منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات أونلاين و مقالات الكتاب (https://www.liilas.com/vb3/f743/)
-   -   [قصه قصيره ] د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الهول .. كاملة (https://www.liilas.com/vb3/t176259.html)

عهد Amsdsei 19-05-12 11:07 AM

د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الهول .. كاملة
 
السلام عليكم

قصة جديدة للمبدع الدكتور أحمد خالد توفيق

د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الهــول

قراءة ممتعة للجميــــــــــــــــــــــــــــــــع

عهد Amsdsei 19-05-12 11:09 AM

د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الهــول (1)


http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_13374185431.jpg
كان الرعب في كل مكان والصرخات تندلع في ظلام الليل (رسوم: فواز)


ارداقو اوجوم يسفن تدجو ينكل يتم الو تيادبلا تناك يتم فرعال.. موجنلا بناج يف تدلو..

آسف.. نسيت نفسي للحظة ونسيت أنكم عاجزون عن القراءة بالمقلوب. سأكرر ما قلته:
أنا وُلدت في جانب النجوم.. لا أعرف لنفسي بيتًا ولا وطنًا سواه، والذين يقرؤون قصص الرعب يعرفون ما هو جانب النجوم جيدًا، لهذا لن أطيل عليهم..

كان الرعب في كل مكان، والصرخات تندلع في ظلام الليل.. هل قلت "ليل"؟ لا يوجد شيء كهذا؛ لأنه لا يوجد نهار في جانب النجوم أصلاً، لكننا أحيانًا نشعل واحدًا منا لنرى على الوهج المنبعث منه حقيقة الأشياء.

ننضج مع الزمن ونتعلم أشياء أكثر فأكثر.. لكننا ندرك أولاً أننا جئنا من أجل الخوف والهول.. نغتسل بالدم ونقتات بالفزع ونسكر لدى سماع صرخات الأطفال..

توملل دجملا.. لوهلل دجملا..

لن أحكي لك قطاعات عالمنا وقانون الصيرورة، فهذا موضوع يطول.. ثم إنه سر على كل حال.. يكفي أن أخبرك بأنني نشأت في صيرورة سيجفريد الأميدي.. إنه سيد مهيب عندنا..

وجاء اليوم المقدس.. اليوم الذي تعرف فيه أنك ستغادر الصيرورة؛ لأنك صرت ناضجًا بما يكفي..

تتقدّم إلى حيث يجلس سيد الديجور مع الشيطان.. تخبره بأنك نضجت..

يهزّ رأسه لك فتشعر بأن أنيابك تستطيل والدم يخرج من منخريك، وشرر النار يتطاير من أناملك، وقد صار لك زئير كزئير الهول نفسه.. لقد منحك الـ.... منحك الـ....
لا أجد كلمة مناسبة لذا سأستعمل لفظة "منحك الإذن"..

تتقدّم نحو واحدة من الفجوات..

هناك فجوات عددها ثلاثمائة في عالمنا.. وهي تقود إلى كوكبكم...

تقف بانتظار اللحظة المختارة.. تراقب هذا المذءوب وهو ينحني برأسه ليخترق الفجوة.. هناك ممر مفتوح في بيت مهجور في المكان الذي تسمونه بوكوفينا برومانيا.. سوف يجتاز هذه الثغرة، وبعد أيام يتحدث الناس عن مذءوب في المنطقة..

مصاص دماء يتقدّم ليجتاز الفتحة.. سوف يعبر إلى ما تسمونه الهند.. وبعد أيام سوف يجد الناس هناك جثثًا خالية من الدماء...

جاء دوري، فوقفت أمام الثغرة وقلت لسيد الديجور:

ـ "هبني الهول... هبني الهول!"

وعبرت الثغرة....

*************

دخلت عالمكم في ليلة مظلمة قررت السماء فيها أن تغسل الأرض بعنف وبلا رحمة..

من حين لآخر كانت ألسنة البرق تهوي من السحب المظلمة فتتوهج الأشجار.. الأشجار التي توشك العواصف على اقتلاعها من موضعها.. وكانت الريح تعوي بلا انقطاع..

هناك بئر في هذا المكان.. بئر ماؤها سامّ لا يصلح للشرب، وقد امتلأت بمياه الأمطار وبدأت تفيض.. هذا مكان لا يمكن لمعتوه أن يأتي له في هذه اللحظات بالذات.. لكنه ثغرة مهمة من ثغرات جانب النجوم، إنني على بُعد نصف ميل من قرية ألمانية هادئة..

من القواعد المهمة هنا أنني قادر على العبور لأي ثغرة من الثغرات الأخرى بسهولة تامة..

الناس في القرية يعتقدون أن أشياء مريبة تحيط بهذه البئر، وهم يتحاشون الاقتراب منها منذ زمن، لا شك أن سكانًا آخرين من جانب النجوم قد جاءوا هنا وأحدثوا أثرًا.. لا شكّ أن الفلاحين يقولون إن هناك شيطانًا في الغابة.. لا يعرفون أنها حزمة من الشياطين..

أمشي تحت العواصف والسيول وأتحوّل إلى شكل شبه بشري..

وعندما أصل إلى القرية الألمانية الناعسة أمشي وسط الشوارع الخالية.. ظلام..
ضوء خافت من وراء النوافذ.. رائحة حساء.. أمطار..

هذا البيت يصلح.. أتجه نحوه وأدقّ الباب مرارًا وأتكلم بالألمانية التي صرت أجيدها فجأة..

ـ "من فضلكم.. أنا أتجمّد.."

يفتح فلاح ألماني كثّ الشارب الباب لي ويرمقني في شك.. إنه يدخن غليونًا لكنه يمسك به بين أنامله وهو يفكّر بعمق..

من الداخل تسمع صوت زوجته تصيح:

ـ "دعها تدخل يا مولر.. الفتاة مبتلة كالدجاجة.. ألا ترى أنها واهنة رقيقة؟"

يفسح الباب لي، وأدخل البيت الدافئ لأجد أسرة تتكون من الزوجة وفتاة في سني وطفل في السابعة.. يبدو أنهم كانوا يتناولون العشاء حالاً..

يسألني الفلاح وهو يعطيني مقعدًا:

ـ "هل أنت بخير؟"

ـ "نعم"

ـ "ماذا جاء بك إلى الغابة في جو كهذا؟"

أحكي له عن الأوغاد الذين خطفوني في سيارة.. ثم عندما مررنا قرب قريتهم عضضت يد واحد من الخاطفين، وركلت باب السيارة لينفتح وألقيت بنفسي للخارج.. مشيت كثيرًا حتى وصلت لهم..

يقول الطفل وهو يشرب ملعقة من الحساء:

ـ "كيف فتحت الباب بالركل؟"

لكني أتجاهله وأغرق نفسي في طبق الحساء الذي قدّموه لي، وأضع فيه بعض لقيمات الخبز.. هنا تقول الابنة وهي تنظر لي مليًا:

ـ "لماذا تلبسين ثيابًا صيفية؟"

جوّ التذاكي هذا يثير جنوني فعلاً.. قلت في عصبية:

ـ "كنت ألبس معطفًا فوق هذه الثياب"

يسألني مولر وهو يعيد إشعال الغليون:

ـ "من أين اختطفوك؟"

ـ "من فورتشايمر.. كنت أقود سيارتي هناك"

ينظر لزوجته مفكرًا.. ثم يقول لي وهو يطلق سحابة دخان كثيفة:

ـ "أنا أعرف كل سكان فورتشايمر.. عددهم لا يتجاوز 200 شخص.. أنا متأكد من أنك لست من أي أسرة هناك"

هنا يجنّ جنوني..

عندما غادرت البيت بعد ساعة، كنت قد قمت بكل شيء ممكن.. لا بد أن من سيرون البيت سوف يعجزون عن النوم لفترة طويلة. ربما يحكون لأولادهم ما رأوه لعدة أجيال..

كنت غارقًا في الدم وأنا أمشي تحت الأمطار أنظر للسماء.. وأترك الماء يغسل ما علق بجلدي ووجهي.. أنا الهول.. أنا الهول..

كانت البئر هناك والماء يتدفق منها..

ببساطة تسلقت على الحافة ونزلت فيها..

سأكون في مكان آخر مع أناس آخرين حالاً..

*************

http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_13374185432.jpg
هذه المرة تحوّلت إلى مذءوب (رسوم: فواز)


الفجوة التالية كانت في نيوزيلندا..

هذه المرة تحوّلت إلى مذءوب.. وخرجت من الفجوة في وقت اكتمال القمر., وقفت على الطريق السريع أمام السيارات أعوي وأتلوى.. وكان المشهد مخيفًا لدرجة أن أكثر من سيارة انحرفت عن الطريق وانقلبت.. كنت أنزل لأنهي أمر الركاب..

ثم بعد هذا دخلت الغابات القريبة.. كان هناك عدد من الشباب ينعمون بنزهة خلوية، أي أن كل شاب وفتاة كانا في ركن بعيد عن زملائهم.. هذا سهّل المهمة جدًا..
كنت أجول بين الأشجار، ثم أنقضّ على العاشقين اللذين لا يصدّقان أن هذا حقيقي.

فقط عندما ترى الفتاة رأس حبيبها في حجرها كانت تطلق صرخات الهستيريا.. هنا تلحق به بسرعة..

لقد مرحت كثيرًا..

أنا الهول.. أنا الهول...
يتبع

عهد Amsdsei 19-05-12 11:10 AM

د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الهول (2)

http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_13374185433.jpg
عندما يطل طفل من حافة بئر منسية ربما يرى لمحة مما يدور


أعود إلى فتحات جانب النجوم..
هؤلاء البشر الحمقى لا يعرفون أن هناك شبكة جحيمية كاملة تحت أقدامهم، وأن سادة جانب النجوم ينتقلون بحرية بالغة..
أحيانًا يدنون من السر..

عندما يجلس ذلك الطفل وحده على حافة بئر منسية ويطل في مائها أكثر من اللازم.. قد يرى لمحة مما يدور تحت. في 90% من الحالات لا يعيش ليحكي ما رآه؛ لأن لسانًا أو ممسًا يبرز ليجذبه لأسفل..

عندما تمشي هذه الفتاة وحدها في الدغل في الظلام، وتجد جذع الشجرة القديم الغليظ هذا.. شجرة هوت وأحرقتها الصواعق، لكن جذعها ظلّ بارزًا مجوفًا من الأرض.. تركع على ركبتيها وتختلس النظر.. يخيّل لها أن هناك كائنات تتحرك ثم تؤكد لنفسها أنها واهمة.. بالتأكيد هي واهمة.. ثم لا تعيش بعد ذلك.. فقط يجدون قميصها أو حذاءها في الغابة بعد ذلك، ويظل السؤال معلقًا ويقولون إن هناك سفاحًا في الغابة..

عندما تضيع هذه السفينة وسط الأنواء في المنطقة التي يطلقون عليها (مثلث برمودا)، وعندما ينقطع الاتصال ولا يعرف أحد أين هي.. في الحقيقة هي عبرت أكبر فجوات جانب النجوم طرًا.. فلا بد أن السايفونات خرجت من الأعماق لتمتصّ عصير الحياة من البحارة، أو ربما هو الهلام احتوى السفينة وأذابها، أو ربما هي الدوامة الكبرى جرت السفينة معها إلى جانب النجوم.. هذا هو المصير الأشنع؛ لأن البحارة سوف يجدون أنفسهم في عالم جحيمي كامل لا يعرفون ما هو.. سوف يخرجون من سفينتهم.. ليجدوا أنفسهم مع سيجفريد الأميدي أو يوليان المغتصب.. هناك قصة مثيرة عن مصير سفينة كهذه لكني لن أحكيها هذه المرة..

هناك بالوعات صرف قد تتصل بهذه الشبكة في عدة مواضع.. لهذا يصعب فعلاً أن يعود من سقطوا في هذه البالوعات.. ربما يجد المرء نفسه فجأة أمام كائن من كائنات جانب النجوم.. وعندها لن يسمع أحد صراخه.

هناك قصة أثارت رعب المصريين وحدثت في أوائل السبعينيات.. الزوجة التي كانت تمشي مع عريسها في شارع النبي دانيال بالإسكندرية كما يطلقون عليها.. فجأة صرخت وفجأة لم تعد هناك.. لقد احتار رجال الشرطة كثيرًا، وقيل إن الأرض مادت بها في بئر رومانية قديمة.. حسن.. أنت تعرف أن هذه البئر في شارع النبي دانيال كانت من فتحات جانب النجوم المهمة... وجدتها الزوجة بالصدفة..

فتحات جانب النجوم هي شبكة تنقلنا، ومنها نخرج وإليها نعود..
****************
http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_13374185434.jpg
البحارة سوف يجدون أنفسهم في عالم جحيمي كامل


لهذا عندما خرجت هذه المرة في اسكتلندا كنت داخل قلعة.. قلعة السير أرشيبالد ماكدوجال.. وهي قلعة سيئة السمعة فعلاً من ناحية الأشباح.. من وقت لآخر يأتي بعض الباحثين أو أحمق يؤلف كتابًا عن الظواهر الغامضة.. هناك أدوات تصوير للأشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية، وهناك مجسّات سونار، وهناك أجهزة تسجيل حساسة جدًا..

أحبّ اللعب بأمثال هؤلاء الهواة الذين يعتقدون أنهم يعرفون شيئًا..
هذه المرة تحوّلت إلى شبح.. دوري هو أن أمشي في أقبية القلعة أهزّ السلاسل وأعوي.. دوري هو أن أضحك..
بالطبع يعتقد هؤلاء أنني أثير الرعب بصوتي فقط.. ككلب ينبح ولا يعضّ..

عندما صار هذا الباحث الأمريكي الملتحي الذي يحمل آلة تصوير عملاقة، عندما صار أمامي ووحده هويت على مؤخرة عنقه بأعنف قوة ممكنة.. ثم أدرت رأسه في الاتجاه المعاكس ليثير هلع من يراه.. الرأس في الاتجاه المعاكس نوع من توقيع الشياطين... والبشر يعرفون هذا جيدًا..

تركت تلك الجثة هناك وابتعدت.. يمكنني أن أقضي على الآخرين في لحظة، لكنني أتغذى بالرعب.. أتغذى بالخوف..
اللحظة الأمتع هي عندما يكتشف أصدقاؤه الجثة، وعندما يدركون أن أشباح هذه القلعة لا تعوي فقط..

ثمة امرأة تصرخ وهي تتفحص الجثة بالكشاف:
ـ "ديفيد.. من الذي....؟"

ثم تلتفت فتدرك أنها وحدها.. السبب أنني جذبت الرجلين اللذين معها خلف جدار، ثم هشمت رأسيهما.. هنا يبدأ المرح الحقيقي وأنت تراها مذعورة.. تجري كالمجنونة.. تدرك أنها وحيدة في الظلام.. تصرخ.. تتخبط.. تتعثر.. الكشاف يرقص رقصة مجنونة..

الجزء الأمتع هو عندما أطفئ نور الكشاف..
مع الظلام هي في عالم وحشي خفي.. كل شيء ممكن.. كل شيء مخيف..
تصطدم بالجدران.. تلتوي قدمها.. تصرخ كفأر بتروا ذيله..
هذا هو طعامي الحقيقي ومصدر نشوتي..

الجزء الأمتع هو عندما أتجسد ببطء أمام عينيها.. شيء بلوري أخضر متوهّج من الداخل.. كقطعة فحم متقدة.. فقط متقدة بلون أخضر..

أتقدم منها وهي لا تكفّ عن الصراخ..
لكني أتوقف إذ أرى أمامي كائنًا عملاقًا آخر له لون فيروزي مخيف..
أقول له في ضيق بلغتنا:
ـ "ابتعد يا ناخاك .. الفانية لي"

فيقول:
ـ "بل هي لي يا ساحال.. موتًا تموت."

الفتاة تصرخ بلا توقّف.. تغطي أذنيها بساعديها.. تتراجع....
هذه هي مشكلة تضارب نطاق النفوذ.. إن ناخاك من رجال يوليان الأثيرين.. وهو يحمل واجب الولاء نحو لوسيفر وبيهموت وأبراكساس..

أفضّل عدم الاصطدام به.. لذا أتراجع في الظلام..
سأترك له الفتاة يخيفها كما يريد، وإن كنت قدّرت من نبضاتها أنها لن تعيش لفترة أطول.. الطفل الذي يلعب بقطة وليدة إلى أن تلفظ أنفاسها بين يديه، فيصرخ في جنون ويضرب الأرض مغضبًا..

الصراخ يتعالى...
أنا الهول.. أنا الهول..
وعليّ أن أصنع الهول حيثما ذهبت..
****************

وفي غابات ماليزيا خرجت من معبد هندوسي قديم منسي..
هذه المرة كنت أبدو كثعبان سام.. لكنه ثعبان له عينان ترمشان ويرى جيدًا جدًا.. وهكذا مضيت أزحف بين الأعشاب..

هناك كانت تلك الأمّ جالسة جوار النهر تغسل وقد أراحت رضيعها في وعاء فارغ.. لم تدرك بالهول الذي يزحف من خلفها...

لم تدرك أن وافدًا من جانب النجوم جاء ليملأ لياليها بالأسى والرعب..

توملل دجملا.. لوهلل دجملا..
يتبع

عهد Amsdsei 27-05-12 04:49 PM

د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الهول (3)


http://boswtol.com/sites/default/fil...21/hawl3-1.jpg
يلاحظ أحدهما أن الكشافات تضعف (رسوم فواز)


عندما انتهيت من ماليزيا كنت قد تركت مجموعة من الأساطير المخيفة التي سوف يتناقلها الناس لعدة أجيال بعد ذلك.. سوف يكسوها غبار الزمن، وسوف يعتقد القوم بعد أعوام أنها أوهام عجائز.. طبعًا أنا وأنت نعرف أنها حدثت فعلاً...
عُدت للفتحة التي توجد في المعبد الهندوسي..
ثم خرجت في مصر..

************


إن الخروج من جانب النجوم إلى مصر هو إحدى الهوايات المحببة لدى سكان جانب النجوم، بالذات في المناطق التي دُفِن فيها الفراعنة قديمًا.. هذا سيناريو محبب لنا..

عندك وادي الملوك مثلاً.. المقبرة رقم 12.. هذه المقبرة فيها فجوة واسعة ورهيبة جدًا، ما زال هذا المكان لغزًا بالنسبة لعلماء المصريات، وقد وجدوه بالصدفة وهم يستكشفون المقبرة رقم 9..

لهذا دخل كثيرون هذه المقبرة ليعرفوا أكثر..

هناك قصص كثيرة لا يحكونها طبعًا.. لكن يمكنك أن تتخيلها، خاصة أننا نتسلى كثيرًا بهذه اللعبة، الآن أنت ترى المستكشف مع زميله في الظلام يوقدان الكشافات ويحملان الفئوس، ويتفحّصان تابوت مومياء محاولين معرفة النقوش المكتوبة عليه.. إنهما يسجّلان ما يجدان على أداة تسجيل صغيرة..

في الوقت ذاته هناك بئر عميقة في مركز القبر.. وهذه البئر تقود طبعًا إلى جانب النجوم.

يعمل الرجلان.. ثم يلاحظ أحدهما أن الكشافات تضعف.. تضعف بسرعة غير عادية.. هذا ليس شيئًا معتادًا هنا، ويلاحظ أحدهما أن البرد يتزايد.. كأن هناك موجة صقيع في المقبرة..

إنهما في الصحراء.. تحت الأرض.. في مكان سحيق.. وسط ظلام دامس..

باختصار هما في أسوأ ظروف ممكنة يمكن للمرء أن يواجه فيها مسخًا من جانب النجوم.

عندها ينفتح غطاء التابوت، هذه كلمات سهلة وقد رأيتها أنت مرارًا في أفلام بوريس كارلوف، لكن الأمر يختلف كليًا عندما تكون في مقبرة فعلاً..

ينفتح ببطء.. يغمض الرجلان عينيهما لكنهما لا يهذيان.. فعلاً هناك يد ملفوفة بالضمادات تخرج من الفتحة.. يد أبلاها الزمن وتآكلت سلامياتها.. كما أن الإفرازات لوّثت أطرافها. إنهما لا يدركان أن هذا يحدث فعلاً، يعمل خط الدفاع النفسي الذي يتوهم أن هذا كله هذيان..

لكن الغطاء ينفتح أكثر وتتصاعد رائحة المرّ والعنبر من طبقات الكفن..

المومياء لم تُبعث.. نحن سادة النجوم نتسلى بتحريكها لا أكثر.. كأنها دمية خالية نخيف بها طفلة!

الرجلان يتراجعان شاعرين أن الأمر يفوق قدرتهما على الفهم.. سوف نفرّ إلى الخارج الآن ما دام هذا بوسعنا، ما زال هناك ضوء خافت واهن يمكن أن نعتمد عليه، أما لو ماتت الكشافات نهائيًا فهي النهاية.

لكنهما بالطبع لا يريان ما يحدث خلفهما.. هناك تابوت آخر ينفتح.. ومن هذا التابوت يتحرك جسد آخر مغطى بالأكفان..

يلتفت الرجلان.. يصرخان..
يتعثران.. يسقطان..
ثم يسود الصمت..

فيما بعد سوف يجد القادم الجديد جثتين مفتوحتي العيون.. تنظران نظرة هلع مروّعة إلى من يراهما، وسوف يسمع شريط التسجيل لتتكاثر علامات الاستفهام أكثر..

الفكرة هنا أننا نترك شهودًا.. لا بد من شهود وإلا فلا قيمة لهذا العمل الفني..

شريط الكاسيت سوف يكون شاهدنا، وسوف يسمعه العشرات.. وعما قريب سوف يصدر كتاب عن لعنة الفراعنة التي تفتك بمرتادي المقبرة رقم 12..

الحقيقة أن معظم قصص لعنة الفراعنة صنعها سادة النجوم الذين خرجوا في فجوة وادي النجوم..
إنه الهول.. الهول..

************
http://boswtol.com/sites/default/fil...21/hawl3-2.jpg

لي قريب هو الذي ابتكر قصة الحافر تحت الجلباب (رسوم: فواز)


لما خرجت في وادي الملوك وقفت أصيح في الظلام الكثيف:
ـ "أنا ساحال.. هبني الهول يا سيد الصيرورة"

هذا النداء لا يفهمه البشر من أمثالكم.. يخيّل لهم أنه عواء ذئب أو تلك الضحكة الكابوسية المميزة للضباع، إنهم فقط يدركون أنه مخيف ويشعرون بعدم راحة أو توجّس لدى سماعه، لكن لو فهموا معناه الحقيقي لشابت شعورهم وهم في بطون أمهاتهم..
ـ "هبني الهول يا سيد الديجور"

فيأتيني الجواب وأرتجف:
توملل دجملا.. لوهلل دجملا..

ومشيت في الظلام بحثًا عن هول أنشره.. عن دم أنثره.. عن دموع أبعثرها..

تعلّمنا في جانب النجوم أن لكل بلد نوعًا من الرعب يناسبه أكثر.. في شرق أوروبا تنجح قصص مصاصي الدماء والمذءوبين.. في جزر الكاريبي تنجح قصص الموتى الأحياء.. في شمال أمريكا تنجح قصص الساسكواش ورجل الثلوج.. في شمال أفريقيا تنجح قصص الغيلان.. هناك بعض التداخل يتم أحيانًا.. مثلاً "الهامة" عند العرب ليست سوى مصاص دماء.

هنا في مصر أعرف كيف أقف ليلاً في الحقول المظلمة التي يغمرها ضوء خافت من النجوم، وأبدأ في النداء.. نداء طويل رهيب يجمّد الدم في العروق، لكن من يسمع اسمه يلبِّ النداء كالمنوم مغناطيسيًا..

لاحظ أن موضوع النداء يتكرر معنا كثيرًا، ولعلك تعرف أساطير البانشي في شمال أيرلندا.. إنها تقف خارج البيوت وتنادي باسم صاحب البيت.. ويعرف الفلاحون أن هذا معناه أنه سيموت قريبًا..

هناك أنواع مختلفة من النداهة..

مثلاً قد يتخذ السيناريو صورة تنكّر.. أنا أقف تحت بيت عبد الصمد وأناديه.. الصوت صوت صديقه حسين. يخرج للقائي مندهشًا من سبب قدومي في ساعة كهذه.. أقول له إن صاحبنا مصطفى مريض جدًا..

يخرج ملهوفًا معي ونمضي معًا في الحقول المظلمة..
ـ "ماذا دهاه؟.. هل امرأته معه؟"
لا أردّ.. هنا يعاود السؤال:
ـ "هل أخذ الحقن التي وصفها له الطبيب؟"
ـ "أية حقن؟"

هنا يفطن إلى أن في الأمر شيئًا ما.

هذه هي اللحظة الأجمل في القصة.. يستدير لي وقد بدأ يدرك أن هذا الذي خرج معه ليس صديقه حسين...

هذه هي لحظة الذعر الحيواني الأولى.. لحظة الصراخ.. لحظة النهاية..

وفي الصباح يجد الفلاحون جثة ملقاة قرب المصرف أو قرب القنطرة.. طبعًا موضوع الرأس للخلف غير مفهوم هنا ولا قيمة له، لهذا لا نتعب أنفسنا به..

على أنهم يفهمون جيدًا أشياء مثل العيون المشقوقة بالطول والحوافر تحت الجلباب..

كان لي قريب في صيرورة سيجفريد الأميدي هو الذي ابتكر قصة الحافر تحت الجلباب هذه... أنت تعرف القصة.. الفتاة المذعورة التي تمشي خائفة في مكان فيه عفريت له حافر.. تقابل فلاحًا فتطلب منه الحماية؛ لأن هناك عفاريت ذات حوافر هنا. يرفع الجلباب ويسألها:
ـ "حافر مثل هذا؟"

كانت القصة من ابتكاره، وقد ظلت تفزع البشر وتدغدغ خيالهم لعدة أجيال..

اليوم أنا جربت كل شيء.. فعلاً أشعر بملل قاتل..
لقد قررت أن أمارس نوعًا جديدًا من المرح.. نوعًا جديدًا من الرعب..
سوف أحكي لك ما توصلت له..

يُتبَع

عهد Amsdsei 10-06-12 06:45 PM

د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الهول (4)

http://boswtol.com/sites/default/fil...hawl-4-1_0.jpg

اضطرت ناهد للاتصال كي تؤجّل موعدها قليلا (رسوم: فواز)
لقد أمضيت في مصر فترة لا بأس بها وجربت الكثير من أنواع الهول، ومزّقت كثيرين واستمتعت برعب كثيرين.. وكمنت كثيرا تحت صفحة المياه أراقب من يدنو أكثر من اللازم.. ثم مددت يدي لألتقطه ليهبط تحت الماء ويموت. قدماء المصريين حذّروا من هذه الظاهرة.. حاول الإنسان أن يفسّرها تفسيرا عقلانيا يقضي بأن من يُطِل الجلوس على ضفة النهر يختطفه التمساح.. طبعًا لا توجد تماسيح في الريف المصري اليوم، لهذا لا يوجد تفسير.. وحيث لا يوجد تفسير تتكاثر الأساطير وتزدهر..

جربت كل أنواع الهول لكني بدأت أملّ..
المذءوب لن يقتل أكثر من عشرة في الهجمة الواحدة.. مصاص الدماء لا يقتل سوى رجلين.. قدرات المسوخ على إحداث الدمار محدودة جدًا.. رأيت ذات مرة فيلمًا من أفلام مصاصي الدماء، يقوم فيه دراكيولا بملاحقة فتاتين على مدى ساعتين.. إذن كم من الوقت يحتاج إليه لقتل مائة فتاة؟

لهذا بدأت أفكّر في نوع آخر من الرعب.. هناك كائنات لديها القدرة على إحداث كمّ أكبر من الموت والدمار. ذلك الطيار الذي ألقى القنبلة الذرية على هيروشيما قتل 150 ألف بشري.. يمكنك أن تقتل نصف مليون مواطن بريء بحرب أهلية أو بيولوجية.. المجاعات تفتك بأعداد هائلة..

يجب على الرعب أن يتطور..
لن يظل الشيطان بلحية تيس وحوافر للأبد..

****************
ناهد الصحفية الشابة التي تسكن في الهرم عانت مشقة بالغة كي تصل لمكتب د. مختار في هذا اليوم.. الحرّ قائظ والزحام شديد والناس وقحون...

كان الموعد في الحادية عشرة صباحًا، لكنها اضطرت للاتصال كي تؤجّله قليلاً.. كانت السكرتيرة "الأليطة" الخنفاء غضبى ولم يرُقْ لها الأمر، حتى اضطرت ناهد إلى أن تصيح:
ـ "هل خرجت للشوارع يا حبيبتي؟"

ثم وضعت السماعة وأشارت إلى أول ميكروباص..

هنا مشكلة أخرى هي التحرش، فالحقيقة أن ناهد جميلة فعلاً، وتجذب الأوغاد كأنهم الذباب، لا يمكنها أن تمشي في مكان ما من دون مضايقات... هكذا تحمّلت بصعوبة الرحلة الشاقة إلى مكتب د. مختار..

ثم المرور على الأمن وتفتيش حقيبتها..
كانت تعرف أن الرجل مكروه وأن كثيرين لا يطيقونه، لهذا هو يخشى جدًا محاولة اغتيال، لقد استطاع أن يتحايل على القانون بقوة لكنه بلا شك مدان.. بلا شك قاتل..

فقط عليها أن تخفي ما تفكر فيه..
عندما أدخلوها إلى ذلك المكتب المكيف جلست ترتب أفكارها..
كانت النظرية توشك على الاختمار في رأسها.. المشكلة أولاً أنها -النظرية- خيالية جدًا.. ثانيا إثباتها مستحيل.

لاحظت ناهد أن هناك عددا من الأشخاص في مصر تسبب كل منهم في مقتل العشرات.. ربما المئات مؤخرًا. كل رجل شارع يعرف ذلك.. المشكلة أن بعض هؤلاء القوم ظهروا فجأة في المجتمع.. جاءوا من حيث لا يعرف أحد.. كل محاولة لمعرفة متى بدءوا تفشل.. لا يمكن أن تقابل من يعرف قريتهم أو مدرستهم أو الكلية التي تخرجوا فيها، فجأة هم في الحياة العامة.. فجأة هم وزراء أو مسئولون.. وقراراتهم كارثية..
د. مختار ظهر فجأة منذ أعوام.. حاولت جاهدة أن تجد خيطا.. قيل إنه كان في الولايات المتحدة طيلة حياته، وهي لا تعرف جهة تراسلها هناك.

هناك مصطفى عبد الباري رجل الأعمال الشهير.. هناك محمود شرف الوزير السابق.
القائمة تتسع لخمسة أسماء ..

من أين جاء هؤلاء؟

متى ظهروا؟

لو تركت المجال لخيالها لقالت إنهم جاءوا من الجحيم.. من فجوة شيطانية ما..
ضحكت للفكرة وهي ترشف رشفة من عصير الليمون الممتاز الذي جلبوه لها.. بااااارد.. هذا أهم شيء في هذا الجو.

انفتح الباب ودخل د. مختار.. قبل قدومه تهب رائحة عطرية شديدة الفخامة توشك على أن تدوخك، وكانت هي غارقة في الغبار والعرق حتى شعرت بخجل من نفسها..

أنيق جدا.. له ذلك الشعر الشبيه بسلوك الفضة، الذي يميز كل رجل مهم عرفته في حياتها. برغم هذا كله كانت هناك لمسة مخيفة معينة تحيط به.. ما السبب؟

قال لها بطريقة متبسطة:
ـ "أنت ناهد وأنا مختار.. اجلسي".


http://boswtol.com/sites/default/fil...2/hawl-4-2.jpg

جلس د.مختار امامها و أشعل سيجاراً ( رسوم فواز )
ثم جلس على الأريكة أمامها وأشعل سيجارا عطر الرائحة ووضع ساقا على ساق..

مدت يدها الراجفة لتخرج جهاز الكاسيت..

ـ "هل هناك أسئلة ممنوعة؟".
ـ "لا شيء..".

لكنها كانت تعرف أنه سينفجر فيها غضبا لو دخلت في موضوع الأمصال والثاليدومايد.. يجب أن تكون حذرة..

قالت في كياسة:

ـ "د. مختار.. أنت تعرف أن الشارع كله يتكلم عن أنك كنت وزير الصحة وسمحت بدخول عقار ثاليدومايد الذي كفّ العالم عن استعماله، وهذا العقار آذى أطفالا كثيرين .. بعد هذا مشكلة اللقاحات التالفة التي يقال إنها أدت لموت 300 طفل آخر.. هذه الأرقام لا نسمعها إلا في مصر؛ حيث يقال إنه لا سعر للحياة البشرية".

توملل دجملا.. لوهلل دجملا..

توملل دجملا.. لوهلل دجملا..

قال مختار وهو ينفث سحابة دخان كثيفة:

ـ "هؤلاء القوم يمزحون.. أنا لست هتلر لأقتل كل هذه الأعداد.. معنى هذا أنني الموت يمشي على قدمين.. هناك صلاة هندوسية تقول: أنا أصبحت الموت.. مدمر العالم".

ـ "بالفعل يقولون هذا".

كانت تفكّر بلا توقف.. السفينة الغارقة التي يملكها محمود شرف، والتي أدت لمصرع ألف شخص.. قيل إنه لم تتم أي صيانة لها منذ أعوام. وماذا عن مشتقات الدم الفاسدة التي استوردها مصطفى عبد الباري؟

كل هذه الأعداد من الموتى.. وفي كل مرة تبحث عن جذور المسئول فتجد أنه كان في الخارج، أو أن أحدًا لا يعرف بدايته..

لم يعد مختار يحتلّ منصبًا مهمًا اليوم.. لكنه موجود.. وهناك غاضبون كثيرون يتمنون تحطيم رأسه.. هو يعرف هذا..

قالت له بحذر:

ـ "أين كنت تقيم في الولايات المتحدة؟ وما هي شهاداتك؟"

نظر لها نظرة نارية، واشتعلت عيناه غيظًا:

ـ "لو كنت قد جئت لامتحاني أو التأكد من أنني لست نصابًا فأنا أعتذر عن استكمال الحوار.. أنا كنت وزير صحة وأقسمت اليمين، لكن واضح أن التبسط يجلب الذباب.. سؤال آخر كهذا وسوف أنهي الحوار".

ابتلعت الإهانة وقلبت أوراقها، ثم عادت تسأل:

ـ "ماذا عن عقار الثاليدوميد؟"

ـ "هذا العقار قد عاد يُستخدم في العالم كله.. من يرفضونه جهلة ببساطة".

المرء يتحمّل الكثير.. منذ فترة كان من المستحيل أن يتحمّل محادثة كهذه...

ـ "أنا ساحال.. هبني الهول يا سيد الصيرورة".

توملل دجملا.. لوهلل دجملا..

توملل دجملا.. لوهلل دجملا..
يُتبَع


عهد Amsdsei 10-06-12 06:49 PM

د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الهول (5)

http://boswtol.com/sites/default/fil...3/hawl-5-1.jpg

كلب الدوبرمان المخيف يزوم مهددًا (رسوم: فواز)
كانت أوراق ناهد تتكاثر بلا توقف..
الملف الذي تضع فيه أوراقها ينتفخ..
المشكلة أن معظم هذه المعلومات خطير.. خطير لدرجة أنها لا تستطيع أن تذيعه..

"كل محاولة لمعرفة متى بدأوا تفشل، لا يمكن أن تقابل من يعرف قريتهم أو مدرستهم أو الكلية التي تخرجوا فيها.. فجأة هم في الحياة العامة.. فجأة هم وزراء أو مسئولون.. وقراراتهم كارثية".

"لو تركت المجال لخيالها لقالت إنهم جاءوا من الجحيم.. من فجوة شيطانية ما.."

توقّفت السيارة أمام الفيلا الفاخرة التي يملكها الرجل في المقطم.. ترجّلت من السيارة بينما كلاب الدوبرمان تنبح في شراسة وراء تلك البوابة الحديدية.. سنخرب بيت من يدنو.. ظهر رجل الأمن ليربطها ويفتح البوابة، بينما تساءل سائق التاكسي وهو يتقاضى أجره:
ـ "من يعيش هنا؟"

قالت وهي تعدّ المال:
ـ "محمود شرف.. الوزير السابق".
ـ "ابن الـ..... الذي سبّب مقتل ألف حاج بريء؟"

ـ "أعتقد أنه هو.."
أدار السائق المحرك وقال:
ـ "علي الشافعي.. الفيلا في آخر هذا الشارع.. هو الآخر تسبّب في تسمّم مدرسة أطفال كاملة عندما كان مورّد أطعمة.. خرج من القضية كالشعرة من العجين.."

تساءلت في فضول:
ـ "علي الشافعي؟ من أين هو؟"
نظرة الغباء المطبق مع التظاهر بالخبث:
ـ "لا أحد يعرف.. كأنه جاء من تحت الأرض.."

يجب أن تتذكر هذا العنوان.. سوف تعود لمقابلة هذا السيد (علي الشافعي).. لكن ليس اليوم.. كانت البوابة قد انفتحت.. رجل الأمن يمرر عصا مغناطيسية على ثيابها.. لو كانت هناك علامة مشتركة بين هؤلاء فهي أنهم يتوقعون الاغتيال.. كلهم خلقوا أعداء في كل مكان.. كلب الدوبرمان المخيف يزوم مهددًا.. رجلا أمن يصحبانها للداخل لتقابل محمود شرف.. الرجل الكبير.. الرجل الذي يبدو كأنه جاء من فيلم عربي جديد.. البدانة.. الكرش العملاق.. جالسًا جوار حمام سباحة يحتسي العصير.. يجب أن تكافح لتصل لهذه الراحة.. يجب أن تضحي بكل شيء ويلعنك الجميع وتدعو عليك ألف أسرة تتذكر عائلها.. عائلها الذي لم يمت في حفل رقص وإنما كان ذاهبًا للحج.. حقًا.. إن الوصول للثراء يحتاج إلى تضحيات كثيرة.. تقترب من حمام السباحة، فيشير لها رجل الأمن إلى مقعد..

ـ "فلْترَ ما تشربه.."
قالها محمود شرف وهو يضحك لها من وراء نظارته السوداء.. ثم أضاف:
ـ "أنت أجمل من صوتك بكثير.. يا.. يا قمر!"

هذا رجل يختلف عن د. مختار الذي لم يكن يميل للنساء.. إنه يميل لهن جدًا كما هو واضح.. على كل حال هي قد شطبت مختار من القائمة بعد ما استبعدته من شكوكها.. جلست وبطريقة عملية أخرجت جهاز التسجيل وقالت:
ـ "ليمون.. هل نبدأ؟".
ـ "ليمون هو إذن... فلنبدأ".

قالت له في كياسة:
ـ "كلما تحدثنا عنك.. تحدثنا عن السفينة التي نقلت الحجاج والتي لم تخضع لصيانة منذ أعوام، وبرغم هذا يقال إنه تم تزييف أوراق صيانة لها."

قال في ضيق:
ـ "تم تحقيق مطوّل في هذه النقطة.. ولا أرغب في العودة لها."
بعد بضعة أسئلة وجّهت له السؤال الأهم:
ـ "ظهرت فجأة في المجتمع المصري وعالم السياسة، وقيل إنك كنت تدرّس في فرنسا.. هل يمكنك أن تلخّص لنا تاريخ حياتك المهني والعلمي قبل العودة لمصر؟"

بدّل من جلسته ليبرز كرشه العملاق أكبر، كأن هذا الكرش وسيلة إغراء.. وقال:
ـ "هذه تفاصيل طويلة.. سوف تعد لك السكرتارية ملفًا على كل حال.. أنا أعتبر بدايتي الحقيقة هي يوم عدت لمصر..".
كان يتحدث في تلذذ وهدوء.. أقسمت لنفسها أنه يجد لذة سادية في تذكر من قتلهم... أو ربما لذة ماسوشية في تذكر أن الكل يلعنه الآن... قالت لنفسها إن الرجل جدير فعلاً بأن يضاف لقائمة (لا تاريخ لهم - جاءوا فجأة - جاءوا من مكان مجهول - قتلوا الألوف).

قائمة دقيقة هي.. وكانت قد أعدت استبيانًا من عشرين نقطة تحكم به إن كانت شكوكها في موضعها أم لا.. إن هتلر تسبب في موت الملايين لكنه لا يحقق معظم الشروط.. مثلاً الكل يعرف طفولته ومتى نشأ وكيف مات.. جنكيز خان لا يحقق الشروط.. أمسكت ورقة الاستبيان وقررت أن تبدأ بتوجيه أسئلة.. ناهد سوف تضيف لقائمتها اسمًا جديدًا على الأرجح..
*****************

http://boswtol.com/sites/default/fil...3/hawl-5-2.jpg

هب الحارس المسن مذعوراً (رسوم : فواز )

في الوقت ذاته..
شهوة الدم كانت تغلبني..
برغم كل شيء ما زالت الأساليب القديمة تروق لي ، وما زالت أسرع وأجدى تأثيرًا..

قررت أن أقوم بتمرين صغير, نزلت إلى فجوة من فجوات جانب النجوم المتناثرة في مصر، ومضيت أسبح فيها حتى خرجت في مشرحة مستشفى (.....).

كان الحارس غافيًا جوار باب الثلاجة، وجواره كوب شاي نصف ممتلئ وفي يده لفافة تبغ توشك على حرق أنامله.. هذه المرة سوف أمارس لعبة الجثة التي تتحرك.. وقفت وراء باب الثلاجة بالداخل البارد ورحت أضرب بقبضتي مرارًا..

هبّ الحارس المسنّ مذعورًا.. هتف:
ـ "بسم الله الرحمن الرحيم".
راح يصغي للحظات.. خيّل له أنه يهذي ثم جاءت الضربات أقوى وأعنف، ومن الداخل أطلقت صوت فتاة تتأوه:
ـ "أرجوك.. أخرجني من هنا".

عاد يبسمل ويحوقل ويسألني:
ـ "من؟ من أنت؟"
قلت بذلك الصوت المتحشرج:
ـ "أنا.. أنا حية.. لم أمت.. أرجوك أن تفتح الباب".

هرع بسرعة يعالج مقبض الثلاجة.. الثلاجة تتسع لخمس جثث.. حاليًا لم تكن فيها سوى جثة هذه الفتاة.. وبالطبع كان يلبّي غريزة إنسانية طبيعية.. لا أحد يترك فتاة حية سجينة ثلاجة لو أردت رأيي..

عالج المقبض وفتح الباب، وفي اللحظة ذاتها لا بد أنه تذكّر أن الفتاة التي بالثلاجة لا يمكن أن تكون حية، ولا يمكن أن تكون مدفونة خطأ..

هذه فتاة داسها قطار فشطرها إلى نصفين..
تذكّر هذا فقط بعد ما انفتح الباب ووجد نفسه ينظر لي!

يُتبَع

عهد Amsdsei 15-06-12 12:23 AM

د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الهول (الأخيرة)

http://boswtol.com/sites/default/fil...4/hawl-6-1.jpg

يبدو أن هناك ممسات تخرج من صدر الفتاة (رسوم: فواز)
في الصباح جاء رجال الشرطة والتقطوا عشرات الصور..

كان ما تركتُه للناس هو رسالة قصيرة مخيفة فعلاً: الحارس المسنّ على باب الثلاجة، وقد بدا الهلع في عينيه الشاخصتين المتجمّدتين، وفمه مفتوح في صرخة لوعة مخيفة فعلاً..

شيء أثار ذعر الرجل.. أفزعه إلى درجة أن قلبه توقف.. هذا ما سوف يستخلصونه من المشهد، لكن الرسالة الأخطر هي شطرا الفتاة التي مرّ القطار على جسدها.. هناك شلو في كل موضع من القاعة.. لا أحد يعرف السبب ولا لماذا أخرج الحارس هذه البقايا..

الاستنتاج الذي لن يجرؤ أحد على التصريح به هو أن الأشلاء غادرت الثلاجة بنفسها.. لن يكتب أحد هذا في التقرير، لكن الكل سوف يتذكره.. وسوف يتذكره جيدًا الحارس الليلي القادم ومَن بعده.

هذه هي تركة الرعب التي نتركها نحن سادة جانب النجوم في كل مكان..

*******************


راحت ناهد تراجع الملف الذي أعدّته لها سكرتارية الوزير السابق محمود شرف، والذي افترض الرجل أنها ستطعّم المقال به.. بالفعل هناك فجوات كثيرة في قصة هذا الرجل.. كانت تعرف أنه من قائمة "لا تاريخ لهم - جاءوا فجأة - جاءوا من مكان مجهول - قتلوا الألوف"..

نزلت من الميكروباص.. لسبب ما كانت تعتبر الميكروباص وسيلة من وسائل العمل الصحفي.. لا تثق بأي صحفي يذهب لمقابلة المصدر في سيارة ملاكي.. ربما سيارة تاكسي لو كانت ظروفه المالية تسمح، لكنها اليوم لا تجد نقودًا معها.

من جديد ينبح كلب الدوبرمان ويخمش البوابة.. يجرّه رجل الأمن بصعوبة.. كاشف المعادن..

هناك عند حمام السباحة يجلس محمود شرف كما رأته من قبل.. كان يجفف نفسه بالمنشفة، ثم وضع الروب على كتفيه وقال دون أن ينظر لها:
ـ "سوف نتكلم بالداخل.."

تتبعه إلى ممر ضيق يجلس رجل أمن على بابه، ثم إلى غرفة جلوس صغيرة تعبق فيها رائحة التبغ.. يتجه لدورق معدني بارد ويصبّ لها بعض عصير الليمون في كأس..

عاد ليجلس ويضع ساقًا على ساق.. ينظر لها في ثبات..

قال لها بعد صمت طال:
ـ "هل قرأت الملف؟"
ـ "نعم.."
ـ "الحقيقة أنني لا أفهم سبب اهتمامك البالغ باقتفاء أثري.. لقد قابلت كل شخص يعرفني.. بحثت عن كل شيء يتصل بي.. إن لي مصادري.."

قالت في برود وهي ترشف الليمون:
ـ "هذا شيء طبيعي.. أنا صحفية.."

هزّ رأسه مفكرًا...
لما فرغت من الكأس وضعته على المنضدة جوارها.. هنا لاحظت أن الرجل يرمقها في فضول وثبات.. بعد صمت طال قال لها:
ـ "أنت تشعرين طبعًا بثقل جفنيك.. السبب هو عقار "روهيبنول" الذي وضعته لك في عصير الليمون.."
شعرت بأن الرؤية مضطربة نوعًا..

قال وهو يبتسم:
ـ "هذا العقار مشهور في الخارج.. يسمونه "عقار الاغتصاب في المواعيد الغرامية" لسبب لا يغيب عن فطنتك.. لن تغيبي عن الوعي.. لن تكوني في غيبوبة، ولكنك ستفقدين أي إرادة.. ستفعلين أي شيء أطلبه منك.. يمكنك تخيّل ما سيحدث.. فيلم فيديو ومجموعة صور.. بعدها لن تتكلمي أبدًا.. سوف تخبرينني بكل شيء.. من أرسلك ولماذا؟ لماذا تلاحقينني.. قبل هذا سيأتي رجل أمن لتفتيشك ليتأكد من جديد من أنك لا تحملين أجهزة تنصّت.. هل فهمت يا صغيرة؟"

نظرت له بعينين زائغتين، فأضاف:
ـ "هل فهمت؟ سوف تفعلين كل شيء بإرادتك ولن تستطيعي اتهامي بشيء.. هذه هي فائدة علم الفارماكولوجي.. حتى لو أخبرت العالم كله بأنك هنا في داري فلن يستطيع أحد اتهامي بشيء.."

ثم أشعل لفافة تبغ ببطء، وقال لها وسط سحب الدخان:
ـ "السؤال الأول الذي سنعرف إجابته حالاً هو: لماذا تلاحقينني؟ لماذا لاحقت د. مختار ومصطفى عبد الباري؟"

ثم نفث سحابة كثيفة وأضاف:
ـ "السؤال الثاني.. من أنت؟ لقد بحث عنك رجالي في نقابة الصحفيين وفي تلك الجريدة.. كل معلوماتك زائفة.. أنت كاذبة.. السؤال الثالث هو: ما أنت؟ لماذا ظلت كلاب الدوبرمان ترتجف وكفّت عن الأكل بعد زيارتك؟ إنها تنبح في البداية ثم تكتشف أن الأمر أكبر منها.. هل من تفسير؟"

هنا رفعت ناهد رأسها ونظرت له وقالت بصوت كالفحيح:
ـ "أنت ذكي.. د. مختار كان ذكيًا.. من الواضح أن الأشرار أذكى من الأخيار نوعًا.. د. مختار عرف أكثر من اللازم ومن الواضح أنك مثله!"
لم يفهم ما حدث بالضبط..

يبدو أن هناك ممسات تخرج من صدر الفتاة.. ليست فتاة أصلاً.. إنها أقرب لكائن مخيف يتكون من أهداب لا حصر لها.. رأى ذات مرة صورة لأم أربع وأربعين مقلوبة فلم يتحمل بشاعة المشهد.. هنا كان يرى المشهد ذاته على نطاق واسع..
وقبل أن يفهم أدرك أن هناك ممسًا في صدره.. وأن هذا الممس يخرج من فمه... وأن...

*******************

http://boswtol.com/sites/default/fil...4/hawl-6-2.jpg
هكذا مشيت الى تلك المقبرة في وادي الملوك (رسوم : فواز)


توملل دجملا.. لوهلل دجملا..

ـ "هبني الهول... هبني الهول!"
انتهيت من تمزيق الكائن الأرضي فغادرت المكان.. لقد كررت تقريبًا ما حدث مع مختار من قبل.

كنت آمل دومًا أن أجد آخرين من جانب النجوم يتنكرون في مظهر أرضي ويحاولون نشر الهول كما أفعل أنا.. كنت آمل أن أتحالف معهم وبهذا نخلق عاصفة من الهول تجتاح مصر.. هذا هو التجديد الحق.. ولسوف أكون زعيم الهول هنا. كنت أعرف أنهم لو وُجدوا فلسوف يكونون من صيرورة أخرى، ولسوف يكون من الصعب أن أعرفهم ما لم ألقهم شخصيًا.. نحن لا نعرف خطط من هم من صيرورة أخرى، ولا نعرف من هم ولا كيف يبدون.. الأمر يختلف عن مفهوم الزمالة كما يفهمه الأرضيون..

جرّبت البحث عنهم في صورة الصحفية ناهد.. لكني لم أجد أحدًا من جانب النجوم. كلهم أرضيون جدًا..
وفي كل مرة أضطر لتدمير الكائن؛ لأنه عرف أكثر من اللازم..

لقد حان وقت الرحيل.. يجب أن أترك هذا البلد.. إن فيه من الوحوش الآدمية ما يفوق الآتين من جانب النجوم مثلي، وليس لمثلي الكثير مما يقوم به.. مجرد ألعاب صبيانية من تحريك الجثث والمومياوات.. لكني لن أحقق الحلم الثوري الذي تمنيت تحقيقه..

هكذا مشيت إلى تلك المقبرة في وادي الملوك.. أبحث عن الفتحة التي أعبر منها. سوف أبحث عن فتحة أخرى في بلد آخر.. بلد يحتاج إلى إبداعاتي ومحاولاتي، بدلاً من هذا البلد المكتفي ذاتيًا..

ـ "أنا ساحال.. هبني الهول يا سيد الصيرورة.."
توملل دجملا.. لوهلل دجملا..

تمّت

therock1978 27-01-13 10:34 AM

رد: د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الهول .. كاملة
 
كل الشكر و التقدير لابداعاتكم

احمد خميس 28-01-13 05:02 AM

رد: د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الهول .. كاملة
 
شكرا لك يا عهد

nem 21-07-14 12:32 AM

رد: د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الهول .. كاملة
 
جزاك الله خيرا شكرا جزيلا


الساعة الآن 02:16 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية