منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   136 - وجه في الذاكرة - سارة كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t172146.html)

نيو فراولة 06-02-12 08:10 PM

لم يكن في جعبتها أي خبر سار تنقله الى والدتها ، ففضّلت تأجيل عودتها الى البيت ، والذهاب الى مكان آخر ، أي مكان يبعدها عن مقابلة والدتها اليوم ، وعن سماع التهم التي ستوجهها اليها .
وهكذا قررت الذهاب الى الحديقة العامة ، حيث يمكنها ان ترتاح من عناء ذلك الجو الخانق ، ومن وطأة المناقشات الحادة التي دارت بينها وبين السيد بريستو .
ما أن إنطلقت بها سيارة الأجرة في طريقها الى الحديقة العامة ، حتى أخذت تراودها تلك الذكريات الحلوة التي عاشتها ، عندما كانت تخرج برفقة لويد قبل الزواج ،وتلاحقت صور تلك الذكريات الجميلة في خيالها ، مقرونة باللوعة والأسى ، فتذكرت تلك الساعات الطويلة التي كانت تقضيها برفقته ، وفي الحديقة العامة ذاتها ، التي فكرت بالمجيء اليها هذا اليوم ، أو تلك اليام التي كانا يقضيانها في التجول حول المدينة، او زيارة الأماكن الأثرية والسياحية ، والمتاحف ، أو حضور إحدى المسرحيات في المساء ، أو تناول العشاء في زاوية هادئة من زوايا المطاعم المشهورة ، على انغام الموسيقى الناعمة ، وفكرت ، والمرارة تحز في نفسها ، بان تلك الأيام كانت لا أمتع ولا أروع ، وهيهات أن تعود ، آه ! كم يبدو الفراق شاسعا بين الأمس واليوم ، وبين ما كانت عليه حياتها من سعادة وهناء ، وما هي عليه اليوم من تعاسة وشقاء .
هذا وبالرغم من أجواء الهدوء التي كانت تسود الحديقة العامة ، ومظاهر الفرح والسعادة التي إنعكست على وجوه زوار الحديقة ، بدت دافينا غارقة في أحزانها ومآسيها ، كأنها غريبة عن هذا العالم ، واسيرة الذكريات الكئيبة ، وعاجزة عن مواجهة التحديات التي كانت تنتظرها ، وعن فهم حقيقة ما جرى لها وما سوف يجري .
منتديات ليلاس
ظلت جالسة في الحديقة، بضع ساعات ، بدون أن يفارقها الشعور بالحزن والأسى ، وبدت شاردة الذهن كأنها تشهد عرض مسلسل تلفزيوني من الذكريات الدرامية ، وهي تتوالى في ذهنها ، حلقة اثر حلقة، من البداية حتى النهاية ، فتصورت ذلك اليوم الذي شهد تعارفهما ، ثم دعوته إياها لتناول العشاء معه في احد المطاعم ، حيث عرض عليها فكرة الزواج منه ، وهو يلح عليها بأن ترضى به شريكا لحياتها ، وتبع ذلك صورة والدتها وما دار بينهما من نقاش عنيف حول موضوع الزواج ن إذ عارضت والدتها زواجها من شخص كالسيد لويد ، الذي وصفته بأبشع الأوصاف واقبحها ، وهنا تذكرت ذلك الحوار العنيف الذي جرى بينها وبين والدتها حول فائدة الزواج من السيد لويد ، فراحت تردده في ذهنها ، وتقول :
" اماه ، عرض السيد لويد علي الزواج ، وقد وافقت ، بصورة مبدئية ، ريثما انال موافقتك ".
" كلا يا إبنتي، انا لن أوافق على زواجك من رجل كهذا ، لا أفهم كيف تريدين الزواج منه ، إنه رجل سخيف وبليد وخشن الطبع ، ومتوحش.
" لكنه مؤلف وشاعر مشهور ، أرجوك ، يا أماه ، لا تعارضي زواجي منه لمجرد او اوصافه لا تعجبك أو لعدم إقتناعك بشهرته ".
" أية شهرة هذه التي تتحدثين عنها ! شهرته أشبه بالمثل القائل : يذهب المال ويبقى القرد على حاله ... الشهرة شيء عابر سرعان ما يطويها النسيان وتصبح في خبر كان ".
" ولكن عمي فيليب يرى العكس ".
" طبعا ! طبعا ! عمك فيليب ناشر ويهمه إرضاء المؤلفين ، الحق علي ، إذ كان يجب ألا أسمح لك بحضور الحفلة التي أقامها على شرفه ".
" هذا هو قدري ، قدري ان اقابله واتعرف عليه ".
" قدرك ؟ أنا أؤمن بالقدر ، المهم ، لن أوافق على هذا الزواج ، مفهوم ! ".
عند هذا الحد تذكرت دافينا الصدمة التي أصابت والدتها من جراء تهجمها عليها بهذه الطريقة غير المتوقعة منها إطلاقا ، وكيف راحت تطيب خاطر والدتها ، طالبة منها الغفران وهي تعانقها بحنان ، ولسان حالها يقول :
"آسفة يا أمي ! ارجوك أن تسامحيني على زلة لساني ، آه ، لو انك تعرفينه على حقيقته ".
"وهل تعرفينه انت على حقيقته ؟ إنك مخطئة إذا كنت تعتقدين بان رفقة ثلاثة أسابيع كافية لمعرفة الأنسان ، أي إنسان ، على حقيقته ، يقول المثل : في العجلة الندامة وفي التأني السلامة ، فلماذا كل هذه العجلة ! رايي ان تخطبيه لمدة محددة حتى إذا حدث بينك وبينه ما ليس في الحسبان ، أو ما لا يبشر بالخير ، أمكنك فسخ الخطوبة بسلام وبساطة ، وبدون أية مشاكل ".
" لا تخافي من عواقب زواجي المتسرع ، فقد صممنا على إنجاحه ، مهما تقلبت الظروف والأحوال ، وعلى الصمود بوجه جميع المحاولات التي يجوز أن تبذل من أجل إبعاد أحدنا عن الآخر ، وإفشالها ".
" إنني أفهم واقدر شعورك نحوه ، ومع ذلك ، أنصحك بالتفكير طويلا قبل الإقدام على الزواج بمثل هذه السرعة ".
" لكنني وعدته بالزواج منه بأسرع ما يمكن نزولا عند إلحاحه ، وبأن ابذل كل ما بوسعي لتحقيق احلامه ".
" الح عليك بالزواج سريعا خشية أن تغيري رأيك ، يا له من خبيث ماكر ! إنه داهية في الذكاء ويعرف من اين تؤكل الكتف ".
" ماذا تقصدين ؟".
" مسكينة أنت ، يا دافينا ! إنك طيبة القلب لدرجة أن طيبتك تعطل عقلك عن التفكير ".
" وهل تظنينني ساذجة الى هذا الحد ؟".
" معاذ الليه يا دافينا ، قصدي أن أقول بأنك تحاولين تحقيق أحلامه بدون التفكير في الأسباب التي تدفعه للإسراع في الزواج منك ".
" واي ضرر في ذلك ؟ لماذا كل هذا التشاؤم والتشكيك ؟".
" كلا ، انا لست متشائمة ، ولكنه الشك هو الذي يدفعني الى التفكير بأن هذا الإنسان يحاول إصابة عصفورين بحجر واحد ، الثروة والشهرة في آن معا".

نيو فراولة 06-02-12 08:12 PM

" كفى ، كفى ، يا اماه ! كفاك تهجا وإتهامات ، ثقي بأنني سأبقى تلك الإبنة الوفية التي عرفتها ... ولكن ارجوك الكف عن تحقير الرجل الذي قررت مشاركته الحياة ، حلوها ومرها، عسرها ويسرها ، افراحها واحزانها ، نجاحها وفشلها...".
" أجل ، لكنني لن اوافق على هذا الزواج ، لن أوافق على زواج إبنتي من شخص ينتمي الى إسرة مغمورة ، وإبن عامل في أحد المناجم ، لا يهمه سوى الوصول الى عرش الشهرة والثروة بعد الزواج منك ، إنك لا تعرفين الأهمية التي يعول عليها من وراء سعيه للزواج بإبنة شقيق ناشر مؤلفاته ، فضلا عن كونك إبنة شريك هذا الناشر ووريثته الوحيدة التي ينتظر أن ترث ثروة طائلة بعد بلوغها الخامسة والعشرين من العمر ، هذه هي الأسباب الحقيقية الكامنة وراء إلحاحه عليك بالموافقة على الزواج منه ، والحقيقة غالبا ما تجرح.......".
كان بودها ان يتوقف مسلسل كل هذه الذكريات الحزينة ، فتغادر الحديقة ، وتذهب الى مكان آخر ، علّها بذلك تشعر بعض الراحة ، وتقضي الساعات القليلة الباقية من عطلتها لهذا اليوم بعيدا عن الماضي ومآسيه .
لكنها ظلت عاجزة عن الإفلات من خيوط الماضي وذكرياته ، وسرعان ما بدأت تتذكر زوجها ، مرورا بالحفلة التي اقيمت على شرفه ، والتي شهدت تعارفهما ، ومبادرته الى دعوتها لتناول العشاء معه في الخارج ، فتصورت والخيبة تراودها ، التغيير الكبير الذي طرأ على حياته ، بدون ان تدرك الأسباب أو الدوافع التي قلبت إبتسامته الى عبوس ، ولباقته الى عجرفة ، وحنانه الى قساوة ، وبراءته الى خبث ، وصدقه الى دهاء ، وتواضعه الى تكبر ، ومودته الى جفاء .
وتخيّلته وهو يتقدم نحوها، بطلعته البهية ، وإبتسامته العريضة ، ويقول لها بمنتهى اللياقة والأدب:
" يشرفني جدا أن أدعوك لتناول العشاء معي في الخارج ويسرني إذا كنت تتكرمين بتلبية دعوتي هذه ".
وإذ بها تبتسم له بصورة عفوية ، وترد عليه قائلة :
" لكنني أخشى من أن تغير رايك بعد ان تعرفني ..." وتصمت لحظة ثم تتابع القول :
" أهلا وسهلا بك ! انا دافينا غرير ".
وتاملها مليا ثم حوّل نظراته عنها ليتطلع الى زاوية الصالة ، حيث كان عمها فيليب يتحدث مع بعض الشخصيات ، ثم سألها بدهشة :
" إبنته ؟" وهو يشير باصبعه الى العم فيليب .
" كلا ، إنه عمي ".
" تشرفنا ! ".
" إنني قريبة الشبه بأمي ".
" هل تعرفينني عليها ، بودي التأكد من صحة المثل القائل : كما البنت كذا الأم ، لمعرفة كيف ستغدو فتاة أحلامي ".
وقفت امامه xxxxxة فيما هو يحدق فيها ، كما يفعل قاضي التحقيق أثناء إستجوابه أحد المتهمين ، كأنه يحاول ان يسبر أغوار ذاتها لمعرفة مدى إنسجام البراءة الكامنة في حديثها مع تلك البراءة الكامنة في داخلها ، او إفهامها بأن ليس امامها سوى قبول دعوته والخروج معه لتناول العشاء في مكان ما ، ومرافقته كظله الى ما لا نهاية ، وتظل مع ذلك ،صامتة ،تفكر بعمق ، حتى تتصور في النهاية ان قدرها وقدره كانا يسيران في إتجاه واحد نحو نقطة الألتقاء ، ثم اشارت عليه بما يفيد قبولها لدعوته ، وأخذت طريقها ، بصورة لا شعورية ، نحوعمها فيليب ، ودّعته وإعتذرت له عن إضطرارها لمغادرة الحفلة قبل الأوان ، وسط دهشة المدعوين وحيرتهم ، لتلتقي السيد لويد في الخارج ، ويذهبان معا الى الحديقة العامة ، ريثما تفتح المطاعم أبوابها لإستقبال الزبائن.
منتديات ليلاس
لم يكن مجيء دافينا الى الحديقة العامة بحثا عن الراحة إلا ليزيدها لوعة واسى ، وقد حز في نفسها أنجرافها وراء الذكريات المؤلمة والمؤسفة في آن ، فيما الناس حولها ، كل الناس ، كانوا يتبادلون أطراف الحديث ويضحكون ، ويسرحون ويمرحون ، كانهم يعيشون في دنيا غير دنياها ، وما لبثت حتى أدركت أن الوقت قد داهمها ، فهبت واقفة وسارت في طريقها الى الخارج.
كانت أصداء بعض العبارات المؤثرة التي تبادلتها مع والدتها ، ومع السيد لويد ، ومشاهد بعض الأحداث التي رافقتها، لا تزال تتوالى في خيالها فيما كانت تنتظر مرور إحدى السيارات كي تنتقل بها الى مكتبها في دار النشر ، وظلت تراودها حتى وصلت الى الدار.
مرت دافينا وهي في طريقها الى مكتبها في الطابق الثاني ، بموظفة قسم الإستعلامات ، التي ناولتها لائحة تتضمن أسماء الأشخاص الذين إتصلوا بها أثناء غيابها.
وتجدر الإشارة الى حقيقة ان إلتحاق دافينا بالعمل في الدار يعود الى عدة أسباب ، منها ، علاقة والدها السابقة بهذه الدار كمدير، وشريك ، وعرض العمل الذي تلقته من عمها فيليب ، وشعورها العميق بضرورة العمل لملء الفراغ الرهيب الذي طرأ على حياتها في أعقاب إنفصالها عن زوجها .ومع ذلك وبالرغم من جميع الأسباب المحقة والمعقولة التي جعلت دافينا توافق على العمل ، كانت والدتها تعارض ذلك ، بل ترفض رفضا باتا ، ان تشتغل إبنتها في الدار ، خشية أن يعود السيد لويد الى الإتصال بها نظرا لتعاقده معها ، ولكنها عادت ووافقت ، على مضض ، بعد ان علمت بأنه لا يزال في أميركا ، وبانه لم يقدم شيئا للدار من إنتاجه منذ ان سافر اليها قبل سنتين.

نيو فراولة 06-02-12 08:14 PM

وبعد لحظات ، وصلت الى مكتبها ، وباشرت فورا بغربلة اسماء لأولئك الأشخاص الذين إتصلوا بها أثناء غيابها ، وتقرير المخابرة الأولى التي يجب ان تقوم بها ، كانت لا تزال مشغولة بمراجعة الأسماء حينما دخلت عليها سكرتيرة عمها وبادرتها القول مبتسمة :
" آه ! الحمد لله على السلامة ! إتصلت بك عدة مرات فلم أجدك ، السيد غرير يريد مقابلتك وها هو الآن بإنتظارك ".
تاملتها وهي تتنهد وتفكر بان تطلب منها عدم البوح بانها غادرت المكتب خلسة ، لكنها عادت وغيرت رايها نظرا لعدم الخوض معها في أمور من هذا القبيل سابقا ، ثم إلتفتت اليها وقالت لها بأنها ستوافيه بعد لحظات .
وفيما كانت تستعد لموافاة عمها ، راحت تفكر بعذر ما تبرر به غيابها عن الدار ، إذ تصورت بان يكون غيابها هو السبب الذي جعله يستدعيها لمقابته ، ثم إستجمعت قواها ، ولملمت خيوط أفكارها ، وخرجت في طريقها الى مكتب السيد فيليب ، فوجدته منهمكا بتسجيل بعض الرسائل ، وجلست تنتظره حتى ينتهي .
إلا أن السيد فيليب أوقف آلة التسجيل ، بعد لحظات ، وبادرها قائلا وهو يبتسم :
" اهلا وسهلا يا عزيزتي ! أخبارك ! انا بإنتظار سماع أخبارك الطيبة على أحر من الجمر ، هل بلّغك المحامي أي خبر من النوع الذي يفرح قلب والدتك ؟".
" أجل ، أخبرني بانه علم بعودة السيد لويد من رحلته وذهابه من المطار راسا الى ويلز ، هل علمت بذلك ؟".
" كلا ، لم اسمع بهذا الخبر ... ولكنه خبر يسرني سماعه...".
وقاطعته لتقول متسائلة:
" لماذا يسرك سماع مثل هذا الخبر ؟".
" يسرني ذلك لأنه يوحي لي بأن السيد لويد قرر الإستقرار والعودة الى العمل والإنتاج"
"هكذا ! لم يخطر ببالي أبدا أنك ستتوصل الى إستنتاج كل تلك الأفكار من خبر كهذا؟".
حدّق بها وهو يرد عليها ساخرا ومداعبا :
" وماذا كنت تتوقعين مني أن أستنتج ؟ هل نسيت أن جميع آمالنا وتوقعاتنا مترابطة ببعضها ؟ على فكرة ، سمعت انك مصممة على حل قضية زواجك بصورة نهائية ، هل هذا صحيح ؟ يسعدني سماع ذلك ! ".
ويبدو أن ذكر موضوع الزواج اثارها ، فتاملته طويلا ثم اجابته قائلة بحدة :
" حسنا ، هل لك يا عمي أن تحدثني عن توقعاتك ... واي زواج هذا الذي تتحدث عنه .... زواج يصعب وصفه وتصوره او بالأحرى تسميته زواجا بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة ...".
قالت ذلك وسكتت تفكر ثم تابعت حديثها بلهجة أكثر تهكما وسخرية :
" الحق علي إذ كان يجب ان اتجاهل تقاليد اسرتي واتنكر لحسبي ونسبي واكتفي بمعاشرة السيد لويد خارج نطاق الحياة الزوجية ، لو تصرفت على هذا النحو لما أصبح زواجي مصدرا للتندر والتهكم ".
" مهلا ، مهلا ، يا عزيزتي ! ارجو ان تفهميني ، لم اقل شيئا يثير النرفزة ، انا أعرف الكثيرين ممن تزوجوا بدافع أضعف وأقل أهمية من الدوافع التي دفعت بكما الى الزواج ،ونجحوا في حياتهم الزوجية ".
" هل تقصد بأنني سبب فشل زواجنا . إذا كنت تعتبر بان السير بعيدا وراء الأحلام والأوهام بعقد مسيرة الحياة الزوجية ، يجوز عندئذ لك أن تعتبرني المسؤولة عن الفشل ".
تأملها العم فيليب بحنان وهو يفكر بانه أغاظها من حيث لا يدري فرد مستدركا :
" سامحيني يا عزيزتي إذا كنت اخطأت بحقك ، معاذ الله أن يكون قصدي إغاظتك، بالعكس إذ انني أتحمل بعض المسؤولية عما جرى بينك وبين لويد ، وثقي أيضا بأن والدتك تشاركني مثل هذا الشعور ".
" أعرف ذلك وقد حاولت ان أفاتحها بالموضوع و ....".
فقاطعها قائلا :
" لكن المشكلة ، يا عزيزتي ، أن والدتك لا يمكن أن تقتنع بشيء لا تؤمن به... أعتقد بأن لويد أخطأ التصرف نحوها، إذ كان من اللياقة ان يتصرف معها بطريقة لبقة ، او على الأقل يتظاهر نحوها بانها جديرة بالإحترام ، لا أظنه كان سيخسر شيئا لو أنه تصرف معها باقل قدر ممكن من الكياسة واللياقة ولكنه ، لم ...".
وقاطعته لتقول :
" إنني اعرف نفسيته ... إنه يكره التظاهر والمجاملة الفارغة ، خذني أنا مثلا على ذلك ، لم يحاول إطلاقا خلال صداقتنا الطويلة أن يقول فيّ كلمة مديح او إطراء ، لا على سبيل المجاملة ولا على سبيل المصارحة ، كنت بنظره مجرد ألعوبة يلهو بها، لا أكثر ولا أقل ".
" غريب ! هذا شيء لم أعرفه عنه ، هل انت واثقة مما تقولين ؟".
حدّقت فيه من الدهشة وردت قائلة :
" ما كنت اتوقع منك ان تطرح علي هكذا سؤال ، يا عمي ، وانت أدرى الناس بما حصل ، هل نسيت ؟ أنت تعرف ، والكل يعرف أنه سافر الى أميركا بمفرده وتركني هنا وحدي ، ومرت الأيام بدون أن أسمع منه شيئا ، ثم دخلت المستشفى لأنقاذ حياة طفلي فلم انجح ... وكتبت اليه ارجوه كي يعود ، ويبقى بجانبي ، كي يواسيني عندما كنت في أمس الحاجة اليه ، فماذا كانت النتيجة ؟ تصور أنه تجاهلني وفضّل البقاء هناك للتلهي بإنتاج وإخراج برامج تلفزيونية سخيفة ، تافهة ، في حين كنت انتظر عودته بفارغ الصبر ، وغالبا ما كنت اتصوره واقفا بالباب غرفتي في المستشفى ، ومع ذلك ، لم افقد الأمل ، فإتصلت به هاتفيا ، هل تعرف ماذا كان جوابه ؟ انت لا تعرف ، لكنني ساقول لك ماذا قال لي ، قال لي أن اكف عن مضايقته وملاحقته وتعكير صفو حياته الهانئة التي يعيشها ، هل هذا شيء معقول ؟ هل هذا تصرف يليق بالرجال أمثاله ؟ عندها ، صممت على الإنتقام منه ، لم أنم تلك الليلة قبل أن انهي كتابة رسالة اليه أخبرته فيها بتصميمي على هجره وقطع علاقتي به الى الأبد وإعتبار كل ما كان بينا قد إنتهى ،ومع ذلك ، لم يتنازل ويرد على رسالتي ، وهكذا إنقطعت أخباره وإنقطعت علاقاتنا وما زالت ، منذ ذلك اليوم حتى الساعة....".

نيو فراولة 06-02-12 08:15 PM

فأطرق العم فيليب رأسه وكانه يقول لنفسه : مسكينة أنت يا دافينا صامتة، تارة تشهق وطورا تتنهد كالأم المنكوبة ... وعبثا حاولت أن تضفي مسحة من الإبتسام على ملامح وجهها الحزين ، ثم إلتفتت الى عمها وقالت :
" كم يحز في نفسي كلما خطر ببالي ان تلك كانت النهاية .... نهاية احلامي واحزاني ، ولكن ....".
فقاطعها عمها ليقول لها بلطف وحنان :
" لا تخافي يا عزيزتي ما دمت حيا ، وثقي بأنني سابقى الى جانبك ، الحق معك ... والحالة ، كما وصفتها ، لا تطاق أبدا ، لكن يبقى علينا مواجهة كل تلك الأمور بالروية والتعقل ، أليس كذلك ؟".
" نعم ، إن ما تقوله هو عين الصواب ".
هنا ، فكر العم فيليب بأن يغيّر مجرى الحديث ، علّه بذلك يقنعها بما كان يجول في خاطره من افكار ، فتاملها لبرهة ثم سألها :
" هل خطر ببالك يوما ان تبحثي موضوع زواجك بعمق ، بينك وبين نفسك ؟ فإذا لم تفعلي ذلك بعد، ارجوك ان تحاولي ، انا متأكد بأنك ستتوصلين الى نتيجة ما ، إذا فعلت ذلك ..".
صمت يفكر ثم تطلع اليها وتابع يقول :
" ما رايك بالأتصال الشخصي؟".
" ماذا تقصد يا عمي؟".
" مجرد سؤال لمعرفة رأيك فيه".
" أظن بأنني فهمت الآن ".
" إذن أرجوك دراسة هذا الموضوع بإهتمام كلي تحسبا لأي طارىء في المستقبل القريب ".
" لكن لا مبالاته ، وصمته الرهيب ، أمران لا يطاقان ، أظنه يتصرف عل هذا النحو عن قصد ، وإلا كيف يمكن تفسير إحجامه عن الإجابة على الرسائل العديدة التي بعث بها المحامي بريستو اليه؟".
" ما العمل إذن ؟".
" لست أدري ... من الواضح أن فكرة الإتصال بلويد شخصيا لإقناعه بالموافقة على الطلاق تحتل مركز الصدارة بين الحلول التي طرحت لمعالجة هذا الموضوع ، لقد سبقك السيد بريستو الى طرح الفكرة اثناء مقابلتي إياه اليوم".
" صحيح ؟ وماذا كان تعليقك عليها؟".
" لا شيء سوى انني وعدته بدراستها وتبليغه قراري النهائي بشأنها".
" هذا يعني أنك لم تعارضي الفكرة ".
" كلا ، لم أعارضها ، إذ ليس من طبعي أن اعارض لمجرد المعارضة ، خاصة إذا كانت الفكرة تسهل أمامي الأمور ".
وهنا ، همهم السيد فيليب وإبتسم إبتسامة عريضة كمن يكتشف شيئا جديدا بصورة مفاجئة ، وينتهز الفرصة للإعلان عنه ، ثم حدّق فيها وقال :
" إسمعي يا عزيزتي ! إذا كنت توافقين حقا على الذهاب والإتصال بالسيد لويد شخصيا ، فإنني أقترح عليك الذهاب والإتصال به بصفتك مندوبة الدار ، ومكلفة للتفاوض معه بشأن العقد المبرم بينه وبين الدار والذي لم ينفذ حتى الآن ، وإياك ان تبحثي معه موضوع الطلاق ، لا من قريب ولا من بعيد ، أو موضوع رسائل محاميك ، أما إذا حاول هو التطرق الى موضوع الطلاق فليحاول ، وعندها تعرفين كيف تتصرفين".
" لكن ، هل تظن بأن هذه اللعبة ستنطلي عليه؟".
" لا باس ، المهم هو ان الزيارة ستفاجئه ، وقد تؤدي الى نتائج طيبة ، آه ، لو خطرت ببالي هذه الفكرة قبل توكيل المحامي بريستو لكانت وفّرت عليك الكثير من المتاعب والمآسي ، لا يهم ، المهم أن تذهبي قريبا بدون ان تراودك أية فكرة بالدخول في معركة معه ، وإلا ستكون النتيجة مخيّبة لآمالنا".
وبدا للعم فيليب أن دافينا كانت راضية عن فكرته الجديدة ، وربما اصبحت مستعدة للسفر الى مقاطعة ويلز ، حيث يقيم لويد الآن ، على الفور ، وقد كان صادقا في تصوره ، إذ بادرته قائلة وهي تبتسم :
" موافقة يا عمي ! لا أظن بان هناك فائدة ترجى من إنتظاره للقيام بالخطوة الأولى ، سأقوم بهذه المحاولة ، وليحدث ما يحدث".
وإنشرحت اسارير العم فيليب لدى سماعه ذلك ، فراح يتأملها وهو يداعب ذقنه بأصابعه ، ثم أجابها قائلا :
" ولا تنسي أن تبشريه بالجولة الجديدة التي ستكلّفه الدار القيام بها للولايات المتحدة بعد إكمال الترتيبات الخاصة بها ، أعتقد بأن هذا كل ما عندي ، وأتمنى لك التوفيق في مهمتك ، مع السلامة ! ".
خرجت دافينا من مكتب عمها وتوجهت فورا الى مكتبها ، إلا ان خبر الإعداد لرحلة جديدة يقوم بها زوجها الى الولايات المتحدة ، أقلقها واربكها ، إذ أنها لم تنس بعد النكسات والنكبات التي عانت منها بسبب الرحلة الأولى التي قام بها بمفرده ، بعد أن كانت تعد نفسها لمرافقته ، وتضع الخطط المختلفة لزيارة واشنطن ، وسان فرنسيسكو ،ونيو أورليانس ، وشلالات نياغرا ، بالإضافة الى المرارة التي شعرت بها لحظة عرفت الشخص الذي عرقا موضوع سفرها الى أميركا لتمضية شهر العسل هناك.
دخلت الى مكتبها واغلقت الباب وراءها ، ثم جلست وراحت تتأمل الأوراق المكدسة على مكتبها ، وكم كانت دهشتها عندما وجدت بين الأوراق مخطوطة كتاب يحكي قصة زواج فاشل ، كما تبين لها من بضع صفحات طالعتها ، فوضعتها جانبا وألقت برأسها على المكتبة ،وغرقت في لجة من الصمت ، كمن كان يتابع مشاهد حلم ن الأحلام الغريبة ، أو كمن كان يحاسب نفسه ويقارن بينه وبين كل من كانت له علاقة بالموضوع ، علّه يصل الى معرفة الحقيقة ، وفي غفلة من الزمن ، ووسط أصداء هذا الصمت الرهيب ، وكاني بها تساءلت ، في غمرة هذا الإنفعال الذي داهمها وهي تقرأ مقدمة قصة مماثلة للقصة التي كانت تعيشها ، عن سير الإحداث التي بدأت تتوالى منذ زواجها ، لا شك في أن دافينا سالت نفسها، وحاولت الإجابة عن كل سؤال طرحته على نفسها بنفسها ، علّها تتوصل الى معرفة الحقيقة، فترتاح نفسيا ، وتعطي لكل ذي حق حقه.

نيو فراولة 06-02-12 08:16 PM

وأول سؤال تصورته هو: ترى ، متى وكيف بدات المشاكل ؟ ومن هو الذي إفتعلها ؟ هل إفتعلتها امي ؟ ربما ! من يدري ، ربما كانت هي التي زرعت بذور الشك بيننا قبل ان نحتفل بزواجنا ، لماذا جاءت الى غرفتي في صبيحة ذلك اليوم الذي كنا سنحتفل بزواجنا فيه؟
وهنا تصورت والدتها وهي تختلس النظر اليها من شق الباب ، بوجهها الشاحب ، وقهقهاتها الساخرة ، وكلماتها اللاذعة، وتذكرت ما قالته لها ، وراحت تردد اقوالها بينها وبين نفسها : لو كنت تتمنين لي السعادة لما كنت تستعجلين الزواج من شخص غريب وبعيد عنا ، لماذا كل هذه العجلة؟ لو كان زوجك المنتظر يتحلى ببعض صفات المرحوم والدك ، من حيث اللطف والتهذيب والأخلاق وخاصة إحترام الغير لكنت افهم ظروفك وابارك هذا الزواج ".
إكتفت دافينا بالإصغاء الى والدتها وهي تلقي عليها محاضرة عن آداب السلوك وحسن المعاملة ، كان بودها أن ترد على كل كلمة قالتها لها ، ولكنها احجمت عن ذلك إحتراما منها لرمز الأمومة ، كان بودها أن تذكّرها بقدسية الأسرار الزوجية وواجب الإحتفاظ بها ، وكادت أن تذكّرها بجهلها قواعد إجراء المقارنة ، وإفتقارها الى الشجاعة الأدبية للإعتراف بالحقيقة، وأن تذكّرها بالحياة البائسة التي عاشتها تحت كنفها منذ ولادتها وحتى وفاة والدها ، فضلا عن معاملتها الفظيعة لوالدها ، وكيف كانت تبادله لطفه وتهذيبه وتسامحه بالكبرياء والعجرفة والوقاحة وقلةالحياء... كان بودها أن تذكّر والدتها بكل هذه الأمور ، ولكن تقديرها وإحترامها لرمز الأمومة منعاها من قول ذلك .
وما ان غاب شبح والدتها من خيالها حتى برز لها شبح لويد ، ساعة سبقها في الوصول الى قاعة مجلس عقود الزواج ، فتصورت الشكوك والظنون التي رافقتها خلال جميع حركاتها وسكناتها ، إبتداء من الإحتفال بمراسيم الزواج ، مرورا بالحفلة التي أقامها لهما عمها فيليب بهذه المناسبة ، ولغاية وصولهما الى عتبة الشقة التي كان يقيم فيها ... نظرات شاخصة فاحصة ... اشبه بنظرة السيد الى عبيده ... نظرات دفعتها دفعا الى الإستنتاج بأنه يريد الإيحاء لها بأنه اصبح سيدها المطاع وأصبحت هي خادمته المطيعة ، خلافا لما كان يوحي لها قبل الزواج من مودة وإحترام ، وتقدير ... ثم تصورت الحيرة التي أصبحت تتخبط فيها حول تفسير إيحاءاته وإشاراته التي كان يبثها بنظراته الباردة والشاخصة التي لا تخلو من الظنون ومحاولة فرض الإرادة ... عند هذا الحد ، بدأت ملامح زوجها ونظراته الغريبة تختلط بشبح والدتها وكلماتها المعارضة لزواجها بمثل هذه السرعة ، والناصحة لها بضرورة التريّث وأخذ الوقت الكافي لمعرفة رفيق العمر على حقيقته ، فإعتبرت والدتها محقة في ما ذهبت اليه .
خلاصة القول أن دافينا ، بالرغم من تصوراتها الشاملة بحثا عن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء النكسات التي تعاني منها ، ظلت عاجزة عن الوصول الى قرار نهائي وحاسم بشانها ، يضع حدا للتأويلات التي كانت تدور حول تلك الأسباب ، وظلت تتارجح بين الشك واليقين بسبب التناقضات التي كانت تتجاذبها ، مثلا ، كانت تتصور بأن زوجها بدأ يعاملها بقساوة وإحتقار بعدما تعرض للأهانة والإحتقار من قبل والدتها ، ثم تغير رأيها وتقول ان والدتها كانت على حق عندما نصحتها بعدم التسرع في الزواج ، وأخذ الوقت الكافي للتعرف على فتى الاحلام ، وإلا فإنها ستندم ساعة لا ينفع الندم ، الى آخر ما هنالك من شؤون وشجون ، ومن مطابقات وتناقضات ، حتى أنها حملت نفسها قسطا من المسؤولية عما جرى ، إذ أنها أمضت الفترة القصيرة التي سبقت الزواج ، في اللهو والمرح ، وزيارة المطاعم ، والحدائق العامة ، والمعارض ، والمسارح ، والمتاحف ، والمكتبات ، والمسابح ، بدون ان تحاول التعرف على رفيق العمر بعمق ، وإكتفت بمعرفة إسمه ، وإسم مدرسته وجامعته ، وعناوين الكتب التي ألّفها ، وأنواع الطعام المفضّلة لديه وغير ذلك من الأمور السطحية ، وها هي الآن تدفع الثمن.


الساعة الآن 12:29 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية