منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات احلام المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f457/)
-   -   473 - أحزان أبنة الفجر - جوليا جايمس ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t181888.html)

مونـــــي 13-11-12 01:23 AM

473 - أحزان أبنة الفجر - جوليا جايمس ( كاملة )
 
السلام عليكم ورحمة الله
كيفكم حبايبي
اليوم جايبة لكم روااااايه خطيره مرررره االمهم ما أعرف اطول بالمقدمات هذي
اتمنى انها تعجبكم و انتظر ردودكم وارائكم
اترككم مع الرواية ...

الملخص

جوليا جايمس
ما زالت رايتشل فايل تعاني من ذكرى رفض فيتو فارنيسي لها بفظاظة و اتهامه لها علنا بالسعي ورائه و باغوائه لكن الظروف الماساوية اجبرت رايتشل على الاتصال بفيتو مجددا فهي بحاجة ماسة و يائسة الى زواج ملائم لهذا جاءت الى فيتو مسلحة باحدى اثمن ممتلكاته لتقايضه بها مقابل الزواج الا ان فيتو رفض الخضوع للابتزاز لاسيما من قبل امراة ساعية خلف الثروة ومع ذلك وقع في الفخ الذي نصبته له واصبح هدفه التالي هو الانتقام


مونـــــي 13-11-12 01:26 AM

رد: أحزان أبنة الفجر - جوليا جايمس
 
أحزان أبنة الفجر

جوليا جايمس

1- لقيطة

هبت نسمة هواء من المبنى الطويل القائم أمامها , فتمايلت أعمدة المياه المتدفقة الشبيهه بالريش , وأحست رايتشل برذاذ آني خفي من قطرات المياه يرشّها عندما مرت بالقرب من النافورة .
أحسّت بالبرودة تلفح بشرتها .
هذا مايجب ان تكون عليه , بارده , هادئه , رصينه , ومن دون أي أثر للأحاسيس . إنها هنا لكي تجري عقد عمل . هذا كل شيء . لو فكرت بما هي على وشك القيام به على أي نحو آخر . . .
لا! لاتفكري ... لاتشعري ... بهذا الشكل يمكنك أن تجتازي هذا الموضوع والأهم من كل شيء
لا تتذكري !
ضغطت رايتشيل على زر في دماغها ذهنياً , فقطعت على نفسها حبل أفكارها .
أنطلق رذاذ آخر من المياه بشكل متقطع فوق بشرتها مجدداً تشربت رايشيل ذالك الاسكون الصافي المنبعث من نافوره المياة ذات الهندسه المميزه , التي تزين مدخل المبنى الزجاجي المتوهج الخاص بالمكاتب , إنه مبنى ملائم ليكون المقر الئيسي لإحدى أكبر التكتلات الصناعية وأكثرها نجاحاً في بريطانيا , بدا مبنى شركة فارنيستي الأكثر فخامة بين المباني الموجودة في الحديقة البهيه المخصصة للآعمال , والتي تقع على حدود تشيسويك إحدى اقدم القرى في لندن.
تابعت رايتشل سيرها فوق كعبي حذائها العاليين اللذين جعلاها تتمايل بأناقه في بذلتها الثمينه التي تمت خياطتها خصييصاً لها .
جلست بحذر شديد أثناء قدومها إلى هنا , فحرصت على ألآ تتجعد تنورتها ذات اللون البنفسجي الشبيه بلون الخزامى , وألا ينسل جورباها اللامعان الثمينان ,
أرادت أن تبدو خالية من أي عيب, تطلب منها تجهيز نفسها أكثر من ساعتين , غسلت شعرها وصففته , ثم وضعت التبرج التام بمنتهى الدقة وكذلك طلاء الأظافر , كما أرتدت بحذر الملابس الداخلية الحريرية وأكثر جواربها لمعاناً, ولبست قميصاً ناعمة بلون القشدة . أخيراً أزلقت رايتشل التنورة الضيقة المقلمة فوق وركيها النحيلين , وذراعيها داخل السترة القصيرة حتى الخصر ذات القبه المحفوره التي أبرزت بأناقة جسدها الرشيق . أنتعلت حذاء من الجلد الإيطالي لونه مشابة تماماً لون البدلة التي أرتدتها , كما تلاءم حذاؤها مع الحقيبة التي حملتها في يدها , فصار مظهرها مكتملاً , تطلب منها الأمر مايزيد عن الأسبوعين حتى تجد هذه الملابس . قامت بزيارة كل المحلات الفخمه المخصصة لبيع الألبسه , فلا بد أن تكون مناسبة تماماً .
منتديات ليلاس
مهما يكن , فالشخص الذي تنوي أن تثير أهتمامة وتؤثر عليه هو ذو مقاييس متطلبه عالية , إنه أستثنائي في مقاييسة . ييجدر بها أن تعرف ذلك , لأنها فشلت في تحقيق هذا المستوى في إجى المرات بشكل مروع ومذل . عليها ألا تفشل هذة المرة .
وعدت رايتشل نفسها بأنها لن تفشل هذه المرة فيما مشت متوجهه نحو البابين الضخمين اللذين أنفتحا تلقائياً عندما تنت منهما . علمت رايتشل هذه المرة أنها ستتمكن من رفع رأسها عالياً أمام اي أمرأة تقارن بها . صحيج أن البعض يفضلون السمراوات القصيرات القامة او الصهباوات المتبرجات بدىً منها هي الشقراء الأنيقة النحيلة , لكن إذا كان المرء يحب هذا الطراز فهي تبدو كاملة , تاااااامة!!
هذا ماكانت والدتها لتقوله موافقة على ماتفكر رايتشل به .
قبضت الأحاسيس قلب رايتششل , لكنها أخضعتها على الفور , فالمشاعر من أي نوع سوف تكون مميته خلال هذا اللقاء . إن كانت تأمل بأن تنجح في مهمتها يجب أن تكون هادئة , واثقة ورصينة جداً .
إنها هنا من أجل العمل . لاشيء أكثر .
بدأت تخطو من دون وعي عبر بهو ا لمدخل الضخم . أحست بوخز خفيف ينسل نزولاًعلى عمودها الفقري , لكنها تغلبت علية . هي موجوده هنا لتقترح فكرة ما لاشيء أكثر , وهذا العمل سوف تكون له نتائج مستحبة لكلا الفريقين . أقتراحها سيكون مباشراً وصريحاًتماماً , ولايتطلب أحاسيس على الإكلاق من أي من الفريقين المشاركين في العمليه .
تابعت رايتشل سيرها فوق الأرضية الرخاميه الفسيحة نحو مكتب الأستقبال حيث أرتفعت في وسط القاعة أيضاً نافوره مياه أخرى حذقة التصميم , إنه جدار من الماء الجاري على الإطلاق .
توقفت رايتشل أمام موظفة الأستقبال التي ترتدي ملابس أنيقة , فيما نظرت إليها بأستفسار مؤدب . قالت رايتشل :" أنا هنا لمقابلة السيد فارنيستي "
ردت موظفة الأستقبال قائلة :" الأسم , من فظلك "
ومدت يدها أثناء ذلك لتتناول دفتراً لتدوين المواعيد .
أجابت رايتشل من دون أن يرتعش صوتها :" رايتشل فايل "
عبست موضفة الأستقبال , وقالت :" أنا آسفة آنسة فايل , لكن يبدو أن أسمك ليس مدوناً "
تكلمت رايتشل من دون أن تصاب بالفزع , فقالت بتأكيد هادئ :" إذا أتصلت بمكتبة وأعطيته أسمي , ستجدين أنه سوف يقابلني "
نظرت موظفة الأستقبال إلى رايتشل غير واثقة , وعلمت هذه الأخيره سبب ذلك , فوجهت لنفسها أبتسامة ساخرة .
- أنت تعتقدين أنني إحدى عشيقاته . أليس كذلك ؟ أنت لاتعرفين ما الذي يجدر بك أن تفعلية لو كنت كذلك .
هل هي موجوده على قائمتة الحالية ؟ أتراه أعطى أوامره بألا يتم إيصال مكالماتها الهاتفية لو أتصلت أو جاءت إلى هنا شخصياً؟
تحولت الأبتسامة الساخرة إلى شعور بالمرارة , فهي تعرف الروتين المعتمد . آه ... نعم ! إنها حتماً تعرف الروتين .
- لحظه من فظلك .
قالت موظفة الأستقبال ذلك , ثم رفعت سماعة الهاتف .
ضغطت رايتشل شفتيها سوياً . سوف تتحقق من مسؤولية الشؤون الخاصة به و تماماً كما قد تفعل أي موظفة جيده لدى شركة فارنيستي .
- سيدة والترز ؟ الأنسة رايتشل فايل موجوده في مكتب الأستقبال . أخشى أنني لست أرى أي موعد محدد لها في دفتر المواعيد .
سادت لحظة سكوت , ثم ...
- جيد جداً , شكراً لك , سيدة والترز .
أستنتجت رايتشل من التعالير المرتسمه على وجه المرأه ما أمرت بأن تفعله , التخلص منها .
كانت المرأة على وشك أن تعيد السماعة إلى مكانهاا , لكن رايتشل اعترضت تلك الحركة بمنتهى الهدوء , فأخذت سماعة الهاتف منها ؟ ظهر الأعتراض على وجه موظفة الأستقبال , لكن رايتشل لم تعرها أي اهتمام .
- سيده والترز ؟ أنا رايتشل فايل . أرجوك , أعلمي السيد فارنيستي أنني في مكتب الأستقبال . أخبرية ...
توقفت رايتشل لفترة وجيزة جداً , ثم تابعت :" ... أنني جئت أعرض علية شيئاً يعتبره قيماً جداً . وشكراً جزيلاً لك . آه ! سيدة والترز . . . يجدر بك أن تقولي ذلك على الفور فخلال ثلاث دقائق سوف أخرج من المبنى , وسوف أسحب عرضي . ظاب يومك "
أعادت رايتشل سماعة الهاتف إلى موظفة الأستقبال التي راحت تنظر إليها من دون التفوه بأي كلمة , قالت للمرأه ببرود :" سوف أنتظر هنا "
نظرت رايتشل إلى الساعة في معصمها , وحملت حقيبة يدها , ثم توجهت نحو مجموعة من الأرائك الجلدية البيضاء المحيطه بطاولة دائريه , حيث تم ترتيب صحف اليوم , حملت نسخه من صحيفة التايمز , وباشرت بقراءة الصفحة الأولى .
رنّ هاتف مكتب الأستقبال بعد دقيقتين وخمسين ثانية تماماً من إعادتها سماعة الهاتف إلى موظفة الأسقبال قلبت رايتشيل صفحة الجريده و وتابعت القراءه ,
بعد مرور ثلاثين ثانية جاءت موظفة الأستقبال , فوقفت إلى جانبها قائلة :" السيده والترس سوف تلاقيك في الطابق الإداري , آنسه فايل "
استقلت رايتشل المصعد إلى الطابق العلوي , عندما أنفتحت الأبواب تقدمت نحو رايتشل أمرأه في متوسط العمر أنيقة اللباس , وقد بدا وجهها لطيفاً .
- أنسة فايل ؟
أومأت رايتشل برأسها , فيما خلا وجهها من أي تعابير .
- أيمكنك أن تتبعيني من هنا , أرجوك ؟
قادتها المرأه إلى أمام على كول فسحة مغطاة بسجاده بلون القشدة , تتخلله قطع ضخمة من التماثيل التدريديه بدا ذللك مهيباً ومؤثراً في النفس . صُمم المكان حتى يكون مخيفاً مرعباً للمتطفلين الوقحين القليلي الحياء مثلها .
لكن رايتشل جاءت إلى هنا لتدري صفقة عمل . لاشيء أكثر ... ولاشيء أقل من ذلك .
قادتها السيدة والترز مباشرة نحو بابين من الخشب . قرعت المرأه على الباب بشكل مميز . ثم فتحت أحد البابين وأعلنت قائلة :" الآنسة فايل , سيد فارنيستي ".
خطت رايتشل إلى الداخل , فيما لم يظهر أي أثر للمشاعر في وجهها .
بدا السيد فارنيستي تماماً كنا تعده . لم تغيره فترة السبع سنوات على الإطلاق . لا بد أنه سيبقى طيلة حياته أجمل رجل رأته رايتشل على الإطلاق !
منتديات ليلاس
فكرت رايتشل من دون وعي أن الجمال كلمة غريبة جداً لتطلق على رجل ما , لكنها بالرغم من ذلك الكلمة الوحيدة التي تناسب فيتو فارنيستي . إنه جميل بشعرة الأسود القاتم , بوجهه المرسوم بأناقة , بعظمتي خديه العليتين المنحوتتين بدقة , بخط أنفه الناعم وبفكه ذي الحواف المسطحه , أما فمه فكامل كما لو أنه يخص ملاكاً ما , لكن ليس ملاك النور بالطبع , بل ملاك الخطيئه .
استند فيتو إلى الوراء في كرسيه الجلدي . بدا جامداً تماماً فيما ألقى إحدى يديه على سطح مكتبة الأسود .
لم ينهض واقفاً على قدميه ليرحب بها .
سمعت رايتشل القرقعه الخافته للباب وهو ينغلق , فأدركت أن السيدة والترز أدت واجبها كاملاً .
راقبها فيتو بغموض خال من التعابير من تحت أهدابه البالغه الطرول بدا لامبالياً مجرداً من المشاعر , فيما ظل ملتزماً الصمت
في ذلك الصمت سمعت رايتشل في رأسها أو ل كلمات قالها لها فيتو , كما لو أن الزمن قد تلاشى ...
منذ أحد عشر عاماً , كانت رايتشل في الرابعه عشرة من عمرها ... كانت فتاة طويلة القامة , خرقاء , بسيطة وعادية , كانت أشبه بمهرة صغيره لم تبلغ نموها بعد . حصل ذلك خلال الأجازه الصيفيه المدريسة , وخلال أول أسبوع منها . كان يفترض برايتشل أن تذهب لتمضية أسبعين لددى صديقة لها في المدرسة , إلا أن جيني تعرضت لألتهاب في آخر يوم من الفصل الدراسي , فألغي والدها الدعوه الموجهه إلى رايتشل . أعلمت المدرسة والدة رايتشل بذلك في اللحظه الأخيره , فأرسلت لأبنتها تذكره سفر لتأتي بها إلى إيطاليا .
لم ترغب رايتشل بالذهاب إلى هناك , فهي تعلم أن والدتها لا ترغب بتواجدها معها . هي لم تعد ترغب بوجود أبنتها معها منذ أن أستخدمها إنريكو فارنيستي , فأنتقلت إلى أيطلايها لتبقى قريبة منه قدر الأمكان . والآن ما عادت تراها والدتها إلا لمدة أسبوع تقريباً في فندق في لندن , يقوم إنريكو بدفع تكاليفة , تعلم رايتشل أن آرلين كانت تسرّ بأنتهاء الزيارة حتى تتمكن من العوده لإنريكو .
لكن خلال تلكك الإجازه , لم يكن لدى رايتشل أي مكان آخر تقصده . فأنتهى الأمر بها في إيطاليا كما يحصل دوماً .
الفيلا التي بناها إنريكو لوالدتها جميله جداً , تستقر فوق تل يعلو قرية حديثة الطراز مجاوره للبحر على الشاطئ الليغوري . وهي على مقربة من تورين , حيث تقع مصانع فارنيستي .
وجدت رايتشل نفسها مسحوره بجمال المكان بارغممن عدم رغبتها بالتواجد هناك , فهي لم تكن قد شاهدت البحر المتوسط من قبل . بعد ظهر أو يوم لوجودها هناك , وبعد أن أوصلها السائق الخاص الذي لاقاها في المطار , لم تهدر وقتها , فهرعت نحو بركة السباحة . بدا لها أن الفيلا مهجوره وأن ليس فيها سوى مدبرة المنزل التي لم تكن تتكلم سوى الإيطاليه , بالرغم من وجود سيارة حمراء ضخمة أمام مدخل المنزل . افترضت حينها أن والدتها وإنريكو هما حتماً خارج المنزل , فانسلت ممتنه لتنعم بالمياه الدافئة تحت أشعة الشمس . وصلت رايتشل إلى جهة المياه الضحله في البركة بعد أن قطعت البركة سباحة أثنتي عشرة مرة او ما يقاربها . توقفت لفترة وجيزه واضعة إحدى ذراعيها فوق الحافة الحجرية للبركة , أما شعرها المبلل فأنسدل إلى الوراء إلى شكل ذيل الفرس مستلقياً فوق إحدى كتفيها . تمهلت لتلتقط أنفاسها قبل أن تستعد لتستدير وتتوجه نحو الجهة العميقة مجدداً , وفي تلك اللحظه أدركت أن الفيلا ليست مهجوره فعلاً . رأأت أحدهم يقف عند قمة درج قصير من الدرجات الحجريه . إنه شاب في أواخر فترة المراهقة . ربما في العشرين من عمره . من الواضح أنه إيطالي , فهو نحيل جداً وطويل جداً .
ظل الرجل واقفاً هناك من دون أي حراك . ثم بدأ يسير ببطء نزولاً على الدرج .
كان يرتدي سرواً بدلون القشدة دقيق القصة والتصميم , ويضع إحدى يديه في جيبة , كما يرتدي قميصاً مفتوحة عند العنق بلون القدة أيضاً , فيما وضع حو كتفية كنزة لون الشوفان . نزل الرجل الدرج برشاقة متراخية أوقفت الأنفاس في رأتي رايتشل . أنجرّت عيناها بعيداً عن عنقة الطويل فوصلتا إلى وجهه . أحست حينها أن كل عضلة في جسدها تنقبض بشكل لا يحتمل . إنه أجمل وحه رأته على الإطلاق !
لامس شعره الأسود القاتم برقة جبينه الأسمر , ولاحظت رايتشل عظمتي خدية المنحوتتين , وفكة وأنفة وفمه ماجعل معدتها تتلوى .
كان الشاب يضع نظارتين شمسيتين عامقتي اللون , فبدا جميلاً جداً ومتألقاً إلى درجة كبيرة كما لو أنه خرج للتو من مشهد من فيلم سينمائي , توقف عند أسفل الدرج على بعد حوالي المترين من حافة البركة , ونظر إلى رايتشل . أخفت نظارتاه السوداوان عينية , لكن رايتشل . فجأة أحسّت أنها مكشفة تماماً أمامه .
أتراه يعلم أنه يفترض بها أن تتواجد هنا ؟ لم تكن لديها أدنى فكره عن هويته , لكنها أدركت فطرياً أنه من ذلك النوع من الأشخاص الذين يعرفون من يكونون , إن مظهرة وجماله يخطفان الأنفاس , أما اناقته المتعجرفة فبدت فطرية غير متكلفة . إنه من ذلك النوع من الرجال الذين تتهافت الفتيات عليه , وقد يتقاتلن في سبيل الحصول على إلتفاتة منه .
أدركت رايتشل حينها بالتحديد أنها هي التي تحظى بأهتمامة في بلك اللحظات , فغمرها ذلك النوع من الحرج المريع الذي بزغ علليها فجأه , ولم يعجبها ذلك .
لم يكن سبب ذلك فقط التحذير الذي وجهته لها مدبرة منزلها قبل مغادرتها إلى إيطاليا حيال ولع الرجال الإيطاليين وأستحسانهم للفتيات الشابات , ذلك التحذير الذي أخذ يطن في أذنيها , بل لأنها أحست بالخجل الشدييد . بغض النظر عمن يكون هذا الشاب , من الواضح أن له الحق الكامل باتواجد هناك , لكن نظراً إلى وصولها غير المتوقع فلربما هو لايعرف بأن لها هذا الحق أيضاً . أسلوب نظره إليها جعلها تشعر بالأنزعاج .
قد يكون ثوب السباحة الذي ترتدية أقل ملابس السباحة تألقاً في العالم , فمقارنه مع بعض الفتيات في مثل سنها, كانت هي متأخره قليلاً في النضج , إلا أن الرياضة التي تمارسها جعلت ذراعيها تمتلئان بالعضلات . أما بانسبة إلى وجهها . فهي تفترض أن لابأس به لكنه عادي جداً .
لربما كلمة " عادي " ليست موجوده في قاموس الرجل الذي كان يحدق نزولاً نحوها . هي تعلم تماماً أي نوع من الفتيات قد يواعدهن . إنهن فتيات القائمة الأولى اللواتي ترشح منهنّ الجاذبية . إنهن فتيات مذهلات رائعات في كل لحظة من النهار .
هذه الأمور كلها مرّت في ذهن رايتشل خلال لحضات قليلة فقط , وأدركت أنها ليست من الفتيات المدونات على القائمة الأولى , فهي صغيرة جداً بالنسبة إلية , وهي لييست موجوده حتى بالنسبة إلية كفرد من جنس النساء . إذاً ماهمها لو اعتقد ان ثوب السباحة الذي ترتديه ليس ساحراً وأن وجهها وقوامها ليسا كذلك أيضاً ؟
أما الأمر الهام فعلاً فهو أنه قد يظنها تتطفل على أرضة , أو أنها سائحة غريبة استغلت الفرصة بأعتبارها الفيلا مهجورة .
تارع الشاب النظر إلى رايتشل , فيما بقيت إحدى يديه محشوره في جيب سرواله , بينما تدلت يده الأخرى مسترخية . بدت ملامحه غير مقروءة . أتراه ينتظر أن تقول شيئاً ما لتفسر وجودها ؟
غمرها الشعور بالأحراج والأحمرار , فرفعت رايتشل بدها المترددة بنوع من التلويح , لكنها أحست بالغباء لحظة تصرفت على هذا النحو , غير أن الأوان كان قد فات على التراجع . قالت رايتشل بغربة :" مرحباً ! أنت على الأرجح تتساءل عمّن أكون , لكن ..."
لحظة بدأت رايتشل تتكلم أدركت أنها تبدو غبية . إنها تكلمة باللغة الأنكليزية بينما يبدو من الواضح تماماً أن الشاب إيطالي .
قطع الشاب حديثها فأختصره قائلاً :" أنا أعلم تماماً من تونين "
تكلم الشاب بلغة إنكليزية سليمة تماماً . أمما نبرتة الأيطاليه فلم تسهم أبداً في تليين قساوة كلماته الصريحة الفظة حين تابع :" أنت الأبنة اللقيطة لعشيقة والدي ".

موــــــــني ^___^
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++

مونـــــي 13-11-12 01:28 AM

رد: أحزان أبنة الفجر - جوليا جايمس
 

2- أريد خاتمك

بعد مرور إحدى عشر سنة مازال صوت فيتو خشناً كما كان تماماً , كما أن لكنته الإطاليه بقيت على حالها .. غير لينه .
- إذاً قررتِ أخيراً أن تستخدمي آخر ذخيره لديك .
راحت عيناه تراقبانها من دون أن تظهر فيهما أي تعابير واضحة .
لكن عندما أستقر تحديقه الثابت اللامبالي عليها , استطاعت رايتشل أن تلحظ ومضة ذهبيه في عمق أعماق عينيه.
احست كما لو أن ومضة الأحاسيس تصوّب نحوها تماماً كرصاصة القناص , وهي مميتة بالقدر نفسه .رأت ذلك اللمعان الذهبي في عينيه مرتين خلال لحظتين فقط .
ظهر ذاك اللمعان مع أول كلمات قالها على الإطلاق .
أدركت رايتشل بمرارة أنها لو كانت تمتلك ذرة من غريزة البقاء حينها لحرصت على أن تكون تلك آخر كلمات يقولها لها فيتو أبداً .
لكن تلك الفتاة الغبية العديمة الخبرة ذات الأربعة عشر ربيعاً لم تمتلك أي غريزة مماثله . الغريزة الوحيدة التي تملكها هي واحدة غبية قادتها بطريقة مميته إلى دمارها الكامل .
طوال سبع سنوات راحت تقمع بلا رحمة أو هوادة أي مشاعر تتعلق بالرجل الجالس أمامها الآن والذي لايبعد عنها أكثر منثلاثة أمتار , لكن تلك الذكرى الصاعقة عاودتها من حيث لاتدري . إنها تفضل أن تخسر يدها اليمنى على أن تتذكرها الآن وهنا بالذات .
لا! لا َ!
منتديات ليلاس
أجبرت نفسها على دفع تلك الذكرى جانباً . أنت هنا من أجل أمر واحد فقط . هدف وحيد ... مغزى وحيد .. صفقة عمل واحدة !
زادت رايتشل من حدة تحديقها به .
لاتشعري بأي شيء . لاتتذكري أي شيء !
جلس فيتو في مكانه بأنتظار أن تتكلم . علم أنها سوف تتكلم . ذلك هو السبب الذي دفعه إلى استقبالها ,فذلك هو المبرر الوحيد لوجودها المستمر في حقل المعلومات الخاص بذهنه . لاوجود لها في ذهنه إلا في هذا الإيطار .
هل أنا موجوده على الإطلاق في ذهنه ؟
تسلل هذا السؤال الغدار العديم الجدوى إلى ذهن رايتشل . لا!
إنها ليست موجوده على الإطلاق في ذهنه ؟
إنها ليست موجوده أبداً بالننسبة إليه . ليس هي ... رايتشل فايل . ليس الشخص الذي هي عليه , روحها , ذهنها , شخصيتها , ماتحبه وما تكرهه . لاشيء يتعلق بشخصها موجود بالنسبة إليه !
بعد مرور أحد عشر عاماً طوالاً مازالت كلماته تتردد في ذهنها ؛
" أنا أعلم تماماً من تكونين . أنت الأبنة اللقيطة لعشيقة والدي ".
هذا ماهي غليه بالنسبة إلى فيتو فارنيستي . هذا كل ماكانت عليه غلى الإطلاق بالنسبة إليه وكل ماقد تكون عليه يوماً . بعدئذٍ جائتها فكرة جديدة تسللت من بئر المرارة القديمة العهد . فكرة جعلتها امرأة شريرة وقحة . سوف تكون أكثر من ذلك بالنسبة إلى فيتو فارنيستي إن أراد أن يتم الصفقة معها .
انشدّت كتفاها إللا الوراء . استقرت نظراتها على وجهه الفارغ اللامبالي , فلم تلحظ أي أثر للأحاسيس في عينيه على الإطلالاق .
بدأت تقول :" هناك شروط ..."
احتفظ فيتو بجموده . لدا كأن كل عصب وكل خلية في جسده خاضعتين لسيطرته بالكامل . لو أنه لم يفرض هذه السيطرة القاسية على جسده . لأندفع جسده من تلقاء نفسه ليقوم عن الكرسي , ويشق طريقه متخطياً المكتبة , ليلفّ يديه حول كتفي المرأة التي تجرأت على الوقوف هنا حتى تعرض عليه الشروط . كان ليهزّها ويهزّها ...
انغلق ذهن فيتو . من المميت أن يسمح لنفسه حتى أن يتخيل تلك الفكرة , خشية أن تسيطر عليه وتصبح أمراً حقيقياً . عوضاً عن ذلك ظل جالساً مكانه بلا حراك البتة وهو يراقبها .
ها هي رايتشل فايل تزحف إلى حياته بعد مرور سبع سنوات !
بالرغم من ملابسها الأنيقة هذه , فهو لن ينخدع بمظهرها البراق .
تشرّبت عيناه كل التفاصيل : الشعر , الذله , الأظافر , القطع الزينيه . وضع فيتو بطاقة سعر على مظهرها باكمله . خمس مائة جنيه ؟ وربما يضع مئات أخرى لو أضاف سعر الحذاء وحقيبة اليد . من أين تراها تحصل على المال ؟
طعنه هذا السؤال في رأسه , فسبب له مرارة لاعهد له بها .
أمِن رجال آخرين ؟
حسناً ...! أرخى فيتو التوتر المفاجئ الذي لايمكن تفسيره في كتفيه مع تكوّن الجواب في ذهنه إنها حتماً تمتلك الجينات المناسبه لذلك . لابد أنها مهنة تجري في العائلة ..
في الواقع رايتشل ليست بحاجة إلى جينات محددة لكي تقوم بذلك , فمظهرها الفاتن يكفي وحده . فكّر فيتو أن راتشل هي في قمة بألقها الجسدي الأن , وهي حتماً تعرف كيف يجدر بها أن تقدم نفسها . أحس بنصل السكين يخرقه مجدداً , لكنه تجاهله .
تأمل رشاقتها الشبيهة برشاقة فرس السباق وشعرها الأشقر الرمادي المنسدل على كتفيها وعينيها الواسعتين الساحرتين وفمها الرقيق .... لا !
أحسّ بشفرة تخترق ذهنه مجدداً . حسناً! إنها تبدو رائعة , متألقة , ساحرة ... ماذا إذاً ؟
لاعلاقه لمظهرها به . لاشيء بخصوص رايتشل فايل يهمه بتاتاً . مايهمة هو الثمن الذي ستطلبه .
استرخى ففيتو بهدوء إلى الوراء في كرسيه , فم يسمح إلا لأهدابه السميكة بأن تنخفض قليلاً فوق عينيه وهو يسألها :" والثمن الذي تطلبينه هو ...؟"
ظهر المقت في صوته , ولم يزعج نفسه حتى بإخفائه ؟ هل تحرك شيء ما في وجهها ؟ إنه لايستطيع أن يؤكد ذلك . لكن رايتشل أجابت بنوعية الصوت الذي تكلمت به من قبل , فقالت :" أنا لم أقل " الثمن" بل قلت " الشروط ".
عبرت جسد فيتو موجة جليدية مفاجئة من السخط والغضب . فكر أنها تملك مايكفي من الوقاحه لكي تأتي إلى هنا ثم تلوي ذراعه على هذا الشكل . هي تدرك أنها قادرة على ذلك . حسناً ! طيلة ثلاث سنوات يحاول فيتو بكل طريقة ممكنة أن يسترجع ماهو ملكه ...ملكه ! أخيرااً تبين له أن فريق المحامين الذين يعمل لديه عديم الحيلة أمام هذه المسألة . إنهم بلهاء ! قال له المحامون إن الهدية هي هدية , وتلك الصفقة تعطي حقاً قانونياً للمتلقي . مهما يكن , فوالده منح عشيقته العديد من الهدايا القيمة جداً ومن ضمنها المجوهرات ...
قاطعهم فيتو يومها وهو يطلق الشتائم :" اللعنه ! هل تقارنون تلك الحلى الرخيصة العديمة القيمة التي منحها لعشيقته مع تلك المجوهرات النادرة التي سرقتها منه ؟"
غامر أحهم بالقول :" من الصعب أن نؤكد أنها فعلت ذلك في قاعة المحكمة , سنيور فارنيستي "
فأنقض عليه فيتو بغير رحمةً قائلاً :" هذا مؤطد ! لاشك أنها سرقتها ! والدي لم يكن غبياً ! هو لم يمنحها حتى الفيلا , فلماذا بحق الجحيم يمنحها شيئاً ذا قيمة أكبر ؟"
- ربما فعل ذلك كعربون ... آه ... ! تقدير ... أو .... عوضاً عن الـ ... آه ... الفيلا ؟
تجمد فيتو عن الحراك ,و وسيطرت على وجهه نظرة مميتة . ثم تكلم بصوت ناعم فتاك جعل ذلك المحامي يتراجع إلى الوراء بشكل تلقائي . حين قال :" أنت تظن ذلك , أليس صحيحاً ؟ أخبرني ! أي رجل يمنح عشيقته هدية الزواج التي تخص زوجته ؟ أي رجل يمنحح عشيقته الزمرد الخاص بآل فارنيستي ؟"
زمردات آل فارنيستي ! مازالت رايتشل قادرة على رؤيتها حتى الآن . حصل ذلك منذ تسعة أشهر , يومها ألحت عليها والدتها كي ترافقها إلى المصرف . طلبت الوالدة أن تدخل إلأى غرفة صغيرة حيث أحضر لهما مسؤول المصرف رزمة مختومة وضعها على الطاولة بالإضافة إلى وثيقة ما .
ماإن تركهما الرجل بمفردهما حتى فكت والدة رايتشل شريطاً مربوطاً حول الرزمة الشبيهه بالصندوق . ثم فتحت والدتها الصندوق لتكشف عن طبقة علوية غير عميقة ثم طبقة أعمق تحتها .
شهقت رايتشل لشدة دهشتها إذ لم تقوّ على منع نفسها من ذلك .
أومض في النور نهر من الأضواء الخضراء . رفعت والدها عقداً من الصندوق وتراجعت إلى الوراء فيما استقرت نظرة ما على وجهها .
إنه تعبير يدل على الرضى والأكتفاء التام . وضعت الوالدة العقد المتوهج في يدها , وأطلقت تنهيدة تنهم عن الرضى .
تنفسّت رايتشل قائلة :" إنها مذهلة !"
ابتسمت والدتها , وقالت :" نعم , وهي ملكي ".
ظهرت رنة غريبة في نبرة صوتها لا تدل فقط على المتعة لامتلاكها كنزاً مماثلاُ , بل أكثر من ذلك . أما رايتشل فأدركت ماهي ؛ إنه الإنتصار !
أما جملتها التالية فبدت منذرة بالسوء أو بوقوع مصيبة ما , إذ قالت :" إنها زمردات آل فارنيستي . وهي ملكي أنا ".
ثم طهر في عينها تعبير غريب . نظرت إلى رايتشل وقالت :" سوف تصبح هذه الزمردات لك ... ميراثك ".
استند فيتو إلى الوراء في كرسيه خلف المكتب الواسع الذي يليق برئيس مجلس إدارة فارنيستي للصناعة ومديرها التنفيذي . تعود هذه الشركة في القدم إلى أكثر من ثلاثة أجيال , لكن عائلة فارنيستي تعود إلى زمن أكثر قدماً . كان آل فارنيستي أمراء وتجاراً في عصر النهضة . وبالرغم من أن ثروات العائلة تقلبت عبر العصور , إلا أنها الآن بدأت بالتصاعد إلى الأعلى مجدداً بفضل ذهن إنريكو المتوقد الحذق الذي ورثه عن أسلافه. والآن هاهو فيتو يدير شركة فارنيستي للصناعة وهي شركة لامعة وذات تأثير في الأقتصاد العالمي .
منتديات ليلاس
بالرغم من أن آل فارنيستي يتطلعون إلى الأمام في الحياة , إلا أن فيتو لم ينسّ الماضي . الماضي السحيق الذي أحضر زمردات فارنيستي إلأى الوجود في القرن الثامن عشر , ولا نسي الماضي القريب الذي لطّخ شبابه بوجود آرلين غراهام في حياء والده .
وجود بلك المرأة بدا كالسم في حياته وحياء والدته . إنه سم لم يستخرجه كاملاً بعد , وعليه أن يكمل استخراج آخر قطرة منه . والآن هاهي أبنة آرلين هنا , تعرض عليه فرصة استخراجه ...
تكلم فيت فيما بدا وجهه خالياً من التعابير قائلاً :" الشروط ؟ أتعنين أن أعفيك من الملاحقة القانونية بتهمة السرقة ؟"
بدا صوت فيتو غير قابل للنقاش . أزاحت رايتشل ثقل جسدها قليلاً إذا أخذ التوتر في عمودها الفقري يؤلم ظهرها . لكنها أجابت قائلة :" لو كانت هنالك أي مبررات للملاحقة القانونية لقمت بها منذ سنوات , أما الشروط التي أطلب تنفيذها فهي مختلفة تماماً "
راقبت رايتشل وجه فيتو كي ترى ردة فعله , لكن لم تبدُ عليه أي ردة فعل على الإطلاق . لم يظهر عليه حتى الغضب لأنها ذكّرته بعجزه عن استخدام قوة القانون ليستعيد مايعتبره ملكاً له . لو كان بمقدوره القيام بذلك لما توانى للحظة واحدة , وهي تعلم ذلك جيداً .
في الواقع قعل فيتو ذلك مرة من قبل . غشيت عيني رايتشل غمامة وهي تفكر بذلك . فيتو فارنيستي يحصل دوماً على مبتغاه , وهو يحرص جيداً على ذلك مهما كان الأمر وأياً كان الشخص ولأي سبب كان حدّقت رايتشل بفيتو . حدقت بالرجل الجالس هناك , والذي أوشك أن يدمرها في أحد الأيام . يومها كانت شابة غبية سهلة الخداع . لكنها لم تعد تمتلك أياً من هذه الصفات الآن الآن لايعني لها فيتو فارنيستي شيئاً , تماماً كما أنها لاتعني له أي شيء . لم تعنِ له شيئاً في أي وقت من الأوقات . الآن , هناك شخص واحد فقط تهتم لأمره .
أدركت رايتشل ذلك متأخرة جداً , لكنها أدركته أخيرأ. لهذا السبب هي موجوده هناك الآن , تقف أمام فيتو فارنيستي , وتعرض عليه الشيء الوحيد الذي يريده منها , الشيء الوحيد الذي يهتم له على الإطلاق . الوحيد الذي يريده منها , هي لم تكن ذات قيمة أبداً بالنسبة إليه هي في أي وقت من الأوقات لمتكن أكثر من مجرد غبية تم استغلالها .
بدت عيناه غامقتين , غامقتين جداً ... تماماً كالليل .
" كنت قد أقسمت أنك جميل .. يوم رأيتك مشرقاً..
يامن نورك أسود كالجحيم , ومظلم كعتمة الليل ..."
مزقتها هذه الأبيات المريرة من قصيدة شكسبير ذات الأربعةة عشر بيتاً .
سحبت رايتشل نفسها بالقوه من حزنها , فأجبرت ذهنها على الأبتعاد عن هذا التفير .
فيتو فارنيستي يريد أشياء مختلفة الأن عما أرده يوم كانت فتاه شابة غبية يسهل خداعها . مايريده فيتو الآن هو بحوزتها . لكن على العكس مما حصل في الماضي , فهي هذه المرة سوف تأخذ منه شيئاً بالمقابل . ليس المال , فالمال ليس نافعاً بالنسبة إليها .
ضاقتت عينا فيتو . لكنهام بقيتا خاليتين تماماً من التعابير . لذا ثبتت رايتشل نظرات عينيها على عينيه طالبها قائلاً :" حسناً ؟"
انطلقت نظراته نحوها بثبات , فأحست رايتشل كما لو أن نظراته تلك تملك قدرة ملموسة على التأثير بها . أوضحت له قائلة :" الأمر بسيط جداً . أنا أريدك أن تتزوجني ".
للحظة ساد صمت تام مطبق , ثم بدأ فيتو يضحك ضحكاً أشبه بلسعة السوط , أحست رايتشل كما لو أن ضحكتهه تلك تفصل اللحم عن عظامها وتسلخ الجلد عن جسدها . إنها ضحكة ساخرة ملؤها الأزدراء .
مالبث فيتو أن توقف عن الضحك . أنحنى إلى الأمام , فيما ظهر سمّ أسود مميت في عينيه , ثم قال مستهزئاً :" في أحلامك !"
أحست رايتشل كما لو أن صوته يلسع جسدها , فأجبرها على الإقرار بحقيقة ماقاله . فيما ممضى كان زواجها من فيتو فارنيستي بمثابة حلم يتحقق . لكن بدا كأن ذلك حصل في حياه أخرى , عندما كانت هي شخصاً مختلفاً ز نعم . كانت ساذجه جداً إلى درجة أنه كان يجب أن تعلق على صدرها إشارة تحذيرية تعلن عن غبائها أما في ما يتعلق بفيتو فلم يكن هناك أي تحذير . مامن شيء نبهها إلى مدى الخطورة المميته التي يمكن أن يشكلها فيتو فارنيستي بالنسبة إلأيها بعد ذاك اللقاء المريع الأول بينهما بالقرب من البركة عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها . ظنت رايتشل أنها لن تراه مجدداً . بدت والدتها شديدة السخط عندما أكتشفت وجود فيتو في الفيلا بعد عودتها من غداء مطول مع إنريكو , أما والد فيتو فلم يبد مسروراً بدوره .
يومها بقيت رايتشل في الأسفل بالقرب من بركة السباحه حتى بعد عادت برفقة إنريكو , لكنها لم تقدر على تحمل تبادل الأتهامات الغاضبة وتلك الأصوات العميقة المتردده من داخل المنزل , والتي بلغت أعلى ذروتها بزئير وحشي صادح من تلك السيارة الحمراء التي أنطلقت مسرعة صعوداً على الطريق الساحلية الوعره الشديدة الأنحدار . بعد فترة قصيرة جائت والدة رايتشل تبحث عنها , فضربت الدرج نوزولاً بكعبي حذائها العاليين , فيما بدت متوترة شاردة الذهن , وقد غطت وجنتيها لطختان من اللون الأحمر ظهرتا بوضوح تحت ذاك التبرج التام الذي وضعته . ةالدتها التي كانت حينها في الرابعة والثلاثين من عمرها , كانت تبدو أصغر سناً حتى يظنها من يراها أصغر بحوالي العشر سنوات من سنها الحقيقية . أما اليوم , فالتقدم في السن يظهر عليها بوضوح . شعرت رايتشل بنفسها مجبرة على أن تسأل :" هل أنت بخير , أمي ؟"
أصدرت والدتها صوتاً من حلقها يدل عيلى نفاذ الصبر , ثم قالت " كان فيتو هنا , ينشر يفوره المعتاد ! إنريكو غاضب , وهذا أمر طبيعي . إنه موقف صعب "
سألت رايتشل :" من هو فيتو ؟"
بالرغم ممن أنها واثقة تماماً إنها تعرف عمن تتحدث والدتها .
- أبن إنريكو . قاد سيارته إلى هنا حتى يُعلم والده بأن والدته غادرة متجهة إلى الشاليه الموجود في الجبل , وقد انتابتها إحدى تلك النوبات العصبية ! ثل يظن فيتو جدياً أن إنريكو سوف يهرع خلفها ؟ لم يمض على وجوده هنا سوى يومين ... ذاك الصبي لافكرة لديه البتة عن مدى كدّ والده في العمل !
زمّت والدة رايتشل فمها , وتابعت :" الشيء الوحيد الذي يعرفه فيتو هو إنفاق المال والتمتع بحياة , وتابعت :" هو قابلته قبل أن نعود أنا وإنريكو ؟"شعرت رايتشل بالكرب يلفها , وأحست باللون الأحمر يغمر وجهها , فأقرت بصوت متلعثم :" إنه ... مرّ بالقرب من بركة السباحة "
تصلّب وجه والدة رايتشل قفالت :" حسناً ! على الأقل هو لن يعود الآن . ذهب ليمسك بيد والدته التي لا تتوقف عن النواح . من المضحك أن يثير الجلبة بسببها !"
تساءلت رايتشل , هي سمعت نبرة دفاعية في صوت والدتها , أم أن ماقالته هو مجرد أتهام ؟ مهما كان , فذلك بكل بساطة جعلها تتمنى لو أنها على بعد مليون ميل من ذلك المكان .
بذلت رايتشل قصارى جهدها حتى تبقى بعيدة عن طريق إنريكو ووالدتها , فكانت تتجه إلى الشاطئ الصغير الخاص الذي يقع تحت الفيلا لكي تسبح في البحر أو تأخذ حماماً شميساً فيما تطالع كتاباً بالقرب من البركة .
يبدو أن والدتها وإنريكو كانا يمضيان غلبية وقتهما في الخارج وقد سرّها ذلك فهي لم تشعر بالأرتياح بحضور غنريكو أو بحضور والدتها . بدا إنريكو رجلاً غير ودود في متوسط العمر وذو بنية صلبة هو شخصية رئيسية يدور حولها نشاط المنزل بأسرة , بما في ذلك بشكل أساسي والدتها .
منذ ست سنوات كان إنريكو فارنيستي يحضر مؤتمراً في برايتون , فدخل إلى المتجر الفخم الذي تديره والدتها في منطقة لاينز لكي يشتري شيئاً ما لصديقته في ذلك الحين , لكنه قرر أن آريين غراهام هي افضل من تلك الصديقه , فأقنعها أن ترافقه لتصبح إحدى مساعداته في العمل , لعد ذلك مباشره وضبت رايتشل أغراضها , وتم إرسال رايتشل إلى مدرسة داخلية باثظة التكاليف لكي تبتعد عن طريقة . أما والدة رايتشل فأنتقلت بسرعة /إلى إيطاليا .
منتديات ليلاس
عرفت رايتشل أن والدتها أصبحت أكثر من مجرد مساعة لإنريكو فارنيستي , رئيس شركة فانيستي الصناعية . صارت آرلين تقيم في فيلته الفخمة بحجة إنجاز الأعمال بسرعة , وتمضي إجازاتها في اليخت الخاص به . كذلك علمت رايتشل أنها بضل إنريكو فارنيستي كانت تقصد مدرستها الداخلية المتميزة , وبفضله أيضاً أصبحت العمة جين تقيم في بيت مؤلف من طابق واحد واسع الشرفات خارج برايتون , ولم تعد تقيم في شقة في مجمع سكني حيث كانت تعيش من قبل . أما حين كانت رايتشل تنزل مع والدتها في فندق في لندن , فإنريكو فارنيستي هو الذيكان يدفع تكاليف الفندق كما يوفر لها المال الذي تنفقه . أما والدتها فلم تبدُ يوماُ منزعجة بسبب شذوذ هذا الأرتباط بينهما .
- هذه الأمرور مفهومه في هذا البلد .
أضافت آرلين مرتجلة :" بما أن إنريكو يحتاج إلي في تنظيم مختلف شؤونه , لذا من الطبيعي أن أبقى بقربة . إنه تدبير مقبول تماماً , ولا أحد يسيء الظن به "
بدا كلامها مقنعاً جداً إلى درجة أن رايتشل صدقتها في ذلك الحين , إلى أن قام فيتو بسلبها ذاك الوهم مستخدماً حفنة من الكلمات البذيئة العابرة . إنها كلمات بشعة بقد ماهي صحيحة . بحق الله ! أما كان يجدر بذلك أن يكون تحذيراً كافياً ؟
لكن بشاعة تلك الكلمات لم تكن كافية حتى تجعلها تنسى جمال الرجل الذي قال هذا الكلام . بدءاً من ذلك اليوم فصاعداً أخذت رايتشل تخفي سراً معيباً مخزياً . فقلبها المراهق أخذ يقارن كل رجل يصادفة بفيتو فارنيستي , سواء كان ذلك الرجل حقيقياً أم مجرد شخصية ظهرت على شاشة التلفزيون . ومع مرور السنوات ظلت رايتشل غير قادرة أبداً على إزالة تلك الصورة . وكأنما صورته أنطلعت على شبكية عينيها عندما سار نزولاً على ذاك الدرج برشاقة وليونة , كما لو أنه أمير وسيم لا أحد يضاهيه وسامة وتألقاً . لم تخبر رايتشل أي شخص بسرها هذا , وبقي فيتو فارنيستي بطل أحلامها الممنوعة .
إنه سرّ اضطرّت إلى دفع ثمنه بمرارة , وما زالت تدفع ثمنة في أحلام تحولت إلى كوابيس . لابد أنها تعيش أحد هذه الكوابيس الآن ... الوخزة القاتمة المميتة لعيني فيتو فارينستي بعدما أخبرته بشروطها حتى يستعيد زمرادات فارنيستي أصابتها في الصميم .
تراجع فيتو إلى الوراء في كرسيه , ثم قال بصوت ناعم مهلك :" كوني واقعية "
استطاعت رايتشل أن تشعر بلأزدراء والسخرية يجلدانها كالسوط . رأته وهو يمد يده ذات الأنامل الطوريلة ليفتح أحد أدراج المكتب , ويخرج منه دفتر شيكات جلدي . فتحه بضرة واحدة وأمسك قلم حبر من الذهب , ألقاه فوق الشيك بعد أن أزال غطاءه .
- المال . تلكهي العمله الوحيدة التي تتعامل بها النساء أمثالك وأمثال والدتها .
ضاقت عينا فيتو , وأستطاعت رايتشل أن تشعر بالغضب العارم المكبوت داخلهما .
تابع كلامه قائلاً :" لكن لاتفكري لحظة واحدة بمحاولة ابتزازي . يمكنك أن تحصلي على مليون ييويو مقابل الزمرادات من دون أي زيادة , أقبليها أو ارفضيها ".
بدأ فيتو يدون واثقاً , فأخذ الجبر الأسود يجري بسلاسة على الشيك .
جاء صوت رايتشل رصيناً , متمكناً جداً :" لن أبيع !"
لم يتمهل فيتو بالكتابة , بل تابع بكل بساطه, فخربش بغير اكتراث "مليون يورو" في المكان المطلوب .
- أنت لم تسمعني . أليس كذلك ؟
قالت رايتشل ذلك , لكن ... هل بدا صوتها أقل ثباتاُ ؟ لا . لن تسمح له بأن يكون كذلك . يجب عليها ألا تسمح له بذلك . الكثير من الأمور تعتمد على محافظتها على السيطرة التامة على نفسها .
نظر فيتو إلى الأعلى , فيما بدت نظراته وقحة مزعجة إذ قال :" سمعتك تقولين نكتة ذات ذوق سيء جداً , لكنني لم أظن حتى إنك قادرة على النزول إلى هذا المستوى السافل"
تابع كتابة الشيك , فوقع عليه بيده السمراء التي تنساب بسهولة , ثم مزق الورقه من دفتر الشيكات ودفع بها عبر المكتب نحو رايتشل .
- وضعت تاريخ قبض المال بعد ثلاثة أيام من اليوم . أحضري لي الزمردات غداً , وعندها يمكنك أن تقبضي الشيك .
لم تنظر رايتشل إلى الشيك مطلقاً , عوضاً عن ذلك تكلمت بصوت صلب مشدود قائلة :" لم تكن نكتة . إذا رغبت باستعادة الزمردات عليك أن تتزوجني . هذا كل شيء . اقبله أو أرفضه "
لم تقوّ رايتشل على مقاومة رغبتها بأن تقذفه بكلماته نفسها . ساعدها ذلك ولو قليلاً على تخفيف التوتر بدرجة واحدة على الأقل .
أنزل فيتو قلمة بحركة بطيئة متعمدة , ثم وبحركة مساوية في البطء والتعمد أنحنى إلى الأمام , فنطق بصوت خافت فتاك قائلاً :" أفضل أن أتخذ لنفسي ضفدعة كزوجة بدلاً منك "
استقرت عليها عينان مظلمتان هازئتان , فسال على وده رايتشل لون باهت لطّخ عظمتي خديها .
- أنا لا أقترح زواجاً حقيقياً . أنا بكل بساطة أرغب بأن أضع خاتم زفافك في إصبعي لفترة محدودة من الزمن .
حاولت رايتشل أن تحدق به , فتقابل نظراته الباردة المستوية بإحدى نظراته الثابتة.
جاءها رد فيتو بنبرة جافه :" أعطيتك جوابي للتو . هل تنتقين ما تريدين سماعه فتجعلين هذا عيباً آخر من عيوبك ؟ هلي تتخيلين أنني قد أتزوجك تحت أي ظروف ؟"
بدا وجه رايتشل مشدوداً جداً إلى درجة شعورها بالألم بدءاً من فكها وصولاً إلأى عظمات جمجمتها .
- أنا أعرف رأيك بي , فيتو . لست بحاجة لأن تقوله بالكلام .
أومضت عبر وجه فيتو أبتسامة عدائية جارحة .
- إذاً بما أنك تعرفين , فأنا أشك بمدى صحة قدراتك العقليه التي دفعت بك للمجيء إلى هنا بهذا الشكل , فتجرؤين على محاولة بيعي شيئاً لم يكن أبداً ملكاً لوالدتك الساقطة حتى تأخذه !
تلوت في وجه رايتشل الأحاسيس العميقة المعذبه .
- لاتتحدث عنها بهذا الشكل !
قذفت رايتشل هذه الكلمات نحوه , أما وجه فيتو فأزداد أسوداداً كما لو أن الليل أطبق أطبق عليه .
- والدتك أطبقت براثنها الجشعه المتملكة على والدي , ولم تسمح له أن ييفلت منها . جعلت من حياة والدتي حزناً مستمراً .
أحست رايتشل أن كلماته وصوته تجرحها كالسكين الحاد . فأغمضت عينيها تصدياً لها . كيف يمكنها أن تنكر ماقاله للتو ؟ كيف يمكنها أن تجادل وترد ما قذفه نحوها للتو ؟ مع ذلك لايمكنها أن تسمع حديثاُ عن والدتها بتلك العبارات السيئة . خنقها ذلك الشعور , وتراءت لها في ذهنها صورة لآخر مرة رأت فيها آرلين , فأضطرت إلأى فتح عينيها حتى تطرد تلك الصورة , لكنها لم تقوً على طرد العذاب الأليم الذي تزامن مع تلك الرؤية . رفعت رايتشل يدها بحركة سريعة , كما لو أنها تريد أن تدفع بعيداً تلك المشاعر التي تمزق أعماقها . بذلت جهداً واضحاً لتتحكم بأحساسيها ولتبقي هذا الحديث حيث يجب أن يكون على مستوى الأعمال لاأكثر .
قالت رايتشل لتصرف ماقاله :" هذا لاعلاقه له بالموضوع . المسألة الوحيدة التي نناقشها الآن هي إن كنت تريد أستعادة زمردات فارنيستي وفقاً للشروط التي وضعتها للتو أم لا . أنا أريد خاتم زواجك في أصبعي لمدة لاتتجاوز بضعة اشهر ..."
قاومت رايتشل حتى تبقي صوتها ثابتاً وهي تتكلم , فتابعت :" ... وهذا كل شيء . يمكنك أن تستعيد زمرداتك الثمينه يوم زفافنا .أنا لا أريد مالك ".
عضت رايتشل شفتها بعد التلفظ بالجملة الأخيره .
حدق بها فيتو , فيما ظلت تعابير وجهه مخبأة صار أسلوب نظره إليها أكثر سوءاً . في البدايه بدت عيناه غامقتين بدافع السخط الشديد , أما الآن فبدا وجهه بارداً من شدة المقت . أحست رايتشل أن نبضات قلبها تتسارع , أما معدتها فغاصت إلى الأسفل .
سألها فيتو بهدوء ":لماذا ؟"
تحركت رايتشل بصعوبه . ما الذي يجري ؟ لماذا ينظر إليها بهذا الشكل ؟
- لماذا ... ماذا لا أريد المال مقابل الزمردات ؟
- لا . لماذا تتخيلين أنني قد أفكر . ولو لجزء من الثانيه , بعرضك لي بالزواج ؟
أجابته من خلال اسنانها المشدودة على بعضها :" لأنك تريد أستعادة الزمردات , وهذه هي الطريقة الوحيدة التي ستمكنك من ذلك "
التمع شيء ما في عينيه . بحركة واحده رشيقة سريعة نهض على قدميه , ثم طارت يداه إلى الأعلى :" كفى ! تمادى هذا الغباء بمافيه الكفاية ! أنا مستعد لأن أشتري الزمردات , لكنني لست مستعداً لأن أضيع وقتي للحظه أكثر بسبب هذه المهزلة . لذا , خذي الشيك أو أخرجي من هنا "
تمايلت رايتشل من شدى قوة غضبه .
- إن خرجت الآن . فأنت لن تستعيد زمرداتك الثمينة إلى الأبد !
حاولت أن ترشفه بكلماتها بقوة , لكنها خرجتت مرتعشة من فمها .
أجابها فيتو بكلمات حارقة :" الأبد فترة طويلة . في مرحلة ما سوف تبيعينها , فقط لكي تعرفي قيمتها . إن لم تبيعيها لي أناء فيما همي ؟ سوف أشتريها من أي شخص تبيعينها له "
- أمي لن تبيعها أبداً .!
اندفعت إلى ذهن رايتشل صورة والدتها عندما تركت الزمردات تنساب في يدها , بينما حملقت بها دلالة على أنتصارها لأمتلاكها الزمردات. فأضافت رايتشل :" أبداً "
- إذاً يمكنك أن تدفينها معها في قبرها !
أبيض وجه رايتشل فيما أنسحب الدم منه . أخذ الشعور بالدوار يقرع في أذنيها .
همست بصوت أبح :" أيها اللقيط "
ظل وجه فيتو بعيداً عن الرضوخ والليونه , كما لو أنه مصنوع من رخام جامد . قال لها :"لا , فتلك هي أنت . أتذكرين ؟"
أنهت هذه الكلمات نقاشهما , وقضت عليها تماماً .
استدارت رايتشل على اعقابها مخدرة , فسارت متجهة نحو البابين المغلقين الذين بدو فجأه وكأنهما على بعد مئات الأمتار عنها . غمرتها رغبتها بأن تهرب وبان تخرج من هنا , لكن عندما وصلت غلى الباب وجدت أخر أثر للشجاعة , فأمسكت بمقبض الباب , ثم أستدارت وقد بدا وجهها شاحباً تماماً , فقالت :" فلتهترئ في الجحيم , فيتو فارنيستي !"
استدارت من جديد وفتحت البابين بقوة , ومشت إلى الخارج أستطاعت رايتشل أن تصل إلى المصعد قبل أن تلتوي رجلاها تحتها , فأضطرت أن ترتمي على الحائط البرونزي للمصعد طلباً للدعم .
لقد أفسدت الأمر ... أفسدتها تماماً!
فشلت فكرتها الجامحه الغبيه المجنونه إلى أقصى حد وبشل بائس . غمرها الشعور بالبأس , فيما أنفتحت الأواب مجدداً أمام طوفان من الحزن أغرقها .
**********
وقف فيتو في مكتبه للحظة مطولة أخيرة , فيما بدا وجهه متصلباً .
السخط الذي يشعر به بدا غامراً جداً إلى درجة أنه ظنة قد ينفجر في داخله , لكنه لجنة بحزم وبسيطرة صلبة .
كيف تجرأت على القدوم إلى هنا ؟ جائت إلى داخل مكتبة ببرودة ووقاحة لتميلي الشروط عليه حتى يستعيد ماهو ملك له ؟ويالها من شروط ...!
ضاقت عيناه بغضب شديد بارد غير مصدق .
هل تصورت رايتشل أنه قد يولي أقلّ أعتباراً لما طالبته به ؟ أعقل أن تكون مجنونه إلى هذا الحد ؟ دخلت إلى هنا فجأه بعد مضي ثلاث سنوات من وضع أرليين غراهام مخالبها المتممكنة على خزنات آر فارنيستي , وهي تظن أنه فعلاً قد يأخذ بعين الأعتبار ثمناُ مماثلاً مقابل زمردات فارنيستي المسلوبه , هذا دعك من قبلوه لشيء مماثل .
ولِمَ الآن ؟ هل تمرّ هي ووالدتها بأوقات عصبيه الأن ؟ حرض فيتو على أن تأخذ آرلين غراهام أقل قدر من الغنائم عندما طردها بعد وفاء والده , لكن المرأه سحبت مايكفي من الأموال لسنوات . جند فريق المحامين الخاص به ليحاول أستعادة الزمردات التي تمكنت آرلين من حملها إلا أنهم فشلوا في ذلك . لكن سره نه أخردها أخيراً من إيطاليا . لم يعرف , وهو لايأبه إلى أين ذهبت . يحتمل أنا أتخذت لنفسها حامياً آخر , لكنه يشك بذلك , فصباها ولى , ولم تعد متألقة كما كانت من قبل .
جالت في ذهنه فكرة أخرى لافحة :" أتراها حولت ابنتها إلى المسار نفسه ؟ أتراها كالدودة الطفيليه تمص المال من الرجال الأثرياء مقابل خدمات حسية ؟ إنها حتماً ترتدي ملابس أنيقة كما لو أن رجلاً يدفع ثمن مظهرها ...
أحس فيت بشء ما يطعنه لدى تفكيره بهذه الصورة لفتره وجيزه جداً فصرفها من ذهنه حالاً . عوضاً عن ذالك وجد نفسه يضغط على زر الهاتف الداخلي مكلماً مساعدته الشخصية .
- المرأة التي غادرت مكتبي للتو ... ألحقوا بها .

موــــــــني ^___^

______________________________________

مونـــــي 13-11-12 01:30 AM

رد: أحزان أبنة الفجر - جوليا جايمس
 

3- كيف تشتري الأمل ؟

أدارت رايتشل المفتاح في القفل . ودخلت إلى شقتها . أحست بفيض من المشاعر الغامرة , فهي مازالت ترتعد بسبب لقائها مع فيتو فارنيستي . بدا الأمر أكثر سوءاً مما تصورته , بالرغم من أنها كانت تخشى هذا اللقاء منذ إدراكها أنها سوف تذهب لمواجهته , إذ راح الخوف يتزايد في داخلها طيلة الأسابيع الماضية . أنهارت على السرير , فأرتخى تحت وزن جسدها , لكنها لم تلحظ ذلك . إنها لاتهتم للحالة المبائسه للغرفه المستأجره التي تقيم فيها ’, فقد توقفت عن ملاحضة وضعها الكريه منذ فترة من الزمن . على الرغم من أنها ماززالت تفتقد إلى شقتها الصغيره ذات الديكور لأنيق , وهي شقة تضم غرفة نوم واحده , وتقع في إحدى ضواحي لندن , إلا أنها ليست نادمة على بيع تلك الشقة أبداً . اضطرت رايتشل إلى التخلي عنها , وهذه نهاية الموضوع . أمر واحد فقط يقلقها الأن , وقد أقلقها خلال الأسابيع الخمسه الماضيه : أن تجعل فيتو فارنيستي يتزوجها .
هل أعتقدت فعلاً أنها سوف تحظى بفرصة للنجاح في مبتغاها ؟
حدقت بكآبه أماممها . بدت كل لحظة مؤلمة من ذاك المشهد المروع الذي ظل يعيد نفسه داخل رأسها كما لو أنه أسطوانه لاتتوقف .
تلوت معدة رايتشل من شدة الألم . أدركت أن يديها ماتزالان تقبضان بحزم على حقيبة يدها , فأجبرت يفسها على فكهما . ورمت الحقيبه على غطاء السرير الرث , ثم نظرت نحو اليجاده الباليه . بدا لأمر بأسره من دون جدوى. لاجدوى من تلك المحاولة الغبيه المؤسفه بأسرها . هذا المخطط الغبي المضحك لا أمل منه . كيف تراها استطاعت أن تصدق انها قد تنجح , وأن فيتو فارنيستي قد يوافقها على أقتراحها بالزواج كي يستعيد زمرادته الثمينه ؟ كيف تصورت أنه سيوافق على أمر بمثل هذا الغباء وهذا الجنون , وأنه سيرضى بإقامة أي نوع من الأحتفالات للزواج منها , بغض النظر عن كون ذلك الزواج مؤقتاً ولفتره محدودة ؟ حتى استعادة زمرادات فارنستي لاتستحق تضحيه كهذه من قبله .
لابد أنني مجنونة حتى أفكر بذلك ! فكرت رايتشل فيما أغمضت عينيها لشدة عذابها , لا . . . هي ليست مجنونه ... أنها يائسه فقط .
يائسه بمافيه الكفايه لكي تفعل أي شيء يسعد آرلين .
تآكلها الألم , كما لو أنه بركة هائلة تغمرها , تغرقها , وتغسل كل جسدها . إنها غغير قادره على إيقاف ذلك الأم , وهي لاتحاول حتى أن تفعل ذلك هذه الأيام . لأنها لو حاولت , فلن ينجح الأمر .
نهضت رايتشل على قدميها مجدداً . مدت يدها , وتناولت حقيبة يدها , فأستخرجت هاتفها النقال . إنها تعرف الرقم عن ظهر قلب , لذا طلبته بشكل آلي . عندما اجابها الطرف الأخر , نطقت الكلمات بصوره آليه أيضاً : " مرحباً! أنا أبنة آرلين غراهام . كيف حالها ؟"
انتظرت رايتشل برهة , ثم جاءها الرد بالعبارات الحذره المعتدله نفسها كالعادة . أومأت رايتشل وهي تتمتم شكرها , أقفلت الخط .
منتديات ليلاس
مستقرة . . . لاتغيير . . . هذا افضل مايمكن توقعه . تلك العبارات المتكرره حفرت في رأسها , لكن أياً منها ليست كافية لإخفاء العبارة الوحيدة التي تشكل الحقيقة بخصوص والدتها ؛ إنها تموت !
غمرها الأحباط , فضغط عليها إلى درجة أحست معها أنها بطيئة الحركة مرهقة وهي تتحرك في أرجاء غرفتها الضيقة . قامت رايتشل بحذر لتخلع بذلتها المفرطة الأناقة الغالية الثمن , فرتبتها بحذر داخل منطقه تعليق الثياب المغطاة بالستائر , عندما خلعت رايتشل القماش الجميل عن جسدها , أحست بشعور آخر يتملكها ؛ إنه الأحباط . كما أحست بالمرارة لأنها هدرت الكثير من المال على مصروف لاجوى منه كهذا مع شدة حاجتها لذلك المال . كان من الأجدر أن توفره نظراً إىل أن صرف المال لم يجد نفعاً في هذا المشروع . هل أتقدت فعلاً أنها لو بدت مناسبة للعب دور المرأة الثرية , في سوف تقنع فيتو فارنيستي بقبول شروطها المضحكة ؟ كيف تراها تصورت حصول ذلك ؟
كوني واقعيه ! هدا ما قاله لها فيتو ساخراً , وهو على حق . لابد أنها أطلقت العنان لنفسها في خيال مثير للشفقه بأعتقادها أن زمردات فارنيستي ستشكل حافزاً كافياً يدفع فيتو لمجاراتها .
حسناً ! الأمر بأسره يدل على الغباء . . .الأمر بأسره . بوجود الزمردات ام بدونها .
كم هو عدد المرات التي ينبغي أن يقول لك فيها فيتو فارنيستي الأمور البغيضة قبل أن تتعلمي درسك بخصوصه .
لو أنها أمرأه ذكيه لحرصت على أن تكون أول إهانه يقذفها بها عندما كانت في الرابعة عشر من عمرها هي لآخر إهانة يوجهها لها . لو أنا أكثر تحلياً بالمنطق لما منحت فيتو فرصة السخريه منها مجدداً .
فكرت رايتشل بوحشية أنها غبية إلى درجة دفعتها إلى القيام بتصرف تستحق اللوم عليه . فقد أطلقت العنان لنفسها في قصة وهميه مضحكه .
تسارعت الذكرى خلال ذهنها كما لو أنها موجة كاسحة أغرقتها , فأخذتها مرتعدة مرتعشة إلى الماضي الذي مايزال يبدو كاللعنة في حياتها بعد مرور كل هذه السنوات .
يومها كانت في الثامنة عشر من عمرها . ياله من عمر خطير . . .
عمر الأحلام والأوهام . . . عمر الحكايات الخياليه . بعد أنتهاء الأمتحانات المدرسيه سُمح لطلاب صف التخرج بتمضية اسبوعين بعيداً عن المدرسة خلال فصل الصيف كمكافأة . اصطحبتها صديقاتها جيني وزارا في رحلة بعيدة معهما . أعلمتا رايتشل بفرح أنهما سوف تمضيان هذين الأسبوعين في روما , في الشقة التابعه للشركة التي يعمل فيها والد جيني . شعر راتتشل بالقلق والخوف , إلا أنها شعرت أيضاً بالحماسة . بالرغم من أنها كانت إحدى أكبر الفتيات سناً في صفها , إلا أنها كانت أقلهنّ دهاء وخبرة في الحياة .
لم تخبر رايتشل والدتها شيئاً عن الرحلة . على أي حال , آرلين كانت تقوم برحلة مع إنريكو في اليخت الخاص به انطلاقاً من شواطئ الريفييرا الفرنسيه بحسب ماذكرته في آخر بطاقة بريديه أرسلتها .
بعد سنوات من التصرف كطالبه نموذجية مثالية في تلك المدرسة الداخلية , أحست رايتشل بعدم القدره على المقاومة , أخذت تتوق إلى شيء أكثر من مجرد المذياكرة والرياضة . تاقت إلى التشويق , المغامرة , الرومنسيه . أحست بالبروده تتسلل نزولاً على عموجها الفقري ماإن عاودتها هذه الذكرى . كانتت تتوق إلى الرومنسيه , ولكن ماوجدتها كان شيئاً مختلفاً تماماً .. ليتني لم ألتقِ فيتو فارنيستي . ليتني ... ليتني ... ليتني ...
لكنها ذهبت . يومها أرتدت أحد فساتين السهرة الخاصة بجيني , وهو فستان طويل مكشوف عند الكتفين , أما وجهها وشعرها فأهتمت بها زارا . أنساب شعرها شلالاً ذهبياً فوق ظهرها , أما عيناها فبدتا واسعتين . بدت رايتشل فايل مختلفه تماما ً عن الطالبه المتزمته التي يعرفها الجميع . يومها أعتقدت أنها تبدو مميزة جداً , ناضجه جداً , متألقة جداً , لكنها بدت في الواقع كالطفلة التي تمارس الألاعيب .
لو أنني بكل بساطه لم اذهب إلى ذاك الحفل ... لكنها ذهبت , ولحظها السيء , ذهب فيتو فارنيستي إلى هناك أيضاً , ومها لم يتردد في أستغلال الفرصة التي قدمتها له على طبق من الغباء وسهولة الأنقياد وهي في الثامنه عشرة من عمرها ’,لم تكن رايتشل تمتلك أي دفاعات على الإطلاق ضد فيتو فارنيستي وهي في الثامنة عششر من عرها .
جل ما أحتاج لأن يفعله فيتو هو أن ينظر إليها مظهراً تلك الأبتسامة الساحرة التي سلبت عقلها . أما عيناه الغامقتان فأكتسحتا كيانها , وأخبرتها نظراته الساحرة أنا تعجبه . أمضى فيتو الحفل بأكمله إلى جانبها , أما بالنسبه إليها فكان هو الشخص الوحيد الموجود في تلك الغرفه . عرفته رايتشل على الفور , لكن لم يبد أنها تبدو مختلفة تماماً عن تلك الفتاة التي لمحها لفتره وجيزة فصرفها ساخراً بكل فظاظه ع. فضلاً عن ذلك فهي تحمل أسم عائلة والدها لا أسم عائلة والدتها . هل تراه عرف أبداً ماهو أسمها الأول ؟ تسائلت رايتشل إن كان يجدر بها أن تطلعه عن هويتها , لكن مع انقضاء تلك الأمسية علمت أنها لاتستطيع فعل ذلك . لايمكنها أن تخاطر بأنت يصرفها بتلك الفظاظة واللؤم اللذين أستخدمها منذ اربع سنوات .
اصطحبها فيتو بخفة بعيداً عن الحفلة بسيارته القوية الرياضية المكشوفة , وتجولا في أرجاء روما ليلاً . بدت رايتشل مأخوذة بجمال المدينه الأزلية وسحرها . أذهلها الدرج الأسباني المكتظ جداً بالسياح بغض النظر عن الوقت المتأخر , وأعجبها الفياكورسو والبانثيون ,كذلك قاد فيتو السياة نحو الساحة الرومانية العامه الأثريه , ومرّ سريعاً بالقرب من كتلة الكوليزيوم المشؤومه المهيبة المرعبه
لكن لم تكن روما وحدها هي التي اسرتها , إذ كثيراً ما أنحرفت نظراتها النهمه نحو فيتو فارنيستي , غير مصدقة بأن افتى اللذي احتل خيالها لسنوات اصبح هنا الآن , إلى جانبها.
أفترضت رايتشل أنها لن تراه مجدداً عندما أنزلها أخيراً امام شقة جيني بعد منتصف الليل , لكنه جاء صباح اليوم التالي أثناء موعد الفطور , فخطفها مجدداً لكي تشاهد روما في ضوء النهار .
أظهرت جيني وزارا حماسة فائقة لأجلها . فقامتا بترتيب مظهراها مجدداص على أكمل وجه , ومجدداً حظيت رايتشل بنعمة أن ترى فيتو فارنيستي يبتسم لها ’ وهي تعلم بأنها جميلة تسر ناظريه بارغم من صغر سنها ومن كونها إنكليزيه , وبالرغم من افتقارها إلى الدهاء والحكمة ,
بدا الأمر أشبة بقصة خرافيه . حظيت رايتشل بأسبوعين جميلين مميزين رائعين حيث حصلت على فيتو لنفسها . خلال هذين اللأسبوعين شعرت بالدفء يغمر قلبها , كما لو أنها زهرة تتفتح تحت الشمس . بدا كل شيء حولها محاطاً بلمسة من السحر . راحت رايتشل تحدق مدهوشة نحو سقف كنيسة السيستين الذي يبرز عبقرية مايكل أنجلو , كما جالت في أرجاء الطرقات المشجره المظلله لحدائق بورغيز , فراحت تراقب الأطفال وهم يلعبون ويتعجنبون المشاء بعرباتهم . ذهلت لرؤية السياح يرمون النقود الحجرية إلى الوراء من فوق أكتافهم , ألتزاماً بطقس تقليدي يقضي بأن يقذفوها إلى داخل نافورة تريفي المهيبة . بعد أن أستدارت رايتشل , التفت ذراع فيتو حول كتفها .أخذ يقودها بين السياح المستعجلين المصطدمين بهما , الذين تجمعوا حول حافة البركة .
منتديات ليلاس
كادت رايتشل تصاب بالأغماء من فرط غبطتها لدى شعورها بذراعة حول كتفيها. توقف فيتو أمام محل قريب يبيع البوظه . فشعرت بالحيره والتردد عندما وجدت نفسها غير قادرة أن تقرر ماتختارة من العشرة ألاف نكهة المتوفره أمامها . تمشيا على الدرب وهما يحملان البوظة بأيدهما عائدين نحو الفيا كورسو.
خلال هذين الأسبوعين عرّفها فيتو على مختلف أرجاء روما ,بينما راح يبتسم لها وتبادل النكات معها . أما رايتشل فبدت مسحورة مفتونه . عميااااء .... عمياء تماماً وغير قادرة على رؤية ماكان يفعله .
هنالك دليل واضح كان يجدر بها أن تراه . إنه دليل هائل , واضح تماماً بالنسبة إليها . ليس بالنسبة إلى الفتاة المسكينه الغبية الصغيرة العديمة الخبرة التي تبلغ الثامنة عشر من عمرها .
طيلة فترة وجودهما سوياً بالكاد لمسها فيتو . بأستثناء تلك الذراع التي لفها حول كتفيها عند نافورة تريفي لم يحصل سوى ذلك التلامس العرضي لأناملها عندما ناولها البوظة الخاصة بها لكن لاشيء أكثر , لاشيء أكثر على الأطلاق إلى أن حانت تلك الليلة الأخيرة الممميتة .
مزقها ذاك العذاب الأليم , فجذبت بخشونة الستارة الرثة لتغطي الملابس المعلقة , ثم فتحت صنبور المياه لتملأ الإبريق . لم ترغب رايتشل بأن تتذكر , هي لاتريد أن تتذكر . تلك الليلة .. تلك الليلة التي كان يفترض أن تكون الليلة الأخيرة التي تمضيها في روما لم يعدها فيتو إلى الشقة الخاصه بوالد جيني كما كان يفعل دوماً كل ليلة . بعد أن شربا القهوة في أحد المطاعم القديمة , أخذها فيتو إلى بناء فخم , حيث تقع الشقة الرائعة التي يملكها آل فارنيستي .
عانقها فيتو فارنيستي بكل المهارة والخبرة اللتين يتمتع بهما الفتى الإيطالي اللعوب العاشق . . .
استطاعت رايتشيل أن تشعر بعينيها تخزانها , وبالأم يطبق عليها .
عناقها لم يتطلب منه الكثير , فرايتشل ذهبت إلى مابين ذراعيه منقطعة الأنفاس , متيمة . ذابت أوصالها تحت تأثير عناقة , فيما حاول سحق مقاومتها الركيكة تجاهه .
خلال هذين الأسبوعين الشبيهين بالحلم وقعت رايتشل بشكل لا رجاء منه في حب فيتو , فكانت مبادلتة العناق بمثابة عمل ولاء وأفتتان مطلق . تعلقت به رايتشل وأطبقت أناملها على كتفيه . لكن بعد ذلك دفع بها فيتو إلى الجحيم . إنه جحيم شديد العذاب , إلى درجة أنها لم تدرك أن بمقدورها أن تشعر بألم مماثل .
أدخلها فيتو إلى غرفة جللوس أنيقة تتوسطها أريكة كبيرة , جلسا معاً على الأريكة متعانقين . شعرت رايتشل أنهاا تطييييييير من فرط النعيم والسعادة اللذين أحست بهما . . .
في اللحظة التالية صعقها الرعب , إذ سمعت صوت الباب الأمامي ينفتح , فم سمعت صوتي القادمين . أحست بفيتو يتوتر فجأة وقد تصلبت عظلاته . تلا ذلك أنفتاح باب غرفة النوم ودخول والتها كالإعصار .
أستطاعت رايتشل أن ترى عبوس وجه والدتها لدى رؤيتها للستائر المغلقة . أدرات المرأة رأسها لترى الشابين متعانقين اللذين يجلسان على حافة الأريكه , وما لبث أن أشرق الأدراك على وجهها المرتعب .
حتى الأن , وبعد مرور سبع سنوات , ما زالت رايتشل قادرة على الشعور بالعرق البارد ينساب نزولاً على عمودها الفقري .
أخذت والدتها تصرخ بأهتياج ثم تدخل أنريكو مهاجماً مطالباً بمعرفتة مالذي يجري بحق الجحيم . أثناء ذالك ربضت رايتشل في مكانها . خائفه .. مرتعبة وهي ترغب لو أن الأرض تنشق وتبتلها . أما فيتو فبدا متحجر القلب لا مبال . مازالت بمقدورها أن تسمعه الآن . . .
وسوف تسمعه على الدوام . أخذت والدتها تصرخ في وجهه بالأيطاليه . بدا وجهها مشوهاً غاضباً , بينما بدا إنريكو ساخطاً وهو يلوح بيده في الهواء ماكان من فيتو إلا أن قام عن الأريكة ببرودة متناهية , ثم استدار نحو ’رلين , وقال :" أغويتها ؟ بالكاد . . . هي التي أرتمت بين ذراعي ".
تشدق فيتو بذلك بصوت مشدود قاس , بينما حرص على أن يتكلم بالإنكليزية حتى تفهم رايتشل مايقولة .
نزل الماو على يديها فهزّها أعادها إلى الحاضر . أغمضت عينيها في محاولة لصدّ تلك الذكرى , لكنها لم تقدر . أخذت تلك الكلمات البشعة تجول في ذهنها مجدداً , تماماًكما فعلت في تلك الليلة المشؤومه منذ ثماني سنوات عندما أدركت بمرارة ماكان فيتو يفعلة منذ البداية . تعمّد ببرودة أعصاب أن يجعلها تتعلق به مستغلاً سذاجتها , كي سيصطحبها إلى منزلة لأجل هدف واحد فقط , متجاهلاً أنها في الثامنه عشر من عمرها فقط . لكن وصول والده برفقة آرلين أفشل مخططه . لو انه تمكن من أمام ما خطط له , لوجّه ضربة قاسية للمرأه التي يمقتها بكل ذرة في كيانه .
بعد رحيل فيتو وإنريكو , صبت آرلين جام غضبها على رايتشل . راحت تهز كتفي أبنتها قائلة :" يا إلهي ! يالك من غبية رايتشل !ألم تدركي ما الذي يفعله ؟ ألم تجدي الأمر مثيراً للريبة ؟ هل ظننتِ أن رجلاً كفيتو فارنيستي قد يبدي اقل اهتمام بفتاة في الثامنة عشرة من عمرها ؟ فيتو لايهدر وقته الثمين على امرأه إن لم تكن عارضة أزياء خارقه أو نجمة سينمائية لامعة . لديه جيش من النساء الخاضعات لأمرة . إنهنّ يقفن بالصف من أجل الحصول على ذلك الأمياز . ألم تستطيعي أن تري أنه من ذلك النوع من الرجال . ألم تدركي أنه ليس مهتماً بك ؟ جاء بك إلى هنا حتى ينتقم مني . هو يعلم أنني أحاول حمايتك دوماً , لذا أراد أن يغويك . إنه يكرهني كما يكره مرض الطاعون , وهو قد يفعل أي شيء لكي ينال مني "
صدّت رايتشل أفكارها تلك , وأشعلت النار تحت الإبريق . يجب عليها الا تفكر بالأمر . لن تفكر بالسنوات السبع الماضيه ولا بالساعتين الماضيتين .
كيف تُراني استطعت ان اقصده وأطلب منه أن يتزوجني ؟ كيف أستطعت أن أفعل ذلك ؟ لابد أنها فاقدة العقل حتى تظن أن بأستطاعتها أن تجبره على فعل ماتريده بهذا الشكل .
لكنني أٌجبرت على المحاوله . . . كان علي أن أفعل . . .
القوة التي دفعتها إلى مواجهة فيتو بعد ظهر هذا اليوم كانت مٌلزمه .
إنها قوة عظيمه جداً , فهي ليست قادره على التهرب من الواجب الذي يفرض عليها على الأقل أن تقوم بالمحاوله .
أخذت يدها ترتعش , فيما غمرتها موجه من الحزن والألم وهي تسكب الماء المغلي فوق كيس الشاي الموضوع في الكوب . إن والدتها تحتضر , وهي مستلقية هناك في سريرها في المستشفى , انتشر السرطان في جسدها بسرعة كبيرة , أما العلج الكيميائي والعلاج الأشعاعي فكانا قاسيين جداً على آرلين . لم تكن رايتشل لحاجة لأن ترى وجوه الأطباء حتى تعلم أن أمها تخسر تدريجياً معركتها مع الموت .
قفزت أمام رايتشل بكل وضوح صورة وجه والدتها الذي اصبح مشوهاً بشكل مريع . في مامضى كانت آرلين جميلة جداً , جذابة جداً , والأن صارت هزيلة بفعل الألم المرض .
إلأى جانب حزنها المرير جاءت مرارة الذنب . في السنوات التي تلت تلك الكارثة الشنيعة في روما انسحبت رايتشل تماماً من حياء والدتها . كانت في الثامنة عشرة من عمرها عندما قام فيتو فارنيستي ببرود قلب متحجر بأستخدامها كسلاح ضد عدوة والدته اللدوده .
يومها أرادت آرلين أن يجبر إنريكو أبنع فيتو على الزواج من رايتشل . فكرت رايتشل الأن وقد أحست بالمراره تسد حلقها أن هذا الطلب جعلها تبدو اشبة بالعذراء الفيكتوريه التي تعرضت للخزي والعار , ودُمرت سمعهتها إلى الأبد .
بالطبع رفض إنريكو الأصغاء إلى توبيخات عشيقته , أما ضحكات فيتو المزدرية الساخرة فكانت أسوأم من ذلك . رايتشل علمت أن أياً منهما لم يأبه لأن أبنة آرلين تعرضت لهذا الموقف المخجل , أما بالنسبة إليها فتوبيخات والدتها بدت مريعه أكثر من خداع فيتو لها .
بدت آرلين مهووسه بفكرة تزويج فيتو من أبنتها , مهما كان ذلك الأمر بعيد المنال , وبغض النظر عن مدى غرابته بالنسبه إلى رايتشل .
في النهاية انطلقت رايتشل هاربة نحو إنكلترا , لكن ليس إلى المدرسة قصدت عمتها التي قلما عادت والدتها تتصل بها , فوجدت نمط عيشها المتواضع أكثر ملاءمة لها . بعدئذٍ حصلت لنفسها على وظيفة نادلة في مقهى ببرايتون , وأقسمت على أن تصبح مستقلة مادياً عن آرلين .
انحرف ذهن رايتشل بعيداً عن تلك الذكرى , فهي تزيد حزناً على حزنها . ألا يكفيها ماتشعر به الأن من حزو وألم بسبب حالة والدتها الصحية ؟ مدت يدها داخل البراد الصغير ذي الإطار المفتت , فخرجت علبة حليب سكبتها داخل الكوب وتابعت التحريك . أنها تقوم بذلك كلة بصورة آليه , إذ أن ذهنها بدا كغمامة من الأفكار والمشاعر المهتاجة .
الذنب ! ياله من خسيس قوي ناخر مزعج يتآلكها ! فيبرز حزنها ويزيده حتى أحبحا معاً مزيجاً لايحتمل , مايجعلها تقوم بأكثر أفعالها جموحاً وجنوناً . كأن تحاول إجبار فيتو فارنسيتي على الزواج منها . فقط لكي تسّل موت والدتها .
منتديات ليلاس
احتضنت الكوب بيديها وتمشت عائدة إلى وسط الغرفه لتصل بالقرب من النافذة . حجبت الستائر المصنوعة من الشبك الزقاق في الأسفل بالإضافة إلى مستوعبات النفايات والملصقات الإعلانيه التي لوحها الهواء وكذلك االمهملات المبعثرة .
لم تكن رايتشل تشعر بالذنب بسبب إقصائها آرلين خارج حياتها .
فهذه الأخيرة لم تتوان عن تركها والأبتعاد إلى روما لتعيش حياء مترفة مع إنريكو فارنيستي . حتى في ذلك الوقت ومع ان رايتشل كانت ماتزال مراهقه , علمت بأن ليس هنالك أي أعذار يمكنها أن تغير حقيقة أن آرلين وإنريكو شخصان أنانيان ولا يباليان بمشاعر الأخرين .
رفعت رايتشل الكوب إلى فمها فارتشفت الشاي الساخن من دون أن تشعر حتى بمذاقه . كم كانت مخطئه ! كانت مخطئة كلياً وتماماً بخصوص آرلين , لكنها لم تعرف ذلك إلا بعد فوات الأوان . علا بعد أن صارت والدتها مريضة جداً . حينها , حينها فقط تمكنت رايتشل من رؤية والدتها تحت ضوء مختلف تماماً .
- فعلت هذا كله لأجلك يا ابنتي العزيزة .
همست لها والدتها بذلك بينما كانت الأدوية ومسكنات الألم تجعل ذهنها مشتتاً . تمكنت آرلين أخيراً من إطلاق مشاعرها الصادقة نحو ابنتها , وهي مشاعر كبتتها لسنوات طوال .
- أردتك أن تحصلي على شيء يفوق ماحصلت عليه يوماً . والدك تبرأ منك , واحتقرني . أرادني فقط لإرضاء شهواته لا أكثر . لطالما كرهته بسبب ذلك . كرهته . . . لذا أردتك أن تكبري لتصبحي من ذاك النوع من الأشخاص الذين لايستطيع هو ولا عائلته الغاليه أن يعاملوهم باحتقار . اردتك أن تحصلي على أفضل تعليم , أفضل تربية , وأن تخالطي أشخاصاً من المستوى الأجتماعي نفسة الذي ينتمي إليه والدك وعئلتك . لهذا السبب منحتك اسمه , بالرغم من أنني لم أتمكن من وضعه على شهادة ميلادك . علم والدك أنني لالا أستطيع أن أطالبة بأي شيء ولا أن أطالب بملكيته الغاليه . تخلى عنا نحن الأثنتين .
عندما وقع له حادث اصطدام بسيارته تلك شعرت بالسرور , فقد نال عقابه بسبب مافعله بك وبي , ورفضة الأعتراف بك . لم أنس يوماً سخريته وقوله إنني لست مناسبة كي أتزوج منه .
قبضت يد آرلين بأحكام على يد رايتشل , فيما لفح العذاب المرير عينيها .
- لِم لم أكن أبداً مناسبة للزواج ؟ هل كنت فقط مناسبة لإقامة علاقة عابرة ؟ إنريكو ارادني أن أبقى إلى جانبة دوماً لكنني لم أكن أستطيع الزواج به أبداً . فقد كان متزوجاً .
بدا صدرها يرتفع ويهبط مهتاجاً . أما رايتشل فجلست تتلوى من الألم فيما تابعت والدتها الإدلاء باعترافها الأخير الذي يمزق القلب .- أحببت إنريكو بصدق , لكنه لم يبادلني الحب أبداً . . . ولو للحظة . أرادني بقربه لإرضائه فقط . هذا كل شيء . حاولت ألا أظهر له أبداً أنني أهتم لأمره . لو أظهرت له الأهتمام الزائد عن الحد لشعر بالغضب والأنزعاج . لو أنني فعلت لظن انني أحاول الضغط عليه كي يطلق زوجته , لكنني علمت أنه لن يفعل ذلك ابداً . ليس لأنها كاثوليكيه . . بل لأن . . ..
ظهرت المرارة في صوت آرلين مجدداً , ثم تابعت :" . . . حتى لو كان حراً , ما كان ليتزوجني , فأنا بالنسبة إليه مجرد أمرأه يعبث معها "
أحست رايتشل بمشاعر الغضب لأجل والدتها تهزها بقوة . راح المزيد من الذكريات يندفع إلى رأسها . . . رأت والدتها مستلقيه هناك بعينيها الغائرتين اللتين يكدرهما فرط هزالها وذبول وجهها , فيما يبدو جسدها كالخيال فوق الأغطية البيضايء . تذكرت رايتشل صوتها الخافت المعذب وهي تتحدث إلى أبنتها ويدها تطبق بإحكام على يدها .
- أردتك أن تصبحي امرأه محترمه بما يكفي كي تتزوجي . أردتك أن تصبحي من ذلك الصنف من النساء اللواتي يسعى الرجل إلى التقرب منهن , ويجعلون منهن زوجات لهم . عندما حاول فيتو إغواءك كدت أموت . . . خدعك واستخدمك ليحاربني , وحاول أن يحولك إلى أمرأه فاسده . . .
أغمضت آرلين عينيها فيما بدا الإرهاق والأنهزام على وجهها .
- لطالما راودني حلم . . . حلم حقيقي جداً . . . حتى أنني ظننت أحياناً أن حاصل فعلاً . حلمت بأن يتزوجك فيتو . . . بما أن والده لن يتزوجني ابداً . لطالما رأيتك في أحلامي عروساً لآل فارنيسيتي وأنت تضعين زمردات آل فارنيستي حول عنقك !
انفتحت عينا والدتها فجأه وأصبحتا متوهجتين جداً , ثم تابعت كلامها قائلة :" لهذا السبب أخذت الزمردات ! كانت هناك في شقة روما . . . الشقة التي أخذك إليها فيتو لكي يحاول استغلالالك وتحويلك إلأى أمرأة فاسدة . كنت هناك عندما انهار إنريكو جراء السكنة القلبيه التي تعرض لها . أخذته سيارة الإسعاف من هناك , ولم أره أبداً منذ ذلك الحين . . . ابداً ! أصدر فيتو أوامرة بألا يُسمح لي بدخول المستشفى حتى أودعه أو حتى لأقول له أنني احببته . . .

لكن فيتو لم يسمح لي برؤيته . كما أمر بأن يطردوني من شقة روما . عدت حينها إلى الفيلا , نزل منها رجال أمن قاموا بإخراجي من هناك , ثم قرأت في الجريده اليومية أن إنريكو فارنيستي صاحب شركة فارنيستي توفي في اليوم السابق في روما , حيث كان أبنه وزوجته المحبوبة إلى جانب في فراشه ! أما أنا فلم أعلم حتى أن إنريكو توفي إلى أن قام فيتو بطردي من الفيلا , وجردني من كل شيء حصلت عليه من إنريكو يوماً "
استنشقت آرلين أنفاسها مجدداً بألم , أما رايتشل فجلست ممسكة بيديها , فيما أحست كما لو أن قلبها ينسحق بملزمة وهي تصغي إلى اعترافات والدتها .
ألتمعت عينا آرلين المشرقتين , وتابعت :" لكن فيتو لم يعلم . . . لم يعرف أنني أخذت معي الزمردات من الفيلا . أخذتها عندما قام بطردي .إنها لك يا أبنتي العزيزة . . . لك , لتضعها عندما تصبحين عروساً لآل فارنيستي "
حاولت رايتشل أن تعترض برفق وحذر . لكن ذهن آرلين المغشي بالأدوية المخدرة كان قد يتبنى حقيقة جديدة , حقيقة مبنية بأكملها على أمل أخير يائس , بغض النظر عن كونه بعيد المنال .
همست آرلين وعيناها متسعتان , وهما تفيضان بمشاعر الأمومه التي بقتها مكبوته لفترة طويلة جداً :
- إنها أمنيتي الوحيدة لك . لو أن بمقدوري أن أراك عروساً لفيتو . . . آه يا ابنتي العزيزه . . . عندها سوف أموت سعيدة . . .
انهمرت الدموع من عيني رايتشل , لا بد أها جنت حتى ظنت أن بمقدورها أن تدبر فيتو فارنيستي على وضع خاتم في إصبعه ولو لفترة قصيرة جداً . . . حتى آخر ماتبقى من حياة آرلين . لكن فشلها المثير للشفقة بعد ظهر هذا اليوم جعلها تعلم أنها محقة في محاولتها تلك مع فيتو . لعل الأمر ميؤوس منه ومضحك , وربما هو أمر مجنون تماماً كما وصفه فيتو ساخراً , لكن رايتشل ماكانت لتهدأ إلا إذا حاولت أن تحقق أمنية والدتها وهي على فراش موتها .
فكرت رايتشل أن الموت يغير كل شيء ... إنه يكوّن حقائق جديدة ويدمر والوقائع القديمه . جل ماهو مهم بالنسبة إليها الآن هو الفترة الوجيزة الباقية من حياة والجتها . لاشيء آخر . . . لانفسها أو مشاعرها ولا رغباتها أو مخاوفها , ولا فيتو فارنيستي أيضاً.
*******

بدت تلك الليلة من تشرين الثاني بارده موحشة , وذلك عندما عادت رايتشل من زيارتها لوالدتها . كل زيارة كانت تقوم بها إلى والدتها مؤلمة , أما اليوم وبعد أن تحملت محنة محاولة تحقيق أمنية والدتها الميؤوس منها وهي على فراش الموت , بدت زيارتها أكثر إيلاماً . بدت آرلين أضعف كما أفلتت أحدى الممرضات الجملة التي كانت رايتشل تخشى سماعها , ومفادها أن تضع والدتها في مركز متخصص يعتني المرضى أمثالها .
أحست رايتشل أن الألم يقبض عليها بقوة مجدداً.
مازال أمامهما القليل جداً من الوقت المتبقي لهما سوياً , وهد أهدرتا الكثير منه . على الرغم من معرفتها اخيراً لماذا ارسلتها آرلين إلى مدرسة داخلية , ولم تراها إلا قليلاً عندما كانت صغيرة , فإن مازال يؤلمها بشكل بائس .
- لم أرغب بأن تظلي مرتبطه بي !
كانتت آرلين قد اخبرتها بذلك , فيما أنسحق قلب رايتشل من الأسى والحزن حين سمعت حقيقة مشاعر والدتها تجاهها . تابعت آرلين :" لم أكن أريدك أن تعاني بأي شكلم من الأشكال بسبب علالاقتي مع إنريكو ! و . . ."
ازداد صوتها كآبه حين تابعت :" . . . لم أشأ أن يدنو منك فيتو , ذلك الشاب الوسيم المغرور بوسامته "
قاطعت رايتشل الذكرى في ذهنها , فقد بدت مؤلمة جداً . والآن بعد نقص درايتها وجهلها اللذين دفعاها لوؤية فيتو مجدداً بعد كل هذه السنوات تضاعف الألم عشر مرات , فأخذ يخدش أعصابها . كانت والدتها محقة بإبقائها بعيدة عن فيتو فارنيستي . مع ذلك , وبالرغم من يقينها وتأكدها من ذلك فقد خانها قلبها . فيتو ! رؤيته من جديد منذ بضع ساعات , هي بمثابة عذاب جديد وشوق جديد . . .
اندفع شعور آخر من خلال العذاب الأليم والحزن اللذين تشعر بهما بسبب مرض والدتها .
هذه المرة عرفت رايتشل ماهو هذا الشعور ! عندما كانت في الثامنة عشر من عمرها لم تعرف رايتشل حتى اسم هذا الشعور , حتى إنها لم تكن تعرف بوجوده . أما الآن وهي في الخامسة والعشرين من عمرها فصارت تعرف ؛ إنه الأنجذاب نحو فيتو !

كيف يمكنك أن تشعري بالأنجذاب إلى رجل يمقتك ؟ رجل لطالما مقتك . . . إنه أمر مخزٍ , مثير للشفقه , لايمكن غفرانه , لكن معرفة ذلك والشعور به أران مختلفان تماماً .
فقط لو أنني لم أذهب إليه اليوم ! فقط لو أنني لم اره مجدداً!
أحست رايتشل بتوق مريض يتآكلها , ويجعلها تشعر بالخزي .
صرفت هذا الشعور جانباً . لن تقع عيناها أبداً على فيتو فارنيستي من جديد . حاولت بعد ظهر اليوم /أن تفعل ماأجبرها حبها لوالدتها على القيام به . لكنها كانت أكثر التجارب المريعه في حياتها , لكنها حاولت على الأقل ! لن يؤنبها ضميره لأنها لم تتحلى حتى بالشجاعة لكي تحاول تحقيق أمنية والدتها وهي على فراش الموت , وعلى الرغم من أنها علمت أن تحقيقها أمر مستحيل .
حضرت رايتشل العشاء وهو عبارة عن الفاصوليا مع الخبز المحمص .إنها وجبة رخيصة وسريعة . أثناء تناولها عشاءها اضطرت إلى اجبار نفسها على ابتلاع كل لقمة منه . بعدئذٍ أجضرت الكمبوتر النقال الخاص بها وهي تشعر بثق وانسحاق في قلبها .
لم تذهب مطلقاً إلى الجامعة , كما أنها لم تكمل دراستها الثانوية .
لو أنها فعلت لتمكنت بلا شك من الأنتساب إلى إحدى الجامعات المرموقة , لكنها عوضاً عن ذلك تلقت دروساً مسائية في جامعة محلية دفعت تكاليفها من أجرها الخاص , وذلك إلى أن حصلت على مؤهلات كافية تسمح لها بالحصول على وضيفة في قسم التسويق لدى شركة عالمية . جنت رايتشل من وظيفتها تلك مايكفي لتدفع أقساط شقة سغيرة مريجة في لندن . إنها الشقة نفسها التي باعتها لتساعد في دفع تكاليف علاج والدتها في مستشفى خاص .
أطلقت ضحكة مريرة . بعد الرفاهية التي أمنها إنريكو فارنيستي لوالدتها , فإن أمورها الحالية لاتسير بشكل جيد . لعل الحزن وانكسار القلب والمرارة التي استهلكت والدتها , كلها عوامل جعلت آرلين لاتهتم بالمال الذي وضعته جانباً. على أي حال نفد هذا المال بسرعة الأن . فمصاريف المستشفى الخاص تشكل عبئاً ثقيلاً , لكن رايتشل لاتأبه لذلك , جل ماتريدة هو أن تعيش آرلين مرتاحة لبقية حياتها .
فتحت كمبوترها النقال , وهمّت بالعمل . إنها ممتنة جداً لأنها وجداً عملاً بدوام حر , فهي تترجم كتباً خاصة بالتسويق من اللغتين الإسبانيه والفرنسية إلى اللغة الأنكليزيه . صحيح أن مدخولها ليس كبيراً كما كان من قبل , لكن عملها هذا أكثر مرونه , ويسمح لها أن تمضي قدر ماتستطيع من الوقت برفقة والدتها . أقفها فجأة عن العمل صوت هاتف المدخل . من بحق السماء يريد مقابلتها في هذا الوقت ؟ توجهت رايتشل نحو الباب فيما ساورها القلق . رفعت سماعة العاتف بذهن مشوش .
أجابت بحذر :" نعم ؟ من الطارق؟"
جاءها الرد المختصر :" فيتو فارنيستي "

موــــــــني ^___^
________________________________________

مونـــــي 13-11-12 01:33 AM

رد: أحزان أبنة الفجر - جوليا جايمس
 

4- لا أاريدك أنت

وقفت رايتشل في مكانها حوالي الخمس ثوان جامدة مذهولة , غير قادرة على تصديق ماسمعته للتو . مدت يدها لتضعط على الزر لتفتح الباب الأمامي للمنزل في الطابق السفلي , لكن حتى وهي تفعل ذلك , أحست بأرتعادة من الخوف تجول في جسدها .
ما الذي يريدة ؟
ما إن فتحت متردده باب شقتها التي تعلو طابقين عن المدخل . حتى سمعت وقع قدمي فيتو على الدرج . بعد لحضة ظهر فيتو عند زاوية الدرج .
وتوجة مباشرة نحوها . لدا وجهه غامضاً وخالياً من أي تعابير , فأحست رايتشل بالتوتر يزداد في داخلها . هل يظن أنها تحتفظ بزمرادت فارنيستي هنا في الشقة ؟ هل يخطط لأن يأخذها بنفسه من هنا بالقوة ؟
على أي حال , كيف تراه وجد مكان إقامتها ؟
الاهتياج والاضطراب جعلاها تطرح السؤال من دون أن تفكر به بصوت مرتفع حتى قبل أن يصل فيتو إليها .
- كيف عرفت أين أقيم ؟
زم فيتو فمه ما إن اقترب منها :" أرسلت أشخاصاً كي يلحقوا بك عندما غادرت مكتبي . هل إقامتك هنا هي مزحة ما لكي تخدعيني ؟"
ما إن وصل فيتو إليها , حتى دفعها جانباً حتى يدخل إلى الشقة . ألقى نظره متفحصة ساخرة على تلك الفسحة الضيقة الرثة , ما جعله يعقد حاجبيه سوياً. بعدئذٍ ادار نظرته نحو رايتشل التي وقفت مصعوقه بالقرب من الباب .
شعرت بالخوف , الصدمة , المقت , الدهشة . . . وشيء ما أكثر قوةمن تلك الأحاسيس .أحست أن الدماء تغلي في داخلها فتطغى على أي شيء آخر .
مازال فيتو يرتدي بذلة العمل الرسميه , لكنه تخلص من ربطة عنقه منذ أن رأته بعد الظهر , إلا أن ذلك لم يجعلى يبدو أقل وسامة , مع أنه جعله يبدو اشعث المظهر قليلاً .
وقف فيتو في وسط الغرفة تماماً, نظراً إلى حدودها الضيقة .
- لماذا انت في هذا المكان البالي ؟ هل أنت فعلاً مفلسه إلى هذا الحد ؟ لم تبدي كذلك عندما دخلتِ إلى مكتبي بعد ظهر اليوم , أم أنك كنت تحاولين التأثير على ّ؟
توتر وجه رايتشل التي راحت تقاوم بشذة للحفاظ على سيطرتها على نفسها , لكنها علمت أنها تخسر .
طالبها فيتو بينما عيناه تومضان فوق جسدها :" حسناً ؟"
هذه المرة حملت عيناه الأزدراء التام , ولم تفاجأ رايتشل بذلك فبعد ظهر هذا اليوم بدا مظهرها جيداً إلى أبعد الحدود ,أما الأن فهي على العكس تماماً . إنها ترتدي بذلة رياضية , ووجهها خال من التبرج , فيما يبدو شعرها مشدوداً إلى الوراء ومربوطاً على شكل عقدة .
تمكنت رايتشل أن تتدبر الرد بكلمات لاذعه إذا قالت :" وما شأنك أنت بأموري المالية ؟"
تصلبت نظراته , وبدا من الوضح أنه لم يعجب مطلقاً بنبرة صوتها .
- بما أنك رفضتِ للتو مبلغ الملون يورو الذي عرضته عليك , فهذا يجعل أمورك الماليه من شأني بشكل ما .. وبما أنك لن تحصلي حتى على عناق مني بشروطك المضحكة تلك , فالأحرى بك أن تأخذي المال . أليس كذلك أين هي الزمردات ؟
نظر فيتو حوله بينما ازدادت تعابير الأزدراء في وجهه عمقاً .
منتديات ليلاس
أجابته رايتشل بحدة :" إنها في المصرف . هل ظننت أنني سأضعها في مكان آخر ؟ إن كنت قد جئت إلى هنا كي تحاول إقناعي بأن أبيعك إياها , فيمكنك أن تخرج . والدتي لن تبيع أبداً "
- احقاً ؟ أعلى الرغم من أنكِ مفلسة إلى درجه تجعلك تعيشين في هذا المكان البالي القذر ؟ أين هي آرلين على أي حال ؟ أهي مفلسة أيضاً ؟ لايمكنني أن أتصور أنها تسمح لالابنتها الغالية بأن تقيم في هذا المكان بينما تتنعم هي بإنفاق ماتبقى لديها من اموال والدي .
انغلق وجه رايتشل وتجمدت أوصالها . لن تدعه يكتشف شيئاً بخصوص والدتها .إن حصل ذلك وأظهر فيتو إشارة واحدة تنم عن رضاء وامتنانه لأن تعيش عشيقة والده التي يمقتها تنال عقابها ,. فرايتشل سوف تقتله بيديها المجردتين . أحست رايتشل بحاجة ملحة غامرة لن تحمي والدتها من هذا الرجل الذي يكرهها كثيراً .
كذبت رايتشل قائلة بسرعة :" إنها مسافرة خارج البلاد ! إنها في إسبانيا , فهي تحب الطقس الدافئ "
استطاعت أن تشعر بنظرات فيتو تضغط عليها :" كيف يصادف إذاً أنك تشعرين بالحرية لتتصرفي بالزمردات ؟ هل أصبحت ملكك أنت ؟"
اجابت رايتشل بدهاء :" نعم "
في الواقع هي تمتلكها , فقد منحتها آرلين حرية التصرف بشؤونها منذ شهرين , وذل قبل أن تصبح مريضة جداً إلى حد لايسمح لها أن تعتني بالزمردات أكثر .
نعم هي تمتلك زمردات فارنيستي ! لكنها تعلم أنها لاتستطيع أن تبيعها أبداً . تعلم رايتشل أنها , عندما تموت والدتها , سوف تعيدالزمردات من دون أي مقابل إلى الشخص الوحيد الذي يحق له الأحتفاظ بها فعلاً : أرملة أنريكو . فعمت رايتشل السبب الذي دفع والدتها إلى اخذ الزمردات , لكنها تعلم أنه لم يكن لآرلين اي حق بها , كما أنها ليست من حقها هي أيضاً . لو أن فيتو وافق على شروطها بعد ظهر هذا اليوم , لأعادت إليه الزمردات من دون أي مقابل . إنها لاتريد من فيتو أي شيء سوى أسمه على وثيقة زواجهام , بالإضافه إلى صور للزفاف لكي تريها لوالدتها , وتقنعها أنها تزوجت فعلاً من ابن إنريكو . لكن فيتو رفض تماماً محاولتها المضحكة بأن تحقق أمنية والدتها قبل موتها . وبالتالي عليها أن تحتفظ بالزمردات إلى أن تموت أرلين , فتصبح قادرة على إعادتها إلى السينيورا فارنيستي .
تغير شيء ما في وجه فيتو فيما أجابته رايتشل . شيء ما جعل الدماء تبرد في عروقها أكثر .
- لقد اعترفت للتو بأنك تحتفظين بزمردات فارنيستي , أخبريني إذاً ياعزيزتي , ما الذي يمنعني من إقناعك بأن تعيديها لي .
التمعت عينا فيتو ’ فأحست رايتشل بالخوف يطعنها مجدداً . لكن لايمكنها . . . لايجدر بها أن تشعر بالخوف أمامه . ردت عليه بنبرة دفاعية ::" لا آبه البتة بما تظنه في ما يتعلق بالزمردات . لو كان بمقدورك أن تستعيدها بشكل قانوني حتى الآن لفعلت ذلك . وإن تجرأت على وضع إصبعك على , سوف أتهمك بالتعرض لي , ولن تلبث الصحافة الصفراء وصف الإشاعات أن تنشر خبر الفضيحة ".
استنشقت رايتشل نفساً عميقاً مرتعداً , وتابعت :" حسناً ! إن كان هذا كل ماجئت إلى هنا من أجله . . . حتى تقوم بمحاولات الصبي المستبد فيمكنك ان ترحل بسرعة "
ازداد الإلتماع في عيني فيتو , فجأة بدت شقتها الصغيرة الضيقة أصغر مما هي عليه فعلاً . تسارعت أنفاس رايتشل , وأمكنها أن تلاحظ ذلك , كما بدأ الأدرينالين يندفع بسعة في مجاري دمها . لابد أن سبب ذلك هو الخوف الذي تنكره والتوتر . . . هذا كل شيء .
لكنها علمت انها تخدع نفسها . أستطاعت أ تشعر بجسدها يتجاوب مع وجود فيتو , إذ احست بكل عصب من اعصابها يقفز منتفضاً . أرعبها ذلك الشعور . إن لاحظ فيتو ذلك . . . إن أدرك أنها متأثرة به , فهي سوف تموت , ستموت بكل بساطة ! ذلك سوف يعطيه سلاحاً آخر يستخدمه ضدها , ولا يمكنها ان تأمل أبداً بهزم ذلك السلاح .
أدركت رايتشل أنها سوف تشعر بهذا الشعور تجاه فيتو حتى آخر يوم من عمرها . اللمعان الغامض في عينيه يجذبها كالمغناطيس , وهذا الأمر أخافها حتى العظام لكن كلماته التالية أخافتها أكثر .
- كنت أفكر بطريقة مختلفة تماماً في الأقناع ياعزيزتي .
استقرت عيناه السوداوين عليها , ورأت فيهما رايتشل تعبيراً مزق السنوات التي عاشتها بعيدة عنه أحست كما لو أن هنالك ثقباً ما في معدتها , وبأنه رجليها صارتا ترتعشان فجأة . فكرت , كان الأمر مزيفاً حينها , وهو مزيف الأن ! خدعك فيتو عندما كنت في الثامنة عشر من عمرك , خدعك حين أقنعك أنع وجد تل التلميذة الإنكليزيه البريئة ذات الثمانية عشر ربيعاً جذابه بالنسبة إليه , وهو يخدعك الآن ايضاُ !
فضلاً عن ذلك , هي تعلم كيف يبدو مظهرها الأن . لقد خلعت الملابس الأنيقه المتألقه التي كانت ترتديها بعد ظهر هذا اليوم .
وعادت الآن إلى أرتداء ثيابها العادية المتواضعة . غنها ترتدي بذلة رياضية تقتل الشغف , فيما ربطت شعرها إلى الوراء على شكل عقدة صارمة , كما أنها لاتضع أي نوع من التبج على وجهها .
لاحظ فيتو ردة فعل رايتشل , وأمتعه ذلك . لكنها أستطاعت ان ترى الغضب مشتعلاص فيه تحت تلك القشرة من التسليه والأستمتاع . رأته يسير نحوها وبدامن الواضح أن هناك هدفاً من خطواته . أحست مجدداً بتسارع الأدرينالين في جسدها . أرادت أن تتحرك كبتعدة عنه .
أرادت أن تصرخ , أن تزعق , أن تهرب خارج الباب , أن تتراجع حتى نهاية الغرفة فتقفل الباب على نفسها في الحمام الصغير حتى تهرب منه . لكنها تجذرت في مكانها , وما إن تجمدت هناك حتى وقف فيتو أمامها , أما اللمعان في عينيه فسرّع وتيرة أنفاسها .
مدّ فيتو يده فلفها حول عنقها .أحست رايتشل برأسها ينحني بخفة , في الوقت نفسه وكها شعور بالذنب اقشعر له بدنها . عبرت الأحاسيس جسدها كالمطر الغزير الغامر , فمحت تلك السنوات السبع الطوال التي مرت منذ أن لامسها فيتو فارنيستي لآخر مرة .
سمعته وهو يغمغم شيئاً ما بالإيطالية , لكنها لم تفهم ماقاله . إذ إن كل قدراتها على الأحساس كانت مدمجة فى إحساس واحد هو ملامسة أصابعه لبشرتها . عانقها فيتو برقة , فسرى عبر جسدها ذاك المطر الغامر , وأخذها إلى عالم لم تحلم أبداً بأن تخطو إليه مجدداً.
بدا عناقه بالنسبة إليها نعيماً .إنه جنة متميزة جداً إلى درجة أنا ماعادت قادرة على التفكير , كما لم تعد قادره على الحراك , بل بمقدورها فقط أن تغوص إلى أعماق تلك النعمة الصامته الأبدية بأن يعانقها فيتو فارنيستي . أحست رايتشل بأن جسدها يفقد قوته , ويستلقي إلى الأمام مستنداً على جسدة . فاستسلمت إلى مشاعرها تلك .
ازداد عناقه عمقاً , فأخذ يرسل داخلها أحاسيس قوية إلى درجة جعلها تحس كما لو أنها عذراء من العصر افيكتوري . وهي لن تسمح لفيتو فارنيستي بإغوائها .
تنبهت فجأة أن الآمر بالنسبة إليه ليس ممتعاً على الأطلاق ! إنه فقط يفعل هذا لسبب نفسه الذي دفعه إلى إغوائها في المرة الماضية. . . لكي يستغلها . في المره الماضية أراد أن يستخدمني حتى يجرح والدتي .
وهذه المرة هو يريد زمردات فارنيستي . . .
جذبت نفسها مبتعدة عنه بحدة , وبقوة لم تدرِ كيف وجدتها :" لا !"
دفعت رايتشل يديه بعيداً عنها , وتراجعت إلى الوراء . كانت دقات قلبها تتسارع وأطرافها ترتعد إلى درجة أنها اضطرت أن تقاوم حتى تتمالك نفسها .
للحظة تحرك شيء ما في عيني فيتو , ثم اختفى ذلك الشيء وحلت مكانة نظرة مألوفة . . . نظرة أستهزاء وسخريه :" لا ؟ حسناً ! هذه كلمة جديدة في قاموسك عزيزتي . فلطالما كنت تقولين "ارجوك فيتو . أرجوك ! "
تذكرت رايتشل بوضوح كريه تام اندفاعها وتوقها إلى عناقه آخر مرة كانا فيها معاً . لكن ليس هذا ماقصده فيتو بالتحديد بل قصد مناسبة مختلفة تماماً . قالت رايتشل هذه الكلمات عبر الهاتف , بعد أن توسلت سكرتيرته كي تصلها به . يومها أدركت رايتشل أن السكرتيرة لم تخبر فيتو أنها هي المتكلمة , لآنه ماكان سيتلقى المكالمه لو انها أخبرته . رفع السماعة من دون ذا النبرة القاسية يقول :" من المتكلم ؟"
قالت بصوتها المرتعش :" أنا رايتشل . . . أرجوك , فيتو ! أرجوك . . ."
إلا أن فيتو أقفل الخط من دون أن يسمح لها بقول أي كلمة أخرى .
بعد ذلك لم يسمح لها أبداً بالوصول إليه مجدداً. ومنذ ذلك الحين وصاعداً ألتزمت تكرتيرته بأوامرة , ولم تعد تتجاوب معها , فالسينيور فارنيستي لن يتلقى أي مكالمات من قبلها .
انغلق وجه رايتشل , فيما صدّت كل إحساس تشعر به تجاهه محتجزة مشاعرها في داخلها . إنها ليست بحاجة إلى مشاعرها عندما يتعلق الأمر بفيتو فارنيستي ز
أجابت وحلقها مشدود :"حسناً ! أنا أقول لا الآن , فيتو . وأخشى أن زمردات فارنيستي تساوي أكثر من مجرد عناق بسيط من فيتو فارنيستي الرائع . لن تستعيدها بسعر زهيد !"
تصلّب وجه فيتو فازداد قساوة , كما ازداد نظراته استهزاء .
- لعل الزمردات تساوي أكثر من هذا ولكنك لاتساوين أكثر {اوووف كلب }
كانت تلك صفعة كبرى تتلقاها من بين العديد من الضربات الأخرى . إلا أن رايتشل لم تجفل هذه المرة . استنشقت نفساً عميقاً . حاداً وقالت :" بالرغم من ذالك كان هذا أفضل عرض لديك , فالزمردات ليست للبيع . لن تغريني بالمليون يورو ".
رمى فيتو سؤاله على رايتشل قائلاً :" لماذا ؟ أنت تعيشين في مكان وضيع قذر . مبلغ مليون يورو سوف يخرجك من هنا ويجعلك تعيشين بترف !"
راح ينظر إليها بتركيز بعينين ضيقتين , كأنه يحاول قراءة مايدور في داخلها . أحست رايتشل أن الخطر يحوم حولها , لكنه مختلف عن الخطر الذي واجهته . صدّته منذ لحظة . أحست بموجة غامرة من الرغبة بالدفاع عن والدتها المحتضرة أخذت تجيش في داخلها .
أراد فيتو أن يفهم لماذا تطالب رايتشل بهذا الثمن المضحك مقابل إعادة الزمردات . لكن . . . . يجب ألا يعرف أبداً .
- كذلك الزواج بك سيفعل هذا سيخرجني من هنا .
بدا صوت رايتشل سطحياً . فيما تركزت نظرات عينيها على عينيه كأنها تحاول إجبارة على تقبل هذا السبب كدافع لها . راقبت ملامح فيتو تتغير , متخذه تلك النظرة الساخرة المستهزئة من جديد .
تشدق فيتو قائلاً :" إذاً هذا هو طموحك . أليس كذلك ؟ أنت لاتريدين أن تكوني كوالدتك , فهذا ليس كافياً بالنسبة إليك أنتِ تريدين الأحترام "
علمت رايتشل أن هذا قريب جداً من الحقيقة إلى درجة أنها أستطاعت أن ترى ذلك في عينيه . رفعت ذقنها وقالت :" لِمَ لا ؟ لو صرت السينيورا فارنيستي, سوف يرحب بي الناس في أي مكان "
لم تعرف رايتشل لما قالت له ذلك , أولما تتابع السير بهذه المهزلة , ففيتو لن يتزوجها .
أبتسم ابتسامه ساخره ::" آه . . . تفكير طموح بالفعل ! أخبريني ايتها الأنسه الساعيه خلف الثروه , هل يمتد طموحك نحو الحصول على حصتك من أموال فارنيستي لكي تقبلي بتسوية طلاق مسرفة ؟"
لم تسمح رايتشل لذلك القول أن يؤثر بها أيضاً . فقالت بنبرة الصوت السطحية نفسها :" لا "
- لا ؟ إذاً هل أنت مستعدة للزواج بي حتى لو طردتك بعد ستة أشهر من دون أي قرش كنفقة .؟
بدا عدم التصديق واضحاً جداً على وجه فيتو .
اجابته رايتشل بفظاظه وتصميم :" نعم "
- لماذا ياعزيزتي ؟ يجدر بي أن اشعر بالأطراء , فأنت مستعدة للزواج بي على الرغم من أن ستتنازلين عن نفقة الطلاق !
سخريته مست شيئاً ما في داخلها . . . لن تسمح له مجدداً أن يهزأ برغبتها الغبية البائسة في الزواج منه .
- الأمر لايتعلق بك فيتو .أنا لا آبه بك البته !
زاد الغموض والأسوداد في عينيه .
لم تعد قادرة على من نفسها , ولم تستطع أن تتحمل فكرة أن يظن أنها واقة في حبه إلى درجة تجعلها يائسة جداً للتقرب منه .
- هنالك شخص أكثر أهمية بالنسبة لي من أنت !! شخص . . .
توقفت تماماً عن الكلام , وقد أجفلها ماأوشكت على الأعتراف به .
للحظة ساد الصمت , ثم تكلم فيتو بصوت جعلى لحمها يذبل .
- أخيراً فهمت اللعبة التي تحاولين لعبها .
حاولت رايتشل بسرعة أن تتدارك ما تفوهت به دون تفكير .
- لا . . . أنا . . .
لوح فيتو بيده في الهواء :" تأخرت كثيراً عزيزتي . يمكنني أن أفهم الأن ماتنوين عليه. الأمر لايتعلق بالزواج مني , بل بتعلق بالزواج من رجل آخر . رجل يرفض الزواج بك . أنت تظنين أن بمقدورك أن تنتقمي منه بأن تصبحي فجأة السينيورا فارنيستي ! أنتِ تريدين الأنتقام . هذا كل ما في الأمر . أنت تنتقمين من الرجل الذي ازدراك وأحتقرك , لأنه يريدك عشيقة له لازوجه "
حدقت رايتشل به محاولة أن تستوعب ما يقوله .
كان فيتو مازال يتكلم :" أخيراً فهمت الصوره . الآن تبدو لي منطقية أكثر . الأنتقام هو ألذ شعور على الإطلاق ! لقاء هذا الثمن, بدوت مستعدة لاقتحام مكتبي اليوم معتقدة أنك إن أغويتني بالزمردات فسوف تقنعينني أن أسير معك في خطتك تلك "
التمعت عيناه بمقت كرية :" أردت أن تخدعيه .أردت أن يظن أنك وجدتِ رجلاً ثرياً ينوي الزواج بك ولكي تجعليني أسير معك في هذا المخطط المبهج عرضتِ عليّ أن تعيدي لي زمرداتي الخاصة بالإضافة إلى التمتع بإقامة علاقة حميمية معك "
وخزها مقته هذا مادفعها إلى الرد , إذ وجدت في مكان ما - مالم تدرِ أين - مقتاً مماثلاً لمقته لها .أمالت رأسها قليلاً , فنظرت إلية ساخرة , ثم قالت :" في الواقع , لا أنت لن تحصل سوى على االزمردات فيتو "
نضح صوتها باللامبالاة القارسة , فتابعت :" إن إقامة علاقة حميمية معك ماكانت لتصبح جزءاً من الإتفاق . مواهبك الخارقة في السرير لم تكن مطلوبة . حاولت ذلك ذات مرة , أتذكر ؟ لكن لا ! لن تحصل في المقابل سوى على زمرداتك تلك فقط "
علمت رايتشل أنها تفتقر إلأى الأسلحة المناسبة حتى تحاربه بها , وأن هذا هو السلاح الوحيد الذي تمله . إنه ضعيف ومثير للشفقه , لكن هذا كل ما تستطيع فعله , أن تدّعي اللامبالاة تجاهه .
الله وحته يعلم من أين جاء بفكرة أها تريد الزواج منه حتى تعاقب عشيقاً خيالياً ما لأنه رفض الزواج بها , لكنها لن تنفي هذا الأعتقاد فهو سيساعدها على إخفاء حقيقة دافعها الفعلي .كما أن تظاهرها بالامبالاة تجاهه سيحميها أكثر . لجأت رايتشل إلى إهانة أخرى , كما لو أنها متسولة تبحث في المهملات .
- لاشك أنك تظن نفسك هبة من الله للنساء فيتو , لكنني أخشى أنه فيما يتعلق بي أنا , أنت ممل قليلاً .أنا فقط أردت الحصول على خاتم زواجك في إصبعي , هذا كل شيء .أنا لا أتحرق لإقامة علاقة حميمية معك , بل إنني أرفضها بعض النظر عن مدى براعتك .
منتديات ليلاس
ظل فيتو يرمقها بنظراته , التي استقرت عليها من دون أن تظهر عيناه أي تعابير , كما خلا وجهه من التعابير أيضاً . أجبرت رايتشل نفسها على التحرك . ما الذي يحصل ؟ لماذا ينظر إليها بهذا الشكل من دون أن تظهر علو وجهه أي تعابير على الإطلاق ؟ توقعت أن ترى وميضاً من الغضب يدل على أنه يعترض على إهانتها لجاذبيته التي لاتقاوم , إلا أنه راح ينظر إليها فقط , فيما بدا وجهه مغلقاً تماماً . تسلل عدم الارتياح إلى داخلها مجدداً , ثم أدركت مايفعله فيتو , إنه يتعمد عدم الإجابه على إهانتها الصغيرة الواهنه فقط لكي يظهر لها كم هي سخيفه , رأها ليس له أي قيمة على الإطلاق .
احست رايتشل أن سهماً من الغضب يخترقها , فهي ليست ذات قيمة بالنسبة لفيتو . لطالما كانت كذلك . أستفزته مجدداً , كأن هناك مايجبرها على الحصول على ردة فعل منه . . . أي ردة فعل , لكي تظهر أن بمقدورها أن تؤثر عليه ولو قليلاً .
- أفترض أنك ظننتني مففتونة بك عندما كنت في الثامنة عشر من عمري اليس كذلك ؟
اطلقت رايتشل ضحكة قصيرة , هزت كتفيها قليلاً , وتابعت :" حسناً ! هذه المره يمكنك أن تلاحظ أنني لست مفتونه "
علمت أنه يفترض بها أن تسير في المواجهه إلى الحد النهائي , وإلا فإنها ستذبل وتعود إلى الرماد , فتابعت كلامها :" آه ! أما الآن بالذات فإنني أشعر بالفضول , لذا سمحت لك أن تعانقني , لكن فيما يتخطى ذالك . . . لا أظن أن شيئاً سوف يحدث بيننا . والآن إذا كنت لاتمانع , لدي أمور عليّ متابعتها "
مشت نحو الباب وهي تشعر بالذهول والدهشة , غير مصدقة أن رجليها ماتزالان قادرتين على التحرك . هي بكل بساطة تريدة أن يرحل لكي تستطيع أن تنهار بمفردها . . . سحبت رايتشل القفل الآلي للباب إلى الخلف , ففتحته بضربة واحدة , ووقفت جانباً , ثم عادت ونظرت نحو فيتو .
لم يكن فيتو قد تحرك من مكانه . أستمر واقفاً كمانه فيما وجهه خالياً من التعابير . عبرت جسد رايتشل ارتعاة صامته كيف تجرأت على أن تقول له أموراًمماثلة كما فعلت للتو . من أين جائت بهذه الأكاذيب , وأي فائدة ترتجي منها على أي حال ؟
حثته قائله :" أتظن أنك قادر على تحريك ساقيك ؟"
بدا وجه فيتو مغلقاً , خاوياً تماماً .أما جسده فبدا جامداً متصلباً . ثم . . . فجأة , بدأ يمشي نحو الباب . بدأ التوتر يزحف نحو رايتشل , فيما هيأت نفسها لمرور فيتو بالقرب منها , لكنه توقف عندما صار على بعد متر منها تقريباً .
- ماذا . . .؟
قاطع فيتو سؤالها الذي يحمل خوفاً ورعباً . اتجه نحوها مباشرة , أما عيناه غير المقرؤتان فأستقرتا على وجهها تماما . وما لبث أن قال :" يجدر بك أن تتصلي بمصرفك يوم غد لتعلميهم بأنك سوف تستعيدين الزمردات . أتصلي بمساعدتي الشخصية أيضاً , واعلميها بموقع المصرف , لكي تعرف إلى أين يجدر بها أن ترسل الساعي "
حدقت رايتشل به غير مصدقة , وقالت هي تعض على شفتها :" ليست لدي نية في السماح لك بالحصول على الزمردات "
رفع أحد حاجبيه , وقال :" كل عروس لآل فارنيستي تضع تلك الزمردات يوم عرسها . هل تتخيلين أنني سأسمح لك بأن تكوني حالة أستثنائية ؟"
حملت عيناه السخرية , البرودة , فميا استقرت نظراته عليها بقوة .
-سوف يكون زواجاً مدنياً حالما يسمح لنا القانون بذلك , وسوف ينحل مجدداً بأسرع ماهو ممكن قانونياً .آه !! سوف تكون هناك أتفاقيه بيننا عليك أن توقعي عليها قبل الزواج , ويجب أن تكون الزمردات حول عنقك عندما أتزوجك حتى تتمكني من إعادتها لي بعد ذلك .
مد فيتو يده نحو مقبض الباب فجذبه وفتحه مجدداً . وجه ابتسامته نحو وجهها المتجمد من جراء الصدمة .
- يجدر بك أن تبدي سعيدة ياعزيزتي , فأحلامك الطفولية تحققت للتو . . . سوف أتزوج بك .
تمشى فيتو ماراً بالقرب منهما إلى خارج الشقة . بدا مسترخياً وهو يخطو برشاقة وأناقة نزولاً على الدرج ذي السجاده الرثة الباليه .
راقبتة رايتشل بحذر وهو يخرج من الباب الأمامي , ثم سمعت الباب يخبط وينغلق خلفه . بعد فترة طويلة . . . طويلة . أحست أن قلبها عاد لينبض مجدداً .

موــــــــني ^___^
__________________________________


الساعة الآن 02:22 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية