منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   سلاسل روايات احلام المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f752/)
-   -   حصري 218 - دموع و دماء - سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول) (https://www.liilas.com/vb3/t185375.html)

زهرة منسية 06-03-13 09:57 PM

218 - دموع و دماء - سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
مساء الخيرات على أحلى ليلياسات و ليلاسين
رجعتلكم فى منتدى السلاسل بسلسلة جديدة للكاتبة روبين دونالد
السلسلة مكونة من ثلاث أجزاء هقدم هم:-

218- دموع و دماء
293- دمعة تضئ القلب
352- حررها الحب
و أتمنى أن تنال أعجابكم


لا أحل نقل جهدى و تعبى دون ذكر أسمىزهرة منسية
و أسم منتديات ليلاس



زهرة منسية 06-03-13 10:06 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
الـمـلـخـص
منتديات ليلاس

لانث براون امرأة جميلة , حساسة , جريئة , لكن فى داخلها يسكن رعب.....
أليكس كونسيدين شخص غامض قدم إلى هذه البقعة النائية ليتخذ قراراً مصيراً و لن يضيع وقته فى التودد إلى أجمل امرأة قابلها فى حياته و أشدهن تعاسة.
لا....يجب أن تبقى محرمة عليه...فمستقبله مشكوك فيه ولا يقدر أن يعرض عليها شيئاً...و على أى حال, ستعدو لانث هاربة حين تكتشف أنه هو الأمير المفقود!


إذا أعجبتكم الرواية من فضلكم لا تنسوا الضغط على http://www.liilas.com/up/uploads/lii...2597892622.gif



زهرة منسية 06-03-13 10:12 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
1 – الحدود الحمراء
منتديات ليلاس

لاحظت لانث براون و هى تنظر باندهاش عبر النافذة أن المنظر جميل جداً... رمل أبيض يبهر الأبصار , مياه شديدة الزرقة و أشجار تتمايل بلطف...كل ما كان ينقص هو أهل الجزيرة الأصليون المتكاسلون , الذين يعيشون فى هذه الجزر المبتسمة المغطاة بأشجار النخيل الاستوائى.
و هذا الأمر ليس بغريب....فهم لا يبعدون سوى ألفى كيلو متر إلى الشمال فى هذا الجزء الشمالى من نيوزيلندا .
نظرت لانث مقطبة إلى آثار الأصابع على معصمها ثم انحنت لتدلك ساقها التى تؤلمها...فالرجل الذى أخرجها من ذلك الهدوء السماوى و رافقها إلى هذا المنزل كان نشيطاً جداً....أرادت أن يوصلها إلى الداخل, إلى شخص آخر يستطيع أن يكلمها شاءت أم أبت....فى العادة كانت لتمزقه إرباً بكلماتها...لكن ليلة قضتها من دون نوم و شعورها بالسعادة لإغماض عينيها أخيراً عطل دماغها مؤقتاً.
لكنها الآن بدأت تغضب.
تستطيع بالطبع أن تتسلق النافذة و تهرب...لكنها لم تكن تحب الإذلال...و فى مثل حالتها هذه من السهل اللحاق بها و إلقاء القبض عليها .
تفحصت الغرفة بعينين ثاقبتين . ظهرت الفخامة فيها و بدت متكاملة مما أبرز غنى أصحابها و ذوقهم الرفيع...
فكرت بسخرية : هذا المكان لا يشبه مكان إقامتها المتواضع و الذى قضيت فيه السنوات القليلة الماضية . كانت القمرة فى المركب الشراعى صغيرة بحيث لو وقفت فى وسطها لاستطاعت أن تلمس جدرانها الأربعة دون أن تمد جسمها.
و تلقائياً ألقت بثقلها على رجلها السليمة . منذ خمس دقائق كانت تغط فى نوم عميق تحت ظل أشجار الصنوبر . لكن سحبتها من على بساطها يد شخص ما بطريقة أفلام العنف, وتجاهل الشخص المجهول اعتراضها الشرس ثم جرها إلى المنزل لم تلاحظ وجوده.

منتديات ليلاس

زهرة منسية 06-03-13 10:14 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 

تساءلت لانث مرتجفة ترقباً للشر إن كانت قد دخلت أحد تلك الأفلام؟
لا....هذه نيوزيلندا و عرابو المافيا لا وجود لهم هنا.
أحست بالرعب فى مؤخرة عنقها و دون أن تتحرك أو أن تتنفس بذلت جهدها لتنظر فى زاوية عينيها و رأت عند طرفها ظل رجل طويل, مخيف, صامت, ينتظر . وشد مسام بشرتها ذعر مجنون فصرت على أسنانها و استدارت.
كانت تتوقع رؤية ذاك الرجل الذى أجبرها على السير لكن من وقف يراقبها بعينين ضيقتين باردتين عينان شاحبتا اللون فى وجه أسمر جعل معدتها تنقبض إذ كان يمثل تهديداً أكبر.
سألت بثبات :"من أنت....و بأى حق تختطفنى؟"
التمعت عيناه ألا أن تعابير وجهه لم تتغير...و سأل بتهذيب:
ــ أليس لديكم قوانين فى نيوزيلندا تمنع التسلل إلى أملاك الغير؟
كان يتكلم كإنجليزى من خريجى جامعة أوكسفورد....كل كلمة فى محلها و صوته عميق فظ حمل لكنة غريبة لم تستطيع معرفة مصدرها.
بلغ طوله ستة أقدام و كان بهى الطلعة وجهه نحيل خشن متسلط زاده بروزاً فك قوى و فم قاس جميل. إلا أن عينيه الزرقاوين كلون البحر كانتا أكثر ما يلفت فى وجهه , حتى طغت كل قسماته السمراء تحت هذا المظهر الخارجى الصارم, شعرت لانث بحيوية و طاقة تسيطر عليهما إرادة قوية.
كان يرتدى قميصاً و بنطلوناً يتناسبان مع جسمه بأناقة . و أدركت لانث المتوترة أنه لو كان ارتدى بنطلوناً من الجينز و قميصاً من على حبل الغسيل مباشرة لبدا مهيباً مخيفاً كما هو حاله الآن.
و لابد أنها بدت عديمة الذوق فى سروالها القصير القديم و قميصها الواسع الباهت إلى درجة مزرية لكنها رفعت رأسها و قالت :
ــ قوانين الدخول إلى أملاك الغير فى نيوزيلندا متساهلة. على أى حال هذه البحيرات هى من المحميات.
ــ لكن ليس هذه بالتحديد , فالأراضى المحيطة بها ممتلكات خاصة. كما تعرفين جيداً. لأنك تسلقت فوق بوابة مقفلة لتصلى إليها.
كانت لانث قد تساءلت حول هذا الأمر, لكن حاجتها إلى الوحدة كانت أعظم من استغرابها . أخذت نفساً عميقاً و للمرة الأولى منذ أن استفاقت فى المستشفى و فى ساقها ما يزيد عن مائة غرزة أحست أنها حية و أن خلية فيها متنبهة و تفيض بالأدرنالين
ردت:"مهما كان الأمر...فهذا لا يعطى حارسك الحق فى معاملتى بخشونة كل ما يحق له هو أن يأمرنى بأن أبتعد عن أملاكك فإذا رفضت ربما أصبح لديه عذراً. ومن المنصف أن أنذرك بأنك مضطر لإثبات الضرر قبل أن تنظر أى محكمة فى دعواك"
ــ يبدو أن من عادتك التسلل إلى أملاك الغير .
نظرت لانث إليه مجفلة, فأكمل:"فأنت تعرفين الكثير عن حقوقك"
كان فى صوته مسحة سخرية أثرت على هدوءها . ردت بحدة :
ــ لقد عملت مرة خلال الصيف فى إدارة الصيانة حيث يتعلم المرء سريعاً كل شئ عن قوانين التسلل إلى أملاك الغير و حين جرنى بالقوة إلى هنا وضع رجلك نفسه فى موقف خطير.
لم ترفع معصمها ليراه و لم تنظر إليه. لكن نظرات الرجل تركزت على بشرتها فشعرت و كأن شيئاً ما قد تفجر و رماها بشظاياه قبل أن تعود رموشه الطويلة السوداء و تغطى عينيه من جديد.
سألها بصوت أقشعر له بدنها:"هل آذاك؟"
ــ لا
تقدم عبر الغرفة بسرعة و صمت.وراقبته لانث بحيرة و هو يمسك بيدها و ينظر إلى معصمها ...أحست ببرد يعتريها و أصابتها الرجفة .
قال ببطء :"لقد تسبب لك بكدمات"
أحست بالأسى و قالت:"أنا أصاب بالكدمات بسهولة , وهو لم يؤذنى. فى الواقع تسبب بهذا حين تعثرت.... حاول منعى من الوقوع فى الماء"
تلاشى صوتها و هى تنظر إلى التناقض الواضح بين الأصابع السمراء الملتفة بإحكام حول معصمها البيضاء الرقيقة . و حاولت انتزاع يدها و هى تبتلع ريقها بصعوبة فقاومها للحظة ثم انفتحت الأصابع الطويلة و أصبحت حرة...عندها تراجعت خطوة متعثرة إلى الوراء و قد تأثرت بردة فعله و استندت إلى إطار النافذة.
فقال بلهجة جدية و خشنة و هو يحدق بها :"أنا آسف"
شعرت بالإثارة تسرى على طول عمودها الفقرى فبذلت ما فى وسعها لتتجاهلها و قالت و كأنها تعظه:
ــ أنا الأراضى التى تبعد عشرين متراً عن طرف الماء و إن كانت من الأملاك الخاصة هى فى الواقع ملك للتاجو مخصصة ليصل الناس إليها .
فقال بصوت ناعم محاولاً إخفاء سخريته :
ــ لكن لتصلى إلى العشرين متر عليك أن تمرى بأملاك خاصة.
ولكنه....ليس إنكليزياً إذن...و صاحت لانث بلهجة واثقة :
ــ هذا محتمل لكننى لم أكن أتسلل حين قرر ذلك الغبى أن يثبت أنه رجل ضخم و قوى فجرنى إلى هنا.
كانت لانث متوسطة الطول لكن ترددها على المستشفى خلال السنة جعلها تفقد وزنها بحيث أصبحت أنحف مما كانت عليه فى السنوات الخمس الماضية. ولم تكن أبداً كذاك الحارس الذى تشبه بنيته بنية لاعب الركبى.
ابتسم رئيسه و قال :"سوف يعتذر"
منتديات ليلاس
كيف يمكن لحركة واحدة أن تحول متعجرفاً متعالياً إلى شخص له مثل هذه الفتنة؟ بدأ و كأنه أمير من أمراء العصور الوسطى . وتحول على الفور إلى رجل جذاب مذهل, إنما خطير...مثقف لكنه بربرى . أما قسماته الوسيمة فزادت من حدتها قساوة قلب جلية.
تابع كلامه :"أنت على حق تماماً...و أنا أعتذر عن مارك فلم يكن يحق له أن يلمسك أو أن يجرك إلى هنا"
أحست لانث بأن وراء هذا الوجه الفاتن عقل ذكى أختار على الفور مثل هذا الرد لعلمه أنه سيهزها...أى بكلمات أخرى أنه يناورها.
و بعد أن ردت ابتسامته بابتسامة أملت أن تكون متحفظة و قالت :
ــ النيوزيلنديون يحبون بلادهم خاصة لأنهم قادرون على التنقل فيها كما يشاؤون
ــ شرط خضوعهم لقوانين الريف؟ مثل البوبات المقفلة و ما إليها؟
ردت و هى تعرف أنها لم تترك خلفها بوابة مفتوحة :"طبعاً"
أطبقت رموشه السوداء ليضيق نظره و قال :
ــ كى أعوض قليلاً عن تطفل مارك هل لى أن أقدم لك شرباً ثم أرافقك إلى سيارتك؟
بتصلب و بأعصاب لاتزال مشحونة من تأثير ابتسامته قالت لانث:" لا....شكراً لك...لا أشعر بالعطش"
فقال بصوت مهدئ :"أفهم أنك لا ترغبين فى البقاء فى منزل مررت فيه بمثل هذه التجربة الكريهة...لكننى أود أن أظهر لك أننى ليست رجل مافيا فى إجازة"
رفعت نظرها إلى وجهه الساكن....هل يمكنه أن يقرأ أفكارها ؟ لا بالطبع لا...
قالت بسرعة , غير متوازنة :"أنا واثقة من أنك لست...."
ــ إذن دعينى أن أقدم لك تعويضاً ما ؟
الفتنة صفة نادرة و مجحفة....فقالت على مضض و بغضب و ساقها تهدد بالانهيار :
ــ لست بحاجة إلى أى تعويض . لكننى أرغب فى فنجان من الشاى....شكراً لك.
ــ سيكون هذا من دواعى سرورى.
ابتعدت عن النافذة و اتجهت زهرة منسية نحوه و هى تعرج متوقعة أن ترى دلائل الصدمة على وجهه. لكن نظراته الزرقاء الصافية بقيت ثابتة على منتديات ليلاس وجهها أمسك مرفقها بطريقة عفوية
اعتقدت أنه سيشحب حتى البياض حين يلاحظ آثار الجرح فقد اعتادت على هذا.

منتديات ليلاس


زهرة منسية 06-03-13 10:17 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 

كانت الأصابع السمراء الطويلة على مرفقها تعطيها الثقة و الدعم. كما ترسل شرارات بطيئة فى كيانها لكنها بالطبع لم تسمح لنفسها بأن تتكئ عليه و هو يرافقها عبر الباب إلى غرفة تخطف الأنفاس حيث الضوء المنبعث من البحيرة ينعكس بشكل رائع و مذهل.
توقفت لانث فجأة و شهقت :"أوه !"
اشتد ضغط أصابعه للحظة على مرفقها ثم ارتخى :"ما الأمر؟"
أحست بالغباء و شرحت بضعف :"لا شئ....البحيرة تبدو رائعة من هنا"
حثها على التوجه نحو مقعد مريح و قال :"إنها تبدو رائعة من أى نقطة. لقد سافرت كثيراً لكننى لم أر شيئاً فى مثل لون هذه المياه"
جلست لانث و أبقت وجهها موارباً.كانت الأبواب الزجاجية المفتوحة تطل على شرفة واسعة و على شاطئ لامع . قالت :"إنها بحيرة رملية. و الرمال البيضاء تعكس لون السماء بكثافة أكبر"
جلس على كرسى قربها و قال :"مهما كان السبب فهى جميلة.نيوزيلندا بلد رائع و تظهر الجبال فى كل مشهد فيها"
ــ الجبال رائعة كخلفية للمناظر . لكن مكانها هناك و أنا أفضل شاطئاً جميلاً دافئاً فى أى يوم.
منذ سنة مضت كانت تعنى ما تقول.
تسببت نظرته المفكرة بابتهاج أثار اضطرابها و أخافها . هاتان العينان الباردتان مختلفتان تماماً عن لون بشرته المتوسطية الدافئة. كانت البشرة البرونزية و الشعر الأسود المائل إلى الزرقة تزيدان من حدة تأثير عينيه فأحست بهما كزلزال مخيف لا مفر منه. وقال بصوت مرح:
ــ تبدين و كأن لا شئ يخيفك.
ردت و هى تفكر:" لو أنك تعلم!"
ــ أحب الدفء. لقد ولدت فى نيوزيلندا لذا لست معتادة على الثلج .
ــ مع ذلك قد تكون المياه باردة.
حتى الآن, لم تهتم لأمر ساقها لكنها تمنت بشدة لو أنها اختارت بنطلوناً طويلاً بدلاً من القصير . كانت تدرك بشاعة البشرة المتجعدة المشوهة التى تمتد على طول ساقها تقريباً. وعلى الرغم من أن الجراحة التجميلية سوف تغير مظهرها فى المستقبل إلا أنها ستبقى موجودة لتذكرها بألم الماضى البشع.
قالت بجفاء :"هذا فقط إذا كنت ساذجاً بما يكفى لتستمر فى السباحة بعد أن تبدأ بالارتجاف"
ــ ربما من طبيعة الإنسان أن يرغب فى تطويع ما يهدده.
تحركت عيناه ببطء على وجهها و استراحتا للحظة وجيزة على فمها الناعم, ثم ارتفعتا نحو شعرها المبعثر بأمواجه العسلية الموشحة بخصل نحاسية لامعة.
انفتح الباب و راقبت لانث بقلق مارك الحارس الأشقر ببنيته الصلبة الضخمة يدخل حاملاً صينية الشاى لابد أن مضيفها كائناً من يكون قد أصدر أوامره قبل أن يراها . وتساءلت لانث عن سبب توترها من جراء هذا النفوذ.
وضع مارك الصينية على طاولة قريبة من مقعدها ثم أدناها منها بحيث لم تعد بحاجة لأن تميل نحوها. ولاحظت وجود أبريق شاى و قهوة معاً مما يعنى أنه لم يترك شيئاً للصدف.
قال المضيف:"أرجو أن تتصرفى على حريتك"
ــ أجل...بالطبع
تراجع مارك إلى الوراء و قال بحدة :
ــ أنا أسف إذا كنت قد أخفتك. لكنك كنت متسللة.
و بلهجة رسمية مماثلة قالت لانث :
ــ حق الملكية لا يمنح حق المعاملة بخشونة. لكننى أقبل اعتذارك
و أستجمعت أرق ابتسامة لها و وجهتها إليه إلى أن تصاعد الاحمرار إلى وجنتيه . فنظر بسرعة إلى رئيسه الذى قال له :"شكراً لك مارك"
فأحنى رأسه بسرعة و استدار بسرعة و غادر الغرفة.
ضحك المضيف بهدوء و تمتم :"أنتم النيوزلنديون !"
و بابتسامة مغتصبة صبت لانث الشاى الذى تصاعدت منه رائحة قوية...
و أخذ فنجانه و هو يسألها:"هل أنت من هنا أم فى عطلة مثلى؟"
ــ أنا فى عطلة
ــ فى منطقة المخيم؟
ــ لا....بل أسكن فى باتش
رفع حاجبيه متسائلاً, فشرحت له :
ــ فى نيوزيلندا الباتش هو منزل شاطئ صغير , وضيع قليلاً
نظرته المتفرسة قضت على حاجز ثقتها بنفسها الهش . جاهدت لانث كى لا ترف عينيها كرد فعل . فكلما نظر إليها تتحرك أحاسيسها بشكل غريب. نوع من إحساس جاذب يتحول بقسوة إلى شوق موجع.
و حدثت نفسها بأن له على الأرجح التأثير القوى ذاته على أى امرأة دون المئة من عمرها, فهاتان العينان تخدران الحواس . ولعله يستجوبها الآن بمكر. فإذا كان الأمر مذلك فقد أخطأ بالخصم . لم يقل لها بعد من هو . لذا لن تقول له شيئاً عن نفسها.
أحست أنها مهددة فحاولت أن تدافع عن نفسها و لو بطريقة طفولية.
قاطع أفكارها بقوله:"آهـ...تلك المنازل الصغيرة قرب المخيم"
ــ أجــــل
ــ و هل كوخك ملك للعائلة؟
ــ لا. بل لأصدقاء
غير الموضوع بهدوء واثق و قال :
ــ أرجو أن يبقى الطقس مثالياً رائعاً كما هو منذ أسبوعين.
ــ يجب أن يبقى هكذا لكن نيوزيلندا كابوس لكل متنبئ بالطقس.فالبلاد طويلة إنما ضيقة و هى تقع عند نقطة التقاء خط الاستواء لهذا فالهواء البارد يهب علينا من القطب الجنوبى و من كل الاتجاهات . مع ذلك فالوقت الآن منتصف الصيف و مع شئ من الحظ سيبقى الطقس رائعاً حتى نهاية شهر شباط
و كانت اللهجة التثقيفية فى صوتها وسيلتها الوحيدة لتدافع عن نفسها ضد نظراته المتفرسة المقيمة.
أضافت :"بالطبع , هذا إذا لم يأتينا إعصار زائر. لقد زارنا إعصاران فى موسم العطلات هذا, لكنهما اقتصرا على مطر غزير"
قال :"لنأمل إذن ان يحتفظ خط الاستواء بأعاصيره لنفسه"
و بهذا لم يشر أية إشارة إلى مدى بقاءه هنا.
بعد هذا تحدثا بالعموميات . حديث لا يعنى شيئاً و لا يكشف عن شئ....مع ذلك سرى تحت سطح الكلام العفوى السلس تيار أعمق و أكثر إثارة للتساؤلات و كلما نظرت إليه كانت تجده يتأملها
أخيراً وضعت لانث فنجانها الفارغ من يدها و قالت :
ــ كان شاياً رائعاً ...شكراً لك , من الأفضل أن أعود الآن.
وقف على قدميه برشاقة رجولية و أجاب:"سأوصلك إلى سيارتك"
ردت ألياً:"استطيع السير"
و دون أن يبعد عينيه عن وجهها سألها :"و تؤلمين ساقك أكثر؟"
أجفلت و أحست بساقها تصرخ ألماً فقالت على مضض :"حسناً جداً. و شكراً جزيلاً لك"
ــ هذا تعويض صغير جداً عن خشونة مارك.
تقدم منها و أمسكها من مرفقها مرة أخرى...أحست و كأن أصابعه تحرق بشرتها وهو يساعدها لتقف وإن كانت تدرك أن ذلك مستحيل.
قالت بحدة :"مارك مسئول عن هذا"
و زمت شفتيها لتواجه الإحساس الغريب الذى سرى فى جسمها .
أجابها :"إنه موظف عندى لهذا فأنا المسؤول"
خطت لانث بضع خطوات متصلبة و عرجها يزداد وضوحاً مع ارتفاع حدة الألم فى ساقها.
تمتم بكلام غير مفهوم و بحركة بطيئة رفعها بين ذراعيه.
صاحت بذهول :"هاى !"
و لم تستطيع أن تزيد مع تصاعد اضطراب محموم سرى فى داخلها .
شدها إلى صدره القوى العضلات بحركة عفوية وهو يسير بخفة مدهشة نحو الردهة العريضة التى تؤدى إلى الباب الأمامى و هو يقول :"ربما تفضلين أن يحملك مارك"
لم تكن دلائل القوة الرجولية فيه وهماً. أما القدرة على السيطرة على نفسه التى كانت تضفى سلطة على مظهره الرائع الشامخ فكانت بارزة فى طاقة و تصميم منتديات ليلاس مميز.
مزيج مخيف من اللهيب و الثلج سرى فى كيان لايث فقالت و هى تحاول أن تبدو عادية :"ليست بحاجة إلى أن يحملنى أحد"
ــ أنت شاحبة كورقة بيضاء و العرق يتصبب من جبينك . أرجوك لا تجعلينى أشعر بالسوء أكثر مما أنا عليه الآن.
و لأنها تكره الشفقة ردت ببرودة:
ــ ليست كذلك..صحيح أن ساقى تؤلمنى لكننى أستطيع أن أصل إلى سيارتى.
فقال باستنكار ساخر :"حتى ولو اضطررت إلى الزحف. قد تقطيع أنفك نكاية بوجهك..."
أسكتتها كلماته هذه . فمن الواضح أنه يشعر بالمسؤولية عن تصرف حارسه, لكن معاملة مارك الخشنة لها لم تعد تهمها .
أختلج قلبها و هى تسترق نظرة إلى جانب وجهه الرائع الذى أحاطت به فجأة هالة ذهبية غير متوقعة و هما يخطوان إلى الخارج تحت أشعة الشمس....قالت لنفسها بازدراء متبجح إنها مجرد جاذبية...مجرد جاذبية...إنه شعور عادى بين ذكر و أنثى و لا يعنى شيئاً .
كافحت ذلك الإحساس و أجبرت نفسها على الاهتمام بما يحيط بها و على صرف انتباهها عنه.
إن مصمم هذا المنزل كائناً من كان يفهم طقس نيوزيلندا جيداً .
كان هناك مدخل مسقوف يمتد من الباب على طول الطريق الداخلية المرصوفة بالحصى مما يوفر الملاذ من حرارة الصيف و يحمى من المطر الذى يغزو شبه الجزيرة فى كل المواسم. ورأت هناك سيارة رانج روفر ضخمة فخمة و مغبرة.
قال مضيفها :"أنا مضطر لإنزالك"
و أنزلها بعناية رقيقة .
تمسكت بمقبض باب السيارة فاشتدت ذراعاه حولها مجدداً للحظة...
أحست بحرارة فى عظامها ثم باسترخاء مثير وذابت فى دفء أحضانه, وفى رائحة عطره الخفيف الرجولى لكنها تجنبت أن تعترف بذلك و انتظر حتى تركت مقبض الباب و استقامت ثم تراجع.
سألها وهو يفتح الباب :"هل بإمكانك تدبر أمرك؟"
ــ نـــعـــــم
رفضت الاعتراف بالألم فى ساقها وصعدت إلى السيارة ثم انتحت لتشد حزام الأمان و لم تلتفت إلى الرجل الذى استدار وصعد قربها.
قال و هو يدير المحرك :"افترض أنك تركت سيارتك قرب البوابة"
ــ أجل عند آخر الطريق.
قاد السيارة الكبيرة بمهارة فى الطريق الضيقة وجلست لانث صامتة إلى أن رأت سيارتها المتوقفة قرب أشجار الصنوبر و قد حمتها من الطريق المغبرة أوراق شجيرات صغيرة.
قالت :"هناك"
ــ رأيتها.
ركن سيارته خلف سيارتها و كتمت لانث ابتسامة ساخرة و هى تنزل بسرعة و تعرج نحو سيارتها العتيقة اليابانية الصنع.
كانت الشمس قد ارتفعت عالياً فى السماء فتخطت ظل الأشجار وجعلت داخل السيارة ساخناً. أنزلت زجاج النافذة و تركت الباب مفتوحاً و هى تفكر بحنق فى تصرف مارك و ترجو أن يصعد مضيفها القسرى إلى سيارته و يتركها وشأنها. أحست و كأنها تقف على نصل سكين ماضيها مخبأ فى الظل و مستقبلها يكاد يردد صدى الفراغ.
قالت بابتسامة مشرقة :"شكراً لك"
لمع المرح فى عينيه لوهلة و قال:
ــ يجب أن أشكرك لأنك لم تقاضينى و التعويض الوحيد الذى أقدر عليه هو أن أعرض الشاطئ عليك فى أى وقت ترغبين فى السباحة.
ــ هذا لطف كبير منك, شكراً لك.
جاءت كلماتها خرقاء و لم تستطيع إخفاء الدهشة من صوتها ثم حيته بانحناءة من رأسها و تراجعت إلى سيارتها و هى تفكر : هذا مستحيل.
الشفقة وحدها سبب العرض وهى تكره الشفقة منذ الحادثة تحملت منها ما يكفيها و دافعت عن نفسها بالكبرياء العنيدة.
وبحركة حادة أدارت المحرك و غضبت حين تأوه ثم توقف صامتاً...و حاولت مجدداً بشفتين مشدودتين هذه المرة أنتعش المحرك و دار فابتسمت بأدب و لوحت له بيدها .
و قبل أن تنزل الكابح اليدوى مال إلى الأمام قائلاً :"سألحق بك إلى منزلك لأتأكد أنك على ما يرام"
ــ لا داعى لهذا.
لكنه كان قد تراجع عائداً إلى سيارته.
تسلل القلق إلى قلبها و كأنه مخلب قطة و للحظة فكرت فى أن تذهب إلى باتش آخر لكن العقل و المنطق أعلماها بأن بضعة أسئلة ستوصله حتماً إلى حيث تسكن.
لم تكن خائفة فلا سبب يدعوها للخوف منه.
و هكذا قادت سيارتها بهدوء إلى أن وصلت إلى الباتش الثالث قرب البحيرة الثانية و استدارت لتتوجه تحت ظلال أشجار السرو الضخمة إلى الباحة المعشوبة الأمامية و من ثم إلى المرآب و توقف الرانج روفر على الطريق فى الخارج و محركه لا زال يهدر بينما خرجت من سيارتها و أقفلتها ثم تقدمت نحو باب منزلها و بتوتر فتحته و دخلت .
انتظر إلى أن فتحت الباب ثم استدارت بعد أن أطلق الزمور مرة واحدة .
آخر ما رأته منه كان جانب وجهه المتعجرف البارز فى دوامة غبار بيضاء على الطريق و تلويح يد طويلة بإهمال فتنفست الصعداء. وقفت للحظة تنظر إلى دهان الباب الباهت ثم فتحته بحدة و دخلت.
صدمتها الحرارة و كأنها تلقت صفعة ففتحت النوافذ على مصرعيها و فكرت بالواجهة الزجاجية المطلة على البحيرة و بالهواء العليل ثم هزت كتفيها.
من هو ؟ و لِمَ هو بحاجة إلى شخص مثل مارك فى مكان مثل نيوزيلندا؟ وفكرت و هى تزم شفتيها ربما غروره القاتل يتطلب طمأنة حارس شخصى.
لا يبدو هذا محتملاً لكن, ماذا تعرف عن الأثرياء؟ أو الرجال الوسيمين؟ فلو أن آلة التصوير أعجبت بوجهه كما أعجبت به عيناها لكن نجماً سينمائياً. لقد بدأ لها وجهه مألوفاً كصورة تتذكرها جزئياً من مجلد صور لشخص غريب.
من الآن فصاعداً يجب أن تلتزم بشاطئ هذه البحيرة مما يعنى نظرات فضولية و تعليقات حول ساقها ونظرات إلى أثر الجرح...أحمر قرمزى, مجعد, غير سوى يمتد الجرح على طول فخذها ليصل إلى كاحلها . لقد كادت تموت من الصدمة و أحياناً تتمنى لو أنها ماتت.
كانت قدرتها على الاشفاق على نفسها تسقمها و هذا أمر جديد بالنسبة لها. هذا الإفراط فى اليأس الضائع سدى و الذى طالما انتظرها و كأنه رمال متحركة.
و بصوت أرادته مرحاً صاحت عالياً فى الهواء الخانق:
ــ حسناً جداً لانث براون لقد مررت بتجربة و كائناً من كان فهو ليس سائحاً عادياً من طرازك.
ثم رفعت موجات شعرها الكث عن بشرتها الحارة و اتجهت إلى الحمام

منتديات ليلاس

زهرة منسية 06-03-13 10:22 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 

قال الرجل من خلف المكتب منادياً:"أدخل"
و دخل مارك ليقول متصلباً :"قبل أن تقول لى كم أنا غبى , أنا آسف"
أختفى العبوس الذى كان فى عينى أليكس ثم أبتسم ساخراً
ــ لا تدع حماستك تتغلب على تعقلك مرة أخرى .
ــ لن يحصل هذا.
و اتسعت ابتسامته و هو يقول :"إذا رأيت شيئاً مريباً أبلغنى به. أعتقد أن أمى أتصلت بك"
ضحك مارك و أسترخى :"مرات عدة قالت إنك فى خطر و أصرت على ضرورة توخى الحذر"
تساءل أليكس بجفاء:"لماذا إذن جئت بالفتاة المتسللة إلى المنزل؟"
أمه مقنعة جداً و مارك وكيلها هى و ليس حارسه الشخصى.
ــ لقد أمضت حياتها و هى قلقة على. أنا لست فى خطر و بخاصة ليس من شابة لا تبلغ الخامسة و العشرين و عرجاء. لا تهتم لأقوال أمى.
لم يستطيع أن يقنعها أنه غير معرض للخطر فى نيوزيلندا بالرغم من أن هناك أشخاص كثيرون سيفرحون لخبر موته.
نظر إلى كومة الرسائل على مكتبه و سأل:"من هى هذه المتسللة؟"
نظر إليه مارك مجفلاً :"وما أدرك أننى عرفتها؟"
ــ لو كانت سائحة عادية لرافقتها إلى البوابة و أعدتها من حيث أتت.
ــ أجل...حسناً جداً...أدركت أننى رأيتها فى مكان ما.و عرفت أنى رأيتها على التلفزيون لذا ظننتها صحافية و قد جئت بها إلى هنا إذ أعتقد أنك سترغب فى استجوابها.
هز أليكس رأسه و سأله :"ولكن؟"
ــ حين دخلت حاملاً صينية الشاى تذكرت من هى. لقد قدمت سلسلة من البرامج الوثائقية عن الحياة البرية إلى أن نهشها قرش فى مكان ما من المحيط الهادئ منذ سنة.
إذاً هذا ما تسبب لها بالعرج و بتلك الندبة البشعة؟ و ارتعد أليكس.
ــ ما أسمها؟
ــ لانث براون...لقد احتلت فترة أغلفة المجلات النسائية كلها لكنها خسرت عملها بعد الحادثة بالطبع.
هز كتفيه و تابع :"بدت الفتاة التى حلت مكانها جيدة مثلها فى البيكينى لكنها لا تجيد عملها..."
هز أليكس رأسه , و أكمل مارك:
ــ على فكرة أنا لم أقصد أن أؤذى معصمها . كادت تقع فى الماء لكنها نجت بأعجوبة و بدأت ترتجف و قد أصبحت شاحبة كورقة بيضاء....مما أخافنى كثيراً فشددتها بشئ من الخشونة لكننى لم أقصد أذيتها.
قال أليكس :"لابد أنها تتوتر فى الماء و هذه ردة فعل طبيعية لأى إنسان بعد أن يتعرض لهجوم كلاب البحر"
ــ أجل...هذا ممكن...و إن لم يكن هناك سمك قرش فى البحيرات.
ضحك أليكس و أجاب:"ليس الأمر بهذه السهولة... حسناً جداً أهب إلى عملك"
ــ متى تريد العشاء؟
ــ فى الثامنة
راح ينظر إلى الأوراق أمامه و بالكاد سمع الباب يقفل وراء الرجل
و بعد ساعة رفع رأسه و وقف ثم خرج إلى الشرفة. تراقصت البحيرة أمامه, زرقاء لامعة و استعاد صورة وجه المرأة إنه أمر مثير للاهتمام.
منتديات ليلاس
عرف نساء أكثر فتنة كان الوعد المغوى يتدفق منهن مع كل ابتسامة. مع كل حركة من أجسادهن...لكن هذه المرأة مختلفة أوه شكلها حسن بشرتها رائعة و عيناها الذهبيتان فريدتان لكنها تعرج و بالكاد أخفت الرموش السوداء الطويلة قلقها...و ذلك الشعر! شعر يلتف على قلب الرجل...لكنه أدرك ساخراً أن قلبه آمن...و أنها مجرد ردة فعل بدائية. لقد أراد أن يرى شعرها منثوراً فوق وسادته و هاتين العينين مثقلتين بحرارة الشوق.
حين ألتقت عيونهما تقلصت معدته و كأنه تلقى للتو ضربة عليها... واخترق شوق جامح دفاعاته التى عززها منذ سن المراهقة.
وتذكر وجهها معتمداً على عقله البارد المحلل الذى لم يخذله يوماً و استرجع صورة وقفتها المتحدية و ملامحها الأنثوية الرقيقة و لاحظ أن يديه تشتدان فى قبضتين , بعد أن استجاب لتخيلاته دون إرادة منه
ما الذى يجذبه إليها على هذا النحو. لم يكن فيها أى خداع أن تصنع و لم يحمل الفم الناعم أى أثر لأحمر الشفاه و تلك العينان اللامعتان لم يعلوهما أى كحل أو ظلال و مع ذلك و تحت جمالها الكلاسيكى الرقيق أحس بقوة جارفة قوة بدائية دنيوية و كأنها تهدد و هى تغوى.
ماذا رأت عيناها المذهلتان حين نظرت إليه للمرة الأولى؟
كشر و أجبر يديه على الاسترخاء لقد رأت ما يراه هو كل صباح فى المرآة الوجه الذى يدل على حسبه و نسبه و يعلن عن إرثه قسمات متوارثة منذ ألف سنة.
لم تنظر تلك العينان الكبيرتان إليه سوى بارتياب و حاول أن يجد شيئاً مسلياً فى ذلك, خيط ساخر يخمد الحمى التى تلفه.
لقد تحدت رابطة جأشها الباردة الرجل البدائى فيه..تماماً مثلما فعل شعرها و بشرتها الناعمة و عيناها الذهبيتان....
و فكر ساخراً :"وقامتها تحت تلك الثياب البشعة...أوه ....أجل"
لقد سحرته ساقاها النحيلتان و مفاتنها الناعمة القاتلة و عنقها الطويل و معصماها الرقيقان و كاحلاها .
جاءت ردة فعله على ذلك الجرح البغيض قوية و مختلفة و أزعجه الألم الذى ارتسم فى عينيها و شحوب وجهها حين آلمتها ساقها كما صدمته حاجته اللاإرادية لحمايتها.
أنه رجل ذو مشاعر قوية و إرادة أقوى و العزوبة خياره كما يعترف بأنه يهوى النساء لكنه يسأم من الجمال الشائع.
ومع ذلك و حين فتح الباب ورآها تنتظر من النافذة أحس فى أعماقه بتجاوب غريب.
اللعنة على كل ما يعتبر غير مناسب. و سار عائداً إلى مكتبه ليسوى أوراقه و يضعها قرب الكومبيوتر. قد يحتاج إلى شئ من التنفيس لكنه الآن و من بين كل الأوقات يحتاج إلى صفاء ذهنه. لديه أشياء أكثر أهمية يفكر فيها و لهذا قصد نيوزيلندا للتفكير فالقرار الذى سيتخذه لن يؤثر فى حياته فحسب بل على حياة الملايين.
و للمرة الأولى فى حياته لم يستطيع دراسة الوقائع بموضوعية أو تقدير نتائج أى قرار...تفكيره المستقل الحاد كنصل السيف, البارد الذى لطالما أعمله بحكمة لحل شؤونه رفض مواجهة الأمور.
و اندمجت ملامح وجه لانث براون مع أفكاره العملية و أثار اهتمامه التناقض بين أسمها و شهرتها فكلمة لانث تعنى زهرة البنفسج...
كل هذا غريب ! فتلك القسمات المحفورة بدقة هى من النوع الذى تعشقه آلة التصوير و راح يفكر فى ما إذا كان بإمكان الكاميرا أن تكشف أيضاً ذلك الجمال المتوحش الكامن فيها....
نظر من النافذة مقطباً وحدق فى مياه البحيرة الزرقاء...و بما أن مارك أكتشف هويتها أصبح من السهل معرفة المزيد عنها و قد عمل التحرى فى أوكلاند بنشاط و سرعة فوصلته النتيجة عبر الفاكس منذ بضع دقائق.
لكن لا شئ عن حياتها الخاصة فخلال مقابلاتها مع المجلات النسائية لم تتحدث سوى عن عملها و هو السباحة الاستعراضية مع الحيتان و الدلافين.
وكلاب البحر! لاشك أن تلك الخطوط الكئيبة المرسومة حول فمها
المفعم بالحيوية ذاك الحزن فى عينيها هما نتيجة أخرى لذلك الهجوم الذى تعرضت له.
وتملكه مجدداً رغبة قوية فى حمايتها فضغط على زر إلى جانب المكتب, بعد أن وضع الأوراق التى أرسلها التحرى فى الدرج.
حين ظهر مارك قال له :
ــ سنذهب غداً إلى دراغافيل أليس كذلك؟أذهب إذن إلى محل بيع أشرطة الفيديو و أشترى لى أى شريط تظهر فيه لانث براون
و لما أصبح وحيداً التقط الأوراق من على مكتبه و شرع يقرأ ليتمكن من نسيان ذكرى الفم الجميل و الشعر المتماوج بين الذهبى و النحاسى اللماع و البشرة الرقيقة كالحرير و عينان ذهبيتان كبيرتان تعكسان ألوان النار وتلمحان إلى شغف لم يوقظه أحد بعد.

منتديات ليلاس

نهاية الفصل الأول قراءة ممتعة

katia.q 06-03-13 10:44 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
تسلم ايديك زهورة
باين عليها رواية جميلة من الملخص
أنا ما قرأتها قبل كده (تصوري ؟؟؟)
الف شكر حبيبتي على اختياراتك الجميلة
مووووووووووووواه

Eman 07-03-13 10:10 AM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
مرحبا زهوورة..

هالرواية شو عليها ضجة بس ماقرأتها قبل..

بس الفصل بتنبأ برواية خيالية..حبيت البطل كتير..وااااااااااااو..

البطلة شخصيتها رائعة وعنيفة ورقيقة خليط ممتع..

بانتظار بقية الأحداث على نار..

ويسلمووووو ايديكي عزيزتي..

Rehana 07-03-13 10:38 AM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
الله يسعد صباحك زهوري..

الملخص مشوق باحداث مثيرة.. وغامضة في نفس الوقت
انا قرات بس الجزء الثاني
انا كنت بستغرب من البنات لما دخلت ليلاس .. ان في جزء ثاني لرواية .. او ثالث
وبعد ما قرات اجزاء فرسان المناطق النائية و ترجمت الجزء الاول صدقت ان في سلاسل هههههه
من فترة خلصت سلسة كيت والكر ^^
الله يعطيك العافية على المجهود الجبار في كتابة هذا السلسلة وماننحرم من طلتك واناملك السحرية

قبلاتي لك ..

http://imblog.aufeminin.com/blog/D20..._H194718_L.jpg

زهرة منسية 07-03-13 04:53 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة katia.q (المشاركة 3287308)
تسلم ايديك زهورة
باين عليها رواية جميلة من الملخص
أنا ما قرأتها قبل كده (تصوري ؟؟؟)
الف شكر حبيبتي على اختياراتك الجميلة
مووووووووووووواه

يسلم عمرك كاتيوش
فعلاً هى رواية حلوة و مختلفة
تصورى و انا أول مرة أقرها و انا بكتبها وم اكنت بعرف أنها ضمن سلسلة لأن اغلب الرواية أحداثها بين البطل و البطلة بس
شكراً حبيتى على مرورك
بس اللى تستحق الشكر على الختيار هى ريحانتى لأنها هى اللى اقترحت عليا انزل السلسلة دى
نورتى بمروك كاتيوش
و شكراً ليكى انك اعلنتى عن الرواية فى الشريط

زهرة منسية 07-03-13 04:59 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Eman (المشاركة 3287574)
مرحبا زهوورة..

هالرواية شو عليها ضجة بس ماقرأتها قبل..

بس الفصل بتنبأ برواية خيالية..حبيت البطل كتير..وااااااااااااو..

البطلة شخصيتها رائعة وعنيفة ورقيقة خليط ممتع..

بانتظار بقية الأحداث على نار..

ويسلمووووو ايديكي عزيزتي..

مرحبا أيـــمــــو
ملكة التصوير فى زيارتنا يا أهلا و سهلا نورت الروواية بوجودك حبيبتى
يشرفنى أنك تقريها عندنا أيمو
و انا كمان بحب البطل :lol:
يسلم عمرك أيمو
أسعدنى كتير تواجدك العطر

زهرة منسية 07-03-13 05:16 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Rehana (المشاركة 3287579)
الله يسعد صباحك زهوري..
الله يسعد كل أوقاتك ريحااااااانتى
الملخص مشوق باحداث مثيرة.. وغامضة في نفس الوقت
انا قرات بس الجزء الثاني
فعلاً الملخص غامض جداً
أنا مشتاقة بقا مشتاقة لقريته
و الجزء الأول قريتها أثناء الكتابة

انا كنت بستغرب من البنات لما دخلت ليلاس .. ان في جزء ثاني لرواية .. او ثالث
وبعد ما قرات اجزاء فرسان المناطق النائية و ترجمت الجزء الاول صدقت ان في سلاسل هههههه
من فترة خلصت سلسة كيت والكر ^^

الله يعطيك العافية على المجهود الجبار في كتابة هذا السلسلة وماننحرم من طلتك واناملك السحرية

قبلاتي لك ..

http://imblog.aufeminin.com/blog/D20..._H194718_L.jpg

ههههههه و انا كمان مش كنت فاهمة وخصوصاً فى رواية الوصية لـ ربيكا ونترز أنس كانت كاتبة أن ليها أجزء
و ما فهمت لغاية ما فتح قسم السلاسل و أستهوانى كتير و روايات كتير رجعت أقرها تانى بترتبها فى السلسة
شكراً كتير حبيبتى على التثبيت
شرفتى بطلتك المميزة و العزيزة على قلبى
موووووووووووووووووواه

زهرة منسية 07-03-13 05:20 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
2 – عينان من نار
منتديات ليلاس

بعد ليلة قلقة قضت مضجعها فيها الأحلام المزعجة شربت لانث فنجانين من الشاى و أجبرت نفسها على أكل قطعة توست قبل أن تتوجه بسيارتها إلى أقرب بلدة...إلى دراغافيل الميناء الصغيرة على نهر وايروا.
و بعد أن أشترت مؤونتها مما لا تجده فى المحل الصغير فى المخيم اختارت مجلتين و جاهدت لتقاوم إغراء كتب جديدة عدة. لكنها عادت و اشترت أربعة كتب أخرى من رف الكتب القديمة فى المكتبة.
عند منتصف الطريق المؤدى إلى منزلها رأت سيارة رانج روفر مائلة إلى جانب الطريق و قد وقعت فى خندق و وقف إلى جانبها شخص مألوف يتفحص الأضرار .
كادت أن تزيد من سرعة سيارتها لتتجاوز مارك الحارس لكن رباطاً غريباًَ جمع بينهما بعد تصرفه ذاك اليوم, لهذا ركنت سيارتها خلفه و نزلت منها لتقول بهدوء :"مرحباً....هل أنت بخير؟"
فأجاب مارك دون أن يبتسم :"أنا بخير"
منتديات ليلاس
و تساءلت لانث لم أزعجت نفسها, لكنها تابعت تقول :
ــ هل تريدنى أن أستدعى لك كاراج كايهو؟
قال :"لقد توليت الأمر لكن بإمكانك إسداء خدمة لى . أحمل أطعمة مجلدة و لن تحتمل الحرارة طويلاً, هل يمكنك أن توصليها إلى المنزل؟"
قاومت لانث إحساساً بحتمية القدرو قالت:"أجل....سأفعل هذا...هل نحتاج لأن أوصلك بعد أن يسحب الروفر إلى المرآب؟"
ــ لا .
قالت, و قد تملكها إحساس بأنها ستعجز عن التراجع :"حسن جداً. أعطنى الأطعمة المجلدة لأوصلها"
و بعد دقائق , أكملت طريقها مع كيس بلاستيكى كبير من صندوق سيارتها و تقطيبة تجعد جبينها لو فكرت بشكل سليم و منطقى لمرت به و تجاوزته لكن حب أهل نيوزيلندا للمساعدة تغلب فيها على أى غريزة أخرى

منتديات ليلاس


زهرة منسية 07-03-13 05:22 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 

سوف تتحدى الآن الأسد فى عرينه ...لا بل الصقر فى عشه.
ولعل للصقور أوكار مثل النسور....وابتسمت لهذه الفكرة ثم وضعت نظارتيها لتقى عينيها من لمعان الشمس على الإسفلت أمامها كالسراب. إنه فعلاً كالصقر فى سماء صيفية ,متكبر, شرس, و قاتل....
توقفت تحت تلك الخيمة الرائعة و كل خلية من جسمها تنبض فتبث الدفء فى بشرتها و تشحذ أحاسيسها.
خرجت من السيارة و قرعت جرس الباب. وترافق ذلك مع هديل حمام زاجل أسود, تصاعد من بين أوراق شجر الأوريليا.
أن الطيور و ألوانها الداكنة ما كانت لتثير خوف لانث أو خشيتها.
مع أنها كانت تعرف أن الطير الأسود يعتبر نذيراً للموت فى نيوزيلندا.
لكنها عالمة طبيعيات بحق السماء!
و مع ذلك وهى تقف أمام الباب الخشبى الضخم بدت الحمامة الزاجلة كرسول سحرى مبعوث من عالم آخر يستدعى البطل المنشود.
هزت كتفيها ساخرة و استدارت لتدق الجرس مجدداً و نظر إليها ذلك الرجل الذى راود أحلامها و حرمها النوم.
شرارة غريبة ظهرت فى العيني اللامعتين ردة فعل لم تستطيع فهمها, إذ اختفت على الفور ليحل محلها موقف متحفظ.
أستجمعت قواها و ابتسمت ابتسامة مصطنعة و قالت :"معى بعض الأطعمة المجلدة طلب منى....سائقك.....أن أوصلها"
حافظ على عبوسه و لم تظهر عيناه سوى بُعد فضى لامع بارد شفاف و هو يقول:"شكراً لك"
سار إلى جانبها نحو السيارة و سألها :"أى منها الأطعمة المجلدة؟ سآخذها"
ثم استقام و فى يده الكيس البلاستيكى و أكمل كلامه:
ـ لقد دفعت شاحنة مسرعة سيارة مارك إلى القناة . شكراً لك على أخلاقك الطيبة.
إذن تنبه إلى أنها ستنصرف...و قالت:
ــ يجب أن أذهب الآن, أرجو أن تسير الأمور على ما يرام بالنسبة إلى السيارة.
لم تستطيع أن تتبين أى إحساس فى تعابيره وطال الصمت بينهما .
و أخيراً قال بذهن مشتت :"أدخلى لتشربى شيئاً ما تبدين متعبة و عطشى"
لفتت نظر لانث حركة صغيرة من طير الحمام الزاجل كان يقف على أعلى غصن فى الشجرة و قد فتح ريش ذنبه, ريش أسود يتناقض مع الأوراق الخضراء الذهبية بدا أن عينيه المستديرتين البراقتين مثبتتان على لانث بإصرار آمر.
من الغباء أن تهتم لهذا المخلوق الصغير الشائع فى نيوزيلندا....و الغباء الأكبر هو قبول الدعوة.
لكنها بدلت رأيها بتهور و قالت ببطء :
ــ يبدو هذا رائعاً...أنا فعلاً أشعر بالحرارة و العطش
ابتسم و تراقص قلبها بين ضلوعها...ثم علق قائلاً :"لكن ربما يجب أن نتعارف أولاً"
و مد يده مصافحاً و هو يقول:"أنا أليكس كونسيدين"
أنها تعرف هذا الاسم! لكنها لم تتذكره فأخذت نفساً عميقاً و قالت :"أنا لانث براون"
و بنوع من الاستسلام وضعت يدها فى يده , و أطبقت يده على يدها .
للحظة اشتعلت فى أحشائها نار مجنونة قضت على التعقل و الحذر ...و ظنت أن المصافحة إشارة رمزية تطلب بحق التملك.
ذُعرت...هذه سخافة....سخافة مطلقة!
سحبت يدها من يده فتركها و كأنما ارتجاف النساء حين يلمسهن أمر عادى فى حياته.
و قالت بصوت أجش:"كيف حالك؟"
قال و قد بدا صوته عميقاً مرحاً :
ــ كيف حالك يا آنسة براون ؟ تفضلى بالدخول . هل هناك شئ ترغبين فى إخاله معك؟ ربما بعض الطعام المجلد, لأضعه مع طعامى فى الثلاجة؟
اللعنة! كان عليها أن توصل اللحم الذى أشترته إلى منزلها قبل مجيئها إلى هنا ....لكن لا.....لقد أثارت أعصابها فكرة رؤيته مجدداً بحيث قادت سيارتها دون تفكير و تجاوزت منعطف منزلها.
قالت تعترف :"فى الواقع....أجل . هناك شئ ما"
فرحت إذ تمكنت من الانحناء و رفع الكيس الصغير من السيارة.
حمله مع كيسه و أشار إليها بأن تتقدمه فأطاعته بكبرياء و هى تقول بابتسامة عفوية :
ــ أسم الآنسة براون يبدو لى رسمياً جداً و أنا أفضل أسم لانث .
أسدل رموشه لهنيهة و قال:"إذن يجب أن تنادينى أليكس"
رافقها إلى غرفة الجلوس بمنظرها الرائع ثم أضاف:
ــ أستاذنك. سأضع هذه فى الثلاجة .
اجتازت لانث الباب المفتوح و أغمضت عينيها فى وجه التناقض الحاد بين الرمل الأبيض و زرقة المياه الصافية. وفكرت فى أنه رجل لا يمكن للمرء أن يتحمل مساعدته.
و فى محاولة منها للتركيز أخذت نفساً عميقاً و استدارت استدارة خرقاء فرأت أليكس يخرج من الباب و هو يحمل صينية عليها زجاجات من العصير .
قال حين نظرت إلى الصينية :"استطيع أن أحضر الشاى أو القهوة إذا كنت تفضلين ذلك"
هزت لانث رأسها و قالتا بامتنان :"لا.....الشراب البارد سيكون رائعاً"
ــ تعالى إلى الخارج...فالجو أكثر برودة.
تمتد الشرفة على طول واجهة المنزل الأمامية. وهناك فسحة مسقوفة مخصصة للجلوس فرشت بمقاعد خشبية طويلة تعلوها وسائد بيضاء.
و تتدلى عريشة مليئة بالعنب من الأعلى , تحجب حدة الشمس اللاذعة...بدا المكان كله مميزاً جداً و فكرت لانث بحسد , أن المرء يمكن أن يستلقى على هذه الأرائك و يترك الشمس تلون بشرته.
لكن لسوء الحظ لا يمكنها أن تخاطر مع بشرة بيضاء شاحبة مثل بشرتها . ولا ينطبق هذا الأمر على أليكس فبشرته سمراء و تزداد سمرة تحت مداعبات الشمس. على أى حال, ان طاقته المكبوتة تجعل من الصعب تخيله مستلقياً بتكاسل برغم لونه الأسمر المميز.
أحست بمعدتها تنكمش للصورة التى مرت فى ذهنها و سألته بسرعة:
ــ لماذا اخترت هذا المكان لقضاء عطلتك أليكس؟
فرد بسرعة:"أردت مكاناً هادئاً لا ألتقى فيه بأحد أعرفه. لماذا نطق بالحقيقة, لكنها ليست الحقيقة الكاملة.
ــ ليمونادة.....شكراً لك.
قبلت الكأس الذى قدمه لها, وقالت :
ــ أراهن على أنك قبل أن تعود إلى ديارك ستصادف شخصاً تعرفه....نيوزيلندا شهيرة بصدفها.
أسدل رموشه السوداء الطويلة فغطت عينيه للحظة و قال بلهجة محايدة:
ــ أرجو ألا يحصل هذا....لكن إذا ما حدث أتمنى أن أراه قبل أن يرانى....هل جئت إلى هنا طلباً للهدوء و العزلة كذلك؟
أدارت لانث رأسها لتنظر إلى البحيرة و أجابت ببساطة :"أجل"
و لسبب ما لم تعد غير راغبة فى الكلام فتابعت تقول:" لقد نهشنى كلب البحر....وبعد أن أنتهى السيرك الإعلامى و خرجت من المستشفى للمرة الثالثة , أردت أن أرحل بعيداً لأشفى نفسى بنفسى .
لم يظهر أى أثر للشفقة و إلا لوضعت الكأس من يدها و اعتذرت قبل أن تغادر المكان, لكنه قال بلهجة جدية :"لابد أن هذا أفظع ما يمكن أن يحصل لأى أنسان"
ــ لكننى و لسبب غريب لا أعتقد هذا كنت على وشك الخروج من الماء حين حصل الحادث...و لا أستطيع أن أتذكر الكثير أدركت فقط أننى من منطقة صيد القرش...ولدهشتى لم أشعر بالألم حين أمسك بساقى بل صدمت بما يكفى و رفسته على أنفه! كنت محظوظة لأنه كان كبير الحجم . وبدا جلياً أنه لم يكن راضياً حيت تلقى ضربة مؤلمة أكثر الأماكن الحساسة فيه.
ــ أى نوع من كلاب البحر ؟
دهشت و ضحكت فهذا السؤال الذى طرحه البروفسور فى الجامعة....و قالت
ــ القرش النمر
ــ و هل اصطادوه؟
هزت رأسها:
ــ لا , لم يحاولوا اصطياده...و لِمَ يقتلون يفعل ما وجد ليفعله؟
بالرغم من افلام هوليود , لا يتحول سمك القرش إلى آكل البشر كما تفعل الفهود و الأسود . إنه يأكل ما يصادفه و حسب و فى ذلك اليوم صادفنى أنا .
فقال بلهجة تخفى معانٍ أخرى.
ــ أنت متسامحة جداً...أما أنا فأميل إلى قتل أى شئ يحاول أن يأكلنى .
التفتت إليه بسرعة ثم شغلت نفسها بالنماذج التى كانت ترسمها أوراق الشجر على الأرض.
قالت:"كلاب البحر مهددة بالانقراض و كنت أنا فى بيئتها....وحين تسبح تخاطر بأن تصطدم بحيوان ضخم مفترس أو آخر صغير سام"
ــ و أنت تستمتعين بالسباحة.
ــ لطالما استمتعت بالسباحة
زادت حدة نظرته لكنه عاد و هز رأسه فاسترخت أعصاب لانث .
قال :"تكلمت عن (سيرك إعلامى) فهل السبب أنك نجمة تلفزيونية مشهورة؟"
من المستبعد أن يكون أليكس قد شاهد السلسلة الوثائقية...فعلى حد علمها لم تبع السلسلة سوى فى انكلترا و أميركا و تمنت لو أن مارك أبقى فمه مطبقاً.. و قالت بخفة:
ــ هجمات سمك القرش تستحق دائماً أن تكون من الأخبار البارزة...أما دورى فكان ثانوياً
و آلمها الجرح فى ساقها لكنها تجاهلته و تمنت لو تستطيع مواجهة نظرات أليكس المقيِمة
سأل :"وكيف وصلت إلى هذا النوع من العمل؟"
لم يبدُ متحمساً و إنما مهتماً فقط . فردت و قد سرها كبحه لمشاعره:
ــ أنا عالمة أحياء بحرية كنت أعمل مع الدلافين فى خليج الجزر حين فكر فريق عمل سينمائى أننى مناسبة لإعلان يصورونه لشركة طيران نيوزيلندية و بعد ستة أشهر من هذا أتصل بى أحدهم و سألنى ما إذا كنت على استعداد لتصوير سلسلة وثائقية عن الحياة البحرية فى نيوزيلندا.
ــ و سلب هذا العرض المبهر عقلك ,فوافقت.
و أدركت أنه يمازحها فضحكت و قالت:
ــ لو كان هذا السبب لأصيبت بخيبة أمل ! كنا نعيش فى تقشف فوق مركب بنى أساساً للشحن, لا...قررت أن أقوم بهذا العمل لأنى لم أعد أتلقى أموالاً لأبحاثى و قد عرضت على شركة الأفلام مالاً وفيراً...يكفى لإبعادى عن التذلل لأى ممول إذا ما عشت مقتصدة
ــ و هل ستعودين إلى الدلافين؟
ــ حالما أستطيع.
أرادت ألا يفضح وجهها مشاعرها و أن تبقى عيناها باردتين هادئتين...أرادت ألا يلاحظ طبيعة ردها المتحفظ ولم تعرف ما إذا نجحت فى ذلك.
منتديات ليلاس
لم يعكس وجه أليكس كونسيدين أى انفعال أو تعبير....لكن فى تلك اللحظة بدا مهتماً.
ــ وهل تمتعت بالعمل السينمائى ؟
ــ أجل....بعد مشاحنات فى البداية .
حين رفع حاجبيه مستفهماً شرحت له:
ــ لم أكن أعرف أن جل ما يريدونه هو شخص يبدو مقبولاً فى ثوب سباحة فاضح, شخص يلهو و يمرح فى الماء...أرادونى أن أترك شعرى منسدلاً أمام الكاميرا....كما توقعوا منى أن أتودد إلى الكركند و الاصداف و الأسماك الجميلة و بعد أن تباحثنا فى هذا كله توصلنا إلى حل و أعجبنى العمل كثيراً.
فسأل بابتسامة عريضة :"و كيف توصلتم إلى حل؟"
قالت :"عارضت, وهددت بفسخ العقد...إلى أن أدركوا أننى أعرف فعلاً ما أتكلم عنه و لست مجرد حورية بحر خفيفة الوزن و غريبة الأطوار تفضل الدلافين على الرجال"
تكلمت بحرارة جعلته ينظر إليها مجدداً نظرة ثاقبة أخرى . فسرت رعشة فى جسمها لكنها لم تطرف بل رفعت ناظريها إلى وجهه مباشرة.
سألها و ابتسامته الكسولة تسلب السؤال وقاحته :"وهل تفضلين الدلافين على الرجال؟"
ضحكت لانث و قالت :"يعرف المرء موقعه مع الدلافين...لكن لا أنا لا أفضلها على الرجال"
ــ و أين أنت مع الدلافين؟
ــ أنت فى موطنها....و أنت فضولى. أعتقد أنك أمضيت بعض الوقت فى انكلترا...عرفت ذلك من لكنتك.
بدا و كأن الحديث يسليه فأجاب:
ــ أمى هى السبب. لديها أراء متزمتة حول طريقة الكلام الصحيحة.
ــ قيل لى أن إقناع أطفالكم بألا يبدوا كالخارجين لتوهم من أفلام الرسوم المتحركة عمل شاق
و ابتسمت لانث و هى تفكر بالمعارك التى تخوضها صديقتها باتريسيا مع طفلها البالغ من العمر خمس سنوات.
قال بصوت ناعم :"ليس لدى أولاد...لكن أصدقائى يؤكدون ذلك . أنا لست متزوجاً"
أيظنها تحاول الإيقاع به....قاومت سخطها و حاولت تجاهل طرقات قلبها المتزايدة و ارتعاشه.
سأل :"هل ستعودين إلى العمل فى التلفزيون؟"
ــ لن يرغبوا فى بطلة لها ندبة فى ساقها, لا يبدو المنظر جميلاً و العرج أمر غير لائق.
و لأن الأمر لم يعد يُهمها, جاء صوتها عملياً ككلماتها
لم تستطع سماع ما غمغمه لكن لابد أن الجملة كانت فظة نظراً للشرر المتطاير من عينيه. رفعت نظرها إلى وجهه القاسى و إلى عينيه الساخرتين الذابلتين فسألها:"هل قالوا لك هذا؟"
ــ لا....لكنها الحقيقة. فالمشاهد لا يحب إفساد برنامجه بما يذكره ببشاعة العالم الحقيقى و يتذمر الناس بمرارة إذا ما شاهدوا الحيوانات تأكل بعضها على الشاشة !و لعل هذا يعود إلى أننا فى المدن و نود أن نصدق أن الطبيعة ليست سوى جمال و تناغم.
تلاشت القسوة من على وجهه و مال إلى الوراء و قال :"لكنك لا تصدقين هذا؟"
هزت كتفيها :"العمل جميل جداً, لكنه ليس عاطفياً, فالحيوانات تقتل لتأكل و تعيش...."
ــ لكننا حيوانات أيضاً.
تململت من نظراته المركزة عليها , وقالت له:
ــ بالطبع نحن كذلك, لكننا نعرف ما نفعله فى حين أن الحيوانات تعيش بالغريزة
ــ أذن من الطبيعى أن تفترس الحيوانات فرداً مريضاً أو مجروحاً من القطيع لكن الإنسان يجب إلا يفعل هذا؟
للحظة لم تفهم ما عناه...و حين فهمت التفتت إليه مجفلة غاضبة و قالت:
ــ تُبعد الحيوانات مريضها و تهجره لأن وجوده يجذب الحيوانات المفترسة الأخرى. وإذا كنت تستخدمنى كمثال فأنا لست مريضة...لكن كان يمكن لجرحى أن يضع سلسلة أحداث إذا ما توقف الناس عن النظر إليه كنت فى المستشفى حين صوروا الحلقة الأخيرة لذا كانا عليهم أن يأتوا بشخص آخر يحل مكانى و لم أشعر بالضغينة.
فعلق بابتسامة قاسية لا مرح فيها:
ــ كما قلت من قبل , أنت متسامحة جداً
أوه...يمكنها أن تكون متسامحة إلى حد كبير و فقدانها عملها كان أقل مشاكلها.
و أكمل :"هل سيبقى هذا العرج دائماً؟"
و أدركت لانث للمرة الأولى أن من يرى ندبة جرحها يتصرف بإحدى الطريقتين...إما أن ينظر إليها بذهول و يعلق عليها بفظاظة و إما يبقى عينيه مسمرتين على وجهها بتهذيب...وكلا ردتى الفعل توتران أعصابها لأنهما تلمحان إلى أنها تشكو عيباً ما و ليست كباقى البشر لكن أليكس كان ينظر إلى ساقها دون اشمئزاز
قالت بصوت حاد لا يعكس أى تأثر و خيبة :"دائماً"
ــ تواجهين الأمر ببرودة أعصاب.
و بالرغم من أن صراحتها أعطته الفرصة ليسأل إلا أنها كشفت له ما يكفى عن نفسها فأجابت:
ــ أحاول أن أقلق حول الأشياء التى أسيطر عليها و قد لا أنجح دائماً لكن التفكير فى الماضى مضيعة للوقت.
ــ إن التفكير بأى شئ هو مضيعة للوقت.
هزت رأسها و تركت الشمس تتغلغل فى شعرها . تناهت إلى مسامعها موسيقى زيزان الحصاد كما سمعت أصواتاً أخرى....صوت القصب يحف على بعضه البعض, وصيحات النورس الكسول التى وصلت إليهم من الشاطئ الذى يبعد أميالاً و هدير مركب سريع فى إحدى البحيرات هدير قوى كتمته التلال ليصبح دندنة لطيفة .
و تقدمت حمامة زاجلة وقحة, ربما هى نفسها التى رأتها خارج المنزل لتلتقط طعامها من الحشرات تحت العريشة.
وقفت و هى تقول:"يجب أن أذهب الآن. شكراً لك على الشراب و أرجو أن تعود سيارتك إلى حالتها السابقة قريباً"
وقف أليكس ليهمن عليها بطوله الفارع و قال بهدوء:
ــ لا يهم....لم يصب مارك أو غيره بأى أذى. هذا هو المهم.
حاولت لانث أن تقنع نفسها بأنها ممتنة له لأنه لم يحاول إقناعها بالبقاء فالحديث معه سهل جداً و لقد كشفت له عن نفسها أكثر مما كانت تنوى أن تفعل و أكثر مما قاله هو عن نفسه .
وخذلتها ساقها مجدداً و هما يتوجهان نحو الباب الأمامى و كانت عثرة بسيطة لكن يد أليكس امتدت على الفور و أطبقت بقوة على ذراعها لشدها... عرفت لانث فى ما مضى لسعة قنديل البحر....لكنها عادت و أحست بها من جديد شعرت بصدمة و من ثم بوخزة أشبه بطعنة رمح نصله مزيج من النار و الثلج.
هل ساوره الإحساس نفسه؟ رفعت نظرها إليه فرأت فمه الجميل ينكمش ويقسو.
سألها بعد أن استعادت توازنها :"هل أنت بخير؟"
تمكنت من الابتسام و هى ترد :"أجل... شكراً لك"
ــ هل تحتاجين للراحة؟
ــ لا .
ثم أضافت بسرعة وثبات :"و لا أحتاج لأن تحملينى أيضاً"
قطب جبينه و حدق فى ساقها ثم قال:"هل ستخذلك دائماً؟"
ــ لا....لقد قال الأطباء إنها سرعان ما ستتحسن مع ازدياد قوة العضلات.
و كان الجراح نصحها بالمشى كثيراً لتقوى العضلات لكنها لم تفعل خوفاً من نظرات الناس المشفقة...لكنها هذا المساء بالذات ستبدأ التمارين و تتجاهل النظرات و التعليقات الهامسة.
أنعش القرار معنوياتها فاستقامت فى وقفتها و ودعته ثم قادت السيارة بحذر على الطريق الداخلية و هى تحاول جاهدة التركيز لتوقف فيض الأسى الغريب الذى كان اجتاحها

منتديات ليلاس


زهرة منسية 07-03-13 05:26 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 

و فى المنزل فتحت النوافذ كلها قبل أن تخرج إلى الشرفة المطلة على البحيرة و تنهار على أحد المقاعد القديمة لتقرأ الصحيفة .
بعد ما يقارب العشر دقائق رمت الصحيفة أرضاً و قد تملكها شعور بأنها معزولة عن العالم.
و لكى تكسر السحر الكئيب الذى أحاط بها سارت فوق العشب الكثيف على طرف الشاطئ المزدحم. كان بعض الأولاد الصغار يمرحون , يصرخون و يضحكون فيما البعض الآخر يسبح فى الماء الأبيض الصافى الذى يغطى الأماكن الضحلة
أغمضت لانث عينيها لكنها عادت و فتحتهما على الفور و تمتمت لنفسها :"لن أقف هنا عاجزة".ثم سارت فوق الرمال البيضاء المبهرة.
تملكها الغثيان قبل أن تصل إلى منتصف الطريق. وأخذت أنفاساً عدة متتالية لتقاوم الذعر الذى جعل العرق يتصبب منها و الرعشة تعتريها و أجبرت نفسها الوقوف هناك لدقائق طويلة باردة قبل أن تستدير و تعود متعثرة من حيث أتت
مر بها شابان سمعت أحدهما يصيح:"هاى...أيتها الشقراء...هل تحتاجين إلى مساعدة؟"
مرت بهما لا تلوى على شئ سوى الوصول إلى مكان آمن. فقال رفيقه شيئاً ثم أتبعه بمسك ذراعها.
عند ذاك أرتفع صوت صارم عبر الشاطئ قائلاً :"أتركها !"
استدار معاً و جمدت لانث و قلبها يخفق بألم بين ضلوعها .
كان أليكس كونسيدين أطول قامة منهما . لكنهما كانا ممتلئ الجسم, مشدودى العضلات و مشيتهما المتعجرفة تتناقض مع رشاقته الرياضية . مع ذلك لعبت قوة شخصية أليكس دورها فنظرة واحدة إلى الرجل الذى أمسك بذراع لانث جعلته يتركها و كأن بشرتها أحرقت أصابعه و قال الآخر متوتراً :"إنها بخير يا رجل....ظننا أنها ستقع"
ثم تراجعا و أكملا سيرهما بسرعة.
لم ينظر أليكس إليهما و هما يبتعدان بل سألها بعد أن أقترب منها خطوتين :"هل أنت بخير؟"
امتدت يداه نحوها و أمسك بكتفيها فوقفت للحظات كالمشلولة تحت نظراته الثاقبة
عرفت لانث أن لونها شاحب و أن هالات سوداء داكنة تحيط بعينيها فابتلعت ريقها بصعوبة لتبلل فمها الجاف و لم تستطع سوى أن تقول بصوت متكسر:"أجــــــل"
ــ ماذا دهاك بحق السماء؟
و انكمشت معدتها فأخذت نفساً عميقاً متقطعاً و قالت بغباء :"أنا آسفة"
حاولت التغلب على الغثيان الذى اعتراها من جراء الخوف فما كان منه إلا أن ساندها بذراعه الفولاذية لتصعد السلم المنخفض و قال:
ــ تعالى.... سندخل إلى المنزل
أطاعته و هى مخدرة الأحاسيس و قطعت الشرفة الخلفية العريضة و التقط كيساً بلاستيكياً فيما كانا يمران بالطاولة الصغيرة
سألته لانث بعد أن دفع الباب و تركها تدخل :"ماذا تفعل هنا؟"
ــ لقد نسيت طعامك المجلد.
و دون انتظار إذنها وضع الكيس فى الثلاجة.
ــ أنت بحاجة إلى منشط سأحضر القهوة .
شدت على فكها كى لا تصطك أسنانها و قالت :"لا أريد شيئاً....أنا بخير الآن....شكراً لك"
تجاهلها و فتح باب البراد ليخرج أبريق عصير برتقال قائلاً :"هذا يكفى"
صب لها كأساً و أتى به إليها ثم قال آمراً:"أجلسى"
أحست أن الاحتجاج سيسبب لها المتاعب فانهارت على المقعد .
و انتظرت حتى ازاحت شعرها الكثيف عن وجهها ثم قدم لها الكأس . قبلته و أخذت تراقبه و هو يرتجف فى يدها و قد تملكها الغضب
قال :"سأساعدك"
استعاد الكأس من يدها و وضعه على فمها لتتمكن من ارتشاف العصير الحلو المذاق.
و سرعان ما أحست بما يكفى من الارتياح لتأخذ منه الكأس و تبتلع المزيد.
انتظر إلى أن كادت تنهى شرابها و سألها :"ماذا حدث ؟ ماذا قالا لك؟"
ــ لم يكونا السبب.
ــ ماذا إذن؟
لم يخدعها صوته الهادئ و أدركت أنها لن تتمكن من صرف النظر عن الموضوع, فاحنت رأسها و ساد الصمت فملأ رأسها و قلبها الارتباك
و أخيراً قالت :"لقد أصبت بدوار و أحسست بغثيان"
و بالرغم من أنه لم يقل شيئاً إلا أنه بدا جلياً أنه لم يصدقها . و أنهت العصير ببطء ثم قالت بصوت عميق :"شكراً لك"
قال آمراً:"أنظرى إلىّ"
أخطأت حين رفعت رأسها و نظرت إلى عينيه مباشرة تتحداه أن يمضى فى الموضوع قدماً و عندها بدت غلطتها أكبر....فقد خرقت نظرته الثاقبة دفاعاتها كلها.
سأل :"هل أصبت بضربة شمس؟"
منتديات ليلاس
كان الرد سهلاً لكنها هزت رأسها نفياً إذ لم تعتد الكذب.
ــ لا.....بل شعرت بقليل .....من الإرباك
وعجزت عن التنفس فى تلك الغرفة الحارة. أحست ببشرتها مشدودة فحاولت أن تجعل نبرة صوتها طبيعية و هى تقول
ــ أعتقد أنه من الأفضل أن أخرج من الغرفة....فالهواء أكثر برودة على الشرفة.
ــ حسن جداً....هل تحتاجين إلى مساعدة؟
حاولت التخفيف من حدة الرد:"لا ! أشعر أننى أفضل حالاً الآن"
لكن ما أن أصبحت فى الخارج , حتى أدركت أنها بحاجة إلى الحركة لتحرق الطاقة التى لازالت تتدفق فى جسدها...فسألت بعدوانية
ــ هل ترغب فى المشى لترى كيف يقضى الآخرون عطلاتهم؟
فرد بنظرة متحمسة :"ولِمَ لا؟"
أشاحت لانث بعينيها و ركزت بقوة على خطواتها بين المتنزهين كى لا تكشف مدى تأثرها برفقة الرجل الذى يسير إلى جانبها و الرمال تنسحق تحت أقدامهما . نظر أليكس حوله و قد برزت التجاعيد الخفيفة عند زاويتى عينيه , كم عمره؟ ثلاثة و ثلاثين عاماً أم أربعة و ثلاثين؟
قال :"يذكرنى هذا المكان هنا بالقرية التى عشت فيها إلى أن بلغت العاشرة من عمرى."
أثار اهتمام لانث لكنها امتنعت عن طرح الأسئلة بسبب لهجته المتحفظة و تقاسيم وجهه الأرستقراطية .
تجاوزا بعض العائلات و مرا بمجموعات من المراهقين المسترسلين فى طقوسهم الصاخبة و أحست لانث بالعيون تراقبهما بعضها مسلط عليها و البعض الأخر على أليكس. كانت قد اعتادت نظرات الناس لكن كيفية تعامل أليكس مع مسترقى النظر أثارت اهتمامها . كان يسير بثبات دون أن يلتفت إلى أحد ليس بسرعة و لا ببطء.
من هو؟ إنها تعرف أسمه...إذن لعلها رأته صدفة. على أى حال ذاكرتها قوية و لو أنها رأت صورته لتذكرت جمال طلعته البهية و عينيه الشاحبتين بدلاً من هذه الألفة الغامضة.
لكن, هل يمكن لأى صورة أن تلتقط جاذبية شخصيته , أو هالة السلطة التى تحيط به؟
على الأرجح لا...و لن تفكر بهذا أكثر , فالخطر يكمن فى نهاية هذا الطريق.
و بالرغم من أنها أعتمرت قبعة قش و هما يغادران الباتش إلا أن حرارة الشمس كانت تلسع كتفيها و تعكس لمعاناً أزرق نادراً على رأس أليكس المكشوف كان يجب أن تنتبه إلى ضرورة حماية رأسه لكن بدا لها أن هذا الأمر شخصى حميم فتجنبت التحدث عنه .
قال أليكس معلقاً :"من الواضح أنك تعرفين هذا المكان جيداً"
هزت رأسها أيجاباً و أبقت عينيها على الشجيرات الشائكة المنخفضة التى تصل ما بين المزروعات و الماء فتشكل حدوداً للشاطئ ....و قالت :
ــ أعتدت أن أقضى العطل المدرسية هنا مع أفضل صديقة لى....والداها يملكان المنزل الذى أقيم فيه حالياً
كانت تعرف كل جزء من هذا الشاطئ فقد اعتادت فى تلك الصيفيات الطويلة البعيدة أن تمضى يومها مع تريسيا قرب البحيرة او داخلها ....الآن أصبحت تريسيا زوجة و أماً بينما تحاول لانث إعادة جمع شمل حياتها.
قالت :"الأفضل أن نعود....فالأرض هنا مستنقعية"
ثم نظرت إلى قدميها و أضافت بشئ من الخبث:"لن ترغب فى أن يبتل هذا الحذاء"
ضحك بنعومة و قال :"لاحظت أننى أرتدى ملابس غير مناسبة"
و هكذا رد لها الصاع صاعين.
عضت على شفتيها و استدارت . و بالطبع اختارت ساقها اللعينة تلك اللحظة بالذات لتخذلها مجدداً فشهقت و تراجعت إلى الخلف لكن بعد فوات الأوان و وقعت بين الشجيرات الشائكة بعد أن ترنحت قليلاً فغاصت قدمها فى البحيرة.
وعلى الفور تملكها الذعر و لشدة رعبها بقيت عاجزة عن الحراك للحظة لكنها عادت و جاهدت لتتحرر من المياه.
وقفت متشنجة ثم اندفعت بسرعة لتتجاوز أليكس . ركضت بائسة و دون وعى على الرمال الساخنة آملة أن تصل إلى بر الأمان

منتديات ليلاس


زهرة منسية 07-03-13 05:31 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
3 - نار من قلب الماء

كادت تصل إلى الأرض الصلبة حين أمسكتها يدان قويتان و شدتاها بقسوة إلى أن توقفت عن المقاومة. ومالت نحوه بعجز , وقد غاب الذعر ليحل الإرهاق و الخجل مكانه.
قال أليكس بهدوء:"لا بأس عليك...لا بأس يا لانث...أنت آمنة"
ردت بصوت مخنوق:"أعلم"
و حاولت أن تبعد عنه فقد كان من السهل الاستسلام دون تفكير لقوته و سلطته.
و قالت لقلبها الخافق :"هذه مواساة بسيطة ليس إلا"
لقد منحها الشئ الوحيد الذى تحتاجه فى تلك اللحظة...دعمه و مساندته.
استدار بسرعة و أجبرها على أن تستدير معه بحيث وفرت لها كتفاه العريضتان غطاء من النظرات الفضولية. ثم تركها فألقت حولها نظرة سريعة أنبأتها بأن أحداً لم يلاحظ ما حدث. و أحست بارتياح جزئى لتفاديها بعض الإذلال.
لكن حين نظرت إلى أليكس مجدداً لم تستطيع الخلاص من هاتين العينين اللغز....عينان خطفتا أنفاسها و خدرتا حواسها . تمتمت :"لا تشفق علىّ"
و ظهر فى عمق عينيه الباردتين وميض وحشى و هو يقول :
ــ أشفق عليك؟ أنا لا أشفق عليك لانث براون. بل أنا أبعد ما يكون عن ذلك.
شدت أصابعه على ذراعها , و أدارها نحوه ليدس يده تحت مرفقها و يضيف:
ــ حسناً جداً....سنسير تحت ظلال الأشجار.ما هى أنواع الطيور التى تصادفينها عادة فى هذه البحيرات؟
فأجبرت لانث نفسها على الرد:
ــ أعشاش طير الزقزاق تنتشر على الرمال و فى الربيع و الخريف تشكل البحيرات ملجأ مؤقت للطيور المهاجرة.
بدا لها صوتها و هى ترد كليلاً عادياً...لكن ما أن وصلا إلى المنزل حتى أضحى الذعر الذى أنتابها طىّ النسيان
قالت:"أود الجلوس فى الخارج"
انتظر أليكس حتى اختارت مقعداً قديماً مريحاً ثم أسند نفسه على حافة الشرفة وراح ينظر إليها قبل أن يسألها :
أخبرينى لما تختار امرأة تخاف الماء الإقامة فى مكان لا يبعد عنه سوى خمسة و عشرون متراً
إنها تدين له بتفسير لكن كل ما استطاعت أن تقوله :"أنا بحاجة لأن أعتاد على الماء مجدداً"
و اخترقت نظرته الثاقبة قوقعة هدوئها الهشة, فمزقتها إرباً...و بعد صمت متوتر فاق طاقتها سألها:
ــ ألم تتمكنى من السباحة منذ هاجمك القرش؟
فردت بصوت أجش:"لا, و الأمر لا يتعلق بالماء....بل بالأسنان...فأنا أحلم بالدلافين, أراها تلعب و تبتسم ثم تنقلب الابتسامات فجأة إلى أسنان...و...أحس بخوف من أن يمسك بى شئ ما,و يجرنى نحو الأعماق..."
قال بصوت عميق :"لانث"
و تقدم ليجلس إلى جانبها و يمسك يدها بيده القوية الدافئة .
تخبط قلبها بين ضلوعها و تمتمت بسرعة :
ــ أنا لا أخشى الماء...فأنا أستخدم المغطس كما أقود سيارتى فوق جسر الميناء دون أن يرف لى جفن. حتى أنى اسير على طول الشاطئ..لكن إذا ما....حسناً جداً لقد رأيت بنفسك.
ــ إذن...جئت إلى هنا لتتغلبى على خوفك؟
ارتجفت لانث للسخرية القاسية فى صوته, فأجابت و قد سمرت عينيها على سطح البحيرة :
ــ تعلمت السباحة هنا. وهنا كنا أنا و تريسيا نلعب فى المياه الضحلة.. ثم علمتنا أمها السباحة و بدا لى من الطبيعى جداً أن أعود إلى هنا, لأكون فى منتديات ليلاس أمان تام. فى أول صيف لنا أمضيناه سمحت لنا بالسباحة حتى الجدار و كان هناك أمامنا مغرياً و محرماً....
ــ ماذا تعنين بالجدار؟ أعتقد أنه حدود المياه العميقة, فلقد لاحظته...إنه واضح بشكل مذهل.
ــ إن قعر البحيرة هو تحت مستوى البحر.وهذا العمق , وصفاء المياه, و بياض الرمل اللامع عوامل تجمعت كلها لتكون (الجدار)
أشاحت بوجهها و حاولت سحب يدها من يده. كانت نبضاتها تتسارع فى شرايين معصمها الرقيقة الهشة, وحين نظرت إلى يده لاحظت أصابعه النحيلة الطويلة.
فكرت بدهشة أنها ليست مسترخية, لا....فقد ظهر التوتر فى تلك الأصابع السمراء و تكاد تشعر به حول أصابعها...وهى لا تلومه فلابد أنها تحرجه جداً وهو لا يستطيع الابتعاد بسرعة.
استقامت فى جلستها و سرحت بنظرها بعيداً دون أن ترى شيئاً ثم أكملت حديثها :
ــ كانت السباحة عبر ذلك الجدار أشبه باختراق حاجز ما....و كلما توغلت كلما أحسست بنشوة أكبر. وفى تلك اللحظة التى اخترقت فيها الجدار و انطلقت إلى المدى الأزرق الواسع, أحسست أننى قوية و مختلفة و أننى شخص يستطيع صنع المعجزات.
قال بحزم:"أنت فعلاً من النوع الذى يستطيع فعل أى شئ ...و ما تشعرين به أمر مؤقت إنه رد فعل طبيعى على المحنة و الألم و الصدمة و الرعب"
و تصاعد الغضب فيها....مفاجئ , حار, و شرس.
ــ أنا عاجزة حتى عن وضع قدمى فى الماء! كنت آمل أن يساعدنى الحضور إلى هنا .
ــ إذن..لم تنجحى بعد.أعطى نفسك بعض الوقت و سوف تنجحين.
وقف على قدميه و سار نحو الحافة و استند إليها و راح ينظر إلى البحيرة.
راحت لانث تراقبه وهو يتحرك برشاقة و قالت ببرودة:"بدأت أتساءل حول جدوى ذلك...لقد رأيتنى حين زلت بى القدم....هذا ما يدعى نوبة ذعر"
ــ أنت تتوقعين الكثير و فى وقت قصير جداً. هل استشرت أحداً؟
هزت رأسها :"ما عدا تريسيا لا أحد"
ــ لماذا؟
حملت نبرة صوته تجهماً مكبوتاً فشدت يديها فى حجرها. وركزت على الشمس التى عكست أشعتها عليهما فأبرزت بشرتها الشاحبة.
قالت ببطء :"لأننى أشعر أنى....ناقصة, على ما أعتقد.و لم أدرك هذا حتى جئت إلى هنا...فأنا لا أواجه مشكلة فى بركة السباحة....كنت أعرف أن البحر يخيفنى, إلا أننى لم أكتشف السبب. ظننت أننى بحاجة إلى أخذ الأمور بروية فأصبح على ما يرام بعد وقت قصير"
أدار رأسه لينظر إليها و قد بدت عيناه كشعلتين فى ظلام وجهه.
ــ لا يجب أن تكونى وحدك....أين عائلتك؟
ــ أمى متوفية...و أبى مشغول بزوجته الثانية و عائلته الثانية....على أى حال لست بحاجة إلى أحد....و ماذا بإمكانهم أن يفعلوا؟
منتديات ليلاس
رفعت رموشها الثقيلة و تمكنت من لوى شفتيها بما يشبه الابتسامة و أضافت:
ــ فى الواقع بدأت اليوم الخطوة الأولى...بقيت فى الماء جزءاً من الثانية و لم أصب فعلياً بالهستريا.
قال بحدة :"لقد رأيت كم كلفك هذا....أنت بحاجة إلى المساعدة و ليس إلى العزلة و قوة الإرادة. هل هناك من يمكنه أن يقيم معك؟ تريسيا مثلاً صديقتك؟
ــ لا.....أنها متزوجة و لها طفل صغير و حياة خاصة.
ثم غطت تثاؤبة بيدها و قالت:"أنا آسفة لكننى متعبة فعلاً"
فقال بلهجة آمرة تقارب نفاذ الصبر :"إذن أدخلى و نامى"
تهاوت و هى تقف. لكنها كانت مستعدة لليد الرشيقة التى امتدت هذه المرة لتساندها...و كررت :"آسفة"
ــ لِمَ الأسف ؟ أ لأنك حاولت البقاء فى المياه بالرغم مما يكلفك هذا معنوياً و عاطفياً؟ ربما كان هذا غباء لكنه يثير الإعجاب هل ستكونين على ما يرام لوحدك؟سابق هنا لو أردت ذلك.
رأت لون عينيه يزداد عمقاً فتراجعت و أجابت :"لا! لا.....أنا بخير"
أجبرتها قوة أرادتها على الصمت. وأبقاها الصمت الثقيل جامدة و لم تلتفت إليه....لكن عيناها لاحظتا ارتجاف عضلة فكه.
و قال بعد حين :"حسناً جداً. لا تعودى إلى الماء مرة أخرى"
هل يظن حقاً أنه يحق له إصدار الأوامر و هل يتوقع منها أن تطيعه؟
قالت و هى تتنفس بسرعة:"قد تكون الصدفة أمراً جيداً"
اجبرها على إقفال البابين الأمامى و الخلفى و بعد أن غادر جلست تنتظر إلى أن سمعت صوت مركبه يبتعد. ثم ترنحت حتى دخلت إلى غرفة النوم حيث ارتمت على السرير الضيق و نامت نوماً عميقاً.
حلمت بالدلافين....ناعمة لامعة لعوبة, رشيقة قوية و غامضة, عيونها بلون البحر ساعة الفجر و قاومت لتستيقظ...لأنها تعرف ما سيحدث.
لكن, و فيما هى تسبح معها انقلبت إحداها إلى حورى بحر...أمسك بيدها و سحبها نحو الشاطئ, فتوقفت عن المقاومة و غرقت فى عينيه الشاحبتين الشفافتين.
حين استيقظت تململت متعبة و فكرت بقلق أن معنى هذا الحلم جلى....و سرت رعشة فى جسدها...فمثل هذا التجاذب الفورى لم يحصل لها من قبل.لكنها سمعت ما يكفى عن (الانجذاب) و أعراضه لتتقبل هذا الأمر بسهولة.

منتديات ليلاس


زهرة منسية 07-03-13 05:33 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 

لم يبد أليكس أى دلائل على أصابته بالأعراض نفسها...لكن هل ستتعرف على هذه الأعراض إذا ما أظهرها؟ فقد حرصت هى على إخفاء ردة فعلها...و هو أكثر تماسكاً منها.و كائناً من كان لم يكن يكشف الكثير من أفكاره أو مشاعره كما لم تكن انفعالاته تبدو على وجهه الرائع القسمات أو فى تلك العينين النافذتين و ذلك الفم المميز.
استلقت لفترة و تركت جسمها المسترخى يبرد تدريجياً و حرارة عواطفها تموت إلى أن التفتت إلى ساعتها لتجد أنها السادسة إلا ربعاً و فى تلك اللحظة و فيما كانت تفكر فى الاستحمام تذكرت أين رأت اسم أليكس كونسيدين من قبل.
لقد رأته فى صفحات الأعمال فى إحدى الصحف حين كانت تستعيد عافيتها بعد الجراحة التى أجريت لساقها...أليكس كونسيدين الذى يعيش فى عزلة عن العالم ...أليكس كونسيدين الفاحش الثراء الذى بدأ حياته من الصفر فى المدرسة الثانوية و قبل أن يتخرج حيث جمع ثروة من أقراص الكومبيوتر و استمرت ثروته فى التزايد لأنه كان الأفضل فى ميدان عمله.
شغلت ذكرى أسمه و الصورة المرفقة له عقلها....و أدركت بأن الحياة سمحت بأن يجتمعا فوقفت على عجل و استحمت بماء بارد مؤكدة لنفسها بأن صدمة المياه الباردة ستفيدها....ثم أدارت جهاز التلفزيون لتشاهد الأخبار بتركيز يائس.
و بعد حين أطفأت لانث الجهاز و توجهت إلى المطبخ لتحضر العشاء.
إذن أليكس كونسيدين ينتمى إلى عالم الأثرياء حسناً جداً لقد أدركت ذلك منذ البداية....حين رأت منزله و لاحظت ثقافته العالية.
لذلك لا داعى لهذا....لهذا العذاب الغبى إنها تهواه لكن يمكنها أن تتغلب على مشاعرها هذه و سرعان ما ستنساه فهى لن تراه مجدداً .
ثم هناك أمور أخرى تشغل فكرها و فكرت فى أنها خطت خطوة أولى....لقد وقفت فعلاً....أوه....حصل ذلك صدفة و كادت تفقد الوعى رعباً لكن و لبضع ثوان بقيت قدمها فى الماء .
ستعيد الكرة فى الغد, ستتعمد ذلك هذه المرة و ستتمكن فى النهاية من الوقوف فى البحيرة, دون أن يثقل ذلك الرعب الشنيع كاهلها و حين ستتمكن من هذا سيكون الأسوأ قد مر و انتهى و ستعود إلى المحيط دون أن تخاف من المجهول القادم من تحت الماء....مجهول يحمل الدم و الألم و الموت المشؤوم بين فكيه.
لم تستطيع الاسترخاء بعد العشاء و لعل السبب يعود إلى أنها نامت نوماً ثقيلاً خلال النهار....حين تلاشى آخر شعاع من نور الشمس وراء التلال راحت تتأمل السماء الصافية المرصعة بالنجوم و كان سطح البحيرة يلمع بلون أسود و كأنه زجاج بركانى. و سعت لانث للتخلص من قلقها فخرجت تتمشى على الشاطئ.
قبل حلول عيد الميلاد بأسبوع هب أول إعصار أنعش الأراضى الزراعية...و حمل الهواء الرطب عطر الخضار النامية بدلاً من رائحة التبن الحارة الجافة....و تغلغلت هذه الروائح فى مسام لانث و داعبت أعصابها و كأنها تدعوها و تغويها لتخرج إلى الرمل البارد اللامع و تعدها ببهجة سرية و لذة خفيفة مثقلة بالذنب.
صاحت بصوت مرتفع :"أن هذه المشاعر مجرد انجذاب مثير للأعصاب, لكنه بسيط...إنه رجل و هى امرأة...
وراحت تقنع نفسها و هى تتحرك دون هدى على الرمل الأبيض...بأنه لن ينجذب إلى امرأة تعانى من هذه الندبة البشعة فى ساقها...امرأة عرجاء تفتقر إلى الرشاقة و تعجز عن الرقص و الجرى...فبإمكانه الحصول على أى امرأة فى العالم حتى وإن لم يكن ثرياً بهذا القدر.
بدأت ساقها تؤلمها فاستندت إلى جذع شجرة بضع دقائق قبل أن تعود أدراجها...إن استعادة قدرتها السابقة أمر مهم, لكن يجب ألا تبالغ.
وعلى بعد حوالى مئة متر من منزلها تصلبت....لماذا تتصرف كالقطة حين تشعر بخطر ما يهددها . وعلى الفور تبدل الخوف إلى شعور آخر . فقد تعرفت إلى الرجل الواقف عند حافة البحيرة, هامة طويلة أنارت جزء منها النجوم و غطى الجزء الآخر الظلام...أخذ الترقب يضج فى دمها و قلبها يختلج بين ضلوعها.
لم يتكلم...و بقيت هى صامتة لكنهما سارا معاً نحو الشرفة ولم يجلس أى منهما بل وقفا بعيدين عن بعضهما خطوات قليلة كعدوين ينتظر أحدهما استسلام الآخر.
قال أليكس باقتضاب جاف :"كان يجب أن أعرف أنك على ما يرام"
ــ بالطبع أنا على ما يرام.
ــ هذا صحيح.
أخذ قلب لانث يتخبط فى صدرها...لو بقى بعيداً لما رأته مرة أخرى عرفت هذا كما تعرف كل غرزة فى جرحها على طول ساقها .
يجب أن تتراجع بطريقة ما و تقفل هذا الباب بحزم ورائها...لتصد الشوق المغوى فهى ترفض الانغماس فى علاقة رومانسية قصيرة...لا سيما مع رجل مثل أليكس كونسيدين.
لكنها قالت بصعوبة :"لطف كبير منك أن تأتى...لكن لم يكن هناك داع لذلك...فأنا بخير"
اعتادت عيناها على ظلمة الليل فرأت الابتسامة القلقة الى وجهها لها و لمحة ومضة عينيه قبل أن يسدل عليهما رموشه.
قال :"انا لست شخصاً لطيفاً فى العادة...و ما فعلته غير منطقى"
قالت بحدة :"غير منطقى بقدر إخفاء هويتك عنى؟"
فهم على الفور ما عنته فازدادت قساوة وجهه و ضاقت عيناه مما أعطاه مظهراً خطيراً :"هل أنت من النوع المتكبر لانث؟"
ــ لا.
منتديات ليلاس
ــ إذن...هل شكل الأمر فارقاً؟
ــ أعتقد أنه من الصعب أن تقول للناس إنك ملك أقراص الكمبيوتر"
ــ هذا غير مهم
و أخذ يراقبها باهتمام .
صحيح....الأمر لا يهم....ما عدا أن المعلومة بددت بعض أحلامها, قالت :"لا أعتقد أن هذا مهم"
و تمنت لو أنها تتمتع بما يكفى من التعقل لتصمت.
ــ إذن...ألا زلنا صديقين؟
و هل كانا صديقين؟ أسر لها قلبها أن الصداقة آخر ما تريده منه...و عارضه عقلها, فمن المؤكد أنها بداية صداقة لأن لا شئ آخر يمكن أن يجمع بينهما.
قالت بثقة:"طبعاً"
و أعطت رنة خشنة خفية القوة لضحكته الهادئة و قال:
ــ إذن , لن أتجاوز حدودى....ليلة سعيدة لانث.
ــ ليلة سعيدة.
شعرت لانث أنها عاجزة عن الحراك و أن جسمها كله يتألم من أمر لا تريده, فأجبرت نفسها على البقاء على الشرفة إلى أن هدرت سيارته مبتعدة....لماذا جاء ؟ الإحساس بالمسؤولية, هو السبب بالطبع. كان يحتاج لأن يتأكد بنفسه من أنها استعادت عافيتها بعد سقوطها فى الماء. و الآن و بعد أن أتم واجباته رحل و لن تراه من جديد
أجل....لابد أن الأمر كذلك و أى فكرة خطيرة أخرى يجب أن تبعدها عن ذهنها .
دخلت إلى المنزل مرتجفة و ساقها تتقطع ألماً و أقفلت الباب ورائها و كأنما تحاول بذلك أن تبعد مخلوقاً ليلياً متوحشاً.

منتديات ليلاس

زهرة منسية 07-03-13 05:36 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 

قالت المرأة الجالسة خلف الصندوق و هى تحسب ثمن الأغراض التى اشترتها لانث :"هل تخزنين الطعام استعداداُ للإعصار؟"
سألتها لانث مقطبة :"أى إعصار ؟ لقد مر بنا واحد لتوه..."
ــ ألم تسمعى بالخبر؟ قالوا فى أخبار هذا الصباح أن إعصاراً آخر...قد يكون أكثر قوة من ذاك الذى هب قبيل الميلاد....يتكون فى بحر المرجان.
ــ لم تحدث ثلاثة أعاصير فى سنة واحدة من قبل!
بدت المرأة متجهمة و هى تقول :"أعتقد أن السبب هو التغير المناخى فى كوب الأرض"
بعد أن ودعتها حملت لانث مشترياتها و غادرت المتجر . فى الخارج كامن الشمس مرتفعة تسطع فوق الماء , فى سماء زرقاء صافية و كانت الحرارة مرتفعة و بدا لها أن هبوب إعصار أمر غير محتمل.
حين تصل إلى المنزل ستسير نحو الماء و تضع قدميها فيه...لا , ربما عليها أن تفعل هذا هنا حيث يلعب الأولاد شقت طريقها على الرمل و هى تعرج و قد أمسكت كيس مشترياتها البلاستيكى بيدها .
تطلب منها السير نحو طرف الماء جهداً و قوة إرادة....وقفت على قدميها على بعد خطوات قليلة من الماء لكن دواراً هدد بأن يدفعها على ركبتيها. وقفت هناك متجهمة و حنجرتها و فمها جافين و قلبها يخفق و أشعة الشمس تحرق رأسها ثم انحنت لتخلع صندالها و تضعه على جانب كيس مشترياتها....استقامت و أخذت نفساً عميقاً و خطت خطوتها الأخيرة .
تسربت المياه من تحت أصابع قدميها, ثم إلى باطن القدمين و ارتفعت لتصل إلى كاحليها...تملكت رهبة وحشية جسمها و غمرتها بحيث كادت تتحول رعباً.
كبتت الاندفاع الغريزى المذعور الذى كان يدعوها للهرب, وتراجعت بحدة لتخرج من الماء الضحل, و أجبرت نفسها على الاستدارة و السير ببطء.
أخذت تفكر بعناد:"واحد....أثنان"...خطوتان هما كل ما يلزمها..."و الآن توقفى...هنا تماماً"
جاهدت رئتاها لتتنفسا...شهقت و تساءلت عما إذا كان هناك ما يستحق هذا العذاب.
تقدمت منها فتاة فى سن يقارب الخامسة و هى تتمايل....عينان سوداوان كبيرتان شعر بلون الكستناء المشوى و بشرة تلمع سمرة....قالت بصوت صغير صارم اخترق ذهول لانث:"يجب أن تعتمرى قبعة"
ابتلعت لانث ريقها و ردت بصوت خشن :"أعرف"
ــ أمى تقول :"لا تخرجى أبداً دون قبعة"
ــ أمك على حق.
ــ و هل لديك قبعة؟
ــ أجل....لدى قبعة....قبعة قش كبيرة و عليها زهور.
تراجعت سرعة نبضات قلبها و تضاءل رعبها و عادت أنفاسها إلى وتيرتها الطبيعية.
فقالت الفتاة تردد كلام أمها :"لا فائدة منها فى السيارة...لن تمنع عنك الحروق أن تركتيها هناك"
نظرت لانث إليها نظرة تهذيب و سألتها:
ــ ماذا لو وعدتك بألا أخرج مرة أخرى بدون قبعتى؟
وبختها صديقتها الجديدة و يدها فوق فمها لتمنع نفسها من الضحك:"تأكدى من ألا تفعلى"
و شاركت لانث الصغيرة الضحك.
قالت الفتاة و قد بدا عليها الجد فجأة :"أوه...لك ساق مزعجة....ماذا حصل لها؟"
ــ لقد جرحتها بشئ حاد جداً.
ــ تبدو مزعجة!
انقباض عضلات ظهرها جعلها تستدير و ماتت ابتسامتها حين توقفت سيارة على الطريق المحاذى للشاطئ لينادى رجل بصوت ناعم:"لانث"
نظرت الفتاة إلى أليكس و سألت :"أتعرفينه؟"
نزل من السيارة أنيق فى ثيابه الرائعة التفصيل و قد أخفت نظارة عينيه المذهلتين.
قالت :"نعم"
منتديات ليلاس
تمنت لو توجهت مباشرة إلى المنزل و تمنت لو أن هذه الفتاة المرحة لم تلهها...لكانت الآن آمنة, بدلاً من أن تقف هنا و أليكس يسير بخفة و رشاقة نحوها.
قالت الصغيرة :"تقول أمى إنه يجب ألا أركب السيارة مع أحد"
فقال أليكس مبتسماً :
ــ أمك على حق...لا تركبى السيارة مع شخص غريب. لكننى لن أعرض عليك أن تصعدى فى السيارة معى, ولانث صديقتى.
تخبط قلب لانث فى صدرها و باستسلام راقبت الفتاة الصغيرة تقع بدورها تحت سحره الباهر . فمنحته ابتسامة عريضة لامعة و قالت:"إنها لا تعتمر قبعة , ولا أنت"
قال أليكس :"لن أبقى خارج السيارة كثيراً . ومن الآن فصاعداً ستتأكد لانث أن تحمل قبعتها معها أينما ذهبت"
لم يلتفت إلى لانث بل صب اهتمامه على الصغيرة التى سألت :
ــ و هل ستعرض عليها أن تركب معك السيارة؟ ساقها مزعجة يجب أن تقبلها لتشفى...أمى تقول...
ــ كليون ....كليون! تعالى إلى هنا.
قالت الفتاة :"هذه أمى...يجب أن أذهب الآن...وداعاً"
ابتسمت لكليهما و ركضت فوق الرمال البيضاء بخفة تحسد عليها.
و بعد نظرة سريعة إلى وجه لانث قال أليكس:"إنها مجرد طفلة...."
قاطعته :"لا يزعجنى ما يقوله الأولاغد...إنهم صادقون, صريحون, ويريدون معرفة الحقيقة. ما أكرهه هو الشفقة من الناس الذين يشعرون بالأسى من أجلى, إذ تؤكد لى هذه الشفقة أن هذه الندبة ستبقى علامة فارقة فى حياتى و أنها ستُنقص من قيمتى كإنسانة و أنا أرفض مثل هذه الشفقة"
ألقت بكلماتها الأخيرة بحدة قبل أن تدرك و قد اعتراها الإحراج إنها تكلمت بسرعة و أن الغضب تملكها فجأة.
التوى فم أليكس بابتسامة غريبة و قال :"أنا لا أشفق عليك"
فردت مرتبكة :"انا لم أقصد أن أعظك...ستصبح ساقى بخير بعد عملية جراحية أخرى و بعد تقوية عضلاتها . الحقيقة أن قدرتى على الاحتمال قد نفدت فاسترسلت قليلاً أنا آسفة"
قال ساخراً:"وأنا أيضاً أميل إلى الاسترسال هل جئت إلى هنا سيراً؟"
ــ أحل.
ــ و هل تريدين أن أوصلك؟
ــ سيكون هذا عظيماً.
لقد قصدت حقاً تمرين ساقها لعادت مشياً....لكن الطريق مغبرة و محفرة و هى متعبة...ذاك التعب يغمرها كلما واجهت ذعرها, لكنه تلاشى مع وصول أليكس و قالت لنفسها بسخرية إن عليها أن تتوقف عن الاحتجاج و خلق الأعذار.
فقد تكون هذه الصدفة آخر لقاء لهما فهى لا تنوى تعزيز صداقتهما....و هو لا يأتى بحثاً عنها.
بينما كان يلتقط كيس مشترياتها نفضت الرمال العالقة على قدميها و انتعلت صندلها و عندما كادا يصلان إلى السيارة تذكرت ما قالته صاحبة المتجر فسألته :"هل تعلم أنه من المتوقع هبوب إعصار آخر؟"
هز رأسه مقطباً :"ألم تعرفى؟"
ــ لم أكن أعرف.
ــ ألا تشاهدين التلفزيون أو تستمعين إلى الراديو؟"
هزت كتفيها :"نادراً ما أشاهد التلفزيون...و أطفئه قبل النشرة الجوية"
ــ من الأفضل أن تبقى عينيك عليه من الآن و صاعداً.
و فتح الباب لها ثم ناداها بعد أن أصبحت داخل السيارة:"لانــث"
أثار المرح الواضح فى صوته أعصابها :"مـــاذا؟"
ــ فى المرة القادمة حين تخرجين تأكدى من اعتمار قبعة.
ضحكت ضحكة مرتجفة و استقرت فى مقعدها و وضعت حزام الأمان بينما وضع كيس الطعام فى الصندوق .
ما أن جلس إلى جانبها حتى شغل المحرك .
ــ رأيتك فى الماء....هل أنت بخير؟
ــ أنا بخير...لم يكن الأمر سهلاً...و كنت أرتجف حين خرجت....لكن سرعان ما بددت كليون هذا.
نظر إليها بقسوة:"لكنك لازلت بيضاء كالزنبقة . تناولى الغداء معى"
أى شخص متعقل سيرفض...لكن ما الضرر؟ فالغداء مع رجل مثير للاهتمام ليس من الأمور التى يُفترض تجنبها حتى و أن كان فاحش الثراء ..بالرغم من أنها كانت تدرك أن عليها أن ترفض ليرتاح بالها فى المستقبل, قالت:"أود هذا كثيراً"
قال :"جـــيــــــد"
و انطلقت السيارة فقالت :"يجب أن أغير ملابسى"
ــ أنت رائعة كما أنت.
كان قميصها المائل إلى الصفرة و بنطلونها القصير يناسبانها و هما قديماً لكنها تبقيهما فى خزانة ملابسها بسبب الراحة الفائقة التى يوفرانها و فكرة متجهمة فى أن منزله يدل على حبه للأناقة الهادئة الرفيعة المستوى لهذا فهو يستمتع برفقة المرأة الأنيقة على الأرجح المرأة الجميلة التى تواكب الموضة و تفهم معنى الأناقة.
إذن, لم يدعوها بدافع الشفقة بل دفعه إلى ذلك إحساسه القوى بالمسؤولية... و هى قبلت دعوته لأنه جعلها تشعر بالحياة مجدداً.

منتديات ليلاس


زهرة منسية 07-03-13 05:40 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 

و بعد عشر دقائق كانت تتنعم فى هدوء و برودة جو منزل أليكس كونسيدين...أكثر الرجال إثارة للاهتمام و لأنها لم تستسلم لسحره المحموم ستتمكن من الاستمتاع بالوقت الذى ستقضيه معه و ستكمل بعدها طريقها دون ندم.
تناولا الطعام على الشرفة و كانت الوجبة لذيذة.....
راحت تختزن الذكريات كما يخزن السنجاب طعامه حفظت تعابير وجه أليكس الأسمر الذكى و هما يتحدثان فى مواضيع متنوعة...الكتب, مستقبل الإنترنيت, طعامهما المفضل, مستقبل العالم.
وسع ذهنه الدقيق السريع آفاقها و أحبت طريقة ضحكه و أحبت أن تدفعه إلى الضحك....استفهم أكثر عن عملها فتحدثت بحماسة عنه و سعدت بأسئلته و تعليقاته الذكية الماكرة.
راقبت لانث خلسة انعكاس الشمس على بشرته البرونزية و لاحظت و هما يشربان القهوة بتناغم صامت أن قسمات وجهه أشبه بتلك الموصوفة فى الأساطير و المنسوبة إلى منتديات ليلاس الأبطال و الأمراء
و تماشت قلة كلامه مع مظهره و فكرت بسخرية أنه رجل غامض و حاولت انقاذ نفسها من هذا المزيج الخطير . فها هى تترك تعقلها و تسعى وراء خيال محفوف بالمخاطر وراء فارس أسود مجهول.
سألها متكاسلاً و صوته العميق يشق الجو الساكن:"هل ترغبين فى السير قليلاً؟"
تجاوبت لانث مع الفكرة بامتنان:"ما دمنا فى ظل الأشجار"
اقترح و هو يراقبها بعينين نصف مطبقتين :"يمكننا أن نقترب من الماء لبضع دقائق"
أجفلت لانث و بعد لحظة قالت خجلة من التردد الذى ظهر فى صوتها :"حسناً جداً"
لم يلمسها و هما يسيران نحو حافة البحيرة ...خلعت صندلها و شدت على أسنانها و أخذت تنظر إلى الماياه الشفافة على الرمال اللامعة المحرقة.
راحت تشجع نفسها....و حين خطت خطوة صغيرة إلى الأمام قال لها أليكس :"استرخى"
ــ القول أسهل من الفعل .
لكنها لم تعد تفكر فى ضربات قلبها المتزايدة أو فى خوفها المتصاعد لأنه يقف بالقرب منها.
مد يده ليمسك بيدها...فشقت لمسته طريقها فى شراينها كالبريق و خطت الخطوة الأخيرة فوقفت و أصابع قدميها فى الماء.نقلت نظراتها دون أن ترى شيئاً على سطح المياه الزرقاء القاتمة و قاومت إحساسها بالغثيان و ببرودة الذعر.
قال :"لديك الشجاعة الكافية لانث"
وترك يدها متجاهلاً تعلق أصابعها بأصابعه
ــ لا لست بهذه الشجاعة.
و ارتجف صوتها لكنها بقيت صامدة و المياه الهادئة بالكاد تبلل قدميها أخذت نفساً عميقاً أحست من بعده بقشعريرة ارتياح صغيرة لأنها تمكنت من التحمل
أكمل:"أوه....بلى....لقد تحملت أسوأ اختبار يحدث لإنسان و أنت مصممة على التغلب على آثاره و هذا يتطلب شجاعة فائقة"
أخذت بضعة أنفاس قصيرة أخرى فقال بحدة:"المبالغة فى التنفس لن تفيدك"
ــ أنا لا أفعل هذا إنه مجرد تمرين نفس.
ــ و هل يساعدك؟
منتديات ليلاس
اتسعت شفتاها فى ابتسامة ساخرة و اجابت :"لم أهرب راكضة صارخة من الماء,إذن هذا يفيد"
لكن, كأن الكلمات فكت عقدة الخيط الرفيع الذى يثبت سيطرتها على نفسها فاستدارت و خرجت مضطربة من المياه الزرقاء الدافئة لتقف مرتجفة و تنظر نحو أشجار الصنوبر دون أن تراها و الرمل يحرق باطن قدميها.
قال أليكس بخشونة :"يا إلهى....أنا آسف لقد ظننت و بكل غرور أن وجودى سيسهل الأمور"
رفعها بحركة سريعة قوية و حملها إلى ظل الأشجار الخضراء القاتمة و تهاوت حين أنزلها على قدميها فأمسك بها و رفعها مجدداً و تمسكت لانث به و شعرت تحت أصابعها الحساسة بحركة عضلاته من فوق قماش قميصه القطنى.
و وقفا هناك للحظات بدت و كأنها دهر و ضمها إلى صدره الواسع فتبدد خوفها و شعرت بقوة ذراعيه حولها و برائحته الدافئة اللطيفة.
أحست كذلك بقوة عضلاته و بدقات قلبه المتسرعة و بردة فعله على قربها, فذابت بين ذراعيه و قد اضرم النار فى كيانها , نار حادة محرقة اجتاحت كيانها و أحاسيسها.
قال بكلمات عميقة مثيرة فيها هدوء :"لا بأس عليك لانث"
و توقفت أنفاسها فى حلقها و انتظرت
عندها...أطلقت غريزة قديمة فيها صيحة إنذار...ورفضت الانجراف الشرس المحفوف بالمخاطر....فتراجعت إلى الوراء و للحظة اشتد طوق ذراعيه حولها,ثم تركها....أشاحت بوجهها و تراجعت خطوتين إلى الوراء نحو الأمان.
قالت بصوت أجش:"آسفة"
ــ أنا آسف.....ما كان على أن أقنعك بالنزول إلى الماء.
كان الغضب يحترق تحت كلماته الهادئة و نظرت إليه نظرة لا تحمل سوى الصدق:
ــ أنت لم تقنعنى كان على أن أفعل ذلك و إذا لم أتغلب على خوفى هذا لن أتمكن من العمل ثانية. على الأقل لم أشعر بالغثيان هذه المرة و هذا يعتبر تقدماً.
بذلت جهداً لتتجنب النظر إلى اللمعان المتوحش فى عينيه لكنها كرهت الابتسامة الساخرة التى حلت مكانه.
ــ إنه تقدم فعلاً.
و سارا معاً تحت ظلال الأشجار نحو المنزل.
كان مارك بانتظارهما و لم تتغير أساريره حين سأله أليكس:"ما الأمر؟"
ــ أتصال هاتفى سيدى.
ــ سأرد عليه من مكتبى
ــ حاضر سيدى
و استدار ليذهب فقال أليكس :"أحضر للآنسة براون شراباَ...أرجوك"
قالت:"لا....شكراً لا أحتاج إلى شراب"
أدركت أن صوتها متصلب لكنها كانت تشعر بالضعف و التوتر و لا ترغب بأن يحضر لها مارك أى شئ.
تفرس أليكس فيها ثم هز رأسه و رافق مارك. بدا جلياً أنه صرفها من تفكيره حين قال لها مارك شيئاً بصوت خفيض و كانا لا يزالان قريباً منها, فلاحظت لانث أن كتفى أليكس قد تصلبا.
رمت بنفسها فى أحضان مقعد خيزران بارد و هى تفكر....اللعنة...أوه اللعنة...ماذا حدث لها فى تلك اللحظات التى أمضتها بين ذراعيه؟ لقد تبدل عالمها كلياً...تغير بشكل مربك و كأن القطبين بُدلا موقعهما فما كان شمالاً أصبح الآن جنوباً.

منتديات ليلاس


زهرة منسية 07-03-13 05:43 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
4 – ستأتين معى



نظرت لانث إلى الطاولة الفخمة أمامها و إلى جمال الغرفة البسيط المنظم و قالت لنفسها بحدة :"لا يمكن أن يكون هذا حباً فالحب يتكون ببطء و يترافق مع التفاهم" و قد عرفت لانث الحب فى الماضى و ذاقت بهجته و هى تتذكر كم عانت حين انتزع منها و هذا الشوق المحموم الذى يغمرها و الذى يستفزها و كأنها كتلة أعصاب مكشوفة و معرضة للخطر هو مجرد انجذاب.
تثاءبت و هى تحاول تحليل مشاعرها المعقدة المحيرة لتعيدها إلى مهدها الأساسى لقد انجذبت إلى أليكس كونسيدين منذ رأته للمرة الأولى .
شكل هذا الشعور تجاوباً بسيطاً مع موقف بسيط و ليس هناك ما تخشاه...بالرغم من أنها لم تختبر من قبل شوقاً بمثل حدته و قوته الغامرة
منذ خمس سنوات كان كريغ....
اشتد ضغطها على فكها حتى تذكرة لذعة الحزن . أجل كان انجذاباً فورياً ازداد عمقاً حتى أصبح حباً , حين التقت بـ كريغ الضاحك المتألق لكنها رفضت الاستسلام لمشاعرها حتى يرتبطا رسمياً.
لم يحضرها ماضيها لهذه المشاعر الجامحة التى تؤلمها الآن, وتصل إلى عظامها و تجرفها لتغرقها فى بحر من العسل الحار.
لقد مالت إلى أليكس و احترق التعقل و المنطق أمام النار الشاحبة فى عينيه و أمام تلك الهالة التى تحيط به و ستعترف كل امرأة تلتقيه أنه عاشق رائع , رجل يتمتع بالقدرة و الهيبة اللازمتين ليعتنى بها و بأولادها.
هزت لانث رأسها قليلاً و نظرت إلى يدها الشاحبة كطقس الشتاء على ذراع المقعد...حاولت يائسة أن تستجمع أفكارها المشتتة و قد أرهقها التوتر الذى يتملكها كلما حاولت مواجهة خوفها من الماء . لكنها أدركت أن أفكارها تدور حول محور وحيد.
حتى كريغ لم يوقظ فيها مثل هذه المشاعر العميقة...كان محبوباً مرحاً , ذكياً قوياً..و حين مات ظنت أنها ستموت أيضاً لفرط حزنها.
و استعادت عافيتها بعد حين...إنما سيبقى موته جرحاً فى روحها.
وهى تفكر فيه الآن بحب و ندم فقط.
لكن هذا الشعور الجامح لم تختبره من قبل .
قال أليكس من خلفها :"آسف للمقاطعة"
هبت مجفلة و تمنت ألا يكون قد لاحظ انفعالاتها التفتت إليه فرأت تجهما فى عينيه و هالة متحفظة باردة تحيط به.
قالت بسرعة و هى ترتجف برداً:"لا تأسف....فى الواقع يجب أن أذهب إلى المنزل"
قطب حاجبيه و قال:"أتوقع مخابرة أخرى و قد تستغرق بعض الوقت. هل ترغبين فى الاستلقاء؟"
لكن أين مارك؟ لابد أنه قرأ السؤال فى عينيها إذ تابع يقول:
ــ لقد ذهب مارك إلى دراغافيل....لو عرفت أنك تريدين المغادرة....
فقاطعته بهدوء:"لا بأس"
منتديات ليلاس
هاهى تخترق أولى وصايا النساء المتعقلات إذ ليس لديها وسيلة نقلها الخاصة.....و عليها أن تدفع الثمن.
ــ سأجلس هنا فى الخارج لأتمتع بالمناظر الطبيعية.
فقال بنظرة ثاقبة مقيمة:"تشتد حرارة هذه البقعة من الآن و صاعداً....تعالى إلى الداخل, فغرفة الجلوس أبرد...كما أن هناك سريراً فى إحدى الغرف, يمكنك استخدامه"
و كان التعب قد غلبها....لكنها غطت تثاؤبها بيدها, ورفعت نظرها لتحدق فى عينيه الصافيتين , اللامعتين و الباردتين مثل نور الشفق و قالت على مضض :"أنا أزعجك"
ــ هذا كلام سخيف.
و مد يده ليساعدها إلى الوقوف.
تجنبت يده قدر استطاعتها, و سارت قربه نحو غرفة نوم مفروشة بأناقة بسيطة كسائر غرف المنزل....و نظرت إلى السرير و تشوقت لأن تستلقى عليه و تنام.
قال أليكس:"يمكنك الاغتسال إذا أردت فالحمام هناك"
و أشار برأسه إلى باب فى الجدار و خرج....وقفت لانث للحظة و قد سمرت عينيها و شدت قبضتيها على طول جسمها ثم أخذت نفساً عميقاً و توجهت نحو الحمام.
مكان حماماً ضخماً فيه نافذة كبيرة تطل على البحيرة و كانت المناشف معلقة بترتيب....فهل يتوقع ضيفاً؟ وبخت نفسها بشدة لأن الأمر لا يعنيها.
و بعد أن غسلت قدميها رفعت الغطاء الناعم عن الفراش و استلقت و أطبقت جفنيها المثقلين و غفت على الفور.

منتديات ليلاســــ


زهرة منسية 07-03-13 05:49 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 

أجفلت حين سمعت أسمها ثم رفعت أهدابها ببطء لترى أليكس قرب السرير بوجهه الأسمر و عينيه اللامعتين تحت رموشه السوداء.
سألها :"هل أنت بخير؟"
ضعف صوتها فى حلقها الجاف و هزت رأسها إيجاباً....قال :
ــ أعتقد أن من الأفضل أن أصطحبك إلى منزلك فالناس يستيقظون لتوهم فى الجزء الآخر من العالم ويبدو أنها ستكون ليلة متعبة بالنسبة لى, تكثر فيها الأعمال.
حسناً لاشك أن ثرياً مثله يجب أن يشرف على إمبراطوريته....لقد كانت على حق حين ربطته بنبلاء العصور القديمة....فهو مماثل لهم....فاتح عصرى يشق طريقه الخاص فى عالم الكومبيوتر و الإنترنيت .
قاومت رغبتها فى التثاؤب و سألته:"و هل تبقى صاحياً طوال الليل؟"
ــ ليس دائماً
ابتسم و هى تقف, لكن عينيه بقيتا مقنعتين, بالرغم من السحر الرجولى الذى تفجر منه بقوة . و أكمل :"تتطور الأحداث فى الطرف الآخر من العالم بسرعة, و تحتاج إلى اهتمامى الشخصى . سأراك فى غرفة الجلوس حين تصبحين مستعدة"
بضع ساعات كانت تفصلهما عن وقت المغيب....ارتدت السماء حلة رمادية تبعث الكآبة فى النفس....و لطالما بعث النوم خلال النهار الخمول فى جسم لانث, لكن هذا الإحساس اختلط اليوم مع شعورها بالغباء لمجيئها إلى هنا... و فكرت بتجهم و هى تغسل وجهها و تمشط شعرها و تنتعل صندلها , أنها لو قابلت أليكس كونسدين مجدداً, فمعنى ذلك أنها تتجه بملء إرادتها نحو الخطر و لعل أبرز الدلائل هو الألم الذى اعتصر قلبها حين فكرت فى أنها لن تراه مجدداً!
لن تراه مجدداً...و ستلتزم هذه المرة بقرارها.
و فى غرفة الجلوس قالت له:"إذا كنت مشغولاً سيوصلنى مارك إذا ما عاد"
قال:"لقد عاد....لكن أمى كانت تقول لى دائماً إذا خرجت مع فتاة عليك أن تعيدها إلى منزلها"
ــ أمك صاحبة مبادئ نبيلة و رفيعة.
زم شفتيه و عكست قسمات وجهه خشونة غريبة للحظات ثم قال :"رفيعة جداً"
عادا إلى منزلها بصمت و مرا بالنباتات الخضراء الفتية حيث كانت زيزان الحصاد تغنى قصائدها للصيف بصوت حاد.
قال أليكس و هو يتركها عند باب دارها :"انتبهى لنفسك"
فاستدارت لانث تنظر إليه و أجابت:"و أنت أيضاً"
وجعلت كلماتها تبدو و كأنها وداع .
و فهم مغزاها...فأشعل الرفض ناراً فى عينيه و بدت القسوة على وجهه لثوان.وقفت دون حراك و كانت صيحات الأولاد تتلاشى , مع الترقب الحار و هما ينظران إلى بعضهما.
ألتوى فمه....و بحركة سريعة أمسك بها و مال ليعانقها....بدا عناقه حاراً و كأنه يدمغها. وتجاوبت معه, بشوق....و استسلمت لمشاعرها تقبل بما يعطيه و تأخذ ما يمكنها أخذه من هذا الموقف الخطير.
أخيراً رفع رأسه...بدت عيناه مضطربتين و فمه مشدوداً فارتجفت لانث .
قال بصوت أجش :"يجب أن أعتذر, لكننى لن أفعل. هذا ما أردت أن أفعله منذ رأيتك للمرة الأولى...فوجهك كوجه حورية, و أنا أريدك...لكن هذا لن يحدث"
و بالرغم من انه لم يكن يطرح سؤالاً إلا أنها هزت رأسها و قالت بهدوء:"لا...."
بالطبع لن يحدث هذا.ليس لديها ما تقدمه لرجل كــ أليكس كونسيدين . كانت مجرد شخصية تلفزيونية لوقت قصير, وهى عالمة أحياء تحمل ندبة بشعة و تعانى من عرج دائم, ولا يمكن مقارنتها بالنساء المتألقات الفاتنات اللواتى اعتاد أن يعاشرهن.
قال بخشونة:"أنت تميلين إلىّ أيضاً"
قالت:"الميل لا يصف ما أشعر به بطريقة ما"
و امتلأ صوتها بالمرارة و السخرية وهى تكمل:
ــ توق شديد ؟ هاجس؟ مهما كان شعورى فهو لا يعجبنى و لن أفعل شيئاً حياله. لأنه يرعبنى.أعرف أن لا مستقبل لنا معاً...لكن إذا أردت إرضاء غرورك أقول لك , نعم أنا أميل إليك.
ضحك دون مرح...و أذهلها حين أمسك بيدها و بحركة لبقة بقدر ما هى قديمة قبل يدها .
انتزعت يدها مدهوشة و ضغطتها على صدرها . وراقب أليكس تسارع تنفسها الجلى تحت قماش قميصها الرقيق, قبل أن يرفع نظره ليأسرها بابتسامة سوداوية لا مرح فيها.
ــ هل تؤمنين بتقمص الأرواح يا لانث؟
قالت دون تفكير :"لا"
منتديات ليلاس

ــ و لا أنا...مع ذلك حين رأيتك للمرة الأولى تساءلت عما إذا كنا قد تصادفنا من قبل....لأن وجهك الجميل و صوتك المبحوح الساحر و شعرك الرائع كل ذلك مألوف لدى كملامحى تماماً.
فقالت بحدة:"لابد أنك شاهدت أحد أفلامى الوثائقية"
لكنها لاحظت كيف تشنجت أساريره بشئ من الألم و لأول مرة عجز عن السيطرة على نفسه فتعاطفت كل خلية من جسمها معه.
قطب حاجبيه السوداوين و قال بصوت مشدود خشن :
ــ لا....هناك قرارات يجب أن أتخذها....قرارات لا تحتمل الانتظار و أنت ليست امرأة لعلاقة عابرة.
صدمة الإحباط بقوة عكست قسماته غضباً عارماً إلى أن كبح جماح مشاعره و أنهى كلامه:
ــ آمل أن نلتقى مرة أخرى فى حياة أخرى لننهى ما بأدناه هنا فى هذا الزمان غير ملائم.
بقيت مسمرة . دون دفاع , أسيرة الشوق الواضح فى عينيه الملتهبتين و أضاف بلهجة رسمية غريبة :"أتمنى لك السعادة"
ثم استدار مبتعداً
أجبرت لانث نفسها على أن تفتح الباب و تدخل و تقفله خلفها...وقفت و استندت بظهرها على الباب إلى أن سمعت سيارته تهدر مبتعدة.
لماذا لم يحاول إقناعها بعلاقة عابرة؟
ما ان تكونت هذه الفكرة فى ذهنها حتى نبذتها....فلو كان من هذا النوع لما وقعت فى شرك هذه الجاذبية الجامحة و قد شدتها إليه الاستقامة التى أحست بها فى داخله.
قالت بصوت مرتفع و كلماتها تسخر من ثقتها بنفسها :
ــ ومن تخدعين؟ لقد جذبتك استقامته فعلاً . لكن لا نسى وجهه و جسمه و القوة و السحر فى شخصيته.
ما هى القرارات التى سيضطر لاتخاذها؟أ يحاول أن يبعدها عنه بلطف, لأنها ليست المرأة المناسبة لرجل مثله و هو يدرك هذا بالرغم من ميله إليها؟
و سألت نفسها بغضب:
ــ أوه...لماذا لا تعودين إلى الإشفاق على نفسك؟
حاربت لسنوات قلة ثقتها بنفسها و غالباً ما كانت تكسب المعركة...كانت تعرف سبب عدم ثقتها بنفسها...فمنذ اكتشفت أن والدها الوسيم الباسم تركها هى و أمها اقتنعت بأنها لم تكن أبنة جيدة له,و لن تستوقف أى رجل آخر.
لكن المنطق و النضوج جعلاها تدرك خطأها و لم يعد ذلك الإحساس بالنقص يراودها إلا نادراً . و كانت تتساءل أحياناً عما إذا كانت قد وافقت على تصوير المسلسل الوثائقى لتثبت قدرتها لأبيها .

منتديات ليلاســـ

زهرة منسية 07-03-13 05:52 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 

أمضت وقتاً طويلاً فى الحمام لتحاول أن تزيل الغبار عنها. ثم خرجت تسير على الشاطئ و راحت تهز رأسها تحية للمارة و تتحدث إلى الأولاد.
و أجبرت نفسها مجدداً على دخول الماء.داهمها الذعر لكنها استطاعت التعامل معه هذه المرة. كانت صورة الأنياب لاتزال تحاصر مشاعرها لكن الندم الحلو المر الذى تملكها تغلب على الرعب كله.
أخيراً عادت إلى المنزل و حضرت القهوة ثم توجهت إلى الشرفة الخلفية لتشربها و الشمس تغيب.
و بالرغم من أنها أجبرت نفسها على قراءة كتاب كانت تتشوق إلى قراءته منذ أشهر, و شاهدت التلفزيون إلى أن تعبت عيناها إلا أن أحاسيسها المتألمة قضت مضجعها و حرمتها من النوم, فاستلقت فى السرير و خططت لمستقبلها , فى عالم ليس فيه أليكس كونسيدين .
لقد نجحت من قبل, و تستطيع أن تفعل ذلك مجدداً. كل ما تحتاجه هو قوة الإرداة و السيطرة على النفس, و المثابرة و هى تملك كل هذه المزايا.... و ستصل....يجب أن تصل.
انبلج الفجر على سماء ملبدة بغيوم مرتفعة,مما يدل على أن الطقس سيتبدل و لكى تبعد عن ذهنها ذاك الرجل الذى توقع أن يقضى ليلته فى العمل فى الطرف الآخر من العالم, فتحت لانث الراديو وهى تحضر فطورها لتصغى إلى النشرة الجوية.
حين انتهت النشرة أطفأت الراديو مقطبة....كانت النشرة حذرة لكن إذا ما تابع إعصار (دارا) مساره الحالى و نشط قليلاً فسيضل إلى نورتلاند فى اليوم التالى و قد يسبب بعض المتاعب.
خرجت لانث تتفحص السماء مجدداً و قطعة التوست فى يدها. كان سطح البحيرة يتماوج بفعل الريح و المياه تعكس لون السماء.
لا داعى للقلق.فقد تحمل (الباتش) الأعاصير لأكثر من خمسين سنة.ستكون آمنة هنا أكثر من أى مكان آخر...و فضلاً عن هذا, ليس لديها مكان آخر تقصده . فقد تخلت عن شقتها فى خليج الجزر و وضعت مفروشاتها فى مستودع حين انضمت إلى فريق(سى روفر) و منذ حادثها المشئوم أمضت معظم وقتها فى المستشفى لتنتقل رغماً عنها إلى منزل والدها بين عملية جرحية و أخرى .
لم تسعد بذلك قط....إذ لم يكن هو و زوجته لطيفين معها كما لم يرحبا بها و شكلت حملاً ثقيلاً عليهما و حين عرضا والدا تريسيا عليها هذا الباتش لتقضى فترة النقاهة فيه قبلت العرض بسرور.
هل علم أليكس أن العاصفة متوجهة إلى هنا؟ ربما عليها أن تتصل به و تبلغه.لكنها لم تعرف رقم هاتفه يمكنها بالطبع أن تسأل , لكنها لن تفعل... فما تفعله هو محاولة اتلبحث عن عذر جيد لتتصل به مجدداً
لكنه قال لها إنه يستمع دائماً للنشرة الجوية .
على أى حال لديها أعمال تقوم بها فعليها أن تتفحص المر آب أولاً. لقد جمع فيه والد تريسيا أشياء مختلفة....و عثرت لانث فيه على موقدة قديمة الطراز كما وجدت بعض الوقود.
حملتها إلى المطبخ و نظفتها ثم أشعلتها لتتأكد من قدرتها على إشعالها و راحت تنظر برضى إلى اللهب المتصاعد...وهكذا إذا ما انقطع التيار الكهربائى ستتمكن من الطهى ومن صنع الشاى.
أطفاة الموقدة ثم خرجت من المنزل و توجهت بسيارتها إلى المتجر لتشترى من الطعام ما يكفيها ليومين فسألتها المرأة من وراء الصندوق بابتسامة سريعة:"ألن ترحلى؟"
ــ لا....أعتقد أن الأحوال الجوية ستدفع معظم الناس للعودة إلى ديارهم.
عادت إلى (الباتش) و أفرغت مشترياتها. بعدها قررت غسل ثيابها و بعد أن علقت الشراشف و المناشف و الثياب فى الخارج نظفت المنزل و رتبت السرير و مسحت الغبار عن الأثاث.
حان وقت الغداء, وكان الطقس يزداد سوءاً إذ هبت ريح شرقية ساخنة تحمل معها الرطوبة,و حولت سطح البحيرة إلى أمواج متكسرة.
وبينما كانت لانث تحضر طعامها استمعت إلى النشرة الجوية و قطبت حين سمعة ان سرعة الإعصار تتزايد و إنه إذا ما بقى على مساره فسيضرب نورتلاند حتماً فى وقت ما من الصباح التالى.
وقفت هناك للحظات تتأمل السماء و غيومها التى ارتدت حلة العاصفة القادمة. ثم عادت إلى الشرفة لتراقب السابحين القلائل و تصغى إلى الراديو الموضوع لاإلى جانبها باهتمام متزايد.
بدت النشرات الجوية حذرة فأخذت تنذر الجميع بالابتعاد عن طريق الإعصار أو بأتخاذ الحيطة و تفيد الناس بالإرشادات و راقبت لانث قوافل المقطورات و السيارات و هى تنسحب من المخيم.
حاولت لانث أن تنظر إلى الجانب المشرق للأمر و هى تجمع الغسيل عن الحبال. و فكرت فى أنها لن تقلق على الزجاج فى الباتش فنوافذه الصغيرة ستتحمل ريح الإعصار و ستقيه شجرة السرو من الريح.
كانت تطوى ملابسها حين وصل جارها و هو رجل ضخم ذو شعر أصهب يناقض بشكل واضح مع لون بشرته . كان يحمل رقم هاتف فى أوكلاندا و رجاء:
ــ إذا حصل أى شئ أيمكنك أن تتصلى بنا؟
ــ طبعاً سأفعل....هل ستغادرون الآن؟
ــ أجل. فزوجتى تريد أن تكون فى المنزل حين يضربنا الإعصار . أعتقد إنها لا تشعر بالأمان فى الباتش.
و استدار ليذهب ثم توقف و عاد إليها :
ــ أسمعى....انتبهى لشجرة السرو فمنذ سنتين انكسر غصن كبير منها فى عاصفة شتوية.
لاحقت لانث نظراته . كانت شجرة ضخمة جداً و أغصانها المتفرعة تغطى معظم المرج الأمامى.
تابع:"إذا اشتدت الريح بما يكفى لتقطع غصناً منها فلابد أن تحمله و ترميه فوق الباتش . لهذا إذا أصبحت الريح قوية لا تترددى...أذهبى إلى منزلنا هاك"
فتش فى جيبه و أعطاها مفتاحاً يتدلى منه خيط صيد أخضر .
ــ هذا مفتاح الباب الخلفى.
ــ لا أستطيع ان أخذ مفتاحك.
ــ معنا مفتاح آخر....خذى هذا الآن....فقد تحتاجين إليه....سأشعر بارتياح أكبر لو أخذته.
و بما أنه بدا منفعلاً و متلهفاً قبلت المفتاح . وهز رأسه مقطباً و كرر تحذيره لها, ثم غادر و استدار ليلوح لها من على الطريق حيث ركن سيارته التى تجر مركباً فى أعقابها.
بعد رحيله دارت لانث حول الشجرة لتتفقد الغصن المكسور كان فى الجانب الآخر من الباتش و لم تلاحظ أى أثر للتآكل فى جذعها , لكن معدتها تقلصت قليلاً و هى تسير على الشرفة.
فى وقت متأخر من بعد الظهر هطل المطر بشكل متفرق فى البداية ثم انصب زخات قوية تدفعه الريح العاتية و ما هى إلا عشرون دقيقة حتى سمعت قرعاً على الباب.
فتحت لتجد مارك أمامها...سرت خيبة الأمل فى نفسها كصدمة كهربائية و قالت:"مرحباً"
ــ مرحباً...لقد أرسلنى السيد كونسيدين لأتأكد من أنك على ما يرام.
و أخذ ينظر حوله و يتأمل ما استطاع رؤيته من الباتش.
ــ أنا بخير....شكراً لك.
إذن لم يغادر أليكس...و تراجعت إلى الوراء لتشير إلى الداخل :
ــ كل شئ على ما يرام.
http://www.liilas.com/up/uploads/lii...2668127361.gif
نظر مارك حوله:"يبدو لى هذا المكان غير قادر على تحمل عاصفة فما بالك بإعصار"
ــ لكننا محميون بالتلال....قل للسيد كونسيدين ألا يقلق...سيكون بأمان تام.
كانت ملاحظة خبيثة لكن بدا أن مارك لم يفهمها.....فقد قال:
ــ أنه ليس قلقاً على نفسه....فمنزله مصمم ليبقى حتى فناء العالم.
كررت لانث ما كانت تردده لنفسها طوال ذلك اليوم:
ــ إن عمر هذا الباتش أكثر من خمسين سنة...و يلزمه أكثر من إعصار لينتزعه من مكانه.
استدار لينظر إلى شجرة السرو الضخمة المتشعبة الأغصان التى بدأت تهتز ثم سألها :"وكم عمر هذه؟"
هزت كتفيها:"ليس لدى أدنى فكرة. لكن مضى على وجودها زمن طويل و نجت من اعاصير أخرى....أنقل شكرى إلى السيد كونسيدين على اهتمامه.... وقل له ألا يقلق....فسأكون بخير.
رفع مارك كتفيه قليلاً و قال :"حسناً جداً"
و عاد إلى الرانج روفر.
أقفلت لانث الباب....لقد قام أليكس بواجبه كأى رجل محترم....و بالطريقة الوحيدة المعقولة.
و راحت تقنع نفسها بهذا مع ازدياد عويل الريح حول المنزل و تقلب مياه البحيرة و تموجها تحت دفق المطر الغزير لا تريد أن تراه ثانية, بل أنها لا تحتمل رؤيته....لقد تودعا و يجب أن تنتهى الأمور عند هذا الحد....لكن عدم مجيئه بنفسه آلمها.
تزامن قرع حاد على الباب مع وميض قوى و احتراق المصباح الكهربائى
تمتمت :"اللعنة!"
كان لديها مصباح يعمل على الغاز و شموع و ثقاب....لكن انقطاع الكهرباء فى هذه المرحلة المبكرة نذير سوء.
فتحت الباب و كان اليكس يقف هناك و المطر يبلل شعره الأسود و عيناه الشاحبتان ضيقتان خطيرتان.
قال دون مقدمات قبل أن يتح لها فرصة الكلام:
ــ من الأفضل أن تحزمى بعض الثياب لأننى أوافق مارك الرأى. فتلك الشجرة كبيرة جداً و قريبة من المنزل بشكل خطير و يكفى أن ينكسر غصن واحد ليسحقك . لهذا أحضرى معك ما قد يلزمك خلا يومين.....فستبقين معى.
قالت بحزم:"لا أستطيع"
ــ و لماذا؟
ــ لقد وعدت جارى أن أراقب منزله و إذا أقلقتنى الشجرة يمكننى الذهاب إلى هناك....فلدى المفتاح
قطب حاجبيه و قال ساخراً:" لا تكونى حمقاء....حين تبدأ الأغصان بالسقوط لن تتمكنى من الخروج"
قالت بعناد :"قلت للسيد روبرتسون...."
قاطعها بقسوة :"سأعيدك حين تنتهى العاصفة."
أخذت نفستاً عميقاً و جمعت كامل قواها لتقول:"أليكس....."
فقال بحدة مدروسة :"أتمنى ألا تشعرى بأنى قد أطالبك بشئ"
أقشعر بدنها من وقع كلماته بل من اللهجة التى اعتمدها....بدا كأنه مشمئز. وحين رفعت ناظريها إلى عينيه كادت تصرخ ألماً للاشمئزاز الذى لاحظته فى أعماقهما الباردة.
لقد قرأ أفكارها الخفية السرية و لا داعى لأن يقول لها رأيه.
ردت بصوت صارخ:"لا ! بالطبع لا أشعر هكذا."
وهبت ريح مفاجئة هزت نوافذ الباتش و تعالى صوت تحطم , دفعهما إلى الأستدارة بعنف ليريا غصناً من شجرة السرو ينكسر و يقع قرب الباتش..... شهقت لانث مصدومة حين حط الغصن على العشب على بعد خطوات من المنزل.
عندها قال أليكس بخشونة:
ــ حسناً...انتهى الجدل.....أحضرى بعض الملابس أو سأحضرها لك .... ستأتين معى .


زهرة منسية 07-03-13 05:55 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
5 – الإعــــصــــار

راقبت لانث بفم جاف أغصان الشجرة المتموجة فى السماء الملبدة التى عادت و استقرت بعد مرور هبة الريح.
قال أليكس:"ما هذة إلا المقدمة....سوف تتحول الريح إلى عاصفة بكل ما للكلمة من معنى....يجب أن نغادر المكان قبل ذلك...هيا يا لانث تحركى !"
استسلمت فى مواجهة إرادته الصلبة التى لا تلين , فدخلت إلى غرفة نومها و وضعت ما تحتاجه فى كيس.
حين عادت إلى غرفة الجلوس كان يقفل باب البراد بعض أن وضع مشترياتها فى أكياس بلاستيكية ثم سألها :"هل أنت جاهزة؟"
و منحها ابتسامة مشرقة خفق لها قلبها . فردت ببساطة :"أجل.....هل أحمل معى الموقدة؟ لدى مصباح غاز أيضاً"
ــ لا.....فلدى المعدات اللازمة.
كان الوقت لا يزال مبكراً . فقالت لانث و هو يدير المحرك :"إن وقوعه فى الخندق لم يتسبب بأضرار بالغة.
ــ لقد احتاج إلى واق جديد للإطارات , هذا كل ما فى الأمر .
نظرت إلى وجه اليكس النحيل . حاولت أن تخفف الاحتقان فى صدرها, و فكرت فى أنه الوحيد الذى لا يكشف عن مكنونات صاحبه و أفكاره.....و كأن وجه الحسن قناع يخفى وراءه ما فى داخله بذكاء تام... هل هو غاضب لأن إحساسه بالمسؤولية جعله يأتى ليأخذها ؟
و فى منتصف الطريق كسرت لانث الصمت قائلة :"لعل هبة الريح تلك هى كل شئ...."
ــ إعصار بهبة ريح؟ لا يبدو هذا ممكناً.
رمقته بنظرة جانبية من جديد, ولاحظت خطوط وجهه و هو يضحك....و لم تضف هذه الخطوط الهدوء على القسمات التى تميزه بوسامة رجولية . أو على فكه و ذقنه. لكنها جعلت عظامها تذوب.
ما أن وصلا إلى المنزل حتى صدمت لانث بالسكون و الصمت , ونظرت حولها قبل أن تسأل:"أين مارك؟"
ــ أرسلته إلى منزله.
ارتفع حاجبا لانث استغراباً فقال بهدوء:"تعيش شقيقته وحدها قرب الشاطئ وكان قلقاً عليها"
قالت:"من الصعب علىّ أن أتصور مارك مع عائلة"
فهز أليكس كتفيه و أجاب:"لكل إنسان عائلة....حتى و إن خسرها"
كان لكلامه رنة غريبة...قاسية, وأكثر من ساخرة....مما جعلها ترفع ناظريها إلى وجهه....لكن صفاء عينيه لم يعكس سوى الزرقة الباردة. كيف يمكن لعينين بمثل هذه الشفافية أن تكونا غامضتين هكذا؟
قالت :"أنا خسرت عائلتى"
ــ و ماذا حدث؟
ضرب المطر النافذة و قد دفعته ريح عاتية ثم أظلمت الغرفة فارتجفت لانث و هى تقول:
ــ تركنا أبى و أنا فى السابعة من عمرى. و تزوج مرة أخرى , فأسس عائلة أخرى, بعد ذلك لم يعد يهتم بى أبداً.
ــ وهل تخلى عنك؟
لهجة الإدانة المخيفة فى صوته أوجبت رداً سريعاً منها:"لقد حرص على أن تحصل أمى على ما يكفيها من مال....كما دفع مصاريف التحاقى بمدرسة جيدة, ومن ثمة الجامعة. وحصلت على كل ما أريد"
فقال بهدوء :"كل شئ....ما عدا الأب"
هزت كتفيها و ردت :"هذا شائع جداً"
ــ و أمــــكــــ ؟
تقدمت لانث نحو النافذة لتنظر إلى الخارج...لقد سلبت الغيوم ألوان البحيرة....لكنها استطاعت أن تميز الحافة التى تفصل البحيرة عن البحر العميق....و قالت:
ــ حين التحقت بالجامعة.....انتحرت....و قالت فى رسالتها الوداعية إنه لم يبق لديها ما تعيش من أجله بعد أن تركتها و كنا قد أمضينا سنة كاملة نتشاجدر بسبب رغبتى فى ترك المنزل.
لم تعِ كيف تمالكت نفسها إلى أن احتوتها ذراعاه...أحست بقوتهما و حرارتهما, و بعطره الفاتن فبدأ إحساس غريب يضرب على شرايينها ليخدر أعصابها.
قالت و هى تتماسك لتواجه دفئه المغرى:
ــ أردت أن أبتعد....لكنها تمسكت بى...كانت خائفة من أن تخسرنى...و أنا كنت طائشة دون تفكير...و لم أدرك مدى حاجتها لى... وكم كانت تحبنى.
ــ إنه حب من نوع غريب ذاك الذى ينكر عليك حريتك .
و أحست بالارتياح بين ذراعيه.
قالت:" كان علىّ أن أفهم...و حين أنظر إلى الماضى أرى أنها اضطرت لحشد طاقتها العاطفية كلها لتبقى متماسكة . لقد قال أبى مرة أنه لا يستطيع العيش معها لأنها دائمة التوتر, وغيورة . كان يبالغ لكنها لطالما كانت متعبة و مشدودة الأعصاب"
منتديات ليلاس
ــ و بالطبع تساءلت عما كان سيحدث أن بقيت معها.
اخترق صوته كيانها فهزت رأسها على صدره و ابتلعت الكلمات التى كادت تخرج من حنجرتها....
و قال بصوت صريح :
ــ لقد عمدت إلى الابتزاز العاطفى.....و حين لم ينجح ذلك سعت لتتحمل النتائج فإن كانت ضعيفة إلى حد دفعها قرارك بالذهاب إلى الجامعة للانتحار, فلابد أنك أمضيت حياتك كلها تنفذين ما تريده هى وتجعلين وجودك ثانوياً أما وجودها كى لا تتحطم.
أشاحت لانث بوجهها و قالت باكتئاب:"كان بإمكانى أن أساعدها "
ــ كم كان عمرك؟
ــ سبعة عشر عاماً.
ــ كنت صغيرة جداً على تحمل تلك المسؤولية كما أنها كانت قادرة على مساعدة نفسها إذا ما أردت ذلك.
اعترتها برودة بسبب منطقه القاسى فتراجعت عنه و بقيت شرايين جسمها تنبض بعنف لكنها سيطرت على صوتها.
و دون أن تنظر إليه قالت :
ــ لن أعرف هذا أبداً. لكنى لا ألوم نفسى.
زمت فمها و هى تضيف :"لقد دفع أبى أتعاب العلاج النفسى. وقال ما قلته أنت بالضبط لكن لم يكن من العدل أن أختار ما بين حياتي و حياتها"
قال و قد عادت تلك اللكنة الغريبة إلى صوته:
ــ أفهم هذا...لكن هى التى اختارت و لم يكن الخيار خيارك.
قالت لانث بهدوء :"لست أدرى....فقط....لست أدرى"
حدقت فى المطر و غيرت الموضوع :"إذا اقتصرت العاصفة على المطر فسنكون محظوظين"
ــ لنامل أن تبقى الريح فوق البحر.
تأملت الرمال التى بدت بيضاء مخيفة و سألته :
ــ كم مرة تأتى إلى هنا فى العام؟
ــ مرة فى السنة على الأقل....و أكثر إذا ما تمكنت....لكننى لا أستطيع ذلك معظم الأحيان.

منتديات ليلاس


زهرة منسية 07-03-13 06:00 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 

وقفا بصمت يراقبان المطر المنهمر ينصب فوق سطح البحيرة فى دورة لا متناهية من التجدد و التغيير .
قضى التوتر على رباطة جأش لانث و أحست بخطر يهددها , خطر اختلط مع ترقب غريب.
أحست بهذا الشعور حين غطست عبر الجدار الأزرق للمرة الأولى.
لم تشعر بمثل هذا الترقب الجامح الحارق من قبل....حتى مع الرجل الذى خططفه الموت. لقد أحبت كريغ كثيراً و حزنت عليه لسنوات إلا أنها لم تعد تذكره بأكثر من الحنين . كان يضحك كثيراً و حزنت و يسخر من مخاوفها و قلقها لتتخلص منها و يشع دفء لم تستطيع أن تقاومه يوماً.
اكن أليكس أقترب من ناحية أخرى. كان يسيطر على حيويته بإرادة من حديد لتصبح قوة صلبة تخيفها. حين أعتقد أنهما لن يلتقيا من جديد عانقها بشوق و إلحاح بشوق و إلحاح شرس اخترق دفاعاتها لكن هذا العناق الأخير لم يكن شخصياً كان يحاول ان يواسيها.
سألها أليكس:"أترغبين فى شئ تشربينه؟ يبدو لىّ أن ليلاً طويلاً فى انتظارنا"
قالت باستسلام :"نعم....شكراً لك"
تحرك بسرعة وثقة وحضر قهوة متازة أدهشتها براعته فى المطبخ فقد كان كريغ أبناً وحيداً و مدللاً منذ صغره.
فكرت بنفاد صبر : كم يتغير الزمان....ولقد تغيرت هى كذلك, لقد أصبحت فى السادسة و العشرين من عمرها و لم تعد فى الواحدة و العشرين و لا يمكنها أن تعود إلى الوراء.
فتح أليكس باب خزانة المطبخ و أخرج علبة بسكويت ثم فتح الغطاء و مد يده بالعلبة.
أخذت واحدة منها و هى تقول :"يبدو و كأنه منزلى الصنع....إنه ألذ بسكويت تذوقته.
ــ لقد صنعه مارك.
و ضحك لذهولها
هل يقوم مارك بالطهو,أم أن أليكس قادر على تحضير وجبة طعام؟
و كبحت لانث السؤال. فهى تريد معرفة كل شئ عنه, لكنه لن يطلعها عن شئ.
لماذا بحق السماء روت له قصة عائلتها؟ و تملكها الإحراج و الخجل.
و فى غرفة الجلوس قالت بصوت هادئ:
ــ تبدو غرفة مشمسة و صيفية بالرغم من سوء الطقس. لابد أنك استخدمت مهندس ديكور بارع.
ــ بارع جداً.
شربت بعض القهوة و رفضت قطعة بسكويت أخرى. و استندت إلى ظهر مقعدها متجاهلة الصمت الذى طال.
قال أليكس بصوت عادى محايد:"قُتل والدى و أنا فى العاشرة من عمرى"
أحست لانث بالصدمة...فرفت بعينيها قائلة :"لابد أن هذا كان رهيباً"
ــ كان مثلى الأعلى و مثل أمى أيضاً. كنا فقراء لكن بوجوده كانت الحياة وليمة فاخرة.
لكنه لا يتصرف كأنه تربى فقيراً. فمثل هذه الثقة و الإرادة التى لا تلين تقف عادة على من ولدوا فى أحضان الثروة و السلطة.
قالت بصوت مرتفع:"هذا ميراث جيد"
ازدادت قسوة وجهه و هو يضيف:
ــ أجل....موت والدى دمر أمى...و بالرغم من أنها لم تكن تملك شيئاً إلا أنها تمكنت من بناء حياة جديدة لنا .
ــ ألا زالت حية؟
رفع رموشه الثقيلة للحظة ثم أسدلها و أجاب :"إنها حية تُرزق"
من السخف اعتبار تحفظه الطبيعى رفضاً فهو يحمى خصوصياته وحسب...و لا شك أنه عرف التزلف و التملق اللذين يحيطان بأصحاب المال و السلطة. على أى حال لا يمكنه أن يعرف ما إذا كانت ستتوجه مباشرة إلى إحدى الصحف لتكشف التفاصيل التى أسر بها إليها و خبر لقاءاتهما القليلة فيقرأها كل متلهف .
مع ذلك تألمت, يجب أن يدرك أنها مختلفة و عرفت أن الفكرة غير منطقية حتى و هى تتكون فى رأسها
و بعد نظرة سريعة إلى ساعته قال :"هل تمانعين إن شغلت جهار التلفزيون؟"
ــ لا....بالطبع لا أمانع
كان الجهاز موضوعاً خلف أبواب خزانة عصرية و أداره أليكس على محطة إخبارية و تراجع ليجلس . وفى صمت شاهدا تقاريراً عن الإعصار كلها تنذر بالسوء.
أطفأ أليكس الجهاز و قال :"يبدو الأمر مؤكداً حتى و أن تراجع فى آخر لحظة سننال نصيباً من الريح و المطر"
وجدت نفسها تبتسم و هى تجيب:
ــ يبدو ذلك . لقد كنت متسلطاً جداً....لكننى سعيدة لوجودى هنا. ما كنت لأحب البقاء وحيدة.
ــ يدهشنى أن والدك لم يصر على عودتك إلى أوكلاند.
جلست لانث مستقيمة قليلاً و قالت:
ــ لم يعد لوالدى أى سلطة على من زمن طويل....هل لك أن ترينى أين سأنام....أرجوك؟ سأعلق ثيابى و ربما أستطيع مساعدتك فى تحضير العشاء بعد ذلك؟
قال و هو يقف على قدميه بحركة رشيقة :"سأكون ممتناً لأى عون أحصل عليه. أنا طباخ مقبول لكن قدراتى محدودة فى هذا المجال "
سألت و هى تتوجه إلى الغرفة التى نامت فيها من قبل:
ــ لماذا لم ينقطع التيار الكهربائى كما فى البحيرات الأخرى؟
ــ أن مصدر التيار هنا هو من الشمال... و الآن , هل لديك كل ما تريدين؟
ــ أجل ....شكراً لك.
حين عادت إلى الغرفة ثانية جلسا ليشاهدان الأخبار بصمت زهرة منسية وعرض التلفزيون صوراً للإعصار ودعا أهل نورتلاند إلى توخى الحذر و إلى تدعيم الأبواب و النوافذ و البقاء داخل المنازل.
و تبع التقرير برنامج عن الأسرة المالكة فالتقطت لانث مجلة و بدأت تتصفحها بتكاسل.
سألها أليكس :"هل يضجرك التلفزيون؟ هل أطفئه؟"
ــ أوه .... لا...ليس إذا كنت تريد مشاهدته.
ــ أرغب فى رؤية الأخبار العالمية.
ــ أجل....بالطبع.
قال بصوت متحفظ:"أنت لست من أنصار الملكية ....أليس كذلك؟"
ــ بل أشعر بالأسى عليهم....أى نوع من الحياة لديهم؟
رفع حاجبيه و أضاف :"أنهم يعيشون حياة النجوم و الممثلين....و قد اخترت العمل فى التلفزيون و أنت تدركين كما أفترض أنك ستكونين هدفاً للإعلام؟"
ــ لم يخطر هذا ببالى, حين اخترت أن أقوم بهذا العمل . كما يمكن المحافظة على الحياة الخاصة إذا ما رغب المرء بذلك...بينما تولد الأسر المالكة تحت الأضواء و بقدر ما تكره ذلك لا خيار لديها.
هز كتفيه و قال :"أن يولد المرء فى الأسرة المالكة يسهل عليه الأمور"
هزت كتفيها بدورها و صرحت :
ــ أنا معجبة بالجيل الجديد فى الأسرة المالكة , لما يقوم به من عمل....لكن الأمر أشبه بالعبودية بالنسبة لى.
قال و عيناه باردتان ضبابيتان :"إنها كلمات قوية"
ردت باعتدال :"لأقد دفع والدى تكاليف تعليمى فى مدرسة خاصة و كانت إحدى التلميذات من العائلة بارزة فى بلد آسيوى و فى آخر سنة لها وقعت فى حب صديق أخيها الذى كان فى الجامعة و خططا للهرب معاً . كانت تعرف أنه لن يُسمح لها بالزواج من الرجل الذى أحبته لأنه لم يكن مناسباً"
و لم يقل شيئاً حين صمتت فتابعت :
ــ أكتشف أخوها أمرها و أعلم والده فأعادها إلى ديارها قبل أن تتمكن من الهرب و خلال ستة أسابيع زوجها من رجل آخر أكبر منها سناً لكنه مناسب جداً بحس مقاييسه....التقيت بها بعد حوالى ثلاث سنوات فوجدتها تعانى من أزمة نفسية ...أوه....كانت حية تُرزق لكنى لم أرّ مثل هذا البؤس المروع فى عينى إنسان.
ــ و أنت تلومين والديها على هذا؟
أحست بالحرج لغضبها فقالت :
ــ لا يتعلق الأمر بأبويها فقط....بل بالأسرة كلها و أنا لا ألومهم بل ألوم النظام الذى يجعل الزواج أكثر أهمية من سعادة الإنسان.
ــ أنت تتحدثين عن الصراع ما بين الثقافة العائلية المتأصلة و الثقافة الفردية و لكليهما حسناته و سيئاته.
قالت:"منذ مئة سنة كان من الممكن أن تتغاضى المرأة عن احتياجاتها و تتزوج رجلاً يتطابق مع المواصفات التى تفرضها عائلتها لكن هذا مستحيل فى أيامنا هذه"
قال:"فى المواقف كلها هناك الخاسر و الرابح و بطريقة ما كانت صديقتك مثل أمك...كان بإمكانها أن تختار حياتها"
ــ ربما هذا صحيح....لكن من الصعب أن تختار حين تدرك بالضبط....أنك لا شئ...مجرد دمية يستخدمها والداك من أجل مصلحتهما.
و ضربت المنزل رياح عاتية لتهدأ على الفور تقريباً...لكن المطر ازداد حدة.
لمس أليكس جهاز التحكم و ارتفع صوت المذيع :"هناك على الأقل ثلاث وفيات و يعتقد أن من سحب إلى داخل الثكنات العسكرية حُرم من الرعاية الطبية. وبما أن أكثر الجنود لا يرغبون فى إطلاق النار على مواطنيهم لم يرتفع عدد الوفيات أكثر.....على أى حال يستبعد أن تستسلم الأسرة الحاكمة للرأى العام و تتخلى عن الحكم بهدوء...و بما أن لا أثر للأمير المفقود من المتوقع أن يراق المزيد من الدماء"
أطفأ أليكس جهاز التلفزيون ليغمر الغرفة صوت المطر المنهمر دون انقطاع.
قالت لأنث:
ــ أشعربالأسى حيال(الاليريين) لقد مرت بهم أوقات صعبة جداً.....لماذا يتمسك معظم الناس بالسلطة؟
رد أليكس بصوت كئيب :"العلم عند الله وحده"
قالت بغضب :"لا يبدو أن هناك الكثير للتمسك به بحق السماء! بلد صغير فى الادرياتيكى, بقاية صغيرة من الإمبراطورية البيزنطية....لما لا تهرب تلك العصبة الحاكمة بالأموال التى سرقتها من الفلاحين و تعطيهم ما يريدون؟"
قسّت السخرية الباردة صوته:"وهل تعرفين ماذا يريدون؟"
ــ الحرية كما أعتقد.
و جاءت ابتسامته خالية من المرح:"بل أكثر من هذا بكثير , يريدون عودة أميرهم"
ــ أميرهم؟ أوه...تعنى الأمير المفقود؟ أنها مجرد أسطورة.
استند إلى ظهر مقعده الكبير و نظر أمامه مباشرة بعينين نصف مغمضتين...فانعكس جانب وجهه بوضوح صارخ على الجدار الشاحب اللون:"يبدو أنهم لا يعتقدون ذلك"
ــ أوليس ميتاً؟
منتديات ليلاس
ــ بالتأكيد تقريباً....لكن حين يحكم أمير بلداً ما لألف سنة أعتقد أن من الصعب التخلى عن هذه العادة .
و كان صوته رتيباً دون مشاعر
كافحت لانث لكبت فضولها و قالت بصوت سوى:"يبدو أنك تعرف الكثير عن هذا المكان المغمور؟"
ــ لدى مصالح هناك .
ظنت للحظة أنه سيترك الأمر عند هذا الحد , لكنه أكمل دون اكتراث :
ــ لعائلتى جانب أليرى.....و كلهم أموات الآن.
سألته لانث و هى تختار كلماتها بحذر :"كيف استطاع الأمراء الحفاظ على إمارتهم سالمة عبر القرون؟"
ــ البلد أساساً سلسلة من الجبال فيها واد مركزى و منفذ صغير على البحر و ليس فيها معادن و أهلها مشهورون ببأسهم .
ــ إذن لا تستحق القتال من أجلها.
جعدت ابتسامة خده و أدار رأسه نحوها و قال :"لقد فهمت"
ــ حسناًَ....تُركوا و شأنهم مع أمرائهم لألف سنة فكيف خسروا أميرهم؟
ــ اختفى حين استولى الشيوعيون على الحكم.
تنهدة:"أوه أعتقد أنهم تخلصوا منه يا للرجل المسكين"
ارتفعت كتفاه العريضتان وهو يقول:"لا أحد يعرف"
سألته باهتمام غامض:"هل كان له عائلة؟"
ــ كان متزوجاً....و يصر الكثيرون من أبناء أليريا على أنه و زوجته تمكنا من الهرب....و حين انهارت الشيوعية جرى عندهم ما يفترض أن يكون انتخاباً ديموقراطياً. لكن أولائك الذين تم انتخابهم كانوا من الطينة ذاتها التى تنحدر منها الزعماء القدامى....و الشعب اكتفى منهم . ويبدو أنهم يعتقدون أنهم لو تظاهروا طويلاً سيعود أميرهم و ينقذهم.
ــ يبدو هذا كلاماً رومانسياً لا يُصدق لكن لو أنه نجا و لا زال فى مكان ما فقد يقول: "شكراً...لا شكراً" و يتابع حياته العادية.
التوى فمه و قال :"و هل هذا ما كنت تفعلينه لو كنت مكانه؟"
ردت بحرارة :"أوه....أجل....بكل تأكيد"
ــ حتى ولو كان هؤلاء الناس يعتمدون عليهم لينقذهم؟
تطلعت إلى ألسنة النار المتأججة و قالت:
ــ لا أفهم كيف يمكن لمن اعتاد على الحياة العادية أن يعود إلى هذا النوع من الحياة.
ــ حتى و لو كان من مسؤوليته أن يعود؟
قالت:"إحساسك بالمسؤولية عظيم,أنا أشعر بالأسف من أجلهم....لكن أميراً لن ينقذهم...المساكين!"
وراحا يتحدثان فى مواضيع مختلفة و مع زحف الظلمة إلى الغرفة تكلما و تكلما .
كان أليكس ذكياً للغاية....لكن, يجب أن يكون ذكياً إلا لما أصبح من نوابغ عالم الكمبيوتر و عالم الأعمال كما تبين لها أنه ذو نظرة ثاقبة و صاحب اهتمامات متنوعة و آراء فريدة حول مواضيع شتى.
و بعد حين وقف على قدميه و أضاء المصباح. بدا بسيطاً فى الغرفة المليئة بالظلام...صلب, رشيق , و مسيطر....و أضاء مصباحاً آخر فحدد نوره معالم وجهه بهالة ذهبية .
كان يبدو متمدناً جداً و أحست لانث بجفاف فى فمها...كانت ثيابه عادية لكنها لفتت نظرها...فقد بدا و كأنه خارج من صفحات مجلة أزياء رجالية...أما قسمات وجهه فقسمات قرصان تبعث الرهبة فى النفس و تعكس قوة شخصيته.
إنها تعرف القليل عنه لقد تربى فى أستراليا قبل أن يرتفع نجمه فى عالم الأعمال و لم يخط خطوة خاطئة واحدة منذ أسس إمبراطوريته.
قال:"لقد حان الوقت لتحضير العشاء. ألا زال عرض المساعدة قائماً؟"
كانت الوجبة ممتازة, حساء و طبق لوبيا فضلاً عن التوست و الجبن الأزرق و سمك السلمون مع الكوسكوس و علمت لانث أليكس كيفية تحضير الصلصة المناسبة للسمك.كما حضر سلطة الطماطم .
سألها بعد أن ابتلعت آخر لقمة من السلمون و الكوسكوس :"أترغبين فى الحلوى؟ لدى الفاكهة أيضاً"
تنهدت و قالت :"يا إلهى ....لا ! شكراً لك. كانت وجبة ضخمة و أنت كاذب"
ابتسم:"لماذا؟"
قالت :"أنا لا أدعو هذا طهواً عادياً لقد كانت وجبة رائعة لذيذة المذاق"
ضحك بهدوء :"أنا مسرور لأنك تمتعت بالطعام. إنها وجبة أمى المفضلة"
كانا قد تحدثا فى أمور شتى خلال تناولهما الطعام لكنهما لم يتطرقا إلى أى موضوع شخصى و إن قال لها إنه يحب قراءة القصص البوليسية و كتب الرحلات و إنه يحب الأوبرا
و اعترفت له بولعها بالسينما الفرنسية و الأفلام القديمة بالأبيض و الأسود حيث النجوم رجال مثيرون و نساء شريرات لا رحمة فى قلوبهن. و دهشت حين علمت أنه شاهد بعضاً منها و أعجبته.
كان الكلام معه سهلاً و هما يغسلان الصحون و مع ذلك فقد أحست بحاجز يفصل بينهما.
رفع رأسه فجأة و ابتسم فاعتصر ألم مجهول قلبها.كما أنا محظوظة أننى لفم أعرفه طويلاً لأقع فى حبه و ردت على ابتسامته بأخرى ضعيفة .
ارتجفت الأنوار و بعدها سادت عتمة الليل.
فقال أليكس فى العتمة :
ــ اللعنة...لا تهتمى....سأحضر مشعلاً يدوياً و أشعل قنديل الغاز كما لدينا غاز للطهى لهذا لن نموت جوعاً , هل ترغبين فى فنجان قهوة؟
نظرت إليه و حاولت أن تبقى صوتها سوياً و هى تجيب:"أجل....شكراً لك"
حضرا القهوة و شرباها بينما استمر هطول المطر على السقف الذى يقيهما غضب الطبيعة و يفصلهما عن العالم.
كانت قد وضعت فنجانها فى صحنه حين دوى قرع على الباب الخلفى....فالتفت حولها مجفلة و قالت :"لِمَ بحق السماء يخرج أى إنسان فى ليلة كهذه؟"
ــ سأذهب لأعرف.
وقفت على قدميها لكنها بقيت فى مكانها و راقبت نور القنديل يبتعد فى الممر القصير الذى يؤدى إلى الباب الخلفى ازدادت حدة صوة المطر مما يعنى أن الباب قد انفتح و سمعت شهقة مكبوتة ثم عاد الضوء مع عودة أليكس برفقة امرأة نحيلة فى أواخر الأربعين من عمرها. كان شعرها و بشرتها يلمعان من الرطوبة و دخلت و نظرة حولها كما لو أنها تبحث عن شخص آخر.
قال أليكس أمراً:"أحضرى فنجان قهوة للسيدة...."
ردت المرأة عبر أسنانها المصطكة :"شاندون...لكن ليس لدى الوقت...أليست مارك هنا؟"
ــ لا.
أخذت المرأة نفساً متقطعاً و قالت:"ظننته هنا"
و صمتت تنظر إلى أليكس بحيرة . وكأن ما دفعها إلى باب داره قد تبخر فجأة فاستيقظت من حلم.
سألها أليكس بلطف:"لماذا تريدين مارك؟"
و حثها لتجلس بينما صبت لها لانث فنجان قهوة.
قالت المرأة :"خرج زوجى لينقل بعض الماشية"
و نظرت إلى فنجان القهوة و كطأنها تنظر إلى شئ غريب . و بدا إنها تحاول استجماع أفكارها و بالرغم من القشعريرة التى كانت تهز جسمها .
ــ لقد نقلها بالأمس إلى مناطق مرتفعة لكنه عاد اليوم إلى دراغافيل....أنا ممرضة مسئولة فى المستشفى و حفيدى هناك مصاب بالتهاب السحايا....لكنه يتحسن و اليوم عيد ميلاده ....إنه فى الثالثة من عمره فقط.... وتلاشى صوتها . فقال أليكس بهدوء :"إذن , نقل زوجك المواشى"
ركزت المرأة على وجهه و ردت بهدوء :
ــ أجل....لقد أمضيت بعد الوقت مع جوى , حفيدى. ولم أعد إلا بعد السادسة و كان روب قد ترك لى رسالة على الطاولة : لقد اقتحمت العجول الصغيرة السياج و توجهت إلى المراعى الكبيرة, قرب النهر فذهب هناك ليعيدها و يبعدها عن النهر.
أدنت لانث فنجان القهوة من شفتى المرأة فأطاعتها و شربت منه .
انتظر أليكس حتى انتهت و سألها :"هل ذكر الوقت فى رسالته؟"
نظرت إلى ساعتها و أجابت:
ــ أوه...أجل...منذ حوالى ثلاث ساعات. حاولت أن ألحق به لكن النهر أرتفع و الجسر أختفى . ولم أره أو أرى الماشية....نحن نعرف مارك جيداً....و لطالما تساعدا....لهذا جئت إلى هنا.
صمتت فجأة و عضت على شفتيها .
حثتها لانث على شرب المزيد من القهوة فى حين سألها أليكس :"هل اتصلت بأحد آخر؟"
ــ خطوط الهاتف مقطوعة..على أى حال , لن يستطيع أحد
الوصول إلينا, لأن الطريق انهارت قرب بوابة أرضك تماماً كما انهارت الحافة و استطعت أن أرى الصخور و الوحول تغمر الطريق كلها.
هز أليكس رأسه و قال :"أشربى القهوة لا أرى إذا كان بإمكاننا طلب النجدة عبر الهاتف الخلوى"
حين عاد وضعت السيدة شاندون فنجان القهوة الذى كاد يفرغ من يدها و سألته :"هل يمكن لأحد أن يأتى ؟"
ــ لا....كيف وصلت إلى هنا ؟
ــ فى السيارة
ــ سنعود فى الرانج روفر....لا يمكننا أن نتوقع أى مساعدة...حتى و أن استطاعوا إزالة التربة المنزلقة. قال عامل الهاتف إن فرق الطوارئ مشغولة كلها فى إزالة الركام عن الطريق الجنوبى لـ دراغافيل...كما سيرتفع المد يضرب الإعصار , لهذا يقومون بإخلاء الناس من المنطقة . ولا يمكن لأى طوافة أن ترتفع عن الأرض فى مثل هذا الطقس




زهرة منسية 09-03-13 03:03 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
6 – حورية البحر العرجاء
منتديات ليلاس

و بعد عشر دقائق كانوا فى السيارة فوق طريق تتدفق عليه المياه كالأنهار ز كانت الأنوار الأمامية تشق الظلام. و تعكس زخات المطر.
سأل أليكس:"هل يقود زوجك جراراً؟"
كانت السيدة شاندون لا تزال متوترة لكن هدوءه ساعدها فأجابت :"لا.... لقد أخذ العربة المخصصة للمزرعة"
ــ هل لديكم جرار؟
ــ أجل .
ــ سنستخدمه إذن.
استقرت السيدة شاندون فى مقعدها و ناور أليكس بالسيارة ليتجنب سيلاً جارفاً من أحد المرتفعات الصخرية على الطريق ثم سأل :"هل أضواء الجرار جيدة؟"
قالت :"اعتقد أنها جيدة.
ــ أراهن أنه له أضواء كاشفة إضافية.
قالت السيدة شاندون :"أجل......."
تابع أليكس :"سنأخذ الروفر أيضاً , كيف أتوجه الآن؟"
استدر هنا إلى اليسار, الجرار فى السقيفة الكبيرة و المرعى على بعد حوالى النصف ميل من مجرى النهر .
لم تندهش لانث حين أخرج أليكس الجرار من السقيفة فهو بالطبع قادر على قيادته و سوت مقعد الرانج روفر بحيث أدنته من المقود...إنه رجل قادر على فعل أى شئ و يتوقع من الآخرين أن يحذو حذوه.
قالت المرأة إلى جانبها :"روب سباح جيد...ومعه الكلاب"
على السيدة شاندون أن تدرك أن إيجادة السباحة لن تساعد أحد فى نهر فائض, ولا الكلاب أيضاً....لكن من الواضح أنها تحتاج إلى أى تشجيع ممكن... لحقت لانث بالجرار الضخم الأصفر و الأخضر , عبر طريق مرصوفة بالحصى تقطع المزرعة و تتجه نحو النهر و أخذت تصلى من أجل روب شاندون و من أجل سائق الجرار معاً.

منتديات ليلايســــ




زهرة منسية 09-03-13 03:07 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 

كانوا فى منتصف الطريق حين قالت السيدة شاندون :"ها هو بونى!"
تقدم نحوهم كلب أبيض و أسود راكضاً فخففت لانث من سرعتها و أنزلت السيدة شاندون زجاج النافذة و صاحت بصوت علاه صوت المطر :"فتش عن روب....فتش عن روب!"
تردد الكلب ثم أنطلق نحو النهر و هو يلتفت إلى الوراء و كأنه يتساءل عما إذا كانوا سيلحقون به.
قالت السيدة شاندون :"هناك بوابة فى مكان ما هنا"
حين أوقفتا السيارة خلف الجرار نزلت السيدة شاندون و ركضت إلى الأمام لتدفع البوابة و تفتحها .
حدقت لانث فى النهر الثائر الذى لطالما كان خيطاً من الماء غير مؤذٍ, يمر بين ضفتين منخفضتين لكنه بدا بدا الآن خطيراً و قد فاضت مياهه لتغمر العشب.
أخذ أليكس يحرك المصابيح الكاشفة فوق الماء...وسرعان ما صرخت السيدة شاندون و لانث معاً:"ها هى هناك....ها هى العربة!"
كان روب شاندون على بعد أمتار من النهر حين انقلبت به العربة رأساً على عقب....و ركز اليكس النور على المركبة المنقلبة . لم يكن الفيضان قد وصل إليه بعد, لكنها مسألة وقت فقط.
قال أليكس :"هناك شئ ما يتحرك"
كلب آخر , ابيض و أسود مثل بونى خرج من تحت العربة مطلقاً نباحاً متواصلاً , رد عليه بونى.
شهقت السيدة شاندون :"هذا بيو"
حرك أليكس الضوء و قال بحدة و هو يثبته :"ذاك اللمعان تحته....ما هو؟"
خفق قلب لانث :"إنه المعطف الواقى من المطر إنه يعكس الضوء"
كبتت السيدة شاندون شهقة بكاء و قالت :"أنه يتحرك...حمداً لله"
ثبت أليكس الضوء على الكومة المظلمة و تراجع بيو ليبقى بجانب سيده.و عبر غلالة المطر الكثيفة شاهدوا ذراعاً ترتفع بحركة ضعيفة لكن روب شاندون لم يحاول النهوض.
سألت لانث و هى تنظر بخوف إلى النهر الجارف الذى يفصل بينهم:
ــ كيف سنصل إليه....أيمكن للجرار أن يعبر النهر؟
هزت المرأة رأسها و قالت:"لا....فالمياه تجرى بقوة, وستحمل معها جذوع الأشجار المقطوعة على أى حال المياه عميقة جداً....و روب لن يدعك تفعل ذلك"
نظرت لانث إليها بإعجاب فيما حول أليكس الضوء إلى الضفة المقابلة ليوقفه عند نقطة لا تبعد أكثر من أربعة أمتار عن العربة المقلوبة.
سألت السيدة شاندون :"هل يمكن أن تربط حبلاً حوله؟"
ــ سنضطر إلى ذلك"
كشف ضوء الجرار عبوسه و هو يقدر عرض النهر ....حوالى أربعون قدماً فقط , تفصلهم عن المزارع و كلبه . لكن المياه كانت شديدة السرعة .
قال أليكس :"لدى حبل سأربطه فى وسط الضفة وأحد طرفيه فى الرانج روفر ثم بالجرار كى لا تنتزعه الماء من يدرك. لا تدعه يلامس الماء, و ابقيه مشدوداً قدر استطاعتك و أنا سأقطع النهر"
نظرت السيدة شاندون بصمت إلى الآلة المكومة التى يرزح زوجها تحتها, بينما اعترضت لانث :
ــ هذا الأمر خطير جداً يا أليكس.
سأل أليكس زوجة المزارع :"كم يبلغ عمق الماء فى العادة؟"
ــ متر....و ربما أكثر بقليل.
نظر إلى لانث و قال:"لن تبلغ المياه رأسى و إذا وقعت يمكنكما جرى من الماء"
اهتز كل كيانها احتجاجاً لكن قبل أن تتلفظ بأى كلمة قال:"إذا ما بقى هنا طوال الليل فستنخفض حرارته كثيراً"
استدارت لانث إلى السيدة شاندون و سألتها:
ــ أليس هناك طريقة أخرى للوصول إلى هناك؟ أليس هناك طريق عبر التلال ؟
هزت المرأة رأسها نفياً
رفعت لانث نظرها مهزومة إلى عينى أليكس فرأت فيهما الثقة و البرودة و القسوة و أدركت أنه الوحيد القادر على مساعدة روب شاندون.
ولم ترغب فى أن تقف مكتوفة اليدين, تراقب رجلاً يموت لكن جزءاً منها كان يخشى على سلامة أليكس.
بعد عشرة دقائق كانت تقف و زوجة المزارع بعيدتان عن بعضهما و لفافة الحبل أمامهما تجرانها . ركنت السيارتان بشكل يسمح بتسليط الضوء على النهر و على العربة المنقلبة و الرجل المحجوز تحتها.
و همست بصوت:"أرجوك ربى..."
لكن أليكس تابع طريقه ببطء و تصميم و تقدم فىالماء المتدفق دون وجل.
أخذت المياه ترتفع من حوله بشراسة حتى وصلت إلى خصره...أوه...يا إلهى... و أمسكت أصابع الرعب قلبها تعصره وهو يتعثر لكنه استعاد توازنه و أكمل مسيرته ببطء.
و بالرغم من السيل الجارف تمكن من الوصول إلى الضفة الأخرى فخرجت أنفاس لانث التى كانت قد حبستها سريعة متفجرة.
و رأت أليكس عبر المطر و هو ينطلق راكضاً نحو العربة و أسيرها .
ركع أمام الرجل و أطلقت شتيمة على المطر الغزير الذى منع عنها الرؤية. وبدا لها أن أليكس يخلع ملابسه.
لذع المطر وجهها و تغلغل شعرها ثم تسلل بقطرات إلى جسمها لكنها وقفت ثابتة تراقب أليكس.
سادت لحظة ارتباك حين وقف الرجلان على قدميهما. لم يكن روب شاندون بطول أليكس , لكنه أضخم جثة.
و سارا معاً ببطء فوق الأرض المشبعة بالماء.
و بسرعة ركضت لانث نحو الجرافة و لفت الحبل حول قضيب الجر.
وشدته بقوة مذعورة كى يشكل للرجلين دعماً ضد التيار القوى ...:ان الحبل مبتلاً و ثقيلاً لكن الخوف أعطاها قوة وحشية و سرعان ما شدت الحبل بقدر ما أوتيت من قدرة.
بعد ذلك ركضت لتساعد السيدة شاندون فلفت المرأتان الطرف الآخر من حول دفاع الروفر ثم عادتا نحو النهر و لحقت بهما الكلبة بونى و عيناها الذكيتان الحذرتان مركزتان على وجه السيدة شاندون .
بتوتر راقبت المرأتان الرجلين و هما يتوجهان نحو النهر و بعد نزولهما إليه ساعد أليكس رفيقه على الإمساك بالحبل و بدأ الاثنان رحلتهما البطيئة نحو الضفة الأخرى . قالت المرأة و قد اُغرورقت عيناها بالدموع:" لست أدرى من يكون...لكنه شجاع و ذكى . و سأكون ممتنة له بقية حياتى"
شهقت المرأتان معاً حين تعثر روب و تمسك جيداً بالحبل بينما امتدت يدا أليكس القويتان لتشدانه إلى فوق.
ركضت لانث و هى تضع يدها على فمها لتمنع صيحة صدرت عنها مع تعثر المزارع مجدداً. هذه المرة كاد يغرق....لكن أليكس عاد و سحبه.
صاحت بلهفة :"أسرعا! أخرجا من هناك!"
تقدم الرجلان بحذر شديد و فى النور الساطع للأضواء الأمامية رأت لانث وجه المزارع الشاحب من الألم والبرد و رأت أن أليكس قد أستخدم قميصه ليربط له ذراعاً.
و لم تستطيع نزع عينيها عن الرجلين, فأحدهما يتعثر باستمرار فيما لا يزال الآخر يحتفظ بشئ من قواه.
ثم أصبحا على بعد خطوتين فتعثر روب شاندون مجدداً و جر أليكس معه.
اندفعت لانث إلى المياه المتقلبة و هى تصرخ :"لا !"
أمسكت بالحبل المشدود بيدها فيما امتدت الأخرى لتمسك روب شاندون و أطبقت أصابعها على شعره و شدت رأسه إلى أعلى خارج الماء. ورافعته بمساعدة زوجته من كتفه السليمة إلى ضفة النهر ليتنفس.
استدارت لانث مذعورة, لكن أليكس كان يقف على قدميه و هو يسعل و قد تسارعت أنفاسه.
مدت له يدها:"هيا"
ضحك وأضاءت وجهه بهجة شديدة وأمسك بيدها قائلاً:"أنت فى الماء"
ضرب التيار قدميها و ساقيها و أفقدها توازنها لكن أليكس شدها إليه ليحميها من دفق المياه. كانت عيناه تلمعان بالانتصار . ووقفت لانث و الماء من حولها لا تشعر سوى براحة شديدة لأن أليكس بخير.
قالت: "نعم"
منتديات ليلاس
يداً بيد خاضا فى المياه المتجمعة عند الضفة و هما يضحكان بخفة مفاجئة. وعانقت لانث أليكس فبادلها العناق ببهجة.
و بعد حين قال أليكس لـ روب شاندون بلهجة آمرة :"دعنا نوصلك إلى منزلك"
و التفت إلى لانث :"خذى آل شاندون و سأقود الجرار"
قالت محتجة :"لابد أنك تشعر بالبرد. عد بالروفر ففيه تدفئة"
ــ لا....إذا تركنا الجرار هنا سيجرفه الفيضان.
كان التيار الكهربائى مقطوعاً فى منزل المزارع لكن السيدة شاندون قادت فرقة الإنقاذ الصغيرة بسهولة و كفاءة و ساعدت زوجها على دخول غرفة النوم ثم التفتت نحو لانث التى كانت ترتجف و هى تمسك بالمشعل و قالت لها:
ــ خذى المشعل الصغير الموضوع قرب السرير لتقصدى غرفة الغسيل . هناك مصباح غاز فى الخزانة قرب المغسلة .
قطب أليكس حاجبيه و هو ينظر إلى لانث ثم قال:"و اخلعى عنك هذه الثياب"
قالت متصلبة :"أنا الأقل تأثراً بينكم"
قالت السيدة شاندون :"لا....إنه على حق. خذى ما تشائين من الثياب المكوية على رف غرفة الغسيل و خذى بعض المناشف و جففى نفسك, ستجدين ثلاث قوارير للماء الساخن فى الخزانة السفلى املئيها فى أسرع وقت ممكن"
وجدت لانث المصابيح و أشعلتها و حملت واحداً منها إلى غرفة النوم حيث كان أليكس و المرأة ينزعان ثياب زوجها.رأت آثار الصدمة جلية على وجهه فأدركت أنه كلما أسرع فى الخلود إلى النوم ز الزجاجات الساخنة من حوله كلما كان أفضل له.
عادت لانث إلفى المطبخ المعتم الكبير, أشعلت الغاز ووضعت أبريق ماء فوقه ثم نزعت ملابسها المبللة التى التصقت بجسمها و جففت نفسها راحت ترتجف و هى تتخلص من قميصها و تنورتها قبل أن ترتدى ثياباً جافة.
غلت المياه فسارعت لصبها فى الزجاجات الخاصة.
سمعت حركة عند الباب فأدارت رأسها و دخل أليكس بصمت إلى المطبخ فانعكس نور المصباح الأصفر على جسمه البرونزى
أخذ نبضها يتسارع لكنه كان يرتجف .فقالت و هى تملأ الإبريق مجدداً :"يجب أن تبدل ملابسك"
ــ هذا ما أنوى أن أفعله....أين المشعل؟
التقطته عن المقعد و أعطته إياه كانت يداه باردتين فقالت سآخذ الماء الساخن إلى السيدة شاندون"
و لم تبق فى الغرفة سوى لحظة فقد كان المزارع فى فراشه شاحباً مرهقاً عيناه مغمضتان و فمه خيط رفيع من شدة الألم.
عادة لانث إلى المطبخ و أصغت إلى صوت المطر يضرب ألواح الحديد على السطح و يكتم كل صوت آخر ما عدا الصوت الأجش المنخفض الذى كان يصدر عن روب شاندون بينما زوجته تعالج له ذراعه.تمنت لانث و هى تصر على أسنانها أن يسخن الماء بسرعة.
عاد أليكس و حاجباه مقطبان كان من المفترض أن يبدو مرهقاً لكن طاقته وحيويته تغلبتا على تعبه و سألته لانث بحدة لم تقصدها :"هل كل شئ على ما يرام؟"
و اختفى العبوس عن وجهه و هو يقول :
ــ أجل...إنه بخير....لكنه لا يزال يتألم كثيراً و سيكون بخير إذا ما وفرنا له الدفء اللازم.
ــ تبدو و كانك تشعر بالبرد.
ــ لا تقلقى علىّ. أنا أشد قسوة مما يبدو علىّ.
و أخطات حين رفعت نظرها إليه فقد بدا راضياً بعينيه البراقتين و عكس وجهه شجاعة تتعدى الشجاعة الجسدية الصرفة.
أما هى فقد سيطر عليها طويلاً خوف مرضى غبى...ترى هل يعنى خوضها فى النهر اليوم نهاية هذا الخوف؟ أوه....كم تتمنى هذا!.
سألته:"ألا زلت ترتجف؟"
ــ لا...أنا بخير يا لانث...لا تقلقى.
أمسكت زجاجة الماء الساخن و ملأتها فأخذت منها أصابع رقيقة ثم أمسكت بمعصمها :"كيف حالك أنتا؟"
ــ لم أبرد كثيراً كان المطر دافئاً كما لم أبق فى النهر طويلاً.
كان لونه فى الواقع قد عاد إلى طبيعته و لم يظهر أى أثر للشحوب حول فمه.
أكمل بصوت متغير:"أنت مصابة بقروح"
ــ بسبب الحبل.
توقف قلبها و هو يرفع يدها ليقبل التورم الصغير فى راحتها :"لقد قمت بدورك جيداً. أنت لا تخافين...و هذه ميزة نادرة"
و تركها ليخرج من المطبخ.

منتديات ليلاس


زهرة منسية 09-03-13 03:10 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 

وقفت لانث ساكنة للحظات و راحت تضغط بكفى يديها المقرحتين على خديها المحمرين ثم تابعت عملها.
و بعد ساعة حملت الشاى إلى السيدة شاندون الجالسة قرب زوجها النائم ثم عادت لتشرب فنجانها فى المطبخ مع اليكس. وبعد أن شكرها على الشاى التزم الصمت و عادت الحواجز لترتفع بينهما و بدا وجهه صارماً قاسياً و كأنه يمنع أى محاولة تواصل بينهما.
و بعد أن حضرّت السيدة شاندون السندوتشات و أصرت على أن يأكلاها , أقترح أليكس أن يتناوبوا على مراقبة الرجل النائم و حين اعترضت قال أليكس بلطف:
ــ لا نعرف كم ستبقى الطريق مقطوعة لذا ستحتاجين إلى بعض الراحة.
فقالت السيدة شاندون :"سأستلقى قرب روب لأدفئه...و قد أنام قليلاً"
ــ أيقيظنى إذن بعد أربع ساعات و إذا احتجت إلى المساعدة.
ابتسمت المرأة و قالت:"حسناً سأفعل"
قالت لانث :"لا توقظيه....أيقظينى أنا"
التفتت إلى أليكس:
ــ لقد قمت أنت بما عليك الليلة و تحتاج إلى الدفء و للنوم أيضاً لابد أنك مرهق.
بدا المرح فى صوت السيدة شاندون و هى تقول :"إنها على حق ....و تعرف هذا سأوقظها هى"
رفع أليكس جفنيه المثقلين و ابتسم قائلاً:"حسناً"
نظرت السيدة شاندون إلى ساعتها و قالت بتعجب:"إنها الساعة العاشرة فقط . بدا لى أننا قضينا معظم الليل على ضفة النهر"
سألتها لانث :"هل أنت بخير؟"
ــ أجل...و ممتنة لكما فلولا وجودكما لما استطعت الوصول إلى النهر ناهيك عن رفع العربة عن روب.
قال أليكس :"كنت ستتمكنين من ذلك...فمن المذهل ما يمكن للمرء أن يفعله حين تكون حياة من يحب فى خطر"
ابتسمت السيدة شاندون و ردت :"أعرف...و الآن أذهبا و ناما قليلاً"
اختارا غرفتى نوم متقاربين , غرفتا أولاد أسرة شاندون. وعند باب غرفة لانث قال أليكس:"هل أنت بخير؟"
ــ أنا بخير....ماذا عنك؟ أستطيع أن أسخن لك بعض الماء لتغتسل.
ــ ليس الأمر ضرورياً فأنا لم أصب بالبرد كــ روب.
نظر غليها فى ضوء المصباح المعلق فى الردهة الضيقة فحبست أنفاسها فى حلقها فجأة.
قالت بسرعة لتقطع الصمت:"إن إنقاذ روب عمل بطولى"
هز كتفيه و أجاب :"هذا ما كنت لتفعلينه لو لم أكن موجوداً"
ــ أشك فى ذلك.
كانت ساقها تؤلمها, إنما ستؤلمها ذراعاها و كتفاها فى الغد وأحست بالسخط مجدداً لأن هجمة القرش جعلتها عاجزة.
عندها قال:"أتمنى لك ليلة سعيدة"
ــ ليلة سعيدة.
استدارت لانث و دخلت غرفتها على عجل لأنها كانت تعلم أنها ستتصرف بغباء إذا ما بقيت.
وضبطت ساعتها ثم خلعت تنورتها و خلدت إلى النوم.
حين انطلق رنين منبه الساعة تسللت من سريرها و تردت للحظة قبل أن تتوجه مرتجفة و بساقين عاريتين إلى الباب و بالرغم من أن المطر قد توقف إلا أن هبات الريح القوية كانت لا تزال تضرب المنزل رأت شعاع نور فضى يتسلل من تحت باب غرفة النوم الرئيسية . ترددت مرة أخرى ثم تابعت طريقها إلى المطبخ و أشعلت النار . وما أن اشتعلت حتى استغلت وهجها لتملأ وعاء الماء و تضعه على النار.
ــ لانث؟
صوت اليكس المنخفض جعلها تجفل.
ــ أنا هنا.
أقفل الباب خلفه و تقدم نحوها قائلاً :"ألم تتمكنى من النوم؟"
ــ فكرت فى أن أعيد ملء الزجاجات بالماء الساخن.
صمت للحظة ثم قال :"سأفعل هذا فى المرة القادمة"
ــ لا داعى لذلك.
و ابتعدت عنه لشدة قربه منها.
قال :"أنا أؤمن بالمساواة سأحضر إحدى الزجاجات"
عاد بعد دقائق فسألته لانث :"كيف حاله؟"
ــ لا زال يتنفس بصعوبة....لكنه تحسن...و أنا مسرور لأن زوجته تدرك ما تفعل .
حين نظرت غليه رأته يتأمل ساقيها البارزتين بغموض على وهج النار الخفيفة الدافئة.
فكرت فى أن عليها أن تتحرك أن تخفى ندبة الجرح من عينيه لكنها وقفت مسمرة . لقد رآها من قبل...كما أنه لا ينظر إلى جرحها.انتظرت ساكنة بينما تحركت نظرته الثاقبة إلى الأعلى لتحرك معها مشاعر خفية , جارفة غريبة جعلتها تحترق فى عمق عينيه الصافيتين.
سرت الحرارة فى أوصال لانث و ازداد احمرار بشرتها و كان أليكس يراقبها بجفنين نصف مغمضين يرسلان رجفة فريدة فيها.
قال بصوت خشن واضح :"تبدين كحورية البحر...أقسمت ألا ألمسك و ألا أدعك تؤثرين فىّ...لكن كان الأوان قد فات بعد أن رأيتك للمرة الأولى...وقفت فى تلك الغرفة و رفعت ذقنك و رأيت الكدمات التى تسبب بها مارك فى معصمك فوددت أن أقتله"
منتديات ليلاس
هزت لانث رأسها محتارة مصدومة و ضحك هو بهدوء و دون مرح وازداد قسوة و هو يحاول كبح جماح مشاعره.
قال:"لابد أن المياه سخنت بما يكفى"
تمتمت :"تقريباً"
ومدت يدها لتأخذ الزجاجة

منتديات ليلاســـ

زهرة منسية 09-03-13 03:14 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 

مددت لانث جسمها المتألم ببطء و استيقظت. لقد تحول قرع المطر المتواصل على ألواح الحديد إلى نقر خفيف, وتناهت إلى مسامعها زقزقة عصافير منتديات ليلاس الصباح.
هبت بسرعة من فراشها بعد أن ألقت نظرة سريعة على ساعتها . ارتدت التنورة التى استعارتها ثم ركضت عبر الردهة . وكانت على وشك أن تقرع باب غرفة النوم الرئيسية حين فتحت السيدة شاندون الباب و هى تتثاءب و تدعك عينيها.
سألتها لانث :"كيف حاله؟"
كان الرد مرتسماً على وجه السيدة شاندون و لم تكن ابتسامتها خالية من القلق لكنها لم تكن تحمل الخوف الذى رأته فى الليلة السابقة.
ــ محموم و متألم لكنه سينجو...آمل أن تفتح الطرقات لتنقله إلى المستشفى...أتريدين فنجان شاى؟
ــ أود ذلك
أغلقت المرأة الباب وراءها و سارت مع لانث فى الممر
ــ شكراً لك على كل ما فعلته من أجلنا.
ــ لم يكن شيئاً يذكر....هل نمت جيداً؟
دخلت المضيفة إلى المطبخ و قالت بابتسامة و هى تدير الغلاية الكهربائية :
ــ لقد غفوت مراراً و قد عاد التيار الكهربائى والى الساعة الرابعة و نصف من هذا الصباح عندها كان روب يتنفس بسهولة أكبر و بدت حرارته طبيعية لهذا نهضت من الفراش و غسلت ثيابكما و وضعتها فى النشافة قبل أن أعود غليه مجدداً بعد ذلك نمت ملء جفنى...إذا أردت كى ثيابك فهى لا تزال فى النشافة.
قالت بامتنان :"أوه....شكراًلك..."
و بعد أن شربتا الشاى شرعت لانث تكوى ثيابها كانت قد انتهت من عملها و ارتدت بنطلونها و قميصها حين أصابتها قشعريرة فالتفتت خلفها .
وقف أليكس بالباب و هو لا يرتدى سوى البنطلون الذى ارتداه فى الليلة السابقة و قال بصوت من صحا من النوم لتوه:"صباح الخير"
ابعدت لانث نظرها عن صدره و قالت بما استطاعت من هدوء:
ــ مرحباً...لقد جربت السيدة شاندون خط الهاتف و لا يزال مقطوعاً....هل أحضرت معك الهاتف النقال ؟ يجب أن نعرف ما إذا كانت الطريق مقطوعة أم لا.
هز رأسه إيجاباً...لم يزعج لانث أن تكون السيدة شاندون قد رأت شعرها المشعث لكن هذا الأمر أقلها الآن.
قال:"لا يزال فى الروفر سأذهب لأتصل بخدمات الطوارئ. لكنهم لن يتمكنوا من إخلاء الطريق بسهولة سيحتاجون إلى جرافة . وبما أنها مستخدمة كلها على الأرجح فى دراغافيل لإبقاء نهر وابروا تحت السيطرة سنضطر إلى طلب طوافة"
ــ هل تريدينى أن أكوى لك ثيابك فيما تتصل أنت؟ لقد غسلتها السيدة شاندون و جففتها ليلة أمس حين عاد التيار الكهربائى.
منتديات ليلاس
رد ببطء و كأنه يفكر فى كل كلمة يقولها :"لا....سأفعل هذا بنفسى"
و تركته لانث مسرعة و هى تعى أن عرجها ببؤس.
بعد خمس دقائق كانت متوجهة إلى منتديات ليلاس المطبخ بعد أن غسلت وجهها و جدلت شعرها حين سمعت أصواتاً فى غرفة الغسيل . ترددت ثم تبعت الصوت فوجدت اليكس يقف جانباً و ينظر متسلياً إلى مضيفته و هى تكوى الثياب بمهارة اكتسبتها عبر السنين . كانت تقول:"يريد أن يراك"
و أدارت رأسها لتشير إلى لانث :"كلاكما....حين تستعدان طبعاً"
جذبت السيدة شاندون القميص عن لوح الكوى بحركة سريعة و ناولته أياه قائلة :"هاك...إذا انتظرت لحظة سأكوى لك السروال"
ارتدى القميص و زرره بعينين لامعتين :"لانث تعتقد أنه على أن أكويه بنفسى"
قالت لانث :"سيكون هذا أفضل لشخصيتك"
فردت المضيفة :"توقعت أن تكون شخصيته قد تكونت الآن"
و أخذت تكوى السروال بيد خبيرة لتقول بعد حين :"ها قد أنهيته....سأعد الفطور"
قال أليكس :طسوف أرى إذا كان بالإمكان طلب مساعدة فرق الإنقاذ مرة أخرى"
فالتفتت إليه السيدة شاندون بابتسامة خجولة قائلة :"أذهب لمقابلة روب أولاً...من فضلك"
ما بدأ كمقابلة مرتبكة تحول إلى حوار سهل بفضل لباقة أليكس...و خلال دقائق أدركت أن المزارع معجب بالرجل الذى أنقذه و أن هذا الشعور متبادل
قال أليكس:"كلنا تعاونا...هل تمكنت من نقل الماشية قبل أن تنقلب بك العربة؟"
ــ أجل ...ولا أعلم بالضبط ما الذى حصل...لا أتذكر.
ــ هذا بسبب الضربة على رأسك
قالت لانث:"لا تحتاج إلى ضربة...فالصدمة كفيلة بهذا"
فهى بالكاد تذكرت أن القرش هاجمها , لكنها رأت الفيلم الذى صور المشهد لهذا تعرف ما حدث....إنما الحادثة نفسها مُحيت من عقلها....و تظن احياناً أنها كانت تتعامل مع الحادثة بشكل أفضل لو أنها تتذكرها.
نظر اليكس إليها نظرة ثاقبة ثم هز رأسه و عاد ليتدث إلى روب :"لا تقلق المهم أنك سالم و الماشية كذلك"
و ذكرته لانث:"و الكلبين"
لمع المرح فى عينى اليكس حين قال روب :"أجل....بحق السماء!"



زهرة منسية 09-03-13 03:20 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
7 – بين الحب & الواجب

منتديات ليلاس


كانت الطريق لا تزال مقطوعة . و قال أليكس بحزم للشخص الذى على الطرف الآخر من الخط:"فلتكن طوافة إذن"
كانت السلطة جلية فى نبرة صوته و حين حاول الشخص الآخر التملص قال دون أن يلين:
ــ هذا لن يفيد يجب أن يصل إلى المستشفى فى أسرع وقت ممكن و كفى...
أصغى قليلاً ثم أضاف :"أجل....سننتظرها"
ابعد الهاتف النقال و قال سيصلون بعد نصف ساعة"
استمعت السيدة شاندون للجدال و هى تجلس قرب زوجها ثم هزت رأسها و قالت :"سأضطر للبقاء...يجب أن يعتنى أحدنا بالقطيع"
و سأل روب :"ماذا عن السيارة؟"
فأجابه أليكس :"سنعيدها إلى هنا , فى الواقع نستطيع أن نفعل ذلك الآن"
ساد الصمت خلال رحلة العودة إلى المنزل قرب البحيرة . و أحست لانث بالكآبة فما أن تُفتح الريق حتى يعيدها إلى منزلها و لن ترأه مجدداً و بدا أن أليكس ليس لديه ما يقوله.
قادت الروفر إلى المنزل و لحق بها اليكس فى سيارة أسرة شاندون....
و فيما عبرا بوابة المزرعة سمعا صوت محرك هليكوبتر قريبة.
و بعد أن ودعا روب شربا الشاى مع السيدة شاندون التى شكرتهما,و أكدت لـ أليكس أنها ستطلب منه المساعدة إذا احتاجت لذلك...ثم عادت و شكرتهما مجدداً.
ترددت لانث فى خرق الجو المشحون . فقد انطوى على نفسه و بدت قسماته قاسية , متجهمة...حين استدار نحو البحيرة , سألت :"هل يمكن للرانج روفر أن تسلك الطرقات الوعرة فى المزرعة؟"
ــ لا سيصعب سلوك هذه الطرقات حتى الغد على الأقل . ستضطرين للانتظار حتى تنظف الطرقات قبل أن تتمكنى من العودة إلى منزلك.
هزت لانث رأسها و أملت أن تفتح الطريق قريباً.
فى لحظة ما فى الساعات الأربع و عشرين الماضية خطت مشاعرها خطوة عملاقة نحو المجهول....و حتى الأمس , كانت تقنع نفسها بأن مشاعرها لا تتعدى الانجذاب
لكن بعد أن تبادلا الأحاديث فى الليلة الماضية و بعد أن رأته يمازح السيدة شاندون على أثر خروجه من النهر و بعد ذاك العناق الذى غمرها ببهجة و بعد رؤيته غير حليق الذقن عارى الصدر فى الصباح الباكر لم تعد تفهم مشاعرها.
إن الإنجذاب أمر يسهل التعامل معه يمكن تجاهله و تحمل ألمه فسيتلاشى فى النهاية . لكن الحب....ذلك المزيج المعقد من المشاعر , من الحاجة و الوعد و الأمل من الشوق و الاحترام و الإعجاب ...أوه...الحب أمر أكثر صعوبة
لكن الوقت لم يتأخر بعد....راست نفسها بهذا وهما يركنان السيارة تحت الظليلة المسقوفة...لأن تنسى أليكس, لكن حين تفترق عنه سوف تتغلب على مشاعرها.فتحت باب السيارة متجاهلة وخزة الألم فى قلبها و نزلت....استندت للحظة على الباب لتريح ساقها و نظرت إلى السماء.كانت السحب الثقيلة تتحرك , تبتعد, وتتشتت
قالت لانث ممتنة لعثورها على موضوع محايد :"لقد نجونا هذه المرة....أتساءل عما إذا كان الإعصار قد تسبب بأضرار فى الجنوب"
نظر إلى ساعته و قال:"يمكننا أن نسمع الأخبار على الراديو"
قال لهما صوت المذيع اللطيف أن هناك بعض الفيضانات لكن الإعصار الشهير ابتعد عن مياه بحر كاسمان بسرعة و تشتت مركز قوته بسبب التيارات الباردة القادمة من القطب الجنوبى.
بدأت لانث تقول :"هذا خبر مفرح..."
ــ أصمتى!
التفتت إليه مجفلة لترى أن حاجبيه انعقدا و هو يسمع المذيع يقول :"تورط الجيش فى الاضطرابات فى اليريا حيث ينظم آلاف المواطنين و منذ ثلاثة أسابيع مظاهرات احتجاج ضد الإدارة الحالية . وقد سمع إطلاق نار كثيف فى أنحاء المدينة و طُلب من الأجانب المغادرة"
منتديات ليلاس
مال أليكس إلى الأمام و أطفأ الراديوم ثم سألها :"أترغبين فى فنجان قهوة؟"
ترددت لانث و أجابت :"ليس الآن....شكراً لك"
لم يتغير الوجه المتسلط القاتم لكنها أحست بمشاعر جياشة تستتر خلف هدوئه. و انقلب الثلج فى عينيه إلى فولاذ...سألته:"أخبرتنى أن عائلتك فى اليريا ماتت كلها...لكن ألا زالت تعرف أشخاصاً هناك؟"
نظر إليها بقسوة:"و لماذا تسألين؟"
برزت لكنته مجدداً و إن بشكل خفيف.
ــ يبدو لىّ أنك مهتم جداً بما يجرى هناك.
لم يقل شيئاً. وفى الخارج أطلق طائر نورس صيحة طويلة شقت الصمت الذى كان صداه يلف لانث و يجمد عظامها.
و أخيراً قال :"أنا اليرى...."

منتديات ليلاس


زهرة منسية 09-03-13 03:27 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 

فغرت فمها لكنها لم تنطق بأى كلمة . وضاقت عيناه اللامعتان و هو يسألها :"الم تخمنى ذلك بعد؟"
قالت بغباء :"لا...ظننتك إيطالياً"
ــ لقد تربيت فى اليريا فى قرية جبلية صغيرة حتى بلغت العاشرة من عمرى. و حين أسر الشيوعين أبى ,اضطررت أنا و أمى للهرب و أنتهى بنا المطاف فى أوستراليا
أرادت معرفة المزيد لكن رعباً مفاجئاً صدمها . و سألت بهدوء :"أنت من عليه أن يعود إلى هناك...أليس كذلك؟"
و ساد الصمت من جديد....و تحولت نبضات قلبها إلى خفقات بطيئة تضج فى أذنيها. حدقت فيه لترى رجلاً مختلفاً....طاقة مشتعلة متحدية و أدركت أنه سيغادر ليحقق مصيراً لا دور لها فيه.
مدت يدها إليه و قد عجزت عن السيطرة على مشاعرها :"أليكس....أليكس....ستنشب الحرب هناك"
ــ قد أتمكن من وقفها.
أمسكت بمعصمه تهزه :"لن تستطيع...أنت رجل واحد ! حسناً...لديك السلطة و المال...لكنها حرب أهلية و قد تُقتل!"
أطبقت يده على يدها و قال:"لا أظن لك"
و أضاف و هى تفتح فمها لتتكلم :"يجب أن أذهب"
اعترضت بشراسة :"أنت ليست مسؤولاً عنهم"
اخترقت عيناه عينيها بضراوة و قال ببساطة :"بلى...أنا مسؤول"
أطلقت زفرة حادة لكنها بقيت صامتة و لم يقل هو شيئاً كما لم يحاول مساعدتها و هى تنظر إليه مشدوهة مرتاعة.
و بعد لحظات تمتمت :"أنت....الأمير....الضائع....أليس كذلك؟"
التفت إلى وجها المصدوم الشاحب و قال بخشونة :
ــ أنا أبنه....و أتمنى و أتمنى أن يكون ميتاً...و إن لم يكن ميتاً فهو فى سجن الشيوعين منذ أربع و عشرين سنة.
أبعدت يدها عن معصمه و كأن بشرته مشحونة و عظامه حارة كالجمر .
أخذت نفساً عميقاً ثم همست :"سيقتلونك إذا عدت"
ــ و لِمَ سيقتلوننى؟ هم مثلك..فالشيوعيون السابقون و الطبقة الحاكمة لا يصدقون أنى قد أهتم بشؤون اليريا....على أى حال إنى أتمتع بسلطة أكبر و ثراء أعظم...فما الذى سيغرينى للعودة إلى بلاد صغيرة, غير مستقرة و فقيرة؟
كانت ابتسامته خشنة غير مرحة و قد ترافقت مع الكلمات التى تردد صداها بسخرية باردة جارحة و أكمل :"...إن كنت سأتعرض لأى خطر لتلقيت تهديداً ...أنا لم أطلع أى شخص على هويتى من قبل لكن الشعب سمع إشاعة تفيد أن أحد أفراد أسرة كونسيدين لازال حياً. لهذا يتظاهرون...و أنا أشعر بأنى مسئول عنهم...على أى حال لن أعود لأطالب بالعرش . و الله أعلم بأنى لا أريد هذا النوع من السلطة...لكن إذا لم تُتخذ إجراءات سريعة قد يُقتل الآلاف فى حرب أهلية لا طائل منها . و قد أتمكن من وقف المزيد من سفك الدماء"
ــ كيف ؟
هو كتفيه و استدار مبتعداً
ــ لقد أتصل بى أشخاص عديدون من أصحاب النفوذ اللذين لم يقطعوا الأمل من أن أحد أفراد أسرة كونسيدين سيعود يوماً ليستعيد العرش... وهم يؤمنون أننى أملك نوعاً من السلطة على الناس نظراً لنسبى. و الجيش هو مفتاح الحل و إذا عدت قد يقتنع قادة الجيش بضرورة الإطاحة بالطبقة الحاكمة و مساعدة الشعب على تشكيل حكومة ديموقراطية .
قالت غاضبة:"أو أن الطبقة الحاكمة ستقتلك"
ــ هذا غير محتمل
ــ بحق السماء....هؤلاء الناس يحاولون التمسك بالسلطة إن ثروتك و شهرتك و قوتك لن تحميك...و أنت تعرف ذلك. فالرصاص يقتل المشاهير مثلما يقتل العا...
وضع يده على فمها ليوقف دفق الكلمات الفزعة فابتعدت لانث عنه و جاهدت لتسيطر على نفسها و على نفسها و على عينيها اللتين اغرورقتا بالدموع. و بهدوء شديد قال أليكس :"يجب أن أذهب يا لانث"
عضت على شفتها وقالت بحدة :"لا يحق لى أن أمنعك"
و آلمت الكلمات حنجرتها و قد أثقلتها دموع لم تذرفها و قال:
ــ أنا مدين لهم بهذا . على أن أحاول وقف المجازر التى تشاهدينها على شاشة التلفزيون كل ليلة..أى نوع من الرجال سأكون لو بقيت بعيداً و تركت كل هذا يحدث؟
ــ ستكون رجلاً متعقلاً
خرجت هذه الكلمات من أعماقها بعنف .
فرد بقسوة:"لكن دون شرف"
و رأت ان لا سلطة لها عليه ليغير رأيه فتنهدت :
ــ لا....و عديم المسؤولية كذلك و هذا هو الأمر الأهم بالنسبة لك...المسؤولية.
هز كتفيه و قد أصبح فجأة غريباً عنها...ثم قال بهدوء :"هذا ما ربيت عليه...هل أنت جائعة؟"
فردت بدهشة :"لا....كم الساعة الآن؟"
ــ تقارب الواحدة . سنتناول الغداء ثم سأرى إذا كانت الطريق مفتوحة بما يكفى ليمر الروفر.
سيعيدها إلى البانش و يودعها و لن تراه من جديد إلا على شاشة التلفزيون.
و فى المطبخ الحديث حضرت لانث المكرونة فيما حضر أليكس السلطة و أخرج الفاكهة.
لم تكن شهيتها . لكن لترضيه أخذت تأكل على مهل.
منتديات ليلاس
جلسا على الشرفة فراحت تراقب المياه و هى تستعيد لونها الطبيعى مع اختفاء الغيوم تدريجياً و اخترق أشعة الشمس لها . علقت فى حنجرتها غصة صلبة ثقيلة و بينما هما يشربان القهوة رن جرس الهاتف.
التقطه أليكس مقطباً و قال:"مارك؟ كيف الأحوال عندكم؟"
أصغى قليلاً ثم قال :"تأكد من أن شقيقتك لاتحتاجك"
بدا أنها لم تكن تحتاجه لأنه قال إنه سيعود ما أن تفتح الطريق . أراحت لانث عضلات و جهها المشدودة و كان التوتر قد بدأ يظهر عليها و أحست بقلق أليكس فهو يود التخلص منها سريعاً. و لتبتعد عنه قالت:"ساقى تؤلمنى... سأستلقى إلى أن يتوقف الألم"
ــ طبعاً...هل ترغبين فى مسكن للألم؟
ــ لا....سرعان ما يخف.
ذكرت لانث نفسها و هى تتجه نحوغرفة النوم :"لن يتحطم قلبك فقد حزنت من قبل و شفيت. ولعل ما تشعرين به الآن هو الإحباط ليس إلا لأنك تحبينه و تعلمين أنه سيرحل"
لم تتطور علاقتهما و لن تتطور لكنها لن تنسى اليكس أبداً .
كما أنه لن يُقتل فى تلك الإمارة الصغيرة فى النصف الآخر من العالم و لن يكون القدر ظالماً إلى هذا الحد.
ارتجفت رغم الحرارة العالية و الرطوبة فأبعدت الأغطية عن الفراش و خلعت حذاءها و ثيابها و اندست فى الفراش الكبير المريح....
و راحت تتذكر كل لحظة منذ التقت أليكس , كل كلمة قالها , كل تعبير استطاعت حل لغزه. وحين غالبها النعاس عقدت صفقة مع المستقبل . لن تتعلق به , لن تقول له إنها وقعت فى حبه , لن تبكى أو تحزن,على أن يبقى حياً , فهذا كل ما تطلبه.
استيقظت على قرع بابها و صوت أليكس كافحت لتجلس مستوية على الوسادة فقالت بصوت أجش متكسر دون وعى و بارتباك:"أدخل"
و دخل أليكس من الباب ثم توقف و هو يرأها مستلقية على السرير فاشتعلت عيناه اشتعالاً بعث الدم إلى و جنتيها كان الغطاء الذى تدثرت به أثناء نومها وقع عنها . يجب أن تشد الغطاء إلى فوق صدرها , أن تخفى صدرها عن النار فى عينيه....و يجب أن تخرج من منزله فى أسرع وقت ممكن....
فما من مستقبل لهما معاً و مع ذلك أبقاها خوفها عليه و قلقها من ألا تراه مجدداً فى مكانها
قالت بصوت أجش ملئ بالشوق :"أليكس؟"
أغمض عينيه ثم فتحهما على الفور نظراته الممعنة و اشتعال عينيه بهذا البرق أرسل أحاسيسها فى إنطلاقة سريعة و بصوت خشن مكتوم قال :"أنت جميلة جداً"
و كاد قوله يكون اتهاماً... هزت رأسها و قالت ببساطة :"و أنت و سيم..أنت أوسم رجل رأيته فى حياتى"
شد على يديه فى قبضتين و قال بحدة و شراسة :"هذا تهور .... يا لانث"
ابتلعت غصة فى حلقها وهى تقول:"أعلم"
ــ يا إلهى.... باستطاعتى احتمال أى شئ ما عدا الحزن!
تقدم نحو السرير بخطوات سريعة صامتة و جلس على حافته و ارتجفت يداه و هو يلامس وجهها .
أشعلت هذه الحركة البسيطة مشاعرها فرفعت يدها لتبقى يده على خدها و التقت عيناها بعينيه بشئ من الخجل و الالحاح
ظهرت لهفة حارة فى عينيه جعلت النار تسرى فى شرايينها و تحطم كافة حواجز المنطق السليم و الحذر و الحزن.
ثم وجدت نفسها بين ذراعيه يعانقها بشوق محموم و ما كان منها إلا أن بادلته عناقه بآخر مشبع بمزيد من الشوق.
و قال بصوت أجش:"شعرك كأشعة الشمس و هو أول ما لفتنى فيك...كان كثيفاً مليئاً بالنور و فيه خصل خفية نارية بلون النحاس اللماع و انجذبت إليك يومها...."
دفن وجهه فى شعرها ففكرت لانث مبهورة فى أنها لن تقصه ثانية .
و أخذت يد متملكة تمر بكتفيها فعنقها على اليشرة الحريرية الملمس .
علقت أنفاس لانث فى حنجرتها و تاقت لضمة أخرى من ذراعيه . لكنه هب واقفاً فجأة و قال بخشونة :"لا !"
صرخته المتوحشة صدمتها وقضت على أحاسيسها المتفتحة و امتدت أصابعها تلقائياً مرتجفة خرقاء إلى ساقها تتلمس أثر الجرح . لوم تستطيع أن ترفع عينيها إليه و تمنت أن يخرج و يتركها مع ذلها وحيدة فأدارت رأسها و ركزت نظرها على الأشجار خارج النافذة.
قال بحدة و قد لاحظ ردة فعلها اللارادية :"الأمر لا يتعلق بساقك"
فردت بصوت رفيع متوتر :"لا تشغل بالك . أعرف أنه بشع... و سأجرى له جراحة تجميلية فى السنة المقبلة.... لكنه سيترك أثراً دائماً...لا بأس بهذا"
و أغمضت لانث عينيها و هو يلامس أثر الجرح بأصابع ثابتة . و ارتجفت و هى تشعر بلمسته تسرى فى عروقها.
قال بعناد:"أنت مخطئة...أنظرى إلىّ"
ماذا يريد بحق السماء...أن يدمى قلبها أن يستخف بها؟
كرر كلامه :"انظرى إلىّ"
جاء صوته هذه المرة خفيضاً قاسياً و أمراً حاملاً فى طياته إصراراً خطيراً يطلب الإذعان.
أدارت رأسها و رفعت رموشها....كان وجهه قناعاً عنيداً منحوتاً بخطوط عدوانية تثير الاضطراب.
قال بصوت هادئ بارد :"أى رجل ينفر من هذه الندبة لا يستحقك. أنت كالنار السائلة تحت أشعة الشمس , فالعسل يتدفق من صوتك, وضحكتك الدافئة تذيب الجليد و تحوله إلى بخار"
أوه.....كم تريد أن تصدقه و أخفضت نظرها لتتأمل يده السمراء التى وضعها على جرحها و همست :"لماذا إذن....ابتعدت...عنى؟"
ضاقت عيناه الزرقاوان و قست خطوط فمه و هو يقول :
ــ لن أقيم معك علاقة كجندى متوجه إلى الحرب , فأنا لا أستطيع أن أقدم لك شيئاً.
كانت كلماته باردة و لاذعة كضربات السوط على قلبها و أكمل:
ــ ولا مستقبل لنا....حتى أننى لا أستطيع ان أقدم هدية لك لأننى سأغادر نيوزيلاندا فى وقت متأخر من هذه الليلة.
هذا هو إذن الإحساس بتمزق القلب إلى قطع صغيرة...أوه... لطالما حذرها عقلها من أنها لن تحصد سوى الدمار من ذلك التجاذب الجامح بينهما . لكنها كانت تأمل....و الآن حل الأسى المرير مكان تلك الآمال .
قالت مجدداً:طلا بأس .... لا تقلق أليكس.....أفهمك"
حاول أن يتكلم , لكنه عاد و صمت ... و سمعت ضربات قلبها المتسارعة و أنفاسها المتقطعة. و فكرت يائسة بأنها لا تستطيع الاحتمال .
كتمت مشاعرها لأنه الحل الوحيد و قالت :"اليكس....أجدك جذاباً جداً...لكننا لا نعرف بعضنا جيداً...لا نعرف بعضنا أبداً فى الواقع"
قال ساخراً :"إذن سيكون النسيان سهلاً؟ هذا ما أرجوه . لن أقيم معك علاقة لانث , لأنك تستحقين أكثر مما أستطيع أن أعطيك"
و قطع الغرفة ليقف كالشبح فى الباب ثم قال دون تركيز :
ــ لكن لا تظنى أبداً أننى لا أريدك.... بل أريدك أكثر مما أردت أى شئ فى حياتى.....بل على الأصح , أكثر مما سأريد أى شخص آخر فى المستقبل
... كما أخشى.
فتح الباب و خرج ليقفله خلفه دون صوت. ورمت لانث بنفسها على الوسائد و قلبها يخفق بعشوائية ....أوه.....لقد عنى ما قاله.....لهجته التى عبرت عن مدى توقه إليها أشعلت كل كلمة قالها بالنار .
جلست تحتضن نفسها و تتأرجح إلى الوراء و إلى الأمام هذا الإعتراف هو كل ما ستناله من اليكس . ودت لو تذرف الدموع المحتبسة فى داخلها
خرجت من السرير بسرعة و استحمت و ارتدت ملابسها و فكرت بحرقة أنها تفضل مواجهة ذلك القرش مرة أخرى على أن تدخل غرفة الجلوس لتودع اليكس....لكنها مضطرة لأن تفعل و عزاؤها الوحيد أنها ستعود إلى منزلها قريباً.


منتديات ليلاســـ


زهرة منسية 09-03-13 03:31 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 

رفعت ذقنها و هى تدرك تماماً أن هالات سوداء تحيط بعينيها و أن بشرتها شاحبة من شدة التعب و اتجهت إلى غرفة الجلوس.
كان أليكس يقف على الشرفة ينظر إلى الماء . لكن حين دخلت الغرفة استدار و ضاقت عيناه و هو ينظر إلى وجهها
قال :"أصبحت الطرقات مفتوحة"
احست بتصلب فى شفتيها و قالت بصوت أجش :"إذن....أستطيع ان أعود على الباتش"
ــ أجل.
شقا طريقهما فى السيارة عبر أراضٍ ريفية مشبعة بالماء و على بعد أمتار من بوابة أرض أليكس انهارت صخور رملية على الطريق فغطتها بالحجارة و الطين.
فتح اليكس الباب قائلاً:"ابقى هنا"
و سار إلى مؤخرة السيارة ليعود ومعه رفش.
أخذ يزيل الركام الذى قطع طريقهما و كأن جزءاً منه يجد لذة فى العمل الجسدى. راقبت لانث عضلاته تتحرك تحت قماش قميصه القطنى الرقيق و رشاقته و هو يرمى حمل كل رفش إلى جانب الطريق . تأملت وجهه النحيل الذى بدا أسمر قاتماً و أحست بشوق جارف إليه بألم اعتصر فؤادها
قال وهو يعود إلى السيارة :"آسف....أنا مبتل قليلاً"
ــ لا تقلق.
كان البانش فى حالة ممتازة بالرغم من تحطم شجرة السرو الكبيرة . و نظر أليكس إلى الأغصان الملتوية القائمة و قال :"أحضرى أحداً ليلقى عليها نظرة قبل الليل"
ــ حاضر.
بقى معها حتى اطمأن إلى سلامتها ثم وقف فى الباب و نظر إليها كانت عيناه باردتين و فمه مشدوداً و قسامته المنحوتة أكثر بروزاً . قال :" وداعاً...لكن عدينى بشئ...."
ودت أن تعده بالدنيا كلها لكنها سألت :"بماذا؟"
ــ أن تستمرى فى محاولة العودة إلى الماء.
ــ أجل....حسناً.
و أصغت إلى صوت تحطم قلبها
ــ لقد شاهدت فيلم فيديو لبرنامجك الوثائقى ... و أنت مولودة لتكونى فى الماء... ولسوف تنجحين .... أسبحى من أجلى, وغوصى عبر ذلك الجدار الأزرق.
ابتلعت ريقها لتخفف ألم الدموع التى سدت حنجرتها ثم هزت رأسها و استدارت مبتعدة و هو يخرج من الباب....اشتدت قبضتاها على حافة الشرفة حيث وقفت تنظر إلى البحيرة دون ان تراها بينما داتر محرك الرانج روفر وابتعد.
فى سكون الأمسية الهادئة شاهدت الأخبار , لا شئ عن اليريا , ولا شئ مرة أخرى فى الصباح. أحست بخوف شديد و أجبرت نفسها على ملء يومها بعمل لا معنى له, وان لم تتذكر ما كانت تفعل . ذلك المساء فتحت جهاز التلفزيون و جلست متوترة تتابع الأخبار المحلية و العالمية.
ومع ذلك....لا شئ. كانت تحاول إقناع نفسها بتحضير العشاء حين قال المذيع:"بعد انقلاب أبيض, و دون سفك دماء عاد أمير اليريا بعد طول غياب وتوج فى احتفال مؤثر"
جمدت لانث و هى تتأمل الحشود الغفيرة على الشاشة و وسط الهرج و المرج المجنون....رأته.....أليكس.... نقطة ارتكاز الزوبعة...أليكس....ذو الوجه الصارم الوسيم....
كان يلامس الأيدى المتشوقة الممدودة إليه و يتكلم و يسير عبر الجموع الهائجة الصائحة وحده....و بقوة إرادته منعهم من ان يفقدوا السيطرة و من ان ينجرفوا إلى الفوضى.
مسحت لانث دموعها عن خدها و أجبرت نفسها على التركيز على ما يقوله المراسل....كان يقول:".....نحو الكاتدارئية, حيث ينتظره رئيس الأساقفة ليتوجه"
و تبدلت صورة الشعب الأليرى الهاتف الهائج لتظهر صورة ساحة تحيط به الأشجار فى مقدمتها كاتدرائية قديمة واجهتها من الرخام الأبيض . كانت الساحة مليئة بأشخاص صامتين راكعين...عكست وجوههم الرهبة و التبجيل و الفرح...و كان الكثير منهم يبكى.
ثم تعالت أصوات الأجراس.
و سمعت المراسل يقول:"لقد وصل إلى أليريا منذ ثلاث ساعات فقط...و بمجرد وصوله أوقف القتال و ما أن عرفه الناس حتى سارعوا به إلى الكاتدرائية ليتوج....بعض رجال الحكم قُتل , لكن يُعتقد أن معظمهم قد هرب.... و خرج الجيش و قوى الشرطة لمساندة الأمير"
تلاشت الصورة عن الشاشة و انتقل المذيع إلى خبر آخر.
وقفت لانث و أطفأت الجهاز .
لقد قالت له أنها تشعر بالأسف حيال الآسر المالكة و أنها تؤمن بأن حياتهم لا تطاق .... فهل كان هذا سبب قراره بألا يقيم علاقة معها؟
و تمنت لو أنها أبقت فمها مطبقاً...إلا أن هذا ما كان ليشكل أى فرق فهى لن تغير رأيها.
و صرخت بصوت عالٍ :"الأمير و الفقيرة" فبدا لها صوتها غريباً .... لا.... الملك و المتسولة لكن اراهن أن علاقتهما لم تنجح بالرغم من الأسطورة .
فأى علاقة ناجحة تحتاج إلى أكثر من الأنجذاب و بالرغم من أن أليكس كان يريدها إلا أنه لم يأتِ على ذكر الحب.
* * *
منتديات ليلاس
خلال الأيام التى تلت انهكت نفسها بالعمل
كانت تعمل بشكل آلى و جنونى و كانت تتقدم فى مياه البحيرة خطوة بعد خطوة.... و خلال الليل , كانت تنام نوماً ثقيلاً لشدة ارهاقها .
اعتقدت لانث أنها عرفت الحزن . ولقد بكت طويلاً كريغ....و تحملت الألم الجارح و الوحدة التى لم تتبدد إلا على مضض.
لكن الأمر مختلف هذه المرة. و كانت تتساءل أحياناً عما إذا كانت ستجن.
لكنها رفضت الأستسلام .... فهى ليست مريضة ! و خطر لها فى صباح أحد الأيام أنها مشتاقة للحب و حسب.
لقد آن لها أن تجمع شتات حياتها مجدداً و تتابع مسيرها.... لكن عليها أولاً أن تفى بوعدها لــ اليكس... لم تعد أحلام الأنياب و الدماء و الموت المزعجة توقظها من نومها صارخة , لكن الذعر لا زال يتملكها و هى تسير فوق الرمال
شدت على فكها و خاضت الماء إلى أن أصبحت على بعد خطوة واحدة من الحدود ما بين المياه البيضاء و تلك العميقة.
لقد قال لها :"أسبحى من أجلى...غوصى عبر ذلك الجدار الأزرق...."
أخذت نفساً عميقاً و غطست إلى الأسفل, وتوغلت و عيناها مفتوحتان فى قلب الماء الأزرق... و ما أن اخترقت الجدار حتى لبثت دون حراك امام توهج الألوان و أملت أن يغمرها مد المياه مجدداً.
شئ ما تحطم فى داخلها فصعدت إلى سطح الماء و هى تبكى...بهرتها الشمس و المياه و أدركت أنها على الأقل خطت خطوة نحو الحياة و إن كانت هذه الأخيرة قد تبدلت.




زهرة منسية 09-03-13 03:34 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
8 – أحتاج نهاية

ضرب بل فين الشهير بأفلامه الوثائقية عن الحياة البرية بقبضته على ذراع مقعده و قال :
ــ لانث....إنها فرصة العمر...لم تخضع البحيرة المركزية فى أليريا لفحص علمى من قبل.... و الآن بعد أن حصلنا على الإذن لا يمكنك أن تقفى هنا متجهمة الوجهة دون سبب و تقولى إنك لا تريدين الذهاب!
مات صوت لانث فى حنجرتها و ابتلعت ريقها لتسأل بخشونة :"و هل أتصل بك؟"
ــ مـــــــــــــن ؟
ملأ طعم الغبار اللاذع فم لانث و سمرت نظرها على بلدة روسل الصغيرة الممتدة أمامها حتى الشاطئ ثم قالت على مضض :"الأمير"
ــ أى امير؟ أليكس كونسيدين؟ لا...و لِمَ سيتصل؟ إنه مشغول جداً و لن يزعج نفسه ببرامج تلفزيونية... نحن مجرد وحدة إنتاج وثائقية متواضعة....متواضعة جداً و لسنا بالضرورة ضمن خططه, و حتى قبل أن يتبين أنه الأمير المفقود ما كان ليمترث لأمرنا.
كبحت لانث رداً ثائراً....فـ أليكس ليس متكبراً .
خنقت كلمات بيل الأمل فى مهده....فشربت ما تبقى فى فنجانها من القهوة حتى تهدأ أعصابها ثم سألت و هى تمد ساقها:
ــ لِمَ أخترتنى انا؟ ندبة الجرح تحسن مظهرها لكنها لازالت موجودة .
لم ينظر إلى ساقها بل قال:"أنت المرأة الدلفين....و قلة من الناس تعرف عنها مثلك ...كما إنك أفضل مظهر من اى شخص آخر"
ابتسمت ساخرة و ردت :
ــ يبدو لى هذا كلام بيل الذى أعرفه و احبه.... لكن مستحيل... فقد وجدت الممول المناسب لأبحاثى . و بدأت أخيراً أرى النتائج و لا أريد الذهاب إلى أليريا.
ها قد نطقت بالكلمة و تردد صداها فى رأسها , باردة و مؤلمة....فالتقطت أنفاسها و أكملت :"لابد من وجود شخص آخر تستطيع استخدامه"
قطب المنتج و قال:"هيا يا لانث يمكنك أن تجدى طالباً يحضر للتخرج ليكمل عنك عملك هنا و لن نغيب أكثر من شهرين... بل أربعة أسابيع إذا سارت الأمور على ما يرام....سيكون عملاً هاماً فعلاً , فلم تُجرَ أى دراسة على تلك الدلافين...أعنى أى دراسة علمية....سنكسب جائزة ( وايلد سكرين) مرة أخرى بفضل هذه السلسة حدسى ينبئنى بذلك "
قالت لانث بخفة و هى ىتهز رأسها آسفة... لماذا لا تدع الدلافين تتحدث عن نفسها دون تتدخل البشر؟"
مال إلى الخلف ثم قال عابساً:"لأنك تملكين صلة روحية معها....هذا هو السبب فهى تأتى غليك حين تناديها."
تجاهل تعليقها المرح المدهوش و تابع :"اللعنة لانث .... لماذا أنت عنيدة هكذا؟ هل ألتهم القرش عقلك ايضاً؟ أليريا مجال جديد لنا"
تمتمت:"إنها مياه جديدة فى الواقع"
ضحك و استرخى بشكل ظاهر معلقاً :
ــ وأى مياه! بحيرة بطول خمسين ميلاً و عرض عشرين, مليئة بالدلافين المياه العذبة..اللعنة ...و لا أحد يعرف عددها.
أوهـ .... بيل يعرفها جيداً...و ودت لانث أن ترى هذه الدلافين بدورها...لكنها لا تستطيع الذهاب لا شك أن أليكس أعطى الإذن لفريق التصوير لإقتناعه بإنها لم تعد على علاقة به....ولو ظهرت هناك لظنها تلاحقه....وجعلت هذه الفكرة عظامها ترتجف.
أشارت إلى المياه الهادئة و قالت:
ــ بيل... لدى من العمل ما قد يشغلنى لسنوات و أنا أحب هذا المكان الناس رائعون هنا و الدلافين متعاونة بشكل ملفت.
لمعت عيناه السوداوان و هو يجيب:
ــ اسمعى...هذه فرصة لنثبت أن جائزة(وايلد سكرين) لم تكن زائفة, ونيوزيلندا ذات سمعة مشرفة فى عالم الحياة البرية. لكن أن استطعنا النجاح فى هذه السلسة سنصل إلى النجوم.
وقفت لانث على قدميها و تقدمت نحو السياج. لقد أجرت جراحة تجميلية لساقها فأختفى أثر الندبة كما خف عرجها و ان كانت لن تسير بشكل سليم مجدداً.
على اى حال العرج لا يهم فى الماء...و لم تعد المياه ترعباه إذ تغلب شعورها بالبؤس بعد رحيل أليكس على مخاوفها كلها.
منتديات ليلاس
بعد تتوج اليكس بفترة قصيرة اتصلت بها مؤسسة و عرضت عليها تمويل عملها فى خليج الجزر و قبلت العرض دون تردد فقد أنقذها....أنقذها من أفكارها و آلامها و احزانها فكسبت المعركة و أحست بما يشبه السلام الداخلى.
و الآن...و بعد مضى أثنى عشر شهراً بدد بيل ذلك الهدوء الصعب.
ــ أنا حقاً لا.....
ــ لانث....لا ترفضى فوراً فكرى فى الأمر قليلاً.
كان يعتبرها مجنونة لرفضها و بطريقة ما كانت كذلك.
استدارت و قالت :" حسناً جداً... سأفكر فى الأمر"
ابتسم ساخراًو أجاب:" دعينى أعرف ردك غداً و أنسى ما قلته لك....ما من أحد لا يستغنى عنه"
فابتسمت و علقت:"أعرف ذلك"
ــ لكن من المؤسف أن نخسرك....ولا تقصى شعرك!
دفعت لانث خصلات شعرها إلى الخلف بارتباك و قالت:"انا لم أوافق بعد"
لوحت لـ بيل مودعة و توجهت إلى المنول الذى استأجرته لمدة سنة . منزل ريفى صغير قديم لكنه رخيص و هكذا استثمرت المال فى شراء كمبيوتر جهاز يعمل على البرامج التى ينتجها أليكس.
و عادت إلى خاطرها ذكريات تقليدية أشيئت فيها الشموع.
خلال السنة المنصرمة حاولت أن تتجاهل وجود أليريا و لم يكن الأمر صعباً للغاية فمنذ عودة الأمير المذهلة لم يرد ذكر الدولة فى وسائل الإعلام لكنها عرفت أنه بدأ بخطوات إصلاحية.
و لقد تجاوزته الآن و مهما كان ما شعرت به فهو مجرد غرام عطلة , زاد الإحباط من قوته و رسخه فى ذاكرتها .
و فكرت بقلق....جاء أليكس إلى هنا ليتخذ قراراً و أدرك أن لا مكان لها فى حياته الجديدة و بسبب إحساسه بالمسؤولية رفضها رغم من حبها الجلى له.
لابد أنها ستشكره على هذا فى يوم ما .
لعلها تحتاج إلى وداع رمزى يجب قلبها المشتاق على تقبل النهايةو يحررها من ذكراه التى لا تزال تسيطر عليها . فقدر أليكس مخطط من قبل أن يولد و لا مستقبل لهما معاً.
مررت إصابعها بخفة على لوحة مفاتيح الكومبيوتر...من السخف أن تعتبر برامج الكومبيوتر صلة وصل بينهما. لكن هذه الفكرة استحوذت على عقلها .
هل يجب أن تذهب إلى أليريا ؟
لن تذهب إن كان هناك أدنى فرصة لمصادفته مرة أخرى... لكنه مشغول بحكم بلده و لن يزعج نفسه بمنتجى أفلام متجولين.
و ستكون هذه الخاتمة...قد لا تراه , لكنها سترى البلاد التى حضنت سلالته و الشعب الذى يجرى دمه فى عروقه و الحضارة التى أعطته القوة...
رحلة إلى أليريا قد تؤلمها لكن الألم سيكون مختلفاً...ألم يُشفيها أخيراً من البؤس الذى لا زال يتملكها.
أجل....ستذهب

منتديات ليلاســـ


زهرة منسية 09-03-13 03:39 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 

بعد ستة أسابيع و قبيل منتصف الليل كانت تقف بارتباك إلى جانب حقيبتها فى قاعة وصول أحد المطارات بعيداً عن موطنها تنظر حولها علها ترى وجهاً مألوفاً.
ضغط الناس...البعض ينتظر و البعض الآخر فى عناق محموم , الدموع , الضحك و الأصوات المرتفعة كل هذا أرهقها . نظرت حولها مجدداً ترمش بعينيها . تجالها معظم الناس لكن نظرات أولئك الذين لاحظوها , جعلها تستنتج أن الشعر الأشقر نادر فى أليريا.
لم يظهر أى فرد من أفراد الطاقم شعرت و كأنها ضيف غير مرغوب فيه فانتظرت و الحقائب قرب قدميها, إلى ان استقبل الجميع زوارهم و غابت الأحاديث من حولها.
و أنبت نفسها...تماسكى....فالطاقم يقيم فى دار الضيافة فى المدينة .وفتشت فى حقيبة يدها عن دفتر الملاحظات و قلبت الصفحة التى وصلت إلى حيث سجلت العنوان ستستقل سيارة أجرة و ستحل المشكلة.
وفى الخارج ترددت.... فجأة خرج رجل طويل القامة يرتدى زياً رسمياً من سيارة ليموزين و تقدم نحوها و أخذ منها حقيبتها فهتفت بصوت منخفض و قد تملكها الرعب :"لا بأس...شكراً لك"
بدا أنه لا يفهم الإنكليزية لكنه ابتسم و وضع حقائبها فى الصندوق و أشار إليها لتصعد فى المقعد الخلفى.
كانت رائحة السجائر تفوح من السيارة...فتراجعت إى الوراء و هى تدعك أنفها... قريباً جداً ستتمكن من الاستحمام و سترتمى على الفراش لتنام على الأقل لاثنتى عشر ساعة.
اجتازت السيارة منطقة ريفية مظلظمة قبل أن تدخل المدينة وراحت لانث تتأمل أنوار الشوارع التى أنتهت أخيراً أمام جدار ضخم ذى مدخل مقوس . مرت السيارة من تحته و تجاوزت الحراس.
و أدركت مذهولة أن دار الضيافة جزء من قصر. ثم استدارت السيارة و ابتعدت عن المدخل الرسمى و حاسيه المسلحين.
حين توقفت السيارة قرب باب واسع يحرسه مسلح واحد جلست لانث مستقيمة متصلبة و مصدومة.
هذا ليس قصراً...إنه القصر الرسمى.
أليكس هنا...و بدأت الإثارة التى استعرت فى داخلها منذ قررت المجئ إى اليريا بالظهور و التوهج لتملأها بهجة غامرة مجنونة.
لكنها تنبهت فى ما بعد إلى أنها صعدت إلى السيارة دون أن يناديها أحد باسمها و ها هى الآن تدخل القصر بخضوع برفقة رجل نحيل متزمت خرج ليستقبلها بانجناءة احترام رسمية.
قال و هو يدعوها لصعود السلم المنخفض :"من هنا سيدتى"
سارت لانث إلى جانبه ألياً حتى وصلا إلى مصعد.
غمرها الإرهاق كأنها بطلة رواية من روايات الف ليلة و ليلة .
بعد حين توقف المصعد فعبرا ممراً آخر مفروشاً بسجادة زرقاء و جدرانه مكسوة بألواح خشبية بيضاء و كانت الجدران مزينة بصور الأسلاف فلفتتها عيونهم التى تشبه عينى أليكس شاحبة مذهلة فى وجه أشبه بقسمات الصقر.
قال الرجل:"سيدتى"
كان قد وقف و فتح لها باباً فتجاوزته لانث بامتنان و هى تقول :"شكراً لك"
أقفل الباب وراءه و وجدت نفسها تقف وحيدة تنظر حولها بغباء إلى الأثاث الأنيق المختار لغرفة استقبال تعود إلى القرن الثامن عشر.
ارتجفت لانث و دعكت ذراعيها و قد عجزت عن التفكير .
تقدمت إلى النافذة ومالت إلى الأمام تنظر إلى المدينة....هاهى الجبال و البحيرة....أم أنها تنظر إلى الميناء؟
إذا كان بإمكان شخص ما يدفع هذه الإمارة الفقيرة قدماً يحقق فيها المعجزات فهذا الشخص هو أليكس. و ابتعد عن النافذة متثائبة.
قفز قلبها بين ضلوعها...إذ دخل أليكس من الباب. تردد قليلاً و قد جمدت عيناه اللامعتان و قسا فمه الجميل ليصبح خطاً مشدوداً لكنه تابع طريقه و دخل.
قال :"ماذا تفعلين هنا بحق السماء؟"
تبددت آمالها و قالت بصوت أجش:
ــ أنا.... شخص ما جاء بى من المطار و أنا هنا لأصور أفلاماً وثائقية عن الدلافين مع بيل فين ظننت انك تعرف.
ضاقت عيناه الزرقاوان و هما تتأملان وجهها :"أعرف"
من الواضح انه لا يعرف أنها جزء من الفريق . أدركت أنها تبدو متعبة فقد أفقدتها ثلاثون ساعة من الطيران أناقتها و نشاطها.
عدلت من وقفتها و قالت بلهجة حازمة :"حسناً....أنا أعمل معهم من جدد...أين هم؟"
ــ فى دار الضيافة , يبدو أن هناك التباس...لكن لا تقلقى...بإمكانك أن تقضى الليل هنا.
ــ لا....فأنا أفضل....أعنى... لا بد أن مكانهم ليس بعيداً.
ــ لا يتوقعون وصولك الآن, و الوقت متأخر و انت مرهقة.
و شد حبل جرس طويل.
و دخل شاب أسمر و كأنما كان ينتظر استدعاءه و تكلم أليكس معه فانحنى الخادم . بعد ذلك قال أليكس بالإنكليزية :"سيأخذك إلى إحدى الغرف و يؤمن لك خادمة"
فردت بسرعة :"ليست بحاجة إلى خادمة"
ضاقت العينان الباردتان و قال بكياسة:
ــ بل تحتاجينها...أنا آسف للإرباك و أرجو أن تنامى جيداً الليلة. صباح الغد و حين تصبحين مستعدة سيرافقونك إلى دار الضيافة.
هزت لانث رأسها و قالت :"عمت مساء"
لم تلن نظرته و هو يقول :"عمت مساء"
لحقت بالخادم إلى غرفة أخرى و ما إن انسحب حتى دخلت امرأة متوسطة العمر حادة الوجه سوداء الشعر ساعدت لانث على ترتيب اغراضها.
وبعد أن استحمت خلدت لانث إلى الفراش و استسلمت لسلطان النوم بسرعة لفرط إرهاقها .
و بعد حين استيقظت فجأة و كأنما تلقت صفعة لتخرج من لا وعيها.... تملكها ذعر غير منطقى دفعها من السرير نحو النافذة فتحت الستارة و نظرت إلى الفناء الأمامى المعتم . و فيما هى تتأمل الظلمة المخيمة خرج رجل من المبنى.
و انقبض قلبها....إنه أليكس.... صعد إلى السيارة التى غادرت فناء القصر و شقت طريقها نحو المدينة المظلمة.
حزن عظيم لا حدود له اعتصر قلبها و راحت تبكى بصمت و تشكى حزنها لسماء غريبة عنها .
أخيراً استدارت مبتعدة و هى تتألم من ضغط الدموع التى تذرفها و التى كانت تحرق عينيها . غداً سترحل من هنا و سترتمى فى أحضان العمل مع منتديات ليلاس فريق ألفته و اعتدات عليه .
مع ذلك و هى مع أليكس لم يكن ذاك الأمان و الألفة يعنيان لها شيئاً. للحظة و إلى أن لاحظت ارتعابه لرؤيتها كادت تصدق أنه لو أحبها لتخلت عن عالمها بكل سرور لتصبح جزء من عالمه
لكنه لم يحتمل البقاء فى القصر معها !
عادت لانث إلى السرير و استقبلت نعمة الغيبوبة دون نوم.... غفت لفترات قصيرة و أصغت إلى أصوات المكان المجهول و هى تتعلم المعنى الحقيقى للوحدة.
على أليكس أن يتبع قدره و هى كذلك...منذ التقيا, و أوضح لها أن لا مستقبل لهما معاً . ربما , لو لم يكن الأمير المفقود...لكن لا....هذا مستحيل. المشكلة تكمن فيها فهى ما كانت لتتناسب مع عالم الأثرياء
و لأول مرة اعترفت لانث لاأم ما أحست به بعد أن تركها كان حزناً على أمر لم يكن موجوداً أبداً. فأحست أنها غبية....ككرأة مسكينة....لن تسمح لنفسها بأن تأمل أنه نظم هذه البعثة ليتمكن من رؤيتها مرة أخرى...
لأنها و بهذه الطريقة تعزز الهوس الخطير المعذب.
لو شاء لكتب إليها بدلاً من يتجاهل وجودها طوال سنة كاملة .
و استيقظت متأخرة و هى تشعر بتعب أكبر مما كانت عليه قبل أن تنام. وحيتها خادمة تحمل صينية كان برفقتها امرأة أخرى متوسطة العمر أنيقة نحيلة ترتدى ثياباً عصرية و جلست لانث فى السرير مستقيمة.
قالت المرأة مبتسمة:
ــ مرحبا.... أنا سيرينا كونسيدين والدة اليكس و أنت لانث براون.طلب منى أليكس أن أقابلك لأننى أتكلم الإنكليزية . أهلاً بك فى أليريا . ليولا أحضرت لك الفطور...بعد ان تتناوليه و تنهضى من السرير سأوصلك إلى فريق التصوير الموجود فى دار الضيافة.
سألت لانث ببطء:"و كيف وصلت إلى هنا بحق السماء؟"
فردت و الدة اليكس مبتسمة:
ــ أوهـ...إنها غلطة سخيفة! لا تقلقى بشأنها لسوء الحظ لن يكون الأمير هنا هذا الصباح لكنه طلب منى أن أقول لك إنه سر باستضافتك و إنه يأمل أن تكونى قد نمت جيداً.
كانت ابتسامة لانث مصطنعة و بالرغم من أن صوتها كان أجشاً إثر النوم إلا أنه لم يرتجف حين ردت:"شكراً لك....لن أتأخر"
أحنت المرأة رأسها و ابتسمت مرة أخرى . هذه المرة بدفء أكبر... ووقفت تراقب ليولا و هى تضع الصينية بحذر على ركبتى لانث.
قالت سيرينا كونسيدين :"
ــ إذا احتجت إلى اى شئ أقرعى الجرس لاستدعاء ليولا . إنها الساعة التاسعة لذا سأنتزرك فى العاشرة و نصف لآخذك إلى دار الضيافة.
ــ شكراً لك.
و أملت لانث ألا تكون تعابير وجهها قد فضحت أساها.
أدركت أنها لن ترى اليكس مجدداً لذا فمن الأفضل لها أن تخرج من القصر, وتنفذ العمل الذى جاءت من أجله ثم تعود إلى ديارها و تنساه.
و حين تعود إلى نيوزيلاندا سيتسنى لها الوقت لتتمنى لو أنها لم تقابل أليكس أبداً , أما فكرة ألا تكون قد عرفته فهذا ما لا تحتمل التفكير به.
لقد تعلم قلبها المشاكس أن يحبه و هو يعلم أنه حبه لا فائدة منه.
و فتحت رغيف الخبز المستدير كان طعمه كالرماد فى فمها لكنها أجبرت نفسها على مضغه و ابتلاعه , شربت القهوة اللذيذة . إن بقيت تفكر فى السنوات الحالكة التى تنتظرها فستجن....لهذا ستصر على أسنانها و تعيش كل يوم بيومه .
منتديات ليلاس
استقبلها أعضاء الفريق بمحبة و راحوا يمازحونها حول ما أصروا على أنه توق منها إلى المركز الملكى .
قالت تحتج و هم يرافقونها إلى غرفة اجتماعات صغيرة تتوسطها طاولة كبيرة :
ــ ظننتكم ستستقبلونى فى المطار
صب لها أحدهما فنجان قهوة و دفعه إليها و هى تجلس .
و قال بيل :"كنا سنفعل لو جئت علىالرحلة التى قلت إنك ستصلين على متنها, اى الليلة"
ــ كانت هذه الخطة الأصلية لكن الطائرة حطت فى مكان ما و لم استطيع الحصول على مقعد من لندن اليوم لذا اضطررت إلى المجئ قبل اليوم المحدد لكننى ارسلت رسالة بالفكس لأبلغكم بالتغيير.
قال بيل بمرح :"لم تصل...و لا تقلقى يا عزيزتى....نعرف كم أنت كفؤة لهذا حصلت على ليلة فى قصر الأمير"
أخفت مشاعرها الجياشة بسؤال:"إذن متى سنغادر إلى المخيم؟"
ــ لن نضطر للتخييم هذه المرة . فإن أضان الجلالة تنتظرنا كوخ للصيد على شاطئ البحيرة مع خدم وكل التسهيلات المتاحة للأمير . سنرحل غداً باكراً و إن سهرنا حتى وقت متأخر بسبب حفل الاستقبال.
ــ أى حفل استقبال؟
رفع حاجبيه استغرباً للسؤال الحاد و قال :
ــ حفل استقبال الأمير...الليلة و بالثياب الرسمية . لكن قبل ذلك سنعقد اجتماعاً لبحث التفاصيل ثم نفترق ليقوم كل منا بمهمة مختلفة....أنت مثلاً لديك موعد فى المتحف.
ــ عظيم.
لكن الرعب تملكها فأخذت نفساً عميقاً و حاولت إظهار الحماسة التى كان يتوقعها.
سألت بتوتر :"أى نوع من حفلات الاستقبال ؟ أريد أن أعرف أى ملابس أرتدى؟"
بدا بيل نافد الصبر
ــ أوهــ....الشئ المعتاد.... يقول الأمير إنه حفل رسمى... كما انك تبدين رائعة مهما ارتديت لذا ستكونين على ما يرام حركى أهدابك و أتركى شعرك منسدلاً فالسكان هنا يحبون الشقراوات
تملكها التوتر و القلق لكنها قالت ببرودة :
ــ هذا أمر معقول و إن كنت أعتقد أن لا أحد سيشك بنوايانا
ــ حسناً...هناك أسطورة مرتبطة بالدلافين و هى شعار الأسرة المالكة....و الشعب قلق عليها بعض الشئ.
أشار برأسه إلى شعار فوق الباب بدا طلاءه الذهبى جديداً. أمواج زرقاء تحمل ثلاثة دلافين ذهبية أحدها ينفخ فى بوق و الآخر يمسك برمح و الثالث يحمل حوورية بحر.
قال :"يجب أن نقنع الجميع بأننا لا ننوى أذيتها و هذا هو الأمر الوحيد المزعج....أتعرفين....كل شئ سار على ما يرام حتى الآن بحيث كاد الأمر يقلقنى"
و تمكنت من رفع فنجان قهوتها إلى شفتيها أثناء الحديث ففكرة رؤية أليكس مجدداً و على الفور أثارتها بشكل لا يحتمل و رمت قلبها بحر من اليأس
أمامها النهار بأكمله لتعزز دفاعها و ستتمكن من ذلك ستلقاه مجدداً و تبتسم و كأن شيئاً لم يكن . لقد ألتقيا يوماً ليس كأمير مليونير و مقدمة برامج تلفزيونية علمية بل كشخصين انجذب أحدهما إلى الآخر....هذا كل شئ.
صاح بيل معلقاً:"هاى...لا تنامى الآن! لديك عمل تقومين به , دفع المسؤول عنا المتحف الوطنى إلى جمع كافة الأثار الأدبية المتوفرة عن الدلافين و ستحتاجين إلى كترجم و سيكون يومك طويلاً و شاقاً...هل تريدين المزيد من القهوة؟"
ــ لا....شكراً . لقد درست الآثار الأدبية العلمية.
ــ بالطبع درستها. لكن هذه تتعلق أكثر بالحضارة و التقاليد.
و تذكرت تلك الأحتفالات الغريبة المحموة فى الكاتدرائية
فقالت ببطء :"كان الجميع متعاوناً؟"
ــ أجل....و هذا ما يجعل المكان مختلفاً عن بعض الأمكنة التى زرناها . آهـ ....حسناً....هيا الآن إلى العمل...سيكون يوماً شاقاً


زهرة منسية 09-03-13 03:44 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
9 – ماذا يخفى الليل ؟

كان بيل على حق....أمضت نهارها مع أناس متشوقين للمساعدة, بحيث أرهقوها...و أذهلها كم أن الدلافين فى أليريا مرتبطة بالفن الشعبى و أساطيره بشكل حميم و معقد...و فى ظل ظروف مختلفة كانت لانث لتستمتع بكل لحظة من وقتها .
لكن كان من الصعب عليها أن تركز و الناس متجمعة من حولها.
و بينما السيارة تتحرك صعوداً عائدة من المتحف إلى دار الضيافة, طرحت لانث سؤال أو أثنين عن الحياة فى أليريا تحت الحكم السابق فأجابت غراسيلا المترجمة و هى امرأة فى أوائل الثلاثين من عمرها على الأسئلة بلهفة طبيعية
ــ أوهـ ....الأمر مختلف الآن! كانت الحالة من قبل ضبابية...حياتنا كانت منظمة و مرسومة....و حين انهارت الشيوعية مرت بنا ثلاث سنوات رهيبة لكن أميرنا عاد و عاد عالمنا إلى الدوران بشكل طبيعى .
قالت لانث :"لابد أنه يجد صعوبة فى حكم بلد لا يعرف عنه سوى القليل"
هزت غراسيلا رأسها بقوة و ردت:
ــ لقد عاش هنا حتى بلغ العاشرة من عمره و هذه هى أهم سنوات الطفولة لذا فهو يعرفنا جيداً!
ــ و لِمَ فعل الحكم السابق هذا؟ و هل عاقبهم الحكم الجديد؟
ــ أوهـ لا ! ما كانوا يعرفون أن الأمير و زوجته فى أليريا لقد اختار الأمير إيفان أن يبقى معنا بدلاً من أن يهرب و نظم مقاومة سرية , و قد لجأ العديد من أنصار النظام إلى الجبال فى إيطاليا مع الأمير و قد أحبه الناس و حموه مع زوجته و أبنه حين ولد.
قالت لانث ببطء :"لا بد أنه كان رجلاً شجاعاً"
ــ أمراؤنا شجعان دائماً ! لكن حين أصبح الأمير أليكسى فى العاشرة خانهم شخص ما. فضحى الأمير إيفان بحياته لإنقاذ زوجته و أبنه. و هربا عبر الجبال فى برد الشتاء و شقا طريقهما سراً إلى أوستراليا حيث ظن الجميع أنهما إيطاليان و عاشا فى بلدة صغيرة فى أوستراليا إلى أن ألتحق بالجامعة ثم أصبح خبير كومبيوتر و جنى الكثير من المال و هو يستخدمه الآن لمساعدتنا . لكنه كان يعرف حقيقة هويته على الدوام و لأنه رجل أعمال ناجح جداً فهو يعرف كيف يحكم الناس....و لأنه أميرنا فالناس تثق به.
أنهت كلامها ضاحكة :
ــ و لأنه وسيم جداً نحبه كلنا و بالرغم من أن الوقت حان ليتزوج و نريده أن يكون سعيداً إلا أننا ننظر إلى المرشحات بعين الارتياب وحدها الأفضل تناسب أميرنا.
سألت لانث :"كم مرشحة هناك؟"
ــ هناك فتاة أرستقراطية جميلة جداً من إنجلترا قد تكون جيدة...وأخرى فرنسية أنيقة جداً لكننا سمعنا شائعات عن أخريات... نجمة سينما أو أثنتين , مضيفة طيران....
ابتسمت لانث ابتسامة مرغمة و قالت :
ــ أعتقد ان أى زوجة محتملة يجب أن تكون أرستقراطية .
هزت المترجمة كتفيها و ردت:"لعل هذا أفضل,لأنهن اعتدن على نمط الحياة هذا...لكن بالنسبة لى أنا لا أهتم آمل فقط أن يكون سعيداً و يرزق بالأولاد و يبقى معنا"
دخلت السيارة فى الفناء الأمامى لدار الضيافة فاستدارت المترجمة نحو لانث لتقول لها:
ــ كان هذا اليوم مثيراً للاهتمام و أتمنى كل الحظ لك و لفيلمك . متى سيكون جاهزاً لنراه؟
ــ ليس قبل سنة على الأقل.
حين سيعرض الفيلم على التلفزيون هنا ستكون قد عادت إلى نيوزيلاندا مع حفنة من الذكريات....ذكريات قليلة حزينة لحب غير مرغوب فيه.
و قبل أن تستسلم للكآبة راحت تشكر غراسيلا. فردت بإيماءة سريعة:
ــ هذا من دواعى سرورى لقد تمتعت بيومى, و الآن هل حفظت الجمل بشكل صحيح ؟ كرريها لنرى.
فى وقت سابق من ذلك النهار طلبت لانث منها أن تعلمها الجمل المتداولة المفيدة كالتحية و الرجاء و الشكر و الوداع , أنت لطيف جداً.
كتبت لها غراسيلا الجمل و تدربت لانث عليها من وقت لآخر... و راحت تكررها و هى تقطب قليلاً و تبذل الجهد لإخراج الكلمات باللكنة الصحيحة.
منتديات ليلاس
قالت المترجمة بحرارة :"ممتاز ! اللغة أليرية ليست صعبة على من يريد أن يتعلمها لأنها لغة رومانسية..."
عندها فتح السائق الباب فقالت لانث بالأليرية و هى تخرج:
ــ شكراً لك....و ليباركك الله أنت و اولادك.
صفقت غراسيلا بيديها قائلة :"جيد جداً !"
و ابتعدت بها السيارة
استدارت لانث لترى الحارث الذى سارع لملاقاتها مبتسماً فقالت بالأليرية :"شكراً لك"
و دخلت دار الضيافة لتستعد لحفل الاستقبال .

منتديات ليلاســـ



زهرة منسية 09-03-13 03:49 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 

و بعد ساعات من الاستعداد نظرت إلى المرآة . دخلت خادمة شابة لتسألها عما إذا كانت بحاجة للمساعدة و مع أن لانث رفضت إلا أن المرأة بقيت لترتب الغرفة بهدوء و لم تشعر لانث بالارتباك لوجودها و هى تجفف شعرها و تتبرج
حين أخرجت بذلتها العسلية اللون دخلت الخادمة إلى الحمام و لم تخرج منه إلا بعد أن ارتدت لانث التنورة و القميص بألوانهما المتماوجة ما بين الذهبى و البرونزى.
ردت لانث دون مرح على ابتسامة المرأة المقيمة . كانت متوترة جداً و شعرت وكأن أعصابها مشدودة تتأرجح كأسلاك فى مهب الريح. فبعد عشر دقائق سترى أليكس مجدداً.
وضعت لانث لمسات من عطرها المفضل على معصميها و وراء أذنيها و انتعلت حذاء برونزى اللون بكعبين منخفضين تمنت بغباء لو أنها تستطيع ارتداء كعبين عاليين و تمنت لو أنها لا تعرج....ثم اختارت حقيبة مناسبة أنما لونها أشد قتامة.
و علقت الخادمة بالأليرية ثم أضافت مبتسمة :"أنيق!"
فردت لانث بالأليرية :"شكراً لك"
تهلل وجه المرأة و قالت شيئاً آخر بلغتها لكنها ضحكت حين هزت لانث رأسها و قالت :"لا...أنا آسفة , هذا كل ما أعرفه بلغتكم"
هزت المرأة رأسها و هى لا تزال تبتسم و فتحت لها الباب .
بدا جلياً أن الخدم هنا مخصصون لدار الضيافة... فبالرغم من الفخامة لاشك أن المكان هنا مخصص للزوار الأقل شأناً أما الضيوف المهمون فيقيمون على الأرجح فى القصر.
إذن....من أعتقدوها ليلة أمس؟ الأرستقراطية الفرنسية أم الإنكليزية؟
شعرت لانث بالغثيان و نزلت السلالم بظهر مستقيم و قلب يتخبط حيث كان الطاقم ينتظرها.
صفر أحدهم و هى تتقدم نحوهم و قال بيل معلقاً:
ــ أتعرفين...ليس من العدل أن تتمكن النساء من توضيب ملابسهن الجميلة أثناء السفر.
فقالت و هى تحاول إظهار مرحها :"نحن بحاجة لأن نكون مميزات"
قال :"حسن جداً....دعونا نذهب السيارة فى الخارج"
احتجت لانث:"لكن القصر قريب جداً"
ــ أعتقد أنه ليس مناسباً أن نسير....أنها الأصول كما تعلمين.
وهكذا مرت بهم السيارة من تحت المدخل المقوس قبل أن تدخل إلى المدخل الرسمى.
فى الداخل اشتمت لانث رائحة...لم تكن رائحة عفنة أو كريهة...لكن قديمة. و مع ارتفاع المصعد ببطء إلى الأعلى نظرت أمامها مباشرة وقد عجزت عن التركيز على الجو من حولها...لا تستغرب أن يتأقلم أليكس مع هذه القلعة القديمة, مثلما كان متناغماً مع ذلك المنزل الأنيق العصرى قرب البحيرة... فلابد أن ثقته الراسخة بنفسه تسانده فى أى موقف أو موقع ليلاس.
أبقت رأسها مرفوعاً بكبرياء بالرغم من أن الخوف و الترقب وصلا إلى الذروة , إلا أنها بقيت حذرة و متنبهة و هى تسير بثبات إلى جانب بيل .
لحقت بالخادم الذى يرتدى بذة رسمية عبر باب يفضى إلى قاعة استقبال
وعلى الفور لفتتها الألوان..الأحمر القانى العميق , الأبيض المحارى الصارخ و بعض الزخرفات الذهبية و أثاث فرنسى و لوحات شخصية على الجدار تتخللها لوحات مناظر طبيعية.
تقدم أليكس ليستقبلهم و قدم نفسه بطريقة لطيفة و بالرغم من ابتسامته بقيت عيناه باردتين كالجليد و استحالت قراءة مشاعره .
قال و هو يصافحها و كأنهما غريبان:
ــ أهلاً بك فى القصر مجدداً . وأنا آسف لأننى لم أكن هنا هذا الصباح لألقى عليكى التحية....لكن أرجو أن تكونى قد قضيت ليلة جيدة و ان تكون الترتيبات قد نجحت هذه المرة.
قالت:"لقد كانت ناجحة....شكراً لك سيدى"
و تراجعت إلى الوراء ليقدم له بيل بقية الطاقم.
كانت تعتقد أن لقاء أليكس سيكون أسوأ ما سيمر بها...لكنها أخطأت. فقد كانت والدة أليكس برفقة امرأة شقراء الشعر تبين أنها أبنة دوق إنكليزى و أدركت لانث على الفور أنها المرأة التى أعتقدوا أنها هى زهرة منسية
كانت اللايدى صوفيا جميلة على الطريقة الإنكليزية الباردة و بدا أنها تمت بصلة للأسرة المالكة . و كانت لانث لترتاح لو تمكنت من كره هذه المرأة لكن هذا مستحيلاً.
و اكتشفت لانث الغيرة اللاذعة لهذا تنبهت لتصرفها فابتسمت كثيراً , شرحت للحضور عملها مع طاقم الفيلم . ومع تزايد الضيوف فى القاعة نظرت حولها لترى أن الفريق مشغول بالتودد إلى الناس و عقد الصدقات,وهذا جزء من عملهم فلا أحد يعرف متى يحتاجون إلى من يمهد الطريق لهم....كما أن هذا يحرك الاهتمام العام و هذا أمر جيد.
كانت لانث تمثل التألق بالنسبة لهم بحسب بحسب قول بيل, لأنها المرأة الوحيدة فى الطاقم.
و أخذت تراقب بيل و هو يبتسم لعينى امرأة فى أواسط العمر و أحست أنها رخيصة و وضيعة بعض الشئ.
و فكرت بسخرية :"هذا أفضل من الكراهية الجامحة التى تشعر بها حين تفكر بـ أليكس مع امرأة أخرى إذ يلوح وراء هذه الغيرة ألم شديد و أكثر بدائية...إنه عذاب الخسارة و الحرمان الإحساس بالخيانة و النقص و كأن شيئاً انتزع منها"
غبية...كل هذا حصل حين وقع نظرها للمرة الأولى على أليكس , منذ أكثر من سنة . لقد غيرتها هذه النظرة بشكل جذرى و بدأت تشك فى أنها ستتمكن من أن تتغير مرة أخرى.
ــ هل أستقر بك المقام؟
حتى صوته دوى فى داخلها بقوة....فقالت:"أجل, شكراً لك يا سيدى"
و استدارت ببطء كى تستعيد سيطرتها على تعابير وجهها و على عينيها و تسارعت دقات قلبها . تدفق الدم بقوة فى شرايينها لمجرد أنها فى الغرفة نفسها معه.
تأملها أليكس بعينين باردتين و بدت ملامحه الأرستقراطية النحيلة قاسية...و قال:"لا تستخدمى كلمة سيدى"
ــ أعتقد أن هذا هو البروتوكول.
لمعت عيناه و ارتسم طيف ابتسامة على شفتيه:"أنت إستفزازية"
ــ آسفة
أخفض رموشه ليخفى نظرة فاتنة أذابت أوصالها و قال:
ــ لا تأسفى...أنا معجب بجرأتك.... لكن ليس هذا المكان و لا الزمان المناسبين
و قبل أن تتاح لها فرصة للرد أكمل:"و أنا آسف على الخطأ الذى حصل ليلة أمس"
كان بإمكانها أن تبتسم لكن الابتسام آلمها و حركة فمها المصطنعة كانت دون معنى.
ــ أوهـ....فهمت أن السائق خلط بينى و بين اللايدى صوفيا...و أرجو ألا تكون قد وصلت و لم تجد من ينتظرها.
ــ تمكنت من تدبير أمرها بنفسها....لم تصل رسالتها التى تبلغنا فيها أنها لن تصل حتى صباح اليوم.
ــ إذن كل شئ على ما يرام.
ابتسم ساخراً:"أرجو ذلك"
فقالت باندفاع و عناد متهور :"يؤسفنى أن يكون وجودى نا قد دفعك للخروج من القصر ليلة أمس....و لم تكن بحاجة للخروج...أو لاستبقائى هنا , بما أن دار الضيافة خارج أسوار القصر مباشرة"
قال ببرودة:"بدا عليك و كأنك ستقعين أرضاً و كان من الأفضل أن تبقى هنا . أما بالنسبة لخروجى....فكان ضرورياً....فإن علم أحد بأننى أمنضيت الليل معك فى القصر لافترض الجميع أنك عشيقتى, صدقينى"
زحف الاحمرار إلى بشرتها بقوة و أرادت ان تسأله: و ماذا عن اللايدى صوفيا الجميلة؟ أين تقيم ؟ ام أن كونها ارستقراطية و مرشحة للزواج يضع حداً و بشكل آلى لأى شائعات؟
لكنها قالت بشئ من الحدة :
ــ إذن الحياة هنا أشبه بالعيش فى وعاء للسمك الذهبى؟
فقال بصوت حريرى:"أجل....كما قلت تماماً"
ــ و كيف تستطيع أن تتحمل؟
هز كتفيه و بقى وجهه متحفظاً:
ــ حين قررت العودة لم أكن أدرك أن اول خطوة لهم ستكون اختطافى من المطار و تتوجى.
ردت بذهول و بسرعة:"أعرف"
ــ كنت أظن فعلاً أننى سأحضر لأرسى السلام ثم أعود إلى عالمى... و مع ذلك فإن قرارى بالعودة كان صعباً جداً إذ كانت حياتى مرضية جداً....
منتديات ليلاس
و تحولت ابتسامته إلى ابتسامة متحفظة ساخرة بامتياز :
ــ ....و العودة إلى أليريا كان آخر ما أريد ... خاصة و أنى لم أتمكن من أن أشرح لك ما أحاول أن أفعله.
ــ لابد اننى كنت مزعجة!
شد على فكه و هو ينظر من فوقها و قال بأدب:"أبداً"
أدارت لانث رأسها قليلاً لترى أنه كان ينظر إلى اللايدى صوفيا الجميلة الفاتنة....و كاد الغضب الجامح يتفجر ليفضح أمرها لكنها كبحته :"لن أشغلك عن واجباتك... شكراً لك على تسهيل أمورنا كلنا شاكرون لك....و نأمل أن تكون النتيجة منصفة لـ أليريا و كنوزها"
لمعت السخرية فى عينيه القاسيتين و هو يجيب:
ــ أوهـ أنا واثق من ذلك...لم يعد عرجك واضحاً, وأعتقد أن أثر الجرح قد زال كذلك!
ــ لا.... بل سيبقى دائماً , لكن بيل يعتقد أنه غير مهم.
بقيت عيناه على وجهها و قال:
ـت بالطبع لا يهم....فأنت ذكية و قادرة على جعل الأفكار المعقدة سهلة الفهم... كما أنك جميلة بما يكفى لتأسرى عدسة أى آلة تصوير... ماذا فعلت خلال السنة الماضية عدا العملية الجراحية لساقك؟
جف حلقها و تجاوبت مع البسمة الخفيفة الحارقة فى صوته فأبعدت نظرها عنه بيأس.... ماذا يفعل بها بحق السماء... أيعبث بها أمام المرأة التى قد تصبح زوجته؟
لكن من الفظاظة أن تستدير على عاقبيها و تتركه, و إذا أهانته قد تقضى على فرصة تصوير الدلافين.
لا, لن تهبط إلى هذا المستوى .... قالت و هى تستجمع هدوءها و تنظر إليه بتحفظ:
ــ لقد تغلبت على خوفى من الماء.
ــ أدرك ذلك لأنك استعدت عملك.
ــ أوه....لا.... هذا عمل مؤقت لقد عدت إلى خليج الجزر.... فبعد رحيلك تلقيت عرضاً لتمويل أبحاثى لثلاث سنوات هذا إذا كنت حريصة.
عقد حاجبيه السوداوين للحظة و قال :
ــ حقاً...ثلاث سنوات..زو ماذا تحاولن أن تكتشفى حول الدلافين هناك؟
ــ أحاول معرفة علاقة الدلافين بغيرها....و كيف تتصرف كمجتمع.
كان ردها متصلباً لكن حين طرح مزيداً من الأسئلة استرخت قليلاً بالرغم من أنها كانت لاتزال تشعر بأنه تغير... ففى الليلة الماضية بدا بارداً و عدائياً تقريباً... أما الآن فقد عاد كما كان منذ سنة أو أكثر... جذاب رجولى يهتم بها و بأفكارها و بعملها و إن لم يكن كلياً.
و مع ذلك لازال تأثير تلك اللحظة من الترقب المثير حين نظر إلى فمها و اشتعلت عيناه يبعث الرعشة فى أعصابها
كان القدوم إلى أليريا غلطة عمرها و كان يجب أن ترفض فرؤية أليكس مجدداً دفعت بمشاعرها نحو الهاوية و هى تشك فى أن تتمكن من تهدئتها و إسكاتها هذه المرة.
كل صدى, كل تغيير بسيط فى صوته العميق يتردد فى داخلها ليزيد من مأساة احاسيسها و وجدت نفسها تتجاوب مع السحر الذى كان يلطف السلطة الجلية فى صوته و أسرت كلماته أذنيها و أثرت فيها قسماته الجميلة بشكل قوى أوقعها فى شراكه بطريقة سحرية بدائية قديمة , قدم وجود المرأة و الرجل.
للحظة كشف عن انجذاب رجولى لكنه كبته بسرعة لجرأته و تهوره و خرق شوقها إليه دفاعاتها كلها إنما أدركت أن هذا لا يكفيها , فهى تحتاج إلى أكثر.
إنها تريد حبه... و تملكها الذعر....يا الله...ماذا أفعل الآن؟
كانت تحدق إلى رابطة عنقه لكنها رفعت نظرها إلى وجهه بالرغم منها .
توقف عن الكلام و للحظة ظنت أنها كشفت عما فى نفسها... لكن حين ارتفع حاجباه تساؤلاً علمت بارتياح أنه لم يكتشف مكنونات فؤادها .
قال :"إذن...أنت تظنين أن النظام الاجتماعى للدلافين هنا سيكون مشابهاً لما تعرفينه عنها"
ابتسمت لانث ابتسامة مشرقة و أجابت:"يبدو لى هذا منطقياً"
و تقدم نحوهما رجل كان يقف بأدب....فأحنى أليكس رأسه نحوه قليلاً و قال:
ــ أخشى أن أكون مضطراً لتركك الآن, أتمنى لك النجاح فى عملك.
قال بهدوء:"شكراً لك"
و راحت تتأمل....بماذا؟ نظرة أخيرة ؟ ابتسامة مميزة؟ شئ ترضى به قلبها المتلهف ويدل على أنها مميزة لديه؟
لكن هذا لم يحدث...بالطبع.
ارتسمت على شفتيها ابتسامة...ابتسامة مريرة و هى تتجه عبر الجموع إلى الزاوية حيث يقف بيل , الذى نظر إليها , و ابتسم قليلاً ابتسامة ذات معنى و بالرغم من أنها كانت تكره يفترض أنها تحاول إغواء أليكس إلا أن قلبها المتألم تهلل قليلاً

منتديات ليلاســ


زهرة منسية 09-03-13 03:55 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 

و قبيل منتصف الليل فتحت لانث باب غرفة نومها الواسعة فى دار الضيافة و بالرغم من الإسم الرسمى لم يكن حفل الاستقبال رسمياً, لكن أليكس لا يحتاج إلى مثل هذه المظاهر لأن فتنته الطبيعية تغنيه عنها
قالت لنفسها و هى تنظف وجهها و تفرك أسنانها : لقد أنتهى الأسواء فعلاً و ما عليها سوى أن تعمل فى الأسابيع القليلة القادمة لتعود بسرعة إلى نيوز يلاندا و تعتنى بأحلامها المسروقة بسلام.
و مر شريط الذكريات فى ذهنها و كثرت الأفكار و الصور فجافاها النوم...و مع حلول الظلام فوق أليريا مات صوت المدينة و استلقت فى سريرها مفتوحة العينين متململة و قد شوشت عقلها أفكار ما أنفكت تنصب على الموضوع عينه.
أليكس من الأسرة المالكة ثرى و له نفوذ و من المتوقع أن يتزوج زواجاً جيداً...وجود اللايدى صوفيا الارستقراطية التى ترعاها أمه جيداً خير دليل على ذلك.
هل يخطط ليرضى رغباته بغرام سرى؟ هل هذا ما تعنيه تلك النظرة الملتهبة فى عينيه؟ لقد انجذب إليها فى نيوزيلاندا فهل يعتقد أن هذه الفرصة مؤاتية ليكمل ما لم يبدأه؟
أحست بالغثيان لهذه الفكرة التى راودتها و قالت لنفسها:لا...أنت تحملين نظرة واحدة أكثر مما تستحق.
استدارت إلى جانبها و حاولت أن تسترخى فأخذت تعد و تتنفس بعمق إلى أن عاودتها الأفكار المعذبة مجدداً.
لقد أحبت أليكس و هى تحبه الآنو لن تقيم أى علاقة سرية معه لأنها ستفسد حياتها و لن تستطيع إصلاحها فيما بعد.
تركت أخيراً الفراش و سارت نحو النافذة.منذ ألتقت أليكس أمضت ساعات تنظر إلى الخارج..و كانها امرأة سجنها ضعفها فى برج و لزمها بعض الوقت لتكيف ناظريها مع الظلمة....و من فوق الأسوار العالية رأت الأنوار مضاءة فى ثلاث نوافذ دون ستائر.
أليكس؟
لا.... فكرت بغضب و هى توبخ نفسها لبد أنه ينام قرير العين مع أو بدون اللايدى صوفيا.
و تساءلت بانقباض : إذا طلب منها أن تصبح عشيقته فماذا سيكون ردها؟
أغلقت الستائر بحدة و عادت إلى سريرها مصممة على أن تنام .
كانت تأمل أن تطوى رحلتها إلى أليريا صفحة الماضى و أن تضع الأختام على تلك الأيام التى وقعت فيها فريسة جاذبية أليكس التى لا تقاوم....وبدلاً من ذلك اتجهت و بشكل محتم نحو الخطر إلى حقل المعركة المدمر , نحو الحب.
* * *
قال بيل يمازحها و هما على مائدة الفطور :"عيناك كعينى الباندا محاطتان بالسواد"
ــ أعرف.... لم أستطيع أن أنام . لكن لا تقلق سأنام الليلة دون حراك.
قال:"لعل السبب كثرة الإثارة . بدا أنك و الأمير لديكما قواسم مشتركة"
ردت بصوت بارد ثابت :"تكلمنا عن الدلافين...إنها مهمة جداً بالنسبة لشعبه"
هز رأسه:"إنها رمزهم و نحن لن نجرح أحاسيس أحد...اقترح علىّ بعض مستشارى الأمير جولة سياحية لكن حين سألت أليكس كونسيدين لم يلتزم بشئ"
مال المصور فوق الطاولة ليأخذ قطعة توست و قال :"قد يعتقد المرء أنه يسعى جاهداً لجذب الناس إلى هنا و كلما كثر عدد السياح كلما كان أفضل فـ أليريا تبدو فقيرة جداً"
هز بيل كتفيه و قال:"هى كذلك فعلاً, و هو يريد أن يحولها إلى دولة مثالية لكن حسب شروطه . أمام الأمير عمل شاق و ضخم و هو لم يصل إلى القمة فى دنيا الكمبيوتر بالعناد أو التسرع. لقد رأى أخطاء الحكام الآخرين و لن يدعها تحدث فى دولته الصغيرة..."
ثم نظر إلى الجالسين حول الطاولة و أكمل:"...سنغادر بعد نصف ساعة لذا كونوا مستعدين"
امتدت النصف ساعة إلى ما لا نهاية...البقاء...القصر...و التساؤل أين أمضت الليدى صوفيا ليلتها...كاد يدمر أعصاب لانث و كلما رفعت نظرها نحو القصر كانت ترأه يبتسم أمام عينيها...و فكرت فى أنها ما أن تخرج من البلدة حتى تنسى أوهامها.
كانت السيارة تنتظرهم فى الفناء الخارجى.
قال بيل لـ لانث و هما يخرجان من الباب:"هذا هو المرافق, سيمهد لنا الطريق إذا جاز التعبير"
ما أن تترك المدنية و تبتعد عن اليكس و قصره المهييمن حتى يخف هذا الألم و تنشغل بعملية التصوير لكن هذا ما لم يحدث.
لقد انشغلت فعلاً فالبحث عن الدلافين و تصويرها أخذ كل وقتها و اهتمامتها بالرغم من أنها كانت أكثر جبناً من تلك التى اعتادت عليها , إلا أنها تمكنت من إقامة علاقة مع المجموعة حتى اعتادت أكثر على المركب , و انجذبت لانث أكثر فأكثر إلى الغموض الذى يلف حياة الدلافين و سارت عملية التصوير بشكل جيد مع بعض المحاولات الفاشلة التى أثارت غضب بيل.
لكن كمنت وراء سعادتها ظلمة أشد حلكة تتربص بها و بمشاعرها.
كانت أليريا فى الربيع رائعة جداً فقد امتدت الألوان من الوادى إلىالجبال لتخفى سحب الشتاء الرماديةو بدت البحيرة لامعة و حدائق المنازل فى القرية متألقة.
قال بيل:"أنه طقس رائع للتصوير"
ففكرت لانث فى أنهم إذ ما أنهوا العمل بسرعة سيتمكنون من مغادرة البلاد بسرعة و ستبتعد عن أليكس.
و كان الرجال يُقيمون فى كوخ فى قرية صيادين صغيرة قرب شقة خُصصت لـ لانث .
قال لها لوتشيو :"لن تكونى وحيدة"
قال له:"أنها جميلة"
و تمتعت بخلوتها لكن اكثر ما أعجبها فى الأمر جيرانها فكلما كانت تصعد إلى شقتها أو تنزل منها كانت ترى شخصاً ما , المرأة او الجدة المحنية الظهر التى فقدت أسنانها كلها, او ولدين صغيرين فى الفناء الملئ بالزهور.
فى البداية كان الجميع خجولين و لكن حين أخذت تحييهم راحوا يصححون لفظها . و أصروا على أن تتكلم إليهم بالأليرية لتتعلم لغتهم.
خلال العشاء ذكرهم بيل بأن أليكس سيأتى معهم فىاليوم التالى وحذرهم من أن الأمير يرغب فى أن تكون زيارو ودية.
أرادت لانث أن تهرب أن تختفى فى ظلمة الليل و ألا تعود إلى الظهور إلا فى نيوزيلاندا لكنها وبخت نفسها ساخرة و غادرت السرير , أنت جبانة تافهة , ملوعة بالحب, ومثيرة للشفقة! إكبرى!
نظرت من نافذة غرفتها و راحت تسخر من الصورة التى تخيلت فيها نفسها مسجونة فى برج...كان الظلام مخيماً لكنها رأت أنواراً خافتة متفرقة فى الساحات و هب من حولها هواء عليل عابق بعطر الزهور , برد خديها الدافئتين
منتديات ليلاس
كان بإمكانها أن ترى البحيرة من موقعها و مالت إلى الأمام لترى ما يحرك سطح الماء الساكن. لكنها لم تشعر بريح يلامس وجهها قد تكون الدلافين و استقامت لتتبين الأمر رغم عتمة الليل.
و بعد عشر دقائق كانت تمر بهدوء قرب المبنى الحجرى تحت أشجار الساحة و قوارب الصيد القابعة على الرمال.
و تذكرت بحيرة أخرى أصغر من هذه و أكملت طريقها مقطبة , إنها تعانى من أزمة رومانسية لم تتح لها الفرصة لتتعرف إلى أليكس جيداً لكن شخصيته كانت نافذة جداً فاستسلمت لها و وقعت فى فخ الأيام الرائعة التى قضياها معاً
إلا أنها لم تقع فى حب أليكس الثرى , صاحب السلطة , الأمير....بل فى حب الرجل و هى تعرفه على حقيقته متسلط, متعجرف, شجاع و قوى و....عطوف و شريف فهو لم يحاول إقامة علاقة معها لأنه يعرف أن لا مكان لها فى حياته . فهل قرر أن يخصص لها مكاناً؟ مكاناً سرياً بالطبع بعيد عن اعين الناس؟
و انفطر قلبها...لا...اعترف أننى أحبه لكننى أستحق أكثر من هذا .
و جفلت حين أحست بحركة فى المياه فتقدمت خطوة لتتأملها م تلاحق التموجات التى تدل على وجود الدلافين.
و شعرت فجأة بشئ من الخوف حين لمحت حركة على الشاطئ.
فاستدارت و عرفت على الفور الشخص الذى كان يسير نحوها بالرغم من الظلمة الحالكة. انتظرت و هى عاجزة عن تحمل نبضات قلبها المتسارعة وراحت تتذكر ليلة أخرى و بحيرة أخرى و عالماً بعيداً و رجلاً ينتظرها خفية كما يفعل الآن تحت النجوم فى الظلام.
همست:"أليكس"
ابتسم فبانت أسنانه بيضاء لامعة :"اود أن أموت و أنا أصغى إليك تهمسين اسمى بهذه الطريقة"
سألته :"و أين اللايدى صوفيا؟"
ــ فى إنكلترا...لقد ابتعدت عن القرية....ألا تؤلمك ساقك؟
ابتلعت ريقها لتهدئ صوتها ثم قالت:
ــ لا...إنها على ما يرام....حرصت على أن أكون بحالة جيدة قبل أن أعود إلى خليج الجزر و قد تابعت التمارين.
رد و كان شيئاً أخر يشغل تفكيره:"عظيم"
فكره مشغول بالطبع و ها قد عدت تعلقين أهمية كبيرة على كل ما يقوله.
قطع حبل أفكارها بقوله:
ــ صوفيا أبنة صديق لى و حسب. جاءت إلى هنا لتقضى عطلة قصيرة لأن قلبها محطم....و....لا...لم أحطمه أنا . ولقد قررت العودة لتواجه الأمور بدلاً من أن تهرب منها.
و سألته بسرعة وغيرة :"و ماذا عن المرأة الفرنسية ؟"
فقال بنفاد صبر:" مجرد شائعات . لانث, أنت تعرفين جيداً أن الناس يطلقون الشائعات و هذه إحدى سيئات الشهرة"
ــ وهل الأمر أكثر سوءاً الآن و أنت الأمير الحاكم؟
ــ معظم الشائعات لطيفة فى أليرياو أنا لا أهتم ببقية العالم.
لا....بالطبع لا...فثقة أليكس بنفسه تمكنه من تجاهل الشكوك و الشائعات و الأكاذيب التى تحيط بالأثرياء فهو سيد عالمه.
قال :"ما رأيك بـ أليريا و قد مرّ عليك شهر كامل فيها؟"
فردت عليه بصدق:"لقد أحببتها إنها بلاد جميلة و الشعب ودود جداً لقد تقبلوا وجودنا كلياً"
قال بصوت ازداد عمقاً :"كنت آمل أن تعجبك....لانث....أنظرى إلىّ"
رفعت عينيها المتسعتين إليه و لمع نور النجوم الباهت فوق شعره الأسود وعلى قسمات وجهه فابتلعت غصة كبيرة فى حلقها.
قال بصوت حساس أجش:
ــ أعرف أن الوقت مبكر...وكنت انتظر إنقضاء أسبوعين آخرين...و لو لم نلتق هنا صدفة لانتظرت.
حسناً....سيطلب منها أن تكون عشيقته و ضغطت بيدها على قلبها و كأنما لتبقيه فى مكانه.
أكمل:"لكنك حطمت حصونى و لا أستطيع الانتظار أكثر"
ــ أليكس...لا تقل هذا.
جاءت كلماتها مؤلمة قاسية باردة.
و ساد الصمت ثم سأل بخشونة :"هل أنا مخطئ؟"
همست :"ارجوك"
أسكتها بلمسة على ذراعها و أدارها نحوه فرأى فى ضوء النجوم الدموع تتلألأ فى عينيها
قال و الكلمات تخرج مخنوقة من حلقه :
ــ لانث...رحمة بى....لانث حبيبتى الصغيرة....لا تبكى....كنت اعلم ان مجيئك إلى هنا مغامرة أدركت كم ستكرهين الحياة هنا لكننى كنت آمل....
نظرت لانث إليه و أحست بالهدوء فى عينيه ثم أدركت فجأة كم يبذل من الجهد ليسيطر على نفسه و يحافظ على هدوئه و فاض قلبها و كبتت شهقة بكاء عظيمة.
قال بصوت أجش و قسماته تزداد قسوة :"لا بأس عليك"
فقالت يائسة:"أنا أحبك كثيراً, و مستعدة أن أعيش معك إلى الأبد....لكن ألن يحتقرك شعبك لو أتخذت عشيقة؟"
فرد بشراسة و حدة:"لا أريدك أن تكونى عشيقتى! حين أتذكر كم قاومت و تعذبت كى لا أتصل بك لأن هذا لن يكون عدلاً لاسيما و انا أعرف مشاعرك نحو الحياة التى يجب أن أعيشها..."
فجأة فقد سيطرته على نفسه و لم تعد عيناه باردتين و قال بصوت منخفض:
ــ أحبك....و قد أحببتك منذ وقعت عيناى عليك....و خلال نصف ساعة نظرت غليك و تبدد العالم من حولى....بطريقة ما , ودون أن تحاولى ذلك وجدت لنفسك مكاناً فى قلبى ...و قد حاولت و من أجل مصلحتك أن أبعد عنك فلم أتمكن من ذلك. لانث , فى آخر يوم لنا معاً فى نيوزيلاندا قلتِ إننا لا نعرف بعضنا جيداً.
قالت و كأنها توبخ نفسها :"كنت أحاول أن أقنع نفسى"
ــ وهل لازلت تعتقدين ذلك؟
ــ لا...أشعر و كأننى كنت أنتظرك طوال حياتى.
وقف مستقيماً و كأنه يشدد عزيمته ورفع رأسه الأسود المتعجرف لكن صوته لم يكن سوياً:
ــ و أنا كذلك...لانث هل تمنحينى شرف أن تصبحى زوجتى؟ أعرف أنك ستجدين الحياة هنا صعبة....
أخيراً بدأت تصدق ما تسمعه فردت بحرارة:
ــ أوهـ....أليكس....بالطبع سأتزوجك! و أنا أحب اليريا. لكن , حتى و ان لم أحبها, سأكون معك و هذا كل ما أريده.
أرجع رأسه إلى الوراء و ضحك ثم أطبق ذراعيه حولها كقضبان حديد و عانقها بحرارة وشوق .


زهرة منسية 09-03-13 04:03 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
10 – الحب هو أن تختار


ظنت لانث أن العالم قد توقف عن الدوران و أن النجوم تتأرجح بجنون و الجبال تميد من حولها ثم سمعت صوت حركة فى ماء البحيرة انتشلتها من أحاسيسها المرتبكة.
رفع أليكس رأسه و استدارا معاً وهناك شاهدا مجموعة من الدلافين التى كانت تسعى لعقد معها و مرت من امامهما ثم استدارت و سبحت عائدة قبل أن تختفى فى عتمة الليل .
قالت لانث و هى ترتجف مصدومة :"اعتقدت أننى رأيتها من قبل من نافذة غرفتى و لهذا جئت إلى هنا"
ــ و أنا أيضاً رأيتها....أتظنين أنها تلعب دور الخاطبة؟أظنها أعطتنا موافقتها...ألا تعتقدين ذلك؟
قالت بجياء:"أعتقد هذا...و ما الذى سيحدث الآن؟"
قال:"سأعيدك إلى القرية...هل هناك برنامج محدد للتصوير؟"
هزت رأسها و قالت :"كنا نتوقع حضورك غداً . هل ستبقى هنا؟"
ابتسم و امسك بيديها بخفة ز انتظرته ليتكلم بمزيج من الفرح و الارتياح و الرغبة.
قال :"لدى فيلا قريبة من هنا و لم أستطيع النوم و خيل إلىّ بغباء أنك تنادينى فجئت إلى هنا و جلست على الصخرة أفكر أنك هنا و ان احد هذه الأنوار يشع من غرفتك و غداً سأراك... و فجأة رأيتك كأفروديت تتقدمين نحوى فوق الرمال"
ضحك ساخراً :"توقعت أن تنمو الورود تحت قدميك أو البنفسج الذى تحملين أسمه"
ــ كنت أشعر و كأننى ميتة سألها بلهفة :"لابد أنك كنت تعرفين أننى احبك"
ــ لا....بل عرفت أنك تشعر بميل نحوى
ــ إذن....اعتقدت أننى جئت بك إلى هنا لتكونى عشيقتى
ــ جئت بى إلى هنا؟
فسألها بسخرية و تسلية :
ــ أولم تعرفى هذا؟ و لماذا برأيك طلبت من شخص أثق به أن يتصل بشركة الإنتاج و يقترح عليهم الاهتما بمسألة الدلافين؟
ــ لم أكن أعرف...و لم يقل لىّ بيل هذا!
ــ لم يكن يعرف, لعله ارتاب بالأمر بعد وصولك إلى هنا...كنت كتوماً جداً. لكن , كان علىّ أن أراك مجدداً و بدت لى هذه أفضل طريقة.
سألته :"وهل أجبرته على اختيارى لتقديم الفيلم الوثائقى؟"
و حاولت جذب يدها من يده لكن أصابعه شدت عليها و قال بصوت جعله السخط خشناً :"أنا لم أظهر فى المفاوضات أبداً"
كانت سعيدة منذ لحظات و لا زالت إنما قالت له:"هذا نوع من المراوغة "
حين عرفت أنها لم تأتى إلى أليريا بسبب مواهبها و قدراتها , أحست بغصة أسى و حزن.
ــ لم تكن بحاجة إلى هذا كله , فلو طلبت منى المجئ لفعلت...لكن يبدو انك لا تحسب لى حساباً.
أمرها بعناد :"توقفى عن هذا"
و احتوى جسمها المتصلب المقاوم بين ذراعيه و قال بتصميم شديد:
ــ أنت متكبرة جداً لانث....أصغى إلىّ لقد اقترح بيل أسمك و أخبرنى مساعدى الكتوم أنه قال إنك الشخص الوحيد الذى يقترح استخدامه لأنك محترفة و لأنك على علاقة وثيقة بالدلافين . فلم ليست متأكدة من قدراتك؟
ــ أنا ليست كذلك...فأنا عالمة جيدة.
هزها قليلاً, وقال :
ــ أنت ليست عالمة جيدة و حسب....بل أنت جميلة بشكل يحرك القلوب. أنت لطيفة و متعقلة و ذكية جداً و ابتسامتك تخطف الألباب و ضحكتك تعتصر قلبى و صوتك يثير أحاسيس لن أعترف بها كرجل...لماذا لا تتقبلين هذا؟ لقد أثر عليك والداك حقا.... أليس كذلك؟
تمتمت و قد أذهلها بعد نظره :"حسناً جداً حين تركنا أبى اختلطت مشاعرى...لكننى كبرت"
ضمها إليه بقوة أكبر فتدفقت الحرارة فى شرايينها.
قال :"أظن أن هناك فتاة صغيرة فى داخلك لا تزال تعتقد أن والدها تركها بسبب غلطة ارتكبتها"
أزعجتها دقة تحليله .... هل سيتمكن دوماً من قراءة مكنوناتها بهذا الوضوح, و هذه السهولة؟ و رفعت نظرها لترى الحب فى عينيه و هدأ ذلك الجزء المضطرب فى نفسها....نعم....يمكنها أن تثق فيه...قالت:
ـت كما أن هناك صبى صغير فى داخلك لا يزال يؤمن بأن الواجب و المسؤولية هما أهم شئ فى الحياة؟
التوى فمه بابتسامة سريعة و أجاب :"تعادلنا"
ــ و إذا ما قررت ألا أتى مع الفريق؟
ــ فكرت فى أن أخطفك.
و أشتد ضغط يده على ظهرها
فضحكت ضحكة مصدومة :"كل ما كان عليك أن تفعله هو أن تطلب!"
ــ أوهـ ....لكنى لم أكن أعرف هذا !
و تلاشى غضبها و قبلت خده و هى تتنشق عطره الرجولى الرقيق.
ــ أيعقل ألا تعرف...لابد أنك أكتشفت مشاعرى نحوك....كنت تعرف قبل أن تغادر نيوزيلاندا
وداعب النسيم الناعم خصلة شعر على وجهها فدفع بها خلف أذنها...و بهدوء و ثبات كاد يخيفها و قال:
ـت عرفت أنك تجديننى جذاباً و فى البداية ظننت أن هذا كل شئ و حاولت جاهداً أن أقتنع بأن ما أشعر به نحوك هو مجرد انجذاب جامح لكننى ابتعدت عنك لبضعة أيام و أدركت مدى خطئى.
هزظت رأسها و تنهدت :"أعرف....و أنا كذلك"
شدها إليه أكثر, بحيث شهقت . فأراح ذقنه على رأسها و قال بتردد:
ــ بعد مرور حوالى الأسبوع على وصولى إلى أليريا قررت أن أعطى نفسى مهلة سنة لأرتب الأمور هنا... ثم أطلب منك المجئ أردتك أن تشاهدى أليريا و أن تفهمى طريقة العيش هنا قبل أن تختارى و كى لا أحرجك, فكرت أن أفضل طريقة هى استخدام الدلافين.
قالت ممازحة :"أيها المنافق"
ــ لقد كانت سنة من أطول سنوات عمرى و أصعبها فقد أدركت أننى أحبك لكن لم أكن أعرف كنة مشاعرك و يجب أن أعترف أن تصرفاتك حين وصلت شجعتنى. كنت متصلبة و رسمية جداً و كان الشرر يتطاير من عينيك الذهبيتين كلما نظرت إلى صوفيا المسكينة!
قالت بلهجة حزينة :"شعرت ببؤس شديد"
ــ أكره أن أراك غاضبة....إذن هل تعتقدين أنك قد تعشين سعيدة هنا؟
قالت باقتناع تام :"يمكننى ؟أن أكون سعيدة إينما كان معك"
ــ حسناً...سنعيش فى هذه البلاد لم تبقى من عمرنا إلا إذا قرر الشعب أنه يريد نموذجاً آخر من الحكم. لقد كانت بدايتك جيدة...سمعت أنك أصبحت تفهمين اللغة.
ــ تقريباً!
منتديات ليلاس
ــ لم يقولوا لىّ هذا و تتكلمين بلكنة ساحرة و قد أحبك القرويين.
ابتسمت و رأسها على كتفه ثم قالت :"لديك جاسوس....لوتشيو!"
فرد باقتضاب :"ليس جاسوساً....كنتم بحاجة إلى من يتفاهم مع القرويين و أرادت أن أتأكد من أن التصوير يسير على ما يرام كما أرادت أن أعرف ما إذا كنت سعيدة"
رفع ذقنها و نظر إليها بشغف واضح جعلها ترتجف.
قال:"لقد أملت أن تحبى الناس هنا"
و أن يعجبوا بى؟لكنها لم تعبرّ عن أفكارها بل خفضت نظرها و قبلت أصابعه .
و أضاف بصوت عميق متهدج:"كنت اعرف أنهم سيعجبون بك..."
قبل جبينها بحنان فتأكدت من أن الحواجز التى كانت تفصل بينهما قد سقطت أخيراً...لكن وو بالرغم من أنه جرها إلى عالم الأحاسيس العسلية العطرة إلا أنها أحست أن أمراً ما يكدره و اعتقدت أنها تعرف السبب.
و حين نظر إليها و أبعدها عنه على مضض قالت:
ــ أليكس....لقد قلت لك أنى أكره الحياة العلنية لكننى لم أكن أعرف أنها ستكون حياتك....حبى لك شكل الفارق و لسوف أعتاد على هذه الحياة...لكننى لن اعتاد أبداً على العيش من دونك.
ارتجفت عضلة فى فكه و أمسك بيدها و سارا معاً على الرمال عائدين إلى القرية و بعد لحظة قال :"
ــ تبين لى خلال السنة الماضية أن حياتى من دونك باردة و مخيفة...لكن يجب أن أعترف لك أكثر حين غادرت نيوزيلاندا كان على أن أتأكد من أنك بخير و سعيدة.
فجأة أدركت ما يعنيه فسألته :"لهذا وفرت لى التمويل اللازم؟"
استحال صوته قاسياً و هو يقول:
ــ أجل....كنت مضطرباً يا حبى أردتك أن تكونى سعيدة . كنت متأكداً من أنك ستتغلبين على خوفك من الماء و عرفت أنك سترغبين فى العودة إلى الدلافين لذا رتبت أمر المال لك.
كان يجب أن تغضب لكنها قالت :"ارتبت بالأمر, و سأسامحك....لكن هل تعرف أنى أتوقع منك ان ترعى من سيأخذ مكانى هناك ؟ فى الواقع لدى فكرة عمن ستكون....الطالبة التى حلت مكانى تحب الدلافين مثلى, و الدلافين تحبها كثيراً"
توقفا و قال بصوت خشن:"طبعاً سأفعل....أفعلى ما تشأئينه فكل ما أملكه لا يساوى شيئاً إذا لم أستطيع أن أجعلك سعيدة"
سألته :"إذن , هل سنعود إلى القرية؟"
شد يده على يدها و قال بصراحة:
ــ حبيبتى أود أن أبقى معك إلا أننا لا نستطيع ذلك....سنعلن خطوبتنا حين ينتهى تصوير الفيلم و نتزوج بعد شهرين و لسوء الحظ نحتاج لهذا الوقت للتحضير للعرس و حتى ذلك الحين يجب أن تقيمى مع أمى....فهى تريد أن تأخذك تحت جناحها و تعلمك بعض الأمور...البروتوكول....التصرف فى البلاط...لن تبقى وحيدة.
قبل راحة يدها فقالت خجلة:"أوهـ ....ظننت....."
ضحك إنما دون مرح:"
ــ الأليريون شعب تقليدى و سمعتك مهمة و لهذا السبب تركت القصر حين وصلت فى أول ليلة.

منتديات ليلاســ


زهرة منسية 09-03-13 04:09 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 

قرعت الأجراس فى القرية كلها ابتهاجاً و دون تناغم لتعلن عن فرح الأليريين بالزفاف و التتويج فبعد إعلان زواجهما توج رئيس الأساقفة لانث بتاج فضى أثرى التصميم , بدت معه و كأنها صورة لأيقونة
ثم جن جنون الأجراس و عبر أبواب الكاتدرائية المفتوحة سمعت الهتاف المتصاعد فلمعت عيناها .
أمسك أليكس يدها و ضغط عليها فردت حركته بامتنان و أخذ رعبها يتلاشى كالغيم فى يوم صيفى.
و سارا معاً فى الممر بين مقاعد الكنيسة ثم صعدا السلم إلى الخارج.
و تعالى الهتاف و هما يبرزان إلى أشعة الشمس و كانت الأرض قد فرشت بسجادة من غصون الصنوبر لتشكل ممراً لهما نحو العربة المفتوحة.
و تصاعدت رائحتها الزكية العطرة تستقبلهما فتذكرت لانث أشجار الصنوبر حول البحيرة فى نيوزيلاندا .
قال أليكس بعد أن استقرا فى العربة :"هذا تقليد ليبقى زواجنا أخضر على الدوام"
و احتفظت بهذه الفكرة طوال الطريق المؤدى إلى القصر و خلال الاحتفال الرسمى
و انتهى الأمر....أخيراً, سيصبحان وحيدين...هى و أليكس...
قالت لووالدة أليكس بلغتها الأليرية المتعثرة :"هل أذهب الآن؟"
ــ أجل....لقد حان الوقت.
و ابتسمت لزوجة أبيها التى سألتها أن تصعد و تساعدها على ارتداء ثيابها و وافقت لانث بدهشة و سرور.
كانت الخادمة فى انتظارها و قالت والدة أليكس:"كان الفرح عظيماً يا لانث "
و عادت إلى ضيوفها.
كانتا قد تعرفتا إلى بعضهما جيداً فى الشهرين المنصرمين . و أخفت سيرينا كونسيدين قسوتها الداخلية تحت غطاء أنيق ارستقراطى.و لابد أنها تساءلت عن سبب إصرار أبنها على الزواج من فتاة مجهولة , لكنها لم تظهر لـ لانث أى نفور أو قلق .
و فى الغرفة التى ستشاركها قريباً مع أليكس قامت زوجة أبيها و الخادمة بمساعدتها على خلغ ثوب العرس الضيق الأنيق , كان الثوب مصنوعاً من الحرير العاجى اللون الذى أبرز بساطة طرحة الدانتيل القديمة التى اختارتها
و للسفر اختارت بذلة بلن النحاس الصافى زادت من بروز لون شعرها و كانت تتأمل صورتها فى المرآة حين قرع أحدهما الباب .
قالت زوجة أبيها و هى تقبل خدها :"تبدين رائعة كونى سعيدة يا لانث كما كنت أنا سعيدة مع والدك"
فتحت الخادمة الباب و أطل أليكس ليسأل :"جاهزة؟"
تقدمت لانث تلاقيه مبتسمة و قالت :"نعم جاهزة"
استقرت عيناه للحظة على فمها ثم قال:"لقد أنتهى الأسوأ بضع دقائق أخرى فقط"
نزلا السلم معاً و تدفق الضيوف إلى ردهة القصر و تعالت الدعوات و التمنيات الطبية و نثر أوراق الورود و الملبس ثم صعدا إلى السيارة التى شقت طريقها عبر شوارع ازدحم فيها أفراد الشعب بوجوههم المتوردة المتهللة و سواعدهم الملوحة.
قال أليكس حين وصلا إلى مشارف المدينة:
ــ سنبدل السيارة عند كوخ للصيد فى مكان ليس ببعيد من هناو سأقود أنا.
قررا أن يقضيا شهر العسل فى أليريا لكن أليكس رفض أن يحدد وجهتهما و اكتفى بالقول بأنها ستكون عطلة عفوية جداً
امتدت الطريق حول البحيرة بضعة كيلو مترات قبل أن ترتفع عند سفح هضبة لتشق بعدها وادياً صغيراً كان أحد الجانبين مغطى بأشجار كثيفةو نحو هذه الأشجار اتجهت السيارة تاركة أشعة الشمس البراقة وراءها لتلج عتمة زكية الرائحة.
كان كوخ الصيد فيلا رائعة مشيدة على هضبة تصب الشمس أشعتها البهية على كل جوانبه و وقفت السيارة عند أسفل الدرج .
لم يخرج أحد لملاقاتهما حين توقفت السيارة بل غادر السائق السيارة مبتسماً مشجعاً لانث و هو يفتح لها الباب تسارعت نبضات قلبها و انتظرت و هى تنظر بإعجاب إلى السلم الذى يؤدى إلى الأبواب الخشبية الواسعة فيما قام السائق بنقل أمتعتها من سيارة إلى أخرى
و أخيراً أصبحا و حيدين .
سألته لانث و هما يبتعدان عن كوخ الصيد :"إلى أين نحن ذاهبان؟"
ــ إلى مكان مميز جداً
حتى تلك اللحظة لم يلمسها أليكس . أما الآن فقد أمسك بيدها و قبل باطن معصمها وقال بهدوء:
ــ إلى مكان قريب من حيث أمضيت أول عشر سنوات من حياتى....
ــ ظننت هذا المكان قرب البحيرة.
ــ ليست هذه البحيرة بحيرتى أصغر بكثير.
ــ لا زالت أجد صعوبة فى أن أصدق أنك عشت هنا عشر سنوات دون ان يفتضح أمرك.
ــ حين أستولى الشيوعيون عن الحكم كان أبى و أمى قد تزوجا حديثاً و يمضيان عطلتهما حيث نحن ذاهبان و لم يستطيعا مغادرة البلاد حتى و إن عبرا الجبال و ذلك بسبب حرب العصابات كما لم يخطر لهما ذلك على أى حال لأن والدى كان يعتقد أنه لا يحق له أن يترك شعبه لهذا بقى هنا و لم ترض أمى بأن تتركه فولدت أنا .
لاعجب إذن أن يحب الأليريون والدته.
ــ ثم وشى بكم أحدهم؟
منتديات ليلاس
هز رأسه و أجاب:"وشى بنا أحدهم . لكننا تلقينا تحذيراً بأنهم آتون للقبض علينا. وأدرك والدى أن لا أمل لنا بالهرب دون محاولة تضليل ولم يقبل بأن يتولى السكان المحليون هذه المهمة فقد كان لهم أقارب رهائن . لذا جعل من نفسه طعماً ليعطينى و أمى فرصة للفرار عبر الجبال إلى إيطاليا"
ــ و لم تعرفا أبداً ما حصل له.
منتديات ليلاس
ــ بل أعرف....لقد ألقى القبض عليه و قتل مع ما يقارب الخمسين
وصدرت عن لانث تنهيدة أسى فقال مكملاً كلامه باكتئاب :"حصل هذا منذ زمن بعيد لكنه كان أحد الأسباب الرئيسية التى دفعتنى إلى العودة حتى و أنا أعرف أننى أتخلى عن فرصة الزواج منك لم أستطيع أن أتخلى عنهم مجدداً لقد بقوا على إيمانهم بنا و أحسست أننى أدين بذلك لذكرى أبى"
و لن يكون الرجل الذى أحبته أن اختار الطريق السهل قالت:"أفهمك"
و فيما راح يقود السيارة عبر الحقول المزروعة و الأحراج تحدثا عن التغييرات التى ينوى اليكس القيام بها و لا سيما شبكة النقل.
أخيراً مرا بدرب تتلوى بين جبلين و من الأعلى شاهدت لانث بحيرة أخرى صغيرة رائعة الجمال و تحولت الطريق إلى درب ضيق انحدر نزولاً بين غابات كثيفة إلى أحد جوانب البحيرة .
كان المنزل واسعاًَ و حدثياً أضيفت إليه لمسة محلية ليتناسب مع محيطه و ما أن سارت فوق أرضه المبلطة و خرجت إلى الشرفة حتى أكتشفت هدف أليكس.
قالت تهمس بتنهيدة :"أوهـ ....أليكس!"
رأت امامها و فى موقع يطل على مياه البحيرة مقعداً عريضاً من الخيرزان مفروشاً بأرائك بيضاء تحت ظليلة من عرائش العنب .
قال من خلفها :"أردتك أن تكونى فى مكان يذكرك بـ نيوزيلاندا.... وسنتمكن من المجئ إلى هنا غالباً و سيكون مكاناً مناسباً لأولادنا"
فرددت:"أوهـ أليكس"
و قاومت الدموع المحرقة فى عينيها .
قال :"لقد تخليت عن الكثير"
فهزت رأسها نفياً و أجابت :"أنا لم أتخل عن شئ بل كسبت الكثير...و جل ما أريده هو أنت"
و بالرغم من لمسة يديه على كتفيها كانت رقيقة إلا أنها أحست بالقوة العظيمة التى يضبطها و يكبحها.
قبلت إحدى يديه ثم الأخرى قبل أن تستدير و تخبط قلبها بين ضلوعها لم تشعر بالخوف أو بالترقب و هى تنظر بعينيه اللامعتين
أما هو فضحك بصوت عميق و دفن رأسه فى عنقها و أطال العناق حتى اشتعلت نيران حبها و أتت على حواسها .
رفعت لانث وجهها فدابعت رائحته الحارة الخفيفة حواسها و حولت مشاعرها إلى سيل جارف.

منتديات ليلاســـ


زهرة منسية 09-03-13 04:13 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 

وقف جامداً ثم أخذ نفساً عميقاً و عانقها بشغف جعل رأسها يدور....نعم هذا ما أرادته....أوهـ ....أجل.... هذا ما كانت تنتظره
رفعها عن الأرض و حملها إلىالداخل إلى غرفة أنزلها فيها فوق سرير و قال بتردد:
ــ أريد أن أمون حنوناً معك....و ان تجرى الأمور ببطء... لكننى لا أستطيع.
أحست و كأنها ترمى نفسها فى دوامة كمن تركب إعصاراً , كمن ترتفع إلى سماء منتصف الليل الشفافة على أجنحة من نار.
فيما بعد و حين استيقظا على سماء تتلألأ فيها النجوم الساطعة قال لها متكاسلاً :
ــ أرجو أن أكون أخر أمير لـ أليريا....إذا سار كل شئ على ما يرام سيتولى الشعب مصيره قبل أن أموت و سيتمكن أولادنا من أن يفعلوا ما يحلو لهم.
و تساءلت لانث حول إمكانية ذلك . إذ بدا لها أن ولاء الأليريين للأسرة الحاكمة لا يمكن أن ينتهى فى جيل واحد.
قالت :"أنا ليست قلقة حول هذا . فجأة لم أعد أهتم كثيراً بالمستقبل.فالحاضر مثير بما يكفى"
استلقى دون حراك و أحست بدقات قلبها تتسارع تحت خدها....قال دون أن يلين:
ــ توقفى عن إغوائى....أحتاج ان أقول هذا . أعرف أن زواجك منى تغيير ضخم يبعدك عن عملك لكن على الأقل يمكن أن تدرسى الدلافين هنا.
مررت أصابعها بخفة على صدره و قالت بهدوء:
ــ أليكس....لقد حصلت عليك أنت... و الدلافين شئ إضافى جميل... لكن, حتى و أن لم يكن هناك أى منها لكنت بقيت كان من الممكن أن أدير ظهرى لك و لـ أليريا و أن أبقى فى خليج الجزر ....لكن الحب يعنى أن تختار شخصاً...و عادة حين تختار يجب أن تتخلى عن أشياء أخرى....أنت فعلت هذا حين قررت العودة إلى اليريا و قرارى بالبقاء معك كان سهلاً , فقد أدركت أننى لا أستمتع بالحياة التى أعيشها من دونك و أنا أحبك... المسألة واضحة جداً....والدك أحبك و أحب أمك بما يكفى ليضحى بحياته من أجلكما....و أنا يساورنى الشعور نفسه.
تسارعت أنفاسه...و ابتلت عيناه , فأخفت رموشه الكثيفة اللامعة اللون الأزرق الساحر.
ضمها إليه بقوة ....و بقى صامتاً للحظات طويلة حين تكلم أخيراً كان صوته منخفضاً و متوتراً :
ــ حياتى لا تعنى شيئاً...لا شئ....من دونك...لطالما آمنت بالحب ...أبى و امى تحابا و لقد ضحى بحياته من أجلنا ....و أنا مستعد للموت من أجلك زهرة منسية...لكن و لسبب ما لم أكن أتوقع أن أجد حباً مثل حب أبى و أمى.
ضمت وجهه بين يديها و قالت:"أحبك أكثر من أى شئ آخر فى حياتى....أنا لم أكن أؤمن بالحب فعلاً عرفت أنه موجود...و الدى و زوجته سعيدان جداً معاً و كنت أحسد تريسيا لأن والديها كانا سعيدين معاً . لكننى كبرت و أنا أعتقد أن الإنسان يدفع ثمن الحب غالباً إلى أن التقيتك حين سافرات , أدركت أننى على استعداد لدفع الثمن"
أدار رأسه يقبل يدها :
ــ كنت أعرف أن هناك خطب ما . لقد كنت مراوغة جداً....أثرت إحساس الصياد فى داخلى منذ البداية لكننى كنت أعرف أننى لا أستطيع الاستمرار...كنت جميلة إلى حد كبير , إنما ضعيفة . وكان على أن أقرر ما إذا كنت سأعود إلى أليريا أم لا....أتصل بى أناس كانوا مقتنعين بأن البلاد لن تلملم جراحها إلا حين أحكمها لكن لم يكن راغباً فى التخلى عن كل ما عملت جاهداً لتحقيقه . ووقفت أنت فى طريقى و اعترضت أفكارى و دفعتنى إلى الجنون بعينيك الذهبيتين و بشرتك البيضاء و شعرك العسلى .
قالت ببطء و قد صدمتها المشاعر الثائرة فى صوته:
ــ لم أكن أعرف ....كنت واثقاً جداً من نفسك و مسيطراً على أعصابك .
ــ حاولت... لم أصب من قبل بمثل ذلك الإحباط الذى التهم شجاعتى و ظلل أحلامى و دفعنى إلى الجنون حتى لم اعد أستطيع أن أفكر, لم أعد أستطيع أن آكل دون أن أرى وجهك و أن أسمع صوتك....حاولت الابتعاد و أرسلت مارك ليتفحص أحوالك حين كان الإعصار قادماً . لكن دون فائدة كان على أن أرى بنفسى و أنت كنت باردة بشكل لعين!
قالت :"كنا كلانا نتهرب أدركت أن مشاعرى لم تكن من طرف واحد لكننى لم أكن أرغب فى أن أحب أحداً"
ــ ولا حتى خطيبك السابق؟
ــ لقد أحببت كريغ....لكنه حب ضعيف....كنت خائفة جداً من أن أتألم , لذا وضعت حدوداً لنفسى...كان رجلاً مرحاً كثير الضحك و لا أظنه عرف كم كان حبى له محدوداً
قال باكتئاب :"يا للمسكين..."
هزت لانث رأسها :"ارتجف الآن حين أفكر فيه...لأننى كنت سأتزوجه و سيتغير كل شئ بعد وقت قصير"
ـت لو أنك تزوجته لوجدتك و خطفتك منه.
رمقته لانث بنظرة حادة. إن مثل هذا التصرف مقبول فى العصور الوسطى لكن ليس فى أيامنا هذه , ومع ذلك مات التعليق على شفتيها و فكرت فى أنه كان ليفعل ذلك.
قالت:"هذا غير مناسب سياسياً , وأنت تعرف ذلك....لكن لدى إحساس بأننى كنت لألحق بك إلى آخر العالم . لهذا كنت قلقة جداً حين التقيت بك لأن حدسى أنذرنى بأن لك القدرة على جعلى أحبك و دون تحفظ. لقد حطمت الدرع الذى لطالما أستخدمته فلم يعد لدى ملاذ أختبئ فيه من قلبى.... و لهذا السبب أعتقد أنى تركت بيل يقنعنى بالمجئ إلى هنا...أوهـ.... قلت لنفسى إننى أحتاج إلى نوع من النهاية...لكننى بساطة أردت أن اكون قربك"
أبتسم ابتسامة عريضة و قال:"و انا عانيت الأمرين لأغويك بالمجئ إلى هنا....خططت لأن أتحرك ببطء و مكر...و لأن اصطادك بسهام ذهبية و شباك حريرية "
ــ و بدلاً من ذلك كنت فظا....و تركت القصر كى...
ــ كى ل أحطم الباب و أدخل عليك كالمجنون.
و ضحك لاحمرار وجهها و أكمل :"أما بالنسبة للفظاظة فأنا لم أكن أتوقع رؤيتك تلك الليلة...حتى تلك اللحظة كنت أظن أننى قادر على السيطرة على نفسى لكن نظرة واحدة إلى وجهك المتعب و أردت ان أمحى كل الإعياء عنه و أن أحملك إلى فراشك لترتاحى"
ــ ظننتك تكرهنى
ــ كنت قد قررت أن أدعك و شأنك حتى ترى بنفسك كيف نعيش و أى نوع من الناس نحن و حتى تكونى فكرة عما إذا كنت قادرة على قضاء بقية حياتك هنا.
تمتمت :"أنت شريف جداً"
ــ بصعوبة...نواياى النبيلة لم تدم أكثر من شهر حين ألتقينا على شاطئ البحيرة تلاشت الأفكار النبيلة و القدرة على الانتظار...كما لم تقصى شعرك...و اعتقدت أن هذه علامة شعاع صغير من الأمل.
همست:"كانت فعلاً إشارة"
و قبلت رموشه ثم وجهه الجميل و داعبت أذنيه بأناملها.
اشتدت طوق ذراعيه حولها :"إذا ما استمرت هكذا.... فيا ويلك...لقد أعتقدت أننى لن أنجب أولاداً و سيضطر الأليريون إلى إيجاد عائلة أخرى...لكننى أريد أطفالك"
تأكدت لانث من أنها تحتل المكانة الأولى فى قلبه فاحنت رأسها تقبله و سألته ببراءة :
ــ إذا استمريت بماذا؟ أما بالنسبة للأولاد....فسيجدون طريقهم الخاص....كما فعلاً نحن.
من الآن فصاعداً سترتبط حياتها بحياة أليكس فى عقدة يستحيل حلها...ستكون حياتهم كقماش محبوك و ستتحول مع الأيام إلى سجادة كبيرة رائعة و جميلة محبوكة بالحب و المرح و العمل الجاد و بخيوط الرغبة المشعة والحب المشبوب .
و قبلته مجدداً مبتسمة فقال و عيناه تلمعان بالسعادة :
ــ هذا يكفى...يجب أن أرد عليك الآن.
و فعل فتنهدت مستسلمة للشوق الذى سيبقى مشتعلاً فيها إلى الأبد و فكرت فى أنهما سينالان ما يريدانه طالما بقيا معاً


زهرة منسية 09-03-13 04:19 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
تمت بحمد الله
أتمنى أن الرواية تكون نالت أعجبكم
و فى أنتظار ردودكم و تفاعلكم معها
&
شكراً لك من شرفنى بالزيارة و ضغط على أيقونة الشكر أو أضاف تعليق على الرواية

حياة12 09-03-13 09:06 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
زهووووووووووووورتى :dancingmonkeyff8: :dancingmonkeyff8: :dancingmonkeyff8:

الرواية فوووووووووووووووق الراااااااااااائعة تسلم ايديكى على المجهود الخرااااااافى ده :55: :55: :55: :55: :55: ما شاء الله ربنا يعينك بجد .. عجبنى جدااا الاماكن اللى بتحطى فيها اسمك و اسم ليلاس ما شاء الله عليكى ذكية جداا ;) طالعة لى :lol:


استمتعت جداااااااااا جدااااااااااااااااااااااا بالرواية و استنى بقه عاملة لك مفاجئة

جاهززة؟ تخيلى انى مشتمتش حد طوووووول الرواية ... تخيلى انا نفسى اتصدمت!!!! مشتمش لا البطلة و لا البطل

بصراحة اليكس كان ساااااااااااااااااااااحــــــــر :c8T05285: :c8T05285: :c8T05285:
اوووووووووووه يجننننننن حبيته و هو مهتم بها و لما حاول يقنعها تنزل المياه تانى و لما جه اخدها لبيته عشان العاصفة و لما انقذ روب ... و لما قالها انها تستحق اكتر من علاقة عابرة اااااااااه قلبى الصغير لا يحتمل :421:

ايييه ده فى كده؟ حد فى سحر اليكس و شخصيته الراااااائعة و تحمله للمسئولية و حنون و مراعي و مهتم و ... الخ لهم حق اهل اليريا يمسكوا فيه بايديهم و سنانهم بصراحة :peace:

لا و هي ما شاء الله عليها فضحتنا و هي بتقول رأيها عن الاسرة المالكة و انا عمالة اقول لها خلاااص يا حاجة اسكتى فضحتينا و هى و لا هي هنا :(

اما عن صوفيا محبتهاش بس مع ذلك مشتمتهاش مش عارفة ايه الاحترام للابطال اللى نزل عليا ده!!

و النهاية اوووووووووووووووووووووووووووه يا زهووورتى و هو بيعترف لها بحبه يجنننننننننن :46:

استمتعت جداااااااااااااااا جداااااااااااااا جداااااااااااا بالقراءة تسلم ايديكى يا اجمل زهورتى فى الكون و ميرسى كتييييييييير كتيييييييييييييير كتيييييييييييييير على المجهود الجبااااار ده و الرواية فوووووووق الرائعة دايم ذوقك تحــــــــــفة :55: :55: :55: :55:

مووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووواه


حياة12 09-03-13 09:09 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
و مليووووووووووووووووووووووووووووون مبروووووووووووووووووووك ختام الرواية يا زهووورتى

http://files2.fatakat.com/2013/1/13572135671118.gif


تسلمي لنا يا اجمل زهورتى على المجهود الرااائع ده و الاختيار الخطيييييييييييير ده :)
بقالي فترة طويلة مقرتش رواية من احلام و سعيدة جداااااااااا بروايتك :dancingmonkeyff8:

مووووووووووووووووووووووووووووووواهات كتيييييييييييييير

زهرة منسية 10-03-13 07:27 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حياة12 (المشاركة 3288780)
زهووووووووووووورتى :dancingmonkeyff8: :dancingmonkeyff8: :dancingmonkeyff8:

الرواية فوووووووووووووووق الراااااااااااائعة تسلم ايديكى على المجهود الخرااااااافى ده :55: :55: :55: :55: :55: ما شاء الله ربنا يعينك بجد .. عجبنى جدااا الاماكن اللى بتحطى فيها اسمك و اسم ليلاس ما شاء الله عليكى ذكية جداا ;) طالعة لى :lol:
حيااااااتى أنت الأروع يا قمر
تسلميلى أنت حبيبتى ما تعرفيش مرورك أسعدنى قد أيه
:c8T05285::c8T05285::c8T05285::c8T05285::c8T05285::c8T05285: :c8T05285:شرف ليا أنى أطلعك يا مجنونة أوبس سورى سورى يا مشرفتنا


استمتعت جداااااااااا جدااااااااااااااااااااااا بالرواية و استنى بقه عاملة لك مفاجئة
و انا مبسوطة كتير كتير كتيررررررررررر أنك أستمتعتى بالرواية
جاهززة؟ تخيلى انى مشتمتش حد طوووووول الرواية ... تخيلى انا نفسى اتصدمت!!!! مشتمش لا البطلة و لا البطل
لا لا لا مستحيل مش معقولة أبداً ده سبق صحفى أخيراً بطل عجبك بدون ما يستحق أى شتيمة

بصراحة اليكس كان ساااااااااااااااااااااحــــــــر :c8T05285: :c8T05285: :c8T05285:
اوووووووووووه يجننننننن حبيته و هو مهتم بها و لما حاول يقنعها تنزل المياه تانى و لما جه اخدها لبيته عشان العاصفة و لما انقذ روب ... و لما قالها انها تستحق اكتر من علاقة عابرة اااااااااه قلبى الصغير لا يحتمل :421:
ههههههههه هو فعلاً يجنن و ساحر و حنين جداً بس تصدقى أنا بحب البطل القاسى أكتر
تعرفى مفروض توكس تديكى نسبة من الأرباح يا بنت انت عاملة شغل اكتر من الأعلانات:lol:

ايييه ده فى كده؟ حد فى سحر اليكس و شخصيته الراااااائعة و تحمله للمسئولية و حنون و مراعي و مهتم و ... الخ لهم حق اهل اليريا يمسكوا فيه بايديهم و سنانهم بصراحة :peace:

لا و هي ما شاء الله عليها فضحتنا و هي بتقول رأيها عن الاسرة المالكة و انا عمالة اقول لها خلاااص يا حاجة اسكتى فضحتينا و هى و لا هي هنا :(
ههههههههههه و انا كمان و انا بكتب عمال أقول خليها فسرك و خلى أرائك لنفسك حبكت يعنى
اما عن صوفيا محبتهاش بس مع ذلك مشتمتهاش مش عارفة ايه الاحترام للابطال اللى نزل عليا ده!!
و انا اللى لسه بقول حتى صوفيا سلمت من الشتايم لا يبنت فى حاجة مش مظبوطة
و النهاية اوووووووووووووووووووووووووووه يا زهووورتى و هو بيعترف لها بحبه يجنننننننننن :46:

استمتعت جداااااااااااااااا جداااااااااااااا جداااااااااااا بالقراءة تسلم ايديكى يا اجمل زهورتى فى الكون و ميرسى كتييييييييير كتيييييييييييييير كتيييييييييييييير على المجهود الجبااااار ده و الرواية فوووووووق الرائعة دايم ذوقك تحــــــــــفة :55: :55: :55: :55:

مووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووواه



واو لحظة الأعتراف اثرت فيا كتير حياتى ما تعرفيش قد أيه أستمتعت كتير كتير كتير بمرورك و كلامك الرقيق بجد أسعدنى جداً وجودك على صفحات الرواية و كل حرف من كلامك أسعدنى كتير كتيررررررررررررررررررر
نورتينى حياتى و أهلا بيكى يا قمر زادت الرواية قيمة بمرورك
موووووووووووووووووووووووووووووووووووواه

زهرة منسية 10-03-13 07:37 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حياة12 (المشاركة 3288781)
و مليووووووووووووووووووووووووووووون مبروووووووووووووووووووك ختام الرواية يا زهووورتى
الله يبارك فيكى حبيبتى و لا يحرمنى تواجدك و تشجعيك
http://files2.fatakat.com/2013/1/13572135671118.gif


تسلمي لنا يا اجمل زهورتى على المجهود الرااائع ده و الاختيار الخطيييييييييييير ده :)
بقالي فترة طويلة مقرتش رواية من احلام و سعيدة جداااااااااا بروايتك :dancingmonkeyff8:

مووووووووووووووووووووووووووووووواهات كتيييييييييييييير

شكراً حبيبتى اللى شجعنى انى انزلها بسرعة ان كل اللى مر على الرواية قالوا انهم مش قرينها من قبل فما رضيت أطول عليهم
وكمان علشان متحمسة جداً للجزء التانى
بس للامانة الرواية من أختيار ريحانة هى اللى اقترحت انى انزلها فكل الشكر و الثناء لريحانتى على أختيارها المتميز
يسلمواااااااااااااااا حياتى على مرورك و كلماتك الرقيقة يا قمر
مووووووووووووووووووووووووووووواه

عبير عمار 10-03-13 10:08 PM

رد: 218 - دموع و دماء - سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
ايه الابداع ده كله ياعسل:55::55::peace:

سماري كول 11-03-13 10:43 AM

رد: 218 - دموع و دماء - سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
تسلمين الغاليه ع الروايه

fairbeauty 11-03-13 10:55 PM

رد: 218 - دموع و دماء - سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
very very beautiful, Robin Donald is the best.
Thanks for bringing us this great novel.

yasmin kamal 09-05-13 05:17 PM

رد: 218 - دموع و دماء - سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
الله الرواية روووووووووووووووووعه مووووووووووووووووووووووووووووت اعجبت بيها لانها اول روايه اقرأها تبقى البطلة فيها مريضه و ده بيدل على تفتح عقل المؤلفه شكراااااااااااااااااااا جدا ليكى عزيزتى وهرة انك اتحتى لى قراءة مثل هذة القصة الرائعه

jols 13-08-13 08:04 AM

رد: 218 - دموع و دماء - سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
thaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaanks:55:

ندى ندى 17-09-13 04:02 AM

رد: 218 - دموع و دماء - سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
من اروع الروايات واجملها

تسلم ايدك حبيبتي ووفقك الله

وردخال 14-09-14 12:22 AM

رد: 218 - دموع و دماء - سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
السلام عليكم يا حلوين

زهرة منسية 14-09-14 07:29 PM

رد: 218 - دموع و دماء - سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

زهرة قمر 15-11-14 11:18 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
عاشت ايدك الرواية اتجنننننننننننننننننن
:55::55::55:

لست ملاكا 23-11-14 05:18 PM

رد: 218 - دموع و دماء - سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
جميييييييييييييييييييييييييييييييييييييل يسلمو

نووفه 06-04-15 05:53 PM

رد: 218 - دموع و دماء - سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
يعطيك العافية على الروواية الجميلة...

عادل حامد 24-04-15 11:51 AM

رد: 218 - دموع و دماء - سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
دموع ودماء

غنجة بيا 21-05-15 05:30 AM

رد: 218 - دموع و دماء - سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
كثير حلوة حبيتها كثير رومانسية وتجنن ههههههههه

مشكورة حبيبتى على المجهود :55::55::55:

زهرة منسية 23-05-15 05:15 AM

رد: 218 - دموع و دماء - سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
العفوووو غنوجه سعيدة أنها عجبتك

ميرين 10-07-15 04:49 AM

رد: 218 - دموع و دماء - سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
رواية حلوة

بس بعض فصولهه ممل بس بشكل عام كلش حلوة

شكرا الك تسلم يدك

أم ضرار 21-07-15 11:28 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ميرين (المشاركة 3543787)
رواية حلوة

بس بعض فصولهه ممل بس بشكل عام كلش حلوة

شكرا الك تسلم يدك

شكراااااااااااااااااااااااااااااااا

مورغانا لو فاي 15-10-15 08:16 PM

رد: 218 - دموع و دماء - سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
الف شكر للروايه الروعة
تسلم ايدك

فرحــــــــــة 27-07-16 11:23 PM

رد: 218 - دموع و دماء - سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
غاليتى
زهرة منسية
تنتقين دائما الاروع والاجمل
فشكرا لك على حسن انتقائك
لك منى كل الشكر والتقدير
دمتى بكل الخير
فيض ودى

بسمة حلب 25-08-16 06:59 PM

رد: 218 - دموع و دماء - سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
مشكوووووووووووووووووووووووووووووووووورة

الاختلاف 22-07-20 01:43 PM

رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
 
:55::0041:


الساعة الآن 08:25 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية