمر مستقبلك كأنثي و العبرة في قوّة النتيجة . . لذلك شرايك نجرب نلعب شوي بالكلمات؟

.

.

.

انــتــهــى


ودمتم بخير / كَيــدْ !



فتاة طيبة 06-02-15 01:24 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
ياساتر وش ناوي عليه النذل هيثم !!! اتمنى ديما تسمع حوار سيف وأمه عشان تنهي حالة العبودية والذلة اللي عايشتها معاه ... مشكورة كيد على الجزء الجميل .

أبداع أنثى 06-02-15 04:05 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
غمممموووووض هالبــارت

أنا مع رأي فتاه طيبه ليت دانه تسمع كلام سيف وامه

هيــثــم الحييوواان أش براسه موااال

bluemay 06-02-15 11:53 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
يسلمو إيديك

باين عليه بارت كله تشويق


لي عودة بتعليق بعد القراءة ...

°•○اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي○•°

fadi azar 09-02-15 01:30 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
مسكيني ديما حتلاقيها من مين من امه ولا منه بس كانت قوية واستطاعت ان تحافظ على سرها
هيثم الحقير مازا يريد ان يفعل

طُعُوْن 12-02-15 07:26 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
مرحبـًا قراء ومتابعين كيد..

@2aid__: المفروض أكون الحين فاتحة كتاب وأذاكر بس يا شيني :((
البارت بيتأجل بس لمتى؟ مدري!
هالأسبوع كله امتحانات بس بحاول أخليه السبت

@2aid__: معليش لو خاب رجاكم بس جد ما ودي أقصّر بهالترم لأني مخططة لأشياء ومحتاجة معدل عالي يضمن لي الكثير.
دعواتكم لي [emoji174]

@2aid__: قلت لكم قبل ما ودي أقفل الروايـة بس لا تأخرت اعذروني فديتكم [emoji169]

هذي تغريدات هنو.. دعواتكم لها بناات[emoji173]️[emoji173]️



أرسلت بواسطة iPhone بإستخدام Tapatalk

bluemay 12-02-15 08:50 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
بالتوفيق يا رب لها وللممتحنين

عوافي طعون



°•○اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي○•°

احتاج الامان 17-02-15 09:23 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
انشالله بالتوفيق والنجاح باعلى الدجات كمان
بانتظارك لانو روايتك كتير حلوة
تحياتي

كَيــدْ 19-02-15 07:48 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن


اشتقت لكم هوايـة على قولة حبايبنا العراقيين :$ إن شاء الله تكونون بألف خير وعافية

بارت اليوم دسم شويتين ، حجمه في دسامته لذلك ركزوا كثير على كل كلمة وكل بادرة من الأبطال. فيه توضيحات وردّات توضّح كثير للي عقله نظيف ومركز + لحظة انتظرناها وهرمنا لأجلها :)) فاستلموه.

بسم الله نبدأ على بركته
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات

(30)





تجمدت عيناه بعد تلك - الكارثة - التي لفظت بها أمه ولم يشعر بنفسه إلا وهو يهمس وعيناه تتوسعان مُتفاجئًا من ذاك الإقتراح الذي ما وجدَ في قاموس المنطق له ملجأً : مُستحييييييل
وقف ليهزّ رأسه يمينًا ويسارًا مُردفًا ببهوت : أنتِ من جدك يمه تفكرين إني أرجعها لي؟!!
تنهدت بضيق وهي تُشيح بناظريها عنه، بالرغم من كل شيءٍ ومدى الضياع الذي تراه في عينيه، مدى الرغبة والشغفِ في زياد إلا أنها لن تكُون راضيةً يومًا أن يُعيد بثينة إليْه فتستوجع ديما بذلك، لكنها في هذه المرّةِ ضعفت في حين غفلةٍ حينما تمركز الضياع على اثنين وليس فقط واحدًا، على ابنها وحفيدها في الوقت ذاته.
وقفت بسرعةٍ لتزفر وهي تهزّ رأسها بالنفي، ثم بتعثّر : خلاص انسى ولا تفكر بهالشيء . . فيه أكيد مليون حل غيره
تابعها بنظراته وملامحه تتجمد لاسمٍ ذُكر بين المنطقِ والمُحال، بين الواقع والخيال، هذا الإسم الذي لفظه للجحيم منذ سنواتٍ ولم يزاوله إلّا غصبًا لوجود رابطٍ بينهما وهو طفلٌ اجتمعت فيه براءةٌ لم تنبع من أمه يومًا، أمه التي لُخّصت كل الصفات السلبيةِ في كيانها والعجب أن الأمومةَ جاورتها بالرغم من كل شيء!
لكن ومن بين كل شيء وفي وسط المنطق والمُحال كان ذاك الإقتراح قد تجاوز خطّ المُحال بأميالٍ عديدة، كان كطلقةٍ جاءتهُ في صدره عن بُعد ألف ياردة! هل سيكُون بكامل عقلهِ لو فكّر مجرد تفكيرٍ في هذا الأمر؟ في أن يُعيد أيامًا مَضت بسوادها وقتامتها ليُهديها الحقّ حتى تعود لتنشر ظلامها الذي سيطر عليْه في زمنٍ ما! في لحظاتٍ لم تطوِها الأيام بعد ولا السنين التي اضمحلت بينه وبين ديما لتظهر لهُ ممتدةً بينهما بشكلٍ مأساوي! علاقته ببثينة دامت لوقتٍ يقارب الوقت الذي بينه وبين ديما، لكنّه يشعر أنّ تلك العلاقة أطول بكثيرٍ من عدد السنين التي ترجمتها، بينما سنينهُ مع ديما مضت كومضةِ برق! ربما لأنه المُسيطر فيها، أو ربما لمدى حلاوتها التي لُخصت في عينيها! لا يدري! لا يعلم ما السبب لجريانها السريعِ كما يجري النهر الصافي، وكلّ جريانٍ يعني التجدد والنقاء، بينما الماء الراكد فاسد! تمامًا كعلاقتهِ ببثينة التي طالت وطالت بالرغم من كونها كذات سنينهِ مع ديما، والفرق يكمن في الحلاوةِ والمرارة.
وكلُّ حلاوةٍ تكمن في امرأةٍ قاتلة! تمامًا كسحر عينيها اللتين ينشقُّ عندهما النظر ويبقى العمى المُنساب في عينيه بلذاذةِ جمالها الغيرِ مُدوّنٍ في قاموس النساء، هي الأجمل من بعدِ حواء وسارة، هي الملكةُ التي لم يوضع على رأسها تاجٌ مرئيٌ وكل النساءِ من بعدها جواري!


,


قطّبت جبينها وهي تتحرك بانزعاج، الغرفة تضيق بهما في خلوةٍ مُحرمةٍ تخشى نتائجها، لم تُبالي بكلماته وهي تشعر أن جزيئات الهواء باتت بينهما كالجسر الملوّثِ بثاني أكسيد الكاربون، انطفأ الأمان عند نظراته التي جعلتها تزدرد ريقها بصعوبةِ مرورُ شوكةٍ آلمتها ومزّقت حنجرتها. همست بتوترٍ وهي تُشتت حدقتيها هنا وهناك بعيدًا عنه : مو وقتك! أبوي الحين أكيد منتظرني
رفعَ إحدى حاجبيه وشفتيه تتلوّن بابتسامةٍ ماكرة : أبوك ينتظرك؟ متأكدة؟
اضطربت عيناها وصدرها يتحشرج بأنفاسها، ما الذي يقصده بكلماتهِ هذه؟ ما معنى هذه النبرة التي انجرفت لمعنًى غير مُطمئِن. بللت شفتيها وهي تركز بعينيها هذهِ المرة بعينيه وقلبها يضطرب بانقباضاتهِ خوفًا! مما هي خائفة؟ أمن كابوسٍ رأتـه في منامٍ لا غير؟ من أمرٍ كان مجرد أضغاثٍ استحلت عقلها وانتهى بها المطاف ميّتةً في مهدِ المنام!
رفرفت بجفنيها لثانيتن وكل زاويةٍ في جسدها تضطرب وتنجرف نحو الإرتباك، كل جزءٍ من دمها انخفضت نسبة الأكسجين بهِ لتشعر بقواها تخور وهي تسألة ببهوت : وش تقصد؟
تنهد بضجرٍ وهو يُغمض عينيه ويُحرّكُ رأسه يمينًا وشمالًا مُتأتِئًا بملل : نسيت إنّك ما حضرتي كامل المشهد ... للأسف زوج خالتي أبوك ما نجحت عمليته وصار له شويّة مضاعفات
ارتفع شهيقها الذي بُترَ من بعدهِ الزفير، عينيها كادتا أن تُلفظا من محجريْها وهي تنظران إليْهِ باتساعٍ كاتساع تلك الهوّةِ التي وقع فيها قلبها لما سمعته! كاتساع تأثير نقص الأكسجين على صدرها في هذهِ اللحظات.
هزّت رأسها بالنفي وهي لا تستوعب ما يقول، فشل! ومضاعفات!! أبعد تلك الرجاءات التي بُتر صوتها؟ أبعد تلك الأدعية التي تمتمت بها بخشوعٍ كخشوع عينيها في بريقها الحزين؟ الآن يجيء هو ليسحقها بما قال؟ ليسحق كل تلك الأوراق الخريفية التي جففها البكاء؟ لكن لمَ عساها تصدقه؟ ما الذي يخوّلها لتصدقه؟ إنه يكذب! بالتأكيد يكذب ليُزعجها فقط لا غير.
همست لهُ بصوتٍ تحشرج بغصّاتها وعيناها تبهتان من خلف غمامة الدموع التي غلفتها : كذاب! وحقير بعد
اقترب منها وهو يرسم ابتسامةً ماكرةً واثقة يتجاهل شتائمها له : آخذك له تشوفينه؟ لأنك أكيد بتضيعين بعد ما نقلوك لغرفة ثانية
عادت للخلف بخوفٍ من نظراته، لتصتدم ساقيها بسرير المشفى وتسقط عليه شبه جالسة، لكنها بتوتر قدميها لم تستطع النهوض من جديدٍ وهي تهتف بخوف : لا تقرب
توقف مكانه وهو يزفر بضجرٍ وكفيه دُسّتا في جيب بنطاله الجينز، وبعجرفة : قلت لك يا ستّي منتِ من مستواي عشان أقرب لك
بللت شفتيها باضطرابٍ وقبل أن تفكر بالرد كانت كلماته قد جاءت كالقصف في أذنيها حين أردف : مسكينة خالتي شلون تحملت بنت المسيار تعيش معها في حياتها


,


تمددت على سريرها بعد أن بدّلت ملابسها بقميص نومٍ يُظهر منها الكثير، تشعر بالحرّ يهاجمها في هذه الغرفةِ الباردة منذ دخلتها، شتّان ما بين شعورها بين تلك العائلةِ ووحدتها الآن وقبل الآن! . . انقلبت على جانبها الأيمن تُدير ظهرها للباب، كم تمنّت لو أن هذا اليوم لم ينتهي ولا ينتهي، لكن أمنيتها في النهايـة لم تتحقق كسائر أمنياتها! كسائر تلك الأحلام التي تجري في عروقها مع دمها.
ابتسمت بأسى وهي تُغمض عينيها، يتعرقل عقلها بالتفكير الذي تفاعل مع أحماضٍ عدّةٍ ليُحرقها من الداخل، ليسلخ كلّ مراكز عقلها عدا مركز الذاكرة التي تُعيد تدوير الكثير من الصور في عقلها دون توقف.
زفرَت زفرةً ساخنةً تحمّلت بالكثير من ثاني أكسيد الكاربون الذي بات المكوّن الضارَ لها. وبالرغم من كونها كانت مستنكرةً لهدوء سلطان من بعد عودتهما في حين أنّه أقر بعكس ذلك في بيت والدته إلا أنها شعرت بالراحةِ تتغلغلها، هُنا ستكون لوحدها معه، لن تحتمي بأحدٍ كما كانت تفكّر هناك، هنا الجدران والباب هما وحدهما الحليفين لها، واليأس هو مثواها، هنا تنشطر الراحة بين الخطرِ والأمان، بين عينيه الحانيتين ولسانهِ الذي يلفظ بالغضب.
رفعت إحدى كفيها لتخلخل بها شعرها الطويل وتشدّ خصلاتها بقوّة، وأسنانها وطأت على شفتها السفلى إلا أنها ارتخت فجأةً ما إن سمعت رنين هاتفها.
سكنت للحظاتٍ وكأنها تعلم من هو المتصل، ومن غيره؟ نبضَ قلبها بقوّةٍ خوفًا إلا أنها اعتدلت جالسةً لتلتقطهُ بسرعةٍ وكل تهديداته وتحذيره لها لم يكن مجرد حلقةٍ في أذنها بل كانت كالحشوة التي حشت بها أذنيها حتى لا تنساها، ونبرتـه تلك تتمرر في مسامعها كسمّ أفعى تتخلخل مساماتها وتتنشر في دمها.
عضّت شفتها ما إن رأت رقمه وارتفع معدّل نبض قلبها، بالرغم من كونها تعلم منذ البدايـة أنّه هو إلا أنّ رؤيتها لرقمه كان عنيفًا لترتفع نسبة الأدرينالين في جسدها محدثةً فوضى عارمة في كامل أعضائـها.
ازدردت ريقها وهي تُجيب، ثمّ رفعت كفها لتضع الهاتف بجانب أذنها وأنفاسها تتحشرج توترًا، وبهمسٍ مُضطرب : نعم يبه
سمعت صوت زفرةٍ غاضبة من الجهةِ الأخرى، وقد كان دويّها كافيًا لترتعش شفتاها وتكون ردّة فعل أسنانها هو عضّ السُفلى منهما .. رفعت كفّها الأخرى لتضعها على صدرها ولسانها لا يقوى على سؤاله إن كانت أخطأت بشيءٍ حتى تُصدر منه هذه الزفرة الغاضبة. انتظرت للحظاتٍ تنتظر منه أن يتحدث، لكنّ اللحظات طالت بصمته لتستنكر هذا الصمت، فالصمت في قاموسه قد حُذف بل لم يكُن له تواجدٌ من الأساس، فما بهِ صامتٌ الآن صمتًا لا يليق بانطلاق لسانه؟
ازدردت ريقها مرةً أخرى قبل أن تهمس بتردد : للحين ما لقيت شيء، من الأساس ماراح ألاقي شيء واحنا هنا
صمتت تتنفس بقوّةٍ تشحذ بها طاقةً لا ترحمها وتأتيها، ثمّ أردفت وأناملها تشدّ على قميصها فوق صدرها : أكيد بحصل شيء في بيته . . بس ، بس مدري متى بنرجع! يقول البيت للحين قاعد يصلح فيه . . يعني شويّة وقت بس
ارتجفت كفّها وارتخت عن قميصها وهي تسقط في حُجرها، حنجرتها تعثّرت بأحرفها التي فقدت مخارجها الصوتية وتلاشت، تتوقف غصّتها في بلعومها لتتوقف كل كلماتها وهي تشتت حدقتيها بضعفٍ تنتظر رده الذي لم يجيء سوى بصوتٍ أنفاس مُنفعلة، صمته لا يبشر بالخير! يضاعف مدى الرعب في قلبها بالرغم من كونها لطالما تمنّت صمته وابتعاد نبراتهِ القاسية عنها. طالت الثواني في صمتٍ قبل أن يختفي صوت أنفاسه وتتلاشى فجأة، وقبل أن تستوعب أنه أغلق كان صوت طرقاتٍ على الباب تبعها فتحهُ قد أفزعها.


,


نظر مطوّلًا للنائم على السرير والهاتف بيده، يشدّ عليه بقوةٍ ووجهه يتلوّن بالإزدراء والحنق، يتلوّن بالكثر من الغضبِ وعدم الرضا، ذلك الصوت الذي كان ينساب إلى أذنيه كان لامرأةٍ خائرة القوى، ضعيفةٌ واليأس قد اعتراها، تلوّنت نبرتها بجفافِ الخريف وصقيع الشتاء، بنعومةِ النسيم البارد وحدّة السكين. ما الذي كان يفكر به؟ ما الذي كان يفكر بهِ ليقوم بفعلٍ قبيحٍ كهذا!! ما الذي فعلته يا أحمد؟!
تعلّقت عيناه بملامح أحمد وهو يضع الهاتف على الكومدينة ويزفر بحرارةٍ دون رضا، ثمّ بهمسٍ ووجهه يتلوّن بالحنق : وش كنت تفكر فيه يا أحمد يوم دخّلت بنتك في هالمعمعة؟!! وش كنت تفكر فيه بس؟!


,


كان النومُ قد بدأ يسرقها عن العالم الواقعي إلى عالمٍ أجمل تتلوّن فيه الأحلام بالزهري، ترى نفسها في تلك الأحلام كغيرها من الإناث اللاتي ولدن في ظروفٍ طبيعيةٍ بين عائلةٍ وفي منزل. لكن الأحلام تنطفئ في مهدها ما إن يعي الشخص واقعه، ما إن ينتشله العالم عن عالمه الإفتراضي الآخر. وهذا ما كان حين انتشلتها طرقات الباب من عالمها ذاك.
فتحت عينيْها ببطءٍ وهما لازالتا غارقتين في النعاس، منتفختين بشدةٍ لخشوعها في البكاءِ قبل ساعات. همهمت وهي تتحرك بكسلٍ وتعود لإغلاق عينيها دون استيعاب، وحين عادت الطرقات لتعلو أكثر فتحت عينيها مرةً أخرى وقد بدأ الإستيعاب يزورها ليصلها صوت الطرقات مُحملًا بصوتٍ بشري ثقيل.
كان صوت ياسر يصل إلى أذنها مختلطًا بالكثير من القلق : إلين ، إليــــن
بللت شفتيها الجافتين وهي تجلس وكفّاها تفركان عينيها، وما إن أنزلتهما عنهما حتى نظرت للباب بخمولٍ وملامحها الناعسة يتخلخلها الكثير من الحزن، والخزي! كيف عساها تمتلك الوقاحة لتقابل أحدهم بعدما حدث؟ كيف قد تسمح لنفسها بالتمادي أكثر وكلّ جزءٍ منها يخجل من كونه ينتمي إليها فماذا عنهم هم؟ تعالت صوت الطرقات والنبرةِ القلقة في صوتِه، وتصاعد صوت الخزي في داخلها وكل الأبواب تُغلق في وجهها كما الأنوار انطفأت ليعمّ الظلام، اختفى ظلّها في عتمةِ الغيهبِ واقترب جسدها للزوال، تنهار كل السنين في عينيها وتسقط! كل الأنامل التي تشابكت معها تراجعت بقوةٍ لتخلع معها مفاصلها وتظلّ وحيدة الكفيْنِ دون أصابع.
من خلف الباب تصاعد قلقه هو من عدم ردها عليه، لمَ لا ترد؟ هل يمكن أن يكُون قد حدث لها شيء؟! ... عند تلك الفكرةِ ضرب الباب بصورةٍ أشدّ وصوته يرتفع في لفظ اسمها الذي كرهته! كرهته وما عاد جزءٌ فيها يُحب انتماءها لهذا الإسم وكل انتماءٍ كاذبٍ ينقشع عند من هو بحالها. كبِرتُ ونسيتُ الحياةِ في عمري والعُمر يجري بسرعةٍ يضمحلّ فيها الصغر والشباب ليصل للمشيخ. لعُمري الذي ضاع في هوّةٍ كاذبة، لعُمري الذي سحق الحاضر والمُستقبل بشيخوخته، لعُمري الذي ما عرفَ الإنتظام وشاب بي بسرعة، في الحُزن تنشطر الأحلام وتهوي في بئرٍ دون قاع، في اليأس ينسى الإنسان طموحه الذي انكسر بحصاةٍ صغيرة! إجري كما تحب، الفظني كسفينةٍ جرفها الموجُ إلى شاطئٍ غير مأهول، الفظني كسمكةٍ ازداد عنصر الملوحةِ في وطنها فهاجرت أو ربما ماتت قبل أن تهاجر! إلفظني كساعةٍ نسيتها عقاربها وراحت دونَ وجهِ فائدة.
اختلط صوتُ ياسر بصوتِ هديل، حينها أدركت أن عبدالله غيرُ موجودٍ في البيت، فهي تُدرك كما تدرك بؤسها أنه دائمًا ما يكُون أول المتفقدين حين تحصلُ مهزلةٌ ما أمام باب غرفتها.
هديل بقلقٍ من خلف الباب : وش صار؟
ياسر بحدة : من متى وهي في غرفتها؟
توترت ملامح هديل وهي تنظر للباب بقليلٍ من النفور، إلا أنها عضّت طرف شفتها وهي تطرد تلك المشاعر السلبية وتلك الأفكار لتهمس بفتور : من بعد اللي صار
ياسر : ما طلعت؟
هزّت رأسها بالنفي بصمتٍ وعيناها تنحدران للأسفل لتنظر للأرض دون صوتٍ وأمواجها الصوتية نسيت العبور من خلف شفتيها، هناك نارٌ اشتعلت فجأةً من بعد ما حدث في قلبها، هناك اندلاعٌ يفتت قفصها الصدري بحرارتـه وفكرة فقدانها لأمها جعلت كل شيءٍ في روحها ينهار! من السبب في كل ذلك؟ تُحاول أن تقنع نفسها بأنّ لا سبب! وذاك قضاءٌ وقدر، إلا أن المنطق يأتي كومضةٍ يُنير عقلها فَيُظلم شعورها وهي من الجهةِ المقابلةِ تُحاول إنارتـه بدفاعٍ مُستميتٍ دون أدنى فائدة.
انتبهت لياسر حين عاد ليطرق الباب، ينتظر إجابةً من إلين التى فضّلت أن تواري صوتها حتى يملّ ويذهب، فمقابلتهم وجهًا لوجه ستكون أقصى من قدراتها لذا من الأفضل أن تسكن في مكانها.
في أثناء ذلك النداءِ المسموع وطرقات الباب المُزعجةِ خرجت هالة من غرفتها بملامح شاحبةٍ مُقطّبة إثر ذاك الضجيج، وحين رأت وقوف ابنيها أمام غرفة إلين فُجعت واقتربت منهم هاتفةً بقوةٍ رغم أن الضعف يستحل حدقتيها : وش قاعد يصير هنا؟
ارتفعت الأنظار جميعها إليها وتلك المُتوارية من خلف الباب وقفت فاغرةً شفتيها تُرهف السمع بعد أن تمكنت بجهدٍ بالغ أن تستوعب أن هذا الصوت لهالة! إذن هي لا تزال هنا!!
تغلغلتها الراحة لتبتسم ابتسامةً حزينة وابتسامتها تلك جاءت في غير الوقت المُلائم لها، ابتسامةٌ نبعت من شفتين وعينيْها التضادُ التامُ لها. المهم أنّ بؤسها لم يُكمل مسيرة انغراسهِ في هذه العائلة، هي الدخيلة في النهاية وكم من المُخزي أن يصبح الدخيل هو المحرك للحزن في بيتٍ احتضنه سنين.
بهتت ابتسامتها والتوت بألمٍ وهي تستمع لصوت هالة التي سألت بقلقٍ واضح : إلين فيها شيء؟
اقتربت هديل منها بعينين تلتمعان لتُمسك بعضدها وهي تهمس برجاءٍ خائف : ما صار شيء يمه بس تكفين لا تقربين من هنا أخاف تصير مشاكل من جديد
ازدردت إلين معدنًا مُنصهرًا أحرق جوفها والكلمات التي لُفظت من هديل شعرت أنها معنيةٌ بها بشكلٍ ما! انسلخ باطنها عن جسدها باندلاعِ نارٍ حزينةٍ تنتقم منها لأمرٍ لم يكُن بيدها، ليس ذنبها أنها ولدت وقدرها مكتوبٌ قبل أن تسكن في رحمِ أمها، ليس ذنبها أن كان الجوع العائلي مرافقًا لها وكل قوتٍ يوميٍ قد تحصل عليه يتلاشى حتى قبل أن تقترب منه. ليس الذنب ذنبها وما يحدث ليس ذنبًا من الأساس! هذا قدرها شاءت أم أبت والقدر لا يكُون يومًا ذنبًا بحجم ما قد يكُون عقابًا! ما الذي فعلتُه في حياتي يا الله؟ ما الذي اقترفْتُه لأتبوأ هذه الدار الساكنُ فيها الريح والمُغادر عنها الأكسجين؟ ما الذي فعلْتهُ يا إلهي لتُسدّ كل الأبوابِ في وجهي وأنا التي تستغفر في الأسحار وفي النهار علّ هذا الجوع يُتوّج بالشبع يومًا ما؟ " وبشر الصابرين " فهل كنت ل تلك السنين لست منهم؟
هتفت هالة بجمودٍ ما إن سمعت رد هديل : ما بيصير شيء ، وش صاير؟
بلل ياسر شفتيه وهو كأخته لا يريد لمشاكل أخرى أن تنهض، لذا رد عليها بهدوءٍ ظاهري : لا بس بغيناها تاكل لها شيء عشان ما تتعب
وكأنها باتت كالسجناء! حين يجيء وقت طعامها يقترب الحارس من بابها ويقدم الطعام في طبقٍ صغير، وكأنها الرديءُ من المعادن والتي تُرمى في أقرب مكبٍ للنفايات! كأن الوجود واللاوجود حلقتان تداخلا من عند الأطراف واستقرت هي وسط الشكل الذي كوّن لتُصبح بينهما، موجودةٌ وغير كذلك! مُنشطرةً عن الأحياء وكذلك عن الأموات.
ازدردت ريقها للمرة المائة وغيمةٌ حُبلى من فوقها تُظللها ولا تسقيها، غيمةٌ حُبلى تعسّرت ولادتها فتأخر موعد سُقياها.
انعقد حاجبي هالة قليلًا وهي تسألهما : ليه هي متى آخر مرة أكلت؟
تنهدت هديل بكبت، ثمّ شدّت بيدها على عضد هالة وهي تعقد حاجبيها قليلًا برجاء : يلا يمه خلينا نمشي ، ياسر بيتكلم معاها
هالة برفض وهي تنظر لياسر نظرات لا يفهمها سواه وإلين : ومين قال إنّي بخليه يتكلم معها؟
عضّ ياسر شفته بحرارةٍ وهو يُشتت حدقتيه عنها ويزفر محاولًا طرد الشحنات التي تدفقت في جسده حين قالت ما قالته! ألا تعلم أنها بما تقول تقذف اثنين؟ ألا تعلم أنّ هذا ذنبٌ لا يُغتفر والقذف مُحذرٌ منه في كتاب الله جل علاه؟ ألا تعلم أنها لو كانت شخصًا آخر وقذفته لقام بإجراءٍ آخر معها؟ لكن المشكلة أنها أمه! من ربته لتتهمه بهذه الصفةِ الشنيعة بعد سنواتٍ طالت في كنفها، من كان يجب أن تثق به ولو كانت رأته في وضعٍ مشكوكٍ به، من كان لعينيها أن ترى أمامه مرآةً تُظهر محاسنه بينما تنكسر المساوِئ عندما تُحاول اختراقها، كان يجب أن تجعل من عينيها مرآةً مُحدبة تقوم بتصغير كل سيئةٍ تظهر منه على الأقل! فكيف إذن وهو لم يفعل شيئًا!
نظر لملامحها بجمودٍ للحظاتٍ وعينيها تنظران إليه باتهامٍ صريح، توقف الزمن قليلًا عند تلك النظرات التي ترشق من كليهما وهديل تنظر إليهما باستنكارٍ حتى انقطع النظر بتحرك ياسر مبتعدًا. ظلّت هالة تنظر إليه بعينين مُحبطتين به حتى توارى عنها داخل غرفته، ومن ثمّ تنهدت لتتحرك مبتعدةً قبل أن تهتف بجمودٌ موجهةً كلماتها لهديل : حاولي تقنعينها تاكل شيء
صمتت هديل للحظاتٍ وعيناها تميلان بخواءٍ قبل أن تهتف بفتور : إن شاء الله


,


بُهتت ملامحها وهي تنظر إليْه بعدم استيعابٍ مُطلق، ما الذي لفظ بهِ للتو؟ أما قال ضربٌ من جنون؟ بالتأكيد! فهيثم مجنونٌ كفايـة ليقول ما يقول وكل المقاويل من بين شفتيه لا يؤخذ بها لأنه وبكل بساطةٍ مجنون!
لمحت فمه يلتوي بابتسامةٍ ساخرةٍ ماكرة ومن ثمّ تأتأ بأسى وهو يهزّ رأسه يمينًا وشمالًا، ليلفظ : مسكينة!
ارتعشت شفتاها وعيناها تنظران إليْه ببهوت، وعند هذا المُفترق ارتفعت إحدى كفيها ليستقر باطنها على جُرح زندها المُغطى بكُمّها الطويل، بالرغم من كونها تُدرك أنّ كلماته مجرد جنونٍ وعبث، مجرد مُحاولةٍ لإزهاق سكونها، إلّا أنها كان لها المفعول التام لتُشعرها بهذا الخمول في أطرافها الآن. اهتزت نظراتها وانكسرت عن عينيه اللتين تلتمعان بلؤم، لتنظر للأرض وهي تقبض بقوةٍ على زندها هامسةً بصوتٍ وصل إليه جيدًا بشكلٍ مُهتز : مجنون!
التوت ابتسامته أكثر مُحاولًا كبح ضحكةٍ أرادت التسلل من بين شفتيه، لتنفرجا مُتمتمتين بما نطقت بهِ دون صوتٍ ساخرًا عبْر عينيه وانعدام صوته، إلى أن ضحك أخيرًا بصوتٍ عالٍ وهو يغمض عينيه غارقًا في ضحكهِ هذا الذي جعلها ترتعش بغيظٍ كبتته عن الظهور دون أن تستطيع السيطرة على عينيها اللتين رمقتاه باحتقار.
همست بشتيمةٍ لم يسمعها لتتحرك وهي تراه مُنزاحًا عن الباب قليلًا، لم تترد هذه المرة في الإتجاه للباب حتى تخرج فهو من الواضح أنه لا ينوي تركها تخرج بسهولة، وفي أثناء اتجاهها للباب كانت تنظر إليْه بحذر، كيف عساها تتحرك ببساطةٍ وسهولةٍ إلى الباب وهو قريبٌ منهُ بشكل يسمح له بلمسها إن هي اقتربت!!
تحرك خطوةً جانبًا لتنتفض وتقف مكانها ناظرةً إليه بذعر، إلا أنه كبت ضحكةً ليتراجع قليلًا للخلف مُبتعدًا أكثر عن الباب وهو يرمقها بنظراتٍ لا تُبشر بالخير.
ازدردت ريقها باضطرابٍ وهي تقترب أكثر من الباب وعيناها إليه لا تُدركان طريقها، وما إن وقفت عند الباب حتى وصل إلى مسمعها صوتهُ الأشبه بفحيح أفعى سامةٍ تقترب من فريسةٍ لها، وبابتسامةٍ وهو مُغمضُ العينين : قيييم أوفر!!
استدارت نظراتها إليْهِ تلقائيًا ليضحك وهو يرفع كفيه للأعلى وعيناه ترمقانها بمكر : روحي له . . روحي للي ظلمك بهالحياة لما تزوج وخلفك في المسيار!! روحي
استدارت هذه المرة بجسدها بأكمله إليه وكفاها هذه المرة ارتعشتا عند جنون كلماته التي لفظها لتهزّ بدنها، لتأخذها علة محمل الجد فعيناه تلتمعان بشيءٍ ما بعيدًا عن الكذب والجنون، وبحدةٍ لم تستطع منع لسانها عن السؤال : وش الجنون اللي قاعد تقوله؟؟


,


" متى بتروحون أنتو؟ " .. لفظتها من بين شفتيها بتذمرٍ وهي عابسةُ الملامح، وما إن سمعت أرجوان ما قالته أختها حتى شهقت ناظرةً إليها بنظراتٍ مُتسعةٍ تُرسل إليها تحذيرًا حتى تصمت.
لوت جيهان فمها وهي تصدّ نظرها عن عيني أرجوان لتنظر لرامي بملل : وصمخ ما تسمع أنت؟ يلا اتصل على أحد من أهلك وقوله يجي لكم
ضربت أرجوان رأسها وهي تعضّ شفتها بحنقٍ من وقاحة أختها، وبحدة : جيهااان
جيهان دون مبالاة : اصصص خليني أتفاهم مع ذا اللي مطنش بعد!
نظر إليها رامي من طرف عينيه نظرة احتقارٍ ويدُ " البلاستيشن " استقر بين كفيه، ثمّ صدّ عنها بكل بساطةٍ ليُكمل لعبه وترتفع شهقة جيهان هذه المرة.
جيهان بحنق : أيا قليل الحيا!!!
ضحكت أرجوان بخفوتٍ وهي تنهض عن الأريكةِ لتُمسك بمعصميها هاتفةً بابتسامةٍ جميلة : خليك منه وتعالي ندخل غرفتك نحكي شوي
تقطّبت ملامح جيهان وارتبكت قليلًا لا تدري لمَ! إلا أنها أومأت لتنهض وتتجهان لغرفة النوم.
جلستا على السرير وأرجوان ترسم ابتسامةً جميلة على شفتيها، بينما كانت جيهان تنظر إليها بملامح زارها البهوت والشحوب منذ أيامٍ طالت ولم تنتهي.
بدأت أرجوان بالتحدث مُرققةً صوتها باهتمام : بينك وبين فواز شيء صح؟
قطّبت جيهان جبينها وعيناها تنظران إلى أختها باستنكارٍ ظاهري : شيء مثل أيش؟
أمالت أرجوان رأسها قليلًا وابتسامتها تتقلص تدريجيًا، ليس صعبًا عليها أن تميز ما الذي تواجهه أختها في حياتها، ليس صعبًا عليها أن تلمح المعاناة في ملامحها الفاضحة، في ملامحها التي تعكس الحزن والفرح في لحظاتهما.
همست أرجوان بعينين ضيقتين : مبسوطة مع فواز؟
تجمدت ملامح جيهان وبردت نظراتها حتى وصلت لبرودة الصقيع، وبالرغم من كون أرجوان كانت تعلم تمامًا ما الإجابة إلا أن الألم زاولها بشدةٍ حين تجلّى الحزن في عيني أختها البُنيتين . . انعكس ألمها على سطح حدقتيها بسهولةٍ وهي تبتلع ريقها بغصّة، وبهمسٍ تنظر لحجرها مُبتعدةً عن عيني أرجوان : مافيه بيننا شيء
أرجوان تقترب منها أكثر لتُمسك بكفيها المُرتعشتين بوهنٍ وبرودة الشتاءِ تمركزت في بشرتها التي لسعتها ببرودتها، تجسد الإرتعاش بأكمله في أطرافها وبوادر البُكاء حلّت من ارتعاشها لإحمرار ملامحها.
همست أرجوان بتأوهٍ وهي تشدّ على كفيها بقوة : احكي ، لا تكذبين علي يا جيهان، احكي وطلعي اللي جواتك
زمّت جيهان شفتيها وهي تصدّ بوجهها عنها، بالرغم من كل ما يحدث معها، بالرغم من حقدها على فواز بعد ما حدث، إلا أنها قد أقرت سابقًا أنّها لن تتجرأ على التقليل من شأنه أمام أحد، هي ترى أنه يخطئ في حقها بمعاملته وظنه بأنها من المجانين! إلا أن رؤيتها هذه لا تخوّل لها أن تقلل من شأنها ولا زوجة ترضى بذلك لزوجها وإن كان قد قلل من شأنها هو.
همست جيهان بخفوتٍ دون أن تنظر إليها : شوية مشاكل بس .. لا تخافين علي
أرجوان دون تصديق : شوية مشاكل؟ متأكدة؟
أومأت جيهان بصمتٍ دون أن تدير وجهها إليها، حينها رفعت أرجوان كفها لتُمسك بذقنها وتُدير ملامحها إليها، وبجدية : ماني مصدقتك! دامك ما طالعتي بعيوني وأنتِ تقولينها ماراح أصدقك . . . وحتى لو قلتيها وعيونك بعيوني بعد ماراح أصدقك
أقدر أشوف اللي في قلبك بكل سهولة يا جيهان لأنك أختي، بس ما راح أضغط عليك، مو بس لأنك ما تبين لأني بعد أثق في ولد عمي وأثق إنه ماراح يأذيك
فغرت جيهان شفتيها قليلًا وعقلها يهمس بسخرية " ماراح يأذيني؟ " . . ألا تدرك أنه قام بما يتجاوز الإيذاء حين جرحها بتلك الطريقة وبذاك الإتهام؟ إلا تُدرك أنهما في شدٍ وجذب، في مدٍ وجزر، وكل السبب لا يقع إلا على عاتقه وعلى ذاك الظن؟
تنهدت تُخفي ما اختلج بداخلها في صدرها دون أن تظهره لسانيًا، يكفي ما تواجهه، يكفي كلّ شيء فهي لا تريد أن تُضاعف القلق في صدر أختها التي تثق بابن عمها!!


,


اتجهت عيناها للباب الذي فُتح ليتراءى أمامها سلطان الذي وقف ينظر إليها للحظاتٍ نظراتٍ لا تُفسر، بينما استقرت عيناها عليه وبمظهره الساكن وعينيه الهادئتين في حين توقعت هي غير ذلك من براكين وزلازل في صدره، توقعت أن يُلخص جميع الكوارث الطبيعية في سهامِ عينيه وموجاتِ لسانِه، إلا أنه بدا هادئًا، هدوءًا كان مُرعبًا ومُزعجًا أكثر من أي ضجيج يتعدى الموجات الصوتيةِ ليُدمي أذنيها.
تثبّتت عيناها الضعيفتين في عينيه اللتين كانتا تنظران إليه بقوّةٍ لتصدا عنها أخيرًا، حينها انتبهت لمظهرها وعُريِّ لباسها لتشهق بقوةٍ واضعةً كفها على صدرها وشفتيها انفرجتا بذعر. إلا هو! إلا هو لا تريد أن ترتدي مثل هذه الملابس ويراها، بالرغم من كونها لا تخجل منها واعتادت عليها كليًا لكنّ الوضع مُختلف! مُختلفٌ بدرجةٍ لا تحتمل الخجل أو إمحاقه!
تلفتت بسرعةٍ تبحث عن روبها الطويل والذي لا تدري أين وضعته بالضبط! فحضور سلطان في هذا الوقت لغرفتها ومظهرها كانا سببًا كافيًا حتى يتخبّط عقلها ويتشتت تركيزها.
لم يستطع منع ابتسامته من الظهور حين لمحها بطرف عينيه وهي تُدير رأسها هُنا وهناك تبحث عن شيءٍ ما على الأحرى ليسترها، مظهرها بدا بريئًا ورغبتها في ستر نفسها أعجبته! . . تحرّك مبتعدًا باحترامٍ عن الغرفة وهو يهتف بجمودٍ وظهره إليها : استري نفسك والحقيني
ليتحرك مبتعدًا بعد كلماته وتلك الأخرى انفعل قلبها الذي أصبح يضرب قفصها الصدري بقوةٍ ضارية، ارتفعت نسبة الأدرينالين لتنخفض نسبة إفرازها للعاب ويجفّ فمها، ازدردت ريقًا وهميًا وكفها مُستقرةٌ على صدرها الذي يرتفع وينخفض بتوتر، وعيناها تعلقتا بالباب المفتوح والذي خرج منه بعد أن دخل عبره ليراها هكذا، الباب الذي كان مفتاح توترها الآن، انتقلت من تركيزٍ عالٍ كان مُتمثلًا في والدها لتنتقل لتركيزٍ أعلى ... أعلى! أمثله يكُون كالمنطقة ذات التركيز العالي ليلفظها منه بوحشية؟ أم أن والدها هو من كان له أن يكون كذلك منطقيًا! . . ارتخت كفها عن صدرها وانسدلت رموشها بحيرةٍ وضياع، إنه وإن كان رجلًا إلا أنه لم يفعل لها شيئًا حتى الآن لتصفهُ بتلك المبالغة! الأحقية لوالدها في هذه الصفة وليست لسلطان، لكن لمَ فكرت أنّه كذلك؟ لمَ فكرت أنه قد يكون بذاك التركيز القوي وهو الرجل الذي ما جاور قسوة والدها يومًا ولن يجاورها أحد؟
عضّت طرف شفتها وهي تستنشق الأكسجين باضطرابٍ من بين شفتيها لترتعشا ببرودةِ الهواء الذي عبرها، غرق تفكيرها للحظاتٍ في الضياع والتخبط الذي عاشته وستبقى تعيشه أبد الدهر، في البساتين التي تبرأت منها بعد أن أصبحت زهرةً جافة لا جماليةَ بها، في الرياح التي حملتها غيمةً مُثقلةً بالصديد لتنسحب عن حملها أخيرًا وتسقط بمرارةِ حياتها التي التحمت مع الوجَعِ وباتتا واحدًا لا يقبلان القِسمة. قُمعت كل العمليات الرياضية والحيوية فيما بين حياتها والوجع، تكللت سيرتها الذاتية بجائزة نوبل للناتج التي صدرت عن عدم عمليةٍ ما أو معادلةٍ وتفاعل.
جُذبت من البحر الذي غرقت بهِ على صوتِ سلطان الذي ارتفع باسمها حين لم يرها قد لحقته، وقد ظنّ أنها تتجاهله عمدًا لذا خرج صوته حادًا بعض الشيء.
انتفضت لتشدّ بقوةٍ على مفرش السرير وكأنها تطلب الحماية، ثمّ تنفست بقوةٍ وهي تُغمض عينيها مُحاولةً تهدئـة نفسها لتنهض وتبتعد عن المشاكل معه الآن . . وقفت بارتعاش ساقيها لتتناول روبها الطويل وترتديه بترددٍ وهي تتمنى أن تسمعه يقول " خلاص بروح أنام "، لكن هيهات فصوته ظلّ ساكنًا حتى خرجت إليْه بوجهٍ مضطربٍ تغَطى بالقليل من الخوف بعد أن كانت تتصنع العكس من ذلك حينما كانا في بيت امه.
هتف ببرودٍ وهو يرمق ملامحها التي سطع على جمالها الضعف وقلّة الحيلة : تعالي اجلسي
فركت كفّاها ببعضهما وهي واقفةٌ عند باب غرفتها مُطرقةَ الرأس بشكلٍ طفولي، وبهمسٍ متردد : بنام وش بغيت؟
رفعَ إحدى حاجبيه ليهتف بصوتٍ جاد : أبي أتفاهم معاك وأشوف وش آخرتها وياك
رفعت رأسها مباشرةً إليه لتُطلق من عينيها سهامها التي كانت مضطربةً بشكل وصلت إليه ضعيفة، وقد لمح بكل سهولةٍ الخوف الذي ظهر عليها وإن كانت حاولت إخفاءه. همس : ليه الخوف؟ وش بسوي لك يعني؟
انكسرت نظراتها عن مرآةِ عينيه لتُشتتها وهي تزفر بتوترٍ ظهر في ساقيها اللتين كانتا تهتزان باضطرابٍ واضح. لمَ يجب أن تظهر دائمًا بهذا الشكل الضعيف أمامه؟؟؟ عضّت شفتها بقوةٍ وهي تُعيد النظر إليه واضطرابها شعرت أنه هو من بات يحرك عضلة لسانها : ماني خايفة مين قالك؟
ارتفع حاجبه لردها الحاد الذي تسلل من بين شفتيها قبل أن يستوعبه عقلها، ونظرته نفذت إلى أعماقها بقوّتها وثباتها المُضاد لاهتزاز كل خليةٍ في جسدها، تضاعف الإهتزاز ليجعل من تكوينها رخويًا عند عينيْه اللتين ضاعفتا من اضطرابها ما إن اصتدمت بهما، وكأنه صقرٌ رأى فريسةً لهُ أمامه، كأنّ الموج تصاعد مدّهُ ليصتدم بصخور الشاطئِ بقوةٍ جعلتها تتفتت.
أغمضت عينيها بقوةٍ وهي تُدير وجهها جانبًا وقدماها رفضتا الإنصياع لإرادة عقلها بالهرب، ماتت أعصابها الحركية وتصلّبت عظامها لتظلّ واقفةً أمامه وكل ضَلالٍ لا يكُون إلا بالضعف الجسدي الذي يخون صاحبه ولا يُنقذه من بطش الفهود.
رقّت نظراته قليلًا وهو يزفر ويُغمض عينيه للحظات، وفي كل يومٍ وساعة، في كل دقيقةٍ وثانية، هاهي تثبت للمرةِ الألف أنّها تُعاني من شيءٍ ما على الأرجح هو نفسي! تنكسر نظراتها ويرتدّ جسدها ما إن تستشعر غضبه، حتى في حالات " روقانه " لا تكون بكامل طبيعتها والحذر ينبع من عينيها.
ما الذي واجهته في حياتها ليجعل من شخصيتها مُهتزّةً بهذا الشكل؟ ما الذي واجهته ليبنيها بهذهِ الهشاشةِ القابلة للكسر؟ وكل الرخوياتِ انسلخ عنها تكوينها الرخوي ليتمركز في حدقتيها اللتين صاحبها الإهتزاز والصرع!
فتح عينيه لينظر إليها وهي على حالها واقفةٌ بخشيةٍ واضحة وعينيها مُغمضتين بقوةٍ تصدّ رأسها عنه، وبجهدٍ حاول إيصال صوته هادئًا حنونًا بدرجةٍ كافيةٍ لتطمئن : خلاص روحي نامي ، واعتبري أخطائك اليوم متغاضي عنها بس حاولي ما تكررينها
فتحت عينيها بسرعةٍ ورأسها أدارته إليه بقوّةِ المدفع، رأى عدم التصديق في عينيها جليًا وكأنها كانت تتوقع منه قتلها على الأقل! أوجعه أن يرى هذه النظرة في عينيها والتي تثبت أنها واجهت أمرًا غير إنسانيٍ في الماضي.
ابتسم لها بحنانٍ لينتفض قلبها بقوةٍ وتعود أعصابها الحركيةُ للحياة، انتهى تصلّب عظام قدميها وانقبضت عضلاتها في حركةٍ مُرتدةٍ للخلفِ والأكسجين يعبر من بين شفتيها باضطرابٍ تضاعف آلآف المرات بابتسامته، بنظرةِ عينيه، بملامحه المُرتخية وكأنّ تشنج ملامحهِ في تلك الثواني لم يكُن إلا تصويرًا من عينيها وعقلها.
كان قلبها يدوي كالمدفع بين أضلاعها، وعينيها المتسعتان احترقتا بدموعٍ ما كادت تخونها هذه المرة لتسقط . . ما الذي يفعله؟ ما الذي ينتويه مكره؟ ما الذي يريد أن يصل إليْه تحديدًا؟؟!
تراجعت للخلف وشفتيها ترتعشان، وصوتها انقطع منه الثبات ليتسلل من بين شفتيها مُنهارًا والدموع تزيّن سطح عينيها : يكفي! وقف اللي قاعد تسويه! الوضع ماهو مُمتع ... والله ماهو ممتع حرام عليك
تلاشت ابتسامته وظهرت الصدمة على ملامحه بوضوح. امتدّ جسرٌ بينها وبين تلك الإبتسامة التي تحمّلت بمشاعر عظيمة، بينها وبين نظراته، بينها وبين ملامحه وصوته، امتدّ جسرٌ تُدرك أنها إن عبرته سيتحطم وهي في منتصفه لتسقط، ستلتهمها أسنانه بعد حينٍ من تصديقها لهذه المشاعر.
اعتادت على القسوةِ المباشرة، اعتادت على عدم اللف والدوران فلا تلجأ إليه الآن! لا تتصنع شيئًا لتصدمها بشيء آخر! لا ترفعها للسماء لتُسقطها أرضًا في النهايـة. وهي الجذور التي تثبتت في أرضٍ قاسيةٍ وتشعّبت ليتضاعف ثباتها في تلك الأرضِ النهمة، هي الماءُ التي تشرّبته أراضٍ استحلها الجفاف لتُمتصها كلّها بوحشية، فكيف ستكُون حين يزداد جفاف هذه الأرض ويزداد تشعبها في القسوة؟ كيف ستطبح حين تزور بستانًا تنوي إسقاءه لتُصدم بأن هذا البستان جافٌ حتى من الأغصان!
كل الكوارث الطبيعية تمثّلت فيها من فيضاناتٍ وجفافَ وزلازل، تمامًا كما الآن وعينيها في فيضانٍ لم يتجاوز جفنيها، قلبها جفّ وتمزق وجسدها يستحلّه الإرتعاش بشدة.
رأته يقف لتتراجع بقوةٍ أكبر وتصرخ دون شعورٍ وهي تُغمض عينيه لتنساب دمعةٌ يتيمة على إحدى وجنتيها وتروي جفاف بشرتها : لا تكســر قلبي أكثر . . لا تصير الشيطان اللي يطلع بشكل ثاني . . لا تكون أسوأ! الله يخليك لا تصير أقسى بهالطريقة!! ما عاد أتحمل خلاص ، والله ما عاد أتحمل .... أنـــا بشــر
جلست على الأرض بانهيارٍ بعد أن ارتعشت قدماها بقوةٍ أضعفت بقية جسدها وهي تقوّس شفتيها، وجفنيها هذه المرة انخلعا ليتجاوز الدمع محجريْها، بكت كما لم تبكي في خلواتها ووحدتها والعينُ حين يفيض بها الماءُ تتفجر فتروي الأراضي اليابسة كقلبها الذي تشقق بجفافه، تُثبط عزيمة النار التي تندلع في الجوْفِ وكل الحزن حين تشتعل نيرانٌ داخلية تُحرق ولا تحول الجسم إلى رماد، تُحرق ولا تجعل الدخان يرتفع عن محجريها اللذين احترقا واختنقا بعطاءِ هذه النار المُتأججة. الحُزن للعينين عند عزاءِ قلبها والمجد لتلك النار وإن أُحبطت الآن إلا أن مجدها باقٍ كهذا الحُزن وهذا الضعف.
ارتفع صوتُ نحيبها وهي تُغطي ملامحها بكفيها، بينما بقي سلطان واقفًا في مكانه للحظاتٍ والصدمةُ من انهيارها وبكائها الذي يراه لأول مرةٍ شلّت أركانه. قبل ساعاتٍ كان يقول لها ابكي! كان يقول لها أخرجي مافي قلبك! لكنّ التحفيز لأمر شيءٌ ورؤيته متجسدًا شيئًا آخر يختلف عن الحقيقة والخيال، يختلف عن حُزنٍ جسّدته القصص والأقلام في الورق، يختلف تجسده في الواقع عن تجسده في الأفلامِ الحزينة، نضحت عيناها بالماء المالح وكل إناءٍ يمتلئ سينضح في آخر المطاف، كلّ كبتٍ لابد له أن ينفجر وما أقساه من انفجارٍ حين يكون لأنثى يلمح حُزنها كما يلمح حزن عينيْه في المرآة، يلمح انكسارها دائمًا في سطح حدقتيها العسليتين وجمود ملامحها السمراء، يلمحه في ارتعاش كفيها وعضّها لشفتها، في تواريها خلف باب غرفتها خوفًا منه لما لا يعلم وفي اهتزاز نبرتها عند الحديث معها.
ما الذي جعل غزالًا مثلها بهذا الجرح وهو الغزال الذي لم يصطده أحدًا من قبل؟ ما الذي جعل غزالًا بريًا حرًا أن يتهاوى ساقطًا في أقصى فحولةِ جماله؟ كيف يُضعف الحزن النساء بهذه الطريقة منذ أول بادرةٍ له ولا يفعل ذات الشيءِ معها؟ كيف قابلته أول مرةٍ بثقةٍ كاذبة ولم تسقط عند أول خوفٍ وألمٍ رآه في عينيها؟ . . لو أنكِ بكيتي منذ أول مرة، لو أنك انهرتي بترفٍ عند أول حزن، لو أنكِ لم تقسي على نفسك لتنكسري أخيرًا كغصنٍ تيبّس وتصلب، لربما كان الإنهيار اليوم أقل وطأةً عليكِ وعليْ، لربما كان حُزنك الآن أقل صدقًا، لربما كنتِ أنتِ أكثر ثباتًا من الآن وغير الآن وبعد الآن، لكنكِ قسوتِ يا غزل على نفسكِ كما لم يقسي أحدٌ من قبل على غيره، قسوتِ على قلبكِ الذي سيكون ضعيفًا ليتحمل كل هذا وكل مالا أعرفه فأنتِ ككل الإناثِ اللاتي يتصنعن القوة ليسقطن أخيرًا.
سقوطكِ كان أقسى، سقوطكِ كان أعنف، سقوطكِ كان أكبر من أن يتحمله أي رجل.
تشنجت قبضتاها فوق عينيها وصوتُ نحيبها تشعر أنّه يتجاوز حنجرتها ليمزّقه، يتجاوز شفتيها بجوانب مُسننةٍ ليجرحها بعنف.
لم تبالي أنها اليوم بكت، لم تبالي أنها اليوم سقطت بالرغم من كونها تُدرك أنه يستلذّ بهذا الضعف الآن وليفرح! ليفرح فقلبها وصل في تحمله لما لا يقوى وقد انفجر بحزنه هذه المرة ليبكي مع عينيها ويُوقف عمليه ضخه للدماء إلى أوردتها، انقطع الأُكسجين عن دمها ومات دماغها وتوقف عن عمله ليتوقف تفكيرها في كل شيءٍ ما عدا هذا البُكاء الذي سينتهي بالندم والعتاب، سينتهي بضحكةٍ منه، ضحكةِ تشفي وانتصار.
توقف الشعور لديها بصدمةٍ عند ذراعين طوّقتها بقوةٍ إلى صدرٍ صلب، اتسعت عيناها بصدمةٍ وكل خلاياها ارتعشت ونحيبها أُخرس عند شعورها بدفءِ صدره، حتى كلماته المُهدئة لها توارت خلف صوت قلبها الذي اعتلا بعنفٍ ليتصدر كل الأصوات ويُمحقها. لم تسمع شيئًا مما يقوله، اختفى صوته، اختفت برودة المكان، وسكن ارتعشها بدفئه، رأسها كان مُستقرًا في صدره بفعل كفهِ التي كانت مُستريحةً خلف رأسها تشدّها إليه، والأخرى كانت تمسح على ظهرها برفقٍ وحنان. انتهى الإستيعاب عند نبضات قلبها وهذا الدفء، ليصل إليها صوتٌ آخرَ كان صوتُ نبضاتِ قلبه التي كانت تُجاور أذنها


,


تحركت بارتباكٍ والفستان الأبيضُ يبتلعها بأكملها، هاقد جاء اليوم الذي لم يكن مُنتظرًا! جاء هذا اليوم الذي ستزفّ فيه إلى غيره! جاء اليوم الذي ستندلع فيه حرارة خيانتها وتحرقها، كل شيءٍ من حولها بات غيرَ مرئيًا، باتت الأصوات شيئًا لا يعبر وكيف عساها الموجات الصوتية تعبر وتصل إلى مسامعها وجزيئات الهواء تلاشت بعد أن استنشقتها بأكملها؟ كيف عساها تصل ولا جزيئات تُسعفها بالإصتدام بها؟ عضّت شفتها بقوةٍ وهي تجلس مُنتظرةً الأوامر التي ستصدر قريبًا حتى تتحرك وتبدأ الزفة، الوقت يمرّ بسرعةٍ وهذا حال الوقت حين يتعلق بما هو غير منتظر، الإنتظار يتعلق بما هو مُتأخر، وهي لم تنتظر فكيف سيتأخر احتراقها؟
دخلت ديما التي غلفها اللون التيفاني بإغراء، عيناها تخضّبتا بالكحل العربي لتشعا جاذبيةً مع نظرتها السعيدة في هذا اليوم الذي انتظرته وهاقد جاء.
دخلت وهي تهتف بعجلة : يلا تجهزي جاء وقت التصوير
شعرت بأن أحدًا ما قام بصفعها على وجنتها بقوةٍ غير ملموسة، فغرت شفتيها وهي ترمش بعينيها التي أحيطت بألوانٍ ناعمة والتصديق لا ينولها. ثم ببهوتٍ همست : تصوير!!!
قطّبت ديما جبينها وهي تهمس : مو أمي قالت لك قبل؟
اندفعت أسيل واقفةً وكأنها استوعبت للتو ما معنى التصوير مع زوجها الحالي، وبانفعال مُتخبط : لا ما قالت، محد قالي .. ومستحيل أوافق، مستحييييل
فغرت ديما شفتيها ببهوتٍ لانفعالها، ليس هناك ي داعٍ لذلك فهو زوجها في النهاية : أسيل وبعدين معاك؟ أمي قايلة لك من قبل وأنا بنفسي سامعتها بس شكلك ما كنتِ مركزة
انتفضت كفها وارتعشت شفتاها بتعثّر، كانت تُحاول منذ أيامٍ أن لا تنهار واستطاعت، والآن ماذا؟ هل جاء وقت انهيارها أخيرًا؟؟
همست بعبرة : ولو . . أنتم تعرفون إني مستحيل أتصور وياه ليه . . ليـ ..
بُترت كلماتها وهي تشعر بعدم المنطقيةِ بها، لا حجة لها لترفض، هذا ما يرونه لكن ماذا عنها؟ ماذا عن قلبها وشعورها؟ ماذا عن انهزام الفرح في صدرها؟ ماذا عن تلك الليالي التي نامت فيها تحت جُنح الزواج بمتعب ومن ثمّ الترمل لتموت في فراشها منذ دخل شاهين حياتها؟ ماذا عن تلك النصوص البريئة التي كتبتها عن جهلٍ شعريٍ لهُ ليسمعها منها مُبتسمًا ويُشجعها بكلماته؟ ماذا عن ارتعاش كفيها حين تسكن كفيه؟ هل مات كل ذلك يا الله؟ هل انتهت تلك الأيام الربيعية ليحلّ الشتاء الآن؟ هل ستُرغم الآن على النسيان والإخلاص للآخر لتذنب إن لم تقم بذلك؟ لا ذنب لها في شيء، لا ذنب لها إن فكرت بغير زوجها الحالي، لا ذنب لها وكل الذنب مات في هذا الزواج الخاطئ والذي لم يبنى بمنطقية، هذا الزواج الذي بُني صدئًا وسيسقط أخيرًا.
كادت تبكي لولا أن اندفعت ديما إليها بذعرٍ وهي تهتف : خلاص أسيل لا تبكين تكفين .. بتفضحينا اليوم أنتِ؟
زمّت شفتيها وهي تهتف بقهر : هذا اللي هامكم ... هذا اللي هامكم
دخلت أمهما في تلك اللحظةِ لتصمت ديما عن الحديث الذي كانت ستوجهه لأسيل، بينما صدّت الأخرى عن الباب وهي تُمسك زمام دموعها قسرًا وتحترق عيناها بها.
هتفت ام فواز وهي تلحظ الأجواء المشحونة بينهما : اطلعي ديما شاهين بيدخل


,


دخل بملامح غطّاها الجمود الذي كان من المفترض أن يبتعد بأميالٍ عنه في هذه الليلة، نظراته وجمود ملامحه لا تُعبّر عن كونه العريس، ولولا مظهره وابتسامته الهادئـة لكان من المستحيل أن يميز عابرٌ أن حفل الزفاف هذا له.
كانت تجلس وأمها تقف أمامها وتحدثها بشيءً ما على الأرجح سيكون نصائح حادة كي تلتزم الأدب، ما الذي بقي ولم تفعله بعد ما فعلته البارحة وما قالته له من وقاحة؟ زمّ شفتيه وهو يحاول كبت انفعالاته كي لا تظهر على سطح عينيه، ثمّ اقترب منها وعيناه تتأملان كل تفصيلٍ فيها بتركيز، كانت تبدو كحوريةٍ هربت من المحيطات وجاءته بهذا الجمال الأخآذ الذي يخلب اللب ويسرق النظر ليبقيه أعمى عن سواها، كقطعةِ سُكر لم يتذوقها أحدٌ من قبل ولن يتلذذ بحلاوتها سواه، كالمنشقة التي ستسرق حياته بالتأكيد! كادت تخطف قلبه في هذه الأثناء وتجعل ملامحه ترقّ رغمًا عنه لمرآها، إلا أنه عاد وذكّر نفسه بما فعلته لتتجمد ملامحه ويتضاعف تصلّبها.
اقترب منهما بهدوءٍ وهالةٌ انتشرت حوله جعلت نظراتها المُضطربة إليه تنكسر عنه بعيدًا، بدأ قلبها ينبض بشدةٍ وهي تشعر بالخزي يختلط برفضها ونفورها، كلماتها له تتكرر في ذهنها، تشعرها بمدى حقارتها وصغرها، إلا أنها في النهاية لُفظت وما عاد شيءّ يعيدها إلى جُحرها.

*

كانت الساعات القليلة المُتبقية لميعاد زفافهما تكاد تنتهي، قليلةٌ بقلّة السكون في هذه اللحظات، بل بانعدامه! ضيقة كضيق صدرها، سريعةٌ كسرعة نبضاتها الجامحة، يكاد عبورها أن يكون ثقيلًا على معدتها سريعًا في صعقها.
ما الذي تفعله حتى الآن؟ لمَ لا تزال واقفةً ولم تقم بإلغاء كل هذا بجديةٍ وضراوه؟ ما كلّ هذا الضعف والهوان؟ ما كل تلك الذبذبات التي تزورها فتجعلها إنسانةً مهتزةً لا قرار لها؟ كيف يُزاولها الضعف المُجمِّدُ لها ولا يزاولها الجنون لتتحرك؟ كيف يغادرها الإصرار وتقف بهذا السكون المقيت؟ إنها تنتهك بكل هذا، تنتهك بهذا الإستسلام وسيف شاهين يغرس نصله الحاد في صدرها، تنتهك بهذه الخيانة وتلك العلاقة التي يتوجب عليها الإخلاص بها وكل إخلاصٍ من بعد متعب توارى من خلفه وبجواره ولم يعد هناك أيُّ إخلاصٍ إلا له، كلّ ما يقام بهِ خطأ، كل هذا خطأ، كل تلك القرارات مُحرمةٌ خرجت من دائرة العلاقات.
جلست بعد أن كانت مُمتددةً على سريرها وهي تمسح دمعةً تسللت من بين رموشها، ودون شعورٍ رفعت هاتفها من على الكومدينة لتتجه لرقم شاهين مباشرةً والتفكير يغادر عقلها في هذه الأثناء.
بقي الهاتف يرنّ لثوانٍ طالت قبل أن يرفعه شاهين من الجهة الأخرى ليتوقف قلبها لثانية، وصل إلى مسامعها صوته الذي ميّزت بهِ صدمته بسهولة فهما من بعد أن تجاهلت الرد عليه آخر مرة لم يتجرأ أحدهما على الإتصال بالآخر : أهلين أسيل
أسيل بتوتر : هلا
شاهين : كيفك؟
أسيل تزدرد ريقها باضطراب : الحمدلله
صمت قليلًا ينتظر منها أن تتحدث وتقول ما تريده، فهو يدرك دون ذكاءٍ أنها لم تتصل به له، بل لأجل نفسها الأنانية بالتأكيد.
انتظر لثوانٍ وصوت أنفاسها المُتوترة تصل مسامعه التي اشتاقت لصوتها في تلك الأيام القليلة، شعر أن اليوم الذي ينقضي دون صوتها كالدهر الجاف بدون ماءٍ أو حياة، كالسنين الجائعة فيها أذناه. ما الذي فعلته به؟ يريد فقط أن يعلم ما الذي فعلته به؟ كيف لأنثى مثلها بهذا الجمال أن تعبره ولا تتجاوزه؟ كيف لامرأةٍ جسّدت جاذبية الكون بأكمله في عينيها لا تجعله يُطيق صبرًا حتى يسمع صوتها، حتى يتلذذ برؤيتها، حتى يستشعر دفء جسدها بين ذراعيه! ما الذي فعلتِه يا أسيل بي ليهتز قلبي حين يصل صوتكِ مسامعي ويخترقها؟ ما الذي فعلتُه أنثى بنعومتك حين طعنت قلبي بحدةِ عينيها؟ أنتِ لا تدركين أبدًا أن الرجل الشرقي حين يحب لا يكره، حين ينجرف بموجٍ كأمواجك لا يسعه أي شيءٍ أن يُنقذه، لا تدركين أن لعينيك أمواجًا تجاوزت أمواج المحيطات بأكملها بقوتها، لا تدركين أن لكٍ عينيان كـ " مثلث برمودا " تجذب كل شيءٍ إليها ولا تعيده! لا تًدركين أنني انجرف نحوكِ ولا شيء يشدني بعيدًا عنكِ وكل حبلٍ قد يُنقذني منكِ انقطع قبل وصوله إلي.
همس بحيرةٍ باسمةٍ حين طال صمتها : فيه شيء؟
تنفست بقوةٍ تسحب الأكسجين إلى صدرها بضراوةٍ وكأنها في حربٍ طاحنةٍ بين رئتيها والهواء. والضعف لازال مُستحلًا بها حتى في هذه الساعات التي لا تحتمل الضعف. همست بعد صمت وهي تُحاول شحذ نفسها بالقوة : أيـه
ابتسم برقةٍ وكأنها أمامه، ينسى الجرح منها بسهولةٍ ويتغاضى عن الكثير من أخطائها، يُدرك أن لا علاقة تستمر حين يدقق الطرفين في كل خطأٍ وكل زلةٍ متعمدةٍ أو غير متعمدة.
شاهين بلطف : سمي
أسيل بتوتر بدأت ساقيها بالإهتزاز : بكره زواجنا
اتسعت ابتسامته لمجرد التخيل أنها ستكون غدًا في بيته، وقلبه الحالم بدأ بالخفقان حين ارتفعت نسبة الأدرينالين في جسده، وبصوتٍ هامس : مبروك علينا
توترت نظراتها وكفها المُمسكة بالهاتف انقبضت بقوةٍ عليه، ازدردت ريقها والكلمات تخرج بوجعٍ من بين شفتيها دون إدراك : زواجنا بكره يا شاهين
بهتت ابتسامته قليلًا حين كررت جملتها مع اسمه وكأنها تستنجد به ليُنقذها! ليُنقذها من زواجهما!! . . طرد تلك الأفكار وهو يقنع نفسه أنه تخيّل تلك النبرة التي انسلخ عنها الفرح، وبهدوءٍ دون ابتسامة : أيوا!
أسيل بفتور : بس لازم أعلمك شيء قبل
توتر شاهين قليلًا : وش هو؟ أسمعك
أسيل ولسانها بات يتحرك بالأحرف دون إدراكٍ منها : بتقبل؟ ماراح تعصب؟
تضاعف توتره وقلبه شعر بالقلق رغمًا عنه، فهو يدرك تمامًا من هي أسيل ليقلق حين تتحدث معه بطريقتها الآن، وكيف عساه لا يقلق وهي كالطريقة التي تحدثت بها حين طلبت أن يكون زواجهما - صوريًا -!
زمّ شفتيه قبل أن يهتف بهدوءٍ ظاهري : ما راح أعصب احكي
ازدردت ريقها بصعوبةٍ تتذوق مرارة الصديد، تشعر أن حمضًا استقر في جوفها وعصارة معدتها تلتهمها بأكملها، انسلخ الشعور عنها، والإدراك عن كلماتها تلاشت عند هذا المفترق وبين الضياع والألم وهي تهمس والكلمات تجيئها من حيث لا تدري : علاقتي السابقة ... مع متعب
وقف بسرعةٍ من الجهةِ الأخرى ما إن نطقت باسمه، ونارٌ اندلعت في جوفه بينما تشنجت ملامحه بغضب، كم مرةً قال لها أن لا تفعل ذلك؟ كم مرةً قال لها أن تتركي مافي قلبك لقلبك؟ كم مرةً يجب عليها أن تستهين بهِ وبعلاقتهما بهذا الشكل وتنتهك حرمتها؟ هل خُتم على علاقتهما كل تلك الوقاحةِ من قبلها؟ هل هو ناقصٌ في عينيها بهذا الشكل لتستهين بشعوره؟ أم أنه تساهل معها بدرجةٍ سمحت لها بالتمادي؟
هتف من بين أسنانه بحدة : أسييييييل!!
أسيل تقاطعه بجنون : لازم أقولك قبل .. لازم أخليك على بيّنَه لأن هذا زواج وما أبيك تنخدع فيه
صمت وهو يشعر أن القادم أعنف، أن القادم أشد وقاحةٍ من الآن! أشد وطأً على قلبه، تنفسه اضطرب حينما أكملت، عيناه تحجرتا في الفراغ وهو يسمعها تتابع : أنا ومتعب . . علاقتنا كانت تتجاوز العلاقات المقيدة في الملكة.

.

.

.

انــتــهــى

الأسبوع الجاي عندي امتحانات :( بس مع ذلك أنا توقفت بهالبارت عند نقطة بتخليني أكتب اليوم يمكن نص بارت بعد :P -> شغلة حماس وكذا :$

+ أقولها لكم بكل صدق، أنا علاقتي في قُرائي ما أعتبرها مجرد علاقة كاتب بقارئ عبر رواية لا غير! أنا أشوفكم أكبر بكثير من كذا وأشوف علاقتي وياكم أعظم.
لو كانت العلاقة منحصرة في علاقة كاتب بقارئ كنتوا بتشوفوني رسمية بشكل كبير وما أثرثر في بداية البارت ونهايته، ما كنت رديت على الأسئلة في الآسك ولا الكومنتات في الإنستقرام ولا على اللي في المنشن عندي بتويتر!
هالأسبوع في ناس الله يسامحهم البعض منهم كان يتذمر مني ويعاتب بشكل تجاوز العتاب عن تأخري المضطر عشان دراستي! وفيه منهم وحدة قالت لي منافقة وما أفي بوعودي ومن هالكلام اللي ما كان له أي داعي أبدًا.
ما شلت بخاطري على أحد وكلكم ما راح أقول لكم الا " الله يسامحكم "
أنا أعتبركم مثل أخواني أو أصدقاء على الأقل، وعند أي ظرف يصيبني مباشرة أعتذر منكم وأوضح لكم وش اللي مخليني أتأخر أو ما أكتب بارت طويل، فياليت بس تعطوني - تصديق - منكم وشوية ثقة، لا تكذبوني لأننا كبرنا على هالتفكير وعلى الكذب!
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : " من حلف لكم بالله فصدقوه " ، وأنا والله والله ما أتعمد التأخير ولازم يصيبني ظرف أتأخر بسببه، أما إني أقعد ألف وأدور مثل ما تقولون! ماهي من شيمي والله شاهد على هالشيء.
حاولوا تعطوني ثقتكم الروايـة راح تكتمل بإذن الله.

أحبكم () لا تحرموني من دعواتكم لي في دراستي :(

دمتم بخيرٍ دائمًا / كَيــدْ !



اروى الشريف 20-02-15 08:31 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
جميلاا روايتك حبيبتي
تسلم اناملك على الطرح
بانتظار جديدك
دمتي ❤️

fadi azar 21-02-15 01:34 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
رائعة جدا ودائما الدراسة اهم شيء اختي فلا تهتمي نحن نقدر ظروفك

طُعُوْن 21-02-15 02:14 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
هنووو ايش البارت الإجرامي ذا.. يختي يستحق الإنتظار والله.. انا للحين مفهية بالبارت بشكل..! تعرفين لما تنبهرين بشيء وكذا ياخذك لعالم ثاني.. هذي حالتي حاليًا بعد البارت.. رح ارجع لك اكيد بتعليق مفصل.. بس احتاج اقراه مره ثانية.. لأني احس ما استوعبته زين.. وفيه كلام كبير يحتاج مخمخه..

احبك يختي[emoji173]️


أرسلت بواسطة iPhone بإستخدام Tapatalk

كَيــدْ 27-02-15 10:49 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 








سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف خير وعافية


بسم الله نبدأ على بركته
قيودٌ بلا أغلا عانقت القدر
بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات




(31)




مرت الثواني في صمت أعينهما، في حديثها إليه الذي كان يقرأهُ ببساطة وهو الذي لم يكُن أميًا يومًا في لغة العيون، في اضطراب صدرها الذي كان يلحظهُ بوضوحٍ وفي حركة أناملها النحيلة على بتلاتِ الورود التي ارتاحت في حُضنها، جمال الوردِ ينجلي عند جمالها وهي ملكة الورود التي خطفت كل الجمال والبهاءِ إليْها.
اقترب منها بخطواتٍ كانت كقرعِ طبولٍ داخل أذنها، كوطئِ الخزي على صدرها الذي اضطرب بتواجده، والسكون انشطر عن كيانها لتتلخبط بأكملها حين رأته أمامها ورأت جمود عينيه وبرودة نظراتـه أو هكذا تخيلت. كيف لا يكون بهذه الملامح بعد ما حدث؟ ما الذي توقعته بالضبط؟
سمعته يتحدث مع والدتها وكل الكلمات باتت طلاسم لا تفهمها، لم تعد تسمع سوى همهماتٍ لا تعيها، تشتت نظرها عنه إلى الورودِ التي تمنت أن تفرغ مابداخلها على بتلاتها فتقتطفها بتلةً بتلة ولا تترك سوى تويجةً وحيدةً حزينةً مثلها لربما كانت العزاءَ لها، لكنها كتلك البتلات الحزينة، قُطفت من نصف ساقها وانتهى تمرير الماءِ في حناياها، توقفت عملية البناءِ الضوئي لها واقتربت من الذبول. ستذبل، ستموت كما أموت أنا ببطء، سينسحب لونها عمّا قريبٍ ولن يزيّنها سوى قُبح التهدل والجفاف. إنّ الورود مثلي تُقتطفُ بعد أن تجذب أحدًا فتموت فيما بعد، تموت والدفن بعد موتها لا يكُون، تموت والبعث بعد موتها قد تمّ محقه، تموت ولا أحد يبكيها! إن الورود خُلقت لتجذب النظر، لتُستنشَق وتُقطف في آخر المطاف، لتموت بلذّة وافتخار قاطِفها لقطفها. لا أحد يُعزي جذورها حين تفتقد تلك الساق التي حملت في آخرها تويجةً ومن حولها بتلاتُ الجمال، لا أحد يستشعر أن تلك الوردةَ فُقدت من ذاك البستان، تمامًا كما لا أحد يستشعر ذبولي في هذه الدقائق والثواني تموت في معمعةِ النزيف، الثواني تموت في صمتِي وفراغ الأعين، كيف يمرّ هذا الوقت في جوفي حارقًا ولا يحرقني؟ كيف يمرّ مسننًا ولا يمزقني؟ هل فقد جسدي تكوينه وبات كتكوين الماءِ حتى لا يُقطع؟ هل بات بكميةٍ أكبر كي يتبخر جزءٌ منه بفعل تلك النار ولا ينجلي بأكمله؟ هل فقدت نفسي حين استُخلِصت في غربالٍ أضاع كياني كلّه؟
لمَ تعبرني الحياةُ بمرّها وتنسى أحقيتي في الصنف الآخر؟ لمَ تذوقت جميع الأصناف وحُرمت من - التحلية -؟ لم يكن ذلك عادلًا، لم يكن ذلك منصفًا، لم يكُن كل ذلك وهذا مفترضًا بهِ أن يكُون.
شعرت بكفّين دافئتين تُمسكان بكفيها، حينها ارتعشت وعيناها تصتدمان ببشرةِ كفيهِ السمراء، لم ترفع عينيها إليْه وهي تستجيب لشدهِ إياها للأعلى حتى تقف، وقد كانت بوزن الريش لذا استطاع رفعها بسهولة، أو هي من ساندته في ذلك!
قبّل رأسها ليهمس لها بصوتٍ فقد نبرةَ الغزل المُعتادة به، بصوتٍ أجوفَ مُصمتًا لم تعتده : طالعة حلوة
ارتعشت للجفاف الذي هزم صوتهُ وسكنَ به، وعيناها كما هما تمركزتا في الأسفل وخلاياها ترتعشان في الداخل دون توقفٍ وبصورةٍ لم تسمح للإرتعاش أن يبزغ خارجًا. مرت الثًوانِـي سريعةً بانعدامها، المصورةُ أصبحت واقفةً أمامها بعدستها، وشاهين أصبح خلفها فجأة، كفيه المُستقرتين على خصرها تناقضان في دفئها برودةَ صوته الذي لامس بأنفاسِه أذنها : ابتسمي، ارفعي راسك وابتسمي، هالملامح ماهي لك! المفروض تكون لي.
ارتعشت شفتاها وهي ترفع رأسها وقلبها اعتصر باستشعارها مدى الجرح الذي سببته في صدره، كم هي قاسيةٌ حتى تستهين بجُرح الرجال، تُدرك أنّ الإناث حين يُجرحن يبكين ويرمين حزنهنّ في البكاء، تُدرك أنهن يقومن ببث الألم في بكائهن وإن لم يغادرهن فهو سيُشطر قليلًا. لكن ماذا عن شاهين؟ ماذا عن جرحهِ الذي استقر في صدره بصلابته؟ هل يبكي ليُخفف منه؟ هل يبثّ قسوته إلى الجدران حين يُناجيها ببكائـه؟ هل يفعل مثلما تفعل حين تنوي تفريغ مافي جوفها؟
أغمضت عينيها لثانيةٍ قبل أن تفتحها وهي تحاول رسم ابتسامةٍ مُهتزة للمصورةِ أمامها، بينما وصلت إليها تنهيدةٌ خرجت من بين شفتيه ليرتعش جسدها بحرارةِ أنفاسهِ وتغضّ الطرف عن وجعها لأجله! لا يحقّ لها أن تستوجع بعدما أوجعته بدمٍ بارد، يكفي كذبًا على نفسها وتكفي تلك السادية التي تجرحها بهِ ولا يردها إليها، كانت عظمةً منه أن تركها دون تجريحٍ مقابل ما جرحته بكلماتها، كانت عظمةً منه أن تغاضى وللمرةِ الألف.
شعرت بأنفاسهِ تقترب من وجنتها أكثر فأكثر لتلسعها. كان رأسه قد انحنى إلى كتفها قليلًا لتُغمض عينيها وتفغر شفتيها قليلًا وحلقها يجفّ ويتخشخش باصتدام الأكسجين العابر إلى رئتيها، باصتدام ذرات الهواء التي باتت كحويصلاتٍ تجرح الممر الذي تعبر فيه.
لا تدري إذا ما كان مُبتسمًا أم لا، لا تدري إذا ما كانت عينيه باردتين كصوتـه أم لا! وحدها الصور ستخبرها بكل ذلك، بالرغم من كونها تستبعد كل إمكانيةٍ لابتسامهِ مع صوته الذي ينبعث إليها باردًا في هذه الثواني : ما كان وجعِك لي بيوصلني بهالطريقة لو إنّك قلتيها لي بهدف التوضيح ووضعي في الصورة، تدرين ليه؟ لأني إنسان يؤمن في الشرع وما يؤمن في العادات! أنتِ كنتِ زوجته، كنتِ زوجته
ابتلعت ريقها بصعوبةٍ وهي تستشعر أنها تبتلع معدنًا مُنصهرًا لصوته الذي تبدل لنبرةِ كمانٍ انقطعت أوتاره، لأغنيةٍ فقدت لحنها وعبرت ألسنةَ المُغنين وحيدةً ضائعة، لندى زهرٍ سقطَ بعيدًا عن اتجاه الساقِ فلم يرويها.
أردف بعد أن بلل شفتيه بلسانه : بس أنتِ قلتيها لهدف ثاني أقراه كل يوم بصوتك وأتجاهله! * شد على خصرها أكثر ليُكمل * أشوفه بعيونِك وأتجاهله مو لك بس لي ولك! تبين الفرقى؟ لا تحلمين فيه، لا تحلمين فيه يا أسيل.
طغى على عينيها الضياع وهي تُدير حدقتيها هنا وهناك تبحث عن ظلِّ أمها تحتمي به دون أن تجدها، تشعر بذراعيه تطوّقانها أكثر وأرنبةُ أنفه تكاد تُلامس وجنتها يستنشق رائحتها المُسكرة، لازالت تتذكر ردة فعله ما إن نطقت بما نطقت، صوتـه المصدوم الذي فُقد لثوانٍ طالت قبل أن ينبعث إلى أذنها باهتًا فاترًا : أنتِ إنسانة! .. إنسانة أيش؟!! حقييييييييرة!!
وبالرغم من صدمتها وقتذاك بما قاله إلا أنها صمتت بخزيٍ وأملها في أن يتركها في تلك اللحظةِ أقوى، لكنّ صوتـه غابَ عنها كليًا، صوتُ أنفاسه المُنفعلة، صوتُ خشخشةِ صدره، كلّ ذلك غابَ ما إن أغلق الهاتف دون كلمةٍ أخرى بعد ما قاله وكأنّ الصدمةَ شلّت مخارح أحرفهِ وقطعت حباله الصوتية، وكأن الصدمة كانت أكبر، أكبر من أن يعبّر عنها بغيرِ " حقيرة "!


,


نظرت لساعةِ يدها مطولًا، قلبها ينتفضُ بقوةٍ داخل أضلعها، لا تستوعب حتى الآن أنها فعلتها! هربت! هربت!!
كل شيءٍ من حولها تبدّلت ألوانـه، كل شيءٍ من حولها اكتنز ناظريها بشكلٍ آخر، الرهبةُ هاجمتها بعد أن كانت ساكنةً في تلك اللحظات، بعد أن كانت جالسةً بين الحضور بهدوءٍ وكأنها ليست الإعصار الآن.
وضعت كفّها على صدرها وهي تتنفس باضطراب، تُحاول إسكان حشرجةِ أنفاسها من هولِ مافعلته، دفعها الإصرار بشكلٍ أشدّ هذه المرة والفُرصُ لا تأتيها مرتين، في تلك الأيام لم تكُن تذهب للجامعة برفقةِ هديل إلا مع عبدالله، ولا تعود إلا معه! وكأنه كان خائفًا عليها أو يتوقع هربها؟ لا يهم الآن في صومعةِ هذا الجنون، لا شيءَ مُهمٌ حتى تعامل هديل الشبه باردٍ معها في الأيام السابقة، كانت تلمح محاولتها في إخفاءِ هذا البرود إلا أنها عانت الكثير من الجفاف ليسهل عليها التمييز بينه وبين آخر.
سمعت صوتَ سائق الأجرة يتحدث إليها، لتنظر إليه بتوترٍ وهي تشعر بالذعر يهاجمها من كل جانبٍ إلا أنها تحاول إسكانَ كل ذعرٍ أمام الهدف، الهدف ولا شيءَ آخر.
هتفت تُخبره عن وجهتها وصوتُها يرتعش لما أقدمت عليهِ أولًا ولأنها المرةُ الأولى التي تركب فيها سيارةَ أجرةٍ بمفردها، لكنها طردت ذاك الخوف وهي ترى السيارات من حولها وقلبها بات صوتُه أقوى من دوي مزامير السيارات.


,


كانت عيناها تتأملان أسيل التي تتحرك باتزانٍ بفستانها الأبيض الذي يرسم قوسًا من خلفها، تنظر لعينيها اللتين توارت نظرتهما الحزينة من خلف الظلال واللتين ظهرتا بجمالِ الوردِ الذي شقّته قطرةُ مطرٍ ساديـة، نعومةُ الورد لم تحتمل قطرةً سقطت بهمجيةٍ والأحرى كان في أن تسمى - وابلًا - إلا أنها لم تكن! كانت قطرةً ناعمة، كانت مجرد قطرةٍ رقيقةٍ يا الله فكيف قطّعت الوردَ بتلك الساديـة؟
لم تلحظ تلك النظرةَ في عيني أسيل ولا الإختلاجات التي واتتها، لم تلحظ بريق عينيها من بين الظِلال وكلُ ظلٍ تشعّب وأخفى القلبَ عن العين، أخفى الحزن عن النظرِ وكل المدامع تبكي داخليًا لافتقارها للدموع الظاهرة!
زفرَت جيهان بكبتٍ وهي تُسدل أهدابها على صفيحة عينيها البُنيتين، تنظر للطاولةِ المُزيّنةِ بحدقتين فقدتا الحياةَ وأناملها تتحرك على قماش فستانها الطوبي، هاتفها كان يهتزّ في حقيبتها، لم تشعر بهِ ولا باهتزازه، فقدت التركيز والشعور ما إن عادت هُنا، ما إن جاءت إلى أرضٍ نفَرت منها ولم تكرهها. لمَ أجبرها بهذه الطريقة؟ لمَ جذبها معه غصبًا وهو الذي يُدرك أنّها ما عادت تُريد هذه الأرض وهذا القاموس الذي لفظت نفسها منه؟ ما عادت أرضها اللحاف الذي تتدثر بهِ ودفئـه يتسلل بين مساماتها، ما عادت أرضها النور المُلتمع بين ذراتِ الظلام.
شردت عيناها في الطاولةِ وأناملها تقبض على فستانها، تناست المكان الذي هي فيه ونسيت الزفة التي انقضت بين معمعةِ صمتها وشرودها.


,


وقفت أمام باب المنزل الذي بثّ رهبةً تضاعفت في قلبها، كانت تلك الرهبةُ كافيةً لتقف ساكنةً لدقائق شعرت بأنها طالت عند ما تشعر بهِ من ترددٍ سكنها، شفتيها فاغرتين تجتذب الأكسجين الذي تغلّف بالبرودةِ إلى رئتيها المستوجعتين بفقر الهواء الذي يظلُّ الطريق ولا يجيئها.
هل قامت بأمرٍ خاطئ؟ هل تهورت في قرارها أم أنه الأنسب والأكثر حكمةً في هذا الوضع؟ لمَ إذن تشعر بهذا الذعر والرغبةِ في العودةِ الآن؟ لمَ تشعر أنها أجرمت في حق نفسها؟
ازدردت ريقها بقوةٍ وهي تمدّ يدها نحو زر الجرس، تنتفض أناملها بشكلٍ غير ظاهريٍ بالكُليّة وأسنانها تطئ على شفتها السُفلى، لم تُبالي بمدى التردد الذي اعتراها وتجاهلت كل أمرٍ قد يجعلها تعود بعد أن وصلت، وقلبها من بين أضلاعها ينتفض برهبةِ هذه الخطوةِ التي خطتها ومُحيَ طريق العودةِ من ورائها، محيَ وما عاد شيءٌ يُرغمها على أن تعود لذاك الحبس الذي اقتضته لنفسها حتى تحمي تلك العائلة من بؤسها.
ما إن ضربت الجرس مرةً واحدة حتى عادت لجذب يدها المُرتعشة إليْها وقد اكتفت بضغطةٍ واحدة، عقلها بدأ بالتفكير في أدهم خصيصًا، كيف ستكون ردة فعلهِ بعد أن رفضها آخر مرة؟ هل سيقبلها الآن أم سيطلب منها الرحيل؟ وماذا يُهم؟ المهم أنها وصلت ولن تعود، لن تعود وسيقبل بها شاء أم أبَى وسيعلم العالم أجمع أن لديها عائلةً كغيرها، لديها انتماءٌ ودمٌ إن لم تفخر بهِ الآن ستفتخر بكونها لا تجهله، لديها جيناتٌ تعرفها بداخلها وتُكوّنها.
مرت الثواني القصيرة طويلةً في توقيتها الخاص، ثقيلةً تطئ على صدرها لتجعل تنفسها يضيق بضيق رغبتها في فتح هذا الباب! هناك ما يأمرها بأن تتراجع وتظلّ في حياتها الرماديـة، هناك ما يخبرها أن الألوان ستُعتِم أكثر وستتجه للأسودِ من بعد الرمادي، وكأنّ الدنيا رفضت البياض حلّةً لها، كأن الرمادي فما فوق جرى في عروقها وكوّنها بالألوان المُعتمةِ لا غير، هل صبغةُ الميلانين للدنيا كثيفةٌ لهذا الحد لتظهر بذاك اللون الغامق؟ هل تشرّبت العُتمة عبر مساماتها ليتلون جلدها بهذا الشكل المُنفر؟؟!
فُتح البابُ أخيرًا، ودون شعورٌ شهقت بالأكسجين دون صوتٍ ليضيع من بعد شهيقها الزفير وتتوه عيناها فيمن فتح.


,


تحركت مُبتعدةً عن صخب القاعة وعيناها تتلألآنِ بدمعٍ كحباتِ اللؤلؤ وهي ترى أسيل وقد تربّعت كملكةٍ على عرشها، الآن يجب عليها القول " ما بغينا "، الآن يجب عليها أن ترتاح وهي ترى أختها وقد تزوجت أخيرًا، وكل المُنى أن يكُون زوجها مُنصفًا غير مستبدًا، كل ما أبتغيه يا الله أن يكُون شاهين الرحيق لهذهِ الزهرةِ التي اقتربت من الذبول ولا يكون النحل الذي يسرق الرحيق ذاته كما يفعل معي سيف! كلّ مناي يا الله أن يُحبها وتحبه ولا تحبه فيُضيمها! كل منايَ أن يكون الصبور الحنون المُستنشق لذرات غضبها والباثّ لأكسجينٍ مُحملٍ بالحب والرفق، كل منايَ ومُبتغاي ألا يكُون لسيف نظيرٌ يُجهد النساءَ ويُرهقهن بحبٍ من طرفٍ واحدٍ كما يفعل بي وكما أصبحت لديهِ هوايةٌ يتسلى بها متى ما شعر بالضجر، هوايـةٌ يُبدع في نتائجها المجنونة، هوايةٌ يُسبل فيها أهدابي على حدقتيَّ المُلتمعتين وأنا الخط الذي توازى معهُ ولم يلتقيا، رُسما مستقيمين وكم أتمنى لكلينا الإنحراف لنرتاح أخيرًا بلقائنا.
توارت عن الصخب حتى ترد على الهاتف ومن اختلج ذهنها واحتلّ عرش تفكيرها كان اسمه يبزغ على شاشةِ هاتفها كشمسٍ مستديرة تمنح الأرض بكليتها الضوءَ والدفء دون أن تمنحها هي، تُعطي الغير ولا تعطيها.
بقيت تنظر للشاشة طويلًا قبل أن ترد، بوجهٍ هاجمه العبوس وعيناها لازال بريق الدمع فيهما تأثرًا بالأجواء التي تلفها في هذه القاعة : ألو
سيف بهدوء : خلصت الزفة؟
ديما بهدوءٍ يُماثل هدوءه إلا أن بحّة البُكاء الذي اقترب اختلجت صوتها : توها مخلصة
صمت قليلًا وأذناه تترجمان صوتها، حاجبيه انعقدا قليلًا مع تلك الترجمةِ التي كانت ولغة صوتها التي يُدركها جيدًا ويفهمها، اللغة التي لم تُدوّن في قاموس اللغات ولم تجد لكلماتها ترجمةً عند غير أذناه. همس باهتمام : تبكين؟
زمّت شفتيها قليلًا قبل أن تهزّ رأسها بالنفي وكأنه يقف أمامها دون أن تنبس ببنت شفةٍ وعقلها يسبح بين اهتمام صوتِه وتناقض قلبه، دائمًا ما ينحصر الموضوع عنده في العشرةِ بالتأكيد، حين يهتم بها فهو اهتمامٍ فطريٍ كزوجين وعشرةٍ دامت ثلاث سنين، الأمر لا يتعدى ذلك، لا يَضِل لما تريد وما تتمنى، لا يصل للنقطة التي تحتاجها، دائمًا ما يُحبط إرادتها في الحياةِ برمتها! دائمًا ما يجعلها تتعثر في ثوبِ هذا الإنحصار، تسقط على وجهها حتى في أحلامها الصغيرة. لم تطالبهُ يومًا بشيءٍ غير حبه، لم تثقل عليْه يومًا ولم تُرِد سوى ذلك فلمَ يبخل عليها بما تريد ويشحْ؟!
وصلت إلى أذنها زفرةٌ مُنفعلةٌ وصمتها أجاب عليْه بالإيجاب، أجاب عليْه أنها الآن تبكي هناك حتى وهو بعيدٌ عنها! عضّ شفته قليلًا قبل أن يهتف بملامح متشنجة : ليه البكي طيب؟ ماني جنبك هالمرة!
عبست وهي تتنبأ بمشاجرةٍ جديدة، ألا يريد هذا الحال الإنطواء بعيدًا عنهما؟! ألا يريد تخليصهما من جوره؟ أم أنه لمح الإنتماء لديهما؟ ، سحقًا! سحقًا! . . همست بسرعةٍ تريد إنهاء المكالمة قبل أن يتطور الوضع : معليش بقفل أكيد أسيل الحين محتاجتني.
لم تُهدِه المجال ليستوعب سرعةَ حديثها ومطلبها حتى يرد، بل أغلقت بسرعةٍ وهي تستدير ليلتف فستانها حول ساقيها وهي تُسبل رموشها على حدقتيها، يجب عليها ألا تعكر مزاجها الآن بسيف، فهناك ما هو أهم منه في هذه الأثناء لذا فالتجاهل هو الأنسب حاليًا.
تحركت خطواتٍ تتجه إلى أسيل وأمها وهي تُحاول رسم ابتسامةِ الفرح على شفتيها، وفي تلك الأثناء وصلت إلى هاتفها رسالةٌ من سيف لم تنتبه إليها بين ذاك الضجيج.


,


كانت كملكةٍ اعتلت شعبها ببضع سانتيمتراتٍ فوق عرشها الملكي، الإستمتاع يغلّف وجوه الجميع، الإبتسامة تشقّ ملامحهم، وماذا عنها هي؟ ماذا عن صاحبة الشأن الأكبر؟ لمَ يخرس الوجوم ابتسامتها دائمًا وأبدًا؟ لمَ انسحبت منها الإبتسامةُ وباتت خواء؟ لا شيء بات مُغريًا في هذه الدنيا حتى ليلةُ العمر، لا شيءَ بات يُقنع الروح بالمكوث في الجسدِ وكل الملذات لا تجذبها، كل شيءٍ اندثر!
أغمضت عينيها بقوةٍ والغمامة تغلفهما، يتحشرج السكون في سلسلةِ عبورها هذا الموجِ الأمهق! باتت الحياة في عينيّ شهباءَ لا يميّزها لون، بات نورها ضئيلًا شبهَ مُنعدمٍ أو انعدم! لا شيءَ ينفذ في عيني ليُبدي الحياة أكثر نورًا، لا شيءَ ينفذ ليُبديها جميلةً مُغريةً للمكوث فيها.
عضّت طرف شفتها وهي تبتلع غصّةً انحصرت في نصف بلعومها وحشرَت أنينها، جففت صدرها من السكون لتتحشرج بتنفسها، تكاد تبكي لا محالة! أمام الناسِ أجمع، تكاد تنهار في أي لحظةٍ وحرارةُ بشرته لازالت تشعر بها على ثوبها ووجنتيها، لازالت تشعر بدفء أنفاسه ترتطم بعنقها، لازال صوتُه المؤكد لأبديةِ امتلاكهِ لها يعبر أذنيها ليجعل قلبها ينتفض بارتباكه، كيف ستكون في الأيام التي ستجيء بهما معًا؟ كيف ستكُون في الساعات القادمةِ بقربه؟ وحدهما دون ثالث! إنّ تخيّل الأمر وحدهُ يجلب لها القشعريرة، ترتجف خلاياها لفكرةِ أنّه سيكون قريبًا منها في اللحظات التاليةِ وفي كل الأيامِ التالية.
أغمضت عينيها بقوةٍ وهي تتنفس بعنف، نسيت فتحهما وصدرها يرتفع ويهبط بانفعالٍ خافت أن يكون ظاهرًا بشكلٍ كافٍ لمن هم حولها، هزّت رأسها بالنفي قليلًا وهي تفتح عينيها تُحاول التركيز بالحضور حتى لمحت جيهان تقترب منها بابتسامةٍ باهتةٍ حزينة.
رسمت ابتسامةً مُرتجفةً وعيناها تلتمعان بشوقٍ إليْها وإلى أرجوان، سمعت أمها تتحدث اليوم أنها لم تستطِع المجيء سوى البارحةِ وفي وقتٍ متأخر، وما إن سمعت ذلك حتى شعرت بأن ضغط الأيام السابقةِ تضاءل قليلًا خصوصًا أنّ هذا الخبر وصل إليها قبل تلك المكالمة بينها وبين شاهين، قبل تلك الوقاحة! .. ليندثر تضاؤل الضغط القليل ما إن حدث ما حدث.
اقتربت جيهان منها لتنحني وتحتضنها برفقٍ هامسةً بتأثر : مبــروووك ... مبروووووك يا بعد عمري
ارتعشت شفتا أسيل قبل أن تهمس لها بعبرةٍ وهي تضع كفها خلف كتفها : الله يبارك فيك جوج . . اشتقت لك
ابتعدت جيهان قليلًا وهي تبتسم لها بحب : وأنا أكثر بس وش عندي أسويه؟ هذي الدنيا
أسيل : أرجوان وليان ما جوا؟
هزّت جيهان رأسها بالنفي هامسة : ما حصلوا فرصة، بس أرجوان قالت بتتصل عليك عشان تبارك لك
فترت ابتسامتها قليلًا وهي تتنهد، كم تمنت لو أنها وجدت جميع أقاربها بجانبها، لربما قلّ مقدار توترها ومقدار هذا الإضطراب الذي يجعلها تتخبط بين البيْنِ والبيْن، أخفت احباطها ذاك وهي توسّع من مدى ابتسامتها التي تظلّلت بالعديد من الآفات : ما تقصر فديتها
عادت ملامحها للتقلص بحزنٍ وهي تشدّ جيهان إليْها وتحتضنها بقوةٍ هامسةً بتحشرج : اشتقت لك ، اشتقت لكم كلكم . . وينكم عني؟


,


" أيش أسوي بالضبط؟ .. لا لا لا ، والله أول مرة أحضر زواج بهالشكل ... هاه؟ لا دايم أحضر زواجات في الخارج ما قد حضرت زواج سعودي "
اندفعت كلماتها العفويـة والمُضطربة إلى مسامعهِ بنعومةِ البرعُم، بتمايل الأغصان بسلاسةٍ ضدّ الرياح، نبرتها الطفولية انبعثت إلى أذنيه شائبةً بالكثيرِ من التوتر الذي مازال حتى الآن يُصاحب نعومة صوتها في حديثها معه، حتى الحذر مازال يُصاحب نظراتها! لكنه على الأقل تضاءل من بعد تلك الليلةِ التي بكت فيها وهدمت السدّ الذي كان يحبسها منذ رآها أول مرة. كان ارتعاشها في حضنه يُثير حزنه عليها، يثير شفقته ويُثبت حاجتها إليْه، فرّغت كلّ مافي جعبتها لتنسحب أخيرًا إلى غرفتها بتعثرٍ وهي تمسح على ملامحها السمراء.
كان واجبًا عليها أن تبكي، كان ضروريًا أن تعبر بالدموع لا بالصمت، لم يُخلق الكبت مناسبًا لهشاشتها، لم يُخلق متوافقًا مع تكوينها البُرعمي، حتى البراعم تبقى ضعيفةً وإن كبرت ونضجت بجمالِ الورد وجاذبيته، حتى الغزلان تكبر وهي لا تزال فريسةً للأسود، تكبر وضعفها يكبر معها والسرعةُ لا تُجدي حين تكُون النهاية في معدةِ أسدٍ أو أكثر!.
ابتسم قليلًا وهو يسمع صوتها يعود للإنسياب إليْه مُضطربًا مُستفسرًا برجاء : قول لي أروح أسلم عليها والا وشو؟
ضحكَ بخفوتٍ وهو يهزّ رأسهُ يمينًا وشمالًا، ليتضاعف ارتباكها وهي تظنّ أنها قالت أمرًا خاطئًا، إلا أنه هتف راحمًا لها : بالله عليك! الزواجات اللي في الخارج مافيها سلام ولا شيء! ما تحسين إنك تبالغين في توترك؟
شتت حدقتيها قليلًا وملامحها المُضطربة بدت أكثر جاذبية، الحقيقة أنّ التوتر بأكمله لم يكن إلا منه! لازال عقلها حتى الآن يُعاتبها على ذاك الإنهيار، على ذاك البُكاءِ والإستسلام، إلّا أن شعورًا عظيمًا بالراحة كان يتغلغلها منذ ذاك اليوم، لازال أثرهُ في صدرها ولازالت نشوته تستفيض بها. كيف ظنت مشاركة البكاءِ قاسيًا لهذا الحد؟ كيف اعتبرته أمرًا حادًا يعبر الروح بنصلٍ مُسنن! قد كان شعورًا جميلًا! كان انحلالًا مُريحًا لم تذقهُ في كامل حياتها من قبل.
حتى الآن وبالرغم من تلك الراحة التي استشعرتها إلا أنّها لا تزال تتجنبه قليلًا وأن بدأا يأكلان سويةً في بعض الوجبات، تطورت علاقتهما بشكل ملحوظٍ وهذا ما يجلب خوفها أكثر! لا يزال فكرها حتى الآن عند سكنها في حضنه في تلك الليلةِ الباكية، العينينِ كانتا بدرًا والدموعُ نجوم، حضنهُ كان البيت وهي الضياعُ بكاملهِ الذي التقى بنفسه في ذاك البيت.
نفضت تلك الأفكار عن رأسها حين شعرت بأناملها ترتعش، لازالت حتى الآن تُحاول النسيان أو اقناع عقلها أنّ كل ذلك لم يكن الا مجرد حلم! استمعت لصوته الهادئ والذي يقتلها بنبرةِ لطفهِ وحنانه : الحين روحي سلمي على العروس ولا تتخبطين عندها! زي أي سلام عادي وباركي لها ، خلاص؟
قطّبت جبينها وهي تشعر أنّه بنبرته هذه بدا وكأنها يحدث طفلة، لذا هتفت بسرعةٍ كي لا تبدو بشكلٍ أكثر حماقة : خلاص فاهمة
أغلقت بعد ثوانٍ لتقف وهي تجتذب ذرات الأكسجين مُحاولةً طرد ذاك الدفء الذي مازال يعبر جسدها، تُحاول طرد صوتِه الذي لم تُدرك ما لفظ بهِ وقتذاك، تُحاول لملمة ذهنها وإيقاف تشتته. نظرت للعروس التي بدت بجاذبيةٍ كبيرة في ليلةٍ كهذه وهي ترى امرأةً بيضاءَ أُخرى تتحدث معها، استنشقت للمرة الأخرى هواءً نقيًا لتمشي باتزانٍ وهي تُقرء نفسها بضع كلماتٍ تُحفزها على التحرك.


,


شريط الوقت يعود للخلف، إلى أيامٍ مضت وافتتاحها كان حضورًا في إحدى المساجد لصلاةِ الفجر لينتهي حضوره ذاك بسؤالٍ لم يجد لهُ جوابًا حتى الآن، بحث كثيرًا في عقله، بحث عن جوابٍ ولم يجد . . ولسانه استصعب فكرةَ أن يسأل عمته وهو الذي يتلافى الاحتكاك كثيرًا بها في هذهِ الأيام لما لا يعلم! هل انهياره ذاك في تلك الليلةِ جعله يخجل منها أم ماذا! هل بات يشعر بالخزي؟ لضعفهِ وكلماته!
زمّ شفتيه وهو يُسبل بعينيه، يتنهد بكبتٍ والإنفجار التالي يقترب، يعلن بوادر مجيئه، لم يذهب منذ ذلك اليوم إلى المسجد ولم يُرِد الذهاب دون جوابٍ صحيح، دون جوابٍ مقنعٍ ولمَ لا يأتيه هذا الجواب؟ ما الذي لم يدركه بعد في جوانب الصلاة كي لا يجيء جوابٌ على سؤالٍ يُدرك أنّ جوابه سهل، لكن لمَ يستصعبه؟
أوقف سيارتـه على جانب الطريق، والرصيف ينتهي من المارةِ في هذا الليل الحالك في سوادِه، في هذا الليل الذي ارتدى لباس العُتمةِ ليوازي عتمةَ صدرِه ولا يلتقيان . . للأيامِ التي تعبر أمام عيناي ولا ألحق بها، للحظاتِ التي تجيء إلي ولا تلمسني، لكلّ الدقائق التي اكتسبتُ فيها فقر الإبتسامات، لكلّ الكفوف التي لم تتجه إلى كتفي، إنّي أصفح وأعفو وكل رجائي أن يعفُ جميع الخلق عني! لقد خسرت ما يكفي، خسرت ما يسدّ ربحي، خسرت ولا رغبةَ لي في الخسارةِ أكثر في آخرةٍ كل ما أخشاه أن يكون مصيري فيها هو - النار -.
أنزل رأسه قليلًا ليُريحهُ على المقودِ ويُغمض عينيه، يُسافر بهما بين اليقظةِ والمنام، يسمح للفتور أن يزور جسدهُ لدقائق فقط قبل أن يرفع رأسه ويُكمل طريقه إلى المنزل، إلا أنه نام! نامَ فعليًا وغرقَ في نومٍ لم يطل، وكأن الساعاتِ السابقاتِ الضاغطات على صدرهِ والحارقات لعينيه بأسيدِ السهر قد تلخصت في دقائق نامها كطفلٍ ليفزع من هذا النوم أخيرًا على صوت هاتفه.
رفع رأسه وجفنيه العلويتين مُسبلتين قليلًا على حدقتيه كجناحِ طائرٍ تبلل بقطراتِ المطر، وتلك الدقائق التي نامها لم تكن كافيةً حتى تطرد الإستيعاب من رأسه، لذا كان يتأفأف وهو يرفع رأسه ويُخرج هاتفه من جيبهِ حتى يرد. وصوته انحنى بنبراته لا إراديًا نحو البرودِ ما إن تراءى أمامه رقم عمته : ألو
سهى بجمود : أدهم
تصاعدت نبضات قلبه ما إن سمع صوتها الجامد، وبقلق : فيه شيء؟
سهى : فيه وحدة عندنا . . تقول تبيك!


,


خارجَ حدود السعودية بآلافِ الكيلو مترات
أعاد ظهره للخلف بقوةٍ على مقعدهِ الجلدي المكتبي ليزأر بقوةِ ارتداده، بدا على ملامحه العبوس وهو يتمقط ويهمهم بكلماتٍ غير مفهومةٍ مُتذمرة، وأنامله تحطّمت من تتابع الأوراق التي أمره جده بإتمامها.
زفرَ وهو يفتح عينيه الحادتين ويتمتم بضجر : العالم لهم النوم بهالوقت وأنت يا تميم لك الشغل * وقف يردف بزفرةٍ عنيفة * عالم ظالمة أوي
اتجه لباب المكتب الذي حُبس فيه وباتَ يحقد عليه لأنه يسرق ساعاتِه في الخارج لاهيًا، ثمّ فتحه ليخرج ويقابل بعض الخدمِ في طريقهِ إلى غرفته : قولوا للعقل الكبير إنّي خلصت شغلي وما راح أشتغل مرة ثانية لأني عطيت نفسي أسبوع إجازة
أكمل طريقهُ بعد أن رمى كلماته بعبوسٍ ليبدأ فجأةً في غناءِ لحنٍ يعيد صفو مزاجه، وما إن دخل غرفته الواسعة والمُترفة حتى رمى بجسده على سريرهِ دون أن يبدّل ملابسه.
سكنَ للحظاتٍ في مكانه، وهو يُخرس صوته ويتأمل السقف المنقوش برسوماتٍ أثريةٍ ورموزٍ لبعض الوقت، حتى أخرج هاتفهُ فجأةً وهو يتجه للملاحظاتِ مُبتسمًا. ماذا سيكتب هذه المرة؟ حتى الآن لم يشعر بالإستمتاع كثيرًا في خوض هذا الموضوع لكن هل سيظل الحال على ماهو؟ ولمَ لا يصطبر؟؟
بدأ يخطّ كلماتٍ جديدة، يبتسم بمتعةٍ وهو يُشغل عقله في خطّها، لكنّ استمتاعه قُطع بطرقٍ على الباب ليتأفأف بقوةٍ وهو يهتف : خييييييير الحين؟
إحدى الخادمات من خلف الباب : سيد تميم الجد يريدك
أغمض عينيه وهو يهمس بداخله " يا صبر الأرض "!! ألا توجد ساعاتُ راحةٍ في هذا البيت الأجوف؟ ما الذي جعله يُبتلى بهذا الجد؟؟
استغفر وهو ينهض عن سريره، على الأقل هو لا ينكر أن لهُ مكانةً خاصةً في قلبه تشفع لهُ كل تصرفاتهِ وإزعاجاتهِ له.
اتجه للبابِ حتى يفتحه ويخرج متجاهلًا للخادمةِ الواقفة، ثمّ اتجه مباشرةً لغرفةِ جده التي تقبع في آخر الممر ككآبةِ صاحبها نفسه!
طرق الباب ليصلهُ صوت جدهِ سامحًا له بالدخول، ليفتح الباب ويلجَ مقتربًا منه وهو جالسٌ على سريره ينظر إليْه بجمود.
تميم : نعم يبه بغيت شيء؟
الجد بجمود : قرب
مطّ تميم شفتيه قبل ان يُرخيهما وهو يعود ليقترب أكثر. يُدرك جيدًا محور الحديث الذي سيتجه إليه، كيف لا وهو النمط الذي يتكرر تقريبًا في كل يوم.
همس وهو يقف أمامه تمامًا : هاه قربنا
رفع جده حاجبه الكثيف والمغطى ببضع شعيراتٍ بيضاء وعينيه الحادتين تنظران إليْه بتركيز : اعقل!
قمع تميم ابتسامةً كادت أن تخرج وهو يتصنع عدم الفهم : الحين وش سويت؟
الجد : السؤال هو وش بتسوي بعد شوي من ألاعيبك! * أردف بجدية * أنت تعرف إنّك وريثي الوحيد ومافيه شخص ثاني يستاهل إنّه يورثني غيرك
تميم بتذمر : يا ليييييل ، طيب اللي ما وده يورثك ولا يهمه فلوسك!
الجد بحدة : ولد!!
تميم بضيق : لا تحسسني إني بزر أنت تعرف وش هي اهتماماتي وميولي ما أحب هالأجواء اللي أنجبر فيها على شيء وأنت أدرى
زفر جده بيأسٍ من تكرار هذا الموضوع في كل يوم، ثم هتف بحزم : ما أجبرك هذا قدرك
لوى تميم فمه بحنق قبل أن يزفر دون أن يرد، ليُردف جده : وعشان ميولك واهتماماتك هالمرة بعطيك إجازة لمدة أسبوعين روح فيها لأي دولة تلاقي فيها اللي تحبه، مصر روما اليونان اختار اللي تبيه واشبع بالآثار فيها
رفع تميم حاجبيه بصدمةٍ قبل أن يفغر شفتيه هاتفًا دون تصديق : من جدك؟!!
جده بضيق : متى كذبت عليك أنا؟
تميم يُكرر : لا جد من جدك؟؟؟
هتف الآخر بغضب : انقلع من وجهي لابوك لابو اللي يعطيك وجه
ضحك تميم وهو ينحني إليه مُقبلًا رأسه هاتفًا بالشكر، بينما ابتسم جده ابتسامةً صغيرة وهو يؤمئ له بجمودِه المعتاد والذي لا يتبدل.


,


شهقت بقوةٍ وهي تنظر لأمها برفض، لم تستوعب ما سمعته في البداية، إلا أن صوتها وفي هذه المرة انساب حادًا لا يقبل النقاش ما إن دخلت الكلمات عقلها : لاااا ، والله ما يدخل، والله ما يدخل
رأت الصدمة على ملامح أمها وديما التي زفرَت بقلّةِ صبرٍ وهذه الليلة باتت كشدٍ وجذبٍ لا نتيجةَ مُقررةٍ آخرها.
مسحت أم فواز على ملامحها وهي تهتف بحدة : لا حول ولا قوة إلا بالله والنهاية معاك؟ كل هذا كنا متفقين عليه من البدايـة وش اللي غير الحين؟
أسيل بنفورٍ حاد : أنتو متفقين من دوني ومخلين زواجي براحتكم ، ما أبيه ينزف معاي قولوله هالشيء
استغفرت ديما وهي تبتعد عنهما بقلةِ حيلة، وفي هذه الأثناء اصتدم بمركز ذاكرتها عدم دخول سيف في ليلةِ زفافهما، بالرغم من كونها لم تكن ممن يهتم لهذه الأمور إلا أنها الآن راحت تُفكر فجأةً بفتور، هل هو من كان لا يريد؟ هل هو من كرِه فكرة أن يجلس بجوارها في تلك الليلة؟
نفضت تلك الأفكار من رأسها وهي تزدرد ريقها، ماهذا الجهل الذي تعيشه حتى تُفكر بتلك الطريقة الآن؟ ما المهم في هذا الموضوع حتى تجلب لنفسها المزيد من الضيق لا غير!!
تنهدت وهي تطرد تلك الأفكار من رأسها وتضع أسيل فقط وهذا الزواج الذي لا يريد أن يمرّ بسلاسة.

في الجهةِ المقابلة
تشنّجت ملامحها وهي تنظر لأمها برجاءٍ كي لا تضعها فيما لا تريد وفيما لا تقواه، بعينين التمعتا حزنًا وبريق الدمع تلألأ في حناياهما. حينها زفرت أمها بغيظٍ وهي تبتعد عنها تتمتم ببضع كلماتٍ غاضبة وهي ترفع الهاتف إلى أذنيها، بينما ارتخت ملامح أسيل قليلًا وهي تشعر أن الدقائق التي تبقت ترفض العبور بسرعة، ترفض أن ترحمها وتنتهي من هذا الضغط على صدرها.
وضعت يدها على جانب عنقها وهي تُطرق بنظراتها للفراغ، إنّها اليوم عروسٌ فقدت الطبيعة التي يجب أن تكُون بها في هذه الليلة، فقدت المُعتاد عليه ولكنَة الفرح التي يجب أن تُغلّف صوتها.
عادت أمها بعد دقائق بملامح يتضح فيها الضيق، لتمدّ يدها بالهاتف وتتمتم بفتور : خذي شاهين وده يتكلم ويـاك
رفعت رأسها بصدمةٍ إليْها وعينيها تتسعان تدريجيًا ويتسع الرفض فيهما، هزّت رأسها بالرفض لتعضّ امها شفتها بقلةِ حيلة وتهمس : وبعدين معاك؟
أسيل برجاءٍ وصله جيدًا عبر موجات الهاتف : ما أبي الله يخليك ما أبي
ام فواز بحزمٍ فقدت فيه صبرها : تعبتيني منك! وش هالمبزرة على هاليوم؟؟ أقول خذي الجوال وخلي هالليلة تمر
تقطّبت ملامحها بيأسٍ وهي تتناول الهاتف باستسلام، حينها سمعت امها تستغفر وهي تبتعد، تُدرك جيدًا أنها تمادت اليوم، لكنه الضغط الذي تراكم عليها منذ أيامٍ وهاهو ينفجر.
همست بتردد : ألو
شاهين بحدة ما إن سمع صوتها يصل إليْه : أنتِ وبعدين معاك يا بنت الناس؟ تراني صابر عليك من البداية وصبري بدا ينفد
أسيل تشتت حدقتيها بتوتر : أنا ...
قاطقها بحدة : أنتِ أيش بالله عليك؟ غير إنّك طفلة وكئيبة ما أظن! ولعلمك أنا من الأساس ما كان ودي بهالزفة يعني ريحي بالك وارتاحي مني
أخرستها كلماته التي عبرتها بحدتها دون أن تترك لها المجال حتى تستوعب مقدار هذا الغضب الذي يُلفظ من صوتِه، بينما أردف هامسًا قبل أن يُغلق الهاتف : عيشة تقصر العمر.

.

.

.

انــتــهــى

ظهرت اليوم شخصية جديدة على مسرح الأحداث :"" من هاللحظة ورايح الأحداث راح تنحني لموجه ثانية وبتسلك طريق مختلف

أشوفكم على خير / كَيــدْ !



منـار القمر 28-02-15 10:44 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
تسلم هالايادي ع الجزء الرائع بانتظار
الجديد بشوق بنشوف تميم من راح
يرتبط ظهوره باحد ابطال الرواية

لست أدرى 01-03-15 05:46 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
السلام عليكم كدو ... آسفه على الغيبة الطويلة حبيبتى

كان عندى ظروف منعتنى ادخل الفترة اللى فاتت ... وللأسف مازال مزاجى غير قابل لاعطاء أى ردود حاليا


مريت فقط للسلام .. ولانه من حقك اقولك انى متابعه بصمت وان كنت لم اصل للنهاية بعد ..



سلامات ياقمر .. وان شاء الله اذا ظبط مزاجى اكيد مش هحرمك من تعليقاتى الخرافية .. لوول

fadi azar 02-03-15 12:13 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
يا ترى شو دور البطل نميم بإحدى بطلات الرواية منتظرينك اختي

لست أدرى 02-03-15 11:15 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
كدو يا عسل .. وصلت للنهاية أخيرا

ماتتوقعيش منى رد مفصل .. بس بعض ملاحظات بجمع بيها افكارى !!

بالنسبة لسلطان والارقام الغريبة !! الارقام دى مصدرها واحد .. لكن فيه برامج تمويه بتخلى الرقم يتحول على اى منظقة فى العالم ومن ثم يبدو الاتصال كأنه جاى من المنطقة البعيدة دى .. فممكن يظهرلك رقم كأنه جاى من امريكا الجنوبية مثلا وهو فى الحقيقة معاكى فى السعودية .

الفكرة بقى مين اللى بيلعب معاه ؟؟ هل هو أحمد ؟؟ ممكن وان كنت اعتقد انه مش بالذكاء الكافى انه يلعب لعبة كبيرة زى دى ... لكن ممكن يكون ناس تانيين أحمد بيشتغل لحسابهم .

ومازلت عند رأيى السابق ... مش قادرة أصدق انه سلمان هو المجرم فى كل القصة دى !!! لكن ممكن يكون سلمان بيوهم سلطان بكده عشان يبعد أنظاره عن المجرمين الحقيقيين عشان خايف عليه منهم .. وفى نفس الوقت سلمان بيحاول بطريقته انه يوقعهم وينتقم منهم ، بس المهم انه عايز يبعد سلطان عن الخطر بأى شكل !

كمان غزل ... علاقتها بدأت تتطور مع سلطان وده شئ كويس .. وكل ما ترتبط بعيلته اكتر كل ما نفسيتها تتحسن وتبدأ ثقتها بنفسها وبالناس تزيد .. بس اكيد الامور مش هتفضل وردية دايما .. هيكون هناك زلزال كبير اكيد لما سلطان يعرف بعلاقاتها السابقة وفضيحتها ... ده غير لما ينكشف ابوها وعلاقته بكل المصايب اللى حصلت لسلطان !!!


اممممم ..إيه تانى ؟؟ آآآآآه ... اسمحيلى اقتل أسيل دى بأى شكل !! أنا واثقة انها كدابة الحقييرة دى ... يا صبرك يا شاهين عليها . اكتر شئ بكرهه فكرة انها تألف كذبة كبيرة زى دى عشان تبعده عنها وتكرهه فيها ... البت دى شكلى مش هحبها خالص .

مجرد توقعات كده .. بربط بين فارس وأرجوان .. رغم انى بحس ارجوان شخصية ثانوية .. لكن مايمنعش !!

ونخلى عناد لإلين ... وأدهم لجنان مثلا ؟؟!!! ههههههههههه قاعده ازبطهم على مزاج سيادتى


فيه إيه تانى ؟؟ لسه تميم باشا ده مش ظاهرله أى ملامح وإيه علاقته بأحداث الرواية

وكمان مين سيادة الملثم اللى راح لسند ده ؟؟


فعلا فيه محاور جديدة بدأت تظهر .. اسفه انى ما علقتش على كل الشخصيات رغم انه فيه احداث كتيرة تستحق التعليق عليها باستفاضة .. لكن اعذرينى حاليا يا قلبى


وأخيرا ... ربنا يوفقك فى دراستك يارب .. أهم حاجه ركزى فيها وماتخليش اى شئ تانى يعطلك عنها يا قمر


سلامات يا حبيبتى .. وبانتظارك

كَيــدْ 14-03-15 12:28 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتـه
مساءكم سعادة يارب
أعتذر منكم على كل التأخيرات اللي صارت قبل، ما عندي كلام يكفي للإعتذار وبحجم السماء أقول لكم " استحيت منكم "‏
بالنسبة للي ما يتابعني في حساباتي برى الروايـة، أكيد ما تعرفون اني قررت اقفل الروايـة للإجازة بس مو ذي مثل ما الكل اعتقد، للإجازة الصيفية مع كامل اعتذاري للي ماكان يبي هالشيء.*
لو كملت الحين في هالإجازة بعدها بضطر اتأخر وبنزل بارتات ركيكة وبفترات بعيدة تملل. لذلك تقفيلها للإجازة الكبيرة بيكون أفضل، ووقتها طبعًا بكون كتبت أجزاء كبيرة من الروايـة.
كثيرين اعترضوا على هالشيء وكثيرين تمادوا في كلامهم معي بس أنا عارفة إني قررت قرار ما توقعتوه مني لذلك الله يسامح الجميع على كل اللي وجهوه لي من كلام فظ.*
قبل لا أقفل الروايـة أبيكم تفكرون أول، لو كملت الحين بنفس الطريقة - باراتز قصيرة / مواعيد غير ثابتة / وأسلوب قاعد يرجع لورى بدل لا يتقدم - فمن وجهة نظركم هذي الطريقة هي اللي تجيب الملل والا الإنتظار للإجازة الكبيرة؟
وبالنسبة للي قالوا فيه رمضان وراح تعتذرين وبعده العيد وراح تقولين مدري أيش ومن هالحكي، أبشركم هالرمضان ماراح أقفل فيه الرواية فتطمنوا، مستحيل اوقف عن التنزيل الحين وبرمضان بعد، لذلك فكروا بالموضوع خارج نطاق طول الإنتظار وشوفوا النتيجة.
أوعدكم وقتها بكون كتبت أجزاء ماهي قليلة وطويلة بعد بنفس طول البارتز اللي قبل. ووقتها إن شاء الله راح تعذروني. واعرفوا إنه مو أنا اللي أقرر اكمال الروايـة وأنسحب بعد ما رزقني الله بمتابعين وكرمني بتمييز الروايـة.‏

أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ()‏












تفاحة فواحة 28-05-15 12:49 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تم فتح الروايه بطلب من الكاتبه
وبتوفيق لهنوا ومتابعاتها

كَيــدْ 28-05-15 04:12 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 





السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :$
السلام على قلُوبكم ، على أرواحكم ، على عيونكم اللي اشتقت لقراءتها لحروفي وعلى كلماتكم العطرة.
وعُدنا أخيرًا والعودُ أحمدٌ بإذن الله؛ إن شاء الله تكونون بألف خير وعافية :$$*
مبروك لكل شخص بدأ إجازته ، وبالتوفيق لكل شخص ما زال يمتحن
ما تدرون وش كثر اشتقت لكم! عمومًا ما حبيت أطول عليكم
في البداية أحيي كل شخص جديد انضم لقراء الرواية وقت إغلاقها، وممتنة للجميع ولكل شخص قرأ وهو واثق برجعتي ، ما تدرون وش كثر انبسطت وأنا أشوف عدد المشاهدات تزداد أقل شيء كل يومين قرب الألف تقريبًا وهذا يدل على ثقتكم فيني اللي تشرفني وتسعدني :$
خلاص راح نرجع للروايـة وأجواءها ، وان شاء الله راح نرجع لانتظام قبل ولنفس الالتزام وما عاد يزعل مني أحد يا فديت زعلكم ()
وتغاضي لزعل أي شخص منكم إذا فيه شخص ما يحب ينتظر يا ليت يحط الرواية بالمفضلة وينتظر اكتمالها عشان ما يفقد حماسه، وبنفس الوقت لأني ما أضمن الظروف وحتى لو نويت التزم أنا عند كلمتي دام ما اعترضني ظرف مانع، لأنه حتى مرات الكاتبات تكون رواياتهم كاملة عندهم بس يصير شيء ويمنعهم من التنزيل ، - التنزيل - ولا أحكي عن الكتابـة.
لذلك اللي ما يحب ينتظر يحط الرواية بالمفضلة وراح تنتهي إن شاء الله سواءً بهالسنة او الجايـة :""
طبعًا أنا اكتشفت إنّي ماني مثل غيري من الكاتبات اللي يقدرون يختمون رواياتهم بسنة للأسف ، لذلك قدّروا هالشيء يا حبيني. الود ودي لو كانت مكتملة وأحطها لكم مرة وحدة بس روايتي هذي عرضتها غير مكتملة لأني مثل ما قلت لكم قبل خفت تظل في الظل وما تظهر لكم مثل السابقات، وحبيت تكتمل ويّاكم. فلا تخذلوني.
عمومًا الجـزء (32) راح يكون عندكم، بحط مقتطفات من الجزء السابق وعلى ما يخلصون الثانوية امتحاناتهم وأخلص امتحاني الأخير اللي يوم الأحد بيكون البارت عندكم. وفيه كم نقطة قديمة كنت حابة استثيرها وأناقشها معاكم لأنّ قارئات حكوا عنها وما حصلت وقت عشان أرد.
وأحبكم :$ فعلًا فعلًا اشتقت لكم لدرجة اني ما رضيت انتظر لين يخلص آخر امتحان لي ؛ الله يوفق الجميع لكل خير ()





كَيــدْ 31-05-15 01:23 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 










مقتطفات من الجـزء الواحد والثلاثون (31)




لا تدري إذا ما كان مُبتسمًا أم لا، لا تدري إذا ما كانت عينيه باردتين كصوتـه أم لا! وحدها الصور ستخبرها بكل ذلك، بالرغم من كونها تستبعد كل إمكانيةٍ لابتسامهِ مع صوته الذي ينبعث إليها باردًا في هذه الثواني : ما كان وجعِك لي بيوصلني بهالطريقة لو إنّك قلتيها لي بهدف التوضيح ووضعي في الصورة، تدرين ليه؟ لأني إنسان يؤمن في الشرع وما يؤمن في العادات! أنتِ كنتِ زوجته، كنتِ زوجته
ابتلعت ريقها بصعوبةٍ وهي تستشعر أنها تبتلع معدنًا مُنصهرًا لصوته الذي تبدل لنبرةِ كمانٍ انقطعت أوتاره، لأغنيةٍ فقدت لحنها وعبرت ألسنةَ المُغنين وحيدةً ضائعة، لندى زهرٍ سقطَ بعيدًا عن اتجاه الساقِ فلم يرويها.
أردف بعد أن بلل شفتيه بلسانه : بس أنتِ قلتيها لهدف ثاني أقراه كل يوم بصوتك وأتجاهله! * شد على خصرها أكثر ليُكمل * أشوفه بعيونِك وأتجاهله مو لك بس لي ولك! تبين الفرقى؟ لا تحلمين فيه، لا تحلمين فيه يا أسيل.
طغى على عينيها الضياع وهي تُدير حدقتيها هنا وهناك تبحث عن ظلِّ أمها تحتمي به دون أن تجدها، تشعر بذراعيه تطوّقانها أكثر وأرنبةُ أنفه تكاد تُلامس وجنتها يستنشق رائحتها المُسكرة، لازالت تتذكر ردة فعله ما إن نطقت بما نطقت، صوتـه المصدوم الذي فُقد لثوانٍ طالت قبل أن ينبعث إلى أذنها باهتًا فاترًا : أنتِ إنسانة! .. إنسانة أيش؟!! حقييييييييرة!!
وبالرغم من صدمتها وقتذاك بما قاله إلا أنها صمتت بخزيٍ وأملها في أن يتركها في تلك اللحظةِ أقوى، لكنّ صوتـه غابَ عنها كليًا، صوتُ أنفاسه المُنفعلة، صوتُ خشخشةِ صدره، كلّ ذلك غابَ ما إن أغلق الهاتف دون كلمةٍ أخرى بعد ما قاله وكأنّ الصدمةَ شلّت مخارح أحرفهِ وقطعت حباله الصوتية، وكأن الصدمة كانت أكبر، أكبر من أن يعبّر عنها بغيرِ " حقيرة "!

،

مرت الثواني القصيرة طويلةً في توقيتها الخاص، ثقيلةً تطئ على صدرها لتجعل تنفسها يضيق بضيق رغبتها في فتح هذا الباب! هناك ما يأمرها بأن تتراجع وتظلّ في حياتها الرماديـة، هناك ما يخبرها أن الألوان ستُعتِم أكثر وستتجه للأسودِ من بعد الرمادي، وكأنّ الدنيا رفضت البياض حلّةً لها، كأن الرمادي فما فوق جرى في عروقها وكوّنها بالألوان المُعتمةِ لا غير، هل صبغةُ الميلانين للدنيا كثيفةٌ لهذا الحد لتظهر بذاك اللون الغامق؟ هل تشرّبت العُتمة عبر مساماتها ليتلون جلدها بهذا الشكل المُنفر؟؟!
فُتح البابُ أخيرًا، ودون شعورٌ شهقت بالأكسجين دون صوتٍ ليضيع من بعد شهيقها الزفير وتتوه عيناها فيمن فتح.

،

عبست وهي تتنبأ بمشاجرةٍ جديدة، ألا يريد هذا الحال الإنطواء بعيدًا عنهما؟! ألا يريد تخليصهما من جوره؟ أم أنه لمح الإنتماء لديهما؟ ، سحقًا! سحقًا! . . همست بسرعةٍ تريد إنهاء المكالمة قبل أن يتطور الوضع : معليش بقفل أكيد أسيل الحين محتاجتني.
لم تُهدِه المجال ليستوعب سرعةَ حديثها ومطلبها حتى يرد، بل أغلقت بسرعةٍ وهي تستدير ليلتف فستانها حول ساقيها وهي تُسبل رموشها على حدقتيها، يجب عليها ألا تعكر مزاجها الآن بسيف، فهناك ما هو أهم منه في هذه الأثناء لذا فالتجاهل هو الأنسب حاليًا.
تحركت خطواتٍ تتجه إلى أسيل وأمها وهي تُحاول رسم ابتسامةِ الفرح على شفتيها، وفي تلك الأثناء وصلت إلى هاتفها رسالةٌ من سيف لم تنتبه إليها بين ذاك الضجيج.

،

زفر جده بيأسٍ من تكرار هذا الموضوع في كل يوم، ثم هتف بحزم : ما أجبرك هذا قدرك
لوى تميم فمه بحنق قبل أن يزفر دون أن يرد، ليُردف جده : وعشان ميولك واهتماماتك هالمرة بعطيك إجازة لمدة أسبوعين روح فيها لأي دولة تلاقي فيها اللي تحبه، مصر روما اليونان اختار اللي تبيه واشبع بالآثار فيها
رفع تميم حاجبيه بصدمةٍ قبل أن يفغر شفتيه هاتفًا دون تصديق : من جدك؟!!
جده بضيق : متى كذبت عليك أنا؟
تميم يُكرر : لا جد من جدك؟؟؟
هتف الآخر بغضب : انقلع من وجهي لابوك لابو اللي يعطيك وجه
ضحك تميم وهو ينحني إليه مُقبلًا رأسه هاتفًا بالشكر، بينما ابتسم جده ابتسامةً صغيرة وهو يؤمئ له بجمودِه المعتاد والذي لا يتبدل.

،

ام فواز بحزمٍ فقدت فيه صبرها : تعبتيني منك! وش هالمبزرة على هاليوم؟؟ أقول خذي الجوال وخلي هالليلة تمر
تقطّبت ملامحها بيأسٍ وهي تتناول الهاتف باستسلام، حينها سمعت امها تستغفر وهي تبتعد، تُدرك جيدًا أنها تمادت اليوم، لكنه الضغط الذي تراكم عليها منذ أيامٍ وهاهو ينفجر.
همست بتردد : ألو
شاهين بحدة ما إن سمع صوتها يصل إليْه : أنتِ وبعدين معاك يا بنت الناس؟ تراني صابر عليك من البداية وصبري بدا ينفد
أسيل تشتت حدقتيها بتوتر : أنا ...
قاطقها بحدة : أنتِ أيش بالله عليك؟ غير إنّك طفلة وكئيبة ما أظن! ولعلمك أنا من الأساس ما كان ودي بهالزفة يعني ريحي بالك وارتاحي مني
أخرستها كلماته التي عبرتها بحدتها دون أن تترك لها المجال حتى تستوعب مقدار هذا الغضب الذي يُلفظ من صوتِه، بينما أردف هامسًا قبل أن يُغلق الهاتف : عيشة تقصر العمر.

.

.

هذي جزئية بسيطة عشان تسترجعون الأحداث :$ راح تسترجعونها من غير ببارت اليوم
طبعًا البارت راح يكون بالليل واحتمال كبير يكون فيما بعد منتصف الليل إلى الفجر ، المهم انه راح ينزل قبل الفجر
حاليًا انا النوم راكب ام امي، مواصلة من أمس وتوني راجعة من الجامعة :(
بالتوفيق للي ما خلصوا امتحانات ()












bluemay 31-05-15 02:23 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
حمدا لله على سلامتك

وعودا حميدا يا قمر

طُعُوْن 31-05-15 05:10 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
حيا الله هنو.. نورتي يا بنت..

كَيــدْ 01-06-15 01:43 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 






سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم راحة ورضا من الرحمن
عساكم طيبين وما عليكم باس


قبل لا نبدأ، بحكي عن الموضوع اللي بغيت اعلق عليه من فترة وما حصلت فرصة
وحدة من متابعاتي الجميلات مرة علقت على براءة غيداء الأقرب للسذاجة وقالت إن الوضع مُبالغ فيه ؛ طبعًا أحترم وجهة نظرها لكن أنا ما أشوف الوضع مبالغ فيه أبدًا.
صحيح هالجيل ما عاد فيه أطفال بريئة بس بعَد لكل قاعدة شواذ، ومستحيل ما نلقى بين المئة شخص واحد جاهل بالحياة.

حياة غيداء من الجهة الثانية تحكم طبيعة تفكيرها، وما ننسى إنّها وحيدة بدون خوات عشان عقلها يكُون منفتح أكثر. وفيه أكثر من سبب ممكن تحكم براءتها اللي نطلق عليها براءة أقرب للسذاجة
وأنا في حياتي الواقعية حولي أكثر من نموذج عن بنات وصلوا لسن معين وهم ما يفقهون شيء بالأمور الحياتية
ونعطيكم نموذج فظيع عن بنت تزوجت وهي ما تعرف شيء عن الحياة الزوجية وأمها من الجهة الثانية ما ظنتها غير عن البنات اللي حولها وفاهمة فما وضحت لها أي شيء، وطبعًا ما يحتاج أقول وش هببت بيوم زواجها.
وعندكم بعد نموذج ثاني عن بنت اعرفها شخصيًا أكبر مني ما عرفت بهالأمور اللي من قريب وكانت مرة ساذجة فما نقدر نقول إن براءة غيداء مبالغ فيها
عمومًا ما ودي أطول والموضوع ما أسهبت فيه مرة عشاني مستعجلة بتنزيل البارت لذلك نبدأ على بركة الله


،

قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن الصلوات.


(32)



كانت عيناها تبحثان هنا وهناك عن ظلٍ لها تجده، مُتوجسةٌ بعد أن بحثت لدقائق ولم ترها، أين يُمكن أن تكُون؟
اقتربت من ابنتها التي كانت تتحدث مع جيهان، لتقف معهما قليلًا تُحادث جيهان قبل أن تستأذن وتسحب هديل معها.
هتفت باستفسار : شفتي إلين؟
عقدت هديل حاجبيها قبل أن تهزّ بالنفي : آخر مرة شفتها كانت جالسة في المكان اللي كنا جالسين فيه
هالة : ما شفتيها قامت؟
هديل : لا
زفرت هالة وهي تُشتت حدقتيها، لمَ هذا القلق الآن؟ لمَ تشعر بهذه الإنقباضاتِ في صدرها؟ بالتأكيد ستكون قد شعرت بالملل وقررت النهوض والمشي قليلًا، فلمَ القلق؟
تحركت مُبتعدةً وصوتُ هديل التي سألتها بقلقٍ مماثلٍ عن إلين لا يصلها! وكأنه اصتدم بجدارٍ ما ليرتدّ ولا يصل ما كان يجب عليْه أن يصله.
ابتعدت هالة عنها وهي تضرب أخماسًا في أسداس، لا تنكر أن القلق زاولها منذ وافقت إلين أن تُرافقهم إلى هذا الزواج، وقد كان مُتوقعًا منذ البدايـة أنها سترفض، ولم يكن هناك من سيرغمها.


,


اتسعت عيناه بصدمةٍ وعقله توقف عن العمل لثوانٍ، الإستيعاب تسلل عنه وتركه يتخبط ويُشتت عينيْه بغيرِ إدراك، ما الذي يسمعه؟ أيعقل أن تكُون هي؟ أيعقل أن تكون هي نفسها؟؟!
هتف بصوتٍ مُهتزٍ وهو يحاول لملمة الأحرف في نبرته، يحاول لملمة النبرةِ بذاتها والتي تتخبط بين أحرف سهى : وش إسمها؟
سُهى بصوتٍ جامدٍ فقد نبرةَ الرخاءِ فيه : وش مسوي يا أدهم؟
أدهم وقلبه الذي ينبض بشدةٍ يُنبئـه ما الإسم إلا أن عقله لا يريد التصديق لذا حرر لسانه الثقيل بموجةٍ عاتية : أيش اسمها يا عمتي؟؟
أغلقت عينيها بقوةٍ وحين ينجرف بنبرتـه هذهِ في مناداتها يُصبح للأمر جديةٌ ومصداقيةٌ لا تتمناها، ما الذي يفعله بالضبط؟ ما الذي بُنيَ عليه تكوينهُ الأخلاقي بعيدًا عنهم؟ ما الذي انغرست فيه خلُقه ليصل لهذا الحد؟ سؤاله عن الإسم جعل عقلها ينجرف نحو فكرة " كم فتاةً عرِف "! سؤاله هذا آذاها حين رأته ملوثًا بالوحل.
هتفت بحشرجةٍ وصوتها يتجهُ بنبرتـه نحو الأسى : غلطنا كثير لما خلينا عبدالله يبعدك عنا .. غلطنا كثير يا أدهم بس وش كان بيدنا نسوّيه وهو أبوك؟ ، أبوك اللي غلط في تربيته لك!!
جفل قليلًا وهو يحاول ترجمة ما تقتصده في نبرنها المشحونة بالخيبة، بالخذلان الذي ترعرع وهو يصاحبه فكيف عساه لا يُميزه؟ ما الذي فهمته بالضبط!! ما الذي زاول عقلها عند طلب فتاةٍ ما لرؤيته؟
هتف بتساؤلٍ مستنكرٍ وحاجبيه ينعقدان تلقائيًا : لا يكون حاطة في بالك إني مخاويها أو شيء زي كذا؟!!
برقت عيناها بشدةٍ وهي تهتف من بين أسنانها : لا تحاول يا أدهم مين بتكون أجل!!
رفع إحدى حاجبيه وملامحه تتجه للجمود، ظهر بريق العناد في عينيه وهو الذي لم يعتد التبريرَ لأحدٍ من قبل، لذا همس بفحيحٍ أشبه بفحيح الأفعي وصوت مزامير السيارات تُخالط سموم نبرتـه : ماني مضطر أبرر ، حطيها حلقة في أذنك وأنتِ اللي تعرفين إني سواءً كنت غلطان أو لا ما أبرر لمين من كان
تشنجت ملامحها وجفناها يتهدلان بخيبةٍ وصدرها يثقل بجراحه الذي تفنن طفلها الصغير في تعميقه، صوتها هدر لمسامعهِ هامسًا عاتبًا : لا تهتم ، أنا من الفئة اللي سميتهم " مين من كان " وش يهمك فيني أصلًا؟ وش يهمك في جرحي منك وصدمتي فيك يا أدهم؟
شتت حدقتيه عن ضوءِ الطريق الذي تخلخل أجواء سيارتـه المُظلمة، عن الشارع الذي اقترب من الخواءِ وخواءِ روحه ينافسه، عن البيوت التي يصتدم بها ريحُ الرياضِ الساخنة ولا تُشاركها أنفاسه الملتهبة، عن السماء الملونة بالسوادِ الذي تمركز في صدرهِ وانعكس عنه. ماذا يجيء بهِ في هذا الزمان؟ لا الزمان زمانه، لا الأرض أرضه، لا الأكسجين يتجه إلى صدره ولا ثاني أكسيد الكربون يغادره بتلقائية. حتى المهام اللا إراديةَ في أجهزةِ جسده باتت عاطلة/ميتة. كيف يُسدل جفنيه تلقائيًا كي لا تجف عيناه وأعصابهُ تموت كلّها وينسحب الإدراك منه؟ كيف يُسعف عيناه بالبلل وجسدهُ تخلى عن إراحته ليبيت يعمل بنفسهِ حتى على مهامِ كل عضوٍ لا إراديٍّ فيه؟ . . الجرح في صدرِه يزداد عمقًا، يزدادُ اتجاههُ نحو الداخل، ودون إرادةٍ منه بدأ يُصيب من حولـه أيضًا.
بلل شفتيه وحدقتيه اتجهتا للنظر نحو قدميه، زفر بحرارةِ قلبهِ الذي تمدد وكأنّه انسلخ عن تكوينه وباتَ معدنًا، معدنًا تحلّى بصفةِ الحياةِ وشَعَرْ!
همس بعد أن ابتلع ريقه بمرارة : هذي نجلاء . . نجلاء إذا مازلتِ تذكرينها
اتسعت عيناها بصدمةٍ وشهقتها وصلت إليْهِ فقيرةً من كل رداتِ فعلٍ أخرى، ضاعَ زفيرها وهي تُدير رأسها تنظر للمجلس الذي تركت فيهِ إلين بشفتين فاغرتين وصدرٍ التهب بتوقف تنفسها للحظة، نجلاء! نجلاء نفسها!! أيقصدها هي؟ هي ذاتها؟ نجلاء الماضي الذي اندثر؟ الماضي الذي مات بعد معمعةٍ تركها خلفه؟ لا يُمكن!!


,


كانقلاباتِ الطقسِ هو الوقت، تارةً تراه بطيئًا، وتارةً أخرى يكُون سريعًا، سريعًا بدرجةٍ يبتلع فيها الإدراك والشعور، يبتلع فيها ذرات التوتر ليلفظها فجأةً في مكانٍ وزمانٍ آخرين، مكانٍ لا ينتمي لها، مكانٍ وجدتـه الآن لا يُناسبها.
عضت زاوية شفتها الملوّنةِ بالقرمزي، وهي تتأمل صالـة الجناح الذي جلست في إحدى أرائكهِ الفاخرة بفستانها الذي أثقلها وضاعف ثقل صدرها المُحمل بالهموم، نسيت كل شيءٍ وكل المواقف السابقة، نسيت صوتَه الذي كان قبل ساعةٍ تقريبًا على الهاتف، صوته الذي سكن في حُنجرتـه حين كانا معًا في السيارة، صوتـه الذي تخشاهُ حين يسكُن. نسيت تلك اللمساتِ السابقة، الأنفاسِ التي جرت على بشرتها، الكلماتِ التي انغرست وقتذاك في طبلةِ أذنها وخرقته لتسمح للهواءِ بالعبور وإيذاء سمعها. تشوّش نظرها، تشوّش سمعها، تشوّش إدراكها الذي مات قبل أن يُدرك شاهين الذي كان يقف على بعد خطوات منها، يتأملها بصمتٍ وعيناه تجريانِ على ملامحها المضطربة، على كفيّها اللتين احمرّتا بهجومِ كل منهما على أختها، على شفتيها اللتين تتوسلان رحمة أسنانها، على جسدها النحيل والذي ضاع بين كومةِ القماش هذا. وعيناكِ! لمَ أخفيتهما؟ لمَ لم تتركيهما دون تلك الظلال التي زادتهما جمالًا؟ التي زادتهما حدةً فوقَ حدتهما، التي أضاعت نظرتهما فوق ضياعكِ وضياعي! إنّك ترسمين ضياعي بحبرٍ أسودَ لا يُمحى، إنّكِ ترسمينه على حدقتيكِ لأضيع أكثر بالغرق في بحورهما وتبتلعني أمواجك. لا تدركين يا أسيل أنني السفينة التي أبحرت في عينيكِ وتحكّمت بها رمُوشك، لا تدركين أنكِ تلفظينني بموجكِ هنا وهناك ليضيع من " راداري " الميناء. لا تدركين أنني حين لمحت عينيكِ جهلت الشمال والجنوب، جهلتُ الجهات الأربع وضعت بين حناياك. إلهي كم أنتِ أنثى طبعت تضاريسها في صدرِي وغلّفت عيناي بها، كم أنتِ أنثى والله لا أدري كيف جاءت! من أي زمنٍ جاءت؟ من أي جهةٍ جاءت كي أجهل من بعد مجيئها الجهات.
تيبست قدماه وصورتها تُنسخ في مركز ذاكرته، توقفت نبضاته العصبية لثوانٍ وهو يحفظ تضاريسها عن ظهرِ قلبٍ كما حفظها عن ظهرِ فتنة! وبعد أن ترك المجال لكل أعضائـه حتى تغرسها فيها ولم يشبع! بلل شفتيه وهو يتحرك باضطرابٍ كيف عساه لا يظهر؟ كيف عساه لا يظهر يا الله وهي أمامه؟ وحدهما!! لم يتوقع أن خلوته الأولى بها بكامل حريته تحت سقفٍ واحد ستكون بهذه الحدة، بهذا العُنف الكافي ليجعله يضطرب ويتوتر. لا ثباتَ من بعدِك، لا سكُون وأنتِ التي خطفتِ السُكون وموجَ السكُون. لا مجال للطيران وأجنحتي تمزقت لأغفو أبدًا إليْكِ، وعني، ومني، وأبقى ساكنًا في ملءِ عينيكِ.
ارتفع رأسها أخيرًا حين عادَ إدراكها وتمكن عقلها من إستيعابِ خطواته. نظرت إليْه بحدقتين ترتعشان بتوتر، وشفتين انفرجتا تجتذبان كمًا كافيًا من الهواء. بينما تعلّقت النظرات بينهما وقدماهُ توقفتا لخمسِ ثوانٍ ينظر إليها بصمت، قبل أن يعود مُقتربًا منها بعينين تماثلان توتر عينيها، والكلماتُ انشطرت عن نبرتِه وتمزّقت عنه، لم يجد كلماتٍ تسعفه لينطق بشيءٍ يحوّل توتر طقسهما الأحمق!
وصل أخيرًا إليها بعد دهرٍ رآه قد مرّ! وهما الآن يسكنانِ دائرةً من الإضطرابِ كان نصف قُطرها ألفًا فاتسعت المسافةُ حتى يصل إليها! . . استنشق الأكسجين وهو يقف أمامها مباشرةً، رأسها ارتفع إليْه تنظر لعينيه تبحث عن غضبٍ أو استعدادٍ ليهجم عليها بكلماتٍ ما، أو رغبةٍ أخرى!
عضّت شفتها بقوةٍ عند تلك الفكرةِ وهي تُطرق برأسها تُزيح نظراتها عنه، بينما زفر هو ثمّ ابتلع ريقه وهو يرفع كفه إلى رأسه ليُمسد جبينه، ما الذي يجب أن يفعله الآن؟ ما الذي يجب أن يقوله لها؟ أهذا وقت اضطرابهِ الأحمق!! وكأنه لم يجلس معها مرةً بمفردهما، لكن الوضع مختلف! مختلفٌ بدرجةٍ جعلته ليس هو.
زفر بعنفٍ أشدّ وهو يتحرك مبتعدًا عنها حانقًا هامسًا بينه وبين نفسه " لا حوووووول "
جلس على أريكةٍ منفردة بقوةٍ جعلتها تنتفض، ألم يكن من المفترض أن يُحاسبها أولًا على استهانتها به! على مدى تجريحها له في الآونةِ الأخيرة؟؟ لكن لمَ يشعر أنّ غضبه تبخّر تلقائيًا ما إن اختلا بها؟ لمَ يشعر أنّ كلّ أمرٍ آخر غير مسألةِ قربها منه قد تلاشى؟؟
أغمض عينيه بقوةٍ قبل أن يفتحهما بعد ثانيتين ناظرًا لسكونها الهش، لمدى جمالها بالنسبةِ لعينيه، لمدى انجذابِ كل حواسه نحوها.
همس أخيرًا بخفوتٍ والكلمات تتشتت عنه ولا يجد ما يُسعفهُ منها : أطلب عشاء؟ أكيد ما أكلتي شيء
لحظَ ارتعاشها قبل أن ترفع عينيها باضطرابٍ إليه وتنظر لهُ بنظراتٍ تائهة، وقد كان قد همّ بالنهوض إلا أن صوتها جاءه خافتًا : لا مالي نفس لشيء
عاد ليجلس وهو يتنهد وكفه ارتفعت إلى رأسه حتى يخلع غترته من الحرّ الذي يشعر أنه يهاجمه رغم برودة الأجواء : حتى أنا مالي نفس
توترت عيناها أكثر لتُخفض حدقتيها تُمرر أناملها على بياض فستانها، كانت المسافات تمتدّ رغم القُرب، كان الطريق معوجًّا رغم التضاريس المُسطحة، وكان الوقت بينهما يعبر ببطءٍ ولم يعد هناك من يتحدث سوى أعينهما، خوفها، ولهفته إليْها.


,


صعدت للسيارةِ الساكنِ جوّها كسكونِ عينيْه المُنطلقتان نحو الأمام، كهدوءِ أنفاسهِ التي باتت لا تعرفها في هذه الأيامِ القليلة! بسكونٍ استقرت جالسةً لتُغلق الباب بهدوءٍ وملامحها من تحت النقاب تسترخي بجمودِ صدرها الذي يَسكن كلّ شعورٍ فيه ويضمحل.
لم تنظر لملامحه التي لمحتها قبل أن تصعد، بل ظلّت تنظر للأمامِ ما إن استقرت جالسةً قبل أن يصلها صوتُه الذي تغلّف ببرودٍ جعلها تُقطّب حاجبيها : الباب مفتوح
زمّت شفتيها ويدها اليُمنى ارتعشت دون شعورٍ منها، لا تدري لمَ شعرت بصدرها يصرخ وسلوكُه معها خلال هذه الفترةِ تستوجعُ منه أكثر من استنكارها إيّاه! . . فتحت الباب ثمّ عادت لإغلاقهِ وهي تُفكر، ما الذي يحدث بالضبط؟ ما الذي غيّره؟ هل يلعب معها لعبةً ما حتى يجعلها تُحبه!! لا! فواز لا يفعلها، لا يُفكر بهذه الطريقةِ التي لا تليق به، إذن مابه؟ مابها نظراتهُ إليها تبدّلت؟ مابها نبرةُ صوتـه انحدرت نحو الجمود وفقدت لهفتها منذ أيامٍ خلَت؟ فجاةً وبدون سابقِ إنذارٍ فترَ سلوكه معها في ليلةٍ وضحاها، ما الذي حدث بالضبط؟
قاومَت شعورًا عارمًا في صدرها صرخ بصوتٍ حزينٍ مُتألمٍ كالناي، كموسيقارٍ يعزف لحنًا حزينًا من فقدهِ لكل شيء! من خسارةِ الحياة رونقها في عينيْه، من انحلالِ البياض عن الدنيا ليراها سوداءَ لا تسرّ الناظرين. فقدت كل شيء، فهل ستفقد فواز بعد؟؟
اشتدّت قبضتها بقوّةٍ وهي تزدرد ريقها مُحاولةً طردَ هذه الأفكار التي هاجمتها فجأةً دون إرادةٍ ودون استعداد، هاجمتها في لحظةٍ لم تتوقع أن تجيء إليْها لتُفكر بهذه الطريقةِ في صومعةِ علاقتهما!
أغمضت عينيها بقوة، ثمّ زفرت لتفتحهما وتُسند رأسها على النافذةِ الباردة، وماذا إن تركها هو الآخر؟ هل ستنقلب الدنيا رأسًا على عقِب؟ هل ستموت؟ . . بل ستجري الحياةُ كما هي، وستطير أدمُعها كما اعتادت، سيخفو نحيبها في الليالي البارداتِ وسيظل شتاؤها لا ربيعَ يُجلي بهِ الثلج عن صدرها. لا شيءَ سيختلف! فلمَ هذا اللحن الحزين وهذا الأنينُ الخافت الذي يُصدر من قلبها؟
تنهدت بوجعٍ وجفناها ينسدلانِ على صفيحةِ عينيها، ومن بين تلك التنهيدةِ واتكاءِ رأسها على زجاج النافذة اخترقت حدقتيهِ السوادَ الذي يلتف حولَ عينيه، نظر إليها نظرةً خاطفة ليُعيد حدقتيه إلى الطريق وملامحه تتشح بسكونها ذاتِه دون أن تتحرك عضلةً واحدة من عضلاتِ وجهه. يبدو أنكِ اعتدتِ ذلك! اعتدتِ الإتكاءَ على عقلي والإستحواذ على مراكزِه، اعتدتِ على تغليف قلبي بأحرف اسمكِ التي اختزلت كل الأحرف الأبجديةِ بين انحناءاتِ اسمكِ ونقاطِه.
ارتعشت كفّه الموضوعةِ على مقود السيارة، ليشدّ قبضتهُ بقوةٍ وقدمهُ من الأسفل تُضاعف السرعةَ دون شعورٍ منه، لمَ انقلبَ كل شيء؟ لمَ انقلبت كلّ أمانيَّ فوقِي؟ لمَ حُشرت في تلك الزاويةِ دون ذنب؟ . . تضاعف شدّه بأسنانه على شفتهِ حتى كادَ يُدميها، ومفاصله ابيضّت من شدةِ ضغطهِ على المقود وجنونُ سرعتهِ الُفجائية يظهر مثيلها في عينيْه. بينما استدارت إليْه جيهان بكامل جسدها وعيناها تتسعان بذعرٍ غلّف استغرابها، وبصوتٍ شبهِ عالٍ لم يصله وأذناه تتغلفان بتفكيرِ عقله : فواز شفيك خفف السرعة!
لم تشعر بانخفاض سرعة السيارة، بل حدث العكس تمامًا! تضاعفت السرعةُ أكبر من ذي قبلٍ وشفتيه هذه المرةُ زُمّتا بعد أن أطلق كلماتٍ خافتةٍ مقهورة لم تصل إليها، والذعر غلّف صدرها من هذا الجنون الذي جاء فجأةً دون سابق إنذار، يبدو أن سبب تغيّر معاملته معها منذ أيام هو انحراف عقله للجنون! لا تفسير آخر.
صرخت بذعرٍ وهي تتمسك بجوانب مقعدها : فواز خفف، جنيت؟ تبي تذبحنا؟؟
لم يبدو أنه سمعها، وعينيه تحمرّان بقهرٍ دفين بينما دموع الخوفِ تنبع من مقلتيها دون أن تسقط، لم يكن يسمع صوتها، لم يكُن يعي أي شيء، فقط فقدانها! هو وحدهُ ما يعيه في هذهِ اللحظات، سيفقدها لا محالة ... سيفقدها وهذا ما لا يحتمله يا الله!
فجأةً تخلخل صراخها الذي اخترق عمى عقله، ولم يكد يستوعب سبب صراخها وهو يرى اقترابهُ السريع من شاحنةٍ أمامه، وصراخها انبثق من حفرةٍ ليلفظهُ في لحظاتٍ نحو الواقع، واقعُ موتهما على يدِ قهره!
توقف بقوةٍ لتصدر عجلات السيارةِ صوت اعتراضها على ذاك الإحتكاكِ العنيف، ولشدةِ وقوفهِ اندفع جسدها للأمامِ ليصتدم رأسها بقوةٍ بمقدمةِ السيارة وتتأوه بعنف، بينما اندفع جسده بالمقابل نحو المقود ليصتدم جبينه بهِ بقوةٍ أقل من القوة التي اصتدمت بها، وما إن اصتدم بهِ حتى تصاعد صوت مزمار السيارة ليخفت بسرعة.
أغمض عينيه بقوةٍ في حين تصاعدت نبضات قلبه التي تجاهلها تمامًا وهو يستدير نحو جيهان التي انخرطت في بكاءٍ حاد وهي في حالها لم تتراجع عن اصتدامها ذاك، ورأسها يصرخُ بألمٍ لا يتجاوز ألم روحها، لا يتجاوز ألم قلبها وكل الجراحِ تستقر فيها لتتألم دون نزيفٍ مرئي. لمَ أخذت هذا القسم من الدنيا؟ لمَ لا تكون مثل غيرها ممن يضحكون نهارًا وعشيّا والدمع لديهم كموادَ فائضةٍ عن الجسد، تخرج كالعرقِ دون أن يكون لهُ أثرٌ ينخر القلب ويُمزق حنجرتها بالنحيب، لمَ يجب أن تشقى يا إلهي؟ لمَ تتناول المرارةَ حتى في الموت؟ اقتربت من الموت وماذا خلّف؟ لا شيء! لا شيء سوى هذا الخوف والإرتعاش الذي يلف خلاياها كلها، لم ترتح حتى لتموت، لم تأتِها الراحة والموت أيضًا يهوى عذابها وألمها حين خادعها ورحل، لمْ أعُد أريد أن يكُون قلبي مؤمنًا، لم أعد أريد الرضا، أريد فقط الموت، أريد الموت ونصيبي في هذه الدنيا - عدم -.
تساقطت دموعها بشدةٍ ونحيبها يتصاعد ليغلف طقس السيارةِ بأنينِ المُعذَبين، ليخترق السكون كفحيح الريح الذي يبعث الخوفَ في النفوس . . اقترب منها فواز وهو يعضّ شفته بندمٍ على غفلتِه وشرودهِ في وقتٍ كان يجب على الشرود أن يكون أبعد ما يكون عنه، وضع كفه على كتفها وهو يهمس بتوترٍ لا يقل عن توتر الموقف : جيهان
قاطعته بصراخها الذي اخترق طبلاتهِ حادًا مُتألمًا وكأن حدةَ صوتها تجرحُ حنجرتها هي : لا تقول شيء، لا تقـــول شيء . . الله ياخذك وبس .. الله يقلعك عن وجهي اليوم قبل بكره
عضّ شفته وهي يجذبها نحوه ليحتضنها برفقٍ ويهمس : خلاص اششش، عارف اني غلطت يوم ما انتبهت وخرعتك ، خلاص اعتذر منك
بكت بعنفٍ أكبر وهي تشد بأناملها على ثوبهِ تنخرط في موجات حزنها ومرارتها، تنخرط في الألمِ الذي يدفع نحوها سهامه، تسقط في فجوةِ النحيب التي يتردد صداها في صدرها كل ليلة، كل ساعةٍ وكل ثانية. همست بصوتٍ ذاهب وشفتاها ترتعشان، أناملها البيضاء تشدّ على قميصه أكثر وأكثر : ناديتك ، قلت لك خفف بس ما سمعت لي، تدري إنّي أخاف ومع كذا عنّدت وزدت بالسرعة، ودك تخوفني بس؟ ودك تكمل علي بالموت بعد؟ تبي تنتقم مني عشاني ما حبيتك وكنت انكد عليك؟ بديت بالتجاهل والحين الموت؟ . . روح الله ينتقم لي منك، الله ياخذك ويجعل يومك قبل يومي
تنهد وهو يُدرك أنها الآن تهذي بسبب خوفها، إلا أن كلماتها كانت موجعة! كانت موجعةً بقدرٍ كافٍ حتى يُبعدها عنه ببعض الحدةِ وينظر للأمام بصمت، ما الذي تعرفه هي حتى تتكلم وتحكم على نياته؟ ما الذي تعرفه هي حتى تُطلق كلماتٍ كان من الأحرى ألا يستحقها ... لا تدركين شيئًا، لا تدركين يا جيهان أنني الآن في دوّامةٍ قُطرها أكبر مما أنتِ عليه، لا تدركين أنني والله لا أقصد هذا التجاهل وما يحدث، وكل مافي الأمر أنني في دوامةٍ أكبر من صوتِي، أكبر من عفويتي معك.
حرّك السيارةَ بصمتٍ وملامحه ترتسم بألوانٍ رمادية، يستمع لصوت نحيبها الذي خفت دون أن يزول، لن تشعري بي، لن تشعري بي وأنتِ بهذه الأنانية.


,


صعدت في الجزء الخلفيّ من السيارة وهي تزفر بإرهاقٍ شديد، بينما استقرت ام سيف جالسةً في المقعد الأمامي بجانب سيف الصامت والذي لم تلمح ملامحه المُتحجرة بقسوة. تحرك بصمتٍ دون كلمة ونظراته معلقةٌ بالطريق، بينما أمالت ديما رأسها على زجاج النافذةِ الباردة ببرودة تكييف السيارة، وفي ميلها ذاك سمحت لعينيها بلمح كتفهِ المُغطى بثوبِه الرمادي، ليتعلق ناظريها دون إرادةٍ في الجزء المُعتم الذي ظهر منه لها، في رمادية هذا الجزء الذي كان ملجأً لها تسند رأسها عليْه كثيرًا، في العُتمة الدافئة التي أوتها ليالٍ كثيرة دون حب، دون مشاعر خاصةٍ تتمناها.
أسدلت جفنيها عن صفيحةِ عينيها، عن المنفذ الذي يسمح لجزئه هذا بالعبور إلى عقلها ليُترجم أخيرًا بأجمل دفءٍ وأجمل رجل، عن الأمنية التي أرادتها كثيرًا ولم تجئ، كان فرضًا علي أن أضمّك ضمن قائمة الأمنيات، كان فرضًا ألا أضعكَ في عقلي طموح/هدف، فالطموحات والأهداف تتحقق حين أجتهد، وما أنت سوى أمنيةٍ لا تجيء بعرق جبيني، ما أنت سوى أمنيةٍ تتراقص في عقلي قبل النوم لأبتسم حزنًا على عدم تحققها. قلّي بربك ما ينقصني؟ في كل يومٍ تجعل ثقتي بنفسي تهتز لأسأل " ماذا ينقصني كي لا تحبني؟ ".
بللت شفتيها دون أن تفتح عينيها، وعيناه المُعلقتين بالطريق تنازلتا لتنظرا عبر المرآة إليْها بنظرةٍ خاطفة/حادة. لتلمحا عينيها الظاهرتين عبر فتحات النقاب، عينيها اللتين تزيّنتا بظلالٍ جعلت صدره يغلي، هل كشفت عن عينيها في سيارته أم أنهما كانتا مكشوفتين منذ البداية؟ عضّ شفته بقوّةٍ وهو يُشدّ على المقود، وعيناه بعد أن قررتا النظر إليها بشكلٍ خاطفٍ أصبحتا تنظران إليْها كل ثانيتين، مفكرًا في مدى جمال رسمة الكحل حين يُعانق جفنيها، في مدى انهزام عيون الإناث عند عينيها اللتين جذبتا كل الجمال إليها، عن الجمال ذاتِـه الذي ينجرف نحو هوّةٍ سحيقة ما إن يلمحها، تمامًا كما يسقط هو دون أن يتمركز العقل في رأسه ويستوعب الموت من الحياة، كل الإستيعاب يُغادره، كل المنطق يرحل لتبقى هي وجنونه بها.
تنهد بكبتٍ وهو يعود للنظر نحو الطريق محاولًا جعل عينيه تنحدران عنها إليه، وفي الخلف كان تفكيرها بهِ وسِجنها الدائم الذي تمركز بأحرف اسمه الثلاث قد حررها لبعض الوقت حين سرقها النومُ دون أن تشعر، غفَت ورأسها مُتكئٌ على المرآة الباردة، ولعل الهرب يحمل راحةً أكبر من العيش في دوامة الأفكار التي تُضاعف بؤسها مرات، لعلّ القيدَ الذي يُحاصرها في صحوتها يرتخي في منامها فتنعم بالقليل من راحةٍ تنثر الضيق الذي تجذّر في قلبها.
مرّت دقائق طويلة قبل أن يتسلل صوتهُ كنسيمٍ حارٍ إلى أذنها ومن ثمّ إلى عقلها الذي تغلّف باسمها الذي لا تعرفه من صوته! شعرت أنّه ينادي أخرى ولا يقصدها فأكملت تقوقعها في حفرتها. نظر سيف إليها وابتسامةٌ طفيفة سطعت على شفتيهِ قبل أن يستدير إلى أمه التي استعدت للنزول : روحي وبنلحقك بعد ما أصحيها
أومأت له والدته ومن ثمّ نزلت لينزل سيف من الجهةِ الأخرى ويدور حول السيارة إلى أن وصل إلى الباب الذي يُقابل بابها، فتحه ثمّ ركب السيارة ليجلس بجانبها، ومن ثم رفع يدها ليضعها على رأسها ويُناديها بخفوتٍ متلذذًا باسمها الذي عبر من بين شفتيه بحدةِ السكين ونعومةِ الحرير، بخليطٍ لا يتناسب إلا لهُ ولاسمها الذي ما اعتاد لفظه دائمًا رغم انتمائها إليْه : ديما
رفرفت أهدابها بخفةٍ وصوته هذه المرة اخترقها رغم حملهِ لذات الاسم الغريب بين موجاته، همهمت وهي تسمعه يعود للهمس باسمها وكفهُ تتحرك على رأسها برقة، حينها فتحت عينيها وهي تُديرهما إليه حتى تستوعب الزمان والمكان التي هي فيهما. اعتدلت جالسةً بعد أن نظرت إليه ثوانٍ قصيرة تتشرب ملامحه ومن ثم همست ببحة : وصلنا؟
تحرك مبتعدًا عنها لينزل عن السيارة هاتفًا بصوتٍ جامدٍ يتضاد مع صوته قبل قليل وهو يناديها بنعومة : وش تشوفين أنتِ؟
لوت فمها قبل أن تتنهد بضجرٍ ثمّ نزلت تتبعه وهي تسمع صوت قفل السيارة عبر الجهاز الذي في يده، عضّت زاوية فمها وهي تراه يضعه في جيبه ويُكمل طريقه بصمتٍ بارد، لا ترى سوى ظهره، وللأبد لن تراه إلا وهو يُدير ظهره لها، يرميها في الخلف وكأنها شيء يسهل التخلي عنه في أقرب فرصة. ارتعشت كفها بقوةٍ والحنق والقهر يتسلل إليها رويدًا رويدًا، لن تسمح له بجعلها شيئًا ثانويًا في حياته، لن تكون فقط زوجته وستصبح أم ابنه او ابنته.
التمعت عيناها بإصرارٍ عند تلك الفكرة وهي تُسرع بمشيها قليلًا حتى تجاوره وتمشي معه، حينها تحركت حدقتيه لينظر إليها في نظرةٍ خاطفة وهو يُكمل طريقه بجانبها، يقاوم رغبة يده في الإمتداد لتُمسك بكفها الناعمة، فهو الآن يجب عليه محاسبتها على ما فعلته قبل ساعاتٍ خلت.

علّقت عباءتها بعد دخولها للغرفة وسيف تأخر قليلًا خلفها ولم يدخل بعد، أغلقت باب الخزانةِ ثمّ تراجعت لحقيبتها التي وضعتها على السرير لتُخرج هاتفها الذي استقر فيه بعد محادثتها الأخيرة لسيف في القاعة ولم تخرجه من وقتها، فتحته لتتجه إلى الرسائل المتكدسة وتُصدم برسالةٍ منه، متى أرسل ولمَ؟ توترت لتفتحها وتقرأ المكتوب بعينين بهتتا وانسحب لونهما.
" ما خلصنا من حركة تقفيل الجوال في وجهي؟ حسابك في البيت "
بللت شفتيها وهي تشدّ بكفها على هاتفها، اهتزت حدقتيها بتوترٍ قبل أن تزفر وهي تهمس بحدةٍ متوترة : وش بيسوي يعني؟ بالطقاق يا سيف
بينما كان قد وقف خلفها دون أن تنتبه إليه ليصله آخر كلماتها، حينها ارتفعت زاوية فمه بابتسامةٍ حانقة ليمدّ يده ويتناول هاتفها هاتفًا : بالطقاق بعد؟
شهقت بقوةٍ وفزع ما إن شعرت بكفه تنتشل الهاتف ومن ثمّ صوته الذي اخترق حصون مسامعها بنبرتِـه التي حملت تحديًا لها ولكلماتها التي غادرت الحدة حناياها ما إن سمعت صوته، لم تكد تستوعب وقوفه خلفها حتى رمى هاتفها على السرير وأدارها إليْه بحدة، ليلفظ بقوةٍ وقسوة غلّفت ملامحه قبل صوته : الحين ممكن تعلميني وش اللي أنتِ تبينه بالضبط؟
ارتعشت حدقتيها وكفيه تصهران كتفيها من تحت قماش الدانتيل الذي غطّاهما بطبقةٍ سكريةٍ رقيقة، بينما تعلقت نظراته بعينيها المضطربتين ليشدّ على كتفيها بقوةٍ أكبر وهو يهتف بصوتٍ ساخر : إذا لهالدرجة منتِ قد كلامك لا عاد تتحدين مرة ثانية * حرر كتفيها الباردتين من كفيه الدافئتين، ليُردف بغيظ * قلت لك أكثر من مرة حركاتك ذي ما عاد أبيها بس وش يعقلك؟ تدخلين الكلمة من أذن وتطلعينها من الثاني
زمّت شفتيها بقوةٍ وهي تشعر بقلبها ينبض قهرًا، ما الذي جعلها تخاف الآن؟ كم مرةً يجب أن تُدرّب نفسها قبل أن يذهب تهذيبها لخوفها وتوترها منه هباءً؟ . . عضّت باطن خدها قبل أن تزفر بقهرٍ وهي تثبت نظراتها في عينيه الحادتين واللتين تجابهانها من الجهةِ المقابلة : مين قالك إني ماني قد كلمتي؟ وبعدين أنا قلت لك كنت مشغولة عشان كذا قفلت
رفع سيف إحدى حاجبيه وهو مُثبتٌ لحدقتيه في حدقتيها ينتظر تكسّر نظرها أمامه، إلا أنها بقيت ثابتةً على نظرتها القوية بعكس ما كان قبل ثوانٍ قليلة، وبفتور : مشغولة؟ بالله!
رطّبت شفتيها بلسانها وهي تلمح نبرة السخرية في صوتـه الفارغ، في صوته الذي عبرَ فجوةً كعبور الرياح ليُصدر صريرًا مؤذيًا للآذان. همست بحاجبين ينعقدان بانحناء روحها نحو الأسفل : تمصخر، ما عاد تهمني، وإذا كنت ابي اطنشك مثل ما تقول فهذا يرجع لي وأنا حرة في اللي احكي معه واللي ما أحكي معه
تحركت لتتجاوزه وهي تُعيد كلمتها السابقة على مسامعه بنية وصولها إليه هذه المرة : بالطقاق
انقبض فكهُ بغضب وهو يشعر بها تتحرك مبتعدة، تنحل عنه! لازال ذلك الشعور بانحلالها عنه يغتاله، لازال ذلك الشعور المقيت يخترق صدره بحدةٍ تُمزقه دون أن تجعله ينزف، كم مرةً يجب عليه الشعور بذلك كي يبدأ بالمعالجة ويكتشف أنه لا ينجح فيما يريد؟ كم مرةً يجب عليه أن يتخبط على نارِ تمردها الذي بات أمرًا مؤكدًا لا يستطيع نفيَه؟ . . استدار إليها وصدره يرتفع بتحشرجِ الحنق الذي يسدّ مجرى الهواءِ في حنجرته، وبحدةٍ يُكذب ذاته قبل أن يلفظ كلماته التي تهتزّ بين جزيئات الهواء : تدرين إن التمرد ما ينفع معاي
وقفت في منتصف الدائرة التي يتقيّدُ فكرها وقلبها وروحها وكاملها بين انحنائها، تُقطّب جبينها بألمٍ وهي أكثر من يدرك أن التمرد بالفعل لا يُجدي، لا شيء يُجدي مع قلبك المُتحجر ياسيف، لا شيء يُجدي مع قسوةِ صدرك الذي لا أستطيع اختراقه حتى أحظى بِك، لم تزرع في أرضي يومًا زهرةً حتى يزورني أملٌ بحبك، لم تُسقني يومًا فما الذي يجعلني أثق بأن شيئًا ما فعلًا قد يجعل طريقنا واحدًا وأنا أكثر من يدرك أن طُرقنا تشعبت ولم يعد هناك ما قد يجعلها سويّة.
اهتزت شفتاها بألمٍ يختال روحها لتتمزق شظايا مُحترقات، وبوجعٍ تسلل صوتها من بين شفتيها المرتجفتين مُتحشرجًا : لكل ذنب عقاب يا سيف، وأنا أتمنى عقابك على حبي لك هو حبك لي! الله يطول بعمري وعمرك عشان أشوفك بيوم مبتلي فيني مثل ما أنا ابتليت فيك .. ووقتها بقسي عليك، صدقني بقسي عليك.
تشنجت أطرافه للحظةٍ وعيناه تتشتتان عن ظهرها المُدار إليه، صوتها يخترق قلبه قبل مسامعه، يخترق روحه قبل قلبه، نبرتها أشبه بنايٍ حزينٍ كان لابد من كل مشاعره أن تُدار إلى صوته ولا تتجه إلى آخر. ألا تُدركين أنّي بكِ ابتُلِيت وانتهيت؟ . . اقترب منها بخطواتٍ واسعة لتستدير إليه تلقائيًا بعد سماعها لخطواته، وما إن استدارت بملامحها الحزينةِ إليه حتى التقطت انفاسها بعنفٍ وهي تشعر بقبضتهِ التي اعتقلت عضدها ليجذبها إليه بعنفوان، هادرًا في أذنها بخفوت : واثقة إن الدور بينقلب؟
أغمضت عينيها بقوةٍ وهي ترتفع على أطراف أصابعها مع شدّه لها للأعلى، وبهمسٍ حيث يعمل عقلها الآن في محاولة الإنتقام منه ولا شيء آخر : ويمكن وقتها نكون مطلقين وأحرقك بغيرك
ارتعشت خلاياهُ بشدةٍ قبل أن يشد قبضته على عضدها بقوةٍ آلمتها لتفتح عينيها، والغضب تلقائيًا يزوره بل يزور أي رجلٍ حين يقتحم رجلٌ آخر فكره فيما يتعلق بامرأته. شدّها إليْهِ بعنفٍ لتصتدم بصدره الصلب، وبحدة : لا تحاولين تستفزيني!
ديما تبتسم بسخرية وشفتيها تفتران عن كلمات مُتألمة : شفت كيف استفزتك فكرة إني أكون لغيرك؟ وأنا بعد مستفزتني فكرة إنك منت لي، أنت أساسًا منت لأحد! ويا خوفي تكون لأحد!!
خفت بريق الغضب في عينيْه وهو يتأمل عينيها بملامح لان تشنجها تحت وطء نبرتها المُتألمة، وكفهُ من الجهةِ الأخرى خففت من حدة ضغطها على بشرتها الهشة، ليبدأ بتحريكها نزولًا وصعودًا على نعومةِ عضدها وصوته ينطلق من بين شفتيه خافتًا غيرَ واعٍ وكل وعيٍ ينسلخ عنه في هذه اللحظات : وإذا كان هالأحد أنتِ؟
بهتت نظراتها وعينيها تتسعان تدريجيًا، بينما غادرها الإستيعاب وهي ترمش بغباءٍ تنظر إلى وجهه وكلماته استقرت حلقةً في أذنها دون أن تصل مركز الإستيعاب في عقلها. لا تعلم ما الذي قصده بالضبط في كلامه، هل يقصد أنه لها حرفيًا؟ أم أنه لا يقوم سوى بالسخرية منها الآن؟ لا يقوم سوى بتعميق الجراح التي استأصلت منها الدماء وتركتها جافةً مُتهدلةً لا تستوعبها سوائل تنقذها من القحط. لم تجد الفترة الكافية حتى تُفكر وتحلل كلماته، لتفهم نبرته أهي سخريةٌ ام حملت بين لهيبها صدقًا! شعرت بذراعيه تحتويانها وهو يهمس في أذنها بصوتٍ عزف في خلاياها نغمةً غامضةً مُبهمة : دامك لي فلا تخافين أكون لأحد


،


وضع هاتفه جانبًا في السيارة بعد أن اتصل بها وأعلمها بوصوله منتظرًا خروجها، أسند وجنته على كفهِ ومرفقه يتكئ على نتوءِ الباب، شرد قليلًا وعقله يُسافر لبضعةِ أيامٍ ذاهبة، حيث لمح تغيرًا بارزًا في نظراتها، في تعاملها الذي يعلن تقبلها إياه مبدئيًا، منذ تلك الليلة وتجنبها له كان يقل تدريجيًا حتى باتت الحياة المؤقتة بينهما ممكنة، لم يكن من الغباء حتى لا يميز علتها واحتياجها لقليلٍ من العطف، وهذا ما كان وما أثمر بتغيرها الطفيف.
رطّب شفتيه بلسانه وهو يغمض عينيه قليلًا، في كل مرةٍ يتجاوز دوامةً ما ليُقذف في أخرى، تتلاعب به الرياح التي انسلخت من النسيم وتحلّت بقوة الريح، لا شيء يمشي كما يتمنى الإنسان في لحظةٍ يحتلّه الضيق/الحزن ولا يتجاوزه، في لحظةٍ تغيب فيها الشمس عنه خلف سُحب الألم، في لحظةٍ ينسلخ منه تكوينه ويصبح هلاميًا لا يعي الثبات. تنهد وهو يُعيد رأسه للخلف ليسنده على مقعد السيارة، وخلال ثوانٍ احتله فيها التفكير السلبي كان هاتفه يرن ليُدرك أن غزل قد خرجت، رفع جسده معتدلًا ليأخذ هاتفه ويرد عليها : طلعتي؟
غزل : ايه، وين سيارتك؟
سلطان يُدير رأسه جانبًا كي يراها : واقف على الطريق الثاني ما حصلت مواقف . . ايوا كاني شفتك لا تتحركين بجيك أنا
فتح باب السيارة لينزل وهاتفه لا يزال مُتعلقًا بأذنه، تحرك مُتجاوزًا السيارات حتى وصل إليها واقفةً ليُغلق هاتفه ويتوقف أمامها. نظرت إليه وارتبكت نظراتها إليه تلقائيًا عبر فتحات النقاب الذي لم تلبسه إلا كُرهًا ورغبةً منه تحت نظام " أخذ وعطاء "، ما الذي جعلها تُجن يومها لتوافق على نظامٍ كريهٍ كهذا؟ . . طردت أفكارها تلك وهي تتجه للنظر إلى هيئتهِ الرجولية الهادئة، لملامحه التي تحمل هدوءً يجعلها تقر بخلو نفسه من أي اعصارٍ ما بعكسها هي تمامًا، أو ربما لا ترى كما يجب!
هتف لها بابتسامةٍ لطيفة : تونستي؟
ارتبك صوتها وهي تشتت حدقتيها قبل أن تهمس بخفوت دون النظر لوجهه : ايه
أمسك بيدها بين كفهِ الدافئة ليبث لها دفًا كذاك الدفءِ في تلك الليلةِ الحزينة، كذات الحنان في ذلك الاستقرار الجميل بينَ أضلاعه. رغمًا عنها كان يجب أن تُخطف لتلك الذكرى وهي التي لم تتذوق الحنان الكافي عن اثارة شفقتها لنفسها، رغمًا عنها كان يجب أن تُقيّد بتعامله الذي شطر نظرتها نحوه نصفين لم يكتملا في انشطارهما، وكل المُنى ان تنشطر كل نظرتي الأولى نحوكَ ولا أراك سوى بياضًا لم يُخالطه بقعةٌ سوداء أو حتى رمادية، لا أريد لصورتك هذه أن تتلاشى من بين جدران عقلي، لا أريد لصورتك أن تنكسر وهي التي لا تزال مبنيةً بزجاجٍ حتى الآن ولم تصبح فولاذية كي تُخلّد كأعظم صورةٍ لرجل.
شدّت على يده دون شعورٍ بدورها ليبتسم وهو يستدير معها قاصدًا العودة للسيارة، لكنّ شاحنةً واحدة تحمّلت بقوةٍ جنونيةٍ متعَمدة كان لها الرأي الآخر في عودتهما.


،


في وقتٍ سابق
هرولت الدقائق بهِ بسرعةٍ كي يجد نفسه أمام البيت الذي سيشتعل فيه الجنون اليوم، ستشتعل فيه الذكريات ويحترق عقله في حين أرآد ابتعادها بأقصى ما يمكن لتجيئه بعنفوانٍ لا تدري أنه قد يسحقها.
لم يرها منذ سنوات، منذ عقد، منذ قرن، منذ ماذا! إن السنين في عينيه كألف عامٍ لا تجري، لم يرها منذ أن جرى على جسده ذنبٌ لامَ ذاته عليْهِ حتى هذه اللحظة، لم يرها منذ وشمَ نفسهُ بختم الدناءة أمام طفلةٍ لم تتجاوز وقتها الخامسة عشرة من عمرها المؤلم، يومها تمنى ألا يراها مجددًا رغم أنه في عمق قلبه يتمنى العكس من ذلك، لكن هاهي تحاول اقتحام حياته بضراوةِ لبوةٍ شرسة، وهاهي بالفعل تقتحم حصون حياتـه وتعود رويدًا رويدًا لمشاركته فيها.
اندفع داخلًا بعد أن فتحت له سُهى الباب ليسألها بملامحَ باهتةٍ فترَت الحياةُ منها : وينها؟
صمتت لثوانٍ طالت وهي لا تُجيد النظر إلى وجهه، عقلها يسبح في الحد بين رمال شاطئٍ وبحرٍ من التفكير بعيدًا عن الحاضر. تكرر سؤاله بصوتٍ أشدّ عمقًا لتنتبه له هذه المرة وترفع رأسها إليه هامسةً بفتور : في المجلس
تأوه وهو يضرب جبينه توترًا، بينما تعلّقت نظراتها به بعينينِ خاويتين وهي تتذكر حديثًا ماضيًا عن الكثير مما تعنيه " نجلاء "، ودون شعورٍ اندفعت عضلة لسانها لتسأله سؤالًا لم يتوقعه جعلت عروقه تجفّ وعقله ينسى الكلمات والرد، جعلته يقع في حفرة الصمت وهو ينظر إليها بصدمةٍ من سؤالها أولًا، ومن ثمّ تحولت نظراته من الصدمة إلى التوتر، إلى معانٍ لم تُرد سهى قراءتها في عينيه الآن ولم ترد لعقلها أن يفهمه، وقع هو في حفرة صمته، ووقعت هي في حفرةٍ أخرى أعمق وهي ترفع كفها إلى صدرها المُضطرب، كانت تحاول قراءة عينيه اللتين غادرهما الإدراك وهو يسبح في أفكاره، لم يعد للكلمات حقٌ كي تأتيه وتمده بالإجابة المقنعةِ لها، لم تعد للأبجديات ترجمةٌ وحباله الصوتية تنقطع كي يتوقف الرد وتنتهي الإجابة في صدره.
انفعلت نظراتها وهي تصرخ بسؤالها ذاته في وجهه بحدة، إلا أن صرختها ماتت بعد أن تصاعد رنين هاتف أدهم في جيب بنطاله الجينز.


،


كان يحترق في مكانهِ وهو يضغط أزرار الهاتف بحثًا عن رقمه، أين يمكن أن تذهب؟ هل فعلتها؟ هل ذهبت إليهِ في حين أنها تجهل الحقيقة الكاملة؟ هل رمت بما يريد عرض الحائط لتتجه إليْه رغمًا عن أنفه؟
عاد ليرفع نظراته إلى هالة وكفيه ترتعشان لشدةِ غيظه، وبصراخ : ليه ما انتبهتوا لها؟
انتفضت هالة بجانبه في السيارة ومن الخلف هديل التي تشابكت أناملها مع بعضها توترًا، لمَ تأتيهم هذه المشاكل من كل حدبٍ وصوب؟ ألن ينتهوا من كل هذه التذبذبات؟ ألن ينتهوا! لكنها لا تنكر من الجهة الأخرى أنها قلقةٌ بشدة على إلين، وكيف لا تقلق عليها وهما كالأختين عاشتا معًا منذ الصغر، بالرغم من كون قلبها كان عاتبًا وقاسيًا عليها في الفترة الأخيرة، من بعد طلاق والديها، إلا أنها لابد من أن تقلق عليها.
فركت أصابع يدها اليُمنى بكفها اليسرى وهي تسمع صوت أمها ينساب قلقًا : وين بتكون راحت؟ أكيد صار لها شيء، مستحيل تختفي بهالطريقة
زمّ عبدالله شفتيه وهو يدرك أن لا أحد غيره قد يضع احتمال خروجها بملءِ إرادتها في عقله، الجميع لا يعلم عن أدهم أو غيره، لذا لن يضعوا خروجها في الإعتبار.
أعاد هاتفه في جيبهِ دون أن يتصل به، ومن ثمّ حرك السيارة التي كانت متوقفةً أمام القاعةِ طوال الوقت، بسرعة وهو لا ينوي حاليًا سوى الذهاب للبيت.
هالة تنظر إليه بقلق : وين رايحين؟
عبدالله بصوتٍ متشنج : وين بعد .. البيت
اتسعت عينا هالة بصدمةٍ في البداية وعقلها لا يستوعب أنه ينوي تركها، ومن ثمّ انخفض جفناها على صفيحةِ عينيها وهي تهمس بحسرة : بتتركها يا عبدالله؟ بعد كل شيء بتتركها؟
صرخ عبدالله بغضب : أنتِ انخرسي! كل شيء من راسك، خروجها بسببك أنتِ بعد كل اللي سويتيه فيها
انعقد حاجباها بألمٍ وكلامه يعبر أذناها مُبهمًا، إلا أنه بحجم ما كان مبهمًا لها كان مُؤلمًا : أنا؟ أنا السبب يا عبدالله! كذا تقولي وأنا اللي حكيت لك عن كل شيء
وبعدين وشو خروجها؟ أنت شقصدك بهالحكي الحين؟ احنا خايفين عليها وأنت من الجهة الثانية تقول خروجها!! لا يكون صار لها شيء بس يا ويلي عليها
زفر بقوةٍ وهو يمسح على ملامحه بكفه مستغفرًا، لم يكن من الحكمة أن ينفعل الآن ويقول ما قال، لكن من أين تأتيهِ الحكمة؟ من أين عساها تأتيه وكل الذي حوله يُدثِّر الحكمة إن لم يكن يدفنها، كل الذي حوله يُنسيه الهدوء، ينسيه نضوج عمره الذي عانق الخمسين، كل الذي حوله ضجيجٌ لا يسكن.
ساد الصمت لدقائق كادت تطُول، قبل أن تفتر شفتاه عن كلماتٍ خرجت بصوتٍ هادئٍ حمل بين طياتهِ حزمًا لا تراجع فيه : بوصلكم للبيت ، وبعدها أنا بعرف وين بلاقيها
انجذبت حواس هالة إلى كلماته لتهتف بقوة : عارف مكانها؟؟
عبدالله بهدوء : أعتقد ايه


،


تركته لدقائق طويلة بعد أن طال بهما الجلوس بصمتهما العقيم، وكأن غيمةَ صمتٍ ظللتهما بعد كل الموجات الصوتيةِ العالية التي كانت بينهما، كان ابتعادها نحو غرفةِ النوم هربًا من نظراته التي درستها ونسخت كل خليةٍ بها، التي أعادت تكوين صورتها في دماغه ليُخزنها أبد الدهر ويُخلخل بها ذاكرته. والمطر حين يهطل بعد جفاف سنين هل يُمحى من الذاكرة؟ كان هذا هو شعوره تجاهها، نصفه الآخر الذي جاء وجزءه الذي التحم به.
أزالت مشابك شعرها بأنامل ترتعش ونظراته تشعر أنها لا تزال تجري على جسدها، توشمها بتملكه لها وبحقيقة أنها زوجته رسميًا، حتى صورتها المنعكسة على صفيحةِ المرآة ما عادت تنتمي إليها، حتى انعكاسها انحلّ عنها وعيناها المضطربتان تجس نبضها المُهتز.
زفرت بقوةٍ وهي تخفض كفيها وتتكئ على التسريحة البيضاء كبياض فستانها، ترمي بكامل ثقلها عليها وعيناها تنحدران نحو أناملها المُتشنجة، صدرها يرتفع بشهيقها الذي عاقهُ التوتر وينخفض بانسيابية. الليلة كل الليالي تجتمع بظلامها فوق صدرها، الليلةُ كل القمر غابَ عنها وليس النصفُ وحسب، الليلة ليلةٌ تمركز بها كل القطبين في برودتهما واشتعلت بصقيعها، الليلةُ دهرٌ يقتلع خلايا دمها البيضاء ليفتك بها كل فيروس.
أغمضت عينيها للحظاتٍ بقوةٍ والهواء الباردُ يعبرها ويتجاوزها بجزيئاتهِ دون أن تغادر برودته مساماتها، وكل رغبةٍ في فتح عينيها غادرتها وكأنها تعلم ما سترى، فتحت عيناها بصعوبةٍ لتصتدم بانعكاس جسده المُسند على إطار الباب في المرآة، ينظر إليها بنظراته ذاتها والتي اختلطت بحرارةٍ ما وكأنه يقرأ خلجاتها عبر عينيها وانحنائها.
رمش بخفة ليعود جفناه لجمودهما ثوانٍ تطول، وكأنه لا يريد أن تغيب لحظةٌ دون أن يتأمل تفاصيلها الصغيرة، ذات التفاصيل المُضطربة والتي كانت قبل دقائق في الخارج، والفرق يكمن في كونها واقفةً الآن.
بلل شفتيه بلسانه قبل أن يعتدل في وقفته دون أن تتحرك حدقتيه عنها، وبهدوءٍ همس وعيناه تجريان على شعرها الذي تحررت منه بضع خُصلاتٍ التفت حول عنقها : تبين مساعدة؟
تضاعف ارتباكها وهي تكسر نظرتها عنه وظهرها لا يزال يواجهه، هيئته المُشعثة أثارت في نفسها رعشةً غلفت كل خلاياها، من شعره الفوضوي بفعل أنامله التي كانت تتخلخله، إلى ثوبه الذي تبرأ من " البشت " الذي كان يرتديه.
لمحته يتحرك نحوها بعد أن غاب صوتها بين أفكارها لترتعش شفتاها بتوتر، وما إن وقف خلفها وأمسك بكتفيها حتى شهقت بخفوتٍ تجتذب ذرات الهواء التي انقطعت عن رئتيها حين هاجمتها رائحة العود العتيق الذي غلفه. عضت شفتها المرتعشة وهي تغمض عينيها بقوةٍ شاعرةً بكفيه اللتين ارتفعتا مارتين بعنقها حتى تخلخل بأناملهِ خصلات شعرها، وبخفةٍ بدأ يُزيل مشابك شعرها وهو يتأمل خصلاتها القاتمة ويغرق بعينيه بينها، لا يهم مدى اضطرابها وتوترها منه، لا يهم ما معنى ارتعاش جسدها بين يديه، على الأقل خفت ضوء نفورها منه في عينيها وتغلب عليها خوف العذراوات وإن كانت أقرت بعكس ذلك، المهم في هذه الليلة أنّ حاجز ابتعادها عنه قد هُدم وهاهو الآن يستشعر دفء بشرتها على يديه، يستشعر ضعفها الأنثوي بين لمساته، يلمح ارتعاش شفتيها من المرآة. لم يكُن يظن يومًا ولا في أجمل أحلامه، أن فتنة الأنثى حين ترتبك بين يدي زوجها بهذا العنف! زمّ شفتيه وهو يتأمل ملامحها المُنخفضة عبر المرآة، وبأنامله مشّط شعرها يتأكد من خلوّه من مشبكِ شعرٍ يستفزه كي يتلمس شعرها أكثر، كي يشتمه ثوانٍ أخرى من هذا القرب ويُحيي دورته الدموية برائحتها. ما إن تأكد من عدم تواجد مشبكٍ آخر حتى اكمل تمشيط شعرها إلى أن وصل لآخره وتحرر من أنامله التي تبث تياراتٍ تدفع بالأدرينالين في جسدها بعنفٍ قاتل، بعنف لا يُترجم سوى بنبضات قلبها التي تتحشرج وتُفقدها التركيز، ثم تراجع مبتعدًا عنها ليبلل شفتيه ويهمس بخفوت : بدلي ملابسك وتوضي عشان نصلي
أومأت دون أن تستدير إليه، ليرمقها بنظرةٍ أخيرة قبل أن يتراجع ويغادر الغرفة.
زفرت بقوةٍ وكأنها تحرر تكدسات ثاني أكسيد الكربون على مدى ساعاتٍ طوال، وكفها اليُمنى ارتفعت الى صدرها المضطرب لترتفع عيناها إلى الأعلى وترمق توتر ملامحها في المرآة من ارتعاش شفتيها لاتهزاز حدقتيها التي يغيب عندها الإدراك، ازدردت ريقها وكفّها الأخرى ترتفع لخصلات شعرها التي تشعر أنه مدّها بشحناتٍ كافية لصعق يدها، لا شيء يمشي كما يجب، لا شيء يعبرها باتزان، حتى مشاعرها التي كان لابد لها من الثبات اهتزّ تكوينها بفعل يديه اللتين تلمستا شعرها!
عضّت شفتها بقوةٍ وهي تقاوم رغبةً عارمةً في البكاء، تقاوم شعورًا يعتريها بالإختناق، تتحشرج روحها ويتقوقع تفكيرها عند نقطةٍ واحدة . . إنها تشعر كما تشعر أي امرأةٍ أخرى مع رجل!!

.

.

.

انــتــهــى

طبعًا طول البارت مناسب لبارتين في الأسبوع
المواعيد راح تكون كل أحد وأربعاء بإذن الله :$$*


وفضلًا لا أمرًا أبي أشوف تعليقات وكل اللي خلف الكواليس يطلعون من مخباهم
إذا من حقكم أكتب فأنا من حقي تعلقون :## واشتقنا والله اشتقنا ()
الحمدلله على رجوع الرواية مع الروايات المفتوحة.


وهذي صفحاتي بالسوشيال ميديا للي يسأل.
__Twitter, periscope: @2aid
_Ask.fm: @Kaid
Snapchat: @Hind-180
Sayatme: @2ai7
Instagram: @i__khind
__Kik: @Qind

ودمتم بخير / كَيــدْ !




bluemay 01-06-15 02:39 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
رائعة سلمت يداك ..

سيف يغيظني بشدة وديما اكره فيها ضعفها تجاهه .
ولكن هل يعني ما قاله أم انه يسخر منها ؟!


إلين أتخذت خطوة خطيرة فكيف ستكون ردة الفعل عليها من الجميع ؟!
عبدالله ماذا سيفعل عندما يجدها عند أدهم ؟!


جيهان وصلت مرحلة اليأس والقنوط والعياذ بالله .
فواز أيض في الطريق نحوها على ما يبدو .


أسيل ستتمكن من الخروج من قوقعتها التي كبلت نفسها بها وهاهي بدأت فعلا باﻷحساس بما حولها .


أبدعتي كما عادتك في تصوير المشاهد التي تضح بشتى المشاعر واﻷنفعالات
أستمتع كثيرا بتشبيهاتك الفريدة والتي تدل على الذائقة اﻷدبية التي تتمتعين بها.


متشوقة جدا للبارت القادم

دمت في رعاية الله وحفظه

لك مني خالص الود


°•○اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي○•°

فتاة طيبة 01-06-15 11:36 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
عزيزتي كيد فعلا روايتك جميييلة جدا تصويرك لعمق المشاعر الانسانية قوي جدا ويصل لحد الابداع ... ولكن ......وضعي تحتها عشرة خطوط قلة الحوارات لديك تضيع القاريء حقا الحوار في روايتك قصييير جدا ... جميل أن ندمج بين تصوير مشاعر المتكلم عن نفسه لكن لابد من حوار حتى تكتمل جمالها ...
الين واسيل وجيهان ثلاث نماذج كرييييييييهة لابعد حد ادعاء المظلومية وتصوير بؤسهم وكأن الحياة توقفت عند مآسيهم إن كنا نسميها مآسي حقا أتمنى يكون في ختام الرواية توضيح خطأ هذه النماذج لأنها في الواقع لايمكن أن تحتمل أبدا أبدا ورأيت في حياتي نماذج من هؤلاء من يضخمون مشاكلهم لدرجة تصبح مركز الكون ويريدون كل من حولهم يكونون حزانى لحالهم وتتوقف حياتهم لاجلهم هذه النماذج هي أشد النماذج أنانية لايمكن أن تعطي مطلقا حقا أتمنى أن يترك فواز جيهان لأنه في الواقع مامن رجل يحتمل إمرأة مثلها هذا في الخيال فقط .
عبدالله ايضا شخص عجيب مستعد أن يضحي بعشرة السنين الطويلة مع زوجة كانت نعم الزوجة من أجل الين التي جحدت كل مافعلته لها هالة ووضعت خطأها ممحاة لكل حسنات ام ربتها وتعبت عليها .
حقيقة كيد وضعت نماذج هي موجودة في الحياة وتستفزني جدا من لايرى نعم الله تترا عليه هو شخص احمق لاتلبث الحياة أن تطأه بحافرها وتمضي قدما ويضل هذا الأحمق يبكي سراب خيبته وحمقه .

كَيــدْ 02-06-15 08:38 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 







اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة bluemay (المشاركة 3537337)
رائعة سلمت يداك ..

سيف يغيظني بشدة وديما اكره فيها ضعفها تجاهه .
ولكن هل يعني ما قاله أم انه يسخر منها ؟!


إلين أتخذت خطوة خطيرة فكيف ستكون ردة الفعل عليها من الجميع ؟!
عبدالله ماذا سيفعل عندما يجدها عند أدهم ؟!


جيهان وصلت مرحلة اليأس والقنوط والعياذ بالله .
فواز أيض في الطريق نحوها على ما يبدو .


أسيل ستتمكن من الخروج من قوقعتها التي كبلت نفسها بها وهاهي بدأت فعلا باﻷحساس بما حولها .


أبدعتي كما عادتك في تصوير المشاهد التي تضح بشتى المشاعر واﻷنفعالات
أستمتع كثيرا بتشبيهاتك الفريدة والتي تدل على الذائقة اﻷدبية التي تتمتعين بها.


متشوقة جدا للبارت القادم

دمت في رعاية الله وحفظه

لك مني خالص الود


°•○اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي○•°


يسلملي قلبك ()
طبعًا أكيد هو يقصد كلامه وما يسخر، لو كان يسخر بتكون سخريته واضحة وماهي مبهمة لها.

طبعًا أول تعليق على الرواية منك وحبيته :$ شكرًا لتواجدك
وتسلملي عيونِك الحلوين على هالنظرة المشرفة لي ()

دمتِ بخير :$







كَيــدْ 02-06-15 08:51 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 






اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتاة طيبة (المشاركة 3537477)
عزيزتي كيد فعلا روايتك جميييلة جدا تصويرك لعمق المشاعر الانسانية قوي جدا ويصل لحد الابداع ... ولكن ......وضعي تحتها عشرة خطوط قلة الحوارات لديك تضيع القاريء حقا الحوار في روايتك قصييير جدا ... جميل أن ندمج بين تصوير مشاعر المتكلم عن نفسه لكن لابد من حوار حتى تكتمل جمالها ...
الين واسيل وجيهان ثلاث نماذج كرييييييييهة لابعد حد ادعاء المظلومية وتصوير بؤسهم وكأن الحياة توقفت عند مآسيهم إن كنا نسميها مآسي حقا أتمنى يكون في ختام الرواية توضيح خطأ هذه النماذج لأنها في الواقع لايمكن أن تحتمل أبدا أبدا ورأيت في حياتي نماذج من هؤلاء من يضخمون مشاكلهم لدرجة تصبح مركز الكون ويريدون كل من حولهم يكونون حزانى لحالهم وتتوقف حياتهم لاجلهم هذه النماذج هي أشد النماذج أنانية لايمكن أن تعطي مطلقا حقا أتمنى أن يترك فواز جيهان لأنه في الواقع مامن رجل يحتمل إمرأة مثلها هذا في الخيال فقط .
عبدالله ايضا شخص عجيب مستعد أن يضحي بعشرة السنين الطويلة مع زوجة كانت نعم الزوجة من أجل الين التي جحدت كل مافعلته لها هالة ووضعت خطأها ممحاة لكل حسنات ام ربتها وتعبت عليها .
حقيقة كيد وضعت نماذج هي موجودة في الحياة وتستفزني جدا من لايرى نعم الله تترا عليه هو شخص احمق لاتلبث الحياة أن تطأه بحافرها وتمضي قدما ويضل هذا الأحمق يبكي سراب خيبته وحمقه .


شكرًا لقلبِك ، عيونك الجميلة يا بعدي
بالنسبة لملاحظتك ، كثير تجيني تعليقات بخصوص هالنقطة، وأنا فعلًا أحاول أكثّف الحوارات بس ما ألاقي نفسي الا منغمسة في السرد أكثر
وسبق وقلت أنا أكتب بأسلوبي وبكامل عفويتي ما أقدر أكتب بأسلوب ماهو أسلوبي ... بس برضو قاعدة أحاول، وإن شاء الله بكثّف الحوارات بالبارتز الجايـة ولو ان هالنقطة تعتمد على الذائقة فقط.
أنتِ ممكن تشوفين كثافة السرد وقلة الحوارات مملة بس فيه العكس واللي عاجبهم. بس أرجع وأقول بحاول اكثف حوارات بدون لا أقلل السرد.
،
طبعًا هذي نتيجة الإستسلام للمشاكل، ممكن إلين وجيهان لأنّهم توهم في طور الصدمات لذلك صعب يخرجون منها مباشرة، كل شخص يطلع من صدماته بوقت تحكمه طبيعة شخصيته
أسيل طوّلت وبالغت لكن هذي شخصيتها وتكوينها ، وممكن بعدين تحس بغلطها ونفس الشيء عند جيهان وإلين.

بالنسبة لعبدالله ، هو مستحيل يرمي بعشرة سنين عشان شيء وإن كان مو تافه إلا أنه ما يخلي مسألة الطلاق سخيفة!
هو لو كان يهون عليه رمي العشرة ما كان بيرجّع هالة بنفس اليوم اللي طلقها فيه ، كان بيتركها كذا يوم وممكن كذا اسبوع بس هو مباشرة رجّعها وهذا يدل إنّ الطلاق جاء بلحظة غضب وكثير تصير في الواقع.

طبعًا أنا أحاول بقد ما أقدر أخلّي الشخصيات محاكية للواقع وأحاول اعرض مشاكل واقيعة وأعالجها بشكل معقول لذلك كل الحلول تجي بالبطيئ لأن العقدة نفسها صعبة :""


يا هلا فيك ()




طُعُوْن 02-06-15 01:26 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اول شيء ابدأ بسيف.. يرفع الضغط يختي..
والمسكينه ديما من كثر ماهي متشفقة على كلمة حلوة منه ماعاد هي تصدق لو قالها مسخره او انه صدق يعنيها.. بس الصدق خلاص جا الوقت
اللي تقوي نفسها فيه.. بالذات لو عرف انها حامل.. بتكون صفعة له تساوي ظلمه واستعباده لها 3 سنين.. بتكون وقتها اعلنت التمرد بحق وحقيقة..

.
.

جيهان.. البنت ذي ما اطيقها.. يعني مو كفاية قرفتنا بسالفتها.. بدال ما تستفسر عن اللي صار ولا تقعد تحلل من عقلها وتفسر على كيفها تقوم تسحب فواز معها عالطريق نفسه.. لا وتقول ايش انت تدري اني اخاف من السرعه وتعاندني ووووووووووووووع<< حوّمت تسبدي

.
.

وانت يا الأبله وش صار فيك.. واذا فارقتها وش صار.. يعني مو من حلات ايامكم مع بعض عشان شوي وتبكي عليها.. صدق لا قالوا الطيور على اشكالها تقع.. يعني الصدق كانت عاجبتني شخصية فواز.. بس البارت ذا رفع ضغطي.. خير وش فيه..؟

.
.

إلين او نجلاء.. ايًا كانت.. ام اسمين ذي.. الحين وش سالفتها هي وامها..؟ وليش انقلب وجه سهى يوم عرفت؟؟ وليه مضخمين الموضوع لهالدرجة؟؟
و سهى ايش سألت ادهم وانصدم؟؟
.
.

عبدالله.. الحين وش ذنب هاله صدق.. يعني وحده حظرت زواج.. بالله بيخطر على بال اي احد انها بتهرب بفستانها وعفشها..

.
.
سلطان وغزل.. اتوقع انو احمد حاقد على غزل عشانها ماجابت له الأوراق اللي يبيها.. عاد هو بايع ضميره يعني ما رح يهتم من الأساس.. او انهم الناس اللي قتلوا ابوه.. مع اني اتوقع انو احمد..

.
.

نجي آخر شيء للعرسان.. الحين ادهم بس جلس يتمقل في اسيل..؟ انا توقعت يعطيها كم كلمة في العظم عشان كلامها معه في الجوال..
المهم انو الشيطان ترك اسيل وتمسك في فواز😂👊

وارجع اقولك انا مفتونه بالسرد.. باخذ عندك كورسات مالي شغل👌🙊

.
.

كان عندي كلام وش كثره بس يوم بدأت اكتب طار😁✋

لست أدرى 02-06-15 09:51 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
السلام عليكم كدو ... حمدا لله على سلامتك ياقمر .. وعسى ابليتى جيدا فى امتحاناتك


نيجى للبارت .. أول تعليق لى انه ماظهر حاجه تانى عن تميم والملثم اللى راح لسند ش مجرد بس الشخصيات الرئيسية اللى اتعودنا عليها .. عايزين الجديد يا حلوة

برجوعى للبارت اللى فات لقيت توقع تانى عن موضوع الرسايل اللى بتيجى لسلطان ... حاسة انه تميم ليه علاقة بالموضوع .. ازاى ؟؟ ماعرفش ... بس هو كان فاتح الملاحظات عايز يكتب حاجه وبيفكر اكتب ايه المرة دى !!! وكمان بيقول انه لسه مابدأش يستمتع اوى بالموضوع !!! يعنى حاسة انه فيه حد استخدم تميم عشان يرسل لسلطان رسايل يشتت بيها ذهنه ربما عشان يبتعد عن تفكيره فى المجرم الحقيقى .. واللى اعتقده كمان انه تميم نفسه مش عارف هو بيعمل كده ليه ؟؟ وزى ماقلت قبل كده انه بيستخدم برنامج بيظهر ارقام مش حقيقية على انها من اماكن مختلفة فى العالم وهى فى اصلها كلها من رقم واحد ومكان واحد .

مين تانى ... بالنسبالى مافيش جديد بين غزل وسلطان .. منتظرة انقضاء الفترة الوردية ورجوعنا للكوارث تانى بعد انكشاف الحقائق .. لا اخفيك علما انه ده الثنائى المفضل عندى واللى ممكن اقرأ البارت كله بسرعة إلا الجزئية الخاصة بيهم لازم اتمعن فيها وفى كل كلمة وهمسة ولمسة .

نيجى للثنائى المتزوج حديثا .. شاهين واسيل .. انا حابة شخصية شاهين ، بس مش طايقة اسيل واسلوبها الحقير والدلوع ده .. اتمنى شاهين يربيها ويعرفها ان الله حق .


جيهان وفواز .. مازلت مش بحب الثنائى ده .. على قد مابشوف جيهان أنانية ونظرتها ضيقة وكنت شايفة انها الطرف الجانى فى العلاقة دى .. الا انى فى الموقف الاخير كنت هتجنن من فواز وكنت حاسة انى لو مكانها كان ممكن اقتله او اولع فيه !!! يا سلام ياخويا .. حبكت يعنى الانفعالات تاخدك دلوقتى ؟؟ مانت عايش فى الغم ده طول الوقت ايه الجديد يعنى !!! لا واللى يفقع المرارة انه كان بيفكر فى خوفه من فقدانها ... اديك كنت هتقتلها يا فالح !!!


صحيح يا حلوة .. ازاى مافيش اخبار عن ابو فارس ... لحد دلوقتى ماعرفناش ايه اللى حصله وايه المضاعفات اللى حصلت فى العمليه ؟؟ وجنان نفسها حصلها ايه ؟؟


مين تانى ... آآآه إلين وأدهم وسهى ... هموت واعرف ايه السؤال اللى سهى سألته لأدهم ده ؟؟؟ وكل ده سايبة البنت ملطوعة فى المجلس لوحدها ياختى ؟؟؟ شكلها مش هتلحق تتكلم معاه وهتلاقى عبدالله جاى يشدها من شعرها !!! ربنا يستر


نسيت حد ؟؟؟ مش فاكرة دلوقتى

يلا حمدا لله على السلامة تانى مرة ... واكيد لو افتكرت حاجه هرجعلك يا قمر


سلامات

كَيــدْ 03-06-15 03:03 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 








السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ؛ صباحكم خير بإذن الله
الجزء الثالث والثلاثون راح يكون عندكم خلال ساعة بإذن الله
وبعد ما أنزّله بحاول أرجع للتعليقات السابقة مباشرة أو بوقت ثاني من اليوم :$


انتظروني



كَيــدْ 03-06-15 03:52 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 





سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الله
كيفكم؟ عساكم بألف خير وصحة وسلامة



أولًا مبروك لكل شخص بيخلّص اليوم امتحاناته وهذي هدية منّي لكم ، عساكُم تنبسطون بالدرجات الزينة والمعدل المرتفع :$
إضافةً لكُون البارت إهداء للي مخلصين اليوم فهو أيضًا إهداء لإحدى المتابعات وهي " lllo0o0olllo0o0o "

طبعًا راح أذكر سبب الإهداء نهاية البارت بإذن الله :$


بسم الله نبدأ على بركته
قيود بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !


لا تلهيكم عن العبادات




(33)



تصاعد رنينُ الهاتف في جيبه، ليقطع كل الإنفعال الذي تحمّل في صوتِ سهى والنظرة المبهمة التي كانت عليه، قد جاءهُ هذا الإتصال لينقذه من سؤالٍ لا يعلم كيف عساه يجيب عليه، كيف عساه يمتلك الجرأة ليجيب، بل كيف علمت حتى تسأل؟!!
ابتعد عنها بسرعةٍ بينما بقيت تلاحقهُ بنظراتها التي غلفها الحُزن والأسى، لمَ لم يتغير شيءٌ حتى الآن؟ لمَ لم يتغير شيء؟ الأمر كما هو، تقوقعت هذه الأحداث منذ الماضي لتتكون بصورةٍ أشد الآن، ما الذي فعلته يا أدهم؟ ماهذه الخطيئة التي اقترفتها وسمحت لرائحتها أن تفوح منك؟ ما الذي أقدمت عليه والذي لم تتجاوزه حتى هذه اللحظة؟ تدرك جيدًا أنك أجرمت في حقها قبل نفسك، فكيف استطعت ذلك!
صعد بخطواتٍ واسعةٍ عتبات الدرج، لا ينوي سوى الذهاب لغرفته، نسي إلين ونسي مكوثها هناك تنتظره، نسي كل شيء ومكث عند سؤال سهى له، ذاك السؤال الذي هو ذاته لا يدرك كامل جوابه، ولا يدرك تعليل الجواب، لا يدرك أي شيءٍ يتعلق بالمنطق، لا يدرك سوى شيءٍ واحد لا يريد الإعتراف به الآن، لا يريد التحدث عنه، لا يريد أن يخوض فيهِ ويكفي محاولة عقله لذلك، يا الله! ما الذي يعيشه؟ ماهذا الذي يعيشه وهو الذي انحصرت طاقته في الكامنة وكل الذي من المفترض عليه عيشهُ هو السكون، كل الذي من المفترض عليه خوضهُ لا يتجاوز تلك الطاقة الساكنة فهل حان وقت تحوّلها إلى شكلٍ آخر؟ إن الطاقة لا تُفني لكنّها تتحول من شكلٍ لآخر، فمتى ستتحوّل طاقته الكامنة إلى الحركية؟ ليت الطاقة تفنى لكان الفناءُ يعني موته والراحة، لكان فناؤه يعني الإنتهاء من كل الصومعةِ التي يعيشها والتي تغتاله.
عضّ شفتهُ بقوةٍ وهو يُسرع في خطاه، لا شيء سينقذه مما هو فيه سواه، لا الرياض ولا سهى ولا إلين ولا أحد . . قادمٌ إليكِ يا باريس لتُضمدي لي جراحي فالرياض ترشّ ملحها فوقي وتحرقني، قادمٌ إليكِ جريحًا نازفًا فانقذيني من الموت الذي أهوي فيه.
دخل غرفته ليغلق الباب من خلفه ويتكئ عليْه بظهره وهو يغمض عينيه ويسافر بروحه نحو حياةٍ أخرى لا الموت فيها ولا الحياة، لا الحواس تسكنه فيها حتى غفلت أذناه عن رنين الهاتف الذي لم يتوقف وكل شيءٍ بات كامنًا كما كان الأحرى أن يكون هو على ذلك، يشعر بهواءٍ يعبر صدره الفارغ حتى كاد يجزم أنه يسمع عبور الهواء في فراغ صدره. إلهي! كل ذلك من سؤال؟ كل الذي يلفظني الآن لسؤالٍ نسيت صيغته كما الجواب؟ ألم أترك الماضي ورائي وتحليت بالبلادةِ والجمود؟ ألم أترك كل شيءٍ خلفي وانتهى الماضي خلف - كان -؟ كان يجب على يكُون وسيكون القمع في صدري ومن صوتي فما الذي أستحضرهما الآن؟ لمَ جئتِ؟ لمَ جئتِ لتستثيري كل هذا؟ لمَ جئتِ؟ ألم تدركي أنّ الكوكب حين يصبح في أقصى المجموعةِ الشمسية لا تصله الشمس؟ إذن كيفَ أشرقتِ على أرضي المظلمة؟ كيف نثرتِ ضوئكِ في كل زاويةٍ ولم تنالي مركز ذلك الكوكب الذي ينبعث الظلام منه؟ . . . لـمَ جئتِ؟ حتى يتغلف هذا الوجعُ في صدري ويسكنُ جوفي الآه!
رفع كفه اليُمنى ليمسح بها ملامحه التي شحبت الحياة منها، وعيناه شيءٌ آخر انتفض فيها ضريحٌ تصدع حين استنزفته الدموع الحائرةُ بين زوايا عينيْه دون أن تسقط، وكيف تسقط؟ وكل الذي يسقط يذهب/ينتهي، لذا الدموع لا تسقط حين يُرتجى سقوطها، حتى تُخلد حُرقتها في صورةِ غصّةٍ تقتنص بلعومه.
فتح عينيه أخيرًا وصوتُ الرنين الذي يثبت إصرار صاحبه على الرد يلتهم تفكيره ليستجيب فقط، اخفض كفهُ اليُمنى ليتناول هاتفه من جيبهِ وينظر للرقم للحظات بنظراتٍ خاوية . . . عبدالله.


،


خطت بخطواتٍ واسعة نحو غرفة النوم، وهو من خلفها أغلق باب الجناح ليدخل بصمتٍ دون أن تبتعد عيناه عنها لثوانٍ قبل أن تختفي هي عنه وليست عينيه عنها، لتنجلي عنه بعينيها الحمراوتين إثر البكاء دون أن تنزع نقابها، يدرك جيدًا ما يعانيه وجهها الآن أيضًا من البكاء بعد ما حدث في السيارةِ ورعبها ذاك، وهو من الجهة الأخرى لا يزال يعاتب نفسه على انجرافِ أعصابهِ نحو الهاوية، على فقدانه السيطرة على ذاته حين تقوقع في ذكرى ستدمره وهي معًا، كل شيءٍ حدث في غمضة عينٍ ليُنتشل كل شيء من بين يديه، يريد القول " حمدًا لله على كل حال "، لكنّ كل ما يشعر بهِ وكل الاختناق الذي يواتيه يخنق عنده الكلمات ويُميتها في حنجرته، يقطع حبالهُ الصوتية وينسيه الحمد والرضا. تقدم بخطواتٍ خائرةِ التركيز حتى وصل إلى إحدى أرائكِ الصالةِ ليجلس بصدرٍ غلفه الإرهاق، بعينين أرهقهما أرق الليالي التي كان ينام فيها بجانبها وهو يفكر، ماذا سيفعل بعد الذي حدث؟ بعد زواجه!!

في الداخل.
استلقت على جانبها فوق السرير وعباءتها لازالت تغلفها بسوادها الذي يوازي سواد أفكارها المغلفة لدماغها الذي وهن من شدةِ التفكير، من شدةِ ما تزاوله من أفكار لا تُضاعف الا إرهاقه، ما الذي يحدث له؟ لمَ تغيّر؟ لمَ انسحب عن شاطئي فجأةً ورسم بين عينيه الجمود؟ ألم تدرك أنني عليك أتكِئ وإن أظهرت جزعي بك؟ ألم تدرك أنني منك أستمد القليل من إرادةِ الحياة فلولا قربك لهلكت، والله لهلكت! خذلتني مرةً فلا تخذلني مرةً أخرى وتمحو البقية الباقية من صورتك في ذاكرتي، لا تتغير! أرجوك لا تتغير!


،


حين اقتربت الساعة من الثالثةِ والربعِ صباحًا خرجت من الحمام وهي ترتدي قميصًا حريريًا أبيض ومن فوقه روبٌ بنفس اللون، أحكمت ربط رباطه وهي تمشي بتوترٍ وبطءٍ وكأن الأرض تطوي سطحها وتُعيدها مجعدةً يصعب المشي فوقها، كأنّ كل شيءٍ حولها ينسلخ من طبيعته ويتحلى بمكنونيةٍ أخرى، حتى الأكسجين ما عاد أكسجينًا بين جدران هذا المكان الذي يطِئُ على صدرها ويجثم على أنفاسها، حتى الأكسجين بات يخنقها وكأنها لا تتنفسه بل تتنفس ثاني أوكسيد الكربون وتطلقهُ هو محملًا بودائع رئتيها اللتين تمزقتا همًا ووهنًا ووجعًا.
خطت حتى وصلت لمنتصف الغرفة الواسعةِ لتقف، أين هو؟ هل هو في الخارج؟ أم نام دون أن يشعر! ... وبالرغم من هذا الإحتمال الضئيل إلا أن عقلها حاول إقناعها حين تمنت ذلك، فهي غير مستعدةٍ لتقبل شيءٍ حتى الآن، غير مستعدةٍ وكل اقترابٍ منه يجرحها في قلبها بنصلٍ حادٍ قبل أن يؤثرَ بها، لا ذنب لها يا الله! كل ذلك ليس بيدها، لا الرفض ولا شعورها بالألم حين تكون معه، هي لا ترفضه هو وكم تؤمن بأنه رجلٌ ليس ككل الرجال، لكن الموضوع برمته فوق طاقتها، فوق طاقةِ تحملها.
أكملت طريقها بخطواتٍ مهتزة، تتمنى بإرادةٍ طفولية أن يكون نائمًا، أن تخرج للصالةِ وتراه مستلقيًا على إحدى أرائكها مغمضَ العينين يغيب بعقلهِ عن هذا العالمِ الذي يسرق الضحكات ويلكمها بقبضةِ البُكاءْ.
وصلت أخيرًا لباب الغرفة لتبحث بحدقتيها عنه في أرائك الصالة، إلا أنها لم تجده، توترت وهي تشتت حدقتيها هنا وهناك وكأنّ السكون يلفظ نفسه عنها، حتى استقرت بعينيها على جسدهِ الجالس فوق سجادةٍ فرشها على الأرض وبين كفيه مصحفٌ يتلو منه. ازدردت ريقها وهي تُميل بجسدها النحيل تتكئ بكتفِها الأيمن على إطار الباب، وعينيها تنظران إليه ببريقٍ خفت وهاجمه الإجفال، لا بأس، ليس هنالك ما يُقلق، كثيرًا ما تتزوج الفتيات زواجًا تحت الإكراه وتعِشن، لن تموت، لن يحدث شيءٌ عند هذا الإنحدار الفكري للقاعِ وكأن الدنيا سلبت الحياة منها، هي من وافق في النهاية وإن كان تحت ضغطٍ غيرِ ظاهري، هي من ربطت حياتها بهِ حين وافقت في لحظةِ ضعف، هو زوجها الآن ومن حقهِ احترام ذلك، لن تموت اذا احترمت هذا المُسمى، لن تموت إذا حاولت توقيف ذاكرتها عن فرزِ اسمٍ آخر وصورةٍ أخرى . . وصوته! ذاك الذي قال لها لا تخونيني، ذاك الذي ناجاها مرةً أن ما تفعله خطأٌ لا يُغتفر، وأن ما تمشي إليه طريقٌ مليئٌ بالتعثرات التي لا يتبعها نهوض، لا يتبعها عودةٌ للخلف، أن ما تفعله معصيةٌ لن تستطيع التكفير عنها، تحاول بكل جهدٍ أن تُخرج هذا الصوت خارج جدران ذاكرتها، ستتقدم، وستحاول، فشاهين يستحق، نعم يستحق.
تصلبت في مكانها وقدميها تنسيان التحرك، بقيت تنظر إليْه مطولًا حتى بعد أن استدار إليها وبقي يُشاركها في النظر، ليس وقت الضعف والتردد الآن، تحركِ، تحركِ.
تعلقت نظراته الصامتة بها، يمسحها بعينيه ونظرةٌ تغلفت بمشاعر عديدةٍ كان يوجهها إليها كسهامٍ تقتلها، لا تنظر إلي هكذا، لا تنظر إليّ بتلك العينين ... أغمضت عينيها بقوةٍ وصدرها يتمزق بذنب، ليست غبيةً لتجهل معنى نظراته وإن حاول مراتٍ تغليفها بالجمود، ومن حقهِ أن يقسو بعد الذي جاءهُ منها، من حقهِ أن يجزع في وجهها بعد الذي كان والذي لازال يعتريها حتى الآن.
تغلغل سمعها صوتُه الذي عبر الهواء بنبرةٍ هادئةٍ تتضادُ مع الذي في صدرهِ وصدرها : ما حبيت أفرش السجادة في الغرفة قلت أعطيك راحتك لذلك فرشتها بالصالة
فتحت عينيها ببطءٍ وصوتهُ يعبرها كلحنٍ يبعث الأمان بعد كل شيء، كلحنِ قيثارةٍ سكنَت نبرتها فيها ولن تتغير لتغير عازفها أو ما يُحيطها. صمتت للحظاتٍ وهي تنظر إليهِ قبل أن تفتر شفتيها عن كلماتٍ خافتةٍ متوترة : مشكور
انخفض جفناه ما إن سمع نبرتها الخافتة وكلمة الشُكر المنبعثة من بين شفتيها المُتوترتين، وقف بهدوء والمصحف بكفه، وما إن تحرك حتى تشنجت قدماها وفغرت شفتيها تنظر إليه باضطرابٍ يغلف عمودها الفقري ليرتعش كامل جسدها، ليسكنها الاهتزاز ويتضاعف التوتر مراتٍ في عينيها اللتين ينحصر فيهما النظر نحو الأرض فقط ... لم تنظر إليه حين وضع المصحف على الطاولة، ولم ترى نظراته المفتونةِ بها، لم ترى البريق الذي يزاول عينيه بعفويةٍ ليظهر بكامل إرادته ما إن تتجاوزه عيناها وتتجهان لكل شيءٍ عداه، اقترب منها بخطواتٍ متوازنة وهو يلحظ تشنجها الذي ارتبط بعذراءٍ ولم يتعلق بالنفور، إلهي ما الذي يصيبه! ما الذي تفعله به؟ ما الذي تقدم على فعلهِ بمركزهِ الذي يهتز منها ولها وإليها! إنها كزهرةٍ توخزه بأشواكها، لكنها قبل كل شيءٍ تفتن عيناه ببهائها، وكيف لا تفتنه زهرة اللوتس وهي الجمال الذي ينحدر إلى عيناه ضياءً لا يخفت، نارًا لا تخمد، لوحةً لا تهترئُ زواياها أنتِ، لا يبهت لونها ولا تُبلى، أنتِ الألوان التي رسمَتها فرشاتي وكوّنتُها لوحةً لا يبهت جمالها، لوحةٌ وشمتُها بتوقيعي لذا أنتِ ملكي، وستبقيْن ملكي!
وقف أمامها مباشرةً ليرفع كفّه اليُمنى ويلامس بأنامله ذقنها حتى يرفع ملامحها إليه ويُغرق عيناه بموجها الذي لن ينحصر عن شاطئه، موجها المُحمّل بأصدافِ الفتنة، بصوتِ الحيتان الغارقة بين جزيئاتها بجمالٍ يحصر الطبيعةَ بين حناياه من صوتٍ إلى رؤيا، وكيف لا تكونين جمالًا وأنتِ زهرةٌ مائيةٌ ينحصر عنها القُبح ويتكاثر فيها الفتنة! وأنتِ " لوتس " جمعت عبير الأزهار في عبيرها.
همس لها وهو يتأمل عينيها اللتين ارتفعتا إليْه بضياع : لا عاد تقولين مشكور! ما بين الورد والندى شُكر.
ابتلعت ريقها وهي تشعر أنها تبتلع شيئًا حارًا حارقًا كالحمض يجري في عروقها ويصهرها، شعرت بهِ يرفع كفّه اليُمنى ليُريحها على رأسها، وبصوتٍ خافتٍ ذكر اسم الله ثمّ بدأ يردد دعاءً اتباعًا لسنة رسول الله " اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه"
أنهى الدعاءَ ليخفض كفه ويمسح بهِ على وجنتها، وبهمسٍ وهو يتأمل ملامحها التي يضطرب فيها السكُون ويُلفَظْ : البسي جلالك وخلينا نصلي لنا ركعتين
أومأت بهدوءٍ وهي تنسحب للخلف نحو الغرفة حتى تأخذ رداء الصلاة من حقيبة ملابسها.


،


في وقتٍ سابق
اتساع زوجين من الأعين، توقف قلبها للحظةٍ وهي ترى ما حدث بأمّ عينيها بينما كان الموقف بأكملهِ يُحاكُ من خلف ظهر سلطان الذي يواجهها بجسده، توقف الزمن للحظةٍ عندها وسلطان يستدير بسرعةٍ ليرى تلك السيارة الهوجاء التي اصتدمت بسيارته بقوةٍ وبراعةٍ تاركةً لها تتقلب دون أن يصاب سائق الشاحنة بأذى.
كل شيءٍ مضى أمام عينيْه سريعًا وكأنّ ومضةً سطَعت ومرّت واختفت! لكنه لم يكن من عديمي الإدراك حتى يبقى متطلعًا بسيارته دون أن ينظر للسيارة الأخرى قبل أن تختفي من ناظريه وينسخ رقمها في عقله.
استدار بسرعةٍ نحو غزل التي تشنجت يدها بين كفهِ الضخمة، وصوتها غابَ كليًا خلف صدمتها، إنه هو! هو! لا أحد سواه قد يفعل ذلك، لا أحد غيْره قد يتغلف بجنونٍ كافٍ لقتل شخصٍ آخر، هل وصل بهِ الأمر إلى هذا! هل وصل به الأمر لـ.. لتعريضها للخطر!!
اتسعت عيناها بشدةٍ عند تلك النقطة، وجفّ ريقها وقلبها يتمزق بين أضلعها، كان يريد قتلها! كان ينوي قتلها مع سلطان دونما تردد، ألذاك الحد وصلت عدم مبالاته بها؟ ألتلك الدرجة هي لا تعنيه بشيء!!
ارتعشت خلاياها لتعضّ شفتيها وهي تشعر بالدنيا تزيغ أمام عينيها، لمَ هذه الصدمة الآن؟ ألَم تكفِها الحياةُ عن الصدماتِ وباتت ضدًا لها؟ ألم تتشبع بها حتى بات كل شيء عندها لا يثير صدمتها؟ حتى بات كل شيءٍ - لا شيء -!
لمَ هاجمها الحزن إذن الآن؟ لمَ تشعر أن قلبها تمزق حين أدركت ما أدركته؟ وكأنّ جزءً منها كان يتطلع لشيءٍ ما تدرك جيدًا أنه لن يجيء، فلمَ تتطلع إليه بعد كل شيء؟ هل تنتظر تغيّر معاملة والدها وهي التي تدرك جيدًا أن القدر وشم اسميهما في قائمةِ الأقطاب المختلفة، تدرك أن كل ما بينهما لن يكون أكثر من مجرد نفورٍ فلمَ لازالت تتأمل؟؟
شدّت على معدتها بإحدى ذراعيها بقوةٍ وهي تشعر أن جسدها يرتعش بعنفٍ ينفض عنه السكون والإدراك، يرتعش وهوةٌ سحيقة تلتهمها ولا تدرك إلى أيّ مصيرٍ ستؤول إليْه، كل الجدران التي تُلفظ بين حناياها تُطبق على صدرها الذي تنقبض في داخله أضلعها حتى رئتيها نسيتا العمل الصحيح لتتنفس.
شعرت بكفّ سلطان الدافئة تشدّ على كفها بقوةٍ لتنتقل دفء يدهِ عبر مساماتها إلى جسدها مُحركًا بهِ جزيئات ثاني أوكسيد الكربون لتنطلق مبتعدةً عن رئتيها ويدخل عوضًا عنها الأكسجين، شهقت بقوةٍ ما إن داهمها الإدراك لتنتفض انتفاضةً أعادت استيعابها إلى عقلها حتى ينفجر كل ذلك الرعب والذعر في صورةِ بكاء.
أجفل سلطان قليلًا عند انفجارها ذاك، وعيناها التي ظلت مصدومتان قبل لحظاتٍ ذرفتا دمعًا حتى وإن كان قد أوجع قلبه إلا أنه أراحه أكثر من تجمّدها قبل ثوانٍ. شدّ بقوةٍ على كفِها وهو يهمس لها محاولًا طمأنتها : اهدي خلاص ماصار لنا شيء، هي سيارة وراحت ما عليه أهم شيء احنا بخير
شدّت بيدها التي يتشنج الإحساس فيها على يدِه وصوتها يرتفع بنحيبٍ خافتٍ بينما كان صوت إطارات السيارات المُحتكة بالطريق من حولهما يتخلخل نحيبها، أغمضت عينيها بقوةٍ وهي ترفع يده إلى صدرها وكأنها تحتمي بهِ أو تخشى في قرارةِ نفسها من فكرة لو كان في السيارةِ حين حدث ما حدث، لم تستوعب أنها بالفعل تخشى ذلك! بل كانت يدها المُتشنجة على يديْه خير دليلٍ لم تدركه لا هي ولا هو!
رفع سلطان هاتفه بيده الأخرى المتحررة ليبحث عن رقم عناد، ومن ثم اتصل به ليضع الهاتف على أذنه منتظرًا رده وهو يتشبث بيدها من الجهةِ الأخرى يشعر بارتعاشها وارتفاع صدرها بقوةٍ ليهبط بانفعالٍ واضح، زفرَ بقوةٌ قبل أن يغيّر من وضعيته ويسحب يده من بين كفيها ليُحيط كتفها بذراعهِ وهو يهمس لها بهدوء : خلاص ما صار شيء ، لا تخافين ما صار شيء
وصل إليْه صوت عناد من الجهةِ المُقابلة ليهتف مباشرة : أهلين عناد .. معليش تجي لي! أنا واقف قدام قاعة زواج شاهين مباشرة
قطّب عناد جبينه وهو يجلس بعد أن كان ممدًا على سريره يستعد للنوم، وبقلق : وش صار؟ عسى ماشر!
سلطان بهدوء : تعال وبتفهم كل شيء ، ايه وياليت تجيب امي معاك بعد لو كانت للحين ما نامت
تضاعف قلق عناد الذي نهض مباشرةً ليُبدّل ملابسه، وبعجلة : جايك


،


أعاد الإتصال مرارًا وتكرارًا بإصرارٍ رغم التجاهل التام الذي يُقابَل بهِ من أدهم، وصل الحنق لديه أقصى حدوده، والغضب غلّف جهازهُ العصبي ليندفع الأدرينالين في جسدهِ ممزقًا لإرادته في قتل أدهم، حتى الآن كان صامتًا، كان يُنسِي نفسه كل ما فكر بهِ من قبل ويلفظه إلى المُحال، كان يُقنع ذاته بأن هناك خطأً فيما سمعه من هالة وفيما استنتجه وسيحصل على شعرةٍ رقيقة تصل به نحو ما يُطمئنه، لكن بهذه الحال! بهذه الأفكار وبهذا التشتت ... لن يسمح لإلين أن تكون في عهدةِ أدهم ما دام الأكسجين يصل إلى دماغه ويجري في دمه.
رِفع الخط أخيرًا، وما أن وصله صوت ادهم حتى اندفع بصوتهِ منفعلًا : وينها إلين؟
صمت أدهم قليلًا، والكلمات تحاول الإنبثاق من بين شفتيه بسرعةِ الضوءِ في فراغٍ لا تختلط فيه جزيئاتٌ ما مع موجات صوته فتعيق وصولها صافيةً من أي شائبةٍ إليه، ومن بين موجات صوتهِ السمعيةِ كان من بين أضلعه قلبٌ يُصدر أصواتًا تحت سمعية، انقباضاتٌ تتضاعف سرعتها وكأنّ نسبة الكالسيوم اندفعت بازديادٍ لتسبب الإنزلاق بين أنسجةِ عضلاته وينتهي الأمر بتلك الإنقباضات سريعةِ المدى والتي غلّف صوتها نبرتهُ التي نسيها مع صوته وتأخرت كلماته في البزوغ.
أعاد عبدالله سؤالهُ بحدة : وينها إلين؟
أدهم يجتذب ذرات الهواء حتى يغلف كلماتهُ بالنبرةِ التي لن يُسعف إصرارها الا حدةٌ قاسيةٌ منها، ليهتف بصوتٍ جامد : وينها! يعني طلعت من عندك بدون موافقتك!! . . هه! اعتقد إنّ الأب المثالي اللي قاعد تتصنعه ما نجح في شغلته
عبدالله بحدة : وينها إلين؟
أدهم ببرود : لو ماهي عندي وش بتسوي وقتها؟
زمّ عبدالله شفتيه وهو يدرك بنبرةِ أدهم الجواب الكافي ليُريحه ويُشعل نيرانه في ذات الوقت، همس : قابلتها؟ حكيت معها؟؟
اتكأ أدهم على باب غرفته وهو لا يزال واقفًا بعد أن دخلها بحالتهِ المُتردية، وصوت هاتفه ورقم عبدالله كانا وحدهما اللذين لن ينقذه سواهما : لا للحين، بس لو تأخرت بدخل عندها وعاد وقتها فكر بطريقتك المريضة واللي يروق لك
عضّ عبدالله شفته بقوةْ والدم يغلي في شرايينه، يشعر أنّ أوردته تتضخم بازدياد ضغط الدمِ ورأسه يُصيبه صداعٌ في حينِ أن الأفكار تجيئه من كل جانب : اصحك تدخل عندها سامع! اصحك! أنا من الأساس للحين شاك في سالفة الأخوة ذي
رفع أدهم احدى حاجبيه وهو يبتسم بسخربة، بينما كان للسانه رأيٌ آخر بعيدًا عن العناد وكأنه بذلك يريد طمأنة عبدالله عليها والحفظ على نقاءِ صورتها بأي ثمن : تطمن محنا بروحنا في البيت، عمتي عندي من مدة وهي الحين معها
صمت عبدالله قليلًا، هل يقول أنه اطمئن؟ وأي اطمئنانٍ قد يشعر بهِ فقط لأنّ عمته لديه؟ هل يستأمنها؟ هل يستأمن عائلته بأكملها أصلًا؟؟
لوى أدهم فمهُ بلؤمٍ يجتذب كلماتٍ ونبرةً تكفي لاستفزازه، يجب أن يجيء الآن ويأخذها بأي ثمن، لن تبقى هنا وفي بيته يتشاركان ذات الهواء وتُحيطهما نفس الجدران، هتف بلؤم : ممكن نعرف ليه هربت؟ غريبة مو على أساس انك حنون ومعيشها مثل بنتك! ههههههههههههههه وماهي المرة الأولى اللي تحاول فيها تطلع، كم مرة اتصلت فيني وطلبـ...
قاطعهُ عبدالله صارخًا في أذنه بغضب : انطم وابلع لسانك!، كلمة ثانية ومنت شايف بعدها خير
بلل شفتيه وهو يشتت عينيه هنا وهناك قبل أن يهتف بصوتٍ اتضح بهِ التردد : أنا عارف من الأساس اني ماراح أشوف خير من بعد جيّتها . . تعال خذها!
أجفلت ملامح عبدالله واتسعت عيناه لثانيتين، زفرَ بقوّةٍ قبل أن يغمض عينيه والحنق يصل أعلَاهُ في جوْفه ، وبهمسٍ حاد : ما تجلس عندك ، والله ما تجلس


،


تدفن وجهها في وسادتها التي تتبلل بملوحةٍ تنبع من مقلتيها ذائبةً حارةً يتساقطُ بها رمش السكون، تشعر أنّها تصدأُ بحشرجتها التي تُغلف أعضاءها التنفسية، بضيقها الذي يُعيق انقباضات قلبها ليتباطأ نبضها مرةً بعدَ مرةً بانتظار التوقف التام.
صوتُ أنينٍ خافتٍ صدرَ من بين شفتيها ليصل جدران غرفتها التي تشهد على حزنها ويرتدّ منعكسًا إلى أذنيها بصوتٍ متعذب.
هاهيَ الدنيا تُغلق آخر بابٍ قد تدخل منه الفرحة، هاهي الدنيا تنتهي بها في حفرةٍ ليس لها قاع، لمَ هوَت؟ لمَ هوَت يا الله!
سمعت صوت طرقٍ على بابِ الغرفة، فانتفضت خلاياها لكنها بقيت على حالها ولم تتحرك، وبعد لحظتين سمعت صوتَ الباب يُفتح ومن ثمّ صوتَ خطواتٍ انحدرت بموجاتها نحو الداخل، تُدرك جيدًا من هذا الداخل، لكنها أبقت على سكونها وحالها، عيناها لا تريان الا الظلام الذي انحصر في بؤبؤها حين أبقت على وجهها مدفونًا بين حنايا وسادتها.
انحدَر صوتُ فارس هامسًا متسللًا إلى أذنها مخترقًا متانةَ الوسادة : جنان
همسهُ هذا انبعث إلى أذنها دافئًا حنونًا لتنتفض خلاياها إليْه، إلا أنها بقيت كما حالها لا تريد رفع وجهها والنظر نحوه، لا تريد شيئًا سوى البقاء وحيدة، رغبتها التي لا يُريد فارس تحقيقها لها.
زمّ فارس شفتيه قبل أن يمدّ يده للأبجورة ويفتحها لينقشع الظلام الذي تعيشهُ غرفتها، وعيناه تتجهان نحوها ناظرًا لها بحبٍ أخوي وهو يُدرك جيدًا حجم الحزن الذي يواتي قلبها والضيق الذي يكبت على كل سكونٍ في خلاياها.
همس مرةً أخرى باسمها بقدرٍ كبيرٍ من الرقّةِ ليبدأ صوتُ نحيبها بالظهور رويدًا رويدًا إلى أن بات صراخ اعتراضٍ لكل شيءٍ يحدث من حولها.
جلس بجانبها ووجهه يتمايز ما بين الأسى عليها، وما بين الغضب لما فعله والده، بالرغم من كل شيء إلا أنه لم يتخيل يومًا أن تتزوج اخته بهذه الطريقة، وبمن! بفواز الذي هو له أكثر من صديق، لم يكن ليعترض، لم يكن ليعترض وإن كان فواز متزوجًا، لكن الطريقة وحدها تنخر الفؤاد بمدى النقص الذي ستستشعره أخته لا محال.
رفع كفهُ ليمرره على شعرها وينتقل ارتعاش جسدها إلى كفيه ومن ثمّ إلى قلبه، ثمّ همس بابتسامةٍ حزينة : أبوي مشتاق يشوفك
شعر بجسدها يزداد ارتعاشًا وألم قلبها يتماوج في ارتفاعه، يتنافس مع الانخفاض ليفوز باعتلائه عرش الصدارة، بالرغم من كل شيء، ومن كل الحقيقة، ومن كل الماضي الذي سرده هيثم في مسامعها إلا أن ما حدث في النهاية كان أشد على قلبها، ما معنى ذلك؟ ما معنى أن يطلب من فواز أن يتزوج بها؟ ألأنها لا تعنيه كما يجب حتى يجعلها أميرةً يأتيها الرجال ولا تأتيهم هي؟ ألأنها ليست إلا - ابنة مسيار -!!
ازداد نحيبها عند تلك النقطة، وازداد صوتُ الألم الذي يصرخ في داخلها بشدةٍ تفلق أي شعورٍ آخر، لأول مرةً تكره كونها الإبنة الوحيدة لأبيها والمدللة، لأول مرةٍ تكرهُ ذاك الجرح على زندها والذي لم يكن فعليًا من أمها، ولأول مرةٍ تتدافع عليها ألم تلك الكلمات وذلك الضرب الذي كان يجيئها من " زوجة أبيها " بعد أن كانت تعتبر تلك القسوة الجنة برمتها.
تدافعت كلمات هيثم في عقلها، وتدافع معها الشعور الذي شعرت بهِ يومذاك، اليوم الذي انطبقت فيه جدران الدنيا على صدرها وأدركت فيه من هي ومن - هم -.

*

" كل مافي السالفة إنّ أبوك كان متزوج بالمسيار وجابك من زوجته هذيك اللي محد يعرف أصلها وفصلها، وعاد زوجته هذيك واضح كانت مسكينة وعلى حالها! جابتك وظلت تربي فيك وهو راميك ومتجاهل وجودك وكأنّك مجرد نتيجة لعبة لعبها وانتهى منها "
استمعت لمقدمة كلامه الأشبه بخاتمةٍ تخلعُ كل إدراكٍ في عقلها، عيناها اتسعتا تدريجيًا مع كل كلمةٍ حتى باتت بقية الكلمات لا تعبر أذناها بمرونة، حتى باتت الكلماتُ عدمًا في الغرفةِ التي تتلوّن بالبياض بعكسِ عيني من يقف أمامها ... ظلت تنظر إليْه بعد أن صمت للحظات، بنظراتٍ يهتزّ فيها العقل والتفكير والشعور وكل شيء! وكأنها تحاول تكذيب كلماته التي يقولها، لكنّ نظرته! ابتسامته! ملامحه كلها كانت متلاعبة، لكنّ تلاعبها كان خبيثًا، خبيثًا من غير تحريف! خبيثًا بدرجةٍ لا تسمح لها ولن تسمح لها باستيعاب مدى الألم الذي هاجم صدرها الآن.
شتت عيناها عنه وهي تزدرد ريقها بصعوبة، لُجم لسانها دون أن تشعر، وبالرغم من أن عقلها الذي كان يرى جانبًا صادقًا فيما يقول إلا أنه كان يأمرها أيضًا بقطع كلماته والخروج بسرعة! فما سيُقال تشعر أنه لن يكون سهلًا! لن يكون سهلًا بدرجةٍ ستجعلها لا تتجاوزه بسهولة.
تحركت بسرعةٍ تنوي الذهاب وهي تشعر بقلبها ينقبض بقوةٍ محاولًا طرد ما سمعته أذناها من جسدها كدهونٍ فائضةٍ لن تقوم سوى بأذيّتها، إلا أن صوته الذي تحمل بنبرةٍ شديدةٍ كالمدفع قصف إرادة قدميها في المضي لتتوقف رغمًا عنها : أبوي كان يدري بكل شيء
استدارت تنظر إليهِ ببهوتٍ وعدم استيعابٍ بينما ابتسامته الثقيلة لازالت على شفتيه، ليُردف بلؤمٍ وابتسامته تلتوي نحوَ القسوة : مع إنّه ما كان موافق على اللي يسويه أبوك بس سكت احترامًا للصداقة اللي بينهم، وياليت أبوك احترمها بعد! أبوك أصلًا ما احترم حتى علاقته بزوجته عشان يحترم علاقته بأبوي وبعدين بأمك أنتِ * ابتسم ساخرًا ليُكمل بسخريةٍ أكبر * طبعًا أقصد أمك الحقيقية مو زوجة أبوك!!
التوت معدتها بقوةٍ وتقلّصت جميع عضلات جسدها لتشعرَ بألمٍ ساحقٍ هاجمها، كلماته الأخيرة كان لها التأثير الأكبر على جميع مراكز عقلها لتتلقفها بسمعها ونظرها وإدراكها الذي ما عاد يستوعب شيئًا غير الذي يُقال. لمَ تتجرأ على تصديقه؟ لمَ لم ينطلق لسانها في محق كلماته كما كان يفعل قبل لحظات؟ ألهذه الدرجةِ عقلها يستوعب الذي يُقال ويترجمه إلى الصدق؟ في لحظةٍ واحدةٍ أصبح كلامه فجأةً يُقنعها . . لـمَ؟ ألأنه ترجمةٌ لغموض والدها في الفترة الأخيرة؟ لجفاءِ أمجد معها؟ لشعورها بالوحدةِ في الليالي الباردةِ والذي لا تعلم من أين تجيئها؟
زاغت نظرتها وهي تتنفس الهواءَ باضطراب، حتى صوتها ما عاد صوتها، ما عادت تعرفه! حتى الهواءُ ما عاد يجدها، ورائحةُ السقوطُ تفوحُ في الغرفةِ وتوشمُ سقوطها بعدم النهوض!
اتسعت ابتسامةُ هيثم وهو يرى ردود فعلها الأخيرة، ليردف بما شطر قلبها أجزاءً لا تُرى : ونضيف بعد إنّه ما احترمك كمان واعتبرك مجرد نكرة! ما عرفك إلا يوم توفت أمك وقتها أكيد اضطر يآخذك
تراجعت للخلف وشهقةٌ خافتةٌ تنساب من بين شفتيها، بينما نبع صوتها فجأةً من العدم لتلفظ بارتجافٍ منفعلٍ وعيناها تتوسعان به : كذاب . . كذاب . . كل اللي تقوله كذب، وش اللي يخليني أصدقك؟ وش اللي يخليني أسمعك أصلًا!!
ضحكَ بسخريةٍ وهو يهتف بلؤم : ما يحتاج تقولين هالكلام لأنك بالفعل مصدقتني
انسابت دموعها فجأةً دون شعورٍ ووجهها ترتخي فيه كل معالم الثقة، تراجعت للخلف أكثر وهي تهزّ رأسها بنفيٍ تُحاول بهِ اقناع نفسها أنها لا تسمع سوى كذبًا، لا تسمع إلا تراهاتٍ ستصبح مغفلةً إن صدقتها. لا! لن تصدقه، لن تصدق كلماته التي لن تجيء إلا بالموت البطيء لقلبها، لن تصدقها لتقطع الحبل المتين الذي بينها وبين والدها.
تراجعت للخلف بقوةٍ وهي تستدير خارجةً من الغرفةِ وصوت بُكائها يرتد في صدرها دون أن يبزغ للوجود، تحركت في ممرِ المشفى شبهَ راكضةٍ وعيناها تمتلئآن بغلالةٍ جعلتها لا ترى ما أمامها حتى اصتدمت بجسدٍ سمعت صوت صاحبهِ يعتذر إليها لتتجاهله وتمضي.

لكن ذاك اليومَ مضى، مضى بتصنّعها التعب حتى لا تُقابل والدها وكل ما تخشاه أن ترى فيه ما سمعت من هيثم، كانت تريد الإبتعاد عنه لوقتٍ إلى أن يستطيع عقلها تحليل الكذبِ في ذكرى صوتِ هيثم الذي سافر تلك الليلة بعد قنبلته تلك، وكأنه زرع ألغامًا ليختفي من بعد ذلك وتنفجر هي حين داست عليها.
وفي خضم محاولتها الإبتعاد عن والدها، جاءها فارس بعد يومين بصاعقة تقدّم فواز لها. يومئذٍ وبالرغم من رفضها للأمر في قرارةِ نفسها وسوءِ حالتها النفسية إلا أنها طلبت بعض الوقت حتى تُفكر وهي تدرك أنها لن توافق، فليست هي من ترضى أن تشاركها امرأةٌ في زوجها فكيف تهوّنها لغيرها!
صمت فارس قليلًا بعد ردها بالرفض، والتمست في صمتهِ ما يجلب القلق الكافي لتسأله : فيه شيء؟
تردد للحظاتٍ وهو لا ينظر نحوها، عيناه كانتا تنظران خلف كتفها ليُثبت لعقلها أنّ هناك شيئًا في هذا الموضوع لا يُبشر بخير، همست بقلق : فارس!
زفر فارس بحنقٍ وهو يوجّه نظرته إليها ليهتف بخفوتٍ حمل بين كلماته صدمةً جديدةً لها : أبوي طلب موافقتك الحين . . . لأنه يبي يزوجك اليوم!
شهقت بقوةٍ وعيناها تتوسعان وتُلقيان عليْه نظرةً قتلته، دخل الكلام إلى رأسها بلغةٍ أخرى لا تتقنها لكنّها فهمت معناها من النبرةِ التي تحمّلت بترددٍ كافٍ حتى تُدرك أن ما قيل لا يُوازي احتمال صدرها المستوجع مما حدث ليجيء هذا الآن!
ارتعشت شفتاها وهي تنظر إليه بحيرةٍ حزينة، ما معنى ذلك؟ هل يُريد التخلّص منها أم ماذا؟ هل سيرميها بهذه الطريقة التي تُثبت لها أن الزواج لن يكون اعتياديًا؟ .. ورغمًا عنها هاجمتها كلمات هيثم من جديد، هاجمتها والصدق في جوانبِ ما قال تعود لاستشعاره بصوتِه الذي يدوي في رأسها حتى الآن ويرتد إلى أعمق مراكز الإدراك.
ازدردت ريقها تبتلع غصةً هاجمتها، ثمّ أرخت شفتيها المُنشدّتين منذ البداية ليظهر ارتعاشها مليًا أمام عيني فارس. شتت عيناها بضياعٍ قبل أن تنظر إليْه بألم، لتهمس بنبرةٍ مُتحشرجة : وش يعني هالكلام؟
عضّ فارس شفتهُ السفلى وهو يعمض عينيه بقوةٍ يُمارسها على أجفانه وعلى شفتهِ التي كاد أن يُدميها بوطءِ أسنانه، شدّ على كفيه ثمّ أرخاهما وهو يفتح عينيه ويقترب منها مُقلصًا المسافة التي كانت بينهما حيث كانت تجلس على سريرها وهو يقف على بعد خطواتٍ منها، وقف أمامها مباشرةً وانحنى ليلثم جبينها الأبيض بحنانٍ أسقط دمعةً حائرةً ضائعةً من عينها اليُسرى، ابتعد عنها قليلًا وهو مُخفضٌ رأسه يُقابل وجهها وعيناها اللتين تتغلفان بغلالةٍ شفافةٍ مالحة، وبهمس حانٍ : وش اللي فيك يا عيون فارس؟ منتِ على بعضك من يوم عملية أبوي، تظنيني ماراح أحس فيك؟ ماراح أشوف اللي بعيونك والا تظنين نفسك حطيتي حدْ بينك وبيني؟ أعرفك وأعرف حزنك . . ليه تخفينه عني؟ أنتِ حتى أبوي ما عاد شفتيه من يوم عمليته، بعد ما شفتيه مرة وحدة وكان نايم! لك تقريبًا ثلاث أيام
وهو بالمستشفى سائل عنك ومستنكر انعدام جيتك! وش فيك يا حبيبتي؟ ترى فكرة تعبك اللي تمشيها على أبوي وتقلقينه فيها عليك ما تمشي علي! احكي لي.
اهتزّت خلاياها ومقلتيها تستعدّان للفظِ دموعٍ لا تنوي النضوبَ من عينيها اللتين ما عرفتا الجفاف منذ ذاك اليوم، ما هذه النبرةُ التي تخترق أذناها وتختزن نفسها في عقلها؟ ما هذه النبرةِ التي يتغلف بها صوتهُ لتتدغدغ مقلتيها وتذرفَ دمعًا يوازي بثقلهِ ثقل الجبال العالياتِ وبالرغم من هذا الثقل لا تسقط لشموخها! ما هذه النبرة يا الله والتي تنتشر في أوردتها مع دمها بحرارةٍ تغلي بها كل سوائل جسدها؟؟
أغمضت عينيها بقوةٍ وهي تسمح لدموعها بالسقوطِ محطمةً كل شموخ الجبال راسمةً هضبةً تسطّحت في أعلاها لتحمل همًا لم يحتمله صدرٌ فكيف عساها تحتمل وهي الهشّةُ التي غادرها تكوينها وباتت هُلاميةً لا تستقيم؟ هي الهشة التي تهشّمت أعمدتها فباتَ أعلاها لا شيء!! لا شيء يستند على عمودٍ صدئ، لا شيء يقف فوقَ أساسٍ رخو فما الذي يدفعها للاحتمال حتى الآن؟
تقوّست شفتاها وصوتُ آهةٍ خافتةٍ عبرت من بين شفتيها ليتقطع قلب فارس الذي بقي واقفًا أمامها ولم يقل شيئًا، زمّت شفتيها وهي تحاول منع شهقةٍ مختنقةٍ من الاعتلاءِ فوق بكائها، وبهمسٍ وهي تنظر للأسفل : مافيني شيء! كل اللي في الموضوع إنّي أتوجع! أتوجع لكل اللي صار، لكل اللي خسرناه.
عقَد حاجبيه بحيرةٍ وهو ينظر إلى حُزنها، وباستفسار : قصدك عملية أبوي؟
اهتزت شفتاها لتستنشق الأكسجين وتهزّ رأسها ببطءٍ دون النظر إليه، لتهتف : ما أقدر أقابله بعد اللي صار، صعبان علي يا فارس! صعبان علي.
ارتخت عيناه بألم وصوتها يتسلل إلى أذنيه متألمًا جافًا من كل معالم الحيوية التي كانت بها، تقدمَ خطوةً ليجلس بجانبها على السرير ويضع كفّه الدافئة على رأسها سامحًا لصوته الهامس بدفءٍ لم يتجاوزه يومًا إلا دفءُ والدها : هذا هو السبب بس؟ متأكدة؟
اخفضت رأسها والتوتر يهاجم نظرتها، لا ليس هذا فقط، ليس هذا فقط! فهناك ماهو أعظم وأقسى، هناك ماليس لي طاقةٌ لأقوله.
مسح بكفهِ على شعرها وهو يبتسم ابتسامةً طفيفةً لم ترها وهي تنظر للأرض، ليُردف : أنتِ تزيدين وجعه! هذا إذا كان مستوجع من الأساس! تعرفين أبوي اللي كان حاط بباله نجاح العملية وجنبها مباشرة فشلها! يعني نقدر نقول هو حاليًا ماهو مستوجع من كل اللي صار بس أنتِ اللي راح تجيبين له الوجع بغيابك عن عيونه! كل يوم يسأل عنك وأنا ما غير أجيب أعذار لك وأنا عارف إن مافيك شيء ويا خوفي يكون هو بعد عارف عشان وقتها يتضايق جد
اضطربت أنفاسها عند كلمات فارس، وازداد وجعها أضعافًا مضاعفة، بالرغم من كل ما قاله هيثم وبالرغم من كل ما يهاجمها الآن من شعورٍ بالضياعِ والحيرة إلا أنها لم تكُن يومًا قد تستسهل على نفسها وجعهُ وكدره، لذا هي مُرغمةٌ على بناءِ سورٍ عالٍ حول حزنها والذهاب إليه فليست هي من ترضى على والدها الضيق.
تنهدت بكبتٍ حزينٍ وهي ترفع رأسها إليه، وبخفوت : وقصة الزواج وش هي؟
توترت نظرات فارس الذي زفر وهو يمسح على ملامحه محاولًا السيطرة على أعصابه : مثل ما قلت لك، أبوي وده يزوجك اليوم فجأة وأنا مدري شالسبب
بللت شفتيها وقلبها ينعصر بألمه وموجاتِ الصراخ التي تُعلنها حُجراتهُ الأربعة، وبهمس : خلاص بروح له اليوم وأسأله عن كل شيء يتعلق بهالموضوع



سلّمت من بعده، ثمّ أدارت وجهها من بعد السلام لتنظر للأمام نحوَ ظهره، تعلم جيدًا لمَ تواتيها هذه الارتعاشات التي تغلف عمودها الفقري باضطراب، لمَ تهتز عيناها بتوتر، لمَ تشعر أنها ضائعةٌ وأن الجدران لا تحتويها والأكسجين لا يُسعفها بما يكفي! تشعر أن جزيئات ثاني أكسد الكربون تتصادم فيما بينها في قصبتها الهوائيةِ، لا هي تزفرها ولا هي تستطيع استنشاق الأكسجين، تشعر أن الأرض بحجمها كلّه تطبق على صدرها ليتحشرج تنفسها.
زفرت بقوةٍ وهي تراه جامدًا في مكانهِ لا يتحرك، جموده بعث في صدرها خوفًا فوق ما تشعر هي به، عضّت شفتها وهي تنهض عن السجادة لتخلع رداء الصلاةِ ببطءٍ وتردد، هدوءه من بعد صلاته لا يجعلها تستبشر خيرًا، وهي شبه متأكدةٍ بأن العاصفة قادمة، يضيع الواحد خلف التسع والتسعين بالمائة عندما يدرك عقلها " هدوء ما قبل العاصفة "، تضيع أنفاسها وتتعطّف الصور في عقلها محاولةً تمزيقها وجعل هذه الليلة تمر كمرورِ كلّ ليالي العمر التي سمعت عنها وهاهي تخشاها، تخشاها وتخشى ما يليها وكلّ الخشية تبدأ من إنذار ما سبقَ من الماضي.
لا شيء يعبرها الآن بمنطقية، لا هواء يدخل جوفها ولا صوتٌ عدا قلبها الذي اقترب من التمزق لسرعةِ نبضاته، معدتها تتلوَى بارتباكٍ تحاول قمعه . . وهيهات!
تحركت بعد أن طوت رداء الصلاة تنوي الإتجاه للغرفة ووضعها هناك، لكنها في حقيقة ما بداخلها تريد الهرب، فقط الهرب!
انساب صوتهُ الهادئ إلى أذنها محملًا بنبرةٍ عرقلت تفكيرها وعمل عقلها بأكملهِ لتتوقف خطواتها وتتجمد : وين رايحة؟
أسيل تبتلع ريقها لترد بصوتٍ مرتعشٍ وهي تضمّ القماش الأبيض كبياضِ قميصها إليها : ودي أحط الجلال
شاهين : حطيه عالكنبة وتعالي اجلسي جنبي ، لازم أحكي وياك
ارتعشت أطرافها بقوةٍ وصوتهُ وصلها كقصفِ مدفع، ازدردت ريقها وبرودةٌ تستحل جميع كيانها لتحولها جليدًا لا حياةِ فيه، تحرّكت دون شعورٍ عائدةً إليه، لتجلس على السجادةِ الحمراء دون أن تترك رداء الصلاة الذي ما فارق حضنها بل اشدّ التصاقه بها وكأنها تحمي ذاتها من كل شيء! من الشيء والعدم، من اضطرابها ومن سكونِ صوته، من أبجديات اللغات التي سيَحاكيها بها ومن طلاسم ما يواتيها من تفكيرٍ وترددٍ وخوفٍ يشتعل في قلبها.
شعر بها تجلس خلفه، ليُغمض عينيه بهدوءٍ وهو يشعر أن قلبه قمعَ الهدوءَ بأكمله، استنشق ذرات الأكسجين بقوةٍ وهو يحاكي ذاته بالسكون والهدوء، ومن ثمّ استدار ببطءٍ إليها لتنخفض نظراتها بسرعةٍ نحو الأسفل بعد أن كانت معلقةً بظهره كطفلةٍ خائفةٍ تبحث عمن يحميها.
نظر إلى وجهها المُنخفض لثواني، ينسخ صورتها هذهِ ككل صورها السابقةِ في عقله، يختزنها بين جدران ذاكرته ولا يسمح لها بالخروج، وكيف عساها تخرح! وهي الكوبلية التي عبرته ومزقت نياطَ الجَمال وهيّجت بحر الفتنة، هي الأبجدية التي ما تُرجمت إلا في قلبي فكيف عساه ينساها؟ هي العين التي تبكي القُبح الذي زاول كلّ الأعين دونها فكيف لعيني ألّا تراها؟
زمّ شفتيه وهو يقبض على كفه بقوةٍ يُعنّف ارتعاشهما، ثمّ استنشق ذرات الأكسجينَ بعنفٍ مرةً أخرى يجدد دورته الدموية وكأنه يبحث عن تجديد الإندفاع في صوته وفي كلماته.
بلل شفتيه بلسانه، ثمّ رفع كفه اليَمنى المتوترة ليمسح بها على ملامحه، وتلقائيًا ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ فاترة، وصوته اندفع إلى أذنها هامسًا كي ترتعش : شفتي كيف كانت أمي بهالليلة؟
رفعت وجهها تلقائيًا إليْه وهي تفغر شفتيها قليلًا وتنظر لعينيه بحيرة، بينما انسابت هذه المرة ضحكةٌ خافتة من بين شفتيه وهو يرفع حدقتيه ليُثبتها على عينيها : طايرة من الفرحة! شوي وتنط في السيارة معانا وتجي لهنا
ابتسمت ابتسامةً تكاد لا ترى وعيناها تعودان للأسفل ما إن واجهت عينيه، رأت تلك الفرحة بعينيها هناك في قاعة الزواج، بالرغم من التعب الواضح في عينيها إلا أنها لم ترد المكوث جالسةً في مكانها وفضلت المشاركة في كل شيء.
أكمل شاهين بشرودٍ وابتسامته تلك تتلاشى : ما فرحني بهالليلة إلا فرحتها.
رفعت رأسها بسرعةٍ إليه وابتسامتها تختفي خلف كلماته، كلماته التي حملت الكثير وكأنها .. وكأنها انتقامٌ قاسٍ منه!
انعقد حاجباها دون شعورٍ منها وتغطّى وجهها بالألم، هل تتألم الآن؟ هل تستوجع من هذه الكلمة التي تدرك أنه قالها بإدراكٍ لها وتعمد! وأمام كل ما فعلته به، هل من حقها أن تتوجع من كلماته!!
مررت لسانها فوق أسنانها العلوية وهي تشتت عيناها هنا وهناك باضطرابِ ما اختلج في قلبها وكل الخلجات الداخلية والخارجية كان يراها شاهين بعينيه وصمتٌ تَغلّفه، ردي! ردي عليّ وأثبتِ أنكِ أنثى في النهاية تشعر! ردي وأثبتِ أنّكِ حيةٌ تشعرين. عضّ شفته بقوةٍ وحنقٍ من صمتها، لكن تحرك شفتيها بكلماتٍ خافتةٍ جعل كل خلاياه تتجه إليها وأذناه ترهفان السمع لصوتها الخاف : ما فرّحك!! * ثبتت عينيها إليه وهي تبتسم بأسى، لتردف " تنتقم مني يا شاهين؟ أستحق! أستحق كل شيء بتقوله لي لأني ما أستاهلك، أستاهل كل الأشياء الشينة بس ما أستاهل الأشياء الحلوة اللي أنت منها!
فترت نظراته قليلًا وعيناهُ تتسعان بصدمةٍ من ردها، شعر بانقباضٍ قويٍ في قلبه والأكسجين يندفع إلى رئتيه بشدة، بعنفِ تلقيهِ لكلماتها.
صمت قليلًا وعيناه المعلقتان بها نسيتا كل ما حولها وباتتا كفيفتان إلا عنها، ثم بكل الإندفاعات التي تحدث في جسده الآن، بكل الكلمات التي تتشاجر فيما بينها داخل حنجرته . . ابتسم! ابتسم ابتسامةً ساخرة وهو يرفع عينيه للأعلى في مناجاةٍ بينه وبين ربه، يا الله ارزقني صبرًا كافيًا على فتنتها، ارزقني صبرًا يحمل قسوةَ كلماتها بين كفوفهِ ويمضي بها.
عاد للنظر في عينيها الحزينتين بكبتٍ كبير، ثم اقترب منها قليلًا لترتعش بقوةٍ وترفع رأسها تنظر إليه بذعر، بينما تلقتاها كفاه التي حوطتا ملامحها وهو يقترب منها مسافةً أصابت كل خلاياها بالشلل!
قرب شاهين وجهها إليه وهو يحيطه بكفيه الدافئتين، وبصوتٍ ساخرٍ انبعث من بين شفتيه بحنقٍ تلمسته بين دفء أنفاسه التي تصتدم ببشرتها : بالله! هذا اللي ربي قدرك عليه؟ منك لله يعني لازم تقهريني؟ لازم تقهريني يابنت عبدالعزيز!!
فغرت شفتيها وكل الكلمات انحشرت في حنجرتها لتختنق بها، أصاب عينيها العمى وغشاوةٌ ما أحاطت عدستها كي تتشوش ملامحه عند هذا القرب الذي لفظ كل سكونٍ قد يعتري قلبها فوق ماهو ملفوظ! شعرت بأنفاسه تقترب منها أكثر، وجسدها بدأ أكملُه بالإرتعاش، بينما أكمل شاهين بصوتٍ خافتٍ لا يزال يحمل كل الحنق الذي يتراكم فوق نبرته منذ عقد قرآنهما : تدرين؟ أنتِ إنسانة يعجز الكلام عن وصفها، وللحين ندمان على الكلمة اللي قلتها لك قبل أمس، عن كلمة " حقيرة " اللي طلعت مني في لحظة صدمة تفننتي في توجيهها لي، وتدرين ليه ندمان؟ لأن كل الشتائم ما تكفي عشان أوصفك!
انسابت شهقةٌ خافتةٌ من بين شفتيها وعيناها تتوسعان بصدمةٍ من كلماته التي شعرت بأنها أقوى مما قاله قبل لحظات، فتلك كانت تعني الإنتقام، أما هذه فهو لفظها بكل صدق! بكل القهر الذي تكدس في صوته وانبعث بنبرةٍ حارقة.
عضّ شاهين شفته بقوةٍ وهو يُريح جبينه على جبينها ويُغمض عينيه عن نظرتها التي آوت نبرته الحادة بين انحناءاتِ عدستها، تنفس بقوةٍ وصدره يرتفع ويهبط بانفعال، يستشعر ارتعاش جسدها وبرودةَ وجهها بين كفيه، يستشعر الألم الذي هاجم صدرها من كلماته، لكن يكفي! كيف يصطبر على كل القسوة التي تحملها عيناها، على كل الصمت المؤلمِ في صوتها وعلى ألمها لغيره، فلتتألم مرةً منه! يكفي أن تتألم في كل مرةٍ لأجل غيرهِ وبسببه.
شدّ على وجهها بكفيه أكثر، وانخفض بوجهه قليلًا ليُقبل شفتيها قبلتين صغيرتين ومن ثمّ يغرقها في موجةٍ أولى بين بحرِه وشاطئها، شعر بجسدها يتصلب في بادئ الأمر ليهاجمها الإرتعاش دفعةً واحدة، حينها انخفضت كفاه ليُحيط جسدها بذراعيه إليْه يوشم انتماءها منذ الآن له فقط . . . إلى تقابل المدّ الهائج مع صخور الشاطئ الشامخة، إلى خشخشة الأصداف من هجومِ أمواجٍ لا تقبل التراجع دون أن تصتدم بشاطئٍ يبعث بدفئه بين جزيئات الماء المالحة، لن تتبخّر أمواجي إلا بشاطئك، لا الشمس دافئةٌ أمام منصةِ شفتيكِ ولا دفءُ الأراضي الساخنة تكفي لتُبخّر شغفي وهوسي بكِ، لن تشعري أبدًا يا أسيل بعضلتي التي تنبض بين جدران قفصي الصدري ولا تجد ما يُثبّطها، لن تشعري أبدًا بالسيل الذي يجرفني وأنا الرخوي الهشْ الذي لا يستطيع الصمودَ أمام سيلِ عينيكِ وعاصفةِ شفاهك، مات الشغف من بعدك! مات وأنا الذي يُدرك أنه لن يكون طبيعيًا حين يحاول مقاومتك.
كادت دمعةٌ يتيمة تسقط من عينها اليُسرى، إلا أنها أغمضت عينيها بقوةٍ وهي تشعر بقلبها سينفجر لا محالة تحت وطءِ نبضاتها التي تُعنّف أضلعها بقوة، تشعر بمعدتها تلتوي بألم، والهواء يغادرها تدريجيًا حتى انتهى من هذه الغرفةِ الجوفاء والتي سكنتها نارٌ تشعر أنها ستحرقها إن لم تكن أحرقتها، غابت الدنيا عن عينيها والغياب يستكن في السكون الذي ما عاد يحتل جسدها الذي ينتفض بين ذراعيه القويتين كطائرٍ استنفده البرد وما عادت جناحاه تحلق خلف قضبان الصقيع. هل هذا ما كانت تخاف منه منذ البداية؟ هذه اللحظات الحميمية والتي لا تناسب امرأةً غادرتها الحياة! هذا الاقتراب الذي كان من الأرجح ألا يؤثر بها فكيف حدث العكس من ذلك!! كيف حدث العكس لترتعش الآن بين يديه ويفيض الأدرينالين في جسدها!.
خلخل بأصابعه بين خصلات شعرها، ثمّ ابتعد عنها قليلًا ليتأمل ملامحها الغائبة عن العالم والأكسجين يتعرقل في حنجرته ولا يدخله بما يكفي حتى يتنفس بطبيعية، ارتفع صدره بقوةِ انفعاله ليهبط بقوةٍ أشد قبل أن يُغمض عينيه ويُميل رأسه مريحًا لجبينه على جبينها.
صمت للحظاتٍ وهو يحاول التنفس بهدوءٍ وطبيعية ويعود لفتح عينيه، ومن الجهة المقابلة كان يلمح ارتفاع صدرها وهبوطه كحالته تمامًا، حينها ابتسم ابتسامةً تكاد لا تُرى وهو يطوّق وجهها بين كفيه، وبهمسٍ عاد لإغلاق عينيه : مستعدة نعيش مع بعض؟ كناس ولدوا من جديد وما كان لهم حياة؟ مستعدة تعيشين بفطرتي وفطرتك؟ بدون ماضي وبدون ناس ثانية بيننا؟
فتحت عينيها ببطءٍ والاستيعاب لازال مغادرًا لها ولم يكتمل لمُّ شمله مع عقلها، نظرت لوجهه أمام وجهها ودمعتها التي كابدت لتبقيها حبيسةً بين رموشها سقطت دون شعورٍ لتتلقفها كفه على وجنتها، فتح عينيه ليتقابل مع عينيها اللتين رآهما مشوشتين لعينيه من هذا القرب، لذا ابتعد قليلًا، وابهامه ترتفع ماسحةً على عضمة وجنتها إلى زاوية عينيها حتى يقمع تلك الدمعة التي سقطت في حين غرة.
أردف بخفوتٍ حازمٍ وهو يتأمل عينيها المهتزتين بعينيه، بصوتٍ انبعث إلى مسامعها كسيفٍ لا يقبل التراجع : من اليوم أنتِ زوجة شاهين، ما كنتِ أرملة أحد، من اليوم ما كان بيننا ماضي شين وكل اللي قبل انمحى! من اليوم أنا وأنتِ راح نبدأ حياة جديدة، بنسى كل شيء، كل شيء يا أسيل وأنتِ بدورك راح تنسين! بغيتي او لا راح تنسين.
أما بخصوص موافقتك على اللي أقوله فهي ما تهمني! لأني بكل الأحوال ما عاد بنتظر منك موافقة، أنا لو بنتظرك ماراح تجين، والعمر ماهو طويل، بس خلال هالعمر القصير راح تتغير مشاعرك تجاهي لأني ما أبي أعيش معاك! أنا أبيك أنتِ!
طموحي أنتِ! ماهي الحياة وياك وبس!
رمشت بعينيها مرارًا وتكرارًا وهي تشعر بغصةٍ تنحشر في بلعومها مانعةً كلماتها من الخروج، فتر الشعور لديها وروحها تتحشرج لكلماته التي بالرغم من قسوةِ نبرتها إلا أنها كانت ناعمةً أمام كل ما فعلته وكل السهام السامة التي جرحته بها، لن تنسى! تدرك ذلك وتدرك ما معنى اسم - متعب - في قلبها الذي تكون به، لن تنسى وكل كلمات شاهين لا توجعها بحجم ما يوجعها أنها لن تقوم بها سواءً برضاها أو بعدمه! لن تنسى واسم متعب يعبرها كصورةٍ لا تحترق، كرسالةٍ لا تُمحى.
تقوّست شفتاها وهي تنظر لعينيه الجامدتين بحزن، ومن ثمّ أغمضت عينيها وهي تهمس بحشرجة : آسفة يا شاهين، على كل شيء، على كل شيء!!
رقّت نظراته رغمًا عنه لنبرتها التي عبرت قلبه كنصلٍ جارح، لنبرتها المتحشرجة التي تسكن من بعدها النبرات وتتلاشى خلف جماح فتنتها.
ابتسم برقةٍ وهو يُحيط جسدها بذراعيه، وبهمس وهو ينحني بفمهِ إلى أذنها : ما كان فيه شيء تعتذرين عنه! نسيته، عيونك والله تنسيني كل شيء ، كل شيء ماهو حلو وتبقِّي الجمال اللي مثلك!


،


حين أصبحت الساعة تعانق الثالثةَ والنصف نظر إلى ساعةِ الحائطِ المُعلقةِ ليتنهد ويغلق التلفاز الذي قضى عليهِ منذ ساعاتٍ وهو لا يفقهُ شيئًا مما فيه، كل حوَاسه تتجه نحو نقطةٍ واحدة تمركزت حولها الحواس والخلايا وكل أعضاءِ جسده، تمركز حولها الضيق والأرق والعشق والجوى، تمركزت حولها الدماءُ النازفةِ من الصدور والقلب المُمتلئ بأحرفٍ تتوهج بين الأبجديات.
اتجه بنظراته نحو الغرفةِ وملامحه تتجمد خلف ضوءِ الصالة الضئيل الذي أخفضه كي تنام ولا تنزعج بتسلله إليها في مسيرةِ نومها. فكر قليلًا، هل يتجه إليْها؟ بالتأكيد ستكون نائمةً الآن لكن لمَ يشعر أنه مترددٌ من الذهاب إليها حتى وهي نائمة؟ لمَ يرى أن حصنًا هائلًا بُنيَ بينهما والمسافات التي ترتسم في المنتصف تزداد وتتضاعف في طولها آلآف الكيلومترات كي يتأخر التقاءهما أو ربما لن يحدث!
هاجم ضِعْف الضيق الذي يشعر بهِ قلبه ليصبح أضعافًا ويزفر بانفعالٍ ناهضًا بحنقٍ من معقدهِ ليتجه نحو غرفةِ النوم، دخلَ ليراها ممددةً على السرير غارقةً في نومٍ ينتشلهَا عن عالمٍ ينتشل هو بدوره الراحةَ من فؤادها، كانت متقوقعةً حول نفسها لتبدو لهُ كجوهرةٍ تتلألأ في عينيْهِ وتجذب كل الأنظار إليها، كانت تبدو كهالةٍ متوهجةٍ تجذب الفراشات إليْها لتقتلها في النهاية. اقترب منها ببطءٍ يطبع صورتها في قلبهِ الذي تحمّل بالكثير من صورها وباتت تلك الصورُ تشغر دورته الدموية، بات قلبهُ يضخّ صورها مع دمهِ الذي يتذوقها لتعود من جديدٍ بعد أن تمر بتضاريسِ جسدهِ إلى قلبه.
وقف للحظاتٍ عند السرير يُشرف عليها من عليائِه، ومن ثم انخفض ليجلس مادًا كفهُ حتى يُزيح شعراتها التي لازالت بعض الرطوبةِ تزاوله وهذا جعله يدرك أنها تحممت ونامت ببلل شعرها، قطّب جبينه دون رضا، ومن ثمّ زفر ليمد يدهُ نحو الكومدينة متناولًا جهاز التحكم بالتكييف حتى يُغلقه، عاد لينظر إليها بعينيه اللتين تلتهمان كل جزءٍ منها، وكل أعضائه تغرق بين عينيها وتنتهي عند اعوجاج ما بين حاجبيها الخفيفين، يختفي هو بين بياض بشرتها وبنيّة عينيها وتغرق كل حصونه بين رموشها.
تنهد بكبتٍ وهو يخفض شفتيه إلى جبينها مقبلًا لها. لم تكُن أقدارنا تريد لنا الراحة يا جيهان، لم تكن الحياةُ معنا ولم تُنصفنا الظروف حين ارتكزت على أضلعنا وضغطت بكفها الصقيعية فوق جبيننا، لم أكُن أنا المُستسلم للظروف ولذا فإنني بكل ما أستطيعه سأُمحور إيجابياتِها حولنا لنبقى ولا يبقى أمامنا ولا خلفنا الفراق.
نهض من مكانهِ ليدور حول السرير حتى يتجهَ للجهةِ الأخرى، ومن ثم تمدد بجانبها يمد ذراعيه حتى يُحيط خصرها الرقيق بروّيةٍ ورقة كي لا تشعر بهِ وتستيقظ، التصق صدره الدافئ بظهرها ليستقر في راحةٍ جعلته يسافر بعقله للنوم حتى دون أن يبدل ملابسه ويخلع ثوبه.


،


كان يلعب بغصنٍ يابسٍ بين أصابعه، يلوي فمهُ يمينًا ويسارًا ونظرةٌ ساخرةٌ تعتلي حدقتيه، يجلس في إحدى المقاعدِ الخشبيةِ في حديقةٍ فارغةٍ لا تشاركُه وحدتهُ فيها سوى صوت فحيح الأشجار وأصواتِ الحشرات ومواءِ القطط. تزوج شاهـين! ياللمتعة! ياللسعادةِ التي هو فيها الآن فالمتعمةُ جاءتْهُ بقدميها إليْه.
هل يظنّ شاهين أن سند قد يتركه؟ هل يظنّ أنني نسيت انتقامي وثأري منك؟ . . قادمٌ إليك يا شاهين، قادمٌ إليك بالموت وليس فقط الإنتقام.
تنحنح قبل أن يقفَ وهو يرفعُ كفّه اليمنى ويمسح على وجهه وابتسامتهُ تتّسعُ وتتّسع معها متعته، بلل شفتيه بلسانه قبل أن يصفر بانتصارٍ مبدئيٍ وفي لحظةٍ ارتفعت ضحكاته المجنونةِ مخترقةً سكُون المكان والريحُ تُشاركُ بصفيرها صوتَ ضحكاته.
يا الله! ما أجملهُ من حظٍ هذا الذي يدرُّ عليه بالأموال ومن ثمّ بالمتعةِ التي لا تُضاهيها متعةٌ أخرى، ما أجمل هذه السماءَ السوداء التي يختفي عنها البدرُ في صورةِ هلال، ما أجمل هذا السوادَ الذي يعكُس مافي صدرهِ والحقد.
سكَنت ضحكاته لتتحول أخيرًا لابتسامةٍ حاقدةٍ وعيناه تلتمعان بحقد، وبوعيد : جايّك ، جايّك يا شاهين فخلّك جاهز لي.


،


مع ارتفاع صوت أذان الفجر الأول كان جسدهُ ممددًا على السرير، صدرهُ مواجهٌ لظهرها الذي استكن مقابلًا لها دون أن ينوي النزوح، كان هادئًا في مكانه، عيناه لا تبارحان خصلات شعرها التي تنساب على الوسادة بنعومةٍ متموجة، وأنفاسه كانت شبه منتظمةٍ بينما أنفاسها التي تصل أذنيه كانت مضطربةً بعض الشيء، يُدرك صحوتها منذ لحظاتٍ كثيرةٍ ويشتمّ رائحة توترها في أنفاسها، تصطنع النوم منذ وقتٍ ليس بقصيرٍ وهو يُجاريها في ما تفعل. انحنى قليلًا ليُقبل رأسها ويستشعر بشفتيه تشنج جسدها، ومن ثمّ ابتعد عنها لينهض عن السرير متجهًا نحو الحمامِ حتى يغتسل ويتجهز لصلاة الفجر.
زفرت بقوةٍ ما إن سمعت صوتَ الباب، والنار تشتعل في وجنتيها اللتين تلتسعان بإحراجها، لم يكُن بوسعها أن تتجرأ على التصرف معه بعفويةٍ وانطلاق بعد كل ما فعلته . . كيف كانت بكل ذلك الغباءِ حتى تفعل ما فعلت؟ ما الذي فعلته يا أسيل؟ ما الذي فعلته؟؟

.

.

.

انــتــهــى.

نقُول الحين سبب الإهداء لك يا lllo0o0olllo0o0o :$ طبعًا ما شاء الله أنتِ بآخر بارت قبل لا أقفل الروايـة ذكرتي مسألة " زواج فواز بجنان " وما أذكر ان فيه أحد قبلك حطّها بباله ، ممكن يكون بعَد فيه بس اعذروني شغل الزهايمر ما يتركني.
عمومًا اذا فيه احد ذكر هالنقطة وأنا نسيت ياليت يعذرني ويعتبر البارت مهدى له :P


الزبدة بثبّت مواعيد البارت على - بارت كل أربعة أيام - وليس كل أحد وأربعاء، يعني اليوم أنا نزلت فبيكون البارت الجاي خلال اربعة أيام يعني الأحد، وبعدين الخميس وهكذا.
وإذا كان عندي مناسبة فبقدّمه يوم وقبلها ببلغكم :$



ودمتم بخير / كَيــدْ !



كَيــدْ 03-06-15 04:34 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 13 ( الأعضاء 4 والزوار 9)
‏كَيــدْ, ‏روبا نجد, ‏حكايه}.., ‏احساس مجنونه


- يا مرحبا فيكم :$ منورين ()



bluemay 03-06-15 08:54 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

بارت رائع تسلم ايديك



شاهين احسن التصرف وبصراحة اسيل ما بتجي إلا بالعين الحمرا الظاهر ...
الله يستر من سند نا ية على نية شينة .


فواز محتاج لزلزال ليحرك جيهان وزواجه من جنان هو اللي محتاجه .

جنان مسكينة بس ممكن تلقى السعادة معاه.


سلطان الله لطف فيه كان ممكن يروح فيها .


أدهم مختل عقليا ولا شو!!!
عبدالله رح ينقذ الموقف ، بس كيف رح تكون ردة فعل إلين.!



مميزة كعادتك وكلي شوق للجاي

تقبلي مروري وخالص ودي

°•○اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي○•°

fadi azar 03-06-15 10:53 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
فصل رائع جدا فرحنا بعودة الرواية

كَيــدْ 04-06-15 05:32 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 








السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباحكم خير وسعادة يا جميلين ()
كيفكم عساكم طيبين


طبعًا ما جيت عشان أصبح عليكم وأسألكم عن حالكم بس :/ جيت أعلّمكم بالشيء اللي اكتشفته أو نقول انتبهت له من شوي

كملنــا سنـة مع الروايـة من يوم نزلتها لهاليوم الجميل ده :c8T05285:


بدأت بالتنزيل 4 يونيو ولذلك احنا نكمّل سنة بمجتمع الروايـة
منتو ناوين تهدوني شيء من هنا والا هناك :$ :P
طبعًا عارفة انه لازم أنا أهديكم بارت بس أنا نزلت أمس لذلك ما ينفعش :biggrin:
عشان كذا أنتم اهدوني * فيس اللي مو قادر يوقف رقص * :56:
يلا يلا أهدوني شيء والا بسحب بارت الأحد لوووول.

عمومًا أنا حابة أقول اني مبسوطة كثير مو عشان مرت سنة وأنا لازلت أكتب بالرواية ، لا طبعًا أنا مبسوطة عشانه مر لي معكم سنة كاملة ❤️❤️

طبعًا هالروايـة ما كانت مجرد رواية، كانت مفتاح لصداقات كثيرة أنا مبسوطة فيها ❤️ وكانت شيء عظيم خلّاني أعرف كثير ناس جميلة :$

تمنيت فعلًا لو إني قدرت أنهي الرواية بأقل من سنة
ومن الحين متخوّفة يمر سنة ثانية وأنا اكتبها عشان كذا بشد حيلي وإن شاء شعارنا من اليوم " لا تقفيلات للروايـة بعد اليوم " :biggrin:
قوة قوة يا كيد يلا حمسوني عشان أخلصها في نص سنة وأقل :$$
وبالنسبة للحلوين اللي يقولولي دايم احنا ما نعرف نعلّق بالمنتدى ترى عادي تجوني في السايات مي أو الآسك أو حتى تويتر ، وترى لعلمكم فيه تاق بتويتر خاص بالروايـة جد عادي لما تكتبون فيه كلام من 140 حرف يبسطني ويحمسني كثير .. التاق هو #رواية_كيد
واذا ما عندكم تويتر فيه الكِك : __Qind
كثير يجوني فيه ناس تعلق وأنبسط كثير فيهم مع انه تعليقاتهم ماهي في المنتدى.

ولعلمكم ترى ملاحظة ان التعليقات صارت قليلة مرة حتى من قبل لا أقفل الروايـة ، قبل كنت أشوف تعليقات تحليلية وطويلة أرد عليها بموجز كامل من كثر النقاط فيها مو من كلمتين أو ثلاث.
صدقوني ترى حماس القراء مهم جدًا للكاتب، أنا لما أشوف حماس معاي ما ألاقي نفسي الا خلصت ثلاث مواقف بساعة وهذا كان قبل. وأذكر مرة خلصت بارت من حقين 30 صفحة بيوم ونص! مستوعبين! كنت وقتها بفترة فيها التعليقات طويلة وتحليلية ماهي ميّتة مثل الحين.
وحاليًا أنا لما يكون عندي فتور بالكتابة أروح للأسئلة القديمة في الآسك أو التعليقات اللي بالسايات مي أو تويتر وما ألاقي نفسي الا وطاقة كبيرة من الكتابة جتني.
وأنا حاليًا ما أشوف طلبي ذا عيب ، لأنه ببساطة حقي مثل ما حقكم اكتب وألتزم وتطالبوني بهالشيء.

يلا يلا خلونا حبايب وخلوا الناس تعرف انّ روايتي ماهي اقل من روايات 2012 اللي كان فيها حماس كبير حتى للرديء منها

+ أحبكم :$ وأكيد ما يهون عليكم تردون الجميلة كيد اللي تحبكم كثر ما تحب أبطالها -> أبو التعبير :biggrin:


لا تحرموني من دعائكم وكرمكم اللي ما أشوفه الا بالقطارة :mad:







bluemay 04-06-15 06:09 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
مباااارك حبيبتي

وتستاهلي يا قمر ..

موهبتك راقية ولولا ظروف بتحكمني ما انقطعت منك ..

واصلي وابدعي وبإنتظارك لنكمل المشوار على خير .


لك خالص ودي

°•○اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي○•°

لست أدرى 04-06-15 07:54 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
طيب يا حلوة .. أولا بقول الكلمتين اللى واقفين فى حلقى عالبارت وبعدين ارد عليكى ..

فيه نقطة مش فاهماها .. الحادثة اللى حصلت لغزل وسلطان .. طي بسلطان واضح انه توقع انه المحرض هو سلمان .. لكن غزل منين عرفت انه ابوها ؟؟؟ أكيد ماكانش هو سائق الشاحنة !! ولا هو مجرد توقع منها لأنها عارفه بكراهيته لسلطان وتهديداته .


النقطة الثانية ... دى صراحة جات لما قرأت آخر كام فصل جملة واحدة قبل ما ابدا فى البارتات الجديدة عشان استعيد الاحداث فلفتتنى نقطة فى تعبيراتك .

ايه هى ؟؟

لا حظت انك استخدمتى كذا مرة تعبيرا عن حالات الابطال وخنقتهم وضيقهم ، استخدمتى اسلوب بمعنى انه ثانى اكسيد الكربون متراكم بشدة فى الرئة ويرفض الخروج وفى المقابل الاكسجين يحاول الدخول ولا يجد منفذا " طبعا انتى مش قلتيها كده بس هو ده المعنى " .. المهم ، التعبير ده كان جميل جدا اول مرة وكان ممكن اعتبره فكرة مبتكرة واسلوب خاص بكيد اهنئها عليه .. بس ده اول مرة بس ... لكن اللى لاحظته يا كيد انك بتستخدميه كتير وبكده بيفقد جماله اولا ، بالاضافة انه نقطة سلبية فى حقك انك تكررى نفس التعبيرات بالشكل ده .


حاجه كمان شبهها برضه .. فى موقف ما استخدمتى تعبير لا اذكره بالضبط ولكن كان ايضا بمعنى ان الكالسيوم زادت كميته فتقريبا ادى الى توقف عضلة القلب ربما او لا اذكر زيادة انقباضها .. المهم انه بصفتى طبيبة صراحة لم احب هذا التعبير كأسلوب أدبى .. فمن رأيى ان المعلومات الطبية حينما تدخل فى الجانب الادبى فهى تفسده لا تثريه !! ربما الاكسجين وثانى اكسيد الكربون قد يتقبلهم القارئ لأنهم من صميم الحياة ولا غنى للانسان عنهم ، لكن هل تعتقدين ان القارئ المتذوق للادب سيستسيغ كلمة " كالسيوم " حينما تدخل فجأة هكذا فى وسط الكلام ؟؟ عن نفسى لم استسغها ، لا اعرف ماذا عن البقية !!

اعذرينى كدو .. انت تعرفين استمتاعى بأسلوبك وكم علقت عليه وقلت انك كاتبة مبدعة وتملكين قدرة مدهشة على اللعب بالكلمات واستخدامها لصالحك ، والا ماكنت وجدتينى فى الرواية حتى الآن .. لكن حقك على ايضا انى عندما اجد نقطة لا تعجبنى اشير لكِ بها ..


وبالتوفيق يا غالية .

لست أدرى 04-06-15 08:00 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كَيــدْ (المشاركة 3538253)








السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباحكم خير وسعادة يا جميلين ()
كيفكم عساكم طيبين


طبعًا ما جيت عشان أصبح عليكم وأسألكم عن حالكم بس :/ جيت أعلّمكم بالشيء اللي اكتشفته أو نقول انتبهت له من شوي

كملنــا سنـة مع الروايـة من يوم نزلتها لهاليوم الجميل ده :c8T05285:


بدأت بالتنزيل 4 يونيو ولذلك احنا نكمّل سنة بمجتمع الروايـة
منتو ناوين تهدوني شيء من هنا والا هناك :$ :P
طبعًا عارفة انه لازم أنا أهديكم بارت بس أنا نزلت أمس لذلك ما ينفعش :biggrin:
عشان كذا أنتم اهدوني * فيس اللي مو قادر يوقف رقص * :56:
يلا يلا أهدوني شيء والا بسحب بارت الأحد لوووول.

عمومًا أنا حابة أقول اني مبسوطة كثير مو عشان مرت سنة وأنا لازلت أكتب بالرواية ، لا طبعًا أنا مبسوطة عشانه مر لي معكم سنة كاملة ❤️❤️

طبعًا هالروايـة ما كانت مجرد رواية، كانت مفتاح لصداقات كثيرة أنا مبسوطة فيها ❤️ وكانت شيء عظيم خلّاني أعرف كثير ناس جميلة :$

تمنيت فعلًا لو إني قدرت أنهي الرواية بأقل من سنة
ومن الحين متخوّفة يمر سنة ثانية وأنا اكتبها عشان كذا بشد حيلي وإن شاء شعارنا من اليوم " لا تقفيلات للروايـة بعد اليوم " :biggrin:
قوة قوة يا كيد يلا حمسوني عشان أخلصها في نص سنة وأقل :$$
وبالنسبة للحلوين اللي يقولولي دايم احنا ما نعرف نعلّق بالمنتدى ترى عادي تجوني في السايات مي أو الآسك أو حتى تويتر ، وترى لعلمكم فيه تاق بتويتر خاص بالروايـة جد عادي لما تكتبون فيه كلام من 140 حرف يبسطني ويحمسني كثير .. التاق هو #رواية_كيد
واذا ما عندكم تويتر فيه الكِك : __Qind
كثير يجوني فيه ناس تعلق وأنبسط كثير فيهم مع انه تعليقاتهم ماهي في المنتدى.

ولعلمكم ترى ملاحظة ان التعليقات صارت قليلة مرة حتى من قبل لا أقفل الروايـة ، قبل كنت أشوف تعليقات تحليلية وطويلة أرد عليها بموجز كامل من كثر النقاط فيها مو من كلمتين أو ثلاث.
صدقوني ترى حماس القراء مهم جدًا للكاتب، أنا لما أشوف حماس معاي ما ألاقي نفسي الا خلصت ثلاث مواقف بساعة وهذا كان قبل. وأذكر مرة خلصت بارت من حقين 30 صفحة بيوم ونص! مستوعبين! كنت وقتها بفترة فيها التعليقات طويلة وتحليلية ماهي ميّتة مثل الحين.
وحاليًا أنا لما يكون عندي فتور بالكتابة أروح للأسئلة القديمة في الآسك أو التعليقات اللي بالسايات مي أو تويتر وما ألاقي نفسي الا وطاقة كبيرة من الكتابة جتني.
وأنا حاليًا ما أشوف طلبي ذا عيب ، لأنه ببساطة حقي مثل ما حقكم اكتب وألتزم وتطالبوني بهالشيء.

يلا يلا خلونا حبايب وخلوا الناس تعرف انّ روايتي ماهي اقل من روايات 2012 اللي كان فيها حماس كبير حتى للرديء منها

+ أحبكم :$ وأكيد ما يهون عليكم تردون الجميلة كيد اللي تحبكم كثر ما تحب أبطالها -> أبو التعبير :biggrin:


لا تحرموني من دعائكم وكرمكم اللي ما أشوفه الا بالقطارة :mad:







أولا ألف مبروك يا حبيبتى .. وعقبال ما حتفل بانتهاء الرواية باذن الله .. وان كان دى اللحظة اللى ماحدش فينا بيحبها اطلاقا ،لأننا لا نقوى على فراق ابطالنا المحبوبين .


بالنسبة للاهداء .. ابشرى ، بس افضى بس وافكرلك باهداء حلو يرضيك يا بنوتة


نيجى بقى لآخر نقطة .. بتتكلمى عن الردود والمتابعة ... مالومك ده من حقك .. بس كمان يا عسل زى ما بتحبى تلاقى ردود ، فاللى بيرد بينتظر منك اهتمام برده برضه .. انا ماحبش الفت نظر حد لكده ولا عمرى طلبت اهتمام من كاتبة بردودى ، بس صراحة يوم ما الاقى واحددة منكم بتشتكى من قلة الردودد غصب عنى اقولها " طيب واللى بيردوا فين اهتمامك بيهم ؟؟؟ " ... اعتقد انه فيه ردود ليا من قبل قفل الرواية .. هل شفتيها اساسا ؟؟!!!

طُعُوْن 04-06-15 08:39 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
وهذي الهدية يا هنو وصلتك😊✋
اتمنى تعجبك..

http://cdn.top4top.net/i_6ffe2e05bb0.jpg


🙊🙊🙊🌚

كَيــدْ 04-06-15 08:44 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 







أولا ألف مبروك يا حبيبتى .. وعقبال ما حتفل بانتهاء الرواية باذن الله .. وان كان دى اللحظة اللى ماحدش فينا بيحبها اطلاقا ،لأننا لا نقوى على فراق ابطالنا المحبوبين .

- الله يبارك فيك يا غالية
أكيد كلنا ننتظر لحظة تتويج الرواية بين المكتملة وبنفس الوقت ما يهون علينا نفارق الأبطال


بالنسبة للاهداء .. ابشرى ، بس افضى بس وافكرلك باهداء حلو يرضيك يا بنوتة

- حبيبتي والله بكون مبسوطة بأي شيء منك ما انحرم يارب ()


نيجى بقى لآخر نقطة .. بتتكلمى عن الردود والمتابعة ... مالومك ده من حقك .. بس كمان يا عسل زى ما بتحبى تلاقى ردود ، فاللى بيرد بينتظر منك اهتمام برده برضه .. انا ماحبش الفت نظر حد لكده ولا عمرى طلبت اهتمام من كاتبة بردودى ، بس صراحة يوم ما الاقى واحددة منكم بتشتكى من قلة الردودد غصب عنى اقولها " طيب واللى بيردوا فين اهتمامك بيهم ؟؟؟ " ... اعتقد انه فيه ردود ليا من قبل قفل الرواية .. هل شفتيها اساسا ؟؟!!!

- ممم قبل أي شيء بقوله، مافيه أي تعليق ممكن يمر وما أشوفه
أنا ممكن أشيّك على المنتديات اللي أنزل فيها كل ساعة أو ساعتين وما أبالغ بهالشيء

أنا حاليًا كنت أرد في المنتدى المجاور وناوية اخلص وأرجع لليلاس والمنتدى الثالث
مستحيل أتجاهل التعليقات بكامل إرادتي وأحاول أضغط على نفسي عشان أرد عليها
أما التعليقات السابقة فكانت بفترة انا كنت مضغوطة وزين مني احصل وقت اكتب وأنزل
فالأولوية كانت للتنزيل في المقام الأول
وأنا أول ما فتحت الروايـة تمنيت أرجع للتعليقات اللي قبل بس هي تكدّسات اللي ما قدرت أعلق عليها قبل وصعب جدًا صعب أرد عليها كلها وبثلاث منتديات! بس أنا أفكر أرجع لها وأجمع التساؤلات والإستفسارات وأرد عليها برد واحد بس التعليقات كلها صعب أحصل وقت كافي عشانها
وللمرة الثانية أنا لما أترك أي تعليق ما أتركه متعمدة! وهذاني مقررة أجلس على التعليقات ثلاث ساعات متواصلة وإذا قدرت بجمّع اللي قبل مع اني تعبانة وصايمة! لكن لعيونكم تكرم مدينة وماراح أرد لكن طلب

أنتم على عيني وراسي والله ❤️❤️


كَيــدْ 04-06-15 08:56 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 







اول شيء ابدأ بسيف.. يرفع الضغط يختي..
والمسكينه ديما من كثر ماهي متشفقة على كلمة حلوة منه ماعاد هي تصدق لو قالها مسخره او انه صدق يعنيها.. بس الصدق خلاص جا الوقت
اللي تقوي نفسها فيه.. بالذات لو عرف انها حامل.. بتكون صفعة له تساوي ظلمه واستعباده لها 3 سنين.. بتكون وقتها اعلنت التمرد بحق وحقيقة..

- بسم الله عليك من رفعة الضغط :P
طبعًا هي أعلنت التمرد من يوم صارت تناوشه وتعانده
وحملها هذا ممكن من الجهة الثانية يولّد ردّة فعل قاسية من ناحية سيف وتنقلب الآية!



جيهان.. البنت ذي ما اطيقها.. يعني مو كفاية قرفتنا بسالفتها.. بدال ما تستفسر عن اللي صار ولا تقعد تحلل من عقلها وتفسر على كيفها تقوم تسحب فواز معها عالطريق نفسه.. لا وتقول ايش انت تدري اني اخاف من السرعه وتعاندني ووووووووووووووع<< حوّمت تسبدي

.
.

وانت يا الأبله وش صار فيك.. واذا فارقتها وش صار.. يعني مو من حلات ايامكم مع بعض عشان شوي وتبكي عليها.. صدق لا قالوا الطيور على اشكالها تقع.. يعني الصدق كانت عاجبتني شخصية فواز.. بس البارت ذا رفع ضغطي.. خير وش فيه..؟

- هههههههههههههههههههههههههه قتلتيني الله يهديك بس
هذا اللي تكره جيهان وتدافع عن فواز فجأة كذا قلبت عليه :P



إلين او نجلاء.. ايًا كانت.. ام اسمين ذي.. الحين وش سالفتها هي وامها..؟ وليش انقلب وجه سهى يوم عرفت؟؟ وليه مضخمين الموضوع لهالدرجة؟؟
و سهى ايش سألت ادهم وانصدم؟؟

- هذا كل حاي بالطريق لا تستعجلين على رزقك :)


عبدالله.. الحين وش ذنب هاله صدق.. يعني وحده حظرت زواج.. بالله بيخطر على بال اي احد انها بتهرب بفستانها وعفشها..

.
.
سلطان وغزل.. اتوقع انو احمد حاقد على غزل عشانها ماجابت له الأوراق اللي يبيها.. عاد هو بايع ضميره يعني ما رح يهتم من الأساس.. او انهم الناس اللي قتلوا ابوه.. مع اني اتوقع انو احمد..

- ممم مو لازم حقد لأنه بيصير سبب بايخ! هو في النهايك راح يستفيد منها وشوله يقتلها؟؟


نجي آخر شيء للعرسان.. الحين ادهم بس جلس يتمقل في اسيل..؟ انا توقعت يعطيها كم كلمة في العظم عشان كلامها معه في الجوال..
المهم انو الشيطان ترك اسيل وتمسك في فواز😂👊

- شهد لا جد أنتِ تبين من يجلدك :( صرنا بالبارت 33 وأنتِ يا تقولين شيهان يا تقلبين اسمه .. هذي اللي يبيلها جلد والله :(((


وارجع اقولك انا مفتونه بالسرد.. باخذ عندك كورسات مالي شغل👌🙊

- ههههههههههههه حبيبتي والله تراكم معطيني أكبر من حجمي شوي وأغتر :$$$


كان عندي كلام وش كثره بس يوم بدأت اكتب طار😁✋

- يا كثر ما يضيع كلامك الحلو :mad:




كَيــدْ 04-06-15 09:17 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 






السلام عليكم كدو ... حمدا لله على سلامتك ياقمر .. وعسى ابليتى جيدا فى امتحاناتك

- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الله يسلمك يا بعدي وإن شاء الله الأحوال تمام


نيجى للبارت .. أول تعليق لى انه ماظهر حاجه تانى عن تميم والملثم اللى راح لسند ش مجرد بس الشخصيات الرئيسية اللى اتعودنا عليها .. عايزين الجديد يا حلوة

- طبعًا كل شخصية راح يكون لها دور وأكيد الظهور في وقته
سواءً ظهور تميم الخاص او سند أو أرجوان أو ابراهيم أو حتى ماجد صديق هيثم! كلهم راح يكون لهم ظهورهم وقت ما تبي الأحداث وأنا راسمة دور كل شخصية في بالي


برجوعى للبارت اللى فات لقيت توقع تانى عن موضوع الرسايل اللى بتيجى لسلطان ... حاسة انه تميم ليه علاقة بالموضوع .. ازاى ؟؟ ماعرفش ... بس هو كان فاتح الملاحظات عايز يكتب حاجه وبيفكر اكتب ايه المرة دى !!! وكمان بيقول انه لسه مابدأش يستمتع اوى بالموضوع !!! يعنى حاسة انه فيه حد استخدم تميم عشان يرسل لسلطان رسايل يشتت بيها ذهنه ربما عشان يبتعد عن تفكيره فى المجرم الحقيقى .. واللى اعتقده كمان انه تميم نفسه مش عارف هو بيعمل كده ليه ؟؟ وزى ماقلت قبل كده انه بيستخدم برنامج بيظهر ارقام مش حقيقية على انها من اماكن مختلفة فى العالم وهى فى اصلها كلها من رقم واحد ومكان واحد .

- أنتِ بكل دهشة لك تحليلات ذكية! سواءً كان توقعك صحيح أو لا بس عندك مهارة في تحليل كل نقطة وكل جزئية بكل ذكاء بسم الله عليك. مافيه شيء يمر مرور الكرام عند عيونك الله عليك بس!!
محد قبلك حلل فتحه للملامحظات وعبارته القصيرة اللي ممكن لها معاني كثيرة وحتى ابتسامته الخبيثة وكل حركة!
برافو عليك! جد برافو أموت أنا بالتعليقات التحليلية مثل تعليقاتك
واعرفي انه ما يسوى عندي امر على تعليق لك وما أرد عليك بس الظروف والصغوطات تحكم :(

طبعًا فيه نقطة بالجزء الجاي تحتوي سيرة تميم
عاد ذي مدري ليه حاسة انك راح تجيبينها ماشاء الله وراح تكتشفين منها شيء :))


مين تانى ... بالنسبالى مافيش جديد بين غزل وسلطان .. منتظرة انقضاء الفترة الوردية ورجوعنا للكوارث تانى بعد انكشاف الحقائق .. لا اخفيك علما انه ده الثنائى المفضل عندى واللى ممكن اقرأ البارت كله بسرعة إلا الجزئية الخاصة بيهم لازم اتمعن فيها وفى كل كلمة وهمسة ولمسة .


- هذا الثنائي من الجهة الثانية من الثنائيات اللي لما اكتب عنهم أكتب برويّة لأنه يهمني التدقيق في كل شيء يخصهم وخصوصًا غزل


نيجى للثنائى المتزوج حديثا .. شاهين واسيل .. انا حابة شخصية شاهين ، بس مش طايقة اسيل واسلوبها الحقير والدلوع ده .. اتمنى شاهين يربيها ويعرفها ان الله حق .


جيهان وفواز .. مازلت مش بحب الثنائى ده .. على قد مابشوف جيهان أنانية ونظرتها ضيقة وكنت شايفة انها الطرف الجانى فى العلاقة دى .. الا انى فى الموقف الاخير كنت هتجنن من فواز وكنت حاسة انى لو مكانها كان ممكن اقتله او اولع فيه !!! يا سلام ياخويا .. حبكت يعنى الانفعالات تاخدك دلوقتى ؟؟ مانت عايش فى الغم ده طول الوقت ايه الجديد يعنى !!! لا واللى يفقع المرارة انه كان بيفكر فى خوفه من فقدانها ... اديك كنت هتقتلها يا فالح !!!

- هههههههههههههههههه فواز جنن الكل :(( تقريبًا أغلب محبينه بدأو يكرهونه ، وراه يا جماعة :(؟!
ههههههههههههه فيه جديد يختي والضغط صار ضغطين مو بس جيهان صار فيه جنان بعد :$


صحيح يا حلوة .. ازاى مافيش اخبار عن ابو فارس ... لحد دلوقتى ماعرفناش ايه اللى حصله وايه المضاعفات اللى حصلت فى العمليه ؟؟ وجنان نفسها حصلها ايه ؟؟

- بيكون فيه تفصيل أكبر عنه في الأجزاء الجايـة


مين تانى ... آآآه إلين وأدهم وسهى ... هموت واعرف ايه السؤال اللى سهى سألته لأدهم ده ؟؟؟ وكل ده سايبة البنت ملطوعة فى المجلس لوحدها ياختى ؟؟؟ شكلها مش هتلحق تتكلم معاه وهتلاقى عبدالله جاى يشدها من شعرها !!! ربنا يستر

- هههههههههههههههه تعبيراتك تضحكني يختي
قد قلت لك قبل أنا أستمتع وأنا أقرا لهجتك في التعليقات ، تعطي تعليقاتك نكهة خاصة ما انحرم يارب ()


نسيت حد ؟؟؟ مش فاكرة دلوقتى

يلا حمدا لله على السلامة تانى مرة ... واكيد لو افتكرت حاجه هرجعلك يا قمر


سلامات



الله يسلمك حبيبتي وممنونة لتعليقك الرهيب (())


كَيــدْ 04-06-15 09:25 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة bluemay (المشاركة 3538103)
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

بارت رائع تسلم ايديك



شاهين احسن التصرف وبصراحة اسيل ما بتجي إلا بالعين الحمرا الظاهر ...
الله يستر من سند نا ية على نية شينة .


فواز محتاج لزلزال ليحرك جيهان وزواجه من جنان هو اللي محتاجه .

جنان مسكينة بس ممكن تلقى السعادة معاه.


سلطان الله لطف فيه كان ممكن يروح فيها .


أدهم مختل عقليا ولا شو!!!
عبدالله رح ينقذ الموقف ، بس كيف رح تكون ردة فعل إلين.!



مميزة كعادتك وكلي شوق للجاي

تقبلي مروري وخالص ودي

°•○اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي○•°





وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
من ذوقك يا بعدي ()

شاهين واجه تصرفاتها الوقحة بالأسلوب اللي خلّاها تخحل من نفسها وتبلع وقاحتها

أدهم بدينا نشك ان عنده انفصام ، لووول.
بس هو في قرارة نفسه مايبيها في رعايته لأنه يعرف انه ماهو المناسب لهالوضع وإنّ الأفضل لها تكون في عهدة عبدالله


شكرًا لمرورك ()



كَيــدْ 04-06-15 09:27 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة fadi azar (المشاركة 3538177)
فصل رائع جدا فرحنا بعودة الرواية



شكرًا لك ()


كَيــدْ 04-06-15 09:45 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 9 ( الأعضاء 5 والزوار 4)
‏كَيــدْ, ‏روبا نجد, ‏سوالف الماضي, ‏طُعُوْن, ‏هنودة البنودة




صباحية مباركة يا عرايس :$$

^ اعذروني فصلة النوم ههههههههههههههههههه



كَيــدْ 04-06-15 09:50 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




اعذروني عزيزاتي بكمل رد على التعليقات بكرة الصبح او قبله
راسي مليان نوم ومصدعة وخايفة لا أكلج وأجيب العيد بالحكي :( مو قادرة اركز والله وحاسة بشويّة تعب


المعذرة يا جميلات ومنك أنتِ خصيصًا لست أدري
ترى أنتِ أكثر وحدة أستحي منها من متابعاتي :$




كَيــدْ 05-06-15 02:05 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة bluemay (المشاركة 3538257)
مباااارك حبيبتي

وتستاهلي يا قمر ..

موهبتك راقية ولولا ظروف بتحكمني ما انقطعت منك ..

واصلي وابدعي وبإنتظارك لنكمل المشوار على خير .


لك خالص ودي

°•○اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي○•°





الله يبارك فيك يا الغلا ما انحرم منك يارب :$
أعتز برأيك ومعذورة يا الغالية كلنا تصير لنا ظروف تمنعنا من أمور ثانوية كثيرة

تحياتي لك ()


كَيــدْ 05-06-15 02:28 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 















طيب يا حلوة .. أولا بقول الكلمتين اللى واقفين فى حلقى عالبارت وبعدين ارد عليكى ..

فيه نقطة مش فاهماها .. الحادثة اللى حصلت لغزل وسلطان .. طي بسلطان واضح انه توقع انه المحرض هو سلمان .. لكن غزل منين عرفت انه ابوها ؟؟؟ أكيد ماكانش هو سائق الشاحنة !! ولا هو مجرد توقع منها لأنها عارفه بكراهيته لسلطان وتهديداته .

- بالنسبة لهالنقطة
فغزل ما كانت تحتاج ذكاء عشان تعرف هو هو من أبوها أو لا
هي أكيد قبل لا تكون عارفه بخبثه تعرف أساليبه، + لا ننسى إنّها بهالفترة تحت ضغط أبوها وعارفه انه هادف لأمور كثيرة تخص سلطان وفهد وأوراق ومعلومات راح نعرف عنها أكثر في البارت الجاي والبارتز اللي راح تجي وراه
لذلك أي هجوم مثل ذا كانت ببساطة راح تعرف مين اللي وراه .. بس السؤال، هو كان يقصد سلطان بروحه والا سلطان وغزل؟ والأهم من ذا كله ... اللي ورى هذا بالفعل أحمد والا سلمان والا أحمد وسلمان؟؟


النقطة الثانية ... دى صراحة جات لما قرأت آخر كام فصل جملة واحدة قبل ما ابدا فى البارتات الجديدة عشان استعيد الاحداث فلفتتنى نقطة فى تعبيراتك .

ايه هى ؟؟


لا حظت انك استخدمتى كذا مرة تعبيرا عن حالات الابطال وخنقتهم وضيقهم ، استخدمتى اسلوب بمعنى انه ثانى اكسيد الكربون متراكم بشدة فى الرئة ويرفض الخروج وفى المقابل الاكسجين يحاول الدخول ولا يجد منفذا " طبعا انتى مش قلتيها كده بس هو ده المعنى " .. المهم ، التعبير ده كان جميل جدا اول مرة وكان ممكن اعتبره فكرة مبتكرة واسلوب خاص بكيد اهنئها عليه .. بس ده اول مرة بس ... لكن اللى لاحظته يا كيد انك بتستخدميه كتير وبكده بيفقد جماله اولا ، بالاضافة انه نقطة سلبية فى حقك انك تكررى نفس التعبيرات بالشكل ده .

- مشكورة على هالملاحظة الحلوة عشاني ، أنا أكتب وأنسى كثير إني عرضت هالتشبيه قبل، خصوصًا إنّي من الناس اللي تعبّر عن الإختناق بكثرة وتحب استخدام مصطلح " الأكسجين "
كثير أكتب عن الاختناق بعفوية بس ما أنتبه انا كتبت بهالتشبيه أو لا وتوني أنتبه اني ذكرت تكدّس ثاني أكسيد الكربون اكثر من مرة


حاجه كمان شبهها برضه .. فى موقف ما استخدمتى تعبير لا اذكره بالضبط ولكن كان ايضا بمعنى ان الكالسيوم زادت كميته فتقريبا ادى الى توقف عضلة القلب ربما او لا اذكر زيادة انقباضها .. المهم انه بصفتى طبيبة صراحة لم احب هذا التعبير كأسلوب أدبى .. فمن رأيى ان المعلومات الطبية حينما تدخل فى الجانب الادبى فهى تفسده لا تثريه !! ربما الاكسجين وثانى اكسيد الكربون قد يتقبلهم القارئ لأنهم من صميم الحياة ولا غنى للانسان عنهم ، لكن هل تعتقدين ان القارئ المتذوق للادب سيستسيغ كلمة " كالسيوم " حينما تدخل فجأة هكذا فى وسط الكلام ؟؟ عن نفسى لم استسغها ، لا اعرف ماذا عن البقية !!

- زيادة الإنقباضات*
مممم أنتِ ممكن ما تعرفين بهالخصوص من قبل بس فيه أكثر من أسلوب يعتمد عليه الكاتب في تشبيهاته
في أسلوب فلسفي، فيه أسلوب علمي، فيه أسلوب طبّي تلاقين الكاتب فيه يعبر عن الدم والمخ والقلب والخلايا ووووو الخ ، لذلك أنا ما أشوف في هالأسلوب غلط لأني أقراه كثير بس يمكن مثل ما قلتِ فيه ناس ما تحبه بس فيه ناس ثانية لا!
وما ننسى إن للأدب أشكال تدخل فيه كل أشكاليات الحياة. بس أنا فعليًا أحب الأسلوب الشاعري أكثر بس في النهاية أسلوبي مختلط ما بين هنا وهناك وأحب أتعمق في الشاعري لذلك أنا حاليًا أحاول أتقنه بإذن الله


اعذرينى كدو .. انت تعرفين استمتاعى بأسلوبك وكم علقت عليه وقلت انك كاتبة مبدعة وتملكين قدرة مدهشة على اللعب بالكلمات واستخدامها لصالحك ، والا ماكنت وجدتينى فى الرواية حتى الآن .. لكن حقك على ايضا انى عندما اجد نقطة لا تعجبنى اشير لكِ بها ..

- مافيه داعي للإعتذار فديتك ❤️ أنا بالعكس أحب لما الشخص يقول آراءه من كل النواحي ومن ايجابيات وسلبيات يشوفها بالروايـة وما أزعل أبدًا لأن هالشيء يطوّرني أنا ويصب في مصلحتي


وبالتوفيق يا غالية .

لي ولكِ يا جميلة ()





كَيــدْ 05-06-15 03:29 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طُعُوْن (المشاركة 3538286)
وهذي الهدية يا هنو وصلتك😊✋
اتمنى تعجبك..




🙊🙊🙊🌚




الله الله بس! التصميم جميل يا شهود ❤️❤️
والكلمات أروع ومطابقة جدًا لأدهم
أول هدية وتفتح النفس عساني ما انحرم من هالجمال :$$

يسلملي قلبك كرري هالإبداع ()



كَيــدْ 06-06-15 01:44 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ()
مساء الخير

بخصوص اللي محتارين عن ماهية الهدية اللي بيهدونها لي بمناسبة مرور سنة على الروايـة هذي وحدة من الجميلات كتبت كلمات لأدهم وصممت شيء جميل وحليو :$$

http://cdn.top4top.net/i_d9699c2b0e0.jpg

عاد ذا مثال مو لازم تكتبون ممكن تقتبسون وممكن ما تصممون حتى! كل شخص وابداعاته ورونا فيها يلا :D

عندكم مثال ثاني وهي هدية مني إلي :P
عاد قلت ماني أقل من أحد عشان ما أهديني ما أحلاني بس :$$

http://cdn.top4top.net/i_b7b81da2570.jpg

تعلموا من ابداع طعون وابداعي ، لووول.
تراني مصرّة على سالفة الإهداء ذي لا تسحبون علي هاه :(


##


طُعُوْن 07-06-15 01:48 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
صباح الخير..

أدهم.. صراحة ماكنت متأملة منه يرحب بإلين..
يعني ردة فعله متوقعه جدًا..
بس معقولة سهى عرفت انه تحرش بإلين🙆🙆
.. و الهروب مو حل لأي مشكلة.. المفروض يواجه
مشاكله بنفسه..

"لمَ جئتِ؟ لمَ جئتِ لتستثيري كل هذا؟ لمَ جئتِ؟ ألم تدركي أنّ الكوكب حين يصبح في أقصى المجموعةِ الشمسية لا تصله الشمس؟ إذن كيفَ أشرقتِ على أرضي المظلمة؟ كيف نثرتِ ضوئكِ في كل زاويةٍ ولم تنالي مركز ذلك الكوكب الذي ينبعث الظلام منه؟ . . . لـمَ جئتِ؟ حتى يتغلف هذا الوجعُ في صدري ويسكنُ جوفي الآه! "

الحين هو يخاطب إلين والا عمته؟؟ مافهمت😁

،

فواز.. ياني حقدت عليه.. مع انو ماقد توضحت لنا السالفة كامله بس احس ماله عذر.. يعني لو نقول ابو جنان عرضها عليه كان يقدر يرفض ببساطة.. يقوله انا احب زوجتي ومالي خاطر بغيرها.. بس لا لازم يسوي نفسه انا الشهم اللي ما ارد الرجال وابو صديقي.. والحين خايف من فراق جيهان.. هماك انت اللي جايبها لنفسك..
..
الصدق اول مره ارحم جيهان.. صح انها ترفع الضغط ولسانها وش طوله وعقلها مقلوب بس ما كان المفروض يستغفلها فواز.. المفروض يقولها وهي تقرر تقعد معه او لا وبعدها يتوكل يتزوج لين تطق
روحه من الزواج.. مو يتزوج وبعدها يعاملها ببرود وجفاء .. في النهاية هي زوجته ولها حق تعرف..

،

كمان جنان مالها ذنب.. مع انها حتى هي اتوقع كانت تقدر ترفض.. يعني من اول ما قالها فارس عن خطبة فواز على طول قالت بفكر.. يعني حتى قبل تعرف انو ابوها اللي خطب فواز لها.. المفروض حتى ما تفكر ترفضه على طول.. وش ذا..
كمان ابو جنان ماله عذر.. قاعده ادور لشيء منطقي ابرر فيه سواته بس مالقيت..!

..

اسيل وشاهين<< ترا عدلت الإسم😂
المهم.. زين انو اسيل هاجده.. بس مانفع معها الا العين الحمرا.. قبل يوم شاهين متساهل معها كانت تهايط وعلى فني احب متعب وما اقدر انساه واتزوج اخوه..
مين حدّك توافقين طيب<< ابثرتنا ترا.. خليها تتعدل لا يجيها طراق بمشعاب جدتي👌

،

سلطان و غزل.. اوف وصلت بأحمد انو يحاول يقتلهم.! وش سببه..؟ والا معقوله
يكون تميم .. يعني بما انو عنده اجازه من
جده وهو يحب المعالم التاريخية يمكنه جاي يشوف قصر المصمك هههههههههههههههههههه امزح يا هنو ✋ بس جد يمكن مثل ماقالت " لست أدري" انو يكون تميم هو اللي يرسل لسلطان وانو توها لعبته ما بدأت..!

بس زين انو نزل سلطان من السياره عشان يروح لغزل.. والا كنا الحين قاعدين نلملم عظامه المسكين.. وكمان حلو انو انتبه لـ لوحة السيارة.. يمكن توصلهم للفاعل والسبب.. مع اني ما اعتقد انهم اغبياء لدرجة يسوون حركة مثل هذي وقدام قاعة زواج بـ لوحة سيارة مسجله بإسمهم.. يمكن الشاحنه مسروقه.. او مستأجرينها بإسم مزيف..

..
غزل.. شعورها صعب جدًا.. مهما تلبست اللا مبالاة.. الا انو لو "صح تفكيرها" فـ يبقى ابوها.. واللي كان يبي يقتلها بنته..
احس ماهو للدرجة ذي مات قلبه..! مع انو اذا شخص تعوّد عالقتل مارح يصعب عليه اي شيء.. بالذات لو كان يحب نفسه فوق كل شيء بالدنيا.. ويمكن تكون الحادثه ذي بداية لـ كشف اسرار كثيرة..

.
.

عالطاري.. هذا اللي اسمه ابراهيم واللي معه.. اللي حاقدين على سلطان مدري ليش.. مالهم طاري من فتره.. عسى ضلوعهم تدقدقت بس..!

،

عبدالله.. ايش اللي كان ينسي نفسه اياه..!
وايش الشيء اللي يحاول تكذيبه واللي قالته له هاله..؟ يعني قصده انو الين هربت والا شيء ثاني؟؟ وليش عبدالله خايف على إلين من أدهم.. معقوله انو عرف باللي صار بينهم يوم رجعها الدار؟؟ احس في شيء صار بينهم وللحين ما توضح..!

..

فارس.. دامك عارف انو اختك رح تحس بالنقص من طريقة الزواج وراك ما حاولت تقنع ابوك يرجع عن اللي يفكر فيه..
صراحة انا بدأت اشفق على فواز.. زوجتين وكل وحده اخس من الثانيه.. قصدي
من ناحية النفسية طبعًا.. الحين جيهان وعارفين علّتها من بداية الرواية.. بس جنان الحين بتفسر كل شيء على اساس انو ابوها ما يحبها وانها بنت مسيار..! قالوا لك يا فواز اقعد على مجنونك لا يجيك اجن منه.. اسأل الله لك الثبات.. والصبر والأجر على ما ابتليت بس.. ان كان وحده وتحبها
ومتحمل بثارتها عشان حبك لها.. اجل الثانيه وش بتسوي.. دا انتا حتتنيل بستين نيلة واللهِ..!

..
يوسف .. اتخيل اذا جات عنده جيهان بعد ما تعرف عن زواج فواز.. هذا طبعًا اذا جات عنده وفواز لسى على قيد الحياة .. الله يرحمه كان طيب.. المهم يا انو بيوقف معها
وترجع علاقتهم تمام مثل قبل موت امها.. او انو ما بيتدخل وبيحاول يصلح بينهم على اساس الشرع حلل اربع.. وانو بيتفهم فواز وموقفه وبيقعد يقدم لها اعذار مارح تقنعها وبكذا تكرهه اكثر.. مع انو اي وحده تكره ابوها متخلفه.. الأب جنة.. المهم البثره حقتنا يمكن وقتها توافق عالعلاج النفسي..
وتحب عناد وتخلي فواز يطلقها وانتي حلي الباقي من عندك😂✋

..

بس يا انو هيثم خبيييييث.. عرف ينتقم منها صراحة..

،

نرجع لشيهان واسيل..
"أكمل شاهين بشرودٍ وابتسامته تلك تتلاشى : ما فرحني بهالليلة إلا فرحتها."

بصراحة مابي اتشمت.. بس برّد لي قلبي بكلماته.. تستاهل اسيل اللي قاله.. يعني يحق لها تجرح وهو لا..! خليها تذوق طعم مرارة الجرح لو مره بحياتها.. مثل ما تدين تدان.. مره لك ومره عليك..

،
"بينما أكمل شاهين بصوتٍ خافتٍ لا
يزال يحمل كل الحنق الذي يتراكم فوق
نبرته منذ عقد قرآنهما: تدرين؟ إنتِ إنسانة
يعجز الكلام عن وصفها، وللحين ندمان على
الكلمة اللي قلتها لك قبل أمس، عن كلمة
" حقيرة" اللي طلعت مني في لحظة صدمة
تفننتي في توجيهها لي، وتدرين ليه ندمان؟ لأن كل الشتائم ما تكفي عشان
أوصفك! "

هنا راحة أعمق.. حتى كنت جالسة متحفزه وانا اقرا ويوم قرأت كلامه كذا لا شعوريًا تكيت على ورا براحة كبيرة.. ولا تنسين.. ما اتشمت طبعًا🌚

..

"ابتسم برقةٍ وهو يُحيط جسدها بذراعيه، وبهمس وهو ينحني بفمهِ إلى أذنها : ما كان فيه شيء تعتذرين عنه! نسيته، عيونك والله تنسيني كل شيء ، كل شيء ماهو حلو وتبقِّي الجمال اللي مثلك!"

ها انقلع.. توي بكتب فيك معلقة على تبريدك لخاطري باللي قلته لأسيل.. بس
رجعت وتخرفنت عندها.. ماش يبي لك كورسات.. تعال عندي اعلمك بس💪

،

سند.. ما اخذ من اسمه شيء.. ذا مفروض
يسمونه " نكد والا مصيبة والا بلاء "
يا ترى وش ناوي عليه.. لا يكون يفكر يتحرش بأسيل والا يخطفها ويعتدي عليها🙆😧

..

وبس.. والله اكتب وانا اتلاحق مع الوقت😂😂

كَيــدْ 07-06-15 01:34 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 






سلامٌ ورحمة من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم سعادة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف خير وعافية ()



قبل لا أبدأ راح أعلمكم من البدايـة إن بارت اليوم دسم، ومحتاج تركيز ممتاز لأن فيه حقائق راح تُذكر فيه بعضها واضحة وبعضها مغلفة بالألغاز واللي مركز راح يلقطها :$$
طبعًا هالبارت متعب بشكل! سواءً في كتابته وحتى مراجعته ، حسسني إني في ولادة متعسرة :( لذلك ركزوا تمام وخلوا عقولكم مفتّحة وأنتم تقرأون.

يلا نبدأ على بركة الله

قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !


لا تلهيكم عن العبادات



(34)




قبل ساعاتٍ مضت
كان قد اقترب من الجموع بجهدٍ بالغٍ بعد أن أقنع غزل أنه سيكُون قريبًا منها ولن يتركها، استوقفها على الرصيف الفاصل بين الشارعين ليقترب من سيارتهِ المنقلبةِ رأسًا على عقبٍ وهو يسمع كلماتٍ ترشق من هنا وهناك.
" فيها أحد " " السيارة فاضية " " زين الحمدلله ما كان فيها أحد " " لا حول ولا قوة الا بالله وش هالهمجية في السرعة؟ " " طيب مين صاحب هالسيارة "
تقدم سلطان عند تلك الجملة ليهتف بثبات : أنا صاحب السيارة
استدارت الوجوه إليه، لتندفع عدةُ أصواتٍ متحملةً بالحمد على سلامته، وغزل كانت تراقبه عن قُربٍ تضع يدها على صدرها وعيناها المُمتلئتان بالدمع تراقبه، غمرتهما الرحمة حين كانا بعيديْن عن هذا الموقع الذي تحمّل بافتراضٍ للموت بأبشعِ شكلٍ ممكن، غمرتها الرحمة حين كانت بعيدة، وغمرتها أيضًا حين لم يمُت سلطان!
ثبتت نظراتها عليْه وصدرها ينفعل بأنفاسٍ هادرةٍ تخرج في صوتِ زفرةٍ صدئةٍ امتلأت بثغورٍ جعلتها خافتة، كان ينوي قتله كما نوى قتلها! كان ينوي قتله وإن لم تكُن معه كانت لتعود لوالدها وتزول تلك الرحمةِ التي سقطت عليها من السماء، تلك الرحمةُ وذاك الحنان السوِيْ، تلك العينانِ الباسمتان و . . وذاك الحضن الدافئ! . . ما الذي تُفكر به؟ هل انجرفت نحوهُ بهذا الحد للحظةٍ واحدة؟ هل نسيت من هي ومن هو في ثوانٍ مرّت وكأنها لم تمرْ؟ شتت نظراتها المُضطربة وهي تتنفس بتحشرج، لن تنسى أبدًا! لن تنسى دفئًا عبر إلى جسدها كأولِ دفءٍ منذ أن فقهت الدنيا، لن تنسى كلماتٍ تسللت إلى أذنها كلحنِ نايٍ يبعث الإسترخاء، لن تنسى النبرةَ الحنون والصوتَ الثابت الهادئ بلطفهِ ونقائِـه.
زمّت شفتيها بقوةٍ وعيناها الدامعتان يتضاعفُ فيهما الدمع، لقد انجرفت وانتهى الأمر، لقد ذاقتْ ما كان كالخمرِ وهاهي تريده مرةً أخرى، تريدهُ بشدةٍ وكأنما نسيت وضعها الميئوسِ منه!
راقبته وهو يصافحُ بعض الرجال من حوله، صوتهم لم يعد يصلُ إليها، صوتُهم كلهم بات كالوباءِ عدا صوتهُ النقي من أي شائبة.
بقي يتحدث مع البعض للحظاتٍ قبل أن تلمحَ سياراتِ الشرطة تأتيهم بعد أن أبلغهم أحد الحاضرين قبل أن يظهر لهم سلطان. قابلهم سلطان بهدوءٍ وثبات وهو يرد على بعض أسئلتهم الإجرائية.
وبعد لحظاتٍ قصيرة كانت سيارة عناد تقف على بعدٍ من التجمهر أمامه وعيناه تتسعان بصدمةٍ وهو يرى سيارة سلطان التي يعرفها جيدًا وقد كانت في حالةٍ يُرثى لها، استدار إلى أمه التي هتفت بذعر : وش صاير بالضبط؟ هذي مو سيارة سلطان يا عناد؟
عناد بصوتٍ ثابتٍ محاولًا تهدئةَ صوتها بالرغم من كون أعماقه تهتز الآن : بروح أتأكد من الموضوع وأنتِ خليك هنا
تمسّكت بكفهِ الدافئة عن طريق كفيها اللتين أصابتهما برودةٌ جاءتها من حيث لا تحتسب، وبصوتٍ مهتزٍ فقد استيعابه : طمني عليه!
زمّ شفتيه قبل أن يومئ وهو ذاته يشعر أن إيماءته تلك كاذبة، أسأل الله فقط أن يكُون بخيرٍ وألا يكون الموتُ قد أخذه في هذهِ اللحظةِ وفي عمرٍ لم يصل للثلاثين بعد . . ترجل عن السيارةِ وهو يدعي الله في سره أن يكُون بخير، وبخطواتٍ متباعدةٍ يُقلص بها المسافات كان يتخذّ الطريق صفحةً يطويها ليصل بين الجموع ويتجاوزهم، هتف بصوتٍ عالٍ يبحث بهِ عن صوتِ سلطان : سلطاااااان
انتبه سلطان لصوتِ عناد القريب في حين كان يتحدث مع رجلِ أمنٍ أمامه، فاستدار تلقائيًا ليلمحه يقترب منه وعلى عينيه سعادةٌ نبعت فجأةً حين رآه بعد أن كاد الذعر يفلقهما. اقترب بعجلةٍ منه كي يضع كفيه على كتفيه وهو يهتف بقلق : أنت بخير؟ صار لك شيء؟
ابتسم له سلطان ابتسامةً أخويَةً ليهتف بهمس : طيب يا عساك طيب
زفر عناد بقوةٍ قبل أن يقبل جبينه قبلةً يستشعر بها أنه بخيرٍ حقًا وأن الذعر الذي واتاه منذ اقترب من هذا الموقع كان بلا داعٍ وهاهو سلطان أمامه يحيا ويتنفس جزيئاتِ الحياة.
اتسعت ابتسامةُ سلطان وهو يرفع إحدى حاجبيه : وش صاير يا الطيب أشوف أنفاسك مقطوعة، كنت تتريّض بهالليل؟
عناد بحدة : ابلع لسانك لا بارك الله فيك على هالليل * رفع هاتفه ليُردف * بطمن أمي الحين قلبها قرب يوقف
ضرب سلطان جبينه وابتسامتهُ تُمحى : أعتقد إني غلطت يوم طلبتك تجيبها معك! لا حول من هالعقل
ابتسم لهُ عناد براحةٍ وهو يضع الهاتف في أذنه : أهم شيء إن هالعقل للحين يتنفس
خفت صوتهُ قليلًا وصوتُ أمه الذاهب يصل إليْه قبل أن يكتمل الرنين الأول، وبهدوءٍ وصوتٍ حاول بث الهدوءِ به : تطمني يمه هذاه بخير وقدامي مثل الحصان . . . لا لا ما صار له ولا شيء والله ولا جرح حتى . . . ايوا ايوا خذيه وكلميه بنفسك
مدّ هاتفه لسلطان الذي تناوله وهو يقطب جبينه بندمٍ على بثّ الذعر إلى قلب أمه، لو أنه اقتصر على قدوم عناد لكان أفضل له، لكن ماذا عن غزل؟ يدرك أنه سيتأخر عن البيت لوقتٍ إن لم يكن لساعاتٍ فهل سيتركها حتى ذاك الوقت ترافقه؟
بينما كانت غزل لازالت تراقبه حتى الآن، بعينين لازال الدمع يتجدد فيهما ولازال وميضٌ من الذعر يزاولهما وكأن الأمان يختفي عن العالم بأسرهِ والكتمانُ الذي كان ينضب في عينيها انتهى عند اللحظةِ التي أفضَت بكل حصونها لديه، بالرغم من أنها كانت لتندم على بكائها تلك الليلة، إلا أنها ما ندمت! ولو أن ندمًا قد انتحلها فقد مات في بحر الراحةِ التي تتغلغلها، لتبكي فقط وتنعم بالراحةِ التي تأتيها حين يمتزج الألم بالملح الذاهب مع القطرات، لتبكي وتُطلق موجَ الكبتِ والساعاتِ التي قضت فيها تكتم وتكتم، ولو انتهت سنين عمرها في البكاءِ ما كفتها.
تصاعدَ رنين هاتفها في حقيبتها، لتتشنج أصابعها للحظةٍ قبل أن تعود للحياةِ وترتعش خوفًا من هويَّـةِ المتصلِ فوق خوفها مما حدث قبل دقائق، ارتبكت الثواني في عقلها وهي تعضّ شفتيها بتوتر، وأصابعها التي تحيا الآن للإرتعاش لم ترضى الخنوع والإرتفاع نحو حقيبتها لتنظر للهاتف وللمتصل، وكأن عقلها وحدهُ يُرسل إشاراتٍ ما إن يأتيها شيءٌ يتعلق به، لتدرك أن هذا الحادث لم يكن حادثًا، ولتُدرك أنّ هذا الإتصال ما كان إلا منه!
لمحت فجأةً بريق ذاك اليوم الذي اخترق فيه جناحها الزوجي دون أثرٍ يُدرك، وعاد شريط صوتهِ المُرعب يعزف أوتاره القاسيةَ في أذنيها.
" ليه ما كنتِ تردين على الجوال وأنا اللي كنت منبهك؟؟ "
انبعثت تلك الجملةُ فجأةً من أعمق نقطةٍ في مركز ذاكرتها، محملةً بنبرةِ الثعالبِ الماكرةِ ونظرة الذئاب الجائعة، محملةً بأكثر ما قد يبث الرعب إليها ويُجفف سيطرتها على أنفاسها لتبقى كورقةِ خريفٍ جافةٍ لا يـسعفها النـدى.
مدّت يدها بسرعةٍ نحو حقيبتها، وهي تسأل الله بقنوطٍ ألا يسكن الهاتف قبل أن تصل إليْه، لا تقوى يا الله على نفحةٍ ساخنةٍ أخرى، لا تقوى يا الله على سَمومٍ تتخلخل مساماتها وتُجفف دماءها لتبقى جسدًا متهدلًا كاسفنجةٍ جفّت ولم يعد باستطاعتها أن تمتص الماء.

*

الليل يلفّ سكونهُ حوا كل الجماد قُربهما، حول كل شيءٍ يستقر صوتهُ فوقَ جبينِ الإسترخاءِ عدا صدرها الذي تشعر أن قلبها بين أضلعه يموت! الهواءُ الخاوي يعبرها إلى رئتين أُرهقتا من عنف انقباضهما، يتقلص الحجاب الحاجز أسفل صدرِها وينبسط بسرعةٍ جنونية وهي تنظر لعيني والدها الذي وقف أمامها والغضب يغزو ملامحه، تُدرك جيدًا ما معنى هذا الغضب، ما معنى هذا الغضب حين يرتبط بشخصٍ تجزم أنه مجنون!
هتف أحمد بغضبٍ يخلع السكونَ من حوْله : شالسالفة؟
لم يتراجع تنفسها السريع، ولا نظرة الخوف في عينيها اللتين تشبثتا بعينيه باحثتان عن لا حياةَ فيهما تقول لها أنها في كابوس! أو أنها على الأقل لا ترى إلا وهمًا يتجسد أمامها وينخر خاصرتها بالوجعْ . . عن الحزن الذي يتربع في صدرها كل ليلةٍ ويحكي لها أوهامًا عن حياةٍ ستكون أجمل بعد الموت، هل جاءَ الآن بالتضاد؟ هل جاءَ بدلًا عن - الجمالِ - قبحٌ استكن في صورةِ أبويةٍ لم تكتمل وانشطرت قبل أن يظهر معالمها؟ هل جاءَ في حلمٍ ترعرع في كابوسٍ وانتهى من كونهِ أبًا إلى عدوٍ يتجرع اللا مبالاةَ حين يستكن الخوف في صوتها ويتجسد الذعر في نظرةِ عينيها العسليتين؟
إنّه صوتُ قلبي يموت! يموتُ وكل المنى هو الموت! يموت وكل الذي في محجري ملوحةٌ إن اختلطت بالدموعِ قد ينتهي بؤسي وشقائي، قد يلتهم الدمعَ المالح كل الذي في صدري من خواءْ. حتى في اللحظات التي تحتاج فيها العيون دموعًا تبللها وتُذهب الجفاف لا تأتي! . . لقد ملّت الإختباءَ ليلًا تحت اللحاف تخفي دمع عينيها عن اللاشيء وتُسكن صوتَ الأنين أسفل غطائها البارد، لقد ملّت الرسم على مفرش السرير بأناملها التي تتهدل بموجٍ يخلعُ كل الحياةِ عن حياةٍ لم يوجد فيها حياةٌ من الأساس!
كانت تقول دائمًا أن دموعها هي الشيء الوحيد الذي لم يخُنها بعد، لم يخُنها لتبقى بكبرياءِ عينيها اللتين لا تبكيان، لكن ماذا إن هي احتاجت تلك الدموع بالفعل؟ لمَ تخذلها كما خذلها كل شيء؟ لمَ تخذُلها دموعها دون أن تقوم بخيانتها؟ الخيانةُ الفعلية تكمن في السقوط دون الحاجة ... فاسقطي! بالله عليكِ اسقطي وهدئي من هذا الذعر الذي قارب على أن يفتك بقلبي ويُنهيني في دربٍ ليس في حناياهِ نورٌ يرشدني أين طريقي! ... من كل تلك الظلمة ، أين طريقي يا الله!
شعرت بلسعةٍ هاجمت وجنتها السمراءَ من يدِهِ في لحظةٍ انقطع الإستيعاب عنها، اتسعت عيناها ليس بصدمةٍ بل للألم الذي شعرت به، للألم المُعتاد كي لا تُصدم به، لكنه كافٍ لتتألم! كافٍ فهي في النهايةِ بشرٌ لم تمت الأعصاب التي توصل الإشارات لعقلها حتى تُدرك ما هذا وما ذاك.
صرخ أحمد في وجهها بغضب : المسألة عناد والا كيف؟ تعانديني! تعانديني يا بنت لحمي ودمي؟
ارتعشت شفتاها بألم وهي تنظر إليْه بعينين لم تُطلقا الدمع حتى الآن، بينما عاد صوتهُ للإنسياب مرةً أخرى إلى أذنها حادًا حارقًا كمعدنٍ سُخّن بحرارةٍ لا يستوعبها جسد : لا تكونين تزوجتي وتطمنتي من ناحيتي؟! لا يا حبيبتي تراك في النهاية بيدي أنا . . زواجك ماهو لعبة! ماهو لعبة عشان تحاولين تهربين مني وعلى بالك بتفوزين!
ازدردت ريقها وهي ترمش بعينيها قليلًا، بينما زفرَ بقوةٍ وهو يشتت عينيه بحنقٍ هنا وهناك، ومن ثمّ أعادها إليها كطلقةٍ جعلتها تنتفض، ليهتف من بين أسنانه : والحين! وش قصتك مع الطناش!!
حاولت تحريك عضلة لسانها لترد عليهِ بكذبةٍ ما، لكنّ الحروف تموت في حنجرتها وحبالها الصوتية تفتُر قدرتها لتموت الأبجديات كلها ولا يستوعب عقلها كلمة!
رفعَ حاجبيه بغضبٍ وهو يمد يدهُ نحو وجهها، حينها انتفضت بقوةٍ أكبر وهي تتراجع للخلف لكنّ الثلاجة حالت دون الهروب، تشبثت أنامله القاسية بخصلات شعرها الطويلة لتحررها من لفافته في نهايةِ رأسها، وبحدةٍ وهو يشدّ شعرها : شكل تواجدك هنا خلاك تتمردين . . وتشتاقين للعنف والضرب!
أغمضت عينيها بقوةٍ وقلبها يهوي ليرتد صوتهُ في جدران أضلعها نازفًا مجروحًا في صميمِ تكوينهِ الذي تناسب مع بشريٍ يُدرك ويستوعب ما يحدث له، ما يُـلقى عليه، يُدرك بدرجةٍ تكفي حتى يتقطع لأشلاءٍ تتناثر في حميمٍ لا تَبتلعه كلّه ليتكرر العذاب، ليتكوّر الوجع في صدرها ويزداد سقوطُ الدنيا في هاويةِ الآه التي تصتدم بشفتيها وترتد كاتمةً لكل ألمٍ يتشعب ويتجذر في روحها.
لم تنبس ببنت شفة، وهي تقابل ما اعتادت عليه من قسوةٍ واهانة، والأعظم أنها ممن كان لابد ألا يقبل بمثل هكذا إهاناتٍ على من هي من صلبه. سمعت صوتَه يتكرر في أذنها بفحيحٍ أشبه بفحيح الأفعى وأنامله تشتدّ بقوّةٍ أكبر على شعرها ليتضاعف الألم دون آهـةٍ واحدة : هالمرة الرحمة تلبستني عشان ما أجلدك، وتعرفين كويس وش يعني أجلدك! طناشك اللي بهاليومين لو يتكرر تدرين وش بيصير لك؟
قسَت ملامحهُ أكثر ليُردف بصوتٍ أكثر جفافًا : أعتقد تعرفين وش اللي بسويه!
ازدردت ريقها ببطءٍ وهي تشعر أن كل ما تبتلعه باتَ حارًا في حرارةِ الجحيم الذي يلفظ عذابه على جسدها .. هتف بحدة : فاهمة؟؟!
أومأت ببطءٍ دون أن تفتح عينيها، بخنوعٍ تام وهي تلفظ إنسانيتها بعيدًا علّ القهر والألم الذي يجلد قلبها بسوطٍ من نارٍ يقتلها كي تنام قريرةً وتنعم بإنسانيةٍ ماتت ولم تعرفها.
تراجع أحمد للخلف وهو يحرر خصلات شعرها من بين أنامله، حينها فتحت عينيها ببطءٍ لتواجه عينيه اللتين يموت فيهما الرحمة والأبوّة التي كان لابد أن تكون فطرة، وأين تلك الفطرةِ عنه! أين تلك الفطرة عن قصَّتها التي تنقطع في بداياتِ الحياةِ وتبدأ من نهاياتِ الموت، أين تلك الفطرة عن قصتها التي ما اكتمل يومٌ عزفُها بالقيثارة حين انقطعت الأوتار وحُشر الصوتُ في لحنٍ يعزفه العقل دون أن يترجم إلى العالم، أين الفطرة عن الأطفال الذي عانوا قسوةَ أبائهم؟ أين الفطرةُ عن الأولاد الذين تخلت عنهم الرحمة في قلوب والديهم وانشطر الأب عن الإبن في قسوةٍ لم تكُن من الفطرةِ يومًا. الله يعلم كم عانى الطفل حين كان أبواه خارجيْن عن فطرتهما الأبوية، الله يعلم أنني أفتقر لنفسي! أفتقر لروحي التي ماتت في مهدها، إنّي يا الله أبوءُ لك بافتقاري للحياة، وما الحياة إلا متاع الغرور.
أحمد بحدة : والحين! قوليلي بالضبط وش اللي طالع معاك . . صاير لك فترة وياه ما لقيتي شيء؟
بللت شفتيها باضطرابٍ وهي تصل للنقطة التي تخشاها، وحين طال صمتها رفع حاجبًا بوعيدٍ لتهتف بسرعةٍ وخشية : بعدني ما لقيت شيء
أحمد : أنتِ شكلك نسيتي كل اللي كنا مخططين عليه وجالسة تتهنين بحياتك بعيد وبحرية تامة ، لا يكون الوضع بينكم تجاوز اللي معروف لنا؟
توترت عيناها وهي تُخفضها عنه، ولم تستطع العثور على صوتها لتجيب بـ " وأنا أتجرأ أتجاوز أصلًا؟ "، لذا هزّت رأسها بالنفي دون أن تنظر في عينيه، حينها ابتسم بسخريةٍ وهو يهتف : زين لا تفضحينا بس، وقتها أظنك بتتمنين الموت صدق
" قلبي يتمناه فعلًا فلا تهتم! "
انحصرت تلك الجملة في قلبها دون أن تظهر، حينها تحرّك أحمد وهو يُشير لها بأن تتبعه، ومن الجهةِ الأخرى رفع هاتفه كي يتأكد من تواجد سلطان حتى الآن في منزل سلمان، وما إن أغلق حتى استدار إليْها هاتفًا بجملةٍ لا تقبل الإنقسام : كثفي بحثك، وإذا ما لقيتي شيء هنا فحاولي تنتقلين بسرعة وبأي طريقة لبيته، وتذكري زين . . الملف على أكبر تقدير بيكون اسمه " مؤسسة الــرازن ".

*

تشبثت بالهاتف الذي لم يسْكن بعد وكأن رحمةً تُصيبها في هذه اللحظة، الذكرى القاسيةُ ترتد، والإيمان التام بتورطها في أمورٍ لا تقبل التراجع يتشعب، كيف انتهى الأمر بها هنا؟ بين معمعةٍ لا تدرك بدايتها من نهايتها! بين متاهةٍ لم ولن تدرك مخرجها! كيف انتهى بها الأمر حبيسة الكان والسوف؟ كيف انتهى بها الأمر بين خشية والدها، والأمان الذي بدأت تشعر به مع سلطان!
رفعت الهاتف إلى أذنها بسرعةٍ كي تجيب على صوتهِ الذي وصلها هاتفًا باسمها ببرودةٍ لا يُضاهيها صقيع، كان منذ لحظاتٍ سيقتلها! هكذا بكل بساطةٍ والأمر عنده سيَان، سواءً ماتت أم لم تمت، هي في النهاية مجرد أداةٍ إن فشلت سيلجأ لغيرها، هي مجرّدُ جمادٍ في وجهةِ نظره، كالآلة لا روح لها ولا خلايا تسكنها، لا جهازَ عصبيٍ يتكون في جسدها حتى يتولّد الشعور لديها.
هتفت بخفوتٍ متردد : أهلين يبه
أحمد بجمود : ليه ما رديتي بسرعة؟
غزل بتوترٍ وهي تتناسى أنه السبب في الحادث وأن رائحته تعبق في الأجواء : صار حادث قدامنا ومن الإزعاج اللي حولي ما انتبهت
صمت قليلًا للحظات، حتى كادت تجزم أنه لا يدري، وأن لا علاقة له، كادت تحزم بذلك دون أن تجزم بأنه قد يخاف عليها لأنها تدرك " رحم الله امرئٍ عرف قدر نفسه ".
هتف أحمد بعد لحظاتٍ متجاهلًا موضوع الحادث : سلطان حولك؟
أومأت وكأنها تراه أمامها، وبخفوت : ايه قاعد ينهي الإجراءآت مع الشرطة
أحمد : همممم .. عمومًا ، متى بتنقلين لبيته؟
ارتعشت شفتاها باضطرابٍ وصدرها يتلوى بين أضلعها، ما هذا البرود يا الله؟ ما هذا التبلد الذي يعيشه حتى يبيت كل شيءٍ في عينيه لا شيء؟ إما أنّه بالفعل هو من كان السبب لما حدث قبل لحظاتٍ ولا يبالي بها وهذا هو الأرجح، وإما أنه ليس هو ولا يبالي بها أيضًا!
أعاد السؤال على أذنها بصوتٍ حادٍ جعلها تنتفض وترد بسرعة : مدري ، ما قد حدد متى بالضبط
رفع أحمد إحدى حاجبيه وهو يهتف بقسوة : شلون ما تدرين بعد؟ هي كلمة وماني مكررها، ما يجي الأسبوع الجاي إلا وأنتِ في بيته
فغرت شفتيها بعجزٍ وصدرها يُصدر زفيرًا مُرْهَقًا، ولم تجد صوتًا لها إلا لكلمةٍ ضعيفةٍ خائرة القوى خرجت منها بحشرجةِ الموت : طيب
لم تسمع منه كلمةً وهو يُغلق الخط ويُغلق معه معبر صوتهِ الساخن إلى أذنيها، معبر الصوتِ الذي يغلي كالحمم، يغلي بصورةٍ لم تستطع أن تُخطئها.
في الجهةِ المُقابلة كان سلطان قد أنهى حديثه مع أمه التي كانت تتحدث معه بصوتٍ باكٍ مزّق قلبه وألقاه في نطاقِ الندم.
استدار إلى عناد الذي كان يتحدث مع الشرطي الذي كان يتحدث معه قبلًا، كان يحاول إقناعه في ترك سلطان الآن والتحدث معه غدًا. اقترب سلطان منهما ليضع كفهُ على كتف عناد هاتفًا : لا ما عليه بروح ويّاهم
استدار إليه عناد مقطبًا جبينه : مو وقتك شوف الساعة كم! وبعدين أنت أكيد تعبان وودك تنام
سلطان : أنا حافظ رقم السيارة فبروح معاهم مرة وحدة أنهي كل شيء بدل لا أتعب نفسي بكره
تنهد عناد وهو ينظر إليْه برفض، بينما ابتسم سلطان بهدوءٍ ليُردف : غزل أمانتك ، خلها تروح معاكم وتنام اليوم عندكم ، ماني متأخر وبجيكم أول ما أخلص
عقد حاجبيْه بشدةٍ دلالة الرفض، إلا أن سلطان دفعه من كتفهِ وهو يهمس في أذنه : طلبتك، المسكينة بغت تموت من الخوف أبيها قرب امي وغيداء
لانت ملامحه قليلًا عند رجائه، ليتنهد باستسلامٍ قبل أن يهتف بجدية : طيب ما طلبت شيء .. بس لا تتأخر
أومأ له وهو يبتسم، ومن ثمّ ابتعد ليتجه نحو غزل التي كانت تقف وعقلها يبتعد عنها ببضعةِ أميال، لذا لم تنتبه لاقترابه إلا حين وقف أمامها مباشرةً، حينها شهقت بخفوتٍ لترفع رأسها، ومن ثمّ زفرت وهي تضع كفّها على صدرها.
مدّ سلطان كفه ليُمسك بكفها، وبهدوءٍ وصوتٍ رقيق : للحين خايفة؟
توترت كفها تحت يديه، وصدرها اضطرب بألمها، باتت تشعر أنها الشر بعيْنه، كيف تفعل بهِ هذا وهي التي كانت تقول بأنهُ يحمل قسوةَ الرجال كغيره لتكتشف أنها الحقارة بأمّ عينيها؟ بأنّها الخيبات التي تراكمت لتظهر بصورةِ الإنسان المنافق، الإنسان الأناني الذي يخاف على نفسه ويحميها على حساب الآخرين.
أخفضت نظراتها عنه وعيناها لا تستطيعان مواجهةَ عينيه الصادقتين، هل لها الحق لتُقيّمه كإنسانٍ وهي التي لم تقيّم نفسها قبلًا؟ إنها أنثى حقيرة خسرت كل شيءٍ بكل رخصْ، أنثى خوّلت لنفسها الحكم على غيرها بعدم الإنسانية ونسيت نفسها المُخادعة، نسيت نفسها - الوباءْ - ... إنها الآن لا شيء، لا إنسانًا ولا حتى حيوان! إنها مخلوقٌ لا يحمل أيّة صفاتٍ حيوية، هاجمها التحجّر الفكري حتى باتت نفسها هي الحياة، حتى باتت نفسها هي الأهمّ على هذا العالم.
عضّت شفتها بقوةٍ وهي تغمض عينيها، تغمض عارها وسخطها على نفسها عن عينيه.
ابتسم سلطان بهدوءٍ ولطف قبل أن يهتف مفجرًا كل أعضائـها الحيوية : أنا بروح مع الشرطة الحين ، وبخليك تروحين مع عناد وأمي لبيتهم ... أكيد ما عندك مانع تنامين عندهم والا؟
ارتفعت عيناها كسهمٍ مُحترقٍ إليْه، وصوتها ضاع وهي تنظر إليْه دون رضا، يذهب للشرطة؟ لأجل ماذا؟ هل سيتركها وحيدة؟ سيتركها بين أناسٍ وإن استشعرتهم مرةً إلا أنها ستكون وحيدة! يعلم الله أنها ستكون وحيدة! فالوحدةُ لا تتشتت بأناس كُثر، الوحدةُ تتشتت بإنسانٍ واحدٍ لا يتجاوزُ الحنان عينيه ... سُحقًا لكل البشر، سحقًا لسُكّان الأرضِ كلّهم لكن لا تذهب! وأنا التي تشتاقُ لدفءٍ لن تتجرأ على طلبه، أنا التي يخوّلها البُكاءُ الساكنُ للتمني فلا تذهب وابقى بقُربي. وحدهُ الله يعلم مافي صدري، وحدهُ الله يعلم أنني فجأةً - أريدك بجانبي، دونَ سابقِ إنذارٍ بتُّ أريدك بجانبي، دون سابقِ إنذارٍ صرت أثق بعينيك، بصوتِك . . فلا تذهب ، لا تبتعد.
زمّت شفتيها وكل الأفكار التي تهاجمها لم تتجاوز نطاق عقلها وصوتها الداخلي ليرتدّ بصدى ساكنٍ في تجويفها الصدري، لم تمتلك الجرأة لتقول له مافي صدرها وبقيت تنظر لهُ بعينين يتلألأ فيهما الدمع، سكَن الصوتُ والصدى، وعبرَ الموجُ حدقتيها، غاصت نظرةُ الحزن في زجاجٍ شفافٍ مُكبّرٍ للصورةِ ليظهر حزنها ميّالًا للإرتفاع نحو الأعالي وشقّ السماءِ بعنانه.
قطّب سلطان جبينهُ دون رضا وهو يمدّ إحدى كفيهِ ليُمررها على رموشها ماسحًا بعض الدموع، حينها ارتعشت وهي ترمش بعينيها لتسقط دمعةً من عينها اليُسرى على أنامله.
بلل سلطان شفتيه قبل أن يتنهد، ومن ثمّ ركز بنظراته على عينيها، على حزنهما الذي يشطر قلبه ويُزلزل إنسانيته، ودون أن يشعر فعطفهُ ينحدر إليْها كأب، لا كزوج. همس لها بصوتٍ حنونٍ بثّ الرعشة في خلاياها : محتاجة تبكين؟
رمشت عدّة مراتٍ قبل أن تستنشق الأكسجين بنهمٍ وهي تُغمض عينيها وتُشيح بوجهها عنه، حينها أخفض كفهُ المُعلّقة في الهواءِ قليلًا لتُحاذي ذقنها، ومن ثمّ أمسك بها ليُدير وجهها إليه، وبذاتِ الهمس : بقول لأمي الحين تجهز لك غرفة بروحك ، وابكي فيها ، ابكي لين يجفّ الحزن في دمعك
تشنّج ذقنها بين كفّيه وشفتيها تتقوسان استعدادًا للبكاء، إلا أنها هذه المرة لم تبكي .. اتسعت ابتسامةُ سلطان وهو يُردف : أو أقول ، لو ودك انتظريني ارجع ووقتها ابكي كيف مابغيتي
سرى تيارٌ قويٌ في جسدها وعيناها تتوسعان قليلًا، هل تُدرك مقصده؟ أم أنّ الإدراك هذه المرة لمْ يُصدق معها وانسلخ عنها، هل يقصد ما فكرت بهِ فعلًا؟ هل يقصد دفئه؟
تراجعت دون شعورٍ خطوة، وشفتيها ترتعشان بتوتر، هناك خطأ! عقلها يُنبئها أن هناك خطأ، ليس بهذه الطريقة! أرجوك لا!!!
تنفست بقوةٍ وهي تنظر إليْه بعينيها المُتسعتين، ودون أن تدرك تسلل صوتها من بين شفتيها لتهتف بكلماتٍ لم تستوعبها : ليه؟ ليه تسوي معاي كل هذا؟؟؟
بالرغم من تمنيها، إلا أنها لم تتخيل أن يعرض ما تتمناه بنفسه، أن يعبر في صوتِه مقصدٌ آخر بعيدًا عن العفوية، هل كان يقصد فقط خداعها لا غير؟ أم أنها تتوهم؟ يا الله اجعلها تتوهم! اجعل عقلها المريض يتصوّر كل ذلك لكن لا تجعله يصدقُ فيما يُفكر!!
أردفت بصوتٍ مرتعشٍ قبل أن تترك لهُ فترةً حتى يستوعب : أنت تدري إن زواجنا ماهو دايم ، مافيه داعي تخلي التحدي وتهوري بهذاك اليوم جدي لهالدرجة وبهاللؤم! قول لي إنّي أتوهم وبس ، الله يخليك قول لي إنّي مريضة وأتوهم إنّك تبيني أحبك وبس!
صُدم لتفكيرها، حاجباه انعقدا بشدةٍ وهو ينظر إليها بعدمِ استيعابٍ بعدما قالته، بينما انحدر صوتهُ بنبرةٍ مستنكرةٍ لما سمعَه : وشو؟
أغمض عينيه بقوةٍ وهو يرفع كفهُ إلى جبينه، ومن ثمّ مسح على وجهه وهو يستغفر ليفتح عينيه وينظر إليها بجدية : رجعنا للتقلبات؟ .. طيب خلاص أول ما أرجع بتفاهم معاك، الحين ما عندي وقت
فغرت شفتيها تحاول التحدث بشيءٍ ما، تريد منه أن يُطمئنها الآن بنظرةِ عينيه وإن كانت ستكون فيما بعدُ كاذبة، إلا أن نظرةَ الجديّة قد تسلّحت بعينيه، وإحدى كفيه أمسكت بكفّها الباردة والتي تُطلق الحرارةَ ولا تمتصها لتبقى صقيعةً كبشرةِ الأموات. تحرّك باتجاه سيارة عناد، وما إن وصل حتى هتف بصوتٍ حازمٍ كان يتسلل إلى أذنها في وقتٍ لا تراه يُناسب إلا صوته الحنون : ماني متأخر، وبالوقت اللي أرجع فيه راح نحكي إن شاء الله


,


رمى هاتفهُ جانبًا بعد حديثهِ الذي شعر أنه طال! طال بشدةٍ حتى أدركته المنيّة وتأثير هذا الحديث لازال يتربّع في صدرِه الأجوف، هل تهوّر؟ هل رمى العقل في لحظةٍ خاطفةٍ أم أنه لم يقُم إلا بالصواب؟
الساعةُ الآن تقترب من الواحدةِ ليلًا، ووقتها في القدومِ كان خطأً! خطأً بدرجةٍ تجعله لا يُدرك ما الذي عليْه فعله. إنها لا تعلم شيئًا، لا تدركُ شيئًا ولا تفقهُ معنى ما تقومُ به، لو أنها فقط تعلم، لكانت قدماها لم تتقدما نحو بيتِه خطوة، ولكان صوتها لم ينبعث إلى أذناه عبر الهاتفِ ليلة، لكان رجاؤها في الإلتجاء إليْه مات قبل أن يصعد مع موجاتِ صوتها، لكنها لا تدرك، واللهِ لم تُدرِك شيئًا وإلا لكانت تخلّت عن اسمهِ من أول بادرةِ ألمْ.
زفَر بقوةٍ وهو يتّجهُ ناحية سريرهِ ويُلقي بجسدهِ عليْه، ومن ثمّ رفع إحدى ذراعيْه ليُغطي بها على عينيه، إنّ العالم المُظلم يزحف إلى عقلهِ وينتشله من رماديتِه، اكتفيتُ من اللون المُعتم، اكتفيتُ من الرمادية، أما آن الأوآن للنور؟ أما آن الأوآن لأنسحب إلى ضوءٍ يُعيد القليل من اسمي / روحي / قلبي، من تفاؤلِي الذي ما حاز يومًا على قمةٍ تثبت لي أن البؤس لم ينتحلني . . مللت الحياة، مللت النظر في ربوعِ الدنيا، في الطبيعةِ المُختبئةِ خلف الجمال لا تُظهر قبحها للعيان .. لمْ تكُن الحياةُ يومًا جميلة، لم تكُن يومًا مُغريةً للعيشِ فيها، لذا كان الصالحون يبيعونها ليشتروا بها حياةً أخرى يبدو لي أنني لن أعيشها! لن أفوز بالدنيا، ولا بالآخرة، قد وُشِم على جبيني الشقاءُ في كلا الدارين، لا الحياةُ تُريدني ولا الآخرةُ تتمناني، أنا الإنسان الشقيُّ الذي يُدرك شقاءه جيدًا، لكنّ اليأس يستبيح كل ذرةٍ فيه كي لا ينقذ نفسه، أنا الذي ينطبق عليْه قول ربه ( إن الإنسان لفي خسر )! ها أنا أخسر حياتي الأولى، وأتبعها بالأخرى، وكل مافِي كياني يستشيط باليأس، يستشيط بالعذاب دون أن يكون لي القدرة على شيءٍ يجعلني أفوز بالقليل، يجعل من الوصول إلى الجنةِ أسهل من أي شيءٍ آخر، أسهل حتى من خسارتها.
نحن البشرُ مخلوقاتٌ حمقاء، ندرك كم أن الجنة أسهل من أن نخسرها، لكننا بكل الدونية التي نحمل ... نخسرها بصعوبة!
فُتح باب غرفته، لأول مرةٍ من سهى دون أن يُطرَق، لم يتحرك من مكانهِ ولم يُغيّر وضعيته وصدرهُ يشعر أنه يتحشرج بخسارتِه، ليبتعد عنه كل البشر، ليبتعد عنه كل آدميٍّ فالآدميةُ مؤلمة! مؤلمٌ أن تكون بشرًا يُخطئ ويعصي وكل المعاصي تُغلّفه، مؤلمٌ أن تكون بشرًا يستشعر خطأهُ ولا يُصححه، أريد فقط العيش! لم أعد أريد سوى العيش فالآخرةُ تُرعبني، ترعبني جدًا يا الله وأخشى أن يكون مصيري فيها أقسى من الآن. كم تمنيت الموت مرارًا ومرارًا كي أرتاح من هذه الدنيا، لكنني الآن أتمنى الشقاء فيها، أتمنى أن أُخلّد لا لمتاعها، بل للهرب من مصيرٍ أعظم لرجلٍ تكابلت معصيات الدُنيا على كتفيْهِ واهتز ببطشه.
اقتربت سهى منه بملامح لا يُفهم ما خلفها، وما إن وصلت إلى السرير حتى هتفت بخفوت : أدهم ، ما ودك تتصرف الحين؟
لم يحرّك ساكنًا، لذا ارتفع صوتها قليلًا هاتفةً بحدة : البنت جالسة بروحها تحت ، وش بسوي الحين أنا؟؟
هتف أدهم بجمودٍ دون أن يُزيح ذراعه عن عينيه : قولي لها تروح ، مالها مكان هنا
عضّت شفتها بحنقٍ من بروده، بينما انسابت الكلمات القاسية من بين شفتيها والشعور والإدراك يتقلصان فيها.
سهى بحدة تزداد عمقًا : روح قولها أنت، لا تحطني بمواقف هي لك!
أدهم : مالي شغل فيها عشان أقولها أنا
سهى : يعني أنا اللي لي؟
أدهم دون مبالاة : محد قالك تحشرين نفسك هنا
زمّت سهى شفتيها لكلماته التي عبرت من بين شفتيه دون إدراكٍ وبنبرةٍ باردةٍ ارتعشت بها أوصالها، هتفت بألم : يا وقاحتك! أنا اللي غلطت يوم حبيت أكون قربك، إذا المسألة كذا لا تلومني يوم أقرر أرجع بيت أبوي
جلس أدهم وهو يرمي ذراعهُ عن عينيهِ جانبًا، وبصرخة : فكيني منك ومن قربك ومن منّتك! ماني ميت عليك إذا ودك تجلسين حياك وإذا ودك تتمننين علي الباب يوسع جمَل
تراجعت بصدمةٍ وكلماتهُ القاسية تتدافعُ من جديدٍ إلى صدرها كسهامٍ سُلّط النار عليها حتى تُحرقها بشدّتها، تصلّبت ملامحها وهي تنظر لوجهه المُتشنج، وعيناها المهتزتان تنظران في عينيه الحارتين بنظرةٍ لائمةٍ جعلت أدهم يُدرك الذي قاله، ومن ثمّ تراجعت قدماها للخلف لتستدير أخيرًا خارجةً من الغرفة صافعةً الباب بكل قوةٍ حملتها كفها وبكل العنف الذي سرى في أوردتها مع دمها، بكلّ التأثير الذي قابلت بهِ كلماتهِ الفجّة.
زفر أدهم بقوةٍ وهو يُغطي وجهه بكفيه، ما الذي فعله؟ ما الذي قالهُ وكيف تجرأ على الصراخ في وجهها بتلك الدرجةِ الفظّة؟


يتبــع ..


كَيــدْ 07-06-15 01:38 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 





في الأسفل.
اشتدّت كفاها على حقيبتها التي كانت في حجرها ما إن سمعت صوتَه، إنّه هنا، عاد لمنزله دون أن يأتيها، تُدرك أنها جاءته في وقتٍ خاطئ، وبأن صورتها الآن غيرُ لائقةٍ لكنّ كل الذي يحدث وكل المشاعر لم تعد تهتم لأمرها! لم تعد تهتم لصورتها ولا لكبريائها ولا لشيءٍ إلا النقطة التي وضعتها لها. لم يكُن بوسعها شيء، لم يكُن بوسعها الإنتظار حتى وقتٍ أنسب والوقت والزمان يعبران كوضمةِ ضوءٍ في فراغ، بسرعةٍ لم تضاهيها سرعةٌ قبلًا ولا بعدًا فكيف تنتظر والوقت يتسلل من يديها دون انتظار؟ كان لابد لها من ذلك، من هذا التهور وهذا الإحساس الخانق بالضيق والذي لم يعد يهمها فعليًا!
بللت شفتيها وهي تفرك كفّاها ببعضهما البعض، يتشتت ذهنها ويتناقض شعورها بشدةٍ في هذهِ اللحظةِ التي تطوي سرعةَ الوقت وتُصيّرهُ بطيئًا مُتعثرًا لا يُجيد العبور، لا يُجيد إنهاء اللحظات القارسةِ ليرميها على رصيف الإرتعاش!
شدّت على قبضتيها المرتعشتين، الأدرينالين ينبعث في جسدها بقوةٍ وقلبها يكاد ينفجر مُحطمًا قفصها الصدري، كلّ خلاياها ترتعش، كل مافي ذهنها يُصهر عند هذا الموقف الذي هي فيه والذي أمات التفكير ودثّرهُ بين كوماتِ التراب.
سمعت صوتَ خطواتٍ حادةٍ تقترب من باب المجلس، حينها اشتدّت كلّ حواسها واتجهت عيناها تلقائيًا إلى الباب، وفي لحظةٍ كالآن تختفي كلّ الأصواتِ عدا صوتِ الخطوات وصوتِ قلبها الذي يكاد يخترق الجدران بعد أن يُحطّمها.
فُتح الباب، ليظهر منه أخيرًا جسد سُهى وتتهدل نظراتها ويسكن قلبها فجأة، لوَت فمها وهي تبتلع ريقها بتوترٍ خافظةً رأسها نحو الفراغ . . لم يأتي إذن؟ حتى الآن لازالت تجلسُ تنتظره وقد مرّت أكثر من ساعةٍ على جلوسها بهذا الحال. ابيضّت الدنيا في عينيها وبات كلّ شيءٍ غير مرئيٍ حينما انبعث صوتُ سُهى الجاف إلى أذنها : ما رضى ينزل .. ارجعي بيوم ثاني
رمشت إلين بعينيها عدّة مراتٍ وهي تشعر أن قلبها يعتصر بين قبضةٍ فولاذية، شعرت بنفسها تُلقى في فوّهةٍ لتبقى تهوي دون أن ينتهي سقوطها وتنتهي بالوفاة، دون أن ينبعثَ الموتُ في أركانها وتنتهي جثّةً هامدةً لا تشعر ... ليس بهذه الطريقة، ليس أنت أيضًا يا أدهم ولا كذلك!
نظرت سُهى إليها ببرودٍ وهي تعتصر قلبها وتُخرج صوتها حادًا قاسيًا، لتُردف : أو أقول ، الأفضل ما ترجعين ... فكري مرة ومرتين لأنك ما تدرين بالضبط وش عواقب اللي تسوينه، أنتِ ترمين بنفسك يا بنت
رفَعت إلين رأسها ببطءٍ حتى تنظر لوجه سُهى التي انقسمت فيه الطيبة ولم يُظهر سوى الحدةِ والقسوة، زمّت شفتيها وهي تسمح لجفناها أن يتهدلا على صفيحةِ عينيها، هامسةً بكل الألم الذي يجيش في صدرها : ما عاد تهمني العواقب! أنا فكرت مو مرة ومرتين، لا، أنا فكرت بهالموضوع أكثر من مية مرة ... محد يدري باللي عشته! محد يدري باللي انقلب فيني بهالسنة بس! كل السنين اللي فاتت ماتت واندثر أثرها بسنة وحدة بس ، إذا فيه مجال أعيش عند شخص ثاني ليه أظل بالحال اللي أنا فيها؟ أبِي أثبت إنّ قناعاتي ما كانت هباء، أبي أثبت إن الدنيا بالفعل ما تنتهي عند حياة وحدة.
زمّت سهى شفتيها وهي في أقصى قلبها تُدركُ كم أنّ ظهورها اليومَ يُثبت أن الحياةَ تدلّت من يديها وسقطت، حضورها اليوم أخبرها أنّ الخيبات تجلّت فوق بشرتها وترسّبت على رموشها لتسقط مع كل رفّةِ جفن، حضُورها اليومَ لا تُنكر أنّه هزّها وأرآها لوحةً من الخذلانِ الذي لا ينشطرُ لاثنين ولا يوازيهِ خُذلان. عاتبةٌ أنا عليكَ يا أدهم لأنكَ لم تكُن تقصد تكدّس الخيبات في مقلتيها ؛ لكنّك فعلت. عاتبةٌ أنا على طيشِك الذي آوَى بهَا كل تلك السنين في قوقعةِ الرضا دون أن يكُون فيها حقيقةً، هي لم تمتلك القناعةَ أبدًا، ولو امتلكته مرةً ما كانت لتجيء اليوم.
بللت شفتيها وهي تُشتت حدقتيها بصمت، بينما كانت دموعُ إلين قد بدأت بالإستعدادِ ونبعت من مقلتيها دون السقوط. لا لتسقُط الآن، كيف عساها تنكر أنّها باتت تكره عينيها الضعيفتين؟ اللتين تنزفان عند أول بادرةِ ضعف. من السبب؟ من الذي وضَع هذا الضعفَ فيَّ لينتقل إليهما؟ السنينُ الساقطةُ من على كفاي؟ الماءُ المَغليُّ الذي ارتشفتهُ وسلخَ كلّ القوةَ فيّ؟ الكـفوف التي تخلّت عني وسقطَ ثباتي في انحنائها؟ لا شيءَ يُهلك الإنسان أكثر من الخيبات، لا شيءَ يُجفف الحياةَ في عيني أكثر من السقوط والتعثر في كل مرةٍ دون أن أجد من يُناولني كفّه لأستند عليْهِ وأنهض. في هذا الوقت، الذي ينكسر فيه الغُصنُ عن أوراقي ولا تجد من يحملها، أُدرك جيدًا أنّي أسقُط ولا تُسعفني كفٌ في بادرةٍ إنسانية، أُدرك أن قدماي تنكسرانِ لأنسى النهوض أبدًا.
تسلل همسُ سهى إلى أذنيها محملًا بنبرةٍ خافتةٍ حملت من الشفقة الكثير : ولأنّ الدنيا ما تنتهي عند حياة وحدة، كان الأصحْ ما تجين ، لأنّ أدهم من حياتك الأولى، حياتك اللي غلط تكررينها.
اشتدّت شفتاها وتشنج لسانها قليلًا وهي تنظر إلى ملامح سهى بضياع، أجل، أدهم من حياتها الأولى، من حياتِها التي يجب أن تُطوى وتُدثّر تحت غطاءِ النسيان، لكنّه كما كان جزءً من حياتها الأولى لابد أن يكُون مقدمةً للأخرى. دون أن تشعر هاهي مرةً أخرى تنوي بدأ حياةٍ بالرجوعِ إلى أحد، لا تعلم كيفية الإعتماد على نفسها فقط، لا تعلم كيف تستند على كفيْها لا على غيرهما. من مثلها، من عاشَ حياةً تُشابهها، كان لابدّ له أن يكُون بهذا الضعفِ بعد أن تساقطت الخيبات على وجنتيها، لذا هي في كل مرةٍ تعتمد، تعتمدُ ولا تُدرك غير الإعتمادِ لتعيش.
بللت شفتيها وهي تنظر للأرض للحظتين، ومن ثمّ عادت للنظر إلى سهى بعينين تمايلَ الحزن في زواياهما : هو الوحيد اللي ممكن يكُون جزء من الأولى ، وكلّ الثانية!
مسحَت سهى على وجهها وهي تزفرُ دون معرفةٍ بالحل، كيف تقُولها لها، كيف تقول لها أنّها جاءَت لتعتمد على الشخص الذي لن يزرع إلا مزيدًا من الحزن والأسى في عينيها، جلوسها الآن أمامها يجعلها تُدرك أنها لا تعلم شيئًا، علِمت النصف واعتمدت على هذا النصف وصدّقت محاسن الحياةِ به.
فتَحت فمها لتتحدّث، إلا أن صوتًا رجوليًا من خلْفِ الباب صدحَ لترتعش كفّا إلين دون سابِق إنذارٍ وتستدير سهى بسرعة ... بسخرية : كلّ الثانية بعد؟


،


توقفت سيارته أمام المنزل، استدار إلى أمه ليُشير برأسه ناحيةَ الخلف إلى غزل، حينها أومأت برأسها وهي تنزل عن السيارة وتتجه للخلف حتى تفتح الباب وتنظر لغزل بابتسامةٍ ظهرت من عينيها، هاتفةً بود : يلا حبيبتي انزلي البيت بيتك
توترت نظرات غزل التي كانت معلَّقةً بكفّها المُستريحة في حُجرها، كانت في الأيام السابقة تتطلع للحظة التي ستعودُ فيها للذهاب إليهم، فلمَ لا تريد النزول الآن؟
تحرّكت بترددٍ دون أن تضع عيناها بعيني ام عناد، ومن ثمّ ترجّلت عن السيارةِ بقلبٍ يتحشرجُ بتدافع الأكسجين بعيدًا عنه، تشعر أن كل أعضائها الحيوية لا تستطيع الإستجابة والقيام بعملها، تختنق رئتيها بأكسجين يعبر حولها ولا يصلها.
شتت نظراتها في المنزل اللطيف الذي يجمع جزئيات الحنانِ بين حناياه ولا يسمح له بالمغادره، يجمع الراحة في زواياه وكلّ مافي جوفهِ حيْ.
تحرّكت باضطرابٍ بعد أن سمعت صوت ام عناد يدعوها للتحرك، لتمشي ببطءٍ بجانبها وهي تنظر للأرض كمن قامَ بأمرٍ مُخجل، في الحقيقة، نعم قد قامت! بالرغم من كونها كادت تموت لو أنّ تلك السيارة الهوجاء تأخرت قليلًا إلا أنها تحمل جزءً كبيرًا من الذنب لما حدث، فهي ابنة المتسبب، والمُنافقةُ الكاذبة التي ترتدي قناعين متضادين، قناع الضعيفة المُفتقرة للحنان تارةً، وقناع الجاسوس الخائنِ تارةً أخرى. هي السوداءُ التي اتشحت بالبياض، والقَعر الذي تصنّع العُلي ... الله يعلم كم من المعاصي التي تقترفها في حق سلطان الآن وكم هي حقيرةٌ بدرجةٍ لا تقبل الجدل، لكنها إنسانةٌ عاجزة! إنسانةٌ لا تزال تعيش في عصر العبودية . . وليس لديها إلا الطاعة.

استقرّ عناد في سيارته وهو ينتظر دخولهما بينما لم يُفكر في النزول حتى، وما إن اختفتيا خلف الباب حتى رفع هاتفهُ وعيناه تتغطّيان بظلمةٍ حالكة.


،


أعاد ظهرهُ للخلفِ على الأريكةِ الجلدية السوداء، أغمض عينيه وهاتفهُ مُستقرٌ على أذنه، بينما ينساب الصوتُ الهادئ من الجهةِ المُقابلةِ هاتفًا : الحين هو مع الشرطة، يعني بسلامة
أغلق الهاتفَ عند تلك الجملةِ ليضعَ نقطة انتهاءِ الكلام، ثمّ تنهد وهو يرميه على سطح المكتب دون مبالاةٍ وهو يهتف بصوتٍ أجوف اصتدم بجدران الغرفةِ ليرتدّ إليه : بسلامة!!! وش كثر أنت غبي يا أحمد.
فتح عينيْه ببطءٍ لتظهر نظرته التي تغطّت بنارٍ سوداءَ قد تحرق كل ما أمامها، وقبضتاه تشتدّان بقوةٍ تتمنيان أحدًا أمامها حتى تندفعا إليْه.
استغفر وهو يمسح على ملامحه، وفي تلك اللحظة تصاعد رنين هاتفه على المكتب ليُخفض كفّهُ وهو يركز بنظراته إليْه، بالرغم من كونه لا يملك الرّغبة في الحديث مع أحد، إلا أن هناك ما دفعه ليفعل. مدّ كفّه لينتشل الهاتف من مكانه، وما إن رفعه ونظر للمتصلِ حتى اتسعت عيناه متفاجئًا للحظة، لكنّه سرعان ما ابتسم بسخرية : شلون ما توقعت أشوف رقمك الحين؟
ردّ عليْه وكأنّه يحتاج الآن لمجابهةٍ في الكلام! لكنّه بالفعل يريد أن يجابهه، لا بأس في ذلك مع الذي لم يصدق فيه ما سمع ورأى حتى الآن.
أغمض عينيه وهو يهمس دون أن تزول ابتسامته تلك : آخر شخص توقعت أسمع صوته بهالوقت
ابتسم الآخر من الجهةِ الأخرى، وهو بدورهِ أعاد ظهرهُ للخلف في جلسةِ استرخاءٍ وكأنه يُدرك أن حديثه الذي الآن سيطول، وبهمسٍ مماثلٍ لهمسه : يعني توقعت تسمع صوت سلطان مثلًا؟
اتسعت ابتسامتهُ وزاويةُ فمهِ تنجرف نحو الأعلى في رسمٍ أعمق للسخرية : يمكن
هتف عناد متجهًا لصلب الموضوع مباشرةً وابتسامته تختفي تدريجيًا : أعتقد إنّك تدري باللي صار حتى قبل لا أدري فيه
هتف بمكر : وشلون تتوقع ما أدري؟
بلل عناد شفتيه وهو يغمض عينيه السوداوتين للحظة، ومن ثمّ فتحهما مُغلفتين بنظرةٍ تبتعد كل البُعد عن السخريةِ أو اللعب : لا تحاول ، فاهمك، وفاهم كل تحرّكاتك ... أنا إذا ما كنت فهمت كل السالفة فبكون فهمت ثلاثة أرباعها
أظلمت نظرات سلمان وابتسامتهُ تخفُت في ظلام الغُرفةِ التي نامت فيها مصادر الضوءِ عدا من أبجورةٍ واحدةٍ تسمح لنظرتهِ تلك أن تشعّ في الظلام الذي يُحيط بها.
أردف عناد بخفوتٍ واثق : في الأيام اللي فاتت عمّقت بحثي أكثر، أنا على معرفة قديمة بشخص له علاقة بالمباحث وقدرت بمساعدته أكتشف أشيـــاء كثييييرة ، أشياء حاولت تخبيها ظ،ظ¥ سنة.
تنهد سلمان وهو يتقدمُ قليلًا بجسده ليستند بمرفقيه على المكتب وهو يُغمض عينيه لينقشعَ النور الضئيل الذي كان ينير قليلًا مما حوله، تجمّدت ملامحه وصوتُه الصلب يخرج من بين شفتيه جافًا : أشياء؟ مثل أيش هالأشياء؟
عناد يتجاهل سؤالهُ ويُلقي عليه سؤالًا آخر : مين هو تميم؟
عضّ سلمان شفتيه إلا أنه حاول السيطرة على أعصابهِ وهو يهتف : تدري إنّي أقدر أودّي الشخص اللي ساعدك ورى الشمس؟
عناد يبتسم بسخرية : لأنّي أدري مين أنت أيوا أدري
سلمان : وتقولها بكل ثقة؟
عناد : عشان تدري إنّي ما أخافك ، ولا أخاف اللي أنت مخبيه ... أنا عارف من الأساس إنّك ما تقدر تأذيني أو تأذي سلطان
سلمان بجمود : وأيش اللي مخليك متأكد
ضحكَ عناد بخفوتٍ وهو يهمس : تسألني هالسؤال؟ أنت اللي تسألني؟؟؟!
سلمان : صدقني بتورط نفسك لو تعمّقت باللي ما يخصك
تجاهل عناد كلماته المُحذرة تلك وهو يهتف بهدوءٍ وجمود : أيه ووين مخبي عمتي ليلى بالضبط؟
شدّ سلمان على أسنانه بقوّةٍ وهو يهمس من بينها بحنق : يا غبي! يا غبـــــــي
عناد : ما عليه ، تقولي هالشيء وأنت بنفسك عارف إنّك أغبي بكثييييير لأنك قاعد تخاطر ، معليش يعني
صمت سلمان للحظاتٍ وهو ينظر لسطح المكتب أمامهُ بنظرةٍ حالكةِ السواد، وثورةٌ عارمةٌ تتصارع في صدرهِ وكلماتٌ على شفتيه تنوي الخروج لكنهُ يُمحق عزيمتها بصمته.
همس بعد لحظاتٍ من صمتهِ بنبرةٍ حادة : عندك شيء ثاني؟
عناد : عندي بس ما هقوتي أستفيد إذا طوّلت المكالمة
سلمان ببرود : أجل روح نام
عناد بمكر : ما أنام وسلطان ما قد رجع
عضّ سلمان شفتهُ قبل أن يرخي عضته ويبتسم رغمًا عنه : وش كثر أنت غبي
ليُغلق دون أن يُضيف كلمةً أخرى ويزداد عمق السكونُ حول كلًّا منهما، أخفض عناد الهاتف عن أذنه وهو يُغمض عينيْه ويشدّ بقبضته عليه، وماذا بعد؟ لم يكن يظن منذ البداية أنّ الأمر بهذه الخطورة، لكن الآن! وبعد الذي حدث اليوم ... ماذا بعد؟؟!


يتبــع ..



كَيــدْ 07-06-15 01:40 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 






بسخرية : كلّ الثانية بعد؟
اتّسعت عينا سهى وقدمَاها تتحركان بنيّة الإتجاه إليه، إلا أن عقلها استذكرَ كلماته القاسيةَ التي لفظها قبل دقائق لتتيبّس قدماها عن الحركةِ وتنسى الخطوات إليه.
أردف بقسوةٍ وهو يتكئُ بظهره على إطار البابِ ولا يظهر منه لإلين وسهى سوى جزءٌ من كتفهِ ورأسه : إلين ، ما كان ودي أقولها لك بوجهك ... بس مالك حياة هنا
اتسعت عيناها بصدمةٍ ونظراتها الموجّهةُ إلى جُزئـِه الظاهر تيبّست ونسيت غيره، كلماته بنبرتهِ الجافّةِ والقاسيةِ تلك تسللت إلى صدرها خنجرًا حادًا يقطع كُلّ أوعيتها الدمويةِ لينقطع الدمُ عن كامل جسدها. من كلّ المكالمات السابقةِ بينها وبينه، من كلّ النبراتِ الحادةِ التي كان يلفظها صوتُه، كانت تستنبط دون ذكاءٍ مكنون عبارتِه الآن، كانت تستنبط عدم ابتغائِه لها إلا في مرةٍ واحدةٍ حين اتّصل هو بها وأعلمها بنيّة قدومه إليها، كانت تستنبط كل ذلك المعنى وتتجاهل، كلّ ذلك المعنى الذي لم تشعر بقسوتِه إلا الآن وحين لفظ هو بِه، كيفَ تأتِي الكلماتُ حادةً قاسيَةً بهذا الشكل؟ كيفَ تأتي مؤلمةً حدّ الجراحِ التي يئنُّ صوتُها بهِ ولا تنزف؟ خُلقت اللغاتُ للتواصل، لا سلاحًا للقتل. لم تستشعر مدى ألمِ رفضهِ إلا حين قالها وبكل اللا مبالاة التي اجتمعت في صوتِه، في جسدهِ المُدار عنها، في نبرتِه التي عبرت مع جزيئات الهواء لتصلها عبر صدرها الذي خُرّم بشدّةِ حدّته.
اهتزّت شفتاها وعدم مبالاتها بشيءٍ منذ اتجهت إلى هنا بتهورٍ يهتزّ مع اهتزاز كلّ الأحاسيسِ في داخلها، تضاعف شعورُها بالعارِ الذي يتكدس في كلّ ثانيةٍ حتى باتت عدم مبالاتها بهِ ينحرف عنها، شعَرت كم أنّها تهوّرت في القدوم، بالرغم من خلوِّ عقلها من كل الحلول عدا هذا إلا أنه كان حلًا مُخزيًا لا يرتبط بالراحةِ في شيء، لو أنّ هذا الحل كان بادرةً من أدهم، لو أنّه كان راضيًا ولم يتمركز الحل في " الفرض " لما كان الشعورُ الجارحُ الآن يسكنها، لما شعرت بكبريائها المُمزقِ يحترق بنارِ جملته القصيرةِ والطويلةِ المدى، لمَا جفّ صوتُها وبات أُميًا لا يُدرك الرد.
بلل أدهم شفتيهِ وهو يرفعُ رأسه قليلًا للأعلى، آخر الحلولِ الكيْ، وإلين لا تُدرك أنّ وباءً أصابها، وباءُ الثقةِ بهِ والرغبةِ في العيشِ معه. لم يرَها منذ فترةٍ طويلةٍ بطولِ الليالي التي كان ينامُ فيها وحيدًا يُشاركه الفراغُ معيشته، لم يرَها منذ سنواتٍ يتحجّر المُضيُّ فيها وتطُول بعثرتها، كاد ينسى ملامحها التي رسخت في دماغهِ طفولية لم تكتمل معالمُ الأنوثةِ فيها، كاد ينسى ملامحَ الطفلةِ التي كانت ترمقهُ بخوفٍ ونفور . . والآن ؛ لم يستطِع منع نفسهِ من النظر إليْها ما إن جاء، لم يستطِع منع نفسها من سرِقةِ جزءٍ من ملامحها حتى يُجدد بها الصورةَ السابقة، رمقَها ما إن وقف أمام الباب دون أن تنتبه هي وسهى إليْه، رمقَها لدقيقةٍ لا يظهر منها سوَى وجهها والطرحةُ تلتف حولَ رأسها لتظهرَ لهُ بشرتها وملامحها التي ما تغيرَت سوَى أنها ازدادت حلاوةً وجمالًا، ملامحها التي تغطّت بطبقةٍ رقيقةٍ من المكياجِ لم يفقدها هويتها، ملامحها التي نضجَت بعيدًا عن كلّ صعوباتِ الحياةِ لتجيئها محملةً بكلّ الخذلانِ خلالَ وقتٍ قصيرٍ جعلها تنسى كلّ السنواتِ الماضِياتِ الجارياتِ على صفيحةِ عينيها التي تنطفِئُ أمامها الهويّة وتنسى الأوطانُ مُسمّاها والبلدان تغرق في موجِها.
أغمَض عينيه وهو يُعزّي غُربتها وغُربته، إن كان سيكُون في عينيها منحلّ الأخلاقِ فليكُن، يكفيه جلالًا أنه - سيكُون في عينيها -.
بعثرَ أنفاسهُ الساخنةَ قبل أن يهتفَ بصوتٍ يفقد نبرتهُ ويتشتت كل الشعورِ بهْ : بو ياسر في طريقه لهنا ، توّه من شويْ متصل علي ... روحي ويّاه ، ما أنصحك فيني
تحرّك خطوةً ينوي الذهابَ والعودةَ إلى وكرِه، إلا أنّ صوتها وجدَ نفسهُ ليتسلل عبر جزيئاتِ الهواءِ إلى أذنهِ خاليًا من كلّ الحياةْ : ما بروح ويّاه
توقّف وهو يُغمض عينيه للحظة، ومن ثمّ فتحهما يزرع نظرةً قاسيةً تمركزت في عينيه، هاتفًا بحدة : احتفظي بشوي من كرامتك .. وش أنتِ؟ لهالدرجة ما تحسين؟
إلين بصوتٍ تجفُّ من حناياهُ الحياة : الميت يحس؟
اهتزّت شفتاه ليزمّهما وهو هذهِ المرّة يُغلقُ عينيه بقوّةٍ وينسى فتحهما، ارتفَع صدرُه ببطءٍ وهو يُحاول زعزعةَ السهمِ الذي اخترق صدرُه عند كلماتها، يُحاول ألّا يتأثر بنبرتها التي تميل نحو خطِّ اليأس/الأحزان. كيف لصوتكِ أن يتمدد حُزنهُ بهذا الشكل وتتقلّص فيهِ الحياةُ ولا يُخْشِع عينًا في بُكائها عليْه؟ كيفَ لقلبٍ تعبرهُ آهاتُ أنثى ولا يتحشرج به؟ . . عضّ طرفَ شفتِه وهو يهمس في داخله . . لكنني ويا للأسف اقسو على نفسي كثيرًا فليس صعبًا أن أقسو عليكِ ... صدقيني هذه ليست قسوةً بمكنونِها، إنّها رأفةٌ بك، رأفةٌ بمن لن يستطيع العيشَ معي أو تقبّلي.
فتح عينيه ليلفظ بصوتٍ جفّت نبرته : ميّتة أو حية ، ماهو شغلي
سقطت دمعاتٌ على وجنتها، دمعاتٌ حارقاتٌ تتبلوَر خانقةً الصَمت المُحيط بعقلها دون بقيّة أعضائها، دمعاتٌ تحمل في قطراتها ملحًا أجاجًا يشقّ وجنتيها ويُصيبهما بالقحط. رفَعت كفّها لتضعَ ظاهرهُ أسفل عينيها وهي تهمس ببكاء : غصب عنك تنشغل فيني
أدهم : ماني معترف فيك!
عضّت شفتها بقوةٍ وهي تضغط على وجنتها بظاهر كفّها، اهتزّت قدماها وصوتُها الباكي يرتفع بجرحٍ يتعمّق في صدرها ولا يلتئم، لا دواءَ يُشفي جراح القلوب ولا طبيبًا باستطاعتهِ مداواةَ نفسها التي كُسرت. هتفت بحرقة : مو بكيفك يا أدهم هالتناقض! مو بكيفك تعترف فيني مرة وبعدين تنكرنِي ، ماني لعبة ؛ ماني لعبة
أدهم بكلّ القسوةِ التي يمتلكها، هتف : أنتِ اللي تعطين مجال لغيرك عشان يعتبرِك لعبة ، بالرغم من كل اللي كان قبل سنوات بعدك تفكرين فيني؟ كأخ؟ . . ترخصين نفسك بهالطريقة؟
اتّسعت عيناها بصدمةٍ ودمعها جفّ لكلماتِه التي كانت كخنجرٍ اخترقَ صدرَها، تكررت صدى كلماتِه الفجّة في أذنيها حتى صوتُ شهقةِ سهى لم تصلْها، لم تصلْها والجسر الذي تعبر عليْهِ الكلماتُ والأصوات إليها هُدم، كلّ جسورُ الحياةِ هُدمت عدا الجراح، إنّ الجراحَ تعبر فوقَ جسرٍ متين، جسرٍ يزيد من شدّتها فتصلها بأبشع قوّة، تصلُها لتشوّه في عينيها كلّ معالم الحياة، إن الجراح التي بلا دماءَ أقسى وأشدّ وطأة، لا يختفي أثرها، لا دواءَ لها، إنها تُبكي ولا ينضب عنها الدمع. ارتعشت شفتيها بضعفٍ وجسدُها تشعر أنّه خارَ حتى كاد يسقط ويسقط معهُ وعيُها، لم تشعر بنفسها وصوْتها المجروحُ يخرج بحبالٍ صوتيِةٍ مُرهقة، صوتُها يعبر عبر شفتيها المُضطربتين واهنًا : حقير ، حقير ، حقير
ظلّت تُكررها ببهوتٍ حتى كاد صوتها لا يصله، ظّلت تكررها وملامحهُ تُعتم وتتوارى خلْف الظُلمة، ظلّت تكررها وصوتُ الحزن في داخلها يتصاعد مداه بينما صوتُ الحياةِ يهوي في حفرةٍ دون قاع، اختلطَت نبرتها الواهنةُ بنحيبِ البُكاء، بينما تحرَّكت قدماهُ قبل أن يُغمض عينيه ويبتعد! يبتعد عن مدى هذا الصوتِ الضعيف الذي أضعفه، الذي أرسى بسفينةِ التوهانِ عند مينائه، الذي يتغلغل مساماتهِ ويختلط بدمِه، صوتُكِ لا يصل عقلي عن طريقِ أذناي، صوتكِ يتسلل عبر مساماتي ويختلط مع دمي، يصلُ قلبي ويُشارك في دورتي الدموية.
ابتعدت خطواتُه التي قرَعت في أذن سُهى ولم يُستحضر في عقل إلين التي نسي عقلها الأصوات، بكَت بقوّةٍ هذه المرة وهي ترفَع كفّيها وتُغطّي بهما وجهها، انقطَعت آخر حبالِ الأمل، كانت لترضى بقسوتِه، بعدمِ تقبّله لها، لكنّ كلماته الآن كانت خارجَ نطاقِ المعقول، كانت خارجَ قدرتها. بكَت بصوتٍ سمعهُ أدهم قبل أن يبتعد عن مداه وهو يعضّ لسانه ويقنع نفسه أنه لم يُخطئ، يجب أن تدرك أنّها ستُخطئ بشدةٍ لو قامت بالمعيش معه، ستخطئ أكبر خطأٍ في حياتها.


،


بعد صلاة الفجر
سمعَت صوت الباب الخارجي للجناح يُفتح، كانت وقتها مُستلقيةٌ على السرير تحاول جلب النوم إلى عينيها دون أدنى فائدة، تحاول نسيان شعورها العظيم بالخزي لكن هيهات، العار يسكنها بدرجةٍ تجعل التفكير في مواجهةِ شاهين فوق قدرتها. أغمضت عينيها بقوةٍ حين سمعت صوت الباب، وخطواته اعتلت مقتربةً من غرفة النوم بينما الهواءُ ينسحب عنها لتتسارع أنفاسها تلقائيًا ويتسارعَ صدرها هبوطًا ونزولًا. لا تُريد رؤيته، ولا الإحتكاك معه بالكلام أو النظرات، لا طاقةَ لها لمواجهته دون استعدادٍ هذا إن جاءَ الوقتُ الذي قد تستعد فيه أصلًا، وكيف قد تمتلك الجرأة؟ وعارُها يسكن نظراتها ويتصادم مع الهواءِ الذي تتنفسه، ينطلق مع صوتها لتبدو بصورةٍ دونيةٍ لا تستطيع مواجهته بها.
اقترب من السرير ونظراته مرتكزةٌ عليها، شعرها الرطبُ والملابس التي يظهر جزءٌ منها جعله يُدرك أنها قد صلّت فلا داعي ليسألها فالجواب واضحٌ لعينيه. جلس على الحافةِ من الجهةِ المُقابلة، وعيناه لم تنحدرا عنها في مواجهةٍ لصورتها المُضطربة الفاضحة لتمثيلها، تنفسها السريع واضحٌ لعينيه واهتزاز جفنيها اضطرابًا يزيد توترها رغمًا عنها. أغمض عينيه وهو يبتسمُ ابتسامةً تكادُ لا ترى، هل يُمثّل غير السعادة؟ كيف قد يتجرأ؟ إنّ السعادة تصعد فوق ملامحهِ رغمًا عن أنفه، تزيّن حدقتيه لتصبح مرئيةً في نظراته، في صوته، وفي كل ابتسامةٍ قد تظهر منه. إن السعادة قد خُلقت لتُصبح مقترنةً بها، لتُسطّر على أوراقها، بالرغم من كل ما قد فعلته من قبل إلا أنه سامحها! سامحها على استهتارها وكذباتها عليه، كيف لا وهي قد أهدته سعادةً لا مثيل لها؟
تمدد بجانبها وهو يقترب منها، ليستشعر تسارع أنفاسها أكثر، حينها اتسعت ابتسامته وهو يمدّ يده ليضعها على رأسها الرطب هامسًا : يا بعد راسي بيوقف قلبك على هالخوف بسم الله عليه بس! تراني ما آكل
اضطربت خلاياها وهي تزدرد ريقها بعبرة، رغم كلّ شيءٍ يا شاهين ها أنت تتغاضى! رغم إهاناتي نحوك إلا أنّك تجعلني في كل مرةٍ أستشعر مدى كوني حقيرة بدرجةٍ لا تسمح لك بالمغفرة، بدرجةٍ تجعل من قسوتك نحوي مبررًا حد لا أستطيع رفضها ... إلا أنك لا تفعل! لا تقسو علي كما أقسو عليكَ بإهاناتي وأفعالي الحمقاء، لا تقسو عليَّ وأنتَ المطر الذي يسقط حتى على من ينفرون منه، لكن أنا! في كل مرةٍ أُثبت لنفسي أنني لست سوَى ورقةِ خريفٍ جافةٍ لا حياةَ فيها، يتخلى عنها غُصنها في فصلٍ خريفيٍ ولا تعثر على من تلجأ إليه، تدوسها الأقدام المُختلفة ويعبث بها الريح لتزداد جفافًا.
أشكرك، على إيلامي بغفرانك، على جعلي أشعر كم أنا - حقيرةٌ - بسعةِ قلبك.
فتحت عينيها ببطءٍ لتظهر لهُ صفيحةُ الدموع التي تكوّنت فوق حدقتيها، حينها تأوّه وهو يغمض عينيه هامسًا : وشوله البكا الحين؟
همست بحشرجة : آسفة
شاهين يفتح عينيه هامسًا بتجهم : على؟
أسيل : على كذبتي ، على كل شيء
تنهد بقوةٍ وهو ينقلب على ظهرهِ ناظرًا للأعلى، ينظر لتضاريس السقف بعينين شاردتين، كل من في موقفه بالتأكيد سيغضب بسبب كذبتها المُلفقة ليتركها قُبيل الزواج، وهل ينكر أنه اغتاظ؟ لكنّ السعادة التي شعرَ بها كانت أكبر وأعظم، لذا كان من الطبيعي أن يتغاضى كما تغاضى سابقًا، كان من الطبيعي أن يخضع لعينيها.
عاد ليستدير على جانبِهِ الأيسر ليُقابل ملامحها الباكية، ومن ثمّ رفع كفّه ليضعها على وجنتها التي تغلفت بدمعاتٍ مالحات تُصبّ على قلبه. وبهمس : يقول جبران " الرجل الذي لا يغفر للمرأة هفواتها الصغيرة لن يتمتع بفضائلها الكبيرة " وعلى ضوء هذي العبارة أنا مؤمن إيمان تام بأن العلاقات لازم تُبنى على أخطاء لو التفتنا لها راح تنهدم من البداية، لذلك أنا مسامحك، لحد اليوم أنا مسامحك
تقوّست شفتاها بألمٍ لكلامهِ الذي تحمّل بنبرةٍ حنونةٍ هزّت كل أركانها، ودموعها سقطت بكرمٍ أكبر بينما صوتها عبر من بين شفتيها مُتألمًا : اللي سويته هفوات صغيرة؟
شاهين بابتسامة : ما علينا من صغيرة وكبيرة المهم هي مقولة وتفلسفنا فيها ... بس على فكرة؛ راح تردين لي جميلي وهذا اللي أنا منتظره بالأيام الجاية
أغمضت عينيها بقوةٍ وهي تبتسم رغمًا عنها وصوتُه ينحشر بين أضلعها ليرتد ويتكرر على مسامعها باثًا سكينةً في فؤادها. همست بامتنان : شكرًا لك
قبّل وجنتها برقّةٍ وهو يضمّها إليه، وبهمس : أنا اللي أشكرك على هالسعادة بقربك.


،


دخل المنزل قرب الساعةِ السادسةِ فجرًا، كان الظلام ينتشر ويظهر لعينيْه ما إن دخل، الهدوءُ ينبعث في كل الزوايا ما عدا صدرِه، تنهّد بكبتٍ وهو يُغلق الباب الذي كان مفتوحًا من خلفه، والواضح أنهم تركوه مفتوحًا انتظارًا له. ابتسم ابتسامةً تكادُ لا ترى، شتّان ما بينهم وبين من ارتبط معه بالدم! كَذبَ من قال " رابطة الدم أقوى من أي رابطة أخرى "، كذب من قال " عمر الدم ما يصير ميّه "، كذب من قال أن " الدم أكبر كثافةً من الماء "! كذب الجميعُ ولم يصدقوا إلا في " ربّ أخٍ لم تلده أمك "، وعلى صدد ذلك هاهو يقول بكل القهر الذي يتشعّب في صدرِه، بكلّ الأسى الذي تكابل عليه في أشهر مضت ولازال ألمها يمضي على صدره : ربّ عائلةٍ لمْ تحمل دمكَ تصبح هي حاميةَ دمِك! ".
خطى بخطواتٍ ضيقة نحو الداخل وهو يمسح على وجهه مستغفرًا مكررًا " أصبحنا وأصبح الملك لله الواحد القهار "، يصبح العالم بين يدي الله يُقلبه كيف يشاء ويُمسي كذلك، لذا الدنيا بخير، وستبقى بخيرٍ بما أن عينا الله لا تنام .. كل شيءٍ بخير، كُتبت مقادير حياتِه قبل ولادته ولن يضرّه شيءٌ لم يكتب عليه ، لذا الدنيا بخيرٍ وأسألك يا الله أن تكتب لي صبرًا لا ينفد، أسألك يا الله أن تبعث في قلبي قوةً لا تهزّها قوةُ ظرفٍ عبر بنيةِ قهري، أسألك يا الله أن تزرع في صدري - تبلدًا - يسِع قهر العالم بأكمله!
شعرَ بحركةٍ قُربه، حينها استدار بسرعةٍ ليرى عناد جالسًا بين الظلام على إحدى الأرائكِ المُفردة، مُعيدًا ظهره للخلف ليُخفي عينيه تحت ذراعهِ السمراء، ليهتف بهدوء : ما بغيت ترجع ، هذا اللي بيعطيهم رقم السيارة وراجع؟
ابتسم سلطان بهدوءٍ وهو يقترب منه في جُنح الظلام، وبخفوتٍ هتف : طلعت قبل الفجر بوقت ، بس تمشيت لين وقت الصلاة
أزاح عناد ذراعهُ عن عينيه لينظر لوجهه المظلم، هاتفًا : وبعد الصلاة؟ ترى صارت الساعة ست
ضحك سلطان بخفوتٍ قبل أن يهتف : بتحقق معي؟
عناد : كنت متضايق؟
تلاشت ضحكة سلطان ووجهه يتجهّم تدريجيًا ويُظلمُ بعيدًا عن تأثير الظلام حوْلِه، بينما كان عناد ينظر إلى تقلّبات ملامحه تحت استثارة سؤاله له، يشعر به، بالتأكيد هو يشعر بهِ وكيف لا وهو يُدرك جراحه ويعلم مقدار عُمقها وإن أخفى، زفر بغلٍّ ليهتف بخفوت : وش اللي مضايقك بالضبط؟
تحرّك سلطان وهو يبلل شفتيه وملامحه تتجه نحو الجمود، ومن ثمّ جلس على إحدى الأرائكِ ليضعَ مرفقيه على ركبتيه هامسًا بجفاء : وليش بكون متضايق؟
عناد بهدوء : أنت أدرى
تنهّد سلطان بعنفٍ وهويمسح على وجهه، وبصوتٍ وصل إلى أذنيه عبر جزيئات الهواءِ مهتزًا راجيًا : قفل على الموضوع واللي يعافيك
ارتخت ملامح عناد ناظرًا إليْه بعينين فقدتا هدوءها، ومن ثمّ تنهد ليهتف مبتعدًا عن الموضوع : روح نام، أمدانا نجهز لك ولزوجتك غرفة الضيوف، وأول ما تصحى أبغاك تعلّمني وش صار معك بالضبط
أومأ سلطان قبل أن ينهض متحركًا مبتعدًا عنه، بينما نظرات عناد تتبعه قارئًا حزنه في تحرّكاته.

دخَل إلى الغرفةِ التي توازي ظُلمةَ الخارجِ وظلمةَ صدره، رائحةُ عطرها تُخالط جزيئات الهواء، وبرودة التكييف تغلغلت جسدهُ بسرعةٍ ليقشعرّ، برودةٌ لا تكفي حتى تُطفئ الحرارة التي تُسيطر على كامل أعضائه .. نظر باتّجاهِ السرير وقد تحرّكت غزل التي لم تستطِع النوم، جلست لتضمّ الروب إلى جسدِها وعيناها المُشبعتين بارهاقِ النوم تنظران إليه، حاولت النوم في الساعات الماضية إلّا أن تفكيرها كان بعيدًا عن مجرى النوم، بعيدًا كل البعد عن الإسترخاءِ والإنهاك لابد أن يستقر فيها حتى بالتفكير، أنهكتها الحياةُ بمرّها ولم يزُرها الإسترخاءُ مرةً، أنهكتها السنوات الجاريات على وجنتيها بحرارةٍ تسلخ بشرتها وتُوجّهُ ببراكين الحسرةِ إلى قلبها.
شدّت أناملها على قماش الروب من فوقِ قميص النوم الذي يستر كامل جسدها والذي أعطتها إيّاه امه، وبصوتٍ خرج من بين شفتيها مهتزًا يشوبهُ الكثير من القلق : تأخرت
دخَل الغرفةَ بخطواتٍ هادئة وهو يُمرر أنامله على شعره مُتجهًا للحمام، وبصوتٍ جامد : ليه ما نمتي؟
غزل بهدوءٍ ونظراتها تلاحقه : ما قدرت
توقف ليستدير ناحيتها مُقطبًا جبينهُ وهو يقرأ في عينيها عبر ضوءِ الصباحِ المُتسللِ إلى الغرفة اختلاجاتٍ تهزّ نسيم الصباح، هتف بخفوت : وراه؟
توترت غزل وهي تُخفض رأسها وتشدّ بقبضتيها على ركبتيها، هل تقولُ لهُ أنها كانت قلقة؟ عليه تحديدًا! هل تقول أنها كانت قلقلةً من عدمِ عودتهِ وهي المحتاجةُ إليهِ حاجةً بالرغم من كونها تحاول إخفاءها إلا أنها تعترف بها! لازالت كلماتها الأخيرة التي أطلقتها عليْه قبل أن يذهب تتكرر على مسامعها، هي لم تحبه، تُدرك ذلك وما تشعره بالحاجةِ إليه مجرد مسألةِ وقتٍ وسيندثر فيما بعد، لكنّها باتت تخشى أن يتفنن في تلاعبهِ إن كان بالفعل يتلاعب حتى تقع أخيرًا فيما هو محضورٌ عليها.
طال صمتها الذي اختلط بزغزغةٍ خافتةٍ من الخارج مع علوّ الصباحِ وتغريد العصافير، رائحةُ الفجر ترفض التسلل عبر النوافذِ المُغلقة حتى تبعث برائحتها استرخاءً كافيًا يُذهب ضغط الليلة الماضية، سماءُ الرياضِ بدأت تستقبل الشمس الحارّةَ الباثّةَ لسخونتها عبر الأجساد، بينما هذه الغرفة ينتشر فيها برودة التكييف لتضمحلّ حرارةُ الرياضِ بين زواياها. اقترب بخطواتٍ قرعَت على صدرها لترفعَ رأسها مواجهةً لهُ بعينيها المتوترتين والخائفتين، بينما همس صوته باستفسار : شفيك؟ تفكرين باللي صار أمس؟
ازدردت ريقها بتوترٍ وكأنها تزدرد حمضًا حارًا يسلخ الأعضاء التي يمرّ بها فينسلخ بلعومها ومريئها منتهيًا إلى معدتها التي تنصهر بالتوائها وألمها في هذهِ الأثناء. لم تُجِبهُ ليُردف بعد تنهيدةِ خيبة : ما عليه مجرد طيش شباب ومرّ الوضع بسلام، الحمدلله اللي سلّمنا
زمّت شفتيها وهي تعودُ لخفضِ رأسها وتشدّ بأناملها السمراء على القماش الأبيض الذي يهترئُ بهذا الشدِّ كما تهترئُ روحها بانقباضاتِ الجراحِ عليها، بقيودِ القسوةِ التي تُكبّلها وتُغلّف ذكرياتها الناريةِ بأُكسجينٍ يضاعف من حرارتها مراتٍ ومرات. أيّ " طيش شبابٍ " هذا؟ ألا يعلم بالفعل من السبب؟ أم أنه يُحاول فقط زعزعةَ أي فكرٍ سوداويٍ عن عقلها؟ وكيف قد يُزعزعه؟ وهي التي تدرك أكثر منه كيف قد يُفكّرُ والدها ليصلَ إلى ما يُريدهُ بعناءٍ وجهدٍ بالغ، لا طيشَ شبابٍ فيما حدث وكلّ الذي تمرّرَ في الذكرى حالكٌ لا يذهب ظلامه، كل الذي تمرر في الذكرى مرّ دون أن يمرّ أثره، لحظةُ الاصتدام، الإنقلاب، لحظةُ الطيش الذي يقولها، كلّها كانت أمام عينيها ولم يمرّ أثرها وظلامها حتى الآن، صحيحٌ أنهما لم يكونا في السيارةِ آنذاك، لكنّها تتمنى لو أنها كانت بالفعل هناك! فلربما كان ألمُ الموت أهوَنُ من ألم الخذلانِ الذي يتشعّبُ في صدرها.
جلسَ سلطان بجانبها على السرير وقد بنى بينهما فراغًا كافيًا إلا أنهُ لحظَ انتفاضها بوضوح، شعر بزحزحتها بعيدًا ليبتسم بهدوءٍ وهو يهمس : ما آكل بشر والله
توترت غزل حين وصلتها عبارته، بينما أردف وهو يتنهّدُ ويبثّ الشحناتِ السالبة مع جزيئات أنفاسه : ممكن تفسرين لي وش معنى كلامك أمس؟
عضّت طرفَ شفتها وهي تشدّ أكثر على القماش الأبيض حتى تلامست أظافرها مع باطن كفها وكادت تخترق القماش لتجرحها، ارتعشت شفتاها لثانيةٍ قبل أن ترفع رأسها وتوجّه نظراتها الضائعةَ إليْه، نظراتُ غزالٍ شاردٍ تائـهٍ عن قطيعهِ يخشى اصطياد الأسود له، هل تعتبره الآن من قائمـةِ الأسودِ أيضًا؟
رفَع كفّه قليلًا ليضعها على رأسها وارتعاشها يصلُ إليه جيدًا منتقلًا إلى جسدِه، بينما نظراتها التي كانت إليه ضاقت تدريجيًا في توترٍ يشوبه الكثير من الخوفِ والحذر ليتناسب طرديًا في اتساع عينيها ذعرًا. تقلّصت ابتسامتهُ قليلًا وشفتاه تفتران عن نبرةٍ خافتة : المفروض تكونين واثقة من نفسك دامك تحدّيتي!
اهتزّت حدقتاها وكلماته اخترقت عقلها الذي لم يستوعب سوى أنها كانت على حق! أنّه بالفعل كما قال لها عقلها، ليس كذلك! أرجوك لا.
تابعَ نظراتها المُهتزة بصمت، قبل أن يردف : تدرين إنّي يومتها كنت عارف إنّ اللي تحدى شخص غبي! ما عليه يمكن وقتها ماشيتك بس بعدين لما فكرت شوي بالموضوع كانت بتكون نذالة وحقارة مني إنّي أربطك فيني وبعدين أتركك
اتّسعت عيناها أكثر في ذهول، لم تفهم تناقض عبارتيْه ولم يستطع عقلها المُرهق استيعاب كلماته التي تحمّلت بنبرةٍ رقيقة، إلا أن العنف الصادر من نبضات قلبها صوّر لها جفاءَ صوتِه وبرود عباراته. شتت حدقتيها العسليتين عنه، وصدرها ارتفعَ جاذبًا الهواءَ البارد إلى رئتيها، وبهمسٍ وعيناها تعودان للنظر إليْه : ما فهمت.
سلطان يبلل شفتيه بلسانهِ قبل أن يمرر كفهُ على شعرها باثًا بعض الطمأنينةِ إليها، وبهمس : يعني تطمني من ناحيتي، أنا ماراح أتمنذل معاك وأسوي حركات مالها داعي عشان أعلقك فيني بس، بتصرف معاك بكامل عفويتي .. وعاد إذا صار فيك شيء فهذا منك ماهو مني
رمَشت بخفةٍ وهي تشعر بجسدِها يرتخي، كلّ التشنج والإنشداد الذي شعرت بهِ يكاد يُمزق أربطتها تقلّص، التقطت أنفاسها وإدراكها بسرعةٍ وهي تحاول إظهار نفسها بصورةٍ أفضل من الضعف الذي واتاها : مرة واثق!
ابتسم سلطان بعبث : أيه مرة واثق بنفسي ، عشان كذا ما أستبعد تتعلّقين فيني
رفعت رأسها لتصوّب عينيها إلى عينيه وهي تعقد حاجبيها، حينها ضحكَ وهو يهتف : خلاص لا تطلع عيونك * نهض ليُردف * وبعدين الوقت صار متأخر ما نمتي للحين؟
هزّت رأسها بالنفي وهي تلتزم الصمتَ وتتابعهُ بنظراتها. سلطان : طيب نامي لك شوي ما بنطوّل هنا ، بعد الظهر بنطلع
أومأت في صمتٍ وهي تتمدد وتُغطي كامل جسدها باللحاف، تتابعهُ بنظراتها المتوترةِ رغمًا عنها وعقلها يتّجه لمخاوف أخرى، ظلّت تتابعهُ وهي تراه يخلع ثوبَه ويرميه على إحدى الأرائك، ومن ثمّ اقترب من الجهةِ الأخرى من السرير ليتوتر قلبها بنبضاتهِ وتستدير على جانبها الأيمن تُدير الجهةَ التي ينويها ظهرها. كانت تحرّكاته عفويةً للغاية، لكنّها حتى بعفويته تتعثر بخوفها، أغمضَت عينيها بقوةٍ وهي تشعر بهِ يتمددُ دون أن يُلامس دفءُ جسدهِ جسدها، ودون أن يتناول جزءً من اللحافِ وكأنّه قرأ في اختبائها خلفهُ خوفها وتوترها بقربه، لذا وضع مسافةً كافيةً بينهما تسمح لها بالشعور ببرودةِ الغرفة، غطّى عينيه بذراعهِ بينما بقيت هي تتنفس بتوترٍ أسفل اللحاف، تلتهم الهواءَ البارد ورائحته تتغلغلها مع الهواء ليزيد ارتباكها، نامَ هو بعد دقائق قصيرة مختزلًا إرهاق الليلة التي تحمّلت بالمفاجع، بينما بقيت هي تحرس نفسها وتتنفس التوتر لنصف ساعة، ومن ثمّ أزاحت اللحاف قليلًا عن وجهها واستدارت قليلًا وهي تحاول اقناع عقلها أن انتظام تنفسهِ حقيقي، وأنّه نائمٌ بالفعل.
نظرت إلى ملامحه التي اختبأت عنها عيناه، شرَدت قليلًا وعيناها تنحدران على رسمةِ فكّه، على شموخ أنفه، على عوارضه التي تزيده بهاءً. هل يستوي قُبح النّيات مع جمال الملامح؟ في هذه اللحظةِ الصباحية، بين جزيئاتِ الهواءِ الباردةِ، بين موجاتِ صوتِ تنفسها المُضطرب، هاهو عقلُها ينجرفُ نحوَ التأمّلِ وربط المعقول بالمعقولِ بعيدًا عن المحال. يُقال كثيرًا أن جمال الروح لا يرتبط بجمال الملامح، هي لم تؤمن بذلك قط إلا مرةً سابقة! مرةً قمعت من بعدها المرات، هي لم تؤمن إلا بأن جميع البشرِ قبيحوا الأرواحِ وإن تجمّلت ملامحهم .. لكن نظراته ، نبرة حديثه ، انحناءاتُ صوتِه ، لمستهُ الحنونة ، تجعلها تقمع إيمانها ذاك وتُقنع عقلها بالرضا في صمت، بتصديق اقترانِ جمال روحه بجمال ملامحه، لكن هل سترضى أن تُلدغ مرتين؟ ... حسنًا، حقيقةً هناك ما يجعلها تسمح بهذا اللدغ .. لمَ لا تُجرّب؟ معه! لآخر مرة وبعدها إن خُذلت فستموتُ ولن تُكرر تصديقها لأحد، إن خُذلت وتدلّت الخيبةُ على صدرها ستكون وقتها في خبر " كان " وكلُّ كان يكونُ ماضٍ وانتهى، ولتكُن هي الكانَ والإنتهاء. ليُكن هو آخر من ستثق به.


،


مع تسلل خيوطِ الشمسِ عبر النوافذِ إلى الغرفة، تقلّبت على السريرِ ذاتَ اليمين وذات الشمالِ وهي تضعُ كفّها على أسفلِ بطنها، تزمّ شفتيها وألمٌ يسري على ملامحها التي يتسمّر فيها السكُون. فتَحت فمها تستنشق الهواءَ عبرهُ باردًا ببرودةِ الغرفةِ التي تتسلل إلي مساماتها وتضاعف ألمها أضعافًا.
انقلَبت على جانبها الأيسر وهي تتأوه بخفوت، ثمّ عضّت شفتها بقوةٍ وأسنانها تكادُ تخترقها دون أن تشعر بألم شفتِها الفعلي، فألمٌ آخر اختلطَ بالخوفِ طغى وأطفأ ألم شفتِها. همست بألمٍ وصوتُها لا يكاد يُغادر شفتيها حتى يختفي : شالسالفة؟ لا ، لا يكون . . آآه
تصاعدَ تأوّهها ودموعُها دون شعورٍ سقطت، لا يُعقل، أرجوك يا الله لا تقطع أملي في هذا الجنين، أرجوك يا الله لتُخسرني كلّ شيءٍ إلا هو، إلا هو، إلا هو يا الله! أنتَ الوحيدُ الذي يعلم كم شغفَ بهِ قلبي حتى وهِن، أنتَ الوحيد الذي يعلم كم تعذّب كياني حتى أتآني كنورٍ في وسطِ ظلامٍ لا ينقشع إلا به، كخيوطِ السعادةِ الغيْرِ مرئية حين تتجسد في روحٍ صغيرةٍ تنتشل الحزن من الفؤاد، لا تأخذه إليْك يا الله، لا تحرمني منه أتوسلك.
تأوّهت بقوّةٍ لألمِ روحها وخشيَتها حتى اقترب تأوهها من الصراخ، تجاهلت الألم الجسدي وبات تأوهها لألمِها النفسي فقط، تساقطت دموعها بكرمٍ حاتمي وفي تلك اللحظةِ دخَل سيف الذي خرج لصلاة الفجر ولم يعد إلا الآن.
كان صوتُ تأوهها قد وصله وهو في الصالة، وما إن سمعه حتى هروَل إليها بسرعةٍ ليفتح الباب وتتسع عيناه لرؤيته لها متكومةً حول نفسها بألم، اقترب من السرير بسرعةٍ حتى جلس بجانبها ووضع كفّه على وجنتها بخوفٍ هاتفًا : ديما، وش فيك شالسالفة؟
فتحت عينيها لترفع نظراتها الباكيةَ إليْه، وبخفوتٍ واهنٍ وبُكاء : الحق عليْ يا سيف بمووووت ، بموووت والله بموت

.

.

.

انــتــهــى


مقتطفاتٌ من الجــزء القادم


بحدةٍ وملامحه تتشنج بغضب : ما ودك تروحين وياي؟ أجل مع مين يا ست هانم؟

،

ارتفع صدرها بذعرٍ في شكلِ شهيقٍ متعرقلٍ ليهبطَ بانفعالِ زفيرٍ تائـه، بحثت عن صوتها وعن الأبجديات تحاول الرد بشيء، وما إن وجدت صوتها حتى همست : يدي

،

هتفت ليان بعد فترة : بنروح لماما؟

،

بالرغمِ من سكُونِ صوتِها، حركتها، بالرغم من سكونِ أنينها، إلا أنه يدرك أنّها تبكي بصمتٍ تحت مفرشها، تبكي كما كلّ يوم.

....


ودمتم بخير / كَيــدْ !


ليل الشتاء 07-06-15 02:23 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
بارت روعه وقفله تجنن
بانتظارك كيد في البارت القادم باذن الله

fadi azar 07-06-15 10:15 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
مسكينة ازا فقدت الطفل المنتظريته فصل روعة

ضَّيْم 08-06-15 03:38 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 

حين رأيتكِ متواجدة هنا في نفس اللحظة التي أقرا فيها آخر فصل قمتِ بتنزيله، لم أُحِب أنْ أخذلكِ وأخرج دون رد كما أفعل دائمًا..
لستُ من هواة الردود كيد، لكن أريدكِ أن تكوني على علم بأنّي سَعِدّتُ كثيرًا بعودتكِ لإستكمال الرواية،
وقمتُ بإعادة الرواية إلى "المفضلة اليوميّة" التي أدخلها ما إن أفتح مُحرك قوقل.

أستمتعتُ بقراءة فصل اليوم كثيرًا وأشكركِ على ذلك..
لكن أعود وأقول لكِ مرة أخرى بأنّي أحببتُ شخصية غزل وسلطان، فارفّقي بهما من أجلي أرجوكِ :342:

طابت أيامكِ..

لست أدرى 10-06-15 08:19 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
السلام عليكم كدو ..


صراحة لسه ما قرأتش الفصل .. لأنه للاسف حصللى ظروف اليومين اللى فاتوا الله لا يوريك ِ


المهم انا دخلت بس عشان الهدية اللى وعدتك بيها واللى كنت ابتديت فيها فعلا من اسبوع بس اضطريت اوقف ورجعتلها النهارده الحمد لله


لا ادعى خبرة جيدة فى الفوتوشوب .. لكن اتمنى تتقبلى هديتى المتواضعة دى .





http://www.liilas.com/up/uploads/lii...3960149991.jpg





سلامات يا قمر .. هرجعلك بعد قراءة الفصل ان شاء الله

لست أدرى 10-06-15 08:20 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
ودى نسخة تانية منها لأنى احترت بينهم الصراحة




http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_14339601502.jpg

طُعُوْن 11-06-15 12:19 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
مساء/ صباح الخير..

غزل.. معقولة هذا ابو..! والله للحين ماني مستوعبة.. وين ابوّته ذا..!
صراحة احس بعطف عليها.. صحيح انها
ضيعت شرفها لو ايش ماكان عذرها ما تنعذر..
بس واضح وضوح الشمس تعطشها لحنان
من ايٍّ كان.. حتى لو ماكان سلطان كانت
رح تتعلق بأي خيط حتى لو كان هش..
بس اللي مو فاهمته.. هي ضيعت شرفها قبل
يملك عليها سلطان والا بعد؟؟ اذكر انك قد
جبتي تلميحه بس ما اذكر بأي بارت😁
.
.

أحمد .. شاللي يدور عليه عند سلطان..! اصلًا
سلطان ايش شغله.. يعني مؤسس له شركة والا
كان يشتغل عند عمه؟؟
بس غزل ضعفها ينرفزنييي ابي اعطيها كم بوكس
عشان تتعدل وتعدل حالها.. حاجتها لسلطان
واضحة.. ومع كذا تناقض نفسها.. عالطاري..
كم قد لهم متزوجين؟؟

،

أدهم "وقتها في القدومِ كان خطأً! خطأً بدرجةٍ تجعله لا يُدرك ما الذي عليْه فعله. إنها لا تعلم شيئًا، لا تدركُ شيئًا ولا تفقهُ معنى ما تقومُ به، لو أنها فقط تعلم، لكانت قدماها لم تتقدما نحو بيتِه خطوة، ولكان صوتها لم ينبعث إلى أذناه عبر الهاتفِ ليلة، لكان رجاؤها في الإلتجاء إليْه مات قبل أن يصعد مع موجاتِ صوتها، لكنها لا تدرك، واللهِ لم تُدرِك شيئًا وإلا لكانت تخلّت عن اسمهِ من أول بادرةِ ألمْ. "

شو ها.. وش اللي ما تعرفه إلين..! معقولة
أدهم مو اخوها؟؟ بس لو ماكان اخوها وش
اللي يخلي امها تجي وتقولها كذا..!
معقولة عشان تنتقم من ادهم واهله استخدمت إلين كـ وسيلة لإنتقامها..! بس
تحليل الـ DNA ..!
صراحة سالفتهم كل مالها تتعقد..! اول
شيء وش السبب اللي خلا عبدالله يرد إلين
للدار وهي عمرها 15 .. وكيف عرفها ادهم..
وش اللي وصله لها.. يمكن كان هو كمان
في الدار نفسها..! او احد دلّه عليها.. او
شافها صدفة وعجبته قال اتحرش فيها؟
وبعدها جات امها لعندها وقالت انتي
بنتي واسمك نجلاء وعطتها صورة من
بطاقة العائلة بعد ما سوو التحليل.. بس
اذا كانت سوت مع امها التحليل.. فهذا يثبت انو هي امها الحقيقة.. بس ابوها مين..! اذا كان ابوها هو نفسه ابو ادهم.. فـ ليش خايفين.. ويقولوا انها بتجيب لهم
مصايب.. وانها ماتعرف عن شيء..!

،

"نظرت سُهى إليها ببرودٍ وهي تعتصر قلبها وتُخرج صوتها حادًا قاسيًا، لتُردف : أو أقول ، الأفضل ما ترجعين ... فكري مرة ومرتين لأنك ما تدرين بالضبط وش عواقب اللي تسوينه، أنتِ ترمين بنفسك يا بنت "

..

"حضُورها اليومَ لا تُنكر أنّه هزّها وأرآها لوحةً من الخذلانِ الذي لا ينشطرُ لاثنين ولا يوازيهِ خُذلان. عاتبةٌ أنا عليكَ يا أدهم لأنكَ لم تكُن تقصد تكدّس الخيبات في مقلتيها ؛ لكنّك فعلت. عاتبةٌ أنا على طيشِك الذي آوَى بهَا كل تلك السنين في قوقعةِ الرضا دون أن يكُون فيها حقيقةً، هي لم تمتلك القناعةَ أبدًا، ولو امتلكته مرةً ما كانت لتجيء اليوم. "

..
"جلوسها الآن أمامها يجعلها تُدرك أنها لا تعلم شيئًا، علِمت النصف واعتمدت على هذا النصف وصدّقت محاسن الحياةِ به. "

*علامة استفهام كبر راسك*
حاولت افهم بس ماش..!

..

"كاد ينسى ملامحَ الطفلةِ التي كانت ترمقهُ بخوفٍ ونفور . . والآن ؛ لم يستطِع منع نفسهِ من النظر إليْها ما إن جاء، لم يستطِع منع نفسها من سرِقةِ جزءٍ من ملامحها حتى يُجدد بها الصورةَ السابقة،"
،
"بلل أدهم شفتيهِ وهو يرفعُ رأسه قليلًا للأعلى، آخر الحلولِ الكيْ، وإلين لا تُدرك أنّ وباءً أصابها، وباءُ الثقةِ بهِ والرغبةِ في العيشِ معه. لم يرَها منذ فترةٍ طويلةٍ بطولِ الليالي التي كان ينامُ فيها وحيدًا يُشاركه الفراغُ معيشته، لم يرَها منذ سنواتٍ يتحجّر المُضيُّ فيها وتطُول بعثرتها، كاد ينسى ملامحها التي رسخت في دماغهِ طفولية لم تكتمل معالمُ الأنوثةِ فيها، كاد ينسى ملامحَ الطفلةِ التي كانت ترمقهُ بخوفٍ ونفور . . والآن ؛ لم يستطِع منع نفسهِ من النظر إليْها ما إن جاء، لم يستطِع منع نفسها من سرِقةِ جزءٍ من ملامحها حتى يُجدد بها الصورةَ السابقة، رمقَها ما إن وقف أمام الباب دون أن تنتبه هي وسهى إليْه، رمقَها لدقيقةٍ لا يظهر منها سوَى وجهها والطرحةُ تلتف حولَ رأسها لتظهرَ لهُ بشرتها وملامحها التي ما تغيرَت سوَى أنها ازدادت حلاوةً وجمالًا، ملامحها التي تغطّت بطبقةٍ رقيقةٍ من المكياجِ لم يفقدها هويتها، ملامحها التي نضجَت بعيدًا عن كلّ صعوباتِ الحياةِ لتجيئها محملةً بكلّ الخذلانِ خلالَ وقتٍ قصيرٍ جعلها تنسى كلّ السنواتِ الماضِياتِ الجارياتِ على صفيحةِ عينيها التي تنطفِئُ أمامها الهويّة وتنسى الأوطانُ مُسمّاها والبلدان تغرق في موجِها.
أغمَض عينيه وهو يُعزّي غُربتها وغُربته، إن كان سيكُون في عينيها منحلّ الأخلاقِ فليكُن، يكفيه جلالًا أنه - سيكُون في عينيها -. "

الحين هذا كلام واحد عن أخته..! بس ارجع
واغير كلامي و اقول انها اخته.. لأني بصراحة احترت..
اذا ما كانت اخته فـ ليش يوم مات ابوه دق
عليها وكان يبيها تجي عنده ..اذا هو رافضها هالقد ليش دق عليها..!

،

"كيف لصوتكِ أن يتمدد حُزنهُ بهذا الشكل وتتقلّص فيهِ الحياةُ ولا يُخْشِع عينًا في بُكائها عليْه؟ كيفَ لقلبٍ تعبرهُ آهاتُ أنثى ولا يتحشرج به؟ . ."

* هنا علامة استفهام كبر راسي*

..

"أدهم بكلّ القسوةِ التي يمتلكها، هتف : أنتِ اللي تعطين مجال لغيرك عشان يعتبرِك لعبة ، بالرغم من كل اللي كان قبل سنوات بعدك تفكرين فيني؟ كأخ؟ . . ترخصين نفسك بهالطريقة؟ "

تفكرين فيني ؟كأخ؟ يعني لو انك كتبتيها
متواصله كنت بقول انو مستنكر .. بس
حطيتي علامتين استفهام.. بس كلمة " كأخ" كأنه يبي ينبهها انو لو كان اخوها ماكان تحرش فيها.. ولا رفضها بالقسوة
ذي..

؛
"صوتُكِ لا يصل عقلي عن طريقِ أذناي، صوتكِ يتسلل عبر مساماتي ويختلط مع دمي، يصلُ قلبي ويُشارك في دورتي الدموية. "

هنو.. بالله عليك فكينا من حركات النص كم هذي حقتكم يالكاتبات.. احس راسي انشق نصين.. نص يقول أدهم اخوها ونص يقول من حديث نفسه ماهو اخوها.. وبعديييييييييين< تصارخ عليك👊

.
.

سلمان.. اول ما قرأت الموقف قلت اكيد له
يد باللي صار.. بس بعد ما قريته مره ثانية
مدري ليش استبعدته.. يعني يمكن ماله
يد بالموضوع.. بس برضوا يمكن كان يعرف باللي ناويه احمد بس ما منعه.. او يمكن
خطتهم كذا يعني كـ تهديد لسلطان..
اول شيء الرسايل وبعدها الحادث.. بس
احس الجملة ذي "تنهد وهو يرميه على سطح المكتب دون مبالاةٍ وهو يهتف بصوتٍ أجوف اصتدم بجدران الغرفةِ ليرتدّ إليه : بسلامة!!! وش كثر أنت غبي يا أحمد" تقولي انه له يد بالموضوع..

..
"ردّ عليْه وكأنّه يحتاج الآن لمجابهةٍ في الكلام! لكنّه بالفعل يريد أن يجابهه، لا بأس في ذلك مع الذي لم يصدق فيه ما سمع ورأى حتى الآن. "
هنا سلمان مدري سليمان يعترف باللي
سواه ويسويه حاليًا👌

..

"عناد يتجاهل سؤالهُ ويُلقي عليه سؤالًا آخر : مين هو تميم؟ "

وهنا بدأت اول خيوط تمييم توضح.. واللي هي عرفنا انه له صلة بسليمان واحمد..
بس احس باقي ابطال لساتهم بقراطيسهم للحين.. يعني رئيسهم و من اي دولة وكيف يتلقون الأوامر منه و اذا بينهم وسيط او
لا.. لأنو ما صارت الأشياء ذي الا بعد ما
اكتشف سلطان انو سلمان هو اللي قتل ابوه.. ويمكن تكون خطة من سلمان وقتها وسوى نفسه يكلم وقال الكلام هذاك عشان يحمي سلطان من القاتل الحقيقي ويحميه من متاهات كثيرة.. سلمان مايقدر يأذي عناد وسلطان.. لأنو حتى لو كره اخوه بس
يبقى هو اللي رباهم.. شوفي مدري وش
طرى على بالي.. بس صراحة حسيته توقع
خطير<< الثقه😎 المهم.. التوقع هو انو سلمان يشتغل عميل سري في السلك العسكري عشان يكتشف قاتل اخوه👌
بس يختي وين ودا ليلى..! لالا هذا
مجرم حقيقي<< ارسي لك على راي
بس وش عنده سلمان يقول لعناد غبي..
وشو له يسب😒

.
.

شيهان.. الحين ذي النتفة الكئيبة جابت
راسك😏 خلف الله عليك بس✋

أسيل.. "رغم إهاناتي نحوك إلا أنّك تجعلني في كل مرةٍ أستشعر مدى كوني حقيرة بدرجةٍ لا تسمح لك بالمغفرة،"
هماك عارفة انك حقيرة..!
بس مو هي كانت تنفر من لمساته.. الحين
اشوف شياطينها هجدت شكلها اسلمت والله اعلم.. لأني توقعت معركة داحس والغبرا تنعاد في ليلة زواجهم..

.
.

غزل.. حلو انها اقتنعت بأنها تثق بسلطان.. ويمكن تتعلق فيه مثل ما قال😁

.
.

ديما.. ياعزتي لش.. اتمنى انو ما يكتشف سيف حملها الحين وانو ما يصير للبيبي شيء.. توها ما فرحت فيه.. بس لو اكتشفه ردة فعله رح تكون عنيفة.. بس رح تهزه فعلتها ويمكن يصحى على نفسه ويدرك انو اذا ما لان معها شوي وترك استعباده لها انو رح يخسرها.. لأنو طاقتها بالصبر بدأت تنفد..

،
،

المقتطفات..

"ارتفع صدرها بذعرٍ في شكلِ شهيقٍ متعرقلٍ ليهبطَ بانفعالِ زفيرٍ تائـه، بحثت عن صوتها وعن الأبجديات تحاول الرد بشيء، وما إن وجدت صوتها حتى همست : يدي "

غزل، إلين

،

"بالرغمِ من سكُونِ صوتِها، حركتها، بالرغم من سكونِ أنينها، إلا أنه يدرك أنّها تبكي بصمتٍ تحت مفرشها، تبكي كما كلّ يوم. "

جيهان او جنان..


وسلامتش.. هذرت واجد ادري..🌚

منـار القمر 11-06-15 07:39 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اجزااء جميله.
نتظر القادم منك يشوق ومحبه

لست أدرى 11-06-15 07:43 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 

ايه ؟؟ عناد مشغل مخبرين سريين ولا ايه ؟؟ شكله بيحاول يفهم ويدور ورى اللى بيأذوا سلطان !!! ولا هو فيه حاجه عارفها فعلا ؟؟

وبيقول انه فهم تلات اربع الموضوع !! بس اسلوبه فى الكلام واسترخاءه وهو بيكلم سلمان بيأكد كلامى انه الخطر مش من سلمان .

لسه مش قادرة افهمها بالضبط .. بس هو حاجه من اتنين .. يا اما انه سلمان متورط فى مشكلة ما مع ناس تانية " واللى منهم أحمد " عشان كده هو لسه معاهم " بس ده مايمنعش انه مش هيأذى سلطان ابدا "
يا اما زى ماقلت قبل كده انه بيجاريهم لحد ما يقدر يوقعهم .. وفى نفس الوقت بيضحك على سلطان ويحاول يوهمه انه ه قاتل ابيه وانه المجرم الحقيقى عشان لو سلطان عرف الحقيقة هيكون خطر عليه المواجهة مع الناس دى !!

وبكده ارد على سؤالك .. بتقوليلى ياترى اللى مدبر الحادث أحمد بس ولا احمد وسلمان ؟؟؟ وانا بقولك انا لسه على موقفى انه سلمان مالوش ايد فى الموضوع ده .. بالعكس من الواضح انه ارسل حد يطمنه على سلطان وياخد باله منه لما عرف بنوايا أحمد وجماعته .


ونيجى للسؤال دلوقتى ... مين تميم ؟؟؟
حتى لو كانت توقعاتى اللى فاتت غير صحيحة فعلى الاقل صح توقعى لما ربطت بين تميم وسلطان دونا عن بقية الابطال !!

امممممم صراحة ماقدرتش اجيبها اوى .. بس ممكن يكون تميم ابن سلمان !!! بس برضه لسه مش قادرة اربط الامور ببعضها .. لو هو ابن سلمان ، ليه ماحدش يعرف عنه ؟؟ وايه علاقته باللى بيحصل لسلطان ؟؟ وايه علاقة تميم بسلمان اساسا ؟؟ هل يعرف انه ابوه ؟؟



امممممممممم مين تانى ؟؟

الست اسيل ... يارب يارب يارب البت دى تتلم بقى وترد الجمايل لشاهين فعلا .. والله البت دى لو اذت شاهين بنص كلمة تانى لتبقى تستحق القتل بجد .. مالهاش عين والله .


إلين ... أكبر مأساة فى الرواية من وجهة نظرى ... ولسه لحد دلوقتى برضه مش قادرة اتخيل قصتها كاملة !!

طيب ادهم وسهى هل مش عايزين الين تعيش مع ادهم بس لأنه طايش وغير مسئول وممكن يأذيها ويخلى حياتها جحيم لو عاشت معاه ؟؟ ولا فيه سبب تانى احنا مش فاهمينه ؟؟

وايه حكاية نجلاء بقى ؟؟ وايه الرابط بينها وبين هالة واللى خلى هالة ترضع الين ؟؟


ديما وسيف ... ربنا يستر عليها يارب والحمل يتم على خير ... المشكلة انه لو سيف درى والحمل ده سقط ، ابقوا قابلونى ان سابها تكررها تانى !!!


سلامات يا قمر ... بانتظار جديدك

كَيــدْ 12-06-15 01:09 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لست أدرى (المشاركة 3539917)
السلام عليكم كدو ..


صراحة لسه ما قرأتش الفصل .. لأنه للاسف حصللى ظروف اليومين اللى فاتوا الله لا يوريك ِ


المهم انا دخلت بس عشان الهدية اللى وعدتك بيها واللى كنت ابتديت فيها فعلا من اسبوع بس اضطريت اوقف ورجعتلها النهارده الحمد لله


لا ادعى خبرة جيدة فى الفوتوشوب .. لكن اتمنى تتقبلى هديتى المتواضعة دى .











سلامات يا قمر .. هرجعلك بعد قراءة الفصل ان شاء الله

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لست أدرى (المشاركة 3539918)
ودى نسخة تانية منها لأنى احترت بينهم الصراحة





ت




سلمين يا الغالية وأشكرك جدًا عبى هالتصميم اللي أتعب وأنا أقول يجنن!
جد والله كثيييير عجبني ويكفي إنك من القلة اللي سووا لي إهداءات أو فكروا يسوون :(((

مشكورة يا الغاليــة (())

,



+ عارفة اني تأخرت عليكم ببارت امس وما رديت على تعليقاتكم بس تعبانة شويتين وتو حسيت نفسي أحسن
بحاول أنزل البارت عالفجر وإذا ما قدرت فماراح يجي الظهر الا وهو عندكم :"""
التمسوا لي العذر ()

كَيــدْ 12-06-15 04:19 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 







سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم راحةٌ من الله عليكم
إن شاء الله تكونون بألف خير وعافية


ما عندي كلام أقوله هالمرة وحتى لو عندي نأجله لبعد البارت
تأخرت عليكم اليوم لأني كنت تعبانة لذلك ندخل في المهم


يلا نبدأ بسم الله وعلى بركته
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !

البارت اليوم اهداء لـ بُسيمة وبذكر السبب نهاية البارت
لا تنزلون تحت وتشوفون السبب مثل ما سووا ناس قبل ، بينحرق عليكم ترى -_-

لا تلهيكم عن العبادات


(35)




وقف أمام بابِ الغرفةِ للحظاتٍ وعيناه تنظران نحو الأرض بصمت، تنهّد وهو يُغمض عينيهِ ويُسافر في تفكيرِه نحوَ السكون محاولًا دون جدوَى أن يغسل عقله من تكدّس الإنفعالاتِ فيه.
بالرغمِ من سكُونِ صوتِها، حركتها، بالرغم من سكونِ أنينها، إلا أنه يدرك أنّها تبكي بصمتٍ تحت مفرشها، تبكي كما كلّ يوم.
زفرَ بانفعالٍ وهو يتحرّك مبتعدًا عن الغرفة، في أعماق صدرِه هو عاتبٌ عليها، " زعلانْ " منها وعليها، في قرارةِ نفسهِ يتمحوَر عتبَه على ما فعلت، دون أن تعتبره أحدًا ودون أن تضع لهُ صورةً في عقلها.

في الداخل
كانت كما تخيّلها عبدالله، تختبئُ أسفل لحافها باكيةً يائسةً من كل ملذات الدنيا، بكل دمعةٍ تسقط تحتقر نفسها أكثر وأكثر لضعفها، تتذكر أنّها في البارحةِ بكت لتخرج أخيرًا من بيتهِ لتجد عبدالله لتوهِ وصل، وتعود معه! البارحة فقط أدركت أنها تعيش في حلقةٍ لا أمل في الخروج منها، عادت في النهايةِ هُنا وكل الخزي يرتسم على وجهها، عادت لتدرك أنهم الوحيدين الذين قد يقبلون بها.
تصاعد صوتُ بكائها المُختنق أسفل اللحاف، والبرودة تستحل جسدها دون أن تشعر بها فعليًا فهناك حرارةٌ تسري في أوردتها تأبى التسرب عن جسدها، تأبى إلا أن تتخذ من مساماتها مدخلًا ومن أوردتها معبرًا، تأبى السقوط مع دموعها الحاتمية في قطراتٍ ملحية.
عضّت شفتها بقوّةٍ وهي تقبض كفّها اليُمنى على صدرها جهةَ قلبها الذي تكدّس بالضيق وتفجّر به، يتحشرج والموت تشعر أنّه ينشر سوادهُ في حناياه، ولا ضيق إلا لابتعاد العبد عن ربه! تدرك ذلك فابتعادها عن الله يتضاعف، يتضاعف بدرجةٍ تجعل جحيم الحياةِ يُطبق على جسدها ويحرقها بنيرانٍ سوداءَ تتلذذ بالضعف.
قلّبتني الحياةُ على مشواةِ الخيبات ويا الله يا مُقلِب القلوب ثبّت قلبي على دينك! أُدركُ أنني في امتحانٍ منك، وأُدرك أنني أفشل فيه، أدركُ أنني ابتعدت عنك أميالًا وكلّ ميلٍ يزداد بهِ ضيقي أضعافًا، سامحني يا الله على كلّ صلاةٍ أخرتها وأنا أبكي تحت لحافي، سامحني يا الله على كل آيةٍ في كتابكِ لم أقرأها منذ استبد بي الحزن وكسر مجاديفي، سامحني على كل شيء! على كل شيءٍ يا الله وعلى كل الضعف والتقصير الذي سيرافقني في الأيام التالية.
أنا لا أبكي الدنيا، لا أبكي ملذتها، لا أبكي مخلوقًا زائلًا، أنا أبكيني، أبكيني وجعًا تفنن الخذلانُ في تسطيره، أبكيني دمعةً سقطت وكل الدموعِ لا تعودُ ولا تُنقذ حياتي الباقية. من قال أن الدموعَ " فضفضة "؟، من قال أن الدموعَ تقلل وطءَ الخيبات وأنّ كل دمعةٍ تسقط تحمل معها حزنًا، بكيتُ قرنًا ولازال الحُزن يتشعب في صدري ويتضاعف، لازال يُسقط كفي ويبني حولَ عيناي حصنًا عن جمال الدنيا، و " أموت ".


،


ببكاءِ خشية : الحق عليْ يا سيف بمووووت ، بموووت والله بموووت
تضاربت نبضات قلبه مع قفصهِ الصدري وكفّاه على جسدها ارتعشتا، وضعَ كفّه اليمنى تحت رأسها باضطرابٍ والخوف يستحلّ تفكيره، وبانفعال : وش تحسين فيه بالضبط؟
ديما تغمض عينيها بقوّةٍ ليرتفع تأوّهها للحظةٍ ومن ثمّ يخفت ما إن شعرت بألم بطنها وظهرها يتقلص، عضّت شفتها بقوّةٍ وهي تحتضن نفسها والألم يسكن تدريجيًا حتى بدأ يتلاشى، يتلاشى وذهاب وعيِها يتلاشى معهُ وأنفاسها تتهدج تدريجيًا بينما أنفاس سيف تصتدم بها مضطربةً متوترة، مضطربةً يرتفع معها معدل الأدرينالين وضربات قلبه تصتدم بقفصهِ الصدري وبكل أجزاء جسدهِ عبر موجاتها الفوق سمعية التي لا يُدركها الزمان والمكان وكل خوفهِ تمركز في هذه اللحظات عليها.
قطّب جبينه بشدةٍ وصوتها سكن، أمال برأسه قليلًا هامسًا بنبرةٍ يختنقُ فيها الوعي والإدراك : ديما
رمشت عيناها والإدراك يأتيها رويدًا رويدًا، سيف يجلس بجانبها، وألمها قبل لحظاتٍ روحيًا قبل أن يكون جسديًا، وصراخها بكلمات لا تستطيع استيعاب ما كانت .... غير معقول!!
اتسعت عيناها الممتلئتان بالدمع، وحدقتيها تمركزتا على صدرهِ دون أن تقدر على رفعهما شبرًا واحدًا إلى ملامحه، دموعها المُغرقةِ لوجنتيها شعرت أنها تحوّلت فجأةً إلى حمضٍ يسلخ بشرتها بحرارته. ما الذي قالته بالضبط؟ صرخت وهي تدرك ذلك، ناجته بكلماتٍ ما لكن ما كانت!!!
فغرت شفتيها وهي تسمع اسمها يتكرر مرةً أخرى على لسانهِ بنبرةٍ قلقةٍ تمتلئ أذنيها بها وتفيض، تتعثّر بها كلماتها وأحرفها وصوتها يموت، ما الذي قالته؟ تريد التذكر علّها تستطيع الرد عليه ردًا يبعد أي فكرةٍ ليست بمصلحتها عن رأسه . . ما الذي قالته!!!
ازداد تقطيب جبينه لصمتها وازداد خوفه، لذا شدّ عليها أكثر بذراعهِ اليُمنى وكفّه اليُسرى ارتفعت لتقبض على ذقنها ويرفع وجهها إليه ناظرًا لملامحها المصدومةِ وعينيها المغطيتين بسحابة الدموع زادت قلقه للنظرة الفارغة بهما.
همس بحدةٍ وهو يشدّ على ذقنها : ديمـا! لا تجننيني وش فيك؟
لملمت شفتيها لتُطبقهما وتستنشق الهواء عبر أنفها بينما جفاف صوتها يزداد ويتشعبُ ضياعهُ في حنجرتها ... شتت حدقتيها عنه خوفًا، هل تفهم من كلامه أنها لم تقل ما يفضح أمرها؟ بالتأكيد! فلو أنها قالت ماهو خطأ لما كان بهذا الحال، كان ليكون منفعلًا وصوتُه وملامحه تنبئ بالخطر . . بالتأكيد لم تقل ماهو خطأ، لم تقل ماهو خطأ!
أعادت حدقتيها إليْه مهتزتان متعثرتان بضوءِ الكلامِ وانحناءاتِ النبرات، همست بحشرجةٍ وهي تبحث عن كلماتٍ تسعف موقفها الآن : م ، مافيني شيء
عقد حاجبيه وهو يهمس باستنكار : مافيك شيء؟ ديما لا تستهبلين علي الحين
ديما تبتلع ريقها قبل أن تهمس بتوتر : بطني كان يعوّرني ... بس
سيف : من؟
ازدردت ريقها وهي تضغط على بطنها، من ماذا؟ هل ستتجاهل هذا الألم الذي هاجمها فجأةً وذهب؟ هل هذا طبيعي؟ أم أنّ هناك خطأ؟ رفعت نظراتها إليه ولازال الألم ينقش نفسه بصورةٍ باهتةٍ فيها، نظراتها تثقل ما بين التوتر من شكّه، وما بين الخوف على جنينها.
سيف يهتف بقلّة صبر : ديما شالسالفة؟
سقطت نظراتُها عنه إلى حُجرها وهي تبلل شفتيها المضطربتين بلسانها، أُدرك أن الغُصنَ يقسو في كل يوم، والبللُ يغادر جذورنا التي ذبلَت أطرافها وبات استقبالها للأملامح صعبًا، نحن نمتصُّ الجفافَ بصدِّك عني وكذبي عليك، نمتصُّ الذبول بابتعادنا والطُرق تطوي نفسها بالبعد وكل اللوحات الإرشادية تسقط ويسقط معه اقترابنا ... لا ضير في الكذب، لا ضير في كذبٍ تكاثر سابقًا ولا بأس في ازدياد تكاثره بيننا لنسقط أخيرًا معًا في منتصفِ علاقةٍ قد تثبتُ بهذا الطفل وقد تنتهي!
رفَعت نظراتها إليْه وهي تعقد حاجبيها بضعفٍ وتهمس وصوتُها الداخلي يهتف بقوة " المهم الآن الطفل، الطفل ولا شيء آخر " : شكله ألم الدورة ، عاد هي ماهي منتظمة معي هالفترة
قطّب جبينه بشدةٍ وشردَ فكره وكأنه انتبه لنقطةٍ ما، بينما توتّرت نظراتها حين لحظت نظرة عينيه الشاردة وانقبض قلبها بشدة، هل شكّ بشيءٍ ما!! عضّت شفتها بقوةٍ قبل أن يتلعثم صوتُها في نبرةٍ مهتزّةٍ قلقة : كنت بقولك قبل تاخذني لدكتورة نسائية بس نسيت
ارتفعت نظراته إليها قبل أن يُرخي جبينه ويرطّب شفتيه بلسانه، وبهدوءٍ وهو يُمسك كفّها اليُمنى ويشدّ عليها : أجل باخذك اليوم دامك ذكرتي هالموضوع
اتسعت عيناها بصدمةٍ وجفّ حلقها حين أدركت أنها " جابت العيد "، أرادت أن تكحّلها فأعمتها ويالغبائها ... يا إلهي! ما الذي فعلتُه؟ ما الذي فعلتُه؟ .. ارتعشت شفتاها بتوترٍ قبل أن تشدّ على كفِه وبشدّها تشدّ على كل خلاياها لتشعر بالضغطِ يرتفع رويدًا رويدًا حتى تنفجر!
عقدَ سيف حاجبيه وهو يشعر بشدّها على كفِه، وتصاعد قلقهُ تلقائيًا وهو يهتف لها بخشية : رجع الألم؟
زفَرت بعنفٍ وهي تتراجع للخلف وتطلقُ كفّه، وباضطرابٍ يرتفع بهِ صدرها في صورةِ تنفسٍ مضطرب : لا ، أنا بخير ... و ، ومافيه داعي تاخذني للمستشفى هالشيء طبيعي يصير
سيف : متأكدة؟
أومأت برأسها وهي تزدرد ريقها، وكل مافي جسدها ينبض بالحرارةِ لتشتعل داخليًا ولا تجد ما يُطفئُها، يتبخّرُ الثبات إثر النار التي تندلع في جوفها وتُغادر هي ببقاياها مع ذاك الرُكام من " الديما " ، اشتدّت ملامحه والرضا يرفض أن يُزاولـه وعدم الراحةِ تجاه ذاك الألم الذي اقتحمها فجأةً لازال يتشعّب في صدرهِ ويُقلق نبضاتِ قلبه.
ابتسمت ديما باضطرابٍ تحاول نثر تفكيرهِ عن فكرة الذهاب للمستشفى، لكنّ الألم عاد ليُهاجمها فجأةً لتصرخ دون شعور : آآآآهـ
انتفض سيف لتنتفض كل شعرةٍ في جسدهِ ويُمسك بكتفيها قلقًا ، وبنبرةٍ حادةٍ في ذعرها : اسمعي ، أنا قلبي ماهو متطمن لألمك ذا ، عشان كذا البسي عبايتك وبآخذك للمستشفى الحين
فغرت شفتيها تحاول الإعترض إلا أنه قاطعها بحزم : ولا كلمة! الحين تلبسين عبايتك ونمشي ، اليوم السبت وما عندي ولا عندك شغل وحتى لو عندنا بتمشين للمستشفى غصب!
زمّت شفتيها وعيناها تنبضان بالرفض بالرغم من كونها في الجهةِ المقابلة تريد فعليًا الذهاب للمستشفى حتى تطمئن، لكن ليس معه! ليس معهُ يا الله!
شدّت على أسنانها ورغمًا عنها خرج صوتها حادًا متمرد النبراتِ ليُفاجئة : ماني رايحة ولا مكان فاهم! وحتى لو بروح فأنا ما ودي أروح معاك
اتسعت عيناه بصدمت من هجومها الغير مبرر، بينما عضّت لسانها بندم، ليس الآن وقت الاحتداد، ليس الآن!
ولم تكد تفكّر بشيءٍ حتى شعرت بهِ ينزل عن السرير ويشدّها إليه بقوةٍ كما كان توقّعها لردّهِ على رفضها بتلك الصورة الحادة. تدرك جيدًا أنه سيعاند وسيُمرر أمرهُ سواءً رضيت أم لا.
هتف سيف بحدةٍ وملامحه تتشنج بغضب : ما ودك تروحين وياي؟ أجل مع مين يا ست هانم؟
حاولت ديما تخليص كتفيها منه إلا أنّه شدّ عليهما بقوةٍ ليوقفها وتشعر بالألم ينتشر في جميع جسدها إلا أنه لم يظهر في صورةِ آهةٍ هذه المرة بل سطعَ على ملامحها التي تقطّبت بألم.
هتف سيف بحدة : وتعاندين بعد؟ حتى بصحتك؟ .. اقول أمشي قدامي لا أعدل لك هالمخ الحين
ديما بصوتٍ فترَ بألمها وهي تضع كفّها على بطنها : بشرط
سيف بغضب : ديمــا!
ديما بتمرد : مالي شغل يا توافق أو ما أروح
زمّ شفتيه بغضبٍ وهو يتمنى لو يكسر رأسها الغبي! يا الله في أي حفرةٍ وقع وأي غبيٍّ أحب؟!
هتف بحدة : وش هو شرطك؟
ديما ترفع كفّها الأخرى لتضعها مع شقيقتها على بطنها : خالتي ، أبيها تروح معانا
رفَع حاجبيه بغضبٍ وهو يتمنى لو يرفض عنادًا فقط ، لكنّ الوقت غير مُلائمٍ للعنادِ وقلقهُ عليها أكبر من غبائها ... صحتها! إنها صحتها هذه التي تعاند فيها!
مشى قبلها وهو يهتف بحدةٍ تصل أذنيها وتخرقهما : بروح أشوف اذا صاحية أو لا وبقولها ... وصدقيني لو كانت نايمة ماراح أصحيها وبجيك وأسحبك من شوشتك
لوَت فمها وهي تجلس على السرير وتقرر أنها لو كانت نائمة فستصرخ في وجهه ولن تذهب، بالرغم من خوفها على جنينها إلا أنها لن تذهب! استدار سيف قبل أن يخرج من الغرفة ليهتف من بين أسنانهِ بأمر : البسي عبايتك وخليك جاهزة لا بارك الله بهالمخ اللي براسك


,


كانت مستلقيةً على السرير وعيناها مُتّجهتان نحو الأعلى، تخرج أنفاسها الملوثة من بين شفتيها المُنفرجتين وبرودةُ الأجواءِ في بروكسيل تنخر بشرتها وتختلط مع دمِها مرورًا بأكسجينها الذي تلوّث بأفكارٍ وذكرياتٍ جما. أغمضت عينيها وصدرها يشتاق للكثير، لمرور ضحكاتِ جيهان، لشقاءِ أرجوان وحديث والدها ، كل ذلك تشتاقه، وتشتاقه بصحبةِ أمّها! كل الفراغِ الذي همْ فيهِ يتغلغل أمواجَ تفكيرها ويجعل من عينيها بحيرةً تعكس الملامح الحزينة، تعكس الملامح الحزينة وتشيح عن السعيدة، تعكسُ الأفكار السوداء، كسماءٍ حالكةٍ اختفى عنها ضوءُ القمر، كليلةٍ بكى فيها الشُعراء على أطلالِ الحنين، كم تحنّ لضحكةِ عائلةٍ تجتمع على طاولةِ الطعامِ وينتهي اجتماعهم بمناوشاتٍ عديدة وعباراتٍ تهذيبية و " لا تحكوا وأنتم تاكلون "، " كلوا باليمني "، تبسملوا ". ينتهي الطعام ولا تنتهي الضحكاتُ والمناوشاتِ السعيدة، تشبع البطون ولا تشبع الأذآن من أصواتٍ تبثّ الراحة والسعادة في القلوب.
سامحكِ الله يا أمي، سامحكِ الله على ذنبٍ لا أدري كيف التصق بكِ وهان عليكِ التصاقُه، سامحكِ الله على خيانتِك، وعلى موتك، وعلى حزننا وبكائنا وفراقنا! على الفراغ الذي يتشعّبُ في صدري ويعبرُ بزماني نحو مستقبلٍ اِسوَدّ وبات كضيمًا ، سامحكِ الله يا أماهُ على عتبي، وعلى حقدي الذي أشعرني بالهوان، وعلى كل شيءٍ يغلي بهِ دمي ويشكّل الكلمات بالحزن والعتب.
نهضت عن السرير واستقرت جالسة، ليان نائمةٌ بجوارها بعد أن كانت ليلًا تقول أنها ترى أمها تأتيها في المنام، وعادت فجأةً للسؤال عنها والتفكير بـ " متى بترجع؟ ". تحرّكت أرجوان باتجاه الباب لتخرج من الغرفة. وما إن اصتدمت بظلام الصالة الغيرِ متين حتى رأت والدها يجلس على أريكةٍ مُفردة مُعيدًا رأسهُ للخلف وذراعهُ مستقرةٌ فوقَ عينيْه. قطّبت جبينها وقدماها تتحركان باتجاهه، جسدها اقشعرّ من برودة الصالةِ وهو نائمٌ دون لحاف! وبوضعيةٍ ستؤذي ظهره.
وقفت بجانب الأريكةِ لتهمس بصوتٍ مبحوح : يبه ، أنت نايم؟
تحرّكت ذراعهُ مبتعدةً عن عينيه ليوجّه نظراتهُ المُتعبة إليها، وباستنكار : متى صحيتي؟
ابتسمت بفتورٍ لتجلس على ذراعِ الأريكةِ الليمونية التي يجلس عليها، وبخفوت : تو من شوي صحيت
يوسف يبتسم بحنانٍ وحيويةٍ بالرغم من نظرةِ عينيه التعبة والتي تعكس سهره : نمتي متأخرة وش اللي مصحيك بس؟
أرجوان : خلاص اكتفيت
رفع يدهُ ليُمسك بعضدها، وبابتسامة : طيب انزلي
نزلت عن ذراع الأريكةِ تلقائيًا ما إن أمرها بذلك، لتشعر بهِ يجذبها إليْه برفقٍ حتى جلست أخيرًا في حجره، احتضنها بدفءٍ وهو يهمس لها بحنان : ليان نايمة للحين؟
ابتسمت أرجوان وهي تغمض عينيها وكل التكدّسات في صدرها شعرت أنهُ فتَر وغاب أثرهُ عنها بين هذا الدفء الأبوي : ايه
يوسف : اليوم أنا فاضي بطوله ، حابين نطلع ونغيّر جو؟
اتسعت ابتسامتها وهي تقف وتُدير جسدها إليْه، وبصوتٍ مسترخي : أكيد حابين
يوسف يقف ويضع كفّه على رأس أرجوان عابثًا بشعرها : أجل أول ما تصحى ليان جهّزيها وبنطلع ، وأنا الحين بروح اشتري فطور فلا تسوّين أي شيء
أومأت برأسها قبل أن تقف وتقبّل جبينه، ومن ثمّ تحرك يوسف متجهًا نحو الباب ليخرج.

بعد ساعة.
لملمت أرجوان الفطور من على الطاولة، ومن ثمّ ذهبت لتجهيز ليان لأجل الخروج مع والدهم، كانت تمشّط شعرها وهي تغني بطفوليةٍ وسعادة، بينما كانت أرجوان تبتسم لها تارةً وتأمرها بالهدوءِ تارةً أخرى.
هتفت ليان بعد فترة : بنروح لماما؟
سكَنت فرشاة الشعر بين خصلاتِ ليان الحريرية، وهاجم وجهُ أرجوان الذبول وعيناها تُظلمان ... كيف تفطم عنها الذكرى؟ وهذه الذكـرى تغرسُ نفسها في رأسها هي فكيفَ بطفلةٍ لا يكتملُ نموّها دون والدتها ، كيف أكسر الذكريات عنها وأقطع تساؤلاتِها يا الله وقلبي ذاته يتوقف انقباضهُ وأحيا أنا على " سننسى "؟ وكيف ننسى؟ والأرض تنشقُّ بخوائنـا والمسافاتُ تبتعد، تبتعد حتى باتت رؤيتنا لبعضنا جللة/رمادية! باتَ الصوتُ لا يصل، يثقل في منتصف الطريق ويُطاحُ به كما أطاحِ بنا الفراق وسكنت الخيانةُ مضجعنا! تساؤلاتها توخزني في خصري يا الله، وكيف سأردّ عليها بجوابٍ صادق؟
عضّت شفتها قبل أن تعودَ لتمشيط شعرها وهي تهمس بغصّةٍ تحشُر نفسها في حلقها وتخنق صوتَها : شلون تبيني أسوي شعرك؟
صمتت ليان للحظتين وهي تقطّب ملامحها الطفوليةَ وخدّها المُمتلئ يعوجُّ بتقطّبها وكأنّ إدراكها الطفولي شعر بتغيير أرجوان للموضوع كلّما سألتها عن أمها، ابتسمت أرجوان بتوترٍ وهي تجد نفسها تنحني قليلًا لتقبّل وجنتها وتهمس لها بخفوت : بنتأخر على بابا كذا!
أمالت ليان رأسها قليلًا وما إن فتحت فمها حتى تتحدث كان صوتُ يوسف يصلهم من الصالة : خلصتوا والا مطولين؟
رفعت أرجوان رأسها لتفتح فمها هاتفةً وهي تحمد الله في نفسها على انقطاع هذا الموضوع : مخلصيين لا تحاتي
ارتفع رأس ليان لتهتف بقوةٍ وصراخٍ طفولي : لا تروح لا تروح احنا خلّصنا
ابتسمت أرجوان ببهوتٍ وابتسامتها ترتسم كلونٍ رماديٍ شفافٍ يرتسم على صفحةٍ بيضاء فلا يكون لهذا اللونِ هويّة ... حتى الطفلةُ زاولها الشك؟ وإلى متى ستظلّ تكذبُ عليها أو تتجاهلها؟ إلهي إنني راضيةٌ بقضائـك، راضيةٌ بالذي وضعتني فيه، لكن أمدني بالحكمة حتى أعرف كيف أرد على تساؤلاتها، فالكذب لن يطول وستدرك ، ستدرك كلّ شيء.


,



تحرّكت خارج غرفةِ النومِ وهي ترتدي فستانًا ناعمًا يلتفُّ حولَ جسدها بانسيابية، بينما كانت عيناها تتفحصان الجناح الذي غابَ شكلُه عن عينيها في الليلة الماضية، فتلك الليلة كانت تتيـهُ بين تضاريسِ الاضطرابِ والتوتر اللذان غيَّبا كل رؤيةٍ أخرى.
زفرَت وهي تقعُد على أريكةٍ منفردة، تتكئُ بمرفقيها على ركبتيها وكفّاها ترتفعان إلى جبينها لتسند رأسها عليهما وتُغمض عيناها مُسافرةً إلى التِيه والضياع. سقطَت من كثافةٍ إلى أخرى مُختلفة، من حياةٍ إلى حياة، ومن حالةٍ إلى حالٍ يُناقض ما كانت عليْه، من أرملةٍ إلى متزوجةٍ بأخِ زوجها المُتوفى. فتحَت عينيها قليلًا ونظرتها تميلُ نحوَ البهوت، السقوط، الإنحدارِ إلى قاعِ الضياع، العرقلةُ تواجهُ أفكارها، كلّما ربطت طرف حبلٍ بآخرَ تعرقلتِ الحبالُ وتفكك ترابطها وتناثرت، أفكارُها تتنافر فيما بينها ويضمحلُّ الإدراكُ في صمتِ عقلها.
بللت شفتيها وهي ترفع وجهها وتترك لكفيها الاسترخاء والتدلي في الهواء، إنّها تتأخر بحياةٍ ليسَ فيها مقوّمات العيشْ، لكنها بالرغم من ذلك تعيش! تعيش وكلُ العيشِ لأنّ هناك من يريدُ ذلك، هل أنا ممتنةٌ لك يا شاهين؟ على كونِي أعيش؟ أنا ميّتـة، لكنني لأجلِك، لأجل نقائك، لأجل ما تُريد أعدت إحياءَ نفسي ولابد من أن أتأقلم مع هذا العيش.
ضغطَت بسبابةِ يدها اليُمنى وإبهامها على مقدمةِ أنفها ما بين حاجبيها، وبهمسٍ تُحادث نفسها : وليه ما أضحي؟ شاهين يستحق، وأمه تستحق ... وأنت تستحق إنّ أخوك يكون مبسوط ، ما تزعل مني، أكيد ما تزعل وصوتك هذاك ماهو صوتك ، هذا صوت أنا اختلقته عشان أقنع نفسي إنّك ما تبي هالشيء.
تنهدت بقوةٍ تجدد الأكسجين في جسدها وتجدد إرادتها، تخلقُ من نفسها شخصًا آخر لتتأقلم، ورغمًا عنها يجب أن تتأقلم فما فات ما مات لكنّه التجأ إلى نُقطةٍ غائبةٍ في العقلِ حتى أعيشَ وأتنفس.
سمعت صوتَ الباب يُفتح، لترفعَ رأسها وتنظر لشاهين الذي دخل ومعهُ الافطار وابتسامتهُ تسبقه كوهجٍ ينتشر حولهُ ويُميّزه ... لم تستطِع إلا أن ترد له الابتسامة وكل عضلةٍ في وجهها تستجيب له رغمًا عنها.
اقترب شاهين منها ليضع الإفطار على الطاولةِ أمامها، وبحيوية : تأخرت؟
بللت شفتيها قبل أن تهمس وهي تُحافظ على ابتسامتها قدر المُستطاع : لا
اقترب منها لينحني مقبلًا وجنتها، ومن ثم استقام معتدلًا في وقوفه ليهتف : أمس ما تعشينا ، وأكيد الجوع ماكل بطنك مثل ماهو مسوي معي ... عشان كذا لا أسمعك تقولين ما ودي بشيء
عضّت طرف شفتِها السُفلى بإحراجٍ وقد كانت بالفعل تنوي رفض الإفطار بالرغم من كونِ معدتها تُناجي لقمةً تسدّ بها جوعها : طيب
وقفت حتى تنظّم الفطور على الطاولة، وبعد ان انتهت جلسا بجانب بعضهما والتصاقُه بها يجعل جسدها ينبض بالتشنج الذي يُنسي خلاياها الحياة، ومازاد الطين بلّةً هو أنه كان يُطعمها بين الحين والآخر بيده ليتضاعف الإحراج في تنفسها الذي يتذبذب مداه ويتعثّر بين الجزيئات المنتشرة في الهواء.
بينما كان هو يشعر بإحراجها لكنّه بالرغم من ذلك يستمتع به! يستمتع لكونها قريبةً منه متنعمًا بخجلها الأنثوي وتضاريس صمتها الذي يدغدغ متعته. أحاط كتفيها بذراعهِ اليُسرى لتنتقل حرارة جسدها المًشتعل إليه بينما رفع يدهُ اليُمنى الحاملة لقطعةٍ من التوست إلى فمها، ليحمرّ وجهها المُغطى بكومات الخجل وشعورها بنظراتهِ إليها يلفظُ كل ثباتٍ في نبضاتِ قلبها، فنظراته كالموجِ يحرّكها كيف يشاء وهي في حضرتهِ مجرد سفينةٍ دون شراع.
همسَ لها بابتسامة : كلي
ازدردت ريقها وأجفانها ترفرف على انحناءاتِ الارتباك، يُغلّف صوتهُ فحيحُ الريح الذي يحرّك رموشها كيف يشاءُ كأوراقِ الخريف الجافة الساقطة، كشجرةٍ امتلأت أغصانها بالأوراق لتتمايل بغنجِ جمالها هنا وهناك.
فتَحت فمها لتتناول جزءً من التوست وكفّه تمسح على كتفِها نزولًا وصعودًا محرّكًا خلاياها لتتصادم فيما بينها وتشتعل، تشتعل كما تشتعل عيناه بها، إنّك النارُ التي تحرقُ أغصاني وتجعل رائحة الحُب تفوحُ مني، لم تكُوني سهلةً حينَ التفّت خصلاتُ شعركِ حولي وأسَرْتِني بين حاجبيك، لم تكوني سهلةً حين قضمتِي " الثقل " فيّ وتركتني أتخبط بين أناملِك التي تنقرُ على نقطةِ النشوةِ داخلي. شكرًا للرب ، لأنكِ ظهرتِ في حياتي الروتينية وطهرتِ مقلتي من دمعِ الفراغ.
تسلل صوتُها المُشابُ بنبرتِها المهتزة إلى أذنه، كصوتِ حفيفِ الأشجار التي تُنبئ بمرورِ الريح وكخرير النهر الذي يتجدد ماؤه ويبقى نقيًا كصفيحةِ عينيها : خلاص شاهين ، شبعت
ابتسم وهو يضمّها إلى جسدهِ أكثر ويضع بقيّة التوست على الصحن، وصدرُه الذي يحوِي تلك المضخّة كان دفئة ينتقل إلى رأسها المُستكين عليه باستسلام، رفعَ يدهُ ليُمرر ظاهر كفّه على شعرها المُنطلق على كتفيها وظهرها، بينما ملامحها تختفي خلف غيومِ الإحراج ولا غيمةٌ ترحمها لتسقط في شكلِ كلمات، كل الغيومِ تحشر نفسها في زاويةِ البهُوتِ والفتور ما إن تشعر بنفسها قربه، تخجل منه، من أن تبتعد، بعد كل ما فعلت تخجل أن تبتعد عنه حين يُريد قربها، حتى وإن كان داعي الابتعاد هو - الخجل -.
شاهين بصوتٍ يشتعل : شوي وبنزور أهلي وأهلك ، عاد أمي تقول مجهزة لنا شيء الله يستر بس
ابتسمت وهي تُخفض رأسها لتتعلق عيناها بالإفطار وتعود لرفع رأسها إليه هامسةً بحاجبين معقودين : ماودك تاكل؟
شاهين يبتسم لعينيها ونبرتها التي تحرّك كثيرًا في داخله : شبعت
أسيل : بس ما أكلت!
شاهين : لا أكلت
أسيل باستنكار : وين وأنت كنت ...
صمتت لتتسع ابتسامتهُ بلؤم، وبنبرةٍ بريئةٍ متسائلة : أنا وش؟
أسيل تشتت عينيها عنه قبل أن تهمس بإحراج : كنت تأكلني ، ما أكلت شيء
شاهين يُنزل ذراعهُ عن كتفيها ويهتف بابتسامةٍ لم يستطِع اسكانها : طيب ، عشان صوتك الحلو ذا بآكل


،



توقفت سيارة سيف أمام المستشفى، في حين كانت ديما تجلس خلفه تتلو في داخلها كل ما تحفضه من سور القرآن، تستغفر لعلّ رحمة الله تنزل ويضيع سيف عن الحقيقة ولا يكتشفها، ستموت إن علم، ستموت إن هو التمس الحقيقة فرفضه لهذا الحمل هو أكثر ما سيقتلها.
أغضت عينيها بقوةٍ وهي تسمع صوت سيف يتسلل إلى أذنيها : يلا انزلي
ارتعشت شفتاها وعيناها اتجهتا تلقائيًا إلى أم سيف التي نزلت دون أن تنبس ببنت شفة، جيدٌ أنّها لم تكُن نائمةً وقت ذهب إليها سيف، بالرغم من كونها حتى الآن لم تقُل شيئًا ينقذها مما هي فيه.
نزَلت وأطرافها ترتعش بعمق التوترِ الذي يتغلفل في أوردتها الدموية وينتشر في كامل جسدها. دارت حول السيارة تريد الوصول إلى أم سيف بسرعةٍ حتى يُنقذها القليل من الإستنجاد الذي ستقوله لها، لكنّ سيف كان أسرع منها حين أمسك كفها بعفويةٍ وهتف : مع إنك مجنونة بس ما على المجنون حرج ، لا تفصلين وأنتِ عند الدكتورة طيب؟
عضت شفتها بحنقٍ وهي تسحب يدها وتهمس بشر : مو وقتك وخر عني
رفع حاجبه الأيمن بحنقٍ وعاد لمد يدهِ وإمساك يدها قبل أن تخطو خطوتين، وبعناد : تمشين جنبي سامعة؟
ديما بتوترٍ وكفها تحاول الإنزلاق عن يدِه : لا تمسك يدي
شدّ على كفها أكثر وتحرّك ليجرها معه مقتربًا من أمه التي كانت تقف قربهما وتسمعهما : ما عليك منها يمه من الصبح وهي منفسه
ام سيف بصوتٍ خافت : تحركوا بلا هبال أطفال ... بزرنه!
ابتسم سيف بلؤمٍ وهو يرسل نظرات السخرية إلى ديما التي تعض شفتها بتوترٍ مما هي فيه، شعرت بهِ يتحرك ويجرها معه لتمشي دون إرادتها وقلبها يرقص بين أضلعها على موسيقى الخوف!
بعد قليلٍ وقفوا أمام عيادةِ طبيبةِ النساء وحانت اللحظةِ التي خافتها! حانت اللحظة التي تخشاها، إن دخل فستكون نهايتها، لن تبالغ إن ذكرت أن لحظة اكتشافه الأمر هي لحظة نهايتها.
سمعت صوت أم سيف تهتف بأمر : خلّك برى أنت
استدرات بسرعةٍ تنظر لأم سيف دون تصديق وكأن جبلًا كان يطئ على صدرها حُمل فجأةً بيدٍ جبارةٍ وأراحَها من الكرب الذي فتكَ بقلبها. معدتها التي كانت تتقلص استرخت فجأةً في حين كانت ملامح سيف ونبرته اتجهت للاستنكار : ليه؟
ام سيف بحزم : وش ليه؟ مالك شغل بشغلات الحريم وشوله تدخل؟
سيف باعتراض : بس
قاطعته أمه بشدة : انتظرنا برى .. * استدارت إلى ديما لتوجه كلامها إليها * يلا يمه
تحركت ديما بجانبها وجسدها تشعر أنها لا تستطيع السيطرة على وهنِه الذي هاجمها فجأةً بعد ذهاب ما كان يثقل كتفيها، تنفسها تسارع وخطواتها باتت سريعة ، حمدًا لله ، حمدًا لله.


,

قبل صلاةِ الظهر بقليل
استفاقَ سُلطان ونورُ الشمس يخترق الستائر عبر النافذة، قطّب جبينهُ وهو يشعر بصداعٍ يُهاجم رأسه ويُثقله، مزاجهُ متعكرٌ كبحيرةٍ راكدةٍ لا يتجدد فيها الماء، وكلّ الذي في الليلةِ الماضيةِ استوقف ارتخاء عقله.
أغمض عينيه بقوّةٍ وهو يعجن جبينه والصداع يأبى أن يتعجّن ويتعطّف، تحرّك ليغيّر من وضعيته بعد أن كان نائمًا على جانبهِ الأيمن، وما إن تمدّد على ظهرهِ حتى سمعَ صوت آهةٍ مُفاجئةٍ بجانبه، فتَح عينيْهِ بسرعةٍ ليُدير رأسه وينظر لغزل التي تقطّب وجهها بألم وفغرت شفتيها بعد آهتِها تلك ووجهها يقترب ببطءٍ منهِ بينما صوتها يهمس بألم : شعري
أسقط عينيه للأسفل ليدرك أنّه ما إن انقلب على ظهره حتى تمدد على شعرها الذي كان متناثرًا حولها على السرير، نهض بسرعةٍ جالسًا ليتراجع رأسها بدورها وهي تغمض عينيها متألمة وتدلّك فروة رأسها.
هتف سلطان بهمس وهو ينظر ليدها التي على رأسها : معليش ما انتبهت
غزل تهتف بحدةٍ وهي تضغط على فروةِ رأسها : الله يلعنك نتّفت شعري
اتسعت عيناه بصدمةٍ والذي خرج من شفتيْها فجأةً لفظ الإستيعاب والأحرف والأبجديّات من عقله! بقي ينظر إليْها بعينين متّسعتين وهو يحاول الإستيعاب، هل لعنته الآن أم إنّه توهّم ذلك!
فتحت غزل عينيها لتنظر لوجهه وملامحه التي بدأت تحتَد، لتتوتر رغمًا عنها وتستوعب المكان الذي هي فيه وأنّ الذي تكلّمت معه بحدةٍ هو سلطان! فغَرت شفتيها والسكينةُ تسقط في معدتها وتتهاوى، وموجٌ أعنف من تسونامي تدرك أنه سيُغرقها ... ما الذي فعلته؟ كيف احتدّت معه ونسيَت نفسها!!
شتت حدقتيها عنه وهي تزدرد ريقها بذعرٍ وتوتر، وباضطرابٍ تحرّكت أمام نظراته الحادة والغاضبة لتنزل عن السرير تنوي الهرب، إلا أنّ كفّه امتدّت بسرعةِ الفهد لتقبض على زندها وتسحبها بقوةٍ حتى تعود للسرير وتسقط على ظهرها فوقه. شهقَت بذعرٍ والأكسجين انقطَع فجأةً عنها، عيناها المذعورتان اتّسعتا تنظران إليه برهبةٍ وخوف، بينما نظراته الحادة كانت تنظر إليها من عليائـه وملامحه مشتدّةٌ بغضب.
سلطان بحدة : وش قايلة تو؟
ارتعشت شفتا غزل وعيناها لا تستطيعان الإنحصار عن عينيه كموجٍ وصل الشاطئ وتجمّد فجأةً فلم ينحصر، تشعر أن نظرته الحادة تجبرها على النظر إليْه وأن أي تشتتٍ عنه سيُزهق روحها أو يفقأ عينيها. يدُه التي لا تزال تقبض على زندها تشتعل وتشعر أنّ اشتعالها يحرق عضلاتها ويمتدّ هذا الإحتراق إلى أربطتها ومن ثمّ يفتت عظامها لينتهي بها دخانًا ينتشر في الهواءِ ويضيع.
انخفض رأس سلطان قليلًا ونظراته تميل نحو الشدِةِ والحزم : وش قايلة تو؟
ارتفع صدرها بذعرٍ في شكلِ شهيقٍ متعرقلٍ ليهبطَ بانفعالِ زفيرٍ تائـه، بحثت عن صوتها وعن الأبجديات تحاول الرد بشيء، وما إن وجدت صوتها حتى همست : يدي
سلطان بحدة : ماني شاد عليها لا تحاولين تتهربين
ازدردت ريقها وجفناها ينسدلان بخفةٍ ليُغطّيا عدستها المضطربة، بينما شفتاها تتسعان أكثر ليعبر الأكسجين بينهما متباعد الجزيئات بشكل أكبر وأعنف.
سقَطت نظراتهُ على حركةِ أجفانها، لتهوى فجأةً ودون إرادةٍ للأسفل نحو شفتيها الفاغرتين، حينيها ترك زندها فجأةً وابتعد عنها وهو يشدّ على ملامحه بغضب، ناهضًا عن السرير متجهًا نحو الحمام وصوتُه الحاد خرح من بين شفتيه بينما جسده كان يبتعد عنها ولا ترى منه سوى ظهره : لا عاد أسمعك تلعنين وقتها لا تلوميني
بللت شفتيها بتوترٍ وكفّيها المرتعشتان تقبضهما محاولةً اسكان هذا الارتعاش الذي ينفضُ كلّ قدرةٍ على الموت، سمعت صوتَ باب الحمامِ يُغلق لتغمض عينيها بقوةٍ وهي في مكانها ممدةً دون أن تنهض ... تبًا، تبًا لضعفها وخوفها! تبًا لهذا الخوف الذي يقول لها لن يؤذيَك، لكنّها بالرغم من ذلك تفعل وتخاف! والأدهى من كل ذلك .. لمَ يُخاطبها كل مافي داخلها أنّهُ لن يؤذيها؟ هذا السؤال لازال يبني نفسها في داخلها ويرتفع " لمَ تخافه وفي ذات الوقتِ تطمئنُّ إليه؟ "
تنفّست بقوةٍ وأجفانها تشتدّ على عينيها التي يتكوّر فيها الخوفُ والطمأنينة تجاهه معًا، يتكوّر فيها التناقضُ والشدّ والجذب. فغرت فمها تستنشق الهواءَ الذي يتذبذب فيه صوتُ تنفسها قبل أن تشهقَ بقوّةٍ وتزفر بقوةٍ أشد. كوّرت قبضتها على مفرش السريرِ قبل أن تضغطَ بكفيها عليه تحاول زرعَ ضغطٍ كافٍ على كفيها حتى تُمدّ بالقوّةِ وتنهض بعد أن شعرت بجسدِها وهن من الذعر والإضطراب. جلست لتعضّ شفتِها السُفلى وترفع كفّها اليُمنى لتضغط على جبينها قبل أن تهمس لنفسها باضطراب : ما عليه يا غزل ، أنتِ تدرين إنّه ماراح يأذيك .... بس لا يقترب مني كذا!


،


كانت تجلس على السريرِ وساقيها ممتدتان على سطحهِ تُغطّيهما باللحافِ بينما ظهرها يتكئُ على ظهرِ السرير، هاتفها في يدها تتواصل مع أرجوان في الواتس أب وابتسامةٌ ضئيلةٌ ميّتة ترتسم على شفتيها. اشتاقت ليالي السهر فوق سريرها تقصُّ على أرجوان حكاياتِ رعبٍ تلفّقها فتُرعبها وتـُأرّق نومها، اشتاقت قطعَ الأحاديثِ الليلية حين تأتِي أمّها لتدخل غرفتها وتأمر أرجوان بالذهاب لغرفتها والنوم ... اشتقت! اشتقت دخول والدي في الليل إلي ليقبل رأسي ويهمس لأحلامي " كوني سعيدة ". كانت سعيدة! تاللهِ كانت سعيدةً والآن باتت في كل ليلةٍ ملطّخةً بالحزن الذي أدمى جسدي ودوّى في أذناي كصوتٍ لا ينقشعُ عن الموت، أصبحَتْ وأمسَت سوداءَ والشمس تحاول التسلل في كل صباحٍ إليها لتُنيرها دون فائدة، لم أنهض يومًا عن حلمٌ أسودَ كونه أُنير، بل كنت كل يومٍ أنهض ليُنير! وفي كل مرةٍ أكتشف أن العالم نفسهُ أسوَدّ وبات كضيمًا. شكرًا على ( قل متاع الدنيا قليل )، نعم يا الله إنّ متاعها قليل! قليلٌ حتى أن كل أعوامي السابقةِ تضمحلُّ سعادتها بحزني، بيأسي، بهواني. شكرًا يا الله على نعمةِ الموت، فلولا هذه النعمة لظلَّ الإنسان شقيًا.
وضَعت الهاتف جانبًا بعد ما غادرت أرجوان بهدفِ الذّهابِ إلى المطبخ حتى تطبخ الغداء ... واشتاقت أيضًا الغداء والطعام الذي تُبدع فيه أرجوان أكثر منها.
رفعت ساقيها للأعلى لتضمّ ركبتيها إلى صدرها وتُحيطهما بذراعيها مع اللحاف، زفَرت وهي ترفع رأسها نحو الساعةِ المعلّقة على الحائطِ لتعقد حاجبيها، لمَ لم يأتِ فواز حتى الآن؟ بللت شفتيها وملامحها تتقطّب، سحقًا له! لمَ بات يبتعد؟ لمَ بات يبتعد؟
دفَنت وجهها بين ركبتيها وهي تغمض عينيها بقوّة، وفي هذه الأثناء فُتح الباب الخارجي ليدخل فواز وهو يبحث بعينيه عن ظلّها في الصالـة، وحين لم يجدها اتجه لغرفة النوم المفتوحُ بابها. اصتدم نظرها بها ما إن دخَل، وهي في حالِها جالسةً وتدفن وجهها بين ركبتيها الملمومتين إلى صدرها، زفَر بكبتٍ وهو يغمض عينيه، تحُومُ الانكسارات حولها في وقوفها، نظرتها، صوتِها، حتى في قعودها! .. حتى في القعودِ تنكسرين فكيف إذا اكتشفتِ ما حدث وما صارَ من معمعةٍ خارج إرادتي وسيطرتي؟ تلّفنا عدم القدرةِ يا جيهان وتنزلق كلّ الخيارات من أيدينا فلا مجال إلا للـ " الرغم " رغمًا عنا، لم أسعى يومًا إلى غيرك، ولم أتمنى مرةً أن أصبح محاطًا بزوجتين، لكنّ المكتوب لنا كان خارج ما أتمنى وما لن يُرضيكِ ... وحمدًا للهِ على كل شيء.
اقترب منها لتُيقظها من شُرودها صوتُ خطواتهِ التي التمعت فوق الأرضِ ورسمت تعابيرَ الوجود. رفعَت رأسها إليْه لتنظر لملامحهِ التي تُعتم رغم مرورِ الشمسِ فوقها. بقيَت تنظر إليْه بنظراتٍ ميّتةٍ يطوفُ العتاب حولها، بينما واجه نظراتها بجمودٍ يستحلّهُ رغمًا عنهُ في وقتٍ تنساب القدرةُ من بين يديه.
جلس على السرير بجانبها، ثمّ استنشق الهواءَ بعمقٍ قبل أن يغمض بخفةٍ وتتحوّل نظراتـهُ للحزم : اليوم بمرّك على أمي ، خليك جاهزة
ارتخَت ذراعيها حول ساقيها وعيناها اتّسعتا دونَ استيعاب، وحين رأى نظرتها التي تُنبؤ بالرفض بعد أن يستوعب عقلها ما قال أردف بحزم : ما أبي رفض منك ، احترمت رغبتك في إنك ما تبينا ننام هاليومين عندها، بس مو معناته ما تمرّينها
بللت شفتيها وحاجبيها ينحنيان بتوترٍ يشوبُه الكثير من الرفض العنيف، لا تريد الذهاب! كانت قبل وفاة أمّها تذهب ودرْع صمودها أمّها وأرجوان، لكن أن تواجهها وحيدةً! دون درعها الذي سقط وتهشّم، فهذا ما لا تستطيعه.
ازدردت ريقها قبل أن تحتدّ نظراتها المُرسلة إليْه كسهمٍ مُسمم، ظهر على وجهها تعابير القهر وكأنّ الكبت الذي تثاقل على كتفيها في الدقائق السابقة حين كانت تفكر في تصرّفاتهِ معها ظهر في نبرتها الشديدة : رووح أنت! أنا ماني متحركة خطوة وحدة وفيك خير اجبرني
اتسعت عيناه بتفاجئٍ من صوتها الذي ارتفع بادئ الأمر، لكن سرعان ما أرخى جفنيه ليغمض عينيه وهو يرفع كفّه اليُمنى ويضغط على جفنيه العلويين بسبابته وإبهامه مستغفرًا بصبر! بصبرٍ كالجبال ولا شكّ في ذلك! لن يكذب إن قال أنّه يستنكر صبره الذي مامات حتى هذه اللحظة، صبره الذي مازال يمارسه حتى الآن.
همس بهدوءٍ وهو لا يزال يـضغط باصبعيه على جفنيه : اتقي شر الحليم إذا غضب ... أحذرك يا جيهان تراني للحين صابر
زمّت شفتيها وهي تُخفض عيناها للأسفل، تبدّلت نظرتها من الحدّةِ إلى الألم ... حليمٌ واللهِ هو حزني، حليمٌ عليَّ لم يتركني لهذه اللحظة حتى فيك! حتى في حدّتك التي كُنت أجزم بعدمِ مرورها علي لتأثّر في حزني، كنتُ أقول أنّك لا تهمني، لكنني الآن أدركت أنّك تهمني، في حُبك لي، في قُربك مني، في محاولتك احتوائـي، تهمني في نظرتك الحنونة التي ما عدت أرآها إلا جامدة.
ابتلعت ريقهـا وهي ترفعُ رأسها إلي بعينين انحرف عنها التمرد، وبتحشرج : طيب ، بروح ويـاك
شتت عينيه وهو يزفرُ ألمهُ لنظرتها مع جزيئاتِ الهواء، الاستسلام ليس لها، ليس لها! لكنّه أفضل حاليًا لهما، لكدري وضيقي اللذان لا يحتملان المزيد منكِ.
نهض عن السرير ليتحرك مبتعدًا عنها وصوته قصف بأمرٍ واحدٍ باهت : خليك جاهزة



,


خرج من الحمّام ليجدها لا تزال على السرير وقد تمددت وغطّت نفسها باللحاف حتى رأسها، نظر إليها للحظاتٍ بصمتٍ وفي رأسه سلسلةٌ من الأفكار ترفض الإنقطاع، بينما كانت تدسّ جسدها أسفل اللحاف وقد شعَرت بخروجهِ من الحمامِ لتشعر أنَّ البرودة تتسلل إليها مع خروجِه. ضمّت اللحافَ إليها وتقوقعت حول نفسها وهي تغمض عينيها بتوترٍ وأنفاسها الساخنةُ تنطلق من بين شفتيها بانفعالٍ يطبعُ نفسهُ على تحرّكاتها ودمها.
سمعت صوتَه بعد أن اندفع دون أن يستطيع السيطرة على نفسه وهو يدركُ صحوتها : لا تنامين ، الحين بيصلون ظهر أقلها صلي وبعدين نامي
تشنّج جسدها أسفَل اللحاف، بينما كان ينتظر ردّها برويةٍ وهو يدرك أنها ببساطة " لا تصلّي " وهذا ما استنتجه من الأيام السابقة التي كان يصبّ فيها تركيزه على هذهِ المسألة فقط! ٩٩٪ لا تصلي، والواحدُ يصبُّ نفسه في السكُون والاختباء خلف المُحال!
صمتت للحظاتٍ دون أن ترد بينما كان واقفًا ينتظر ردّها، وحين طالَ الوقتُ وأدرك أنّ الصلاةْ ستُقام لا محالة تحرّك خارجًا من الغرفةِ ووجهه يشتدُّ برفض لتلك الفكرةِ التي لا تبارح مزاولتها له عند كل فرض، لم يكُن من الدناءةِ ليرميها بكلماتٍ قد تحرجها أو لن تحرجها، لكنّها من الوقاحةِ أن يواجهها بأسلوبٍ مُنفر .. والأسلوب المنفر قد يجعلها تتمادى بمعصيتِها وقد تفتخر بها.

بعد صلاةِ الظهر
خرج من المسجد برفقةِ عناد، كان يمشي بجوارهِ حين سأله : بتروح لمركز الشرطة اليوم؟
سلطان : ايه بروح لهم بعد العشاء
عناد : تمام علمني قبل تروح عشان أروح ويّـاك
توقف سلطان ليستدير نحوه، ليعقد حاجبيْه هاتفًا : مافيه داعي
وضعَ عناد كفّهُ على كتف سلطان : وشو مافيه داعي؟ مخاويك يعني مخاويك
ابتسم سلطان وهو يزفر قبل أن يهتف : عنيد
عناد يبتسم : مو أكثر منك
تحرّكا من جديد، وحين اقتربا من المنزل الذي لا يبعد كثيرًا عن المسجد توقف سلطان عن المتابعة، ليتوقف معهُ عناد ويستدير إليْه مقطب الجبين : ما ودك تجي؟
سلطان بابتسامة : روح وبلحقك بعد شوي
عناد باستنكار : على وين؟
سلطان يرفعُ هاتفه أمام وجه عناد : بكلّم مكالمة خاصة شوي
تقطّبت ملامح عناد بشك، لكنّه قبل أن يقول شيئًا تحرك سلطان مبتعدًا رافعًا يده هاتفًا له : ماراح أتأخر
اتّجه للرقمِ الذي يحفظهُ في جهازهِ وهو يمشي في الطريق الذي يتشبّع بحرارةِ الشمسِ وتسكنُ عنه البرودة، رفع الهاتف إلى أذنه ليصلهُ صوتُ الرنين الذي لم يطُل ليُقطع بالرد : السلام عليكم
سلطان : وعليكم السلام ورحمة الله ، الشيخ عبدالرحمن؟
المتحدّثُ الآخر : وصلت


،


أنهى حديثه المُتسائل بإيجاز، ربما لأن الموضوع لا يدخُل نفسه حتى يُصبح التطويلُ فيه ممكنا ومُرحبًا به، وأيّ ترحيب قد يكُون من " زوجتي لا تُصلي "؟ قد يكون توقّع كل السيئات فيها إلا هذا! الآن بات يُدرك كيف أن الألفاظ البذيئةَ سهلةُ التمرير على لسانها، أن اللعن كشُرب الماء، فليس هناك من يحفظ ربّهُ ويستسهل مرور اللعن كمرور الكرام.
تحدّث الرجل أخيرًا ليرهف سلطان السمع، وحين تحدّث كان منطُوقهُ كارثةً أطاحت بسمعهِ وإدراكه : إذا كان أحد الزوجين ما يصلي فالزواج باطل يا وليدي

.

.

.

انــتــهــى

البــارت الجاي يوم الثلاثاء عشان اللي ما فهم نظامنا للحين، بارت كل أربعة أيام يا حبيني :$$
عمومًا ، قبل أمس سويت مسابقة إذا تُسمى كذا في السناب
حطيت سطرين وعلى أساسها كان الجواب


سلطان : وعليكم السلام ورحمة الله ، الشيخ عبدالرحمن؟
المتحدّثُ الآخر : وصلت
طبعًا كان السؤال " ليش سلطان اتصل بهالشخص "


والمكآفأة كانت جزئية ديما وسيف الأولى ، طبعًا كثيرين ماشاء الله حلوا وقدروا يعرفون ان الاجابة هي " الصلاة " بس فيه وحدة بس ماشاء الله قدرت تذكر المسألة بالتفصيل ، فبـرافو عليك يا " بُسيمة " وهالبارت إهديته لك لهالسبب بسم الله عليك ()
إذا كان أحد الزوجين ما يصلي فحكم الزواج باطل شرعًا وأنا ملاحظة في كذا رواية ينذكر هالشيء وعادي! لهالدرجة صار فيه استهانه بالأحكام؟!!
كلنا نجهل! عارفـة فيه كثيرين يجهلون بالحكم بس بعد فيه ناس تدري تمامًا مثل اللي يدرون بحكم ولد الزنـا وتمشي الأوضاع عادي وينسب الولد لأبوه

عمومًا ملاحظة كثيرين يتوقعون بخصوص تميم ، وتوقعاتكم جدًا جدًا رهيبة! كل وحدة تفسر مثل ما تشوف وتفهم وفيه منكم أذكياء قربوا لحقيقته مع انه ما ظهر الا في موقف واحد وبسيط وضح جانب من شخصيته
طبعًا أستثني وحدة حللت كل حركة سوّاها وهي " لست أدري " ، طبعًا حللت بطريقة ذكية ممكن تكون صح وممكن غلط! بس يكفي ان عمق تحليلها له ذكي ()
بحاول أمسك خط مع التعليقات السابقة وأرجع لبعض التعليقات اللي قبل لا أقفل رواية وأرد على البعض المُهم منها
ولا تزعلون فديتكم :$$*



ودمتم بخير / كَيــدْ !


bluemay 12-06-15 04:46 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

يسلمو ايديك حبيبتي

حبيت اعتذر منك ظروفي شوي صعبة وما قدرت اتابع معك البارتين اﻷخيرين

ولكن لي عودة ان شاء الله


لك خالص ودي

°•○اللهم أغفر لي هزلي وجدي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي○•°

كَيــدْ 12-06-15 08:13 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 










صباح الخير..
- صباح السعادة على قلبك :$$*


أدهم.. صراحة ماكنت متأملة منه يرحب بإلين..
يعني ردة فعله متوقعه جدًا..
بس معقولة سهى عرفت انه تحرش بإلين🙆🙆
.. و الهروب مو حل لأي مشكلة.. المفروض يواجه
مشاكله بنفسه..
- أدهم من جواته هش ويتصنع العكس من الخارج ، يتصنع القوة وهو مثل ما نقول من جنبها
لذلك نقدر نقول انه حتى لو وافق على جلوسها قُربه ماراح يكون قدهها


"لمَ جئتِ؟ لمَ جئتِ لتستثيري كل هذا؟ لمَ جئتِ؟ ألم تدركي أنّ الكوكب حين يصبح في أقصى المجموعةِ الشمسية لا تصله الشمس؟ إذن كيفَ أشرقتِ على أرضي المظلمة؟ كيف نثرتِ ضوئكِ في كل زاويةٍ ولم تنالي مركز ذلك الكوكب الذي ينبعث الظلام منه؟ . . . لـمَ جئتِ؟ حتى يتغلف هذا الوجعُ في صدري ويسكنُ جوفي الآه! "

الحين هو يخاطب إلين والا عمته؟؟ مافهمت😁

- يقصد إلين يا بعدي ()

،

فواز.. ياني حقدت عليه.. مع انو ماقد توضحت لنا السالفة كامله بس احس ماله عذر.. يعني لو نقول ابو جنان عرضها عليه كان يقدر يرفض ببساطة.. يقوله انا احب زوجتي ومالي خاطر بغيرها.. بس لا لازم يسوي نفسه انا الشهم اللي ما ارد الرجال وابو صديقي.. والحين خايف من فراق جيهان.. هماك انت اللي جايبها لنفسك..
..
الصدق اول مره ارحم جيهان.. صح انها ترفع الضغط ولسانها وش طوله وعقلها مقلوب بس ما كان المفروض يستغفلها فواز.. المفروض يقولها وهي تقرر تقعد معه او لا وبعدها يتوكل يتزوج لين تطق
روحه من الزواج.. مو يتزوج وبعدها يعاملها ببرود وجفاء .. في النهاية هي زوجته ولها حق تعرف..
- بس من جهة جيهان تستاهل حبتين ، يعني ماعليه خليها تجرب شعور الجرح من الشريك :P
^ أنجلد والا لا لووول.
طبعًا شهود واضح انك متعصبه للإناث أكثر والا ليه ما كنتِ ضد جيهان أول بنفس عصبيتك حاليًا -_-
عاد الصدق؟ مبسوطة بردة فعلك تجاه زواج فواز أحسها مونستني :P :biggrin:

،

كمان جنان مالها ذنب.. مع انها حتى هي اتوقع كانت تقدر ترفض.. يعني من اول ما قالها فارس عن خطبة فواز على طول قالت بفكر.. يعني حتى قبل تعرف انو ابوها اللي خطب فواز لها.. المفروض حتى ما تفكر ترفضه على طول.. وش ذا..
كمان ابو جنان ماله عذر.. قاعده ادور لشيء منطقي ابرر فيه سواته بس مالقيت..!
- يمكن ما ركزتِ بس هي قالت له بفكر وبداخلها مقررة ترفض من غير تفكير
وقالت - فيما معناه - ، " انا مستحيل أرضى ان زوجي يتزوج علي فشلون أرضاها على غيري؟ "
طيب صبرك على السبب وبيجيك العلم :(

..

اسيل وشاهين<< ترا عدلت الإسم😂
المهم.. زين انو اسيل هاجده.. بس مانفع معها الا العين الحمرا.. قبل يوم شاهين متساهل معها كانت تهايط وعلى فني احب متعب وما اقدر انساه واتزوج اخوه..
مين حدّك توافقين طيب<< ابثرتنا ترا.. خليها تتعدل لا يجيها طراق بمشعاب جدتي👌
- عدلتيه هنا وكتبتيه غلط تحت هههههههههههههههههه مامنك أمل يا شهد :(
هههههههههههههههههه ربي يسعدك خلاص أسحب سالفة تعصبك للبنات واضح اكثر شخصية تكرهينها هي أسيل :(

،

سلطان و غزل.. اوف وصلت بأحمد انو يحاول يقتلهم.! وش سببه..؟ والا معقوله
يكون تميم .. يعني بما انو عنده اجازه من
جده وهو يحب المعالم التاريخية يمكنه جاي يشوف قصر المصمك هههههههههههههههههههه امزح يا هنو ✋ بس جد يمكن مثل ماقالت " لست أدري" انو يكون تميم هو اللي يرسل لسلطان وانو توها لعبته ما بدأت..!

بس زين انو نزل سلطان من السياره عشان يروح لغزل.. والا كنا الحين قاعدين نلملم عظامه المسكين.. وكمان حلو انو انتبه لـ لوحة السيارة.. يمكن توصلهم للفاعل والسبب.. مع اني ما اعتقد انهم اغبياء لدرجة يسوون حركة مثل هذي وقدام قاعة زواج بـ لوحة سيارة مسجله بإسمهم.. يمكن الشاحنه مسروقه.. او مستأجرينها بإسم مزيف..
- طبعًا مثل ما قلت ممكن يكون أحمد وممكن يكون سلمان وممكن الاثنين وممكن مثل ما قلتِ تميم وممكن بعد شخص ثالث ما ذُكر! وش ورانا توقعوا كل شيء
ههههههههههههههههههههههههه أقول مناك بس قال المصمك قال :""" لا عاد تنكتين بالله ولو انك ضحكتينا أضحك الله سرك :biggrin:

..
غزل.. شعورها صعب جدًا.. مهما تلبست اللا مبالاة.. الا انو لو "صح تفكيرها" فـ يبقى ابوها.. واللي كان يبي يقتلها بنته..
احس ماهو للدرجة ذي مات قلبه..! مع انو اذا شخص تعوّد عالقتل مارح يصعب عليه اي شيء.. بالذات لو كان يحب نفسه فوق كل شيء بالدنيا.. ويمكن تكون الحادثه ذي بداية لـ كشف اسرار كثيرة..
- مجنون نفسي ذا ما عليك من جنانه
ومثل ما قلتِ الشخص لا صار قاتل ما عاد يميز هذا المفروض يقتله أو لا! مع انه مافيه مفروض أساسًا
.
.

عالطاري.. هذا اللي اسمه ابراهيم واللي معه.. اللي حاقدين على سلطان مدري ليش.. مالهم طاري من فتره.. عسى ضلوعهم تدقدقت بس..!
- هههههههههههههههههههه لا أبشرك ما تدقدقت بس جالسين يستعدّون للظهور ()
،

عبدالله.. ايش اللي كان ينسي نفسه اياه..!
وايش الشيء اللي يحاول تكذيبه واللي قالته له هاله..؟ يعني قصده انو الين هربت والا شيء ثاني؟؟ وليش عبدالله خايف على إلين من أدهم.. معقوله انو عرف باللي صار بينهم يوم رجعها الدار؟؟ احس في شيء صار بينهم وللحين ما توضح..!
- جايك العلم لا تستعجلين على رزقك :$$
..

فارس.. دامك عارف انو اختك رح تحس بالنقص من طريقة الزواج وراك ما حاولت تقنع ابوك يرجع عن اللي يفكر فيه..
صراحة انا بدأت اشفق على فواز.. زوجتين وكل وحده اخس من الثانيه.. قصدي
من ناحية النفسية طبعًا.. الحين جيهان وعارفين علّتها من بداية الرواية.. بس جنان الحين بتفسر كل شيء على اساس انو ابوها ما يحبها وانها بنت مسيار..! قالوا لك يا فواز اقعد على مجنونك لا يجيك اجن منه.. اسأل الله لك الثبات.. والصبر والأجر على ما ابتليت بس.. ان كان وحده وتحبها
ومتحمل بثارتها عشان حبك لها.. اجل الثانيه وش بتسوي.. دا انتا حتتنيل بستين نيلة واللهِ..!
- شفتي أد إيه هو منحوس الولد ده؟ وعلى أولتك دا انت حتنيل بستين نيلة :((
^ المصريين لا يقرون ههههههههههههههههههههه

..
يوسف .. اتخيل اذا جات عنده جيهان بعد ما تعرف عن زواج فواز.. هذا طبعًا اذا جات عنده وفواز لسى على قيد الحياة .. الله يرحمه كان طيب.. المهم يا انو بيوقف معها
وترجع علاقتهم تمام مثل قبل موت امها.. او انو ما بيتدخل وبيحاول يصلح بينهم على اساس الشرع حلل اربع.. وانو بيتفهم فواز وموقفه وبيقعد يقدم لها اعذار مارح تقنعها وبكذا تكرهه اكثر.. مع انو اي وحده تكره ابوها متخلفه.. الأب جنة.. المهم البثره حقتنا يمكن وقتها توافق عالعلاج النفسي..
وتحب عناد وتخلي فواز يطلقها وانتي حلي الباقي من عندك😂✋
- هههههههههههههههههههههههه ضحكتني سالفة تحب عناد، ليه هي الدنيا سايبة؟ عاد قلنا يتزوجون ممكن بس تحب دكتورها النفسي! هههههههههههههههه
مدري ليه بس حسيتها اهانة منك يختي :(! عاد يا كثر ما أتمصخر على اللي تحب دكتورها أو استاذها أحسها كذا سامجة وقديمة تجي جيهان تحب عناد من مكالمات علاجية! وفواز المسكين اللي كل منقوع قدامها ما ملى عينها وهو حضن وقبله وعاد حرك أنوثتها يعني
..

بس يا انو هيثم خبيييييث.. عرف ينتقم منها صراحة..
- شفتي :(
،

نرجع لشيهان واسيل..
"أكمل شاهين بشرودٍ وابتسامته تلك تتلاشى : ما فرحني بهالليلة إلا فرحتها."

بصراحة مابي اتشمت.. بس برّد لي قلبي بكلماته.. تستاهل اسيل اللي قاله.. يعني يحق لها تجرح وهو لا..! خليها تذوق طعم مرارة الجرح لو مره بحياتها.. مثل ما تدين تدان.. مره لك ومره عليك..
- ههههههههههههههههههههه هو جرحها بقلة أدب بس هي جرحته بانعدام أدب :biggrin:
،
"بينما أكمل شاهين بصوتٍ خافتٍ لا
يزال يحمل كل الحنق الذي يتراكم فوق
نبرته منذ عقد قرآنهما: تدرين؟ إنتِ إنسانة
يعجز الكلام عن وصفها، وللحين ندمان على
الكلمة اللي قلتها لك قبل أمس، عن كلمة
" حقيرة" اللي طلعت مني في لحظة صدمة
تفننتي في توجيهها لي، وتدرين ليه ندمان؟ لأن كل الشتائم ما تكفي عشان
أوصفك! "

هنا راحة أعمق.. حتى كنت جالسة متحفزه وانا اقرا ويوم قرأت كلامه كذا لا شعوريًا تكيت على ورا براحة كبيرة.. ولا تنسين.. ما اتشمت طبعًا🌚
- ما تتشمت يا أسيل اسمعي هاه هههههههههههههههههههه
..

"ابتسم برقةٍ وهو يُحيط جسدها بذراعيه، وبهمس وهو ينحني بفمهِ إلى أذنها : ما كان فيه شيء تعتذرين عنه! نسيته، عيونك والله تنسيني كل شيء ، كل شيء ماهو حلو وتبقِّي الجمال اللي مثلك!"

ها انقلع.. توي بكتب فيك معلقة على تبريدك لخاطري باللي قلته لأسيل.. بس
رجعت وتخرفنت عندها.. ماش يبي لك كورسات.. تعال عندي اعلمك بس💪
- هههههههههههههههههه شاهين يطلبك المعلقة
أنـا متأكدة لا جاك عشان يتعلم منك راح يطلقها ، مافيه مثل جلافتك -> عم نمزح هيك يعني :biggrin:

،

سند.. ما اخذ من اسمه شيء.. ذا مفروض
يسمونه " نكد والا مصيبة والا بلاء "
يا ترى وش ناوي عليه.. لا يكون يفكر يتحرش بأسيل والا يخطفها ويعتدي عليها🙆😧

..

وبس.. والله اكتب وانا اتلاحق مع الوقت😂😂
- هذا وأنتِ تتلاحقين الوقت وطلع التعليق بيرفكت ()
يجنن التعليق ، من أول تعليق على الروايـة لذا التعليق هذا هو الأجمل والأشمل لولا " شيهان " :frown:

يسلملي قلبك ما انحرمش :$$






كَيــدْ 12-06-15 08:17 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ليل الشتاء (المشاركة 3539077)
بارت روعه وقفله تجنن
بانتظارك كيد في البارت القادم باذن الله


عيونك اللي تجنن تسلميلي والله :""
شكرًا لقلبك ()

كَيــدْ 12-06-15 08:18 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة fadi azar (المشاركة 3539177)
مسكينة ازا فقدت الطفل المنتظريته فصل روعة

شكرًا للمرور ()

كَيــدْ 12-06-15 08:24 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضَّيْم (المشاركة 3539223)

حين رأيتكِ متواجدة هنا في نفس اللحظة التي أقرا فيها آخر فصل قمتِ بتنزيله، لم أُحِب أنْ أخذلكِ وأخرج دون رد كما أفعل دائمًا..
لستُ من هواة الردود كيد، لكن أريدكِ أن تكوني على علم بأنّي سَعِدّتُ كثيرًا بعودتكِ لإستكمال الرواية،
وقمتُ بإعادة الرواية إلى "المفضلة اليوميّة" التي أدخلها ما إن أفتح مُحرك قوقل.

أستمتعتُ بقراءة فصل اليوم كثيرًا وأشكركِ على ذلك..
لكن أعود وأقول لكِ مرة أخرى بأنّي أحببتُ شخصية غزل وسلطان، فارفّقي بهما من أجلي أرجوكِ :342:

طابت أيامكِ..



شكرًا لقلبك الحلو ما انحرم يا رب
وأنا مبسوطة كثير برجعتي لكم ومبسوطة بعد لتعليقك اللي بالرغم من قصره إلا أنه أسعد قلبي وكثير - فاتن -

وأنا استمتعت بحلاوة حكيك والعفو لقلبك ()
لا توصين حريص :D


شكرًا لتواجدك العطِر ()

fadi azar 13-06-15 01:03 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
تصرف فواز لم يعجبني فهو كان يحاول معالجةجيهان ويثبتلها محبته لها كيف ستصدق الان انه يحبها وهو في اوبل عرض قبل الزواج عليها كان يجب ان يرفض العرض بطريقة لا تهين صديقه وانه متعلق بزوجته ولا يستطيع ان يعرض زواجه لمشكلة قد تؤدي للفراق وازا طلبت جيهان ان تطلق معها حق لانها تحتاج للامان يمكن تعود لوالدها ويجب ان يقف معها لكي تؤمن ان الاب هو الأمان بالنسبة للأولاد

sagrali 15-06-15 02:33 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
يسلمو كيد على الروايه اسلوبك راع جدا بس عندي بعض النتقادات على روايه مافيه تصادم بين البطال قليل جدا خليتي البطال يتكلمون بينه وبين نفسه اكثر مايتصادم معا بطل اخر والاحداث بطيه جدا زي سالفه غزل وسلطان خذت ثلاث بارتات كان بي امكانك في ثلاث بارتات تصير بينهم احداث اكثر احس الرايه تسلك طريق الخواطر اكثر من رووايه اتمنىى انا تقببلين نقدي مني لنا اسلوبك جميل جدا

طُعُوْن 16-06-15 04:29 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
صباح الخير.. بكتب لك تعليق عالسريع..
يعني اذا لقيتي طلاسم مشيها😁

..
إلين..
"ولا ضيق إلا لابتعاد العبد عن ربه! تدرك ذلك فابتعادها عن الله يتضاعف، يتضاعف بدرجةٍ تجعل جحيم الحياةِ يُطبق على جسدها ويحرقها بنيرانٍ سوداءَ تتلذذ بالضعف.
قلّبتني الحياةُ على مشواةِ الخيبات ويا الله يا مُقلِب القلوب ثبّت قلبي على دينك! أُدركُ أنني في امتحانٍ منك، وأُدرك أنني أفشل فيه، أدركُ أنني ابتعدت عنك أميالًا وكلّ ميلٍ يزداد بهِ ضيقي أضعافًا، سامحني يا الله على كلّ صلاةٍ أخرتها وأنا أبكي تحت لحافي، سامحني يا الله على كل آيةٍ في كتابكِ لم أقرأها منذ استبد بي الحزن وكسر مجاديفي، سامحني على كل شيء! على كل شيءٍ يا الله وعلى كل الضعف والتقصير الذي سيرافقني في الأيام التالية."

طيب يا حلوة دامك عارفة وش دواك ليش ماتقومين تفزين على طولك وتصلين لك ركعتين ترتاحين فيها.. ماغير عويل عويل عويل صجيتينا ترا😼

،

ديما.. وه الحمدلله انو انقذتها ام سيف من البعو.. يا الله يارب انو ما يعرف الا لما تكمل 3 شهور عشان ينحرق.. بس تهقين دامها جابت طاري الدورة انو يشك فيها ويقعد يراقبها او يحسب لها كم شهر ما جاتها😧
عاد الرجال لا شغلوا عقولهم اعوذ بالله حتى ابليس يقعد متكي ويناظرهم بصدمة😏

،

أرجوان.. فقد الأم موجع.. فـ ما بالك لو كانت الأم مسببه لهم جرح قبل تتوفى..!

،

أسيل.. ياربي ياربي.. حتى لو ما سوت شيء بس اقرا حديثها مع نفسها اقعد اقول " نينينينيني" تعالي ببي اسمعك اياها😂😂
..

شيهان.. "شكرًا للرب ، لأنكِ ظهرتِ في حياتي الروتينية وطهرتِ مقلتي من دمعِ الفراغ."

جعلك اللي مانيب قايلة.. الحين من يوم ملكتوا وهي كل ماشافت فرصة جرحتك وانت الحين مفهي عندها.. مالت عليك اصلًا محد يعتمد عليك.. قلت بتأدبها عاللي قد سوّته فيك بس اشوفها لاعبة فيك لعب
ماهو بصاحي.. ما اقول الا مالت ثم مالت ثم مالت..
..

"شاهين يُنزل ذراعهُ عن كتفيها ويهتف بابتسامةٍ لم يستطِع اسكانها : طيب ، عشان صوتك الحلو ذا بآكل "
وووووعع وين الحلاوة اللي بصوتها.. كنه صوت قرد🐒

،

سلطان.. جاته لعنة ارض جو من حيث لا يحتسب.. مسكين توه صحى عاد عيونه منفخة من النوم😁

..

يا الله..! زواجهم باطل..! ماعنده حل الا انو يحبب الصلاة لقلبها.. يذكرها بعقاب ربي.. و عذاب القبر ويوم الحساب.. يعني بمعنى اصح " الترهيب" يخليها تخاف ربي قبل كل شيء..

،

جيهان.. البثرة حقتنا.. حليلها وهي مطيعة .. شكلها كذا 🙍.. بس ليش تخاف من ام فواز.. وعلى حسب كلامهم انها ظلمتهم وكلهم عارفين.. يعني عشانها ماتبي جيهان لفواز والا كيف..؟

..

فواز ..
"حتى في القعودِ تنكسرين فكيف إذا اكتشفتِ ما حدث وما صارَ من معمعةٍ خارج إرادتي وسيطرتي؟ تلّفنا عدم القدرةِ يا جيهان وتنزلق كلّ الخيارات من أيدينا فلا مجال إلا للـ " الرغم " رغمًا عنا، لم أسعى يومًا إلى غيرك، ولم أتمنى مرةً أن أصبح محاطًا بزوجتين، لكنّ المكتوب لنا كان خارج ما أتمنى وما لن يُرضيكِ ..."

كان تقدر ترفض يا حبة عيني جعل عينك الفقع.. للحين احس مافي شيء مقنع يخليك تتزوج .. بلا رغمًا عنك بلا هرج فاضي..

اللي ابي اعرفه.. الحين وش وضع جنان.. اللي متأكده منه فواز مارح يظلمها.. حتى لو ما يحبها بس انو يقدر ابوها واخوها.. وفوق كذا اخلاقه وخوفه من ربي رح تمنعه انو يظلمها.. تدرين.. جا ببالي انو جيهان اذا عرفت عن الزواج رح تهاجم جنان.. بما انو جيهان مجنونة وما تحسب تصرفاتها وخطواتها قبل ما تسويها..

،

اعتذر هنو على قصر تعليقي.. و ما وفيتك حقك.. بس الجايات افضل بإذن الله..
😻😊

كَيــدْ 16-06-15 05:40 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافية


قبل لا نبدأ ببارت اليوم ؛ فيه شغلة مهمة حابة أوضحها لكم :/
أي واحد من الأبطال يوصل بانفعاله لدرجة - السخط على قدرُه - فهذا مو مني هذا منهم! يعني لحد يجي ويقولي ليه وليه وحرام وغلط! أنا عارفة الحرام والحلال ، بس اللي يطلع من أبطالي مو ضروري يكون صح أو أنا أوافقه أو محللته! أكيد لا ، بس كل شخصية واللي يطيح فوق راسها ويأثر بنفسيتها يتحكم باللي يطلع منها وأنا أبدًا ما أزين شيء حرام في عيون القارئ لأني ما أتجرأ.

بارت اليوم قصير شويتين، لكنه جامد وراح تعرفون ليش بالضبط بعد ما تقرأون :$ وعاد الله الله بالتعليقات سواءً هنا أو بالآسك :$ + ملاحظة تعليقاتكم بالآسك صايرة تقل يوم عن يوم وحتى بالكِك. بس ما عليه إجازة ما تنلامون - تطالعكم بنص عين -

الزبدة نبدأ على بركة الله
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !


لا تلهيكم عن العبادات
+ ما كان ودي أنزل البارت بوقت أغلب المناطق توقيت صلاة المغرب فيها دخل أو قرب يدخل بس ما أضمن إني بقدر أنزله لو تأخرت شوي :(
فمعليش اللي دخل عنده موعد الصلاة لا يترك الصلاة ويقرأ لاحقين على البارت والمغرب يروح بسرعة :(



(36)





كانت جالسةً في صالة الجناح والساعةُ تقترب من الخامسة مساءً، تعيد رأسها للخلف واضعةً لهُ على أعلى الأريكةِ وعيناها مغمضتان، تتذكّرُ ذهابها للطبيبةِ والكلام الذي سمعتهُ منها، سألتها عن طبيعةِ علاقتها الزوجية بسيف في هذهِ الفترة ونصحتها بالكثير ... فهي لازالت في الأشهر الأولى، وجنينها لم يثبت حتى الآن ولربما قد تفقده، لذا لابد من ابتعاد سيف عنها لفترةٍ ليست بسيطة.
بللت شفتيها لتفتح عينيها وتعتدل في جلستها، تتأمل الأرض بفراغٍ سكنَ من زوايا عينيها وانتشر في كامل ملامحها السمراء، ملامحها التي تمرغت برمالِ شاطئٍ في وسطِ الظهيرة، كانت الرمالُ حارة! حارةً حدّ أن الاستقرار شُوِيَ وهو في ريعان شبابِه.
زفَرت بكبت، " ليت الذي بيني وبينك عامرٌ، وبيني وبين العالمين خرابُ "، إنّي أموت يومًا عن يومٍ بهذا البُعد، أحاول دون أملٍ تقليص المسافاتِ بيننا ويأبى القدر إلا أن نكون ضِعافَ المسافات، يأبى القدر إلا أن ترتسم بيننا خطوطًا طوليةً لا تنكسر، ابتعد! لك أن تبتعد، لكن اسمح لي بالإقتراب نحوَ من هو مركز الحياة.
مسحت على وجهها وهي تستغفر، ثم أزاحت كفها للأسفل حين فُتح الباب ودخل سيف مستعجلًا وتُدرك سبب عجلته، سيذهب الآن لابنه، هنيئًا لك، وهنيئًا لي هذا الحمل وكذبي عليك.
هتف سيف وهو يمشي باتجاه غرفة النوم : شفتي مفتاح سيارتي؟ مدري وين حطيته
بالرغم من كونها قد رأته وضعه في درج الكومدينة في حين غفلةٍ منه وهو يحادثها ما إن عادوا من المشفى، إلا أن " الإستلعان" سطع في عقلها وأرادت بعنادٍ عدم ذهابه : لا ، ما شفته .. شوف ثوبك يمكن فيه
سيف يدخل الغرفة ويهتف رافعًا صوته : ماهو في الثوب شايفتني مخفّة ما أحس فيه؟
تمايلت شفتا ديما في ابتسامةٍ خبيثةٍ وهي ترفع صوتها عاليًا بعبط : يمكن ، شوف طيب أذونك يمكن مخبي المفتاح فيهم عشان كذا لما العالم يحكون وياك ما تسمع ولا تفهم
لم تسمع منه رد، لكن بعد لحظتين رأته يخرج من الغرفة بخطواتٍ شديدةٍ متجهًا إليها ووجهه يحتد بحنق، فغرت فمها وهي تنهض تنوي الهرب، إلا أنه وصل إليها قبل أن تهرب ليُمسك معصمها ويشدها إليه بقوةٍ حتى ترتطم بصدرهِ وتتأوه بألم.
سيف بحدة : عيدي يا هانم ما سمعت ، المفتاح كان جوّا أذوني وتوني خرجته
عضت شفتها بحنقٍ منه وهي تحاول الإبتعاد عن هذا الجسد الذي آلمها الإرتطام به : وخر زين ماهو جسم ذا حرّاثة
شدّ على معصميها يرفع يديها قليلًا للأعلى وهو يكبح ابتسامةَ الإستمتاع التي تحارب لتعلو على شفتيه، وبلؤم : عاد ناوي أحرث فيه لسانك ذا يمكن يتعدل
ديما بغضبٍ وهي تواجه عينيه بعينيها الناريتين : وأنا ودي أقطع لسانك ذا وأرميه في أقرب زبالة والأكيد بيتجمع عليه الذباب من وساخته
رفع حاجبيه وشدّ بقوةٍ على معصميها حتى آلمها، أغضبهُ كلامها قليلًا لكنه وجد غضبه هذا يسكن أمام رغبته في إغاظتها أكثر.
سيف من بين أسنانهِ وهو يخفض وجهه إليها : هالذباب يا ستي هو أنتِ ، مافيه غيرك يحب يكون قربي
زمّت شفتيها بحنقٍ ووجهها اشتعل بغضب، سهلةُ التمرد، وسهلةُ الغضب، وسهلةُ الخضوع أيضًا، تأمل وجهها وهو يسمع صوتها كالناي الغاضب يُعزفُ إليه، لم يهتم لكلماتها التي تخلخلتها " واحد مستفز / يا ملاغتك / الله ينتقم لي منك " وهو يبتسم لغضبها المُمتع الذي يُدغدغ متعته، إنها جميلةٌ حتى وهي غاضبة، بل أكثر جمالًا! تشبيهين بدايات الصباح الصافيةِ سماؤها، الشّقية حين يبدأ شمسها بالسطوع وأنا شمسك! لا أغيب ولا يغيب شقاؤك، خالديْن بين خصلات شعرك كخيوطٍ تغزل الخلودَ و " أحبك تضحك بيننا ".
حاولت ديما سحب يديها وهي تهتف بغضبٍ ينتفخ بهِ وجهها : والله ما الذباب الا أنت يا كبير الذباب ، عرفت الحين ليه عندك انفصام من يلومك والذباب تنسى كل خمس ثواني؟!!!انخرط في الضحك وهو يخفض يديه مع يديها دون أن يحرر معصمها، أغمض عينيه وهو يضحك، وصوت ضحكاتهِ كانت كافيةً لتجلب لها المزيد والمزيد من الغضب. صرخت بقَهر : اترك يديني ، اتركني الله ياخذ هالصوت المزعج
سيف : ههههههههههههههههههه يا الله ارحمني! * سكنت ضحكاته قليلًا ولم تبقى الا ابتسامته التي تظهر منها أسنانه، ليُردف * أنتِ متأكدة إن عندك مخ داخل هالراس؟
كشّرت ديما وهي تُشيح وجهها عنه، ليترك أحد معصميها ويرفع يدهُ حتى يُمسك ذقنها ويُدير وجهها إليه : طالعيني
نظرت إليه ديما ووجهها لازال في طور الغضب، عيناها المشتعلتين كموقدٍ كانت تنبعث مباشرةً إلى عينيه لتشتعلا بها، بشراراةِ حدقتيها، بتمرد رموشها فوق أجفانها. همست بغيظ : وقح!
سيف يبتسم وهو يحرك طرف سبابته على بشرةِ فكّها : أنتِ اللي بديتي ... * كشّر فجأةً ليترك ذقنها ومعصمها ويردف * أعوذ بالله منك نسيتيني طلعتي ، * ابتعد عنها داخلًا غرفة النوم * الحين وين بلاقي المفتاح!!
ابتسمت بلؤمٍ وهي تدعو الله في نفسها ألّا يجده، فما أجمل من أن تشعِره بعدم رؤية ابنه ليومٍ فقط، يومٍ ينتصرُ فيها شعورُ القهر ويلفظ انتقامًا بسيطًا ستتبعهُ بآخر أقوى، ليُجرّب معنى أن لا يراه يومًا، فأنا لم أحمل طفلًا لي على مدارِ ثلاثِ سنين كان الأحرى فيها أن أحمل طفلين على الأقل، كان الأحرى فيها أن أشمّ رائحة الأمومة وأنا أرى طفلي الأول يتحدث، والآخر يمشي . . ازدردت ريقها عند تلك الأفكار وكفّها ارتفعت تلقائيًا إلى بطنها لتمسح عليه بحالمية، كُن بخير ، لا تُرهقني كوالدك ... يا الله! ما أجمل " والدك " ما أجمل هذهِ الكافْ التي تربطني أنا وأنت بِه، ما أجملها وإن كان هذا الوالد قاسيًا فظًا لم يتعلّم ما معنى معاملة النساء، لم يعلم أن احترام المرأةِ ليس فقط في عدم ضربها، بل هو أيضًا في عدمِ حُزنها ولو بالحديث.
سمعته يشتم داخل الغرفةِ بصوتٍ مكتومٍ لتبتسم رغمًا عنها، وبهمس : مو كل مرة أنت تستلعن ، خليني هالمرة أجرب شعور الإستلعان


,


سلّمت عليها ببرودٍ بعدما دخلت ووقفت بجانبِ فواز، كان سلامُها باردًا بدرجةٍ جعلت فواز يزفرُ الهواء من صدرِه حنقًا ، حتى وإن كانت أمّه قد أخطأت مرةً في حقهما ، إلا أنها أمه! وستبقى الأم أعلى مرتبةً من الزوجةِ وإن بلغت الروح الحلقوم ، حتى وإن وصَل عشقُه لجيهان النخاع إلا أن عشق أمّه امتلأ جسدُه به، فالأم سمفونيةً لا تنقطع، غيمةٌ معطاء لا ينتهي ماؤها ولن تصل امرأةٌ إلى عطائها.
زمّ شفتيه وهو يكبح غضبهُ من جيهان تجاه سلامها البارد الذي كان مُهينًا لوالدته، إلا أمي يا جيهان ، إلا هي.
ابتسمت أم فواز بهدوءٍ لجيهان : كيفك يمه؟
جيهان " من فوق خشمها " : بخير ، من غير يمه
رمَت جملتها تلك ومن ثمّ تحرّكت بفظاظةٍ لتدخل وتتجه لمجلس الضيوف، لتعقد أم فواز حاجبيها بضيقٍ بينما تصاعد الغضب على ملامحِ فواز التي احتدت، بإمكانه أن يصمت على كره جيهان لأمه فالكره والحب لا يأتي غصبًا، لكن أن تتعامل معها بهذه الطريقة ... سحقًا! سحقًا!
عقدَ حاجبيه بشدةٍ وهو ينظر لأمه التي هتفت بعتاب : كذا يا فواز؟ تجي من سفرتك وتنام بالفنادق؟ هذا وأنا مجهّزة لك من يومين غرفة خاصة لك أنت وزوجتك؟؟!
ازدرد علقمًا وهو ينظر لوالدته بنظراتٍ سقط غضبُه عنها، بينما جاش في صدرِه الضميرُ معاتبًا نفسها أشدّ العتاب وأقساه : يا بعد هالروح يا يمه ، ليه ما قلتِ لي هالكلام يوم اتصلت فيك وعلمت اننا بنزل فندق؟
ام فواز بتوبيخٍ ناعم : وش تتوقع مني أقول بعد ما يقولي ولدي بنام في فندق مع مرتي ويترك بيته اللي عاش فيه من صغره؟ .. أمداها المرَة تلعب براسك
فواز يُقبّل رأسها قبل أن يهتف : تخسى المرَة تلعب براسي عليك!
ام فواز : أجل تنام عندي لين تسافر
فواز يُشير لعينهِ اليُمنى واليسرى متجاهلًا رأي جيهان، فهذا أفضل عقابٍ لفظاظتها : من هالعين لهالعين يا ام فواز
ابتسمت ام فواز بسعادةٍ أمومية تنبع من عينيها وحبٌ أعمى لمن شَقيَ جسدها في رعايته : تسلملي هالعيون يا عيون أمك ، تعال نورت بيتك ومرعاك ادخل يا وليدي وشوي وبتلحقك أختك وزوجها
فواز يتحرك ويمشي بجانبها باتجاه المجلس الذي اتجهت إليه جيهان : شاهين وأسيل؟
ام فواز : ايه توها متصلة علي وتقول انها في الطريق


،


بعد صلاة المغرب
في إحدى حدائق باريس التي امتلأت بالأطفال، عائلاتٌ هنا وهناك، وأطفالٌ يركضون حولهم، رائحة العائلـة تنتشر في الأجواء، ومع رائحتها بدأ يشمّ خيالَ رائحة القهوة العربية، رائحة شعر أمه، بيتهم، رائحتـها! ... هل للرائحة خيال؟ إنّه الشوق والحنين يصنعُ من العدمِ وجودًا، فاض في عينيه الشوقُ حتى بات يرى ملامحه في المرآةِ ملامحهم، وصوتُه يسمعهُ صوتهم، كل ما يأكله بات لسانهُ يتذوقهُ إحدى الأكلات الشعبية التي كان يتذوقها سابقًا حين كان في السعوديّة، وعيناه! يرى فيها عيني من غدرهُ وطعنهُ في ظهره، وجّه سكينةً جهة قلبه مباشرةً وأدمى كل أعضائِه بغدره الذي لو كان من آخر لتجاوزه، لكنّ هذا الغدر استكن في صدرهِ وتكرر أيامًا وأسابيعَ وأشهرًا ونصلٌ مسممٌ يعود غرس نفسه في صدره مرارًا ومرارًا. حتى المرآة تغدرُه في كل يومٍ حين تعكس لهُ ومضة الماضي وحنينه، آهٍ يا حنينُه! كمشكاةٍ حملت جوفَ الألم، كمشكاةٍ فيها مصباحٌ والمصباحُ نارٌ تحرقهُ وتنتشر في أوردتهِ كسمٍ نتن.
رفعَ عينيه إلى سماءِ باريس، يا نجُومُ أفيقي على حزني، أرسلي إليهم رسالاتِي الحزينة، دمعِي الجريح الذي رفض النزول، أرسلي إليهم مع بريقكِ أنّهم خانوني وأزالوا مظهر الحياةِ فيّ، أرسلي إليهم ملُوحة عيني التي تحجرت ورفضت النزول ، أحتاج دمعًا، زاجلًا يرسِل إليهم كم اشتقت! اشتقت لكنّ شوقي يسكن في صدري ولا يدفعني للطيران إليهم ، اشتقتكم ، اشتقتكم حتى أنت يامن غدرني ورششت على جراحي منكَ ملحًا.


،


دخلت للمشفى بخطى واهنة، عيناها تتأملان بياضَ الأرضيةِ والجدران بفراغ، استطاع فارس بجهدٍ أن يرغمها على الذهاب معهُ حتى تزور والدها ولو أنّ جرحها منهُ فاضَ وكوى قلبها. يخيفني أنْ عدد خطواتِي الحالية التي أعدّها هي عدد السنواتِ التي يُرسم فيها التعاسة لي ، واحد ، اثنان ، ثلاثة ، عشرة ، عشرون ، مائة! ولا نهاية! أحاول أن أجد جانبًا إيجابيًا في كل ما يحدث، أقف على " لكل أمرٍ جانبٌ مشرق " لكن الشمس تغيب ولا يُشرق شيءٌ فيما يحدُث. يا الله! قد بلَغ بعبدك الحيرةُ منتهاه، قد بلَغ فيه الضيق حتى النخاع .. أرشدني لطريقٍ يُختزل فيه الحُزن ويجف، ارشدني لطريقٍ تنكسر فيهِ حيرتي وألقى نفسي من جديد ... ليس سهلًا أن تكُون حياتُك لسنينٍ زائفة ، ليس سهلًا كل ما اكتشفتهُ في أيامٍ قليلة.
رفعَت رأسها قليلًا للأعلى وهي تزمّ شفتيها بألم، اقتربا من غرفته، هاهما يخرجان من المصعد الكهربائي وقد أصبحا في نفس الطابق الذي ينام فيه، وينام هُنا الأنين، أنينُ صدرها الذي ينهض بخطواتِها هذه، ينقَشعُ في سمائِها غيومُ السعادةِ التي تُسقط قطراتِ الضحكات عليها، والخريفُ ينقشُ ذاتهُ في صدري وأجفُّ وتتكسر أضلعي بعد جفافِها، أنا كمن يمشي حافيًا على دربٍ مليئٍ بالشوْك، يُوخَز في كل خطوةٍ عشر وخزات، ولا أدري هل سأعتاد أم أن الألم سيبقى يُجدد نفسهُ فيَّ وأمُوتُ عدد الوخزات.
وقفت أمام باب الغرفةِ الخاصةِ بوالدها للحظات، ليدخُل فارس وهو يوجّه نظراتهُ إليها ويشير لها بالدخول، لتزدرد ريقها وتدخل من خلفه بخطى تتبخر فيها القُدرة.
أدار ناصر رأسهُ ناحية الباب، وما إن رآهما وتحديدًا جنان امتلأ صدره بالسعادةِ تلقائيًا فعينيه قد أتت بعد أن قاطعتهُ لأيامٍ يُدرك فيها ما سبب هذا القِطاع وإن تصنّع العكس من ذلك.
تقدم فارس أولًا ليُسلّم عليه بينما بقيت نظراتُ ناصر معلقةً بها حتى ابتعد فارس واقتربت هيَ مُقبلةً جبينه، حينها رفعَ يدهُ المنتفضةَ بالتضاعفات التي حدثت لهُ بعد العملية ليضعها على شعرها وتُغمض هي عينيها وصدرُها يجيش بالحُزن، تستشعر هذا الضعفَ في كفّه وليس سهلًا عليها أن تتجاوز هذا الإحساس بهِ ولا يتألم صدرها ، هو والدها، مهما حدثَ هو والدها.
همَس لها وهو يبتسم بعتاب : كذا يابوك تتركيني كل هالأيام وما تجيني؟
ابتسمت لهُ بألمٍ وعيناها يترقرق فيها الدمعُ ولا ينضب، هتف ابو فارس بعتابٍ حين رأى الدمع يسكن عينيها : الله! وشوله هالبكى الحين؟
لم ينتبها لفارس الذي انسحب بهدوءٍ من الغرفةِ ليترك لهما الأجواء والحديث بأريحية، بينما تقوّست شفتا جنان بألمٍ وهي تشعر بالوجع يخنقها ويُحشرجُ روحها بألم : ليه سويت فيني كذا؟
تنهّد ناصر بألم وعيناهُ يتماوجُ فيها الكلمات التي تعبر إلى الشفاهِ وتسقط، لا الأبجدياتُ تسعف! يُطيح بجمال الحياةِ عدمَ النيلِ بما نتمنى، يا ابنتي لا تسألي، لا تسألي العين عن سبب الدمع فيها، لا تسألي الكلمات عن سبب الصوتِ فيها، لا تسألي الصوتَ عن النبرات! فهذا انتماءٌ لا ينحل وأنتِ جزءٌ مني لا ينحل ، ومن بين كل ذلك ينحل عني تبسيطُ حزنك.
همسَ لها وهو يغمض عينيْهِ ويستنشق بدل الأكسجينِ عزمًا : بالأول ، وش عرفتي ووش سمعتي؟


يتبــع ..

كَيــدْ 16-06-15 05:45 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 






برودةٌ قارسة، النسيمُ يتخلخل سمعهُ ببرودةٍ صقيعية، يضمُّ معطفهُ الجلدي الثخين إليْه وسمّاعاتُ الأذن متعلقةٌ بأذنيه بينما الصوت الآخر يأتيه من الطرفِ المجاور : تسمعني يا بدر ، انتبه .. محد بياكلها غير أهلك ؛ خلّى عنك التهور شوي ولا تسوي أي شيء خارح أمرنا
رفع بَدر رأسه للسماءِ وهو يفغر شفتيه ويتنفس ذرات الهواءِ الباردةِ عبر فمِه، تأمّل السماء السوداء المزيّنةِ بمصابيح، وهذهِ المصابيح جُعلت رجومًا للشياطين ... رجومًا للشياطين من الجن، وياليتها كانت لشياطين الإنسِ أيضًا.
ابتسمَ ابتسامةً ضئيلةً وعيناهُ تلتمعان بضوءِ النجوم : من وش خايف أستاذ عبدالله؟ دام فيه كم شخص يحرسون أهلي منكم فما فيه خوف .. أنا أثق بزُملائي
عبدالله بأمر : تثق؟ كم مرة لازم أقولك أنت مو موَديك ورى الشمس الا ثقتك ذي بكل اللي حولك
بَدر يحافظ على ابتسامته : مو اللي حولي ، زملائي وأنا ، وأكيد في المقام الأول أنت ... دامني انبنيت تحت يدينك فمافيه خوف علي .... أسد الله وكيلك
انبعث صوتُ عبدالله غاضبًا : بـــدر!! لا تنسى الهجوم اللي صار على أهلك قبل شهرين ، احنا مسؤوليتنا نحميكم، ماهو نربي تهورك ذا
ضحكَ بخفوتٍ وهو يغمض عينيه اللتين التمعتا بدمعٍ حُشرَ خلف المُقَل وسطع منه الحزن والألم : تهوري؟ أستاذ عبدالله أنت أكثر شخص يدري إني ما أبي من هالحيـاة شيء الا أهلي ، تتوقع بعرضهم للخطر بكامل جنوني؟
صمت عبدالله من الجهةِ الأخرى وهو يزفر بكبت، بينما اتسعت ابتسامةُ بدر الذي أكمل : وبعدين ، ترى أهلي هذول اثنين ، أقدر أحميهم فتطمن من هالناحية
زمجرَ عبدالله بيأسٍ منه، ولم يجد من صوتِه سوى أن ينبعث بتهديد : إذا ما تأدبت ، أقدر ببساطة أعطي المهمة لغيرك وأجيبك للسعودية أنت وأخوانك فوق خَشمك
بَدر يرفع إحدى حاجبيه : هالمهمة جتني من اللي أكبر منك ، معليش بس ما تقدر مع احترامي لك
عبدالله بغضب : لا أقدر ما حزرت ، لا تنسى من أكون
بدر : خلاص أعتذر منك وتطمن على أهلي إذا ما حميتهم أنا مين اللي بيحميهم؟؟
زفَر عبدالله بقلّة حيلةٍ وغَضب : ما منك فايدة ... * ليُغلق *
بلل بَدر شفتيه وهو يبتسم، نظَر للمارّةِ الذي يعبرون حوله، للأم التي تجرّ طفلها أمامها في عربتِه، للمراهقيْن اللذيْن يتضاحكان وهما يمشيان بجانب بعضهما، للعاشقين الذين يشبكون أناملهم ببعضها البعض ويمشون سويّةً ... ليبتسم! هذا الرصيفُ يحمل الذكرياتَ ويمررها على قلبِه كسكينٍ حاد، هذهِ المحلّات المُنيرةُ لافتتها تجدد ذكرَى زياراتِه للعديدِ من المطاعِم، الأسواق، كلّ ما كان يتململ ويتذمر منه بات الآن يسخر منه ويردّ الصاع صاعين. لمَ ذهبتِ؟ لمَ تركتنِي خلفَك جثّةً تتحرك ميتةً وأنتِ من الجاثمين؟ لمَ انحللتِ عني بهذهِ القسوةِ وتركتنِي خلفكِ أهيم وفقدُكِ يعادل الوحدَة كلها وإن أُحِطت بالكثير من الناس. لو أنكِ لم تذهبي، لو أنكِ لم تتركيني، صدقيني كنت لأعتاد على حبّك للمطاعم والأسواق، كان تذمرِي منها سيزُول وأعشقها كما تعشقين، عودِي لأصبح ملازمًا لما تحبين وواللهِ لن أتذمّر.
زفَر بألمٍ لتخرجَ أنفاسُه صقيعيةً والبرودةُ تتضاعف، بدأ الديمُ يسقُط رقيقًا كبشرتِها الناعمة التي توارت خلف التراب وتدثّرت بالموتِ ولازمها الشحوب والآن ستكُون اضمحلّت خلف التحلل. يا للألم! يا للألم الذي يفتُك بهِ كلّما بدأ يفكر " كيف هي في قبرها؟ " ... استغفر كثيرًا وهو يتنفّس باضطرابٍ ويُشتت عينيهِ هنا وهناك، أجمعني بها في الحنّةِ يا الله ، اجمعني بها في الجنة.
رفَع يدهُ ليرفع قبعة المعطفِ على رأسه، ومن ثمّ تحرك وهو يدسّ يديه في جيبي معطفهِ الأسود متجهًا نحو الشقة التي يسكُن فيها هو وعائلته الصغيرة التي أصبحت كل شيءٍ في حياته.


،


النقص، مُصطلحٌ لا ينحصر في النفس، بل يتمدد لما حول الإنسان، وتكُون نتيجته عقدةً لا تزول بسهولة ... هشاشتها يتضاعفُ مداها في نفسها، تصلُ عظامها وتُخرس كل أعضائها عن القوّة. ابتسمت بفتُورٍ وهي تنظر لغيداء التي كانت تعرض بعضَ الصورِ لها في الحاسوب وهي صغيرة تُعانق الثالثة في بعض الصور، وأخرى الخامسة والبعض الآخر الثامنة ... ببساطةٍ في كل سنين حياتها! كلّ صورها كان إطارها يحتضنها مع أمها ، أبيها في السنوات الأولى من حياتها ، أخيها عناد ، وأخرى سلطان!
كانت جميلة! جميلةً بدرجةٍ مؤلمة، جميلةً حدّ أن الجمالَ يضحك! وكيف لا تكُون جميلةً والإنتماء في عينيها؟ كيف لا ومن حولها هم عائلتها، الذي لا تكتمل الحياةُ إلا بهم، التي لا تكتمل صُور السعادة إلا حينَ يعانقوها كإطارٍ يحمي الصور.
انتبهت لغيداء التي أشارت لصورةٍ كان عمرها فيها بالأشهر الأولى وسلطان ذو الرابعة عشرَ من العمر يَحملها بين يديه بتوترٍ واضحٍ ونظراتٍ مُندهشة وكأنه يحمل مخلوقًا عجيبًا بين يديه.
ابتسمت تلقائيًا وهي تنظر لملامحه التي لم تكُن تختلف عن ملامحه الحالية كثيرًا سوى أنها الآن تشرّبت نضوجًا ورجولة. يبدو أن الحنان كان يُرافقهُ منذ صغَره، فقَد والده في الثانيةَ عشرةَ من العُمر لكن من الواضح أن السنوات الإثني عشرةَ تلكَ كانت كافيةً ليتشرب فيها الحنان من والده ، ففاقدُ الشيء لا يُعطيه، ولو أن والدهُ لم يكُن حنونًا لكان سلطان الآن غيرَ متشربَ الحنانِ ومُعطيه.
هتَفت لها غيداء بضحكة : وبهالصورة كان عمري فيها خمس سنين ، شوفيني واقفة جنب الشجرة ... هنا عناد كان عمره ٢٤ وسلطان ١٩ ، عاد سلطان كانت وقتها واحد مهايطي وتحدى عناد يشيله وهذي آخرتها
نظرت للصورةِ لثوانٍ قبل أن تنفجر ضاحكةً غيرَ مُسيطرةٍ على ضحكاتها، كان عناد يحمل سلطان بين يديهِ كالطفلِ وهو يصرخ بشيءٍ ما ويُخاصِمه، الآن أدركت أنّها لربما تكُون الوحيدة في العالم التي امتلكت عائلةً شاذة، كانت تؤمن أن لا خير في الجميع، لكنها الآن أدركت أن الخير في الكثير، وعائلتها حالةٌ شاذة.
مؤلـم! مؤلمٌ أن هذا الشذوذ أصاب عائلتها وأخطأ الكثير، أنّ هذا الشذوذ حين صارَ كان عليْها كصاعقةٍ تترك أشجارًا وتُصيب البعضَ منها ... لمَ أصابها هذا؟ لمَ لم تكُن مكان غيداء وهي العكس؟ أم أنّ ذلك كان لها! كانت سماءً ليليةً دونَ نجومٍ فازداد ظلامها، أما غيداء فهي سماءْ ، امتلأت بالنجوم ... وأضاءت.
بللت شفتيها وعقلها يُحاول استيعاب حديثِ غيداء معها، ابتسمت بفتورٍ لتؤمئ برأسها لها وهي فعليًا لا تعلم ما تقُوله، بينما نظراتها تعلّقت بصورة سلطان ، ربما كنتَ أنت النجمةَ الوحيدةَ في سمائي الحالكة ... أو رُبما القمر.


،


في الخارج
عناد بإصرار : ياخي نام اليوم بعَد والله ما تموت
ابتسم سلطان لإصرارهِ ابتسامةً فاترة ، ليهتف : لا بمُوت ياخي وبشبع موت بعَد ، عمومًا أنا كنت مخطط أرجع البيت بعد الظهر مباشرة وجلست إكرامًا مني لكم
عناد بسخرية : يا شيخ!
سلطان بجدية : معليش يا الغالي بس مضطر أرجع وراي كم شغلة بشيّك عليها
عناد : كم شغلة؟ وش عندك يا الكذاب ؟!
سلطان : بمرْ على البيت أشوف وضعه وبعدها بمر عالشرطة
عناد : طبعًا رجلي على رجلك
سلطان يبتسم بقلّة حيلة : أحلف لك بمرّك قبل أجنب عليهم ، بس قدّر الوضع شوي الحين المدام طاقّة وأغراضها ماهي هنا والا نسيت؟
عقد عناد حاجبيه وهو يبتسم بإحراج : راحت عن بالي ، الله معك فزت علي آخرتها
أخرج سلطان هاتفهُ من جيبه ليُرسل رسالةً لغزَل مُفادها أن تستعد للمغادرة ... وبسرعة!


،


طالعتهُ لدقائقَ قصيرةٍ وهي تراه يضع الحاسوب على فخذهِ المُمتد فوق السرير ووجهه يتجه ناحية التّجهم والعبوس، حانقٌ لأنه اليوم لم يرى زياد! وجَد مفاتيحه بوقتٍ متأخرٍ وحين ذهب ليأخذه حتى موعد صلاة العشاءِ رفضت بثينة أن تُخرجه، كان بإمكانهِ أن يأخذه قهرًا، لكنّه تراجع في النهايـة ليس لشيءٍ سوى احترامًا لوالدها التي طلب منه عدم العناد.
تأملته وهو يزفر بعنفٍ وحتقٍ وأنامله تضغط أزرّة الحاسوب بقوةٍ يُفرّغُ بها غضبه، لتبتسم رغمًا عنها بلؤمٍ وقلبها يتشدقُ برضائـه، بالرغم من كونِ الرضا لم يكتمل حتى الآن إلا أن القليل يروي عطشها للثأر!
ارتفعَ حاجبها الأيمن وزاوية فمها ترتفع ايضًا في ابتسامةٍ ساخرة، هذا ما حصدتهُ يا سيف من ظُلمك لي، هذا ما حصدته.
بللت شفتيها قبل أن تأخذ شهيقًا وتهتف : سيف
رفَع رأسه إليها وملامحه متجهمةٌ بضجر : نعم
ديما : نعامة ترفس شرّك وي! كل وقتك مكشّر ومنفّس ما تروق أنت؟
رفَع سيف حاجبيه بتحذير : انقلعي من وجهي
ديما بنبرةٍ متعالية : الأميرات ما ينقلعون
ابتسم رغمًا عنه : أبو التعبير المعوّق ، اقول مناك بس مو مروق لك لا تخليني أحذف هاللاب على راسك
ديما : أتحداك
هزّ رأسه بالنفي وهو يهتف بيأس : بقرة ما عليك شرهة
ديما بغيظٍ يُثار فيها بسرعة : والله البقرة اللي يحط مفاتيحه بدرج الكومدينة وينساها
تحجّرت أنامله قليلًا فوق لوحةِ المفاتيحِ وهو يعقد حاجبيه أمام الشاشة، بقيَ ساكنًا للحظاتٍ قبل أن يُدير رأسه إليْها هاتفًا باستنكار : لحظة! وش اللي عرفك إنّه كان في درج الكومدينة وأنا ما قلت لك انه لقيته هناك؟
عضّت لسانها المُندفعَ وهي تشتُم غباءها الذي انساق خلف غيظها، تعلّقت عيناها بنظراتـه الحادة والتي تنتظر منها جواب، وكأنه فقط للتو يدرك مشاكساتها له حين سألها عن مكان مفتاحه، هتف بحدة : أنتِ اللي حطيتيه هناك؟
بللت شفتيها قبل أن تشدّ بأناملها على الأريكةِ المُفردة النمرية التي تجلس عليها، وبنظراتٍ تحاول قمع الإرتباك فيها : لا تتهمني بشيء أنت اللي سويته
سيف بحدةٍ أقرب للصراخ : ديــمـــا
انتفضت في مكانها وفغرت شفتيها بذعرٍ وهي تنظر إليه، بينما أردف هو بصوتٍ حاد : لِك يد بالموضوع؟
هزّت رأسها بالنفي مباشرةً ليزمّ شفتيه وهو يقرأ الكذب في عينيها، وعينيه تصاعدت فيها شرارة الغضب التي قاربت على الإشتعال والتصاعدِ نارًا هوجاءَ قد يُحرقها بِه . . . كم مرةً تمادت في موضوعهِ مع زيـاد وحشرت نفسها غصبًا! كم مرةً يجب أن يتشاد معها في الكلام بسبب زيــاد.
وضَع حاسوبه جانبًا على السرير ومن ثمّ وقف ليتجه إليها، حينها وقفت هي من الجهةِ الأخرى وهي تعقد حاجبيها بتمردٍ ينساب الخوفُ الطاغي منه : خير خير! مو أنا اللي حطيته في الكومدينة تبيني أحلف لك؟
وقف أمامها مباشرةً وهي بقيت في مكانها لم تُحرك ساكنًا ونظراتها ترتفع إلى عينيه بتحدٍ عميقٍ وبريقٍ يتجهُ إليه كالرصاصِ الذي لا يتراجع بالرغم من كونِ الخوف يرسم نفسهُ في زوايا عينيها.
هتف سيف من بين أسنانه : قد هالنظرات؟


،


صعدَت السيارة بعد أن ودّعتهم بابتسامةٍ ميّتة، كان سلطان يجلس أمام المقودِ ووجهه لا تعابير فيهِ سوى أن القَهر ينقش نفسه بشكلٍ خفيٍ في عينيه، اشتعل الغضب فيهِ تلقائيًا ما إن جَلست بجانبه، ويداهُ اشتدتا على المقودِ دون شعورٍ والقهر يختزل نفسهُ داخليًا بانفعالاتٍ وغليانٍ دموي.
أغلقت الباب وهي تضع حقيبةَ السهرةِ الخاصة بها بجانبها، والكيسُ الذي احتوى فستانها الذي ارتدتهُ ليلةَ أمس أدارت نفسها للخلف حتى تضعهُ في المقاعد الخلفية، استقرت في جلستها وهي تزفر، لكنها عقدت حاجبيها فجأةً ما إن انتبهت أنه لم يتحرك حتى الآن، لتُدير رأسها تلقائيًا إليه وتنظر لملامحه التي غلّفها اللا تعبير وجمود عينيهِ جعل قلبها يضطرب رغمًا عنها .. أما زال غاضبًا بسبب ما حدث قبل الظهر؟ بسبب لعنها له؟؟
مررت لسانها على أسنانها العلويةِ بتوترٍ وهي تقبض كفيها فوق عباءتها، لا أوامرها الدائمة لنفسها بعدم الخوفِ تُفيد في شيءٍ ولا هشاشتها ترفض الإنحصار في نفسها. إنّها الحياةُ من تُرغم الروح على هذه الهشاشـة، على تصنّع القوةِ التي أتلبسها في كل يومٍ وتأبى إلا أن تنحلّ عني وتتركني عاريةً تغتصبني قسوةُ من حولي. الشكرُ للحياةِ التي صبّت كل بؤسها علي، على قلبي وعيناي.
همَست بتوترٍ وهي توجّه عيناها نحو حُجرها : نسيت شيء؟
لمْ يُجبها، وكلّ ما فعله هو أنّه تحرّك فجأةً وكأن صوتَها ذا كان الوقودَ لانفعالاتهِ حتى تظهر، كانت سرعته في بادئِ الأمرِ صدمةً لها وتأكيدًا على أنه لازال حتى الآن غاضب، لكنّها سرعان ما تنفست بسرعةٍ وهي تنظر للطريقِ محاولةً الوثبَ فوق سياجِ فقدان السيطرةِ وهدم الإصتدام بها، ولم تكَد تثبّط اضطرابها حتى شعرت بهِ يتوقّف فجأةً ما إن ابتعدا قليلًا عن الحي الذي تسكن فيه عائلته لينتفض جسدُها للأمام وتصتدمَ جبهتها بمقدمة السيارةِ متأوهةً بقوةِ الألم الذي انتشر في رأسها.
سلطان بصوتٍ انبعث كالسيفِ الذي حطّم غمده : انزلـــي


،


توقفت السيارةُ أمام المطار، نزل السائقُ ليفتح بابهُ ومن ثمّ اتجه للحقائبِ ليُنزلها، تحرّك تميم بابتسامةٍ مُنتشية وهو يمشي متجهًا لبوابةِ المطار، بينما رأسه يرتفعُ بالغرورِ الذي يظهرُ على نظراتهِ ونبرته في أغلب الأحيان، بل في كُل وقتِه.
هتف بأمرٍ للسائق وهو يستدير إليه هاتفًا لهُ بإنجليزيةٍ حازمة : أسرع
أومأ لهُ السائقُ بطاعةٍ وهو يتعجل قليلًا خلفه، بينما أكمل تميم طريقهُ وروما وآثارها وهوايته وعشقهُ ينتظرونه، اتسعت ابتسامته وهو يتذكر أنه قد زارها آخر مرةٍ قبل خمسِ سنينَ تقريبًا، كلّ الشغف الآن يؤدي إلى روما، إلى الإنشطارِ قليلًا عن بروكسيل وبلجيكا برمّتها.
اصتدمَ بكتفِ أحدهم وهو يمشي باستقامةٍ دون أن يحيد وبتعمد! فليس هو من يغيّر طريقهُ لكونِ شخصٍ يقف أمامه ، استدار إليه الشاب الآخر وهو يعقدُ حاجبيه : ألا ترى أمامك؟
توقف تميم فجأةً وهو يُدير رأسه إليْه فقط دون كامل جسده : اوووه أتتحدث الفرنسية؟ * أكمل بالهولندية متعمدًا مستهترًا بِه * ظننتك عربيًا نجس ، لذا لم أرَك .. ولستُ آسف!
تفاجئ الآخر بادئ الأمر والأحرى أن يُعبّر عنه بـ " صُدم " لكنه سرعان ما ابتسم بسخريةٍ بعد نظرتهِ المُتفاجئة وهو يُخفضُ رأسه قليلًا وقبعةُ معطفهِ تُغطي رأسه ، " تميم "!!! ، يا للصدفة! يا للصدفةِ التي وضعتهُ أمامه .. واقعيًا، هاهو تميم أمامه بلحمهِ ودمه!
رفعَ رأسهُ إليْه وابتسامتهُ تتلوى بتحدي سطعَ فجأةً على ملامحه ، ليهتف بالألمانية : الفرنسية ، والهولندية ، والألمانية أيضًا ... أجيد جميعَ لُغاتِ بلجيكا الرسمية
ابتسم تميم وهو يرفعُ إحدى حاجبيه بمتعة ، إذا لم يكُن مُخطئـًا فهذا هو " بـدر "، وكيف يُخطئه؟ من الواضح أنّ كتابهُ كُتب لهُ فيه المتعة هذا اليوم ، هاهو بدر الذي لم يرهُ إلا في الصورِ ويستحيل أن يُخطئـه حتى وإن كانت المرة الأولى التي يراهُ فيها واقعيًا.
ردّ بالفرنسية وملامحه تتفجّر بابتسامته الخبيثة : جميييل! كم هذا مُمتع!
اتسعت عينا بدر بكرهٍ حقيقيٍ له، وملامحهُ تشتدُّ وتتشنجُ باستقبال أذنيه لصوتِه الكريه، ما أبغضه! ما أقبحهُ من كائنٍ هذا الذي وقعَ على الأرضِ ودَبَّ عليها في هيئةِ إنسانٍ وهو أبعد عن ذلك ..... هو ابن عائلةِ " الرازن ".
تصاعدَ اهتزاز هاتف بدر في جيبه وعقلهُ غابَ عن هذا الإهتزاز، بينما تحرّك تميم خطوةً وهو يبتسم ساخرًا قبل أن يتوقّف ويعود تلك الخطوةِ للخلف واقفًا أمامهُ من جديدٍ وهذه المرةِ مُستديرًا إليْه، وقبل أن ينتبهَ بدر كانت يدُ تميم تمتد إلى جيبِ معطفهِ ليُريح كفّهُ فوقهُ من الخارج دون أن يُدخل يده، ليهتف بمكرٍ بلغتهِ الأم : رد على جوالك . . يا بطل! أكيد الحين رئيسك يناديك
ضحكَ بقوةٍ وهو يتحرك مُكملًا طريقهُ بينما عينا بدر اتسعت بغضبٍ ناريٍ غلّف زوايا عينيه السوداوتين، كسوادِ شعورهِ تجاهه ، كرغبته السوداءُ في قتله!
قدماه تمنيتا اللحاقَ به، لكنّه استنشق الأكسجين يمدُّ أعصابهُ الحركية بالصبرِ وكتفيه يرتفعان وينخفضان بانفعال أنفاسه، أخرج هاتفهُ من جيبِه ليردّ على من يُدرك تمامًا من هو ولمَ يتصل في هذا الوقت : وش الأوامر؟ أكيد شايف اللي صار
عبدالله بحزمٍ عملي : ......

.

.

.

انــتــهــى

اليوم تفننت في القفلات والا :$؟ ترى ناويـة إن بقية البارتات تكون قفلاتها جامدة يمكن تأدبكم هالقفلات وتحرّك رغبتهم في التعليق -_-
عمومًا نجي لموضوعنا الأهم ؛ طبعًا جاء رمضان شهر الطاعة والعبادات ، وأنا واعدتكم من قبل لا افتح الروايـة إني ماراح أقفلها أو أوقف برمضان وهذا اللي راح يصير ... لكن الموعد لازم يتغيّر ويتقلص عدد البارتات الأسبوعية :( يعني زين مني احصل وقت برمضان بس أحاول ما أوقف مثل ما وعدتكم وبنزل اقل شيء اربع بارتات برمضان ، + ما يمنع من الهدايا إذا قدرت طبعًا - مُش أكيد -
طبعًا لا تخافون البارت ماراح يكون الخميس ، -> عارفتكم تعقدتوا من هاليوم
وبما أن اليوم الثلاثاء فماودي يجي اكثر من أسبوع بدون ما أنزل لذلك الموعد راح يكون كل - ثلاثاء - ، تمام؟



ودمتم بخير / كَيــدْ !


لست أدرى 16-06-15 09:22 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
لا بقولك ايه يا هانم !!!! كله ولا القفلات ... اتقى الله فينا فى رمضان


على كل .. كل عام وأنتِ إلى الله أقرب يا قمر


آخد نفسى بس واستوعب الدنيا كده وبعدين ارجعلك بتعليق ان شاء الله

لست أدرى 16-06-15 09:52 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
بسم الله نبدأ ...


ابتدى بمين ؟؟؟ على كلٍ هما نقطتين بس اللى هعلق عليهم على ما اعتقد


أولا سلطان وغزل ... اعترف انى أول مرة اعرف بالحكم ده .. لأنى اصلا كنت فاكره انى قرأت انه تارك الصلاة كسلا عنها أو عصيانا لكنه لا ينكر وجوبها فده كفر لا يخرجه عن الملة .. لكن لما شفت كلامك ورجعت دورت اكتشفت انه الاغلبية على انه كافر خارج عن الملة .. وبالتالى زى ماقلتى انه زواجهم باطل للسبب ده .. لكن كمان اللى لقيته انه حتى لو تابت ورجعت تصلى فواجب تجديد عقد النكاح !!!


النقطة التانية بقى ... الشخصيات الجديدة .. هى جديدة صح ؟؟؟؟ عادى أصل مخى ممكن يكون مش مركز اوى ومش فاكره ان كانوا مروا علينا قبل ولا لأ


الأخ بدر ... فقد زوجته فى مأساة ليست بهينة ونتيجة غدر من أحد قريب منه !!! طيب هل المهمة اللى هو فيها ليها علاقة بعائلة الرازن دى ؟؟

عايزه اربط النقاط ببعضها ... أحمد بيدور على ملف " مؤسسة الرازن " عند سلطان .. وتميم من عائلة الرازن .. وانا مازلت معتقدة انه تميم ليه علاقة باللى بيحصل لسلطان وخصوصا الرسايل اللى بتوصله .

اللى اعتقده انه أحمد وربما سلمان معاه عملوا صفقة مشبوهة مع مؤسسة الرازن دى فى وقت ما ، وتقريبا لما حصلت مشاكل بين سلمان وسلطان ، أحمد دلوقتى خايف انه سلطان يفتح ملف الصفقة ويكتشف الفساد اللى فيه عشان كده عايز يوصله بأى طريقة .. أو عايزه عشان يكمل الصفقة لحسابه !!!
وواضح انه المهمة اللى بدر متوليها فى المانيا دى هى محاولة كشف مؤسسة الرازن واثبات انها متورطة فى شئ ما .. واعتقد انه سلمان فى الجانب ده .. اقصد جانب عبدالله وبدر

بس ده معناه انه العائلة دى متورطة فيما هو اكثر من مجرد صفقات مشبوهة .. لأنه غالبا زوجة بدر اتقتلت كنوع من التهديد لبدر عشان يبعد عن طريقهم !!! ودلوقتى كانوا مستعدين يقتلوا سلطان !!! بس هل ياترى تميم واعى لكل اللى بيحصل ده ولا هو متورط بدون علمه ؟؟؟ مع انه يبدو لى انه جده مشيله الشغل كله ، يعنى اكيد مافيش حاجه هتحصل بدون علمه ابدا .

خسارة لو تميم طلع كده فعلا ... انا كنت هحبه وعماله اخطط هل هيبقى مع جنان ولا ارجوان !!! بس هو اساسا قفلنى منه البارت ده .. ايه ياخويا انت .. ماشى ولا كأنه فيه أحد زيك على الارض .. ناقص يقول " يا أرض انهدى ماعليكى قدى " !!! لا وكمان بيقول " ظننتك عربى نجس " ؟؟؟ نعم نعم نعم !!!! ده على اساس انه سيادتك ايه ان شاء الله ؟؟؟ احنا اللى مانتشرفش بانتماءك لينا يا بابا ...


بس خلاص انا هخرج بقى قبل ما شرشحه اكتر ما كده .

كَيــدْ 16-06-15 09:55 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لست أدرى (المشاركة 3541065)
لا بقولك ايه يا هانم !!!! كله ولا القفلات ... اتقى الله فينا فى رمضان


على كل .. كل عام وأنتِ إلى الله أقرب يا قمر


آخد نفسى بس واستوعب الدنيا كده وبعدين ارجعلك بتعليق ان شاء الله



هههههههههههههههههههههه دا أنا بحبك لما تاخدي نفس بالأول :$ وبحب القفلات :$$

وأنتِ بألف خير يا الغالية وينعاد علينا بالخير والبركة :/ ما حطيت تهنئة مع البارت نسيت :(((
ان شاء الله بكره بحط تهنئة خاصة ما دخلت الحين الا عشان ارد عليك ()

لست أدرى 16-06-15 09:58 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كَيــدْ (المشاركة 3541078)




هههههههههههههههههههههه دا أنا بحبك لما تاخدي نفس بالأول :$ وبحب القفلات :$$

وأنتِ بألف خير يا الغالية وينعاد علينا بالخير والبركة :/ ما حطيت تهنئة مع البارت نسيت :(((
ان شاء الله بكره بحط تهنئة خاصة ما دخلت الحين الا عشان ارد عليك ()



تسلميلى يا عسل

طيب انا حطيت ردى فوقك علطول لو ماكنتيش لاحظتى

ضَّيْم 17-06-15 09:06 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 

أهنيكِ على القفلة كيد :jhvcdf:
منتظرينكِ على نار...

كَيــدْ 17-06-15 05:40 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لست أدرى (المشاركة 3541080)
تسلميلى يا عسل

طيب انا حطيت ردى فوقك علطول لو ماكنتيش لاحظتى



الله يسلمك
أيوا شفته يا جميلة وجيت أبي أقيمك عليه بس عيا :(
عمومًا برجع لتعليقاتِك بإذن الله ()

كَيــدْ 17-06-15 09:59 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :$
مساء الخير على الجميع ()

رمضانكم مبارك وينعاد عليكم بالصحة والعافية والسرور :$$
الله يجعله شهر غفران ورحمة ويدخل فيه السرور على جميع المُسلمين
لا تنسون دعواتكم لأخواننا المُستضعفين في كل مكان


اذكروني بدعوة واللي رايحة منكم لمكة لا تنساني




fadi azar 17-06-15 10:43 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
مشكورة على الفصل

لست أدرى 17-06-15 11:57 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كَيــدْ (المشاركة 3541233)
الله يسلمك
أيوا شفته يا جميلة وجيت أبي أقيمك عليه بس عيا :(
عمومًا برجع لتعليقاتِك بإذن الله ()


أها .. تقريبا طالما عملتى شكر يبقى مش ينفع تقييم ... وحتى لو ماكنتيش عملتى شكر عليه بس طالما عملتيلى شكر فى اى مكان تانى يبقى لازم يمر فترة " تقريبا حوالى 24 ساعة مش متأكدة " عشان تقدرى تعملي تقييم ..

كَيــدْ 20-06-15 06:11 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :$
صباح الخير على الجميع ()

حبينا نكرر المتعة السابقة بسؤال وإرسال جزئية
طبعًا حطيتها بالسناب وقلت لازم احطها هنا بعَد إنصافًا لكل المتابعين.
الصورة اللي تحت فيها عبارة عليكم تعرفون مين قالها بالضبط، طبعًا المحاولات 3 مرات فقط وثلاث مرات كثيرة فراح تعرفون وكلكم إن شاء الله راح تفوزون بالجزئية. والهدية راح تكون جزئية خاصة بسلطان وغزل.
أرسلوا أجوبتكم في الكِك أو تويتر أو بالرسائل الخاصة هنا، واللي وده بإرسال الجواب بالآسك يحط اسمه او رمز خاص فيه وبرد عليه بسؤال منفرد. واللي يجاوب صح يختار الطريقة اللي أرسل عن طريقها الجزئية له. المنتدى أو الإيميل أو الكِك.
يلا انطلقوا ❤️


http://cdn.top4top.net/i_985acec4cb0.jpg



وعود الايام 23-06-15 12:37 AM

هاى كيد كيفك ؟ كل عام وانتى وجميع المتابعين بخير
انا بصراحه كنت متابعه وراء الكواليس ومفكرتش اسجل بس مع تطور الاحداث والاكشن الى حصل ده اضطريت رغما عن انفى انى اسجل علشان ابدى رايئ

اول حاجه انا بهنيكى جدا على طريقه سردك للاحداث والمشاعر بجد بجد ابداع منك

تانى حاجه انا عايزه اجاوب على السؤال وهو (اسيل الى شاهين) عندى ثقه زايده شويه بعيد عنك
اما تالت حاجه فانا بصراحه متلغبطه اوى وخصوصا بعد ظهور بدر وتميم لان الاحداث بدأت بالتشابك فانا عندى احتمال وهو
(ان سلمان لما كان بيشتغل لوحده من 15سنة كان هيشتغل مع شركة الرزان لانك قولتى انها برا المملكه ولما حاول ياخد الفلوس وفهد مسكه قتله وخد الفلوس بس مكملش المشروع ودلوقتى اوراق المشروع مع سلطان من غير ما هو يعرف اهميه الاوراق الى مهاه فسلمان بيقول لاحمد انه يهدد غزل علشان تبحث عن الاوراق علشان يقدروا يتموا الصفقة)
على العموم الاحداث جايه وهنعرف واحنا منتظرينك على أحر من الجمر
)

ليل الشتاء 23-06-15 12:59 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اظن انه من ديمه لسيف

ليل الشتاء 23-06-15 03:58 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
المقطع جميل وروغه صراحه كنت عايزه البارت كله(فيس طماع)
متي البارت ؟

وعود الايام 23-06-15 04:31 PM

متى بينزل البارت الجديد؟؟؟؟؟
انا منتظره على احر من الجمر :-)

طُعُوْن 23-06-15 11:32 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف خير وعافية

بسم الله نبدأ
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات



(37)






سيف : قد نظراتك؟
لوَت ديما فمها بحنقٍ وهي تُثبّت نظراتها ذاتها المُنتشية بالتمردِ على عينيه الحادتين، تُحاول بكل جهدٍ إخفاءَ توترها وخوفها منه الذي يظهر رغمًا عنها على زوايا عينيها.
أردف سيف بغضب : منتِ صاحية اليوم ، زين مني صابر عليك من بداية الصبح
شتت ديما نظراتها التي ضعفَت بكلماته وهي تعضّ شفتها السُفلى بوجَع، والذي صبر ثلاث سنين، ماذا يُسمى؟ بالتأكيد تخطّى حدود الصبرِ واستحق الجنة دونَ حساب، فمَن تصبّرَت على رجلٍ مثلك ستكون تشرّبت صبر العالمين. بللت شفتيها قبل أن تبتسم بسخرية : أنت خذيت صبر يتحمل يوم وأقل ، وأنا خذيت صبر أيوب
سيف يغمض عينيه ويزفر بقلّة صبر : يا ليييييل القلق!
تحرّكت ديما بغضبٍ تنوي الخروج من الغرفة وهي تهتف بقَهر : أنت أكبر قلق
هتفَ سيْف بحزمٍ يُسكن حركتها : اسمعي اللي بقوله
توقفت ديما وهي تُدير ظهرها نحوه وأسنانها العُلوية تعض شفتها السُفلى بعبرةٍ تخنقها، أكمل سيف بأمر : علم يوصلك ويتعداك ، هذي آخر مرة تتجرأين وتحشرين خشمك بشيء يتعلق بزياد
ازدادت قوّة وطئهـا على شفتها حتى شعرت بالألم ينتشرُ في شكل احمرارٍ غطّى شفتها السُفلى دون العُليا، إذن أنت من الجهةِ الأخرى لن " تحشر خشمك " فيما أخفيه عنك لهذهِ الفترة، وكم أشعر بالشغف الآن لأستدير وأخبرك بكل القهر في داخلي أنني أحمل طفلك ، - دون علمك -!
كبحَت غضبها وقهرها كي لا تتهور، ولسانها الذي ينتظر الإنطلاق عكَفتهُ وهي تُتابع تحرّكها حتى وصلت إلى الباب دون أن ترد ، ومن ثمّ خرجت.
زفَر سيف بقهرٍ وهو يرفعُ كفّه اليُمنى ويمسح على ملامحه، يشعر أن الحرَّ يغزو جسده بالرغم من كونِ التكييف على أقصاه، لذا انخفضت كفّه إلى أزرّة قميصه ليفتح العلويْن منها وهو يشدّ على شفتيه ، ماهذا التغير الذي حدث بها؟ ماهذا التغير؟!!


،


استنشق الأكسجين يمدُّ أعصابهُ الحركية بالصبرِ وكتفيه يرتفعان وينخفضان بانفعال أنفاسه، أخرج هاتفهُ من جيبِه ليردّ على من يُدرك تمامًا من هو ولمَ يتصل في هذا الوقت : وش الأوامر؟ أكيد شايف اللي صار
عبدالله بحزمٍ عملي : لا تسوي شيء ، سامع! لا تسوي أي شيء يا بَدر
احمرّت عينا بدر تلقائيًا وقلبه انقبض ما إن سمعَ أمر عبدالله الذي أغضبهُ وكان عكس ما ابتغاه، لذا هتف بحدة : لا وش ما أسوي شيء؟ أنت مستوعب اللي تقُوله؟ تميم قدامنا قدااااامنا
تنفس عبدالله بهدوءٍ وهو يحاول تثبيطَ صوتِه والتحدث برويةٍ أكبر : اسمعني يا بَدر ، تحرّك وأرجع لأهلك من غير كلمة وحدة غبية من فمك الغبي!
بَدر باعتراض : بس
قاطعه عبدالله بغضب : ابلَع لسانك وتحرّك أنت ما تفهم؟
شكّ بَدر بالوضع ليبلل شفتيه قبل أن يهمس باستفسار : مراقب؟
عبدالله بغضب : شرايك؟ * صرخَ دون أن يستطيع السيطرة على أعصابه * الله يمحق تفكيرك الغبي ذا انقلع لبيتك لا بارك الله فيك
زفَر بَدر بغضبٍ وهو يشتم كل ماهو متعلقٌ بتميم وعائلتـه، تحرّك مبتعدًا عن المطار الذي وقف أمامهُ لدقائقَ قبل أن يُكمل طريقهُ إلى عشّ سكنه، وقفَ أمامهُ ككل يومٍ تُداعبهُ الذكرى بخشونةٍ وتحشر أساها في جوفِه، يتذكر يومَ خرج من المطارِ وأنامله متشابكةٌ بأناملها، امه تحمل أخاه الصغير الذي كان وقتها في السنةِ الثانية، وأخته ذات العشرون عامًا تشاكسُه وتحاول خلع تشابكِ أنامله بها، ووالده من الجهةِ الأخرى يضحك بنبرةٍ تنتشر مع النسيم ولا تبور ... ابتسم بألم ، كم مر على تلك الذكرى؟ أربعةُ سنين؟ وكل عامٍ كسنةٍ ضوئية! فقدهم بعد خمسةِ أشهرٍ فقط، أباه، والدته، وماءُ عينيْه ، فقدهم والسنينُ تجري على جبينه ساقطةً على كتفيه لتُثقل كاهله.
تحرّك وهو يبتلع غصّته المتحجرةَ في حنجرته : ما أظللهم؟
عبدالله : تظللهم على أيش؟ على مكان سكنك اللي عارفينه من زمان بسبب غباءك؟
شدّ على أسنانهِ وهو يُغمض عينيه بقوة، وبكبت : متأكد؟
عبدالله : أيه ، ملاحظين مراقبة عليك
أغلق الهاتف ووجهه يتشنّج بتماوج الغضبِ والخشيةِ فيه، دسّه في جيبه وهو يُكمل طريقه بهرولةٍ وقلبهُ ينتفض بالغصب وبخوفِه، انتقل من الهرولةِ والركض ولسانهُ ينتفض بسبابٍ عميقٍ لكل ماهو متعلقٌ بهم .. تبًا وسحقًا لكم، إن أصاب عائلتي شيئًا فلن أرحمكم ، واللهِ لن أرحمكم.


،


خلف ستارِ الليل الذي يتخلخله نور الطريق ، تراجعت للخلف ورأسها يصرُخُ بألمه بعد اصتدامها ذاك الذي نسيت ألمه ما إن سمعت ما قال، نظَرت إليه ببهوتٍ بعد كلمتهِ تلك ، لم تستوعب في بادئ الأمر وبقيَت تتطلع في ملامحه التي تُعتم خلف ظلام الليل ولا تُنيرها سوى مصابيح الطريق وضوءُ السيارةِ الأمامي، بينما ملامحه تلك كانت تتجه للأمام، لم يستدِر إليها وفراغُ صدرها امتلأ بصوتِ نبضاتها التي تضاعف اضطرابُها ... " انـزلـي "!! ما معنى ذلك؟ ما الذي يقصده بهذا الأمر المُبهم؟ شتت عيناها وهي تستنشق الأكسجين حادًا يجرحُ حُنجرتها ويعبر معبرَ الطعامِ لا الهواءِ لتختنق ولا يُسعفها مُسعف. ارتعشت شفتاها وهي تهمس بتوتر : ش شلون؟
سلطانٍ بحدةٍ يُغمض عيناه ويشدُّ بكفيه على المقود : قلت لك أنزلي . . اركبي ورى
فغَرت شفتيها باستنكارٍ لأمره، كل هذا لما حدث في الظهيرة؟ لأنها لعنته؟ بينما بقيت النارُ تشتعل وتشتدُّ في جوفِ سُلطان وهو يتخيل أن زواجهما كان خطأً وهو يعيشُ معها في ذاتِ المكانِ ويُمسك يدها! أي يُلامسها! عضّ شفتهُ والنارُ تستعر، في مسيرةِ حياتِـه حدث الكثيرُ مما لم يتوقع، أولًا عمه، ومن ثم زواجه الغريب، والآن بكل بساطةٍ يكتشف أن زواجه باطلٌ وأنه لابد من الإنفصال ، لكن كيف يأتِي الإنفصال بهذه السهولة يا الله؟ ، اغفرلي! اغفرلي لذنبٍ لم أفعله وفعلته هي غاسلةً صدرها مِنك، غاسلةً صدرها من النعيمِ ولذتِه، كيف عساهُ الإنسان أن يهوّن ابتعاده عنك وأنت أرحم الراحمين؟ كيف عساهُ يتلذذُ في نومه وقد نسيَ ذكرك ولو بـ " سبحانه "، سبحانك يا الله ما أعظمك! كل الحزن وكل السقوط في عينيها لم يكُن إلا لابتعادها عنك ولو أنها اقتربت ما سقطت، لو أنها عرفتك بصلاةٍ أو قرآن وذكرٍ لسكن فؤادها الراحة لكنها انحلّت عن أمرك وتجاهلت ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاءِ والمنكر ) ، وكان لسانها مُنكر!
هتف بحدةٍ حين بقيت في مكانها ولم تتحرك : انـــزلي لابارك الله في عدوينك
انتفضت يدها لكنّ شعورَ الإهانةِ الذي أصابها لأمرهِ جعل لسانها ينطلق : ليه طيب؟
سلطان بقلّة صبر : أنتِ أدرى بسواياك ، انزلي تراها قافلة معي
غزل بقهرٍ تقوّس شفتاها وشعور الإهانةِ يهزم تفكيرها : وأنا شذنبي إذا كانت قافلة معك؟ ، عشاني لعنتك؟ أجل الله يلعنك ستين مرة
فتحت البابَ بقهرٍ في حين استشاطَ غضبًا وكاد يمدّ يدهُ ليُمسك زندها ويمنعها من النزول صارخًا في وجهها لكنّه تراجع حين تذكّر أنه لا يحق له لمسها، نزلَت من السيارةِ وهي تهتف بقهر : تحسبني ميتة على هالجلسة جنبك ، الله يلعنك ستين وستين أنتَ وهالسيارة عساها تلحق اللي قبلها
زمّ شفتيه وللحظةٍ كاد ينزل ويهشّم معصمها في قبضته، لكنّه تعوّذ من الشيطانِ ونظر لمقودِ السيارةِ التي استأجرها لحين تصليح السيارة ، بينما عيناه تشتعل فيها النيرانُ لتُحيل نظرتهُ إلى رماد.
غزل تبتعد عن السيارةِ قليلًا وتقف متجمدةً في مكانها تعضّ شفتها السُفلى بغيظ ، ليهتف سلطان بحدة : يلا اركبي
ازدردت ريقها بعبرةٍ قبل أن تهتف بعناد : ورى؟ ما أبي ، لا قدام ولا ورى ما أبي أكون معك أصلًا
سلطان بحدة : غزل اركبي
غزل بعنادٍ أكبر تحاول إطفاء قهرها به : لا ، مو أنت نزلتني بكيفك؟ أجل أنا بكمل طريقي مشي .. وبكيفي
سلطان بهمس : لا حول ولا قوة إلا بالله * أدار رأسه بغضبٍ إليها ليصرخ بتهديد * والله والله إن ما ركبتي بيصير اليوم علوم وبخليك تنسين العناد وطوايفه ، واتقي شر الحليم إذا غضب
أتقول أنها ليست خائفة؟ بلى والله تشعر أن أطرافها باتت هشّةً من شدةِ ارتعاشها، أن مركزَ بصرها باتَ هشيمًا من نظراتِه الحادة التي اخترقتها بعنف، أن أسنانها ستتحطم لا محالةَ وهي تشدّ عليْها تحاول إثباط عزيمة ارتعاشها.
كرر سلطان كلامه بخفوتٍ وهو يركز بنظراتهِ الغاضبةِ عليها ، ومن بين أسنانه : اتقي شر الحليم إذا غضب ، اركبي دام النفس عليك طيبة
بللت شفتيها وهي تُنزل نظرها للأسفل بضعف، وقدماها تحركتا دون إرادةٍ منها في حين هزمها الخوفُ ودفعها للطاعة، وكم أن قهرها الآن جعلها تتمنى لو تتجاهل، لكنّها دون إرادةٍ منها تخضع! كعادتها دائمًا تخضع! . . لمَ ذلك؟ لتوها البارحةُ قررت أنّها ستغسلُ نفسها بالثقةِ به، وأنّه رجلٌ لن يتكرر، وأن اختلافهُ استثنائي! والآن لأنها لعنتهُ فقط أخرج من داخله الرجل القاسي، الذي بكل بساطةٍ أمرها بالنزول من سيارتِه، لتصعَد مرةً ثانيةً كيفما يُريد ، لكن بالرغم من كل ذلك ، من قهرها وغضبها لما فعل .. لازالت تثقُ بأنّه بالفعل استثنائي! وأن ماهو عليه الآن لسببٍ ما قوي، ربما يكون غيرَ اللعن.
أغلقت البابَ وهي تزمُّ شفتيها المُرتعشتين، تشدّ قبضتيها على عباءتها بينما تحرك هو بسرعةٍ ونظرهُ الحاد يتجه للأمام زافرًا كل السكُون في داخله ليستقرّ الجنُون فيه.
ارتخَت قبضتا غزل فجأة، وعيناها اتسعتا دون سابقِ إنذارٍ بخوفٍ جسيمٍ استحلّ زوايـا عينيها ، أيعقل أن يكُون علِم بمخطط والدها وأنها تساعده؟؟! تنفست بحشرجةٍ وعيناها المُتسعتان تتجهان للأسفل، غيرُ ممكن! هل علم! هل علم أنها ما تزوجته إلا لمخطط والدها في المقام الأول؟؟ . . ابتلعت ريقها الذي تحوّل فجأةً لمعدنٍ مُذابٍ أذابَ كل أعضائها الداخلية، وكفاها أصبحتا ترتعشانِ بخوف، بينما طالَ الوقتُ والسيارةُ تتحرك دون أن تقف، بسرعةٍ جنونيةٍ بعض الشيءِ وشعُورها يتماوجُ ما بين الخوفِ منه وما بين خوفها من والدها، ما الذي سيفعلهُ سلطان بها الآن؟ وما الذي سيفعلهُ والدها بها ما إن يعلمُ بفشلها؟ سيقتلانها! سيقتلانها مرتين ثمّ يرميانها في غيابتِ الجُب لتنتهي متهدلةً لا يلتقطها أي سيَارة!
شعرَت بتوقف السيارة، لتجد صعوبةً في رفعِ رأسها وتنظر أين وصلوا، لكنها رفعته في النهايـة لتُصدمَ بكونهم الآن في طريقٍ شبهِ خالي خارج الرياض، في طريقِ الشرقيةِ تحديدًا والسياراتُ تعبرُ منفردةً وكل عبورٍ يسبقهُ عبورٌ آخر بفارقٍ زمني ليس بقليل ، أي أنهم وحدهم تقريبًا. هل سيقتلها هنا؟؟!


،


سكون! ، زارهم لأكثَر من شهر، لم يعد بيتهم هوَ بيتهم، ولا عائلتها هم عائلتها، وكأن ستارَ التجانسِ سُدلَ فجأةً وانتهت مسرحيةُ الحيـاة العائليةِ الرائعة، انتهت فقرةُ الحيـاة وبدأت فقرةُ الركود الذي لا يضحكُ فيها أيٌ من الجمهور ، كانت مسرحيةً وانتهت! مسرحيةً كُتبت بأيدٍ تعشق النهايـاتِ الحزينة، تعشق النهاياةِ الراكدةِ كبحيرةٍ لا تجري ولا يتجدد ماؤهـا ، بحيرةٌ ملوثة!
زفَرت بضيقٍ وهي تنظر لياسِر الذي يجلس بجانب والدتِه يُحدثها بهمسٍ عن شيءٍ مـا، بالتأكيد لن يكُون إلا ماحدث البارحة واختفاء إلين فجأةً لتظهر مع والدها فجأة وتتقوقع كعادتها في غرفتها.
هتفت بنبرةٍ حاولت إشباعها بالمرح : لا يتناجى اثنان دون ثالث ، وش تقولون هاه؟ وش تقولون وأنا متروسة جنبكم مثل النعجة مالي نصيب من السوالف؟!
اعتدل ياسر في جلستِه وهو ينظر إليها بملامحَ جامدةً يُغادر منها المـرح : روحي غرفتك
هديل قطّبت جبينها بتفاجئٍ من أمره هذا واستنكارٍ لنبرتـِه الجافة : أروح غرفتي؟ ليه؟
ياسر بجمود : روحي غرفتك وأنتِ ساكتة أبي أحكي مع امي
تضايقت من أسلوبه الجاف معها وأمره الغير مبرر، بينما وجهت نظرها قليلًا إلى أمها لتراها تنظر إلى حُجرها بصمتٍ دون أن تتدخل ، لذا هتفت بقَهر : احكي معها أنا ما منعتك
ياسر بحدة : هدييييييل
عضت شفتها وكفاها ارتعشتا قليلًا، نهضت بقهرٍ وبعنفٍ لتتجه نحو الدرجِ وهي تشتم بداخلها كل ماهو متعلقٌ بما يُريد ياسر قوله لأمها وعلى إثر ذلك تحدّث معها بهذه الفظاظة وبهذا الجفاف.
عبرت الممر المؤدي إلى غرفتها، لكنها وقفت فجأةً في النصف مابين غرفتها وغرفة إلين وهي تعقد حاجبيها بحيرة، إليـن، بالفعل أين ذهبَت البارحة؟ اختفت فجأةً وظهرت فجأةً دونَ أن تفسر شيئـًا وبمزاجٍ لا تعلم أين مُنتهاه، لم تتحدث مع أحد وصعدت مباشرةً إلى غرفتها، إلى عرينها المُظلم تنوحُ كأسدٍ جريح . . من وجهةِ نظرها هي ، ذابَت ملوحةُ الحياة كلها في جوفِها وتدرك كم أن حزنها الآن عميق لأنها وضَعت في عقلها أنها أكثر خلق الله حزنًا، لكن أكُل هذا الحزن والملوحة لما فعلته أمها؟ لمَ تبالغ؟ كانت ترى أن إلين المُتمسكة بحبل الله أشد قوة، ولكنها لشيءٍ وإن لم يكن تافه - الا أنه لا يستحق هذا الحزن - سقطت وأثبتت لعينيها أنّها أضعف مما تصوّرت، أضعف من أن تتحمل ماهو أكبر.
تحرّكت دون شعورٍ إلى غرفةِ إلين، لا تدري إن كانت أكلت اليوم أم تركت الطعام يجفُّ على الطاولةِ ويذبل كذبولها، فهي قد جاءتها في فترة الأفطار ووضعت لها صحنًا مما لذ وطاب، وكان ذلك بعد محاولاتٍ جما في أن تفتح باب غرفتها، ولكنها حين عادت بالغداءِ وجدت الإفطار كما هو، الخُبز جفَّ والحليب الساخن أصبحَ باردًا يُنافس برودة غرفتها.
وقفت أمام الباب للحظةٍ دون أن ترفع يدها وتطرق، تنظر للباب الخشبي الأبيض وكأن عيناها تخترقانهِ وترى عبر ذلك إلين وهي مستلقيةٌ على فراشها تتطلع بالسقفِ بحزنٍ تُحادث السماء، تُرسل إليها رسالاتها الحزينة، تتحرى خيطَ الإستجابة لتدعو بالخلاص!
رفَعت يدها وطرَقت الباب بخفة، وانتظرت قليلًا دون أن تُزيد في الطرق، قليلًا تحول إلى نصفِ دقيقة، ومن ثم دقيقة .. عاودت الطرق من جديدٍ وهي تبلل شفتيها وتفكر في أنّه بالرغم من كونها عاتبةٌ وناقمةٌ لما حدث بين والديها بسبب إلين إلا أنها لا تستطيع أن تقسو عليها زمنًا طويلًا، فهما أختيْن ترعرعتا معًا منذ الطفولـة.
عاودت الضرب للمرة الثالثة حين لم تُجِب إلين، ومن ثمّ رابعةً وخامسة لتهتف بانزعاج : إلين هذا أنا وراه ما تفتحين لي؟
لم تسمع ردًا منها، لتُردف : هذي آخرتها تتكبرين؟ تدرين إنك سامجة!!
انتظرت قليلًا وهي تحاول استفزازها لتفتح، وكان لها ذلك! إذ خرجت إلين من قوقعتها ونهضت من سريرها باتجاه الباب لتفتحهُ بملامحَ شاحبةٍ يـغادرها الحياة.
نظرَت هديل إلى ملامحها للحظةٍ وشفتاها تنفرجان، تبحث عن إلين الحيويةِ ولا تجدها، ضاعَت إلين بينَ سلبيةِ من أمامها حين ضعُفت وهزمها الشيطان في لحظةِ غفلةٍ منها ... لو أنها كانت أقوى وأشد تعلقًا بالله حتى الرمقِ الأخير لما رأتها الآن مُنكسرةً جافةً من الحياة.
همست إلين بفتور : أيش عندك؟
تحركت حدقتا هديل إلى الطاولـةِ التي وضعت عليها الغداء لتُصدم بأنه لازال كما هو ولم يُمس! دفعتها لتدخل وهي تنظر للطعامِ بحاجبين منعقدين ونظرةٍ حانقـة، يبدو أن الغداء سيتبع الفطور وسيعود إلى المطبخ!
كانت قد وصلت إلى منتصفِ الغرفـة، استدارت فجأةً إليها وتقاسيم الغضبِ تنحشر في ملامحها : ليه ما تغديتي؟
إلين تستدير وتمسَح على ملامحها هاتفةً دون أن تنظر إليها : ما ودي
هديل : ما ودك؟ كذا بكل بساطة؟ * أردفت بحدة * والفطور نفس الشيء! آخرتها ينرمون بالزبالة من استهتارك بالنعمة اللي غيرك يتمناها
قطّبت إلين جبينها بضيق، وبانزعاجٍ يستقر في نبرتها : هديل واللي يعافيك مالي خلق مناقر ، اتركيني بروحي
هديل تضع كفيها على خصرها وتهتف بحدة : ماني تاركتك لين تقوليلي ، متى بتخلصين من هالدراما اللي عايشتها؟
إلين بضيق : هديييييل
هديل : لا تنادين اسمي على لسانك ... تراك صايرة مقرفة تدرين؟
حركَت إلين رأسها يمينًا ويسارًا بانزعاجٍ ووجهها يتضاعف تقطيبه، بينما أكملت هديل بعتابٍ حاد : غيرك يتمنى الحيـاة اللي تحيينها
رفعت رأسها إليْها وابتسامةٌ فاترةٌ ساخرة على حالها ترتسم بفتورٍ ووجعٍ على وجهها، على التقاسيم التي رسمت بجمالٍ ربانـيٍ وقبّحَها الحُزن واليأس. وبضحكةٍ ساخرة : تتمننين علي بهالحياة؟
زفَرت هديل وهي تغمض عينيها قبل أن تفتحهما وتهتف من بين أسنانها باستنكار وصبرٍ نفد : أنتِ إنسانة مو معقولة!! إذا كنتِ تشوفين نفسك ناقصة لدرجة إنّ أي شيء بقوله راح يكون مقصده أنتِ تحديدًا فبجاريك ... غيرك يتمنى الحيـاة اللي احنا عايشينها * وشددت على " احنا " *
بللت إلين شفتيها الجافتين والباهتتين لتهمس : اللي هو * أردفت بصوتٍ أوضح قليلًا * وبعدين غريبة جايـة غرفتي؟ مو كنتِ تتجاهلين وجودي بالفترة الماضيـة؟
هديل باندفاعٍ تصفعها دون تردد : لأنك كنتِ راح تكونين السبب في خراب هالبيت
عادَت لتبتسم بسخريـة، بأسـى، بحُـزنٍ ووجعٍ يتفنن في تعمّقِ دواخلها، حين تتجانس السخريةُ والحُزن في ابتسامةٍ واحدةٍ وقتها يكون قد بلغ الإنسانُ في حُزنـهِ منتهاه، باتَ ساخرًا على حالٍ وصله ناقض الحال التي كان عليها والتي اندثَرت في ظرفِ ألم.
إلين بألمٍ وهي تركّز بنظراتها على عيني هديل الثابتـة : وليه جايَة عند هاللي كانت بتكون سبب خراب بيتكم؟
هديل : جيت عشان إنسانة اكتشفت انها ضعيفة إيمان ونفس!
تجاهلَت الكلمات الأخيرة التي كان لها وقعٌ خاصٌ في نفسها لتهتف : عشاني؟
هديل : شيء زي كذا ... كنت أشوفك وحدة عاقلَة وعارفة ربها بس اكتشفت انك من جنبها ... وحدة جاحدة وأنانية وكافرة نعمة!
فغَرت شفتيها بصدمةٍ مما قالته في حقها وعيناها اتسعتا دون استيعاب، بينما ارتفع حاجبي هديل ما إن لحظت نظرتها لتُكرر من جديد بتأكيد : أيه كافرة نعمة ، عشان شيء ما أقول عنه تافه جحدتي كل الحيـاة القَبلية اللي أعظم من كل اللي صـار
عضّت إلين شفتيها اللتين اهتزتا وعيناها تتحمّلان بدمعٍ غطّى حناياهما، لا تدركين شيئـًا، لا تدركين كيف أن ما حدَث كان له القدرة على محقِ كل سنيني السابقـة، القمرُ لم يعُد قمرنا، والشمس لم تعد شمسنا، الليل والنهار يغيبان، علِقت الشمسُ في خيطِ المغيبِ ولم تُضئ حياتي المُهملة، أعتم القمر حين لم يعكس نور الشمسِ وسكنْتُ في ظلماتٍ لا أفقهُ فيها دربًا ... لن تشعري بي، لن تعلمي ما الذي زلزل هذه التي تقولين أنها جاحدة! كافرة نعمة! .. أنا لم أكفر بنعمِ الله علي، لكنّ ابتلاءً واحدًا كان له القدرةُ في إسقاطي.
هتفت بحشرجةٍ ورجـاء : ما تعرفين شيء ، أرجوك لا تحكمين
هديل بغضبٍ يرتفع صوتها قليلًا وتحرك يديها هنا وهناك قهرًا : حتى لو ما أعرف شيء ، أنتِ كافرة نعمة! كل السنين اللي فاتت نسيتيها بلحظة ، لا تقولين حزنك أقوى لأنك كذابة ودرامية ومُثيرة للشفقة ... احمدي ربك واشكريه لأن اللي تعتبرينه ولا شيء هذا يُـشكر عليه
إلين باعتراضٍ تُغمض عينيها لتفرَّ دمعةٌ خائنة : ما أبالغ ، صدقيني ما أبالغ بس أنتِ ما تحسين ما تعرفين اللي داخـ ..
قاطعتها هديل بغضبٍ وهي تتقدم إليها : ما يهمني أعرف اللي داخلك لأنه أساسًا ماله وجود! حتى لو صابك شيء أنتِ اللي مضخمته ومخليته فوق النعم اللي ربي منعم فيها عليك ... ماقد جربتي تكونين عايشة في بلد خسر أمانـه، ولا ببلد صابته مجاعة ، ولا جربتي إنه يكون لك ضنا تخسرينه بظلم طاغيـة وحرب أهلية ، ولا تجرعتي كاس الضيم والفقر والحرمان! .. أنتِ مبالغة ، ما جربتي حزن غيرك، ما جربتي حزن الناس اللي حولنا واللي صابرين فوق كل شيء ، فوق كل شيء! فوق كل شيء يا إلين هم متمسكين بربهم ومنتظرين الفرج ... وأنتِ وش؟ لا فقر ولا حرب ولا موت عزيز ومخلية حُزنك الواهي ذا محور الكون
أردفت بصراخٍ غاضبٍ ودمعةٌ تسقط من عينيها : أنتِ أنانية يا إلين ، أنانيـة ومطلعة روحك بصورة حقيرة!
تحركت باتجاه الباب لتدفعها من طريقها وتسقُط إلين جالسةً على الأرضِ وعيناها تتسعان ويُغادرها ماؤها، تجفُّ وحتى دمعها نضب فجأةً! نضبَ حينما راقَت كلمات هديل الصارخة في عقلها لتُفيق مراكزهُ الغائبـة عن الوعي، عن الحيـاة!


،


همسَ لها وهو يغمض عينيْهِ ويستنشق بدل الأكسجينِ عزمًا : بالأول ، وش عرفتي ووش سمعتي؟
بهتَت للحظةٍ وهي تنظر لملامحهِ التي يغيب عنها الحيوية ويرتسم في حناياها الإرهاق، عيناها غادرتها لمعةُ الحياةِ واستقر في مركزها الوجع الذي يقتل الروح رويدًا رويدًا.









يتبـع

طُعُوْن 23-06-15 11:37 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
هل علم؟ هل قرأ معرفتها بالأمر في عينيها كعادتِه في قراءتها؟ إنّه دائمًا ما يكُون كالقلم الذي يرسمها، يُدرك جميعَ تفاصيلها ويدرك حزنها وكدَرها ... هل علِم بالفعل؟
همست بتوتر : شتقصد يبه؟
ناصر بهدوءٍ وهو يفتح عينيه وينظر إليها بذاتِ النظرة التعبَة : أنتِ فاهمتني كويس
جنان بتوترٍ تشتت حدقتيها عنه : ما فهمت
تنهدَ ناصر وهو يُدير رأسه عنها، يوجّهُ عيناه للأعلى بصمتٍ يتغلغل الأفق في اللا وجود، وحدهُ الصمت الذي لا يكُون لهُ دليلٌ ملموس، لكنّ له الصدى الكافي ليرتد في الأنفسِ ويؤرقها.
ناصر بهدوءٍ وهو يغمض عينيه، يغيب عن بياضِ الجدرانِ ولا يترك لعينيه سوى السواد : دارسك ، وحاس بابتعادك ، من فتحت عيني من بعد العملية
هذا السواد ، هذا الظلام ، يتفنن في رسمِ نفسه بعنجهية! هذا السوادُ يختم ذاتهُ على جبينها ويوخز خصرها لتعوجَّ في استقامتها، لتفقدَ سلاسةَ مشيِها ويبيتَ العرَج هو دليل قدومها ، هذا السوادُ يهزمني يا الله! يهزمني ولا أجد البياض الكافي حتى يغيب عني في شكل - ومضة -.
همسَت بحشرجةٍ تحاولُ تكذيب ما فهمته، ما أدركتهُ من غياهبِ نبرتِه : ما فهمت
ناصر يبتسم بأسى دون أن يفتح عينيه : إذا ما عاد عندك ثقة فيني ، بتلاقينها بغيري يا جنان ... كوني زوجة صالحة
فغَرت شفتيها والهواءُ الباردُ يعبر من فمها ليُوخزها ببرودتِه، ليوخزها بالخواءِ الذي احتواه ونقلهُ إلى جوفِها ، ما معنى ذلك؟ هل أدرك كل شيء؟ هل علم بما عكّر صفو حياتِها فجأة؟ وهل حديثهُ الآن يُثبت صحة ما قالهُ هيثم؟ .. لا ، باللهِ عليك لا! أنكر كل كلمةٍ تعلّقت بك، حتى وإن كان إنكاركَ مُختلق، لكنّه كافٍ لدرءِ الحُزن عن قلبي الذي سيصدق أي ما تقول ، فلا تجعل هذا التصديق يصبُّ في غيرِ مصلحتك.
هتفت بألمٍ وهي ترفع كفها وتمسح دمعةً تدحرجت على وجنتها البيضاء : وش معنى هالكلام يا يبه؟ ليه؟ قولي بس ليه هالزواجه؟؟!
ناصر بخفوتٍ مُبهم : لأني ما عدت محل ثقتِك ، طاح كل شيء يا جنان وما أبيك توقفين عند حياة وحدة وتنتهين بالجُرح .. كمليها بطريقة مختلفة ، بطريقة تسعدك أكثر
جنان بجُرحٍ يرتسم في صدرها أعمق من جرحها بالحقيقة : مصدق إني بكون سعيدة معه؟
ناصر : واثق بهالشيء
جنان تتراجع للخلف بألمٍ وهي تقوس شفتاها : ما صبت هالمرة ، ما صبت
استدارت لتتجهَ للبابِ مهرولةً إليه، خرجَت من الغرفةِ لتُقابل فارس في الخارج يجلس على إحدى مقاعد الإنتظار، اقتربت منه لتهتف باختناق : أنا بجلس هنا وأنت ادخل عنده
فارس يعقد حاجبيه باستنكار وهو يرى تعابير وجهها المُمتلئة بالحُزن : وش صار؟
جنان : ولا شيء ، ما صار أي شيء
فارس يشدّ على اسمها بحدة : جنـــان
جنان بألمٍ ودموعها بدأت تسقط : والله ما صار شيء ، أصلًا ما بقى شيء ممكن يصير ، كل شيء صار دفعة وحدة! دفعة وحدة يا فارس
قطّب فارس جبينه ونظراتُه تحنُّ وتفقدُ حدّتها، وبهمس : خلاص ولا يهمك ما صار شيء . . اجلسي هنا وأنا بدخل عنده
أومأت وهي تمسح دموعها عن وجنتيها، ومن ثمّ جلست في المكان الذي كان يجلس فيه فارس بَعد أن نهض، غادَر إلى الداخلِ والوعيُ للواقِع يُغادرها، بينما الماضي وكَان يجيئانها برماديةٍ مُشبعَة، بحرارةٍ مُتّقدة، بألمٍ ووجعٍ يضيءُ مع ظلامهما.

" ما عاش من يكسر كلمتك يا يبه ، بس ليش؟ "
" بدون ليش ، إذا لي خاطر عندك ، لا ترديني في مبتغاي "


،


وصَل إلى شقّتِه التي تحملُ في كنفِها عائلتهُ الباقية، أختُه وأخاه دون أبٍ وأم، دون زوجتِه التي توارت تحت التراب، وقفَ أمام البَاب وهو يلهث بتعبٍ لركضِه طيلة الطريق إلى هنا، يلهث ويشعر أنه يلفط الحياةَ مع أنفاسه الهادرة، كان يحتاجُ لدقيقةٍ ينحني فيها ويسند كفيه على ركبتيه، ينظّم فيها أنفاسه، يركّز في ما حولهُ لكنّه لم يحفل بتلك الدقيقة فهناك ماهو أهم من دقيقةِ الراحةِ تلك. فتحَ الباب في البدايـة ليتأكد إن كان مقفلًا يبثُّ إلى نفسه بعض الأمان أو مفتوحًا ليُصيبه الجنونُ بخوفِه، لكنّه أول ما أدار مقبض الباب وجدهُ مغلقًا، ليرتاح قليلًا، لكن ليست الراحـة الكافية ، ضرب جرس الباب ونسي في هذه اللحظة أنه يحمل نسخةً من المفتاح، ففي مثل هذه اللحظة ينسى الإنسان نفسه، فكيف بمفتاحٍ وهاتف! رنينٌ في جيْبه كان صوتُه يتصاعد، كان عبدالله هو من يتصل لكنّ بَدر تجاهله أو بالأحرى لم يكُن مُدركًا لهذا الرنين، وقد نسي في هذه اللحظة كما المفتاح مسألة كونِ عائلتـه الصغيرة محميةٌ ومُراقبة، فبالتأكيد سيكون الجواب عند عبدالله إلا أن كل ذلك غاب وغابَ معهُ الإدراك.
ضرب الجرس مرارًا ومرارًا دون توقف، ونفسُه المضطرب يزدادُ اضطرابًا وتعثرًا حتى وصلهُ صوت أخته الهاتفةِ باستنكار : مين؟
بَدر بتشدقٍ يهتف وصوتُه غائبُ النبراتِ مُنهكُ الأحرف : أنا ، أنا بَدر
عقَدت حاجبيها لتفتح، وباستفسارٍ هتفت : ومفتاحك وش ....
قاطعها حين تقدّم ليُحيط وجنتيها بإنهاكٍ يزرعُ ذاتهُ في ملامحه، بِراحةٍ غابت خلف غماماتِ الخشيَة من الفقد ، حمدًا لله كثيرًا مباركًا ، حمدًا للهِ أنني لم أفقد المزيد وأن نعَمك يا الله بالرغمِ من فقديَ السابقُ مازالت تغلّفني بهم، خسرتُ ثلاثًا، لكنكَ أنعمت علي باثنانِ لازالا يُضيئان القليل من ظلامِ حياتي.
وكأنّ جبلًا كان فوقَ صدرهِ وتفتت، كأنّ غيمةً تحملت بغيومٍ هطَلت وأراحت ذاتها من الثُقل .. همس لها بأنفاسٍ ذاهبة : أنتِ بخير ، صار لك شيء؟؟
لازال وجهها مُغطى بكوماتٍ من الإستنكارِ اليتيم، همسَت لهُ بقلقٍ وحاجبيها يزدادُ انعقادهما : وش فيه؟ ليه تسألني هالأسئلة؟
بَدر بهمسٍ مُمتنٍ يُغمض عينيه : الحمدلله ، الحمدلله
هتفت بقلق : بَدر شالسالفة؟
بدر يفتح عينيه اللتين زُرع فيها نظرةٌ حازمة ، وبتحذير : اسمعي يا غادة ، هالباب ما تتركينه مفتوح ، مهما صار ما تتركينه مفتوح
غاد تشدّ على نبرتها : بَدر بلا خرابيط ، علمني شالسالفة ووش الداعي لهالكلام الحين؟
بَدر ينزل كفيه ويضعها على كتفيها شادًا عليهما بقوةٍ حتى يبث لها الأمان : لا تحاتين مافيه شيء ، بس سمعت ان فيه حرامية في الحي وخفت عليكم
غادة بشك : متأكد؟ ماهو شيء متعلق بشغلك
بَدر بنفي : لا ، ماهو متعلق بشغلي
غادة : أكيييد؟
ابتسم بَدر لها وهو يرى نظرتها الغيرَ مُصدقةٍ والتي تكشف كذِبه بسهولة، ومن ثمّ تقدمَ متجاوزًا لها ليسألها بهدوءٍ مغيرًا مجرى الموضوع : وينه حمود؟
تنهدَت بصمت، ومن ثمّ عادت لتنظر إلى ظهرِه قبل أن تهتف : نايـم
بدر : تعشيتي؟
غادة تدخل خلفه : لا ما بعد أكلت شيء منتظرتك


،


بقيَت تنظر إليه لدقائقَ يطولُ فيها الصمت، إلى الجُزء الواضح من وجههِ لها، خدُّه ونظرةٌ خاطفةٌ من عينيه، بخشيةٍ كانت تفركُ أصابعها مع بعضها البعضِ وهي تهمس في داخلها " معقول عرف؟ معقووول؟ " ، لكن كيف؟ كيف علِم ومتى؟ بعد ما خرج لصلاة الظهر؟ أجل ، بالتأكيد علِم وقتها فهو منذُ عاد لم يُقابلها وكأنهُ كان يكبَح ذاتَه حتى يتفرد بها ، ليقتلها!!
أرعبتها تلك الفكرة، فالموت أخيرًا فكرةٌ مُرعبةٌ وإن تمناه الكثير، الموتُ فكرةٌ لا تروق لأحدٍ إلا في لحظاتِ الضعف، وماذا إن كان الضعفُ يلازمها طيلة حياتها! إذن فقد تمنت الموتَ في كل خطوةٍ كانت تخطوها، فهي ضعيفة! في النهايةِ هي ضعيفة!!
همَست بدعواتٍ ترجو الله أن يُنقذها من هذه اللحظة، لم تعرف الله في صلاةٍ قط، ولا في قراءةِ قرآن، لكن كثيرًا ما كانت تدعوه لينقذها في لحظاتٍ مرعبةٍ كهذه. وبذلك دائمـًا ما يكون العبد متعلقًا بربِه، متعلقًا بهِ سواءً بسويَـةٍ أم بشكل غير مباشرٍ ليظهر تعلقه في لحظاتٍ كالوميض لا يُدركها هو.
التزم سلطان الصمت للحظاتٍ تتطول بطولِ صبره، بطول الحبلِ الذي سينقطعُ لا محالـة وسينتهي بهِ المطافُ منفجرًا في وجهها ولافظًا كل الهدوءِ الذي كان يتحلى بهِ في فتراتِه الماضية.
هتفَ أخيرًا بكبتٍ وصوتٍ حاد : غــزل
انتفَضت وارتخت كفّاها عن تشنجها، وصدرُها ارتفعَ بإضطرابٍ بينما كان قلبُها ينبض ، ينبض ، ينبضُ حتى حلفَت أنه سينفجر، هل جاءت نهايتها؟ وعلى يدِ من! على يدِ الشخصِ الذي أقَرّت أنها ستثقُ به، آخر من ستثقُ بهِ لتجيء ثقتها بموتِها.
هتفت بارتعاشٍ وصوتٍ خافتٍ خائف : مو مني ، مو مني
سلطان يزمّ شفتيه ونظرةُ عيناه تتجهان للإستنكارِ حيَال ما تقول، ما هو الذي " ليسَ منكِ "، ماهو يا غزل هذا الليسَ منكِ الذي قد يُقنعني بأنني مُخطئ؟ ليتني كنت مُخطئـًا، ليتني كنت ظالمًا لكِ وأسأتُ الظن بك.
هتف بحنق : وش اللي مو منك؟ بالله عليك وش اللي مو منك؟
الآن تأكدَت، لقد علِم ، لقد علِم ... أغمضَت عينيها بقوةٍ وهي تهزمُ شعور الإغماء، انتيهتُ هنا، ولن يعلمَ أحدٌ بانتهائي هذا كما كُنت طيلةَ حياتي مُنتهيةً ولم يُدرك أحدٌ ذلك، لم يُدرك أحدٌ كم كُنت أسقط طيلةَ سنيني، والآن حان وقتُ وصولي للقاع بعد سنينٍ عجافٍ كنت فيها أهوى وفقدت الأمل بالنهايـة.
أردفَ بصوتٍ قاسٍ يتذبذبُ فيهِ حنانُه السابق : اختاري من الحين ، تعدّلين حياتِك ، أو ترجعين لأبوك؟
فغَرت شفتيها بصدمةٍ وهي ترفعُ رأسها وتنظُر للجزءِ الظاهرِ من وجهه، هل يعني ذلك أنه يغفر عنها ويصفح؟ يتغاضى عن حقِّه ويتجاهل ما فعلته؟ هل تُصدق ذلك؟؟ .. غيرُ معقول!!!
همَست غزل ببهوتٍ وهي لا تستوعب ما تسمع : شلوون؟
سلطان : اللي تسمعينه ، اختاري اللي تشوفينه يناسبِك وهذي حياتِك ودينك ، طبعًا إذا كان اختيارِك أبوك ، بس أنا ماراح أرضى إن زوجتي يكُون دينها بهالطريقة، وإذا ودك تظلين معي غصب عنك راح تراجعين نفسك وصلاتِك
فغَرت شفتيها أكثر والصدمةُ ترتسم على عيناها ، دينك! صلاتك!! ، ما القصة؟ ما الذي يقصدهُ بكلامهِ هذا!!
غزل باستنكارٍ مهتز : وش قصدك؟
سلطان بحدةٍ يُشتت حدقتيه ويشدُّ على مقودِ السيارة : فاهمة قصدي كويس ، تصلين يا غزل؟
وكأنها صفعةٌ ألقتها كفّهُ على وجنتها، صفعةٌ من نوعٍ آخر غير ملموس، لكنّ هذه الصفعة كان لها تأثيرٌ أعظم من أي صفعةٍ سابقةٍ تلقّتها، صفعةٌ أصابتها بإحراجٍ لم تشعر بهِ قط، ولا في يومٍ من الأيـام .. كان الأحرى أن تكُون هذه الصفعةُ أقلُّ تأثيرًا عليها من صفعةِ " اكتشافِ حقيقتها "، لكنّ اكتشافهُ لعدم صلاتها دون شعورٍ جرى في دمها كالنار الذي جعلهُ يغلي بصورةٍ غيرِ طبيعية، بصورةٍ أحرقتها وجعلت كفيها ترتعشان أكثر.
كان يُراقبها في الأيـام السابقة! لذا أصبَحت توصياته وأسئلته عن صلاتها قبل خروجهِ للصلاة كثيرة ، يا إلهي، لمَ علِم؟ كيف يُمكنها مواجهته الآن؟؟
أخفضَت رأسها بخزيٍ تنظر لحُجرها وكفّها تقبض على عباءتها، بينما أكمل سلطان وعيناه تتجهان إليها عبرَ المرآة : تدرين إن زواجنا باطل؟
تشنجت يدها، وازداد اتساعُ عينيها بصدمةٍ إلا أن الصدمةَ الأولى باكتشافهِ لها جعل صدمتها الثانية تندثر، جعلها تتزمّلُ بلحافٍ الركاكةِ أمام الأولى . . أردف سلطان بهدوء : الحل عندك ، تبيني؟ والا تبين أبوك؟ ... يمديك تلحقين على هالزواج ، بس ماراح أجبرك ، الإختيار لك ، أنا ، أو أبوك


،


في جوٍ شبهِ بارِد ، تتحدثُ مع أسيل بابتسامةٍ تملأ ملامحها بعد أن جاء شاهين وأسيل وانضموا إليْهم، شاهين يجلُس مع فواز في مجلس الرجال بينما هي وأسيل مع أم فواز هُنا في مجلس النساء.
هتفت جيهان بابتسامة : وكيف الوضع في البداية؟ مرتاحة؟
أسيل بتوترٍ تبتسم بإحراج : إن شاء الله تمام ، تونا في البداية ما مر حتى يومين
جيهان : الله يسعدك
أسيل : وكيفك مع أخوي؟
لوَت جيهان فمها وهي تشتت حدقتيها وقد انتبهت حواسها لنظرات أم فواز إليها، ابتسمَت في داخلها بسخريَة، بدأ أخوكِ بدايَةً كان فيها يُحاول إثباتِ عشقه، وكأنه يقول " حبيتك حد الغلو! " إلا أنه فجأةً باتَ يقسو، يختار القُرب متى شاء و " يتحلطم " لابتعادها، ومن ثم يختار الإبتعاد وهي تريد العكس! معادلةٌ صعبة، صعبةٌ بصعوبةِ إمكانيـة عيشنا معًا.
هتفت جيهان بفتور : تمام ، الحمدلله
أسيل بابتسامـة : عاد أخوي يحبك وواضح رايح فيها
نظَرت لأم فواز من طرف عينها ولحظت تقطّب جبينها، حينها ابتسمت بلؤمٍ لتهتف بمكرٍ ظهر رغمًا عنها : ايـه وما يرفض لـي أي طلب ، حتى لما طلبت منه ما ننزل الا بفندق حتى نسافر ما عارضنـي أبدًا
عقدَت أسيل حاجبيها والكلامُ الذي قِيل من فمِ جيهان لم يرُقها، بينما احتدّت ملامح ام فواز التي كانت صامتةً طيلة الوقت، لن تكذبَ إن قالت أنها لا تكرهها، هي تُحبها، بالتأكيد ستُحبها وهي ابنة أخ زوجها، لكنْ منذ حدث ما حدث آخر مرةٍ والعلاقةُ أصبَحت سيئةً بدرجةٍ لا يعلمها إلا الله، باتت رسميةً وهي التي تُحاول جاهدةً أن تعود إلى مجاريها بتعاملها اللطيفِ معها والذي يدُل على ندمها ، لكن أن تقوم بما تقوم بهِ الآن! تُحاول سرقةَ ابنها بأسلوبها! هذا مالا ترتضيه أي أمٍ وكم من علاقاتٍ زوجيةٍ تُشتتها غيرةُ الأم على ابنها وفظاظـةُ الزوجـة.
صمتت ولم ترد، وملامحها انخفضت حدتها واتجهت إلى الهدوءِ فهي المرأةُ التي لابد لها أن تكُون عاقلةً ويستحيل أن تُستفَز بكلماتٍ طفوليةٍ كهذه.
أردفت جيهان وهي توجهُ نظراتها كلّها إلى أسيل دون أن تسرقَ نصفَ نظرةٍ إلى أم فواز : اي ويقول بيسوي لـي زواج خاص ومافيه مثله ، عاد أبوي ماهان عليه يكون ولد أخوه بنفس البلد اللي احنا فيه وزوجته بعيدة عنه ، لذلك قاله ياخذني بشرط ...
دخل وقتها فواز هاتفًا بعجلةٍ ليُقاطعها : يمه ، القهوة خلصَت عندنا ما عليكم أمر جهزوا غيرها
اتجهت الأنظار إليه بينما ارتبكت نظراتُ جيهان لتُخفضها وهي تفرك كفيْها، هل يكُون سمعها؟ أغمضت عينيها بقوةٍ وهي تضغط على قبضتيها بشدة وتوترٍ من دخوله الذي جاء فجأة . . لا ، لم يسمعها وإلا كان قد قال شيئًا ما لها أو اتضحَ بنظراتـه الغضب على ما قالتـه.
اعتدلت بجلستها وهي تُطمئنُ نفسها، كتّفت ذراعيها لتزفرُ بمللٍ وتتصنعُ اللا مبالاة بكل ما حولها.
ابتسمت ام فواز بحبٍ له وهي تنوي النهوض : آمر يا نظر عيني ما طلبت شيء
نهضَت أسيل مباشرةً وهي تهتف برفض : لا والله إنك تجلسين أنا اللي بسوي القهوة
ام فواز : وش تسوين أنتِ عروستنا ارتاحي وبقوم أنـا
أسيل : حلفت يمه
ابتسمت أم فواز وهي تعود للجلوس بينما نظراتُ فواز اتجهت لجيهان بنظرةٍ خاطفةٍ قبل أن يـغادر.

الساعة العاشرةُ ليلًا
ودّعت أسيل أمها وجيهان ومن ثم خرجت وشاهين ينتظرُها في سيارتِه، صعَدت في الأمام وهي تبتسم ابتسامةً لم تظهَر لهُ من خلفِ النقاب. بينما كان فواز يتحدّث مع شاهين من النافذةِ يُمطر عليه بالكثير من الوصايا على أخته وهو يرد عليه " في عيونِي ".
ابتعد فواز بعد أن ودّع أسيل وهو يرفعُ كفّهُ ويلوّح لهم، بينما حرّك شاهين سيارته وهو يبتسم له.
أدارَ رأسهُ إليها وهتف لها بلُطف : استانستي؟
أسيل بخفوتٍ خَجِل : ايه الحمدلله
شاهين ينظر للطريقِ بابتسامةٍ صافيةٍ ترتسم على شفتيه : وشرايك بهدية أمي؟
أسيل بابتسامةٍ مُحبَةٍ لعُلا الحنونة : ما تقصر خالتي ، هديتها تجنن مثلها


،


دخَل فواز مجلس النساءِ الذي كُنّ يجلسن فيه، جيهان تتسلى بالهاتف في يدها، وأمـه تشرب القهوة برويّة.
ما إن دخَل حتى رفعت جيهان رأسها لصوتِ خطواته ، لتهتف باستفسار : متى بنروح؟
فواز يرفعُ إحدى حاجبيه ناظرًا إليها، ومن ثمّ أدار رأسه عنها إلى أمه متجاهلًا لها : أي غرفة جهزتي؟
ابتسمت أم فواز لهُ وهي تنهض بحيويةٍ وسعادةٍ بابنها، بينما اتسعت نظراتُ جيهان دون استيعابٍ وهي تهتف باستنكار : فواز!!
فواز بجفاء : سمي!
جيهان بحاجبين منعقدين : وش السالفة؟
فواز نظر إلى أمه ليبتسم تلقائيًا ويهتف : لاحقينك يمه بس نسيت أعلم جيهان قبل
ابتسمت ام فواز وهي تؤمئ برأسها له، ومن ثم تحركت خارجةً من المجلس صاعدةً للأعلى إلى الغُرفةِ التي جهّزتها قبلًا ليتقدم فواز من جيهان وهو يهتف بجفاء : اسمعي ، احنا من اليوم راح ننام هنا عند أمي ، مو من جنوني أتركها بروحها وأنا موجود!
نظرت إليهِ جيهان بصدمةٍ ولم تتوقع ولو واحدًا بالمائة أنه قد يفعل ذلك بها، قد يغدرها ويفعل ماهي ترفض وتنفُر منه. هتفت بصدمةٍ ورفض : مو معقول
فواز يقترب منها أكثر حتى أمسك بزندها بكفِه اليُمنى بقوةٍ وهو يهتف بحدةٍ من بين أسنانه : ولا كلمة ، هذا اللي أنا أبيه واللي راح تسوينه غصب عنك
جيهان تعضّ شفتها وتضعف رغمًا عنها، رغمًا عنها يُصيبها الفتور والضعف ما إن يتعامل معها هكذا ويتحدث معها بنبرةٍ كهذة، هتفت بخفوتٍ ضعيفٍ وهو تُقاوم الصوت المُختنق المتعلق بالبكاء والذي يُريد البزرغ رغمًا عنها : ما ودي
فواز بحدة : ولا كلمة!
أغمَضت عينيها بقوةٍ وضعفٍ ورفضٍ شديد، تُريد الصراخ في وجهه والرفض، لكنّها بتعامله الحديث معها تضعف! تضعف ولا تُمدُّ بقوةٍ تُنقذها . . شعرت بهِ يترك زندها ويُخفض كفّهُ حتى لامس كفها وأشبك أنامله بأناملها . . ومن ثم مشى لتمشي معه ، رغمًا عنها.

خرجَت أم فواز من الغرفةِ بعد أن أطلقت ابتسامةً لابنها الوحيد، أغلق فواز من بعدها بينما كانت جيهان تجلس على إحدى الأرآئك وشفتيها ترتعشان بغيظ، بحنقٍ وقهرٍ ينتشران في أوردتها ، كيف فعل بها ذلك؟ كيف قامَ بما قامَ وكأنه يتجاهلُ إرادتها وتحسسها من العيْش هنا. لمَ بات يفعل بها هذا وكأنه يتلذذ بقهرها؟؟
رفعَت رأسها تنظر إليه بقهرٍ وهي تلوى فمها بغل، توجّه نظراتها المُنكسرة إليه بينما كان هو لا يزال يقف عند الباب ، يُديرها ظهرهُ بصمت ، بهدوءِ ما قبل العاصفة!
هتفت بقهرٍ وهي تشد على ثوبها بقوة : ليه؟ تبي تقهرني بس؟؟!
فواز يُغمض عينيه ويشدُّ بقبضته على الباب، صمتَ للحظةٍ يبحث عن الكلمات الهادئـة في نبرتهِ المُشتعلةِ دون أن يجِد! كل الكلماتِ العنيفة تتصادم فيما بينها ولا تجد المنفذ لتهدأ. لذا خرج صوتُه حارقًا لكل ما حولهُ غاضبًا : شلون تتجرأين؟
بهتت ملامحها قليلًا وهي تنظر إليه دون فهمٍ وبتوجس، بينما أردف بكبت : ما يرفض لي أي طلب! حتى لما طلبت منه ننزل بفندق ما عارضني !!! وكأنك تقولين هو يهتم لي أكثر من أمه ... شلون تتجرأين يا جيهان
فتَرت نظراتُها وشفتيها تنفرجان بصدمة، إذن سمعها؟ وبالتأكيد سمعَ ما قالته بعد ذلك .. لكن هل فهِم ما كانت تريد قوله؟ أسأله الله ألا يكُون فهم مقصدي ، أسأل الله ألا يكُون فهم.
استدار فجأةً إليها ووجهه تنتشر فيهِ تقاسيم الغضب، ليُردف بغضبٍ أشد : وبعدين وش قصدك بأبوي قاله ياخذني بشرط ! وش هالشرط هاه؟ وش كنتِ بتقولينه؟
تراجعَت للخلف ليصتدمَ ظهرها بظهر الأريكةِ وعيناها تتسعان بذعر، بالرغم من كل ما كانت تفعله تجاهه إلا أنه لم يكن بهذا الشكل من قبل، بهذا الغضب الذي يرسمُ ذاته في عينيه بحبرٍ لا يختفي.
اقترب فواز منها حتى وقف أمامها ونظراتها المُهتزة تنظر إليه بخوف، انحنى قليلًا حتى قاربت ملامحه الغاضبة على موازاةِ ملامحه، لترتفع كفهُ فجأةً ويقبض على فكِها الذي احتوتهُ ضخامةُ كفه وتشهق بذعرٍ رغمًا عنها وتغيب كل الأحرف والكلمات ويضيع صوتها.
هتف فواز بحدةٍ والعمَى يصيبه عن كل ما قرره وكل ماهو أمامه : فاهمك ، فاهم هياطك الغبي ، كان ودك تقولين بشرط ما يلمسني؟ صاحية أنتِ؟
ارتعشَت بقوةٍ وهي لا ترى فواز الذي تعرفُه، وكأن التكدسات في صدرِه تضاعفت حتى انفجر بالذي قالتهُ وبفظاظةِ لسانها مع أمه.
وجَدت نبرةً ضعيفةً لصوتها بعد جهدٍ وعيناها تزيغان بهلع : م ، ما قلت كذا
فواز بحدةٍ وأنفاسه الساخنة تصتدم ببشرتها : ما قلتِ ، بس كان ودك تقولين
عضّت شفتها التي كانت ترتعشُ وأغمضت عينيها بقوة، بينما ارتخت قبضتهُ عن فكّها وتبدّل صوته قليلًا دون أن يفقد غضبه : أنتِ اللي جبتيه لنفسك ، أنتِ اللي جبتيه يا جيهان
فتحت عينيها دون فهمٍ لكلماتهِ لتنظر إليه بنظرتها الخائفة التي اختلطت معها الحيرة، ولم تكد تستوعب شيئًا حتى شعرت بهِ يُحيط وجهها بكفيه وأنامله تلامس خصلات شعرها الحريريةِ لتُعانق شفتيه شفتيها في قبلةٍ مفاجئةٍ لم تَكُن كقبلته الأولى ، قبلةٌ تحمّلت بغضبٍ كبير ، إضافةً لشغفٍ كبير.

.

.

.

انــتــهــى

طبعًا راح أكون معاكم صريحة واللي يرضا حياه وعلى عيني وراسي واللي ما يرضى بصراحة ماله حل :(
أنا الأسبوع الجاي مشغولة لفوق راسي لفوووووق راسي وماني متأكدة إني بقدر أنزل مع اني بحاول ، طبعًا ليه أقولكم من الحين؟ عشان بعدين لا تقولون ليه ما قلتِ لنا من البداية وما خليتنا ننتظرك عالفاضي ، أنا أوعدكم بحاول ، لكن إرادة الله فوق وإذا كُتب لي أفضى بنزل لكن من عيني ذي لذي وإذا ما حصلت وقت اعذروني ..


ودمتم بود : كَيــدْ !

fadi azar 24-06-15 11:23 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
على راحتك اختي ساعة ما تكوني مرتاحة نحن ننتظر روايتك الرائعة

كَيــدْ 04-07-15 11:28 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن


إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافية وعسى رمضانكم زوين :$
طبعًا واضح لكم إننا دخلنا بمرحلـة حساسة شويتين، وأنا قاعدة أرمي حلول كثيرة لألغاز موجودة من بدايـة الروايـة، فاللي ما تقرأ السرد وتتململ منه تسنعي اليوم وبكره وبعده واقرأي لأني أذكر أهم تفاصيل الروايـة بالسرد أكثر منه في الحوارات، والجاي ما يتحمل تطويف جزئيات بداعي - السرد كثير -.
عمومًا خلونا في المهم ، صفحتي بالآسك قفلتها، طبعًا مو لأني حساسة وما أتحمل الكلام القاسي على قلبي الضعيف، لا يا حبيباتي بس من بدأ رمضان وصفحتي ما صار منها فائدة، أنا لو كان الداعي لقفل الصفحة هو اني تضايقت من كلام البنات اللي يتهموني بأشياء كثيرة كنت من أول تعليق رحت أتبكبك وقفلت الصفحة، لعلمكم ترى احتمالي أكبر من أي تعليق ودايم أرد برواق وما أتضايق منكم أبدًا، اللي يتهموني أرد عليهم، واللي ينتقدون بشكل مبالغ فيه أرد عليهم، عدا اللي يسبوني هذول أسفههم وأتسلى بقراءة تعليقاتهم اللي تدل على صغر عقلهم ، أقدر أرد، لكن صفحتي أنظف من إني ألوثها بسباب وشتائم ... + ماقد حذفت اي تعليق إلا اللي يروح مع البلوك، غيره أضحك عليه وأتسلى بقراءته لذلك ترى أنا ضد السب للعلم طبعًا :$ :D
وأكيد برجع افتح صفحتي بس ماهو حاليًا لأن الفائدة راحت وطغى على صفحتي عدم الفائدة، فيمكن أرجع افتحها بعد رمضان، او بعد العيد، او بعد كم شهر .. ما أدري بس متى ما حسيت اني محتاجة أفتحها أو البنات محتاجين مكان غير المنتدى والسناب والتويتر والسايات مي برجع أفتحها.


عمومًا استلموا بارت اليوم اللي بإذن الله جامد :$ حاسته بيصدمكم :$$$

بسم الله نبدأ ،
قيودٌ بلا أغلا عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات


(38)





قلبي يرتعش، حدقتيَّ ترتعشان، كل خليةٍ في جسدي ترتعش . . أشعر أنّ جسدي يكتوي بنارٍ تندلعُ في حناياي ولا يُطفئها مُنقذ، الهواءُ ساخنٌ من حولي، والأرض تهتز من تحتي، أين أنا مني؟ أين الأرض من الثبات؟
ارتعشَ جسدها بقوةٍ وهي تشعر بكفيْه تتحسسان عنقها، تشعر أن بشرتهُ باتت مكواةً تحرقها ولا ترحمها، قُبلته الحادة رصاصةٌ تتجهُ إلى صدرها مباشرةً، هذا الجسر الذي بينهما تشعر أنه هشْ! ينقصه المزيد من العاطفة، تطفّل عليها الغضبُ والحدة . . وعدم الوعي التامِ منه!
تحرّك جسدها برفضٍ فوق الأريكةِ وجسدهُ ينحني إليها، تُغمض عينيها بقوةٍ وقلبها يتعرقل الإنتظامُ منه، هذهِ العاطفةُ الشائبةُ من قبلِه لا تتناسبُ مع الحب بطردية! هذه العاطفةُ العرجاءُ تصبُّ بشكل عكسيٍ مع الحُب . . تشعر بشغفه، لكن لا يكفي الشغف حتى تقبل كُليًا به، اقمع غضبك! اقمع غضبك وستقبل جوارحي كلها بك.
وضَعت كفيها على صدرِه تحاول دفعه، لكنها ما استطاعت! . . انحدرت شفاههُ إلى وجنتها ليُقبلها، ومن ثم إلى أذنها، ليهمس بصوتٍ تبدّل نصفيًا وبقيت علاماتُ الغضبِ به : أنتِ الغلو! الغلو يا جيهان
ارتعش جسدُها وهي تتنفس باضطرابٍ تشعر أن العالمَ يسحب كل الهواءِ من رئتيها ويتركها خاويةً على عروشِها، فارغةً تنتحبُ والنحيبُ ذاتهُ ينسحبُ من صوتِي، يتعرقل حين ينوي الإتجاه إلي لأختنق الآن ولا أجدُ للتنفيس عن صدري منفذًا.
وضَعت كفيها على كتفيْه وهي ترفعُ رأسها وكفيه اللتين على عُنقها تشعر أنهما كالمكبسِ ستخنقانها، ستقتلانِها لا محالة ... همَست برجاءٍ ما إن وجدت صوتها : ابعد ، بالله عليك ابعد
انكمشت كفاهُ قليلًا على عُنقها، وارتدت ملامحهُ للخلف حتى قابلَ وجهها ورأى النظرةَ الكسِيرة على عينيها، النظرة التي تكسرُه وتحطّمه إلى أشلاء، إلا أن أشلاءهُ لا ترضى بالإبتعاد الآن! فهذا سيكون كالختم على بقائـها قربَه، ستبقى معه! بالتأكيد ستبقى معهُ وبقرب صدره، وكل ما نحتاجه هو علاقةٌ زوجيةٌ صادقة.
سامحيني ، على كل شيء! سامحيني على مالا ترتضينه، رفضُكِ يصبُّ في قلبي كالحمم، يلوي أحشائي لأتقيأ الإرادةَ ولا يرضى جسدي إلا بعكسِ ما تريدينَه . . لا تعلمين أن رفض المرأة لرجُلها قد يُخلد في قلبِه كأسوأ أمرٍ ممكن! رفض المرأة لرجلها دائمًا ما يجيءُ بردةِ فعلٍ عكسية! لذا سامحي ردتي التي لا ترتضينها ... سامحي رفضك لي!
همَس لها وهو يُحيط وجهها بكفيه اللتين تشتعلان : ما بعد فيه بُعد يا عيون فواز
رمَشت جيهان بضعفٍ لتسقط دمعةً على وجنتها وصدرها يرتفعُ بشهيقٍ مُنفعل : أسألك بالــ
غطى فمها بكفِه ليُقاطع كلمتها، وبإصرارٍ حادٍ بعض الشيء : لا تسأليني بالله ، لا تقولينها
جيهان تهزّ رأسها بالنفي ودمعتها تُلامس كفه، تنظر إليه برجاء . . الحيـاةُ السوداء تنشُر ظلامها في الدمعِ لتسقط ويكون سقوطها مدويًا ، ناشرًا للسواد.
أزاحَ كفهُ عن فمها وهو يمسح نظرتها من عقله لكن هيهاتَ فمركز ذاكرته لا يتواني في حفظِ الصورِ السلبية، الصورِ التي تجيءُ ولا يكون مجيئُها عاديًا. تجاهل كل شيء! رفضها ، دمعها ، نظرتها ، نبرة الرجاءِ في صوتها ، وأسكَن صورتهما سويَّةً مدى العُمرِ في عقله ، حتى وإن علِمت فيما بعدُ بما حدث، حتى ولو علِمت بزواجـه ، إلا أنها لن تتجرأ على طلبِ الفُراق بعد كل هذا.
أحاطَ خصرها بذراعيه ليشدها إليها حتى يرفعها، إلا أنّها لازالت متمسكةً بإرادتها وقوتها لتشدّ قبضتيها على الأريكةِ بشدةٍ وتتجاهل الألم الذي شعرت بهِ في أسفل أظافرها لعُنف تشبثها. هتفت بشدةٍ لازالت تحمِل الرجاء وهي تهزّ رأسها يمينًا ويسارًا برفض ، وبضعف : الله يجعلني فدوتك يا فواز ، يا عيُوني .. مو بهالطريقة! الله يخليك مو بهالطريقة ترى الغصيبة توجع ، صدقني توجَع وأنا ما بغيت البداية كذا.
ارتخى جسدُه قليلًا وهو يزفُر أنفاسًا ساخنةً مُضطربة يتردد اضطرابُها في المدى، في صدرِه وجوفِه، في عقلهِ الذي امتلأ بنبرتِها وكلماتها، و " عيُوني "! وكأن كل العيُون فجأةً صارت هباءً ولم يعُد يرى سوى عينيها، هل هي مجرد كلمةٍ عابرةٍ لفظها لسانها وانتهت! هل هي مجرد كلمةٍ ذابلةٍ لا وجود لرائحتها؟ أم أن بُرعمًا نمى دون أن يشعر وهاهي زهرةٌ تفتحت! لم تقوليها لتنتصري علي، أليس كذلك؟! لم تقوليها لأبتعد، لأتراجع، لم تقوليها وكانت نبرتُكِ كاذبة ... هل أنا - عيُونك -؟
نظَر لعينيها الباكيتين مطولًا، لارتعاش شفتيها، لاضطرابِ صدرها خلف اضطرابِ تنفسها .. أغمضَ عينيه يُغذي نفسه بإرتواءٍ كافٍ بكلمتها تلك يجعله يبتعد، " الله يجعلني فدوة عيونِك ، ما يجعلك فدوة لي! ". أنتِ الغلو، ولا أُعيذ نفسي منكِ. أنتِ الغلو الذي لا يصل بي كافرًا، أنتِ الإيمانُ الذي ينتهي عندهُ الشقاءُ والممات.
انحنى قليلًا إلى عينيها ليُقبّل اليُمنى ومن ثمّ اليُسرى، وسكَن فؤادهُ عند اليُسرى وتحجّر الوقت وتوقف بين انقباضاتِ قلبيهما وبريق عينيْهما، كل شيءٍ حولهما توقف فجأةً حتى الهواءُ ما عاد يندفعُ إلى رئتيهما، عقاربُ الساعةِ تركض، والوقتُ لا يركض! جنةٌ عرضها الأرضُ أنتِ، وعرضها السمواتُ والأرضُ في الآخرة .. فليرزقني الله بكِ في الجنة، فليرزقني بكِ ولن أخشى وقتها فُراقكِ كما الآن.
زمّت شفتيها وهي ترفعَ يديها وتُحيط عنقه بذراعيها، تُرسل دفء جسدها إلى جسده، تناجي بالتحامهما ذا القليل من الراحة، السكينة، الحيـاة! عيناها تنامان عن الدنيا وكَدرها، تريد فقط السكُون، السكُون الذي يبتعد فيه غضبك وعاطفتكَ الشائبـة التي لا أحب.
دفَنت وجهها في عُنقهِ وهي تهمس بصوتٍ مُختنق : الحب ماهو كذا ، لا تشوهه
تعرقَلت أنفاسه، اضطرب صدرهُ طلوعًا ونزولًا، غابَت الدنيا عن عينيه ولم يعد يشعر بسواها، لم يعد يشعر إلا ببشرتها الدافئة على عنقه .. أغمضَ عينيه وهو يُحيط خصرها بقوةٍ ويضمها إليْه ، وبهمس : مين عيونك؟
جيهان تزدرد ريقها قبل أن تهمس : ما أقدر أشوف الدنيا مازالت بخير إلا فيك ، لا تصيب نفسك بآفّـة
فواز يشدّها إليه بقوةٍ ويهمس : يعني؟
جيهان : لا تفهم غلط! أنت عيوني بس
فواز : متأكدة؟
جيهان بتوترٍ تُخفي وجهها في صدره، توترٌ لا تعلم سببهُ أو من أين جاء : أيه ، أنت عيوني ما يكفيك؟ لا تصير طمّاع
فواز يبتسم رغمًا عنه وكلمتها يشعر أنها تدغدغ قلبه : طمعي ماهو راضي يقتنع بأني بس عيونك!
احمرّ وجهها وهي تتنفس باضطرابٍ ورائحةُ عطرِه تغزو أنفها، ابتعدَت عنه قليلًا بينما نظراته تلاحقها، طمعه لم يكتفي، لكنه في الحقيقة لا يستطيع أن يُقنع نفسه أنها تراه بغير ذلك! يُحاول أن يبثّ بعض الأمـل، يتفاءل بتغيرٍ وإن كان طفيفًا، إلا أنه لا يستطيع! هناك فجوة، فجوةٌ لا تسمح لهُ برؤية غير أنه - عينيها - كما أسلفت، فجوةٌ صنعها بنفسه، صنعها دونَ إرادةٍ وسقطا فيها معًا.
مدّ يدهُ ومسحَ على شعرها الطلِق والجاري على كتفيها مُصتدماً بظهرها في صورةِ شلالٍ بنيٍ صافي، بينما بلل شفتيه بلسانِه قبل أن يهمس بجدية : جيهان
تنفسَت باضطرابٍ وهي تُخفض عينيها بتوترٍ وترفع يدها لتُعيد خصلاتٍ من شعرها خلف أذنها، بينما هتف فواز بحزم : إلا أمي ، لا تزيدين الفجـوة بيننا بقلة أدبك
رفَعت عيناها إليه وهي تعقد حاجبيها، وباستنكار : قلة أدب؟
فواز بحدة : وأيش تسمين اللي تسوينَه؟
جيهان : وأنت أيش تسمي سواتك ذي لما قررت ننام هنا بدون ما تعلمني؟ وأيش تسمي اللي كنت بتسويه؟!
فواز : أسميها ردة فعل عكسية على اللي تسوينَه
تحرّك مبتعدًا باتجاه غرفةِ النومِ وهي تتابعهُ بنظراتٍ يتقلصُ فيها الراحـة، يتقلص فيها الدفء وتشعر بذلك أن الحرارة في جسدها ترتفعُ حدّ أن عيناها تشتعلان ، هتفت بحدةٍ ورفض : وأنـا اللي أسويه ردة فعل عكسية على اللي سوّته أمك
توقفت خطواتُه، وسكن لثانيتين في حالتـه يُديرها ظهره، بينما عيناها كشرارتيْن من الجحيم، كمطفأةِ سجائر تستقبل اللّفافاتِ الساخنة.
استدار إليها وهو يقطّب جبينه بحدة، يشدّ على قبضـةِ يده اليُمنى ، وبنبرةٍ تتماجُ الحدةُ فيها : اسمها خالتي ، مو أمك
جيهان : مالك شغل بطريقة مناداتي لها!
فواز وانقطابُ جبينه يتضاعف ، هتف بحزمٍ يُطفئ صوتها : جيهان! لا تطلعيني من طوري ... وش مالي شغل بعد!
زمّت شفتيها بغيظٍ وهي تُدير وجهها عنه، بينما أكمل طريقهُ والتكشير يتسلل إلى وجهه الذي يشتدُّ بغيظه، هـذا الحال لا يُناسب الزمن! هذا الحـال يجبُ أن يُقمع قبل أن تنزلق من يديْه الأمور ... يجب أن يتصرف ، وبسرعة.


،


تجلسُ في صالـةِ الجناح، الأرضُ تتسعُ بالمشِيخ، الدائرةُ السوداءُ تضيقُ على صدرها، الظلام أصبحَ اعتياديًا لديها، من عاشرَ الظلمة سنينَ لن يُحبّ الضوء، كما أضواءُ الجناح باتت لا تروقها وتزعجها وكأن " الساد " أصاب عينيها وفقَدت شفافيتها.
رفعَت قدميها عن الأرضِ لتضمّ ركبتيها إلى صدرها وتدفُن وجهها بينهما، رائحةُ اليأس تفوحُ منها، يتخلخل مساماتها الملحُ ليُنثَر على جراحها الداخليـة .. هاهي اختارت! وكم كان الإختيار صعبًا! رغمًا عنها كانت ستختارُه، رغمًا عنها كان سُلطان خيارها الأولى، وقِبلَتها الأولى، ستكُون كلّ مخططاتِ والدها باطلةٌ إن أدارت ظهرها إليْه، ولن تستطيع إدراك ما سيحدث لها بعد إذن.
أغمضت عينيها بقوة، وهمست بصوتٍ ينحشر بين ركبتيها ولا ينتشر في الهواء، يرتدُّ إلى أذنها كصدًى للحنِ نايٍ بائس : لمتى؟
وكما أن صوتَ النايِ جميل، إلا أنّ حُزنه باكٍ، حزنه غمدُ الجراحِ وصوتُه منبرُ الآه، و " آه "، وألفُ آهٍ وياحسرتي! نهرُ الدماءِ من تحتي يجرِي، وغيمةُ الدموع تهطلُ من فوقي .. يا سرمديةَ حُزني، ويا انتهاءَ الأنا في صدري ... من أنا؟ من أنا من صوتِ القيثارةِ المبحوح؟ وصوتِ النايِ الأنين! من أنا من نرجسيةِ الدمعِ الغزير؟ للهِ دُرّك يا عينِي، عجبًا لعدَمِ جفافك.
همَست بصوتٍ مبحوح، كبحّةِ الأغصانِ الجافةِ في الخريفِ، والرياحِ الضّالةِ في الشتاء : ما أقدر أعيش حيـاة ماهي لي ، ما أقدر
شهقَت بقوةٍ وابتلَع جوفُها اليأس، هبطَت دموعها كشُهبٍ لامعةٍ لاهبةٍ تشوي الوجوه، تتشقّقُ الأرض من بطشها ... ويا ويلتها كانت وجنتاها تلك الأرض.
أردفَت بسخريةٍ على حالها : ليه هو كان لك حياة أصلًا؟ يا شفقتي عليْ ، حتى أنا تبكيني! .. صوتِي ماهو صوتي، والله ماهو صوتي! كل شيء فيني ماهو لي والحيـاة اللي أعيشها ماهي حياتِي
تقوّست شفتاها وهي تغرس وجهها أكثر ممرغةً له بين ركبتيها، الصُداعُ يفتك برأسها من كل حدبٍ وصوبْ، اختارتْه، وكان اختيارها هذا كالفأس على رأسها، من البديهي أن يكون سلطان هو خيارها الوحيد والأمثل، الأفضل بالنسبةِ لديها .. لكنّ الموضوع برمّته يُشتت عقلها، يُفرّقُ شملها ، حتى سلطان الذي قررت الكثير بشأنه يُريدها كيفما يشاء، بالصورةِ التي يُريدُ وكأنها باتت لعبةً للجميع.
عضّت شفتها المُرتعشة وهي تُغمض عينيها المُزدانتان بالدمع كأرضٍ خصبة، والفرق بين عينيها وبين الأراضي الخصبة أنها قبيحةٌ بخصبتها!
سمعَت صوتَ البابِ يُفتح، فتشنّجَ جسدها رغمًا عنها وضمّت ركبتيها إلى صدرها أكثر، العباءةُ لازالت عليْها، لم تخلعها منذ عادت قبل أربعِ ساعاتٍ رُبما، أو خمسْ! لا تدري كم مرَّ على الوقت الذي عادت فيه وذهب سلطان دون أن ينزل من سيارتِه حتى! الساعةُ الآن أصبحت الثانية، وهي لم تُدرك ذلك ولم تشعر بتأخر الوقت، فالوقت عبَر كومضةٍ ولم تشعر بعبُوره في جلسةِ الحسرَةِ هذه.
نظَر سلطان إليْها نظرةً خاطفة، مُفرغَةً من أي شعور قد يُخالجه، تكدساتُ هذا اليومِ مع البارحةِ يُثقل كاهلة ، أولًا الحادث، ومن ثم غزل ... وبعد كل ذلك كان في مركز الشرطة يستمع لنتائج التحقيق مع عناد ، وبرفقتهِ هو!!
أغمضَ عينيه بقوةٍ وهو يزفر، جُدران المكان الأربع تضيق، يرتفع صدرهُ بانفعالٍ مستنشقًا الهواءَ بعنف، وكأن الأكسجين فجأةً أصبح محدودًا في الأجواء.
بينما بقيَت هي على حالها، لم ترفع رأسها بل كانت تضمُّ جسدها بصورةٍ أكبر إليها، ونظراته التي كانت تتشتت هنا وهناك بانفعاله عادت إليها، بحدّةٍ كسيفٍ سلَّهُ القهر وحطّم غمدَه ، وبصوتٍ حادٍ خرجَ ليفرغ بعض الحدةِ في جوْفه : تبكين؟
اشتدّت قبضتها على قماش عباءتها وجفناها تَستران حدقتيها بقوّةِ إطباقهما، جسدها رغمًا عنه يرتعش ، يرتعش! وكأن صوتَهُ خرجَ كرياحٍ باردةٍ انحلّ عنها الدفء، رياحٍ اصتدمَت بجسدِها لترتعش كلُّ خلاياها ببرودتها.
أردف سلطان بضيقٍ وهو يعقد حاجبيه مستنكرًا، متحسرًا : البكى ماهو لك ، ما يليق عالظالم
ارتخَت قبضتاها قليلًا وهي تفتح عينيها التائهتين، دون أن ترفعَ رأسها، تستجيب لكلمة " ظالِم " والعالم كلّه يستجيب باكيًا لها. من غيرِ العدل أن تتبدّل المصطلحات وتُلقى في غيرِ محلِّها، من غير العدل أن تقول عني - ظالمة - وأنا المظلوم بعينه .. المظلومُ الذي انجرفت الملوحةُ من تحتهِ بلّوراتٍ بيضاءَ تجتذبُ البلل منها وتتركها جافَـة.
عضّت شفتها بقوةٍ ودموعها تتساقطُ أكثر، بينما أكمل سلطان بقهرٍ وهو ينظر للأرض بفراغ : طبعًا شخص مثلك ما يهمه ، لا الزواج الباطل ولا غيره! * رفعَ رأسه للأعلى ليشدّ قبضتيه ويرفعهما قليلًا في الهواءِ مُردفًا بانفعال " أكيد ما يهمك ، هو أنتِ تعرفين الزواح الباطل أصلًا؟ طبعًا عادي عندك تنكبين الحمار اللي قدامك ... ما يهم، صح؟
بقيَت صامتةً ولم ترد، بينما تنفّس بقوةٍ وهو يشعر أنّ قهره اليومَ يحرّكه كالورقةِ وهو الريح، جاءَ من أرضِ معركةٍ ليصبَّ وجعَ خسارتِه عليها، لم يكُن ليتحدث معها هكذا، هذا ما كان يقوله قبل أن يتجه للشرطة ... لكن الآن ، تغيّر كل شيءٍ بعد أن أصبح الغضب يتغلغل جوفَه ويهوِي بقراراته.
اقترب منها قليلًا غافلًا عن كل شيءٍ وعن كلماته، عن نبرتِه القاسيةِ وسهامِه المسمومةِ التي يُلقيها إليها : واضح بعَد إن الأب والأم كافرين والا ما كانت بنتهم راح تكون كافرة كذا ولسانها أوصخ! وش هالتربية الواو! أشفق عليك وعلى أهلك صراحة
فتَرت نظراتها، واتسعت عيناها، وجُرحٌ انفلقَ فجأةً في صدرِها، جرحٌ غائرٌ نبَع منهُ الدم، الألم، الوجع، الأنين الذي يسكن عند شفتيها ولا يخرُج، ارتعشت أجفانُها في ضغفٍ هاوي، وشفتيها انفرجتا والهواءُ ينسحبُ التجاؤهُ إليها ولا تجد رئتيها سوى الانكماشِ على أوجاعُها ، من الذي يشرحُ للدمعِ أنه الأنيس؟ أنّه الونيس! أنّه الوحيد الذي لا يخُون ، ما خانني يومًا ، كيف ظلمتُه؟ ما خانني مرةً والآن لا بأس في أن أعترف له أنّه أقربُ صاحب.
كيفَ كان لا يسقُط أمام والدها؟ هل كان يُدرك أن سقُوطه كارثة؟ وأن سقوطه أمامه خاطئ؟ والآن هاهو سقط بغزارةٍ أمام من علّمه السقُوطَ بحضرتِه، أمام من قال لها " ابكي " وبكَت! . . بكَيتُ أوجاعًا غائـرةً من الحيـاة، وطلبتَ مني البُكاء لأرتاح ، والآن أنت تبكيني بلومةِ لائمِ، تبيكيني منكَ ووصاياكَ لم تعد تطبّق على أوجاعي ، بل عليْك.
شعرَت بكفِّيه تُلامسان كتفيها، حينها انتفضت انتفاضةَ المماتِ وهي ترفعُ رأسها وعيناها متسعتان بتيهٍ ليس يُغنيها عن وِحدةِ الدروب.
شدّ على كتفيها وهو بالفعل لا يجدُ نفسه، رفعها قليلًا ليجعلها تقفُ أخيرًا وتقاسيمُ وجههِ ليست هيَ، ليست ملامح سلطان، ليسَت ملامح الحنون الذي رأت قبلًا!
هتف بقسوةٍ يبثّ سمومه مع أنفاسِه : عندي ما تمشي تربية أهلك ، يا تكونين مثل ما أبي يا تنقلعين من وجهي
عضّت شفتها المُرتعشة، وعيناها الغارقتين في حُزنهما وجرحهما تماوجَ الرفضُ فيهما ، الرفضُ لمعاملةٍ وجدت عكسها من ذات الشخص ، من ذات الشخص الذي يبث ما يُريد في الوقت الذي يُريد ليبثّ الضدَّ منه حينما لا تُريد! همَست ببحةٍ مستوجعَة : وأنت تربيتك خلّتك تخدع الناس بشيء لين ما يثقون فيك ، وبعدين توريهم بشيء ثاني؟
اشتعلت عيناه بغضب، وبشدةِ نبرةٍ خاوَت شدّهُ على كتفيها حتى شعرت بأضلعها ستتحطم : لسانك لا يمس تربيتي ، أحذرك
غزل من الجهةِ الأخرى اشتعلت عيناها بقهرٍ لتهزّ رأسها يمينًا وشمالًا بانفعال، والطرحَة التي كانت على رأسها سقطت على كتفيها تلتحم مع سوادِ عباءتها : ايـه ، واضح انها تربية **** ! حقييييير!!
لم يشعر بنفسه إلا وهو يدفعها بقوةٍ حتى سقطت على الأرضِ وظهرها اصتدم بحافّةِ الأريكة، تأوّهت بقوةٍ والألم انتشر بسرعةٍ عاتية، بينما ارتفعَت كفّه دون شعورٍ لتُغمض عينيها وتصرخَ وهي تُغطي وجهها بكفيْها.
تحجّرت يدُه في الهواءِ ونسيَت الهبوط إلى وجنتها، اتسعت عيناه وكأنه أدرَك نفسه، بينما صدره يرتفع ببطءٍ يعتلي لينخفض زافرًا الهواءَ بصعوبة ... ما الذي يفعله؟ هل استحلّ به الغضب حتى هذا الحد! حدّ الذي ترتفع فيه يدُه ناويةً الهبوط إلى وجهها!!
تراجَع للخلف وهو يعضّ شفته ويُغمض عينيه بقوة، سحقًا لك يا سلمان، وسحقًا لكِ يا غزل ولوالدِك ... يا الله! هل يخسر نفسه؟ هل يخسر نفسه الآن بسببهم!!
ازدرد ريقهُ وكم تمنى في هذه اللحظة لو أنه استمع لكلام عناد الذي طلبَ منه المبيت اليوم عنده، وكأنه كان يعلم أن قهره قد يجعله يخسر نفسه فجأةً ويقوم بما لم يفكر أنه سيقُوم بهِ يومًا، أن يضرب غزل! أن يضرب انسانًا ويتجه لفعل ما ازدرءهُ من قبل . . ألأنها ابنة أحمد! أرآه فيها؟! رفَع كفّه إلى ملامحهِ وغطّى عينيه المُرهقتين وهو يسمعُ صوت بكائها يرتفع ... وفجأة ومضَ حوارٌ له مع عناد قبل زواجـه، عبارةٌ استنكرها حين سمعها من عناد ورفضَها قولًا وفعلًا
" تبي تنتقم من أبوها عن طريقها يا سلطان؟؟؟ "
إلهي ما الذي يحدث لي؟ ، ما الذي يحدث لي؟؟
ضمّت غزل جسدها بذراعيها وعيناها تنزفانَ ماءً، تعضّ شفتها السـفلى بأسنانها ونحيبها رغمًا عنها يتصاعد، وصلت إليها صفعته! وصلت إليها وإن لم تُلامس بشرتها، وكم كانت صفعته أقوى من أي صفعةٍ غزَت ملامحها قبلًا، كانت صفعةً حارة، حادة، كانت صفعةً وشمَت نفسها على صدرها ... هاهو الخُذلان الأولُ منه، لم تكَد تقوم بما قررته، لم تكد تُمارس ثقتها حتى سقَط من عينيها! ارتفعَ صراخها في كلماتٍ خُذلَت وهي تنظر إليْه بوجَع : الله ياخذك ، الله ياخذك ... خليتني أبكي! قلت عشاني، قلت عشان أرتاح ، والحين صارَت دموعي قدامك كشيء عادي ... الله ياخذك ياكذاب! ما كانت عشاني ، ما كانت عشاني والله
غطّت وجهها بكفيْها وهي تنتحب بحسرة، بينما تراجع هو للخلف مُستغفرًا بكبت، متجهًا للباب الذي دخَل منه وهو يمحُو صوتها المُنتحب وصورتها الباكيةِ من رأسه، لكنّ صورتها انحشْرت رغمًا عنهُ وخُلِّدت في عقله، صورتها كأول جرحٍ منه إليها، وأول خذلانٍ منه يعتريها.
أدار مقبض الباب، لكنّ صوتها الحاقد هتف متجهًا إلى ظهره مباشرة : رجعني لأبوي ، ناره ولا جنتك
تصلّبت يده على المقبض، وحاجبيه انعقدا بينما صدره لازال في موجةِ انفعاله.
أردفت بحقد : رجعني للشخص اللي تربيته واو .. ويصير اللي يصير ما عاد يهمني شيء ، كلّه ولا خداعك، ماني لعبة عندكم ، ماني لعبة عشان تحركونها مثل ما تبون
شدّ بقوةٍ على المقبض وهو يزمّ شفتيه بانفعال، إلا أنه هذهِ المرةَ كبتَه، وبصوتٍ حازمٍ دون أن ينظر إليها : عشم ابليس بالجنة
خرج وأطبق الباب من خلفِه بقوة، ليدوّي صوتَه في المكان مرتدًا في صدرها باعثًا صدى لا يسكن، ضرَبت الأرض بقبضتها بقهرٍ وهي تنخرط في بُكائها وتهتف بضعف : ليه تسوون فيني كذا؟ لييييييه؟


،


كان يجلسُ على سريره، ينظر للأرضِ الظلماءِ بين عتمةِ الغُرفةِ بشرود، بالتأكيد لا يرى إلا صورةً هشّةً للمفرشِ الرمادي، فرماديتُه تشوّشت بالظلام ... كان الأحرى أن يكُون في هذهِ اللحظةِ مُتمددًا على فراشِه ، يستعدّ للنومِ أو قد غاصَ في بِحار أحلامه، لكنّ التفكير يطفو رغمًا عنه فوق البحارِ والمحيطاتِ ويكُون سلطان هو الهواءُ المحرّك له.
يسترجعُ ما قبل ساعات، خارج إطارِ هذا البيتِ وكوبيليةٌ خاصّة دون إطارٍ ترتسم، نظراتُه، نبرته، انعقاد حاجبيه بمزاجٍ معكرٍ ما إن رآه ... وتبقى الصورةُ تتأرجحُ في دماغِه.

*

وقف أمام البابِ وهو يستمع لكلامِ المُحقق لسُلطان وعناد، توقف للحظةٍ والكلمات تصله : الحين بيجي صاحب الشاحنة
ابتسم سلمان ابتسامةً تكاد لا تُرى، مُجرّدُ طيفٍ ارتسم على ملامحهِ واختبأ من أعينِ البشَر .. فتَح البابَ وبرفقته الشُرطي، ومن ثم خطى بخطواتٍ واثقةٍ ليهتف بصوتٍ ثابت : السلام عليكم
وجّه المحقق نظراتِه إليه وابتسم رادًا السلام، بينما استدار عناد تلقائيًا ما إن سمع صوته وعلى ملامحهِ تعبيرٌ مستنكرٍ متسائـل عن سبب تواجده هنا، بينما بقيَ هو ، متحجرًا! ظهرُه إليه وعيناهُ تتسعان بصدمة، نبرتُه دغدغت أذنيه وجالَ في عقله أنّه ليسَ هو، بل بالتأكيد سيكون عقله أخطأ في التعرّف على اهتزازاتِ حبالِه الصوتية، باتَ كل البشر صورتُهم سلمان، وصوتهم سلمان ، وعقلهُ الذي يُطيل التفكير بِه يُخطئ ، لأنّه يراه في كل البشر لتفكيره.
ازدردَ ريقهُ قبل أن يشدّ على قبضتيه، ومن ثمّ استدار ببطءٍ وهو يفتحُ عينيه على اتساعهما حتى تحجّرتا برؤيتِه، واقفًا ينظر إليه بنظراتٍ لا تُفسر ، لم يكُن عقلهُ خاطئًا، عقلهُ لا يُخطئه! لا يُخطئ صوته ، والآن لم يُخطئه ، كان هو من سمِع.
تشنّجت يدُه، ككل مرةٍ يراه فيها من بعدِ خيبته، تشنّجه هذا يُثبت له أن الخيبة تتجدد، لكنّه يتجاهل! كل شيءٍ يتجاهله ويجعل حقده الحديثُ له نصب عينيه.
بلل شفتيْه وهو يُشتت عينيه عنه، ونظراتُ عناد كانت مرتكزةً عليه بقلق، بينما اقترب سلمان بخطواتٍ هادئةٍ ليبتسم للمحقق ويهتف : الله يسلمك ، شكرًا لأنّك اتصلت علي وبلغتني
المحقق يبتسم له : واجبنا
استدار إلى سلطان وهو يبتسم بخفة، وبصوتٍ غريبٍ عنه : مين كان يظن إنّ السيارة اللي كانت طرف بحادث ولد أخوي هي نفسها المسروقة من شركتنا
اتسعَت عينا كلٍ من سلطان وعناد، ودوَى صوتُ مدفعٍ في صدرِه، مدفعٌ للحروب يرمّلُ النساء، يُحيل الغلمان أيتامًا والنساءَ سبايا .. تنفّس بقوةٍ وهو يُشتت حدقتيه .. ماباله؟ وكأنه لا يعلمُ أنّه سلمان منذ البداية؟ ما بال صدمتهِ هذه؟ لمَ تجيئُه في غير محلّها وهو الذي يعلم كيف كان الحادث ومن وراءه.
تشبّث بالثبات، ونظر بخواءٍ إليه، يرسم الجمودْ على ملامحهِ السمراء التي تأبى السقوط، إلا أن سلمان وبكل بساطةِ العالم يقرأُ سقوطه، يراه كتابًا مكشوفًا لديه، وقصةٌ نهايتها معروفة، لم يجهلهُ يومًا، يعرفه كما يعرف نفسه، وليس صعبًا عليه أن يرى نظراته الخائبـة، أكُرهه لهُ كَذِبٌ ولم يستطِع حتى الآن حقدًا عليه؟
اقتَرب عناد من سُلطان حتى يُنقذ الموقف، حاذاهُ ليضعَ كفّهُ على كتفهِ ويبتسم لسلمان هاتفًا بابتسامةٍ لا يفهم مغزاها إلا سلمان : في الحديدة
ابتسم سلمان رغمًا عنه لمكرِه، ليتنهد بصمتٍ هاتفًا : المهم سلطان بخير * ركّز بنظراتِه على ملامحهِ التي تشنّجت * أنا اصلًا أول ما عرفت إن الشاحنة المسروقة هي نفسها اللي تسببت باللي صار أمس قررت أبيعها ... ما تسوى قدامك ترى!
احتَدّت نظراتُ سلطان بحقد، وشدّ على قبضته اليُمنى وخطى نصفَ خطوةٍ إلى الأمام إلا أن عناد شدّ بكفّه على كتفِه وهو يهتف بحزم : هذا العشم فيك يا عمي
عضّ سلطان طرفَ شفتهِ السُفلى ونظراته تتّقدُ متجهةً لعيني سلمان الباردتين، والذي استدار إلى المحقق يستجيب لسؤاله : قلت الشاحنة مسروقة من أسبوع؟
سلمان بثبات : أيه ، وأنا قدمت بلاغ من وقتها
المحقق بعملية : حاليًا البحث عنها لازال جاري * نظر لسلمان بتركيزٍ قبل أن يُردف * أنت عم الضحية؟
سلمان : ايه عمه
المحقق : طيب شاك بأحد؟ فيه ببالك شخص تعتقد انه ممكن يسرق منك الشاحنة ويورطك؟
هزّ سلمان رأسه بالنفي، وبجمود : لا
وجّه المحقق نظراتهُ إلى سلطان الذي تجيش في صدره العديد من المشاعر : وأنت ، مو شاك بأحد؟ مافيه شخص ببالك ممكن يتمنى لك الموت والشر؟
صمت سلطان قليلًا ونظراتُه تثبّت على سلمان الذي ينظر إليه بجمود، لثوانٍ قصيرةٍ كان ينظر إليه، ولسانُه يستعد للفظ اسمه ، إلا أنه أخيرًا هتفَ ببرود : لا
أغمضَ عناد عينيْه براحَة، بينما ابتسم سلمان ابتسامةً صغيرةً لمحها سلطان وشتت عنها عيناه، النارُ لا ترضى أن تنطفئ، لا ترضى أن تترك خلفها دخانًا يثبت أنها كانت، تريد هذه النار أن تراها الناس، تريد أن تبقى شيئًا ملموسًا للعيَان.
صغِرتُ يا أبي، عُدت بعمري ليومِ وفاتك، لم أجد ما أتوكأ عليه وانكمشت حواسي كلّها لذاك اليومِ الأليم، لمَ منعتني يا عناد من الركض إليه واحتضانه؟ لمَ منعتني من الإلتصاقِ بهِ والالتحامِ لنُصبح واحد ... وأموتَ معه.
دماؤكَ كانت يا أبي حمراء! لم أكره هذا اللون كما كرهته يوم ذاك ، بات كلُّ أحمرٍ قاسٍ على قلبي ، دماؤك الطاهرةُ يا أبي رائحتها حتى الآن تُدغدغ أنفي ، لمَ لم تأخذني معك؟ لمَ لم تأخذني؟ لمْ أشتق إليك كما اشتقت الآن بعد أن تثاقلت الخيبات على صدري . . لرُوحك الجنة، ولحُزني النار.

بعد وقتٍ طويل
نهضَ سلمان عن المقعد الذي كان يجلُس عليه وهو يبتسم، ومن الجهةِ المقابلة نهض عناد ومعه سلطان الذي كان مُضطرًا في الدقائق السابقة على اختزانِ الموجِ الناري في صدرهِ والإصتدام مع سلمان ببعض الكلمات.
سلمان بابتسامـة : المهم من كل اللي صار تعرفون من اللي تسبب بالحادث وكان ناوي على ولد أخوي
زفَر سلطان وهو ينظر إليْهِ بحُنق، بينما اقترب منه سلمان ليضعَ كفّهُ على كتفهِ باسمًا : مرة ثانية الحمدلله على سلامتك
تراجعَ للخلف وهو يعض طرف شفتِه بغضب، ونظراتُ عناد تشتدُّ والحال الذي أمامـه لا يعجبه، سلمان مُستفزٌ لسلطان بهذهِ التصرفات خصوصًا حين اكتشف أنَّه بكل بساطةٍ مالكُ الشاحنـة ، أي أنه بالتأكيد سيفكر بكونِ سلمان يفعل ما يريد بأدلةٍ تتجه إليْه لكنّه يتعامل معها وفقَ مصالحـه، الشاحنةُ له، لكنّها مسروقةٌ منذ أسبوع! ماهذا التلاعب والمكر!
انتبه عناد لنظرات المُحقق الثاقبة عليهما، بالتأكيد يستنكر ما يحدث بينهما وهما عمٌ وابن أخٍ ونظراتُ النفورُ بارزةٌ في عيني سلطان.
تنحنح المُحقق وهو يتجاهل ما يرى ويضع في نصبِ عينيه أن لا شأنَ لهُ بعلاقتهما وإن كان يتخلخلها النفور، وبهدُوء : انتهينا ، إذا فيه شيء ثاني بتواصل معكم بعدين
ابتسم إليْه سلمان شاكرًا، ومن ثمّ استدارَ ، بقيَ يتطلع بسلطان لثوانٍ قصيرة، ثوانٍ تختزلُ فيها الحناجِرُ صوتَها، والجفونُ رفرفتها، والمحاجرُ نظراتٍ تحمل كل التناقضات ، كلٌّ التناقضاتِ تأتي من أعيُنهمت تلفظُ الذكرى ويستقرُّ فيها الكَدر!
تحرّك سلمان بجمودٍ باتجاه الباب، واضطرّ الاثنانُ التحرك خلفه، خرجوا جميعًا وفي خلجاتِ كلٍّ منهم شيءٌ مختلفٌ عن الآخر، من كان يظنُّ أنه سيُقابله هنا؟ من كان يظنُّ أن يراهُ في هذا المكان ليتجدد الحقد في قلبه؟ هل الأقدارُ تختارُه للألم؟ هل يرتبط اسمهُ بزعزعةِ الفرح؟ نسيتُ الراحـة، نسيتُ النومَ دون التفكير قبلًا، قِيل لي يوم موتِ والدي، يوم استقرَّ البُكاء على محجري " كل شيء بخير، أبُوك بخير، وأنت بخير ، وكلنا بخير "، قيل لي ذلك واستقرّ برأسي، وتداركت الآن أن من قالها هو من جعَل كل شيءٍ - ليس بخير -.
من يشرحُ مافي صدرِي؟ من لديه الأبجديات الكافية حتى يكتب مرثيةً وزنُها البكاء وقوافيها الخيبة؟ من لديْه القدرةُ الكافية حتى يستوعب مقدار الألم في قلبي ولا يمُوت؟
تشوّشت الرؤيـَا في عينيه، الدموع سلالمُ السُقوط، كل ما ارتفعَت خطواتُ السقوط على عتباتِها سقطت هي أكثر! لم أُحبّذ البُكاء يومًا، لم أكُن صديق الدموع ولا يريد كبريائي ذلك، لمَ ظهرت؟ لم جئتَ وجددت في قلبي الألـم؟
بلل شفتيه وهو يتنفس بصعوبة، يرتفعُ صدره بمقدارِ الألمِ الذي ينتَحله، يهتز ثباته رغمًا عنه ، سيشهد التاريخ أنّه بكى في داخلهِ ولا زال ينزف، سيشهد التاريخُ أن بكاءُ العينين لا يدلّ على الضعف، فبُكاء القلبِ هو الضعف.
كان سُلطان يمشي وعيناه متعلقتان بظهرِ سلمان الذي يمشي أمامه بثقة، وعناد يمشي بجانب سلطان ويشعر بالضغطِ الذي يستحلّ صدره، مدّ كفه ليُمسك كفّه ويرفعها قليلًا ليستدير سلطان برأسه بعد أن توقّفَ ناظرًا لهُ بفراغ، حينها همسَ له عناد وقد توقّف معه : لا تسوي شيء ، اعتبره ماهو موجود
سلطان بحرقةٍ وصوتٍ ذاهبِ النبرات وهو يعود للنظر إلى سلمان الذي توقف عند باب مركز الشرطة : ما أقدر ، ما أقدر يا عناد ما أقدر .. شلون تبيني أتجاهله وهو غصّة بحلقي
عناد بحزم : حاول تلفظه
سلطان ينظر لسلمان الذي كان قد توقف ما إن جاء إليه شخصٌ وبدأ بالحديث معه، وبقهر : عايش حياتَه ، ما كأنه قتل أخوه .. يظن اني بتركه كذا! لا والله ما حزر وبأقرب فرصـة بفضحه وبخليه ياخذ حقه كامل وزود
صمَت عناد ولم يُبدِي حرفًا، بينما كان سلمان من أمامهم قد أدار رأسه قليلًا باتجاههم، نظراتُه تعلّقت بسلطان للحظتين، وتعلّقت نظراتُ القهر في عيني سلطانِ إليْه، من المؤلم أن تعيشَ لخمسة عشرَ عامًا وأنت في كنفٍ لتكتشف أنّك في بئرِ الخذلان، من دفءِ الأبِ البديل عن من رحَل إلى قبرِ الخداع. هل هناك مخلوقاتٌ بهذا القُبح؟ انتقم لوالدي يا الله، انتقم لوالدي ... وانتقم لقلبِي وحزني.
تحرّك سلمان مُبتعدً، يطوي الأرض بخطواتِه، مخلفًا خلفهُ كوماتٍ من الذكريات، من الدمَاء، من الحضُور الذي كلما كرر نفسه كرر في قلبِ سلطان الألم.

*

حُزنكَ طاغٍ، حزنكَ ألم، أدركُ كل هذا ، وأنا حُزني فراق ... سننتقمُ معًا، سننتقمُ معًا وهذا من قلبي إليْك.


،


باقترابِ الساعةِ من الرابعةِ فجرًا
استشعَرَ تحرّك جسَدها بجانبِه، تقلّبت ذات اليمين وذات الشمال وهي تعقدُ حاجبيها، صوتٌ ما يتخلخل سمعها، صوتٌ دفينٌ تحت الترابِ ترى صاحبه أمامها. تنفَّست بصعوبَة، ذاتُ الوصايا التي كان يُمطرها عليها انقلبَت إلى استنكارٍ وعَتب.
لمَ حدثت الخيـانة؟ هل كان سهلًا عليكِ كُلّ هذا الذنب؟ ، أسيل ، لقد أحرقتني بما فعلتِه، لقد استحللتي ذنبًا واللهِ لن تحتمله الجبال ، قلتِ لن تخوني، فكيف فعلتِ؟
فغَرت شفتيها وعيناها مغلقتان، مازالت بين الصحوةِ والمنام، تجتذبها الكوابيسُ وصوتُه العاتب، تجتذبها ملامحه الحزينةُ وعيناهُ النازفتين عتبًا، نبرتُه القارسة، جسدُه الذي يتجمد أمامها وكفيه المُندسّتان في جيبِ آخرٍ بنطالٍ كان قد ارتداه قبل أن يُسافر ، يقف على بعدٍ منها، ينظر إليْها بحُزن، الوحدةُ ترسم نفسها في تقاسيمه، وكأنه يقول كان في وحدتي أنتِ، فأُزيلت ، والآن من سيُزيلها؟ خذلتني بما فعلتِ، خذلتني يا أسيل.
أغمض عينيه الحزينتين، ومن ثمّ أدارها ظهرهُ ليعبُر عبور الجاثمين فوقَ قُلوبِ المُحبين، غادَر وثقلٌ ما أصاب صدرها، منعها من التنفّسِ بانسيابيَة.
نهضَ شاهين من منامهِ حين سمعَ صوت أنفاسها تعلُو، نظر إلى ملامحها وهو يعقدُ حاجبيه بقلق، كانت قد استدارت على جانبِها الأيسر وكفُّها اليُمنى انقبضَت على قميصِ نومها الليموني، صدرها كان يرتفعُ وينخفض بعُنف، وأنفاسها المتعرقلةُ تعبر بين شفتيها باردةً ببرودةِ الغرفة.
همس شاهين بقلقٍ وهو يمسحُ على وجنتها : أسيل؟
ارتعشَت شفتاها ببرودةٍ تستحلّها، وشدّت أجفانها على صفيحةِ عينيها، بينما صوتُ شاهين يجتذبها نحو الواقـِع، والصوتُ الآخر يجتذبها نحو عالمهِ هو، جسدُه لازال يبتعد، قدماها تُريدان التحرّكَ خلفه، لكنّهما فجأةً تشعر وكأنّ حبالًا تلتف حولهما، حبالًا تشدُّ على ساقيها لتجرح بشرتها الرقيقة. نظرَت لجسدِ متعب المُبتعد، ودموعها سقطت تلقائيًا مواكبةً عمقَ الألم في قلبها، عمقَ التأثّرِ بنظرتِه الكسيرة/اللائمـة.
كانت ستصرخُ وتناديه، كانت ستلفظ اسمه بكلِّ أصواتِ العالمين، لكنّ يدا شاهين اللتين استراحتا على وجنتيها مُحيطتان لوجهها اشتعلت بدفئها على بشرتِها، يشدُّ على ملامحها وصوته العميق يتسلل بين خيوطِ منامها : أسيل ، أسييييل
فتحَت عينيها رغمًا عنها وصوتُ الواقِع كان أقوى، نظرت لملامحِ شاهين بين الظلامِ وصدرها يرتفعُ وينخفضُ باضطراب، عيناها تتوهان بين نظرتِه القلقةِ وكفيه اللتين تحيطان وجهها بدفء.
همس لها بقلق : ربِّ أُعيذها بكَ من همزات الشيطان وأن يحضرون ، عسى ماشر!!
بقيَت تنظر إليْه للحظتين وحدقتيها تهتزّان بعدم استيعاب، صدرها لازال مُضطربًا، تحاول محو صورةِ متعب الطافيةِ على ملامحِ شاهين، وصوتِه الذي يختلطُ بصوته.
همست ما إن وجدت نبرتها الواهنة : شفت لي كابوس بس
شاهين باهتمام : تعوّذي من الشيطان ومنه
رفرفرت أهدابها وهي تمتم مستعيذةً من الشيطان دون أن تستعيد مما في الحُلم، فكيف عساها تستعيذُ من متعب؟
شاهين يهتف باهتمام : وش شايفة بالحلم؟
بللت شفتيها بارتباكٍ قبل أن تهمس : ما ينفع أقوله ، الرسول صلى الله وعليه وسلم ما قال احكوا عن الكوابيس الشينة
ابتسم لها بعذوبة : خلاص اخرستيني ، عسى ما يكون الكابوس عني بس
ابتسمت باهتزازٍ وهي تبلل شفتيها بلسانها، وبهمس : لا تحاتي منت كابوس
ابتسم وهو ينحني نحوها قليلًا، ليُداعب وجنتها بأنفه هامسًا : متأكدة؟
أغمضت عينيها وهي تزدرد ريقها بعذاب، بينما قلبها يتصاعدُ صوتهُ بين أضلعها، يختلط مداهُ مع ضرباتِ قلبهِ المُنتظمة، وجسدها ينخفض ارتعاشهُ رويدًا رويدًا بدفءِ جسده، وكأنّ ما كان يجعله ينتفض لم يكُن سوى بردًا تخلخل مساماتها واجتازها، مع أنّ الإرتعاش بفعلِ البرودةِ بعيدٌ عنها كبُعدِ الغائبين عن الوجوه.
شعَرت بهِ يجلسُ ويتكئ بمرفقهِ على الوسادةِ بينما كفّه على شعرها وذراعهُ الأخرى تُحيط جسدها، وبعبث : شرايك أحكي لك قصة قبل النوم؟ يمكن ، لا أكيد بتروح كوابيسك
لم تستطِع منع شفتيها من الإبتسام لنبرتِه العابثة، تُحاول عيناها طردَ صورةِ متعب ووضع شاهين أمامها، تُحاول الإستغفال عن نظرةِ الخيبةِ في عينيه الشاحبتين كشحوبِ الأمـوات ... همست تستجيب لهُ وتطردُ كل ما رأته : طيب ، قول يلا
شاهين : تبين قصة رومانسية والا رعب؟
ضحكَت رغمًا عنها لاستعباطِه، حينها ابتسم وهو يهتف : يخلي هالضحكة ، يلا حددي وش تبين بالضبط؟
أسيل بابتسامةٍ بعد أن سكَنت ضحكتها القصيرة : اللي تبيه احكيه
التوت ابتسامةُ شاهين بمكرٍ وصورةٌ حلوة تغزو ذكرياته، انحنى وجهه قليلًا إليها ليهمس بلؤم : أحكي لك قصة الأميرة عاشقة النوتيلا؟
عقدَت حاجبيها بادئ الأمرِ وكأنها تُحاول استيعاب مقصده، ولم تلبث ثانيتين حتى اتسعت عيناها بصدمةٍ وإحراجٍ وهي تجلس مندفعةً هاتفةً برجـاء : شاهيييييين
شاهين يضحك بعد انقطاب ملامحها بإحراجٍ بين خيوط الظلام، استدار ناحية الكومدينة ومدّ يده ليُشعل نور الأبجورةِ الذي انتشر في الغرفةِ الظلماء، ومن ثمّ عاد ليستدير إلى ملامحها التي أُنير خجلها بالضوءِ البرتقالي : ههههههههههههههههههههه الحين وشوله الخجل؟ القصة تراها عاديـة
شتت عيناها بإحراجٍ وهي تُبلل شفتيها، وبعبوسٍ دون أن تنظر إليْه : انسى اللي صـار
اقترب منها والخبثُ يرتسم في زوايا عينيه : وش أنسى؟
أسيل تقطّب جبينها بضيق : عوذة منكم يا الرجـال ما تغفلون عن شيء الا وتستغلونه قدام البنات
شاهين : هههههههههههههههههههههه أفا عليك بس
أردفَ بلؤمٍ أكبر : عاد الأميرة هذيك يقولون بياخذها الأمير لمطعم صمموه خصيصًا من النوتيلا ، ألل ثينق نوتيلا ، حتى الكراسي والطاولات
أسيل توجّه نظراتها إليه وتعقد حاجبيها هاتفةً بتكشير : سامج
شاهين : افا ياذا العلم
أسيل : راح أمسك عليك شيء اصبر علي بس
شاهين ولم يستطع منع ضحكاتِه التي انتشرت في الغرفة : هههههههههههههههههههههههه ما أدري ليه حسيت بالخوف
أسيل بعبوس : تتطنز علي؟ ما عليه تطنز
تمددت على السرير وتغطّت باللحافِ حتى تعودَ للنوم، بينما ضحكات شاهين التي تعالَت تطرُق أذناها حتى خفتت قليلًا حين تمدد بجانبها وهو يُحيطها بإحدى ذراعيه هامسًا بنبرةٍ ضاحكة : نتغشمر وياج ، امبيييه محد يقول لج شيء
ابتسمت أسيل رغمًا عنها : لا تخرب اللهجة واللي يعافيك
عانقها وهو يضحكَ، وذراتُ السعادةِ تنتشر في الأجـواء، من كان يظنّ أن السعـادة ستكون بهذه البساطة؟ وأن بابها سهلُ الفتح، وأن السعادة عينيها!
همسَ لها قبل أن يُقبل وجنتها : أنتِ تآمرين أمر


،


الآن اعتكفت في غرفتها، بعد كلّ ما حدث جلَست تبكي لدقائق في الصالـةِ وفي ذاتِ حالتها حين خرج سلطان، بكَت حتى شعرت بالصداعِ يفتك برأسها، كل ألمٍ جسديٍ قد تشعر بهِ لن يكُون موازيًا للألم النفسي الذي يمحق كل ذرةٍ فيها، يمحق كلّ سكونٍ في خلاياها ليبقى الإنتفاضُ مرافقًا لها حتى هذهِ اللحظة، لم تبكي من قبلُ كما بكت اليوم، اليومَ كان بُكاؤها يهزُّ الدنيـا، كان بكاؤها يوازي جرح الأيام السابقةِ والسنين التي عاشتها في كنفِ الجِراح ، و " آه يا الجراح ، راح اللي راح .. وراحتي! من ياترى بيردها؟ ". من يردُّ إلي راحتي؟ غنّى البَدر بالجراح، وكأنّه يتغنى بي، غنّى البَدر بنايٍ حزين، وأنا النايُ يا ابن عبدالمحسن، من يردُّ إلي راحتي؟ من يردُّ السنين ويُحوّر الحُزن فيها؟
آه يا الجراح ، راح اللي راح
وراحتي! من يا ترى بيردها
تمرّ سنينُ عمري، و " اللي راح ، مايروح! والله ما يروح " الوقتُ يجري ويذهب، لكنّ مافيه يبقى في القلبِ ويجرح، يبقى في صدرِي مُخلَّد، يبقى في عيناي دمعاتٍ ملوحتها كالبحرِ الأسود، ذاك البحرُ الميت الذي لا يعيشُ فيهِ أي كائنٍ حي، لأن من يعيشُ فيه ، يموت! وهكذا الفرحُ فيَّ يمُوت.
مسحَت على ملامحها السمراء، وضغطت بكفّها على أرنبةِ أنفها المُرتفعة، سُلطـان لم يعُد حتى الآن، وياليته لا يعُود! لا تُريد رؤيتـه بعد ماحدث، يكفي! يكفــي!!


،


سيّارتُه متوقفةٌ أمـام إحدى الحدائِق التي ينتفض عنها الناسُ في هذهِ اللحظـات، هاهي الحدائقُ تحمل صفةً ما وجدَت في الإنسان، " الوحـدة ". . أوَحيدةٌ أنتِ أيتها الأرضُ الخضراء؟ اللُّعبُ التي تستوي على مفرشِك الأخضر وجودُها كعدمِها، الأرجوحةُ الفقيرةُ من الأطفال، الضحكَاتُ حولك، صدقيني أشعُر بِك! أنا حياتي كانت كلُّها هو بعد أبي، واكتشفت أنّها لم تكن شيئًا، كانت فراغًا وفي العدِم أدركت أن كل الناس ان اجتمعوا لن يكونوا ملء فراغي، حتى عنادُ وأمي وغيداء، كلّهم لازالوا معي، لازالوا يشغرون حياتي، هم العائلةُ التي لا تتجانسُ بالدم، لكنني رغمًا عني حين يظهرُ سلمان أشعر أنني وحيد . . يا فراغًا يشغُر الدنيـا ببطشِه، أنا والحديقةُ يتيمان، غُصننا وحيدٌ دون أوراق، حلّ الخريف وجرّدنا من كل أوراقنا وظلّ أثره باقيًا فينا. شكرًا يا خريفنا الجاف، لذهبيتِك، لملمسكِ الذي سُرعان ما يُحوّلنا - فتات -، شكرًا لساديّتك .. الحدائقُ تبكي نفسها، وتبكيني! حفيفُ الأشجارِ يتسلّقُ وجنتي مطبطبًا على كل جراحي، ولا دواء ، أنا الوباء! إن كُنت منذ الأزل وضعتُ حياتي فيهِ فأنا الوبـاء، ولن تنطفِ جراحي.
رفعَ رأسهُ للسماء، القمرُ يتوسطُ السماء بدرًا وغيمةٌ كهلى تُغطّي نصفهُ، لمَ أفقدتِه هويتهُ في منتصف الشهر؟ ألا يُرضيكِ أن يكون بدرًا؟ هل تغارين؟ تمامًا كما يغارُ الوجعُ مني ويغطي كاملي لا منتصفي؟ ، ما بالي أفقدني؟ ما بالي أخسر سُلطان ويستوطنني من لا أعرف؟ كدتُ أضربها يا الله! كدتُ أصفها وأتساقط أمام عينيها كأوراقِ الخريفِ الجافة، هذا إن لم أسقُط بعد.
أنا والخريفُ عاشقان، كلّما جاءني حزنٌ عانقني، وكلّما جاءتهُ ريحٌ لملمْتهُ كي لا يتساقط. اشكرنِي أيضًا، لا تكُ كالغيمةِ الكهلى والوجعْ! كُن رفيقًا وطبطب على جراحِي ... فأنا وحيد، وهويتي تتساقط من بين أناملي.


،


في الصباحِ الباكر
قطراتُ الندى المتساقطةِ من أوراقِ الشجَر، وقطراتُ الماء المُتكثفةِ على نوافذِ بروكسيل الباردة، السماءُ يتكتّلُ فيها الغيم، والنسيمُ يأتي من كلِّ حدبٍ وصوبٍ باردًا يلفظُ الدفء.
أحاطَ عُنقه بالوشاحِ الصوفي الثخين، يرتدي اللون الأسودَ حتى يجتذب بعض الدفء، يضعُ على رأسهِ قُبعةً رمادية، والمعطفُ الغامق ينحدر على جسدهِ الرياضِي حتى ركبتيه .. تحرّكت قدماه باتجاهِ بابِ غُرفته، فتحهُ ومن ثمّ خرج، كفيه تندسّان في قفازٍ صوفيٍ ومن ثمّ في جيبِ معطفِه تبحثان عن الدفء، الشقةُ في هذهِ الأثناء هادئـة، غادة نائمة، وكذلك أخيه حُسـام، كل الهدوءِ الذي يعدو في حياتِهم بارد، هو الهدوءُ الذي يسمى بما قبل العاصفة، هكذا يقول لهُ قلبه، وهذا ما يُخيفه.
تحرّك باتجاهِ البابِ حتى يخرج، سينزل للمقهى الذي يقع أسفل المبنى حتى يشرب كوبًا من القهوةِ تُدفئ حنجرته، لن يبتعد. هذا ما كان يقُوله لنفسه، عائلته الباقية أمام عينيه، فلا خطَر عليهم.
نزَل عتباتِ الدرج بهرولة، خرج من بابِ المبنى واستدارَ يمينًا حتى يتجه للمقهى الذي لا يبتعد خطوات عديدة، ومن ثمّ دخل ليجلس في مقعدهِ المُعتاد، يتناول الجريدة التي على الطاولـةِ بعد أن طلب قهوته التركية المرّة، ويبدأ بقراءةِ آخر ما استجد في هذا العالم القاسي، الدول العربية، الإنتفاضاتُ الشعبية، الدماءُ والبطشْ، كل تلك الأخبـار العنيفةُ تصوّر أمامه أرملةً أو يتيمًا، أو - أرملًا! - ... هذا اللفظُ قاسٍ، واللهِ قاسٍ ... زمّ شفتيه قبل أن يُغمض عينيه ويتنفس بعمق، وحين شعر بالنادل يضع قهوته على الطاولةِ فتح عينيه ونظر إليه مُتبسمًا شاكرًا له.
وضعَ الجريدة على الطاولة ومدّ يدهُ إلى كوبِ القهوةِ حتى يُدفئها وبين كوبهِ وبشرته قفازٌ يحدّ من الحرارةِ الحارقة، شردَ قليلًا أمـامَ الدخان المتصاعد الذي يشوّه صفاءَ ملامحه، عيناهُ روايـةٌ أخرى، لن يقول قصة! هي ليست قصةً والله يعلم ذلك، عيناهُ شخوصٌ وكوارث، عيناهُ عقدةٌ لم تجد الحل ، ملحمةٌ أدبيةٌ لم تنتهي ولا يعلم إن كانت ستنتهي ، هل نهايتي كارثـة! روايةٌ ملحميةٌ بائسة! صدقوني إن الروايات التي تبدأ حزينةً وتنتهي حزينةً لا تُحزِن، لكنّ التي تبدأ سعيدةً وتنتهي حزينةً لا تمر مرور الكرام ، وأنا أريد المرور مرور الكرام، أريد أن أكون عاديًا/روتينيًا، لكن لا أنتهي حزينًا دون هدفٍ وحيـاة، لا أبدأ سعيدًا وأنتهي حزينًا.
استيقظ من كابوس اليقظةِ على صوتٍ أثارَ السلام، حينها رفعَ رأسه ليبتسم رغمًا عنه باهتزازٍ ويهتف : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، حيّ العم يوسف
يوسف يجلسُ في المقعدِ الذي أمامه ويبتسم : الله يحييك ، كيفك اليوم؟
بَدر بابتسامةٍ ينظر إلى ملامحه البشوشة : طيب طاب حالك
يوسف : من دخلت وأنا منتبه لك ، ملاحظك اليوم عابس، ليه وش قريت بالجريدة؟
نظر بَدر إلى الجريدة المرمية على الطاولة دون مبالاة، أعاد نظراتِه إلى يوسف ليهتف : كنت أطالع سلوم العرب
يوسف بابتسامة : وش لقيت؟
بَدر : العرب مامنهم رجا
يوسف : الحال نفسه؟
بدر : ويتردى ، قاعدين نرجع لزمن الجاهليـة
يوسف : من أي ناحيـة؟
أعـاد بدر ظهرهُ للخلفِ ليُدير رأسه ناحيـة النادلِ ويُناديه، ومن ثمّ نظر ليوسف : نفس اللي تشربه كل يوم؟
يوسف تتسع ابتسامته وهو ينظر إليْه : ايه ما عليك أمر
حضر النادل ليطلبه شايًا دون سُكر، وما إن ذهب النادل حتى رفع كوب قهوتِه وشرب منها القليل، ليُعيد يُوسف سؤاله : ما علمتني ، من أي ناحية؟
بَدر يرفَع يدهُ ليُزيل القبعة الصوفية التي تُعانق رأسه، حرر شُعيراته السوداء ووضَع القُبعة جانبًا على الطاولة، لفظ ناظرًا إلى يُوسف : عنصرية مقيتة ، شيعي سني أبيض أسود غني فقير والقائمة تطول ، هذا اللي يذبح والله! إذا ما رجعنا للجاهلية فاحنا رجعنا لأوروبا القديمة ، مابقي غير نحط قانون لقتل كل شخص يختلف مذهبه او لونه أو جنسيته عنا، ونبتكر آلآت تعذيب جديدة ننافس فيها ابتكارات العصر المظلم
يوسف ينظر إليْه مطولًا، يُحب فيه عروبته الشرقية، غيرته على بلاده، قهرهُ على ما وصَل إليْه العرب، تعرّف عليه بعد وصولهِ إلى بروكسيل بأيـام، وأصبح يلتقي بهِ تقريبًا كل صباحٍ في هذا المقهى، لا يعرف عنه الكثير، بل على الأحرى لا يعرف عنه الا اسمه وأين يعيش وأنّه مع أخويْه، هذا هو ما يعرفُه عنه فقط، حتى عمله حين سأله ماهيته قام بَدر بتحوير الموضوع وتغييره، يرى فيهِ ذكاءً وحزمًا، صلابةً يشوبها الحزن الذي يُغطّي عينيه!
أردفَ بَدر وهو يرفعُ كوبهُ إلى شفتيه : الله يرحم أيـام العصر المُزهر، المسلمين كانوا في شيء وصاروا في شيء ثاني
يوسف : منت متأمل فيهم خير؟
بَدر : على هالحال ، لا والله
وصَل النادلُ بالشاي، وضعهُ على الطاولةِ ليُغادر، بينما هتفَ يوسف : طيب خلنا من العرب الله فوق ويقويهم بإذنه ، أنت ماقد نويت تتزوج؟
نظَر بدر إلى يوسف بصدمةٍ من سؤالـه، عيناه اتسعتا قليلًا قبل أن يتلعثم شعورهُ ويزدرد غصةً مدويةً في حُنجرته، ماذا عساه يقول له؟ أنا أرمل؟ وحُزني أرملٌ دون بكاء، وصوتي أرمل دون النبرات؟ أنا أرمل! بكى قلبي لفظًا ليسَ سهلًا، قد يراهُ البعض سهلًا، لكنّ قلبي لا يراه .. من المفترض أن يقول له الآن أنّه أرمل، وأن زوجته متوفاة، وأنه وحيد! لكنّه بكل بساطةٍ لا يستطيع! الكلمةُ أكبر، أكبر بكثير من أن يقولها، أكبر بكثير من أن تحملها لسانه وينطق بها، أكبر من كل الدنيـا وحُزني سقَر، أنفاسي باتت زمهريرًا، عيناي عيونٌ من شياط.
ازدرد ريقه مرةً ومرارًا، وانقبضت كفاه على الكُوب الساخن، هذهِ المرة وصلت الحرارةُ إلى بشرتهِ بشدِه على الكوب، عيناه تضيقتا كمعبرٍ اكتظَّ بالعابرين. كانت نظراتُ يوسف تتابعه، وكأنه يريد أن يفهم هذا الرجل الذي يراه غامضًا حتى الآن.
بَدر يُشتت عينيه عن الكوب قبل أن يهمس بعبرة : ما بعد يجي الوقت
يوسف باهتمام : كم عمرك؟
بدر ينظر لسطحِ القهوةِ بعينين خاويتين : ٣٣
يوسف بنبرةٍ مُتفاجئـة : وتقول ما بعد يجي الوقت؟! خلاص ياوليدي صرت رجال وحق عرس وعيال
بَدر ببهوت : ماني مستعد للزواج
صمت يوسف للحظةٍ يقرأ نبرته الحزينة، يترجم الخيبات في صوتِه والشوق والغياب ... همَس بعد فترةٍ طالت قليلًا من الصمتِ وقهوةُ بدر تستعد للبرود : براحتك ، بس حاول تشد حيلك وتفكر بالزواج اللي مثل عمرك عندهم درزن عيال
بلل بَدر شفتيه قبل أن يرفعَ الكوب ويرتشف رشفةً كبيرةً بتوتر، نهضَ يُريد إنهاء هذا الحديث الذي يهزّ أوتار شوقه، يصيبه في صميم التحامهِ بالأموات ، هتف بعجلـة : اعذرني عمي يوسف ، أهلي تاركهم بروحهم وما أبي أتأخر عليهم
ابتسم لهُ يوسف بشفافيةٍ ليودعه، ويغادر بدر بعد أن دفَع الحساب هربًا من تضاعف الشوق لكن هيهات فالشوق يثمر في قلبه.


،


جمعت شعرها خلف رأسها في " كعكة "، تتأمل صورتها التي تنعكسُ في مرآةِ التسريحةِ ببهوت وهي جالسةٌ على السرير، تنسحب مداركُ الراحـة في عينيها وملامحها السمراء، هذهِ الكذبةُ أكبر من كل التي قبلها، أعظمُ بشدةٍ في نطاقِ الزوجية. تنهّدت وهي تخلخل أناملها بين خصلاتِ شعرها لتحررها من جديدٍ وتعود للملمتها خلف رأسها، هاجمها الشرود حتى وجدَت اللعب في شعرها هو متعتُه، لم تنتبه لسيفٍ حين دخل وهتف لها بعجلة : ما خلصتي؟
لم ترد، بقيَت تنظر لصورتها في المرآة وهي لا تراها فعليًا، لتنضمّ لصورتها المُنعكسة صورةُ سيف حين اقترب من السرير وانعكس على المرآة في إطـارٍ يهتف أنه إطـار الحياة، وأنّهما جُمعا معًا ولن يفترقا إلا إن حُطّم هذا الإطـار، ويا خشيتي إن كان هذا الفأس الذي سيحطّم إطارنا هو كذباتِي ، بالأمس كذبتي " ما علي صلاة " وابتعد! أمام كل كذباتي لم أشعر بعظمتها كما هذه، لا بأس، هو لا يستحق كل هذا الندَم، لأجل طفلِي سأفعل الكثير ولن أندم، وسأكذِب إن تطلّب الأمر أيضًا، أقررت بنفسي عدم الندم، ولن أندم.
شعرَت بكفِّه الدافئة على كتفها وصوتهُ يهتف : وينك؟
انتفضت وكأنها استوعبت الواقَع أخيرًا ونظرت إليه بفتور، بينما استقام في وقفته هاتفًا : بتأخر على شغلي ما خلصتي للحين؟
ازدردت ريقها وهي تُلملم شعرها من جديدٍ وترتّبه هذه المرّة، ترجّلت عن السرير بعجلةٍ لتهتف وهي تتجه للخزانـة دون أن تنظر إليه : خلاص خلصت
تحرّك سيف مبتعدًا حتى يخرج وهو يأمرها بعجلة : بنتظرك في السيارة ، لا تتأخرين
أومأت وهي تُخرج عباءتها، استدارت بعد أن أغلقت باب الخزانة لتُسند ظهرها عليه وتُغمض عينيها وهي تضمّ العباءة إليها، سامحني يا الله ، سامحني.


،


قميصٌ أبيضَ رسمي وتنورةٌ سوداء ينسدلان على جسدها، شعرها الذي طال قليلًا حتى أسفلَ كتفيها رفعته في ذيلِ حصان، وجهها الشاحبُ غطّت شحوبَه ببعضِ مساحيق التجميل، رسمَت كحلًا فوقَ جفنها العلوي بانسيابِ " القطّة "، ووضعَت أحمرَ شفاهٍ ورديٍ على شفتيها حتى تتورد ملامحها البائسةُ قليلًا ... جلَست مطولًا مع نفسها ليلًا، تنظر لملامحها أمـام المرآة، تسترجع كلمات هديل، نبرتها، عيناها اللتين يظهر الإزدراءُ فيهما، الإنتفاضاتُ التي تعلو كفيها الآن لا لومةَ عليها، متوترة، أجل، تشعر أن التوترُ يسحقُ كفيّها وأن لمعةَ عيناها ضعيفتان.
كانت نتيجة الإجتماع الذي عقدتْه ليلًا مع انعكاس صورتها في المرآة أنها خاطئـة، وأن هديل أصابت في كل شيء، هذا الضعفُ الإيماني الذي ينتحل قلبها يجب أن يزول، هذا الصوتُ الخافت لابد لهُ من العلو، هذهِ النظرةُ المظلمةُ لابد لها أن تنير، وشحوبها الميت سيُحيى، الحيـاةُ واحدة، والنِّعمُ كثيرة، من هي لتجحد نعم الله كلّها عليها لسنةٍ أُختزل فيها مُصطلح الوجعْ! ومن هي لتبتعد عن الله وتنسى أن كل زوال شقائها بقُربها منه! يا الله، أنت الحيُّ والباقي، وأنت الكريمُ المتعالي ، أبوءُ لكَ بذنبي، وضعفي، وانهزامي، أبوءُ لكَ بخسارتي الأيام السابقة، بجزعي .. فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
حزني لازال في قلبي، يأسي يُحارب تفاؤلي، كل الأيامِ الماضيةِ لم تزُل إلا أنني أحاول إخفاءها بوشاحٍ رقيق علَّ هذا الوجعَ ينحدر عن قلبي ويتلاشى، علَّ دمعِي ينضب، إن تركتني الأيادي لأسقط فيدُك ممدودةٌ لا تترك عبدًا، ممدودةٌ بكرمِك ورحمتك ، وأنت أقرب إليَّ من حبلِ الوتين.
لم أتجاوز حُزني بعد، ولم أنسى بعد، لكنني أحاول التجاوز دون النسيان، سأتناسى! كلماتُ هديل كانت المطرق الذي ضرب عقلي، إنني إنسانةٌ جاحدة! حُزني مُبتذل، بما أنّك ربي ... فحُزني مُبتذل.
تحرّكت بتوترٍ بعد أن ارتدت حذاءها الأسود، تناولت عباءتها واتجهت للباب تُحاول درءَ إرادتها في ارتداء عباءتها أولًا ومن ثمّ الخروج إليهم، ستتأقلم مع حالها هذا ، ستتأقلم حتى يُفرّج الله لها حزنها السابق.
تحرّكت في الممر المؤدي لعتبات الدرجِ بتوترٍ وهي تضمّ العباءة إلى صدرها، العائلـةُ بأكملها ستكون بالتأكيد تجلس على طاولةِ الإفطار، ساكنين أو ضاحكين، لا تدري! كل ما تدركه هو أنها أدخلت البؤس هنا.
في تلك الأثنـاء كانت هالـة تصعد بالإفطار إليها، حين أمرت هديل بأخذ الفطور لها صمتت ولم تُبدي الموافقة، واستشفّت الرفض من صمتها، لذا استغلت كون عبدالله لم ينضمَّ بعد لسفرةِ الإفطار وصعدت بالإفطار إليْها بنفسها، فلو كان عبدالله موجودًا لمنعها درءًا للمشاكل.
صعدَت عتباتِ الدرجِ وهي تزفرُ للحال الذي وصلوا إليْه، كانت تمشي وقد هاجمها بعض الشرود، وإلين من الجهةِ الأخرى صنعَ توترها الأفكار لتشردَ أيضًا وعناقُها لعباءتها يتضاعف، تشدّ هذا القماش الأسودَ إليها علّه يمتص السوادَ في أفكارها وقلبها.
كانت تطوي خطواتِها شرودًا، عقلها يُسافرُ على بحرِ الظُلمات، فوقَ سفينة التوترِ والضعف، حتى اصتدمت أخيرًا بهالة دون أن تشعر وتسقطَ صينية الفطور على الأرض وكل ما يحمله والحليبُ الساخن تشاركَ ما بين ذراعِ هالـة وصدر إلين لتنبعَ الآهةُ منهما في ذاتِ اللحظة.


.

.

.

انــتــهــى

وموعدنا الجاي بيكون الأربعاء أو صباحية الخميس بإذن الله ()

+ أحس إنّي مبسوطة لأنّي قاعدة أشوف تطوّر بأسلوبي ، أو يتهيأ لي! عمومًا فيه نقطة سألتني وحدة من البنات عنها في الآسك مرة وهي عمر الأبطال. طبعًا قلت برتّب الأعمار في بالي وبفرزها لكم بس انشغلت وقتها بالدراسـة وما عاد حطيت لكم الأعمار، لذلك ان شاء الله في الجاي راح أحطها في نهايةِ أي جزء، ممكن اللي جاي وممكن اللي وراه، عمومًا هو على حسب اذا حصلت وقت كافي.
وعلى فكرة، ممكن لما أحط لكم الأعمار تخالف البعض منها المذكور في أجزاء الروايـة، عادي ترى ممكن أغلط، وأنا ما عندي نية أرجع للأجزاء اللي قبل وأغير شيء ما يأثر على الروايـة ككل، خلاص اللي حطيته يثبت! كل شيء فات بيظل مثل ماهو وأنا حابة ان كل خطأ يجلس بوضعه ومايتغير.
فالأعمار اللي بذكرها بتكون تقريبيه أو صحيحه،



وبالنسبة للتعليقات، طبعًا أقصد تعليقاتكم اللي ماقد رديت عليها، أكيد فيه منكم كثير ماهو حاب الحالة اللي احنا فيها ويحب اني أرد عليه، وأنا ماخذة وعد على نفسي اني برد عليها وحدة وحدة واللي كانت قبل لا أقفل الرواية راح أجمع أهم الإستفسارات والنقاط اللي فيها وبرد عليها برد واحد. وراح أبدأ أمسك خط معها على هالأسبوع أو اللي وراه وإن شاء الله ما يجي نصف شعبان الا وأنا رديت عليكم كلكم وبعدها بحاول أنتظم مع تعليقاتكم لأني أدري إن حلات الرد على التعليقات لما تكون أول بأول وقبل لا ينزل البارت الثاني ()

+ البــارت الجاي راح يكون برعايـة أدهم :$$$*


ودمتم بخير / كًيــدْ !

كَيــدْ 05-07-15 01:18 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 

اقتباس:

إن شاء الله ما يجي نصف شعبان الا وأنا رديت عليكم كلكم

اقتباس:

احنا برمضان
خلصنا شعبان :)

بدون تركيز الله يسلمكم ههههههههههههههههههههههههههه
يعلم الله إنها أثار الصيام لوووول

الزبدة استروا ما واجهتوا أقصد شوال بس سقط سهوًا وحل محله شعبان البركة والخير :$$


فانيليا شوكلاته 06-07-15 07:05 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
شكلها روايه حلوه بعد رمضان باذن الله راح يكون لي عوده

ليل الشتاء 06-07-15 05:39 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
ولا يهمك كيد اهم حاجه انم بخير
كل عام وانت بخير
بانتظارك

كَيــدْ 09-07-15 03:23 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباحكم سعادة دائمة ()


طبعًا ميعادنا قلنا انه الأربعاء أو الخميس ، تطمنوا للحين ما تغيّر فقط بتختلف الساعات
انا قلت انه بيكون على صباحية الخميس لو مو بالأربعاء، لكن اسمحوا لي أأخره كم ساعة :( حاليًا نعسانة وسِكرت نوم وباقي جزئيات ما راجعتها ، وفيه جزء انحذف علي وبرجع اكتبه :((
لذلك البارت ما راح يكون عالصبح، بضبّط منبه جوالي واصحى عالساعة ظ،ظ، اكمله وبإذن الله ما يجي العصر الا وهو نزل عندكم ، عاد اذا ما نفع المنبه مع هالنعاس بوصّي وحدة من المتابعات العزيزات تتصل علي وتصحيني :p ما عليكم سامجة بس شكلي بسويها وأوصي احد يصحيني :$ عارفة نفسي لو زلزال ما صحيت :(( عاد انا ما يصحيني الا امتحان اقوم مفجوعة عشانه الله لا يردها من ايام.
ما عليكم من الهذرة وبإذن الله البارت راح يكون عندكم قبل العصر ()

دمتم بود ،،




كَيــدْ 09-07-15 07:49 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 






سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن

إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافية


بارت اليوم قصير للأسف وممكن أقصر بارت بالروايـة كلها :( انحذفت علي جزئية من البارت وما قدرت استرجعها او اكتبها كلها بهاليوم ، لذلك نحاول نضيفها للبارت اللي بعد ذا :"""

بسم الله نبدأ
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن الصلوات

+ رحم الله أسد الأمة الأمير سعود الفيصل ، الليلةُ الجمعة انتشر خبرٌ أثقل الدمع في المُقل
إن لله وإنا إليه راجعون ، اللهم اجعل مثواه الجنة ، وأسكنه في فردوسك الأعلى
رجلٌ كان عن مائة رجل



(39)




على بساطِ السُكون، كان يجلسُ فوقَ سريره ظهرهُ مُنحنٍ للأمامِ ومرفقيه يستندان على ركبتيه، يُغطي فمه وأنفه بكفيْه ونظراتهُ تتجانس مع الأرضِ بفراغ، لا يُشاركه في هذا السكُون سوى ذراتِ البرودة، غرفتهُ تتجه لمنحى الصقيع، إلا أن جسدهُ المحتاج للهواءِ البارد لا يبالي بالإنتفاضةِ البسيطة التي بدأت تسري في جسده.
لا ضيرَ من البرودة، لا ضيرَ من مُشاركة جسدهِ لجسدِ الأموات، " الموتُ حار "، لكنّه يُحيل الجسدَ باردًا، الحيـاةُ والمماتُ معادلةٌ كيميائية، نخلطُ المواد الباردة لتتحول لشيءٍ حار، سائلٍ يُنفرُ منه، وكان أساسهُ باردًا.
الحيـاةُ حلقةٌ مكسورةٌ من المنتصفِ سرعان ما تلملم نفسها وتُصبح دون كَسر، فيدور فيها الإنسان ولا تنتهي دورةُ حياتِه حتى تختارَ الكسر من جديدٍ وتلفظه منها حين يصل نهاية الحلقة ، تلك الحلقةُ التي كانت طبيعتها - ألّا بدايةَ ونهاية لها -، لكنّها في لحظةِ الولادةِ تنكسر حتى تُدخلك فيها من بادئها، وتعود لكسر نفسها مرةً أخرى حتى تُخرجك منها عن طريقِ آخرها. هل نحنُ نعيشُ في نطاقٍ هندسي؟ الحزنُ مثلثٌ متطابقَ الضلعينِ على قاعدةٍ هي صدري، حاد الزوايا يُجرح بها حُنجرتي، حدقتاي دائرةٌ لا ينتهي داخلها دمعي، وفرحِي وأنا مُستقيمين متوازيين ، لا نلتقي، لا نلتقي، لا نلتقي! يـــارب! أنتَ الأعلى، ضعفي وعصيانِي لا يضرّك، إلا أنه يضرّني وحدي ويصبُّ في صدري ، ألن نلتقي؟ سبحانك يا الله ألن نلتقي؟
مسَح على وجههِ وهو ينهض، يرتفعُ صدرهُ بانفعالٍ مدوي، هل يذهبُ إليه؟ إلى الفقيد الثاني في ديارِ الغُربة! إلى الأسيرِ بين نجومِ سماءِ باريس، كلّنا مُغتربان، غُربتي في وحدتي وسطَ موطني، وغُربتك في وحدتكَ في غير موطنِك، يا هذهِ الحيـاة! كل من عليها فان، وكلّهم قبل فنائهم أشقيـاء، ليس في محصولِ الحلول لديْه إلا السفر، هذا ما تبقى، الهرب! فقط الهرب.
تحرّك في الغرفةِ ذهابًا وإيابًا وهو يُمرر أناملهُ بين خصلاتِ شعرهِ المُتجعدة، يزفرُ وضيقٌ يكبس على صدرِه، لماذا؟ بسببها؟ بسبب مجيئها؟ بسبب سؤال سُهى؟ ولجرحهِ لها؟ ما الذي يُضايقه بالضبط؟ الكُل؟ كلّ ذلك اجتمع في يومٍ واحدٍ ليضرَّ سكُونَه وصبره؟
رفعَ رأسه للأعلى، أغمض عينيْه عن تأنيب الضمير، ماهذه الوقاحةُ التي يحملها ليُسافر ويترك سُهى؟؟ لكنّه يحتاح الإبتعاد، يحتاجهُ كما لم يحتَج شيئًا آخر.
البرودةُ تسحقُ خلايا جسدِه، مُرهق، لم يستطِع النوم جيدًا منذ الذي حدث، يرى نجلاء الطفلة، في منشفتها القُطنية الوردية، يقترب رويدًا رويدًا مُفتتنًا بحجمها الصغير، بلونها المُحمر، ببشرتها الناعمة، يهتف ببراءةِ مراهقٍ على عتباتِ الثانيةَ عشرة أنها جميلة، وأنّ عينيها المُغلقتين يجب أن تفتحهما، لمَ تُغلقهما؟ لم تقبض على كفيها الصغيرتين، لمَ تفغرُ شفتيها حين يُلامس زاوية فمها؟ يهتف بكل الفتنةِ الصغيرةِ التي يراها أمامه أنّ نجلاءَ العين لابد من أن تفتح عينيها.
وترد عليْه زوجة أبيه أنّ هذه الطفلةَ ستكون شيئًا مختلفًا في هذهِ الحيـاة، ولن تمرّ عليكم مرور الكرام، ولم تمرْ! يعلم الله أنّ تلك النجلاء لم تمرّ علينا مرور الكرام، مرّت وأسهبت في المرور، مرّت علينا كحدٍ قطَّع أعناقنا، كيف ظُلمَت؟ في هذهِ الحيـاةِ الضيّقة، كيف ظُلمت؟
زفَر وهو يتراجع للخلف حتى جلسَ على سريره، رفعَ هاتفهُ ليبحث عن رقمِه، عن الفقيد البعيد، والقريبِ في محَنِه، عن التائه عن سماءِ هذه الريـاض ، أنا وهو نقيضان، يُحافظ على صلاتِه، وأتظاهر أمامه أنني محافظٌ عليها، يشتاق لوطنه، وأنا أتمنى فراقها، يُحب الريـاض وأنا والرياض أعداء .. الرياضُ تكرهني، تمقتني بشدةٍ لذا لا أعيش فيها إلا بتعاسة، شمسُها يتسلقُ وجنتي ويُشعل حرارة الحُزن فيّ، سماؤها الزرقاءُ لم تجد بحرًا ينعكس لونُها عليْها لذا انعكسَت زُرقتها في دمعي المكبوتُ في عيني ، يا ريـاضًا أخذت من " الرياضِ " اسمه فقط، اشتقّت الضدَّ من الرياض والرياضُ عنكِ بعيد ، هذهِ السماءُ تلفظني، هذهِ النجومُ تتبسم أمامي بمكر، لذا أنـا عنكِ راحل.
كان قد اتصل بهِ وبدأ رنين الهاتفِ يتصاعد من الجهةِ الأخرى، كان ممددًا على إحدى أرائِك الصالـة، يقلّب في قنوات التلفاز بملل، بوحدةٍ تخنقه، القهوةُ الفرنسيةُ على الطاولةِ البيضاء، تصاعدُ دخانِها قد توقف، بردت وهو لم يرتشف منها الا رشفتين أو ثلاث، ما إن ارتشفها حتى تذكّر القهوةَ العربية، وتمنى الخروج لأقرب مقهى يبيعها، الحنينُ ينطقُ بمرارتِه من أبسطِ الأشيـاء حوله، لا أقسى من الحنين! حتى القهواتُ تستفزه، حتى اللوحةُ التي يراها كلّما خرج إلى البلكونةِ تجعلهُ يستشيط حَنينًا! بُرج إيفل يضحكُ على حالِه، يتذكّر رغمًا عنه كلّما رآه بُرج المملكة، كلّما مرّ بجانب مطعمٍ ما تذكّر الكبسة السعودية، لمَ يضعُ الحنين نفسه في كل شيء! لمَ يرسم ذاتهُ في الوجوه؟ أرآكم فيهم ، في سائق الأجرة، في الأم التي تجرّ عربةَ طفلها، في المارين والعابرين على قلبي بحدة ، أين أنتم؟ كيف حالكم؟ هل تفعلون ما أفعل الآن؟ هل التقى بنا الوقت وتطلّعنا بالسماءِ الليليةِ سويًا في إحدى الليالي؟ هل التقت أعيننا في ذات النجومِ والقمر؟ في ذاتِ الوقتِ وفي مكانين مختلفين! نحنُ لا نتشاركُ إلا بالسماء، حتى توقيتنا يختلف بساعةٍ أو اثنين، أرأيتم حجم الفقد؟
سمعَ رنينَ هاتفهِ في غرفةِ نومه، المسافةُ بين الصالـة وغزفة النوم بعيدةٌ بكسلِه، أثقلهُ الحنين، ولا رغبةَ لديْه ليذهب إلى غرفةِ نومه ولا ليُحادث أحدًا، تكفيه مواجعهُ الليلة، وكلّ ليلة، يكفيه صوتُه الخافتُ في صدره، لا قدرةَ له بمشاركتهِ مع أحد.
تجاهل صوتَ الرنين ، وتجاهل كل الدنيا ، تجاهل كل الأصواتِ وبقيت فقط الأصواتَ التي تتجانسُ في أذنِه، صوتُ محبوبته، وصوتُ أمه، وبرفقتهما صوتُ من غدرِ به ... آهٍ يا غدرُك، كان أقسى عليَّ من أي غدر.


،


تأوّهت وهي تضعُ كفّها على صدرها، تراجعت للخلف مُغمضةً عينيها بألمِ النارِ التي اشتعلت على بشرتها، بينما هالـة كانت قد وضعت كفّها اليُسرى على ذراعها اليُمنى ما إن سقطَت الصينية بأكملها على الأرض، وحين استوعبت ما جرَى اتسعَت عيناها وهي تقتربُ منها هاتفةً بقلقٍ متجاهلةً حرقها : انحرقتي!!
شفتاها كانتا منفرجتين، عينيها مُغمضتين بقوة، ارتعشَت حواسها ما إن استوعبت هذا الصوت لمن يكون، ونسيَت فتح عينيها في ظرفِ اللقاءِ الذي لم تُرده في هذه الأثناء ولم تستعد له، سؤالها تاهَ دون إجابةٍ لفظيةٍ من لسانها، لكنّ هالة لم تنتظر الجوابَ حين اقتربت قليلًا منها وهي تجتذب عباءتها التي كانت حائلًا للكثيرِ من قطراتِ الحليب الساخن، وبقلق : وصلك كثير؟
ازدردت ريقها وعقلها يسترجعُ كلمات هديل، ورغمًا عنها بدأت بمقارنَة الأشهرِ الماضية بالاثنتا والعشرين سنة التي مضَت، ألها الحقُ في محق أفضالِ هالـة عليها لصدمةٍ واحدة؟ لخذلانٍ وحيد؟ وماذا عن شكّها بها وبياسر؟!
فتَحت عينيها وهي تعضّ باطِنَ خدِّها، تتنفس ضِعف التوترِ الذي كان قبل أن تصتدم بها، الحرقُ نسيَت ألمه، المُعلّقات التي ألقتها على ذاتها نسيتها، كلّ ما وصّت بهِ ذاتها نسيَته وبقي حديث هديل يتكرر على مسامعها، بقي الألم الذي يجدد نفسه يتجدد! والحديث أيضًا يتكرر ، من ينتصر؟ ألمها أم حديث هديل؟ من ينتصر؟ السهم الذي غُرس في صدرها ولم يخرج حتى الآن؟ أم السهمِ الذي تعلّق في أذنها؟ من ينتصر؟؟!
تنفّست باضطرابٍ وعيناها تنظرانِ لهالـة التي تظهر معالمُ القلق على ملامحها، تراجعَت للخلفِ وصدرها يضطربُ بشهيقها، وبهمسٍ متوتر : مو كثير
هالـة تقترب منها دون اقتناع : كيف مو كثير؟ اغلبه انكب عليك
إلين تُشتت عينيها وتهتف : ما عوّرني مرة

هالـة : خليني أشوفه طيب
بللت شفتيها أمام إصرار هالة، وبهمس : م مافيه داعي ، الحرق ما يستاهل
هالـة : وشو بعد ما يستاهل؟ هذاه كم قطرة على يدي وعورني أجل شلون فيك؟
في الحقيقة صدرها يشتعل، ستكُون كاذبةً إذا تصنّعت عكس ذلك، تشعر أن حرارة الحليب اشتعلت حتى باطنها، تسللت عبرَ مساماتها، لكن أي حرارةٍ هذهِ أمام حرارةٍ اشتعلت في صدرِها أيامًا وليالي؟ اتّكأت على قلبها مُحيلةً لهُ إلى رمادٍ يتطاير في الهواءِ ذراتٍ لا تُلملمها، ذراتٍ لتصل الحرارةُ بعد ذلك إلى روحها ويتصاعد دخان الموت في كلِّ الجهاتِ الأربع ، أنا الجهاتُ الأربع! شرقِي حُزن، غربي ألم، شمالي بُكاءٌ وجنوبي آهةٌ تائهةٌ في غابَةِ الشتاء.
إلين بهمسٍ حادٍ بعضَ الشيءِ وهي تُخفض رأسها قليلًا : أنا بخير
في تلك اللحظةِ كان عبدالله قد خرجَ من غرفتهِ بنيّةِ الإنضمامِ إلى سفرةِ الإفطار، توقّف ما إن رأى إلين وهالـة متاقبلتان وحاجبيه ينعقدان باستنكار، والقلقُ هاجمَ إدراكه ، اقترب منهما وتوقفُ خطواتِه لم يتجاوز الثانيتين، وبحزم : شفيكم؟
توجّهت نظراتُ هالة إليه، واستدارت إلين ببطءٍ تنقُش الضعف في تحرّكاتها المُتعرقلة، الآفات تتكاتفُ على جسدِها لتتداعى الإراداتُ والقوى، ترجّلت هالة الحديث لتهتف بقلق : الحليب انكب عليها
اقترب عبدالله وانعقادُ حاجبيه يتضاعف، وباهتمام : احترقت؟
هالة : ايه ومارضت أشوف الحرق ، واضح وصلها كثير من الحليب
عبدالله بقلق : يحتاح مستشفى؟
إلين باندفاع : لا وش مستشفى؟ بسيط بس بحط عليه مرهم وانتهت السالفة
هالة : أنا بعقّمه لك
نظر عبدالله للحظتين إلى هالة قبل أن يهتف بحزم : لا يا ام ياسر خلّي هديل تجي وبتساعدها
قطّبت هالـة جبينها باعتراض في بادئ الأمر ولسانها يستعد للرفض، لكنّها تراجعت درءً للمشاكل وانصاعت لأمر عبدالله.
بللت إلين شفتيها وكفُّها على صدرها، جسدُها يرتعش بانفعال، حدقتاها تهتزان والرؤيـةُ أمامها تتشوّش، شعَرت بهِ يقترب منها وصوتُه تهتزُّ نبراتِه قُرب أذنها، لكنّها حقيقةً لم تسمعه! فعقلها كان في ضفةٍ أخرى، بين سماءِ التيهِ وأرضه، نارُ صدرها ينطفئ، للحظةٍ شعرت بالضعف وأنها تريد التراجع والاعتكاف من جديدٍ في غرفتها، لكنّ كلام هديل صرخ متجددًا في أذنها لتثبَت وعيناها تنبضان بالإصرار، بينما رأسها أومأ لعبدالله وهي حقيقةً لا تدري ماذا كان يقول، كان يسألها " لازال يحرقك؟ "، أما يعلمُ أنّ حرقتها اعتيادية؟ تأقلمت مع الحرارةِ وطالَ التأقلم، تكيّفت مع لسعةِ الدنيـا وباتت كل حرارةٍ على بشرتها لا شيء.


،


دائرةُ الجحيم لا تُفارقُه، لازالت الأفكار العقيمةُ تهاجمه من كل حدبٍ وصوب، هويتهُ التي يخاف سقوطها، يخاف فقدها، اسمه الذي بات على مشارفِ الإنحصار!
أدخل المفتاحَ في القُفل ليُفاجئ بكون الباب مفتوحًا، أدار المقبض وهو يقطّب جبينه بقلق، هل خرجت هاربةً إلى والدها كما أرادت؟ أم أنها فقط أهملت غلق الباب خلفه ... اندفع للداخل لتُهاجمهُ برودة الجناح، نظر في حنايا الصالـة وفي المكان الذي أوقعها فيه تحديدًا ولم يجدها، تحرّكت خطواتُه التي تجري على شوكِ القلقِ والإرتياب، اتّجه لغُرفتها المفتوحِ بابها قليلًا ليدفعه ويتضاعف شعورهُ بالبرودة، مصدر الصقيعِ في كل الجناح غُرفتها، ممددةً كانت على سريرها دون لحاف، تنامُ على جانبها الأيسر متقوقعةً حول نفسها من البرد الذي يتسلل إلى عضامها، ازدرد ريقهُ قبل أن يدخل، يشعر أنّ خطأً جسيمًا يُغطيه وليس لديه الجرأة ليقترب منها أو ينظر إليها حتى، العارُ يغسله، بالرغم من كلِّ أخطائها، من معصياتِها التي لا تُغتفر، إلا أنّ خطأه من الجهةِ الأخرى لا يُغتفر حتى التفكير بالغفران تجاهه! كم أبغض سابقًا ولازال فكرة ضرب المرأة، فكرة التعدي عليها والذي لا يمد للرجولة بصلة ، لكنّه في لحظةٍ نسي فيها نفسه كاد يضربها، وآهٍ من تلك اللحظة .. لن ينساها! لن ينساها ... ولن يُسامح غزل عليها لأنّها كانت الطرفَ الآخر والذي أسقطه في هاويـة العار.
اقترب منها بخطواتٍ ضيّقة، وقف بجانب السريرِ للحظةٍ ناظرًا إليها، حتى هذه اللحظة لم تخلع عباءتها، وجهها يُغطيه آثار البُكاء، دمعها المالح يترسب على وجنتيها جافًا مُمررًا ملوحته على قلبه، الدُنيا تدورُ بسوادها حولهما، تدُور ودورانها عار، تدورُ لتشكّل في عينيه الأسى، والخذلان.
انحنى قليلًا نحوها وهو يبلل شفتيه، عدّل طريقةَ نومها وسحب اللحاف المُرمى على الأرضِ ليُغطّيها به، نظر لوجهها للحظة، شفتيها فاغرتين يدخل من بينهما برودةُ الهواء، مدّ كفّه ليمسح بأنامله وجنتيها الناعمتين والمُتجانسِ معهما الملح في مخلوطٍ غيرِ متجانس، أخذ جهاز التحكّم بالتكييف وأخفض برودته، ومن ثمّ عاد لينظر إليها وعينيه تنطقان رغمًا عنه بالإعتـذار ... صحيحٌ أن البراءةَ تشرقُ من ملامحكِ، وأن بريقَ عينيك ضعف، تلعثمُ كلماتكِ هشَاشةٌ ونظراتكِ رخوية ، كل ذلك وإن كان فيكِ لا يسمح بالقسوة، لا يخوّل لرجلٍ أن يستغله ، بل كل الضعفِ فيكِ يجبر من لا يريد على الليونةِ مع هشاشتِك.
أطفأ الأنوار، خرجَ من الغرفة وأغلق الباب من خلفهِ بهدوء، مرهقٌ هو الآن، يحتاجُ بأكبر قدرٍ ممكن أن ينـام، يريد السفر في عالمٍ غير هذا العالم ، لقد تعب! استنفذته ليلة البارحةِ كما لم تستنفذه ليلةٌ قبلًا. سيوكّل " سيكرتيره " بالإهتمامِ بأعماله ، فهو حقًا مرهقٌ ولا طاقة له بالعمل.


،


كانت تجلس على السرير وهديل بجانبها توزّع مرهم الحروق على مكان الحرق، صامتةً لم تنبس ببنت شفة، كلّ تركيزها كان على الحرق وتوزيع المرهم، لم تكن في الحقيقةِ تُريد الإصتدام معها بحديثٍ أو أي شيءٍ آخر إلا أنها حين جاءتها أمها وأعلمتها بما حدث لم تستطِع التجاهل.
بقيَت إلين تنظر إليها بصمت، الطقسُ الهادئ يُربكها أكثر ، لذا هتفت بخفوت : خالتي بعد احترقت
صمتت هديل لثانيتين وكأنها تنوي تجاهلها، إلا أنها همست أخيرًا وهي تُغلق المرهم : عيّت أشوفه ، تقول بسيط * رفعت نظراتها إليها لتهتف بتساؤلٍ خرج رغمًا عنها * كنتِ بتداومين؟
ابتسمت إلين بتوتر : أيه
هديل بالرغم من كونها ابتسمت داخليًا لما سمعت ، هتفت بجفاء : بعد وش؟ ماقد نزل لك حرمان؟
إلين : الا ، بثلاث مواد
هديل : الله!
تضاعف توتر إلين وصمتت، تشعر أنّ لا حقّ لها كي تناقشها بشيءٍ أو تبرر، فلا تبرير.
وقفت هديل وهي تزفر : طيب ما علينا ، أهم شيء رجعتي بتداومين وبسالفة الحرمان مالنا الا ياسر يضبّطنا
ابتسمت إلين ابتسامةً صغيرة وهي تنظر إليها نظراتٍ ممتنة، بينما شتت هديل عينيها وهي تهتف ببعضِ الحدة : لا تطالعيني كذا ، مو عشان وجهك ذا بس شفقت عليك تحملين مواد لأول مرة بحياتك بسبب نكدك ونفسيتك الخياس
إلين بابتسامة : أهم شيء فكرتي بموادي ، وموادي راجعة لي
هديل : يا شيخة! لا تآخذين بنفسك مقلب بس .. * أردفت مغيرةً الموضوع * خلاص انخرسي خليني اشوف شغلي مع حرقك ذا ، وراك بعد تبديل ملابس وداوم تأخرنا عليه ... أنا وش اللي بلاني فيك؟ أقص يدي اذا دخلتني الدكتورة
إلين تتسع ابتسامتها وبعض الراحةِ تتغلغلها : حتى أنا بنطرد لا تحاتين ، بجلس معك
هديل بانفعال : أنتِ وش وراك ساحبة على الدوام بكبره ماراح تضرّك محاضرة .... أعوذ بالله!
ضحكَت إلين لتبتسم هديل التي عادت لتجلس بجانبها وتكمل ما بدأت به.


،


الساعةُ التاسعة صباحًا
كان واقفًا أمام مبنى الشركة، يضعُ شاربًا اصطناعيًا وقبعةً على رأسه حتى تُخفي القليل من ملامحه ولا يعرفه الحراس أو الموضفين، هناك حلٌ واحدٌ حتى يصلَ لما يُريد، سيدخل إلى سلطان رغمًا عنهم، ببساطةٍ سيستخدم أسلوب العنف ، حين دخَل صالح آخر مرةٍ لمكتبه قال لهُ أنّ إحدى الأدراجِ مُغلقة، وأنّه لم يجد مفتاحه، لذا سيدخل بنفسه، بتنكرهِ الذي لن يجعله يُكشف، حتى وإن سقط شاربه أمام سلطان فلن يعرفه لأنّه غيّر في ملامحه الكثيرَ بمساحيق التجميل.
تقدّم بخطواتٍ واثقة وهو يبتسم بلؤم، يتخيّل اللحظةِ التي سيُخرج فيها المُسدّس في وجه سلطان، نظرةُ سلطان، وتهديدهُ له وتسيرهُ كيفما يُريد ... يا للمتعة! يا للمتعة!!
اتّجه للباب الذي يقف أمامه حارسين، وما إن تجاوزهما حتى أوقفه أحدهما سائلًا له بريبة : عفوًا! ، أنت تشتغل هنا؟
تراجَع إبراهيم للخلف قليلًا واستدار إليه رافعًا حاجبهُ الأيمن من خلف النظارةِ الشمسية، وبتعالي : لا ، جاي عشان موعد مع الأستاذ سلطان
تراجع الحارس بعد أن أومأ برأسه وعاد إلى مكانه، وفمُ إبراهيم التوى بحقد، يالكُرهي لك يا " أستاذ سلطان "، للأشخاص هنا، للمكان كلّه ، صدّقني .. سيأتي اليوم الذي يسقط فيه هذا المبنى فوق رؤوسكم في مجزرةٍ لن تتكرر، في متعةٍ لا تُضاهيها متعة.
دخل بذاتِ خطواتِه الواثقة، ترجّل بداخل المصعدِ الكهربائي ليتّجه نحو الطابق الذي يحتوي مكتب سلطان وقلبه ينبض بقوةِ الإنفعال الذي يواتيه، بقوّة المتعة التي سيحضى بها، وما أجملها من متعة.
أنامله كانت تلعبُ بالمسدس في خاصرتِه أسفل جاكيته الجلدي الأسود، نظراتُه الحاقدة تتقد، نيرانٌ تعتلي في حدقتيه، توقف المصعد وخرج، نظر إلى بابِ مكتب سلطان وهو يبتسم بنشوة، لكن رغمًا عنه كان لابد له من أن يتّجه إلى السكرتير أولًا قبل دخوله.
إبراهيم بعُلياء : صباح الخير
السكرتير : صباح النور ، أي خدمة؟
إبراهيم : اليوم عندي موعد مع الأستاذ سلطان ، بلغه عشان أدخل له
السكرتير نظر إليه بريبة، ذاكرته قوية، ويستحيل أن تمر عليه ملامحٌ دون أن يحفظها في مركزِ ذاكرته ، هتف حتى يتأكد : اسمك لو سمحت
إبراهيم بثقةٍ وقد كانوا قبلًا قد أرسلوا أحد أفرادهم ليُأكد موعدًا مع سلطان : محمد ناصر الناصر
بحثَ السكرتير عن اسمه حتى وجده، عقَد حاجبيه وهو يتذكر بأن من جاء يومها قبل أسبوعٍ كان مظهرهُ مختلفًا عنه، قصير القامةِ بعض الشيء بدينٌ وذو لحية ، لذا رفعَ رأسه لينظر لإبراهيم بثقة ويهتف : عفوًا أستاذ ، مواعيد اليوم تبدّلت ، الأستاذ سلطان ماهو متواجد اليوم
عقَد إبراهيم حاجبيه وملامحه تتجه للتكشير، قبضَ على كفّه بعنفٍ وصدره يجيش بالغضب، ليس متواجدًا؟!! اليوم! حين أراده يكون غير متواجد!! ... نظَر للسكرتير بقهر، تمنى أن يخرج مسدسه في لحظةِ تهورٍ ويفرغ الرصاصاتِ في رأسه، بينما كان السكرتير ينظر إليه بثقةٍ وعملية، ليهتف إبراهيم بعنف : ودامه ماهو موجود وش له توقفني وتسألني عن اسمي؟ مباشرة قول لي عشان أذلف
السكرتير برسمية : عفوًا استاذ محمد بس هذي الإجراءات ، ما اقدر اعلمك انه مغيّر المواعيد الا اذا تأكدت انك من اللي لهم موعد أصلًا
إبراهيم : أجل أنا كذاب؟
السكرتير وبنبرةِ إبراهيم الغاضبة وماقاله تأكد أن لا خيرَ وراءه : محشوم طال عمرك ما كان قصدي كذا بس هذي الإجراءات
إبراهيم يتراجع للخلف قليلًا ويُدخل كفيْه في جيبه : أجل لمتى صار الموعد؟
السكرتير : ما تحدد للحين ، ممكن تحط رقمك عشان أعلمك أول ما يتحدد؟
إبراهيم وقد غفل عن كون الرقمِ قد سُجّل قبلًا مع الذي جاء وعقَد الموعد، تقدّم واقعًا في الفخِ ليكتب رقمهُ في الورقةِ التي سلّمها لهُ السكرتير، ومن ثمّ غادر بعد ذلك.


،


خرَج من البيت بعد أن كان يتصل بماجد ولم يرد، أعاد الإتصال مرارًا ومرارًا لكنّ ماجد كان قد نام وتجاهل الأصواتِ كما أراد، وضَع على أذنيه صوتُ مدينتهِ ومن يُحب وكانوا كأغنيةِ نومٍ سافرت بهِ نحو الأحلام في العـودة ، أو ربما كوابيس أخرى! لا مفر، من كل تلك الكوابيسِ لا مفر!!
مشى أدهم في الحيِّ الذي يسكُن ساكنيهِ في هذه الساعات، كلٌ في عمله، وهو هجرَ عمله! هجرَ كلّ شيءٍ وأبقى على ضياعِه .. في التيهِ يعيش، حتى ماجد تجاهله، هل أصابهُ شيء؟ هل وصلوا إليْه؟
توقفَ عند تلك الفكرةِ وعيناهُ تتشتتان في المغيبِ عن الصباح، الصباحُ مظلم، دافئٌ في الرياض، وباردٌ على قلبكَ يا ماجد، هل وصلوا إليك؟ بالله عليك! لا تذهب أنت أيضًا ، وعدتني أنّك ستكُون بخير ، وأنهم مهما حدث لن يصلوا إليك، وأنّ بطشهم لن ينولك ، فهل مكثت بالوعدِ ووصلوا إلى عرينك ففقدتك؟؟
أخرج هاتفهُ من جيبه بانفعالٍ وهو يعودُ للإتصال به، صوتُ الرنينِ بات كقرعِ الطبولِ في يومِ الموتى، أمام النارِ العاتيةِ يُطبّل الناس وفي ظنّهم أن هذا يومُ عبور الأرواحِ إليهم، لعنةٌ ورعبٍ وهو يسمع صوتَ هذا الرُعب يتكرر في مسامعه ، إنه بخير، بالتأكيدِ بخير.
لم يردّ عليه ماجد الغارقُ في نومه، بينما أدهم كان يُعيد الإتصال وصوت الهاتف يرنّ في غرفةِ نومه بخفوتٍ ليس كافٍ حتى يوقضه : رد ، رد يا ماجد رد!!

.

.

.

انــتــهــى

عارفة انه قصير جدًا بس مو بيدي :( وما اقدر أأجل البارت زيادة كم يوم لأنه المفروض نزل من زمان عشان كذا استسلمت للأمر الواقع :""
وموعدنا يوم الثلاثاء بإذن الله ببارت طويل يحمل الجزئيات اللي انحذفت علي بهالبارت :(
+ على فكرة : " يوم الموتى " أقصد فيه تقليد سنوي في مكسيك تحديدًا وبعض الدول ، عشان محد يلتبس عليه الأمر فقط ويفهم غلط.

وبهالبارت فيه شيء رميته لكم مثل البارتات الأخيرة السابقة ، ركزوا في كلام ادهم عن " نجلاء " عشان توصلون لشيء يخص الماضي ، وركزوا بعد في كلام ماجد لأنه مهم مهم مهم جدًا جدًا ، واللبيب بالإشارة يفهم ()
+ لا تكونون نسيتوا الرسائل اللي كانت تُرسل لسلطان؟ ترى للحين ما انتهت السالفة حاولوا تجمعون الرسائل اللي قبل مع اللي جاي عشان تثبتون كل لغز بمكانه :$



ودمتم بخير / كَيــدْ !



فآرغه 10-07-15 05:04 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
متعب اخو شاهين هو نفسه ماجد 😮😩لالا مابي اخوه يكون حي ...
أدهم ماقدرت افهم شيء منه .. وولا عن كلامه مه زوجة ابوه ،بس اللي متأكده منه إلين مو اخته ابد ، ووش قصتهم وليش يكذبون عليها ما ادري ...

كيد روايتك جميله بشكل ، وانا قريتها من اول بارت .. عاد اللحين من الصدمه طلع الكلام مني غصب ..

طبعا بقولك على شيء ... كل الاحداث اللي صارت بالبداية انا ناسيتها تماما .. خاصه رسايل سلطان ما اتذكر منها ولا حرف ..

زعلت على سيف وديما ليه ماطلعو بهالبارت .. انتظر ردت فعل سيف على احر من الجمر ومتأكده سيف بيكسر كل التوقعات ..

بانتظار الثلاثاء ، وان شاء الله البارت طويل

راويه هـ 12-07-15 01:59 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
سجلت بالمنتدى عشان اقدر اكتب تعليق
اول شي روايتك تاخذ العقل وسهرت عليها يومين كامله لحد ما وصلت لهنا
..
ابو جنان كارهته بشكل هفف ياربي يصير اي شي بس فواز ما يتزوج جنان

وسيف اتمنى تتركه ديما عشان يحس لان مافي حل غير كدا

عندي كلام كتير بس مرفوع ضغطي من ابو جنان

زارا 12-07-15 08:08 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
السلام عليكم

كيد وش هالابداع1؟للحين ماقريت الا 3 أجزاء لكن الحقيقه اني ماقدرت أوقف من اول كلمه قريتها لين وصلت للجزء الثالث وخلصته..
عناد واااي وااااي وااااااااااااي يجنن يختي مدري عاد هو لقى شريكه لحياتع بالاجزاء اللي جت والا للحين.. بس لازم نلقى له احد.. وسيف هذا المريض الله يشفيه وش ذا اعوذ بالله ؟؟ مره ظهار ومره يغير اسم الحرمه مجنون رسمي هذا وحركته سخيفه ومتسلط الله حسيبه.

اكثر شخصيه جذبتني إلين.. الله يعينها ويعظم اجرها على وضعها. ياسر هل فعلا بيكون من نصيبها والا بترفض الزواج ولاراح تفكر فيه عشان وضعها ومايعايرها زوجها بحالها ولايجيها عيال يستعرون من امهم؟
بس ودي اعرف من هاللي يتحرش فيها .. هو واحد يقرب لهم والا شخص يعرفهم وهل هو كبير بالسن والا صغير؟؟ الصراحه اني شكيت بابو ياسر>>فيس يضحك من توقعه..

وبعد شكيت باخو منى وخال جيهان وارجوان؟

القصه للحين روعه اعجبتني الاحداث والوصف والسرد وكل شي يهبل..
بس اللي ما احبه بالقصص كثره الشخصيات حسيت اني ضعت بأول القصه.. أتمنى ان الشخصيات ماتزيد وتوقف عند هذولا بس.

شاااهين .. >> فيس كله قلووووووب يجنن هو وامه.. صااادرته خلاااااص ابي واحد كذا شقردي يغسل ويطبخ ويكنس ويسقي الزرع ويلقح النخل وويسوووي شاهي وقهوه تمام؟؟هههههههههه

باذن الله بحاول اخلص القصه بعد العيد ان الله أحيانا وارجع برد جميييل..
دمتي بـــود
..
وايه تكفين عاااد نبي القصه تكتمل ما ابي تعلقينا فيها وعقب الا انتي فص ملح وداب.. خلاااص نبي احد يرجع لنا الثقه بالكااتبات ومايجلس فيه ابدااع مبتور.. انا مايقهرني الا القصص الخايسه نص ومضمون وتكتمل والقصص العدله المتعوب عليها توقف ولاعاد نشوف للكاتبه اثر ليه كدا؟؟

ربي يوفقتس ياا عسل.

زارا 12-07-15 09:27 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

سألتني وحدة من البنات عنها في الآسك مرة وهي عمر الأبطال. طبعًا قلت برتّب الأعمار في بالي وبفرزها لكم بس انشغلت وقتها بالدراسـة وما عاد حطيت لكم الأعمار، لذلك ان شاء الله في الجاي راح أحطها في نهايةِ أي جزء، ممكن اللي جاي وممكن اللي وراه، عمومًا هو على حسب اذا حصلت وقت كافي.
هذاا والله الخبر الزيــن

كيــد توني اشوف تعليقتس بانتس ماحددتي الاعمااار ؟؟هذاا والله الشغل الزين بتشرط عليتس باعمار ابطالي اللي صادرتهم هخهخهخهخه

شووفي عاد يااا حوبي.>>فيس انبطح بيملي شروطه..هخهخهخه
شوفي عاد اعمار البزارين واللي يسلم عمرتس مانبي؟؟ 23 و 22 مانبيها .. نبي من 30 وفووووق ويعني شاهين وعناد ابيهم واحد أبو 35 والثاني أبو 34وعاد انتي حره باختيار الاسامي ... شفتي شلون انا حليوه وما اضغط عليتس اكثر..هخخهخهخهخه

بالتوفيق قلبوووو

كَيــدْ 12-07-15 07:01 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة fadi azar (المشاركة 3540494)
تصرف فواز لم يعجبني فهو كان يحاول معالجةجيهان ويثبتلها محبته لها كيف ستصدق الان انه يحبها وهو في اوبل عرض قبل الزواج عليها كان يجب ان يرفض العرض بطريقة لا تهين صديقه وانه متعلق بزوجته ولا يستطيع ان يعرض زواجه لمشكلة قد تؤدي للفراق وازا طلبت جيهان ان تطلق معها حق لانها تحتاج للامان يمكن تعود لوالدها ويجب ان يقف معها لكي تؤمن ان الاب هو الأمان بالنسبة للأولاد



كل شخص معرض للخطأ وكل شخص ممكن يسوي شيء يظنه صح ويطلع العكس وكان حلّه أبسط مما يمكن ، وعاد ممكن ينعكس اللي صار بشكل إيجابي على جيهان وممكن العكس ويصير حالــها أردي ()

شكرًا لتواجدك :$





كَيــدْ 12-07-15 07:12 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة sagrali (المشاركة 3540819)
يسلمو كيد على الروايه اسلوبك راع جدا بس عندي بعض النتقادات على روايه مافيه تصادم بين البطال قليل جدا خليتي البطال يتكلمون بينه وبين نفسه اكثر مايتصادم معا بطل اخر والاحداث بطيه جدا زي سالفه غزل وسلطان خذت ثلاث بارتات كان بي امكانك في ثلاث بارتات تصير بينهم احداث اكثر احس الرايه تسلك طريق الخواطر اكثر من رووايه اتمنىى انا تقببلين نقدي مني لنا اسلوبك جميل جدا




الله يسلمك عزيزتي وأشكر عيونك الحلوين على هالنظرة المشرفة ما انحرمش :$$

طبعًا هالنقطة أنـا ملاحظتها لكنّي ما أقدر أحكم عليها بالسلبية من وجهة نظري على الأقل ، التسرّع في الأحداث يشتت الحبكة ، والبطء بعد يخليها مملة
وحاليًا هذي هي الحركة اللي تحتاجها الروايــة وتعتبر سرعة وسطية ومناسبة ممكن أنتم تشوفنها لا
بس أنا بحسب نظرتي للأحداث أشوفها مناسبة خصوصًا إن حيـاة معظم الأبطال لازم تكون تفصيلية مثل سلطان وغزل ما أقدر أخليها في حال وفجأة في حال
وفيه بعض الأبطال على كثر ظهورهم بالبـارت تكون التطورات بينهم قليلة فما أقدر أستعجل أبدَا
+ الأحداث راح تظل تمشي بهالشكل لين نقطة معينة وبعدها راح تنتقل لسرعة ثانية هي قرب النهايـة
ولو لاحظتي بدت بعض الأمور تمشي مثل سالفـة موت فهد وبدت أمور تتوضح أكثر لذلك الإنتظام مطلب مهم ..

أما بالنسبة للخواطر عاد هذا عشقي لذلك أسلوبي متأثر بهالشيء :P
حاولي تحبين هالأسلوب لأنه أيضًا يُعتبر أسلوب روائي لذلك ما نقدر نقول خواطر أكثر منها روايـة ، هذا اسمه أسلوب شاعري :D
على فكرة ترى أسلوبي يعتبر للحين ركيك بالنسبة للأسلوب الشاعري وأنا أحاول أتقنه :/



حيــاك وشكرًا للتواجد الجميل ما انحرم ()




كَيــدْ 12-07-15 07:35 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 










صباح الخير.. بكتب لك تعليق عالسريع..
يعني اذا لقيتي طلاسم مشيها😁


مساء النور يا هلا بالزين :$$

..
إلين..
"ولا ضيق إلا لابتعاد العبد عن ربه! تدرك ذلك فابتعادها عن الله يتضاعف، يتضاعف بدرجةٍ تجعل جحيم الحياةِ يُطبق على جسدها ويحرقها بنيرانٍ سوداءَ تتلذذ بالضعف.
قلّبتني الحياةُ على مشواةِ الخيبات ويا الله يا مُقلِب القلوب ثبّت قلبي على دينك! أُدركُ أنني في امتحانٍ منك، وأُدرك أنني أفشل فيه، أدركُ أنني ابتعدت عنك أميالًا وكلّ ميلٍ يزداد بهِ ضيقي أضعافًا، سامحني يا الله على كلّ صلاةٍ أخرتها وأنا أبكي تحت لحافي، سامحني يا الله على كل آيةٍ في كتابكِ لم أقرأها منذ استبد بي الحزن وكسر مجاديفي، سامحني على كل شيء! على كل شيءٍ يا الله وعلى كل الضعف والتقصير الذي سيرافقني في الأيام التالية."

طيب يا حلوة دامك عارفة وش دواك ليش ماتقومين تفزين على طولك وتصلين لك ركعتين ترتاحين فيها.. ماغير عويل عويل عويل صجيتينا ترا😼

- القول أسهل من الفعل للأسف وإلين أقرت بهالشيء في عبارة " وعلى الضغف والتقصير الذي سيرافقني في الأيام التالية " يعني ببساطة هي عارفة علتها وعارفة علاجها لكنها بعد عارفة إنها يتظل على تقصيرها وما انتفضت وتحركت الا الحين وتوها توها يعني بقي مشوار :(

،

ديما.. وه الحمدلله انو انقذتها ام سيف من البعو.. يا الله يارب انو ما يعرف الا لما تكمل 3 شهور عشان ينحرق.. بس تهقين دامها جابت طاري الدورة انو يشك فيها ويقعد يراقبها او يحسب لها كم شهر ما جاتها😧
عاد الرجال لا شغلوا عقولهم اعوذ بالله حتى ابليس يقعد متكي ويناظرهم بصدمة😏

- عاد ممكن الرجال مكّارين من هالناحيــة وممكن ينتبه بس ديما رقّعتها وقالت إن الدورة حاليًا ملخبطة ومعنى الكلام لها فترة ما جتها
المشكلة إذا ما دخل هالشيء راسه هنا اللهم يا كافي بس :((

،

أرجوان.. فقد الأم موجع.. فـ ما بالك لو كانت الأم مسببه لهم جرح قبل تتوفى..!

،

أسيل.. ياربي ياربي.. حتى لو ما سوت شيء بس اقرا حديثها مع نفسها اقعد اقول " نينينينيني" تعالي ببي اسمعك اياها😂😂
..

- ههههههههههههههههههه أنتِ كرهك لأسيل ! لا تعليييييييق!!


شيهان.. "شكرًا للرب ، لأنكِ ظهرتِ في حياتي الروتينية وطهرتِ مقلتي من دمعِ الفراغ."

جعلك اللي مانيب قايلة.. الحين من يوم ملكتوا وهي كل ماشافت فرصة جرحتك وانت الحين مفهي عندها.. مالت عليك اصلًا محد يعتمد عليك.. قلت بتأدبها عاللي قد سوّته فيك بس اشوفها لاعبة فيك لعب
ماهو بصاحي.. ما اقول الا مالت ثم مالت ثم مالت..
..
- هاااو خليه يعيش حياته على بالك حقود مثل بعض ناس -> اللبيب بالإشارة يفهم :biggrin:
طبعًا شاهين وضّح نظرته من هالناحيـة " الحياة تحتاج تنازلات في بعض المرات " لذلك يسامح أفضل له عشان تستمر الحيـاة اللي يبيها وتصير معيشتهم أحلى ظن ليه ما يعطي فرصة؟


"شاهين يُنزل ذراعهُ عن كتفيها ويهتف بابتسامةٍ لم يستطِع اسكانها : طيب ، عشان صوتك الحلو ذا بآكل "
وووووعع وين الحلاوة اللي بصوتها.. كنه صوت قرد🐒
- هههههههههههههههههههههههههههههه لا جد كرهك لها مو طبيعي

،

سلطان.. جاته لعنة ارض جو من حيث لا يحتسب.. مسكين توه صحى عاد عيونه منفخة من النوم😁

..

يا الله..! زواجهم باطل..! ماعنده حل الا انو يحبب الصلاة لقلبها.. يذكرها بعقاب ربي.. و عذاب القبر ويوم الحساب.. يعني بمعنى اصح " الترهيب" يخليها تخاف ربي قبل كل شيء..
- الإسلام فضّل الترغيب أكثر من الترهيب
وللحين ما عرفنا سلطان بيلجأ لأي طريقة عشان يدخلها في الإسلام بشكل يخليها تحب الصلاة وكل شيء متعلق فيه
وممكن يكون خربها على آخر شيء :(


،

جيهان.. البثرة حقتنا.. حليلها وهي مطيعة .. شكلها كذا 🙍.. بس ليش تخاف من ام فواز.. وعلى حسب كلامهم انها ظلمتهم وكلهم عارفين.. يعني عشانها ماتبي جيهان لفواز والا كيف..؟
- ما تخاف! بس هي ببساطة نقدر نقول حاقدة عليها بسبب اللي صار وما تبي تتواجه معها
وهي حكت عن هالشيء بشكل أكثر تفصيل " بدون أمها أو حتى أرجوان ما تقوى تتواجه معها "

..

فواز ..
"حتى في القعودِ تنكسرين فكيف إذا اكتشفتِ ما حدث وما صارَ من معمعةٍ خارج إرادتي وسيطرتي؟ تلّفنا عدم القدرةِ يا جيهان وتنزلق كلّ الخيارات من أيدينا فلا مجال إلا للـ " الرغم " رغمًا عنا، لم أسعى يومًا إلى غيرك، ولم أتمنى مرةً أن أصبح محاطًا بزوجتين، لكنّ المكتوب لنا كان خارج ما أتمنى وما لن يُرضيكِ ..."

كان تقدر ترفض يا حبة عيني جعل عينك الفقع.. للحين احس مافي شيء مقنع يخليك تتزوج .. بلا رغمًا عنك بلا هرج فاضي..
- هههههههههههههههههههههههه أعوذ بالله بس
الزبدة فيه ناس ما تكتشف خطأها إلا بعد حين ، ممكن يكون فيه أكثر من حل لكن الإنسان تغلبه نزعات التهور مرات أو نقول " الفزعة " -> وجعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا فأغشيناهم فهم لا يبصرون:biggrin:


اللي ابي اعرفه.. الحين وش وضع جنان.. اللي متأكده منه فواز مارح يظلمها.. حتى لو ما يحبها بس انو يقدر ابوها واخوها.. وفوق كذا اخلاقه وخوفه من ربي رح تمنعه انو يظلمها.. تدرين.. جا ببالي انو جيهان اذا عرفت عن الزواج رح تهاجم جنان.. بما انو جيهان مجنونة وما تحسب تصرفاتها وخطواتها قبل ما تسويها..
-عاد هي صح جيهان مجنونة رسمي وجنان مسالمة الله يستر بس :(
بس على قولتك فواز مستحيل يظلم جنان ونشوف وش بيصير بوضعهم :/

،

اعتذر هنو على قصر تعليقي.. و ما وفيتك حقك.. بس الجايات افضل بإذن الله..
😻😊
- يا حلاوتك بس مافيه تقصير منك مبثرتني في أماكن كثيرة
^ أمزح أمزح لا تطنقرين :(


ياهلابـِك ()






كَيــدْ 12-07-15 07:51 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 










بسم الله نبدأ ...


ابتدى بمين ؟؟؟ على كلٍ هما نقطتين بس اللى هعلق عليهم على ما اعتقد


أولا سلطان وغزل ... اعترف انى أول مرة اعرف بالحكم ده .. لأنى اصلا كنت فاكره انى قرأت انه تارك الصلاة كسلا عنها أو عصيانا لكنه لا ينكر وجوبها فده كفر لا يخرجه عن الملة .. لكن لما شفت كلامك ورجعت دورت اكتشفت انه الاغلبية على انه كافر خارج عن الملة .. وبالتالى زى ماقلتى انه زواجهم باطل للسبب ده .. لكن كمان اللى لقيته انه حتى لو تابت ورجعت تصلى فواجب تجديد عقد النكاح !!!
- طبعًا اختلفوا العلماء بهالحكم لكنّ الأغلب اجتمعوا على الذي سلف
ووجوب تجديد النكاح يكون في حالة واحدة فقط " إذا تابت بعد العدة " يعني راح تكون لها عدّة في الإنفصال زي الطلاق بالضبط وإذا رجعت تصلي فيها مباشرة ترجع له بدون تجديد عقد النكاح


النقطة التانية بقى ... الشخصيات الجديدة .. هى جديدة صح ؟؟؟؟ عادى أصل مخى ممكن يكون مش مركز اوى ومش فاكره ان كانوا مروا علينا قبل ولا لأ
- توضّح لكم إن اللي كان يحكي بطلاسم تحت - سماء باريس - هو نفسه ماجد صديق أدهم اللي ذُكر قبل كذا ، يعني الشخصية الجديدة هي فقط بَدر أما تميم وماجد قد طلّوا علينا من قبل :$

الأخ بدر ... فقد زوجته فى مأساة ليست بهينة ونتيجة غدر من أحد قريب منه !!! طيب هل المهمة اللى هو فيها ليها علاقة بعائلة الرازن دى ؟؟
- الغدر متّصل بماجد ، الحدث اللي قبل مكالمة عبدالله وبدر منفصل عن بَدر وهذا في باريس والثاني في بروكسيل وهالشيء توضح في البارتين الأخيرة من بعد مقابلة تميم وبدر ومن ثم يوسف أبو البنات وبدر
والمهمة واضح مغزاها اللي معلقة بـ " تميم الرازن " أجل أكيد متعلقة فيهم


عايزه اربط النقاط ببعضها ... أحمد بيدور على ملف " مؤسسة الرازن " عند سلطان .. وتميم من عائلة الرازن .. وانا مازلت معتقدة انه تميم ليه علاقة باللى بيحصل لسلطان وخصوصا الرسايل اللى بتوصله .

اللى اعتقده انه أحمد وربما سلمان معاه عملوا صفقة مشبوهة مع مؤسسة الرازن دى فى وقت ما ، وتقريبا لما حصلت مشاكل بين سلمان وسلطان ، أحمد دلوقتى خايف انه سلطان يفتح ملف الصفقة ويكتشف الفساد اللى فيه عشان كده عايز يوصله بأى طريقة .. أو عايزه عشان يكمل الصفقة لحسابه !!!
وواضح انه المهمة اللى بدر متوليها فى المانيا دى هى محاولة كشف مؤسسة الرازن واثبات انها متورطة فى شئ ما .. واعتقد انه سلمان فى الجانب ده .. اقصد جانب عبدالله وبدر

بس ده معناه انه العائلة دى متورطة فيما هو اكثر من مجرد صفقات مشبوهة .. لأنه غالبا زوجة بدر اتقتلت كنوع من التهديد لبدر عشان يبعد عن طريقهم !!! ودلوقتى كانوا مستعدين يقتلوا سلطان !!! بس هل ياترى تميم واعى لكل اللى بيحصل ده ولا هو متورط بدون علمه ؟؟؟ مع انه يبدو لى انه جده مشيله الشغل كله ، يعنى اكيد مافيش حاجه هتحصل بدون علمه ابدا .
- تحية كبيرة لتوقعلاتك وتحليلاتك الواو صراحة! تحليلاتك دايم شيء عجيب وما أقصد إنها صحيحة 100% لكن محد ينكر كونها ذكية جدًا ماشاء الله عليك!
أنا لو بشير لأحد المتابعين يقرأ تعليقات معينة لمتتابع فذ فهو لك بدون مبالغة ، الله يخليك على هالتفكير الرائع
طبعًا بدر في بروكسيل وليس ألمانيا ، مهمته ممكن تكون متعلقة بأفراد كثيرة وما أقدر أناقش ردك عنها أكثر لأني بهبب ، عارفة بنفسي إذا تحمست وتفاعلت مع رد وش أسوي :(


خسارة لو تميم طلع كده فعلا ... انا كنت هحبه وعماله اخطط هل هيبقى مع جنان ولا ارجوان !!! بس هو اساسا قفلنى منه البارت ده .. ايه ياخويا انت .. ماشى ولا كأنه فيه أحد زيك على الارض .. ناقص يقول " يا أرض انهدى ماعليكى قدى " !!! لا وكمان بيقول " ظننتك عربى نجس " ؟؟؟ نعم نعم نعم !!!! ده على اساس انه سيادتك ايه ان شاء الله ؟؟؟ احنا اللى مانتشرفش بانتماءك لينا يا بابا ...
- هههههههههههههههههههههههههه الله يسعدك يا شيخة عاد أنا أحب الشخصيات المغرورة والشريرة لذلك تميم محبوب عندي -> برا برااا يلا بسرعة :YkE04454:

بس خلاص انا هخرج بقى قبل ما شرشحه اكتر ما كده .

يا زين قلبك وتعليقاتك بس ()
ما انحرمش على هالطلة الحلوة ممنونة لقلبك الحلو :""









كَيــدْ 12-07-15 07:54 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 







اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضَّيْم (المشاركة 3541161)

أهنيكِ على القفلة كيد :jhvcdf:
منتظرينكِ على نار...


قفلاتي بريئة صدقيني :5:


اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة fadi azar (المشاركة 3541361)
مشكورة على الفصل


العفو الله يسلمك ()




كَيــدْ 12-07-15 08:02 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 










اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وعود الايام (المشاركة 3541901)
هاى كيد كيفك ؟ كل عام وانتى وجميع المتابعين بخير
انا بصراحه كنت متابعه وراء الكواليس ومفكرتش اسجل بس مع تطور الاحداث والاكشن الى حصل ده اضطريت رغما عن انفى انى اسجل علشان ابدى رايئ

اول حاجه انا بهنيكى جدا على طريقه سردك للاحداث والمشاعر بجد بجد ابداع منك

تانى حاجه انا عايزه اجاوب على السؤال وهو (اسيل الى شاهين) عندى ثقه زايده شويه بعيد عنك
اما تالت حاجه فانا بصراحه متلغبطه اوى وخصوصا بعد ظهور بدر وتميم لان الاحداث بدأت بالتشابك فانا عندى احتمال وهو
(ان سلمان لما كان بيشتغل لوحده من 15سنة كان هيشتغل مع شركة الرزان لانك قولتى انها برا المملكه ولما حاول ياخد الفلوس وفهد مسكه قتله وخد الفلوس بس مكملش المشروع ودلوقتى اوراق المشروع مع سلطان من غير ما هو يعرف اهميه الاوراق الى مهاه فسلمان بيقول لاحمد انه يهدد غزل علشان تبحث عن الاوراق علشان يقدروا يتموا الصفقة)
على العموم الاحداث جايه وهنعرف واحنا منتظرينك على أحر من الجمر
)


يا هلا بالزين أنا الحمدلله طيبة عساك بخير وسعادة :$
نورتي الحته واللهِ وأفتخر كثير لهالنظرة المشرفة منك ما انحرمش ()

اللخبطة ذي كلها بتختفي تدريجيًا وهذاه أكثر من تعقيد بدأ ينفك لكم لأني قاعدة أرمي لكم أكثر من حل بس النبيه هو اللي بينتبه ويفهم
حتى سلمان وضّحت شيء بخصوصه بس محد انتبه إلا القليل وهالقليل ما ثبتوا على شيء ملخبطين بعد بس كله بيتوضح بإذن الله ()

توقعك حلو وممكن صح وممكن لا :D

أنرتِ يا الغالية ()



كَيــدْ 12-07-15 08:05 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 









اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فانيليا شوكلاته (المشاركة 3543226)
شكلها روايه حلوه بعد رمضان باذن الله راح يكون لي عوده

بتنوري الحته يا جميلة ()



اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ليل الشتاء (المشاركة 3543342)
ولا يهمك كيد اهم حاجه انم بخير
كل عام وانت بخير
بانتظارك

وأنتِ بألف خير مشكورة على حلاوة ذوقك ()



كَيــدْ 12-07-15 08:10 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 










حاليًا مضطرة أطلع ولي عودة لبقية التعليقات قبل الفجر أو بعده بإذن الله
وبكذا بكون خلصت تعليقات ليلاس وبتجه للمنتديات الثانية وبعدها نروح للتعليقات القديمة

ورانا مشوار بس مشوار لذيذ يا حبي لكم (())



كَيــدْ 13-07-15 05:43 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 













اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فآرغه (المشاركة 3543788)
متعب اخو شاهين هو نفسه ماجد 😮😩لالا مابي اخوه يكون حي ...
أدهم ماقدرت افهم شيء منه .. وولا عن كلامه مه زوجة ابوه ،بس اللي متأكده منه إلين مو اخته ابد ، ووش قصتهم وليش يكذبون عليها ما ادري ...

كيد روايتك جميله بشكل ، وانا قريتها من اول بارت .. عاد اللحين من الصدمه طلع الكلام مني غصب ..

طبعا بقولك على شيء ... كل الاحداث اللي صارت بالبداية انا ناسيتها تماما .. خاصه رسايل سلطان ما اتذكر منها ولا حرف ..

زعلت على سيف وديما ليه ماطلعو بهالبارت .. انتظر ردت فعل سيف على احر من الجمر ومتأكده سيف بيكسر كل التوقعات ..

بانتظار الثلاثاء ، وان شاء الله البارت طويل


هههههههههههههههههههه ترى مو شرط يكون هو مو شرط!
أذكر مرة حكيت عنه بالتفصيل في سناب وقلت ممكن تكون توقعاتكم بخصوص متعب ما منها نتيجة ويطلع بالفعل ميت! يعني كل هالفترة استثارتكم للموضوع تحرق أعصابكم لا غير
أنا استثرت هالموضوع مرة وحدة وتقفل خلاص بآخر مقابلة بين سند وشاهين بس أنتم استثرتوه وعـاد إذا كان ميت بالفعل أنـا ماراح أوضح هالشيء لأن الموضوع ببساطة ممتع وانفعالاتكم بخصوص حياته وموته ممتعة!
ههههههههههههههه ماهي نذالة بس أنا مالي دخل أنتم اللي موقفين بالكم على حيـاته يعني حتى لو بالفعل ميت أنا ماليش شغل في حرق أعصابكم
خلاصة الموضوع كله انه ممكن يكون ميت وممكن بالفعل عايش ههههههههههههههههههههههههههه

كلام أدهم بيتوضح شوي شوي ، طيب إذا على قولتك ماهي أخته ترى ذي مرة أبوه يعني إلين أخته من أبوه !!

عيونِك الجميلة يا ستي وأفتخر بهالنظرة المشرفة يا بعد حيي والله ()

الرسائل كما التالي

ست
بين الواحد والأربعة

هذي اللي وصلت سلطان للحين وأكيد ما خلصت يعني فيه توابع لهالرسائل حاولوا تفككونها واللي تعرف المغزى لها هدية خاصة مني ()



أنرتِ يا جميلة ()


كَيــدْ 13-07-15 05:47 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 














اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة راويه هـ (المشاركة 3544012)
سجلت بالمنتدى عشان اقدر اكتب تعليق
اول شي روايتك تاخذ العقل وسهرت عليها يومين كامله لحد ما وصلت لهنا
..
ابو جنان كارهته بشكل هفف ياربي يصير اي شي بس فواز ما يتزوج جنان

وسيف اتمنى تتركه ديما عشان يحس لان مافي حل غير كدا

عندي كلام كتير بس مرفوع ضغطي من ابو جنان

يا هلا بالزين (())
عاد هالفئة اللي تقولّي سجلنا عشان الروايــة لها مكانة خاصة في قلبي ما انحرم يا رب
يسعدني هالشيء والله وأعتز بوصول الروايـة لهالقد عندكم :$$

هههههههههههههه تبين تخربين بيتهم :YkE04454: !!!

بسم الله على ضغطك ما عليك من هالشايب صحتك أهم :YkE04454:

حيّ هالطلة الحلوة :$$*


كَيــدْ 13-07-15 06:01 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 















السلام عليكم
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته


كيد وش هالابداع1؟للحين ماقريت الا 3 أجزاء لكن الحقيقه اني ماقدرت أوقف من اول كلمه قريتها لين وصلت للجزء الثالث وخلصته..
- يا هلا والله بالزين واللي طلّ علينا يا قمالو يا قمالو :$$


عناد واااي وااااي وااااااااااااي يجنن يختيصرا مدري عاد هو لقى شريكه لحياتع بالاجزاء اللي جت والا للحين.. بس لازم نلقى له احد.. وسيف هذا المريض الله يشفيه وش ذا اعوذ بالله ؟؟ مره ظهار ومره يغير اسم الحرمه مجنون رسمي هذا وحركته سخيفه ومتسلط الله حسيبه.
- عاد جيت بقولك لقى أو لا حسيت نفس يغلط فسكت :( يلا على ما توصلين بتعرفين هو لقى أو لا
ههههههههههههه عاد سيف هذي قطرة من غيث



اكثر شخصيه جذبتني إلين.. الله يعينها ويعظم اجرها على وضعها. ياسر هل فعلا بيكون من نصيبها والا بترفض الزواج ولاراح تفكر فيه عشان وضعها ومايعايرها زوجها بحالها ولايجيها عيال يستعرون من امهم؟
بس ودي اعرف من هاللي يتحرش فيها .. هو واحد يقرب لهم والا شخص يعرفهم وهل هو كبير بالسن والا صغير؟؟ الصراحه اني شكيت بابو ياسر>>فيس يضحك من توقعه..
- مشكلة تعليقك من النوع اللي ما أعرف أناقشك فيه وأكيد عارفة السبب :( كل استفساراتك طلع جوابها على الملأ بس توقعك! نو كومنت صراحة :YkE04454:

وبعد شكيت باخو منى وخال جيهان وارجوان؟
- وش وصّل ذياب لإلين :/ بس عاد كل شيء ممكن كل شيء ممكن -> واضح اللي تسلك لك :YkE04454:

القصه للحين روعه اعجبتني الاحداث والوصف والسرد وكل شي يهبل..
بس اللي ما احبه بالقصص كثره الشخصيات حسيت اني ضعت بأول القصه.. أتمنى ان الشخصيات ماتزيد وتوقف عند هذولا بس.
- يا حبيبتي والله من ذوقك الحلو يا جمالك بس!
وكل الشخصيات اللي بالرواية تخدم النص يعني كثروا أو قلّوا مافيه حشو زائد للحين وإن شاء الله يثبتون في مخك مع القراءة وما تلخبطين :$$


شاااهين .. >> فيس كله قلووووووب يجنن هو وامه.. صااادرته خلاااااص ابي واحد كذا شقردي يغسل ويطبخ ويكنس ويسقي الزرع ويلقح النخل وويسوووي شاهي وقهوه تمام؟؟هههههههههه
- هههههههههههههههههههههههههههه طيب كله تمام يغسل يطبخ يكنس وووو بس وش جاب شقردي؟ مانبي تعصبات رياضية هنا إلا إذا قصدك المعنى العام للكلمة هنا حكاية ثانية

باذن الله بحاول اخلص القصه بعد العيد ان الله أحيانا وارجع برد جميييل..
دمتي بـــود..
وايه تكفين عاااد نبي القصه تكتمل ما ابي تعلقينا فيها وعقب الا انتي فص ملح وداب.. خلاااص نبي احد يرجع لنا الثقه بالكااتبات ومايجلس فيه ابدااع مبتور.. انا مايقهرني الا القصص الخايسه نص ومضمون وتكتمل والقصص العدله المتعوب عليها توقف ولاعاد نشوف للكاتبه اثر ليه كدا؟؟
- بتنوري الحته واللهِ والبيت بيتك ولا تنسينا من العيدية (())
ومن ناحية تكتمل هي بإذن الله مكتملة مكتملة وإن شاء الله ما أتركها الا وهي في قسم المكتملات
حركات السحبة ذي ما أحبها :(


ربي يوفقتس ياا عسل.
- آمين يـارب وياك يا قمرنا (())







كَيــدْ 13-07-15 06:05 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 














اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زارا (المشاركة 3544046)
هذاا والله الخبر الزيــن

كيــد توني اشوف تعليقتس بانتس ماحددتي الاعمااار ؟؟هذاا والله الشغل الزين بتشرط عليتس باعمار ابطالي اللي صادرتهم هخهخهخهخه

شووفي عاد يااا حوبي.>>فيس انبطح بيملي شروطه..هخهخهخه
شوفي عاد اعمار البزارين واللي يسلم عمرتس مانبي؟؟ 23 و 22 مانبيها .. نبي من 30 وفووووق ويعني شاهين وعناد ابيهم واحد أبو 35 والثاني أبو 34وعاد انتي حره باختيار الاسامي ... شفتي شلون انا حليوه وما اضغط عليتس اكثر..هخخهخهخهخه

بالتوفيق قلبوووو


هههههههههههههههههههههههههههه لا أبشرك كل الأبطال أعمارهم تقريبًا ثلاثين وفوق ما عدا سلطان 27
أعمار البزارن ماهي جوي إما ثلاثيني والا بلاها هذا الرجال الزين :YkE04454:
شاهين عمره قرابة الـ 35 وعناد 32 يعني جوّك واللي يحبه قلبك تمتعي في اللي صادرتيهم (())


يا هلابِـك :$$





كَيــدْ 14-07-15 10:20 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم

صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الله
إن شاء الله تكونون بألف صحّة وعافية


أولًا / كل عام وأنتم بألف خير وسعادة وينعاد علينا بالصحة والعافية ، عيدكم مبارك :$$
ثانيًا / في أول ظهور على الأرجح لحسام - أخو بدر - كتبت اسمه بالغلط حمد على ذكر وحدة من المتابعات ، عمومًا إذا كنت غلطت فهذا للأسف من أسوأ الأخطاء اللي ممكن تصير بالروايـات وأكره ما عندي ألخبط في الأسماء :( عمومًا اسمه حسام مُش حمد، وماني ناويَة أعدل شيء لأن أي غبطة بتركها مثل ماهي إلا اللي تأثر بمحتوى الروايـة ، وبتعلم من أخطائي بهالروايَة لأنها كتدريب لي.

ثالثًا / طقّينا الجـزء الأربعين :$$ ماني مستوعبة جمال هالشيء وحاليًا اقدر أأكد للمرة الالف إننا طلعنا من جزء بالروايـة وانتقلنا لآخر ، أكيد ملاحظين هالشيء لأنه كان من الأجزاء السابقـة :$$

عزيز على قلبي والله وصولي لهنا ، وانتهينا من الصعب وبقي السهل بإذن الله ()

+ مبارك انتصار عدن ، عارفـة دخلت موضوع بموضوع لكن ضروري توصل التهنئة لكل متابعة يمنية لروايتي
الله يكتب النصر لكل المسلمين وعقبال سوريا وبقيّة الدول العربية :""
"

بسم الله نبدأ
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات


(40)




السماءُ الزرقاء، قرصُ الشمس المستديرةِ في كبدِ السماء ، كيدُ الغيوم المُتوزعة على صفيحةِ السماءِ بشكل متفرقٍ لتخدعنا أولًا وتتكتل فجأةً مغيِّبةً الشمس من خلفِها ، كلّهم يراقبونَ اهتزاز حدقتيه، يستمعون لفحيحِ القلقِ في أنفاسه ، كم مرةً تراقبهُ الشمس؟ كل نهار، كل ليلٍ خلفَ المجرّات! في الشروق والثبوتِ في السماء، في المغيب والسقوطِ عن السماء، تنزلق الشمسُ وينزلق معها النهارُ والحيـاة الحركية ويظلُّ السكُون في كبدِ الأرض، الخمولُ والنُعاس.
يحتاج صدرهُ النَّعسِ للنوم، يُريدُ ليومٍ أن ينام عن الحُزن والأنين، عن الكَدر والضيق، عن انطباقِ بحرِ الظلمات في أوداجه، عن الريـاح العاتياتِ المُقلّبةِ لمزاجهِ ذات المشرقِ والمغرب ، عن الليل الدامسِ فيه ، عن القمر! ... القمرُ لا يجيء إلا إذا حل الليل ، لم أعد أريد الليلَ ولا شاعريته، لم أعد أريدُ بدرهُ ونجومه ، لم أعد أريد الظلام!
بقيَ الهاتف يرن مرتين وثلاث، لكنّ ماجد كان يغطّ في نومٍ عميقٍ يُقلّب دماغهُ بين الأحلام والكوابيس! ما أجمل الكوابيس ، كونها كابوسًا إذن هي لم تحدث حقيقة! فلتبقى كابوسًا ولينشطرَ قلبهُ في المنامِ فقط دون الصحـوة.
عضّ أدهم شفتهُ السفلى بقوةٍ وقهرٍ ليرمي هاتفهُ على الأرض بغضب، تحطّمت شاشةُ هاتفه ولم يبالي، لو كان في يدهُ هاتفٌ آخر لرماه أيضًا مُنفِّسًا عن مافي صدره ، لمَ لا يرد؟ لمَ لا يرد؟ .. هل وصلوا إليْه؟ يا الله لا تجعل الكابوس حقيقة.


،


كلُّ الطرقِ تؤدي إلى روما ، لا لومةَ على هذا القول ، والآن كلُّ المُتعةِ تتملّكه، تحت سماءِ روما وفوقَ أرضها، تلفحهُ نسيمها الدافئ، شمسها تطلُّ على ابتسامته، يبتعد عن أعماله لأيامٍ حتى يُريح رأسه من الدنيـا عدا روما والتنقّل في ربوعِها.
نهضَ من سريرهِ بنشاط، الساعةُ الآن قُرب الثامنةِ والنصف صباحًا بتوقيتِ روما، دخَل الحمام حتى يُنعش جسدهُ بعد أن طلبَ إلإفطار ، الماءُ انسدلَ على جسدِه القوي والمفتول بالعضلات إثر التمارين التي يُرهق بها جسدهُ يوميًا، تذكّر رغمًا عنهُ في لحظةِ استرخائـه بدر، لا يدري كيف جاءتهُ لمحةُ ملامحهِ المزدرءةِ وهو ينظر إليه في المطار، عيناه الحاقدة والناظرةِ إليه بشعورٍ كارثيٍ للقتل، لشرب دمائـه! . . ابتسم، وأغمضَ عينيه بمتعة ، مشكلتك يا بَدر أن الحماقةَ تسطعُ من عينك، لستَ كُفئًا لشيء حتى تجيء وتتحداني! الرجل الذي يُقيَّد بماضيه ضعيف، وهذهِ مُشكلتك.
بعدَ نصفِ ساعةٍ خرجَ من الحمامِ وهو يلفُّ المنشفةَ حول خصرهِ ومنشفةٌ أخرى تستقرّ على كتفيه تستقبل قطراتِ الماء المتساقطة من خصلاتِ شعره. اتّجه لحقيبته حتى يفتحها ويُخرج منها ما يرتديه، بنطالًا من الجينز وقميصًا أسود، ارتدى ملابسه ووقف أمام مرآة التسريحةِ يُرتِّب شعره ومن ثمّ أخذ من عطرهِ المفضل حتى يغتسل به، وفي هذهِ الأثناء كان صوت الجرسِ ينتشرُ معلنًا حضور إفطاره.


،


نظَر للحظاتٍ إلى هاتفهِ والرقمِ الذي نُقش فيه، يتطلع إليه بعينين جامدتين، يجلسُ على كرسيِّ مكتبهِ في عيادتِه وهو في هذهِ الأثناء غير مشغولٍ بشيء، لا مرضى ولا مراجعاتٍ إذن هل هذهِ اللحظة المناسبة حتى يستثير ما دسَّهُ في جعبتهِ منذ أيـام؟
لم يُفكر طويلًا، فالتفكير الطويل لن يجيء بشيء، لا ينتوي التراجع، ويخشى أن تكون نتيجة تفكيره هو.
ضغطَ على زرِّ الإتصال، وبقيَ لعشرِ ثوانٍ يتطلّعُ بالشاشةِ التي تُنير باتصاله والتفكيرُ يُظلمُ خلفه، فقط الكلمات التي ستندفع، والنبرةُ التي ستلجأ إليها تلك الكلمات.

من الجهةِ الأخرى كان الهاتفُ يتصاعدُ رنينهُ على الطاولةِ الخشبية البيضاء، وضعَ ملعقةَ الطعام ونظر للهاتف الذي يُنيرُ برقمٍ سعودي، عقَد حاجبيه قليلًا قبل أن يرفعه وهو يرفع المنديل أيضًا ويمسح فمه، ومن ثمّ ردّ دون تفكيرٍ عميق ليهتف : نعم!
الطرف الآخر : تميم الرازن؟
تميم : ايه مين معي؟
الطرف الآخر : معك الدكتور عناد
رفَع حاجبهُ الأيسرَ قليلًا باستنكارٍ وتراجع ظهرهُ للخلف حتى يسندهُ على ظهرِ الكُرسي، وبهدوء : سم؟
عناد : سلامتك ، أبغاك بشغلة بسيطة طبعًا إذا تقدر
تميم ينظرُ لساعتهِ بعجلةٍ قبل أن يهتف بتعالي : متصل علي وما تعرفني وتأمر بكل هالبساطة بعد؟ قول يا الحلو وش عندك؟
عناد بجمود : ابعد عن سلطان
عقدَ تميم حاجبيه بقوةٍ وعيناه اتقدتا بشرارةٍ ما، بقيَت ملامحهُ ساكنةً للحظة قبل أن يُبلل شفتيه ويبتسم ابتسامةً تكادُ لا ترى، وبذكائـه فهم! فهم المغزى من حديثِه، ليلفظ بخفوتٍ نهِم : وش قلت اسمك؟
عناد بهدوءٍ لازال يُحافظ عليه وبنبرةٍ واثقة : عناد ، عناد الأحمد
تميم : والله وهذا السعد يا دكتور عناد ، قل لي حليت شيء؟
ارتفعَت زاويـة فم عناد في ابتسامةٍ ملتوية، وبلؤم : ظنك حليت؟
تميم يضعُ ساقًا على أخرى ويتقدّمُ بجسده حتى يُسندَ ذراعهُ اليُسرى على الطاولةِ بينما يده اليُمنى تمسك الهاتف : والله دامك وصلت لهوية المُرسل ورقمي الشخصي فما أستبعد
عناد : طيب واللي بيقولك ما حلها للحين وانشغل تفكيره في المُرسل؟
تميم وابتسامته تتسع أكثر وأكثر، الأدرينالين يفيض في جسدهِ بمتعة! هو مجنونٌ بالتسلية! أجل مجنون، وإن وجد من يُشاطرهُ ويناظره في التحدي سينفعل. هتف بثقة : منك الرجا ، وفيه أمل تحل دامك وصلت للي أصعب من اللغز وعرفتني!
عناد : بالأول أبيك تبعد عن سلطان
تميم يلوي فمه بتفكير : وراه؟ نبي نخلي المتعة ثنتين والا ماهو كفو؟
عناد بحدة : عنده اللي أهم منك
رفعَ تميم حاجبيه بإعجابٍ لأسلوبه الواثق في الرد، ليلفظ : أجل لك اللي تبيه ، كم عناد عندنا
عناد : لا تتذاكى ، وكل اللي عليك ما ترسل شيء لسلطان
تميم : هههههههههههههههههههههه عاجبتني ثقتك بنفسك! وطريقتك بالكلام مع وقاحتها بس عاجبتني بعد ، لذلك بمشيها لك ، خلاص سلطان وماراح نقرب منه رضيت دكتورنا؟ بس وش صلتك فيه؟
عناد ببرود : ما يحتاج أقولك كذا والا كذا بتعرف والا! عمومًا ما ودي أطول وراي أشغال
تميم يرد بابتسامةٍ تُشرق بها ملامحه : أجل نتركك مع أشغالك ، وانتظر الشطر الثالث من قصيدة اللغز
أغلق عناد دون أن يردّ ويُضيف شيئًا، بينما وضعَ تميم الهاتفَ أمامه وهو يبتسم : عناد الأحمد أجل!
اتصل برقمٍ آخر ووضع الهاتف على أذنه، وفي خلاص ثواني كان الصوت المقصود يأتيه من الجانب الآخر ليهتف بأمر : أبيك تطلّع لي كل المعلومات المتعلقة بشخص مرتبط بسلطان النامي اسمه عناد الأحمد ، خلال ساعة أبيها متواجدة عندي ، سامع!


،


فتحَت عينيها على ضوءِ الشمسِ المُتسلل عبر النافذةِ إلى غرفتها، تقلّبت فوق السرير وهي تعودُ لأغماض عينيها والغرقُ فيما كانت، هذهِ المرة رأت حُلمًا كان جميلًا، صوتُها فيه كان مُـشرقًا، عيناها تلتمعان بسعادة، تعيشُ بحيـاةٍ أفضل ، براحةٍ أفضل! تستيقظُ من نومها لتكتسف أن كل ما حدثَ في الأشهرِ السابقةِ لم يكُن إلا كابوسًا أسودًا يرتدي عباءةَ العذابِ والشقاءْ، وأنّ حياتها حتى الآن مشرقةٌ وبيضاء، وأنها تجلس بجانبِ والدها بدلالٍ وتستشيطُ الضحكاتُ بينهما، وأمها! تجلسُ برفقتهم، تبتسم للأحاديثِ المُنفعلةِ بينهم، والسماءُ الزرقاءُ تطلُّ على هذهِ الأرض التي تحمل عائلتها السعيدة، وهذا الليلُ الجميلُ تُشرف نجومهُ وقمرهُ عليهم.
فتحت عينيها فجأةً ورأت ماهيَ فيه، الحقيقةُ المرّة والسفينةُ الغارقـةِ في بحرِ البؤس! الميناءُ المنتَظَر يبتعد، ومرساهُم ينكسر! ما بالُ روحها تنكسر! في جبِّ الوجعِ تنقسم، ينتهي الزمان ويصل المكانُ لخطِّ النهايـة، لا نهاية! نقف أمام النهايـة ولا نصل، نقفُ في وجعنا دائرين بين الشمالِ والجنوبِ ويضيعُ المشرقُ في الغروب لتغرب الشمسُ من مشرقها.
تمدَدت على ظهرها وهي تنظر للسقفِ ببهوت، تفغر فمها مُناجيةً ذراتَ الأكسجين، الذبولُ يُسيطرُ على نظرتها، جفناها ينكسرانِ بحُزنها، كيف وصلَت إلى هُنا؟ تذكُر أنها نامت في الصالـة بعد ما حدث بينها وبين فواز . . أغمضَت عينيها بهدوءٍ وصدرها يجيشُ بالضجيج، لا صمتَ فوقَ بحرِ الضجيج، يضيعُ السكونُ ويبقى الأنين، يا الله يا مُسيّر المخلوقاتِ في البحار، هبْ لي من الموتِ راحـة.
اعتدلت لتجلس وتسقطَ عيناها على ساعةِ الحائـط، العاشرةُ صباحًا بتوقيتِ الريـاض، لمَ لم يُوقضها فواز لصلاةِ الفجر؟ عقَدت حاجبيها بضيقٍ لتصرفه، ومن ثمّ نهضَت عن السريرِ لتتجه للحمامِ مباشرةً وتتوضأ ومن ثمّ تخرج حتى ترتدي عباءتها وتتنبأ بموضع القبلة بحسب زياراتها السابقةِ ووضع صلواتها السابقةِ هنا.
بعد وقت ، كانت قد أنهَت صلاة الفجرِ ومن ثم الضُحى وجلست تقرأ بعض آياتِ اللهِ القُرآنية، في تلك اللحظة دخَل فوّاز تسبقهُ رائحةُ عطرهِ الطليقة، نظر إليها لثانيتين قبل أن يتّجه إلى الكومدينة ويأخذ محفضتهُ ومفاتيح السيَارة، كان يستعدُّ للخروجِ مرةً أخرى قبل إيقافها لهُ بصوتها الذي عبَر مسامعهُ بنبرةٍ خافتة : ليه ما صحيتني للصـلاة؟
توقف فوّاز أمام بابِ الغرفـةِ دون أن يستدير إليها، نظرَ للأرضِ بصمتٍ للحظةٍ قبل أن يلفظ بالإجابة : حاولت أصحيك بس ما رضيتي تصحين
جيهان ترفع إحدى حاجبيها باستنكار : متأكد؟ ترى نومي ماهو بذا الثقل وبالعـادة أصحى
استدار إليها وهو يعقدُ حاجبيْه بحدة، وبنبرةٍ توازي استنكارها : يعني أكذب مثلًا؟
توترت رغمًا عنها حين اهتزّت نبرتُه الحادةِ بعض الشيء، لكنّها احتفظت بثباتِها لتهتف : ما قلت كذا
فواز : هذا المعنى من كلامك ، عمومًا يا ام نوم خفيف ترى شلتك بعَد من الصالة للسرير وما حسيتي فيني
بللت شفتيها وهي تعقدُ حاجبيها، عيناه الناظرتين إليها بضيقٍ وقلّة صبر ليست عيناه التي اعتادت، تتضاعفُ المسافاتُ بيننا، وأنت الذي تختارها! تُدرك أنني أقف في مكاني، لا أبتعد، ويستحيل أن أقترب، كان الإقترابُ منك فقط، لكنّه الآن عُكسَ وبات اقترابك ابتعادًا بينما أنا على خيطِ الإنتظارِ أقف، الخيطُ سينقطع! تالله سينقطعُ وصوتُك العاشِق يضمحل، نظرتك الحنونةُ تُقمعُ خلف الحدّةِ وكل مافيك يذهبُ طبيعته .. لا تبتعد!
مسحَت بكفِّها على أرنبةِ أنفهما قبل أن تهمس بضيَاع : لا تعصّب طيب ، صاير منت نفسك
تنهّد فواز قبل أن يُغمض عينيه ويعضّ طرف شفته، لستُ نفسي، لأنني خِنتُها ... هتفَ بخفوتٍ وهو يفتحُ عينيه ويُركّز بنظراتِه على عينيها : من حقي ، مثل ما أنتِ تختارين نفسك بين الخيارات العشر في كل يوم وساعة!
جيهان تعقدُ حاجبيها باعتراضٍ لكلّ ما قاله : أقلّها ما ينقلب حالي بيوم وليلة وبدون سبب ملموس
فواز بقهر : تبين السبب؟
رفعَت كتفيها دون مبالاةٍ وصدرها يهتف برغبته الكبيرةِ ليعرف، وبصوتٍ يتعرى من اللهفةِ يُناقض ما تُريد : أمطرنا
زفرَ بانفعال، وتراجع خطوةً للخلفِ دون أن يستدير .. هل يملك الجرأة الكافيـة حتى يعترفَ بجُرمه؟ وهل سيجدُ في قاموسِ صوتِها عُذرًا وسماح؟ لا مفرّ من الذنب ، لا عُذر لي عندك، ولن تفهمي ما لـدي ، من حقكِ التصرف بما تريدين وأنا لا أريد أن أُهديكِ هذا الحقَّ بمعرفتك ، لـذا كوني جاهلةً بالمعصيةِ التي ارتكبتها، أو اغفري لي ذنبي يا جيهان، اغفري وعندها سيُضيء العالم من جديدٍ بصوتِكِ ومغفرتك.
بلل شفتيه وهو يزفر مرةً وأخرى، رفَع كفّهُ اليُمنى بانفعالٍ ليمسحَ على ملامحهِ الغائبِ عنها الراحـة، الغائبِ عنها موجةُ الإطمئنان والسكينة ، ولأنّ السكينةَ عينيها كان لابد لي من الإلتواءِ خلْفَ رضاءِ هاتين العينين.
لم يرد، وتعلّق صوتُه في المسافةِ بينهما، المسافـة التي تتضاعفُ أميالًا وأميالًا وتسقط النبرةُ في جسرها . . أقصى الألم ، أن أعثر على صوتي داخلَ فمي، وأُضيعهُ خارجه، أن تتثاقلَ الأحرفُ والكلماتُ في لساني فتسقطَ صريعًا دون تبريرٍ لموتي ، كيف للأمواتِ الحديث؟ أخبريني، كيفَ لمن كانت الأخطاءُ كفنه أن يتعقّل الموتُ فيه ويهمسَ صوتُه بتبرير؟
أقصى الألم ، أن أجِد في عينيك المنفى المُضيء ولا ألجأُ إلى هذا المنفى.
تراجعَت خطواتهُ للخلف وهو يزمُّ شفتيه بغضبٍ من كل شيء، من الأبوابِ التي عثرت فجأةً على أقفالها وأوصَدت نفسها، عن التبريراتِ التي تموتُ في حنجرته. خرَج من الغرفةِ مُنهيًا سيلَ الكلامِ وموجَ النبرات، تاركًا لها خلفه تنظر إليه بعينين كسيرتين ، تتنتظر الجواب على سؤالٍ يستقرّ في صدرها ولا يسطُع.


،


في الخامِسةِ مساءً
توقَفت سيارتُه أمام بيت طليقته، يدُه اليُمنى تُمسك بيدِ ابنهِ والأخرى تحملُ كيسيْن، واحدٌ يحمل فيه أغراضًا منوعةً للرسمِ والآخر بعض أنواعِ الحلويات والشوكلاه التي يُحبّها زيـاد، تحرّكت زوجين من الأقدامِ باتجاه الباب، ضرَب الجرَس مرةً وتوقّف ينظر لزياد ويبتسم بحنانٍ أبويٍ صافي : زي ما اتفقنا ، بكره أشوف رسمتك ماشي؟
زياد يومئ برأسه متحمسًا : ماشي
سيف : طيب وش قررت ترسم
ابتسم زيـاد ببراءة : سِر
سيف تتسع ابتسامته : والله وصار عندنا أسرار * جلَس القُرفصاء ليقرص وجنتيه مُردفًا * تخبي على بابا هاه؟
زياد : بكره تعرف الرسمة
عاد ليقف من جديدٍ ويضرب الجرس للمرةِ الثانية وهو يلفظُ بابتسامةٍ مشرقة : أجل يلا يا بكره لا تتأخر
زيـاد : إذا نمت بكره يجي بسرعة ، نام
سيف يضحك ضحكةً قصيرة قبل أن يهتف بحب : صرنا نعطي نصايح؟
فتحت الخادمة الباب في تلك اللحظةِ ليعُود سيف للجلوس مرةً أخرى القرفصاء ويُقبّل وجنتيه، وبنبرةٍ مُشرقة : انتبه لنفسك ، ولا أوصيك بكره أبي أشوف رسمتك الحلوة
أومأ زيـاد ليركض إلى البيتِ ويدخُل، بينما أغلقت الخادمة الباب من بعدِ دخوله ليزفر سيْف ويعود أدراجهُ إلى سيارتِه.
مضى الوقتُ سريعًا حتى دخلَ البيت قُرابة الساعةِ السادسة، وجَد أمه تجلس مع ديما يرتشفان القهوة، وقد التقطت أذناه آخر كلماتِ أمه قبل أن تصمت حين رأته " انتبهي عليه ، توّك في البداية "
ألقى السلام حين دخَل، لتضعَ ديما فنجان القهوةِ وهي ترد عليه السلام، بينما جلسَ سيف في أريكةٍ منفردة ليهتف بتساؤل : تنتبه على مين؟ وش قصدك يمه؟
عقدت ام سيف حاجبيها بحدة : هاااو! شعليك أنت بعد بسوالف الحريم!
ابتسم سيف : دامه شيء يخص مرتي فهو لي
ام سيف : اقول بلا ملاغتك الحين ، سوالف الحريم بين الحريم خلّك رجال واترك عنك الهذرة
سيف : ههههههههههههههههههههه تعترفين انكم هذرات؟
ام سيق بحدةٍ وهي تعقد حاجبيها : قلّة أدب بعد! اقول قم قم ما بقى على أذان المغرب شيء تجهّز للصلاة


،


بعد المغرب، فتَحت عينيها المتورمتين لطُولِ نومها ولبكائها الطويل قبل أن تنام، الصداعُ يتراقصُ في رأسها كما لحظاتُ البارحَة . . جلَست وهي تضغطُ بكفِّها على رأسها وعيناها تنظران لظلامِ الغرفـة بإرهاق، نامت كما لم تنَم من قبل وكأنّ كل التكدّساتِ السابقة اجتمعت فجأةً في تلك الليلةِ لتنفجر بالبكاء ومن ثمّ النوم.
الخُذلانُ مرهق، متعبٌ أكثر من أي مرضٍ آخر قد يفتكُ بالجسد، الخُذلانُ مرضٌ لا شفاءِ منه، لا دواءَ له، الخُذلانُ صدمةٌ إذا ما واجهتِ الجسد يسقُط صريعًا تُأمِّرهُ الهوان بأن يتهاوى في المِحَن، كم مرةً خُذلت؟ للمرةِ الثالثة؟ الرابعة؟ الخامسة؟ اللا نهايَة؟ ما أقسى اللا نهايـة! ما أقسى اللا مكان واللا زمان واللا وفـاء! أغمَضت عينيها بقوّة، صوتُها يهوي في جحُورِ الغيَاب، في غياهِب الأسرِ والقيْدُ يسكُنُ نبرتها الكسيرة، القيدُ يُدمي معصميها.
مدّت يدها إلى الأبجورةِ كي تفتحَ الإضاءةَ البُرتقالية وتنتشرَ في أنحاءِ الغرفة، لامسَت قدميها الحافيتين أرضيَة الغرفة الباردة، لتقف بإرهاقٍ وجسدُها يترنح بغيابِ الثباتِ عنها، اتّجهت مباشرةً نحوَ البابِ وهي تمسحُ على ملامحها المُنتفخة، فتَحته وهي تعقد حاجبيها وتُغضِّن عيناها إثر عدم اعتيادها على الضوءِ بعد، حُجراتُ قلبها الأربع يتصاعدُ منها دُخان الذبول، لا دمـاءَ تجري في جسدها، أصبَحت تحيا وهي ميّتة، تتحرك كدمى ليس فيها رُوح . . اصتدمَت عيناها بسلطان الذي يجلس على إحدى أرائـك الصالة، يسنُد مرفقيه على ركبتيه ورأسه ينخفض نحو الأسفل ليُحيطهُ بكفيه في تفكيرٍ عقيم ، لم ينتبه إلى خروجها وغرقهُ في تفكيرهِ يتعمّق، يختنقُ بماءِ هذا البحرِ المالحِ والمرِّ في آنٍ واحد، يُحيطهُ التيه من كلّ جهة .. كانت قدماها قد تراجعتا في بادئ الأمر إلا أنهما تثبّتتا أخيرًا، نظرت إليه بحقدٍ قبل أن تُكمل طريقها إلى الحمامِ الخارجي ولوهلةٍ نسيَت أن في غرفتها حمامًا آخر وسيطَر الصداعُ على مراكز عقلها لتغفل عن ذلك في لحظةِ انكسارٍ ما ، أنا كالغـصنِ الجاف ، لا تحركهُ الرياحُ فيتمايل، بل ينكسر! انسحبت المياهُ عني وفقدت هويّة الغصنِ الرطِب ، ليسَ من العدل أن يعيش البشر في رخاءٍ وأنا لا ، ليس من العدلِ أن يتمايلوا مع الريـاح ويعودُوا أشدّ بينما أنا تتساقطُ الحياة من على كتفي.
تحرّكت بخطواتٍ تعبُر فوقَ الحدّةِ وعيناها تتحاشيانِ النظر إليه، دخَلت إلى الحمام لتُطبق الباب من خلفها بقوّةٍ وينتبه سلطان في تلك اللحظةِ رافعًا رأسه ناظرًا لباب الحمام بحاحبين منعقدين ، هل خرجت من غرفتها؟!!
خلَعت عباءتها التي مازالت ترتديها ورمتها على أرضيّةِ الحمامِ دون مبالاةٍ لتُلحقها بملابسها، وقفَت عاريةً تحت الماءِ الذي انسدل على جسدها باردًا وبرودته تتوارى خلفَ حرارة جسدها الذي يشتعلُ ولا تنطفأُ نارُه، هذهِ النارُ المستعرةُ في داخلي ليسَ لها رماد، وقودها أنا، وحُزني، وانكساري، وأنا!
أغمضَت عينيها بقوةٍ وهي ترفعُ رأسها قليلًا لتواجهَ الماءَ بوجهها، وتبدأ بالسعالِ تلقائيًا ما إن دخَل الماءُ جوفها .. القهرُ يتفنن في رسمِ ذاتِه عليها ، أنا اللوحةُ البيضاءُ التي شوّهتها الخيبات، أنا اللوحةُ البيضاءُ التي إن رُسم خطٌ أسود على سطحها لن تجد ممحاةً تُزيل ما دنّسها.
استغرق الماءُ في التساقطِ على جسدها ساعةً أو أكثر، أغلقته ما إن شعَرت بأن بعضَ القهرِ غُسل بالماءِ البارد، سحَبت إحدى مناشف الفندق المُعلّقة وهي بصفتها تتقزز من استخدام أي شيء لا يعُود لها، لكنّها الآن تنحلُّ عن نفسها وتتحلى بصفاتٍ لم تعرفها فيها قبلًا ... هل هناك وجودٌ لـ - نفسها - أصلًا؟؟
لفّت المنشفةَ على صدرها ليُغطيها حتى أعلى ركبتيها، لا تُبالي بمظهرها هذا أمام سلطان، فمن هو؟ مجرّدُ رجلٍ كاذبٍ لن تسمح له من الإقتراب منها وإيذاءها كما فعل البارحة.
خرَجت من الحمامِ بخُطى واثقة وذقنٍ يرتفعُ بغرورٍ كغرورها الذي رآه في بداياتِهما، تعلّقت نظراتُه بها ولم يحاول أن يتحاشاها أو يُخفض بصره، لا يُبالي بشيء، نظراتُه الجامدة تتعلّقُ بعينيها، بنظرتها الواثقة والحاقدةِ عليه، هاهم قد عادوا لنقطة الصفر! لما كانت عليْه في البدايـة، لنظراتها المتعاليـة ولعدم ثقتها بكل من حولها كما كانت وكما عادت.
عضّ طرفَ شفته حين وصلت لبابِ غرفتها، وانطلقَ صوتُه الثابت إلى مسامعها : البسي وتعالي ، أبيك بموضوع
توقفت قدماها، ويدُها اليمنى التي كانت تمسك بطرف المنشفة اشتدّت عليها، اتّقدت عيناها بحقدٍ قبل أن تهمس بحدة : وش تبي بعد؟
سلطان وهو ينظر إلى ظهرها الذي يُغطيه شعرها المنسدلِ كليلٍ طويلٍ لا ينتهي : لا تحاتين ، هالمرّة أنا بكامل وعيي
استدارت إليْه وهي تعقد حاجبيها بعنف، بقهرٍ ينبعُ من عينيها كماءٍ ساخنٍ يسلخُ الحيـاة منها، وبحدة : وعيَك! هو الموضوع عندك بهالبساطة!!
سلطان بجمود : أنا غلطت عليك ، وأنتِ غلطتي علي .. الكفّة متوازنة
تنفّست بانفعال وعيناها يُلفظ منها السكُون ، هتفت بحقد : ماهي متوازنة ، أنت ....
قاطعها سلطان : لك مني ترضيَة وبعطيك اللي تطلبينه كتكفير عن غلطي ، بشرط ما يكُون طلبك رجوعك لأبوك
رفعَت حاجبيها بسخرية : الله! فجأة كذا صرت تبيني من بعد خياراتك لي ، يا أنا .. يا أبوك!!
سلطان بجمود : مو مسألـة أبيك ، أبي لك الخير
غزل : والله وفيك الخير ، خلّى حسن نيتك لك محنا بحاجتها
تحرّكت بقهرٍ لتدخل، إلا أن صوت سلطان قصَف كحدٍ فاصلٍ للموضوع برمته : البسي ملابسك ... وتعالي


،


كان قد نهضَ من نومهِ بعد الظهر بساعة، لمْ يتّجه لهاتفهِ الساكنِ في غرفتهِ بل صلّى مباشرةً وخرَج من شقّتهِ يرتدي معطفًا بنيًا إلى ركبتيه ويُغطي رأسه بقبعةٍ صوفية، كان يتمشّى في شوارعِ باريس كعادته، في كل يوم، الآن الليلُ يُغطي الأرض، وصراخُ الأطفالِ يتذبذب حوله، وعيناهُ تعودان لتخيّل الأطيافِ ككل يوم، لتجديد ذاتِ " السيناريو " وبدء المسرحيةِ العائليةِ السعيدة.
زفَر بعنفٍ ودسَّ كفيه في جيب معطفهِ وتسارعت خطواتُه حتى يعُود لشقّته بعد أن تركها لخمس ساعاتٍ تقريبًا.
صعَد عتباتِ الدرجِ حتى وصل أمامَ بابِه، وفي اللحظةِ التي كان يُخرج فيها المفتاحَ من جيبه شعرَ بشخصٍ يصتدمُ بكتفهِ ليتراجع وهو يُكشّر بملامحه، وبحدةٍ انجليزية وملامحه تتعطّف بازدراءٍ وهو ينظر للسكير الذي أمامه : ألا ترى أمامك؟
رفَع الرجلُ إحدى حاجبيه وهو يُمسك بكتفهِ ويُقرِّب وجهه منه، حينها تراجع ماجد وهو يهتف بغضب : ما الذي تفعله ....
قاطعهُ الرجل بكلماتٍ هامسةٍ جعلت عيناه تتسعُ بصدمة، غادَرهُ الاستيعابُ وهو ينظر للرجل الذي ابتسم بمكر، وانتفضَ جسده ليتراجع وهو يبتسم بتوتر : لا أفهم ما تقوله
الرجل : حقًا؟
ماجد بثباتٍ ظاهري : يبدو أنّ عقلك قد ذهب كليًا
الرجل بلؤم : عقلي ذهب ، لكن ليست حقيقتي
اشتدّت ملامحه بغضبٍ ليتقدمَ قليلًا بتهورٍ ويلكمه على وجهه، هاتفًا بحدة : أغلق فمك الكريه
تراجع الرجل مترنحًا وهو يمسحُ على شفتيه، ليبتسم بلؤمٍ هامسًا بوعيد : جنيت على نفسك
تراجعَ الرجل مغادرًا وهو يضحك بخفوت، بينما كان ماجد ينتفض بانفعال بعد هذا الموقفِ السريع، كفّهُ التي تؤلمه للكمة القوية التي وجهها إليه تنتفض، هل عرفوا مكاني؟ هل عرفــوه؟؟

.

.

.

انــتــهــى

وموعدنا بيكون على خامس أيـام العيد ، إما ببارتين أدمجهم ببارت واحد أو اخليهم مثل ماهم متفرقين، وقراءة ممتعة للجميع ()
طبعًا هذي عيدية لعيون اللي مطالبين فيها من بداية رمضان :)



ودمتم بخير / كَيــدْ !




لولوھ بنت عبدالله، 15-07-15 02:24 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
مسا الحب ..... والحب ....... وبعد الحب ........ :)


شوفي يا بت ... ما قدرت ادش وما اكتبلج هالكلمتين مع اني بعدني في البارتات الاولى من روايتج


اسلوبج .. يذبح ... يقتل .... يهلوس ...... يخلي الواحد ... اممممممممممم مدمن من نوع خاص


من غير مبالغه ... انتي مبدعة يا كيد "ما شاء الله" ... وبديت اطيح في غرامج فـ الله يعينج علي لوووول ..


اوعدج برد طويل وكافي ووافي وشامل بعد ما اوصل لكم ان شاء الله ..


انتظري عودتي بعد العيد اذا الله احيانا يا "ادماني اليديد" :)

طُعُوْن 19-07-15 10:00 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
صباح الخير..



ماجـد.. مين يكون.. شخص مع الدولة وله أعداء.. أو ضد الدولة ومطلوب..!
اللي غدره بدر؟؟ ايش علاقتهم ببعض.. ممكن تكون اخت ماجد زوجة بدر المتوفاه..! بس كيف غدره..! وليـه متغرّب.. ومين يكون الشخص اللي قابله.. وايش قاله..! يمكن يكون عدو لـ تميم< ابي ادخله بأي سالفه😁 او يمكن عدو لبدر و عبدالله..
ومن بين المعمعة ذي كلها عندي سؤال مهم " ايش صلته بأدهم" يعرفه من قبل او انه يعرفه من قريب.. يعني من بعد ما تغرب ماجد او من قبل..!
وفيه الغاز كثير بالرواية.. زي متعب وش صلته بأدهم.. وليش شاهين يدور عليه.. ومين عرّفه عالمخدرات لحد ما صار مدمن.. كيف مات متعب..! هل هو حادث مدبر او قضاء وقدر.. مين اللي كان مع متعب في الغربة..! احس انو اللي قتل ابو سلطان واللي دبر حريق متعب او نقول إدمان متعب واختفاء ليلى كلها من شخص واحد..

..

تميم.. أبد ما بلعته.. واقف بحلقي.. وع وع واااااااااااااع..

..

عناد.. لا يكون بدال ماهو يبي يبعد تميم عن طريق سلطان يُوقع معه بنفس الحفره.. الله يستر بس..!


..

البثره جيهان.. وش رايش تستأصلينها من الرواية😁😁.. تذكرت مره تعليق وحده من المتابعات قالت فيه " انو عايلة جيهان متوارثين الغباء" صراحة اتفق معها.. وشكلهم بيسحبون سيف وشيهان معهم وتصيبهم العدوى..

..

فواز.. والله لو قالها الحين انه اصرف.. معليش ما احب اشوف انثى مكسورة بس جيهان شايفة حالها وتحتاج كسر شوي عشان ما تثق بحالها كثير.. لأن الحب عمره ماكان كل شيء.. اذا ماكان معه احترام مستحيل يستمر.. او يستمر بس بـ فراق.. اما انو اثنين يحبون بعض بدون احترام هذا مو حب ابد.. عشان كذا متشوقه اعرف ردة فعلها لما تعرف عن زواجه.. جيهان من النوع اللي اذا انعطت وجه تشوف حالها بس اذا انسحب عليها تعلقت فيك.. وعشان فواز كان يبين لها مكانتها عنده كانت واثقه بحبه وتسفل فيه بس الحين لما جفا عليها صارت تتبكبك وانه عيونها.. اقول اسري بس انتي وعيونش لا افقعها.. هي بتصرفات فواز اللي الحين رح تتعلق فيه.. واذا سمعت خبر زواجه ومن انثى تفوقها بكل شيء رح تنجرح حيل حيل.. او بصراحة يمكن هذا اللي اتمناه<< ماعرفتني وانا شريره😟

..


سيف.. البثر الثاني.. يعننه حنون.. طير ياخي طير.. وع مو لابق عليك.. اخ بس متى اتشفى فيك لما تعرف بتمرد ديما عليك.. بس احس انو ولده بيجيب لنا مصيبه برسمته.. ولد سيف وبثين وش نتوقع منه غير المصايب..!

..

البثره الثالثة.. غـزل.. يختي صلي وتروح ضيقة صدرك.. مع انها اختارت سلطان بس ما شفت منها ولا حتى محاولة صغيرة او حديث نفس انها تقنع نفسها تصلي.. انا بدأت أكرهها..

..

سلطان.. ليش ترضيها يا حبة عيني.. تستاهل ذي تضربها بالمشعاب ماهو بس تدفها..

..


ماجد.. مستحيل يكون هو متعب.. انا اقتنعت انو متعب مات .. بس احس انو عايلته قدامنا ونعرفها..
مع انو اغلب العائلات قد تعمقنا فيها وما انذكر طاريه.. الا صدق هو اهله عارفين انه مغترب والا يحسبونه ميت؟؟


..

اعتذر هنو.. كتبت تعليق عالسريع.. وما وفيت الجزء حقه.. بس الجايات افضل بإذن الله..😻🙊

كَيــدْ 21-07-15 03:58 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 





السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباح الخير :$$

بحكي كذا عالسريع لأني برى البيت حاليًا، قد حكيت في التويتر وبآسكي - اللي فتحته من يومين - ان عندي مشكلة في الوورد وما يفتح معي
صارت لي المشكلة من قبل آخر بارت، كنت كل ما فتحت الوورد ما يرضى يفتح ، ولو اني بحمدالله ما كنت راسلته على ايميلي ما كنت بقدر انزله :(
عمومًا حاولت احل المشكلة في اليومين اللي فاتوا عشان بارت اليوم وبقية البارتات المكتوبة ما رسلتهم على ايميلي ، بس للحين ما قدرت فبديت اكتب البارت من جديد من امس وحاولت اضغط على نفسي بس من بعد العشاء وأنا برى البيت وما أمداني اكتب الا الربع ويمكن اقل!
عمومًا بحاول اكمّله خلال يومين وبحاول اخليه بنفس الطول والمستوى بإذن الله ، مع انه صعبان علي إن عيديتنا طارت :(

بحفظ الله ()




وعود الايام 24-07-15 02:48 PM

ولا يهمك يا قمر احنا منتظرينك بإذن الله
وموفقة ان شاء الله

bluemay 25-07-15 10:34 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



أبداااااع ما حصلش

ما شاء الله مبهرة هنودتي ...


بعتذر عن القصور حبيبتي بس الله بعلم مريت بظروف منغصة منعتني من متابعتك ..

وبعترفلك ما بقرأ لك الا وانا مروووقة ﻷنك مش من اللي بنقرأ لهم بدون رواقة ..

يعني تذوق أدبي رفيع وجماليات تصوير ومشاهد حية رائعة ما بتنوصف .

فكنت ما بحرج نفسي وما بدخل على الرواية ولكن بفضل الله وجدت جو مناسب وأستمتعت بإرتشاف أحلى وأعذب بارتات

وفعلا لاحظت أختلاف وانتقال اﻷحداث لمرحلة جديدة ومصيرية في اغلبها ..


اعذريني صعب أدخل بجزئيات الرواية ﻷنه وللاسف ذاكرتي لا تسعفني وبخاف ما اعطيها حقها بالتعليق .


ومش خبرية المشكلة اللي بالوورد العميل شكله متحالف مع اﻷشرار بالرواية لووول


اسأل الله يوفقك وتتيسر أمورك حبيبتي وربي يسعدك ﻷنك بتحترمي قراءك وبتلتزمي بوعدك ما استطعت وما منعك الشديد القوي من الظروف.




تقبلي مروري واعذري تقصيري

مع خالص ودي


○° الله أغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله ، وأوله وآخره ، وعلانتيته وسره .°○

كَيــدْ 27-07-15 09:57 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 





سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بصحة وعافية


عفوًا منكم على التأخير ، ما كان بيدي والله يخليكم على صبركم
حابة أشكر القراء اللي تو منضمين لسفينتنا خصوصًا غربة الجميلة اللي فتنتني بتعليقها الواو صراحة! جعلني فدوة بس
وأيضًا الجميلة auroraa2015 ، الله لا يحرمني من حضوركم العذب وما أنسى كل قارئة جديدة انضمت لنا والترحيب ليس حكرًا على الحلوتين اللي ذكرتهم


بسم الله نبدأ
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن الصلوات
+ البارت اهداء للجميلة الفاتنة نورة المهيزع
ولروان الحلوة اللي سهّرناها أمس وهي ببالها البارت بدري ): نعتذر منك يا بعدي :P





(41)



في لحظاتٍ خائنة ، أشتاقني، أشتاق نفسي التي لم أرَها قبلًا، أشتاقُ غزل المغزُولةِ بخيوطِ السعادة، أشتاقُ السعادة! خيطٌ رفيعٌ قد ينقطع، وأنا لم ألامس هذا الخيط بعد، لم ألمحهُ حتى ولا أُدرك لونه.
تجلسُ على السرير وعيناها تنظران للأرضِ بشرودٍ حزين، أنا الطائرُ الشريد، بأيِّ ذنبٍ غُرِّبت عن بلدِي. الأرضُ تتسعُ للتأمل البائس، الأرضيّةُ الباردة تتلامس مع باطن قدميها ليتضاعف جفافها، وبِوَصْلةٍ غير مرئيـةٍ عيناها تُلامسان الأرض، لتجفّ هاتين العينين من الحيـاة. ما أثقل الحيـاة، إنّها كالجبلِ حين تطئ على الصدور، ما الحياة أمام الموتِ البائسِ هذا؟ الموتِ الحي! أن تتحرك قدماك بآلية، أن تسكنَ الروح في جسدكِ كمُسمى فقط، بينما روحك تلك ممزقة/ميّتة.
كانت قد ارتدَت بنطالاً من الجينز وقميصًا فيروزي، شعرها الذي لا تزالُ بعض الرطوبةِ فيه ينسدل على ظهرها ليُبلل قميصها ومن ثمّ يلامس بأطرافهِ السرير حتى يُشارك قميصها البلل، سلطان لا زال ينتظرها في الخارح، هل تخرج؟ هل تُشارك كلماتهِ بالسمع؟ هل لها القُدرة أساسًا؟ أنا حاقدة، عاتبة، حزينةٌ لخذلاني، ليست المرّة الأولى التي أُخذَل فيها، وفي كل مرةٍ يتثاقلُ الحُزن في صدري أبكِي مع نفسي، وحيدةً أسفل لحافي، لم أبكِ يومًا أمام أحد ، فلمَ جعلت خيبتي بكَ اثنتين عندما خذلتني وجعلتني أبكي أمامك؟ جردتني من كل شيء، من كلِّ شيءٍ يا سلطان، وأنا ممتنةٌ لذلك، ممتنةٌ وعاتبة، ممتنةٌ لكَ بأربعةٍ وعشرين عامًا من عُمري قضيتُها وأنا لا أُطلق حُزني للعلن، لأجفف أخيرًا جزءً من هذا الحُزن على صدرك ، ليتكَ لم تُهدني صدركَ وتُجرّدني من كل شيء ليتضاعف حزن تلك الأعوام أضعافًا مُضاعفةً بخيبتي بك.
نهضَت وهي تبلل شفتيها، فقَط لأجل تلكَ اللحظة ، سأُهديك طاعتي الآن . . اتّجهت نحو البابِ لتفتحه وتتسلل نظراتها إليه، كان لا يزال جالسًا ينتظرها، وما إن فُتح الباب حتى وجّه نظراتهُ إليها مُباشرةً لتُكمل خطواتها المُهتزّة على صفيحةِ الأرضِ الجافةِ من الحيـاة، مُتجهةً إليه، إلى الخُذلانِ الثالث! أو الرابع!!
جلَست على ذاتِ الأريكةِ التي يجلس عليها راسمةً مسافةً لا بأس بها بينهما، وبفتور : هذاني جيتك ، وش عندك؟
نظَر إليها سُلطان مليًا بعينين تضيقان، بملامح لا يُتبيّن منها ما خلفها ولا شعوره في هذهِ الأثناء، شعره مُشعثٌ بفوضيةٍ نادرًا ما تراها بِه، شماغهُ مرميٌ على يدِ الأريكةِ بإهمالٍ بينما أزرّة ثوبِه مفتوحة، وعيناه! بؤرةُ الحنانِ المسلوب، الناظرتين إليها الآن نظرةً غريبةً لا تعرفها، وكأنّ ضياعًا يسكنها!
همسَت غزل بخفوتٍ وهي تشتت عينيها قليلًا : لا تناظرني كذا ، خلصني!
زفَر سلطان بكبتٍ وصدره يرتفعِ بقوّةِ شهيقه ليهبط بزفيرٍ متعرقل، لفظَ أخيرًا بخفوت : أول شيء ، آسف على اللي صـار أمس
التوى فكّها وجفّ حلقها فجأة، ازدردت ريقها وهي تبلل شفتيها وجفناها يهتزّان فوق صفيحتيْ عينيها الناظرتين إليه، وبصوتٍ رخوي النبرات همست : تعتذر!!!
سلطان : صحيح كلنا غلطنا ، بس ماهو من شيمي أغلط وما أعتذر
أخفضَت نظراتها قليلًا نحو الأسفل وهي لا تدري ما تقول، لا تدري لمَ لا تجيد الحديث معه، المناورة بالكلام، الرد عليه بشكلٍ يُخرسه دون شتيمه! الشتائم قوّتها! اعتادت كلّما تشاجرت مع أحدٍ أن تلفظ أشدّ العبارات وأقذرها حتى يهرب الطرف الآخر من شتائمها، لكنّها مع سلطان ، ببساطةٍ لم تجد أنّ ذلك قوّة! كلما شتمته بشيء ما وغضب تشعر أن هشاشةً تفتك بها فوق هشاشتها، تشعر بالرعب والضعف في صدرها يتضاعف ، لذا لم تجد في لسانها القوّة عنده.
اجتذبَت الأكسجين إلى رئتيها قبل أن ترفعَ نظراتها إليْه وتهمس بقهر : تظن انك اذا اعتذرت بتحرجني وأعتذر أنا بعد؟
سلطان بتشديدٍ على عباراته : قلت شيمي ، مو ضروري تكونين أنتِ متحلية فيها
ازدردت ريقها بتوترٍ لتفرك كفيها ببعضهما البعض قبل أن تلفظ بفتور : ما أقدر أثق فيك بعد اللي صار
سلطان : وأنا ما أقدر أثق في انسانة ما تصلي!
تضاعف توترها لتشتت حدقتيها للحظة، لكنّ عنفًا ما أصاب نظراتها التي عادت إليه وصوتُها الذي هتف بقهرٍ يتغلغل أعماقها من فكرة تكوينها كيفما يُريد، وكأنّها معجونٌ يشكّلها كيفما أراد وكيفما أحب : هذا شيء بيني وبين الله ، مالك شغل فيني!
سلطان بهدوءٍ لازال يُحافظ عليه : شيء بينك وبين ربي أكيد ، بس لما يكون متعلق بزواجنا فهذا شيء مختلف
غزل : زواجنا صوري
سلطان : هالشيء ما يحلل ولا يعطينا عُذر عشان نكمل زواجنا الصوري ذا
غزل : أجل رجعني لأبوي
سلطان بثقة : في الوقت اللي تقولينها بكامل إرادتك وبثقة تامة برجعك له
توترت ملامحها وتشتت نظراتها عنه، بينما أردف بصوتٍ هادئٍ يحمل في نبرته اللطف والحنان المعهود : من نظراتك عرفت الكثير ، مو كل شيء بس عرفت الشيء الكافي عشان أستوعب إنّ أبوك ما يستاهلك
ارتعشت شفتاها بضعف، وسقطت رموشها الكثيفةُ مغطيةً حدقتيها العسليتين، كيف قرأني؟ كيف فهم ما بين أسطر عيني؟ هل تجرّدت أمامه حدّ أن حزني وضعفي انقشع لعينيه؟ هل يرى مافي داخلي قبل خارجي في حين أنّي ملء ما أستطيع أحاول إخفاء ضعفي/حزني/خيبتي، إخفائـي! قَوْقَعتُ الأسى في صدري وجعلت حولي أسوارًا عاتية، أسوارًا عالية، أسوارًا يعصفُ فيها الريحُ ولا يهدمها، فكيف استطاع بكل بساطةٍ هدمَ أسواري؟
تضاعفَ فركها لكفيْها، ونظراتها تحجّرت في حُجرها، ضعفت ولم تستطع رفع عينيها إليها، يكفي تجردًا أمامه، يكفي.
ابتسم سلطان ابتسامةً ضئيلةً تكادُ لا ترى، ابتسامةً مُظلمةً يغيب عنها النور، يغيب عنها مصباحُ الحياة ... مدّ يديهِ الدافئتين حتى استقرّتا ممسكتين بكفيها المُلتصقين ببعضهما، حينها انسابت شهقةٌ خافتةٌ من بين شفتيها وانتفضت، إلا أنها لم تسحبهما وبقيَت متحجرةً في مكانها دونَ حرَاك.
هتف سلطان بصوتٍ حنون : يشهد الله علي إنّي ما ودي أجبرك ، بس جربي! متأكد بترتاحين ، جربي تكونين أقرب لربك، جربي تكونين واقفة بين يدينه لمرة ، صدقيني بترتاحين، وضعفك كلّه بيتراجع لورى ، مافيه أقوى من شخص يعرف ربه
كانت كفيها تنتفضان، شفتيها ترتعشان، صوتُها يغيب وتوترها يحضُر كضيفٍ غيرَ مُرحبٍ بـه، لمْ ترضى! لم تقبل بعرضه، بالرغم من صوته اللطيف إلا أنّها داخليًا تشعر بالإضطهاد، تشعر أنّه يسُوقها لمصيرٍ وهويّةٍ رغمًا عنها ، وبالرغم من كل شعورها، من رفضها ونفورها ، إلا أنّها أومأت ! ليس رضا بقدر ماهو انصياعٌ خلف نبرتِه التي تهزمها.
ابتسم سلطان وسعادةٌ تنتشر في صدره، راحةٌ عظيمةٌ تغلغلته حتى شدّ على كفّيها بقوةٍ وهو يهمس : الله يحييك ، الله يحييك


،


أمامَ شاشةِ التلفاز المُنيرةِ بقوّةٍ في الظلام، تجلسُ وأمامها على الطاولـةِ مشروبٌ غازي، وبجانبهِ صحنٌ يحتوي الشيبس، تنظرُ للتلفاز المُقطِّع لخيوطِ الظلام والملوِّن للصالـة، كل ما في التلفاز ممل! كالملل الذي يسكُن حياتها الكئيبة والملوّنةِ بكومةٍ من الرماديّة الشفافة، الرمادية الهشة!
تناولت جهاز التحكّم لتقلّب القنوات بملل، كل قناةٍ كانت انعكاسًا للمللِ والكآبةِ المُتغلغلة بين ذراتِ الحيـاة! وضعَت الجهاز جانبًا حين استقرّت على إحدى الأفلامِ الدرامية، وتراجعَ ظهرهَا للخلفِ حتى تُسنده على ظهر الأريكة، وفي تلك الأثناءِ فُتح الباب ودخل فواز مع ضوءِ الخارجِ الذي دُمجَ مع ضوءِ التلفاز، تشنّجت يدها التي كانت تحمل العصير قليلًا، لكنّها سرعان ما ارتخت حين ذكّرت نفسها بآخر محادثـةٍ بينهما، وأنهُ لا يعنيها .. أو ستتصنع ذلك!
ارتشفت من العصيرِ وهي توجّه نظراتها إلى التلفازِ وتتجاهل دخوله ونظراته التي تتّجهُ إليها، بلل شفتيه وهو يلِجُ بعد أن اتّجه لمفتاح الإضاءةِ وأنار الصالة، عقد قرارهُ وانتهى الأمر ، القراراتُ الذابلةُ في عينيها لابد من أن تُحيا بسُقيا حَزْمه، فترةُ القراراتِ تعصفُ بأفكارِه وكل رفضٍ قد يجيء منها مُحرم ، كل هذا لمصلحتنا، بل هو أقرب لمصلحتي! نعم أعترف ، أنا أنانيٌ بك.
في شريعةِ الحُب، الأنانيةُ بدعة ، كان لابد لي من أن أُحب ما تحتاجين، وأن أكون مثاليًا لأجلك ، لكنني أقترف الآن شيئًا لم يُذكر في شريعتنا ، وابتدعهُ العُشّاق كي لا يخسرون بعضهم.
- أنتِ بدعتِي ، وذنوبي - !! لكنّكِ أيضًا كنتِ دومًا مُستحبّاتي.
اقترب منها والخطوات الثقيلةُ خفّفت وطأها وصوتُ الريحِ الغادرِ لصدرها يعبُرها ليُنشِئ صريرًا أشبه بأنينِ المسجونينِ في غياهبِ التيهِ والضياع، خطواتُه التي اقتربت منها شتت ذهنها، أناملها النّحيلةُ اشتدّت على الكوب الزجاجي حتى ابيضّت، لازالت نظراتها نحو التلفاز، لكن عقلها لا يفقه ما ترى.
جلسَ فواز بجانبها وهو يزفر ويمسحُ على ملامحه بكفيْه، مدّ إحدى يديه ليتناول جهاز التحكّم ويُطفأ التلفاز عنوة، حينها اتّسعت عيناها واستدارت إليْه بوحشية، وكأنها كانت تنتظر شيئًا منه لتُظهر أنيابها وتُشرّع مخالبها ، هتفت بحدة : وش قصدك بهالحركة؟؟!
فواز بهدوءٍ وهو ينظر في عمق عينيها : أبيك تسمعين وش بقول بدون صوت هالإزعاج
زمّت شفتيها وهي تنظر إليه بتمرد، وبعنفوان : أنت أكبر ازعاج ، ظلمت التلفزيون والله
زفَر وهو يشتت عينيه، لكنّه عاود النظر إليها ليهتف بحدة : الحين همّك التلفزيون؟ عمومًا أنا من بدايـة هاليوم متجاهل كل شيء غلط قاعدة تسوينه، من رفضك للأكل معانا لكلامك وصوتك الحين ، كلها محسوبة ضدك! بس ما علينا ، الحساب بعدين
جيهان تعقد حاجبيه باستنكار : تهديد ذا؟
فواز : سميه اللي تبين
جيهان : يعني تهديد! هذا وأنت تعرفني مجنونة وممكن أسوي أي شيء ، ما تخاف فجأة أطلع وأروح لخلّاني؟ ترى خالي ذياب قريب لعلمك بس! وما أظن بيرضى باللي يصير
احتدّت نظرات فواز وهو ينظر إليها بحدقتين ثابتتين وملامح صلبةٍ جعلت نبضاتها تتوتر قليلًا، لكنّها تصنّعت الثبات وهي تنظر إليه بحدقتين تهتزان.
أغمض فواز عينيه وهو يزم شفتيه مُحدثًا ذاته بالصبر، ليُعاود فتحهما وهو يهتف بثقة : في كلا الحالتين أنا هددت وأنتِ هددتي ، بس الفرق إني أقدر أعمل بتهديدي وأنتِ لا!
جيهان تضوّق عينيها بقهر : تبي تجرب
فواز : أنصحك تبلعين لسانك
جيهان : في بروكسيل ما كان عندي خيار إلا أنت ، بس هنا عندي خيارات أكبر ، بيت خلاني ، وممكن بعَد عمتي هالة ، تظنّني مقطوعة من شجرة مثلًا؟
نظر إليها بقسوةٍ ليهتف بثقةٍ منقطعةِ النظير : اللي أعرفه إنّك مقطوعة من الثقة بكبرها ، من وين جايبة هالثقة أجل؟
تبلّدت نظراتها وهي تُدرك فحوى كلامه جيدًا، ملامحها انقَشع عنها قناعُ الجمودِ ليظهر لعينيه ضعفها.
اقترب منها قليلًا ليُمسك ذقنها ويلفظ بهمسٍ وحاجبيه ينعقدان تفاعلًا مع كلماته وتأكيدًا لكل حرف : أنتِ هشة يا جيهان ، ومالك سواي
أدارت رأسها عنه مُتحاشيةً النظر إليه، وبفتور : لي الله ، أنا في غنى عنك
فواز يتراجع قليلًا : والنعم بالله ، بس مالك غنى عني
نظرت إليْه بعنف وملامحها تشتد، وبحدةٍ ترسم القهر في كلماتها : أنت الحين وش تبي بالضبط؟ جاي عشان تنكد علي؟
فواز بجدية : جاي عشان موضوع يخصنا سوى
جيهان دون اهتمام : وش هو؟
فواز : بنسوي حفلة زواجنا خلال أسبوع أو أسبوعين


،


قطراتُ المطر تصتدم بنافذةِ غرفته الزجاجيـة، عيناهُ التائهتان في غماماتِ الأرض ارتفعت وعانقت سوادَ السماءِ المُمطررة/الباكيـة، الفرقُ بين بُكائها وبُكاءِ البشَر أنّ دموعها عذبة ، - هذي السماء الصافية! وعيوننا مابها إلا الملوحة والسهر -
الله ما أجمـل دموعَ السماء! ترتفعُ وجوه الأطفال والكبار، يفتح البعض منهم أفواههم في لحظةٍ يسلخون فيها همومَ الحيـاة ويبتغون دمعَ السمـاء، يتذوّقونَ عذبَ الميـاه .. من يتذوّق دمعه؟ من يبتغي ملوحةَ العيون؟
نهضَ عن سريره بعد أن كان يجلسُ ويتأمل الأرضَ الجافـة من أيّ خطـوة، اقترب من النافذةِ حتى وقف أمامها، يداه المُتدليتان ارتفعتا قليلًا حتى لامست زجاج النافذة الباردة، والتي تحدُّ بشرتهُ عن القطرات.
كم مرَّ من السنينِ هُنا، ومن الأشهر في كنفِ باريس، مُختبأً خلفَ جدرانِ الهويّـة، متلحفًا بلحافِ الأمل، متدثرًا بالأماني، متزملًا بالحنين! صديقتي الذكريات، الله يا الذكريات! ويا موعِد العُشّاقِ في مقهى العروبـَة، يا لمسَة الجمالِ فوق جبينِ الأنوثـة ، يا طبطبةَ الحنانِ على وجنةِ الأمومـة ، يا الأخوّة الناعسَة ، ويا الليالي الساهرة في أحاديث النهار ، الله! الله يا أياميَ الساكنةِ في صدرِ الغُربَة.
" ممطرة هذي السما ، مثل المواعيد الجميلة "
أسنَد جبينهُ على الزجاجِ وهو يُغمضُ عينيه، انتقلَت برودةُ الزجاجِ إلى صدره، صدري ينزعُ البرودةَ من أرضِ الشتاء، الجفافَ من بيتِ الخريف، صدري يتلقفُ الحرارةَ من نسيمِ الصيف، والربيعُ يبقى بعيدًا لا أنالُ منه شيءْ.
بللَ شفتيه وهو يسمَعُ رنينَ هاتفه، بعدَ دخولـه لشقّته وجد مكالماتٍ لا تُحصى من أدهم، لكنّه استنفد نفسهُ ولم تكُن له القوّةُ حتى يتصّل به بعد ما حدَث، بالتأكيد من يتّصل الآن هو أدهم، لكنْ أهناك طاقةٌ في لساني حتى " يِحكي "؟ تجاهل الرنينَ وكم أن تجاهل هذا الصوتِ سهل، فالإزعاجُ في حيـاتِه الثقيلةِ أكبر من صوتِ هاتف!
وجَد نفسه دون أن يشعُر يُكمل أبيات العنود بصوتٍ مُثقل، بلكنةِ الشاعرِ الذي كانَه، بالشوقِ المحمومِ في صدرهِ لكل ماضيهِ وذكرياته.
ممطرة هذي السما
مثل المواعيد الجميلة
يالله نركض في المدى المبلول
ونعد المطر .. قطرة ، قطرة .. وماعلينا!
لو دخَل فينا البراد ، ولو تعبنا
التعب ، بيصير راحة لا بغينا


،


بين ضجيجِ الزحـام، وتداخلِ أصواتِ الناس .. يجلسُ أمام غادة تحدّ بينهما الطاولـة، في الكرسيِّ الذي بجانبِه يجلُس حسام، كان عشاءهم يصلُهم للتو، يلمحُ نظراتِ غادة التي تتثبّتُ في الطاولـة متحاشيةً النظر إليه ، يبتسم، وعبُوس ملامحها - الزعلانة - لا تناسب رقّة تقاسيم وجهها، ابتعدَ النادل بعد أن رتّب لهم الطاولة، واتسعت ابتسامته قليلًا وهو يهتف لها برقة : كلي
رفعَت نظراتها إليه وقطّبت حاجبيها بانزعاج، وبتذمر : لا تكلمني
بَدر : افا! ليه بس؟
غادة : كذا ، لا عاد تكلمني بس ، ما أبي أسمع صوتك
بَدر : لا واضح زعلانة جد
غادة بعبوس : أكيد بزعل وأنت مطوّق علي بهالطريقة ، حاسة نفسي بختنق!
عقَد بدر حاجبيه وصمتَ قليلًا، بينما زمّت شفتيها لتتناول كوبَ عصير البرتقال من أمامها وترتشفه للنصف، تشعر بغصّةٍ تلتهم حنجرتها، تشعر أن النقصَ في الحريـة تكبّل عقلها، كان ذلك منذ أعوام، قبل أن يمُوت والدها وأمها وزوجة أخيها، هذا السورُ كان حولها بدأً من والدها والآن ضاقَ حين مات وحلّ محله بدر.
زفَر بدر هواءً ساخنًا لينظر لملامحها المتهدّلة بحزن، هامسًا بحنان : غادة ، ما أبي أفقدك
تشنّج فكها وتقوّست شفتاها قليلًا، لتهمس بعبرة : أبوي كمان كان يقولي نفس كلمتك، ما أبي أفقدك! وفقدته أنا!
بدر بابتسامةٍ حزينة : كان يخاف عليك
غادة : كرهت حياتي بسبب هالخوف!
استدار بدر ينظر إلى حسام الذي كان يلعب بالملعقةِ التي تسبح في صحن الشربة والشرود يغطِّي ملامحه، وكأنه كان يُشارك غادة بضيقه، عمره ستّة أعوام، لكنّ تلك الأعوام الست كافيةٌ ليفهم أنّ حياته مطوّقةً ومقيّدةً بحبلِ الخطر.
أعاد بدر نظره إلى غادة التي كانت تنظر باتجاهه تارةً وباتجاه حسام تارة، ليحدّثها بلغة العيون أن تأجل الحديث إلى ما بعد، حينها قطّبت ملامحها لتهتف بحدة وعيناها تُطلقان شرارةَ القهر : تطمّن ما عاد ودي أحكي بالموضوع ، نسيت انك قهقه في قلبـ(ن) لا يفقه
ارتفعت صوت ضحكاته رغمًا عنه وظهره يتراجع للخلف حتى أسنده على ظهر الأريكة، حينها عضّت شفتها بغيظٍ من ضحكهِ الذي لم يستطع السيطرة عليه ولفتَ ضحكه هذا النظر، أدارت وجهها يمينا ويسارًا تنظر للعيون الناظرة إليهم ومن ثمّ نظرت لبدر بغضبٍ لتضرب الطاولة هاتفةً بغيظ : وش اللي يضحكك الحين؟ فضحتنا الله يفضحك
حاولَ بدر السيطرةَ على ضحكاته وهو يعضّ شفته ويمسح على ملامحه بكفّه اليُمنى، وبصوتٍ متحشرجٍ بضحكاته التي تفلت مابين كلمةٍ وأخرى : من وين تجيبين هالكلام؟ جنية
مطت غادة شفتيها بغيظ : جعلك بالجنية اللي تشيلك وترميك من فوق السُودة
بدر بضحكة : الله أكبر! لهالدرجة حاقدة علي!! ما سوّت فيك خير صديقتك العسيرية
عبَست غادة وهي تميل بحاجبيها وتنظر لقدميها بشرودٍ حزين، تُسافر بعقلها لذكرى يومٍ كانت فيه بكامل حريتها، لكن هذا اليوم لم يوجد بعد! ولا تظنّ أنه سيوجد! ابتلعت ريقها بضيقٍ وهي تمدّ يدها وتبدأ بالأكل، بينما عبست ملامح بدر ليتنهد وهو ينظر لهالة الحزنِ التي تطوفُ حولها، لو كان الأمر بيدهِ لانتزعَ شرّ العالمِ كُلِّه وأعطاها كامل الحريـةِ والأمان ، لكنّ ذلك أقرب للمحال، بل هو المحال بعينه!
ذنبها أنها ارتبطت بِه، وارتبطت بوالده، ذنبها أنها وُلدَت في عائلةٍ تُحيطها الخطرُ من كلّ جانب ، ذنبها هذا الارتباط ، كما كان ذنب من فَقَد.


،


تجلُس في مطعمٍ قُرب منزلهم بعد أن أقنعها فارس بالخروجِ معه، تتأمّل العابرين على أرصفَةِ الطريق، لحنُ هذا المكانِ هو السيارات وصوتُ المزامير، صوتُ الجمالِ خافت، الضجيجُ يرتفع، كم باتت تكره الأحيـاء الصاخبة! لو أنّهم يعيشون في قريةٍ ريفية، بعيدةً عن العالم وصوتِ ضجيجهم، لو أنّ العالم هادئٌ فقط، كانت لتقف في شُرفة غرفتها وتتأمل العالم الهادئ/الجميل، ما أجمل الهدوء، وهدوءَ القلبِ من آفاتِ الحيـاة.
استدارت تنظر إلى فارس الذي تحدّث معها ولم تنتبه سوى لصوتِه بينما كلماتُه تائهة، هتفت باستفسار : قلت شيء؟
ابتسم فارس بهدوء : وين عقلك؟
جنان تبتسم بفتور : أجل كنت تحكي معي! وش قلت؟
فارس : لا خلاص كمّلي فقرة التأمل
اتسعت ابتسامتها أكثر : خلاص أبي أتأمل وجهك الوسيم
فارس : هههههههههههههههه تلعبين على عقلي بهالكلمتين
جنان بابتسامة : لازم نزوّجك ، تدري يعني غربة والمفروض مزوجينك من زمان وساترين عليك، أخاف تشفطك وحدة من هالغُرب
فارس بمداعبة : قد انشفطت وانتهى الأمر
جنان تتسع عينيها قليلًا قبل أن تضحك : يا خراشي!! اليوم اليوم أبلّغ الجهات العُليا عشان يتم التعامل معك
خفتت ابتسامتها فجأةً ما إن استوعبت ما قالته، وقد كان مقصدها من الجهات العُليا هو - والدها -، توترت قليلًا مُحاولـة إخفاءَ هذا التوتر الذي كان شفافًا لفارس ورآه، ولم يجد ما يقوله!
صمتت، والبؤرةُ في صدرها تتعمق، يا لحزنها، وخيبتها، ويأسها، تشعر أنّ روحها الزجاجيـة تتحطم، تتحوّل إلى شظايا تتطايرُ هنا وهناك وكلّ ما حاولت القبض عليها ولملمتها جُرحت في صميمِ استيعابها، كيف يأتي الشتاءُ بهذا العُنف؟ كيفَ يلفظُ المكان والزمان والراحـة والإبتسامة؟ شتاؤها داخلي! لا علاقةَ له بالشتاءِ الذي غَادر بروكسيل، عواصفها الرّعديةُ تسقُط في صدرها، في أضلعها ، وتُحطّم الحيـاة في عينيها. إنّها تُثلج في صدري، أشعر بتلك البرودة، بانسحاب الحيـاة ولونها ، كلّ شيءٍ باتَ عديم اللون ، إلهي لوّني بالصبـر، بالتفاؤل، بالسكينة ، كسرتني تلك الحقيقة، كسرتني يا الله!
وصَل إليهم العشـاء، كان فارس يُراقبها بصمتٍ ويشعر أنّه ضعيفٌ أمام حُزن أختـه، لا يسعه شيء، لكنّه لن يصمت! وإن اضطره ذلك إلى الطلب من فواز أن يُطلّقها إن أرادت هي، لن يسمح لها بأن تزفّ إليه وهي لا تريد، لن يسمح!!
بدأا بالأكل، وعيناها الفارغتان تنظران نحوَ الأطباقِ بفتور، تأكل بآليـةٍ وجرحها في صدرها يتعمّق ، سامحك الله يا والدي ، سامحك الله.


،


نظَرت إليه بصدمةٍ بعد تصريحه ذاك، عيناها المُتّسعتان تلألأ عدم الإستيعاب فيها، ارتسمَ في حدقتيها التِيهُ وعاقرَ صوتُها الصمت لثانيتين، لثلاث، لخمس! لتفغرَ فمها أخيرًا وصدرها يرتفع في شهيقٍ مضطرِب، هاتفةً دون استيعاب : حفلة زواجنا؟؟
فواز بهدوءٍ يُكرر ما قاله : ايه ، خلال أسبوع أو أسبوعين
جيهان ترمش بعينيها دون استيعابٍ حتى الآن، الموضوع برمّته جاءَ في وقتٍ خاطئٍ وبعد محادثةٍ شديدة اللهجة .. هتفت باعتراض : شلون يعني؟
فواز بجمود : كأن الموضوع ماهو عاجبك
جيهان بتشتت : أنا استوعبت عشان أعترض أو لا؟
فواز بتشديدٍ على كلماته وهو يدقق في ملامحها ليلتقطَ ردّة فعلها المباشرة بعد أن تستوعب جيدًا : بنسوي حفل زواجنا ، خلال هالأسبوع أو الثاني ، أعتقد طال الوَقت واحنا كذا حالنا ماهو مستقر
ازدردت ريقها بتوترٍ وعيناها انحدرتا هنا وهناك، يمينًا ويسارًا وهي في الحقيقةِ لا تدري ماذا تريد، ماهو ردّها؟ ماذا تريد؟ فكرُها تشنّج عند هذا السؤال، باتت تخشى نفسها التي جهلتها في الآونَةِ الأخيرة، لم تعُد تدرك ما يُريده عقلها الذي بدأ يضعف، هل صمتها علامة الرضا؟ أنّ كلماته راقت لها! وأنّها تتمنى تطوّر الحال لآخر؟
بهتت ملامحها الغيرَ ناظرةٍ إليه، شرُدت تتأمل الأرض البـاردة، المُصقَلة بملامح الإكتئاب كملامحها، ليَقرأنِي الحمَامُ فوقَ جناحيه، لينطقَ بصوتِه أنّ روحي تتهاوى في الضيَاع، أصبَح صوتِيَ " الهديلُ " والبشَرُ لا يفهمون لغتي، أنا نفسي لم أعُد أفهمني! ما أنا بالضبط؟ تالله إنّ النبرة لم تعُد نبرتي، والصوتَ لم يعد صوتي، والكلمات انحلّت من العربيَةِ وباتت لغتي غيرَ مفهومةً في كلِّ اللغات، أنا حصرٌ للتيه فقط.
رفعَت عينيها إليْه لتلمح نظراتِه التي لا تُفسَر، هل تُنكر أنّها تمنّت زواجًا ككل الفتيات، ترتدي فيه الأبيضَ وتبتسم كأميرةٍ في ليلتها الخاصـة، هل تنكر أنّها تتمنى كما البشر؟!! لكن الأمنيَاتِ تنكسر نصفين، وكلُّ نصفٍ يتلاشى .. للأمنياتِ مُكمِّلات، وأمنيتها تنقـص دون أحبّتها ، أي فتاةٍ تسعدُ بزواجها دون عائلتها، أمها، أختها، والدها! أيّ فتاةٍ تلمحُ ضوءَ " أنا ملكةُ هذه الليلة " وعرشُها ضائع! ... أفراحنا ناقصة، لا تكتمل دون عائلـة.
بللت شفتيها وهي تزدردُ ريقها وكأنّما تزدردُ عنصرًا كيميائيًا ساخنًا ذائبًا في حنجرتها، حاجبيها ينعقدانِ بألم، التغضّن بينهما هو اعوجاجُ الفرحِ في ذاتها، تقلُّص صوتِ الأمنياتِ الورديـة.
هتفت بغصّةٍ وهي تنظر لعينيه الساكنتين على ملامحها : ما أبي أفرح فرح ناقص
ارتفعَ حاجبي فواز للحظة، قبل أن يظهر الاستنكار على عينيْه ، هل يفهم من مغزى كلامها أنها تريد ذلك؟ أم أنها لا تريد؟ وكم أنّ انتظارَ ردّةِ فعلٍ ما شغوفٌ بها القلب ينشطرُ حين تأتي ردّة الفعل - مبهمة -، حياديةً لا يفقه منها ما يريد عما لا يُريد.
همَس دون أن يمنع نبرته المتلهفة : يعني؟
جيهان : ما أشتهي الأفراح الناقصة
فواز يكرر بذات نبرته : يعني؟
جيهان : يعني الفستان الأبيض اللي تتمناه كل بنت راح يكون رمادي عليْ ، ما أبيه!
أجفلت ملامحه للحظاتٍ وعيناه بردت لهفتها، تركّزت نظراتُه على عينيها الخائرتين، أجفانها المتهدلةِ بصمتِ السنين فوقَ صفيحةِ الأمَـل، رموشها الساقطةُ على عينيها كشراعٍ لتُبحر في بحرٍ تتوهُ فيهِ ويضيعُ الميناءُ عن رادارِها، البحرُ مالحٌ في عينيها، ملوحتُه تَطغى على ملوحةِ البحَار السبع، مهما اجتمعت الميـاهُ العذبةُ فيهما إلا أنّ الملوحةَ لن تزول، لن تُقمعَ خلفَ العذوبَة وكم أن عذوبَة عينيها صارَت مائةً وألفًا حتى بعد تلك الملوحة - القاتلة -.
هتفَ يبتلع نظراتِه وعاطفَته، بصوتٍ بثّ فيه من الجديّةِ والحزم الكثير : الموضوع تحدد وتثبّت عندي ، أنا أعلمك ما أستشيرك
جيهان بارتعاشِ شفتيها نطقَت : وأنا ما أقدر ، ببساطة ما أقـدر
أردفت وهي تقوّس شفتيها بعبرةٍ تخنقها وتُحشرجُ الكلمات في حنجرتها : إذا ودّك ، فكمّل فرحتي
صمَت للحظةٍ وهو في الحقيقةِ لم يفهم ما كانت تعنيه منذ البدايـة، فِهمُه اقتصر على كونها لا تريد، فقط لا تريد! والبقية الباقيَةُ من كلامها لم يَصِله ولم يستوعبه، هتفَ باستفسار : أكمّل فرحتك؟
جيهان بوجَع : أيه ، إذا تقدر ، وإذا ما تقدر فأنا بعَد ما أقدر


،


وضعَ كأسَ الشاي على الطاولةِ وهو يغضّن جبينه، ناظرًا إلى أمه الجالسـةِ أمامه باستنكار : بتسافر بعد أسبوع؟
عُلا بهدوءٍ تُحاول إخفاء حُزنها لذلك : أيه
وجّه شاهين نظراتِه إلى أسيل الناظرةِ إليْه، ومن ثمّ أعـاد نظراتِه لأمه هاتفًا بحاجبين منعقدين : وتبينا بعد نسافر؟
عُلا بحاجبين انعقدا : أيه أجل ما تبي تسافر شهر عسل؟
شاهين : ونتركك بروحك؟ لا والله ما صارت
علا : وش هالكلام بعَد؟ واللـ ...
قاطعها شاهين بسرعة : لا تحلفين عليْ يمه ، وهديتك لنا على عيني وراسي بس مو الحين! تجلسين بروحك وتظنين اني بتونس بسفري؟
علا بضيق : يا بعد روحي شلون ما تبي تسافَر وتقضي شهر العسل برى؟ ترد هديتي لك؟
وقَف شاهين من مقعدهِ المُنفردِ ليتّجه إليها وهي تجلسُ في ذاتِ الأريكةِ مع أسيل، جلَس بينهما ليُمسك بكفيْ والدتِه هاتفًا بابتسامةٍ حانيـة : قلتلك هديتك على عيني وراسي ولازالت للحين محفوظة بيننا ، بس راح أقبلها متى ما شفت الوقت مُناسب وحاليًا الوضْع ضيّع علينا هالوقت أجل بالعقل أسافر وأخلي نظر عيني بروحها؟ الله لا يوفقني اذا سويتها
ابتسمت عُلا بحبٍ لهُ وهي ترفعُ كفيها وتطوّق ملامحه الحادة : الله يوفقك بكل خطاويك ويكتب لك الخير يا عيُوني ، بس ما يصير تقرر وتكنسل السفرة من نفسك ، وين راحت أسيل؟
ابتسمت أسيل حينها وفتحت فمها لتنطقَ برقّة : ما عليه يا خالتي أنا مقتنعة باللي يقوله شاهين وكلامه عين الصواب
ابتسم شاهين وهو يُديرُ رأسه ناظرًا إليها بعينيه العاشقتين، لتهتز ابتسامتها إليهِ بتوترٍ وخجلٍ وبريقُ عينيها كان كافيًا حتى يُجدد الحيـاةَ في قلبِه ويجعل ابتسامتهُ تشرقُ بشمسٍ مختلفةٍ عن شمسِ الأرض، إنّهُ شمسها هي فقط.
شاهين بابتسامة : الله يسلّم هالراس
ابتسمَت والدتُه براحـةٍ وهي تشعر بالسعادةِ لأجل ابنها وأسيل لتنصاع لهما أخيرًا، ومرّ الوقتُ بينهم طويلًا حتى انسحَب شاهين لصـلاةِ العشاء وانضمّت إليهم سوزان بعد أن استدعتها عُلا لتترك حبسها الإنفرادي وتتعرف على أسِيل أكثر.


،


همَست : الموضوع أكبر من كذا
هديل تعقِدُ حاجبيها باستنكار : شلون يعني؟
إلِين : أنا مو مثل ما تظنين ، أنا شخص مختلف ، حياتي متشعبة أكثر من كونها حيـاة بنت يتيمة
هديل بقلّةِ صبر : وش هالألغاز الحين؟ وضّحي
إلين : أنا عندي أخْ ، وعائلة يا هديل

.

.

.

انــتــهــى


وبإذن الله موعدنا راح يكون اللي قبل رمضان أي بنرجع لبارت كل أربعة أيام بإذن الله ()


ودمتم بخير / كَيــدْ !



fadi azar 28-07-15 11:54 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
مشكورة على الفصل الرائع

راويه هـ 29-07-15 03:01 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
بارت رائع كعادتك
فقدت سيف وديما..

عندي طلب صغنون مادري ليه عندي احساس وجود سوزان حيكون وراه شي
رجاء لا تدخل بين شاهين واسيل..

وعود الايام 30-07-15 12:25 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
يسلموااااااا يا قمر بارت اكثر من رائع
انا فى عندى احتمال صغيرون هو ان متعب هو ماجد ولما كان مدمن ارتكب شئ مخالف للقانون والحين هو متخبى فى باريس واخفى نفسه عن اهله حتى ما يستعروا منه ولما يثبت براءته رح يرجع لهم

Khaledya 30-07-15 01:33 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وعود الايام (المشاركة 3546885)
يسلموااااااا يا قمر بارت اكثر من رائع
انا فى عندى احتمال صغيرون هو ان متعب هو ماجد ولما كان مدمن ارتكب شئ مخالف للقانون والحين هو متخبى فى باريس واخفى نفسه عن اهله حتى ما يستعروا منه ولما يثبت براءته رح يرجع لهم

السلام عليكم
اعترف احتمالك هذا فيه جانب كبير من الصحة لدرجة مخيفة💔
انا متابعة لك ياكيد ، لكن أرجوك لا يكون احتمالها صحيح
الرواية حتكون كذا دارك شادو ، الله يسعدك بلاشي منها:(

زارا 31-07-15 03:36 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
السلام عليكم.
والله القصه تجنن وحلوووه مررره.. واحداثها بعد مشوقه.\للحين انا بالجزء 29 وحاولت قد ما اقدر اوووصل لكم لكن ظروفي ماسمحت وباذن الله خلال هاليومين بحاول اووصل معكم
كنت ناويه اذا خلصت الأجزاء كلها احط الرد لكن الصرااحه ماقدرت اصبر قهر وحره ودبلت كبد من حريم هالقصه.. يقطع وجيهن مافيهن اللي توسع الصدر كل وحده عندها عله اكبر من الثانيه.. وعليه يااكيـــد قررت اني اسلمهن داعـــش الله يكفينا شرهم خلهم يطلعون هالدلع والعاهات من خشومهن ..\

والله العظيم ودي ان معي خيزرانه وواخليها تلعب على ظهورهن لعب .. الله يسلط عليهن وحده وحده
من كبيرتهم هاله مرووراا بجيهان الله حسيبها
نهاية بالين هذي المعتوهه كنت متعاطفه معها بس لما شفت انها تبي تروح لادهم اللي مسبب لها الكوابيس هالسنين ومتحرش فيها ومسوي لها الهوايل وتبي تروح له قررت اني اسلمها اخر وحده لداعش مراعاة لحالتها النفسه كود تهجد وتعقل يعني اعطيها فرصه اخيره
اما هاله عجوز قريح هذي مالها توبه عندي حسبي الله عليها البنت راضعه منها وحاقنتها بحليبها حلها بطنها واخرتها مخبية انها مرضعه البنت يعني لو تجيب اعذار تقنع اللي مايقتنع ما اقتنعت في اعذارها قليلة خوف الله مخليه البنت هالسنين كلها وهي تعتقد انها بدون اخوان وخوات وتمثل انها تحبها حبوها الجن والسكن اللي بالارض كلها.ابد هاله هذي مالها عندي عذر ولو تطيح تحب رجلين الين لييين تقول بس .. مرسلتها دااعش مرسلتها وتمنع الواسطه بحالتها.

نجي عااااد للشق والبعج ثقيلة الطينه بقيران جيهان.. هي تحسب اني برحمها اذا قامت تذكر امها وتعتقد انها منتحره بسبب ابوها.. اقول يااجيهان جعلتس تلحقينها.. اذيتي هالضعيف فواز وغثيتيه ولعبتي بحسبته وحسبتنا معه بدلعتس هالماصخ عجوز كبر جدتي وللحين ماتعرفين مصلحتس وين..؟؟
تشوفه يحبها ويحب الارض اللي تمشي عليها وهي جالسه تعنفق على هالنعمه؟؟ عاد والله بلاه خبال فواز كاشف لها المستور كله والا لو انه يغير شوي من تعامله معها كان قامت تطامر وراه..
وبعدين سالفه اتهامها لابوها بوفاة امها عاد هذي حيونه منها. يعني هي ماكانت تشوف تعامل ابوها مع امها؟؟ هل كان يهينها؟؟ يحتقرها ؟؟ يضربها؟؟ ماراح اتكلم عن امها واللي سوته .. لكن هالحرص الزايد على ان جيهان ماتعرف بسالفة امها اشوفها خايبه.. ليش يغبون عليها ؟؟ عشان مشاعرها ؟ من زينها وزين هالمشاعر؟؟ ارجوان اتوقع ماراح تقول لها اي شي يمكن اللي يكشف هالموضوع جدتها؟ يعني لو قالت لها ارجوان ما اعتقد بتصدق لانها بتشوف انها بجانب ابوها وهي ياربي لك الحمد العقل ترللي هالايام وبتكذب ارجوان .. يعني ماراح يكون العلم اكيد .. فماراح تصدق الا لو كان من طرف قريب لامها وطرف قريب جداا جداااا مثل جدتها.

عاد انا منبطحه واحلل الوضع واخاف ان كل هاللي اقوله انكشف وانا ياغافلين لكم الله ويروح تحليلي فشنك ومال امه داعي هالحماس..هخهخهخه
الين . اتقي الله ياااشيخه بنفستس وفينا بتروحين لادهم برجولتس جعلها الكسر.. هذا عندتس ابووووتس عبدالله ماقصر والله معتس. لحظه لحظه.. ابو ياسر معليش اسمح لي انا اعتذر كنت شاكه انك تحرش بالين السموووحه يااا بابا..هع
المهم الحين عرفتي ان لتس اهل وانتس بنت حلال مو بنت مسجد ولا لقيطه.. عاد اعلني هالشي واثبري عند ابو ياسر اللي حافظ عليتس هالعمر كله
ديما .. كويس بديتي تعجبيني من يوم اعلنتي التحدي على سيفوه الاناني ..
اسيل . يختي انت ماتحمدين ربتس على شاااهيني .. زييينه زيييناه والله انه حرام فيتس يااا الفاغره..\
شاااهين ؟؟ قلوووب قلوووووووووب قلووووووب من هنا لحد دارك.. يااحظ هالخديه فيك.يا اخي انت في منك ولا اخر حبه ولهطتها اسيل؟
يعني كلامك لها وتقدريك لوضعها مع متعب يخليني احسدها على هالرجل العاقل الثاقل الحكيم.. مهوب اغبطها لأ لأ احسدها بمعني الكلمه عشان تطير النعمه من يديها وتنط بيديني؟هخهخهخه
ايه صح عناااااااد للحين ماطلعت له بنت حلوه يحبها ويتزوجها ؟؟ شوفي عاد اتوقع عناد له وحده من ثنتين ياااا ارجوان ياا جنان.. واشوف ان ارجوان تناسبه وتلوق عليه .. عاد دبري الوضع انتي ولاا اوووصل للجزء الاربعين الا وهم مع بعض.>> فيس يتأمر ومايستحي وهو لللحين مابعد حظر الروايه من اولها هخهخهخه



كنت أتمنى أتكلم عن ادهم هالشخص هذاااا فيه خلطه عجيبه من ازين الزين واشيين الشين .. اعجبني فيه انه للحين يصلي.. صح صلاته خايسه مثل وجهه بس هالشي يبين ان فيه خير.. وبعدين قصته وعلاقته مع متعب هذي مدري شلون ما اقتنعت فيها يعني هو مطيح متعب بالمخدرات؟؟ اذا هو مطيحه فيها ليش مايستخدمتها..؟؟ مدري مدري هالرجال يبي له مخمخه بس انا مارقت له للحين..
تسلم الايادي .

ضَّيْم 01-08-15 11:56 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
في انتظاركِ كيد :e418:...

كَيــدْ 02-08-15 05:17 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 












السلام على الجميع
مسـاء الورد والسرور على قلوبكم العطرة :$$
إن شاء الله البارت راح ينزل بهالليلة ، موعدنا راح يكون ما بين فترة العشاء للفجر
ما عندي ساعة محددة صراحة لأنه مثل ما تعرفون البارتات ضاعت علي وللحين ما قدرت أسترجعها
وأنا بالأيام الماضية كنت مضغوطة لفوق راسي وما كان جاهز في البارت الا نص حدث واليوم جلست أكمله
عمومًا إذا جت الساعة 10 وهو مانزل ناموا وإن شاء الله تحلمون فيني وبعد ما تصحون تلاقونـه عندكم :$:P
أحلام سعيدة للكل (())
ولعلمكم ترى أنا بهالفترة مثل الدجاج ، أنعس من بعد المغرب بس أمسك نفسي لين ما أصلي عشاء وأنام ، بس هالمرة بشرب منبهات لعيونكم وما يمنع قليلًا من الكوكايين -> ذس إز ماي لوف ، أمزح أمزح بس ترى فصلت شويتين يعني :$$


+ * لا تنسون أذكار المساء بهالوقت *

أشوفكم على خير :"" + اليوم ترى السعادة ماهي واسعتني فمروقة حدي يعني لا تستغربون الهبال اللي تشوفونه أو اللي راح تشوفونه () :P





أبها 03-08-15 03:50 AM

ماشاء الله تبارك الله
افتقدنا منذ زمن الروايات الفخمة .
رائعة هي بحق أحرفكِ وجميل هو سردكِ،ومثير هو حبككِ للأحداث.
اكتشفتها منذ يومين وإلى الآن لم أنتهِ بعد .لكن لم أقاوم من بث اعجابي
والعزم على المتابعة خاصة بعد أن رأيت التزامكِ.
شكرا من القلب أيتها المبدعة.

كَيــدْ 03-08-15 05:46 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 









صباح الخير والسرور
البارت راح ينزل لا تخافون، بقي بس أكمل موقفين لأنّ النوم غلبني أمس وراحت علي نومه :(
هذاني اكتبه :$$





كَيــدْ 03-08-15 07:16 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 


سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم ()
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بأتم صحة وعافية

حابّة أشكر زارا على الجمال التعليقي الأخير ، تعرفين لما الشخص يقرأ شيء جميل ومن كثر جماله وجهه عوّره من الإبتسامة؟ نفس حالي تمامًا كانت ابتسامتي من الأذن للأذن حتى إن عضلات وجهي عورتني :P الله لا يحرمني بس :$$


بسم الله نبدأ
قيود بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !


لا تلهيكم عن العبادات


(42)




كانت تجلسُ في منتصفِ السريرِ وكتُبٌ وأوراقٌ عديدة تناثرت هُنا وهناك، تمسكُ قلمًا محاولةً تنشيط عقلها والبدءَ في المذاكرة، فامتحاناتها النهايئَة لم يتبقى لها إلا شهرًا ونصف، تراكمت عليها المحاضرات وهناك مالا تفهمه لغيابها في الفترةِ الأخيـرة ، سحقًا للحيـاة، وللحزن المقيت، وللضعفِ المُثير للشفقة! هل وصَل بها الضعفُ لرمي مستقبلها كما ذهب ماضيها؟ ألهَذه الدرجةِ كانت ولتلك المرحَلةِ وصلت؟ يالخيبتها بنفسها، يالخذلانها بقوّتها.
تنهّدت بضيقٍ وهي ترفعُ القلم قليلًا أمام وجهها تنظر إليهِ بشرودٍ عن شكلِه ولونِه، تغرقُ في صورتهِ فقط، بعيدًا عن بقيّة الصورِ من أحيـاءٍ وجمادات، وكأنّ كل المخلوقاتِ أُختُزِلَت فيها فقط، بُحزنها كما الفرح، كيف يجيءُ الفرحُ في عامٍ ما، في شهرٍ ما، في يومٍ ما بكلِّ عنفوانِه واندفاعِه، بكلّ قوّتهِ وتمكّنه في صُنع جناحان تطيران بهما في سماءٍ خاصّـةٍ بها هي فقط ، لتتكسر تلك الأجنحةُ فجأةً بحزنٍ أشدّ عنفوانًا! بخيبةٍ تجعلُ الدمعَ في مقلتيها يتصادمُ ساقطًا كقطراتِ ملحٍ أُجاجٍ ذابَ من حرارةِ الوَجع.
تنهّدت من جديد ، ورَمت القلم جانبًا وهي تستغفر لكلِّ أحزانها السابقة، لكلّ الذنوبِ التي اقترفتها من خلفِها، اللهم اغفِر لِحُزني، فإنّه حينَ يُشتدُّ بهِ ينسى أنّكَ أشد، واغفر لي ، فإنّ ضعفي مُخلْ!
التُقطَت من صومعتها للطرْقِ الذي هاجمَ الباب، نظَرت باتجاههِ لتلفظ بصوتٍ مرتفعٍ بعضَ الشيءِ وهي تمسح على ملامحها : ادخلي هديل
فتَحت هديل الباب لتدخُل باسمةً هاتفة : يا فرعون ، شلون عرفتيني؟
إلين بابتسامة : كل مرة أعرفك تسأليني هالسؤال؟ ببساطة الجواب لأني أعرفك
أغلقت هديل الباب من خلفها واقتربت منها هاتفة : طيب يا فرعون وش جالسة تسوين؟
إلين تُشير إلى الكُتبِ حولها : اللي تشوفينه ، قاعدة أذاكر وأحاول أفهم المحاضرات اللي ما حضرتهم
قفَزت هديل لتجلس بجانبها على السرير، وبلؤم : تستاهلين مين قالك تتغيبين كل هالفترة؟
ضوّقت إلين عينيها، وبضيق : أستاهل صح؟
تغضّنت ملامحُ هديل واستكان اللؤمُ فيها، تنهّدت قبل أن تبتسم قليلًا هاتفة : خلاص صار وانتهى ، قولي الحمدلله
إلين : الحمدلله
هديل بحماس : الحين اسمعيني ، ودي أسوي مسابقة
رفعَت إلين إحدى حاجبيها وبحدة : نعم!! ما هقيتك كذا أنانية
هديل مطّت شفتيها وهي تتصنّع البراءة : شسويت أنا؟
إلين : مسابقة؟ وأنا بضغط مذاكرة؟
هديل تعتدل على السرير شبهَ مُمددةً مُستندةً على مرفقيها ليرتفع أعلى جسدها عن ملامسةِ السرير : وش دعوى تراها بسيطة ومن التزاماتك اليومية بس نسوي عليها مسابقة صُغننة ما تآخذ منك
إلين تُجاريها وهي تُفكر بالرفض : طيب قولي اللي عندك
جلَست هديل بحماسٍ وهي تبتسم : مسابقة القرآن اللي متعودين عليها
فغَرت إلين شفتيها حينَ فهمت وضعَ المسابقة، فهذهِ ليست المرّة الأولى التي يقيمونها ، كانت قد أفرجَت شفتيها ناويَة التّحدث إلّا أنها أخيرًا أطبقتهما وصمتت. أردفت هديل بأسًى وخزي : صاير لي فترة مهملة القرآن بشكل مُخزي! عشان كذا قلت نسوي هالمسابقة من جديد كتحفيز لي عشان أرجع لنفس حفاظي عليه قبل
ابتَسمت إلين بأسى، وبعدَ ما كانت تُفكِّر بالرفض شعَرت بالعارِ إن هي اقتَرَفت ذلك، هي أيضًا أهملت الكثير من أمورها الدينية ومن ذلك قراءةُ القرآن ، لذا هتفَت بتشجيعٍ للفكرة : طيب ، موافقة
قفزَت هديل بحماسٍ وهي تتشبَّثُ بذراعها، وبلهفَة : الهديَة هالمرة بختارها أنا ، آخر مرة أنتِ اللي اخترتي وش هديّة اللي تفوز
رفَعَت إلين حاجبيها وهي تهتف دون مبالاة : طيب طيب وش له هالتلزق وخري عني بس
ابتعدَت هديل قليلًا وزاويتيْ فمها تكاد تُلامسُ أذناها من فرطِ ابتسامتها المُريبة، اقتربَت إلين قليلًا وهي تقطّب جبينها : لحظة لحظة ، وش الهدية؟
هديل بابتسامةٍ لازالت تُحافظ عليها : شيء حلو وبسيط لا تخافين ماراح تبتلشين معاي
إلين : وهو؟
هديل : حزري!
إلين بنفادِ صبَر : مافيني
هديل رفَرفَت برموشها وهي تهمس : أبل ماك بوك ، شفتي؟ قلتلك شيء بسيط ماراح أكثِّر عليك
رفَعت إلين إحدى حاجبيها وهي تبتسم : لابِك انتهى خلاص؟
لوَت هديل فمَها : أيه ، من زمان خاطري بماك بس أبوي قالي لابك توه ما كمل سنتين
إلين بابتسامةٍ تظهَر منها أسنانها العلويةُ البيضاء : والله وهو الصادق وش هالتعامل اللي عندك معقولة قد اخترب؟
هديل ترفعُ كتفيها بلؤم : وش يدريك يمكن خرّبته متعمدة
إلين بضحكة : حسبي الله على ابليسك ، توه جديد حتى ضمانه ما انتهى
هديل : اص اص لعبْت على أبوي وقلتله ضمانه سنة وحدة وهو المسكين صدقني ، قال بيصلحه لي بس أنا تمسكَنت عنده لين رضَى يشتري لي جديد بس بعدين رفضت وقلت خلّني أوفر فلوس بابي وأفلّس الجميلة النايمة اللي في البيت
إلين : الله ياخذ عقلك
هديل " باستهبال " : حرام عليك بعدين من وين لكم عقل آينشتاين
إلين ترفعُ إحدى حاجبيها : أيه هين ... عمومًا أنتِ ودك بلاب بس أنا ما ودي لابي وش حليله لازال ناصِع وطازج ، طبعًا ولأني ما أبغى أرفض طلبك بتكون هديّتي شيء مختلف
هديل بنبرةٍ حاقدة : أيه أنتِ الدّلع اللي هنا أول ما طلبتي ماك بوك أشّر أبوي على عيونه
ضحكَت إلين لنبرةِ القهرِ في صوتِ هديل : والله عاد أنا طلبت اللي أبيه وأنتِ البقرة طلبتِ النوع اللي تبينه وش دخلنا احنا تجين وتقولين ما عاد ابيه أبي ثاني؟
وضَعت هديل كفّيها على قلبها وهي تُغمض عينيه وتهتف بنبرةٍ درامية : حقّك أول ما جربته طحت في غرام قبيلته
إلين : ههههههههههههههههه الله يخلف على عقلك ، الحمدلله ما طحتي في غرامه هو شخصيًا
هديل بتكشير وهي تفتح عينيها : لا ما أحب المستعمل أنا ، الا قولي وش طلبك؟ والله إن تطلبين شانيل والا ديور لأمحق وجهك الغبي ذا أعرف استلعانك أنا
إلين بضحكَة : وش عرّفك
اتّسعت عينا هديل : إلييييين! قسم بالله ما أعطيك شيء أجل تبين تخلينه دبَل إفلاس لـي وأنا مخلية إفلاسك بس سمول؟
إلين : وجع! عمومًا كنت أمزح معك ما أبي شيء من شانيل ولا ديور بس حاليًا ما عندي شيء في بالي فودي أفكِّر أول
نهَضت هديل بحماس لتستقيم واقفةً وتتجه للباب وهي تهتف بلهفَة : أجل راح نبدأ من اليوم ، واللي تخلص الثلاثين جزء أول الفوز من نصيبها كالعادة
رفَعت إلين صوتَها قليلًا : بس لا تنسين كل وحدة حسيبة نفسها ويا ويلك تغشّين أو تكذبين
هديل وقفت عند الباب مُمسكةً مقبضه وهي تهتف بابتسامة : يشهد الله علي بكون صادقة وما أغش
إلين بابتسامة : هذا المتوقع وأنا يشهد الله علي بكون أمينة بعَد
ابتسمَت هديل قبل أن تُرسِل إليها قُبلةً وتخرجَ لتتركها تأخذ وقتها وراحتها في المذاكرة.


،


" أبي أهلي يكونون معي بيوم فرحتي ، حتى أمي! "
نظَر إليها ببهوتٍ بعد ما قالته، غادَرهُ الإستيعاب رويدًارويدًا، قليلًا قليلًا! أم أنه يتوهم ويتمنى أنّهُ لم يستوعب! وأن ما التقطهُ فِهمهُ خاطئ! هل جنّت؟ ما الذي يسمعهُ منها؟ هل جنّت؟؟!
عقَدَ حاجبيه باستنكارٍ وهو يهتف بصوتٍ تمايلت نبرته نحو الإرادةِ في أن أذنه أخطأت الإلتقاط : وشو؟
جيهان بصوتٍ ميّت : أبي أهلي يكونون معي ، كلهم، كلهم يا فواز
فواز بصوتٍ باهت : كلهم؟
جيهان : أيه، كلهم .. حتى أمي!
وقف فوّاز مبتعدًا عنها، عيناه الباهتتان ظلّتا متعلقتين بعينيها، ببريقهما الخافت والذي يتباعدُ فيه الإدراك، وجههُ الذي تجمّد كل شعورٍ فيه كان يُقابل وجهها الشاحبَ تمامًا، بينهما تقبعُ مسافةٌ صغيرة، ضيّقة! خافتةً ومزعجة! همَس يُقلّب الكلمَةَ فوق كفّيْ الاستيعابِ كي يقرأها : أمك!
ظلّت تنظر إليه دون تعبير، وجهها جامدٌ كما الأموات، وكأنّ ذلك الطلب استنفذ كل ذرّةِ حياةٍ مُتبقيةٍ فيها . . بقيَت جامدةً لثوانٍ طالت، قبلَ أن تهزَّ رأسها في إيماءةٍ مُجيبةً على سؤالـِه، لا بل استنكارِه!
بقيَت عيناه متعلقتين بِها، وإيماءتُها الباهتةُ ظلّت تتكرر في عقله، قبل أن تنفرجَ شفتاه بنبرةٍ مصدومةٍ وصوتٍ يهتزُّ فيه الفتور : أنتِ مجنونة!
لمْ يتبدّل تعبير الجمُودِ في وجهها، ولا النظرةُ الباهتةُ بين زوايا عينيها، بقيَت تنظر إليه، لتعابير وجههِ الغيرِ مُصدِّقة، من أسنانِه التي وطأت على شفتِه السُفلى حتى حدقتيه اللتين تتشتتان هنا وهناك ... زمّ شفتيْه، وراقبَت عيناهُ زوايا الصّالة الأربع، ولسانهُ يكرر الكلمةَ بحدة : مجنونة! جنونك صار شيء أكيد ، أكيييد!
ابتَسمت! وابتسامتها تلك كانَ ظلّها شبهَ مُتلاشٍ، كانت شبَح ابتسامةٍ وليسَت إبتسامة، كانت كالشمسِ في وقتِ المغيب، ضوؤها فاتر، تسقُط عن السماءِ كما تسقط هذهِ الإبتسامةِ عن شفتيها، السماءُ تُصبحُ معتمةً في وقتِ المغيب، مُشتعلةً حولَ الشمسِ الساقطة، هذا هو وجه الشبهِ بين السماءِ وملامحي! كلّ ما يشتعل فيَّ هو فقَط كلماتي التي تُحيط هذهِ الإبتسامةِ الفاترة! الساقطة! . . إلهي ما هذا الجرفِ الذي تتزحلقُ فيه قدماي ولا أستطيع التشبّث بشيء؟ فواز فقط! فواز فقط هو ما أتشبّث بِه، لكنّني بالرغم من كل هذا أكاد أسقُط ، لمَ؟ لمَ أشعُر أنّك لست لي؟ تبتعد، بشكلٍ قاسٍ جدًا يا فواز.
همَست بنبرةِ قهرٍ يصاحبُها الفتورُ ككل شيء، ككل كلماتِي وملامحي ، وعجزي ، وأنت! : قلتلك ، تراني مجنونة وجنوني له وجوه كثيرة .. هذا وجه واحد بس!
شدَّ على أسنانِه بشدةٍ وعيناه تشتعلان بقهرٍ من كل شيءٍ ينزلِقُ منها ويثير حُنقه، وبصرخَة : كااااافي يا جيهـــان!
جيهان تتراجعُ للخلفِ قليلًا مُتَّكئَةً على ظهرِ الأريكةِ وشبحُ ابتسامتِها يثخُن لتمتدّ شفتاها على وجهها بصورةٍ مستفزة! ويبقى الفتورُ في وجهها ساكنًا. هتفَت بنبرةٍ باردَة : هذا وهو وجه واحد واستنفد صبرَك ، لهالدرجة أنا ثقيلة عليك؟
فواز بحدّة : لا تستفزيني ، كم مرّة قلتلك هالشيء!
رفعَت جيهان كتفيها : ما حاولت أستفزّك أبد ، بس اللي أنت فيه حاليًا دليل إنّي ثقل عليك! مو قادر تتحمل جنوني؟
فواز بقهر : يلعــ ... استغفر الله بس
تلاشت ابتسامتُها قليلًا ليحلّ محلّها تمايلُ الحزن في شفتيها، زفَرت، وملامحها انخفَضت للأسفلِ ليتناثرَ شعرها حول وجهها الحزِين، غصّةٌ داهَمَت حلقَها والكلماتُ شعَرت أنّها تقفُ عاجزةً عن التحرّك، كثيرٌ ما في صدرها، كثيرٌ لا تعرفُ ماهو! ابتعادكَ سيء! واللهِ سيء! مهما تصنّعت عدم المبالاةِ كثيرًا تبقى تخشَى هذا الإبتعاد ، يا الله لمَ تخشاه؟ فليَذهَب، فليَذهب!!
ازدردت ريقها عند تلك الفكرَة، وارتفعَ وجهها قليلًا إليه وهي تسمعُ زفرةً خشنةً تخرجُ من صدرِه، شفتيها المُتقوِّستانِ قليلًا بقيتا ساكنتان، هناك ما تريدُ قوله، هناك شيءٌ تريدُه أن يصِلَ إليه ويقفُ الكثير في وجهها، ومن هذا الكثيرِ أنها لا تدرك ما هذا الذي تريده!
جيهان بهمسٍ تطلق اللجام عن بعضِ الذي في صدرِها : تدري فواز!
نظَر إليها فواز بوجهه المتشنّجِ وهو يستعد للمزيد من جنونِها الذي يستفزه! عيناه كانتا محذّرتان لها ولما ستقوله، لكنّها ابتسمَت وهي تُردِفُ هامسة : أوجُه جنوني كثيرة، ومن هالوجِيه أنت!



،


مضَى يومانِ تقريبًا، وِظلُّ هذا اليوميْنِ هو النَّأْيْ، لم يتصادم معها مرةً، يتجاهلها وتتجاهله! كل مقابلَةٍ بينهما يتحاشى كلًّا منهما الآخر، لقد أطالوا هذا الحال! اعتاد دائمًا أن يُزعجها، وأن يبتعدا، وأن يظلّ كلٌ منهما يتجاهل الآخر، لكنّ هذا التجاهلَ لا يزيدُ عن ساعاتٍ حتى تعود الميـَاهُ لمجاريها وتأتِيه سُهى باسمةً تُحادِثُه وتمازِحُه وكأن شيئًا لم يكُن، لم يقُم مرة بالذهاب إليها وإعادةِ المياهِ لوجْهَتِها، ودومًا تأتي، لكنّها هذه المرة لم تجئ، ولم تمازحه بعفويَـتها الدائمة، هل جُرحُهُ هذه المرّة كانَ عميقًا؟ أم أن سنواتِ البُعد التي كانت بينهما ضيّقت من علاقتهما الماضيـة وبدّلت من صفاتِها معه؟ هل تغيّر السنينُ كلّ هذا؟ هل تغيّرَتِ؟ كما تغيَّرْت، وكما اختزَل التناقضُ نفسَهُ في صدري ولم يعد أنا أنا، أصبَحتُ آخر، وأدركُ أنِّكِ تدركين ذلك، لم تعُد صفاتي نفسها، ولا مشاعري نفسها! .. كنتِ شاهدةً على الكثِير، تعلمِين عنِّي كلَّ شيء، ولجَهلي وغبائي لم أتوقّع أن تعلمي هذا أيضًا!
تحشرَجَ صدرهُ وهو يستذكرُ ما قالتْه لهُ تلك الليلة، هو والله لا يعرف الجواب! لا يُدركه! كل شيءٍ مشوّش، مشوّش!! يا الله، دائمًا ما يتشوّش الماضي، لكن كان من المفترضِ أن لا يُصيب هذا السؤال شيءٌ ولا يسقُط عليه الغبارُ فأنسى جوابَه.
تخطّى عتباتِ الدرجِ ووجهه مُظلم، حاجبيه مُنعقدانِ بمزاجٍ سيء، ومازاد مزاجهُ وقلقه أنّ ماجد لم يُجبْ حتى الآن على اتصالاتِه، لكنّه أرسل له رسالةً لم تحتوي سوى على كلمتين لم تُزِل قلقه " أنـا بخير ".
اتّجه ناحيَة المطبخِ يريد أن يروي عطشه، لكنّه ما إن دخَل حتى وجدَ سهى تصنَع لها كوبًا من القهوةِ وهي تحشُر الهاتف بين كتفِها وأذنها ليلتقط آخر كلماتها : لا تحاتي يا محمد مبسوطة عند ولد أخوي ومرتاحة .... لا ما ودي أرجع بهالفترة كم مرة بتسألني؟ ... طيب ، بنتبه على روحي لا تحاتي ..... يوووه محمد وش فيك تراني عند ولد أخوي!! ... خلاص مع السلامة
أغلقَت وهي تعقدُ حاجبيها بضيقٍ من اتصالاتِه العديدةِ بها وأسئلته ومن أدهم والذي حدَث وكل شيء! رمَت بهاتفِها على رفِّ المطبخ الرخـامي وهي تتأفأف بضيق، وفي تلك الأثناءِ كان أدهم يتنهد بصمتٍ وهو أيضًا يشعر بالضيقِ أضعافًا وأضعافًا، أكملَ خطواتِهِ باتّجاه الثلاجـة بينما شردَت سهى في ملامِح القهوة، فتحَ بابَ الثلّاجة وأخذَ قنينةً من المـاءِ مُمتلئةً ليُمارس عنفه وقهرهُ في فتحها ومن ثمّ شربَها بأكملها يُخفف من النارِ التي في جوفِه وقطراتٌ كانت تنفد عن القنينةِ إلى صدِره متساقطةً عليْه دون أن تُطفئ شيئًا، لا المـاء البارد يُجدي، ولا الصمتُ يجدي، ولا التصبّر يُجدي، لا حلّ لتلك النارِ في جوفي، ستبقى تزداد وترتفعُ وترتفعُ حتى تحرقني وتُحيلني إلى رمـاد.
أنزَل القنينةَ وهو يتنفّسُ بعنف، رمَاها على الأرضيّةِ بقوةٍ لتنتفض سهى منتبهةً من شرودِها إليه وتستدير وعيناها متسعتان بتفاجئ، منذ متى وهو هنا؟؟!!
أطلَق أدهم نظرةً إليها، نظرةً مُعتمةً لم تستطِع فهمَ شيءٍ منها، نظرةً كان في أطرافها عتَب، لأنّها تغيّرت، لم تجئ إليه وتحادثه وكأن شيئًا لم يكُن، غيّرتها السنين كما غيّرته، أي كلّ البشر يتغيّرون وليسَ هو فقَط. صدّت بوجهها عنهُ متجاهلةً نظراتِه تلك وهي تأخذ كوبَ القهوةِ وتتجهَ نحوَ باب المطبخِ حتَى تخرج، بينما بقيَت نظراتُ أدهم تتابعها وهو يُضاعِف من حُزنِه الماضي، لا ضَيْر، فالحُزن فرضٌ في حيـَاته، ماذا يُضرُّ إن تضاعف؟ ماذا يضرْ؟


،


نظَر إليْها، والنظراتُ تمشِّطُ طرِيقَ البهوت، لم يستوعب كلماتها، مابالُ ما تقول اليوم أكبر من استيعابه؟ مابالها اليوم كلماتُها عنيفةً بهذا الحد؟؟ أغمَض عينيه بقوةٍ وهو يستنشق ذراتَ الأكسجين بعنفٍ يوازي عنف نبضَات قلبه، بينما ملامحها تستكين على وجهه، تراقبُ تعبيراتِ ملامحه، لا تُدرك مقدار التبعثُر الذي خلّفته في داخلِه، تبعثرٌ أقسى من حينِ هتفَت بـ " عيوني "، أعوذُ بالله من عنف الكلمات! أعوذُ باللهِ من عنف الكلمات ، ولا أُعيذ نفسي من جمالها! لكنّ هذا الجمال عنيف، عنيفٌ واللهِ يا جيهان.
بللَت جيهان شفتيها وهي تنهَض، كانت ردّةُ فعلهِ هذه والتّخبطِ الذي رأتهُ في ملامحهِ كافٍ لتُرضي القليلَ منها بعد ما استجدَّ في معاملته، في البُعدِ والقساوة، لازال لها، لكنّها أيضًا لازالت تشعر أنّ تشبّثها بهِ لا يكفي حتى لا تسقط في المنحدر، شيءٌ ما بيننا، شيءٌ أكبَرُ مني ومنك.
تحرّكت خطواتُها تنوي الذهابَ لغرفَةِ النومِ منهيةً النقاش العنيف هذا، وما إن واجهتهُ بظهرها وتحرّكت خطوةً حتى شعَرت بيدهِ تُمسِك بزندِها جاذبًا لها نحوه حتى اصتدمَت بصدره، ارتفعَت نظراتها المُتسعةِ إليه، وذراعيه طوّقتا خصرها بينما نظراتُه تطُوفُ على ملامحها البيضاء، يتأملها ذرّةً ذرة، يُلصقُ صورتها في عقلِه لتستكين أبدًا فيه، وهي المستكينةُ دهرًا ودهرين، العُمر عينيها، والحيـاةُ هو صوتُها، صوتها الذي انحدر قبل ثوانٍ عنيفًا بكلماتِه حتى يضربهُ وكأنّ تلك الكلماتِ سيفٌ أُستلَّ من غمدِه.
صوتُه الشائبُ بعاطفةٍ كبيرةٍ انحدَر هو الآخر هامسًا دون تصديق : وش اللي استجد فيك؟
بقيَت تنظر إليه ونظراتُها الخائرةُ تعلّقت ببريقِ عينيه التي تحوّر فيها الإشتعالُ من غاضبٍ إلى آخر، إلى عواطِف وعواصف! توتّرت قليلًا وهي تشعر بذراعيْه تشتدّان حولها في عناقٍ عنيفٍ كعنفِ شعورهِ في هذهِ الأثناء، كعمقِ نظراتِه إليها وصوتِه الذي همَس مُكررًا : وش اللي استجد يا جيهان؟
أغمَضت عينيها لثانيتين وهي تزفُر كل شحناتِها التي خلّفت تيارًا سرى في أوردتِها، لتفتَح عينيها أخيرًا وهي تبلل شفتيها، قبل أن تهتف بخفوت : قلتلك مجنونة ، ولجنوني وجيه فلا تعتبر شيء استجَد
شدّ عليها أكثر ليُلصقها بهِ وكأنها يُريدُ منهما التلاحُم، يُريد أن يُسكنها بين أضلعهِ حتى لا يخشى حزنًا وانكسَارًا لغيبتها، همَس وهو يعقد حاجبيه : سقَى الله هاللحظة بوقفة دَهر
ازدردَت ريقها وتوترها تضاعفَ لنبرتِه التي اتّجهت نحو عاطفةٍ أشدّ وأعمق، نحوَ بؤرةٍ مُضيئةٍ ضوؤها لا تحتمله، نبرةٍ عُنفها باتساعِ السموات والأرض.
فواز وهو يرفعُ إحدى كفيه مُمررًا لها على ظهرها حتى تخلخلت أصابعهُ خصلاتِ شعرها، هتفَ بخفوتِه الذي لا يصلُ إلا لأذنيها وينتهى عندهما : عيديها ، أبي أسمعها مرة ثانية
ارتعَشت أطرافُها وهي تفغُر فمها، عيناها تتسعان رويدًا رويدًا بينما حدقتيها المُهتزتين تنظرانِ لعينيه العاشقتين، عشقُهما كارثـة، كارثــة! كيف تنكر أن عشقهُ يُرضيها؟ يدغدغُ أنوثتها رغمًا عنها، رغمًا عن جمودِها وجفائها، رغمًا عن كل شيء ، لهُ منزلٌ خاصٌ في صدرِها!
كررَ فواز طلبهُ بصيغةٍ آمرةٍ بعض الشيءِ وهو يخفض رأسه قليلًا إليها حتى يصلَ لملامحها : عيديها ، عيديها يا جيهان ، عيدي جنونِك وعظمته!
اهتزّت شفتاها بارتباكٍ وهي تشعر بأرنبةِ أنفهِ تُلامس أنفها، تسارَعت أنفاسُها وللحظةٍ تمنّت لو أنها لم تقُلها، الإرتعاشُ هاجمَها من أعلى رأسها لأخمص قدميها، ضعفَت فجأةً وهذا الضعفُ يؤذيها، تُدرك أنّها كلما ضعفَت تصنّعت العكْس وأفسدَت كلّ شيء، لذا ندمت لما قالته!
كرر فواز طلبهُ الأشبه بالأمر بنبرةٍ مصرة، لذا أغمَضت عينيها وهي تستنشق أنفاسهُ المصتدمةِ بها عوضًا عن الأكسجين، شعرَت أنّ المهمة فجأةً أصبحت صعبة! تكرارُ ما قالته صعب، والفرق أنها الآن ضعفَت تحت موجاتِ عاطفتِه.
طـالت الدقائقُ دون استجابـةٍ منها، حينها عضّ فواز شفتهُ السفلى وهو يُغمض عينيه مُدركًا أنها لن تُكررها، ليت الزمن توقّف عند ما قالته، ليته توقّف دهرًا وعاشَ في ذاكَ الدهر. أطلَق شفتهُ السفلى من أسنانِه لتُفاجئ بهِ يُقبّلها بشغفٍ حتى يتضاعف ارتعاشُ جسدها الذي ضمّهُ إليه أكثر وأكثر، ابتعد عنها قليلًا بعد ثوانٍ طويلةٍ وهو يهمسُ بنبرةٍ ذاهِبة : جهّزي نفسيتِك ، حفلة الزواج راح تكون قريب بس فترة ترتيب وعلى السريع بعَد
فغَرت فمها، وقبل أن يدرك عقلها ما قاله جيدًا كان فوّاز يتراجع وهو يُردف بنبرةٍ قاطعة : وبخصوص شرطك المجنون ، أنا بنفّذه أكيد
رفعَت حاجبيها متعجبة، وباستنكار بعد أن ازدردت ريقها تُهذِّب تخبّطاتِ مشاعرها : تنفّذه؟
فواز : طبعًا ، بنفّذه كامل لأنّ الجزء الغبي اللي قلتيه ما نقدر نحسبه
جيهان وصوتُها يتّجه للرفض : وأنا صدّقني ماراح أكون مبسوطة بالكامل
فواز : أجل؟ بعقلك أنتِ تقولين اللي تقولينه؟
جيهان : مو قلتلك مجنونة؟
ابتسَم فواز رغمًا عنه : وجنونك فاتِن
توترت وهي تشتت حدقتيها، بينما تحرّك فوّاز باتّجاهِ البابِ وهو يهتف : راح أتّصل بعمي يوسف وبشوف الوضع ، ووعد مني ما يصير الزواج إلا وأهلك كلهم حولك


،


في الصبَاح
خرَج من غُرفتِه وهو يُعدّل شماغه، عيناه كانتا مُتعلقتين بغُرفةِ غزل رُغمًا عنه، يستذكر كلّ الليلةِ الماضيـةِ حين كان يُعلّمها الوضوء بعد أن سألها إن كانت تعرفه وأجابته بالصمت! يستشعر إحراجها من هذهِ المسألـة، يستشعر كلّ تحسُّسٍ منها حين يسألها إن كانت تعرف هذا أو ذاك! لـذا ابتلع أيَّ سؤالٍ بديهي حتى لا يُضاعِف إحراجها وفضّل تعليمها كلَّ شيء.
يُشفقُ عليها، قليلٌ جدًا في هذه الفترة من لا يُجيدون الوضـوءَ في هذا البلَد، حتى وإن كان لا يُصلي إلا أنه يُدرك بأن الوضوء كَذا وكَذا، ألِهذَا الحدِّ وصلَ بها الأمر؟ ما المجتمعُ الذي ولدت فيه بالضبط؟ ما كانت حياتها بالضبط؟
تنهّد وهو يشعر بأن مسؤوليته بها صارت إجبـارية، ورغمًا عنه يجب أن يهتمَّ بها ويُعيد توجيهها للطريقِ الصحيح.
اتّجه نحوَ الباب الخارجي ليفتحهُ ويخرج، بينما كانت غزل في الداخِل قد وقفَت عند المغسلةِ في حمامِ غرفتها وهي تنظر للماءِ الذي يتدفقُ من الصنبورِ بحزن، تُحاول مدّ يدها نحو اندفاعِ الماءِ حتى تُجرّب ما علّمها بهِ سُلطان، لكنّها تشعر أن شيئًا ما يجعلها تتراجَع، وشيئًا آخر يُريد ذلك، يُريدهُ بقوّةٍ وكأنها تحتاجه! كأنّ ما ينقصها قد يكمُن فيه، قد تجدهُ في ما يدفعها سلطانُ إليه.
عضّت شفتها السُفلى بقوةٍ حتى كادت تُدميها، واستقرّت كفّاها تحت الماءِ لتغسلهما ثلاثًا، لكنّها سحبَت يدها أخيرًا ودموعها تسقط بقهر، هاتفةً بصراخ : وش اللي أنـا فيييه وش اللي انا فيييييييه !!!
أغلقَت المـاء وهي تنسحب عن هذا الأمر، مسَحت على وجهها وهي تخرج من الحمامِ وملوحةُ دمعها استقرّت في كفّها، لمَ اندفعَت مُستجيبةً له؟ لمَ مشَت خلفهُ ووافقت؟؟!

في جهةٍ أخرى
وصَل سلطان بعد دقائقَ لمقرِّ عمله، صعدَ للطابقِ الذي يقبعُ فيه مكتبه، مرّ على السكرتير وهو يبتسم لهُ ويصافحه سائلًا لهُ عمّا كان في الأمس حين غَاب، حينها هتفَ له السكرتير باهتمام : طال عمرك جاء أمس واحد شكله ما يطمن
عقَد سلطان حاجبيه : كيف يعني؟


،


بعد صلَاةِ الظهر
عـاد للمنزِل اليومَ أبكَر من كلِّ يوم، كان قد أوصل ديما في حدُودِ الساعةِ الحادية عشرة ومن ثمّ عاد لعمله، دخَل الجناحَ وهو يخلعُ شماغهُ ويتّجه لغرفـة النوم، وما إن وصل إلى الباب المفتوحِ وأفرجَ شفتيه يُريدُ مناداتها حتى تجمّد في مكانه وعيناه تتسعانِ وهو يرى ديما تُصلّي، بقيَ مُتجمدًا للحظاتٍ وحاجبيه ينعقدان، شفتيه بقيتا مُنفرجتين وهو يُحاول الإستيعاب، ما الذي يراه؟ ما معنى هذا؟
تقطّبت ملامحه بشدةٍ وعيناه التمعتا، تراجَع يبتلع صدمتَهُ مما فهِم، هل تكذبُ عليه؟ هل وصَل بهما الحال لتكذبَ عليه حتى تبتعدَ عنه؟ هزَّ رأسه بالنفي يُريد استبعاد تلك الفكرة، فليسَت ديما من تفكّر بهذا الغبـاء، لكن ماذا عمّا رآه؟؟ ... اشتعلت نارٌ في صدرِه، زفَر وهو يُخفي جُرح رجولته، لكنّ الغضب كان كبيرًا، كبيرًا حد أنّه لا يعلمُ ما الذي يريد أن يفعله!!
عاد ليتّجه للغرفةِ بعد دقيقتين ووجههُ مُتشنجٌ بغضبِه، كانت ديما قد انتهَت لحُسن حظّها وفتحت باب الخزانَة حتى تضعَ رداء الصلاة والسجادةَ فيها، لكنّ صوتَ سيف الذي هتفَ باسمها عُنفًا جعلها تشهقُ بقوةٍ وهي تستدير إليه وكفّها تُغلق باب خزانتها بقوّة.

.

.

.

انــتــهــى

طبعًا ما أدري بطول البـارت صراحة لأني كاتبته في الجوال -> " متخانقين مع الكتابة في اللاب " :)
بس حابّة أقولكم إنّ فيه مفاجئة في الطريق، ماراح أعلمكم الا بيومها :D


قراءة ممتعة ()
+ البارت الجاي يوم الأحد القادم بإذن الله وبعدها راح نرجع لنظامنا القديم بإذن الواحد الأحد :""

ودمتم بخير / كَيــدْ !




bluemay 03-08-15 08:01 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


بارت رائع كالعادة ..



جيهان فعلا انجنت رسمي .. شو هالشرط ؟!!!
فواز بغيظني الصراحة لو مكانو بقلع قلبي ولا بسمح له يذلني . افسدها بدلاله وهي ما بتستااااااهل .






ألين نفضت عنها خيمة حزنها وبدت تلتفت لحياتها .. هديل تاثيرها طيب عليها .

حبيت فكرة المسابقة واتوقع هاي خطة من هديل لتضمن انه الين ما ترجع لوضعها السابق مرة تانية.





سلطان مهتم بغزل بشكل نبيل وكتير اتأثرت بجهلها بأمور دينها .
ولكن غزل بدها عزيمة لتنجح وعلى ما يبدو ما عندها دافع قوي لتستمر.





ديما نهارك ابيض ... سيف اكتشف خداعها والله يستر وما تجيب العيد بإعترافها .
عندي شعور انها ممكن تسقط ﻷنه وضعها مو مطمن .




أدهم بدو وقت ليتصالح مع نفسه ... سهى بهجرها إلو خلته يراجع نفسه وممكن انها تنجح بإستمرارها ﻷنه عى ما يبدو على وشك اﻹنفجار.




انا كمان بتوقع انه ماجد هو متعب .. وفي وراه سر اكيد.





يسلمو إيديك يا قمر ... متشوقة كتير للي جاي

تقبلي مروري وخالص ودي


○° الله أغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله ، وأوله وآخره ، وعلانتيته وسره .°○

dalela 04-08-15 01:29 AM

سلامات
اكتشفت الروايه بالامس
كيد من الكاتبات المميزات
استمري



ألين نفضت عنها خيمة حزنها وبدت تلتفت لحياتها .. هديل تاثيرها طيب عليها .

حبيت فكرة المسابقة واتوقع هاي خطة من هديل لتضمن انه الين ما ترجع لوضعها السابق مرة تانية.





سلطان مهتم بغزل بشكل نبيل وكتير اتأثرت بجهلها بأمور دينها .
ولكن غزل بدها عزيمة لتنجح وعلى ما يبدو ما عندها دافع قوي لتستمر.





ديما نهارك ابيض ... سيف اكتشف خداعها والله يستر وما تجيب العيد بإعترافها .
عندي شعور انها ممكن تسقط ﻷنه وضعها مو مطمن .




أدهم بدو وقت ليتصالح مع نفسه ... سهى بهجرها إلو خلته يراجع نفسه وممكن انها تنجح بإستمرارها ﻷنه عى ما يبدو على وشك اﻹنفجار.




انا كمان بتوقع انه ماجد هو متعب .. وفي وراه سر اكيد.





يسلمو إيديك يا قمر ... متشوقة كتير للي جاي

تقبلي مروري وخالص ودي


○° الله أغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله ، وأوله وآخره ، وعلانتيته وسره .°○[/QUOTE]

fadi azar 05-08-15 02:46 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
سيف سيكون غضبه هادر بسبب كزب ديما كيف ستبرر كزبها عليه الين تعود لحياتها بمساعدة هديل رائع

روض وسميه 08-08-15 11:04 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
مساء الخير الروايه جميله جدا ولكن اختي كيد باتت اشبه بالخواطر لا روايه باحداث تتطور التقدم فيها بطيئ جدا ولا نكاد نستمتع بالحوار بين الابطال حتى تأخذ منحى الافكار والتشبيهات البلاغيه صورك البلاغيه رائعه ولكن كثيره وتقتل روح القصه بكثرتها (انا صراحه صرت اعديها عشان اقرأ الحوار لاتزعلين مني انا ترددت اكتب رأيي خفت تزعلين اوتاخذين بخاطرش علي بس الروايه حلوه كثير وودي تاخذ حقها في التقدم سامحيني اذا زعلتش ويمكن هذا اسلوبش في الكتابه لكن زي مايقولون هذا نقد بناء ماقصدي منه الا كل خير وتقدم لش ولش الحريه تقبلينه او ترفضينه . مع حبي😘

كَيــدْ 09-08-15 10:07 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
















السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباحكم سعادة وبركة ()
كيفكم متابعيني الأعزاء عساكم بخير وسعادة

موعدنا إن شاء الله اليوم مع البارت 43
طبعًا مفاجئتي لكم بهالبارت إنه بارت عن بارتين :$$ يعني اعتبروني نزلت لكم بارتين بس مدموجين مع بعض ؛ بقي بس أكتب آخر موقف والقفلة النذلة شوي - والمرضية لي - :P
فبينزل إن شاء الله قبل وقت المغرب ، نقول إن شاء الله مُش أكيد

انتظروني (())




كَيــدْ 09-08-15 03:56 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
















مساء الخير

البارت على الأرجح راح يكون بعد المغرب بوقت، ما راجعت غير النص وأقل يمكن
وحاليًا قاعدة أختّم على آخر موقف ، انتظروني (())




كَيــدْ 09-08-15 07:49 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بأتم صحة وعافيـة


بارتنا اليوم طويل طويل وعن بارتين، اعتبروه اعتذار بسيط مني على الأيام السابقة اللي قصرت فيها تجاهكم :( -> عربون إعتذار وكذا :$$

أولًا بتكلم عن شغلة ، وأتمنى إنكم ما تتجاهلون قراءة اللي بكتبه ومعليش بطول شوي ومضطرة أحطه قبل البارت عشان كل العيون تشوفه لأنّ البعض ما يقرا غير البارت ويطلع وما يشوف تعليقاتي!

- تعليق روض وسمية / أول شيء أبدًا ما تضايقت من حكيك وعلى عيني وراسي هاللطف منك والتعني منك والتعليق ، شكرًا لحسن نيتك.
لكن الموضوع اللي حكيتي عنه مر علي أكثر من عشر مرات يمكن، وتعبت صراحة من كثر ما أوضح وجهة نظري وأرد! لذلك برد بهالموضِع وقبل البارت فتحملوا طول كلامي عشاني ما ودي أكرره مرة ثانية، وإذا ودكم تقرأون البارت وترجعون بعدين تشوفون كلامي ما فيه مشكله :d المهم لا تتجاهلون اللي بقوله :(
أولًا، بخصوص إنّ روايتي أشبه بالخواطر، هذا ما يعتبر خواطر! هذا أسلوب شاعري أحبه وما أتقنه كويس وأحاول أتقنه، يمكن أنتم منتم متعودين على هالأسلوب ولا على كثافة الوصف في الروايات النتية، بس أبدًا ماهو ذنبي! أنا ما أطمح إن أسلوبي يكون شبيه بالروايات النتيه! أنا أطمح للوصول للي أكبر وأنافس كتّاب أفضل، صحيح لكل مقامٍ مقال وروايات النت تعودتوا تكون حوارات في حوارات بس معقولة أفكر بهالمقولة وأقول لا! ما ينفع إذا أنا أبي متابعين لازم أغير أسلوبي عشان يعجبهم!!! حدّث العاقل بما يُعقل وعلى فكرة أنا ما كان طموحي متابعين، طموحي أوصل للي أعلى وأحب أسلوبي أكثر وأتطور! كان بإمكاني أكتب روايتي كاملة وأطبعها وأنشرها كتاب عشان قُراء النت ما يحبون هالنوع من الروايات لكني ببساطة كنت راح أفشل! وليه الفشل؟ لأن أسلوبي سيء جدًا بالنسبة للروايات الورقية لذلك نشرت روايتي في النت عشان أدرب نفسي وأتطور. بالعادة اللي ما تعود على القراءة خارج نطاق النت يلاقي صعوبة في تقبّل أسلوبي، لكن اللي متعودين من متابعيني كثار، لدرجة إن فيه كم وحدة تكلمني وتقول أنا ما أقرا غير روايات كتب وروايتك هي الرواية الوحيدة أو من الروايات القليلة اللي حذبتني في عالم النت لأنها تنافس روايات الكتب. طبعًا أنا ما أشوف إني أنافس روايات الكتب للحين، بس أفتخر لما أشوف هالحكي! حلو إني جذبت فئة ما يميلون لروايات النت لذلك أنا راضية تمام الرضا مو عن أسلوبي بس عن كوني أركز في الإرتقاء لروايات أكبر من مجرد نت، لذلك أبدًا ماراح أندم إن فيه ناس تنسحب عشان الوصف عندي كثيف وعشان أسلوبي أقرب للخواطر على قولتك، واللي حابب أسلوبي ثلثي قُرائي والثلث الباقي هم اللي ملاقين صعوبة في قلّة الحوارات، + نقطة مهمة، الحوارات ما تُعتبر قليلة، هي مكانها في اللي يناسبها لذلك ممكن تشوفون موقف الحوارات فيه أكثر من الثاني لأنّ هالموقف يتطلب تواصل صوتي بعيدًا عن المشاعر فقط. :" بعد أزيدكم من الشعر بيت؟ فيه ناس كثيرة تقول الوصف عندك يحتاج زيادة تكثيف! شفتوا الفرق؟ أبدًا مو ذنبي إن فئة منكم ما تقرأ إلا من روايات النت ومثل ما قلت أنا أدرب نفسي عشان أرتقي للروايات المنشورة فصعب أمشي على منهج كاتبات كانت طموحاتهم أقل مني.
أما بالنسبة للنقطة الثانية وهو بطء الأحداث، فأنا ما أشوفها بطيئة أبدًا، ممكن مرّات أفكر بهالشيء لكني لما أراجع الأفكار والقضايا في روايتي أشوف إنها ضروري تمشي على هالنمط. نقول مثلًا غزل، ما قدرت تتقبل سلطان - مبدئيًا - إلا في نهايات العشرين من الأجزاء، طيب ليه كل هذيك الفترة ما تقبلته مع انهم متزوجين من بداية الرواية تقريبًا؟ ببساطة لأنها تتحسس من الرجال وقد ذكرت أكثر من مرة إنها تشوفهم بما معنى كلامها " حقيرين " فشلون ببساطة تتقبله وتضحك وياه في غمضة عين؟
ومثال آخر، أسيل، فيه كم وحدة جتني تقول متى تحبه؟ بتصير القصة ماصخة وهي للحين ما حبته! Wtf!!! أنا جدًا جدًا انصدمت من اللي تفكر كذا، أنتم تشوفون إن نسيان الحب الأول خصوصًا في شخصية أسيل وحب شخص ثاني بهالبساطة؟؟ تبوني أمشي روايتي بطريقة أبدًا ماهي معقولة!! والمواقف اللي البعض منزعج منها كونها مافيها تطور ومجرد مشاعر هذي لها وجهة نظر خاصة وتتعلق باللي قبلها والمعقولية، تخيلوا مثلًا مرة ثانية إن غزل حبت سلطان مو بس تقبلته، وهالحب جاء فجأة من غير ما أوصف المشاعر قبلها وشلون تطورت حبة حبة، بتصير معقولة؟ بتدخل المخ؟ لازم لازم يكون فيه مواقف بسيطة كلها مشاعر والتطور فيها ومواقف ممكن تكون - عادية - بين البطلين لكنها تعطي تمهيد، ما أقدر أقفز مرة وحدة للحظة اللي يكتشف فيها سلطان حقيقة غزل ويكون مثلًا حاببها فيسامحها ببساطة وأنا ماقد شرحت تطور المشاعر بينهم - مجرد مثال لحد يدرعم ويقول يعني هذا بيصير - :p -> تبونها من الله أنتم :""
+ من أكبر مخاوفي توصل روايتي لمية بارت، لكني أيضًا - لن أتوانى عن ذلك - إن كانت محتاجة لهالعدد، بعطي كل شخصية حقها وممكن شخصيات ينتهي دورها قبل النهاية بفترة بس أبدًا ماراح أختصر وأضيع تعبي من البداية، هالرواية تعبت فيها بشكل مو طبيعي، من رسم الأفكار للشخصيات لكل شيء، وأظن واضح عندكم تعبي اللي وصل أثره لكوني لخبطت كذا مرة بالأعمار ومرة بإسم شخصية ثانوية لكن يظل غلط، جدًا جدًا متعبة هالرواية وبتظل متعبة للنهاية فأيش الفايدة من إني أختصر وأضيع تعب البداية؟ نكمل بتعب واحد ونتيجة حلوة ولا بتعب ونتيجة سيئة.
وأنا ما اقدر أمنع كل وحدة منكم ما تمشي وتترك قراءة الوصف، صحيح هالشيء يزعجني بس ما بيدي شيء ولكم الحرية، لكني أتمنى، وحطوا تحت أتمنى مليون خط، ما تجيني بعدين وحدة وتستفسر عن شيء ذكرته في البارتات السابقة وهي ببساطة تترك قراءة الكثير اللي التوضيحات تكون فيه! تخيلوا بس إن التوضيحات والتفسيرات والحلول لكل لغز أذكرها في حوار مرصوص! هذي ماهي رواية أبدًا، فلا تجوني بعدين وتقولون هند كيف كذا وكذا وليش كذا وكذا! أنا أعفي نفسي من الإجابة على أي عضو يتجاهل الوصف ويجيني ببساطة ويقول تجاهلت! وبعدها يسأل .. مو صعب تحاولون تحبون أسلوبي، طيب أقل شيء حبوا القراءة! صدقوني لو تحبونها جد ما مليتوا من الوصف لأن القراءة ماهي روايات نت وحسب، القراءة أوسع من كذا.


* على فكرة، الانتقاد البناء أنا ارحب فيه بكل سعة صدر، لكن خلّوه في محله لأن عمر الوصف ما كان سلبي على الرواية إلا اللي يشوف الروايـات قصة وحوار ، + لا تشوفون في كلامي عصبية أنا أرد بكل رواق وتقبلت تعليق الجميلة بكل رحابة صدر ورديت باللي يناسبه ، مشكورة على نيتك الحلوة.

عارفة طولت عليكم ومعليش والله ، فخلونا نبدأ بالبارت على بركة الله

قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات

(43)





انتفَضَت وهي تُغلق بابَ الخزانة، التصقَ ظهرها بهِ وعيناها تتسعان بذعرٍ بينما اندفعَ الأدرينالين في أوردتها ليثبّط من هذا الذعر الذي لربما يفتكُ بها، وكان سيف أمامها صدرُه يرتفعُ بقهرٍ وينخفض بشدّةِ الإهانـة التي يشعر بها الآن! أمِن المُعقول أنها كذبت لتبتعد عنه؟ لهذا الحدِّ وصل الأمر بيننا يا ديما؟ لهذا الحدْ؟؟! لم يتخيّل أبدًا ولا في أسوأ إحتمالاتِ الحيـاةِ بينهما أن تفكّر ديما بهذهِ الصبيانِية والسطحية، أن تكذِب فقط لتبتعد عنه وتضربهُ بقبضةٍ ساخِنةٍ أصابته في رجولته. لكنْ بالرغم ما رآه، بالرغمِ من كونِ الموضوع برمّته شبهَ واضحٍ له إلا أنّ هناك ذرّةُ تعقلٍ تُخبره أن لا يتهور، وأنّه بالتأكيد هناك حلقةٌ ناقصة، لمَ لا يتأكد قبلًا؟
بلل شفتيه يُحاول هزمَ الجفافِ الذي انتشرَ على سطحهما وعلى ملامحهِ كُلِّها، شدّ على قبضتيه وهو يقترب منها بينما عيناها تنظران إليْه بذعرٍ وكأنّها تخشى أنّه استشفَّ شيئًا ما أو رآها ، نعَم رأيتُك، وأتمنى من كلِّ قلبي أن يكُون هناك خطأ.
اقترب حتى كاد يلتصقُ بها، كانت موجاتُ الحرارةِ تصلها عبر أنفاسهِ التي لفَحت جبينها، بينما وضعَ إحدى كفيْه على بابِ الخزانَةِ جانب رأسها وهو يهتف بحرقةٍ حاول إخفاءها : وش تسوين؟
توترَت ديما أضعافًا وهي تنظر إلى وجههِ المُتشنِّج، ما الذي تفهمهُ من سؤالـه؟ أيعقل أنّهُ رآها وهي تصلّي؟ أم رآها وهي تطوي السجّادة ورداء الصلاة؟ .. لا ، غيرُ ممكن، فهي تعرف سيف جيدًا ولو أنّه رآها وهي تصلي لما انتظر حتى الآن كي يظهرَ لها بهذه الصورة، إذن ما الأمر؟؟
ازدردت ريقها وهي تفتَحُ صفحةً جديدَة في كتَابِ كذباتها، نظَرت في عينيه الناريتين والمنتظرتين توضيحًا يُخبره أنها مثلًا " طهُرت " بالرغم من أن ذلك بعيد! لكنّه واللهِ سيصدقه! سيصدّقه بما أنّه غير مستحيل لكنْ كل شيءٍ وألا تكون كذبت كي تبتعد، كل شيءٍ دون هذهِ الضربةِ القاتلةِ يا ديما.
رفعَت يدها كي تمسح على شعرها وتستقرَّ كفها على رأسها في حركةٍ متوترة، وبصوتٍ مضطرب : وش أسوي يعني؟ كنت أبي أبدل ثيابي
تراجَع للخلفِ وجفناهُ ينخفضانِ دونَ تعبيرٍ واضحٍ لعينيها، لكنّه في صدره كان تعبيرًا عن كونِه جُرِح! بقسوةٍ لم يتخيَّلها منها، بعنفٍ كان الأحرى ألا يجيء منها هي تحديدًا .. بلل شفتيه وصمَت، كيف عساهُ يتوقّعُ للحظةٍ أنّ علاقتهما قد تتوجُ يومًا بكذِب! بالرغم من كل المشاكل بينهما وبين الشدِّ والجذب الذي يعيشان فيه إلا أن كل شيءٍ لا شيء حين يخترق الكذب حياتهما، كل شيءٍ مقبولٌ في العلاقةِ الزوجية، إلا الكذب.
صنَع خطوتين بينهما وهو ينظُر إليها بملامحَ تجمّدَ فيها كلُّ شيء، كلُّ شيءٍ بات مُتجمدًا وظلَّ الجُرحُ في صدرِه ينصهرُ بحرارةٍ ذاتَ درجةٍ ثابتة دون أن يصل لغليانٍ يُحرقها أو يتبخر! لا يدري كيف أنّ ردة فعله كانت هذه! لا يدري لمَ لم يصرخ في وجهها أنّها كاذبة، وأنّها خذلته بكذبها! ألأنّ فعلتها الآن تجرح؟ دونًا عن كل ما فعلتهِ قبلًا يا ديما، هذه المرّةَ جرحتِي بسهمٍ مسمومٍ لم أتخيّل في أقسى تخيّلاتي أن يأتيني منكِ ، فلم آخذ حذري.
أخفَضت ديما يدها عن شعرها وهي تعقدُ حاجبيها للنظرةِ التي تعتلي عينيه، وبتوترٍ وهي تفركُ كفيها ببعضهما : غريبة راجع بدري؟
بقيَ ينظر إليها بذاتِ النظرةِ العميقة التي لم تفهمها، وشفتيه مُطبقتين لا كلماتَ تستحقّ العبورَ من بينهما، وأي كلماتٍ قد تُسعفه الآن وتستحق العبور؟ . . طـال الصمتُ بينهما وطـالت نظراته، حتى تضاعفَ توترُ ديما وهي تُخفض عينيها بضعفٍ أمام عينيه، حينها امتدّت يدهُ ليُمسك ذقنها بقهرٍ ظهر في قوّة أنامله التي ضغطَت على فكِّها، ثمّ رفع وجهها إليه حتى تُقابلهُ بعينيها، وبهمس : يهمك إذا راجع بدري أو لا؟
قطّبت جبينها باستغرابٍ وألمٍ في ذاتِ الوقت، رفعَت يديها لتُمسك بمعصمِ يدهِ التي تَقبضُ على ذقنها مُحاولةً إنزالها دون جدوى، لتهتف بعنفٍ أخيرًا : شفيك بتكسر وجهي
سيف بحدة : أقل من اللي تستحقينه
ديما بقهر : وش اللي مستحضر شياطينك الحين ، عوووذة!!
تركَ سيف ذقنها وهو يتراجع ليهتف بحدةٍ وقهرٍ وهو يشعر أن سهمها لازال يتعمقُ في صدره وينشر سمومَ صدَئِه في عروقِه : ومين بيستحضر شياطيني غير الحمار اللي أشوفه الحين!!
عقَدت حاجبيها بغضبٍ وعيناها تتقدان بقهر، وبحنق : لحظة لحظة ، وين المرآية اللي قدامك ما أشوفها
سيف بصرخَة : ديـــمـــا
انتفضَت لتتحرك من أمامه بذعرٍ وتتجه ناحيـة السرير وهي تهتف بقهرٍ بالرغم من توترها وخوفها : ما قلت شيء أنت اللي سبيت نفسك
سيف : لا تتلاعبين معاي ، تراني ماسك نفسي بالحيييييل
للحظةٍ تذكّرت اليوم الذي نطقَت فيه لهُ بـ " حمار " وما تبعه من بعدها، اليوم ذاته الذي صرخَت في وجه زيـاد بعد أن اقتحَم جناحها. وضَعت كفيها على معدتها التي بدأت بالتقلص من ذعرها، وشفتيها ارتعشتا قليلًا بينما تحرّك سيف ليبتعد عنها، لا يضمن غضبهُ وقهره منها الآن، ولا يريد أن يسألها عن سبب ما فعلته، عن سببِ كذبتها .. لأنّه ببساطةٍ ليس هنالك من سببٍ مقنع! ليس هنالك تفسيرٌ يشفعُ لها ما فعلت، فما فعلته أكبر من كل التفسيرات، أكبر من كل الأعذارِ التي قد تُمطرهُ بها. ما أقسى الكذب حين يتخلخل علاقةً ما بهدفِ الإبتعاد!
ليَصمت ويتجاهل، وسينظر إلى أين ستصل الأمور.


،


صوتُ القرآنِ يصدحُ من هاتفها الموضوعِ على الكومدينةِ بجانب السرير، منبطحةً على بطنها كانت وبين أناملها الطويلةِ يستقر قلمُ رصاصٍ يتمايلُ على ورقَةِ كراسةٍ بيضاء، ترسمُ وردة، وإحدى البتلاتِ ساقطةً على أرضٍ جافَة، تلكَ الوردةُ التي لم تُلوّن تُمثِّل الحيـاة، والبتلةُ الساقطة لربما تكون جيهان، أو هي! لا علْمَ لها، فجيهان أسقطَتها الحيـاةُ من قاموسها، وهي من الجهةِ الأخرى تشعر أنها فقدَت طعم الحياة، إذن هل ترسم بتلةً أخرى ساقطةً كي تُمثّلها؟
عبَست باستياءٍ وهي تشعر بالإستسلامِ لمصاعبِ الحياة ينتحلها رويدًا رويدًا، أين صبري؟ واحتسابي! أين تفاؤلي الذي أتفاخرُ بهِ كثيرٍ وأنقشهُ على جبيني، هل هزمتني الحيـاة يا الله؟ بعد كل شيءٍ هل هُزمت؟ . . أغمضَت عينيها وهي تتنهد بوجَع، الوَحدةُ والفراغُ سيفٌ إن وجِّه في صدرِ إنسٍ لا تتعجب إن جلب الأفكار التي تُكفِّره! تلك هي الوحدة، أقبحُ الإبتلاءاتِ التي قد يواجهها الإنسان.
تركَت القلمَ وانقَلبت على ظهرها ناظرةً لتصميم السقفِ الفكتوري، لا تُنكر أنّ والدها يعمل جاهدًا كي لا يُشعرها بالوحدةِ والملل، صحيحٌ أنّه يخرج في بداياتِ الصباحِ حتى قُرب الظهيرة لكنّه يعود بعدها ليُزيّن وقتها ويملؤه، لكنّ ذلك للأسفِ غيرَ كافٍ.
كيف حالكِ الآن يا جيهان؟ ألازلتِ كما أنتِ؟ وقحةً لكنّ قلبك جميل؟ هل يُرهقكِ فواز أم أنتِ التي تُرهقينه؟ .... ابتسمَت بشوق ... على الأحرى لا يرهق المسكينُ سواك.
جلَست لتتناول هاتفَها وهي تشعر كم اشتاقَت إليها، اتجهت إلى رقمها حتى تتّصل بها ومن ثمّ وضَعت الهاتف على أذنها وابتسامتها تتّسعُ بشوق، بقيَ الهاتفُ يرنُّ لثوانٍ قبل أن تُجيب جيهان بابتسامة : أرجواني يا بعدي
أرجوان بابتسامةِ شوق : أهلين جوج ، كيفك يا القاطعة ما تتصلين علي!
جلَست جيهان في سريرِ نوم غرفتها وابتسامتها تبهَت قليلًا، وبنبرةٍ حزينة : الصبح كنت أكلمك بالواتس
أرجوان : أبي صوتك وش ألاقي من الحروف؟
جيهان : بعد قلبي ، والله اشتقت لك
أرجوان بعتابٍ مقهور : كذّابة ، لو مشتاقة اتصلتي، سألتي عني ، ما غير أنا اللي أتصل أو أرسل لك * بغصةٍ أكملت * تدرين إنّي من الوحدة ممكن أذبح عمري!
ازدردت جيهان ريقها وهي تشعر بالغصّةِ تُهاجمها لتلك الفكرة، أما تدري أنّ " ذبْحَ العُمر " يقتلها هي! اكتفَت من تلك المرّة، واللهِ اكتفت! لازالت رائحة دماءِ أمها عالقةٌ في ثيابها، لازال صراخها الذي اعتلى ذلك اليومَ يتكرر على مسامعها، لازالت اللحظة التي خرجت فيها من غرفتها متجهةً لوالدها تضعُ رأسها على ركبتيه تتوسله كي تدخل لأمها مُلتصقةً بجدران ذاكرتها، ألا تُغسلُ الذاكرة؟ راضيةٌ واللهِ بسقوطٍ يجعلها تنسى جزءً من حياتها، تجهل كيف ماتت أمها، وتجهل مافعله والدها ... لا تنكر! هي في حاجةٍ لوالدها كثيرًا، محتاجةٌ لصدره الذي كم كان مأوى لها حين تهرب من أيِّ حُزنٍ عابر .. كانت أحزاني عابرةً يا والدي، كانت عابرة! ولم تُصبح يومًا مقيمةً إلا الآن، أثقل الحزن صدري يا أبي، ليس بوسعي طرده، ليس بوسعي ذلك دونك.
عضّت شفتها وهي تنخرطُ في البكاءِ دون شعور، لتتفاجئ أرجوان من الجهةِ الأخرى وينتفضَ جسدها ونحيبُ جيهان تصاعَد مرةً واحدةً وهي تهتف بوجَع : أبي أبوي يا أرجواني ، والله وحشني!
ازدردت أرجوان ريقها وهي تحبس دمعاتها التي تفجرت من مقلتيها، نهضَت عن سريرها وقلبها الذي ينبضُ بشدةٍ كان ما بين توتريْن، بُكاءُ جيهان وحزنها، وهذا الطلب الذي لم تتوقعه منها أبدًا! لكنّها لا تنكر كم سعدت بذلك، تتمنى أن تعود المياهُ لمجاريها أكثر من أي شيءٍ آخر، ينقُصكِ يا جيهانُ نحن، وينقُصنا أنتِ، دائمًا ما أرى حزن أبي في عينيهِ وأدرك كم اشتاقكِ والمسافاتُ طويلة، سحقًا للمسافاتِ التي تُسكِن الحزن في عينيه، سحقًا للمسافات.
اتّجهت لغرفة والدِها لتقف أمام البابِ وتطرقه، بينما بُكاءُ جيهان يتسلل إلى أذنها، بكاءٌ يشرحُ جفافَ صدرها بكفاءةٍ ضعيفة، لا شيءَ يشرحُ مافي صدري، لا شيءَ يُترجم الوجـع الذي يسكنني، تعبت يا الله! لم أدرك يومًا كم أن البُعد مهلك، كم أنّ الجفاءَ بالرغم من كونِه مني مُهلك! تعبت وهذا التعب الذي ينقشُ نفسهُ في أوردتي يُفجّر دمائي المُخضبَة بالإشتياق، يا الله يا أبي، إن الدنيا من دون عيناكَ مُتعبة، " زعلانة منك ، قدَّ الوجَع في صدري زعلانة منك، وقدّ الوجَع والزعَل مشتاقة لك ".
هتفَت باختناقٍ وشهقاتٌ تتسلل بين أحرفها : وينه؟ أبي بس أسمع صوته ، ماراح أطول عليه ولا بزعجه ... مشتاقة له، حييييل مشتاقة يا أرجواني
أغمَضت أرجوان عينيها وهي ترفعُ لتطرق مرةً أخرى، لكنّها فجأةً تذكرت أنّه قد خرجَ قبل رُبع ساعةٍ برفقةِ ليَان، حينها انخفَض كتفاها وهي تغفر شفتيها وعيناها تتسعان قليلًا، كيف نسيَت ذلك؟ .. تراجعَت للخلفِ وهي تبتلع ريقها بصعوبة، كيفَ تقولها لها الآن وتكسرُ رغبتها وشوقها؟ كيف تبثّ لها خيبَة عدم تواجده؟ ليتها لم تبثَّ شوقها الآن، ليتها كابَرت إلى وقتٍ يكون فيها والدها متواجد.
عضَّت شفتها السُفلى وهي تهمس بترددٍ ودمعةٌ سقطَت دون شعورٍ من عينها اليُسرى : جوج ، أبوي مو موجود
أجفلت ملامح جيهان الباكية وهي تنظر للفراغ، بينما تجمّدت كفّاها الممسكتين بالهاتفِ على أذنها اليُمنى وهي تهتف ببهوت : ماهو موجود؟؟! ... وأنا!!
أرجوان بتوتر : أول ما يجي بقوله يتصل عليك ولا يهمك
وقفَت جيهان وهي تبتلع غصّةً ساخنةً والدمعُ يتساقطُ من عينيها .. تحتاجه، تحتاجهُ بكل جوارحها فلمَ حينَ استطاعت التعبير عن ذلك كان بعيدًا عن نطاقها؟ المسافات تفرض نفسها بيننا، القدرُ أراد ذلك، هل هذا كل شيء؟ هل هذا هو الحـال الذي لابد من أن نكُون عليه؟ حينَ كنتَ قريبًا كنت أنا التي تصد، والآن حين أردت سماع صوتِكَ فقط لم أجدك.
تقوّست شفتاها وهي تستمع لكلماتِ أرجوان الأخيرة، لكنّها هتفَت بتحشرجٍ ونبرةٍ ميّتة : لا أرجوان ، لا تقولين له ، إذا ما كان لي بهالفرصة أحاكيه فما فيه فُرص ثانية
اتسعت عينا أرجوان بدهشةٍ من تفكيرها : شهالغباء؟ اتركي عنك هالإستهبال تظنين أنتِ الوحيدة اللي مشتاقة له؟ هو أكثر ، عيونه تقول هو أكثر
جيهان تغمض عينيها وهي تهتف بضعف : أبيه ، بس قلبي للحين زعلان عليه ، زعلان يا أرجوان ... مافيه شيء ينسيني الماضي؟
أرجوان بغصة : فيه شيء اسمه تتجاوزيه
جيهان : مو قادرة! أبي أنساه ، أبي أبتسم لأبوي وقلبي قادر ، للحين هالقلب مو راضي يسامحه ، بس بعَد مشتاااااق له
أرجوان وشفتيها تتقوّسان بحزنٍ بينما دموعها تتساقطُ كأوراقِ الخريف : وأنا ماني مسامحتك يا جيهان لأنّك سبب حزن أبوي ، للأبَد ماني مسامحتك وأنتِ قاسيَة عليه كذا
وضَعت جيهان كفّها على فمها تكتم صوتَ حزنها، وإبهامُ يدها الأخرى اتّجهت لإغلاقِ المُكالمةِ وإنهاءَ هذا الحديثِ الحزين. نبراتنا جائعة، كلّنا نسينا طعمَ الفرح، لستُ وحدي الحزينةُ يا أرجواني، لست وحدي الحزينة، كلنا تيتّمنا بعد أن مات الفرحُ فينا.
وضَعت الهاتفَ جانبًا لتُغطي وجهها بكفيها وتبكي علَّ حزنها يسقط رويدًا رويدًا مع كل قطرةٍ من دمعها، علَّ طعمَ الدمع يتحوّر لحلوٍ وينسى الملحُ مسكنه، علّ الأيام تُطوى ونلتقي في لحظةِ فرحٍ ونسيان، مرَّ نيسان، ورفضَ تمرير الفرحِ على شفاهي في صورةِ بسمةٍ عطرَة، مرَّ قبلهُ آذار لافظًا الشتاء، وحمّل نيسانُ الربيعَ على كتفيْه ورفض زرعهُ في عيناي، حتى الأشهر تقف ضدي! حتى الأيـامُ الراكضات أمامي تطوي الفرحَ وتُسكن دموعَ الشتاءِ في عيني، ابتدأ حُزننا في الشتاء، ومضى هذا الشتاءُ معنا أشهرًا مُتمثلًا في كلِّ الفُصول.


،


وضَع كرّاسة الرسمِ في حقيبةِ ظهره الصغيرة دونَ أن تنتبهَ أمه، انتظر في الليلِ حتى نامت وظلّ ساهرًا يرسم الرسمة التي وعد بها سيف، خرَج من الغرفَةِ وهو يسمع صوتَ بثينَة تُناديه، تجاوزَ عتباتِ الدرجِ ليرى أمه تجلسُ في إحدى أرائك الصالة وجود تجلس على أريكةٍ منفردة تمسك بهاتفها بين يديها.
بثينة بهدوء : جاهز حبيبي؟
زياد يهز رأسه بالإيجابِ قبل أن تتجه نظراتُ بثينة إلى حقيبته وتعقد حاجبيها : وش له الشنطة؟
توترَ زياد وهو يشدّ على رِباطِ الحقيبةِ باضطراب، وبهمسٍ متوتر : بابا قال أجيب معاي الكراسة عشان يشوف رسمي
عقَدت حاجبيها وهي تنهض مقتربةً منه، وباستنكار : بابا قال!! وأنت مطاوعه؟ جيب الشنطة بس
تراجعَ زياد قليلًا وهو ينظر إليها برجاء، بينما ارتفعَت نظراتُ جود بانشداهٍ لما يحدث وبقيت تتابع صامتة.
أردفت بثينة بحدة : زياد هات الشنطة واترك عنك كلام أبوك ما عنده سالفة هالمتخلف
مطّت جود شفتيها باستياءٍ وهي تهتف : عيييييب عليييك ، هذا كلام أم لولدها جالسة تعطينه صورة سيئة عن أبوه
استدارت بثينة إليها وهي تقطّب ملامحها الجميلة بحدة : وأنتِ شعليك انثبري على جوالك
رفعَت جود إحدى حاجبيها وهي تتمتم مُتذمرة : الله يعينك يا زياد على ما ابتلاك * رفعَت صوتها قليلًا لتسمعها بثينة جيدًا * قلتها لك مليون مرة ما ينلام سيف يوم طلقك
اشتعلت نظراتُ بثينة بغضبٍ وجود تدرك أنّ هذه الجُملة تثير حُنقها بشدة. بثينة بتهديد : أقسم بالله لو ما تنقلعين من وجهي لأوريك مين هالمطلقة اللي قدامك
جود تمط شفتيها بملل : طيب طيب ، بس اتركي الولد عنك شوفيه كيف يناظرك خايف * وجّهت كلامها لزياد بنعومة * حبيبي يا زياد تعالي عند خالتو
تحرّك زياد بتوترٍ وهو ينظر إلى أمه بحذر، وما إن وصل إلى جود حتى أمسكته من كتفيه وهي تُقرّبه منها وتقبل وجنتيه : يا فديت هالوجه الحلو والشعر المنفوش ، بس بعد شفقانة عليك طحت بين اثنين شيبان نكبوك معاهم
نظرَت بثينة إلى جود بنظراتٍ نارية متوعدة، لتبتسم متجاهلةً لها وهي تسأل زياد : هو كم صار عمر أبوك؟ ٣٥ والا ٣٦؟ والا ٤٠!!!
رفعَ زياد كتفيه بجهل، لتتجه نظرات جود إلى بثينة بلؤمٍ وهي تسألها : وأنتِ كم صار عمرك؟ ٣٣ صح؟
بثينة بقهر : انقلعــي من وجهي
ضحكت جود وهي تستمتع باستفزازِ أختها : صدق شيبان
رفعَت بثينة إحدى حاجبيها وهي تهتف باستفزاز : الله يزوجك بس ويفكني من غثاك
رفعَت جود كفيها للسماءِ لتلفظ بعمق : آآآآمييييين عشان يفكني من غثاك أنتِ
أخفَت بثينة ابتسامتها التي كادت أن تخرج رغمًا عنها بالرغم من مقدار حنقها من استفزاز جود الدائم لها، وفي تلك اللحظةِ كان صوتُ جرسِ البابِ يُنبئ بوصول سيف.

يتبــع ..

كَيــدْ 09-08-15 07:51 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




دغدغهُ النسيمُ البارد الذي تسلل عبر النافذةِ المفتوحة، ارتعشَت أنامله التي تُمسك بقلمٍ بينها، واتّجهت عيناهُ نحوَ النافذَة وحلمٌ عبَر مع النسيم، هذا النسيم الذي استقرّ في غرفتي دون أن يُحمّل معهُ أملًا جديدًا، هذا النسيمُ الذي دغدغَ كلِّي وتركَ الثّقة بشيءٍ أفضل بعد خُسرانِي لكلِّ حياتِي الماضيَة، والحاليـة، ولربما المستقبلية. نهضَ من الكرسي المكتبيِّ وهو يضع القلم على الصفحةِ البيضاء والتي لم يخطَّ عليها شيئًا، اتّجه نحوَ النافذةِ ليخرجَ ويقف في البلكونةِ ناظرًا للبَشرِ الذين يمشُون والحيـاة تمشي بينهم، من غيرِ العدل أن تكون شقّته في هذا الحيِّ النشيط، من غير العدل أن يسكن شخصٌ ماتت الحيـاة فيه بينهم.
زفَر بوجَع، اليأسُ بدأ ينتشر في أوردته، لمَ هذا اليأس؟ لمَ هذا الإستسلام الذي يُجاور أحلامه؟ لمَ يسميها أحلامًا أصلًا؟ الأحلام تبقى في المنام ولا تتحقق، أأجعل منها هدفًا وطموحًا حتى تصير؟ تسميتي لها بالحلمِ أكبر دليلٍ على كون اليأسِ قد وصلَ بي منتهاه، غرقتُ باليأس! غرقت يا الله وليس هناك من طوقِ نجاةٍ يُنقذني .. أغمضَ عينيه وصوتُ الحيـاة يأتيه من كل جانبٍ في هذا الحي، ومعهُ أصواتٌ كثيرة من الماضيء تجيئه حتى في مناماتِه، تجيئه حتى في اللحظاتِ التي يكون فيها تعِبًا على فِراشه .. زفَر ذرّات الهواءِ وكم يتمنى أن يزفر حزنهُ معها، دماءهُ مُخضّبةٌ بالشوق، والشوقُ ذاته محضبًا بالألـم.
تنهّد وهو يتحرّك حتى يدخل ويُغلق النافذَة من خلفه، تنـاول معطفهُ الثخين حتى يرتديه ومن ثم أخذ " السكارف " ليلفّه حول عنقه ويُغطي إلى مافوقِ شفتيه، ارتدى أخيرًا القبعة الصوفية ودسّ كفيه في جيبي معطفهِ وتحرّك باتجاه البابِ ينوي الخروجَ والمشي في شوارِع باريس حتّى ينفّس عن مافي صدرهِ - الموجوع - بالرغم من أن لا شيء يُهدّئُ لوعَته، فتَح الباب وخرج ليُغلقَه من خلفِه، تتكرر ذكرى ذلك الرجل الشبهِ سكير الذي اصتدم به، هذا إن كان سكيرًا أصلًا! لكنّه بالرغم من الذي حدَث لابد له من أن يخرج كلّ يوم ويتمشى هنا وهناك، فلو تركَ نارهُ تشتعل لاحترق وهو في شقته، لحقّق ظاهرةَ " الإشتعال الذاتي " في نفسه!
ابتسمَ بأسى وهو يتنهد : ألف خيبة! ألف خيبة والله تسكن بصدري ، وتِحرقُه


،


ما إن ركبَ السيارة والحقيبَةُ على ظهرهِ حتى ابتسم سيف بمحبةٍ وهو ينحني قليلًا مُقبلًا وجنته بحنان، ومن ثم اعتدل في وقفته وهو يهتف : متأكد ما ودك تعطيني الشنطة؟ منت مرتاح يا ولد
هزّ زياد رأسه بالنفي مُصرًا على ما يُريد، ليضحك سيف بخفوتٍ وهو يهزّ رأسه يمينًا ويسارًا ويُغلق الباب مُستسلمًا لرغبةِ ابنه، اتّجه للجهةِ الأخرى حتى فتح الباب وجلس في مقعده، ومن ثمّ حرّك سيارته باتجاهِ بيتِه ليقضي الوقت معه هناك وبرفقةِ والدته التي تشتاقُ لحفيدها بالتأكيد، وإلا لما استثارت مسألة عودة بثينة!
عبَست ملامحه بانزعاجٍ من هذهِ الفكرة، طردها محاولًا التفكير في أمورٍ أكثر إيجابية، لكنّ صورةَ ديما جاءته فجأةً مُهاجمةً أفكاره وهي تقف أمامهُ ظهرها يلتصق ببابِ الخزانةِ والذعر يسكُن عينيها، التوى فكّه بقهر، لازالت قبضتها الناريـة تعصر قلبهُ بهذا الجُرح، بهذهِ الصدمةِ التي لم يتوقعها منها هي! شدّ على مقودِ السيارةِ وهو يضاعف السرعة قليلًا، يشعر بهذا الفراغِ الذي سكَنهُ فجأةً مُنذ صُدم منها ومما فعلت، منذ نظرَت إليه بعينيها الخائفتين، منذ حدّثته بنبرتها المهتزّة وأسهبَت في الكَذِب ، هذا الفراغُ يتشعّب ، يتشعب ... لمَ ذلك يا ديما؟ لمَ ذلك؟
زمّ شفتيه وهو يزفُر بقهر، لننظر إلى أين سنصَل، لننظر الآن وليكُن كذبكِ هو المحرّك لعلاقتنا إن أردتِ ذلك، وأقسم لكِ يا ديما بأنني لن أقومَ بشيءٍ يوقفُكِ لأنظر كم أنا - لا شيء - في عينيكِ، وكم يوجعني هذا اللا شيء الذي لولاهُ لما كذبتِ عليّ بتلك الكذبةِ النتنة.

مرّت الدقائقُ طويلةً وعلى غير العادةِ لم يستغرقها في الحديثِ مع زياد، وصَل للبيتِ لينزلا، وفي خلالِ لحظاتٍ كانت أم سيف تحتضن زيـاد وتقبّله في كل جهةٍ من وجهه، ومن الجهةِ الأخرى كانت ديما متجهّمةَ الوجه تُشغل نفسها عنهم بهاتفها، يُراقبها سيف دون أن تنتبه وهو يقرأ في ملامحها تعبيرًا عن " وش جابه ذا؟ "، يُدرك ملامحها وتعبيراتها كما يُدرك نفسه تمامًا، ولم يكُن في إدراكهِ يومًا أنّها قد تكذب بهذه الطريقة، لكن هيهات له أن يمرر ذلك مرور الكِرام.
نهضَت ديما وهي تسمعُ زياد يردّ على أسئلة ام سيف التي تتعلق بحالِه، تنوي الذهاب لجناحها فوجودُ هذا الطفلِ يُشعرها بالضيق، يُشعرها كم ظُلمت في هذهِ العلاقة .. مشَت خطوتين فقط ومن ثم استدارت فجأةً إلى سيف الذي كان يسترقُ النظر إليها : سيف
شتت نظراتُه عنها وهو يبلل شفتيه، ومن ثمّ نظر إليها بجفاءٍ ليهتف بنبرةٍ تحلّت بجفاءٍ أكبر من نظراته : نعم
ديما بهدوء : خاطري في ورق عنب عالعشاء اليوم ، ممكن تجيبه لي؟
أزاحَ نظراتهُ عنها إلى زياد، وبنبرةٍ باردة : تو بدري عالعشاء ، يصير خير
رفعَت حاجبيها لطريقتهِ في الحديث، من الواضِح أنّهُ لازال غاضبًا بسبب ما حدث في الظهيرة، لوَت فمها بحنقٍ وهي تستدير عنه لتصعد ، " بالطقاق اللي يطقك أنت وبزرك ذا ".


،


الجدرانُ تتحدّث، صوتُ الريحِ يعوِي وهو يتسلل من النوافذِ التي فتَحها وكأنّه بسعادته يريد لهذا البيت المجيدِ أن يتنفّس بتجديد الهواء، يا الله ما أجمل هذا المكان! ما أجمل صورَ الراحـةِ والسعادةِ فيه، فحيحُ الأيامِ الخوالي، وحفيفُ الضحكات التي لازالت تنتشر، لازالت الجُدرانُ معبّقةً بعطرِ والده، بل بعطرِ والديْه! . . ابتسمَ رغمًا عنه، ابتسامةً كان فيها من الحُزنِ والخيباتِ الكثير، كان فيها من نواقِص السعادة ما يلي : صورتيْن وضحكتيْن، راحليْن واحدٌ تحت التُراب وآخرٌ فوقهُ لكنّه ميت انتشرَت رائحة موته، لكن هنا! في هذا البيت، لازالت رائحته العطرةِ تعبر أنفه وتتخلخله بأكمله، لازالت الرائحتين كلتاهما، والصورتين بعضُهما ساكنةٌ في عقلِه بكاملِ حلّتها والأُخرى متحطمة! لكنّها باقيَة، بكل عنجهةٍ لازالت باقيـة.
إلهي وحسْب، إلهي وحسب، حسبي على هذِي الصور، حسبي على تلك الرائحة، حسبي على صوتٍ لازال يسكُن أذناي رغمَ غيابِه، على صورةٍ لازالت تتواجدُ في هذا البيتِ رُغم كوني مزّقت كل صورةٍ تعلّقت به، على الجراحِ يا الله إني أسألكَ الأجر والثواب، وأخذِها بالعقابِ تعزيرًا . . كما جلدَتني، كما حطّمتني ، أعدنِي لما كُنت ولما كان عليه قلبي.
بللَ شفتيه وهو يرفعُ نظراته ويوجّهها لزوايا المنزل، تتحرّك قدماه هنا وهناك حتى تصلَ للأماكنِ التي وصَلت إليها النيرانُ تلك الليلةِ وشوّهتها، والآن عادت تُشبهُ ما كانت، تسارعت خطواتهُ حتى وقفَ أمام مكتبِ والدهِ القديم، الذي تسكُن روحه بين كُتبها المُحترقة، ويرفرف صوتُه فوق رفوفِ الكتب، هذا المكتب الذي رفَض أن يتم الدخولُ إليه وتركه كما هو، مُحترقًا بتلك النيران الهوجاء التي لازلت تحرقُ صدره، والتي ما انطفأ نارها حتى هذه اللحظةِ التي وقف فيها بعد أن فتَح البـاب، وابتسَم للكُتبِ بحيـاة.

يتبــع ..


كَيــدْ 09-08-15 07:53 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




كالعادة، غرفتُها تصدحُ بالبرودة، صوتُها يخفت بين ضجيجِ قلبها، يغرقُ عقلها في الشرُود، تدسّ رأسها أسفل وسادتها التي تشتدّ أناملها على قماشِها بقوّة، تعضّ شفتها وعيناها خافتتين كصوتِ الحيـاةِ فيهما، لم تكَد ترتَاح أولًا من قهرها حتى اتّصل بها والدها وكرر ذاتَ " الموال " الذي حفظَتهُ جيدًا، ليختمَ كلامه مؤكدًا عليها أنّها لابد لها من أن تكون في بيتِ سلطان، وفي أسرعِ وقتٍ ممكن.
عضّت شفتها بقوةٍ أكبر حتى احمرّتا وكاد ينفجر منهما الدم، لم تشعر بألم، لم تشعر بوَجع، فأي مجالٍ للألمِ والألمُ ذاته اختزَل نفسه فيها وسكنَ في عيناها، أي مجالٍ للألمِ وصوتي ألم، وروحي كلّها ألم، حتى ضحكتِي واللهِ ألم!
تقوّست شفتاها بوجعٍ واهتزتا بعبرة، الإرتعاش انتشَر في ربوعِ جسدها الأسمر، تستعد للبكاء! تالله قد مللتُ البكاء، مللته، بالرغم من كونِه صديقي الوحيد، أنا صديقُكَ يا البكاء.
أغمضت عينيها بقوّةٍ وهي ترفعُ ركبتيها إلى صدرها ليضمّها الإرتعاش، وفي كلِّ رعشةٍ موجةُ ألم، وفي كل ألمٍ قصة، اجتمعت كلّها لتكوّن روايةً بائسةً ابتدأت ببكاءٍ ولم تنتهي حتى الآن.
ارتخت أجفانها وهي تشهق شهقةً شرَحت فيها الوجَع الذي تشعر بهِ الآن، شهقةٌ لم ترفقها بدمعةٍ حتى هذهِ اللحظة، وفضّلت محاولةَ النوم، لربما تجد في نومها راحـةً وسكينةً لم تجدها في صحوةِ حياتها ... سكَنت لربعِ ساعةٍ تحاول جلب النومِ لعينيها، وقد كادَ أخيرًا أن يسرِقها قبل أن تنتفض بقوةٍ على صوتِ تحطيمِ زجاجٍ لتجلس بسرعةٍ شاهقةً بذعر.
غزل بخوف : بسم الله وش هالصوت؟ معقول رجع سلطان؟!!
توترَت لتلك الفكرة، لكنّ توترها لمسألة نفي هذا الإحتمال كان أكبر، لا تدري لمَ بدأ قلبها ينبضُ بقوّةٍ وتنفسها يتصاعد، وكأنّ عقلها يُحذرها من هذا الصوتِ ومصدره، من قد يكون مصدره غير سلطان!! ... بترددٍ نزلت عن سريرها لتتجه نحوَ البابِ وتفتحه، ومن ثمّ وزّعت نظراتها هنا وهناك علّها ترى سلطان أو شيئًا ما مكسورًا في الصالة، وحينَ لم تجد شيئًا تحرّكت قدماها لتمشي باتّجاهِ المطبخ الذي تكاد تُجزمُ أنّ الصوتَ كاد منه، وما إن دخَلت حتى شهقت بقوةٍ وذعر وهي ترى قطراتِ دم تنتشر في أرضيّةِ المطبخِ والنافذةُ محطمةً تمامًا.


،


ابتسم سيف ابتسامةً واسعة وهو ينظرُ لكراسةِ زياد : الله الله! والله ولدي فنّان
ابتسم زياد بفرحةٍ أمام مديحِ والدهِ له، ليهتف بانتشاء : أعرف ارسم؟
سيف يقرصُ وجنتهُ بحب : ومين يتجرأ يقول غير هالحكي؟
التمعت عيناه ببراءةٍ وتحوّرت ابتسامته بخجَل، بينما كانت ام سيف تنظر إليهم بابتسامةٍ تعتلي شفاهها وكم تتمنى لو يبقى زياد قريبًا منهم ويكبر أمام أعينهم، ولا مجال لتِعدَادِ الحلول!
لوَى سيف فمه بتفكير وهو ينظر للرسمةِ الطفولية التي تمركزت في شخصين يقفان وبينهما طفلٌ كل يمسكُ بيدٍ له، عقَد حاجبيه قليلًا قبل أن يرفَع نظراته إلى زياد هاتفًا بابتسامةٍ اهتزّت قليلًا : مين هذول؟
اتّسعت ابتسامةُ زياد وعيناه تلتمعان بلهفة، مدّ يده نحو الشخص الأول ليهتف بحماس : هذا أنت ، * أشاز بإصبعه على الشخص الآخر * وهذي ماما ، * وضع اصبعه أخيرًا على الطفل بينهما * وهذا أنــا
التوى فكّه وابتسامته تخفت رويدًا رويدًا وهو يرى الحماسَ البريء في عينيه، بينما التصقَ زياد بهِ وهو يكمل بسعادةٍ ناظرًا إلى الرسمة : هذا احنا إذا سافرنا بعدين دبي .. * وجّه نظراته إلى سيف * جهّزت أشياء كثيرة لسفرتنا
ازدرد سيف ريقه بضعفٍ وهو يرفعُ نظراته إلى أمه، لا حل! لا يجد حلولًا أمام براءةِ هذا الصغير والذي لا يُدرك مقدار ما يتحدّث عنهُ وأثرهُ في قلبه، لا يُدرك أن كلّ أحلامه صعبة ، بل مستحيلة!! ، زفَرت ام سيف وهي تهزّ رأسها يمينًا وشمالًا لا تجد ما تقوله، حينها زمّ شفتيه وهو يعود للنظر إلى زياد الذي بدأ في الحديثِ بحماسٍ عما سيفعلونه إذا سافروا وعما سيحدث، وهو يستمع إليه بصمتٍ بينما قلبهُ يتمزق لحماسهِ وأحلامه التي ستبقى أحلامًا.


،


كان قد جلَس في إحدى الزوايا على الأرض، يبتسم للكتابِ الذي بين يديه، هذا الكتابُ الذي لم تطلهُ الكثير من النيران، لازالت هناك العديد من الأوراقِ السليمة، الأسطر الشغوفُ هو بها، رائحةُ والدهِ والماضي، رائحةُ الصِغَر، رائحة الحنانِ و " فهد " التي تتراقص على منصّةِ قلبهِ الصغير، قلبهِ الذي سيكبر هو ويشيخ دون أن يكبَر، تلك هي القلوب الوفيّة، التي مهما طال عمر صاحبها تبقى كقلبِ الطفل في حبّها لمن مرّ في حياتِه وصنعَ منه الكثير.
يا الله ما أجمل رائحةَ هذهِ الكلمات! ما أجمَل عبور هذهِ الأحرف على عيناي، ما أجملك يا الله! تركتَ لي فرصة رؤيـةِ هذه الأحرف التي تُنقَش على قلبي، التي مهما صدأ الزمنُ لا تصدأ .. رفعَ الكتابَ إلى وجههِ ليشمّ عبقهُ بانتشاءٍ وكأن في رائحتهِ الحياة، بل واللهِ فيها الحياة، فيها صورةٌ لنفسه وهو طفل، من تلك الرائحةِ يبتدئ، مهما تلوّثت برائحة الرمـاد يبقى الماضي متشبعًا فيها بجماله، وأبقى أنا غارقًا في الحنين.
أيقظهُ من لحظةِ الإنتشاءِ هذهِ رنينُ هاتفهِ في جيبه، عقدَ حاجبيه متضايقًا ممن قطَع عليه هذه اللحظة الخاصة بينه وبين والدِه، وبكَدرٍ دسّ يدهُ في جيبهِ ليُخرحَ هاتفه وينظر للمتصل حتى يتفاجئ بكونها غزل التي تتصل به، من غير العادةِ أن تتصل به؟ ، ردّ عليها وهو يُلقي السلام، لكنّ صوتها الذي هاجمهُ باكيًا مرتعشًا جعلهُ ينهض بصدمةٍ ويسقط الكتاب الذي كان في جحره.


،


عليلُ ما بعد العصر يمر حولهما، يصتدم بهما في هذهِ الأجواءِ الصافيَة، يُمسك بكفِّها بين كفِّه القويّة ويمشي معها بين الأطفال الراكضين في هذه الحديقةِ العامة، بالرغم من اعتياديَة المكان لعينيه، وكونهُ جاءهُ مراتٍ ومراتٍ ورآه مملًا في كل مرة، إلا أن الوضع اليومَ مُختلف، فما تأتيه وحيدًا أو مع أصدقائك يكُون بخلافِ ما تأتيه مع زوجتك، حتى وإن كان ذات المكان، ذات النسيمِ وذات الأشجار.
هتفَ لها برقّةٍ وهو ينظُر لسيّارة الآيسكريم الواقفةِ قُربهم ويشير لها : ودك؟
ابتسمت أسيل بخجلٍ وهي تهزُّ رأسها بالنفي، وبهمس : أكره أكل الآيسكريم بالأماكن العامة ، ما أعرف
شاهين بابتسامة : براحتك ، تبينا نجلس؟ ما تعبت رجيلاتك مثل ما تعبت أنا
ضحكَت أسيل بخفوت : لا والله ما تعبت ، بس دامك ضعيّف مالنا إلا نمشي وراك
رفعَ حاجبهُ وهو يتّجه معها نحو إحدى الكراسي الخشبية : تدرين؟ دايم الزوجات في بداية زواجهم يكونون مدللات، والا كان ردي عليك ثاني
اتّسعت ابتسامتها وهي تجلس : وش هو؟
شاهين بلؤم : لا لا ما ودي أجرح مشاعرك
عقدَت حاجبيها وهي تلفظُ بإصرارٍ وفضول : لا قولها ما راح أنجرح
شاهين يُحرك حاجبيه بمكر : معنى كلامك الأول إن مافيني لياقة وأتعب بسرعة والا؟ عمومًا كان ودي أقولك إنّي واثق بأن وزنك ضِعف وزني
شهقَت وهي تُخفضُ نظرها تلقائيًا ناظرةً لجسدها أسفل العباءة في حركةٍ غير مقصودة، ومن ثمّ رفعت وجهها إلى شاهين الضاحكِ باستياء وهي تهتف : قصدك إني دبّة؟
هزّ شاهين كتفيه ببراءة : عيوني تحاول تشوف غير كذا بس ماش ، شكل النوتيلا عاملة عمايلها معاك ههههههههههههههههههههه
نفخَت فمهَا بقهرٍ وهي تدرك أنّه لا يقصد سوى إغاظتها ولا يعنيها حرفيًا فهي تُدرك أنها أصبَحت نحيلةً في الفترة الأخيرة وفقدت الكثير من وزنها، لكنّها بالرغم من ذلك شعرَت بالحنق : تدري كم كان وزني بس؟ أنا نحفانة بشكل كبير وأحاول أرجّع جسمي مثل ما كان
شاهين يتصنع الدهشة : ليه أنتِ كنتِ أسمن من كذا؟ يا لهووووي لا أكون متزوج برميل بلديِة
أسيل بغيظ : ما عندك ذوق أحد يكلم زوجته كذا!!
ضحكَ وهو يمدُّ يديه ويُمسك إحدى كفيها ليشدَّ عليها بقوةٍ وحميمية، وبحب : أمزح أمزح يا كل الزين ، أنتِ بالعكس نحيفة وماني حاب نحفك ذا فعادي جدًا إذا ودك أساعدك في نفخ جسمك أنا عند أمرِك
ابتسمت بخجل وهي تُخفض عينيها بتوترٍ وعيناه توترها رغمًا عنها وتُرسل الإضطرابَ في جسدها، تُدرك لمَ تفعل عيناه ذلك! ذات السبب هو ما أفقدها وزنها في السنتين اللتين جريتا بحزنهما في قلبها، لكنّها بالرغم من هذا تحاول التفكير بغيرِ ذلك وطردِ أي فكرةٍ قد تزعج شاهين من عقلها.


يتبــع ..

كَيــدْ 09-08-15 07:55 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



وصَل أخيرًا وفتَح الباب بالمفتاحِ الذي معه، لم يستوعب شيئًا حين اتصلَت بهِ غزل وبدأت تمطرُ عليه بكلماتٍ مبهمةٍ لم يلتقط منها ماهو مفهوم ( دم، النافذة، المطبخ، الريحة )! كان كل الذعر الذي واتاه متمركزًا في صوتِها الذي انبعَث كموجةٍ أغرقَت الشاطئَ ومن معه، لذا خرَج من البيتِ دونَ شعورٍ واتّجه مباشرةً إلى هنا دون أن يفكر في الإستفسارِ أكثر، وكل ما فهِمَه فقط هو أن هناك شيئًا سيئًا قد حصل.
ما إن دخَل حتى وجدها تجلس في الصالةِ تعضُّ سبابتها بتوترٍ ودموعها التي جفّت على وجهها لازالت ملوحتها بارزةً وأثرها باقٍ، تقدّم نحوها وهو يراها تنظر للأرض بشرودٍ خائفةٌ حتى أنها لم تنتبه لدخوله، وما إن هتَف باسمها حتى رفعَت رأسها بسرعةٍ بعد أن انتفَضت نفضةً مذعورة لتلفظ اسمهُ ببكـاء : سلطــان
زفَر بقوةٍ وهو يشعر بشيءٍ ثقيلٍ انزاحَ نصفُه عن صدرهِ المذعور، ومن ثمّ جلس بجانبها ووجههُ يغطيهِ قناع الإستفسار ليهتفَ بهدوءٍ وهو ينظرُ لوجهها الباكي : بسم الله عليك ، وش صار عشان كل ذا وأيش سالفة الدم والمطبخ ومدري أيش!!
التصقَت به بتوترٍ وهي تهزّ رأسها بالنفي وتهتف بنبرةٍ مرتعشة : ما أدري ما أدري ، سمعت صوت ، ودخلت ، ولقيت دم ووو
قاطعها سلطان وهو يُطوّقُ وجهها بكفيه، وبهدوءٍ يُحاولُ بثّهُ إلى قلبها ومن ثمّ صوتها : بشويش ، اهدي وتنفسي وحاولي توقفين خوفك وتوترك ، أنـا هنــا ..
زمّت شفتيها المُرتعشتين ونظرَت للأسفلِ وصوتُها الهادئ يضيعُ وتبقى النبرةُ المُمتلئة بالضجيج، لذا كان الصمتُ هو ما لازمها لثوانٍ طالت قبل أن يتركَ سلطان وجهها وهو يرى فيها الضياع، ومن ثمّ وقف ليتّجه للمطبخ، وكرُ الذعر الذي ينتابها منذ اتصلت به، وما إن دخل حتى انتشر الذهول على وجههِ هالهُ ما رآه. اتّسعت عيناهُ لقطراتِ الدمِ التي انتشَرت هنا وهناك وهو يغضِّنُ جبينه ويرفعُ كفّه لأنفِه إثر الرائحةِ النّتنة التي تفوح في المطبخ، وزجاجُ النافذةِ كان محطمًا متساقطًا في مكانٍ وآخر، ما الذي حدَث بالضبط؟ وما هذهِ الرائحة المُقززة؟؟!
تراجَع للخلفِ ليتّجه لغزل التي كانت تمسحُ على وجهها بتيه، ثمّ وقف أمامها ليهتف بملامح ملأها الإستنكار : وش اللي شفته؟ وش صار بالضبط ومين سوّى كذا؟
هزّت كتفيها وهي تغمضُ عينيها وتهتف بصوتٍ ذاهبِ النبرات : ما أدري ، ما أدري عن شيء بس سمعت صوت تكسّر قزاز ولما دخلت شفت اللي شفتَه
سلطان باستفسار : من برى صح؟
هزّت غزل رأسها بالإيجاب : أيه من برى
وقفَ وقد اشتدّت ملامحهُ بغضب، اشتعلت عيناه وهو يحاول استنباط المغزى مما حدث، من قد يفعل ذلك؟ من قد يتهجم على مكان سكنِه الذي لا يوجد فيه سوى زوجته؟؟ وما قصّةُ الدمِ النتن هذا؟؟!!
تحرّك بغضبٍ ليعود للمطبخِ ويداه تنتفضان بغلٍ وقهرٍ من مسألة كون هذا المكان قد هُجم عليه وغزل تجلس لوحدها!! وممن؟ لا يدري؟ ولا يدري معنى تلك الحركةِ الحقيرة!!
نظَر للأرضيّةِ بعينين تشتعلان، وانتبه لوجودِ كيسٍ من النايلون وبداخلهِ بعضُ الدمِ لازال يحتويه، اقترب وهو يغطّي فمه وأنفه بتقززٍ من الرائحةِ التي تتباعد كثيرًا عن رائحة دم الإنسان! واستطاع أن يفهم جزءً بسيطًا مما حدث، من الواضح أن هناك من حطّم الزجاجَ من الخارجِ أولًا ومن ثمّ رمى هذا الكيس المُمتلئ بدمٍ لحيوانٍ ما ... عضّ فمهُ بقوةٍ وهو يتراجع للخلف ويحترقُ بتخميناته، من الذي فعل ذلك؟ من؟!! ، أيعقل أن يكون هو؟؟ .. اتّسعت عيناه بدهشةٍ وهو يشدُّ على قبضتيه بقوةٍ وقهر : معقولة هو؟ معقولــة؟؟ ، لا لا ، مستحيل يسويها ، مستحيل يوصل لهالحد اللي يخليه يتجرأ على غزل! أجل مين؟ مييين هو؟؟؟
عاد ليتجه إلى غزل ويجلسَ بجانبها وهو يضعُ كفّه على كتفها ويهتف بحدة : طيب شفتي أحد؟ كان فيه أحد وقت دخلتي المطبخ؟
هزّت غزل رأسها بالنفي وصوتُها يثبُت قليلًا بعيدًا عن الإرتعاش الذي كان يسكنه : لا لا ما كان فيه أحد ، كل اللي كان وقت شفته نفس الحين
زمّ شفتيه وهو يزفر بغلٍ ويمسح على ملامحهِ المشتدّة بقهره، من الذي قد يفعل ذلك؟ من الذي قد يفعلها؟!


،


عقارب الساعة تجانسَت عند الثانيَة عشرَ منتصف الليل، كانت مُمددةً على السريرِ وظهرها يتكئ على الوسادة، بينَ كفيها كتابٌ تقرأه لتكسر الملل الذي تشعر به، زارها النومُ ليجفلَ بعينيها وتتهدل أجفانها، وضَعت الكتاب جانبًا على الكومدينة وهي تتثاءب، لتعتدل وتُغطي جسدها باللحاف وهي تُقابل الباب، مرّت ثواني وهي مُغمضة العينِ قبل أن يُفتح الباب وتفتحَ معهُ عينيها ناظرةً لسيف الذي دخَل وعلى ملامحهِ تعبيرٌ لم تتبين ماهو جيدًا، لكنّها تجاهلت لتعُودَ وتُغمض عينيها، إلا أن النومَ تباعَد عنها وسيف ينثُر الضجيجَ هُنا وهناك من إغلاقهِ لبابِ خزانةِ ملابسهِ بقوةٍ حتى تأفأفه العالي، عقدَت حاجبيها وهي تُزيحُ اللحاف عنها وتنظر إليهِ بتكشير، وبصوتٍ ناعِس : أبي أنام
اتّجه سيف ناحيَة الحمام والتشنّج الذي كان يُغطي ملامحه الغاضبة انتشر في كاملِ جسده المُحترق بنارِ قهره ما إن سمعَ صوتها - الناعس -، لا تُدرك كم أن النُعاسَ أصاب كلُّ خليةٍ في جسدهِ منذ الظهيرة، أصابَ مشاعرهُ التي كان على الأحرى أن تندفعَ بغضبٍ ليصرخَ في وجهها بقهره، أن تُحركه باتجاهِ الريحِ حتى يندفعَ بكلِّ قوِتهُ إليها .. عضّ شفتهُ بحنقٍ وهو يهتف بجفاءٍ قبل أن يفتح بابَ الحمام دون النظر إليها : وفيه أحد منعك؟
ليُغلق باب الحمامِ بقوةٍ جعلتها تنتفضُ جالسةً فاعرةً فمها باستنكارٍ من كل ما يفعله اليوم، وبقهرٍ وهي تعود لتتمدد وتُغطي نفسها باللحاف حتى رأسها : مريض
مرّت الدقائقُ طويلة قبل أن يخرجَ سيف وقد ارتدى بنطال البجامةِ البيضاء دون قميصها، يُجفف شعره بمنشفةٍ صغيرةٍ وعيناهُ تتجهان رغمًا عنه إلى ديما التي استغرقَت في النومِ واستكنَت أنفاسها أسفلَ اللحاف، رمَى المنشفةَ جانبًا على إحدى الأرائك المُنفردة، واقترَب من السريرِ وهو يمعن النظرَ بهيئتها الغضّة والتي أخفتها عن عينيه كلّها، هل من العدل أيضًا أن تُخفي هيئتك عن ناظري كما ابتعدي كلِّك؟ هل من العدل ذلك؟ ... اندسّ أسفل اللحافِ معها ليُمعن النظرَ بها بعد أن أنزلهُ قليلًا عن وجهها، رائحةُ عطرها تغزو أنفه، وصراخُ ملامحها السمراء يتغلغلهُ حتى قلبه، أُدركُ أنّي مُفسد، لا أطول شيئًا حتى يتحوّر هذا الشيء ويتبدّل، لكنّك تملكِين من الطهر مالم يجعلني أتوقع أن يطولك الفسادُ وتتلوّث ملامحكِ بارتباكِ الكذب، هذا التلوّث الذي أصابكِ جلدني مائة جلدة، كان قاسيًا، أقسى من تمردكِ وعصيانك، أقسى من كل ماقد تفعلينه ضدّي لتثبتي كم أنتِ متواجدة، وأنتِ بالفعل كذلك.
زفَر بسخونةٍ وهو يُديرها ظهرهُ ويترك للنار أن تشتعل في صدره، في هذهِ اللحظةِ خشيَ عليها منه، أن يضمها بقوةٍ بين ذراعيه وينفض قهرهُ فيها ... لأشتعلَ بقُربك ، وأقسم لكِ يا ديما أن جزاءَ هذا الإشتعالِ سيكُون عسيرًا


،


كان قد دخَل منذ نصفِ ساعةٍ تقريبًا واستقرّ على السريرِ كي ينام، تقلّب كثيرًا وكأنه فوقَ مشواةٍ خاصةٍ هي الأفكارُ التي تعصفُ بهِ من كل حدبٍ وصوب، باتت أقصى مخاوفهُ هو الفراق، ما أقسى تلك الكلمة حين تعبرُ فوق أعينِ علاقةٍ ما، علاقةٍ وجد نفسهُ فيها ووجد جمال الحياةِ في قُطرِها، لكن هل سيسمحُ بذلك؟ هل سيرضى بمفارقةِ الروحِ لجسده؟ بمفارقةِ الكلماتِ لصوته! ... أغمضَ عينيه بقوةٍ وهو يزفرُ بحشرجة، ومن ثمِّ وجّه نظراته ناحيةَ البابِ منشدهًا لصوتِ التلفازِ الذي صارت تقضي معظم وقتها أمامه، عقدَ حاجبيه بانزعاج، ألا تريد النوم؟ .. نهضَ عن السريرِ ليتّجه للصالـة وينظر إليها وهي تستقرُّ فوق الأريكةِ كعادتها وتُطالعُ فيلمًا أجنبيًا أمامها، تنهّد وهو يتكئ على البابِ ويهتف بنبرةٍ تتجهُ ناحيَة الخفوت : ما ودك تنامين وتتركين التلفزيون؟
اتّجهت نظراتها إليه بعد أن تفاجئت بتواجده، لتتعلق عيناها بعينيه الناظرتين إليها بغرابة، وبتوترٍ أخفضَت نظراتها وهي تلفظ بصوتٍ هادئ : ما ودي أنام الحين
فواز بهدوءٍ يُماثل هدوءها : لا ودك بس تكابرين
رفعَت نظراتها إليه وهي تقطِّب جبينها باستياء : ليه هو الموضوع بكيفك؟ حتى نومي بتمشيني فيه على مزاجك؟!
تحرّكت قدماه ليقطَع المسافة التي بينهما ويقف أمامها تمامًا قبل أن ينحني قليلًا ويحملها : على قولتك
شهقَت متفاجئةً من حركته لتحاول النزول إلا أنّه ضمّها إلى صدره بقوةٍ وهو يتجه نحو غرفة النوم، لتصرخ في وجهه بغضب : فواز نزلني ، ماني طفلة عشان تجبرني أنام
فواز ينظر لملامحها الغاضبَة ويبتسم بلؤم : أنتِ مهما كبرتي تبقين طفلة بعيوني
جيهان بقهر : الله يقلع عيونك ، نزلني
رفعَ إحدى حاجبيه بعنادٍ وهو يتجاهل الرد عليها ويضعها على السرير لتجلس بحنقٍ وهي تنظر إليه، بينما جلس بجانبها بسرعةٍ حتى يمنعها من الهرب، وبهمسٍ وهو يطوّق كتفها بذراعهِ ويُمرّغُ أنفه بين خصلاتِ شعرها : مافيه قومه ، من أول أحاول أنام وعجزَت عيوني، وأكيد السبب أنتِ
اضطرَب قلبها وهي تبلل شفتيها بلسانها وتُخفضُ رأسها، بينما ابتسمت عيناه لها ليتضاعف ارتباكها وتُدير ظهرها عنهُ حتى تتمدد وتفضل الهربَ منه عن طريق النوم حتى دونَ أن تبدّل ملابسها، ابتَسمت شفاهه هذه المرة وهو يتمدد بجانبها صدرهُ يواجه ظهرها، وذراعه المتمردة امتدّت حتى تطوّق خصرها ويجذبها لتلتصقَ بدفئه، حينها أغمضَت عينيها بتوترٍ وهي تفغَر فمها قليلًا، إلا أنها استكنَت وهي تُحب هذا القُربَ البعيد، هذا الحنانَ والجفاءِ في آن، عيناه تتناءى عنها ما بين الحُب والإبتعاد، وكم تكرهُ هذا الإبتعاد اليتيم منه، لم تعد تعرفه جيدًا منذ بدأ بالإبتعاد، لذا كان لابد لها من أن تتمرغ في أحضانه وتنعم بها دون أن تهرب، أن لا تميط ذاتها عنه.
بقيَت ساكنةً وهي تشعر بأنفاس فواز تصتدم بخصلات شعرها الحريرية، قبل أن ينبعث صوتُه الهادئ إليها هاتفًا برقّة : اتصلت بعمي يوسف اليوم
تجمّدت في حضنه وهي تفتحُ عينيها قليلًا وحلقها يجف، بينما أردف فواز بأسى : بس للأسف ما كان يرد ، تقريبًا اتصلت فوق الخمس مرات بس واضح انه مشغول
زمّت شفتيها وهي تُغمضُ عينيها بحُزن، ولهفتها السابقةُ للحديثِ معهُ تتكرر الآن في قلبها، شعرت بالحزن ذاتِه الذي واتاها حين أخبرتها أرجوان بأنه غير موجود يتكرر، ينقش نفسهُ في صدرها مرّتين وثلاثٍ وألف، يختتم الأرقامِ في تعدادهِ السكني داخلها، داخلِ عضلةٍ مساحتها صغيرة، لا تتسع لكلِّ هذا الحُزن.
صمتت ولم ترد عليْه وهي تشعر بأنها تستعد للبكاء، لكنّها بقيَت فاردةً أجفانها فوقَ صفيحتي عينيها حتى لا تسمع للدموع بالفرارِ والهربِ عن مقلتيها، بينما تنهّد فواز حين وجَد منها الصمت، وأغمضَ عينيه حتى يغيبَ في سباتٍ غيُومُــهُ دفئها.


،


في صباحاتِ روما
يبتسمُ بنهمٍ وهو يقرأُ المعلوماتِ التي وصلتهُ عن عناد، الخُبثُ يعتلي فمه، كل تلك اللعبةِ هو المُحرّك لها، ويُدرك جيدًا إن علم من يُحرِّكه هو لغضِب وربما يتصرّف بطريقةٍ قاسيَة، لكنّ كل ذلك لا يُهمّه! فيكفي أنّه يستمتع! وبالتأكيد استمتاعهُ فوقَ كلِّ شيء.
حرّك الكرسي المكتبي ذي الإطاراتِ للخلفِ وهو يرفعُ هاتفه بحماس : تبي اللغز الثاني؟ بيوصلك يا حلو بيوصلك
ما إن فتحَ هاتفهُ حتى أنار برقمٍ جعلهُ يعقدُ حاجبيه، اسم جدِّه اعتلا الشاشةِ ليجعله يزفر وهو غيرُ مطمئن لهذا الإتصال، لكنّه ردّ عليه أخيرًا وهو يمط شفتيه : هلا وغلا باللي نوّرنا باتصاله
جدّه بجمود : اترك البكش عنك أعرفك وأعرف وش تفكر فيه ، عمومًا كيفك؟
لوَى تميم فمهُ وهو يرد بضجَر : تمام * أردف بشك * فيه شيء تبيه مني صح؟
الجد : عليك نور أبي منك شغلة بسيطة
جلَس تميم على الكرسي المكتبي وهو يعقد حاجبيه باعتراض : متعلق بالشغل؟ لاااا احنا وش كان اتفاقنا؟ إحازة لي من كل وجع الراس
الجد بحزم : أيه متعلق بالشغل وتقوم تصطلب غصب عن خشمك وتسويه لي
تميم تمتَم باستياء : الله بس! وليته شغل شرعي بعَد!
الجد بحدة : شقلت؟
تميم بتكشيرة : ولا شيء سلامتك يا سِيدِي
تجاهله الجد بالرغم من كونِه سمع ما قال تمامًا، ومن ثمّ بدأ يشرح لهُ عن ضرورةِ مقابلةِ رجلٍ ما ليُتمّم معه صفقةً كان المفترض أن تكون في بروكسيل إلا أنّ الطرف الآخر صاحبته بعض الظروف في خطوطِ الطيران ومن حسنِ الحظِّ توقف في روما. ببساطةٍ كان يجب عليه أن يتمم صفقةً " غيرَ شرعية ".


يتبــع ..


كَيــدْ 09-08-15 07:57 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




خرجَت من الحمامِ وهي ترتدي الروب الأبيض وتُجفف شعرها، وعيناها اتّجهتا لسيف الذي لا يزالُ نائمًا، حينها تأفأفت وهي تقترب منه بنيّةِ إيقاضه، من غير المعتاد أن لا يصحو حتى الآن! ... مطّت فمها وهي تمدّ يدها لتضعها على كتفهِ وتهتف باسمه كي توقضه، ليفتح عينيه أخيرًا ناظرًا إليها بملامح ممتلئةً بالنوم، وبصوتٍ متململ : خير!
" يا الله صباح خير "، كانت هذهِ هي العبارة التي تتلاحق لتخرج من بين شفتيها، لكنّها ابتلعتها في نفسها لتلوي فمها بحنق، وبصوتٍ حاولت جعلهُ هادئًا : الساعة صارت ٦ ، ما ودك تداوم والا شلون؟
أدار جسدهُ عنها ليرفع اللحافَ إلى كتفيه ويهتف بمزاجٍ متعكر : لا ما ودي أداوم
ارتفعَ حاجباها باستنكار، لكنّها لم تبالي بهِ كثيرًا بحجم ما اهتمت بنفسها هي، حينها لفظَت بإصرار : طيب اصحى عشان دوامي أنا بس!
سيف ببرودٍ دون أن ينظر نحوها : منتِ مداومة اليوم
اتّسعت عيناها بصدمةٍ لما قال، وفغرَت فمها قليلًا وهي تقتربُ منه دون استيعابٍ وتضع كفيها بجانبه على السرير : كيف؟ ماني مداومة؟
سيف بذاتِ بروده : أيه ، بما إني ماراح أداوم فأنتِ بعد ماراح تداومين ... عندك اعتراض؟
تراجعَت للخلف وهي تكتّف ذراعيها أسفل صدرها وعيناها تشتعلان بغيظ، لن تسير الأمورُ كما تشاء رغباته، منذ البارحةِ وهو يفرد عضلاته عليها ويتصرف معها بجفاءٍ غريب، لكنّها لن تُسيّر الأمر الآن كما يبتغيه، هتفت بنبرةٍ مشتدة : وأنتِ ليه ماودك تداوم؟
سيف يُدير رأسه ناحيتها ويردّ بكل البرود الذي قد يتحلّى بهِ صوته : مزاااااج
ديما بعنادٍ وهي ترفع ذقنها قليلًا : أجل أنا مزاج راح أعارضك وأداوم
جلس بعد أن أزاحَ اللحاف عنه بعنفٍ وهو يوجّه نظراتٍ مشتعلةً إليها، غضبه منذ الأمس يتراكم ويترسّب على صوتِه وهو يحاول بكل ما يستطيع ألا يفجّره بها، صرخ : ديــمــا
انتفضَت كالعادةِ حسن يصرخُ في وجهها، لكنّها بقيت مكانها ولم تتراجع بالرغم من الخوفِ الظاهرِ على عينيها، هتفت باهتزاز : مو بكيفك ، متى ما تبي تمشيني في الأمور اللي أحبها ومتى ما تبي تمنعني من كل شيء! محنا في سجن وأنت السجان عشان تتصرف بهالهمجية!
زمّ شفتيه وهو يتجاهل كلّ ما قالتهُ ويقف أمامها بطوله الذي جعلها تتراجع خطوةً صغيرةً خائفة والغصّة داهمتها لترتعش شفتاها، نظَر إليها من أعلاها لأسفلها نظرةً تدلُّ كم أن غضبهُ منها كبير! أكبر من مجرّدِ كونه بسبب اعتراضها له، أكبر بشكلٍ جعلها تُخفض عينيها وهي تقرأ في عينيه كم أنّه يحاول بأقصى ما يستطيع ألا يؤذيها في هذهِ اللحظة ... قصَفَ بصوتٍ كالمدفعِ وهو يشدُّ على قبضتيه بعنفِ الإختلاحاتِ التي تتماوجُ في صدره : قلتها لك ، وما ودي أكررها أكثر من مرتين ... دوااام اليوم مافييييييه! لا تخليني أحلف عليك ما عاد تطبين الروضة من أساسها
تقوّست شفتاها بعبرةٍ وهي ترفعُ وجهها إليه ليرى النظرةَ التي اعتلتها، لكنّ هذه النظرة لم تحرِك فيهِ شيئًا ولم تشعره سوى بالرضى لبعض ما خلّفته من جروحٍ في جسده، تلك الجروح التي لا تجيء إلا وتنثر الدماءَ هُنا وهناك، لا تتوازى مع نظرتِها الكسيرةِ الآن والتي لم تخلّف الكثيرَ من الرضى في نفسه.
هتفَت ديما بصوتٍ متحشرجٍ وهي ترفع كفّها لتضعها على وجنتها : مو من العدل تسوي كذا!
سيف بنبرةٍ مُحذّرة : قلت ما ودي أعيد اللي قلته * بأمرٍ حاد * انقلعي من وجهــي
تحركت من أمامِه وهي تمسحُ الدموع التي سقَطت على وجنتها، شعرت بصوتِها يسقُط في فوّهةٍ عميقةٍ وغابت نبرتها عن الثبات، غابت وبقيَ الإنكسارُ الذي سكنَ حُنجرتها وهزّ حبال صوتها، تشعّب هذا الإنكسار، وهذا الحزن الذي يُغلِّف حياتها الناقصَة معه، هذهِ الحيـاة الوحيدة التي تمنّت فيها الكمال وهي تدرك ألّا كمال غير الله، لمَ يستنقص السعادة عليها؟ لمَ لا يُريدها ضاحكةً طولَ يومها؟ هل أخذتَ عهدًا على نفسكَ أن تجعَل من حياتي كئيبةً معك؟ أن تُحاول بثّ الكُرهِ في قلبي رغمًا عن أنفي؟ ، ثق يا سيف! الحب لا يدوم في هذهِ الظروف، صدِّقني لا يدوم.
وقفَت أمام بابِ الحمامِ وهي تمسحُ آخر دمعةٍ سقطَت على وجنتها ولازال الكثير يتنافس ليسقط، استدارَت إليهِ بملامحها الكسيرةِ لتهتف بحزن : في هاللحظة يا سيف ماراح أدعي الله إلا بشيء واحد ، ماراح أناجيه غير بكرهك ... سقى الله قلبي بكرهك ، عشان أرتاح بس
استدارت عنه لتدخل إلى الحمامِ وتُطبق البابَ بقوّة، وكان آخر ما سمعتهُ منهُ هو صوتُ صرختهِ المقهورةِ وصوت تحطّمِ الأبجورةِ التي صفعها يُشفي غليله بها.


،


صعَدت في المقعَد الخلفي للسيارة وهي تُلقي السلامَ على ياسِر وهديل ليردا عليها، أغلقَت البابَ وهي تعتدل في جلستها وتبتسمُ للصباح، هذا هو الصباحْ، أجملهُ في البداياتِ، بعدَ أن تغسل ظلامَ الليلِ وسوادِه، وقبل أن تُشرقَ شمسُ الرياض الساخنَة .. ما أعذَب رائحةَ الصباح، ما أنقى نسيمه، هذا الصباحُ يستفزها للكتابـة التي ابتعدَت عنها منذ مدةٍ واشتاقتها، لكنّها كانت تكتبُ لشخصٍ واحد، شخصٍ تحوّرت مكانته فيها وتبدّل بتبدّل الزمنِ والحقيقةِ والأوضاع. عقدَت حاجبيها بضيقٍ من أفكارها وهي توجّه نظراتها المُضطربةِ إلى ياسر، يجب عليها أن تنسى ذلك الماضي وتحاول طرده بأي ثمن، يجب عليها أن تمحوهُ من عقلها فقط لتمضي وتُحاول التعامل مع ياسر بعفويةٍ أخويةٍ دون نفور.
ابتَسمت وهي تحاول كسر ذلك الماضي ببداياتٍ جيدة، كل شيءٍ يتعلق بالبدايات، بالألِف، بالواحد، بالشطْر، كل شيءٍ يبدأ بشيءٍ ليتمَّ في أبهى حلّة، لذا هتفت بابتسامةٍ تُحاول كسرَ كل توترٍ في علاقتها بياسر أو هديل أو أيٍ ممن في المنزل، ولتحاول حتى مع هالـة! : شلونك ياسر؟
ابتسَم ياسر وهو يحرّكُ السيارة ويرفعُ نظراته إلى المرآة كي ينظر إليها عبرها، وبلطف : تمام نحمدالله ، كيفك أنتِ مع هالصبح؟
إلين بصوتٍ مُرتخي : تمام التمام ، نحمدالله كمان
اتّسعت ابتسامةُ ياسِر وهو ينظر للطريقِ ويكمل صامتًا، بينما أدارت هديل رأسها قليلًا إلى إلين لتهتف بتساؤل : وين وصلتي؟
إلين تعقدُ حاجبيها دون فهم : وين وصلت؟!!
هديل : قصدي في المسابقة ، كم جزء خلصتي؟
ضمّت إلين فمها بضجرٍ وهي تهتف بحنق : توني ما خلصت غير ثلاثة أحزاب يعني جزء ونص ، ما أمداني أذاكر والا أيش بالضبط!
اتسعَت ابتسامةُ هديل بسعادةٍ وهي تلفظ بحماسٍ ترفع حاجبيها أسفل النقابِ فلم ترها إلين : أنا خلصت ثلاثة أجزاء ونص حزب ، يعني إن شاء الله ربحانة عليك
نفخَت إلين فمها باستياءٍ قبل أن تلفظَ بحنق : مسابقة غير عادلة ، وأبصم بالعشرة إنّك تقرين وما تدرين وش اللي تقرينه
شهقَت هديل وهي تضعُ كفها على صدرها : لا استغفر الله وش أقرا وما أقرا ، حبيبتي واضح إنّك مرة محترة لأني سابقتك ورحتي تتهمين خصمك اتهامات باطلة
إلين بحقد : يا الله إنك تخسرين وأكمل الأجزاء كلّها وأنتِ ما وصلتي للنص حتى
هديل : ههههههههههههههههههه دعوة اللي مقهور * استدارت إلى ياسر لتردف باستمتاعٍ ولؤم * تسمع ياسر؟ خلّك شاهد إن خصمي حاقد وما عنده روح رياضية، إذا فزت عليها ولقيت جثتي مرمية آخر الليل بالمطبخ فاعرف إنها اللي قتلتني
كتمَ ياسر ضحكته وهو يرطِّب شفتيه بلسانه قبل أن يسأل مستفسرًا : وش قصة هالمسابقة؟
هديل : هذي الله يسلمك مسابقة القرآن المعتادة إذا للحين متذكرها
ياسر : أها ومتى بديتوا؟
اندفعَت إلين لتُجيب بحنق : أمس ، تخيّل دخلت علي كأنها فاتحة لها القسطنطينية وفرضَت هالمسابقة غصب وهي تشوفني أذاكر
هديل بشهقة : بدينا بالكذب بدينا؟ مو أنتِ اللي وافقتِ وقمتي تبين تتشرطين ديور وشانيل
ضوّقت عيناها بغيظ : ما قلت أبي ديور وشانيل خلي الكذب على هالصبح
هديل : وأنتِ بعد خلّي الكذب على هالصبح
سقطَت ضحكةٌ خافتَة من بين شفتي ياسر وهو يهزُّ رأسه يمينًا ويسارًا : الله يخلف على عقولكم ... عمومًا بما أن المسابقة جات بوقت غلط وتمنذلتي حبتين فيها ياهديل فأنا بكون بصف إلين وبدعي لها بالفوز
هديل بحقدٍ وهي تنظر إليهُ بشر : أيه بالطقاق يقال إنك الحين نبي ودعواتك مستجابة
ياسر : ههههههههههههههههه استغفر الله اص اص بس خلني اركز بالطريق ، * رفعَ صوتهُ قليلًا ليُغيظ هديل * دعواتي لك إلين
ابتسمت إلين قليلًا بالرغم من الغيظ الذي كانت تشعر بهِ ضدّ هديل وهي تدير وجهها نحو النافذةِ ناظرةً للطرقاتِ التي تمتلئ بالسياراتِ في هذا الوقت.


،


تأمّل المسجدَ من الخارجِ قليلًا، لربما أصبح هذا المكان هو مأواه الذي يلجأ إليه عندما يصل بهِ الضيق لأقصى ما يُمكن ... خلَع حذاءهُ عند البابِ وولَج، كان المكانُ فارغًا تمامًا في هذهِ الساعة، حتى الإمام الذي قابله يومذاك وألقى عليه سؤالًا لم يجبه لهذا اليوم غير موجود.
دائمًا ما يكون في المساجد رائحةٌ استثنائة، رائحةٌ لا تصفها الكلمات، رائحةٌ تتسلل ببطءٍ إلى القلبِ لتبعث سكينةً لم يُشعَر بها من قبل، رائحةُ المساجد تتوكأُ على كلِّ ضيقةٍ لتعتليها وتُمحق الحُزن من العيون، وتلك هبةٌ إلهيةً لم يضعها سوى في بيتهِ العتيق.
ألقى السلام على الجدرانِ والسجادة والمصاحف، وابتسم باحترامٍ لهذا المكان الذي وإن قاطعهُ أيامًا يبقى يُحبه، رغمًا عني أحبهُ وأتمنى من قلبي أن تُسامحني يا بيتَ اللهِ على جفائي معك.
توسّط المسجدَ وهو يتنفّس عبقه، أغمضَ عينيه ليستغفر الله ثلاثًا ويرفعُ يده مكبرًا حتى يُصلّي ركعتي تحيّة المسجد، ركعتين فيها يقترب من الله، يغسلُ فيها حُزنه، يعود مهما ابتعد عن بارئه، وكأن فطرته تخبره أنّ لا أحد سيحتمل مقدار الفراغِ في صدره إلا الله، إلا الواحد، القاهر، الرحمن الرحيم والتوّابُ الغفور، ركعتين وأربعِ سجدات، تكبيراتٍ وشفاهٌ تتمتم بآيآتِ الله، سلّم أخير يمينًا ثمّ شمالًا، ثمّ رفعَ يدهُ للسماء، لخالقه، حتى يبدأ بالدعاء لنفسه بالهدايـة، لأنه يدرك أكثر من أيِّ شيءٍ أنه مقصرٌ للغاية، بالرغمِ من حبّه لهذا المكان وراحتهِ الآن إلا أنه مقصِّر.
مسحَ على ملامحهِ وهو يستغفر ويهمس بأدعيَةِ ما بعد الصلاة التي يحفظها! لحبهِ يحفظها، نعم! يحبها ولا يُحافظ على ممارستها.
قـامَ من مكانه ليتّجه للأدراجِ التي تحمل المصاحف، تناول واحدًا واندّس في إحدى الزوايـا حتى يقرأ كلماتِ الله، حتى يغسل - أدهم - من الضيق الذي يعشعشُ في داخلهِ كوبـاء، كمحتلٍ ينهَبُ كل الحيـاة، وقد كان قد قرر الإعتكاف لوقتِ صلاة الظهر.


يتبــع ..


كَيــدْ 09-08-15 08:01 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 





الساعةُ الثامنَة بتوقيتِ بروكسيل
كانت الشقّة ساكنةً تمامًا، مُظلمةً بعض الشيءِ وبدر وحسام ينامان في هذهِ اللحظة على غيرِ عادةِ بدر، لكنّه البارحة أُرهق لكونه تقابل مع زملاءٍ لهُ في السلك وتناقشوا بأمورٍ تختص في عملهم " المقيت "، للحظةٍ أرادت التهور، أن تنزل دون علم بَدر بالرغم من اعتراضاتِه خوفًا عليها وأن تتجهَ للمقهى الذي بقربهم، ما الضير في التهور؟ على الأرجح الحيـاة ستصبح عندها تهورًا بعد هذا التضييق!!
بدّلت ثيابها البيتية وارتدت بنطالًا أسود انسدل فوقهُ معطفٌ زيتيٌ إلى ركبتيها، لفّت حجابها التفاحي على رأسها لتختم الأمر بالتلثّم حتى لا تلفت أنظارَ أحدٍ ممن يراقبون المكان وتدركهم جيدًا، وضعَت نظارتها الشمسية وارتدت حقيبتها التي وضعَت فيها كتابًا لتقرأه حينما تجلسُ في المقهى بمفردها، حينما تشتمُّ نسيمَ الصباحِ بمفردها، بحريتها!!
تحرّكت بتمردٍ عن أوامر بدر لتفتح الباب وتخرج متسللةً كاللصوص، نزلَت بحذرٍ وهي تخشى أن يتعرّف عليها أحدٌ من زملاءِ بدر والذين يراقبون المكان، وما إن خرجت من بوابةِ المبنى حتى تنفّست بقوةٍ عليلَ الهواءِ ورائحة الفطائـر الساخنة، القهوةِ المرّة. ابتسَمت بشعورٍ بالحرية، وتحرّكت نحو المقهى كاسرةً كل الحواجزِ حولها.


،


بقيَت تُعاقرُ حجرتها طويلًا بعدَ أن نزَل سيف إلى أمه، تجلس فوقَ السريرِ وقد ارتدت فستانًا قطنيًا أبيضَ يُعاكس حُزنها الأشهب، يعاكس غبنتها وقلبها الذي يطاوعها في الدعاء لله بأن تنسى هذا الحب، بأن تنسى هذا الشرَف المقيت المتعلق بالزواج، من قال أن الزواجَ حب؟ من قال أن الحياة حب؟ من قال كل ذلك ومن تجرأ ونفاه! لطالما قرأت أن الزواج مودةٌ واحترام، وهي التي أضافَت أن الحب جزءٌ لا يتجزأ منه، وحتى الآن لم تدرك جواب سؤالها الحالي " هل الزواج حب، أم احترام! ".
زمّت شفتيها وهي تضمّ ركبتها إلى صدرها، استنزفت علاقتنا من قلبي مهجتين وحيـاة ... لازالت تقفُ أمام فوّهةِ البركان وقليلًا قليلًا لربما ينتهي بها أن تسقط وهي التي لازالت تمشي خلفَ هذا الحُب، حتى حملها هذا لا تنكر أنّه يتعلق بهذا الحب، يتعلق بحياتها مع سيف، بالقُربِ منه! أصبَحت على شفا حفرةٍ من نسيَان نفسها! أصبَحت على مقربـةٍ من الإنهزام بالرغم من كلِّ عنفوانها الذي جعلها تُخالفهُ وتُسكن هذا الجنين في رحمها.
أسدلَت أجفانها على خشبَة المسرحِ المُتصدّع، الذي احتوى مسرحيةً كان فيها من الحُزن ماهو مُهلك، ماهو متعبٌ لمَن يحمل في قلبه ولو نصفِ حُب، ليسَ هناك ماهو أشدُّ قسوةً في الحيـاةِ من حبٍ يقلّب الروح ذاتَ اليمين وذات الشمال، على مشواةٍ وهي تدرك أنها أخيرًا ستحترقُ مالم يلتقطها من تحب ناضجةً مُحافظةً على مذاقها الحلو.
نزلَت من السريرِ وهي تمسحُ على شعرها الملمومِ خلف رأسها في " كعكةٍ " فوضوية، ومن ثم خرجَت من الغرفـة والجناحِ بأكملهِ حتى تنزل وتنضمّ للأم وابنها القاسي الجالسين في الأسفل، فمهما وصَل الوضعُ بينهما لن تحبس نفسها في الغرفـةِ وهو طليقٌ يتحرّك هنا وهناك ويضحك وكأن الشيطان لم يتمثل به!
نزلت عتباتِ الدرج حافيةً لتُلامس بباطن قدميها برودة الأرضية الرخامية، اتّجهت لمكانِ جلوسهما لتتوقف فجأة والوَهنُ أصابَ جسدها بينما دوى الفراغُ في أعماقها وهي تستمع لجملة سيف الفاترةِ التي أطلقها لأمه " أظن إنّي بفكر بجدية هالمرة بخصوص رجعة ام زياد "
اتسعَت عيناها بذهولٍ وشهقةٌ تسللت من بين شفتيها جعَلت الرؤوس تتجه إليها، تراجَعت خطوةً للخلفِ وشفتيها ترتعشان، كفيها ترتعشان، أطرافها كلّها ترتعش ونزيفٌ داخليٌ أصابها وعقلها يقلّب بين كفيه ما سمعت، بينما وقفَ سيف ناظرًا إليها نظرةً لم تستنبط ما حمَلت، لكن كان فيها من الذهول الكثير وهو يوجّه إليها حديثًا كثيرًا وكأنه لم يكن يتمنى أن تسمعه، بينما تساقطَت دموعها من عينيها وهي تهزّ رأسها يمينًا ويسارًا بخذلان، ليس هذا! ليس ذلك القبر الضيّق، ليس هذا! لا تجعل أحلامي بهذا الطفلِ تترنح وتسقط أخيرًا فوق غماماتِ ظلمك، أنا لستُ أول عاشقةٍ تُخذل في عشقها، لكنّ هذا أكبر من كلِّ خذلانٍ مر، واللهِ أكبر! .. استدارت عنه بسرعةٍ وهي تسمعه يلفظ باسمها بنبرةٍ واهنةٍ لم تكُن يومًا في قاموسِ نبراته، هروَلت بأسى لتصعد مبتعدةً عنه، مبتعدةً عن هذا النطاقِ المُظلم، عن هذه الدائرةِ العميقة التي لفظتها في قُطرها وانحنائها ... من قال أصلًا أن كل خذلانٍ مرْ؟ كلّها واللهِ تجري على عيناي، كلّها واللهِ تطبعُ نفسها في صدري، كلّها تجرحني، وحتمًا لم يتبقى مكانٌ فيَّ يحتمل جرحًا آخر، فكيف استطعت؟ كيف استطعت؟!!!
دخَلت صالَة الجناحِ وساقيها ترتعشان بمدى الوهنِ الذي أصابها، بمدى الهوّة التي دوَت داخلها وهزّت كل خلاياها لتضعف، لتضعف!! هيَ واللهِ ضعيفة، مهما تصنّعت العكس هي ضعيفةٌ به، وقد استغل هذا الضعف جيدًا ودمّر كل ما تبقّى منها، سقَطت جالسةً على الأرضِ ودموعها تتناثر على وجهها لتشقّه كوادٍ ليس بذي زرع، كوادٍ خاوٍ جافٍ إليه، إلى لمسةٍ من كفّهِ الحنون مطبطبًا على كل جراحِها منه، على كل خيبةٍ أصابتها من شفاهه وبقيَت تنغَمسُ فيها .. ليتها حبَست نفسها بالفعل، ليتها بقيَت حبيسةَ غرفتها ولم تنزل إليه لتسمع دويِّ هذا المدفع.
ارتفَع صوت بكائها وهي تستند على الأرضِ بكفّها اليُمنى بينما اليُسرى تضغط على فمها المتقوّس بحزنٍ وممات، وفي تلك اللحظة كان سيف يدخُل مهرولًا ليقفَ عند البابِ للحظةٍ وهو يضعُ كفّه على جبينه بإرهاق تنامي حين رأى حالها، لم يكُن ينقصه ذلك، لم يكُن ينقصه سماعها له، مهما فعلت ومهما أخطأت وجرحته لم يتمنى يومًا أن يجرحها بامرأةٍ أخرى وبهذهِ الطريقة.
اقترب منها وهو يلفظ اسمها بنبرةٍ عطوفةٍ كانت لأذنيها جافةً جعلتها تقشعرُّ ويتضاعف بكاؤها بها، وقف على بعدِ خطوةٍ وهو يهمس مجددًا : ديــمــا
شهقَت بقوةٍ وهي ترفع يدها الأخرى وتغطي وجهها باكية، وبصوتٍ تموتُ فيهِ القوّة ولا يُبقي سوى على نبراتِ الوهنِ التي تهزّ حبالها الصوتية الضعيفة : ليه؟ ليه تحب تجرحني بهالطريقة يا سيف؟
اقترب سيف أكثر ليكسر الخطوة الباقيَة بينهما وملامحهُ وهَنت بحُزنها، انحنى قليلًا ليُطوّق خصرها بذراعيه ويرفعها وهو يشعر بالثقل الذي يُهاجم جسدها حتى أن وقوفها على ساقيها كان صعبًا. صرَخت وهي تُمسك بيديه وتنزعه عنها بقهر : وخــر ، ابعد يدك عني ، وخــر عني كافي! * أكملت بنحيبٍ مبحوح * كافي اللي تسويه فيني
هتفَ سيف بتوترٍ أصابهُ رغمًا عنه وهو يُمسك كتفيها ويديرها إليه بقوة : ديما ، اسمعيني بس
ديما باعتراضٍ تنتزع نفسها منه وتتراجع صارخةً بكل القهر والخيبات التي زرَعت ذاتها في روحها الكسيرة : الله ياخذك ، الله ينتقم لي منك مثل ما تجرحني دايم! مثل ما تحب تشوف الحزن والدمْع بعيوني
هزّ رأسه بالنفي وهو يعضّ زاويةَ شفتهِ السُفلى ويهتف بضيق : ما أبي أجرحك ، والله ما كان قصدي أجرحك
ديما بقهر : كذااااب ، أنت أصلًا صرت تتلذذ بجرحي، صرت سادي وتحب تشوفني مجروحة منك مع إنك تعرف بحبي لك
انتحَبت بقوةٍ وهي تتراجع لتجلس على أولِ أريكةٍ كانت خلفها بعد أن هزمَ ساقيها الإرتعاش، غطّت فمها بكفيها وهي تُردف باختناق : ليه تحب تجرحني؟
مسَح سيف على وجهه وهو يتراجعُ ويزفر بقلّة حيلة، يراها باكيَةً منهارةً بشكل لم يكُن يومًا أن يمرّ أمامه ولا يُقلّص عضلات صدره، من يقول ذلك؟ من يقول أنني أتعمد جرحي لكِ الآن؟ أنتِ لا تدركين كم أنّ قلبي ينزف الآن، لا تدركين ذلك!!
اقترب منها بخطواتٍ مضطربةٍ حتى جلَس بجانبها ورفعَ كفيه ليُمسك بمعصميها ويُنزل يديها عن فمها، هاتفًا بحزمٍ يبررُ لها بكل نبرةِ حبٍ وعطفٍ قد يحتويه صوته : ما ودي أجرحك ، ما كانت نيتي أجرحك بهالموضوع ، بس ولدي يا ديما ، ولدي! ما أقوى أشوفه بهالحـال حالم بأهل مجتمعين وفرحة ما جته!
وجّهت نظراتها الناريّةَ إليهِ وعيناها تحمرّان بدموعها المالحة، كانت شرارة! لطالما كانت شرارةً تلك التي تزرعها في صدري بعد كل جرح، ولم أتوقع لمرةٍ أن تحوّلها لنارٍ وعيناكَ لم تكتفي برضائهما في حُزني! ... هتفَت بصوتٍ واهنٍ وهي تهزّ رأسها يمينًا ويسارًا حقدًا عليه وعلى ابنه ووالدته! : الله يحرق قلبك فيه، الله يحرقك بالحرمان مثل ما حرقتني بالحرمان والحين بظلمك
اتسعت عيناه بصدمةٍ وهو يقف بعد سماعهِ لدُعائها الذي هزّ قلبه وجعله يصرخ في وجهها بغضب : حدّك ، إلا زياد يا ديمــا إلا زياد! ودّك تدعين ادعي علي، بس زياد لا!!
رفعَت رأسها إليهِ لتتطاير الخصلات التي سقطت على وجهها، وعيناها المتسعتان بحقدٍ لفظَت سهامًا تشاركت مع صوتها العنيف : الله يحرقك فيه ، الله يحرقك ويحرق أمه فييييييه
لم يشعر بنفسهِ إلا وهو يمدُّ يده إليها حتى قبضَ على ذقنها بقوّةٍ ليوقفها بينما الألم زرع نفسه في ملامحها، لكنّ الغضَب وصل بهِ منتهاه ليتجاهل النظرة المتألمة في عينيها وهو يهتف بقهر وحدة : بــس ، لا توصِّلين عصبيتي لأكثر من كذا ، احذريني يا ديما ، احذريني بالنقطة اللي يكون فيها زياد بيننا ..... بـــــس
زمّت شفتيها وهي تُغمض عينيها ووجهها يُغطيه الدموع، حتى أن خصلاتها المتمردةِ التصقَت ببشرتها، انتحَبت بقوةٍ وما إن تركَ سيف ذقنها حتى سقطت جالسةً على الأرضِ وظهرها يلتصق بالأريكة، ضمّت ساقيها إلى صدرها لتغرق في موجةِ بكاءٍ أغرقتهُ معها .. قد حان ميعادُ السقوط، احمليني يا أحزاني فوقَ سفينة الخذلان، احمليني واصرخي بي بعيدًا خلف الأفق، أهواكِ! أهوى عينيكِ ونبرتك، أهوى النحيبَ في صدرك والغصات في حنجرتك، أنا التي لم تحتمل العيشَ وفي ماضيك امرأة، أنا التي لم أحتمل حياتِي وأنت يحرّكك الماضي ، فكيف تقوى على إعادته في صورةِ حاضر؟ كيف تقوى على جعل شريكةٍ لي بكَ وأنا التي احترق بماضيكَ وأُلفظ من نارهِ لأعود مرةً أخرى في جحيمه ... أهواكَ يا حُزني، أهواكَ يا خُذلاني، أهواكِ يا سنيني الثلاثُ التي تولّه فيها قلبي المُراهق على عيناه، أهواكِ يا لحظاتي معه، القاسيةَ والجافـة .. كيفَ يكون هذا الحزن؟ كيف يُترجم في صدر المرأةِ والمُحرِّكُ له امرأةٌ أخرى شغرَت مكانًا في حياتنا وبقي هذا المكان شاغرًا لتعود إليه؟ ماهذهِ الضربة؟ ، التي كانت أشدّ من كل ضرباتِ حياتي.
" يا قو قلبك ، يا قو قلبك على دمعي "
أغمَض عيناهُ بقوةٍ وهو يشعر أن صوتَ بكائها يخترق صدره، يجرحه بسيفٍ لم يكن له يومًا أن يحتمله، لمَ أرى الميناء الذي ننتظره بعيد؟ لمَ أرى أن الغروبَ يطول؟ لمَ أرى خيوطكِ يا أيتها الشمس الدافئة شفافة؟ حُزنها هذا قاسٍ، واللهِ يا إلهي قاسٍ! حادٌ يمرر نصله على قلبي الذي يكتوي بنارِ نحيبها.
انخفضَ ليجلس بجانبها بعد أن شاركها جسدهُ الوهن، جلَس بجانبها تمامًا يلصق ظهره بالأريكةِ القاسيةِ وإحدى ساقيه تمتدان على سطح الأرضِ بينما الأخرى تنعكفُ كحُزن عينيها.
بقيَ صامتًا للحظاتٍ وهي تبكي دافنةً وجهها بين ركبتيها، تاهت الكلماتُ بين ذبذباتِ ألمها، وجعها الذي ينغرسُ في صدره، لكن كان لابد من الكلمات أن تجد طريقها حتى تخرج ويلفظ هذا السكونَ الكئيب بينهما .. همَس بغصّة : ديما ، ترى هو ولدي ، وله مني نصيب مثل ما لِك!
استكَن نحيبها وبقيَت بضعَ شهقاتٍ معذبةٍ لا تكاد تخرج حتى تصتدمَ بركبتيها في اختناق ، لتهتف بذبول : وهيَ؟
أغمَض عينيه قليلًا وهو يرفعُ كفّهُ إلى وجههِ بقلِّةِ حيلةٍ حتى يضغط أعلى أنفه ما بين عينيه، وبصوتٍ واهن : هي ام ولدي يا ديما ، متعلّقة بولدي ونصف سعادته مثل ما أنا النصف الثاني
رفعَت رأسها لتُديره إليه وتنظر إليه بملامحها الباكية، وفمها التوى في ابتسامةٍ ساخرةٍ لتلفظ بغبنة : وعشان تكتمل السعادة لازم تتلاقى الأنصاف ، يا الله ما أسعدها من قصة
زمّ شفتيه دون أن يقول شيئًا، بينما انحنَت ابتسامتها بحزنٍ لتُكمل بغصّة : وأنا وشو في حياتك؟
نظرَ إليها سيف بنظراتٍ مُرهقة قبل أن يهمس بصوتٍ فارغ : أنتِ زوجتي
ديما بضحكة ساخرة : لا غلطان ، أنا جاريتك!
احتدّت ملامحه بنفورٍ من تلك الكلمة وهو يوجّه نظراته المحذّرة إليها، وما إن فتَح فمه حتى يهتف معترضًا بحدة حتى قاطعته بنزق : شفيك عصبت! جد جد ما ودي أثير استعطافك أو من هالمواضيع ، أنت اللي تقول هالكلمة، في تصرفاتك، في حصرك لحياتنا بأمور معينة، في حرماني من الأمومة، في كل شيء يا سيف أنت تقول وتترجم معنى إني ما أعني لك شيء سوى هالمعنى، رجّعت زمن الجواري في علاقتنا، مهما أنكرت حياتنا الضيّقة اللي تقول كذا ... ولا تقول عني أبالغ ... على فكرة، كأني اشتقت لـ " مي "!
أغمض عينيه بقوةٍ وهو يُخفضُ رأسهُ ويسند جبينه إلى يدهِ المرتعشةِ ارتعاشًا غيرَ ملحوظٍ ما إن نطقت ذلك الاسم الذي اقتربَ على نسيانه، ذلك الاسم الذي باتَ يكرهه منذ مدة، وبصوتٍ ميتٍ ذابلٍ كفصلٍ اختزل كل الفصول في حياتهما، كالخريفِ الذي ظلل كلماتها ونبراته : تبالغين ، بكل قسوة تبالغين!!
ديما بتعجبٍ رفعَت حاجبيها وهي تنظر لمدى تأثير كلماتها على قسوةِ قلبه، وجاء اليوم الذي لم تتوقعه! جاء اليومُ الذي انعكسَت فيه الأدوار واستطاعت استلامِ دفّةِ الإيلامِ بعد أن استنفد كل ذرةٍ حيّةٍ منها : أبالغ! وبكل قسوة!! أنت تظن أن لك الحق تحكي عن القسوة !!! * أردفت بسخرية * جاوبني أجل ، وش أعني لك يا سيف؟؟
رفعَ رأسهُ ووجّه نظراتهُ إليها، نظراتٌ كان فيها من الوهنِ الكثير وهو الذي لم يتخيّل أبدًا أن يُهلكه كما أهلكها هذا الموضوع، أن يُهلكهُ حزنها وسقوطها بعد كل هذا الحزنِ الذي انقلبَ لعتابٍ في صوتها ونبرتها، لعتابٍ قاسٍ جدًا!
اقترب منها قليلًا وهو يرفعُ كفّه اليُمنى ويضعها على وجنتها، وبهمسٍ خافتٍ كادت ألا تسمعه، همسٌ كصفير الليلِ البعيد، كنسيمِ الصُبح المُغترِب : أنتِ زوجتي ، اللي مهما قسيت عليها تبقى زوجتي ، شيء ما أدري وش هو في حياتي بالضبط ، بس كل اللي يحكي عنك هو خوفي من فقدانك! خوفي إني أصحى بيوم وما ألاقي عيونك قدامي مثل شمس خاصة فيني أنا وبس!
ارتعَشت بقوةٍ تحتَ كفِّه وهي تتراجعَ وحُنجرتها تجفُّ من كل مخارجِ الحروفِ بينما بقيَت عيناها معلّقنين بعينيه الساكنتين بعكس نبرتِه الساخنة، تاهَت كلماتها وشعورها أمامه، لكنّ كل كلمةٍ قالها لا توازي الوجَع في صدرها، لا تُضمّد جراحها بجحم ما سكَن الغمُوض فيها، ليسَت هذه هي الكلمات التي قد تضعفها بعد كل موجةٍ أغرقتها منه، بالرغم من كونها انتظرت تعبيرًا ولو بسيطًا منه، إلا أن كل التعبيراتِ الآن لا تعذرُ موجَة الجرح الذي صوّبه إلى قلبها، لذا هتفت بصوتٍ ميت : وش أسمي هالحكي؟ تملك؟ والا اعتياد على وجودي؟ والا حب!!!! أيش بالضبط؟!
سيف بصوتٍ فاتر : سميه اللي تبين ، المهم هو إني أخاف فقدانك ، من أكبر مخاوفي!
ابتسَمت ابتسامةً مهتزةً وعيناها تغرقان بالدموع من جديد، وماذا عن مخاوفي؟ تلك التي تحققت وانتهى أمرها، أنا التي لم تشعر بكَ يومًا حتى تخافَ فقدانك، أنا التي سقطتُ في شباككِ المهترئة لينتشلني البحر منك ببساطة، كانت مخاوف، وتحققت منذ التقينا، كانت تعازي، وأُلقيَت منذ افترقنا .. عيناكَ! تلك التي ما حقّقت يومًا نظرةً شغفتُ بها، والآن حين لفظَت شفاهُك بمشاعرَ تخصّني لم تلتمع حتى تخبرني ماهذه المشاعر تحديدًا ... التقينا وافترقنا في نفس اللحظة، في نفس اللحظةِ المؤلمةِ يا سيف.
مسحَت على أنفها وابتسامتها تميل في خيبَة، وصوتها التمَع بخفوتٍ متمتمًا بكلماتٍ مُتأسية : لا تآخذ في بالك كثير ، مخاوفك تحققت ، وفقدتني من أول لحظة كنا فيها لبعض
سيف بنبرةٍ متملكة : مو بكيفك أكيد
ديما : طبعًا ، مو بكيفي، هو أكيد بكيفك، مو أنت الحين مختار قديمك؟ أيوا شلون نسيت!! قديمك نديمك لو الجديد أغناك ، شكلي مرة كنت مآخذة مقلب في نفسي
وقفَ وهو يمرر أنامله بين خصلاتِ شعره ويتنهد بعمق الدُنيا وبما فيها، يُديرها ظهرهُ دون كلمةٍ ما، ومن العدل في هذه اللحظاتِ أن تغيب الكلمات، لذا كان ختامها الصمت .. تحرّكت قدماه حتى يُنهي هذا الحوارَ المُهلك بخروجه، لكنّ صوتَ ديما الجاف انبثقَ من خلفهِ وكل برود القُطبين اجتمع في صوتها كردِّ فعلٍ على كل الخيبات التي تساقطت فوقها : روح يا سيف ، روح والله يهنيك بأم ولدك وولدك ، أنت اللي كنت رافض أكون أم لعيالك ، عشان كذا تهنى بحياتك وخلّني بعيدة عنك باللي تبقى من كرامتي المكسورة وحبي المجروح .... اتركني بروحي مع ولدي يمكن يلملم الكسر اللي فيني
اتّسعت عيناه باستنكارٍ لآخر ما قالته وهو يستديرُ إليها لافظًا كل إدراك، مبتلعًا كل استيعابٍ ليبقى عدم الفهم في حنجرتهِ وصوته الذي اهتزَّ بفراغٍ هاتفًا وكأنه لا ينتظر صدمةً جديدةً منها بعد تلك : ولدِك!!!

.

.

.

انــتــهــى

هالجزء اجتهدت فيه بكل ذرة فيني، واستنفذت كل وقتي عشان تظهر كل شخصية أساسيـة ولو بصورة عابرة، وأتمنى جد جد أشوف نتائج تعبي فيه، + اشتقت لقارئات كثيرات اختفوا فجأة، ما ودكم تطلعون من وكركم وتبسطوني فيكم؟

عمومًا المفترض بعد هذا الجزء تاخذون لكم راحة أسبوع، بس خوفًا من أنكم تلاقون أعضائي مقطعة في زوايـة القسم بلعت افتراضي ذا وانثبرت :( ، فموعدنا مثل ما قلت يبدأ من اليوم كل أربعة أيام ، حلو كذا؟ ولو تأخرت فحدّ الوقت بيننا ١٢ بالليل أو بعطيكم علم بنفس اليوم :$
قراءة ممتعة يا حبايبي ولا تنسون أقرأو كلامي اللي قبل البارت تراه مهم لكل قارئ ...


ودمتم بخير / كَيــدْ !




كَيــدْ 09-08-15 08:08 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 




بدايــة البارت في الصفحة اللي قبل السابقـة ، انتبهوا تخونكم عيونكم وتحرقون على نفسكم البداية -_-


قراءة ممتعة للجميع (())

كَيــدْ 09-08-15 08:15 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 19 ( الأعضاء 8 والزوار 11)
‏كَيــدْ, ‏littlebee, ‏ضربات القدر, ‏Hissah, ‏قيود من حرير, ‏Meesh, ‏أبها, ‏الجابيه



يا حيّــاكم :$$

أبها 09-08-15 09:29 PM

ماشاء الله تبارك الله
لا شلّت يمينك يا كيد ..
جزء ديما وبس ..
أشعر بالأسى لديما .. ..شعور باللوعة لمسمى أم .
ثم الخذلان من زوج وهبته الكثير وشحّ عليها بالقليل .
ماذا كنت ستخسر يا سيف لو أنك أمطرت على روحها العطشى
بقليل من عبارات الحب .
وها أنت تخذلها ثانية بشبح إمرأة أخرى ..
لتستحيل روحها أرضاً بوار ..
رغم أن انهيارها آلمني لكن دعائها القاسي على زياد كان أشد
إيلاماً ..ظلمت فيه نفساً بريئة .

أبدعتِ يا كيد في تصوير المشهد وكأني أراه أمام عيني .
بالتوفيق يا مبدعة

السبعاويه 10-08-15 12:20 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
روعه ابداع ماشاالله عورني قلبي علئ ديما
هذا اول تعليق لي بس انا من بدايه الروايه متابعه
ان شالله يارب تكتمل علئ خير

فتاة طيبة 10-08-15 03:04 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
يالله واخيرا ديما روحها انعتقت من عبودية سيف كانت محتاجة لهذي الصدمة عشان تنفض عنها الذل والعبودية اللي كانت عايشتها .... كيد بصراحة جزء متعوب عليه سلمت يداك .

طُعُوْن 10-08-15 03:43 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
صباح الخير هنو.. اشتقت لش واشتقت اعلق على
جمال حرفش..

..


"انتفَضَت وهي تُغلق بابَ الخزانة، التصقَ ظهرها بهِ وعيناها تتسعان بذعرٍ بينما اندفعَ الأدرينالين في أوردتها ليثبّط من هذا الذعر الذي لربما يفتكُ بها، وكان سيف أمامها صدرُه يرتفعُ بقهرٍ وينخفض بشدّةِ الإهانـة التي يشعر بها الآن! أمِن المُعقول أنها كذبت لتبتعد عنه؟ لهذا الحدِّ وصل الأمر بيننا يا ديما؟ لهذا الحدْ؟؟! لم يتخيّل أبدًا ولا في أسوأ إحتمالاتِ الحيـاةِ بينهما أن تفكّر ديما بهذهِ الصبيانِية والسطحية، أن تكذِب فقط لتبتعد عنه وتضربهُ بقبضةٍ ساخِنةٍ أصابته في رجولته"

ياربي انا ارقص والا ارقص.. واخيرًا انجرح سيف.. يعني مو فرحة انه يتألم بس عشان يحس شوي باللي تحسه ديم..

يختي والله ديما انظلمت حييييل مع سيف.. بس بدأت تاخذ حقها حتى لو ماكان بنيتها تكذب عليه.. كل شيء يجوز في الحب والحرب.. وانا صراحة اشوف اللي بينهم حرب ماهوب حب..
من حقها تحمي الجنين لا كان ابوه مايبيه من الأساس.. بس ترا ماني مقتنعة بأسباب سيف.. ليش مايبيها تحمل.. والله حرام.. يبي ياخذ بدون مايعطي.. أناني.. سادي، متغطرس.. يحتاج دق خشم..


..

أرجوان.. بعد قلبي هي.. احس محد لها.. يعني انها وحيدة.. ماعندها صداقات ولاشيء.. ماغير ربي بلاها بأخت بثرة..

..

جيهان.. حلو اعترفت انها مهما كان مارح تنفك عن ابوها.. رح يبقى فيها.. بقلبها ودمها وروحها.. بس لازم تعرف انو لا فات الفوت ما ينفع الصوت.. خوفي بس انه مايرد على فواز عشان صار له شيء ماهو بس مشغول..

..

"مرَّ نيسان، ورفضَ تمرير الفرحِ على شفاهي في صورةِ بسمةٍ عطرَة، مرَّ قبلهُ آذار لافظًا الشتاء، وحمّل نيسانُ الربيعَ على كتفيْه ورفض زرعهُ في عيناي، حتى الأشهر تقف ضدي! حتى الأيـامُ الراكضات أمامي تطوي الفرحَ وتُسكن دموعَ الشتاءِ في عيني، ابتدأ حُزننا في الشتاء، ومضى هذا الشتاءُ معنا أشهرًا مُتمثلًا في كلِّ الفُصول."


صراحة.. اوقات ما اعرف ابكي والا ابتسم من جمال حرفك.. ابدعتي ابدعتي ابدعتي.. اتعب وانا اقول ابدعتتتتتتتتتي..
تروق لي تشبيهاتك البلاغية.. تتفننين فيها.. كأنك تلاعبينها بين اصابعك.. تقدمين حرف وتأخرين الثاني.. وكل الحروف تغار
تبي هي اللي تنكتب.. حتى الأشياء اللي تحطين تشبيهاتك عليها تغار من بعضها.. ممممممم ماعاد عرفت وش اقول.. بس تعبك واضح جدًا.. اهنيك على ابداعك.. لا خليت..


..


زياد.. يختي ما بلعته.. خليه يقعد عند امه.. وسيف يعننه حنون.. يع مو لايق.. يا شين السرج على البقر بس.. و بثين عاد هي اردى منهم.. عايلة نكدية وكلها عاهات.. الله يخارجنا بس..

..


ماجد.. وش سالفته..! احس بموت من الفضول لو ما عرفت.. مايمديها نسوي تصويت ويجي البارت الجاي كله عنه.! نبي سالفته من طق طق لـ السلام عليكم.. كل بارت تزيد حيرتي عنه.. مابي اتوقع انه متعب ابدًا..

..


سلطان.. شو هاا.. جاني قرف وانا اتخيل شكل الدم والريحة😖
الله يسامحك قريت الموقف وانا آكل بغيت ارجع.. بس يمكن انه
من هذولاك اللي كارهين سلطان.. اللي اسمه ابراهيم والزفت اللي معه.. يعني يرسلون له تهديد صريح.. انو احنا نعرف بيتك ومثل ما قدرنا على كذا نقدر عاللي اكثر.. بس مين قصده لما جلس يقول معقولة انو هو.. يعني قصده عمه كالعاده والا هو عارف انو له اعداء غير عمه..!

..

أسيل.. زين مانكدت على شيهان حياته وحاولت تتقبله.. صراحة انا توقعت انها اقل شيء سنة كاملة بتعيشه بنكد لين يتعب وينتحر.. وتقوم تبكبك عليه مثل اخوه ويجي غيره ويتزوجها وتنكد عليه ويلاا-> محد يتمسخر

..


فواز.. دامك تخاف من فراقها ليش سويت انا الشهم وقمت تزوجت غيرها.. خلك قد افعالك.. على الطاري.. جنان مختفية.. لا يكون موتتيها بس😈

..

جيهان.. روقينا بس.. كني اشوف شياطينها شوي هاجده البارت ذا.. وما غثتنا بكلامها السم اللي يجيب الكآبه.. صدق صدق هنو فواز وش شاف فيها عشان يحبها.. ماغير اخلاق زفت ولسان ازفت.. وكآبه مزمنه للي يتعرفون عليها..!

..

تميم.. وع وع وع.. قلت لك من أول ظهور له ما حبيييييته.. لا هو ولا جده الخيبة ذي.. قد هو رجل في الدنيا ورجل في القبر وبدال ما يتوب لسى يسوي صفقات غير شرعية.. اي والله الخيبة صدق..

..

إلين.. واخيرًا.. مابغت تفكنا أم عويل ..-> واضح اني كنت متنكده منهم هي وجيهان ..!

..

أدهم.. الله يهديه ويصلح حاله.. بس ابي اعرف وش علاقته بمتعب.. وماجد.. وإلين..!


..

غادة.. تهورت.. وقلبي يقولي انو تهورها له عواقب كبيرة.. حتى لو مو الحين.. يمكن تكررها مره وثنتين وثلاث لين يطيح الفاس بالراس..

..


سيف.. مو من جده ذا.. يبي يرجع بثييين.. وديما طيب..! وش وضعها..! توه اللي يعترف انها زوجته.. وين كان اعترافه ذا وهو يعاملها زي الجواري.. حتى اسمها غيره بدون وجه حق.. انا اقول يستاهل كل اللي يصير فيه.. صحيح ما حبيت ديما وهي تدعي على زياد.. مهما كان هو طفل.. ماله ذنب ابد الا انه نتيجة لعلاقة فاشلة بين الأم والأب.. بس يستاهل سيف والله كل الجروح اللي بتجيه.. ضربتين عالراس توجع.. اولها لما كذبت عليه.. وثانيها لما اعترفت له بحملها.. صحيح حسيتها تهورت يوم قالت له .. بس ما ألومها.. من حر قلبها والله.. اتمنى بس سيف ما يكمل ساديته ويخليها تجهض ..

"أغمض عينيه بقوةٍ وهو يُخفضُ رأسهُ ويسند جبينه إلى يدهِ المرتعشةِ ارتعاشًا غيرَ ملحوظٍ ما إن نطقت ذلك الاسم الذي اقتربَ على نسيانه، ذلك الاسم الذي باتَ يكرهه منذ مدة، وبصوتٍ ميتٍ ذابلٍ كفصلٍ اختزل كل الفصول في حياتهما، كالخريفِ الذي ظلل كلماتها ونبراته : تبالغين ، بكل قسوة تبالغين!!"

حتى انا مع ديما.. اقرا وحواجبي بتوصل جبهتي من الإستغراب.. اجل تبالغين.. وقسوة.. وانت ايش بالله..! لا يكون الحنان يطفح منك بس..

..


"اتّسعت عيناه باستنكارٍ لآخر ما قالته وهو يستديرُ إليها لافظًا كل إدراك، مبتلعًا كل استيعابٍ ليبقى عدم الفهم في حنجرتهِ وصوته الذي اهتزَّ بفراغٍ هاتفًا وكأنه لا ينتظر صدمةً جديدةً منها بعد تلك : ولدِك!!!"


انتظر الصدمات يا عيني انتظر.. لسى مادريت انه امك راعية الفكرة.. ياه برد قلبي.. كذا كنه انغسل بثلج.. بس باقي لما تعرف جيهان بزواج فواز وقتها اقرا وانا مستمتعة-> فيس شرير..


..

وبس والله.. هذرت واجد ادري.. بس لي فتره ما علقت وطلعت اللي بخاطري كله..

..

تعبتي عالبارت.. ومقدرين تعبك والله.. واتمنى تعليقي البسيط ذا يسعدك زي ما تسعدينا..

..

حبي لك💕

مانسيتكـ 10-08-15 09:00 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طُعُوْن (المشاركة 3549610)
صباح الخير هنو.. اشتقت لش واشتقت اعلق على
جمال حرفش..

..


"انتفَضَت وهي تُغلق بابَ الخزانة، التصقَ ظهرها بهِ وعيناها تتسعان بذعرٍ بينما اندفعَ الأدرينالين في أوردتها ليثبّط من هذا الذعر الذي لربما يفتكُ بها، وكان سيف أمامها صدرُه يرتفعُ بقهرٍ وينخفض بشدّةِ الإهانـة التي يشعر بها الآن! أمِن المُعقول أنها كذبت لتبتعد عنه؟ لهذا الحدِّ وصل الأمر بيننا يا ديما؟ لهذا الحدْ؟؟! لم يتخيّل أبدًا ولا في أسوأ إحتمالاتِ الحيـاةِ بينهما أن تفكّر ديما بهذهِ الصبيانِية والسطحية، أن تكذِب فقط لتبتعد عنه وتضربهُ بقبضةٍ ساخِنةٍ أصابته في رجولته"

ياربي انا ارقص والا ارقص.. واخيرًا انجرح سيف.. يعني مو فرحة انه يتألم بس عشان يحس شوي باللي تحسه ديم..

يختي والله ديما انظلمت حييييل مع سيف.. بس بدأت تاخذ حقها حتى لو ماكان بنيتها تكذب عليه.. كل شيء يجوز في الحب والحرب.. وانا صراحة اشوف اللي بينهم حرب ماهوب حب..
من حقها تحمي الجنين لا كان ابوه مايبيه من الأساس.. بس ترا ماني مقتنعة بأسباب سيف.. ليش مايبيها تحمل.. والله حرام.. يبي ياخذ بدون مايعطي.. أناني.. سادي، متغطرس.. يحتاج دق خشم..


..

أرجوان.. بعد قلبي هي.. احس محد لها.. يعني انها وحيدة.. ماعندها صداقات ولاشيء.. ماغير ربي بلاها بأخت بثرة..

..

جيهان.. حلو اعترفت انها مهما كان مارح تنفك عن ابوها.. رح يبقى فيها.. بقلبها ودمها وروحها.. بس لازم تعرف انو لا فات الفوت ما ينفع الصوت.. خوفي بس انه مايرد على فواز عشان صار له شيء ماهو بس مشغول..

..

"مرَّ نيسان، ورفضَ تمرير الفرحِ على شفاهي في صورةِ بسمةٍ عطرَة، مرَّ قبلهُ آذار لافظًا الشتاء، وحمّل نيسانُ الربيعَ على كتفيْه ورفض زرعهُ في عيناي، حتى الأشهر تقف ضدي! حتى الأيـامُ الراكضات أمامي تطوي الفرحَ وتُسكن دموعَ الشتاءِ في عيني، ابتدأ حُزننا في الشتاء، ومضى هذا الشتاءُ معنا أشهرًا مُتمثلًا في كلِّ الفُصول."


صراحة.. اوقات ما اعرف ابكي والا ابتسم من جمال حرفك.. ابدعتي ابدعتي ابدعتي.. اتعب وانا اقول ابدعتتتتتتتتتي..
تروق لي تشبيهاتك البلاغية.. تتفننين فيها.. كأنك تلاعبينها بين اصابعك.. تقدمين حرف وتأخرين الثاني.. وكل الحروف تغار
تبي هي اللي تنكتب.. حتى الأشياء اللي تحطين تشبيهاتك عليها تغار من بعضها.. ممممممم ماعاد عرفت وش اقول.. بس تعبك واضح جدًا.. اهنيك على ابداعك.. لا خليت..


..


زياد.. يختي ما بلعته.. خليه يقعد عند امه.. وسيف يعننه حنون.. يع مو لايق.. يا شين السرج على البقر بس.. و بثين عاد هي اردى منهم.. عايلة نكدية وكلها عاهات.. الله يخارجنا بس..

..


ماجد.. وش سالفته..! احس بموت من الفضول لو ما عرفت.. مايمديها نسوي تصويت ويجي البارت الجاي كله عنه.! نبي سالفته من طق طق لـ السلام عليكم.. كل بارت تزيد حيرتي عنه.. مابي اتوقع انه متعب ابدًا..

..


سلطان.. شو هاا.. جاني قرف وانا اتخيل شكل الدم والريحة😖
الله يسامحك قريت الموقف وانا آكل بغيت ارجع.. بس يمكن انه
من هذولاك اللي كارهين سلطان.. اللي اسمه ابراهيم والزفت اللي معه.. يعني يرسلون له تهديد صريح.. انو احنا نعرف بيتك ومثل ما قدرنا على كذا نقدر عاللي اكثر.. بس مين قصده لما جلس يقول معقولة انو هو.. يعني قصده عمه كالعاده والا هو عارف انو له اعداء غير عمه..!

..

أسيل.. زين مانكدت على شيهان حياته وحاولت تتقبله.. صراحة انا توقعت انها اقل شيء سنة كاملة بتعيشه بنكد لين يتعب وينتحر.. وتقوم تبكبك عليه مثل اخوه ويجي غيره ويتزوجها وتنكد عليه ويلاا-> محد يتمسخر

..


فواز.. دامك تخاف من فراقها ليش سويت انا الشهم وقمت تزوجت غيرها.. خلك قد افعالك.. على الطاري.. جنان مختفية.. لا يكون موتتيها بس😈

..

جيهان.. روقينا بس.. كني اشوف شياطينها شوي هاجده البارت ذا.. وما غثتنا بكلامها السم اللي يجيب الكآبه.. صدق صدق هنو فواز وش شاف فيها عشان يحبها.. ماغير اخلاق زفت ولسان ازفت.. وكآبه مزمنه للي يتعرفون عليها..!

..

تميم.. وع وع وع.. قلت لك من أول ظهور له ما حبيييييته.. لا هو ولا جده الخيبة ذي.. قد هو رجل في الدنيا ورجل في القبر وبدال ما يتوب لسى يسوي صفقات غير شرعية.. اي والله الخيبة صدق..

..

إلين.. واخيرًا.. مابغت تفكنا أم عويل ..-> واضح اني كنت متنكده منهم هي وجيهان ..!

..

أدهم.. الله يهديه ويصلح حاله.. بس ابي اعرف وش علاقته بمتعب.. وماجد.. وإلين..!


..

غادة.. تهورت.. وقلبي يقولي انو تهورها له عواقب كبيرة.. حتى لو مو الحين.. يمكن تكررها مره وثنتين وثلاث لين يطيح الفاس بالراس..

..


سيف.. مو من جده ذا.. يبي يرجع بثييين.. وديما طيب..! وش وضعها..! توه اللي يعترف انها زوجته.. وين كان اعترافه ذا وهو يعاملها زي الجواري.. حتى اسمها غيره بدون وجه حق.. انا اقول يستاهل كل اللي يصير فيه.. صحيح ما حبيت ديما وهي تدعي على زياد.. مهما كان هو طفل.. ماله ذنب ابد الا انه نتيجة لعلاقة فاشلة بين الأم والأب.. بس يستاهل سيف والله كل الجروح اللي بتجيه.. ضربتين عالراس توجع.. اولها لما كذبت عليه.. وثانيها لما اعترفت له بحملها.. صحيح حسيتها تهورت يوم قالت له .. بس ما ألومها.. من حر قلبها والله.. اتمنى بس سيف ما يكمل ساديته ويخليها تجهض ..

"أغمض عينيه بقوةٍ وهو يُخفضُ رأسهُ ويسند جبينه إلى يدهِ المرتعشةِ ارتعاشًا غيرَ ملحوظٍ ما إن نطقت ذلك الاسم الذي اقتربَ على نسيانه، ذلك الاسم الذي باتَ يكرهه منذ مدة، وبصوتٍ ميتٍ ذابلٍ كفصلٍ اختزل كل الفصول في حياتهما، كالخريفِ الذي ظلل كلماتها ونبراته : تبالغين ، بكل قسوة تبالغين!!"

حتى انا مع ديما.. اقرا وحواجبي بتوصل جبهتي من الإستغراب.. اجل تبالغين.. وقسوة.. وانت ايش بالله..! لا يكون الحنان يطفح منك بس..

..


"اتّسعت عيناه باستنكارٍ لآخر ما قالته وهو يستديرُ إليها لافظًا كل إدراك، مبتلعًا كل استيعابٍ ليبقى عدم الفهم في حنجرتهِ وصوته الذي اهتزَّ بفراغٍ هاتفًا وكأنه لا ينتظر صدمةً جديدةً منها بعد تلك : ولدِك!!!"


انتظر الصدمات يا عيني انتظر.. لسى مادريت انه امك راعية الفكرة.. ياه برد قلبي.. كذا كنه انغسل بثلج.. بس باقي لما تعرف جيهان بزواج فواز وقتها اقرا وانا مستمتعة-> فيس شرير..


..

وبس والله.. هذرت واجد ادري.. بس لي فتره ما علقت وطلعت اللي بخاطري كله..

..

تعبتي عالبارت.. ومقدرين تعبك والله.. واتمنى تعليقي البسيط ذا يسعدك زي ما تسعدينا..

..

حبي لك💕



قلتي اللي بالخخاطر :55:

من أمتع الرويات اللي قريت

طي حالي وش ينطرني البارت الجاي :lPk05240:

bluemay 10-08-15 11:33 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
أبدعتي وأجدتي


عن جد روووعة واخدني الوقت وما حسيت إلا بكلمات الختام تعلن عن انتهاء الفصل.




ديما أخيرا فجرت القنبلة ... واشك انها كانت واعية لحكيها عن ولدها .

سيف متناقض بصراحة حيرني فهمه .






غزل اظنها كذبت على سلطان وانه في حدا بس خافت تحكي.

سلطان شو رح يسوي ومين رح يتهم ؟!!

أظن عمه هو المتهم الرئيسي بالقصة.





أدهم ممكن نقول انه تاب واناب وعمل صالحا ليكفر ذنوبه.





جيهان هﻷ حنت ﻷبوها ولكن تستاهل ما اجالها أجل تكسر خاطره وبدها ياه يرجعلها عند اشارتها !!!

فواز بتمنى يكمل زواجه من جنان وخلي جيهان تموت بحرتها تستاهل أكثر الجاحدة لنعم ربها.





عن جد ما في عندي تعليق يليق بروعة ابداعك واستمتاعي بكل حرف من كتابتك ..

بتمنى لك التوفيق وأنك تختميها على خير.


تقبلي مروري وخالص ودي


○° الله أغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله ، وأوله وآخره ، وعلانتيته وسره .°○

روض وسميه 10-08-15 03:35 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
مساء الخير كتبت ردين وش طولها وطاارت المهم قناعتي انه لاداعي للمزايدات في الردود كتبت رد ووضحتي وجه نظرك (مشكوره طبعا)لكن مايهون علي زعلك ولا ودي تاخذين بخاطرك علي ادري مابتزعلين بس ليطمئن قلبي مشكلتي عزيزتي مو وصف المشاعر بل احب الاسباغ بوصفها التشبيهات الكثيره هي اللي احسها مبالغ فيها مجرد رأي مالي نيه اضايقك فيه صدقيني وانا ماعرفت الروايات النتيه الامن سنتين لميولي للرومانس العامي من واقع حياتنا انا قارئة كتب احب اتحسسها بيدي واطوي طرف الصفحه اللي وصلتها هذا اللي يرضيني ماراح اقول قارئه جيده لكن لاباس بي لذلك اشوف الجمال دائما في البساطه اتمنى من كل قلبي ان تصلي لحلمك انتي لست مشروع كاتبه انتي كاتبه فذه تقبلي مروري واعذري تطفلي 😘

منـار القمر 11-08-15 05:33 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
ماشااء الله الباارت طويل قلت لاازم قبل لااقرااه
اشكرك عليه.

fadi azar 11-08-15 07:16 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
ابدعتي اختي بارت رائع يستاهل سيف ان تجرحه ديما هو دائما يجرحها والان يريد ان يرجع زوجته وابنه بينما ديما حارمها من الامومة يريدها ان تراهم تموت على البطىء أتمنى ان طلب الطلاق منه وترتاح من عزابه

كَيــدْ 13-08-15 05:39 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 



سلامٌ ورحمةٌ من اللهِ عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف خير وعافية :$



بارت اليوم قصير بعض الشيء، قلتها لكم في البارت السابق بمزحة " محتاجة راحة أسبوع " وطلعت فعلًا محتاجتها لأني ما قدرت اكتب غير أمس واليوم من الإرهاق الكتابي اللي حسيت فيه
بس ضغطت على نفسي وطلّعت هالبارت القصير من خشمي فاعتبروه تصبيرة للبارت الجاي



عمومًا نبدأ على بركة الله
قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر، بقلم : كَيــدْ !

لا تلهيكم عن العبادات



(44)



تراقبُ دخانَ القهوةِ الذي بدأ يستكن، يدها مفرودةٌ على الكتاب فوق الطاولـة، تجلس على طاولةٍ تبتعد عن النافذةِ الزجاجيـة بضع سانتيمتراتٍ حتى تستطيع الشُرب بكامل راحتها دون أن ينتبه إليها أحد، حتى تستطيع استرجـاع الماضي في رشفَاتِ القهوةِ المرة، الماضي والحاضر، المرارةُ والإدمان، المستقبل الرمادي، الأيام التي تتوكأ على صدرها وتصوّرها كعصًا قويٍ وهي الهزيلةُ التي قاربَت على الإنكسَار.
تلك الأيـام، الجميلةُ التي تبعها حُزنٌ وبكاء، آهاتٍ وأنينٍ لازمها ليالٍ ، لازالت تتذكَرُ اليومَ الذي صحوَت فيه من منامها على صوتِ بدر التائهِ في قبورِ الجاثمين، الذابلِ كوردةٍ في بستانٍ امتلأ بالزهورِ الناضجة/الجميلة. لازالت تتذكر كل الكلمات التي لفظها لها وملامحهُ تلفظ كل الإستيعاب وكأنه آليٌ يتحرك دون حياة.
" عظّم الله أجرنا في أبونا وأمنا ، وعظّم الله أجري في نفسي! "
تتذكر كل الجمَلِ التي قالها، كل الحزن الذي تذبذبَ مع صوتِه، كل آهةٍ لفظها بخفوتٍ بعد أن عزّى ذاته في فقدهِ وجلس على الأرض ليُغطي وجهه ويبكي ، لأول مرةٍ تراه يبكي! لأولِ مرةٍ ترى هذا الحزن العالي في صوتِه، ثلاثةٌ في يومً واحد! في مؤامرةٍ واحدة! في فقدٍ واحد، ثلاثةٌ جعلت ردّة فعلها صمتٌ طويلٌ لم تنفكّ منه إلا بعدَ ثلاثِ ليالٍ لتغرقَ في حزنها وبكاءٍ حزين ، تُعاقرُ سريرها أيامًا وليالٍ سوداء غابَ منها النهار، تتزمَّلُ بالدموعِ وصوتِ من فقدت وهم غارقون في عقلها، ثابتون في تنفّسها.
تنهّدت بضيقٍ وهي تنظر للقهوةِ التي تسللت إليها برودة الصباح وفقدت سخونتها، مرَّ على خروجها ثُلث ساعةٍ بقيَت فيها تتأمل تصاعدَ دخان القهوةِ حتى انطفأ، تغرق في أفكارها فقط، لم تشرب ولم تقرأ، فقط اقتصّت لعقلها الملكومِ وجعلته يتحررُ خارجَ شقتهم المراقبةِ والتي فاحَ منها رائحةُ الملل.
نهضَت وهي تعدّل لثامها وتتناول الكتابَ لتضعه في حقيبتها، دفعَت أجرَ القهوة التي لم ترتشف منها سوى الدخان لتخرجَ وتتنفسَ هواءَ الصباح بعمق، تُغمض عينيها على صوتِ زغزغةِ العصافيرِ وأصواتُ الناسِ من حولها، على رائحة بروكسيل التي مضت فيها أربَع سنينَ ضوئيةً فيما تُسمى بعمق الطول الذي شعرَت به، مُظلمةٌ في ما احتوته، مُصمتةٌ في الحُزن، يعبر الهواءُ عبرها ليُصدر صريرًا أشبهَ بالبُكاءِ الذي تستنزفهُ كل أعضائها، ليست عيونها هي فقط من تبكي، ليست حنجرتها فقط من تنتحب، كل جسدها يبكي وينتحب، ويهتف بحزنٍ كم " تألمَت ".
تنهّدت بوجَعٍ قبل أن تتحرك، يجب عليها أن تعود بسرعةٍ قبل أن يصحو بدر، هذا إن لم يكن قد استيقظ منذ زمن، لكنه إن كان بالفعل قد استيقظ فأول ما سيفكر بهِ هو الإتصال بها إن لم يكن البحث عنها.
دخَلت للمبنى وهي لا تريد العودة فعليًا لكنها مضطرة، وقفَت أمام بابِ الشقّةِ لتفتحه بهدوءٍ وحذر، وحينَ دخلت ووجدت المكان والسكون كما تركته لتزفرَ براحةٍ وتدخل على أصابعِ قدميها حتى وصَلت إلى غرفتها ودخَلت مُغلقةً الباب خلفها بكل هدوء، وكأن ما كان لم يكن قد كان.


،


الهواءُ ينسحب، النارُ تشتعل في شكلٍ خفي، النظرات إن كانت تقتل لقتلت الآن وأسقطَت كلًا منهما صريعًا، هذه الغرفةُ تضيق بالأكسجين، تضيقُ بالكلماتِ التي سقطَت بينهما كما لم تسقط من قبل، انحسرت الأمواجُ عنها والصمت، وارتفعَت فوقَ الجبال لترشقَ نفسها في شكلِ سهمٍ إلى صدرهِ مباشرة ... بقيَت نظراتها معلّقةً به، بنظراته المتفاجئة لما قالت، التي انتثر الإستيعابُ عنها وبقيَ في عينيه يسكنُ الرجاء لكونه لم يسمع، أو أصاب حسّهُ شيء، لأول مرةٍ تشعر بالإنتشاء، بالمتعةِ تنتشر في أوردتها وهي ترى نظراته، انتقلَت الساديّةُ إليها منه، انتشَرت في ابتسامتها الراضيَة بالصدمةِ على ملامحه، في نظراتها التي التمعت برضا، لن تخاف! ولمَ تخاف؟ ماذا سيفعل؟ من يخون لا يقوى على شيء، من يخذل امرأةً أحبته بكل صدقٍ لن يتحلى بالقوّة سوى في هزمِ نفسه، ليس الرجلُ من يرى امرأتهُ تبكي جرحًا منه ويمضي، ليس الرجلُ من ينتشر الأسى في ملامح زوجته ويصد .. تلك هي الضربة القاضية يا سيف، قاضيتكَ سبقت، وقاضيتي لحقَت، والبادئ أظلم.
سمعت همسةً تسللت من بين شفتيه بصوتٍ باهت كبهوتِ نظراتِه المصوّبةِ نحوها : ولدِك؟
رفعَت ذقنها بتحدٍ إليه، كل شيءٍ وراءها لفظته، كل شيءٍ أمامها باتَ فقط هي وابنها بعد كل ما جاءها منه ومن خشخشةِ هذا الحبِّ الذي سكَن وغمّد قلبها في حُجرةٍ سوداء، مُخلفًا نتوءً في صدرها لن يزول، هتفَت بصوتٍ رغم بحّةِ البُكاءِ فيه إلا أنه ثابتُ النبرةِ بتحدي : أيه ولدي ، أنا حامل يا سيف
نظرَت إليه وهو يتراجع ويفغر فمهُ مُحاولًا استنشاقَ الهواء، عيناه تتسعان بها دون تصديق، وكأنه الآن لم يسمع سوى كذبة إبريل، لكننا لسنا في إبريل، لسنا في مسألةٍ تحتمل المزاح!! ونظراتها القاتلة تختم على ما قالته بختم الصدق، بختمٍ اخترق صدرهُ في صورةِ جرحٍ عميقٍ لن يلتئم، جرحٌ أكبر من سابقه، جرحٌ لم يتخيّل يومًا أن يأتيه منها، الصدمةُ التي اعتلْت ملامحهُ كانت مسرحَ الإرضاءِ لها، وصمته الذي أطبق على المكان كانَ الداعي لاسترخـاء جسدها في شعورٍ كبيرٍ بالإنتصـار، بعد كلِّ ما فعله بها، بعد كل جرحِه لها، كان من الأحرى أن تتسلل رغبةُ الإنتقامِ إليها رويدًا رويدًا وتنتقم فعلًا بشكلٍ غيرِ مباشر، أنتَ من أسكن فيَّ هذهِ الروح، أنت من افتعلت هذا الظلامَ في نفسي وحطّمت ديما المُسالمة، ديما البيضاء التي كرهتُها واستنفذتَها أنت قليلًا قليلًا، متمهلًا بساديةٍ انتقَلت إلي في هذهِ الإبتسامةِ التي تعتلي شفاهي، أنتَ موطنٌ غدرَ بشعبِه، أُحبّه، لكنّ جرحه قاسٍ، والهُجرانُ منهُ فرضٌ لأحيا.
بللت شفتيها الجافتين قبل أن تسند كفّيها على الأرضِ وتنهضَ مُستقيمةً لكنّ الوهن لازال مُصاحبًا لجسدها بالرغم من قوّة نظراتِها وصوتها، لذا جلست على الأريكةِ وهي تمسح الدمعَ من وجهها ونظراتها لازالت معلقةً بهِ ينظر حيث الفراغ وكأنه لازال يحلل ما سمِع، حينها هتفت بابتسامةٍ ساخرة : عادي ، علاقتنا دايم تحرقها أنت، ما يمنع إني أجرب مرة وثنتين وثلاث أحرقها بعد
ارتفعَت أنظارهُ إليها، سكَن لثوانٍ والكلماتُ تسكن في حنجرتهِ كما كلّ أعضائه عدا تنفّسه، اقتَرب منها خطوةً وهو يعضُّ طرفَ شفتهِ ليهتف بصوتٍ غادرهُ الوعي : شلون؟
رفعَت حاجبيها وسؤاله فهمته جيدًا، لكنّها أجابت بسخريةٍ مريرة : بعَد شلون تحمل المرَة؟
كانت إجابتها الساخرة مدعاةً لتحتدّ نظراته ويصرخ بغضبٍ فجأة : شلووووون حملتي؟ شلوووووووون؟؟؟؟
لم تنتفض هذهِ المرّة لصراخه، بل التوت ابتسامتها الساخرة وهي تقف رغمَ الضعف في ساقيها، لتترنح قليلًا قبل أن تثبَت رغمَ الفراغِ الذي يسكن جسدها، ورغمَ رغبتها العارمةِ في السقوط على فراشها نائمة، إلا أنّها لم تكن من الضعف بحيث تنسحبُ في منتصفِ الحديث، لم تكن من الضعفِ بحيثُ تترك كلمة " ولدي " معلقةً بينهما يتبعها صمتهُ وصمتها، كُشفَ خُلاصةُ الموضوع، ولن تخشى أن تكشفَهُ كلّه.
ديما بثقةٍ وهي تضعُ كفّها على بطنها وتنظر في عمق عينيه التائهتين : تذكر يوم رحت المستشفى؟ وقلت لك وقتها كان عندي جرثومة ببطني؟ طبعًا كانت أول كذبة بيننا ، وألذ كذبة
اتّسعت ابتسامتها أكثر وهي تمدّ يديها لتضعهما على كتفيه وتردفَ بمكرٍ لم تتحلى بهِ يومًا، وكأن ديما قد غابت عن ملامحها وتلبّسها ماهو شيطانٌ يتمتع برؤية الصدمةِ على وجهه : يومها استخدمت ابرة تفجيرية ، وانتظرت بس إن الله يحقق لي اللي أبيه ، اللي بكل قلبي أبيه ..... كُن، فيَكون.
تراجَع للخلفِ بعد أن أمسك بكفيها ورماهما عن كتفيه، ارتفعَ صدرهُ بقوّةٍ ونظراتهُ يُشتتها هنا وهناك وكأن هذه الصدمةَ أكبر منه، أكبرَ من احتمالـه، أكبرَ من كل كلمةٍ قد تعبر بينهما وتضيع، ضياعهُ الآن أكبر، ونظراته التائهةُ على ملامحها الغريبةِ عنه مُظلمة! مُعتمةٌ لا يرى أمامه إلا إنسانًا يجهلهُ أضاعت عنه ديما، أو أنّ المسافاتِ امتدّت حتى باتت مشوّشةً له، المسافاتُ ازدادت أمتارًا وباتَ لا يرى جيدًا، كلّ الصور تشوّشت عن ناظريه، وكلّ الكلمات باتت لا تدخلهُ جيدًا ولا يفهمها، هل كل هذا حلم؟ حلمٌ افتقَر إلى الظلام؟ إلى حفرةٍ يتهاوى فيها؟ حلمٌ جاءهُ فيه شيطانٌ تمثّل بهيئة زوجته وتحدّث عنها بما ليسَ فيها ، أم أن الواقـع شيء، والأيام شيء، والمكان شيءٌ والزمان مُحرّكٌ للبشَر، محركٍ لشخصياتِ البشر، لتحوّراتهم وتغيّراتهم حتى وقفت ديما أمامه بهذه النظرات التي تغرس نفسها في صدرهِ وتقتله.
انفرجَت شفتاهُ عن همسةٍ واهنةٍ كادت ألا تسمعها، لكنّ الصمت المطبق والسكون في المكان جعل وصولها إليها أكثر ليونة : استغفلتيني؟
عضّت طرفَ شفتها السُفلى تُخرس ابتسامتها الساخرة، التي بالرغم منها كان في زواياها خيبةً وألم، كان في زواياها رؤيةٌ بعيدةٌ لمحيطٍ كُوّنَ بينهما، لمحيطٍ اتّسع حتى كان أضعاف المحيطاتِ السبع، كان أضعافَ الأرض، همَست بابتسامةٍ مُتأسيةٍ بالرغم من كل العنف في نظراتها : ما استغفلتك ، مثل ما أنت منعتني، وجرحتني، أنا حققت اللي منعتني فيه، وجرحتك ... بس كذا ، دين ورديته لك
إن كانت الكلمات وخزًا في الخاصرة، فهي كلماتها، وإن كانت النظراتُ سهمًا في الأضلع، فهي نظراتها .. أغمضَ عينيها للحظتين امتدّت للحظات، لعقدين من الزمانِ ودهرين ينتظر فيها شيئًا يوقظه من هذا المنام، من هذا الحلم البائس، من هذهِ الصدمةِ التي كانت أقوى منه، عضّ شفته السُفلى بقوّةٍ وهو يفتح عينين تشتعلان بقهرٍ أكبر من سابقه، وقدماه تحرّكتا حتى وقف أمامها تمامًا لترفع نظراتها الثابتة إليها بتحدي وكل خوفها السابق والماضي في ردّةِ فعله إن علم وأنه - قد يتسبب في فقدانها لابنها - نسيَته. رفعْ يدهُ اليُمنى للأعلى حتى استقرّت سبابته أسفل ذقنها ليرفع وجهها أكثَر إليه، وكفّه اليُسرى استقرّت على بطنها ليهتف بصوتٍ حادٍ مختنقٍ بسهامها : فرحانة فيه؟
ابتسَمت بحزنٍ وهي ترفع كفيها لتضعهما على كفهِ التي تستقر على بطنها، وبصوتٍ يمتلئ فيه الغصاتُ هتفت بخيبة : أيه ، فرحانة فيه ، حيييييل فرحانة ... يا حبيبي هو، بينسيني وجع أبوه
زمَّ شفتيه وهو يضوّق عيناه، ينظر إليها بمشاعرَ ضيّقةٍ تكاد أن تتفجر، بصوتٍ ضيّقٍ يكاد أن يخفَت وينتهي زمَنه، همسَ بقلّةِ قوّة : لهالدرجة كان أهم مني؟
نظرت إليهِ مطوّلًا، ويديها شدّتا على كفهِ بقوةٍ دونَ شعورٍ وهي تعضّ طرف شفتها السُفلى بفقدانٍ لكل شيء، قبلًا كان فقط فقدانها لحبهِ وحنانه، والآن لهُ كلَّه ... تقوّست شفتاها وهي تُخفض نظراتها بوَهن، وبصوتٍ مُتحشرجٍ تنطفأ فيه الحياة : أنت بيكون لك عائلة غيري، ما عاد تحتاجني، هو يحتاجني أكثر
سيف بحرقة وغضَب وهو يرفع سبابته عن ذقنها ويوخز وجنتها بها : ما يهمني لا الحين ولا المستقبل ، لهالدرجة كان أهم مني يوم فكرتي تتمردين؟
أغمضَت عينيها بألمٍ من حركتِه، وتقوّست شفتاها بحرقةٍ وهي تشدّ على أسنانها وتعود لفتح عينيها ناظرةً لعينيه الغاضبتين بغضبٍ آخر، بحرقةٍ أخرى وتمردٍ يغنيها عن كل قوةٍ أخرى : هالتمرد ما كان عشاني بس كثر ماهو عشاننا، أنا ماني بأنانيتك، حتى بشغفي ماني بأنانيتك .. كنت بكل ليلة أحط يدي على بطني وأقول راح تزين، يمكن تزين فيك، يمكن تصير علاقتنا أقوى فيك، يمكن يحن! صح إنّي كذبت عليك كثير، بس كله ما كان عشاني بس ، كان عشاننا، كنت أفكر فينا ، فينا كلنا، بس أنت تفكر بنفسك، عندك ولد ومكتفي، وأنا راميني بالزواية مجرد اسم زوجة ويخب علي بعد ... أنتَ وش؟؟! منت إنسان، منت إنسان والله
قالت آخر كلماتها ودموعها تسقط من جديد على وجنتها، من ذا الذي يمسح الدموع حين تهوِي؟ من ذا الذي يكفكفُ النحيب حين يعوِي، أنتَ ماذا؟ في اقترابك تُبكيني فقط، لا تمسح الجرحَ بعد افتعالِه، لا تُخرس الوجَع بعد استثارتِه، كلّ ذلك في اقترابك، والآن في بعدك ماذا؟ بعد أن تشاركني بكَ امرأةً كانت مشاركةً لي أصلًا منذ ابتدأنا، منذ التقينا وابتعدنا، غابَ الصباحُ وانتشر المساءُ فينا يا سيف، يا من كنت لهُ الغمدَ حتى أأويهِ وكان يكسرني دون رضا بي.
ابتسَم سيف ابتسامةً فقدت روحها وهو يتراجَع للخلف ويزفُر بتذبذبِ الأسى في صدرِه، بتراقُصِ الخداعِ في حُنجرته حتى حُشرت كلماته بعد صدمتهِ الكبرى منها، من كان يتوقع أن الموضوع أكبر! لم يقتصر فقط على تلك الكذبةِ التي اكتشفَ أنّها لا شيء، لم يقتصر على عنادها لهُ بل كان الموضوع أقوى وأعنفَ على صدرِه، كانت خيانـة! واللهِ خيانةً فاقَت معنى الخيـانةِ الفعلي.
هزّ رأسه يمينًا ويسارًا وهو يُحيط صورتها بإطارٍ غيرِ الإطار السابق، بإطارٍ غير - البراءةِ - التي كان يراها فيها، ظهَر مكرُ الإناث، الزمانُ يُكرر نفسه، الأحوالُ تكرر نفسها والخذلانُ ينقش نفسهُ على جبينهِ مرةً أخرى ومن الأنثى التي كاد يُقرُّ بأنها مُختلفة، بأن جوهرها لامِعٌ مهما كانت عمق المشاكِل بينهما.
زفَر للمرّة الأخيرة وهو يبلل شفتيها وينظر لعيناها التي يتماوجُ فيها الدمع رغم نظرتِها الشامخة، حينها التوت ابتسامته في سخريةٍ من نفسه وهو يقترب منها ناظرًا في عينيها الثابتتين دونَ خوف، ليُحيط وجهها أخيرًا بكفيه وشفتيهِ تفتران عن نبرةٍ متأسِّيَة : لا تكذبين مرة ثانيَة، الكذب مهما حكيتي فيه ما يليق لك ، أنا أناني ، وأنتِ بعد لا تنكرين إنّك بلحظة فكرتي بنفسك وبس ... ما كان عشاننا ، لا تنكرين.
عقدَت حاجبيها دون أن تفقِد نظرتها القوية، بينما اتّسعت ابتسامتهُ وهو ينحني نحو أذنها ليهمسَ بعمقٍ وخذلانٍ عبره : مبروك على حملك ، الله يجعله خير لِك ، وخير لي إذا أنتِ تبين!
كيف ينسى؟ كيف يغفل؟ كيف هرِم عقله عن تلك الفكرة؟ كيف واتته للحظةٍ أنها مختلفة؟ ليُكرر الخبث أخيرًا نفسه في عينيها ويرى " تمرد بثينة " وعجزه للمرّة الألف، ليرى كم أنّ لا قرار له، لا سيطرة له، من أسوأ ماقد يشعر بهِ الرجل أن تكون كلمته لا شيء وسيطرته معدومةً أو شبهَ ذلك، أن يكون عند امرأته مجرد " زوجٍ " في العلاقةِ الجسديَة، بينما تسقط منه بقيّة الحقوق، أليسَ الرجل هو من يملك زمامَ الأمورِ ويحكُم منزله؟ أليسَ هو عماد البيت؟ لمَ إذن يرى غيرَ ذلك في العلاقتين؟ لمَ فشِل؟ لمَ أثبتتا لهُ أنّه ضعيف، وأشعرتاه بهذا الشعور الآن وبقلَّة الحيلة ، جعلتماني أشعر بأسوأ ماقد يُهاجِمُ الرجل، جعلتماني أشعر مرتين أنني لا أنفع للعلاقات، أنا فقيرٌ في العلاقات، لكنّ الفرق بينكِ وبينها أنّكِ تفننتي أيضًا في بثّ المخاوف في صدري من مسألـة فقدانِك.
لا تسمعين مافي صدري، لستِ بحرًا غرقتُ فيهِ كي تشعري بكل تفاصيلي وأنينِ صدري، كُنتِ سماءً وأنا أسفلك، تمطرين علي بحبك، وأنا خُدعتُ بعطائكِ حتى صرفتُ الخوفَ من أن تظللكِ الغيومُ أبدًا.
قبّل أذنها بعمقٍ وكأنّه بهذا يُرسل إليها خُذلانه، اهتزّت قليلًا مرتعشةً وارتفعَ صدرها باضطرابٍ لازالت حتى الآن تغلّفه بقوّةٍ حقيقية! ليسَت واهيةً هذهِ المرّة، كل مافيها الآن لم يعُد إلا حقيقة، حتى بعد ما قاله وبعد أنفاسِ الانكسارِ المصتدمةِ ببشرتها لازالت تحافظ على قوّتها، على الصفةِ التي بدأت تتعاظمُ في صدرها منذُ بدأ هذا الجنينِ ينمو في أحشائها وكأنّه يمدّ أمه بطاقةٍ تكفي لتعيش وتحافظ عليه، تكفي لتتحلى بوحشيّة الذئـابِ ومكرِ الثعالب.
" الله يجعله خير لك، وخير لي إذا تبين "
بدأ القهر يتسلل إلى صدرها، عصفَت بها الأفكار من تلك الجملةِ التي احتوت معاني ومعاني، احتوت اتهاماتًا باطلةً تجاهها " قاعد يشرح لي في كلامه أني أنانية! ويستأذن مني إن الولد يكُون هو أبوه مثل ما أنا أمه! قاعد يحرني، يتصنّع أنّ مافيه زوج مثله، وأنّه أنا الغلطانة، في النهاية أنا الغلطانة، أنا الغلطانـة!! "
زمّت شفتيها بقهرٍ وهي ترفعُ كفيها لتضعهما على كتفيه وتدفعه، وبنبرةٍ حاقدة : روووح لهم ، روووح للي لها الشوق يهلي ... هذا ولدي سااامع، ولدي وبس ولدي ... ومالك دخل فيه روح لولدك الله لا يوفقك لا أنت ولا أمه ولا هو بعد!!
بلل شفتيه وهو يتراجع قليلًا، بالرغم من صراخها ونبرتها وكلماتها التي مسّت بها ابنه الا أنه ابتسم بسخريةٍ مريرة وهو يهتف بقوّة : لا تظنين انك باللي تسوينه راح تخليني أصرف النظر عنك ، أنتِ زوجتي، وإن جبت ثلاث فوقك ما تقوين تسوين أي شيء .. فلا تخليني أتصرف تصرف ثاني
ابتلَع جرحه منها وكل شيءٍ جاءه، ابتلع مسألة تمردها واستغفاله، ابتلع كل شيءٍ في زمنٍ سريع ووضع في نصب عينيه أنّها مهما فعلت ومهما جرحت لن يتكرر الزمن كلّه حتى نقطةِ الفراق، هي زوجته، والآن تحمل بابنه، ولن يسمح لها بالتفكير حتى بالطلاق ليتكرر كلُّ شيءٍ حتى تشتت ابنه، ليُصبح أخيرًا تشتت ابنيه.
شعر بها تضع كفيها على صدره بعد أن اقتربت منه بسرعةِ البرق وشدّت بأناملهِ على ثوبِه، وبنبرةٍ مقهورةٍ ظهر بها التشنّج والاهتزاز : ما وصلت للمرحلة اللي تجبرني أعيش فيها معك وضرة بيننا ، ماني اللي تجيب فوقها مرَه، ماني هي
شعرَ بتشنج أناملها فوق صدره، بثقلِ جسدها حتى أنها كانت تتشبث بهِ بقوةٍ كي لا تنهزم أمامه بسقوطها، يكفي سقوطًا، يكفي هوانًا فالهوانُ قد ملّ هذا البيتَ الذي تمثّل فيها، يهوَى الهجران لكنّها تتشبث به، لتُطلقه، لتُطلقــه!
ارتفعَت كفاه ليمسك بخصرها وكأنّه يمدّها بغيرِ صدرهِ حتى تتماسك، ثمّ ابتسم بشماتةٍ يردّ بها جرحيْه منها وهو يهمس : إذا مو قادرة توقفين أنا أعين وأساعد
دفعَته بقوةٍ وتراجعت تترنح بوهن، ومن ثم استقامت رغمَ اهتزازِ ساقيها بالنار التي انتشرت في عروقها وهي تهتف بقهرٍ وغيرة امرأة : تدري وش ينقصك؟
سيف يجاريها بابتسامةٍ تحمل ذاتَ قهرِها : وشو؟
ديما : ينقصك تكون عبد شكور عشان تحمد الله عليْ
ضحكَ سيف بصخبٍ ضحكةً تحمل قهرًا، ضحكةٌ يحاول بها غسل الجرحِ الذي في صدرِه بدواءٍ ما : هههههههههههههههههههههههههه وش هالثقة الهائلة يا ديما! ليه ما تقولين ينقصك الذكاء عشان تعرف وش كثر كنت غلطان لما شفتني بعينَ العظمَة * أردفَ بملامحَ تجمّد فيها كل شيءٍ وبقيَت ضحكةً ساخرة * كنتِ عظيمة واكتشفت إنّك ما كنتِ
ديما بسخرية : كنت زوج واكتشفت إنّك جلاد
سيف : كنتِ مع كل شيء جميلة
ديما بابتسامةٍ مهتزةٍ ودموعها لازالت تسقُط كمطرِ الشتاء : وش هالمشاعر الكذابة اليوم ، أنت الوحيد اللي ما ينطبق على مشاعره جياشة
سيف بابتسامةٍ ساخرة وبحرقة : وش يدريك يا جميلة؟
مسحَت دموعها وهي تنظر إليه رغمًا عنها بريبة، ابتسامته الساخرة تدل أنه يكذب، منذ متى كان سيف يعبّر عن شعورهِ نحوها، منذ متى كان لهُ شعورٌ أصلًا؟ .. تتلاعب بي، بعد كلِّ جرحٍ غرسته في جسدي لازلت تتلاعب بي؟ أيُّ خيبةٍ وحزنٍ بعد ذلك يا سيف؟ أي أملٍ بعد ذلك؟
صدّت عنهُ وهي تضعُ كفّها على بطنها الذي بدأت تشعر بأنه يتقلص، قدميها باتتا مخدرتين وتشعر أنّها لن تستطيع حمل نفسها أكثر، لكنها لن تسقط أمامه، لن تسقط!!
هتفت بحدة : روح لهم ، اتركني بروحي لا تخليني أكرهك أكثر
سيف : بروح ، بس مو لهم، عشان أتركك بس وعشان ما تكرهيني أكثر .. هذا إذا كرهتيني اصلًا
لفظ آخر ما قال بنبرةٍ استفزتها وكان هذا هو المُراد، لكنّها تجاهلته، تُريد أن تجلس، فقط أن تجلس وترتاح بعد أن استنزفت لآخرِ قطرةِ حياةٍ فيها ودبّ الألم متمركزًا في أحشائها منتشرًا في بقيّة أنحاء جسدها.
تحرّك سيف بعد أن انتظر منها ردًا ولم ترد، ابتسامته الساخرة تلاشت وحلّ محلها جمودًا لينتشر في كامل جسده، خرجَ من الجناحُ وأفكارهُ تعصف بهِ من كل جانب، تقذفه من شاطئٍ إلى آخر، من عالمٍ إلى آخر، من إدراكٍ لآخر أضيق، من حرقةٍ لأخرى بعد ما فعلته، كل ما حدث الآن حقيقة، كل ما قالته له حقيقة ، ديما حامل! حاملٌ بعد أن نصبَت لهِ فخّ براءتها ... سارعَ من خطواتِه حتى يهرُب من هذا المكان الذي زرعَ فيه ضعفًا وهوانًا للمرةِ الثانية من بعد بثينة، للمرةِ الأولى مع ديما.
لكنّ صوت ارتطامٍ قوي على الأرضِ جعلهُ يقف مكانه للحظةٍ قبل أن تتسعَ عيناهُ بشدةٍ وتتراجعَ خطواته بعنفٍ وعقله يُقرأه أن هذا الصوت ليسَ إلا أمرًا واحدًا، ليسَ إلا سقوطَ جارحتِه.


،


اقتَرب من إحدى الطاولاتِ التي علَم أنها مقرُّ الإجتماع، نظرَ مطوّلًا للرجل الجالس قبل أن يمدّ يده بابتسامةٍ ثقيلةٍ وهو يهتف بصوتٍ متكاسل : الأستاذ مهنا؟
رفعَ الرجل الأربعيني رأسه إلى الواقفِ ليمعن النظر فيه لثانيتين قبل أن يبتسم ويقف مصافحًا له : وصلت ، أكيد أنك تميم الرازن.
تميم بصوتٍ واثق : أيه هو أنا
رحبَ بهِ بحرارةٍ ثمّ طلبَ منه الجلوس : تفضل اجلس
جلَس تميم بخيلاءٍ على المقعد وهو يرفعُ ذقنهُ وينظر بغرورٍ للذي جلسَ أمامه، ملامحهُ كانت شرقيةً حادة لذلك شعر بالنفورِ منهُ أول ما رآه، لذا كانت عيناهُ يغطيها الإزدراء إلا أنه أخفى ذلك ببراعةٍ وهو يهتف : خلنا ندخل مباشرة بموضوعنا أخ مهنا
مهنا بعملية : أكيد طبعًا بس أيش تشرب أول؟
تميم باغتضاب : شاي بدون سكر
طلبَ النادل ليطلب منه كوبًا من القهوة التركية وشايًا دونَ سكر، ثم استدار إلى تميم ليبتسم : ندخل بموضوعنا ، اعتقد الأستاذ سعود وضّح لك كل شيء
تميم بجديَة : أيه وضّح لي
أخرجَ مهنا الملفّات من حقيبته السوداء العملية، ثمّ بدأ يعرضُ عليهِ الأوراق ويشرح لهُ سيرَ هذهِ المُعاملة.


،


سمعتْ طرقًا على الباب حينَ كانت تُمشِّطُ شعرها، وضعَت فرشاة الشعر على التسريحةِ واتّجهت ناحيَة البابِ وهي تبتسمُ رغمًا عنها، مدركةً من وراءه تمامًا، فتَحت البابَ واتسعت ابتسامتها لابتسامةِ سلطان الذي هتف : صباح الخير
غزل بهدوءٍ ولطف : صباح النور ، ما رحت دوامك؟
سلطان : بداوم على الساعة ١٠ .. والحين جيت عشان أطلب منك خدمة بسيطة
توترَت قليلًا وهي تفكر ماقد يكون طلبه، لكنه نفضَت عنها هذه الأفكار وفكرت في أنه سلطان، من قضَت نصفَ الليلِ معه خارجًا وضحكَت معه رغمًا عن كل الحُزنِ في صدرها، وبهمس مُتوتر : آمر
سلطان : ما يامر عليك عدو ، بغيت أعزم الغزال على فطور بمطعم الفندق
توترَت أضعاف توترها وتصاعدت الحمرةُ إلى وجنتها من لفظِ " غزال "، هذهِ الكلمة التي أطلقها لها البارحة بعد حوارٍ طويلٍ بينهما تعلق حتى بتفاصيلَ تخصّها وكانت تخفيها، لا تدري كيفَ تعمّق بها كثيرًا، لا تدري كيف بثّت إليه الكثيرَ دون أن تُحسّ بذلك أو تتوتر، لكنّها كما المرة التي بكت فيها على صدره شعرت بالراحة بعد أن نفضَت عنها الكثير واستقبل هو بكل رحابـة صدر.
قاطعها سلطان من تفكيرها بصوتٍ رقيق : أفهم من سكوتِك الرضا والا شلون؟
بللت شفتيها بلسانها بتوترٍ وهي ترفعُ يدها وتُعيد خصلات شعرها خلف أذنها، وبابتسامةٍ خجولة : موافقة ، بشرط تكون على حسابي
رفعَ سلطان حاجبيه : لا كيف! أنا اللي عازمك يا غزالة
توترَت للمرةِ الثانيةِ من هذا اللفظ الذي يجعل الخجل يتصاعد إلى وجهها، وبصوتٍ مضطرب : أمس كان العشاء على حسابك ، اليوم بيكون الفطور على حسابي عشان نتعادل
سلطان : ما أحب هالحركة وأنا معاك
غزل بإصرار : الله يخليك ، مرة وحدة بس
فكّر سلطان بأن حسابها بالتأكيد سيكون متعلقًا بوالدها، هي لا تعمل أي أن النقود التي معها من أحمد! ولا يدري فعليًا إن كان هذا المال حرامًا أم لا، وهنا كانت المشكلة! حتى وإن كان حلالًا ليس هو من يرضى أن يكون فطورهُ متعلقًا بماله! لكنّه لم يستطع النطقَ بذلك وهو يبتسم بلطفٍ ويهتف بأكبر قدرٍ من الحنان : موافق ، بس ماراح تكون اليوم، مرة ثانية
غزل برجاء : بس !
سلطان قاطعها بحزم : غزل وبعدين! قلتلك مرة ثانية وأنا عند وعدي
مطّت شفتيها بامتعاضٍ وهي تومئ دون رضا، حينها ابتسم لها وهو يقرُّ في داخله بضرورة أن يفتح لها حسابًا جديدًا يضعُ فيه مرتبًا لها شهريًا.
أردفَ بابتسامتهِ التي تجعلها تتأمله كثيرًا لصفائها : بنتظرك لين تجهزين
أومأت للمرةِ الثانية بضيقٍ لرفضهِ لطلبها، وما إن تحرّكت لتعود لغرفتها وتتجهز حتى أوقفها صوته الهاتف باسمها : غزل
استدارت إليه من جديد : هممم
سلطان بملامح جدّية : صليتي فجر؟
توترَت ملامحها وشتت عينيها عنه، مما جعلها يزفر بغضبٍ ويهتف بصوتٍ حاول تخفيف الحدة فيه : وش كان اتفاقنا؟ أنتِ ما جلستي تتعلمين من النت مثل ما حكيتي لي؟
غزل باندفاع : لا لا والله جلست أشوف الطريقة وأحاول أتعلم * أخفضت رأسها بإحراجٍ وهي تُعيد خصلاتها لخلف أذنها ما إن سقطت على وجهها * بس ما أدري ، ما أدري ليه ماقد اندفَعت فعليًا
تنهّد سلطان بصبرٍ يتضاعف معها، كل يومٍ يكتشف فيه أنّه يحمل من الصبر الكثير، أنّه يتّسم بصفةٍ توجّهت نحوها هي خاصةً، صبرٌ عليها ولم يكُن هذا الصبر يومًا على حُزنه، لطالما استسلم لأفكاره المرتبطةِ بكل شيءٍ في الماضي، حتّى أنه البارحـة بعد أن خرجَ معها وترك عاملًا يُنظّف ما كان في المطبخِ لم يرحم نفسه من التفكير لوقتٍ وهو معها ومن ثمّ غرقَ بعيدًا عن مُحيط هذا الموضوعِ وبدأ يتخلخل المواضيع مع غزل رويدًا رويدًا إلى أن عادوا للفندق قُرابة الثانية عشرة منتصفَ الليل، وقتها عاد ليغرق في نفسِ المُحيط ويغرق، يغرق حتى كاد يصل للقاعِ وهو يشعر بالنار التي تمرُّ في أوردتهِ وتُحرقه، احترقَ وانتهى الأمر، بات الآن مجرد رمادٍ لشخص ما لم يحمل الصبر الكافي على ألآمه، لكنّ الرماد كان يتّصف بهذا الصبرِ مع غزل بشكلٍ عظيم، وعظيمٍ جدًا.
أمسكَ بكتفيها ليُديرها قليلًا ناحيـة الغرفة ويهمس بلطف : روحي توضي ، وبشوفك بعيوني تصلين
اضطربت غزل من تلك الفكرة وبدأت تفرك كفيها ببعضهما البعض، وبإحراجٍ وارتباك : لا لا ، خلاص أصلًا ما عاد أبي
زفَر سلطان وهو يرفعُ سبابتيه ليضغط على صدغه وهو يُغمض عينيه ويهمس بـ " يا صبر أيوب " .. عاد ليفتح عينيه ليُمسك كفيها ويرفعها قليلًا وكأنه يُحادث طفلة : وبعدين يا غزل؟ من أمس وأنتِ كل شوي تكررين هالجملة؟ الموضوع ما يحتمل لعب
قوّست شفتيها بطفوليةٍ وهي تهتف بغصة : لا تناظرني
سلطان هزَّ رأسه بمجاراةٍ لها : خلاص ماراح أناظرك ، بتروحين؟
هزّت رأسها بالإيجابِ في تردد، ثمّ سحبت يدها ما إن تركها لتتجه للحمامِ وتبدأ بالوضوءِ بحرص، أولًا كفيها، ثمّ تتمضمض وتستنشق، تغسل وجهها، ثم ذراعيها، ثم تمسح شعرها وأذنيها، وأخيرًا قدمها، بقيَت طويلًا تتعلم هذا في الليلِ عبر الانترنت بعد أن طلبت من سلطان بإحراجٍ أن تتعلم بنفسها، لا تريد أن تضع نفسها في موقفٍ محرجٍ معه لذا اختصرت الموضوعَ وبدأت تتعلم بنفسها، تقرأ عن الصلاةِ وتهربُ من وضعها حين يكون سلطان هو المُعلم لها، حفظت كل شيءٍ تقريبًا واضطرت أن تحفظ سورةً قصيرةً كانت " الفلق " إلى حينٍ آخر.
حين خرجَت من الحمامِ بدأت تتلفت في الغرفة خشيةَ كون سلطان انتظرها كي يراقبها وهي تصلي، وحين لم تجده نظرت ناحية الباب ولم يكُن موجودًا، حينها تنهدَت براحةٍ وهي تأخذ رداء الصلاةِ التي اشترتها مع سلطان في الأمس مع السجادةِ لتفرشها وترتدي الرداء، مكبّرةً بتوترٍ لتبدأ بصلاةٍ أبعد ما تكون عن ذلك، مجرّد تحركاتٍ لا تشعرُ بها، تريد فقط أن تنتهي وتهرب بسرعةٍ من هذا الوضعِ الذي تشعر أنه لا يليق بها بتاتًا ولم تخلق له، بينما كان سلطان قد بدأ بمراقبتها من عند الباب في حينِ كانت القبلة عكس اتجاهه أي كانت تُديرهُ ظهرها ولا تراه، بقيَ يتأمل كل حركةٍ منها ولاحظ سرعتها وأخطاءها الكثيرة، لكنه صمَت وهو لا يُريد التّسرع معها بل التمهل وتكوينها دينيًا رويدًا رويدًا.
حينَ شعر بها ستسلّم تراجع بسرعةٍ وجلَس على الأريكةِ في الصالة وانتظرها إلى أن جاءته وكان ذلك بالفعل، حينها استدار إليها بابتسامةٍ وهتف : خلصتي؟
غزل بتوتر : أيوا
سلطان : أجل تجهزي عشان نمشي
أومأت برأسها لتغيب عنه للحظاتٍ قبل أن تعود إليه وقد ارتدت عباءتها مع النقاب كما يُحب، حينها وقف مُبتسمًا لها ببشاشةٍ ليخبرها أنه يجب عليهم الخروج والإفطار قبل أن يتجه لعملهِ بعد ساعة.

*

عودةٌ للأمـس
كان قد اتّصل بالفندق يطلبُ منهم إرسالَ عاملٍ كي يُنظف الفوضى التي هنا، مررَ نظراته في الصـالةِ بعد أن أنهى اتصاله، لكنّه لم يجد غزل، تحرّك بعد أن كان يتكئ على إطارِ بابِ المطبَخِ متجهًا لغرفتها، وقف أمامِ البابِ المفتوح ليجدها كما توقعَ تتمدد على السرير وتدير البابَ ظهرها، تنهّد وهو يُغمض عينيه، بالتأكيد أُصيبت بذعرٍ ليس هينًا، فأي أنثى قد ترى ما رأت ولا تخاف؟.
فتَح عينيه ليرسم ابتسامةً على ملامِحه ويهتف بصوتٍ لطيف : غــزل
تشنجَت في البدايةِ حين سمعَت صوته، ثمّ رفعَت كفّها لتمسح على وجهها حتى يُدرك أنها تبكي، حينها زفَر بصمتٍ وهو يتجاوزُ الباب ويدخلُ هاتفًا : ليه البكا الحين؟ أنا معاك
ازدردت غزل ريقها لتستقيم جالسةً بعد أن مسحت الدموع عن وجهها، وبمُكابرة : مين قال أني أبكي
سلطان يبتسم : شكلي كنت غلطان
غزل بضيق : لا تتريق علي
سلطان هزّ رأسه بالنفي وهو لازال يُحافظ على ابتسامته : افا بس من يقوله؟
صدّت عنه غزل بضيقٍ وهي ترفعُ كفيها وتضغط على رأسها الذي تشعر بالصداعِ ينتشرُ فيه، بينما أردفَ سلطان بهدوء : بنظلع الحين ، جهزي حالك
غزل عقدَت حاجبيها ووجهت نظراتها إليه : وين؟
سلطان : بتعرفين بعد شوي ، أنا بنتظرك في الصالة لين ما تجهزين
تحرّك دون أن يترك لها الإستفسار لتتنهد باستسلامٍ وتنهضَ حتى تتهجز للخروج.

بعد عشرِ دقائق
كانت قد جلسَت في السيارةِ وبدأ سلطان يتحرّك، طلبَ منها أن تُغلق باب غرفتها بالمفتاحِ وهو بدوره أغلق بابَ غرفته وسلّم أمر تنظيف الفوضى للعامل الذي قابله وهما خارجين.
نظرَت غزل للطريقِ مطولًا، بصمتٍ دون أن يكون هناك ماهو بينهما سوى صوتِ أنفاسهما، لم تهتم كثيرًا أين سيذهبانِ وكل تفكيرها بنصبُّ فيما حدَث، في غرابةِ ما كان واستنكارها له، من قد يفعل ذلك؟ من قد يمتلك القذارةَ ليفعل ما فعل؟ هل يعقل أن يكون لوالدها يدٌ في ذلك؟
تهدّلت أجفانها كبتلةٍ قاربَت على السقوط، عضّت شفتها العُليا بهمٍ يطبق على صدرها بعنف، وأغمضَت عينيها بقوةٍ قبل أن تسمع صوتَ سلطان الذي هتف بخفوت : نبدأ نروح السوق والا نتعشى أول؟
وجّهت عيناها بعد أن فتحتهما إليه، حاجبيها ينعقدان دون أن تكونَ قد فهمَت معنى ما قاله، وبشرود : وشو؟
سلطان ينظر إليها نظرةً خاطفة قبل أن يُعيد عينيه إلى الطريق : نتعشى أول والا نتسوق؟ من تزوجتك ما طلعنا طلعة زينة واليوم ناوي أحلله معك
قطّبت جبينها بمزاجٍ متعكرٍ وهي فعليًا لا تريد التسوق معه الآن أو قضاء الليلِ برفقته، لكنّ معدتها كان لها رأيٌ آخر، لذا همست باستسلامٍ وهي تضع رأسها على النافذة : نتعشى أول
ابتسم سلطان وهو يهتف بخفوتٍ لم يصلها مع ذبذباتِ أفكارها : من عيوني


،


فتَحت عينيها بوهنٍ لتصتدم بالسقفِ الأبيض، حاجبيها ينعقدان بغرابةِ المكان، جسدها لا تشعر به سوى أن وخزاتٍ بسيطةً تمركزَت في ظهرها ... أين هي؟ مررت نظرها المُشوّش على الغرفةِ البيضاء التي تسكنها، على مكان استلقائها الأبيض، على إبرة المعذي التي كانت تخترقُ كفّها، وبدأ حينها الإستيعابُ يتسلل إليها متمهلًا، ببطءٍ كاتساعِ عينيها اللتين بهتَت فيهما الحيـاةُ وهي تشهق بذهول، هامسةً لنفسها ببحة : أنا في المستشفى!!
دخَل حينها سيف بعد أن كان يتحدّث مع الممرضةِ خارجًا، ليتنهّد وهو ينظر للأرضِ بفراغ، بينما كانت نظراتها موجهةً لهُ وعينيها تستعدان للبكاء، تحاول قراءة ما تخشاه على ملامحه، لا يمكن، لا يمكن!! هل فقدته؟ هل فقدته؟!!
غابَ صوتُها ولم تستطِع النطقَ بشيء، حنجرتها جفّت، مخارجُ الصوتِ سُدّت بغطاءٍ سميكٍ من الصدمةِ وجسدها شعرت أنه يسقط في الهاويـة، بينما ارتفعَت نظرات سيف إلى المستلقيةِ على سريرِ المشفى الأبيض، قبل أن تتسع بصدمةٍ حين رآها تنظر إليه ليقترب منها بسرعةٍ يكسر المسافة بينهما : صحيتي؟
بقيَت تنظر إليه بملامحَ ميتةٍ وشفتيها ترتعشان، تُريده أن يجيبها على سؤالها، على ما تنطقهُ عيناها ومالم يقرأهُ حتى الآن. أمسكَ بكفّها التي لم يكُن فيها المُغذي ليرفعها وهو يضمّها بين كفيه بقوّة، وبصوتٍ عميق : الحمدلله على السلامة
" الحمدلله على السلامة "، هل تقتصر عليها فقط؟ هل تحمل ابنها أيضًا؟ لا يا الله لا تمتحني بذلك، ليسَ بعد أن جـاء، ليسَ بعد أن جـاء.
فغرَت فمها دون صوتٍ وهي تحاول الحديث، تحاول قولَ شيءٍ يُريحها، يُزيلُ هذا الجبل الذي ارتكز على صدرها في صورةِ ضيقٍ وخوف.
بينما كانت نظراتُ سيف مركّزةً بملامحها، ينتظر ما ستقوله وما ضاع دون أن ينطلق، هتف يَدفعها للكلام : وشو؟ احكي
حاولت وحاولت، شفتيها منفرجتين دون صوت، ضَعفَ صوتها كما ضعُفت، غابَ كما غابت نظرة الحيـاة في عينيها.
سيف يعقد حاجبيه محاولًا مساعدتها : تبين مويا؟
هزّت رأسها بالنفيِ وهي تتنفس باضطراب، تناجي صوتها للخروج، للإنبثاقِ حتى تُريحَ أفكارها، لكنّ صوتها يخونها، يخونها عكس ما كان قبل ساعات، لمَ الآن؟ لمَ الآن؟!!
أغمضَت عينيها بقوةٍ ودمعةٌ تسللت من عينها اليُسرى لعجزها الذي جاءَ بفعلِ هذا الخوف، ودون أن تشعر رفعَت كفّها التي تخترقها الإبرة لتضعها على بطنها وهي تعضّ شفتها بوجَع، بينما تابعتها نظراتُ سيف الذي فهمها أخيرًا ليعقد حاجبيه وهو يتأوه بخفوت، كيف لم يفكر بذلك؟
شدّ على كفّها بشكلٍ أقوى وهو يجلس بجانبها على طرف السرير ويهتف برقة : تطمني ، الولد بخير
فتحَت عينيها بسرعةٍ لتنظر إليه برجاءٍ وتناجيه بعدمِ الكذب، حينها ابتسمَ بصدقٍ وهو يهمس : شديد مثل أمه لا تحاتين
أغمضت عينيها براحةٍ وكفّها تشدُّ على بطنها بقوّة، هو بخير، بخير، الحمدلك يا الله، الحمدلك.
لم تكُن لتتخيل أن تفقده بعد كل هذا، بعد كل الشدِّ والجذب الذي كان، وبعدَ أن استُنفذت اليوم بكل مشاعرها التي أطلقتها تجاهه من قهرٍ وغل، ليس بعد كل ذلك تذهب، لا حقّ لك، لا حقّ لك.
بقيَت مُعمضةً عينيها وهي تشعر أنها تريد النوم، تريد السفر للبعيد، دون أن تُحادثه، ودون أن تُرهقَ نفسها مرةً أخرى بانفعالها، من هو ليكون السبب في انفعالها وذهابِ ابنها؟ من هو؟
ودونَ شعورٍ كان النوم قد سرقها فعلًا، بينما بقيَ سيف يُراقبُ ملامحها بشرودٍ وكفّها التي يعانقها بكفيها ترتفعُ إلى شفتيه ليُقبلها أخيرًا بعمق، ونظراته على سمراءتِه، على ام ابنه القادم!
تنهّد وهو يتركُ يدها ويتراجعُ للخلف، هناكَ أمرٌ آخر يجب عليهِ فهمه، يجب عليه التأكيد من شكوكِه نحُوه .. أمــــه!


،


يجلسُ على كرسي مكتبة، أمامه ورقةٌ بيضاء خطّ عليها كلماتِ اللغز، وفي يدهِ قلمٌ أسود يتراقصُ بتراقصِ ذهنه.
أولُ كلمةٍ " ست "، والثانيةُ " بين الواحدِ والأربعة ".
وضعَ القلمَ على الكلمةِ الأولى وبدأ يخط عليها من جديدٍ ويكرر الكلمة بتكرار الركض فوقها، وصوتهُ يهمسُ بشرودٍ وتفكير : ست ، ست ، الرقم ٦!!
تراجعَ ظهرهُ للخلفِ حتى اصتدمَ بالكرسي المكتبي وهو يُكمل سيرَ شرودِه : طيب وش اللي يخليني أتأكد أنه الرقم ٦! * أعاد نظرهُ للورقةِ ليهمس * ليه ما كتبها طيب " ستة "!!
عقَد حاجبيهِ وهو يشعر بالصداعِ يتسلل إلى رأسِه، زفَر بخشونةٍ ليبدأ بالضربِ على الورقةِ بالقلمِ وذهنه يحاول بكل ضغط الدنيـا فهمها، لن يرتاح حتى يفهمها، لن يرتاح حتى يفهمها!!
رفعَ رأسه للباب على صوتِ الطرق، ليزفرَ وهو يهتف بصوتٍ مرتفع : تفضَل
فُتح البابُ ليدخلَ حينها فواز مبتسمًا له : السلام عليكم
ابتسم عناد ليقف مرحبًا لهِ وهو يلفُّ حول مكتبه حتى وصل إليه : وعليكم السلام حيّ الله من جانا
فواز وهو يصافحه : الله يحييك ، كيفك؟
عناد : الحمدلله نشكر الله شلونك أنت؟
فواز : تمام ، فاضي الحين؟ ما أشوف حولك أحد
عناد : أيه ماخذ لي بريك
وبعدَ دقائق، كان فواز قد جلسَ على إحدى الأرائك الجلدية وأمامه عناد وبينهما الطاولة الخشبية، وصل للموضوع الذي يهمه، الموضوع الذي جاء خصيصًا لأجلهِ كما السلام، هتفَ بجديَة : وبخصوص موضوعنا
تبدّلت نظرات عناد للجديّة ليهتف : شفيه؟
فواز : متى بترجع تكمل؟
اعتدلَ عناد في جلستِه بثقةٍ وهو يفردُ ذراعيه على الطاولة وينظر لعيني فواز بطريقةٍ عملية، وبصوتٍ جاد : شوف فواز ، احنا توقفنا عشان سفرتكم وزواج أختك ، بس أنا قلت لك قبل أن فيه تطور بآخر مكالمتين قبل سفرتكم ، كانت تاخذ وتعطي شوي شوي
فواز بتركيز : أيه
عناد : فيه شيء اختلف فيها، واضح إنّ فيه شيء مضايقها ومكدرها عشان كذا بدت تاخذ وتعطي وتعبر عن ضيقها
عقَد فواز حاجبيْه محاولًا تذكر ما الذي استجد في آخر يومين قبل سفرهما، لا شيء سوى زواجـه! وأيضًا شعوره بالبُعد عنها! ... ازدادَ انعقادُ حاجبيه وهو يشعر بضيقٍ جسيمٍ في صدره، هو سببُ ضيقها التي تضاعف، هو سببُ كدرها منذ ابتعد، تضايقت لابتعاده، فماذا ستكون ردّةُ فعلها إن علمت بزواجه؟
كان عناد يراقبُ ملامحه وشروده، لكنّه لم يسأله بشيءٍ وهو يُردف بجدّية : اللي اكتشفته من آخر اتصالين إنّي ما أقدر أساعدها
ارتفعت نظرات فواز بسرعةٍ ودهشةٍ إليه، وبانَ القلقُ الذي انتشر على ملامحهِ من تلك الجملةِ التي تنثر العديدَ من الإحتمالات، أخطرها أن حالتها - صعبة -، هتفَ بقلقٍ واضحٍ في نبرتهِ وهو يضوّق عينيه بخشية : وش تقصد؟
عناد بهدوء : لا تخاف ، حالتها ماهي صعبة، بس تحتاج دكتورة تحكي معها وجه لوجه، واضح إنها متأثرة بحادث قديم صار لها * صمت ينظر لردة فعل فواز قبل أن يُكمل بجدّية * شيء مثل اعتداء أو من هالقبيل
فتَرت ملامحُ فواز وسقطَت عيناهُ للطاولـةِ بوهنٍ وقلّةِ حيلة، تلك الحادثةُ القديمة، لا ليست قديمة، تلك الحادثـةُ التي مرّ عليها سنةٌ حتى الآن، لازالت تجري على جيهان وتؤثر بها، كيف لم يفكّر بذلك؟
بلل عناد شفتيه وهو يدقق النظر في ملامحِ فواز، قبل أن يهتف بثبات : زوجتك ما تثق في أحد، خصوصًا صنف الرجال، وواضح إنّ هالصفة فيها تضاعفت من قريب
بقيَ فواز ينظرُ للطاولةِ بصمت، يُسافرُ بعقلهِ للبعيد، لا تثق بأحدٍ منذ تلك الحادثـة، وتضاعف ذلك الآن، هل ذلك منه؟ أم من والدها التي ساءت علاقتها معهُ وجدًا!
شعرَ بكفِّ عناد تستقرُّ على كفهِ على الطاولة، وصوته اندفعَ إليه هاتفًا بحزم : ما تثق في أحد سواك
ارتفعَت نظراتُ فواز إليه بسرعةٍ وعدم استيعاب، بينما ابتسم عناد ابتسامةً تكادُ لا تُرى وهو يُكمل : زوجتك من النوع اللي ما تحكي ، تسفهني كثير بس إذا حكت أقدر أستنتج من كلامها الكثير ...
تركَ كفّ فواز وأعاد ظهره للخلف وهو يُردف : تقدر توضح لي أكثر؟

.

.

.

انــتــهــى

طبعًا واضح ان البارت قصير، ما كان عندي غير انزله بهالوقت لأني طالعة بعد المغرب وماني راجعة إلا بوقت متأخر، موقف سلطان وغزل واللي صار - بالأمس - كان المفترض يكون كله بهالبارت بس اضطريت اقطعه من العجلة.
عذرًا منكم :( العوض في البارت القادم بإذن الله.



ودمتم بخير / كَيــدْ !


أبها 13-08-15 09:29 PM

ماشاءالله تبارك الله ..
وصف دقيق وعجيب لمشاعر ديما وسيف..
ديما ..مشاعر الأمومة التى طغت عليها و أعمت بصرها
وهيجانها وسيل الكلماتالتي رشقت سيف بها
كل ذلك صوّر له إنها أنثى مخادعة مثلها مثل
بثينه ..بينما هي حقيقة تحبه وتكنُّ له مشاعر جميلة .
أشفقت اليوم على سيف شعوره بالإنكسار والإستغفال !
وأشفقت أيضاً على ديما محاولتها الظهور بمظهر القوي
بينما هي هشّة سقطت سريعاً كورقة الخريف .
ليت سيف يعي حاجة ديما للأمومة و يحتويها فهي تستحق .

شكرا من القلب أختي كيد .

bluemay 14-08-15 07:46 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


مبددددعة هنودتي ...


عن جد ع قد ما هو قصير ع قد ما هو دسسسسم ورائع


مشهد ديما وسيف توحففففة ما حصلتش

يا أني أتأثرت فيه وقام قلبي يسوي بلهوان ههههههه

والله ع قد ما كنت مقهورة من سلبيتها وضعفها ع قد ما عوضتيني وفرحتيني فيها بهالفصل.

سيف أمممم حزنت عليه آآد كده هو . مو كتير شوي صغيرة ﻷنه بلش يحس فيها بس خرجو الله لا يقيمه

موقف المستشفى كان روعة كمان وحبيت الطبعة الجديدة من ديما ايوا كده خليك طف قيلر وما تهتمي .




غزل لمتى رح تضلي تحترقي بنارك ؟!!

ما لك غير تفتحي قلبك لسلطان وقبلها تقوي صلتك بربك .

مشهد الصلاة كان مؤثر . الحمدلله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله.






فواز طيبتك ما بتستاهلها جيهان قوي قلبك ، ما رح تخسر اكتر من اللي خسرته . عندي شعور انه رح يمل قريب وتمقلب اﻷدوار وتصير هي اللي تدوره دوارة.




تميم هادا ما هضمته بنوب.. وشكله في مصيبة وراه الله يستر منه.




يسلمو ايديك يا قمر .. متشووووقة كتير للي جاي


تقبلي مروري وخالص ودي

○° الله أغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله ، وأوله وآخره ، وعلانتيته وسره .°○

fadi azar 14-08-15 10:00 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
الحمدالله ما توفى الجنين ديما انتظرته كثيرا وعجبتني قوتها وسيف ليس معه حق يزعل هو عنده ولد وديما تحتاج ان تشعر بالامومة

بحر عذب 16-08-15 06:41 AM

مرحبا بالجميع من متابعي الروايه ولكن اول مره اعلق حلو البارت بس قصير وان شاء الله تعوضيننا بارت طويل وتربدين قلوبنا من سيف وعمايله بديما ياقلبي عليه الله يعينه عليه 😳
فواز وسلطان وشاهين نبي منهم نسخ كثيره اه يازين صفاتهم والله يعوضهم خير عن زوجاتهم وخاصه الغثيثه جيهانوه ياختي يكفي تخطي الصدمه وعيشي حياتك 👊
وبس هذا اكثر شي متحمسه له
ايه نسيت تميم هذا يستهبل ولا ايش سالفته بانتظار البارت الجديد عشان نكتشفه
مشكوره حبيبتي والله يمدك بالصحه والعافيه 😍

كَيــدْ 17-08-15 05:40 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 


















السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا حيّ الله خزامى وكل قارئ جديد ، كلماتك فخر لي ووسم على جبيني :$$ - على فكرة أحب اسمك الفخم -

بخصوص البارت ، فهو بينزل بس بوقت متأخر من الليل ، يعني ما بين 12 لـ الفجر لأني طالعة وماني راجعة الا متأخر

فانتظروني ، :" + البارت الجاي بعطيكم حق اختيار الشخصيات اللي تبونها بارزة أكثر شيء
اللي ودكم يظهرون بكثرة اكتبوا أسماءهم بالردود وأكثر شخصية أو زوج ينذكرون بتشوفونهم بِـ شكل مكثّف في البارت الـ (46) -> يمه يالرقم القميل * فضاوة * :biggrin:

وعمتم مساءً الفجر ينتظرنا (())



كَيــدْ 18-08-15 02:04 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 

سلامٌ ورحمةٌ من الله عليكم
صباحكم / مساؤكم طاعة ورضا من الرحمن
إن شاء الله تكونون بألف صحة وعافية


بارت اليوم إهداء لـ " العنود " الحلوة ، ولا نردك يا بعدي " قبلة "

قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر ، بقلم : كَيــدْ !


لا تلهيكم عن العبادات


(45)




عـودةٌ للأمس.
تنظر لصحنها بشرود، الشوكةُ تلتفُّ على المعكرونة وعيناها الناظرتين بفراغٍ إلى ما يحدث في الصحن تُقرءُ عينيه بشرودها، كان وجهها الشاحبُ ظاهرٌ له بكلِّ تشنجٍ وانقباضٍ عند كل فكرةٍ يجهلها، عند كل حزنٍ ينقبض في عينيها، " الشيلة " تلتفُّ حول رأسها بفوضويةٍ وخصلاتٌ من شعرها فرّت من أسفلها.
أفكارهُ تتوه فيما يخصّها، يلحظُ انقباضَ كفّها اليسرى على نقابها المستقر فوق الطاولـة، يلمح كلّ ما يدلُّ على توترِ أعصابها وتفكيرها السلبي، على سفرِ عقلها بعيدًا عن هذا المُحيطِ وهذا الكوكبِ برمّته، ربما لو أنّه كان طبيبًا نفسيًا لاستطاع فهم كلّ جزءٍ فيها، فهي واضحةٌ تمامًا! مهما حاولت إخفاء ما يخصّها إلا أنها واضحة، فقط ينقصه الخبرة ليفهم كلّ شيءٍ عنها.
كل ما استطاع قراءته في عينيها الآن هو أنّ ماضيها يُقيّد حياتها، حاضرها يقيّد حياتها! لم تعِش في أجواءٍ طبيعيةٍ مما تسبب لها بعدم الثقة التي تدفعها لتصنع العكس من ذلك والدفاع عن نفسها بشكل شوارعيٍ وكأنّها خلقت في أجواءٍ بعيدةٍ عن المنزل.
ربما تاهَ الزمـان في غزلِها وفُقدَ خيطٌ تحتاجه بكل قوّةٍ لتعيش، ويشعر بكلِّ عنفٍ أنّ المسؤولية تلقفها هو تلقائيًا منذ شعر بها ومن الواجِب عليه العثورُ على الخيطِ الذي افتقدهُ تكوينها وتكوّنت بشكلٍ غيرِ سوي. ليسَ من العدلِ أن تعيشَ بهذا الحُزنِ وهي معه، لن يرضى عن نفسه إن شعر بتعاسةِ إنسانٍ قُربهُ وصمَت.
هتفَ مبتسمًا وهو ينظر لعينيها الغائبتين عنه : ليه ما تاكلين؟
رفعَت عينيها إليه ما إن سمعَت صوته الذي انتشلها من عالمها المُظلم، عالمها الذي تتوهُ فيهِ غياهبُ الأرضِ برمّته وتسقُط فيه نيازكُ التعاسة، عيناها أقوى مثالٍ على البحرِ العميق الذي يحفظ في قلبهِ أسرارًا وتئن فيه الدمُوع.
همَست بعد لحظتين من نظرها له : قاعدة آكل
سلطان بسلاسةٍ وهدوء : ما أشوف هالشيء
لوَت غزل فمها وهي تعود للنظر إلى صحنها، بينما ارتخت يدها التي تُمسك بالنقابِ لترتاح أناملها من الشدِّ القوي الذي تبذله عليه، هذهِ الجلسَةُ تذكّرها برفرفاتٍ من الماضي الجميلِ والتعيسِ في ذات اللحظة، الماضي الوحيدِ الذي اجتمع فيه شعورين متناقضين في هذا المطعم، في طاولـةٍ أخرى لكنّ المكان نفسه، الإنارةُ نفسها، الألوانُ نفسها والطعامُ نفسه، لمَ يُكرر الماضي نفسه بهذهِ الصورةِ البشعة؟ لمَ يكرر نفسه بمشاعر مختلفةٍ عما كانت قبل أشهر؟ سكنَت مشاعرها لدقائق، لدقائـِق قبل أن تُصدم بأن سلطان قد أحضرها هنا وجدّد الأمواج في صدرها لتعيش في مدٍ وجزر، لم تهوى يومًا البحر، لم تهوى يومًا الغطسَ في قلبِه، لم تهوى يومًا أنينَ المخلوقاتِ فيه إلا أنها أخيرًا كانت محارًا فقدَ لؤلؤته وضاعت بين حناياه، غابَ عنها أنينُ الحيتانِ المتوَجعةِ في قلبه لينتقل شعورها إليه ، لم تهوى البحر يومًا، لكنَّ كل الهوى يُخالف.
رفعَت الملعقةَ إلى فمها لتردّ على كلامه بهذهِ الحركة، حينها التوَت ابتسامته قليلًا باستياءٍ من ردّةِ فعلها الصامتة إلا أنه أيضًا صمَت وأكمل طعامه.
يا الله! المكان ضيّق، واللهِ ضيّق، الذكرى تُطبقُ على صدرها، تشعر بأحشائها تلتوي ولا تستبعد أن تتقيأ الآن تحت هذا الضغطِ من الماضي .. لمَ أحضرتني هنا؟ لمَ ضربتني بهذا المكان الذي هجرتهُ وعاهدت نفسي على أن لا أجيئه! الجدران تُطبق علي، الطعام سيء، مُقززٌ ورغم فراغِ معدتي إلا أنني سأتقيأه.
لم تُكمل سيل تفكيرها حتى شعرت بأحشائها تلتوي بشدةٍ أكبرَ لتندفعَ بسرعةٍ نحوَ سلّة القمامةِ وتطرحَ القليل الذي في معدتها في جوفِ السلّة، بينما اتّسعت عينا سلطان متفاجئًا وهو يندفعُ واقفًا ويتّجهُ إليها بعد أن جلَست على ركبتيها فوقَ الأرضِ الباردة ومعدتها تقذفُ كل قطرةِ ماءٍ وقطعةِ طعامٍ منها حتى شعرت أنها ستتقيأ دماءها أيضًا، وجَعها أيضًا، الدّمعَ التائه في عينيها الآن، الكلماتُ التي تتكوّن على فمها وتنكسرُ في ذاتِ اللحظةِ والعتاب، العتابُ القاسي على نفسها، الندمُ الذي لا تريد الاعترافَ بِه، الصوتَ الداكنُ في أعماقها والذي يُريدها أن تستيقظ من غفوتها وغيبوبتها التي طالت، كل شيءٍ يُريد أن يُقذف، كلُّ شيءٍ عداكِ يا ذكرياتي الأليمة، يا الجلداتِ على ظهري بعد سقوطي، يا الصراخِ الذي لا زال يخترق أذناي ودمعِي، دمعِي الذي بالرغمِ من كل شيءٍ لم يسقط أمامَ أيٍّ كان.
شعرَت بكفّ سلطان على ظهرها يدلكهُ برقّة وهو يلفظ بكلماتٍ ما لم تلتقطها، ارتجفَت وهي تكره هذا الاقتراب، لكنّ شهقاتها التي بدأت ترتفعُ لم تسمح لها بالصراخِ في وجههِ بقهرها منه، لأنه أعاد ذكرياتِها، أعادَ وجَعها وسقوطها وهوانها.
هتفَ سلطان بقلق : بسم الله عليك ، * عقَد حاجبيه بعنفٍ ما إن لحظ دمعةً سقطت من عينها اليُسرى * ليه البكا الحين؟
" آآه " ، تسللت تلك الآهةُ اليتيمةُ من بين شفتيها وهي تترك لعيناها حقّ البكاء، حقّ الضعف الذي أعاد تكوينه سلطان في عينيها وجدّد بها هوانها لكن القليل من راحتها، القليل فقط!
وقَف سلطان ليتّجه للطاولةِ ويسحب مجموعةً من المناديل ليعود إليها ويجلس القرفصاء بجانبها، مدّ يده بالمناديل وهو يهتف بصوتٍ قوي : خذي
وجّهت حدقتيها إليه دون أن تُدير رأسها، تنظر إليه من زوايا عينيها وإلى ملامحهِ الجامدةِ بحزم، حينها مدّت يدها لتتناول المناديلَ وتمسح دموعها وفمها ومن ثمّ ترميها بقوةٍ في سلة المهملات وتقف بشدة، وقفَ سلطان معها وهو يهتف بتساؤل : وش فيك؟
غزل توجّه نظراتها الحادة إليه وهي تشعر كم أنها حاقدةٌ الآن عليه، على كونِه أحضرها هنا وأوجعها، على كونِه أعاد صورَ الماضي لتومض أمامَ عينيها بكلِّ الرماديّة المتشعبةِ فيها، هتفت بقهرٍ وحقدٍ متجاهلةً سؤاله : ليه جبتني هنا؟
نظر إليها سلطان بحاجبين منعقدين استنكارًا، وبخفوت : عفوًا!
غزل بانفعالٍ لم تبالي بكلماتها : متعمد! متعمد صح؟ تبي تحرني وتقهرني؟!!
لازال انعقاد حاجبيه يتضاعف، لم يفهم معنى كلماتها المندفعةِ إليه دونَ وعيٍ وهجومها الغريب! إلا أنهُ هتف بحزم : أحرك وأقهرك؟! ... غزل شالسالفة؟
غزل بقهرٍ وهجوم : أنت عارف أن هالمطعم أكرهه! من كل قلبي أكرهه ورحت تجيبني له عشان تزوّد علي بعد اللي صار
تنهّد وهو يجهل ما تعنيه حرفيًا، لم يستوعب معنى كلامها الهجومي لكن يكفي أنه أدرك بكونه هجوميًا وغير منصف، هتف باستفسار : ومن وين بعرف انك تكرهينه؟
غزل بقهر : مدري عنك
سلطان بحزم : غزل! وش هالخرابيط الحين؟
قوّست شفتيها بوَجعٍ وهي تهمس : خرابيط؟ ضيقي خرابيط؟
سلطان : لا حول ولا قوّة الا بالله ،
أمسكَ كفّيها بجدّيةٍ وهو ينظر لعينيها الحزينتين بثباتٍ ويهتف : بالعقل ، وين بعرف إنك ما تحبين هالمطعم؟ ، وبعدين الغلط منك ليه ما حكيتي قبل لا نجلس؟
نظرَت لعينيه للحظاتٍ تحاول قراءة الصدق الذي لطالما يكون واضحًا في عينيه، وحين وجدَت سطوره زمّت شفتيها وهي تُخفضُ رأسها لتسقطَ خصلةٌ من جديلتها على وجهها كانحناءِ الغصنِ في وسطِ غضبِ الشتاءِ وريحها، لكنّها غُصنٌ جف، لم يلِن، فانكسرَ مع أول بادرةِ ريح، انكسَر وانتشر صوتُ تحطّمه بكل حشرجةٍ وبكاءٍ حملته الريح على أكتافها.
عضّت طرفَ شفتها السُفلى بقوةٍ حتى كادت أن تدميها، انتشر الألم في شفتها لكنّه لا شيء أمامَ ألمها، بينما بقيَ سلطان يتابعها بصمت، يقرأ ملامحها وتعبيراتِها المستوجعة، يحاول فهم شيءٍ قليلٍ منها يكفيه لليوم، وجاء صوتها الذي بثَّ إليه ماهو مُحيّّرٌ فوق حيرته، بصوتٍ ذهبَ وعيُه بعد أن سافر عقلها وعاد لماضيه في هذا المكان، للضحكات الخجولةِ التي سافرَت هنا قبل أشهرٍ واغتربت الآن عن صوتها وشفتيها : جيت هالمكان مرة ، مع شخص عزيز على قلبي ، كان أسوأ اختيار لي لما جيت!
رفعَت نظراتها إليْهِ وعيناها تتمايلانِ بتمايزِ الحُزنِ والذكرى فيه، لتُردف برجاء : أبي أطلع من هنا ، ما أحب هالمكان ، أبي أطلع! حاسه أني مخنوقة من ريحته ومن ألوانه ومن كل شيء
نظرَ إليها للحظاتٍ بصمت، من الواضِح أنّها بحرٌ عميقٌ لم يصطد منهُ شيئًا، بئرٌ عميقٌ لم يستطع أخذ رشفةٍ منه، ما الذي تخفيه؟ ما كانت حياتها التي عاشتها سابقًا؟
شعَر بها تتعلّق بذراعِه اليُسرى وتُردف برجـاء : خلنا نطلع ، أكره هالمكان
أومأ بصمتٍ دون أن ينبس ببنت شفة، كان بإمكانه أن يرفضَ حتى تفسّر له كل شيءٍ وتُزيل حيرته، لكنّ ذلك خاطئًا الآن في معمعةِ وجعها ووقوفها هنا.
بعد دقائق كان يُراقبها وهي تَرتدي النقابَ بعد أن عاد إليها وقد دفعَ فاتورة العشاء الذي لم تذُق منهُ سوى القليلَ وذهَب، هتفَ لها بهدوء : نمشي
رفعَت رأسها إليه ليلمحَ الدموعَ التي كانت متحجرةً في عينيها ولم تنفر من جفنيها بعد، لكنّ كل قطرةٍ منها كان لها معنى، لها لمحةٌ من ذكرى، ضوءٌ من ماضٍ لازال يجري حتى الآن.
نهضَت بصمتٍ يوازي صمته، والفرق أنّ صمتها حزينٌ وهو حائـر، خرجا من المطعم وصعدا السيارة، بينما ارتمى بظهرهِ على المقعدِ ليرفعَ رأسهُ للأعلى متنهدًا مُغمضًا عينيها بصمتٍ دون أن يتحرّك وبقيَت هي ساكنةً للحظاتٍ تنظر للأمـام، تنتظر متى ستتحرك هذهِ السيارة بعد أن تتحرّك كفاه وتمسك المقود.
مرّت دقيقتين وهو صامت، ذراعهُ تسترخي فوق عينيه، لم يتحرّك حتى تتحدث، ولم يتحدث هو حتى تبدأ، وكان له بالفعل ما أراد إذ لم تمرّ الدقائق طويلةً حتى هتفت وهي تُدير رأسها إليه باستنكار : ليه ما تتحرك؟
سلطان دون أن يُزيح ذراعه عن عينيه : ليه أتحرك؟
غزل تعقد حاجبيها استنكارًا : تبينا ننام هنا مثلًا؟!
أنزل ذراعهُ بهدوءٍ وأدار رأسه إليها لتتوترَ عيناها بنظراتهِ وتشتتهما، أنزَلت رأسها بتوترٍ وهي تتمنى أكثر من أي شيءٍ آخر أن يتحرّك ويبتعد من هذا المكان الذي تفوحُ فيه رائحةُ عطرٍ لن تنساهُ ما عاشت ولن يغيب عن أنفها الذي نسيَ كل الروائح وفقد شهيّته بها حتى هذا العطر.
ارتعشَت أطرافها لصوتِه الذي همسَ بجديّة : ليه تكرهين هالمكان؟
رفعَت أنظارها إليه باضطرابٍ وهي تشدُّ شفتيها بارتباك، تتشنج ملامحها بوجَع، ينقبض قلبها بهوَان، همَست بتحشرج : مالك شغل بهالشيء
سلطان رفعَ إحدى حاجبيه، وبصوتٍ أشبهَ بالفحيح يسترخي فيهِ الإصرار : تبينا نحرّك؟
ضوّقت عينيها وهي تتنحنح وتُدير رأسها ناحية الطريقِ بعيدًا عن عيناه : شرايك؟
سلطان : أجل ماني محرّك لين ما تحكين
أعادت رأسها إليهِ بقوةٍ وعيناها تلتمعان بغيظ، ما الذي يريده بالضبط؟ ما دخلـهُ بها؟ ألا يكفي أنه حشر أنفه في الصلاةِ وبلبسها ليجيء الآن ويستثير ذكرياتها رغمًا عنها؟
هتفت بصوتٍ حاد : وأنا ماراح أحكي ، نـام هنا وأنا بنام عادي عندي
سلطان بهدوء : تبين تقنعيني أنك مو متضايقة من الوقفة هنا؟ ترى قاعد أقرا عيونِك
" أقرا عيونِك ، أقرا عيونِك ، أقرا عيونِك " ... لم تشعر بنفسها إلا وهي تنخرطُ باكيةً عند تلك الكلمتين، كل شيءٍ يرتبط بزمنٍ ما، بلحظاتٍ ما. يقرأ عيناي؟ هل كلُّ من يمر في حياتي يقرأ عيناي؟ هل كلُّ من يراني يُطلق تلك الجملةَ الكاذبة؟! .. وضعَت كفيها على وجهها وهي تشعر أن كلَّ حرفٍ أطبقَ على صدرها، مرر حدّته في وسطِ قلبها واستوطنَ حجراتهُ الأربعة - الممزقة -، جاورَ رئتيها واعتمد الإختناقَ لهُ عادة، اعتادت الأحرف خنقي، اعتادت الكلماتُ حشرجة الفرحِ في صدري، كل الأبجديّات كاذبة، ولو أنها صدَقت لشرحَت كل الحزن الذي استوطنَ فيّ وتشعب.
شعرَت بكفيه تُمسكان بكفّيها اللتين تشبثتا بملامحها بكلّ قوة، وكأنها تُخفيها عن العالم ووجعِه، تُخفيه عن ضرباتٍ وخيباتٍ جديدة، عن حزنٍ يعبرُ ولا يكون عابرَ سبيل، عن مرورٍ لن يُسمى يومًا مرورَ الكرام ، كل شيءٍ يمر مرورًا عاديًا، يمرُّ مرور الكرام، عدا الحُزن يبقى أثرهُ فوقَ الملامحِ وبين الحاجبين في عُقدةِ ألم.
هتفَ سلطان بخفوتٍ وهو يسحب كفيها بقوةٍ بعد تشنّجها بكل عنف : غزل ، وش صار ليه البكا الحين؟!!
غزل ببكاءٍ ونحيب وهي ترفعُ وجهها إليهِ وقد تبلل نقابُها بالدمع : ما أبي أجلس بهالمكان يا سلطان ، ريحته ذابحتني! ذابحتني !!
سلطان بإصرار : ليه طيب؟
غزل باستسلام : جيته مرة وحدة، مع أقرب الناس لي ... ومات!
سلطان يعقد حاجبيه : مات!
غزل بحزن : أيه ، كان آخر يوم ، أول يوم وآخر يوم
سلطان ونبرتهُ تحمل الكثير من - عدمِ الفهم - لمصطلحِ مات الذي تقصده : كيف مات؟
غزل : مات بس
سلطان دون أن يكون اكتفى، ومن يكتفي بالقليلِ المُبهم الذي قالته؟ : ومين هالشخص؟
عضّت باطنَ خدّها وهي تنظر للأسفل بفراغ، تحركت أناملها في باطنِ كفّها الأخرى وهي تبتسم ببهوت، لقد انسلخت أمامه! للمرة الثانية هاهي تنسلخ أمامه، للمرةِ الثانيـةِ ها أنت تفعلها بي وتُحشرج الماضي في صدري.
همَست بأسى تبتر الموضوعَ قبل أن يصل لنقطةٍ لا يُحمد عُقباها : وحدة من صديقاتي ، نسيتها من زمـااان
اعتدلَ سلطان في جلسَتِه لينظر للأمـام، أشغل السيارةَ دون أن يُحرّكها وملامحه تسكُن بصمت، بينما استراحت كفّاهُ على المقودِ وامتدَّ الصمتُ للحظاتٍ طويلةٍ قطعها بعد صمتيْن : وش صار طيب؟
أدارت رأسها عنهُ إلى النافذة وهي تُغمضُ عينيها وتسند رأسها على الزجاجِ البارد، يتعقّلُ الصمت في حنجرتها لثوانٍ قصيرةٍ قبل أن يتمرد، قبل أن يُخاطر و " يحكي " الماضي في صدرها مسيرةَ ضيقِه، بهمس : أوجعتني، بكل قسوَة أوجعتني
عقَد حاجبيه وهو يحرّك السيـارة، سكَنه الاستنكار وعدم الفهمِ التـام لمقصدها، لكلامها المُبهم الذي لا يروي إرادةَ معرفته، ما معنى ماتت؟ هل ماتت بالمعنى الفعلي؟ أم أن مقصدها ماتت في قلبها! على الأرجحِ أن مقصدها هو المعنى الثاني، لكن أيملك الحق ليسأل؟ لكن من الواضح له بأنّ هذا الماضي لهُ علاقةٌ فعليةٌ بها الآن، فهل له الحق ليسأل؟
فتحَ فمه ليطرح سؤالًا آخر كي يفهم أكثر، بالرغم من كونِه لم يفهم شيئًا أصلًا! لكنّ صوتها الشاردَ انبعثَ من الظلامِ الباردِ ومن بؤرةِ الأيـام الذاهبَةِ والباقيَةِ في روحها، تنثر مافي صدرها بشكلٍ مبهم، بطريقةٍ تُزيح الحقيقة الكاملة ، فقط للـ - فضفضة - : كنت أثق فيها بكل جزء فيني ، هي الوحيدة اللي قدرت أكون معاها مبتسمة، أضحك، أنسى كل الهموم اللي تذبحني في البيت
بقيَ يستمع بصمتٍ إليها ويده تسترخي على المقود، بينما أكملت بهمس : كانت كل ما سمعت صوتي متضايق تقولي ليه تتضايقين؟ الدنيا ما تسوى! .. بس اكتشفت الحين أنها تسوى
أدار حدقتيه إليها بصورةٍ خاطفةٍ ثمّ أعادها للطريق، لو أن الدنيـا " تسوى " لمات هو منذ زمن! لو أن للدنيا قدرٌ كبيرٌ لانتهى الإنسانُ منذ أول عثرةٍ وهَمْ. سمعها تُكمل بخفوت : كانت تسميني لبوة وضروري اللبوة تكون قويّة ، تُضرب فيها الأمثـال .. بس ما كانت تدري أنه بسببها اللبوة ماتت ، ما عاشت اللبوة بدون أسدها!! اللبوة ولا شيء! ولا شيء بهالدنيا اللي - على قولتها - ما تسوى.
عقدَ حاجبيه بقوةٍ وهو يُدير رأسهُ إليها، نظرتهُ كانت مُظللةً بغماماتِ الاستنكارِ لكلامها الذي لازال حتى الآن مُبهم! بل تضاعفَ مدى كونِه مُبهم!
صمتت بعد الذي قالته، بينما كان ينتظر المزيد، ينتظر ماقد يُشبعُ استفساراتهِ وما يحتاج، تتماوجُ فيه الرغبةُ بتغيريها كليًّا، بمسحِ الحُزن من عينيها، بمحقِ النبرةِ الكسيرةِ والإهتزازِ في صوتها، ولن يصبح هذا واقعًا إلا إن عرَف عنها ما يكفي لإمداده بالعون.
لكنّ صمتها طال، طالَ بشدةٍ حتى غابَ كليًا عدا من أنفاسها المُصتدمةِ بزجاجِ النافذةِ الباردة، ودمعها الذي يلتمعُ في عينيها كان غائبًا، ساكنًا، ينتظر ما يستثيره مرةً أخرى ويُنفره.
لم ينطق بشيءٍ وأكمل طريقه، مرّت الدقائقُ في صمتهما ولا يقطع هذا الصمت سوى أنفاسهما، بينما رأسها يسترخي على النافذة، يمتلئ جسدها بالإسترخاء ويا ليته يطولُ روحها، يطول قلبها، وليتَ تبقى ليت، ويا للخيبةِ حين تتدحرج ليتَ في حياتِها، حين تخترقُ أمانيها، ليتَ لا تأتِ إلا حين يصلُ الحُزن واليأس في الإنسانِ لأقصاه، حين يغرق في الحزنِ إلى أذنيه، امتلأتُ بالوجَعِ يا الله حتى غبتُ عن نفسي وفقدتها، حتى غابت شمسي وعشتُ بين الليلِ والنهار، لا شمسَ ولا قمر يمدُّني بالضيـاء، أنـا الفقيرةُ لكلِّ شيء، العاجزةُ عن السعادة، الواهنُ فيها الفرح والغائب عنها الضحك، تجري الرياحُ الباردةُ عليَّ فتجففني وأتشقق كأرضٍ افتقَدت المطر، أحتاج المطـر! أحتاجه بكل قطرةِ حياةٍ بقيَت بي وبكل موتٍ استحلني.
شعَرت بالسيارة تقفُ بعد دقائق طويلة، لم تتحرّك ولم تنظر أين توقفوا، كل ما تعلمه فقط أنها فتَحت أبوابها المُحطّمة له مرةً أخرى وتحدّثت عن القليلِ في صدرها، تحدّثت ولم تتحدث! لكنّها أخرجت القليلَ مما في صدرها.
سمعَت صوت بابِ سلطان يُفتح، ومن ثمّ أُغلقَ بعد خروجهِ لينقبضَ قلبها، لكنّها تعبَة! ولا تُريد مضاعفة تعبها بالتفكير في المكان الذي ذهب إليه أو أنها لوحدها هنا!
مرَت الدقائقُ قصيرةً طويلةً بتوقيتها، قبل أن تسمع البابَ يُفتح من جديدٍ ويدخل سلطان مع خشخشةٍ جعلتها تُدير حدقتيها إليه وتنظر لما أحضره، حينها مدّ يدهُ بكيسيْن إليها لتقطّب جبينها، وقبل أن تسأله كان صوته قد اندفعَ مُجيبًا عن سؤالها الذي ارتسمَ في عينيها : ما تعشيتي ، أكيد معدتك محتاجة ولو لقمة ... خذي كلي
تشعر بالجوع، لن تنكر أنّ معدتها تبكي جوعًا، لذا مدّت يدها بصمتٍ لتأخذ " الشاورما " وعصيرَ البرتقالِ الطازج، بينما أغلق الباب وحرّك السيارة بصمتٍ وبدأت هي بالأكلِ بصمتٍ مماثلٍ لصمته.

بعد رُبع ساعة
كانت قد انتهَت من الأكل، واستكنَت كفّاها في حجرها، تنظرُ لسوادِ العباءةِ بعيني الفراغ، تحاول العثورَ على نقطةٍ بيضاء وسط هذا السواد، هل تشبّه نفسها بالعبـاءة؟ لربما كان هذا هو التشبيه الأقرب إليها، إلى صورتِها التي تنعكسُ في المرآةِ هالـةً سوداءَ أو التشبيهُ الأعق - شَبح -! كم من البلاغةِ تحتاجُ حتى تصفَ جوعها للحيـاة؟ كم من الأبياتِ تحتاجُ حتى تُنصف نفسها بقصيدة؟ كم من الصفحاتِ تحتاجُ حتى تخطّ حياتها التي ضاقَت بحُزنٍ وبُكاءٍ وصفعات؟ ، الأوراقُ لا تكفي، الأقلام تجفُّ قبل أن تنتهي، الحواراتُ الصامتةُ بينها وبين سطرٍ تنكسرُ في معمعةِ الحكاياتِ السعيدة، يا الله! كم من النقص الذي فيها حتى عاشَت بهذه التعاسةِ أربعةً وعشرون عامًا، لا تستبعد أيضًا أنها كانت طفلةً تعيسة، كما كانت مراهقةً تعيسة، كما أصبحَت شابةً تعيسة، مُلخصٌ يشرحُ كل شيء، ملخصٌ من جملٍ ثلاثٍ وتسِع كلمات.
كانت طفلةً تعيشة، كانت مراهقةً تعيسة، وأصبحَت شابةً تعيسة
لا تُنصفني سوى كانَ وأخواتها، فأنا كُنتُ وصرتُ وأصبحتُ وأمسيتُ تعيسةً ملء السماوات والأرض.
أوقف سلطان السيارةَ في أحد المواقف وهو يستدير إليها ويهتف بهدوء : انزلي
مررت عينيها على المكان الذي توقفوا بهِ لتنظر إليه أخيرًا عاقدةً حاجبيها : ليش احنا هنا؟
سلطان يفتح بابَه لينزل وهو يهتف بنبرةٍ قاطعةٍ للجَدل : عشان تشترين لك اللي ينقصك
تنهدت وهي التي ينقصها الكثير، وبالرغم من هذا الكثيرِ إلا أنّها لا تريد التسوّق، فقدت جزءً كبيرًا منها ومن ذلك غزل العاشقة للتسوّق، لطالما كان ذلك هو متنفسها الأفضل عن كل كروبَاتِ الحياة، عن حيـاتِها هي.
فتَحت الباب باستسلامٍ بعد نبرتِه القاطعةِ ونزلَت، التفَّ حول السيارةِ حتى وصلَ إليها ليُمسك بكفها بين قبضتِه القويّة، ومرَّت الثواني وهي تنظر لكفّه المقانعةِ لبشرتها السمراء بعينٍ مضطربة، تكاد تجتذبُها بكل عنفٍ وتبتعد، صارخةً في وجهه بأن لا يلمسها ... أبدًا!
لكنّ صوتها عارض أفكارها ولم ينصاع، لذا استجابت لشدِّه لها وتحرّكت بجانبهِ بينما دفءُ بشرته يتسلل رويدًا رويدًا إلى بشرتها الباردة مخترقًا مساماتها ليمر عبر أوردتها إلى قلبها.


،


خرَج من العيـادة بملامحَ يسكُن فيها الإدراك، أرهقتهُ الكلمات التي لفظها عناد، الكلمات التي اضطرَّ هو للفظها، النبرةُ البائسة في صوتِه والمتأملـةِ في ذاتِ الوقت، قال أنها تثقُ به! تثق بهِ هو فقط دونًا عن كل رجل! حتى والدها فقَدت ثقتها الكاملة بهِ وبقي هو الوحيدَ الذي حافظَ بل ضاعف شعورها تجاهه بالثقـة.
ماذا يقول الآن لنفسه؟ وبمَ يُعزِي علاقتهما؟ بمَ يُرثي هذا الشاطئ الذي هاجمهُ المد! لم تحتمل صخورُ شاطئنا، تكاد تتحطم! تكاد تسقط على أكتافِ الحيـاة التي لن تحتمل! بمَ أعزِّي نفسي وأنتِ؟ بمَ أبرر هذا المد الذي جـاءنا واستقبلتُه ولو كـان باقتضاب؟ .. يالغبائي وضعفي، يالغبائي وضعفي ... يـالَخيبتي وهواني! .. اغفري لي.
مسحَ على وجهه، هاهيَ لمحاتُ ما قبل أسبوعٍ تجيء، تومضُ بظلامها الأسيرِ في عيناه، تُظللُه باليأسِ ويضلُّ عنهُ طريق علاقتهِ بجيهان، بابنةِ عمّه التي يُحب.

*

يجلسُ في إحدى الكراسي الموجودةِ أمامَ الغرفةِ البيضاء المُعطّرةِ برائحة المشفى، يعقدُ حاجبيه بوجعٍ وهو ينظُر لفارس الذي كان يتحدثُ مع أمجد بحرقةٍ وألمٍ يزرع نفسه في ملامحهِ قبل صوتِه، والألـمُ تلقائيًا انتقلَ إليه منذ سمعَ ما سمِع عن حالـة ناصر، ومن ثمّ بكاء ابنته وصدمتها، وملامح فارس وأمجد الذي مهما حاول زرعَ القوّة في نظراته إلا أن الوَهن كان واضحًا وضوحَ الشمسِ لما سمعهُ عن حالةِ صديقه.
تنهّد وهو يهمس بخفوت " لا حول ولا قوة إلا بالله، الله يصبركم "، أغمضَ عينيه للحظاتٍ يُغيّب أذنه عن صوتِ فارس وكلمات أمجد التي يحاول زرع قوّةٍ واهيةٍ بها، لكنّه لم يطل حتى فتح عينيه على خروج السريرِ المتحرك ليقفَ ناظرًا لناصر الغائِبِ عن الدنيـا في تخديرٍ عميق، وزوجين من الأقدام تحرّكت بعجلةٍ نحو ذاك السرير الأبيضِ ليبدأ سيل الاستفساراتِ من أمجد والإنفعالاتِ من فارس الذي بدأ يتحدث مع الطبيب بكل قهرٍ وعنف، ولم يكن للطبيبِ سوى التحرّك صامتًا لا يسعه الردُّ على انفعالاتِ فارس الذي بدأت تفلت منه كلماتٌ لم يحسب حسابها.
فارس بقهر : ما الذي فعلته بِه؟ كيفَ تجرأت؟ كيف كذبت علينا وقلت أنّ العملية ستكون ناجحة؟
شعرَ بقبضةِ فوّاز الذي اشتدّت على ذراعِه وسحبه بقوةٍ إليه وهو يهتف بحزم : خلاص فارس خلاااص ، استهدي بالله عساها خيرة، لا تجزع
فارس بقهر : كذبوا علينا يا فواز ، قهرونا!
فواز بنبرةٍ شديدة : الله كتب هالشيء ، لا تقول كلام راح تندم عليه
استدار فارس ينظر إليه بملامحَ واهنَة، بينما ابتعد سريرُ ناصَر برفقةِ أمجد وعينا فارس تغيب عنه، ينظر للأرضِ بصمتٍ استنكرتهُ الكلمات التي تجري على فمِه، وفواز يراقبه بصمتٍ قبل أن يشدّه معه ويُجلسه على أولِ مقعدٍ أمامـه، ليجلسَ بجانبهِ وهو يضعُ كفّه على كتفهِ ليمدّهُ بقليلٍ من القوّة بشدّه القوي له، بالكلماتِ المهوّنة له، فما أصاب العبدَ لم يكُن ليُخطئه، وما أخطأه لم يكُن ليصيبه، هذا ما يجب عليه أن يؤمن بِه، وهذا ما يجب عليه أن يحطَّ رحالـهُ في مينائِه، لا طائِلَ من البكاء على الأطـلالِ والتحسّر، تراكم الذنوبِ بكثرة الجزع.
بقيَ يحاول تهدئة فارس لدقائق وإسكانَ غضبه، وما إن شعرَ فارس بأن الهدوءَ بدأ يرتادُه حتى وقفَ وهو يهمسُ له بامتنان : مشكور لوقفتك معاي
فواز بابتسامة : افا عليك! روح بس لعمي ناصر وريّح عمرك من الهم
ابتسم لهُ فارس ببهوتٍ وهو يتحرّك خطوتين، وحين انتبهَ لعدم وقوف فواز حتى عاد ليستدير إليه ويسأل : منت جاي معي؟
فواز يهز رأسه بالنفي : لا روح له أنت الحين ماينفع أكون موجود معاكم بهالوقت، لا صحى بزوره
أومأ فارس وهو يتحرّك مبتعدًا عنه بخطواته، بينما زفرَ فواز بهدوءٍ وهو ينهض، يشعر بأن قدماهُ متيبستان من وقوفِه مع فارس والذي طالَ لساعاتٍ قبل خروجِ ناصر، لذا قرر أن ينشّط عضلاتِ ساقيه بالمشيِ في أرجـاء المشفى.
مضَى لدقائق طويلة وهو يزُور طوابِق المشفى وينظر للمريض المُقعد والآخر الذي ينامُ وجهازُ التنفس على أنفه، للمرأةِ التي تجتمعُ عائلتها لديها في المشفى وللطفلِ الهزيلِ بمرضِه، فعلًا إن الصّحة تاجٌ على رؤوس الأصحـاء، قد نمتلك نعمةً ما لم نستوعب مرةً أنها نعمة إلا إن تأملنا من يفتقر إليها، فالشكر والحمد لك يا الله.
شدّ ناظريْه امرأةٌ تحمل رضيعًا يبكي بين يديها بصوتٍ مستوجع، تتحدّث مع إحدى الممرضاتِ بغضبٍ بلغةٍ هولندية بحتة، لم يفهم شيئًا مما قالته لكنّ ما شدّهُ هو الطفل الأشقر الذي أكل النحل منه ما أكل، طبَع المرضُ بصمتهُ في ملامحهِ وجسدهِ الصغيرِ البريء، انعقد حاحبيه بوجعٍ لهُ وهو يتنهّد بقلّة حيلة، وفي أثنـاء انشداههِ لهذا المنظر لم ينتبه للفتـاةِ التي كانت تمشي واصتدم بها في ذروةِ تأمله، حينها توترَ وهو يهتف باعتذار : آسف
لكنّ الفتـاةَ لم تردّ وهي تبتعدُ بصمتٍ يُطبقُ على فمها، حينها استدار عاقدًا حاجبيه لتتسع عيناهُ ما إن رأى الفتاةَ التي يمتلئ وجهها بالدمع، الفتاة التي كانت أخت صديقِه - فارس -.
كاد للحظةٍ أن يلحق بها حين أخذه القلقُ وتذكر أنها قد نُقلت لغرفةٍ في ذاتِ الطابق الذي كانوا به، وليس هنا!، لكنّ سماعهُ لصوتِ ضحكةٍ خافتةٍ يعرفها جيدًا جعلته يُدير رأسه إلى مصدرها، ليتفاجئ برؤيـة هيثم الذي كان يتكئ على إطـارِ البابِ وينظر ناحية جنان الراكضَةِ والمبتعدةِ عن هذا المكان، وقبل أن يستوعب شيئًا كانت عينا هيثم تتجه إليه لتخفتَ ضحكته وتبقى ابتسامةٌ متكاسلةٌ ارتسمت على فمه، ابتسامةٌ لطالما كانت تُنفره من هذا الرجل الذي لا يعرفه حقَّ المعرفـةِ سوى من بضعِ لقاءاتٍ مع فارس ... النظرةُ المستنكرة اعتلَت عيناه، اللمحةُ المُبهمة غطّت ملامحه بانعقادِ حاجبيه دونَ فهمٍ وقدرةٍ على الربطِ ما بين ركضها مبتعدةً باكيةً وهيثم خلفها، ماذا يعني هذا؟ هل قـام بشيءٍ ما؟ هل آذاها؟!!
عند تلك الفكرة شعر بالغضَب يتصاعدُ في عيناه من فكرةِ أنّه يتحرّش بأخت صديقه، حتى وإن كان ابنُ خالها إلا أنه منذ رآه أول مرةٍ وهو " لا يبتلعه "، فهل يعقل أن يكون تجرّأ بكل وقاحةٍ وآذاها؟!!
اقترَب منه قاطعًا المسافةَ بينهما بخطواتٍ واسعة، وملامحه يتماوجُ فيها الرغبةُ بخنقه، رغبةٌ وُلدَت فيه منذ أشهر، منذ ما حدثَ لجيهان وتمنى وقتها لو قتَل السائق الذي تجرأ ومدّ يديه القذرتين إليها، الرغبة التي كبرتْ معه مع مرور الأيـامِ والأشهر، ومهما مرّت ستبقى ترافقـه.
وقفَ أمـامَ هيثم مباشرةً وعيناه تتقدان باتقادِ الماضي فيهما، هتفَ بحدةٍ وتساؤلٍ حاد ونظرات هيثم تنظر إليه بكامل سخريته : آذيتها؟
لوى فمهُ بغرورٍ وهو يرفع إحدى حاجبيه ويهتف دون تردد : شدخلك؟ على حسب ظني ماهي أختك ولا زوجتك ولا تمد لك بصلة أصلًا!!
فواز بشر : أقل شيء الغريب ذا يحشمها أكثر من بعض القريبين منها
ارتفعَ حاجبي هيثم هذهِ المرة وابتسامته تتضخّم بسخريتها، تعتلي ملامحه الإزدراء من فكرة " قريبين منها " وكأنها جرثومةٌ اخترقت حياتهم ولوّثتها، لذا هتفَ بقرَف : تخسي هالـ *** تكون قريبة مني ، ما أكون هيثم إذا ما نكدت عيشتها!

*

لايزال يذكر كيفَ أن عيناه اتّسعتا بصدمةٍ بعد تلك الجملة التي تاهت بينهما، كيف أنّه فقد الإستيعابَ وتركَ لهيثم القدرة الكافية لدفعهِ بخفةٍ والإبتعاد عنه بخطواتٍ تطرق الأرضَ بعنجهية، كيف لشخص أن يكون بكل تلك " الحقارة "! كيف لشخص أن يفقد انسانيته حتى مع أقربائِه، لم يفهم الكثير، لكنّه أدرك ما يكفي حتى يُدرك كم أن هيثم يتجاوز لؤم الثعالبِ في نظراتِه وابتسامتهِ التي تتمايلُ بعجرفةٍ وغرورٍ على شفتيه.
قلت لكَ يا فارس أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وقلت لكَ أن لا طائل من البكاء على الأطلال، لا طائل من التحسر، لكنني الآن أقف عاجزًا ما بين أختك وحبيبتي، ما بين نارين لا أدري كيف أتجاوزهما وأصلْ لجنةٍ تتسع لكل ألامي حتى تتلاشى، جاءت جيهان في حياتي كومضةٍ في وسَط ظلام، وجاءت جنان كمصباحٍ ضغَط على الومضاتِ التي أعشقها وكل ما أخشاه أن أفقد تلك الومضة التي أرى فيها كل الحيـاة.


،


يجلس في إحدى مقاعد المشفى، يحمل في قبضتِه كوبًا من القهوةِ انتقلت حرارتها إلى كفهِ ولم يشعر بها، الهاتفُ يقبعُ في قبضتهِ الأخرى، يسكُن على أذنهِ وصوت الرنينِ يعلو، ينتظر انقطاعهُ بصوتِ امه، يريد البدء فيما يكاد يجزم أنّه صحيح، وأن نبضات قلبه التي تضطرب الآن بسببه لم تكُن عبثًا، لم تكن مجرد ظنٍ وكان إثم.
وإن كان صحيحًا ظنه! هل لهُ أن يبتلعَ هذهِ الضربات؟ هل لهُ أن يُمرر على قلبهِ ثلجًا باردًا يكوّن بهِ تبلدًا أمامَ خذلانه؟ لربما هو الإنسان الأشد كتمًا على خذلانه، والأشد خذلانًا.
انقطَع الرنين أخيرًا، وجاءهُ صوتُ امه التي وضَعت يدها على صدرها وهي تهتف بقلق : وش صار لها؟ الولد بخير؟!
ازدردَ ريقه بصعوبةٍ وهو يُغمض عينيه بأسى، استرخى جسدهُ وهو يتراجع للخلف حتى يسنده على الجدار، كاد للكوب أن يسقطْ ويُحرقه، وإن سقطَ لم تكن حرارتهُ لتكون مُحرقة، يكفي لهُ ما اكتشف، فهو حين خروجه بديما من المنزل قابل امه التي كانت خائفةً عليها وتصر على الذهاب معهُ وكأنها تعرف، لكنّهُ حاول تكذيب ما استنبطه من نبرةِ صوتها ونظراتها، وخرج مسرعًا بعد أن قال لها بأن لا وقت له لينتظر، والآن، بعد أن كُشف الستار عن مسرحِ الحقيقة، ورأى أبطال المسرحية، والشخصيةُ الملكومةُ في الزاويـة، بعد أن وجدَ نفسه هو هذا الملكوم، الذي ضُرب بقبضةٍ خفيّة، طُعن في ظهرهِ غدرًا، وممن؟ من زوجته وامه!!
أغمضَ عينيه بقوةٍ وهو يضعُ كوب القهوةِ جانبًا على الكرسي بعد أن شعر بذبولِ أنامله، ارتفعَ صدرهُ بشيقٍ ضيّقٍ ليسقط بزفيرٍ مُتعرقلٍ على مطبّاتِ الحقيقة . . ازدردَ ريقه للمرةِ الثانية وهو يفتح عينينِ خافتتين كمصباحٍ أُرهق بعد عدّةِ استخداماتٍ ولم يُرفق بطاقتِه، فتحَ فمه يبحث عن الكلمات في حنجرته، وبصوتٍ هامسٍ متأسٍ : تطمني ، هي والجنين بخير
سمعَ صوتَ تنهيدةِ استرخاءٍ بعد شدٍ وجذبٍ أصاب أعصابها، بقيَ صامتًا ولم ينبس بكلمةٍ أخرى، ضاعَ حديثهُ بعد خيبته، بعد الضربة الجديدةِ لهذا اليوم، وبعد الضرباتِ الثلاثِ منذ الأمس، ومن حق الكلماتِ أن تتوهَ وللصوتِ أن يخفت إلى أن يغيب بعد كل ما حدث له، بعد كل صدمةٍ وأخرى.
ابتسمَ بسخريةٍ حين سمع كلمات أمه التي أردفتها بحذرٍ بعد ثوانٍ قصيرةٍ من تنهيدتها التي اخترقت أذنه كأزيرٍ حاد : وش سويت فيها في المستشفى؟
هتف بصوتٍ ساخرٍ يسكن في زواياهُ الألـم : لا تحاتين ، الحين هي نايمة ، أساسًا أنا عرفت بالموضوع قبل لا آخذها المستشفى
ام سيف وحاجبيها ينعقدان بحيرة : شلون عرفت؟
سيف بسخريةٍ مريرة : منها
أطبقَ الصمتُ على امه التي كانت تجلس في حجرتها بعد أن نال منها القلقُ ما نال، بينما أردف سيفَ بصوتٍ بهِ لمحةُ ابتسامةٍ ساخرة : مالي حق أبدًا أعاقبها وأنتِ معاها ، ليه سويتوها فيني؟
عقَدت امه حاجبيها ونبرةُ الألمِ في صوتِه الذي بحّ فجأةً أوجعَت قلبها على ابنها الوحيد، لكنّها لم تفعل ما فعلت لتُفسد كل شيءٍ في النهايـة، فكما أرادت هي السعادة لديما تريدها أيضًا لابنها الذي أُسر في الماضي وقُيِّد بعلاقةٍ زالت دونَ آثارِها عليه، بقيَت حيـاته الباقيَة خاويةً على عروشها وتُدرك كم مرّت به الريحُ ولم تقدر حتى بقوّتها إزالةَ تلك الآثارِ التي أعشبَت فوقَ صدرِه وأثمرت ببلادةِ علاقته الأخرى. لذا هتفَت بقوّة : ليه اللي تسويه أنت! تظن إن هالشيء يرضي الله؟ تحرمها من الأمومة!!
عضّ شفتهُ وهو يشعر بنارٍ استوطَنت حنجرته، بصخرةٍ اتكأت على كتفيه وهوّنَت من مشيِه، بِإبرةٍ توخز نفسها في حنايا صدرهِ في طقوسِ عَمَل، لذا خرج صوتُه خافتًا واهنًا وهو يهمس بنبرةِ بحّة : ما تعرفين شيء يا يمه ، ما تحسين فيني
ام سيف بصوتٍ رغم الوجَع فيها على هذا الصوتِ الذي لا يخفت بهذهِ الطريقة عادةً إلا أنها لفظَت ببأسٍ وشدّة : إذا انتِ مو قد الزواج ليه تزوجت طيب؟
سيف بصوتٍ فاتر : ما كنت أبي ، أنتِ اللي أصريتي علي لمدة سنـة
ام سيف : أجل ليه ما تطلقها بدل هاللي تسويه؟
شتتَ عينيهِ وهو يزفرُ نفسًا مسننًا أصابهُ بجروحٍ متفرقةٍ في حنجرته، أصابَ صوتهُ بالجراحِ التي خفتت بضوئه فخرجَ بشكل غير سوي تعثّر بانكسارِه : أطلقها؟ بعد ثلاث سنين أطلقها؟!!
ام سيف : أجل ثلاث سنين ظالمها؟!
سيف بنفورٍ من تلك الفكرة، أن يطلقها فهذا فوقَ احتماله، فوقَ قدرته : أنتِ السبب يا يمه، أنتِ اللي دخلتيها بحياتي والخروج مو بهالسهولة، الخروج مستحيل من الأسـاس
ام سيف بحدة : أجل لا تلومها إذا سوّت شيء أنت ما ودك فيه ، منت عادل يا سيف، وأنا ما أرضى بالظلم في بيتي
أغلقَت الهاتفَ بغضبٍ بعد ما قالته، ليبقى الهاتفُ معلقًا بأذنيه للحظـات، وعينيه تنظران للأرضِ بفراغٍ يتّسعُ في موجاتِه وتردداته، تتعاكسُ القوانين الفيزيائيـة وتنقلب بانقلابِ الروحِ والحيـاة، تفقد التفاعلات الكيميائية نواتجها ويضيعُ الماءُ في هيئةِ بخار! هيَ المـاء، هي نواتجُ التفاعلات، هي القوانين التي لن يسمح لها بالإنقلاب، لذا لن تبتعد، لن تتركهُ يهوي لوحدِه وتمضي، لن تتركهُ وإن أخطأت بنظرهِ وتمردت، هـي لن تبتعد.


،


رُفعَ أذانُ الظهر، كان حينها يقرأ القرآن، يُغيّب نظراته عن الداخلين باكرًا، عن الذي يُناديه المسجد حتى قبل الأذان، وياللأسفِ كانوا قلّة! لكنّ هؤلاء القلّة إن اجتمعوا لربما كانوا أعلى قدرًا ممن يجيء وقد بدأت الصلاة.
لم يرفع عينيه، يشعر أنه غريبٌ أو دخيلٌ هنا! لطالما قال أنهُ لا يليقُ بهِ التواجدُ في المساجد، هو ملوثٌ لكل ما حوله ومن العارِ له أن يلوّث المسجد بحضوره، لكنّ القلبَ حين يُناديه شيءٌ كهذا المكانِ لا يستطيع تجاهله! يتجاهلُ كل شيء، إلا المساجد حين تناديـه.
في الساعاتِ السابقةِ كان في اعتكافِه قد غفلَ عن الدنيا وتناسى عثراتِها، تناسى الحزن الذي يجاورهُ كلّ ليلة، كل صبحٍ ومساء، كلَّ رمشةٍ وأخرى، كل انقباضٍ وآخر، تناسى كلَّ شيءٍ وبقي فيها مع القرآن يقترب من الله في لحظاتٍ يعوّض فيها عن البعد الذي يدرك أنه سيجيء مرةً أخرى ما إن يخرج من المسجد، قرأ وقطعَ قراءته ليُصلي الضحى، وما إن انتهى حتى عـاد ليقرأ.
بقيَ للحظاتٍ جالسًا في مكانهِ حتى أنهى الجزء الذي كان يقرأه، ومن ثمّ نهضَ ليتّجه ناحيَة القبلة حتى يُصلي سنّة الظهر، وما إن استعدّ حتى شعرَ بوقوفِ أحدٍ بجانبه، وجّه نظرةً خاطفةً غير مباليةً للذي وقفَ لكنّ نظرته تلك توترَت ما إن رأى أنه الإمـام، والذي ما إن شعر بهِ يتحرّك حتى يعود للخلف حتى أمسك بيدهِ هاتفًا باستنكار : وش فيك؟ ارجع ارجع ما آكل والله
شتت أدهم عيناه وهو يشعر بخجلٍ عظيمٍ يتمامى في صدرِه تجاه هذا الرجل، وحين طالَ صمته ولم يُجِب سحبه الإمام ليُعيده مكانهُ هاتفًا : كمل صلاتك وإذا ما تبيني جنبك ببعد عنك شوي
أدهم بتوترٍ وهي يتمنى فعلًا لو يبتعد عنه أو يخرج من المسجد برمته : لا عادي خلّك مكانك
ليستدير عنه بسرعةٍ رافعًا يده ليكبِّرَ وكأنه بذلك يهرب من أي شيءٍ قد يقوله الإمام له.


،

قبل صلاةِ الظهر بربع ساعة
كان يجلس على كرسي مكتبه، يستغرق في أوراقٍ عديدةٍ أمامـه، بالرغم من أن الشرود لطالما يحاول سرقتهُ بين ثانيةٍ ودقيقة، أصبَح الشرُود يلازمُه كثيرًا، يعودُ عقله للوراءِ والزمنِ الماضي بجمالهِ ومميزاتهِ مُتخلخلًا لهُ الخِداع، وتبقى غزل متعلقةً في المنتصفِ يمرُّ عليها ما بين تفكيرٍ وآخر، هاهما يتجاوزان خطوة، يتجاوزانِ عثرة، تطوّر الحـالُ بينهما قليلًا وهذا القليلُ هو المفتاحُ للكثيـر، أصبَحت غزل من إحدى مسؤولياتِه المتشبّثةِ بهِ بكل قوّة، وهو الذي لن يتوانى عن الحفاظ عليها، فحمدًا لله على هذا التقدم.
قاطعَ سيل أفكارهِ صوتُ هاتفهِ الذي رنَّ فجأةً مهتزًا فوق طاولةِ المكتب، رفعَ يدهُ إليه ليحمله ناظرًا للرقم الذي لم يكُن مدونًا لديه، وكاد أن يتجاهل الإتصالَ ليعود إلى عمله أو تفكيره إلا أنه ردّ في اللحظةِ الأخيرة : ألو
انبَعث إليهِ صوتٌ خافتٌ جاءَ من أخمصِ الوديان، صوتٌ حين تكررَ صداهُ أنفضَهُ واقفًا متسعَ العينان : سلطـــان
ارتعشت كفّاهُ وهو يفغرُ شفتيه، زارَ البهوتُ ملامحهُ وهو يحرّك شفاههُ في صوتٍ خافتٍ يكاد لا يُسمع ونبرةٍ تتجاوزُ الأفقَ في عمقها : أمي ليلى

.

.

.

انــتــهــى

سلطان وغزل ما انتهوا عند هذيك النقطة :) بس أنا للأسف ما أجيد كتابة المواقف الطويلة جدًا ورجعت للقطْع :(
البارت الجاي بيكون طويل بإذن الله وعن البارت ذا واللي قبله ، وفيه شيء منتظرينه الكثير من زمان راح يبدأ من البارت الجاي، عاد فزروا وش هو * غمزة *
ومثل ما قلت لكم يحق لكم تختارون الشخصية أو الزوج اللي تبونه يكون حضوره كثيف في البارت الجاي ، اكتبوا اسم واحد او اسم زوج - ثنائي - في الرد واللي ينذكر أكثر شيء هو اللي يكون تواجده أكبر.


ودمتم بخير / كيــدْ !

bluemay 18-08-15 08:46 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


رائعة ومتألقة كالعادة ..


بالنسبة لي أحس سردك سلس ومعطية الجميع حقهم بالذكر .. بالنسبة لي
متعاطفة مع جنان وبتمنى فواز ما يضعف ويتخلى عنها .
يعني جيهان ما راح ترضى عليه ولو اتبع قبلتها .. فبشوف يشوف حياته احسن من عيشة النكد >>>> منظرة نمرة واحد لووول




غزل اتوقع انه انخدعت وانه اللي صار لها بسبة صاحبتها هاي اللي قالت عنها ماتت.
مسكين سلطان بلعها من سكات .. والله انه الحيرة صعبة .

بس خايفة لو تمم زواجه منها ؛ كيف بتكون ردة فعله . يمكن ما يرحمها او يصدقها وخاصة انها ما خبرته.
بس كمان بقول يمكن يلمس لها العذر وخاصة لو كان هداك الشي مو برضاها وانغصبت عليه.




ادهم .. سبحان الهادي لعباده .
اعجبني تحوله ومو بعيد انه يستقيم ويثبت كمان .




سيف خرجك الله لا يقيمك يا أناني يا عديم الضمير .. يستاهل رد امه .
عن جد الله لا يعميلنا بصيرة . شايف نفسه انه اللي بساويه عدل ؟!!

ديما رح تورجيك وش ما بتعرفه عنها هيك قلبي بقلي .
ورح تتركله الجمل بما حمل .. وخلي بثينة تنفعك.
بالمناسبة هم احلى ثنائي عندي بعد غزل وسلطان.



مشكورة يا عسل ومقدرة جهدك الواضح والصريح في اخراج البارتات بشكل رائع ومميز .

تقبلي مروري وخالص ودي


○° الله أغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله ، وأوله وآخره ، وعلانتيته وسره .°○

ليل الشتاء 18-08-15 02:48 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 
البارت روعه كيد
غزل .......انا متعاطفه معاها يعني من الجو اللي اتربت فيه وغير كده السر بتاعها صراحه يوجع اي بنت
سلطان......احترمه كتير برغم المشاكل اللي هو فيها مش ناسي حق غزل
وبالعكس بيحاول يصلح من غزل
سيف .....ديما...انا مبسوطه من ديما وياريت تفضل كده علي طول وتديله فوق دماغه
الثنايءي هم غزل وسلطان

بحر عذب 18-08-15 05:22 PM

يسلمو على البارت اول شي الحمدلله انه ليلى عايشه ماماتت
بالنسبه لغزل ياختي فكيها شوي وروقي وعندتس سلطان فديته تقربي منه المسكين مقطع نفسه عشانك خليك لو مره وحده انتي الي تبدين بالقرب
فواز::::الله يعينك على ما ابتلاك ربي فيه ولو تقطع علاقتك بجنان افضل لانه ماانصحك تستمر علاقتكم مع بعض لانه ماتضمن نفسك اذا قربت منها بتلاقي العوض بالحب والحنان والشعور بانه متزوج انثى بمعنى الكلمه وشوي شوي تنسى حبك لجيهان الي ماتستاهله راعيت الكند والهم
والغم ووغزل وسلطان ياليت يكونو معنا بالبارت الجاي وبكثره والله يوفقك يارب العالمين😍

كَيــدْ 18-08-15 11:37 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 





السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، مساء الخير
للحين ما صفيت عدد التصويتات للشخصيات، الأغلب ثابت على جيهان&فواز ، غزل&سلطان ، ديما&سيف :"" وين راحوا البقية :(( ؟!
عمومًا نجي للردود الحين ، مع كل مشاركة هِنا بأجل تقييم الشكر لأن فيه ردود برد عليها بالتقييمات ، ما يحتاج رد بالمتصفح
راح أبدأ اليوم أجمع الاستفسارات القديمة وأحطها برد واحد شامل على المهم

والحين بحاول أصفي بقية التعليقات أو أقل شيء 10 من كل منتدى :$$




كَيــدْ 18-08-15 11:42 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 






اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لولوھ بنت عبدالله، (المشاركة 3544333)
مسا الحب ..... والحب ....... وبعد الحب ........ :)


شوفي يا بت ... ما قدرت ادش وما اكتبلج هالكلمتين مع اني بعدني في البارتات الاولى من روايتج


اسلوبج .. يذبح ... يقتل .... يهلوس ...... يخلي الواحد ... اممممممممممم مدمن من نوع خاص


من غير مبالغه ... انتي مبدعة يا كيد "ما شاء الله" ... وبديت اطيح في غرامج فـ الله يعينج علي لوووول ..


اوعدج برد طويل وكافي ووافي وشامل بعد ما اوصل لكم ان شاء الله ..


انتظري عودتي بعد العيد اذا الله احيانا يا "ادماني اليديد" :)



مساء الزين والزين والحلاوة والحلاوة :$
عاد على بالي إني رديت عليك من أول ما حطيتي تعليقك تو أنتبه إني ما رديت :(

بعد جبدي والله يالولوة :$ أنا بعد طحت بغرامك من هالتعليق القصير اللي رغم قصره يشلع القلب، أول ما شفته عدته مرة ومرتين والإبتسامة شاقة الوجه (())
أفتخر بنظرتك الحلوة عسى الله ما يحرمني بس :"" وأنتظرك يا جميلة ##


كَيــدْ 18-08-15 11:59 PM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 






صباح الخير..



ماجـد.. مين يكون.. شخص مع الدولة وله أعداء.. أو ضد الدولة ومطلوب..!
اللي غدره بدر؟؟ ايش علاقتهم ببعض.. ممكن تكون اخت ماجد زوجة بدر المتوفاه..! بس كيف غدره..! وليـه متغرّب.. ومين يكون الشخص اللي قابله.. وايش قاله..! يمكن يكون عدو لـ تميم< ابي ادخله بأي سالفه😁 او يمكن عدو لبدر و عبدالله..
ومن بين المعمعة ذي كلها عندي سؤال مهم " ايش صلته بأدهم" يعرفه من قبل او انه يعرفه من قريب.. يعني من بعد ما تغرب ماجد او من قبل..!
وفيه الغاز كثير بالرواية.. زي متعب وش صلته بأدهم.. وليش شاهين يدور عليه.. ومين عرّفه عالمخدرات لحد ما صار مدمن.. كيف مات متعب..! هل هو حادث مدبر او قضاء وقدر.. مين اللي كان مع متعب في الغربة..! احس انو اللي قتل ابو سلطان واللي دبر حريق متعب او نقول إدمان متعب واختفاء ليلى كلها من شخص واحد..

- مساء الخير :$ ماجد وبدر بعيدين عن بعض فاحتمال أنه اللي غدره ضعيفه بعض الشيء، خصوصًا أن بدر شخصية واضح أنها مسالمة ناحيـة اللي يستحق، طيب ليه ما يكون تميم :/! دامك تحبين تحشرينه بأي سالفة فاحتمال أنه هو أكبر من بدر
اسئلتك حلوة وبمكانها ، وأهم شيء ماقد ذُكر جوابها وصدمتيني منك للمرة الثانية :YkE04454:، والتوضيح قريبًا -> ما عندي غير هالجواب ()

..

تميم.. أبد ما بلعته.. واقف بحلقي.. وع وع واااااااااااااع..

- ههههههههههههههههههههههههه حرام عليك والله أنه رزة لووول ، ترى قليلين اللي يكرهوه وأنتِ منهم
..

عناد.. لا يكون بدال ماهو يبي يبعد تميم عن طريق سلطان يُوقع معه بنفس الحفره.. الله يستر بس..!


..

البثره جيهان.. وش رايش تستأصلينها من الرواية😁😁.. تذكرت مره تعليق وحده من المتابعات قالت فيه " انو عايلة جيهان متوارثين الغباء" صراحة اتفق معها.. وشكلهم بيسحبون سيف وشيهان معهم وتصيبهم العدوى..

- هههههههههههههههههههههه أرجوان معاهم طيب؟ أعتقد إنها بتنضم قريب لو الجواب لا * أسلوب تشويق غير مباشر * عاد افهموها :YkE04454:

..

فواز.. والله لو قالها الحين انه اصرف.. معليش ما احب اشوف انثى مكسورة بس جيهان شايفة حالها وتحتاج كسر شوي عشان ما تثق بحالها كثير.. لأن الحب عمره ماكان كل شيء.. اذا ماكان معه احترام مستحيل يستمر.. او يستمر بس بـ فراق.. اما انو اثنين يحبون بعض بدون احترام هذا مو حب ابد.. عشان كذا متشوقه اعرف ردة فعلها لما تعرف عن زواجه.. جيهان من النوع اللي اذا انعطت وجه تشوف حالها بس اذا انسحب عليها تعلقت فيك.. وعشان فواز كان يبين لها مكانتها عنده كانت واثقه بحبه وتسفل فيه بس الحين لما جفا عليها صارت تتبكبك وانه عيونها.. اقول اسري بس انتي وعيونش لا افقعها.. هي بتصرفات فواز اللي الحين رح تتعلق فيه.. واذا سمعت خبر زواجه ومن انثى تفوقها بكل شيء رح تنجرح حيل حيل.. او بصراحة يمكن هذا اللي اتمناه<< ماعرفتني وانا شريره😟

- عن نفسي ما عرفتك وأنتِ متناقضة :YkE04454:، حددي أنتِ معاها والا ضدها؟
بس تحليلك لشخصيتها جدًا جدًا دقيق، هي من البداية صادة وشايفة حالها نحوه بس أول ما ابتعد بدت تتعلق فيه وتبيه، عكس الوقت اللي كان هو فيها يتقرب منها

..


سيف.. البثر الثاني.. يعننه حنون.. طير ياخي طير.. وع مو لابق عليك.. اخ بس متى اتشفى فيك لما تعرف بتمرد ديما عليك.. بس احس انو ولده بيجيب لنا مصيبه برسمته.. ولد سيف وبثين وش نتوقع منه غير المصايب..!

- خلاص تشفيتي فيه وانبسطتي وطرتي على جناح الفرحة :YkE04454:
أنتِ وقارئة ثانية كنت ما أفكر إلا في فرحتكم لأن أكثر ناس تكرهه هو أنتم

..

البثره الثالثة.. غـزل.. يختي صلي وتروح ضيقة صدرك.. مع انها اختارت سلطان بس ما شفت منها ولا حتى محاولة صغيرة او حديث نفس انها تقنع نفسها تصلي.. انا بدأت أكرهها..

..

سلطان.. ليش ترضيها يا حبة عيني.. تستاهل ذي تضربها بالمشعاب ماهو بس تدفها..

- ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه مت مت هنا ، حرام عليك بس
..


ماجد.. مستحيل يكون هو متعب.. انا اقتنعت انو متعب مات .. بس احس انو عايلته قدامنا ونعرفها..
مع انو اغلب العائلات قد تعمقنا فيها وما انذكر طاريه.. الا صدق هو اهله عارفين انه مغترب والا يحسبونه ميت؟؟

- حسيتك هنا تحاولين تربطين بين متعب وماجد وتتأكدين من ظنك عند " والا يحسبونه ميت "! مين قال أن أهله يحسبونه ميت:YkE04454:؟
ماش أسلوب فاشل في الإستدراج بس نحاول نحسن الظن

..

اعتذر هنو.. كتبت تعليق عالسريع.. وما وفيت الجزء حقه.. بس الجايات افضل بإذن الله..😻🙊

- بعد قلبي يكفي تواجد الحبيب لقلبي ()








كَيــدْ 19-08-15 12:08 AM

رد: قيودٌ بلا أغلال عانقت القدر
 





اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة bluemay (المشاركة 3545944)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



أبداااااع ما حصلش

ما شاء الله مبهرة هنودتي ...


بعتذر عن القصور حبيبتي بس الله بعلم مريت بظروف منغصة منعتني من متابعتك ..

وبعترفلك ما بقرأ لك الا وانا مروووقة ﻷنك مش من اللي بنقرأ لهم بدون رواقة ..

يعني تذوق أدبي رفيع وجماليات تصوير ومشاهد حية رائعة ما بتنوصف .

فكنت ما بحرج نفسي وما بدخل على الرواية ولكن بفضل الله وجدت جو مناسب وأستمتعت بإرتشاف أحلى وأعذب بارتات

وفعلا لاحظت أختلاف وانتقال اﻷحداث لمرحلة جديدة ومصيرية في اغلبها ..


اعذريني صعب أدخل بجزئيات الرواية ﻷنه وللاسف ذاكرتي لا تسعفني وبخاف ما اعطيها حقها بالتعليق .


ومش خبرية المشكلة اللي بالوورد العميل شكله متحالف مع اﻷشرار بالرواية لووول


اسأل الله يوفقك وتتيسر أمورك حبيبتي وربي يسعدك ﻷنك بتحترمي قراءك وبتلتزمي بوعدك ما استطعت وما منعك الشديد القوي من الظروف.




تقبلي مروري واعذري تقصيري

مع خالص ودي


○° الله أغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله ، وأوله وآخره ، وعلانتيته وسره .°○

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
من ذوقك الحلو يا بعدي ، وما منك قصور أبدًا خذي راحتك في التعليق
حبيبتي والله! كلامك وسام على جبيني وأفتخر كثير بهالنظرة الحلوة منك
ههههههههههههههههه شايفة قلّة الحيا؟ :( على فكرة قبل كم يوم فتح لي وما أمداني أنبسط إلا ورجع لحركته البايخة بنفس اليوم

آمين يارب ويرزقك ضعف هالدعوات الحلوة يا جميلة ، الله لا يخليني منك بس ()






الساعة الآن 04:44 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية