منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   الارشيف (https://www.liilas.com/vb3/f183/)
-   -   12- الواحة - روزميري كارتر - روايات قلوب عبير القديمة (https://www.liilas.com/vb3/t174840.html)

نيو فراولة 06-04-12 05:55 PM

12- الواحة - روزميري كارتر - روايات قلوب عبير القديمة
 
12- الواحة - روزميري كارتر - روايات قلوب عبير القديمة

الملخص


لم تكن خائفة منه ، بل من مشاعرها وعواطفها هي التي كانت ترعبها وتقلقها ، كيف ستذهب معه وحيدة الى قلب الصحراء ، وتقاوم إغراءه وإنجذابها الى شخصيته؟ لا ، لا يمكنها الذهاب ، لا لن تذهب.
شمخت برأسها معلنة :
" لا تخدع نفسك يا فريزر ، انا لا أخاف منك ، كل ما في الأمر أنني لا أشعر برغبة في التنزه خارج المخيم".
تبدلت ملامحه ، ولمحت في وجهه هبوب عاصفة مدمرة ، عنيفة لا تبقي ولا تذر.
قال لها بإصرار حاسم:
" نغادر غدا مع شروق الشمس".
حلمها بالصحراء كان رائعا لولا القمقم الذي إنفتح فجأة في قلبها.

زهرة منسية 06-04-12 07:29 PM

يسلم أيديكى فرولايا الرواية دى حلوة كتيرررررر وأنا قريها من زمان بس هستعيد أحدثها من اناملك الرقيقة

نيو فراولة 16-04-12 05:53 PM

1-تعود كوري لاتيمر الى البيت لتجد والدها غارقا في أحلامه المحطمة ، هناك رحلة إستطلاع الى الصحراء قد يكون فيها خلاصه ، ولكن من المستحيل عليه أن يشارك فيها لأسباب تتعلق بالماضي.

كانت الأمطار تهطل بغزارة عندما اوقفت كوري سيارتها داخل المرآب وهرولت مسرعة نحو منزلها الذي تظلله أشجار جبل نييل ، وبدا الضباب المنتشر فوق القمة وبين المنحدرات كثيفا ، أبيض ، متموّجا، وترامى البحر في البعيد كتلة رمادية ترغي وتزبد بغضب هائل ، شعرت كوري أن الطقس قاتم ومكفهر مثل مزاجها تماما ، وهي تبحث في حقيبتها عن مفاتيح المنزل ، وما أن أصبحت في الداخل حتى غمرتها سعادة بالغة ، وقع نظرها على أبريق الشاي في المطبخ ، يتصاعد منه بخار ساخن ، فعرفت أن والدها سبقها الى المنزل.... والدها الذي لا يزال يتمتع بكامل نشاطه الإجتماعي وحيويته الفكرية ، رغم تقدّمه في السن ، وتقاعده عن العمل .
دخلت كوري غرفة الجلوس ن وهي تمسح بيدها قطرات المطر التي بللت شعرها ، وهتفت:
" متى عدت الى المنزل؟".
قال وعيناه مسمّرتان على مجلة يطالعها.
" منذ نصف ساعة".
فأردفت :
" الحمد لله على عودتك الآن ، إذ أن الضباب يكاد يعمي الأبصار ، ولم يكن من السهل علي قيادة السيارة في هذا الطقس! ".
وتمتم والدها ، جون لاتيمر ، دون أن يرفع رأسه عن مجلته:
" اف لهذا الطقس !".
أثار تصرّفه البارد دهشة كوري ، وهو الذي كان ينتظر عودتها بشوق ابوي ولهفة واضحة ، راحت تتمعن في ملامحه مستغربة ، حائرة ، وهي تراه غارقا في تفكير عميق ، فإستفسرت:
" هل تقرأ مقالا ممتعا؟".
رفع راسه اخيرا وقال بصوت هادىء مليء بالحنان:
" نعم ، إنه مقال ممتع ، إن فريزر ملوري ينوي القيام برحلة إستطلاع الى الصحراء".
وسألته:
" هل تعني صحراء كلهاري؟".
" بل بقعة قريبة منها ، إنظري هذه الخريطة هنا...".
تقدمت منه والقت نظرة على المجلة ، كانت الخريطة صغيرة ولكن واضحة ، تبرز مساحة من الأرض تقع في الجزء الجنوبي الغربي من افريقيا ، وهي مساحة شاسعة خالية لا إسم لها ، هذه هي صحراء كلهاري ، وكان اصبع لاتيمر يشير الى جزء ملون محاذ للصحراء.
وضعت كوري يدها بلطف على كتف والدها ، وخيل اليها أن الخريطة لا تعني أي شيء للشخص العادي ، أما هي فتعرف كل شيء عن هذه الصحراء التي نشأت على أرضها وقرات عنها القصص الشيّقة ، ولطالما سمعت عن تلك الرسوم الصخرية ، والرحلات الطويلة المضنية ووحشة العزلة تخالطها مشاعر الإكتشاف والريادة ، لقد فهمت تماما معنى هذا المقال بالنسبة الى والدها فسالته بصوت ناعم:
" هل وصلتك أخبار هذه الرحلة من قبل؟".
أجاب بصوت حزين:
" إن عمري لا يسمح لي بالإطلاع على مثل هذه الأمور او المشاركة في تنفيذها".
لم يسبق له ان أبدى إهتماما بمسائل كهذه ، إذ أن حياة جون لاتيمر كانت حافلة بالنشاط والإنجازات ، ولطالما إشترك في عدد لا يحصى من رحلات الإستطلاع ، بالإضافة الى المقالات التي نشرها عنها ، وإكتسابه بعض الشهرة ، لكن كوري ادركت مدى شعوره بالأسى لإخفاقه في مجال واحد ، فتابعت اسئلتها:
" انت لا تزال تفكر في تلك الرسوم الصخرية ، اليس كذلك؟".
قال وهو يحدق في عينيها:
" نعم ، إنها هناك يا كوري ، في تلك البقعة المجاورة لصحراء كلهاري".
صمتت لحظات معدودة ، تتمعن في وجهه المرهق الذي دبّ فيه الحماس فجأة ، فعادت بها الذاكرة الى ايام طفولتها:
" تبدو عليك علامات الثقة التامة ! ".
" انا واثق من وجودها هناك ( قال بنبرة حادة ) مع أنني لم ارها بعيني".
" وتتمنّى الحصول على صور فوتوغرافية لهذه الرسوم؟".
فكر لحظة ، ثم إنطلق بلهفة:
" إن الحصول عليها يمنح كتابي شكله النهائي ، إنها كل ما كنت أحتاج اليه طوال هذه المدة ، يا كوري ، إذ انها تضع اللمسات الأخيرة على كل ابحاثي ، المخطوطة باتت جاهزة منذ أشهر ، ومع ذلك كنت دائما أشعر بوجود نقص ما ، بوجود رسوم الحيوانات الصخرية هذه ، وان...".
" وإن فريزر ملوري ( قاطعته بهدوء ) سوف يقوم برحلة الى الصحراء".
أجابها مطرقا براسه:
" إنها سخرية الأقدار ، أليس كذلك؟".
قالت كوري بحذر:
" كلا ، لنفترض ان المجال مفتوح امامنا لتحويل هذه الرحلة لصالحنا".
عضّ والدها على شفتيه قائلا:
" هذا مستحيل ، حتى لو لم يكن عمري ضدي ، فإنني آخر رجل يفكر فيه فريزر لضمّه الى مجموعته".
لمست في صوته نبرات تدل على ذلك العداء القديم ، وإستعادت كوري كل ما سمعته عن تلك الرحلة التي نظّمها والدها مع فريزر ملوري ، قاما بتلك الرحلة منذ أكثر من عشر سنوات ، عندما كانت لم تبلغ الثانية عشرة ، ولذلك لم تعد تذكر تفاصيلها كما رواها والدها ، تذكرت بعض المماحكات الكلامية حول الرسوم الصخرية ، كان طموح والدها الأساسي ، حتى في ذلك الوقت ، دراسة الرسوم وتدوينها".
وكانا على وشك العثور على الرسوم ، أوهكذا ظن والدها ، عندما بدات الأحوال الجوّية تزداد سوءا ، مما أدّى الى إصدار فريزر ملوري على مغادرة الصحراء بأقصى سرعة ، ابدى والدها إعتراضه ، وحاول قدر المستطاع تأجيل هذا القرار ، لكن فريزر تمسك برأيه وإتخذ الخلاف الذي أعقب ذلك طابع العنف ، الى درجة أشد مما كانت تتصوره أنذاك ، وخرج فريزر ملوري منتصرا.

نيو فراولة 16-04-12 05:55 PM

قالت ببطء شديد ، شاردة الذهن ، وكأنها لا تعي معنى كلامها:
" لماذا لا أشترك انا بنفسي في هذه الرحلة؟".
نظر اليها والدها بدهشة بالغة ، ثم أطلق قهقهة قصيرة:
" أنت ؟ آسف يا عززتي ، لم أدرك للوهلة الأولى انك تمزحين ، حتى ولو لم يكن مشروعك مستحيلا ، فإن موقف فريزر منك لن يكون افضل منه من موقفه مني".
نظرت اليه بإستهجان:
" لأنني إبنتك ؟".
" هذا أحد الأسباب ، اما السبب الرئيسي فيعلّق بكونك إمرأة".
سالته بفضول:
" ألا يحبّ النساء؟".
قال وقد تجهم وجهه:
" يمتع نفسه بهنّ عندما يحلو له ، وهو ذو براعة مشهورة في إصطياد النساء ، لكن فريزر لا يحترم المرأة كإمرأة ، كانت أمّه إمراة لعوبا ، وجذابة الى حد كبير ، غير انها لم تكن تهتم كثيرا بشؤون عائلتها ... تركت فريزر مع والده عندما كان صبيا يافعا وتزوجت رجلا آخر يستطيع إشباع رغباتها".
" ومنذ ذلك الحين ( علّقت كوري مستغربة ) أدان كل النساء؟".
أومأ جون لاتيمر براسه ، ثم أخذ يدرس الخريطة مرة أخرى ، وقال بصوت مضطرب :
" أنا واثق من وجود تلك الرسوم هناك ، إنها تنتظر من يعثر عليها ، إنني مستعد للتخلي عن كل شيء في سبيل الحصول على مجموعة صور محترمة لكتابي".
تركته كوري منكبا على دراسة المقال وتوجهت الى المطبخ ، وما أن بدأت بإعداد طعام العشاء حتى نسيت كل شيء عن رسوم الحيوانات والرحلة الصحراوية ، شعرت بجوع طاغ في تلك الساعة المتأخرة ، وسيطرت عليها مشكلاتها الخاصة الملحّة، مع كل ذلك ، لم تخبر والدها عن الخلاف الحاد الذي نشأ بينها وبين اريك هوغن ، عليها أن تصل الى حل حاسم قبل البوح باي شيء الى والدها المرهق ، الطاعن في السن ، جلسا صامتين الى مائدة الطعام ، وخلافا للعادة ، حيث كانا يتبادلان الأحاديث حول شؤونهما اليومية ، غرق كل من الأب والإبنة في افكاره الخاصة.
اوى جون الى الفراش باكرا ، وحاولت كوري وهي تتمنى لوالدها نوما هنيئا ان تخفي مشاعر الألم والقلق .... اشفقت عليه وهي تراه يتقدم في السن بسرعة ، أن وجهه يزداد ضمورا ، وقواه تدهورت الى حد مخيف ولا تحتاج الى طبيب لتدرك أن والدها فقد القدرة على مواجهة قساوة رحلة صحراوية كهذه.
عندما إنتهت من اعمال المطبخ ، جلست كوري امام التلفزيون ، لقد مضى وقت طويل منذ ان فعلت ذلك ، كانت تقضي معظم وقتها مع اريك هوغن أو تحاول إنهاء واجباتها الروتينية المهملة ، غير أنها في هذه الليلة لا تشعر بدافع لعمل أي شيء .
ظلت تتابع عرض باليه ( لبحيرة البجع) الى ان شرد ذهنها ، وشيئا فشيئا طغت همومها على حواسها ، وجعلت تدرك عقم الهرب منها عوض مواجهتها كما هي ، فكرت في الأسابيع التي قضتها مع أريك هوغن بكل عذوبتها وبهجتها.
كان أريد رجلا وسيما ، ذكيا ، مرحا ، وإختارته كوري من بين مجموعة كبيرة من أصدقائها لأنها وجدت فيه صفات مميزة ، بارزة ، وهي كعارضة أزياء وجدت نقاطا كثيرة مشتركة مع مهنته كمخرج افلام يقترن عمله ببريق شخصيته.
لم تكن تعرف ما الذي سيفعله عندما يلتقيان ، ولكن لم يراودها الشك لحظة حول رغبته في الترفيه عنها ، وإدخال الغبطة الى قلبها.
طاف بها في المطاعم والنوادي الليلة حيث يتجمع اصحاب الشهرة والصيت الذائع ، وتذكرت كيف كان الناس يتدافعون للقاء التحية على أريك وإبداء الإعجاب به ، فإذا بكل شخص يطلب منه توقيعه الخاص والنساء يتعمدن التحدث اليه وإطراء مواهبه.
ثم تقدم منهما مصوّر وهما يجلسان الى طاولة يحتسيان الشراب ، وما ان اطل الصباح حتى كانت صورتهما تزيّن صفحة إحدى الجرائد المحلية ، وظهرت كوري ووجهها يكاد يلتصق بوجه اريك ، وإبتسامة عريضة تلوح على ملامحها وكانها في غاية السعادة ، تذكرت لحظة إلتقاط تلك الصورة ، كان اريك يسرد لها بعض النوادر ، وإضطرت للإنحناء صوبه لسماع كلماته أمام تصاعد الضجيج حولهما في النادي الليلي ، أما الصورة فأوحت بوضع مختلف تماما ، حيث أن القارىء العادي لا يوى سوى شخصين غارقين في أحلامهما والفتاة تبدو اشد هياما وإنبهارا ، واعلن التعليق تحت الصورة:
( فاتن النساء أريك يقع في شباك الحب) كما إستطرد صاحب هذا السبق الصحفي يعلن إسم كوري الكامل ويصف بعض جوانب عملها.
ورغم إحساس كوري بالغيظ لإقتحام الصحافة حياتها الخاصة ، لم تتوقف طويلا امام مغزى هذه الصورة ، لا شك أن شهرة أريك هوغن تكفي وحدها لجعله هدفا من اهداف الصحافيين ، ومحط تعليقات زوايا الثرثرة واخبار المجتمع ، ولم تعترض على ربط إسمها بإسمه ، طالماانها دخلت في مرحلة الحب والإنجذاب وكانت متأكدة ان اريك يبادلها نفس المشاعر.
عندما طلب منها قضاء اسبوع معه على متن احد أصدقائه ، بدات الشكوك تراودها ، كادت أن تقبل وهي تتخيل وجوده معها طوال هذه المدة ، وفي نفس الوقت أدركت أن اريك يريد تطوير علاقتهما والإنتقال الى مرحلة جديدة ، ولكن تربيتها الصارمة ، ومقاييسها الأخلاقية التي تشربتها من والديها لم تسمح لها بقبول كل ذلك دون زواج رسمي.
لذلك رفضت دعوته بأسلوب لطيف رقيق ، فاصيب اريك بدهشة بالغة ، لم يكن يخطر في باله أن فتاة ما تستطيع مقاومة سحره وشخصيته ، حاول أن يتمالك اعصابه بسرعة ، وأظهر شهامة لم تعهدها من قبل ، ولكن لم تفت كوري تلك النظرة الهازئة الساخرة التي إرتسمت في عينيه قبل ان يستعيد رباطة جأشه.

نيو فراولة 16-04-12 05:56 PM

حافظ على الخروج معها الى الأماكن المعتادة ، غير انه أخذ بالتهرب منها كلما سنحت له الفرصة ، وهكذا بدات الأعذار تتكاثر بإستمرار ، تارة يقول لها انه منهمك في أعماله ، وطورا يشرح لها أهمية بقائه في الأستديو للإنتهاء من فيلم معقد وصعب ، أرادت ان تصدقه، وهكذا علت ، ولم تكتشف الحقيقة حتى اليوم ، روتها لها ميلتها في عرض الأزياء : كان أريك قد انشأ علاقة مع إحدى الممثلات ،وقضى معها اسبوعا كاملا على اليخت ، وكانا تواعدا على تناول طعام الغداء سوية منذ بضعة ايام ، فحدّثها قلبها بإلغاء هذا الموعد ، كادت كوري ان تدير قرص التلفون ، عندما فكرت في الموضوع مرة أخرى ، لا يمكنها ان تدع شخصا آخر يصدر الحكم عليه ، فلتدعه يطلعها على الحقائق بنفسه.
وللمرة الأولى لم تعر إهتماما لجمال المطعم المطل على الخليج الفاتن ، وحاولت في البداية السيطرة على أعصابها وهما يحتسيان بعض المرطبات ، وتصغي اليه يروي لها حادثة شيّقة جرت معه أثناء التصوير ، إنتظرت حتى بدا بتناول الطعام ، فبادرت الى إعلامه بما ترامى الى مسامعها ، وبأقصى قدر ممكن من الهدوء.
تجمد في مكانه ، ثم أشاح بنظره عن عينيها الواسعتين البنفسجيتين صائحا:
" ماذا كنت تتوقعين ! انا لست راهبا يا كوري ، إن مفاهيمك البالية لمتعد محط تقدير معظم النساء".
وردّت بصوت منخفض:
" كان من حقي أن أعلم".
ولم يحاول إخفاء سخريته اللاذعة:
" لماذا ؟ أنا لست مدينا لك بشيء ، لم أرتبط باي وعد او إلتزام ، لست ذلك النوع من الرجال يا كوري".
ولم تجبه ، كان حلقها جافا فصعب عليها التفوّه باية كلمة حتى ولو أرادت ، وتملّكتها رغبة جامحة في مغادرة المطعم ، رمت من يديها الشوكة والسكين بغضب وإنحنت لإلتقاط محفظة يدها ، لكن أصابعه اوقفتها ، واحست بقوة قبضته تكاد تعصر معصمها ، قال بصوت ناعم هامس:
" لا تكوني حمقاء ، الأنظار مركّزة علينا ، لا يمكنك الإنسحاب بهذا الأسلوب".
لا ، لا يمكنها الإنسحاب هكذا ، وجعل جمهوره يدرك راي إمرأة فيه ، إن اريك لا يستحق المسايرة وإظهار التفهّم لآرائه ، ولكنها لم تشأ توتير الأجواء أكثر ، وإستطاعت أن تفرض على نفسها إلتقاط الشوكة والسكين مجددا ، وبعد دقائق معدودة إسترسل اريك كعادته في الحديث عن امور السينما وشجون التمثيل ، وكان شيئا لم يكن.
إنتهت وجبة الطعام ، وعادت الى الأضواء المتلألئة ، وإبتسامة عارضة الأزياء المصطنعة ، وما ان حل المساء حتى كانت أعصابها كالوتر المشدود.
وها هي الان وحيدة في أجواء غرفة الجلوس المريحة ، ذات الأضواء الخافتة ، تستطيع ان تستعيد كل ما يجري ، وتفكر برويّة وهدوء ، اقفلت التلفزيون وتمدّدت فوق الأريكة ، أغمضت عينيها ، واضعة كفها فوق جفنيها بلطف ورقّة ، وغرقت في إسترخاء حالم.
وجمح بها الخيال مرة اخرى ، لن ترى اريك مجددا ، وهذه مسالة واضحة حاسمة ، لكن حياتها تتطلّب تغييرات اوسع ، وأدركت فجأة ، عدم رغبتها في الإستمرار كعارضة أزياء ، لا بد أنها أدركت ذلك في وعيها منذ فترة ، وقد تكون الأسابيع التي قضتها مع أريك حجبت عنها تذمّرها من مهنتها.
والان فقط ، بعد أن إنهارت اوهامها في هذه اللحظات الهادئة ، إستطاعت كوري الإقرار بعدم تفانيها لمهنتها كعارضة ازياء فعلية ، وأنها تكره ساعات العمل الطويلة ، والرتابة والأوقات المنظمة ، وراحت تفكر في بناء حياة أخرى مختلفة ، اقل إرهاقا ، كان التصوير هوايتها المفضّلة منذ عدة سنوات ، مع انها لم تنظر الى إستخدام الكاميرا كخدمة ثابتة ، هل فاتها القطار ، ولم تعد قادرة على قلب صفحة جديدة؟
إن في العجلة الندامة ، حدثتها نفسها ، قبل التخلي عن مهنة ، وإقتحام عالم جديد لا بد لها من دراسة كل خطوة بتمعن شديد ، إنها تحتاج الى إجازة ، إجازة تبعدها عن عملها ، والأشخاص الذين تعرفهم ، إجازة تنقذها من محيطها الذي يذكرها بقصة حبها المحطمة .... إجازة تتيح لها فرصة إتخاذ قرار ناضج ، وها هي إجازتها تنتظرها منذ اسابيع ، وأجّلتها أكثر من مرة بسبب رايك ، اما الان فهي حرة طليقة ، ولكن أين تذهب؟ وتزاحمت في ذهنها عشرات الأمكنة ، عن منطقة راس الرجاء الصالح جميلة وتعج بالسياح من كل حدب وصوب ، غير أنها تريد الذهاب الى مكان لم تره من قبل.
جلست متملمة ، تجيل النظر في الغرفة الى أن لمحت المجلة التي تركها والدها على الكرسي ، ومدت يدها ترفعها وتقلب صفحاتها التي تركها والدها على الكرسي ،ومدت يدها ترفعها وتقلب صفحاتها حتى توقفت عند المقال الذي كان يقرأه.
كان مقالا تزينه الصور.... صور طبقات صخرية وبعض الخرائب والآثار ، ثم رأت صورة فريزر ملوري ، فأخذت كوري تدرسها بإمعان لبضع هنيهات قبل ان تشرع بمطالعة المقال.
كانت تدرك لبّ الموضوع ، فريزر ملوري عالم جيولوجي ، تمّ تكليفه بدراسة الطبقات الصخرية في بعض المناطق الصحراوية ، ولا تزال الرحلة في أطوارها الأولى من الإعداد والتنظيم ولم يتم إختيار أعضاء فريق العمل حتى الآن ، إنها مهمة تتطلب وجود علماء ، وخبراء في حقول معينة ، ومصور ماهر يعمل في معظم الحيان مع قائد الرحلة ، ويسجل إكتشافات فريق العمل على فيلم وثائقي.

نيو فراولة 16-04-12 05:58 PM

مصوّر... وأعادت قراءة الفقرة بشعور غامض من احماس والتوقع ، ثم وجدت نفسها تحدق ثانية في صورة فريزر ملوري
تمعنت في وجهه النحيل ذي الملامح الصارمة الداكنة ، وعينيه السوداوين المتّقدتين ذكاء ، وفمه القاتم الرابض فوق ذقن عريض ، لم يكن وجه جميلا جمال وجه اريك ، ولكنه لافت للنظر ، يترك أثرا مميزا ، فريدا.
لم يكن يخفى على كوري ان فريزر ملوري يصغرها والدها في العمر ، وأدركت الان ان الفرق بين عمريهما هو أكثر بكثير مما إفترضت ، ويمكن القول وفقا لصورة أنه في أواسط الثلاثينات ولم يكن جاوز الخامسة والعشرين عندما تعرف عليه والدها ، ولا شك أنه رجل فريد ، وبارع في أكثر من مجال ، وهو حسب نص المقال ، يحوز على إحترام الرجال ولا يظهر أي إحترام للنساء.
مصوّر... وأعادت قراءة الفقرة بشعور غامض من احماس والتوقع ، ثم وجدت نفسها تحدق ثانية في صورة فريزر ملوري
تمعنت في وجهه النحيل ذي الملامح الصارمة الداكنة ، وعينيه السوداوين المتّقدتين ذكاء ، وفمه القاتم الرابض فوق ذقن عريض ، لم يكن وجه جميلا جمال وجه اريك ، ولكنه لافت للنظر ، يترك أثرا مميزا ، فريدا.
لم يكن يخفى على كوري ان فريزر ملوري يصغر والدها في العمر ، وأدركت الان ان الفرق بين عمريهما هو أكثر بكثير مما إفترضت ، ويمكن القول وفقا لصورة أنه في أواسط الثلاثينات ولم يكن جاوز الخامسة والعشرين عندما تعرف عليه والدها ، ولا شك أنه رجل فريد ، وبارع في أكثر من مجال ، وهو حسب نص المقال ، يحوز على إحترام الرجال ولا يظهر أي إحترام للنساء.
ألقت المجلة من يدها ، وتوجهت الى الشباك ، كان الظلام مخيما ، كثيفا ، يحجب المنازل المنتشرة في ظل الجبل ، ويخفي البحر المتثائب من بعيد ، غير أن المطر لم يتوقف عن الهطول ، مخلّفا رائحة رطبة قوية ، تحبها ، وتعرف أنها نادرة الوجود في قلب الصحراء.
الم تقل لوالدها أنها قد تنضم الى الرحلة ، وإعتبر كلماتها مجرد نكتة عابرة ؟ هل كانت تمزح عندما نطقت بتلك الكلمات ؟ نعم .... وكلا ، إذ كانت في أعماق نفسها ، وبدون قرار مسبق ، تتمنى مغادرة مدينة الكاب ( في جنوب أفريقيا ) والعيش في اجواء اخرى مغايرة ولو لفترة محدودة.
واي مكان أفضل من الصحراء؟ ربما إستطاعت تبيّن رغباتها وأمانيها الحقيقية في تلك الأرض الشاسعة وعزلتها الغريبة ، وهي ستحقق غرضا آخر بإنضمامها الى الرحلة ، فتأكد من وجود الرسوم الصخرية بناء على نظرية والدها ، وتسجل وتدوّن من اجله كل ما تعثر عليه ، ليضمّه الى كتابه الذي شارف على الإنتهاء.
ومرت أمامها صورة والدها ببشرته المجعدة وشعره الأشيب ، فغمرتها موجة من لعطف والإشفاق ، لم يعد جون لاتيمر الآن سوى طيف باهت لذلك الرجل الذي إرتاد ذات مرة المناطق المعزولة المقفرة من أفريقيا ، وبحيويّة أدت الى إكتشافات هامة ، كرس معظم حياته للتوصل الى معرفة أعمق حول أصول الشعوب القديمة التي قطنت القارة ، وكل ما عثر عليه ودرسه ودوّنه وجد طريقه الى صفحات كتابه.
وإعتقدت كوري ان المخطوطة التي طبعتها على الآلة الكاتبة هي جزء لا يتجرأ من الشخص الذي خطّها بيده ، كل صورة وكل رسم أو تصميم ، يروي تفاني رجل جعل مهنته محور حياته بأكملها ، واصبح الكتاب منذ مدة من الزمن جاهزا للنشر ، ولكن والدها رفض إعتباره كذلك ، كأن قناعة راسخة جعلته ينتظر العثور على سجل أو وثيقة جديدة ، وينجز حلمه الكبير.
وإرتفع صوت من اعماقها يحثّها على الإشتراك في الرحلة التي لم تسمع عنها إلا منذ ساعات قليلة ، وهل بإستطاعتها الإشتراك؟ تلك مسألة أخرى.
ألم يقل لها والدها أن ذلك مستحيل.... ونتيجة سبين رئيسيين ، إنها كوري لاتيمر ، ويشكّل إسم لاتيمر بالنسبة الى فريزر ملوري كابوسا مخيفا ، وهي إمرأة ، ولا مكان للنساء في حياة قائد العملية.
إبتعدت كوري عن الشباك وأمسكت بالمجلة ثانية ، فإذا بالوجه الصارم القوي يحملق بها عبر الحروف السوداء ، ولمحت في عينيه تحديا لا يقاوم ، وصاحت:
" سوف أذهب".
وإنتابتها فجأة نوبة من الضحك ، فتردد صداها في الغرفة الخاوية ، الساكنة ، ثم توجهت نحوغرفة نومها لرسم خطة محكمة ، لم تمض عينيها إلا بعد ساعات طويلة ، واثر إتخاذ قرار حاسم في تلك الليلة المصيرية.
نهضت في الصباح عاقدة العزم على تحقيق هدفها ، بدا قرارها الليلي المفاجىء أكثر واقعية في وضح النهار ، وإزدادت تصميما على وضع خطتها موضع التنفيذ.
سوف تعمد غدا او بعد غد الى التوجّه بسيارتها صوب مزرعة الغنم التي يملكها فريزر ملوري ، وتقدّم طلبا للحصول على عمل مصور معه ، ولكن عليها في البداية تدبير بعض الأمور ، لا يمكنها تقديم نفسها اليه بصفتها كوري لاتيمر ، إذ سيرفضها مباشرة ، وبدون تردد ، ويدل وجهه في الصورة أنه رجل لا تحركه الدموع أو غصّات الإستجداء أو أية خدع اخرى تتقنها الأنثى.
سوف تقدم نفسها اليه كشاب إسمه كولن لارسن وستحمل معها مجموعة من أفضل صورها ، ويناقشان الموضوع بصراحة رجلين متمرسين.
وإنها ، لحسن حظها ، طويلة القامة ، فكرت كوري وهي تقف أمام المرىة ، وإذا ما إرتدت الثياب الملائمة ، وأجرت بعض التعديلات الطفيفة ستبدو كرجل بدون عناء.

نيو فراولة 16-04-12 05:59 PM


أمعنت النظر في مظهرها بعد مرور أربع وعشرين ساعة مرة اخرى ، فشعرت بالإرتياح التام ، قامت بتقصير بنطالها قليلا ، وإرتدت قميصا مخططا واسعا لأخفاء أي دليل أنثوي ، وقصت شعرها الأسود الطويل ، ووضعت فوق عينيها البنفسجيتين نظارة ذات إطار يوحي بالجدية ، ثم لصقت شاربين فوق شفتها العليا ، وخاطبت نفسها قائلة:
" كولن لارسن ، إنك رجل جذاب ، والويل لمن يخالف رايك ".
كان جون لاتيمر قد ذهب الى المدينة عندما خرجت القامة الهيفاء من المنزل متابطة مجموعة من الصور ، وتوجهت الى المرآب ، حددت موعد خروجها بدقة لا تقل عن إختيارها للباسها فهي لن تبوح بشيء الى والدها حتى تكون حصلت على عملها الجديد.
قادت السيارة ببطء عبر منعطفات الجبل الملتوية الشديدة الإنحدار ، ثم ضاعفت سرعتها عندما بلغت الطريق العام المؤدي الى البراري ، وما هي سوى لحظات حتى خلفت المدينة وراءها ، وحتى جبل تيبل ، بقممه المغطاة بالضباب ، إختفى عن الأنظار.
حاولت الإسترخاء وهي تقود السيارة ، لم تكن المزرعة قريبة ، بل تبعد نحو مئة ميل شمالي المدينة ، وكانت قبل مغادرتها أجرت مكالمتين بالهاتف ،مكالمة الى الوكالة التي تعمل معها لتقول انها لن تكون هناك ذلك اليوم ، والأخرى الى فريزر ملوري ، لتتاكد من وجوده في مزرعته بعد إجتياز كل هذه المسافة.
ومع إبتعادها عن مدينة الكاب إزداد إدراكها للاسباب الكامنة وراء تكيّف الرجل الذي ستقابله مع قساوة الصحراء وخشونتها ، كانت في توغّلها شمالا تشاهد عالما آخر ، إذ لا بحر ، ولا خضرة ولا شواطىء ذهبية حالمة، إنها الآن في منطقة شاسعة منبسطة ، جافة حارة ، وملائمة لتربية الأغنام ، أنها شبه بادية ، فكرت كوري ، وفهمت كيف يصبح الناس الذين يعملون هنا أشد خشونة وقوة من سكان المدن.
وها هي الآن تبحث عن منعطف يؤدي الى بلد يدعى ميوفونتين ، أي ينبوع الجمال ، وأدّى بها طريق جانبي يكسوه الغبار الى بوابتي حديد كبيرتين ، ترجّلت كوري من سيارتها لفتح البوابتين ، ومرت عبرهما ثم أوصدتهما قبل ان تتابع طريقها ، وشعرت بيديها ترتجفان وهي تمسك مقود السيارة مرة أخرى .
لم تكن المزرعة تبعد أكثر من ميلين عن البوابتين ، ووجدت نفسها فجأة أمام مزرعة تحيط بها أشجار الصفصاف وساقية صغيرة ، ورات المنزل الرئيسي بهندسته الهولندية الجميلة وبنائه الضخم ، مما اثار دهشتها ، لم تكن تتوقع ان يكون منزل المغامر صاحب الوجه الصارم بهذا الجمال الفائق.
بدت مذهولة ومضطربة الأعصاب ، وهي تواجه هذا اللغز ، وإذا بثقتها تتضاءل وتتلاشى مدركة أن فريزر ملوري سيكتشف أمرها ، وسيلعن خدع النساء الخسيسة ، وكادت ان تعود الى سيارتها وتقفل راجعة ، وهمّت بإدارة محرك السيارة ، عندما عبرت مخيلتها صورة والدها ، رأته جالسا على كرسيه قرب موقد النار ، تحدق عيناه في البعيد بحزن وترقّب وامل شاحب ، وبلمح البصر ترجلت من سيارتها ومشت صوب المنزل.
قابلها فريزر ملوري في حجرة المكتبة ، حيث جلس وراء مكتب كبير نتن الأخشاب ، كان منكبا على الكتابة ، فلم يرفع راسه لتوه ، مرت لحظة مشحونة بالتوتر ، ثم راته ينظر الى قامتها الفارعة بعينين متفحصتين ، إنتصب واقفا وإتجه نحوها مرحبا :
" أهلا سيد لارسن".
ظلت كوري جامدة في مكانها ، وأحست بشلل غريب يغزو أوصالها ، لا تدري ماذا تفعل امام رجل غامض تقابله للمرة الولى ، وكرر كلماته :
" سيد لارسن؟".
بلعت كوري ريقها ، لمحت تعبير عينيه الفضولي ، ويده الممتدة لمصافحتها ، إستعادت بعض رباطة جاشها ، ومدت يدها وقالت بصوت عميق تلك الكلمات التي طالما تدربت على تلاوتها:
" سيد ملوري ، اشكرك على إستعدادك لمقابلتي".
صافحت يده يدها ، كانت قبضته قوية ، متينة ، قبضة رجل يصافح رجلا آخر ، سرت في كفها وذراعها قشعريرة غريبة دون سبب واضح ، وصافحته بقبضة ثابتة ، قوية ، ثم سحبت يدها ومشت وراءه نحو المكتب ، شاعرة بالإرتياح لتمكّنها من الجلوس والسيطرة على أوصالها المضطربة ، خاصة وأن المكتب العريض يفصل بينهما الان ، كان بالغ الجاذبية ، باهر الشخصية، وأدركت ان ردة فعلها ربما عبّرت عن غريزة طبيعية يصعب كبتها بسهولة ، وأخيرا سمعته يسالها:
" هل تتناولين شرابا باردا؟".
كان حلقها جافا ، وتمنت لو يقدم لها عصير برتقال بارد ، لكنها عدلت عن رأيها لكي لا تثير شكوكه ، فإبتسمت:
" شكرا لا أريد شيئا".
قال بلهجة جازمة ، باسطا يديه المسمرتين فوق مكتبه :
" حسنا لنبدا الحديث ، أنت تريد الإنضمام الى الرحلة الصحراوية ".
" نعم ، كمصوّر".
" هل جلبت نماذج من صورك معك؟".
" نعم".
ناولته الصور ، وبدت أكثر هدوءا وثقة ، إنكب على الصور يقلبها واحدة تلو الأخرى ، فراحت هي بدورها تتمعن في ملامحه ، عجبت لمدى إضطرابها وتلعثمها منذ لحظات قليلة ، مع أنها كانت رات صورته ، وعرفت مسبقا ماذا تتوقع ، كان يشبع صورته.... شكل الفم وسخرية العينين السوداوين وعنقه الغليظ الأسمر ، لكن الصورة تظل مجرد ظل على الورق ، ورغم دقتها ، فهي لا تكشف الرجولة التي يتمتع بها، ولا تبرز هذه الهالة من القوة والسلطة والصرامة التي لمستها وراء مظاهر الكياسة والتهذيب.
طالما حدّثها والدها عن فريزر ملوري ، ووصف لها كل الصفات التي لمستها خلال دقائق معدودة ، ولكن والدها رجل يصف رجلا آخر ، وعرفت كوري ، بعد فوات الأوان ، ان للمرأة موقفا آخر من ذلك تمنت لو تستطيع سحب طلب العمل... ليس لأنها لا تتقن مهنة التصوير ، أو تعجز عن تنفيذ خدعتها .... بل لخوفها من أمر أعمق واشد تعقيدا ، انه شعور بالخوف فهمت مغزاه لكنها رفضت سبر اغواره السحيقة.
ألقى فريزر ملوري بالصور جانبا ، ونظرت اليه كوري تتوقع رايه ، فقال :
" يبدو انها صور جيدة".
وعندما شكرته على إطرائه ، سالها:
" ما هي مدى معرفتك بالجانب الفني من هذا العمل ؟".
" أعرف ما يكفي يا سيد ملوري".
صرفا بعض الوقت يناقشان جوانب التصوير العملية، غمرت كوري غبطة منعشة وهي تسهب في الحديث عن كيفية إلتقاط الصور ، وإتخاذ الإحتياطات اللازمة في المناطق الصحراوية ذات الوهج الكثيف ، والحصول على العدسات الملائمة ، وتحميض الصور وإستخراجها ، وتأكدت الآن أن مشاركتها لوالدها في بعض رحلاته الشاقة لم تذهب سدى ، وان تفكيرها في التخلي عن عالم الأزياء لتصبح مصورة محترفة خطوة طبيعية جدا.
وفجاة سالها فريزر:
" هل تعتقد انك تستطيع تحمّل أوضاع الصحراء؟".
لاحظت تغيرا في لهجته ، فسارعت الى طمأنته ثم إستفسرت :
" لماذا تسألني هذا السؤال سيد ملوري؟".
حاولت قدر إمكانها الإحتفاظ بمظهر هادىء ،وحدقت في عينيه معلنة:
" إن المظاهر خداعة( وإستطردت بصوت منخفض) أستطيع تدبّر امري يا سيد ملوري".
أجاب بلهجة جافة:
" هذه مسألة هامة ، إن الصحراء تضطرنا للإعتماد على انفسنا".
تنفست كوري بإرتياح وهي تسأله:
" هل توافق على عملي معك سيد ملوري؟".
فإبتسم بلطف:
" لا حاجة للرسميات ، خاطبني بإسمي الأول ، فريزر ، إذا كنت ترغب في العمل ، يا كولن ، تبدأ الرحلة في غضون ثلاثة أسابيع".

نيو فراولة 16-04-12 06:00 PM

2- بعد ان نجحت في الذهاب الى الصحراء ، بقي على كوري أن تتعامل الان مع عشرة رجال مختلفي الأمزجة ، وبعضهم ، كقائد البعثة فريزر ملوري مثلا ، لا يطيق النساء !

تجمع فريق العمل في ميوفونتين بعد ثلاثة أسابيع بالضبط ، كان الفريق يضم عشرة رجال ، قدّم فريزر كل واحد منهم الى الاخر باسلوب لا اثر فيه للرسميات ، سبق لبعضهم أن إلتقى بالآخرين في رحلات مماثلة ، أو في مؤتمرات تتعلق بإختصاصهم ، ولم يكن ذلك مستغربا ، إذ ان العلماء والمهندسين والجيولوجيين يعيشون في عالم خاص بهم.
إحتفظت كوري بالصمت أثناء وجبة الغداء المبكرة، والأحاديث التي أعقبتها بهدوء حذر ، مكتفية بكلمات مقتضبة ردا على أي سؤال يوجه اليها ، وقررت أن عدم لفت الإنتباه اليها هو أفضل سبيل لنجاح خطتها ، إقترب منها أحد العلماء ، وبادرها بالحديث ،ودار حوار متقطع ، لم يتطرقا أثناءه الى الرحلة إلا بشكل عابر ، كان إسم العالم مارك ، عذب العبارات ، لطيفها ، تعلو وجهه مسحة من الجدية ، فإطمأنت كوري الى شخصيته ودماثته ، ولكنها لم تدع نفسها تسترسل في الحديث والتعرف الى اموره الخاصة أكثر ، وذلك كعادتها عندما تستلطف أحد الأشخاص.
لم يكن مضى على وجودها في صحبة هؤلاء الرجال وقت طويل ، وأدركت لتوها ان عليها الإحتراس الدائم والتنبه الى كل كلمة تقولها ، أو أية حركة تقوم بها ، وهي التي ستصرف معهم أكثر من شهر ، إنها رجل يتحرك في محيط محفوف بالمخاطر ، محيط الرجال.
ولا بد لها من مضاعفة إحتراسها في تعاملها مع فريزر ملوري ، لاحظت قوة إدراكه الخارقة التي لا تبارحه ، واية إشارة أو حركة خاطئة توحي بأنوثتها ، ستثير شكوكه وتقضي عليها ، وهو حتى الان لم يكشف الا جانبا واحدا من شخصيته ، ولم تكن كوري بحاجة الى إدراك تلك الجوانب الأخرى المتّسمة بالعناد والتسلط والصلابة ، إنه رجل صعب المراس ليس من السهل خداعه أو التمرد عليه.
كان مارك مسترسلا في الحديث عندما ألقت كوري نظرة عابرة على فريزر ، رأته يقف وسط المجموعة ، حيث بادر أحدهم بسؤاله عن موضوع معين وإلتف الجميع حوله يستمعون الى جوابه بآذان صاغية ، لم تسمع الكلمات التي تلفّظ بها ، لكن صدى صوته تردد في أعماقها واثقا دقيقا ودودا واسع الإطلاع.
وبدا لها أكثر طولا مما كانت تظن ، أكثر طولا من الآخرين ، ولم يفتها أن كثيرين لا تنقصهم الوسامة ، أو الحذاقة ، او الشهرة في مجالاتهم المتعددة ، وأن معظمهم أسمر البشرة مفتول العضلات مما يدل على قضاء بعض أوقاتهم في العراء ، لكن فريزر شخص مميز ، وفكرت كوري ان أي عابر سبيل لن يتردد في إعتباره قائد فريق العمل ، واحست بإعتزاز وهي تغرق في أفكارها هذه .
إن الطائرة التي ستقلهم في المرحلة الأولى من الرحلة تربض في مهبط قريب اما القبطان فكان فريزر نفسه ، وإزداد إحترام كوري له عندما اقلعت الطائرة بدون عناء ، وكشف هذا الرجل عن مهارة جديدة يحترفها بإتقان.
جلست كوري قرب النافذة ، وبدات الطائرة تتوغل في إتجاه الشمال ، وهي تحاول سلخ نظرها عن هذا الرجل الجذاب الذي ملك حواسها ، مركزة نظرها على الأفق البعيد ، والمساحات القاحلة المترامية.
كان مارك يجلس بجانبها ، يتصفح مجلة تقنية ، تماما مثل بقية زملائه ، لم تكن كوري في مزاج يتيح لها المطالعة ، إنها تجد لذة خاصة في تحليق الطائرة ، وخالت ان القبطان تحوز عليه مشاعر مماثلة ، السرعة والقوة والإندماج بالفضاء ، مسائل اليفة لديها .
تنبهت الى إنهماكها بفريزر ملوري في حين يتوجب عليها التفكير في الأيام المقبلة ، وأهمية المحافظة على قناعها المسرحي ن الويل لها إذا إكتشف ملوري هويتها الحقيقية ، ناهيك عن الغضب الذي سينتاب الرجال الآخرين ، وهم يرون إمرأة عادية تقتحم عالمهم الخاص ، حتى والدها لن يظهر تفهما معقولا لوضعها الشاذ.
لم تبحث خطتها مع والدها – إذ كان سيحاول منعها من تنفيذها ، لم يعرف اكثر من رغبتها في قضاء إجازة قصيرة بعد قطع علاقتها مع أريك هوغن ، ولذلك لن يقلق عليها كثيرا ، وسيرحب بها فور عودها ، وسيطير من الغبطة عند رؤيته صور رسوم الحيوانات الصخرية ، ويتناسى إنزعاجه من إطلاعه على الحقيقة.
أخذت المناظر الطبيعية تتبدل والطائرة تتوغل مخترقة الفضاء ، إنحسرت الأراضي الزراعية ، وبرزت مساحات خالية من الأشجار ، ذات تربة حمراء تتوهج في حرارة الشمس الساطعة ، إنهم يدخلون الصحراء الآن لا محالة ، شعرت كوري بإنكماش في معدتها ، وألقت نظرة سريعة على القبطان ، ثم اشاحت بعينيها صوب النافذة.
وما هي إلا لحظات معدودة حتى كانت الطائرة تهم بالهبوط ، ترجل الجميع وسط بقعة معزولة ، وتوجهوا الى كوخ صغير ذي حيطان طينية بيضاء وسقف من الفولاذ المضلّع ، ولمحت ثلاث سيارات جيب تنتظر على مسافة قريبة ، حيث توجه فريزر نحوها ، ودخل في حوار ودي مع احد العمال.
وضعوا كل المعدات والأمتعة والحقائب في السيارات ، ورأت فريزر في المقدمة وراء المقود ، فإختارت السيارة الثانية ، لا يجوز الإقتراب منه كثيرا لئلا يفتضح امرها ، خاصة وانه رجل حاذق ، وهي تتصبب عرقا كلما قابلته وجها لوجه.
راحت السيارات تشق طريقها في وسط الهشيم والغبار ، والحر اللاذع ، وهي لا تزال عاجزة عن طرد شبح فريزر من ذهنها ، إنه يختلف عن كل الرجال الذين تعرفت اليهم حتى الان ، فكرت بصديقها السابق أريك ، بثيابه الأنيقة وتصرفاته المتقنة ، وعبر خيالها شريط الممثلين والمخرجين والمصورين الذين إختلطت بهم ، وتمتعت بصحبتهم حتى الأمس القريب ، إن فريزر بخشونته ، ورجولته الفظة ، يبدو شخصا غريبا ضمن هذه الأجواء التي عايشتها ، لا يمكن ان تقبل به كشخص تقيم معه علاقة ما خارج العلاقة الحالية ، ومع ذلك وجدت إبهارها به لغزا محيرا.

نيو فراولة 16-04-12 06:01 PM


حولت نظرها عن العربة الأمامية ، محدقة الى الصحراء الصامتة ، وتساءلت بإمتعاض : هل كانت مجنونة وهي تدخل هذه المغامرة ؟ من الصحيح ان قلب والدها يتقطر حزنا على رسوم الحيوانات ، ولكنه لم يرها في حياته ، كل ما في الأمر ان الوقائع التي يستند اليها جاءت نتيجة محادثة مع أحد المغامرين ذوي الخبرة الضئيلة ، سيفرح كثيرا لو عادت اليه بصور الرسوم ، التي طالما دغدغت احلامه ، وجعلته يؤجل نشر كتابه الذي شغل معظم عمره.
والان بعد أن سبق السيف العذل ، ويتعذر عليها التراجع ، إنحنت كوري باللائمة على نفسها لأنها سمحت لمشاكلها أن تدفعها الى الإلتحاق بالرحلة وفق أعذار كاذبة ، فهي كانت ستتغلب على غدر اريك آجلا أم عاجلا ، أما بالنسبة الى عرض الأزياء ، فكان من الفضل التخطيط لمهنة جديدة في أجواء أقل خطرا من الصحراء.
إنها تتبع نزواتها عادة ، لكن ليس الى هذا الحد المتهور ، إجتاحتها رغبة لتغيير مجرى حياتها فلم تتمعن في نتيجة قرارها المتسرع ، إختالت إعتزازا بقناعها الجديد ، فلم تحسب حساب مدى إمكانية نجاحها في لعب دور رجل لعدة أسابيع.
إن التحول الى الى رجل يتطلب أكثر من شارب ونظارات مظللة ، سيكون عليها قضاء الليالي في خيمة مشتركة ، حيث يخلع الرجال ثيابهم أمامها ، وينطلقون في أحاديثهم البذيئة ، وكيف ستخلع ثيابها هي وتستحم ، وتهتم بنظافتها كأنثى ؟ هل تحلم أن تعيش وسط كل هؤلاء الرجال ، وتخفي عنهم حقيقتها؟
نعم.... ومضت عيناها ببريق عزم مفاجىء ، إنها قادرة على إنهاء مهمتها ، وكما فات أوان التراجع ، تبخرت كل البدائل ايضا ، ستنهي مهمتها ولن يكشف أمرها احد.
توقفت القافلة بجانب منخفض طبيعي يشكل حوضا مليئا بالمياه ، وإنتصبت بعض الشجيرات الذابلة في الجهة المقابلة ، موفرة شبه ظل لإتقاء الحر ، والهم من ذلك تؤمن الشجيرات ملجأ من البرد الصحراوي حيث تفقد الصحراء حرارتها بسرعة مع غروب الشمس كما حدثها والدها ، ويصبح الليل قارسا كالجليد.
ولاحظت كوري أن الشمس توشك على المغيب ، بدت كتلة كروية مشتعلة ، تحضن الأفق المترامي ، ورغم رؤيتها المتكررة لجمال الغروب الأفريقي وجدت نفسها امام منظر اخاذ لا مثيل له ، إكتنفها بهاء الفضاء الرحب ، فلم تنتبه الى الرجال وهم ينصبون الخيم.
وسمعت صوتا يهتف وراءها :
" إنه منظر اخاذ اليس كذلك؟".
إستدارت كوري ورفعت نظرها لترى رجلا ينتصب شامخا أمامها كتمثال قديم ، تتدفق حرارة الشمس العارية في ملامحه الصخرية ، تجمد الدم في عروقها ، وحل في حلقها جفاف رهيب ، بلعت ريقها ، وهي تلمس أهمية إجابتها لئلا تثير الشبهات :
" إنها حقا أخّاذة".
رأت عيناه تتقلصان ، وكأنه ادرك مأزقها ، لكن صوته ظل عاديا :
" ماذا دهاك يا كولن؟".
وقفت وقفة ثابتة لأخفاء إضطرابها الشديد ، وتمتمت بصوت عميق منخفض النبرة:
" لا شيء البتة ، كنت أتخيل نفسي ألتقط صورة هذا المشهد الرائع".
" إنه مشهد يستحق لوحة زيتية ، وليس مجرد كاميرا ، علينا الإسراع في نصب الخيام يا كولن ، ما أن تغيب الشمس حتى تنتشر الظلمة بسرعة".
" طبعا".
وعندما إنضمت الى الرجال المتحلقين حول العربات ، أدركت كوري أنها إرتكبت أول أخطائها ، وخطأ بالغ البساطة أيضا ، إعتادت في حياتها القصيرة ان ترى الرجال ينصبون الخيام والنساء يتولين شؤون الطهي ، ولكنها تخلت الآن عن مهماتها كرجل ، وبدون وعي منها .
لا بد من الإحتراس الدائم ، خاطبت نفسها ، وهي تتقدم لتساهم في أداء دورها ، وطرق مسامعها صوت اجش:
" هل بدأنا بالتهرب من واجباتنا؟".
لم ترفع كوري عينيها ، عرفت ان صاحب الصوت يدعى بويد خبير الحوال الجوية ، ويكاد يضارع فريزر طولا ، وهو فظ وخشن الملامح ، وكانت عندما تعرفت اليه في الصباح لمست بعض الإزدراء في سلوكه ، حاولت آنذاك طرد هذا الإنطباع ، معللة نفسها بتوقع معاملة أفضل بعد زوال قلقها ، لكن لهجته الهازئة هذه المرة بانت واضحة لا شك فيها ، وأعاد الكرة:
" ما بالك أيها الرجل الهزيل؟".
ونتيجة خبرتها بالرجال ، فهمت كوري انه يتعمد إستفزازها ، قالت باعصاب هادئة:
" لم يخطر ببالي التهرب من واجبي".
فتابع إستهزاءه بفظاظة:
" إنك مغرم بمغيب الشمس ؟ اعرف نوعيتك يا لاسن ، لن يمكنك تحمل الصحراء طويلا".
وإقترب منها ، أحست بطبيعته العدوانية ، المجسدة في منكبيه العريضين ، وصفات الشقي المتنمر ، إستطرد ينفث كلماته:
" كيف حصلت على هذا العمل ؟ هل إنعدم وجود مصورين آخرين ام ماذا؟".
كان من السهل الظهور بمظهر رجل ، أما إنتحال جوهر شخصية الذكر ، فتلك مسألة أخرى ، ما هي ردة فعل رجل حقيقي على هجمات بويد ؟ تساءلت كوري بياس قاتل ، هل يخرسه بكلمات محكمة ؟ ام أن هذه طريقة إمرأة في مواجهة وضع كهذا ؟ ربما كان يعمد الى لطمه على وجهه بجماع قبضته ؟ حتى ولو خسر العراك الذي لا بد من نشوبه ، يكون أثبت مقدار شجاعته ، كان ذلك خيارا يستحيل عليها إنتهازه ، قالت بحذر:
" لماذا لا تبحث الموضوع مع فريزر ؟ إنه خير من يشفي غليلك ".
وبصق بويد بقرف:
" يا لك من احمق مغفل".
أصاب بعض الرذاذ خد كوري ، إستشاطت غيظا ، نسيت تلك اللحظة من هي ، وكيف عليها أن تكون ، ورفعت يدها ، غير عابئة بالعواقب لتصفع وجه بويد عندما قال صوت هادىء:
" دع الولد وشانه ".
كان الصوت صوت مارك ، لم تره كوري يقترب منها ، وهي تتأجج غضبا ، وإنتبهت الى يدها المرفوعة ، فأرختها ببطء ، محاولة كبت إضطرابها وقد صدمها الواقع الأليم.
كادت تصفع وجه بويد ، فيظنها صفعة رجل ، ويضطر لرد الصاع صاعين ، وكان إفتضح أمرها خلال ثوان معدودة .
إستدار بويد نحو مارك يتهدده:
" لا تتدخل فيما لا يعنيك".
ورد مارك العالم الهادىء ، الدمث ، بلهجة جازمة ، مما أثار دهشة كوري :
" كلا ، لا يجوز السماح لكما بالعراك في يومنا الأول ، وإفساد معنويات الجميع".
ظل بويد في ثورة من الغضب :
" هذا الولد معتوه ، يتيّمه غروب الشمس ونحن نقوم بكل الشغل ، لا مكان له بيننا ".
أجاب مارك بدون تردد :
" فريزر إختاره ، دعه وشأنه يا بويد ، لا يزال في مطلع العمر ، وسيتعلم شيئا فشيئا ".
نظر بويد الى كوري التي ظلت صامتة طوال الوقت :
" إياك أن تقترب مني أيها المغفل".
وعلّق مارك عندما هم بويد بالتحرك :
" إنه راي حكيم ، لا تقترب منه ، إنه يتقن عمله ، ولذلك تجده هنا ، ولكنه يحب إثارة المشاكل للآخرين ".
ووجدت كوري صعوبة في السيطرة على صوتها وهي تقول :
" ولكن لماذا لا يزعج أحدا سواي ؟".
طمانها مارك بنظرات ذات مغزى :
" لأن احد أصدقائه الأعزاء اراد الحصول على عملك ، ولكنك سبقته اليه ، ولا بد من الإعتراف أن بنيتك لا تساعدك كثيرا ، فتشجع اشخاصا مثل بويد لعرض عضلاتهم".
قالت كوري بإعتداد لا يمت اليها بصلة:
" إن ضربة واحدة كانت كافية للقضاء عليه ، ولكن أعتقد انك على حق يا مارك ، من الأفضل تجنبه قدر المستطاع".

نيو فراولة 16-04-12 06:02 PM

3-ثلاثة ايام في المخيم علّمتها كيف تتغلّب على الصعوبات وتجد متعة في عملها ، ولكن فريزر يفقدها توازنها ، إنه نقطة ضعفها الوحيدة.

أخذ الليل يرخي سدوله عندما أنهى ارجال نصب الخيام ، جمعوا بعض الأغصان اليابسة والأعشاب الجافة ، واضرموا فيها النار ، وذلك من اجل طهي الطعام وصد حيوانات الصحراء المفترسة .
جلست كوري مسترخية بجانب السنة اللهب المضطرمة ، تتنشق رائحة الطعام الشهية ، وتصغي الى أزيز حشرات الليل تختلط بهسهسة تقطّر اللحوم المشوية في قلب النيران ، وطافت على فمها إبتسامة حائرة وهي تفكر في زميلاتها وزملائها ، وردة فعلهم إذا ما رأوها الآن ، مقرفصة فوق الرمل بلباس الرجال ، تزدرد طعامها من صحن يثير إشمئزاز عارضات الأزياء ، ذوات الأنفة والناقة.
وادركت كوري ان عشاء الليلة سيكون إستثنائيا ، لن يدخل فمها بعد الآن سوى المآكل المعلبة ، وبكميات قليلة ، وستصبح قطرة ماء أغلى من الذهب في أرض تندر فيها مياه الشرب العذبة.
وإرتفعت حولها أصوات همهمة ، ذات رنين عميق ، رجولي اجش ، كانت هذه هي المرة الأولى التي تجد نفسها فيها بين مجموعة من الرجال ولا تشكل محط الإهتمام والإطراء ، أما الآن فكل رجل يرخي العنان للسانه ، ويتفوه بما يطيب له ، دون رقيب أو رادع ، ترى كيف كانوا سيتصرفون لو عرفوا أنها انثى إقتحمت حياتهم الخاصة؟
كان مارك يجلس بجانبها ، غارقا في حديث مع عالم جيولوجي ، وترامى صوته اليها هادئا ، خفيضا ، بارعا ، شعرت بالسعادة لكونه صديقا له.
وها هو بويد ، يجلس بعيدا عنها ، يروي نكتة بذيئة ، ويقهقه من أعماق قلبه.
زمت كورس شفتيها ، تضاءلت صورة بويد ، خبير الأحوال الجوية ، في ذهنها ، لتحل محلها صورة فريزر ملوري ، رأته ينتقل من مكان الى آخر ، يتبادل أطراف الحديث مع فريق عمله ، ولاحظت التجاوب الودي الذي يحظى به ، حتى بويد تصرف بإحترام فائق ، وفجأة سمعته يقول بصوت أقرب الى الهمس:
" سمعت أنك تورطت في مشكلة مع بويد".
وافقت بهز الرأس ، مبدية إمتعاضها ، فتابع:
" إنه فظ المسلك ، ولكنه طيب القلب ، حاول أن تتفهم طبيعته يا كولن".
" حسنا سأحاول ".
تمتمت عبارتها ، ونبضات قلبها تزداد خفقانا ، متمنية لو يدنو منها أكثر فأكثر ، ماذا دهاها ؟خاطبت نفسها ...هل فقدت صوابها ؟ الم تلتحق بهذه الرحلة لأنها أرادت الإبتعاد عن احد الرجال وكل ما يمثله ؟ اتت الى هنا لحاجتها الى العزلة ، والتروي ، وإستعادة ثقتها بنفسها ، لم يخطر ببالها الإلتقاء بشخص يؤثر على مشاعرها الى هذا الحد الهائل المخيف.
تابع فريزر حديثه ، مشيرا الى إختصاص كل فرد من أفراد الفريق ، كانت لهجته ودية ، حميمة ، تهدف الى تهدئة أعصابها ، وحملها على العمل بإنسجام مع بقية المجموعة.
لكنها كانت في عالم آخر ، فلم تفقه شيئا مما قاله ، ومع أن الظلام الدامس حجب عنها ملامح وجهه ، لم تجد صعوبة في رؤيتها كما هي بعين خيالها ، وأحاسيسها ، وكل خفقة في عروقها ، كان يتكىء على مرفقيه ، مادا امامه ساقيه الطويلتين ، يكلمها دون تكلف او إستهجان ، أما تلك الهالة الباهرة فظلت تحيط به ، مضاعفة إستسلام كوري لخيالها وأحلامها.
هل كان إهتم بها لو تعرف اليها ككوري لاتيمر ، فتاة يتدلى شعرها الأسود فوق كتفيها وينعكس مزاجها في عينيها البنفسجيتين الواسعتين ؟ هل ينجذب نحوها مثلما إنجذبت نحوه هي؟
يا للهول ، قطعت شريط أحلامها ، مدركة أنها ترتكب حماقة مميتة ، يجب عليها الإحتراس الدائم ، وعدم السماح لنفسها بالتورط في علاقة عاطفية وحيدة الجانب تزيد شقاءها شقاء ، أن فريزر ملوري لا يحترم النساء ، رغم تمتعه بهن عندما تسنح له الفرصة.
من المحتمل أن تنشأ بينهما علاقة عاطفية ، لو إلتقيا في ظروف عادية ، لكنها ستكون حتما علاقة محددة بمفاهيم فريزر ، ولن يكون لها مستقبل ، إنها عارضة ازياء ، وإبنة جون لاتيمر ، مما يعني إحتقار هذا الرجل لها أكثر من إحتقاره لغيرها من النساء.
سرت رعشة باردة في جسم كوري رغم دفء السنة اللهب ، وغمرتها السعادة عندما نهض فريزر وإبتعد عنها ، ثم حدقت في الظلمة الداكنة منقبضة القلب ، يمزقها صراع عنيف.
كانت النجوم الساطعة تضيء السماء الصافية بوهج باهر ، ولامست وجنتيها نسمات الليل المنعشة، وهي تصغي الى اللغط المتواصل حولها ، وفرقعة النيران وطقطقتها ، وفجاة إرتفع في البعيد صوت اشبه ببوق عميق ، هل هو صوت فيلة ؟ خيم الصمت على الجميع للحظات قليلة كانهم تنبهوا الى وعورة الصحراء ووحشتها.
نهضت كوري ومشت مبتعدة عنهم عندما إستأنفوا أحاديثهم المتنوعة ، وتوجهت بحذر وبطء الى الخيم المخصصة لها ، وقع نظرها على اسرّة داخل الخيمة ، لم يكن بإستطاعتها طلب خيمة خاصة بها وحدها ، إذ كانت ستثير الشكوك لو تقدمت بطلب كهذا ، عن فريزر وحده كقائد الرحلة يتمتع بهذا الغمتياز.
لم يكن امامها إلا طريقة واحدة لخلع وإرتداء ملابسها ، لا بد لها من معاينة عادات رفاقها واوقات دخولهم وخروجهم ، وقررت أن افضل حل هو أن تأوي الى النوم قبل الآخرين بقليل.

نيو فراولة 16-04-12 06:04 PM

كانت كوري لا تزال مستيقظة عندما تفرّق الرجال بإتجاه خيامهم ، ظلت ساكنة تتنفس ببطء وإنتظام ، وعرفت أن بويد ومارك من الذين سيشاطرونها الخيمة ، وسمعت بويد يعلق بمرارة:
" يحتاج هذا الحقير الى النوم باكرا ليحافظ على جمال وجهه".
ورد عليه مارك بحدة لم تعهدها من قبل:
" دعه وشأنه ، إن فريزر لاحظ مضايقتك له".
" كان بإمكانه إختيار شخص أقل حقارة".
وإزدادت لهجة مارك حدة:
" ان لفريزر اسبابه الخاصة ، بالله عليك ، لا تفسد كل شيء يا بويد ، إنها رحلة شاقة وطويلة ولا يمكننا تحمل خلافات كهذه".
وتمتم بويد :
" الويل لك ايها الحمق".
وركل سريرها بغلاظة ، فحبست كوري أنفاسها ، ثم أحست به يبتعد عنها.
أغمضت عينيها بإحكام وهي تصغي الى احاديث الرجال ، وترامى الى مسامعها حفيف الثياب وإرتطام الأحذية المخلوعة ، وفكرت ان ما يمر بها الان سيكون اغرب حدث في حياتها .
وإمتلأت الخيمة ، بعد برهة قصيرة ، بشخير متواصل ، منتظم ، حال بينها وبين ملاك النوم رغم تعبها وإرهاكها ، إستلقت في الظلام تسترجع احداث يومها المثيرة .... مفارقة والدها ، وصولها الى ميوفونتين ، المواظبة على تمثيل دور الرجل ، التحليق بالطائرة الى الصحراء ومواجهة بويد المزعجة ، إستعادتها حادثة حادثة الى أن توقفت طويلا عند صورة رجل طويل ، ضامر القوام أسمر الوجه ، صارم الملامح ، تدفعها جاذبيته الى كشف هويتها كإمراة متيّمة.
بعد مرور ثلاثة أيام في الصحراء ، احست كوري بإرتياح وهدوء الأعصاب ، وكان ايامها الأولى سحابة صيف عابرة.... ثلاثة ايام قضتها تعيش وسط المخيم ، تلتقط الصور وتستمتع بعملها ، ثلاثة ايام في صحبة مجموعة من الرجال ، حيث توطدت صداقتها بمارك ، وتعلمت كيف تتفادى شراسة بويد ومراسه العنيد.
وحده فريزر يفقدها توازنها ، هذه نقطة ثابتة ، كانت تمنّت أن تعتاد على شخصيته الجذابة ، أما ما حدث فكان العكس تماما ، بل إزدادت الأمور سوءا ، ظلت ردة فعلها أزاءه غريزية عفوية ، تبذل جهدها في كبتها ، والإحتفاظ بموقف حيادي عادي.
أما مسرحيتها الخادعة فصارت الآن مسألة طبيعية ، سهلة التنفيذ ، وواظبت بعد الليلة الأولى على الإيواء الى الفراش قبل الآخرين ، وتظاهرت في الصباح بالإستيقاظ متاخرة ، لا ترتدي ملابس عملها إلا بعد مغادرة رفاقها الخيمة، أما الإغتسال فكان مشكلة حقيقية ، إذ لا تتوفر الحمامات هنا ، ولكنها مشكلة إستطاعت التغلب عليها ، تعلمت إستغلال الوقت وإنتهاز الفرصة المناسبة ، ولأنها هادئة الطباع ، محتشمة المسلك ، لم يعرها الاخرون إهتماما.
لم يكونوا قد قطعوا مسافة طويلة حتى الان ، إختار فريزر مكان المخيم قرب كومة من الصخور تمت بصلة الى أبحاث الرحلة العلمية ، لم تتصور كوري انها ستنكب على عملها بهذا الشغف ، كانت دراسات والدها قد قادتها الى الألمام ببعض تفاصيل الجيولوجيا ، ووجدت نفسها وهي تلتقط صور نماذج صخرية تتوق شوقا الى الإطلاع أكثر على أصولها وكيفية تركيبها
إنها تجد متعة غريبة في عملها ، حدثت كوري نفسها وهي ترقب رمال الصحراء الحمراء المتوهجة ، ها هي تقوم بمهمة مختلفة ، لم يسبق لها القيام بها ، وتعيش في صحبة رجال ، لا علاقة لهم بمن عرفتهم في عالم الأزياء ، إنهم اشد جدية ومباشرة ، باطنهم كظاهرهم ، لا خداع ولا تكلف ، كأن إنعدام الإناث ، ومستلزمات الصحراء الصارمة ، ومتطلبات العمل مرآة سحرية تكشف طبيعتهم الأصيلة وشخصيتهم الفعلية ، طارحة جانبا كل زيف أو مظهر كاذب ، إنها من وراء قناعتها تشاهد منظرا نادرا سقطت فيه كل الأقنعة التقليدية وأعراف المجتمع المفيدة.
إنها تحيا لحظات مليئة بالمفاجآت السارة ، كانت تتوثع صحراء قاحلة تعج بحر قاتل ورمال لا حد لها ، ولا شك ان الحر متوفر ، والرمال كذلك ، رمال حمراء كأنها تستمد لونها من لهب الشمس ، لكن الصحراء ليست مجرد رمال ، كانت هناك أغوار مليئة بالماء ، تنمو على أطرافها شجيرات صغيرة الحجم ، ومساحات واسعة من النباتات القاسية العنيدة المتشبثة بالحياة في أرض تندر الأمطار وموارد الطبيعة الخصبة.
وصلوا الى نهر يتماوج فيه القصب الطويل الغليظ ، وإرتعدت فرائص كوري عندما رأت أول تمساح ، أغبر اللون ، بشع المنظر ، يتمد كأنه يغط في نوم عميق فوق ضفة الرمل الحارة ، وعاجل مارك الى تهدئة روعها ، وتحذيرها من مغبة الإغتسال او السير في مجرى الماء الموحل.
كانت السهول المحيطة بالنهر تعج بالحيوانات ، وفي الليل ترامت الى مسامع كوري اصوات بعض الفيلة ، لكنها لم تدرك مدى أعدادها الكبيرة ، وفاتها ان الغابة المجاورة تزدحم بالنمور والأسود التي تتغذى بما تصطاده من الظباء والحمير الوحشية عندما ترد النهر لإطفاء عطشها.
حتى الان لم تعثر على أثر للحياة البشرية في هذه البقاع ، مع ان والدها حدّثها مرارا عن وجود بعض الجماعات ذوي القامة الضئيلة واللون الضارب الى الصفرة ، جماعات تتمتع بقدرة عجيبة على العيش في قلب هذه الأرض القاسية المعادية ، كما ان كوري لم يقع نظرها حتى الان على رسوم صخرية ، وهي أساس ابحاث والدها ، لكنها بعد مضي ثلاثة ايام فقط أصبحت تفهم ولعه بهذه الأرض الشاسعة ذات الشمس الحارقة ، والحياة الخشنة.
سرت في شرايينها موجة من الحر اللاذع ، وهي تجلس في سيارة الجيب التي أخذت تشق طريقها الى الأمام دون ان تعرف وجهتها المحددة ، كانت المشاهد الصحراوية حولها تستقطب إهتمامها ، فلم تنتبه كثيرا الى أي إزعاج اومشقة ، وبينما هي غارقة في افكارها ، توقفت سيارة الجيب فجأة ، وسمعت كوري عويلا حادا اليما ، نظرت الى السائق مرتاعة ، ثم قفزت من العربة لتلتحق بالرجال الذين تجمعوا على حافة الطريق.

نيو فراولة 16-04-12 06:05 PM

رأت صبيا جاثيا في الغبار ، يتمد أمامه كبش ماعز هامد الجثة ، وأدركت ما جرى ، كان الصبي يسوق قطيعا من الماعز ، عندما إندفع الكبش نحو منتصف الطريق ، فدهسته العربة الأمامية وقضت عليه.
راح بويد ، سائق السارة ، يؤنب الصبي ، ويوبخه على إهماله وطيشه ، فأجهش بالبكاء وهو يسمع هذه اللهجة القاسية ، وهنا تدخل فريزر ، دافعا بويد جانبا ، ومتوليا زمام الأمور ، إنحنى ارضا ومر بيده فوق جثة الكبش ، ثم اشار لأحد الرجال بجره الى حافة الدرب ، وركز إهتمامه على الولد .
طغى على الصبي حزن عارم ، وكان عويله الذي إخترق أذني كوري حادا يشق الفضاء ، وعمد الى لطم راسه بالأرض مرتين ، وبقوة مؤلمة.
وقف الرجال حائرين ، مكتوفي الأيدي ، وتكلم فريزر الى الصبي ، حاول مخاطبته بالإنكليزية ولغة أفريقيا الجنوبية ، وبلهجتين عامتين ، لكن كلماته ذهبت سدى ، وإسترسل الصبي في عويله.
صاح بويد يتوقد غيظا:
" إنه يحاول إستدرار الشفقة ، والحصول على حفنة من الدراهم".
إستدارت كوري نحوه وقد إستبدت بها غريزتها:
" هل أنت عديم الإحساس الى هذا الحد؟".
ورد بضراوته المعتادة:
" هذه مسألة لا تعنيك أيها المغفل".
وبادر فريزر بالقول:
" إنه مجرد حادث ليس إلا ".
ورأته كوري يمد يده الى جيبه ، ويمسك بكف الصبي ويعطيه بعض الأوراق النقدية.
رفع الصبي الصغير وجهه الذي يكسوه الوحل والغبار ، وحدج النقود برهة ، ثم راح يعول مجددا ، قال فريزر باسى:
" أنا آسف لهذا الحادث ، ولكنني اعطيته أكثر مما يحتاج لشراء كبش آخر".
وإزداد بويد شراسة:
" الأفضل أن تتجاهله دعه يعول الى أن تجف دموعه".
ودفع فريزر بورقة نقدية الى اخرى الى يد الصبي معلقا:
" لا بد من إستئناف الرحلة ، ليرجع كل منكم الى عربته ".
" كلا ( صرخت كوري محتجة ، مستهجنة ) لا يمكننا ترك الولد في هذا الوضع".
ووجدت نفسها ، وبدون إنعام النظر ، تنحني لتضم الصبي الى صدرها غير عابئة بالاوساخ تلطخ ثيابها ولا بتاثير تصرفها على رفاقها ، لم تفكر إلا بذلك الولد البائس ، وحاجته الى العطف والطمأنينة ، أخذت تهدىء من روعه ، وتهمس في اذنه كلمات الحنان والشفقة ، ولا يهم انه لا يفهم معنى كلماتها ، فهو سيفقه نيتها وإهتمامها به.
وما لبث الولد ان سكن روعه ، وتوقف عن البكاء والعويل ، إنه مجرد طفل ، فكرت كوري ، طفل صدمته خسارة أعز ما لديه ، ولا شك ان الدراهم تمكنه من شراء كبش آخر ، لكن الوقت وحده والحب يشفيان الجرح الذي فتحه الموت المفاجىء في قلب ولد صغير.
إعتقدت كوري أنها قامت بواجبها نيابة عن الجميع ، فليتوجهوا الآن الى السيارات لمتابعة الرحلة.
رفعت بصرها ، كان الصمت يخيم على الجميع ، صمت غريب ، أليم ، مترقب ، جالت بنظرها من وجه لوجه ، فإنتابها إضطراب شديد ، كان الرجال يحدجونها بتمعن ، وعلت وجوههم إمارات الحذر والتساؤل ، وعلى نحو مباغت ، زم بويد شفتيه بخبث مخيف ، وبدا مارك عصبي المزاج ، اما ملامح فريزر فكانت كالحة قاتمة ، كان وجه فريزر يثير فيها الرعب أكثر من أي شيء آخر.
وقفت على قدميها ، متلعثمة ، تحاول إخفاء إضطرابها :
" يمكننا الذهاب الآن".
لم يجبها أحد ، ولم تبدر اية إشارة من احد ، اصيب راسها بالدوار وكررت كلماتها بلهجة اقل إقناعا:
" يمكننا الذهاب الان ".
رنّ صوت فريزر في أذنيها :
" بعد قليل ، تعال معي".
نظرت كوري الى مارك نظرة إستجداء ، لم ينبس ببنت شفة ، وخالته يهز برأسه مبديا اسفه ، وعجزه عن مساعدتها.
لم يكن امامها خيار سوى السير وراء فريزر ، وشعرت فجأة بالرعب الشديد ، ومع ذلك صممت على كبت مشاعرالخوف امام المجموعة ، مشت وراء فريزر برأس مرفوع ، كانت كل الأنظار مركزة عليها ، وهي تخطو خطواتها الوثيدة ، المرهقة.
جلست بجانبه في سيارة الجيب ، وإستعدت كوري للمعركة الحاسمة ، تتجاذبها مشاعر خفية ، غامضة اتجاه فريزر ، وكل ما يمثله من قوة ورجولة وجاذبية.
وأخيرا فتح فاه قائلا بتمهل مقصود:
" نعم يا سيد كولن لارسن !".
وتمتمت كوري :
" نعم يا سيد ملوري!".
وخرج صوته رقيقا ، ناعما ، ومغلفا بالخطر:
" أعتقد أن عليك إيضاح موقفك".
وسألته بخفة ، وكانها احست بإقتراب ساعة الإنفجار :
" تقصد تعويقي للرحلة ؟ لم يكن في اليد حيلة ، والولد في تلك الحالة السيئة".
وهز رأسه :
" حسنا".
" لم نتاخر كثيرا ( ردت متلعثمة ) وعزّ عليّ التخلي عن الصبي يعتصره الألم".
" ليس هذا هو الموضوع الرئيسي ، وأنت تعرف في أي مكان هنا ....".
وعاد يسالها مشددا على السم الول:
" هيا يا كولن .... هل ستخبرني الحقيقة أم تضطرني لإنتزاعها منك بالقوة؟".
رات في عينيه قساوة مدمرة تخمد النفاس ، فقالت متوسلة :
" إنك تسيء الفهم ".
ورد بفم ممتعض:
" اسيء الفهم ؟ لنتحقق من ذلك...".
ومد يده الى وجهها ، ونزع الشاربين بحركة سريعة.
لمست كوري شفتها العليا بانامل مرتجفة ، شاعرة بإنهيار حصنها المنيع.... حاولت أن تتكلم فخانتها قواها.
وإزداد فريزر غيظا.
" والان الى القناع الاخر ، هل تنزع النظارات ام أنزعها أنا؟".
وجدت نفسها تتضرع قائلة:
" سانزعها ،سانزعها".
وها هي الان تبدو على حقيقتها ، تلتهمها عينا فريزر بوقاحة ، وإنتقام ، وسمعته يبدي إعجابه:
" يا للجمال ، يا للجمال ، ما هذه الأفكار الجهنمية يا كولن؟ ( وبلع ريقه ) ولكنك لست كولن طبعا ، ما هو الإسم الحقيقي .... كارلا؟".

hoob 19-04-12 05:42 PM

حرام عليكى فرولايه امتى هتكمليها يعطيك العافيه بس شوقتينا اوى

سومه كاتمة الاسرار 23-04-12 12:17 PM

لالالالالالالالالالالالا وينها التكمله ياقمر شوقتينا كتييييييييير
:8_4_134:

الجبل الاخضر 23-04-12 07:01 PM

حماااااااااااااااااااااااااااااااس كمليها بسرعه نتتظرررررررررررررررررررررررلاتتاخري:dancingmonkeyff8:

عطني روحي سيدي 09-05-12 12:05 AM

كملي الروااايه مرررره جنااااااان

حنين عربي 10-05-12 01:18 PM

حلوة كتير يسلمو ايديك

الجبل الاخضر 10-05-12 10:19 PM

:dancingmonkeyff8:حماااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا ااااااااس ننتظر العلى نااااااااااااااااااااااااار:peace:

الجبل الاخضر 17-05-12 03:44 PM

ننتظرررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررر ررررررررررررررر:Xiv05302:

نيو فراولة 22-05-12 08:41 PM

بدي اعتذر من الجميع لأنني لم أستطع متابعة كتابة الروايات اللي كنت بدأت كتابتها لانني أعاني من مشكلة صحية بسيطة انشالله عندما اتحسن سأعاود الكتابة .
اشتقتلكن !!

سومه كاتمة الاسرار 06-06-12 09:39 PM

الف سلامه ياعسل شفاكى الله وعافاكى
:8_4_134:

عطني روحي سيدي 06-06-12 11:22 PM

ترجعي بالسلامه فراوله .. كشف الله ضرك وعاافاك مما أصابك ..

الجبل الاخضر 13-06-12 01:03 AM

:friends::re4::98yyyy:مو مشكله التاخير اهم شي رجعتكي :tyr456es::rwq:لنا ياعسل بالف عافيه:wah::1245456688zobj91845:351:

Rehana 21-10-12 04:24 PM

رد: 12- الواحة - روزميري كارتر - روايات قلوب عبير القديمة
 
السلام عليكم
تغلق الرواية حتى عودت الكاتبة بسلامة

Rehana 29-05-13 04:13 PM

رد: 12- الواحة - روزميري كارتر - روايات قلوب عبير القديمة
 
الموضوع مكرر مرتين من نفس العضوة.. ينقل الى الارشيف

http://www.liilas.com/vb3/t173709.html


الساعة الآن 04:19 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية