منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله (https://www.liilas.com/vb3/f833/)
-   -   آمال وأقدار ( قرية الرحمانية وأهلها ) (https://www.liilas.com/vb3/t194757.html)

محمد شلبي 01-05-14 02:15 AM

آمال وأقدار ( قرية الرحمانية وأهلها )
 

الفصل الأول
انتهت لحظات الوداع وانطلق القطار هارباً من زحام المحطة وضوضائها وقد ازدحمت ممراته ومقاعده بالراكبين , وأطل بعضهم برأسه من النوافذ على جانبي العربات يلقون نظرة أخيرة على رصيف المحطة المتباعد وهو يتلاشى امام أعينهم , ومع مرور الوقت استقر الأمر داخل القطار وإن بقيت الضوضاء على صخبها مع اختلاط صوته الرتيب فوق القضبان بصيحات الباعة الجائلين داخل الممرات الضيقة وأصوات الراكبين المتباينة ما بين ضحك وصراخ وجدل دائر.
في واحدة من عربات الدرجة الأولى الخاصة والمميزة كان شاباً طويل القامة رياضي القوام تبدو عليه وسامة مغلفة بهدوء ومشوبة بشيء من التوتر استغل مقعد شريكه بالعربة والذي لم يظهر لسبب ما فأراح عليه حقيبة سفره الصغيرة وجلس في مواجهتها صامتاً متجهماً وثمة ما يشغل باله ويستحوذ على فكره.
حاول الشاب أن يتشاغل عما يؤرقه بتصفح تلك الرواية التي يحملها بين يديه غير أن محاولته كانت غير ذي جدوى فتخلى عنها والتفت نحو النافذة يطالع معالم الطريق مستسلماً لذكريات الماضي القريب.
منذ شهر مضى رحلت عنه والدته بعد معاناة طويلة وصراع مؤلم مع مرض عضال بلغ حداً ميئوس منه في أيامها الأخيرة , ومع تلك التقارير والآراء التى أمده بها أطبائها المعالجين لها ومع كونه طبيباً يعلم جيداً أنها باتت على مشارف الموت غير أنه لم يستطع أن يدرك حقيقة رحيلها بقلبه أو أن يتقبلها عقله.
إن الموت بالنسبة له كما لغيره من بني البشر يمثل تلك الحقيقة الراسخة والغائبة في آن , هو تلك المصيبة الكبرى التي لا يدركها أحدنا ولا يشعر بوجودها حتى تحل بنا أو بمن نحب فتجعل منه طيفاً كالنسيم نشتم ذكراه ونشعر به معنا ومن حولنا دون أن نراه.
كان لرحيل والدته وقعاً مدوياً ليس على قلبه وعقله فحسب وإنما على حياته بأسرها , وكيف لا وقد كانت بالنسبة له تجسيداً للحياة بكل دقائقها وتفصيلاتها ؟ , إن طبيعته المنطوية الخجولة جعلته منذ بواكير عمره يعتزل أقرانه وساعده على ذلك القراءة , تلك الهواية الوحيدة التي كان وما زال يعشقها حتى أفنى فيها ساعات من العمر بأكثر مما أفنى في غيرها من شئون الحياة , ولقد كان في اعتزاله للناس وتقوقعه داخل صدفة الخجل والوحدة سبباً رئيساً جعل والدته أقرب الناس إليه , بل إن شئت فقل كل الناس بالنسبة إليه.
ثم إنه وما أن تفتحت عيناه في مهده حتى أغمضها والده إلى الأبد في فراش الموت فكان لرحيل والده المبكر أثر أخر بالغاً في ارتباطه الوثيق والفريد بوالدته التى باتت منذ ذلك اليوم تخشى عليه حتى نسم الهواء , إذ غدا لها بارقة الأمل في ظلمة دنياها الحالكة ما زاد من انطوائه وابتعاده عن الناس فكان لا يقضي وقته إلا بين دراسته والمنزل حيث خلف والده مكتبة ثرية كانت عونه في القضاء على الملل وشغل ساعات الفراغ.
هكذا شب هذا الطبيب الشاب في عالمه الخاص ودائرته الضيقة وإن كان ذلك العالم الخاص قد أورثه تفوقاً وذكاءاً فقد سلبه على الطرف الأخر بعض من ثقته بنفسه ومكن في قلبه الخوف من المجهول ومن البشر أيضاً , لذا لم يكن مستغرباً أن يصاب بكل هذا الذعر العميق مع ذهاب والدته ليس فقط لتلك العاطفة الجياشة التي يشعر بها المرء عادة نحو والديه وإنما لإحساسه بأن العالم من حوله بات مخيفاً كبحر لجي تتقاذفه أمواجه بلا هوادة ولا ساحل ترسو عليه سفينة أيامه.
لكم كانت تلك الأيام التى أعقبت وفاة والدته عصيبة وثقيلة على وجدانه الممزق , أياماً صاحبه فيها الحزن فلم يعرف سواه خليلاً وقد أغلق على روحه وجسده أبواب منزله متفكراً فيما عليه أن يفعل وكيف سيواجه منفرداً هذا العالم المتلاطم الأحداث من حوله فلم يجد بداً من الهرب لأقصى ما يستطيع.
كان ذلك القرار الذي لم يتوانى في تنفيذه مفاجأة ليس فقط لزملائه بالعمل وإنما لمديره أيضاً , ذلك الرجل العطوف دمث الأخلاق الذي طالما أولاه عطفاً ورعاية خاصة لتفوقه ولتلك الطيبة والسذاجة التى كانت طابعاً أصيلاً في شخصيته , ولقد حاول المدير أن يثنيه عما هو مقدم عليه في ذلك الصباح القريب الذي باغته فيه بهذا القرار.
" تروى يا بني , لا تدع حزنك يجرك إلى ما تندم عليه "
" معذرة سيدي المدير , لقد حزمت أمري ولن أعاود التفكير فيه "
" ولكنك متفوق في عملك وينتظرك مستقبل باهر فكيف تدفن هذا المستقبل في غيابات هذا المكان ؟!! "
" إنه المكان الأمثل لأعيد فيه ترتيب حياتي يا سيدي "
" إن كثيراً ممن هم أقل منك تفوقاً وتميزاً يتهربون من العمل في هذه القرى النائية !! "
" أعلم يا سيدي , ولكني اتخذت قراري وأرجو أن تعاونني في بلوغ ما أطلب "
لم يجد المدير بداً أمام أصرار الشاب إلا أن يرضخ لرغبته , ولم تمض أيام حتى صدر قرار نقله للعمل بتلك القرية النائية عند أطراف الدلتا وعلى ضفاف النيل.
" إلى أين ستمضي بك الأيام يا صالح ؟! "
عكس هذا السؤال الذي خطر ببال صالح ما يعتمل في صدره من قلق , كان القطار قد خفت حركته فأتاح له ذلك رؤية واضحة لمعالم الطريق وتلك الحقول الخضراء الممتدة بلان نهاية وقد تألقت تحت أشعة الشمس الذهبية ونسائم الصيف تتلاعب بزروعها اليافعة.
أمدت تلك الطبيعة الساحرة عقله ببعض صفائها وداخله شيء من الراحة والاطمئنان لما هو مقدم عليه فليس أقدر في العالم من تلك الحياة البسيطة في القرية وتلك المشاهد الآسرة للنظر والفؤاد على مساعدته في البحث عن ذاته الضالة ولملمة ما تبعثر من قصاصات العمر والذكريات.
ملء صالح صدره بذلك الهواء النقي وشعر به يتغلغل في شرايينه بهدوء باعثاً في نفسه سكينة وبهجة طغت على أحزانه بعض الشيء وأغمض عينه تاركاً الهواء المنفع عبر نافذة القطار يضرب وجهه ويتلاعب بخصلات شعره الناعمة مزيحاً عن عقله ما استبد به من أرق فخفت روحه واكتنفته غشاوة من نعاس كما يكتنف المهد الصبي.
لم يدري صالح كم مر عليه من الوقت وهو في غفوته هذه غير أنه أفاق على صرير العربة وقد فُتح بابها على نحو مباغت فانتفض مذعوراً والتفت نحو الباب يطالع ذلك الدخيل بنظرات كسولة.
كان ثمة شاب في مثل عمره ووسامته يقف هناك عند عتبة الباب وقد زادت تلك الابتسامة الواسعة على شفتيه الرفيعتين من جاذبيته.
بادره الشاب بصوت مفعم بالمرح
" مرحباً يا صديقي "
" مرحباً "
اندفع الشاب إلي داخل العربة حاملاً في يده حقيبة ملابس ضخمة فازاح صالح حقيبته موسعاً المقعد له وقد أدرك أنه ولابد شريكه في العربة
ما إن استقر الشاب الوسيم على مقعده حتى عاد إلي الحديث بنبرته المرحة المنطلقة
" أنا حازم سعيد ، مهندس معماري "
ارتسمت على وجه صالح ابتسامة شاحبة وقال بحذر
" صالح عقل , طبيب بشري "
مد حازم يده إلى صالح ليصافحه وهو يقول مازحاً
" لقد تأخرت عليك , أعلم هذا , ولكن ذلك القطار اللعين يبدو كعلبة سردين بزحامه الشديد "
" الحق معك "
كان صوت حازم بالرغم من مرحه صاخباً يتسم بشيء من الخشونة أدرك صالح معها أن الهدوء الذي كان يغلف العربة قد ذهب بلا عودة وأحس برغبة عن الحديث مع هذا الشاب الغريب فتشاغل عنه بمطالعة الرواية التي كان يحملها بين يديه.
ساد الصمت للحظات في جو العربة ثم ما لبث أن قطعه نفس الصوت الخشن
" يبدو أنك واحد من هؤلاء المجانيين المهووسون بالكتب "
لم ترق لصالح تلك المزحة فرفع بصره إلى حازم في صمت
" دع عنك عناء القراءة يا صاحبي فإنها تورث الكآبة في النفس , انظر إلي الدنيا من حولك واغتنم من مرحها وبهجتها قدر المستطاع , فأنت لا تعلم ما يخبيء لك الغد "
سأله صالح وهو ينحي الرواية جانباً في يأس
" ماذا تقصد ؟ "
انطلقت ضحكات حازم عالية لثوانٍ قبل أن يجيب وهو يلوح بيده في الهواء بحركات مسرحية
" النساء والخمر يا صديقي هما ما أقصده , إنهما مصدر السعادة واللذة "
" لا أظن أن المكان الذي ابتغيه فيه من السعادة ما تقصد "
" وأي مكان تبتغي ؟ "
" قرية الرحمانية "
قال حازم دهشاً
" حقاً , يالها من مصادفة , إنني متجه إلى نفس القرية "
" أرأيت ؟!! , لا مناص إذاً من البحث عن مصدر أخر للسعادة "
قال حازم بنبرة تحمل الكثير من الأسى والغضب وهو يفتش في حقيبة ملابسه عن شيء ما
" الحق معك , فالحياة في القرية لا تختلف كثيراً عن الحياة في القبور , لا نساء ولا خمر , بل لا حياة أصلاً "
أخرج من حقيبته زجاجة خمر كبيرة الحجم ولوح بها في الهواء مستطرداً
" ولكني لا أترك شيئاً للصدفة يا عزيزي , دائماً ما أتحسب للظروف الطارئة "
صاح صالح وقد اتسعت عيناه ذعراً
" ما هذا ؟!! , خمر ؟!! "
علت ضحكات حازم حتى كادت تغطي على صوت القطار المسرع
" ما لك يا صاحبي ؟ , تبدو كفأر مذعور بين مخالب قط شرس "
احتسى حازم بعضاً من الزجاجة ثم أشار بها نحو صالح مردفاً
" هل لك في بعض اللذة ؟ "
أجاب صالح بخوف وخجل
" أرجوك يا سيدي , دعني وشأني "
" سيدك ؟!! , يا لك من رجل !! "
رفع حازم الزجاجة إلى فمه ثانية وترك الخمر ينساب عبر فوهتها إلى فمه في نشوة ظاهرة قبل أن يمسح عن شاربه المنمق ما علق عليه من قطرات بظاهر يده
" يمكنك أن تناديني كما يناديني البشر العاديون .. حازم "
ضج صالح بمزاح حازم وضحكاته التي لا تكاد تنقطع فلوح بيده مغاضباً وعاد إلي روايته يطالعها
" ها قد عدت للقراءة مجدداً , كما تحب , ولكن هذا لن يمنع صداقتنا فلن يكون في الرحمانية سوانا من أبناء المدينة "
فُزع صالح لتلك الفكرة وأجاب دون أن يرفع عينيه عن الكتاب الذي كان يحجب عنه وجه حازم
" لا أظن أن صداقة ستنشأ بيني وبينك "
" ولم لا ؟ "
" لأنك .............. "
لم يستطع صالح أن يكمل عبارته فالتزم الصمت للحظات سأله بعدها حازم
" لأنني ماذا ؟ "
أجاب صالح بهمس خجول
" لأنك عربيد "
دهش صالح لقهقهات صاحبه المرحة وكان يظن أن تثير كلمته السالفة حنقه
أطبق كلاً من الشابين شفتاه ملتزماً الصمت وتابع صالح القراءة وقد داخله التوتر والحيرة وهو يرهف السمع منتظراً أن يأتيه صوت صاحبه بين فينة وأخري غير أن صمته قد طال هذه المرة فاختلس نظرة نحوه من خلف كتابه المرفوع أمام وجهه.
كان حازم في تلك اللحظات يبدو شارداً وقد تخلى عن زجاجة الخمر وألقى ببصره خارج النافذة , فتعجب صالح من تلك المسحة الحزينة التي كست ملامحه وخشي أن تكون تلك الفظاظة التي بدت في حواره معه هي ما تقف خلف هذا الحزن في عيني صاحبه.
قال صالح في ود وأسف ظاهرين
" آسف يا حازم , لم أقصد أن ................"
دون أن يلتفت إليه قاطعه حازم بهدوء لم يعهده صالح فيه منذ التقيا
" لا داعي للأسف يا صديقي "
هم صالح بأن يعود إلي كتابه تاركاً صاحبه لما يعانيه غير أن حازم بادره وهو يرمقه بنظرة بدت غامضة
" أتعلم يا صالح ؟ , إنني في حياتي كلها لم ألتقي بشخص في مثل تهذيبك وسذاجتك , معذرة إن بدوت وقحاً يا صديقي , ولكن هذه هي الحقيقة التي تدفعني لمصاحبتك "
قالها وعاد إلى زجاجة الخمر يتجرع منها في صمت عميق بينما دفن صالح وجهه بين صفحات الكتاب وتظاهر بالقراءة وثمة تساؤلات تتكاثف في عقله حول ذلك الشاب الغريب الأطوار الذي ألقاه القدر في طريقه. فبالرغم من مرحه وخفته إلا أن حازم بدا له مثقلاً بالهموم والأحزان وكأنه يحاول الهرب من ماضي يطارده وتسائل في نفسه إن كان هذا المهندس الشاب قد أختار طواعية الرحمانية كما فعل هو ؟
ثم وإن كان قراره بالانتقال إلي تلك البقعة النائية غير مدفوعاً بإرادة غيره وإنما مجرد محاولة للفرار من ماض يطارده أو حتى مصيبة ما تلاحقه فما عساه يكون ذلك الماضي أو تلك المصيبة على وجه التحديد؟
كعادة الكثيرون من الشغوفين بالقراءة والمطالعة كان الفضول ضارباً بجذوره في صدر صالح يستحثه أن يسبر أغوار صاحبه هذا وأن يجد أجابات شافية تزيلل عن عقله تلك العلامات الكبيرة للإستفهام والتي رسمها الفضول في عقله , فهم بأن يعود لمحادثته ومصارحته بتلك التساؤلات ثم إن حياءه قد غلبه فأحجم عن هذا واكتفى بنظرات راح يختلسها نحوه بين حين وأخر.
كان كل ما في حازم يشي بما هو غارق فيه من انحلال وتحرر , مرحه المبالغ فيه , معاقرته للخمر , وحتى ملابسه الأنيقة الفاخرة. ولأن عدم الإكتراث بمشكلات الحياة ومصاعبها هو القاسم المشترك بين كل من هم على شاكلته من المتحررين فلقد كان طبيعياً أن يدهش صالح لتلك الحالة من الوجل والوجوم التى يراه عليها , ثم لقد كان طبيعياً أيضاً أن تتضاعف دهشته لقدرة حازم العجيبة على تبديل مشاعره وتحويلها في طرفة عين إذ عاد إليه مرحه على حين غرة وكأنه قرر في لحظة عشوائية أن يطرح عنه أحزانه وأن يلقيها وراء ظهره فلا يلقي لها بالاً.
التفت حازم نحوه وسأله باسماً
" فيم تفكر يا صديقي ؟ "
باغت السؤال صالحاً فقال متلعثماً
" لا شيء , أنني مستغرق في القراءة "
ضحك حازم ودس يده في جيب سترته يستخرج علبة سجائره قائلاً
" إلى الحد الذي استغرق منك ساعة كاملة لقراءة نفس الصفحة !! "
أشعل حازم سيجارة ونفث دخانها ليملأ به فضاء العربة الضيق
" يوماً ما ستقتلك هذه العادة "
" عجباً لكم أيها الأطباء !! إنكم ترون في كل شيء عدو يتربص بالإنسان تربص المنون !! إياك والخمر فإنها حتماً ستقضي عليك !! حذار من التدخين فإنه ولا شك قاتلك !! حتى الملح لم يسلم من كراهيتكم فهو السم الأبيض "
جلجلت ضحكات حازم على نحو جنوني ثم عاد إلى زجاجة الخمر يحتسي منها قليلاً قبل أن يميل بجسده إلي الأمام مدنياً وجهه من صالح وهو يردف محذراً
" أيها الطفل الساذج !! احتفظ بنصائحك لنفسك ولا تصدع بها رأسي , أتظن بأنك قديس ؟ , إننا جميعاً أبناء الآثام على لبانها فطمنا وفي أحضانها تقلبنا , فدع عنك مسحة الورع هذه أو إن شئت فاخدع بها غيري "
كانت نظراته أشبه بنظرات شيطان مريد استبد به الغضب فدب الرعب في قلب صالح مخافة أن ينقض عليه ذلك الشاب المتقلب المزاج على نحو عجيب وكأنه قد فقد كل سيطرة على إدراكاته العقلية وانفعالاته الحسية.
" اللعنة !! متى تنتهي هذه الرحلة ؟ "
هكذا همس صالح وهو يتحول بوجهه صوب النافذة وراح يتفكر في أعماقه
" عجباً !! كيف لرجل أن يتحول من السعادة إلي الحزن ومن الرضى إلي السخط على هذا النحو ؟!! , أتراه مس من جنون ؟!! أم أن الخمر قد تلاعبت بعقله على نحو أفقده الشعور بنفسه وتصرفاته ؟!! "
كانت الحيرة قد تملكته ومع هذا الخوف الذي عربد في صدره غير أن فضوله تضاعف وقد راى في حازم حالة تستحق الدراسة والتمحيص خاصة مع ما داخله من شعور بأنه يحمل بين أضلعه سراً لا يطلع عليه غيره وأنه أسير لذكريات لا يجد منها فكاكاً فوطد العزم على تحين الفرصة للتقرب إليه والنفاذ إلي مكنون ذاته.
انتبه الشابان على صفير القطار المدوي معلناً وصوله للمحطة وبدت من الخارج لافتة زرقاء حملت اسم القرية فهب حازم واقفاً وقد دس زجاجة الخمر في حقيبته
" إلي أين أنت ذاهب ؟!"
أجابه حازم مازحاً
" لقد وصلنا يا صديقي , أم تُرى صحبتي دفعتك لتغيير وجهتك ؟"
" وهل ستدخل القرية على مثل هذه الحالة من السُكر ؟!! "
انتفض حازم ضاحكاً وقال بسخرية وهو يغادر العربة
" إنها ليست أم القرى على أية حال "
مط صالح شفتيه متعجباً لحال صاحبه وحمل حقيبته ليلحق به على عجل وقد استولى عليه الذهول.

bluemay 12-08-15 02:43 PM

رد: آمال وأقدار ( قرية الرحمانية وأهلها )
 
تنقل إلى الأرشيف


الساعة الآن 12:55 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية