منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   136 - وجه في الذاكرة - سارة كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t172146.html)

نيو فراولة 11-02-12 05:16 PM

في هذه الأثناء بدأت تسمع أصداء أحاديث نزلاء الفندق العائدين من النزهات وركوب الخيل تتردد في أجواء الحمام ، مقرونة بأصداء قهقهاتهم ووقع أقدامهم.
وهكذا لم تفاجأ دافينا ، بعد خروجها من الحمام ، وذهابها الى غرفة الطعام ، برؤية الآنسة ريانون التي بادرتها بالقول حالما رأتها وهي جالسة الى المائدة:
"ماذا جرى لشعرك ؟ ماذا فعلت به؟".
" كما ترين ، قصرته قليلا عسى ان يعجبك شكلي الآن".
" وماذا يفيدني شكلك ! الحقيقة شكلك يعجبني ، ولكن وجودك هنا لا يعجبني ، لا تقولي بأنك باقية هنا !".
" أجل ، إنني باقية ، وهذا من سوء حظي ، لأن سيارتي معطلة ".
" وماذا أصاب سيارتك ! بإستطاعة هيو أن يصلحها ، أنا مستعدة لكي أطلب منه القيام بذلك ، إذا كنت لا تعارضين".
" لا شكرا ، لا تتعبي نفسك ، حاولت ولكن محاولته ذهبت عبثا لأن هناك قطعة مفقودة".
" قطعة مفقودة ! وكيف طارت ! ما كنت أتصور بأنك ذكية الى هذا الحد".
وكانت الإشارة الأخيرة المبطنة كافية لأثارة دافينا فردت تقول لها بحدة:
" كفاك تفلسفات وسخافات ، يا آنسة ريانون ، صدقيني بأنني تواقة للرحيل هذه اللحظة".
ثم إقتربت منها وإنحنت لتهمس في أذنها قائلة:
" انت بإمكانك مساعدتي إذا كنت حقا تريدين المساعدة".
" كيف؟ ولماذا تطلبين مني المساعدة؟".
" كي أتمكن من الرحيل".
" ولكن كيف؟ وما هي هذه المساعدة؟".
"كل ما أطلبه منك هو أن تنقليني بالسيارة الى أقرب محطة لسكة الحديد".
" كلا ، لا استطيع القيام بهكذا مساعدة ، هل تظنين بأنني ساذجة الى هذا الحد : أنا أعرف قصدك ، إنك تتصورين بأن لويد سيلحق بك ، أجل ، يجب ان تفهمي بان هذه الخطة لن تنجح ولن تنجحي في سحبه من هنا".
" أنت مخطئة يا آنسة ريانون ، صدقيني بأنني راحلة من أجل سعادتكم جميعا ، ولن أبوح لأحد بسر مساعدتك لي".
" كلا ، لن اساعدك لأنني متأكدة مما تخططين له".
قالت ذلك بعصبية ظاهرة ونهضت من كرسيها لتخرج وهي تثرثر قائلة:
" من قال لك بأنني أريد مساعدتك ، كان يجدر بك أن تبقي حيث أنت في لندن".
وتركت دافينا وراءها غارقة في بحر من الحيرة والدهشة.
وبعد لحظات غادرت دافينا مكانها ، بعد أن تضايقت من الجو الحار ، وأخذت طريقها الى الصالون وهي تتلفت يمينا وشمالا مخافة أن تلتقي مع الآنسة ريانون وتتجدد المعركة ، وجدت الصالون خاليا من الناس ، والشيء الوحيد الذي أثبت لها بأن هيو مورغان كان لا يزال قابعا داخل الفندق ، هو وسيارته الواقفة في وسط الساحة الخارجية ، صحيح أنها عاتبة عليه لأنه رفض ان ينقلها الى محطة السكة ، ولكن الصحيح أيضا أنه رفض لأسباب لها ما يبررها ، وقد يكون أهمها أن تبقى هنا ، حتى إذا تصالحت هي مع لويد ، عادت الآنسة ريانون تلقائيا الى كنفه ، ومن جهة أخرى ، كانت لا تستبعد أن يكون لاعبو الشطرنج هنا قد بدأوا يستعملونها كحجر من حجارة اللعبة ، كل واحد منهم حسبما يتفق مع رغبته واهدافه.
وعلى العموم ، كانت دافينا لا تلوم أحدا على ما كانت تتعرض له من نكسات ونكبات ، بل أنها ، على العكس من ذلك كانت تعتبر نفسها مسؤولة عن كل ما كان يصيبها.
وكأني بها شعرت بتجدد عزيمتها وتصميمها على ممارسة حقوقها غير منقوصة ، أسوة بغيرها من جميع البشر ، بدون ان تسمح لأحد من الناس بمنعها من ممارسة هذه الحقوق ، وإرغامها على الإنتظار الى ما شاء الله ريثما يسمح لها بذلك ، فإنتفضت واقفة ، وأخذت طريقها الى خارج الفندق ، وتوجهت لتوها الى سيارة هيو ، وراحت تتأمل صندوقها الخلفي ، والخيمة الموضوعة فيه ، وإمكانية الإختباء تحتها ساعة تقرر الرحيل ، بدون أن تخبر احدا بالأمر ، ولا حتى هيو نفسه ، إلا بعد أن تبتعد السيارة مسافة عن الفندق.
بقيت أمامها عقبة وحيدة ، ولكن أساسية ، وهي انها لا تستطيع معرفة متى سيقرر هيو مغادرة المكان ، إذ لا يمكنها الإختباء تحت الخيمة الى ما شاء الله إلا إذا شاءت أن تعرض نفسها لمشاكل الإختناق التي كثيرا ما تؤدي الى الموت ، ولكن ، هناك وسيلة واحدة تمكنها من الهرب بعيدا عن مواجهة خطر الموت وهي أن تبقى في غرفتها حتى إذا شاهدت هيو متوجها الى سيارته أسرعت في الخروج واللحاق به.
وهكذا عادت الى غرفتها ، فوضعت ثيابها وحوائجها في حقيبتها بعد أن أخرجت منها الأوراق المتعلقة بالرحلة الأميركية المقترحة ووضعتها في خزانة ثيابه ، ثم جلست بجانب الشباك تراقب خروج هيو.
لما طال إنتظارها على غير طائل ، قامت وحملت حقيبتها ، وخرجت بها ومشت الى السيارة ، حيث وضعتها تحت الخيمة وعادت الى الفندق كأنها لم تفعل شيئا.
في هذه الأثناء كانت الإستعدادات جارية في المطبخ لتحضير وجبة العشاء ، فقررت دافينا الإنتقال من غرفتها الى المطبخ ، يقينا منها بان هيو قد إستبقي لتناول العشاء هنا ، فيسهل عليها مراقبته من هناك ، بعد أن تعرض نفسها لمساعدة عمة لويد في تحضير الطعام ، على سبيل التمويه ، وفوجئت عندما رأت لويد وهيو جالسان في الصالون المجاور لغرفة الطعام ، يتبادلان أطراف الحديث بشغف وإهتمام لدرجة أنهما لم يرياها عندما مرت من هناك لتصل الى المطبخ ، المهم أنها تأكدت الآن من أن هيو باق لتناول العشاء ، كل شيء يجري حسب الخطة المرسومة حتى الآن.

نيو فراولة 11-02-12 05:18 PM

كان هيو أول من بادر الى الحديث مع دافينا ، بينما كانت السيدة باري تصب الشاي في الفناجين ، وفكرت أنه ربما فعل ذلك كي يرفع من معنوياتها ، ويمهد بالتالي لترطيب الأجواء ، فقد اقترب منها وهو يبتسم لها ويقول:
" كفاك تفكيرا بامور الدنيا ومشاكلها!".
ثم إستدار وتابع يقول موجها كلامه للجميع:
" ما رأيكم أن نخرج بعد العشاء ونسهر في مكان ما ! ".
وصمت يفكر لحظة ثم تطلع الى لويد وقال له مداعبا :
" يجدر بك أن تهتم بأمورها أكثر من ذي قبل وتؤمن لها جميع اسباب الراحة ، وإلا هجرتك وعادت الى لندن".
خيل لدافينا ، للوهلة الأولى ، أن هيو يمهد الطريق للكشف عن المساعدة التي سبق وطلبتها منه ، لذا سبقت لويد في الرد عليه ، في محاولة لقطع الطريق أمامه ، إذا كان فعلا الإعلان عن ملابسات المساعدة التي طلبتها مه ، وقالت:
" إطمئن ، يا سيد هيو ، إطمئن ! إن شيئا من هذا القبيل لن يحدث ، فالحياة تبدلت كثيرا من حيث الإثارة والتشويق".
وتركت له تفسير ذلك عل هواه ، وتركت للويد المجال كي يستنتج بأنها تتطلع بشوق ما بعده شوق الى إقتراب موعد النوم ، ولسان حالها يقول : فليفسر ذلك حسبما يشاء ، وقريبا يكتشف فداحة غلطته.
ثم تدخلت ريانون في الحديث لتعتذر عن عدم تمكنها من الخروج اليلة ، وتلاها لويد معتذرا عن الخروج وهو يتطلع الى دافينا بطرف عينيه ، وأضاف يقول:
" بودي أن أنام باكرا إذ أنني أكاد أموت من التعب والإرهاق".
وعبثا حاول هيو إقناع الآنسة ريانون بالعدول عن رفضها والخروج الليلة ، فلم تقتنع.
في هذه الأثناء كانت دافينا غارقة في التفكير بطريقة تمكنها من الهرب ، بعيدا عن أنظار الجميع ،وبدون أن تثير الظنون حول تلك الخطة، ثم تشرب رشفة من الشاي ، تعاود بعدها التفكير في الخطة ، الى ان إنتهت ، ثم غادرت الغرفة وذهبت للجلوس في الصالون ، حيث إلتقت افراد أسرة فنتون وراحت تتفرج على اللعبة التي كانوا يلعبونها ، ثم ودّعتهم وخرجت بحجة انها ذاهبة الى النوم باكرا فابى الإبن تيم إلا أن يرافقها حتى تخرج من الباب وهو يلاطفها ، ويجاملها ، ويسألها رأيها في الشلالات والتنين ، وعما إذا كانت فعلا تعتقد بوجوده أم لا ، حتى خرجت.
لم تذهب دافينا الى غرفتها كي تنام ، كما قالت ، وإنما خرجت من الفندق وهي مصممة على الرحيل ، ما يهمها الان هو أن تتمكن من الوصول الى سيارة هيو بدون أن يراها أحد ، والصعود اليها ، والإختباء تحت الخيمة ، ريثما يحضر هيو وينطلق بها ، وقد حالفها الحظ في تنفيذ كل ذلك بمنتهى السهولة.
وما هي إلا لحظات معدودة حتى بدأت تسمع صدى أصوات وقهقهات صاخبة ، فأيقنت أن ساعة الفرج قد دنت ، بعد ان تأكدت من سماعها صوت لويد ، وتبعه وقع اقدام تقترب من السيارة ، لتسمع بعد ذلك مباشرة صوت باب السيارة يفتح ويغلق ، ثم صوت مفاتيح محرك السيارة التي بدأت لتوها تشتغل لتتحرك بعد لحظات.
شعرت دافينا بان السيارة كانت منطلقة بسرعة فائقة ، وعلى طريق وعرة المسالك ، نظرا للخضّات والهزات التي كانت تتعرض لها من جراء رجرجات السيارة ، وإرتفاعها وهبوطها على طول الطريق ، مما ارهقها وعرّضها لرضوض كثيرة في جسمها ولكنها ، كانت تشعر بالسعادة ليقينها بانها إستطاعت الهرب من هذا المكان ، الى غير رجعة ، والإفلات من القيود التي تكبلها.
وفجأة توقفت السيارة امام أحد المنازل ، أن الوقت الذي يستغرقه الوصول الى بيت هيو مورغان كان أطول من ذلك بكثير ، وتريثت بإنتظار عودة هيو ، الذي ترجل ودخل ذلك المكان ، لكنها إنتظرت وإنتظرت حتى عيل صبرها من الإنتظار ، عندها قررت الترجل من السيارة والدخول الى البيت للإستعلام عن سبب تاخر هيو.
مان أن دخلت البوابة الرئيسية المؤدية الى البيت حتى بدأ الخوف يتسرب الى نفسها ، خافت لأن الحركة كانت معدومة داخل البيت ، برغم الأنوار الساطعة التي حولت ليله الى نهار ، وتابعت سيرها ، ولكن بمنتهى التيقظ والحذر ، حتى أصبحت في الداخل ، من غير أن تقابل أحدا بعد ، وفوجئت بعد لحظات بمن يربت بيده على كتفها من الخلف ، فإستدارت لتجد نفسها وجها لوجه امام لويد ، وهو يتأملها ويبتسم لها إبتسامة باهتة غاية في السخرية ويقول:
" ما لي أراك وحيدة يا عزيزتي ! ".
ثم أغلق الباب ، وتركها جامدة في مكانها ، وواجمة مما حدث ، لا يمكن ان تصدق حقيقية ما كان يجري امامها.

نيو فراولة 12-02-12 02:48 PM

6- رورد من الماضي

أيقنت دافينا الان ، وهي واقفة أمام لويد ، أنها وقعت في المصيدة ، أما بسبب خطا في حساباتها ، أو بسبب تواطؤ احد الذين اخبرتهم عن خطة هربها من المنطقة ، مع لويد ، وما عليها سوى ان تواجه الحقيقة كما هي ، ولم يكن وجودها في هذا المنزل الغريب ، ووجود لويد أمامها كالجدار المسدود سوى وجها واحدا من أوجه تلك الحقيقة التي عليها أن تواجهها ، هذا إذا كانت فعلا تنوي التوصل الى حلول جذرية وثابتة لجميع المشاكل التي تتخبط فيها.
هذا وبعد أن أحكم الطوق حولها ، بادرها قائلا:
" حذرتك من مغبة اللعب بالنار، فلم تصدقي ، ولم تاخذي تحذيري بجدية كافية ، ألم أقل لك بأن النهاية ستكون مفجعة لك بقدر ما ستكون مفرحة لي ! ما قولك؟".
" أين هو مورغان؟".
طرحت عليه هذا السؤال كأنها شاءت ان تخفف عن نفسها حدة ما إعتراها من إنفعال مقرون بالحرج ، وجاراها لويد في حديثها فرد على سؤالها قائلا:
" بقي في الفندق لمواساة الآنسة ريانون ".
" يا لك من إنسان عديم الشفقة والرحمة ! إنني أشفق على تلك الفتاة المسكينة ".
" ربما كان هذا ، وحسبها أن تجد هي والى جانبها كلما واجهها حدث من العيار الذي تتصورينه ، ويا حبذا لو يؤدي وجودهما معا اليوم الى إحداث منعطف حاسم في حياتهما !".
" إنك تتحدث وكأن أمرها لا يعنيك إطلاقا".
فهز كتفيه إستخفافا وقلب شفتيه إمعانا في إظهار إستخفافه بما قالته ، ورد قائلا:
" أمرها يعنيني .... يعنيني أنا ! إنك مخطئة في ما تذهبين اليه ، يا دافينا ، انا لست ذلك البطل الذي تتصوره ريانون ، اعتقد بأن هيو قادر على أن يلعب هذا الدور في حياتها".
" لكن أنت تنوي الزواج منها ، أليس كذلك؟".
هز رأسه بالنفي وقال :
" كلا ، كلا ، يا دافينا ، كيف أتزوجها وأنا متزوج ! هذه الحقيقة راسخة في ضميري ، لا يمكن ان يزعزعها شيء حتى وإن تزعزعت جذورها في ضميرك أنت !".
تاملته دافينا طويلا قبل ان تعلق على كلامه وتقول بصوت هامس مشوب بالترجرج:
" لست أفهم كيف تجرؤ على التفوه بمثل هذا الكلام....".
وقاطعها ليقول:
" أجل ، ما قلت إلا الحقيقة ولا شيء سوى الحقيقة ، هل نسيت ما وضّحته لك قبل ايام قليلة مضت من أنني لن أوافق على الطلاق بسهولة ، قلت لك الحقيقة يومذاك لأنني بحاجة اليك وعقدت النية على الإحتفاظ بك هذه المرة".
" حتى وإن كان ذلك برغم إرادتي!".
فتأملها وهو يبتسم ويقول:
" سأعطيك الجواب غدا في الصباح".
منتديات ليلاس
قال ذلك وإقترب منها ، وهو يحدق فيها بنظرات يشع منها بريق غريب لم تعهده من قبل ، فحاولت الإبتعاد عنه لمنعه من إشراك يديه في اللعبة ، وإحتدم الصراع بينهما لفترة ، بدون ان يتمكن منها بصورة حاسمة ، وبدون أن تتمكن من الإفلات من بين يديه بصورة نهائية ، حتى اعياهما التعب ، فإتفقا على مناقشة مشاكلهما بالطرق السلمية .
وهكذا جلسا في زاوية من زوايا الغرفة تمهيدا لمناقشة الأمور القائمة بينهما.
دار الحديث على النحو التالي:
سالت هدافينا:
" من هو صاحب هذا البيت؟".
أجابها لويد:
" ليس هيو.... هذا أكيد".
" أجل ! وكيف عرفت أنني كنت مختبئة في صندوق السيارة؟".
" بحدسي ، حدسي أنبأني ، مع قليل من الذكاء والنتيجة التي إستنتجتها من تحليل الدافع التي كانت تدفعك لطلب المساعدة من هيو ، وعلى أثر ذلك أتفقنا انا وهيو على تبادل سيارتينا ، وقد نجحت الخطة كما ترين".
" آه ، كم أنت محظوظ!".
" لكن لا تنسي بانك نجحت في تنفيذ تهديدك بعدم تمديد إقامتك في الفندق ولو ليوم واحد.......".
قال ذلك وإستأذنها للذهاب الى المطبخ لتحضير القهوة ، وكان غيابه فرصة أتاحت لها المجال للقيام بجولة خاطفة حول المنزل ، إستنتجت بعدها ان لويد هو صاحب هذا البيت ، بدليل أن محتوياته كانت متطابقة مع أوصاف المعمل الذي ينوي تأهيله لإنتاج خيطان الصوف والأقمشة وغيرها ، ودهشت عندما شاهدت النار متأججة في المدفأة ، فإستوحت من الرماد الموجود في الزوايا بأن المدفأة أشعلت قبل عدة ساعات من وصولهما الى البيت ، مما أكد لها بان لويد كان يعد العدة خلال ذلك اليوم بالتعاون مع هيو ، للإيقاع بها.
عاد لويد بعد قليل ، حاملا صينية القهوة بين يديه ، وقدم لها فنجانا ، وأخذ لنفسه فنجانا ، ثم جلس الى جانبها يتبادل وإياها نظرات صاكتة ، الى أن قطعت دافينا صمتها بسؤاله:
" الى اين وصلت بتفكيرك؟".
" سؤال جميل ! ماذا تقصدين؟".
" سالتك مثل هذا السؤال لأنني شاهدتك تفكر بجدية وعمق كمن يبحث عن شيء مفقود أو عن دليل لأثبات حقيقة متنازع عليها".
" الزوج ليس بحاجة للبحث عن إثباتات تدين زوجته طالما بقيت الثقة بينهما قائمة وراسخة".
" تبدو لي وكأنك تتحدث عن الماضي !".
" كلا ، يا دافينا ، لست في وارد الحديث عن الماضي".
" هكذا أوحى لي حديثك ! ".
" مشكلتك أنك دائمة التشكيك في كل ما ترينه يجري حولك ، أجل ، من حقك أن تسألي وأن تسيئي الظن ، لكنك لا تسألين في الوقت المناسب".
" بل كنت أسألك في الوقت المناسب ، بينما كنت أنت ، نعم أنت كنت تتهرب من الإجابة".

نيو فراولة 12-02-12 02:50 PM

" مهلا يا حبيبة قلبي الأنانية ، مهلا ! ما بالك تنفضين عن نفسك غبار كافة المساوىء والمتاعب وتلقين به على كاهلي ! هل نسيت تصرفاتك الوقحة نحوي بعد ما نجحت والدتك في إقناعك بأنني لست ذلك النجم المتألق الذي كنت تحلمين به ! نسيت ، هه! تبا لك ! يا لك من ماكرة وناكرة للجميل ! والأدهى من كل ذلك هو أنك تتصرفين معي على أساس كونك إمرأة ذات ميزة وقيمة ، يحق لك ما لا يحق لغيرك".
هنا تضايقت دافينا وغضبت ، فصارت تتصرف على غير هدى ، فنهضت من كرسيها وهي ترتعش وتنتفض من فرط ما يتفاعل في باطنها من هواجس ومخاوف ، ثم إلتفتت اليه وحدقت في عينيه والشر يقدح من عينيها وخاطبته بحدة وعصبية تقول:
" كيف تجرؤ على إتهامي بمثل هذا ، يا وقح ، يا ماكر ، يا لعين ، يا...........".
وقاطعها ليقول لها ببرودة أعصاب:
" بل وأجرؤ على عمل ما هو أدهى وافظع كما سأثبت لك بعد قليل".
قال ذلك وضرب الطاولة الصغيرة امامه بقدمه فإنقلبت ، ثم راح يقترب نحوها ليمسكها وهي تبتعد عنه وملامح الخوف ظاهرة بوضوح على وجهها ومن خلال يديها المرتجفتين ، وظل يطاردها وهي تهرب أمامه ، وتستغيث كي يرحمها ، ويعف عنها ، بدون جدوى ، إذ أصرّ على تلقينها درسا لا تنساه في قواعد السلوك والطاعة الزوجية ، وهي تتملص منه برشاقة وخفة كأنما جميع طاقاتها الدفينة إستيقظت لمساعدتها في هذه المعركة التي لم تكن في الحسبان ، حتى إنتهى بها المطاف الى الوقوع ارضا على أثر إصطدامها بالكرسي.
عندها ، توقف لويد عن مطاردتها ، ووقف يتأملها وهو يضحك بسخرية ويقول:
" هذه هي عاقبة الكبرياء والأنانية والتهرب من المسؤولية ، خاصة مسؤولية الأمومة ، على فكرة ، أنت مدينة لي بولد.... هل نسيت أن لي بذمتك طفل ! لا تخافي ، لن أطالبك به ، ولكن تذكري بأنني سوف أكبلك بالسلاسل لمدة ستة أشهر ، المرة القادمة ، لضمان بقائه على قيد الحياة وأعذر من أنذر!".
هنا بدأت تبكي وتدافع عن نفسها لرد التهمة وتقول:
" تهمة سخيفة من رجل سخيف ، لا تقدم ولا تؤخر ، آه ، لو كنت فقط تعرف حقيقة المحاولات اليائسة التي قمت بها لإنقاذ حياته والآلام التي تحملتها بسبب فقدانه لكنت ركعت أمامي وطلبت مني الغفران".
" أجل ، سمعت وعرفت ، ولولا ذلك لكنت قطعت جولتي وعدت من حيث أتيت وقضيت عليك".
وبدأت دافينا تشعر بالإنهيار ، لم يعد بوسعها ان تتحمل سماع أكثر مما سمعته حتى الآن من إتهامات ، والإتهامات المضادة ، والمضايقات ، والأحزان ، وإزداد شعورها بالإنهيار عندما أصبحت لا تفهم جيدا ما كان يدور حولها ، مع ما رافق ذلك من وجع رأس ،ودوخة ، ال أن إختل توازنها ووقعت أرضا بالقرب من كرسي لويد ، وهي غائبة عن الوعي.
عندما إستيقظت دافينا بعد ان إستعادت وعيها وعافيتها دهشت من وجودها في غرفة تراها لأول مرة ، غرفة غريبة عنها ، بكل اشيائها ومحتوياتها ، وأكثر ما أدهشها هو أنها سمعت اصداء اصوات تتردد في جو الغرفة ألفت سماعها في وقت من الأوقات ، إذ لمتكن هذه سوى أصداء حروف الآلة الكاتبة آتية الى جو الغرفة من مكان مجاور ، عند ذاك إطمانت بأنها موجودة في منزل لويد.
إلا أن إطمئنانها النفسي بدأ يخالطه القلق من أن يأتي السيد لويد للنوم في الغرفة ذاتها ، بعد أن ينتهي من عمله ويحاول مداعبتها بهدف إرغامها على البقاء هنا لغاية أن تلك له ولدا تكتب له الحياة.
هذا وبرغم ما عبر عنه لويد من مشاعر الأسى والحنان عن فقدان طفله ، من خلال إتهام دافينا بمسؤولية فقدانه ، بغض النظر عن التعابير القاسية التي إستعملها ، يبدو أنها ما زالت مصممة على الرحيل.
وتجدر الإشارة الى أن حظها من النجاح في المحاولة الجديدة لم يكن أفضل منه في محاولاتها السابقة ، ويعود سبب ذلك الى سوء التقدير ، وعدم التخطيط المسبق والمبني على الحقائق والوقائع ، التصميم وحده لا يكفي لتحقيق النجاح ، وبدون أن تتوفر له عدة عوامل مواتية ، تسانده وتضمن له سلامة التنفيذ في مختلف الظروف والأحوال.
إنطلاقا من هذا الواقع ، لا الجزم ، أو بالأحرى الإدعاء ، ان سوء حظ دافينا هو السبب الوحيد لما آلت اليه محاولاتها السابقة من فشل ذريع ، وها هي الآن تقع في الخطا ذاته ، إذ إعتقدت بأن إنشغال لويد عنها بعمله في الخارج كان كافيا لها لتحاول الهرب بنجاح.
ما ان تأكدت من إستمرار لويد في عمله حتى خرجت من الغرفة ، وراحت تمشي على رؤوس أصابعها بمحاذاة الحائط ، تارة مواربة وطورا منحنية الظهر ، لغاية أن وصلت بسلام الى طرف السلم ، بدون ان يلاحظ لويد ذلك ، ولكن يبدو أن سوء الحظ يأبى أن يفارقها ، إذ إنزلقت رجلاها فتدحرجت على السلم وسقطت أرضا ، محدثة بذلك جلبة قوية ، هرغ على أثرها لويد الى مكان الحادث ، ليصاب بصدمة من هول ما رأى ،وهو لا يصدق عينيه ،ثم إنحنى ورفعها عن الأرض وقال لها:
" ماذا كنت تفعلين هنا ، أيتها الحمقاء ؟ هل كنت هاربة ! هل تشعرين بالم؟".
" كلا ، إنني بخير".
" هذا غير معقول ، مدي ذراعيك وحركيهما صعودا ونزولا لأرى ما إذا أصابهما سوء".
" لا لزوم لذلك ، قلت لك أنني بخير".

نيو فراولة 12-02-12 02:51 PM

رفضت أن تدعه يفحص جسمها للتأكد من سلامته ، كانت ذكريات المناقشة الحادة التي جرت بينهما لا تزال حية في ذهنها ، ومع ذلك رفض لويد أن يتركها واقفة وحدها قبل التأكد من سلامتها ، وبعد دقيقة صمت ، سألها بنبرة حادة:
" حركي اصابعك! ". فاذعنت له وقالت:
" هه! حرّكتها".
" هل تشعرين باي وجع".
" وجع بسيط ، نعم ، لا يهم".
"مدي ذراعك لأرى".
فكرت بأن ترفض ، لكن شعورها بالألم ارغمها على إطاعة أمره ، فبسطت ذراعها أمامه بطريقة توحي بأنها فعلت ذلك برغم إرادتها.
وبالرغم من صرخة الألم التي أطلقتها حالما تحسس بيده موقع الرضة ، ظلت متشبثة برأيها من أنها بخير ،وترفض ابكبرياء أن يساعدها بوضع حذائها في قدميها ، إلا أن لويد لم يقتنع بأقوالها ، إذ كيف يقتنع بعد أن سمعها تصرخ من الألم عندما جس بيده موقع الرضة ، الشيء الوحيد الذي إقتنع به هو ضرورة نقلها الى المستشفى لمعاينتها وتصوير ذراعها بواسطة الأشعة ، وهنا حاولت ان تقنعه بأنها تفضل ان ينقلها الى الفندق وهي توهمه بأن العمة باري قادرة على إسعافها ومعالجة ذراعها بطريقة أفضل وأنجع من الطرق المتبعة في المستشفيات لمعالجة هكذا حالات ، ولكنها عبثا حاولت ، إذ تجاهل أقوالها وحملها بين ذراعيه الى السيارة ، وأجلسها الى جانبه ، ثم إنطلق بالسيارة الى المستشفى.
لم يكن في قسم الطوارىء ساعة دخول دافينا ولويد سوى الطبيب المناوب ، وقد نهض لتوه من مقعده ، وكشف عن إصابتها ، فهز رأسه تأثرا ، ثم طلب منها أن توافيه الى غرفة الفحص حيث باشر على الفور بفحص أصابعها ، واحدا واحدا ، غير آبه لصرختها كلما مط بيده أصبعا من أصابعها ، أو حركه في جميع الإتجاهات ، حتى إنتهى من فحصها وتطلع الى لويد من طرف خفي وكأنه شاء أن يعبر له وحده عن أسفه لصابتها وهو يقول:
" لا تخافي ، لا يوجد سوى عظمة واحدة مكسورة ، ويحتمل أن تكون عظمة أخرى مشعورة ، في أي حال ، يجب أن آخذ لك صورة على الأشعة".
وبعد برهة قصيرة خرجت من الغرفة لتجد لويد وآثار الحزن بادية على وجهه بوضوح لا يقبل الشك ، كان ينتظرها ليناولها فنجانا من الشاي ويقول:
" إشربي الشاي قبل ان يبد ويفقد مفعوله ، لقد علمتني الخبرة بأن الشاي الساخن والمشبع بالسكر مفيد جدا للصدمات ، هيا اسرعي ، يا دافينا لئلا يبرد".
إبتسمت له ، برغم الألم الذي كانت تقاسي منه ، وجلست بجانبه على المقعد ، تحتسي الشاي وهي مسرورة جدا من وجوده الى جانبها ، ولكن هذا السرور المفاجىء غاب عن ثغرها بعد أن أبلغها الطبيب نتيجة الصورة بوجود عظمتين مكسورتين ، وليس عظمة واحدة كما سبق وأكد لها قبل التصوير ، ولم يكن أمامها سوى أن تتقبل هذا الخبر السيء برحابة صدرها المعهودة ، ولسان حالها يقول : أنا الغريق وما خوفي من البلل.
والألم الذي كان ينتظرها بعد قليل كان اشد إيلاما في النفس من الم الصدمة ذاتها ، إذ لم يمض وقت طويل على تظهير الصورة حتى أخضعت لعملية تلبيس رسغها ، ومفصل إبهامها بالجص، كانت عملية وضع الجص شاقة نظرا لحساسية الموقعين الواجب تلبيسهما به ، وكلّفت دافينا المزيد من الآلام والدموع.
بعد حوالي ربع ساعة عادت الى السيارة وصعدت اليها بمساعدة لويد ، الذي كان له الفضل الأكبر في رفع معنوياتها ن وإنعاش روحها الحزينة بما راح يقصه عليها من نوادر مسلية ومضحكة ، كانت كلها تدور حول ذكرياته الماضية وما تخللها من حوادث طريفة ومؤثرة ، في آن واحد ، خلال دراسته الجامعية ، ودهشت عندما كان يحدثها عن تجاربه وممارساته الرياضية آنذاك والمنافسات الحادة التي كانت تدور بين اللاعبين وما يتخللها من مناوشات وخصومات عابرة ، ليسمعها تنصحه بضرورة تناسي الماضي ، واهمية التطلع الى المستقبل ، وأخذ العبر من الماضي لمعايشة الحاضر ، وبناء المستقبل ، وهكذا عادت وقفزت صور الماضي الى خاطرها والذكريات ، فندمت على ما فاتهما من فرص سعيدة ومفيدة لبناء مستقبلهما وتثبيته على أساس نبذ السيئات وإعتماد الحسنات وتطويرها نحوالأفضل.
منتديات ليلاس
وفي غمرة هذا الشعور الذي راودها لنبذ الماضي البغيض ، إلتفتت الى لويد لتشعر بالدهشة من رؤيته على نحو من العبوس وهو ضاغطا بكلتا يديه على المقود ، يتطلع أمامه بعينين جاحظتين فتصورته يفكر بحل اللغز الذي يكتنف عملية إجهاض الجنين ، برغم محاولاتها اليائسة لأقناعه بأن الإجهاض كان مقدرا له ان يحدث ، وإحتارت لمعرفة الأسباب التي تجعله يعتقد ،بل يصر على الإعتقاد بأنها أجهضت نفسها عن سابق تصور وتصميم ، ويرفض تصديق روايتها الصادقة عن الحادث ، لم تتذكر شيئا ييبرر له إعتقاده بأنها تعمدت إجهاض نفسها ، سوى أن تكون والدتها قد سربت له مثل هذا الخبر بهدف دفعهما دفعا الى الطلاق ، بعد أن بائت جميع المحاولات التي بذلتها في سبيل إفشال زواجهما ، وتساءلت :هل يعقل ان تقدم والدتي على عمل خسيس كهذا؟
وفي سياق التساؤلات التي بدات تراودها حول الدور الذي يجوز أن تكون والدتها قد لعبته في تكوين التهمة الموجهة اليها بالإجهاض عمدا ، توصلت الى الإقتناع ، أو ما يشبه الإقتناع ، بأن والدتها لعبت الدور الأكبر في هذا السبيل ، بعد ان توصلت الى معرفة السر الذي يكتنفه الغموض لحل هذا اللغز ، والذي يكمن في الحديث جرى بين والدتها ولويد عندما طلبت منها أن تتصل به هاتفيا وتقول له بلسانها كي يقطع جولته ويعود الى لندن لتقرير ما يجب عمله قبل إجراء عملية الإجهاض.


الساعة الآن 09:01 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية