منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   القصص المكتمله (https://www.liilas.com/vb3/f717/)
-   -   [قصة مكتملة] نزهه علي جانب الرحيل ، للكاتبة : o r d i n a r y .. (https://www.liilas.com/vb3/t174344.html)

تعبت..وش بقى ثااني 23-03-12 05:48 AM

نزهه علي جانب الرحيل ، للكاتبة : o r d i n a r y ..
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركااته

مساء /صباااح الحير

اليوووم جااايبتلكم روااايه حبيييييييييتها كثير

لجمااال حرفها

ولعبقرية ترجمتها لمشاااعر معنوييه

صعب نوووصل لو جزء بسيط منها

لكلماات تعبر عنها بكل معانيها

لو امدح من هنا لبكره لهالكاتبه ما اوفيها حقها


ع العموم هي مو طووويله مرا وان شاء الله ان حبييتوها بنزل كل يوم بارتين


استمتعوا بجمال الحرف الباذخ هن

لتحميل الروايه على pdf & utf.8

www.liilas.com/vb3/t174654-33.html#post3142452

على ورد او تكست
http:// www.liilas.com/vb3/t147664-35.html#post3142454

ا


اتركم مع المقدمه للكاتبه وبارتين


نزهه علي جااانب الرحيل للكاتبه ( o r d i n a r y )

نعم نكتب لأننا نريد من الجرح أن يظل حيَا ومفتوحا ..
نكتب لأن الكائن الذي نحب ترك العتبه وخرج ونحن لم
نقل له بعد ما كنّا نشتهي قوله , نكتب بكل بساطه لأننا
لا نعرف كيف نكره الآخرين ، ولربما لأننا لا نعرف أن نقولَ شيئا آخر
واسيني الأعرج



لو كان للإعتراف من امري هذا شيء ..
لقلت ان الكتابة – ولأغلب فترات عُمري – كانت الكتف الوحيد
الذي يمكنني البكاء عليـه دون يتململ .. او أن يرحل !!



يـاه ..
الرحيل ..
كلمة تأخذ من قلوبنا عمرا كبيرا ..
اعتقد .. بل اجزم احيانا بأن كلمة ( رحيل ) وكل
ماهو مُشتق
منها حُكمه في اللغة مكروهـ ,
جائز عند الضرورة ..!

مالذي أرٌيد أن ارويه ..
فكرت كثيرا في هذا السؤال عندمـا طرحت
على نفسي فكرة الكتابة ..
اتكون قصـة افراح قصيرة , ام تكون رواية كبيرة الحجم لأتراح متواليـة ..
وضعت فكرة الكتابة جانبـا لأيام ..
ولا أعلم السبب الذي جعل فكرة الكتابة تنتابني بقوة اليوم
إتجهت إلى مكتبة كبيرة الحجم – كأحلامي – بحثت
عن الدفتر الأكثر سوادا .. ولا اعلم سبب ذلك ..
لعلي أبحث عن لون حزين يجعلني انوح حرفا ,
او ربمـا كان ذلك بسبب كرهي للألوان الزاهيـة ..
هاهو الدفتر أمامي الآن
ويأتي السؤال مرة أخرى ..
مالذي سأكٌتبه .. ؟
أظن بأني سأحتفظ بفكرة الكتابة هذه لي .. ولي لوحدي ..
قد استفيد من الكتف الوهمية التي يقدمها لي الدفتر على أية حال ..

حسنـا
مقيمة انا في الدنيا منذ 29 عامـا ..
شهدت ولادة احلام وانكسارات منذُ دهر او اكثر !

سًأكون هٌنا .. كلمـا إحتجت للحديث
واظن أنني بحاجة لذلك كثيرا !
كثيرا جدا !


(1) البدايــــة : الدهشة الأولى

حين أراك
يتنفس الحٌب الصعداء ..
وحين تغيب
يولي الفرح الأدبار ..!!
*غادة السمُان

مرت أيـام .. و أنا أُمارس فيها الغياب لأول مرة ..
تلك اللعبة الخفية التي إخترت لعبهـا تبقي الجرح
حيـا في حُين أن كٌل ما أردته من هذه الممـارسة
هو تخدير الجرح ..
يأتيني صوت الهاتف من مغارة زمنية بعيدة ,
أختار ألا أردً في المرة الأولى ..
يصمت الهاتف قليلا ليعاود الصُراخ في ذاكرتي ..
أرفع سماعته وأصمت ..
وتجيبني أنفاسـه ..
- هو : أتلعبين لعبة التخفي ؟
- أنا : لا أحٌب الألعاب كثيرا ..
- هو : إذن فأنتٍ تعتادين الرحيل ؟
- أنا : عن أي رحيل تتحدث ؟ .. لا أحد راحل هٌنا !
- أجابني بصوت يملئه شجن رجولي : عن أي رحيل ؟
أتحدث عن الرحيل بصُحبة الموت يـا وطن !
- تألمت لسماعها .. أنا : أرجو أن تقلل من استخدام هذه الكلمة .
- هو ممازحـا : الموت ؟ !
- أنا : سأدعي أنني لم اسمعها ..
- هو : ألا تظنين بأنك الآن تمارسين شيئا من الإنكار ..
- هٌنا .. لم استطع إمساك غضب طفيف اعتراني , أنا : كف عن ذلك !
- هو : و ماذلك ؟
- أنا : وهذا أيضا ..
- يجيبني وصوته تعلوه ضحكة خفية : و ماهذا ؟
- أنا : كم أمقتك !
- هو : لا تكذبي ياوطن !
- أنا : لم أكذب .. أمقٌت لعبة الكلمات ,
و لعبة السخرية من القدر .. الا ترى بأني مُتعبة هُنا ؟!
- هو : وكم أحبك وأنتٍ متعبـة .. ياوطني ..
- أنا : أرجوك , أرجوك كُف عن ذلك ..
- هو : متى أراك ؟
- لم أعرف ماذا أقول : لا أعرف ..
- هو : إسبقي الموت إلي .. أريد أن أموت في أحضان الوطن ..

دمعـة باردة أحُس بها على وجنتي ,
أصمت قليلا .. ثم أغلق السمـاعة ..
وفي قلبي ألف دقـة تصرخ بـ : لا ..
ب..
لا للأيام التي اختارت ان تتناقص بسُرعـة ..
ولا للغياب الذي غرز مخـالبه في قلب حكايتي
ولا لذلك الرجٌل الذي قرر أن يـأخُذ من الموت هزوة , او سببا للضحك ..
لاشيء مُضحك هُنا .. لا شيء

ترهقُني بقايا صُوت ذلك الرجُل ..
ترهقني حد تذكر اللقاء الأول .. و حد استرجـاع لحظة ولادة الحٌب ..
ذلك الحٌب الذي إختار أن يسميـه وطناً .. واخترت أنا أن اطُلق عليه إسم السماء ..
السماء
مكًان إختار الجميع تنصيبـه قبلة للأمنيات ..
و إخترت أنا أن أنصٍبه قبلة للحُزن وللحُب ,
و ولتلك الحكايات التي أرويها بإبتسامة الساخر من فقره ,
و المتناسي حُبا قديمـا تركه بلا وجهه
كُنت له وطنـا , و كان لي سماء ..

كان اللقاء الأول عابرا , عـابرا لحدود المعرفـة الأولى :

أجلس في مقهىً قصًي يقع في حدود دولـة
لا أحفظ من شوارعهـا سوا بعض الأسماء
رتابة المكان , وجوه العابرين المشغولـة بألف فكرة ,
الأرصفـة القديمـة
ذلك ماخترت تأمله بينما إحتسي قهوتي
بعد أن اضفت لهـا 8 ملاعق من السُكر ..
يقاطعني ذلك الغريب ..
هو : يبدو أنك تحاولين الموت حلاوة ..
أنظر إليه بلا إهتمام : وهل يبدو لك
أني أهتم بالأشياء " الحلوة " كثيرا ؟ !
هو : إن لم تكوني كذلك ..
لما تغرقين قهوتـك بكٌل ذلك القدر من السُكر ..؟
أنا : القهوة كالحيـاة .. مُرة في مجملـها ,
والسُكر كإبتسـامة .. نقنع بها أنفسنا بأن الدنيا ستكون أجمل ..
وهما معـا كالدنيا في جميع اوضاعها,
مهمـا كان عدد الأفراح والابتسـامات التي تضيفها لها ,
يظل طعم المرورة غائصا في العُمق ..
هو : لم أُدرك بأني أتحدث إلى فيلسوفـة ..
أنا : لكٌل منا طريقته في الحديث ,
عندمـا اخترت أنت ان تحادثني بالسُكر ,
اخترت أنا ان ابعدك بمرورة القهوة .. والفلسفة ربما
هو : أفهٌم من هذا الحديث بأن القصد .. كٌل القصد هو أن ابتعد ..
أنا : ربمـا ..
هو : حسنـا ..
قام من كرسيـه رافعـا كوب قهوة وكُتاب يقرأه ,
وسحب كرسيا من طاولتي وعلى حين مفاجأة مني .. وجلس , إلى طاولتي !
أنا : اهكذا تبتعد ؟
هو : بالطبع !
أنا : وكيف تسمي ذلك ابتعادا ؟ !
هو : طلبتي إلي ان ابتعد ..
فإبتعدت عن المحيط الذي يحتويني ..
لأدخل محيطك .. وليتسنى لنا الحديث في محيط واحد ..
أنا : آهـ .. الحديث عن البحار والمحيطات ..
هو : أنت جميلة بالطًبع , لك فلسفة غريبة في القهوة أكيد ,
ولكن ظريفة .. اممممم لا اعتقد !
أنا : حسنا .. مالذي تريدهـ يا غريب !
هو : ألسنا في المحيط ذاته ؟ لماذا تطلقين علي لقب الغريب !
أنا : أنت غريب ولو كُنا في البحيرة ذاتها ..
هو : الظرافـة .. الظرافـة ..
أنا : أتمارس دومـا هواية الجلوس الى فتيات لا تعرفهم ؟
هو : إنها أول مرة في الحقيقـة ,
و أظن بأني سًأحترف هذه الهواية ..
أسررت لنفسي في الحديث وانا أرتب اشيائي
بنيـة الرحيل : لا أستطيع احتمال هذا الكًم الهائـل من الثقـة ,
وتلك الرجولة الباذخه التي يحملها ..
قُمت من الكرسي .. حييته بإبتسـامة : أتمنى لك التوفيق في هوايتك ..
إختر جيدا مع من تمارسها ..
لا تمارسهـا مع فتاة اختارت كرسي في زاوية مقهى .. هذا فقط ما انصحك بـه ..
قال ممازحا : ومن قـال بإني أنتقي ذوات الكراسي ..
توقفت قليلا ونظرت إليه : هل كٌنت اطفو على موجة هٌنا ؟
ضحك , وضحك , وضحك ..
يـاااااهـ .. تلك الضحكًة ,
كانت سببا في سعادتي لسنوات , وسنوات , وسنوات
تجنبت كٌل مايمت لتلك الضحكة البريئة بحديث وقلت لـه .. : وداعـا !
ومضيت .. إلى ذلك الطريق المليئ
بالمارة المتدثرين بثيابهم في صباح شتائي ..
فإذا بـه يمشي إلى جانبي ..
قال لـي بذلك الصوت الذي لن أنساه أبدا : هٌنا إلتقينا .. صُدفـة .. في صبـاح شتائي ..
ومضى !

وبقيت أنا عالقة في تلك الجٌمله ..
وفي ذلك الصوت ,
و كٌل ذلك الزخـم القادم من رجـل لا أعرف منه سوا بضع جمُل .. وضحكة !


أغلقت الباب على ذكٌرى دهشتي الأولى :
استيقظت على أنقاض ماكنت أُسميه في السابق غٌرفة ..
ومعدة خالية من أيام .. ورغبة معدومـة في ممارسة الحياة ..
وأي حياة أمارسها بلا سمـاء ..
ترددت كثيرا وانا انظر لوجهي في المرءاة ..
أصفر اللون شاحب , أأذهب إليه هكذا ..!
إيرى وطنـه وقد أحالته الدٌنيا الى صحراء قاحلة بعد أن كان روضـة من رياض الدنٌيا !
أعدت ترتيب غرفتي , اخذت حمـاما دافئا طويلا ..
ارتديت قميصا رماديـا كان قد اشتراه لـي فيما مضى ..
ثم مضيت وفي يدي كوب قهوة بدون سُكر ..
قررت التوقف عن ممـارسة عادة السُكر ..
فلا شيء .. لا شيء الآن قد يجعل الحياة اجمل ..

نتوقف عن ممارسـة عادة مفرحة صغيرة مع كُل انكسار ..
نتوقف نحن بينما نشُاهد الحياة تمضي غير مكترثـة بعاداتنا , او حتى بإنكساراتنا

وصلت إلى الغرفـة : 475

أطيل النظر في الرقـم ..
يأتيني صوتـه من الداخل : لاداعي للطرق ..
أفتح الباب : لم أكُ انوي أن اطرق الباب , سرحًت قليلا ..
أقبل رأسـه .. أجلس بعيدا .. يتأملني بإبتسـامة واهنة
هو : اتعتادين الحياة بدونـي ؟ !
أنا : ومن قال ذلك ؟
هو : قبلتك تحكي ..
أنا : اتريد مني ان انهال عليـك بالقبل والأحضان والدموع ..
هو : ولما لا ..
أنا : لست تلك الفتاة ..
هو : ولكن الموت سيأخذني عما قريب ..
أنا : الا ترى بأنك تستغل الموت لمصالحك كثيرا ..
ضحك ضحكته تلك .. التي توقعني كً مراهقة سمعت كلمة الحٌب الأولى ..
وانا كذلك ! اسمع ضحكة الحٌب الأولى لكل يوم ..
أنا : اتعلم ماتصنعه بي تلك الضحكه ؟ !
هو : أعلم جيدا .. منذ اللقاء الأول ..
أنا : وذلك الطريق الشتوي ..
هو : وذلك الطريق الشتوي ..
والمعاطف و اكواب القهوة .. والأحاديث الدافئة .. اشتاقها كٌلها ..
أتألم صمتـا .. و يطيل النظر إلى صمتي ..
وأعلم بأنه يراني , عاريـة الروح ..
ويتألم للألم الذي يعتصرني ..
ولايقدر سوى أن يسخر من قدر يحيُط به من كٌل ناحية ..
أنا : أأحضُر لك شيئا ؟
هو : إين ستذهبين ؟
أنا : الى الكافيتيريا .. احس بالجوع ..
هو : أريد نصف ما ستأكلينه ..
أنا : شيء آخر ؟
هو : بضٌع سنوات اقضيها مع وطني .. ربما ..
أنا : إذهب للجحيـم ..!
هو : أتمنى الجًنة ..
أخرج بعد أن احمًر وجهي .. و غاصت عيناي في الدموع ..
أبكي في طريقي الى تلك الكافيتريا اللعينـة ..
يُفاجأ عاملها بكميـة بكٌائي .. أستمر في ترديد طلبي رغم العبرات
اخذ الطلب , أجلس قليلا لأهدىء من روعـي ..
انتظر بضع دقائق لـ يذهب احمرار وجنتاي و أنفي ..
ثم أذهٌب إليه ..
أجلس بجانبه على سريره ..
أشاركه الوسادة ذاتها , والجلسـة ذاتها , و أنظر إلى التلفزيون برتابة ..
الآف الأخبار عن جرحى وقتلى , تلك النشرة اللعينة ..
لما لا تنشر عن ملايين القلوب المطعونة بسكين الفقد ,
المهددة بخطر الرحيل ..!
احقد سرا على كٌل مذيعي نشرات الاخبار ..
و التفت إليه وهو يقضم نصفـه بتمهل , وربما بعد إشتهاء ..
أبادره : اذا كٌنت لا تشتهي فـلما تأكل ؟
ينظر إلي : إنها الأشهر الاخيره ,ربما الايام الاخيره ..
يجب ان نقتسم كٌل شي بيننا ..
تعود الدموع للصعود : اتريد ان تقتلني ذكرىً يا سماءي ؟ !
ألمح في عينيـه حٌزنا كبيرا : أريد أن اترك لك في كٌل شيء أنا ..
حتى لا تموتي حٌزنا ياوطن !
أنا بكبرياء : ومن قال بأني لا استطيع العيش بدونـك ؟!
هو : ليس هُناك من لا يستطيع العيش بلا محبوبـه ..!
لا تنسي الاقدار ليست بأيدينا .. هُناك من يقتل نفسـه في كٌل افتقاد ..
وفي كٌل شوق !
أنا : اقسم بأنك ستقتلني ..
مالفرق بين الموت حٌزنا وبين اغراقي بكٌل هذه الذكريـات !
اليس من الأفضل أن اغيب وان اعتاد عدمـك من الآن !
هو : اتريدنني أن اموت غيضـا في الجنـة ؟!
أنا : واموت انا فقدا في الارض ؟ !
هو : نتلقي هُناك في حًال موتـك ..
أنا : يالك من .. من .. من ..
هو : حٌب !؟
أنا : بالطبع لا ..!
يلقي رأسه على كتفي بإهمال ..
أهتم أنا بإصلاح الفوضى إلتي أصابت جهاز الأوكسجين .. ويغفو !
أُقبل رأسه ..
وأسند رأسي عليه بأخف ما استطيع ..
و أبكي !
.ع.

تعبت..وش بقى ثااني 23-03-12 05:53 AM

2نزهه علي جااانب الرحيل للكاتبه ( o r d i n a r y )

وأراك بلا وطـن , ياوطنـي ..
(2)



أقررُ أن اكتب في هذه السـاعة المتأخرة من الليل ,
ومالذي تفعله تعيسـة مثلي غير الكتابة أو تقليب محطات التلفزيون في مٍثل هذا الوقت ,
زيـارة اليوم لم تكُن أحد الزيارات المُشجعة , كان نائمـا طوال الوقت ..
لا يصحو الا ليقلب رأسه او لينظر إلي قليلا .. ويعود للنوم ..
في أحد يقظاته الصغيرة إبتسم واخبرني : أتعلمين أن النوم الكثير
مؤشر على إقتراب الموت ؟ !
أجبته بشيء من الحٍدة : وأعلم أيضا بأنك تسخر من القدر ليحيط
بك أكثر وأكثر , الا تمل سيرة الموت يارجل .. لن تموت , ليتك فقط تقتنع بهذه الحقيقة ..
أجابني وهو يغمض عينيه : لا يوجد حقائق هُنا , كلها افتراضات .. ماعدا الموت !
وعاد ليغفو ..

هذا الكائن النـائم بٍ سلام .. يتركني اغرق في بحر من القلق
عندمـا ينطق بتلك الكلمة الثلاثية ..
موت !
أحيـانا أخرج بتفكيري عن المعقول , اتسـائل عن إمكانية
وجود مسمى ألطف لنهاية الحياة , كالأنتقال , او الارتفاع ..
فلان إرتفع .. أي ذهب الى السماء ..
وكم كانت بهجتنا كبيرة حين كٌنا صغارا عندمـا نسمع أن
فُلانا من الناس ذهًب الى السماء ..
أيمكننا رؤيـة السماء من الداخل ايضا ؟!
فتجيئنا وجوه الكبار متقلبـة , و تبدو إجاباتهم
مصطنعة البرود حينما يقولون : كٌلنا ذاهبون إلى السماء ,
نحن هٌنا فقط لسبب مـا .. ودارنا الأبدية هٌناك ..
- اتوجد ألعاب هُناك ؟
- مالم تره عين ولم تسمع به أُذن ..
- ماذا يعني ؟ الا توجد العاب ؟
- يوجد كٌل شي .. كٌل شي
الجميـع يُنكر الحقيقة المٌرة للموت , ذلك الجسد الذي
توقفت كٌل وظائفه يوضع في التراب , تمر الأيام , ثم الأشهر ..
ثم السنوات .. فـ لايبقى من ذلك الجسد
الذي اعتدنا دفئه واحتضانه سوى بعض البعض , بقايا , لاشيء !
ذلك مايخيفني ,
ترعبني فكرة أن يتحول كٌل من احبهم إلى بقايا ,
أكاد أن اجٌن حينما أفكر في تلك الطريقة ..

يقودني ذلك لـ خمسة عشرة سنة مرت ,
وحكاية الفتاة التي فقدت والدهـا ..
سأسميها : حكاية الفتاة الي رأت الموت !

كان ياما كان , كان هُناك مبنى كئيب , ومعاطف بيضاء , واسرة مرتبة بإسلوب يناسب الموت ..
وكانت هٌناك فتاة صغيرة , و رجل يحلـم بأن يزف فتاته
لـ فارسهـا يوما ما .. , رجل يمارس كٌل يوم لعبة السخريـة
من الموت .. – كرجل اعرفه في أيامي هذه –
تقبل الفتاة رأس أبيهـا , تقرب طاولة الطعام المتحركة الى سريرهـ ..
يُصر على أنه مازال بأمكانه حمل ملعقة ..
و تخبره بأنه اطعم نفسه بالأمس وتصر على أن اليوم
دورها هي , يقبل على مضض ,
يمر الوقت , يخبرهـا بأنه قد شبع .. وتصر هي على أنه لم يأكل شيئا ,
ولكن في النهاية .. حٌكم القوي ع الضعيف !
تعيد كٌل شيء كما كان ,
تجلس بجانبه ويمسـك يدها ..
- أتعلمين بأن هٌناك مكان افضل ؟ | يقول جملته هذه وينظر الى السماء من نافذته ..
- أين ؟
- السماء !
- لم أعٌد صغيرة لأصدق حيلة السماء كما تعلم يا أبي ..
- ليست حيلة , اخترتم أنتم ايها الصغار أن تجعلوها حكاية خيالية .
بينما في الحقيقة .. لم نخبركم نحن سوا بالأمر الواقع .. فعلا .. الاموات يرحلون الى السماء ..
- ولكنهم يموتون , تنتهي وظائفهم ..
- تنتهي هٌنا فقط .. هناك اجسام اخرى اكثر شبابا , و نعيم
- ايمكن ان تغير الموضوع ! لا اريد ان احلم في الليل ..
- أريدك فقط أن تهتمي بنفسـك | قالها بعينين دامعتين ..
لم ترتح لـ جملته كثيرا , وبالاخص بعد حديث الموت هذا !
- حسنا , انتهى وقت الزيارة ..
- اراك غدا ؟
- ربمـا !
ذهبت الى المنزل , حضرت دروسهـا واستعدت للغد كما لو كان الغًد يوماً عاديا , ولكن ..
هناك شيء ما ينقص تدريجيا في داخلها , ذلك الإحساس الخانق ..
- لا شيء .. قال بأنه سيراني غدا ..
ثم تتردد كلمة ربمـا كما لو إنها قيلت للتو ,
تتجه بقدمين مترددتين إلى غرفـته ..
تلك الغرفة الخاوية منذُ اسابيع .. لم تشعر بخوائها الحاد قبل هذه الليلة ..
في وقت متأخر من الليل ,
تعود هذه الفتاة الصغيرة الى المشفى
حاملة معها حقيبتها المدرسية و حقيبة
أخرى صغيرة وضعت فيها ملابس للغد ..
وكأن الممر يزيد طولا , وكان الوقت يتوقف ..
والقلب في انقباض ,
وحدة المعالجـة المركزيـة ::
تدخل الصغيرة , وأمامها واجهة غرفة
أبيـها المصنوعـة من الزجاج ,
يقابلها ذلك الوجه الخالي من الحياة ..
و يدي ممرضة غير مبالية تقوم
بإنتزاع كٌل الاجهزة الحيويـة معلنة حالة الرحيـل رسميا !

باقي تلك القصـة لا أعلمه حقيقة ,
لم اشعر بشيء ..
ذلك الفراغ القاتل الذي
سكنني منذُ تلك اللحظة وحتى الآن ,
ذلك الجنون الذي يجعلني أتخيل كٌل
شخص احبه بين التراب
يُصارع ولا احد يعلم بـه .. ثم يخيل إلي عظاما متآكله ..
أسُكت صوت هلوساتي بحبة منومـة , واذهب عميقـا ..

تسألنُي صديقة : اتدعين لوالدك ..؟!
وكيف لا ادعو لـه , والله فتح السماء
لنا إلى النفس الأخير .. وكيف لا ادعو
لـه و قد كان الفارس الأول , والرجل الأول ,
والطفل الأول , ومبتدأ كٌل امري ..
تسألني اخرى , ابغضها : ولما لا تختمين ذكره بـ رحمه الله .؟!
لا إجابة لي على ذلك السؤال , هي عادة
اتبعهـا بصوتي حتى أظل على قناعتي بأن
الاموات هٌنا , في مكان ما , يرقبون همساتنا لهـم ..
يضحكون معنـا , يبكون حالنا عندمـا
نحتضن الوسائد ونبكي فقدهم في ليالي الشتاء ..
الموت , الموت , الموت ,
لا اعلم إن كٌنت قد خرجت عن هذه السيرة منذُ ابتدأت الكتابة ..
جزا الله شخصـا اعرفهٌ على الاكتئاب الذي أصابني ..
رجُل يشبه أبي .. لذلك وقعت به منذُ اللقاء الأول ,
ومنذُ الضحكة الاولى .. وتلاعبت بـ قلبي لأقنعه
بأن لا شيء حصل في ذلك اللقاء سوى محاولة
غزل احبطتها بكٌل نجاح ..
ولم تكُ كذلك !


*ما بعد الصُدفة الأولى :

أستغرق التفكير بـي طويلا ..
كم هو غريب ذلك الرجٌل , لا لا .. هو ليس غريباً .. مجرد محترف غًزل آخر ,
ولكنه لم يقٌل شيئا مُحرما في الحقيقة , انا من دفعته بقوة لأسباب لا اعرفهـا ..
تأكلني الفكرة بعد الفكرة ,
أتأتي بـه صٍدفة أخرى ياترى !

أتجه إلى ذلك المقهى , اختار رواية بوليسية لترافقني ,
ربمـا انخرط في احداث الرواية واختفي عن الانظار
كالقاتل الذي لا يعرفه احد الا في نهاية
الامر رغم أنه ومنذُ البداية كًان تحت انظار الجميع ..
لـ تعرف القاتل في رواية بوليسة ,
انظر الى ابرئ الأبرياء .. وضع تحته ألف
خط , ان اخطأت فأنظر الى الذي يليه برائـة !
ماعلينـا !
أصٍل إلى المكان , أجد انني وذلك الكٌرسي
مانزال على اتفاق .. دليل ذلك أنه ظل فارغـا
ينتظرني رٌغم ازدحام المقهى في هذه الساعة من النهار ..
أجلس , اطلب قهوتـي مرةُ وانظر لمغلفات السُكر بأبتسـامة ..
أحٌب ان اضيف السُكر بنفسي ,
تأتيني القهوة في ذلك الكوب الأبيض الصغير ,
اتركها قليلا واشرد مع أحداث الروايـة ,
وأشرد ,
واصحو من شرودي ..
أرتشف قهوتي على مهـل ,
وأعود لأحداث الروايـة ..
ولاشيء يحدث .. يبدو أن الامور لن تسير كما أتوقع اليوم ..
غبية أنا , عندمـا ظننت ان فُرصة – اقصد صُدفة – قد
تتكرر مرة أخرى ,
ولي أنا بالذات !
هه ! سخرت من نفسي كثيرا .. لن يأتي ..
وما أدراه بأن من صًدته منذُ ايام قليلة .. قد تكون
فعلا راغبة في معرفة غُربته وتفاصيله .. حتى ولو
اخفت ذلك تحت غطاء من التمنع واللامبالاة ..
أضحك على فكرة قدومي لهذا المكان بشعـر
منسدل و مساحيق تجميل خفيفة وفٌستان أبيض ..
كانت تلك دعوة مني للصُدف .. هُدنة
معها اشترطت فيـها ان تسير كما أُريد قليلا ..
ولا يبدو أن الصُدف تحب حالات السٍلم المؤقتة ..
أنهيت الروايـة .. وكنت قد قضيت هُناك ثلاث ساعات ,
هه .. ثلاث ساعات تقضيـها امرأة وحيدة
في مقهى , كم من البؤس قد يحمٍل ذلك ..
أرتب أشيائي , امضي بقليل من الخيبة خارج هذا المكان ,
إلى ذلك الطريق .. اخترت ألا انظر في وجـه
احد من العابرين .. أحس بتواطؤ خفي بينهم وبين النهار ..
و أحس كما لو كان الكٌل ينظر إلي بشفقـة
على حًال صبية ارتأت فرصـة للحٌب في صدفة من الصدف ..
- أتنوين الوقوع بهذه المشيـة ؟!
أتوقف ! ارفع رأسي فأراه .. هو , بقميص
أزرق لايظهر من زُرقته إلا القليل وسط ذلك
المعطف الأسود – بالرغم من دفيء الجو –
وبشرة سمراء ودقن خفيف ,
عينين تحملان كثيرا من الحياة , ملامح عربية ,
ولا شي سوا العروبـة في هذا الوجه ..
- حسنا .. سأغفر لك خطيئة التحديق ,
ولكن يجب أن تتوقفي عن ذلك
- آسفة ..
- قال بابتسامة عريضـة : آتيتي من أجل إن
تريني مرة أُخرى أليس كذلك ؟
- أجبته بشيء من التصنع والكبرياء : أنت مغرور ,
إنا أفضل ذلك المقهى فـ حسب ..
- ازدادت ابتسامته عرضـا : ومالجميل في
مقهى يقع في زاويـة , يقدم قهوة تقدمها
جميع المقاهي الأخرى ..
- فلنقل أني أحب الزوايا .. ثم لا شأن لك ..
- قال وهو يغمز : حسنا ..
تجاوزته بعدة خطوات لأجده يمشي معي جنبا إلى جنب ..
توقفت .. نظرت إليه بحدة ..
- ألا يوجد ما تمارسه غير هذا ؟
- وماهذا ؟
- أشرت إلى نفسي وإليه : هذا !
- أطال النظر إلي .. ثم قال بصوت يملئه الدفيء : تبدين جميلة اليوم ..
الأبيض يناسبك كثيرا ..
- ضحكت مستفزة إياه : ألا تملون هذه الألعاب ؟
- شاركني اللعبة ذاتها : أتقصدين لُعبة الذهاب
إلى نفس المكًان للقاء ذات الشخص .. على أنها صُدفة ؟
كان مُحقا , إنا من يلعب هُنا , وندمت ..
عندما رأيته فعلا ندمـت .. مالي أنا ولألعاب العشق والهوى ..
أتيت سائحـة وحيدة وأردت ذلك .. أردته بشدة ,
لا يجب أن اترك وحدتي هذه من أجل شخص
لن يستطيع احتمالي لو عرفني حق المعرفـه ..
وسيمل لو دخل إلى عالم تفاصيلي المهترئـة ..

- حسنا , وداعا ..
- ولما الوداع ؟
توقفت , نظرت إلى الأرض , لم أكن اشعر بشيء سوا الفراغ
- بادرني : تعالي معي ..
- نظرت إليه بخوف : ماذا ؟
- ابتسم : لن آخذك إلى مكًان فيه
أربع جدران , أو أربع أبواب .. سنمشي قليلا ,
اعتبريني من جهة عًمل أو شيء من هذا القبيل !
- قدمـت سائحة ..
- حسنا , أتقبلين بس دليلا سياحيا يا انسـه ..
- ههههههه , حسنا ً
- ماذا تريدين أن تري .؟
- مكان لا يغادر الذاكرة ..
- أممممممممم , حسنا .. ولكن الطريق بعيد ,
- استطيع المشي ,
- والعودة ؟
- سأعود بمفردي في سيارة أجرة ..
- والعبد المسكين المغلوب على أمره
سيقطع الطريق عودة على قدميه المتعبتين ..
- إن كُنت لا تريد , لا بأس ..
- لا لا .. العبد المسكين يتشرف في العودة .. صدقيني
- ههههههههههههه حسنا ..
وابتدأنا المشي سويـا ,

لم أكن اعلم سْر قدومـه , و لا حتى اسمه ,
لا اعلم حتى ماركة قميصه أو ساعته ,
مشينا بصًمت , إلى أن نفذ صمته فبدأ أسئلته الغير معتادة :
- هو : ألا تجدينه من الغريب ..
أن تأتي سائحة بمفردهـا , في هذا الوقت من السنة ؟
- أنا : لكٌل طقوسه الخاصـة ,
أفضَل الأوقات التي تجعلني أبدو كالغريبة هُنا ,
- هو : تمارسين الوحدة إذن ؟
- أجبته بسخرية : وهًل هٌناك أجمل ؟
- هو : خيبة حٌب سابقة ؟
- نظرت إليه , ثم إلى أماكن متفرقة : في الحقيقة لا
- هو : أيعقل ؟
- أنا : ماذا ؟
- هو : ألم تُحبي من قبل ؟
- أنا : سؤالك شخًصي جدا
- هو : لا تلعبي معي العاب الانجليز ,
أن ارادو تجنب سؤال مـا وصفوه بالشخص
حتى حٌرمت بعض الأسئلة لديهم ..
- أنا : حسنا حسنا , لا لم أجرب الحٌب قط ..
- هو : إذن أنت لو تولدي بعد ؟!
- أنا : افهم من ذلك أنك هرم في الحٌب ..
- هو : يمكن لخيبة عشقيه واحدة أن تجعلك شيخا ابيض الشعر .
- نظرت له باستخفاف : ماقصة هذا الحٌب على أية حًال .. ؟
- هو : سؤال شخصي ..
- أنا : حسنا , أسفه ..
- هو : ولكنني سأجيبه ..
- أنا : من أي كرسي انتقيتها ؟
- هو : من كُرسي في احد مقاهي الحياة | ثم نظر إلي بتحايل ..
- أنا : آهـ .. أنا حٌبك الأول ! أنتظر سيغمى علي بهجةً
- هو : الكوميديا , الكوميديا
- أنا : حسنا , يبدو أنك محطم فعلا ,
ولا أريد أن أتعاطف معك عند سماعي لقصة خيبتـك ..
فلندع هذا الموضوع جانبا .. اخبرني , مالذي تفعله هٌنا ؟
- هو : مقيم ..
- أنا : ولماذا ؟
- هو :ماذا تقصدين ؟
- أنا : اقصد .. اممممم , ماسبب إقامتك ؟
- هو : أبحث عن وطن ..
- أنا : لا أحٌب الجمل المغلفـة ..
- هو : لا أعلم .. إنا فقط أجيد الانتقال من مكًان لآخر ..
فلنقل إني خُلقت لأكون مقيما في بلدان كثيرة ..
- أنا : حسنا , ولم تجد الى الآن وطنا يليق بك ؟
- هو : قد لايكون الوطن أرضـا , أنا فقط ابحث عن انتماء ..
وعاد الصمـت ليخيم مرة أُخرى ..
- هو : فلنعد لـ محور حديثنا : مالخيبة الكبرى
التي قادتك لمزاولـة الوحدة ؟
- أجبته دون أن اشعر : لا يوجد خيبة ..
ولست وحيدة طول الوقت , هُناك أصدقاء وأقارب كثيرون ..
ولكني أكون مع نفسي إنسانة أفضل ..
لذلك اقتطع بعض الوقت من السنة لـي ..
لأستردني فقط ,
- هو : إجابة عميقـة ,
شكرته , وعاد لأسئلته
- هو : ألن تسأليني عن السبب الذي
دعـاني إلى مقاطعة طٌقس السُكر الذي
كنني تمارسينه ذلك اليوم ؟
- أنا : لا أؤمن بالأسئلة كثيرا ,
- هو : تؤمنين بأحلام مستغانمي إذن ؟
- أجبته باقتباس جملتها : " تحاشي معي الأسئلة
كي لا تجبريني على الكذب .يبدأ الكذب حقاً عندما نكون مرغمين على الجواب
ما عدا هذا فكل ما سأقوله لك من
تلقاء نفسي هو صادق "
- هو : إذن فكُل إجابتك كاذبـة ؟
- أنا : ومن قال ؟
- هو : أحلام مستغانمي ..؟
- أنا : قلت لك بأني لا أؤمن بالأسئلة ,
ف افترضت أنت إني أقدس مستغانمي ..
و قلت جملتها مجاراة لك فقط ..
- ألا تظنين أن في إجابتك هذه شيء من " اللف والدوران "؟
كٌنت سأتهجم عليه ببضع كلمات لولا أنه
قطع موضوع الحديث بكلمـة : وصلنا ..
ولشدة غفلتي عن المكان والزمـن ,
انتبهت بأننا أصبحنا في مكان يُطل على المدينـة ..
ولم أكن لأنتبه حقا لو لم يخبرني ..

ياااااهـ ..
أن ترى مئات البيوت , تصغر بهذا الحجم , وتتخيل مئات القصص , و الآف الوجوه ..
وحيد , عاشق , تعيس , مريض , ذلك يخطط لعمله غدا ,
وتلك تطبخ لزوجهـا , ذلك يأخذ من حبيبته قبلة خفيـة ,
و تلك تنظر من النافذة لذلك الذي يحاول
سرقة القبلة وفي قلبها إلف سكين , ذلك الشيخ يقبل
من عمله المسائي ويستقبله أحفاده الصغار منتظرين رغيف الخبز ..
تلك تلـد وزوجها بجانبها يشُد على يديها ,
وأولئك يراقبون طفلهم الصغير يرقد بسلام على سريرهـ
وذلك الرجـل يموت وطفلته تنظر ..

توقفت كثيرا عند هذه الذكرى
حًسنا , تحدثت كثيرا ,
إلى النوم : اعتقد !



لو اعجبتكم او عندكم تعليق ع الروايه لا تبخلون فيه

تعبت..وش بقى ثااني 24-03-12 12:29 AM

(3)
( تفًاصيل .. لا تهٌم أحد سواي )
نصف الكلام أنت .. والباقي لا أعرفه
*نور البواردي

كان الصمت ملازمـا لوجبة غداءه ..
بادرته بالحديث : بالامس تذكرت شيء ما ..
نظر إلي بإستفهام : وماهو ياوطن ؟
اجبته بشيء من الخجل : اممممم .. الصدفُة الثانية ..
ابتسم بمكر : اتقصدين الموعـد الصدُفة ؟
- حسنا حسنا .. الموعد الصُدفة ..
- هو : يوم وقعنا ببعضنا ؟
- اجبته : لم أبدأ بحديثي لأجٌر الى سلسلة
من الاعترافات العاطفية
- هو : جملتك هذه في حد ذاتها إعتراف ..
- وتبدأ لٌعبة الكلام
- هو : اتأسف .. نعود لما كُنا نتحدث عنه ..
الصدفُة اللاصدفُة الثانية ..
- نعم , و أنت عندما عرضت علي بمكر
إن تكون مُرشدي السياحي لـ بقية اليوم ..
- ضحك وقال بين ضحكاته المتقطعه : ألن تعترفي
هٌنا ايضا بأني كٌنت الافضل في هذا المجال ؟
- لن أعترف ماحييت ..
ضحك حتى صغُرت عيناه ..
ياااااه يبدو طفلا عندمـا يغشى عليه ضاحكا ..
تلك العينين الشبه مغمضتان .. واللتان تنطقان بكلمة : حياة ,
وذلك الثغر الصغير .. وتلك الابتسامة البيضاء كً لون قلبه ..
ظللت أتأمله حتى استعاد صوابه بعد
تلك النوبة الضحكية الفجُائية .. ثم قلت :
- أتذكر ؟
- وكيف لي أن انسى أول أيام الانتماء ياوطني ؟
وعدت بالذاكرة إلى الخلف ..
تلك البيوت التي تبدو كمجسمات مصغرة من الأعلى ,
تلك الحكايات التي اختلقتها , نسمات الهواء الباردة ..
سطوة الرجل الذي بجانبي ..
ولأول مرة منذُ زمن .. الشعور بوجود أحد .. وأعني وجودهـ ..
اعنيه بكٌل ما اوتيت من عقل ..
قد يمر في حياة المرء أناس كثيرُون , قد تتعدد الوجوه ,
قد تكبر تلك الدائرة الاجتماعية ..
لكن قلـة هم الذي تشعر في قلبك بوجودهم الجسدي إلى جانبك ..
قلت له وانا ابعد خصلة من شعري كانت علقت على
طرف وجهي جراء الهواء : تأسرني هذه المساحة من الفراغ في الجو ..
أجابني وكأنه آت من عالم آخر , كان يسمعني
ولكن عينيه كانت معلقة بشيء ما لا اعرفه ..
ينظر حيث انظر .. ولكنه كأنما ينظر لشيء آخر : تُشعرك
برغبة في الطيران .. أليس كذلك ؟
- أنا : أخاف المرتفعات !
- هو ( ضاحكا ومندهشا في نفس الوقت ) : ولكن ..!
- قاطعته : اعلم .. نحن نقف على مكان
مرتفع بعض الشي .. استطيع تجنب خوفي بعدم
النظر مباشرة الى الأسفل .. احدق في الافق .. في البيوت البعيده ..
لا اسمح لبصري بالـ نظر لما قد يكون تحتي .. ولكن لا فكرة الطيران مرعبة
لحظة صمت ..
إنفجر بعدهـا ضاحكا ..
- قلت بغضب : لا شيء مُضحك ..
- هو : تخافين المرتفعات .. والطائرات ..
و اتيتٍ الى هُنا جوا ! ثم معي إلى هٌنا ! ..
يبدو ان الفوبيا هي التي تخافك ..
- أنا : ظريف .. ظريف جٍدا ..
- هو : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه .. أنت غريبة
- أنا : أعلم ..
أذكر أنني مشيت مبتعدة بهدوء وانا انظر للأرض ,
ومشاعري كالأمواج .. موجة تتلقفني تلو الأخرى ..
أستلطفهُ .. كثيرا , أكرهـه أكثر , محرجة من
حديثي عن الفوبيا , و زاد حرجي بنوبة الضحك التي انتابته ..
أحُس بشيء من الفراغ المريح يتخلل صدري ,
وأحس بالقـادم اللذيذ والذي أحاول فاشلة منعه ..
- إلتفت إليه نصف التفاته وقلت : حسنا ..
أعتقد بأننا انتهينا هٌنا .. أشكرك على الذكرى ..
- هو : لا شيء هُنا للذكرى .. الذكرى ليست الآن !
- أنا : كٌل شيء انتهى مسماه ذكرى .. و نحن انتهينا هٌنا ..
- هو : سوف نرى بشأن ذلك ..
إبتسمت على وقع جٌملته الأخيرة .. وأطلقت أمنية
في ذلك الفضاء الواسع الذي كان خلفي بأن لا تكون النهاية ..
استوقفني بسؤال خجول : فيلم حياة المغنية إيدث بياف
يُعرض في دور السينما .. الا تودين ..
قاطعته : آسفة ..
ومضيت ..

وصلت لغرفتي خائرة الأحاسيس ..
بداية الشُعور مُربكة , متعبة , مستنزفـة .. وكل كلمات الارهاق والتعب ..
رفضت عرضه لً مشاهدة الفيلم .. وذهبت لوحدي في وقت العرض المُتأخر
إخترت كُرسيا في زاوية قصية لا يدركني فيهـا أحد ..
و مضت دقائق الفيلم إلى أن اكتملت الدقيقة الرابعة والثلاثين فوق المئـة ..
وانا متسمرة في ذلك الكٌرسي ..
ولا شيء في قلبي سوا فراغ لذيذ .. وكأنما هذا
القلب الصغير يفرغ اثقاله و لـ يخلق مساحة لشيء قادم ..
أنظٌر للكرسي الواقع بجانب مقعدي .. أسند رأسي
على ذلك الكٌرسي كما لو كان هو ..
وأسرق من العرض دقائق أسترد فيها شعور
الأمن الذي شعرته فوق المدينـة ..

لا يعني ذلك أني لم اشاهد الفيلم !
المرءاة تستطيع التركيز في كٌل شيء إن ارادت !

إيديث بياف : قصتها مٌبكية .. من ضواحي باريس ..
إلى ألف مكان , وإلى ألف زمن في عُمر فتاة لم تكٌن امرءاة قط ..
فتاة صغيرة صاحبة صوت جميل .. تكبر ويكبر الحٌب في قلبهـا ..
ينتشر صوتهـا , تكبر صورتها يومـا بعد يوم في الصُحف ..
ولا يأتي ذلك الحٌب الا في شكل لم يكُن امامها الا تقبله ..
ذلك الرجل المتزوج الذي تسرق لحظـات حٌبه من حضن زوجته ..
يموت ذلك الرجل في حادث تحطم طائرة ..
يرافقه قلب إيديث صاعدا معه إلى السماء ..
وتبدأ مرحلة المرض , فالمرض , ثم الموت
غنائا في الحٌب على خشبة احد المسارح ..

ياااااهـ .. كم يلزمنُا حتى نُصدق أن الحٌب سم قاتل ,
و حبة هلوسـة طويلة المفعول ..
وأن الحياة قاسية , قاسية , قاسية !
لم ابكٍ خلال العرض .. اجهشت بالبكاء
وأنا أأخذ طريقي مشيا إلى غٌرفتي ..
وما أقبح هذا النوع من الحٌزن..
ذلك الحٌزن الذي يختبئ في داخلك إلى
أن تطلق رجليك في شارع مـا ثم تشرع في البكُاء ..
بكاء مشهد سينمائي , بكاء فقد , بكاء خوف ..
وكثير !
حٌزن قد يجعلك فرجـة لكٌل وجه عابر ..
ومحط استفهام لكٌل قلب رقيق يأبى رؤيـة الدموع ..

عدت بعد حٌلم الذكرى الذي كٌنت اعيشه بعينين دامعتين ..
ونظرت إلى سماءي ..
- قلت وانا اصطنع عدم الإكتراث : لا أدري كيف يمكن
لـ شخص ينبض بهذا القدر من الحياة أن يكون مريضا ..
- هو : عادة القدر أن يسرق القلوب الحية ..
نظرت إليه , أطلت النظر ..
كان عابثا .. لايستطيع السيطرة ولو لثانية واحدة على حركة يديه ..
تارة يعبث بـ صحون الأكل الملقاة امامه , وتارة
بحافة الطاولة المتحركة , تارة بأحد الخيوط الهاربـة
من طرف زي المشفى الذي يلبسه , وتارة بطرف إصبعي الصغير
ويجتنب النظر إلي .. واعرف مايعنيه ذلك ..
إنُه حزين , ويشتاق للحياة كثيرا ..
المرض لا يقتلـه , والرتابه تفعل ..
- أنا : هل نخرج لنتمشى ..
- هو ساخرا : و أين يكون ذلك ؟
- أجبته بجديه : في حديقة المشفى ..
- هو : ومالفائدة في تعليقي بالحياة أكثر ..
- أنا : ألن تكف عن ذلك ؟
- هو بدون أن ينظر إلي : لا أشتهي الخٌروج ..
- أنا : ستفعل .. اليوم لا يوجد انبوبة اوكسجين ..
ولا إبر مغروزة في وريدك .. الحياة تناديك .. إلتفت إليها قليلا ..
- هو : سيكون هٌنالك انبوبة غدا .. وربمـا اجهزة انعاش ..
- أنا : فلتستغل الفُرصة إذن ..
انهيت جملتي وأنا اهم واقفـة , امسكت بيده وشددتها
قليلا إلى الامام في محاولة لإستنهاضـه ..
نهض .. أقتربت لأسنده ولكنه أبعدني قائلا : مازلت أستطيع المشي ..
- أنت مزاجي , تضحكُ ثم تغضب في خمس ثوانٍ
نظر إلي وابتسم إبتسامة أعتذار .. أحتضنت يده ومشينا سويـا إلى الخارج ..
تأثرت عيناه بأشعه الشمس المباشره في البداية .. ,
ثم أطلق زفرة عميقة في الهواء و إبتسم ..
- هو : شُكرا
- أنا : على ماذا ؟
- هو : لم أكٌن أشكرك .. كٌنت أشكُر الله لأنه اهداني
إنسانة متسلطة تجبرك على الخروج .. وتحبك
إحمررت خجلا .. و إبتسمت في البداية ثم بدأت اضحك ..
وعـادت تلك السماء التي كٌنت اعرفها قبل ساعة , ساخرة ..
لاذعة اللسان , جميلة في العٌمق , وتبتسم !
كان كطفل يكتشف متعة اللمس للمرة الاولى ..
يلمس أوراق الشجر , اطراف المقاعد , رؤوس الأطفال
ويعود ليدخٌل اصابعه في شعري
أحاول جاهدة منعه من لمس الغبار .. ويغافلني بإبتسامة عنيدة ..

قضينا نصف ساعة قد تزيد او تنقص في الأسفل ..
ثم بدأت ملامح إعياء تظهر على تعابيره ..
صعدت به الى غرفته ..
لم يكن تنفسه على مايرام ..
انتابني القلق
- أتشعر بألم ؟
- هو : لا .. لا شيء ..
- أنا والذعر تملكني : هنالك شيء ما ..!
فاجأني بسلسلة من التأوهات وتعابير الألم ..
استلقى بإهمال على سريره يتأوه ووجهه يعتصره الألم ..
لست جيدة في هذه المواقف ..
تسمرت أنظر إلي و جسدي يرتجف بالكامل ..
- سأذهب لأنادي أحدا ..
- هو : لا .. ارجوك لا تذهبي .. ارجوك ( وقال أرجوك الأخيرة بصوت مرتفع يلعوه ألم )
لا اعرف مالذي أاصابني في تلك اللحظة ..
لم أعد اقوى الكلام ولا الحركة ..
أنهرت واقفه و صْرت أبكي بلا توقف ..
غطيت وجهي بكفتي – أرجوك لا تتركني .. لا استطيع فعٍل شيء بدونـك ..
أصابني أنهيار بكائي .. وأكرهـ عندما ابكي ..
أحٌس كل تضاريس وجهي تجتمع في نقطة واحدة ..
لا استطيع السيطرة على شيء , صوتي , دموعي , حركتي , ارتجافي ..
بكيت , واخذ الصمت يحتل المكان عدا من بكائي ..
لم أكن اعرف مالذي حدث .. ولم أكٌن اجرؤ
على فتح عيني .. او حتى إزاحة يدي عنهمـا ..
قلت لنفسي – تشجعـي ..!
بدأت أزيح الظلمات إلتي راكمتها على بصري ..
لأجده ..
وبكل إستفزازيـة الكون ..
مبتسم .. إبتسامته التي تدل على أنه قد نفذ خطة ماكرة و فاز بما يريد
قلت بإرتباك – ماذا ؟! أأنت بخير ؟ !
وانفجر ضاحكا ..
كان بوسعي أن أقتله وأبكي جنازته في تلك اللحظة .. أٌقسم !
إذن .. كٌنت انا الغبيه , وحصل هو بمكرهـ على اعتراف حٌب آخر ..
( لا استطيع فعل شيء بدونك ) .. ياااااهـ .. ليتني بقيت صامتة ولم أقلها !

وقفت بغضب وقلت : أتعلم ! لشدة
غبائي أحببت طفلا في زي رجُل ..
فلا تستغرب انطلاء حيلك الساذجة علي ..
ثم قٌلت وانا اتعمد جرحه : فلتمت لوحدك .. لا يهمني .. !
خرجت وتركته في نوبة من الضحـك ..
تافه , حقير , غير مُهتم , اناني وصفات
اكثر قبحا اطلقتها عليـه في قلبي وانا أنزل عتبات المشفى
ظللت أندب غبائي لثلاثة أيام .. واشتاق
لـه طوال الـ اثنين وسبعون ساعة التي
حالت بين اعتزازي بذاتي وبين لقائـه ..
ألقيت باللوم على نفسي .. أنا من
اخرجته وانا اعلم جيدا تأثير الحياة عليه ..
لو كٌنت تركته في اغلال رتابته لكـان اصبح أكثر جدية ..
لـ ثلاثة أيام .. كانت الهاتف يرن في السادسة صبُاحا ..
وهو موعد استيقاظي الدائم على صوته ..
وفي الثانية عشر مساءا موعـد وداعي الصوتي له ..
و أتى اليوم الرابع .. وكٌنت قد انتهيت
من عٍقابي الهاتفي , الزياراتي لـه ..
ثلاثة أيام .. هي مدة كٌل عقوبة عاقبته بها منذٌ أن وقعت به
في اليوم الرابع .. أما أن اضع حملي كٌله في صديقة
لا ذنب لها .. او أن اجده يُقدم على فعل أخرق
آخر كـ أن يرسل لي باقة من الأوراق كان قد
سهر ليلته السابقة يخط على
كٌل ورقة اعتذار مختلف الصيغة عن الورقة المجاورة ..
وتنتهي ليلتي وانا أقرأ اعترافاته العشقية التي لا تنتهي بالتكرار أبدا ..
أو كالمرات إلتي استيقظت فيها من النوم لأجده قد
وضع وسادته و غطاءه – والذي رميته بهما و صفعت
الباب في وجهه – ملاصقا لباب غٌرفتنا ..
لكي لا يتسنى لي الدخول
إلى الحمام إلى بصًك مُسامحة أُسلمه إياه ..
وأكثر !

إبتسمت بغرور وانا استرجع كٌل تلك المواقف التي
تخلى فيها بلامبالاة على اعتزازه الشديد بنفسـه ..
وكانت الساعة السادسـة صباحا : وأتى موعـد صوته
رفعت سماعة الهاتف بصمته .. ليأتيني صوتـه محاولا الغناء :

مرئت ليالي ولليوم ماطليت
زعلان وصارلك مدي قولك بدا هالئدي
ياخوفي قسوة قلبك تكبر كل مالوقت يطول
تعرف ياغالي من ليلة فليت ..بشوفك ليلي حدي ..
جاي وجايبلي وردة
بتكي راسي عكتفك وبغمض عيني وقول
بغمض عيني وقووووووووووول
حبيبي ياحبيبي... انا اشتقتلك انا بحنلك
متل شمعة على غيابك انا عم دوب

تعبت..وش بقى ثااني 24-03-12 12:44 AM

4

إن يخفق القلب كيف العمر نرجعه
كل الذى مات فينـا كيف نحييه
*فاروق جُويدة

- مالسبب الذي يجعلك تضحك من أعماقك دومـا ؟
- هو : مالذي يدعو للإستغراب في ذلك ؟
- لا أعلم .. بعض الأشياء تستحق الأبتسامة
لا الضحك حد انهمار الدمع ..
- هو : مع كُل خيبة نمر بها ,
يختفي جزء صغير آخر من المبالاة . .
وشيخ في الخيبة مثلي ياوطن . . لا أظنه يبالي
بشيء .. كل شيء يبدو مضحكا ,
- تهكمك الأسود يرعبني
- هو : تلك طريقتي لأعيش .. ماتبقى لي على الأقل
- سمائي غائمة بغيوم رمادية اليوم ..
مابالك ؟ لما الحُزن الساخر هذا ؟
- هو : إني خائف . .
- لاشيء سيحدث لك . . لاتخف
- هو : لست خائفا مما قد يحدث لي
- مالذي يخيفك إذن ؟
- هو : أن تحزني لفراقي حُزنا
طويلا يعذبني تحت التراب . .
- توقف عن ذلك
- هو : لا أريد رؤيتك حزيـنة
لمدة طويلة .. سأكون دوما بجانبك
- توقف !
- هو : يجب ان نتحدث في الموضوع . .
قد لايكون هنالك غدا
- الا ترى بأن كُل مانتحدث عنه هو
موضوعك الذي ترى بأننا لم نتحدث
عنه بعد . . ارجوك اصغٍ إلي .. انت تتحسن ..
ولا مكروه سيحدث لك .. ولن احزن
- هو : أيعلم الأطباء بعمري الذي أحس
به كالرمل ينفذ من بين اصابعي ؟
- قلت توقف !
صمت في حُزن من لايبالي .. حُزن من يتوقف
ليس لأنك طلبت منه التوقف .. بل لأن الكلام
اصبح لا يصلح للبوح ..
تلك الجمل الباقية تحت الجلد .. تنفذ كرائحة
سُم خانق له القدرة على جعلك تتآكل نفسك
لا أحب طريقته تلك في زرع الأفكار المرعبة وتركها تنبت بهدوء , وصمت
أمسكت يده بالخجل الأول ذاته . . أردت نطقها
ولكن العجز كان اقوى من أن تكسره كلمة حُب صغيره ..
- هو : وأنا أحبك أيضا
أما آن للحُزن ولشبح الفراق أن يرحلاً بعيدا . .
أما آن لي أن استحق قليلا من الفَرح . . قليلا من الأبتسامات العميقة ..
يااااه يازمن الأبتسامة
زمن الأيام الأولى . .
الأيام التي كُنا نتشارك بها الأحاديث الطويـلة
وقوفا في وسط طريق مزدحم . . غير مكترثين
بالشتائم التي يطلقها المصطدمون بنا
كُنت على خطأ . . كُل تقاليدي وكُل ما سرت على
خطاه يومـَا اخبرني بأني اخطيء خطئا كبيرا عندما احادثك ,
وعندما امشي بصُحبتك , عندمـا اضحك وانا أعلم بأنك
عالمك يتوقف عندما تسمع ضحكتني
كان كُل منا يريٍد إسعاد الآخر . . تخرج أنت
كُل النكات السخيفة التي تعرفها لعلمك
بأنها الاكثر اضحاكَا لي .. واخبرك أنا بكل
المرات التي وقعت بها , او كُنت بها طرفا
مُحرجا تحت الأنظار . .
جميل ماكان يجمعنا . . رغم كُل إبر الخطأ
التي كان توخزني . . كُنت في كُل مرة أأتي
بها غير متأنقة لذلك المقهى بنية قطع كُل
مايجمعني بٍك , و انهاء كُل
امل لنهاية سعيدة في ما بيننا ..
ارى وجهك المتبسم كما طفل أعطيً
للتو هديـة من أحد والديه اتراجع عن قراري الهش ,
ابتسم وأجلس إلى طاولتك بفرح ..
وبإعتذار داخلي اوجهه لتقاليدي مخبرة
إياها بأن غدا موعد أفضل للحُزن
لم يكن لما بيننا مسمى في البداية ,
كنا نجتمع للضحك , لقراءة روايـة كُنت
اختارها كُل البعد من أن تكون رومنسية . .
كنت أخجل من فكرة أن يرد مقطع
حُب بين بطلين في كتاب نقرأه في نفس الوقت
كُنت دومـا أأتي بعناوين لأدب السجون
او السياسة او الجريمـة
تنظر لي بدهاء من يعرف سبب إختياري ,
وبإبتسامة متواطئة من خجلي
ولم نسلم من تلك العبارات والجُمل
التي كانت تبدع في وصف جسم
أمرأة يراها الكاتب في خيـاله مغرية
وتسبب لي الأشمئزاز , وتضعني
في موقف الإحمرار
خجلا و لعن الكاتب سرا
لم يكُن امامنا من سبيل لتجنب ذلك . .
فلا أدب بلا جسد أمرأة على ما أعتقد !
- هو : أنت أجمل عندما تتعمدين
أهمال نفسـك .. ذلك الأختباء خلف
السترة السوداء وبنطلون الجينز
تجعلك فاتنة بشكل بريء
- لا اتعمد اهمال نفسي .. انا فقط لا أرى مُناسبة للتأنق
- هو : وليس هُناك من مناسبة
لمحاولة أيصال فكرة عدم جاذبيتك
إلي أيضا . . أنتٍ جميلة بأنتٍ ..
بشعرك المُهمل , بملامحك الصغيرة ,
بإذنيك التٍي لم تعتادا إرتداء المجوهرات ,
وبأظافرك المقضومـة بعنف
- شُكرا
- هو : أتعلمين ؟
- ماذا ؟
- هو : أكاد لا أُطيق صبرا .. !
- صبرا لماذا ؟
- هو : فيما بعَد
- قلت بسخريـة : آه .. اللغز الكبير , اللغز الذي لن يفلح في حله أحد
- هو : ستحلينـه أنت
لطالمـا كرهت ادخاله لي في أمور لا يفسرها
مطلقا , نظرة الحُب التي يطلقها علي كلما
تحدث عني في شيء يخصه .. لم أكن
اعلم ماكان يعنيه , ولم ارفع سقف
أملي بعلاقتنا التي ظننتها عابره فيمـا مضى
في تلك الليلة خرجنـا سويا من ذلك المقهى ,
والذي اصبح كُل من فيه يعرفنا .. حتى بعض
مرتاديه المنتظمين اصبحوا يلقون التحية مع كُل قهوة يطلبونها
- لم تخبرني يومـا عن ذلك الندب ؟
- لامس وجهه بيديه : ندب ؟ اين ؟
- اقصد ذلك الندب الموجود بالداخل ..
مايجعلك ساخرا الى هذا الحد
- حسنا , أُدعى خالد , اطل على الثلاثين
بإستحياء . . ما أزال في نهايات العشرين ولكن الحياة
تدعوك لأن تسبق عمرك بسنوات احيانا . .
خيبتي الكبرى كانت
برحيل والدتـي .. كان رضاها تلك الخيمة التي
تجمعنا انا واخوتي الكثيرون , كثيرون لدرجة
نسيانكٍ لأسمائهم في المرة الاولى
التي اعددهم بها . . أميِل لصف اخواتي الإناث دائما ..
ربما بسبب عقدة الأم .. او للضعف الانثوي
الذي يفرضه مجتمعنا على
أي انثى .. خيبتي الأخرى كانت بأن أتزوج وحيدا ,
واعني وحيدا بدون ذلك الوطن الذي كان يحتويني – أمُي - .. يحدث أن
يكون الفرح كبيرا للحد الذي تشعر فيه بالوحدة
وسط كُل اولئك المبتسمين .. إنكساري الأول ..
كان المرة الأولى التي أبكي
فيها أحدا غير أمُي .. بكيت طفلي الصغير في
يومـه السادس .. ولد ضئيلا جدا قبل أوانه ,
جاء للعالم بعد محاولات كثيرة كنت
انا الطرف الأضعف فيها .. ورحل سريعا , بالسرعه
نفسها التي خطف انفاسي بها .. ذلك الكائن
الملائكي , صغير بحجم
يدي تقريبا .. متمسكا في يومه الثالث بأصبعي الصغير ..
لحظات كتلك كانت لتتركني مشلول الأحاسيس ..
في اليوم الخامس احسست بالفقد
ذاته الذي احسسته عندما توفيت والدتي ..
علمت ساعتها بأن الطفل لن يبقى , صباح اليوم
السادس اطلقت عليه إسٍم محمد ,
تيمنا بنبينا الكريم .. كُنت اظن بأن
اسم كهذا الإسم قد يطهر هذا الصغير من أب
عاصٍ مثلي .. وسيجعله في منزلة كبيرة
من منازل اطفال الجنة .. لم أجلس إليه
في تلك الليلة .. اخترت أن اكون بعيدا , الا ارى
روحه الوردية الصغيرة تطفو أمامي .. والدتـه لم
تعطً فرصة للتعلق به , كانت اضعف من أن
تلتقيه في تلك الأيام .. مما جعلني
في مقام افتقاد الأم والأب .. لم أجبرها على البقاء
بعد ذلك .. لم يُعد هنالك من سبب لبقائهـا .. رجتني بألا نفترق ..
لكن حُبي لسعادة تلك المرأة بطفل صحيح سليم
يشاركها إياه زوج لايخجل من ضعف حيلته
و سعة قلبه للحُب
وتوقه للفظة " بابا " .. فارقتها وكانت تلك
خيبتي الأخيره , لم اكن لأسمح لقلبي
بالإنكسار بعد ذلك .. اخترت أن أرحل بعيدا ,
عن العائلة التي مانفكت تذكر اسماء الجميلات لي ,
عن قبر والدتي وصغيري , وعن تلك المرأة التي كُنت سببا في
عطبها العاطفي . . لم اترك لي عنوان ثابت . .
كنت اتنقل على الدوام بين بلد وآخر ,
تساعدني في ذلك طبيعة عملي القابلة للسفر ,
وتذاكر النسيان المُتاحة في كُل المطارات . .
أظن بأن التعب الروحي اوقفني هُنا ..
وبأن القدر يفتح لي بابا للصُلح .. ولألم آخر اتجرعـه
- لم يكن أمامي بُد من ذلك السؤال ,
رغم كميـة الصمت الذي كُنت افضلها إحتراما
لرجل لايخجل من بوحٍ يؤلمـه : وماهو ذلك الألم ؟
- هو : أنت ..
لم أرد الحديث بعد حديث عميق حديثـه , كُنت
مشدوهـة بالإبتسامة التي ظَل يتحدث
بها حديثه الطويـل ذاك
ايبتسم ذلك الرجل ألما ؟ ام أن ذلك ماخيل
إليً من جمل كثيرة تراصت لتتركني هكذا
بلا أي مفردة استطيع اعطائهـا لذلك الرجُل مواساة له ..
- هو : حسنا , صرتي تعرفينني الآن ..
- أشكُرك ,
- هو : عفوا . . إسمك قد يكون مفيدا لي بالمُناسبة ..!
- إسمي غريب .. ومثير للسخرية بعض الشيء ..
و قد يدهشك الإسم كثيرا ..
- هو : مالذي قد يدهشني بكومة حروف تشكل هويتك ؟
- أسمي وطن
- هو بإندهاش : وطن ؟!
- نعم وطن
لم يكن حديثنا ليحتمل المزيد , كان بحاجة
للعق جراحٍ امضى الحديث كله يفتحهـا واحدا
تلو الآخر بأبتسامة .. لذا تركته ومضيت
لم تكن الأشياء قابلة للإعادة ,
ولم يكن هو قابلٍ للأسئلـة , ظلت جراحـه
مفتوحة لأيام وظل كبرياءه يحثه على الإبتسام والضحك أكثر
- هو : تبدين جميلة اليوم
- تظل تقولها كما لو كانت المرة الأولى
- هو : ويظل لوجنتيك الاحمرار ذاته ..
- حسنا , لم يعد هنالك كُتب ,
- هو : اتقصدين " لم يعد هُنالك كُتب لم تمنع من
قبل وزارة الثقافة " والتي تكون بإختصار ( أنتٍ )
- لا أقترح روايات الحُب لأني لا أؤمن بذلك الكًم
من المشاعر المدلوقة على ورق كتاب , كُل
شعور صادق لا يُقال ..
- هو : نحن نؤمن بما ننكر ايماننا به الأكثر ,
تحت جلدتك اللامبالية يوجد إنسانه تتوق للحُب
- اهذه محاولة لإغاظتي ؟
- هو : لم أكمٍل بعد .. لدي اعتراض اخر
- وماهو ؟
- هو : " كُل شعور صادق لا يُقال " , كل روايات
الحُب تتحدث عن صمت مفضوح على ورق ,
بين بطلين في قصة حب ملتهبة لا يوجد حديث ..
كل المشاعر لاتقال .. كل المشاعر تكتب
- حسنا حسنا , فليكن .. فلنشاهد فيلما
- هو : ماذا ! ؟
- مابك ؟ مالمدهش الى هذا الحد ؟
- هو : انا وانتٍ في قاعة مظلمـة !
- لا تخف .. لن أعضك
اخذ يضحك بشدة لعلمـه بأني اعلم
مايتحدث عنه واختار تجاهله ,
اتجهنا لصالة العرض ,
- هو : فيلم رعب
- درامي
- رعب
- درامي
- رعب
- لماذا تُصر على الافلام المرعبة ..
- هو : ولماذا تصرين على اقناعي بأنك خائفة
من الفيلم اكثر من جلوسي إلى جانبك
- انا لا اخافك
- هو بخيبة من كان مستمتعا بلعبة : لماذا ؟
- لا أعلم .. انا فقط اثق بك
كان لجملتي تلك التي اوقعتها بإهمال من
اسقط اشيائه وقع السرور العشقي عليه ..
كان يحاول تمالك نظراته وتصرفاته التي احدثتها
جملتي الطائـشة به طوال ذلك الفيلم
لطالما كان السر في الجمل الملقاة بلا اكتراث
كان فيلم رُعب في نهاية المطاف ,
كان يحدق في شاشة العرض مبتسما غير
مكترث بمنظر المنشار والدماء المتناثرة ,
وكنت انظر إلى فرحـه بفرح يماثله
أن يجمعنا الفرح , والفرح فقط . . يااااااهـ
ظللت طوال العرض اراجع جملة الثقة تلك ,
والسبب الذي جعلني أنقض كل ميثاق حذر
ابرمته من الحياة , مع الطريق , ومع نفسي ..
اكتسبت في السنوات الأخيرة مناعة ضد
الثقة , ولسبب لا أعلمه حقيقة ..
هكذا فقط .. توقفت عن الثقة في الناس ,
ربما لأنه مامن احد عـاد يعنيني . .
توقفت فقط عن التعاطي مع الجميع
لطالمـا كنت تلك الصغيرة الهادئـة حد الكئابة ,
المبتعدة كُل البعد عن اللعب الكثير
كنت احتفظ بدميـة واحدة اتحدث اليها , ابث
لها كُل ما احسد الاطفال الآخرين عليـه ..
اعتقد بأني كنت انا من ابتعد عن الجميع ..
وليس العكس !
اخترت وحدتي , بتعبير آخر
حسنا , انتهى العرض
خرجنـا سويا .. و بحُكم الوقت الشبه متأخر ,
و ميثاق الثقة الذي ابرمته للتو ..
تقمص خالد دور رجلي الشجاع و اعترض
على مشيي كُل هذه المسافة للمنزل ..
ولا مجال لي للرفض وسط كُل ذلك الاضطراب الذي كنت احس به تجاهه
يعني ذلك أن يعرف عنواني ..
لا بأس .. انا من اخترت ان اثق بـه
كان حديثنا الصمت , كُلن يسبح بأفكاره بأتجاه ..
الى أن توقفت امام تلك البناية
- هو : لطالما اثار استغرابي ان تختار سائحة
السكن في شقة عوضـا عن فندق ضخم
- لم أأتي للإستعراض , احب الخصوصيـة
حتى في مسكني .. لا تغريني الملائـات
ذات اللون الكريمي و المنشفات المطبوع
عليها شعار كبير يوحي بأنك على بعد
امتار من بلاط ملكي ما , تربكني ايضا
فكرة الألف حكاية التي قد تكون مرت
على سرير ارقد عليه في فندق
إقترب مني بحذر , كنت اشعر مع
كُل خطوة مترددة يخطوها بإتجاهي
بخدر لذيذ وبصداع يؤنبني من جهة اخرى
- مانفعله خطأ
- هو : ومالذي نفعله ؟
- حديثنا , ضحكنا , وقوفنا هكذا الآن ..
أمسك بيدي للمرة الأولى , ولم أحاول شيئا
لمنعه , وضعها على موضع قلبـه .. لم أكن
استطيع النظر مباشره اليه .. ظللت انقل بصري
بين الاشياء والطريق و اول عتبة
من البناية .. ازرار قميصـة و البخار الذي تتركه انفاسنا
- هو : الله وحده يعلم بالنقاء الذي تحملينه
في قلبـك , ان الله لا يعاقبنا على قلوب
وهبنا إياها .. الله لا يعاقبنا على الحُب ..
نحن من نعاقب انفسنا دومـا بحرمان
انفسنا مما يسعدنا
- دعوتني بالألم ليلة اخبارك لي بتفاصيلك ..
- هو : ذلك بأني أعلم بأن النهاية مؤلمة ياحبيبة ..
أعلم بذلك ياوطن .. ولكن شيئا ما يخبرني بأنه
يجب علي ان ابقى للرمق الأخير .. لقطرة
النقاء الاخيرة التي
يمكن ان استشفها منك ..
- يجب أن اذهب ..
- هو : يجب أن اخبرك بشيء قبل أن تذهبي
بقيت صامتـة انتظر ما يريد اخباري بـه ,
- أحبك . .
تركني بعدهـا للدهشة , ولوجع اعتراف
وددت لو رددت عليه بالمثل ولكن لساني
كان اعجز .. افلت يدي من قبضة نبضه ..
اعادها لمكانها بترتيب الاشياء
لا الاعضاء البشريـة .. وابتسم ومضى
كانت الأيام التاليه تحمل لذة
غريبة في اصراري على عدم الاعتراف
شفهيا بمبادلته الشعور .. بينما كُل
ماكنت اقوم كان يدل على عكس
ماكُنت احاول ايصاله ..
كان كُل شيء جميل , كنت اتركه يعبث
بيدي متحسسه كُل خلية من خلايا اصابعه
توقفت في تلك الفترة عن ممارسـة
عادة السُكر – الزائد – التي كُنت امارسها ,
برفقتك .. أنا بحاجة لكُل ما يجعلني على
صلة بالحياة .. حتى مرورة القهوة
وجودك يجعل عالمي مائيا كما الخيال ,
كُل الليالي مبللة بقطرات الفرح ..
الفرح الذي لم يتوقف عن الهطول طويـلا . .
يحُب الفرح الرحيل المفاجئ . .
يطمئننا دوما لوجوده وفي اللحظة
الأكثر اطمئنانا يحزم حقائبه خفية و يرحل . .
كما رحل هو فجأة
كضوء أنار الحياة , ثم اختفى ..

يكفيني حديث عن الذكريات الآن ..
للألم نصيبه الوافر في القادم
طرق خفيف على باب حجرته , أعلم منه
بأن الطبيب يقف في الخلف وينتظر محادثتي
- الطبيب : كيف هو لاذع اللسان اليوم ؟
- حزين
- الطبيب : ولما يحزَن ؟
نظرت إليه بطريقة يعلم منهـا أن لاداعي
للحديث عن الوجع أكثر ..
- الطبيب : حسنا , لدي اخبار سارة ..
تعلق بصري إليه , كنت انشد جرعة من الفرح في جمله القادمـة ,
- إنه يتحسن .. بهذا المستوى من المقاومـة لديه
قد يتمكن من التغلب على مرضـه ..
وقد يخرج من هذا المكان قريبا ..
بهذه البساطة ؟ يهديني هذا الإنسان المكتسي
بالبياض فرحة لعمر قادم .. بهذه الرتابة يخبرني
بأن لاحديث عن الموت بعد الآن .. !
ظللت واقفة بالخارج رغم ذهاب الطبيب ,
ابتسمت ابتسـامة طويلة , احسب اني
بكيت فرحا في تلك الدقائق
عدت إليه وهو نائم بهدوئـه المعتاد ..
لم افعل شيئا خارقا للعادة للتعبير عن فرحي ..
استلقيت بجانبه غير مكترثة , وغفوت مبتسمة

تعبت..وش بقى ثااني 24-03-12 01:03 AM

5
يحدُث .. أن أشتاَق أليك عندمَا تكون بجانبي ..

*
لم تكُن مصدقَا للتحسن الذي طرأ في
حالتك الصحية .. كُنت تردد مراراً
بأن مايحصُل ماهو الا صحوة أخرى
.. صحوة قبل المَوت كما أردت تسميتها ..
ظللت تخبرني في تلك الأيَام بألا أرفع
آمَالي عاليَا .. ولمَ أستطع سوى أن
اخبرك بأن الحيَاة عادت لتبتسَم لنا ..
وانك يجب أن تغفر للحُزن مقالبه ..
- لاتكوني ساذجة ياوطن .. ليست
المرة الأولى .. ولن تكون الأخيرة ..
- لسُت ساذجة , أنَا فقط
أؤمن بأن الله لا يبكينَا الا
ليضحكنَا بفرح أكبر .. أرجوك إبتسم
- الا أبدو مبتسما الآن ؟
- أبتساماتك كثيرة , تعلم أي نوع أقصد ..
- تبدين في أصرارك بأن
الحياة مُقبلة كطفلة إفتقدتها
منذُ أن عَاد إلي المرض ..
- وتبدو أن بإكتئابك كـمن
لايريد لتلك الصغيرة بأن تفرح ..
- أريد لصغيرتي أن تكبر , لا أريد
لها أن تنكسَر في صغرها .. ضعي
كل الإحتمالات في عقلك ياوطن
- لا أريد أي احتمالات الآن ..
كل ما أريده منك هو القوة .. أرجوك تحسن ..
من أجلي !
- ولمن أفعل إن لم يكنُ من أجلك ..
ناولته ملعقة طعامه – لن يطعمك أحد بعد اليوم ..
- راحت أيام الدلع !
- أنت كبير بما يكفي ..
ولا " مسكنة " بعد اليوم
يمُر اليوم بين خيبة و جرعة فرح ,
ثم خيبة أخرى .. فـ جرعة أكبر من الفَرح ..
كَانت فرحتي بنبأ زفه لي الطبيب أكبر
من أن ارى الإحتمالات الأخرى
التي تحدث عنها خَالد .. كَ عودة
المرض إليه , او تداعيه في النهَاية
وقبل نقطة النهاية لمرضه ..
لم أكُن ارى سوى حياة قادمة مليئة بالألوان ..
نوافذَ افتحها كُل صباح ..
واشعة شمس دافئة تلامس مسامات الجلد ..
وكثير من الضحكات لنتقاسمها , وكثير من الأطفَال ..

*مابعد الأعتراف بالحُب
في زمَنٍ ماضي , عندمَا كانت
الأشياء تكتسي باألوان
قديمـة تتسم بالدفئ ..
وعندما لم يكُن هنالك من خَوف ..
كُنا انا وانت .. ولمَ يكن هناك شيء آخر ..
في حَالات الحُب تنعدم الرؤيـة ..
تصبح لاتذكر الوجوه في يومـك كله ,
كل ماتستطيع التفكير به هو قسمَات
وجه اطلت التأمل فيه , واحببته
كانت اللقاءات صبَاحية ,
تليها المكالمَات الهاتفية في المسَاء ..
بالرُغم من امتلاء يومي بك ,
لم أكن مستعدة لـ ترك شعور
الحُب يتملكني , أعترف بحبك فقط لي
- لاتبدو على مَايرام اليوم ..!
- أعاني من صُداع خفيف ,
- خفيف .. كلمة لايدلُ عليها أصفرارك ..
- لاعليكٍ .. انا على مايرام .. قهوتك المعتادة ؟
- أكيد ..
- ألن تُمارسي قليلا من طقوس التغيير ؟
- مثلا ؟
- مثل قهوة مختلفة
, وكلمَة قد تساعد في ابعاد الصُداع ..
لم أستطع اخفاء ارتباكي
وفهمي لما تخفيه وراء كلماتك , : لا أفهم عمَا تتحدث ,
قهوتي المعتَادة .. ذلك فقط ..
- حسَنا حسَنا ..
لم تكنُ بمزاجك المعتـاد ,
تحدثنا كثيرا .. ككل الأيَام التي
جمعتنا في تلك المدينة , لكنك لم تكُن تبتسم ..
- خالد , أكل شيء على مَايرام ؟
- إنه فقط ذلك الصُداع ..
- أهي المرة الأولى ,
- لا , منذُ أشهر .. ولكن الحدة تأتي
دوما مختلفة .. ربمَا كان السهَر ,
او مشكلة في بصري !
- يجب عليك الذهاب للكشف ..
- المشافي تصيبني بالغثيان ,
- لست بطٍفل لـ ترهبك
رائحة مشفى , لاتكن مهملاَ
- أهمك لهذا الحَد ياوطن ؟
- الا تهتم لـ صحتك ؟
- أتهتمين أنتٍ لها ؟
- أتهتم أنت ؟
- حسَنا , يتوجب علي الذهاب ..
قبلة مباغتة على جبيني ! ومضيت ..
لم أكن اعلم هل أضيع في
أثر في شفتين الباردتين ,
ام أقلق بسبب معركة كَلام
انتصرت فيها أنا شكليَا , وهزمت فيها عاطفَيا ..
كُنت اعلم بأنك تنتظر العطاء ياسماء ,
كنت اعلم .. لكنٍي لم أعتد على
مسَاحة الحُب وذلك المُتسع الكبير في قلبي ..
أمضيت الوقت المتبقي لوحدي في
المقهى , اقرأ للمرة الأولى منذُ زمن رواية عاطفيـة ..
أحلام مستغانمي تحرضُك على الكبرياء ..
كُل أبطالها لايجيدون الحديث ..
ذلك الفصل الأخير من ثلاثيتها
الذي بكى فيه الجَميع .. بلا حديث !
لم تكن القصة موفقَة ,
كنت احتاج لمن يخبرني
بأن لا بأس في الحديث لمن نحب ,
لابأس في ان تفتح أبواب قلبَك للنور قليلاَ ..
ذلك النور السَاطع " جدا " قد يخيفك سطوعَه
في البداية .. ما إن تعتاد على الضوء
حتى ترى أن كُل شيء سيكون على
مايرام , وبأن الطريَق أصبح ميسراً للعبور ..
أغلقت ستَائر شقتي قبل الغروب بقليل ,
لم اكن اطيق صبرا لسماع صوتك ..
للحد الذي جعلني أحاول إقناعي
بأن الشمس قد رحلت ..
و بأن موعٍد صوتك قد أتى ..
أرقَام هاتفك , فـ رنين ..
يأتي بعده صوتك مُتعبَا ..
- أأنت بخير ؟
- بخير .. ولكن !
- ولكن ماذا ؟
- إشتقتك ..
- كُف عن ذلك .. ارعبتني يارجل !
- يجدر بكٍ ان تخافي من شُوق رجل لم يسمع أحبك حتى الآن ..
- ....
- وطني ,
- نعم ؟
- مابكٍ ؟
- لاشيء ! .. امممممم يبدو
بأني مُرهقة .. سأحاول النوم قليلا ..
- وانا أحُبك أيضَا ..
كيف لك أن تشعر بمَا وراء
الحروف ؟ كُنت اتسائل عن ذلك دومَا ..
اعقب ذلك التسائل بالنظر في المرآة
, اتبدو ملامحي فاضحَة الى ذلك الحَد ,
أيكون صوتي مختلفَا في اللحظة
التي أُحاول فيها إسكَات قلبي عن أي حديث ..
بين خيبة الكلمات التي كُنت أعاني منها
وبين نشوة تشعرني بها عفويتك
في قول " أحبك " كَانت أشياء اخرى
تتربص بنَا ياخالد دون أن نعلم ..
اليوم التَالي مر سريعَا ,
وعدتني بأن تذهب للطبيب في
صبَاح اليوم التَالي , تحدثنا قليلا
عن عودتي الى الوطن .. العودة التي إقتربت كثيرا ,
- لاتعلق الآمَال عاليَا ياخالد ,
ولا تبتدع لي غيومَا خيالية أرقُد عليهَا ..
ربما كانت عودتي فرصَة لك .. ربما لم يكُن ماتشعُر به ..
- حُب ؟!
قلت كلمتك هذه واضعَا يدي بين كفيك ,
- قد تكون نزوة ؟
- رُبما !
- ماذا ؟!
نظرت إليك بغضب ساحبة يدي من بين كفيَك ..
- ماذا ؟ !
- قد تكون نزوة إذن ؟
- رُبما
- خالد !
- ههههههههههههههههههههههههه .. وطن ..
أعدت يدي الى حضنها الذي كَانت بداخله ,
- اتظنين صدقَا بأن ما أشعر به قد يكون نزوة ؟
ام هي عادة " رمي الكلام " التي تمارسينها ؟
- لا أعلم ..
- إن كُنتي لا تعلمين .. فذلك شأنك ..
لكني أعلم بمَا أشعر به
- وماهو؟
- مستعدة لبعض " حكي الغزل " ؟
- لا ..
- حسنا
ضحكت قليلا ثُم عاودك الصُداع ..
تعلن عن قدوم الألم إليك بـ " تعقيد" حاجبيك ..
بنظرة بعيدة فارغة , بتغيير مفاجئء لموضوع حديثنَا ,
او رشفة من كوب قهوتَك الباردة " غالبَا "
- حاولي فتح الأبواب ياوطن ,
نظرت إليه وكُل مابي يقول بأني أحاول ,
ماعدا لسَاني الذي لم يستطع النطق آنذاك ..
إحتراف الصمت وتصنع اللامبالاة لهما
مساوئ قليلة قد تفوق منافعهماَ الكثيرة قيمـة ,
بعد مدة .. تفقد القدرة على الحديث ..
ذلك الحديث الذي اخترت الآ تخرجه ..
اصبح يرفض الخروج بالرُغم من رغبتك !
أمضيت الليلة أتمرن أمام المرآة :
خالد , أُحبك .. لا لا ليس هكذا ,
حسنا فليكن شعري هكذا ..
احبك ..
لا ذلك يبدو مبتذلا ..
خالد أنا احبك , اااه لمَا يصبح وجهي
قبيحَا مع كلمة أحبك ,
كيف اقولها , كيف كيف كيف !
في اليَوم التَالي , لم يكن هناك ..
لمَ يخبرني بأن زيارة الطبيب
قد تأخذُ اليوم بأكمله ..
لم أستطع إحتمال الجلوس
وحيدة , اخذتني قدمَاي لسوق المدينـة ..
وبالرُغم من أني لست بالمتسوقة المَثالية ..
الا أني خرجت بمشتريَات لو
لم أكن في حَالتي المزاجية تلك لما كُنت اشتريتها ..
ذلك قد يُعجب خالد , بالتأكيد سيحب هذا ..
عندمَا نحب , شيء مَا في الداخل يتغيَر ,
كُل ممارسَات عدم الاهتمَام تلك تختفي ..
يأتي فصل آخر من الحيَاة , فصَل كل
مانمارسه خلاله انما نمارسـه لأجل أنُاس آخرين !
يـأتي المساء , أتصلُ .. ولا يأتي الرد ..
أفعلت خطأً ؟ قد أكون قُلت مالايجب قولـه !
تمر خمس دقائق ويرن هاتفي , اخفي اللهفة في صوتي ..
- كيف أنت ؟
- أنا بخير , وانتٍ ؟ كيف كان يومُك ؟
- أين كُنت طوالَ اليوم ؟
- مشغول
- حسَنا ..
- الى اللقاء ..
- الى اللقاء
يبدوا جَليا بأن شيء مَا كان
يحدث في ذلك الوَقت ..
يعود الكبرياء للظهور ..
كُل ما كُنت اتدرب على قولَه
الغته هذه المُكالمة , لن أتصَل به ..
حتى يبادر هو بالإتصَال ..
لم يُبادر في الأتصَال
, مرت الأيَام الى أن أصبحت اسبوعَا ..
وانا في وحدة لا أطيقها هذه المرة ..
تعلم بأنك وحيد عندمَا تنظر لهاتفـك
عشرات المرات في الليلة الواحدة بلا أي نتيجة ..
تعاود النظر إليه للتأكد من انه وضع على وضعية " الرنين "
في البدايـة كٌنت اخبر نفسي بأنها أحد حيل
العشَاق في إستخراج الاعترافات ممن يحبون ,
ينتهي تحليلي ذلك بالبكُاء ..
اعود لأخاطبني قائلـة بأن من
يستطيع مقاطعتي لـ ساعتين يستطيع مقاطعتي
العمر كُله .. ينتهي حديثي ذلك بالدموع أيضَا ..
إسبوع واحد هو كُل ما احتاجه ذلك
الرجُل ليجعلني أقسم بأني في حضوره
كطفلة تلتقي أباهَا بعد شوق طويَل
.. و ليقنعني بأن ماكان يدور بيننَا لم يكن ليكون نزوة منذُ اللحظة الأولى ..
لم يعد يفصلني على عودتي لمدينتي سوى
مايقل عن الأربعٌ وعشرون ساعة بقليل
( أخبرني بأن افتح الأبواب , يجب أن أفتح الأبواب .. )
أرقَام هاتفه .. رنين يأتي بعدهَا صوته ..
- كيف أنتٍ ؟
- أريد أن اراك , الآن !
- أنا أيضَا .. لكنٍ ليس الآن .. الليلة !
- ولكن , رحلة عودتي ستكون بعد مٌنتصف الليل ..
- لا بأس .. الليلة
- حسَنا ..
في البداية كَان كُل ما اردته خلال
ذلك النهار هو قسط من النوم يعينني على لقائـه و الرحيٍل ..
لم أستطع اغماضة جفن واحدة ,
كيف سيكون لقائنـا .. هل سأحتضنه
قبل أن ارحل , هل سيحزن ؟
ماذا عن " بعدين " مالذي سيحدث بعدمَا أعود ؟!
اتكفي الرسائل الألكترونية وتبادل الصور والمكَالمات ؟
مالذي سيغنيني عن كفيه ,
عن رائحة عطره , عن كتفه التي
يتعمد الصاقهَا في كتفي في مشينَا سويَا ..
مالذي سأقولـه لأودعه , مع السلامة .. ؟! الوداع ؟! الى اللقاء ؟؟!
الوداع تبدو أبديـة .. الى اللقاء تبدو أجمل .. حسَنا فلتكن إلى اللقاء


تمر السَاعات ببطئ ,
أنزل العتبَات بسرعة , أتباطئ لدى رؤيته واقفَا في الخَارج ..
يبدو مختلفَا .. إبتسَمت .. نظر إلي بعمق لم أفهم معناه ..
مشينـا سويا .. لم أسأله إلى أين ..
كُنا نواصُل المشي فقط ..
*حسنا , إنه وقت فتح الأبواب ..
أمسكت سبابته بأطراف أصابعي ..
توقف .. نظر إلي مبتسَما , أدخل أصابعه
بين أصابعي الضئيلة مقارنة مغلقَا على كفي .. وواصلَ المشي ..
مررنَا بجانب المقهى الصغير دون أن نتوقف ..
كان ينظر إلى الأماكن بشوق , بعينين لامعتين
.. شيء ما فيَ كان ينقبض مع كل نظرة وداع يلقيها على مكان مررنـا به
- أخبريني , أنلتقى على ذلك الطريق صُدفة ؟
أرعبتي جملة الوداع هذه , مالذي يعنيـه
بحديث الصدف هذا .. افكار تجمعت
داخل رأسي في اجزاء من الثانيه
- مالذي تقصده ؟ أي طريق ؟
- أيهم أي طريق أقصد ؟
الكلمات لاتفيد في الودَاع ..
كُنت اشعر بالوداع يقترب , يخنقني , يضيق على أنفاسـه ..
تركت يده – مالذي نفعله يـاخالد ؟
- نودع الأمكنة التي مررنَا بها !
- نودع ؟! لمَا الوداع ؟
- لأن لاشيء هُنا سيستمر ياوطن .. لاشيء
لن أترك كلمَاته اليوم تخرسني .. سأفتح الأبواب ..
- أُحبك .. أحبك ياخالد
- ننتهي هُنا ياوطن , كُل مابيننا الآن للذكرى ..
- ماذا!؟
لم يستطع صوتي الوصول ,
تحشرجت الـ ماذا ولم تخرج , وغادر هو تاركَا إياي في المجهول ..
في ظلمة حلت بعد أن شاهدت الطريق ..
طريق كان على جانبه بيت بسيط , يسكنه محبـان ,
لهما حياة بألوان .. وأطفال .. بيت لَه أبواب تفتح طوالَ الوَقت ..
أبواب للداخلين , لا أحد يخرج من تلك الأبواب ,
لا أحد يردد وداعَا , ولا احد يحترف النهايَات ..
في ذلك الطريق كُل شيء بداية ..
لكنه أظلم قبل ان تتسنى لي رؤيـة البقية من حكاية الحبيبين ..
أظلم بجملة واحدة , كُل مابيننا الآن للذكرى ..
ومَاكانت الذكرى يومَا سوى عذاب
يومَي نذكر فيه ضحكَات ماعدنا قادرين على جلبهَا ..

وكَان الوداع الأول !


الساعة الآن 02:24 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية