رد: 33 - برج الرياح – أليزابيث غراهام – روايات عبير القديمة
" ربما من الأفضل لك أن تعطيني الطفل؟".
هز رأسه بالنفي, ومع ذلك ابتسم لها وأخذها من ذراعها بثقة الى خارج الميدان حيث كانت تقف سيارته, فتح لها باب السيارة , واستدار نحو الباب الآخر متوقفا قليلا ليشعل سيكارة , وعندما أضاء عود الثقاب ملامحه , تذكرت تشاريتي الكتاب, وطاف بخاطرها سؤال: " أريد أن أعرف أي أنسان كان أبوللو؟". فأجاب على الفور في شيء من الأزدراء: " لن تعرفي الكثير عنه من خلال هذا الكتاب , فالرموز القديمة لا تكشف عن أنفسها بهذه السهولة". وبدأ في أدارة محرك السيارة وقال ملتفتا اليها: " لعلَك تأملين أن تعرفي المزيد عني؟". وأعطاها الكتاب قائلا في ثقة: " ستكتشفين المزيد عن كلينا غدا في دلفي, وأنا سأساعدك على ذلك". دق قلب تشاريتي في عنف , ولكنها أوحت لنفسها أن ليس هناك ما تخشاه من لوكوس باباندريوس , وما من سر قريب يمكن أن يكتشفه, أما هو فعليه أن يكشف لها الكثير قبل أن تقتنع , لقد التمست فيث منها المساعدة , وبطريقة أو بأخرى سوف تسوَي أمور أختها مع عائلة زوجها , سألته: " لقد كان من السهل فهم نيكوس, واذا كنت تعتقدين أنني أشبه أبوللو , فأن نيكوس بالتأكيد كان يشبه ديونيسوس ". "أن ديونيسيوس يتمتع بسمعة سيئة بالنسبة اليَ , فهو يشبه الرمز اليوناني أليس كذلك؟". " أن رموز اليونان ليست قساة كرموز الرومان , تشاريتي, هل تحضرين معك رسالة أختك الليلة , أنني أرغب بقراءتها , هناك أشياء لا يعرف أي منا عنها شيئا, ولكن لا يوجد ما يدعو الى أن نكون أعداء". جلست تشاريتي تفكر في هذا الأمر , كانت تعتزم في البداية أن تسلم الرسالة ولكنها كانت تعلم أن فيث لم تثق في أي شخص من عائلة باباندريوس , قالت في النهاية: " سأفكر في الأمر". خرجت مسرعة من السيارة شاكرة له توصيلها الى الفندق. " سأعود اليك في الساعة الثامنة والنصف, اذا لم يكن هذا الموعد مبكرا بالنسبة اليك". وافقت وأسرعت مبتعدة عنه الى داخل الفندق. كانت حجرتها في الفندق مظلمة كئيبة , أضاءت أنوارها الخافتة, رمت بنفسها على السرير وهي تشعر فجأة بالأرهاق من وطأة المشاعر التي مرت بها في هذا اليوم. وبدأت تفكر: أوه فيث لماذا تموتين في ريعان الشباب! وغطت وجهها بيديها وأجهشت بالبكاء. |
رد: 33 - برج الرياح – أليزابيث غراهام – روايات عبير القديمة
2- لا حزن بعد الآن بذلت تشاريتي ما في وسعها لتزيل آثار البكاء , وضعت وجهها في ماء بارد , حاولت التفكير في أشياء مبهجة ومع ذلك ظلت تبدو في حالة سيئة. جلست طويلا على حافة سريرها تفكر بما ستفعله , ستبعث بمذكرة الى موظف الأستقبال تقول فيها أنها ليست على ما يرام , ولكنها ليست متأكدة من أن لوكوس باباندريوس لن يصعد ليطمئن عليها, الواقع أن فكرة الخروج معه لتناول العشاء لم ترق لها, فلم تكن على أستعداد لمواجهته , كانت تريد أن تصل الى قرار أولا, ولكن كيف يمكهنا ذلك وكل ما تستطيع أن تفكر فيه هو تلك اللحظة الرهيبة , التي سقطت فيها فيث من قمة الصخرة العاتية في نهاية الطريق لتلقى مصرعها. في الثامنة والنصف نزلت من غرفتها , وشغلت نفسها بالتطلع حولها في الفندق وزواره , لذا لم تر لوكوس باباندريوس وهو يدخل الى الفندق , قال باليونانية: " مساء الخير يا تشاريتي". استدارت اليه مجفلة , ناسية للحظة قرارها بأن تظل جالسة في المكان المظلم نسبيا: " مساء الخير". لقد استبدل ملابسه, وارتدى ملابس السهرة , وأصبح الشبه بينه وبين أبوللو أكثر وضوحا الآن. أردفت قائلة: " أعتقد أنه يجب عليك أن تناديني آنسة آرتشر لأننا- مهما يكن من أمر – لا يعرف أحدنا الآخر جيدا". رفع حاجبيه في دهشة وقال: " قلت لك اسمي, وأعطيتك الحرية في مناداتي به, أن اسم آرتشر عسكري لا يناسبك , وفي أي حال أعتقد أن شخصا بأسم آرتشر لا يقضي ليلته باكيا , فيث لم تكن لتفعل ذلك , لماذا أذا تبكين من أجلها؟". " أنها أختي , وأنا أحبها". " بالطبع هي أختك , ومن المناسب أن تحزني لوفاتها , فليكن حزنك على الفتاة التي كانت فيث , وليس على المرأة كما أصبحت ولم تعرفيها حقا, هل نذهب الآن؟". قالت تشاريتي مترددة : " من الأفضل لي أن أعود الى غرفتي , قد أشرع في البكاء مرة أخرى ولا أريد أن أسبب لك حرجا". قال بثقة: " كلا, لن تبكي بعد الآن! سنستمتع ونبتهج ولن نفكر الا في المستقبل". وتسللت ابتسامة الى عينيه وأضاف: " قد تكون هذه آخر عطلة لك بمفردك قبل أن تتزوجي , هل فكرت في ذلك؟ سأبذل ما في وسعي لأجعلك ترين كل ما ستفتقدين لرؤيته فيما بعد". ألقت اليه تشاريتي بنظرة دهشة وبدأت تقول: " ولكن...". |
رد: 33 - برج الرياح – أليزابيث غراهام – روايات عبير القديمة
قاطعها سائلا:
" كم يطول بقاؤك في أثينا؟". " لا أعرف , حتى عيد الميلاد على الأقل , ولكنني لا أدري اذا كنت سأبقى الآن". وضع لوكوس معطفها حول كتفيها ورافقها الى الخارج, بعيدا عن الجو الحار داخل الفندق الى الليل البارد. " لماذا لا تطلبين من صديقك الشاب, أن يأتي لقضاء عيد الميلاد معك هنا؟". كولين هنا؟ أهتزت من مجرد الفكرة... ربما يكون جميلا أن يصحبها أحد لرؤية المناظر الممتعة , ولكنها شعرت أن ذلك ينطوي على نوع من الألتزام اتجاهه , بينما هي الآن أبعد ما تكون عن الشعور بهذا الألتزام فردَت بشرود: "لا أعرف". وضعها في السيارة وعيناه اللامعتان في عينيها , ثم قال لها متحديا: " هل لأنك غير متأكدة؟ أن تعتقدين أنه سيمكنك أصطحاب ألكسندروس معك الى أنكلترا؟". ألقت بنظرها الى اللوحة في مقدمة السيارة , وقالت بأصرار: " أعتقد أن هذا ليس من شأنك!". " ولكنني مصر أن أعرف بأنك لن تأخذي ألكسندروس , يا آنسة آرتشر , ستشعرين بسعادة أكثر اذا واجهت هذه الحقيقة". " أذن سأطلب من كولين أن يحضر الى أثينا , ولكن تذكرة الطائرة باهظة الثمن , ولا أعرف وضعه المالي الآن". منتديات ليلاس " يسرني أن أرى صديقك الشاب هذا , سأدعوكما الى منزلي في يوم ما خلال العطلة". عجزت تشاريتي عن الكلام للحظة , هل يعتزم حقا أن يتفحص صديقها بدقة؟ واذا كان الأمر كذلك, فلماذا؟ أنها لا تعني شيئا بالنسبة اليه , وقد ظلَت دائما تتخذ قراراتها بنفسها منذ سنوات لا تحصى. " ألا تتوقف عن الأهتمام بما لا يعنيك؟". ولكن لوكوس لم يجب الا بضحكة فقط ثم قال لها مغيظا: " أهو شخص غير محتمل الى هذا الحد؟". " بالطبع لا". قالتها ببعض الحماس. " اذا لماذا تعترضين؟". حاولت البحث عن كلمات تقولها له , لا يسيء فهمها , وهي أنها تتولى بنفسها شؤون حياتها , ولن تطلب منه أن يخبرها ماذا تفعل مهما كانت نواياه , لكن كل ما استطاعت قوله: " أنني أعرف كولين منذ سنوات , وأعرفه كما أعرف أي أنسان آخر". " بالطبع, ولكن يا آنسة آرتشر , أنت أمرأة ولا يمكنك أن تريه بالطريقة نفسها كرجل, يجب أن تسمحي لي أن أقوم بواجبي , أن بيننا رابطة زواج أختك من أخي, ومن المناسب أن أضمن أن يكون هذا الكولين مناسبا لك كزوج , عليك أن تخبريني بكل شيء عنه ونحن نتناول الطعام". لم تكن لدى تشاريتي أية نية لتفعل ذلك, وتحوَلت بنظرها تشاهد الأنوار التي تزين شوارع أثينا , كان عجيبا – في نظرها- أن ترى أثينا وكأنها وضعت في غير مكانها , فقد بدت كمدينة ألمانية حديثة , وليس بها شيء من تلك الروعة الأغريقية , التي قذفت بها الى مخيلتها صور البارثيتون وغيرها من الأطلال . قالت وقد نسيت غضبها من رفيقها: " أنها لا تبدو كمدينة أغريقية". |
رد: 33 - برج الرياح – أليزابيث غراهام – روايات عبير القديمة
" ربما لأن المهندسين البافاريين هم الذين وضعوا أساسها".
ردَت في سخرية : " هل سيكون مسموحا لي أن أخرج مع كولن وحدنا". " أن ذلك يتوقف". ردَت بسرعة: " على ماذا؟". ألقى اليها بواحدة من نظراته اللامعة : " يتوقف على من هو هذا الكولين من ناحية, وعلى من أنت هي من ناحية أخرى". لمس يدها في لحظة أتصال خاطفة وقال: " كان يجب على فيث أن تصر على حضورك الى اليونان بمجرد وفاة والدك , لم يكن من الصواب تركك بمفردك بدون أن يكون هناك من يحميك . أين كنت تعيشين؟". عضَت تشاريتي شفتيها وقالت: " في منزل أبي". " الذي هو الآن منزلك؟". " كلا , ليس تماما , أنه ملك لثلاثتنا ". " أذن لن تقيمي فيه عندما تتزوجين ؟". " لم أفكر في ذلك , آمل ألا أعيش فيه, فهو مكان واسع ومقبض وغرفه السفلى مظلمة للغاية , أما الدور العلوي ففيه العديد من غرف النوم الباردة". " ولكن قد يفضل كولين أن يعيش فيه؟". استاءت تشاريتي من أصرار لوكوس , ماذا يعنيه من المكان الذي يفضَل كولين أن يعيش فيه؟ تمتمت قائلة: " لا أعتقد ذلك". وأوقف السيارة بمهارة في الميدان القريب من برج الرياح واستدار نحو الجانب الآخر ليفتح لها الباب, وعندما همَت بالنزول وضع يده تحت ذقنها , ورفع وجهها ليقابل شعاع النور الساقط من المصباح فوقهما , وقال في رقة: " لا دموع بعد الآن , ولا حزن بعد هذه الليلة على الأقل , تعاهدنا ؟". ابتسمت بضعف وقالت موافقة: " لا دموع بعد الآن , بكيت من أجل هذه الأشياء من قبل". " هكذا ؟ أنت أيضا مثقفة ويمكنك القاء مقتطفات من مسرحياتنا الأغريقية ؟ هل يمكنك معرفة مؤلف هذه المسرحية؟". كانت تلك مهمة صعبة , خاصة وهي تشعر بلمسته القوية تحت ذقنها وقالت على الفور: " بوربيدس على ما أعتقد". كانت تفضل أن يكون هناك نوع من التحفظ في الحديث بينهما فهي تعتبره رجلا غريبا , ولم تحدد بعد ما اذا كان صديقا لها أو عدوا , تمنت لو تستطيع الأعتماد عليه , ولكن عندما يتعلق الأمر بفيث فأنه بلا شك يعتبر عدوا. " رقيق منك أن تهتم بشؤوني , ولكنني ظللت لوقت طويل أعتمد على نفسي , وأفضل أن يستمر ذلك". تحوَل برأسه عنها , غير عابىء بما قالته وقال في أحتقار. " ما من أمرأة تفضل ذلك". " ولكن أنا أفضل ذلك". هز كتفيه وقال: "ليس لوقت طويل". ومدَ اليها يده وقال: " تعالي يا تشاريتي لا بد أنك جائعة , وهناك العديد من الأشياء التي يجب بحثها قبل أن نتوجه الى أراخونا ودلفي في الصباح". |
رد: 33 - برج الرياح – أليزابيث غراهام – روايات عبير القديمة
أسرعت خلفه وسألت:
"ماذا؟" " أولا ... ما زلت أرغب في قراءة رسالة أختك, هل هي معك؟". أومأت بالأيجاب. " لوكوس , ماذا ستفعل مع الصغير ألكسندر؟ أعتقد من حقي معرفة ذلك. على الأقل قبل عودتي الى أنكلترا". تجنب للحظة نظرتها الثاقبة اليه , وأحست أنه لا يرحب بهذا السؤال , فرد بجفاء: " عندما أتخذ قرار في هذا الشأن سأبلغك بدون شك , لن أنسى أنك خالته , وسترغبين في رؤيته من وقت لآخر , عليك أن تعلمي أنني أنا الذي سأقرر مستقبله". قالت متوسلة: " ألن تناقش الأمر معي على الأقل؟". " لا أجد سببا يدعوني لذلك, اذا كان هذا الكولين هو الرجل الذي تصفينه , فقد يكون وجوده مفيدا عندما ننتهي الى قرار , هذا سبب رغبتي في أن يأتي الى هنا". قالت محتجة: " ولكن ليس لكولين شأن بذلك , أنه أمر يعنيني أنا بالضرورة ". توقف فجأة ونظر اليها بحدة قائلا: " أعتقدت أنك تفكرين في الزواج من هذا الرجل؟". " وماذا في ذلك؟". " عندما يصبح زوجك , فمن الطبيعي أن يتولى هو شؤونك , فمن الأفضل أن يلعب دوره من البداية". " ولكنك لا تفهم!". منتديات ليلاس أسكتها بحركة من يده وقال: " هذا يكفي , من الأفضل للمرأة الجميلة أن تهتم بأشياء لا تشغل بالها , وأنت أمرأة جميلة للغاية". أوقفتها المفاجأة عن الكلام, كانت غاضبة للغاية لأنه يتعمد أن يكون وصيا عليها , وأن يتجاهل رأيها, لا لسبب الا لكونها أمرأة ,ومع ذلك لم تستطع مقاومة أحساسها بشعور مثير , لأنه يراها جميلة , بل جميلة للغاية كما قال. تبعته الى داخل الكافيتريا , حيث الأضواء والصخب وحب الحياة.أتي اليهما المضيف مبتسما , أخذ منه لوكوس قائمة الطعام وأعطاه الطلب بسرعة, شعرت تشاريتي بالضيق لعدم أستشارتها , ونظرت حولها الى الصبي الصغير الذي كان يركض من منضدة الى أخرى لأحضار الطلبات, رد الصبي على نظراتها بقبلة على يده أرسلها اليها في الهواء. " يا ألهي أن عمره لا يتعدى الأثني عشر عاما". نظر اليها لوكوس نظرة شغف زادت من حرجها : "ألم أقل لك؟ هو أيضا يراك جميلة". " كان الأجدر به أن يكون تلميذا في المدرسة". ضحك بصوت عال: " أن الرجل اليوناني يعبَر عن أعجابه بالمرأة وهو ما يزال في المهد". شعرت بأنفاسها تسرع وهي تدرك تماما الأعجاب الذي بدا في عينيه السوداوين , ووجدت نفسها تتساءل ماذا سيكون شعورها لو وجدت نفسها بين ذراعيه, كان خاطرا مربكا للغاية , لم يرد على ذهنها من قبل , لقد صدمها أن تفكر في رجل بهذا الشكل غير اللائق , وأن يعصف بها مثل هذا التفكير , قالت بسرعة تذكره , وهي مصممة على تغيير موضوع الحديث . |
الساعة الآن 10:04 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية