منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   136 - وجه في الذاكرة - سارة كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t172146.html)

نيو فراولة 05-02-12 10:50 PM

136 - وجه في الذاكرة - سارة كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
136- وجه في الذاكرة - سارة كريفن - روايات عبير القديمة

الملخص

آثار الحب الأول تبقى محفورة في ذاكرة الانسان ،وكثيرا ماتكون هذه البصمات كالجمر تحت الرماد.
دافينا جرحها الحب .... فإنحنت كغصن قصفته عاصفة . تركها زوجها لويد لمدة سنتين....لكنه عاد فجأة الى البلاد ، فسافرت دافينا الى ويلز للقائه ومطالبته بإطلاق سراحها والموافقة على الطلاق..... وهناك تكتشف دافينا ان والدتها كانت وراء مشاكلها مع زوجها . تواجه الحقيقة لأول مرة , بانها لاتزال تحب لويد لكن هو ماهو شعوره ,خاصة بعد ان تركها لمدة سنتين ؟

زهرة منسية 06-02-12 12:11 AM

شكرا على مجهودك فى سبيل أسعادنا
يسلموا فراولايا

الجبل الاخضر 06-02-12 07:05 AM

باين عليها حلوه ننتظرك ياذوق:peace:

نيو فراولة 06-02-12 08:07 PM

1-غارقة في الأحزان


كان جو الغرفة الصغيرة خانقا من كثرة الأشياء المكدّسة ، ومن رائحة الجلد ، والورق ، ودهان الأثاث العتيق ، ومن الطبيعي ان يثير كل ذلك شعورا بالضيف في نفس كل من يدخلها ، هكذا شعرت دافينا غرير حالما دخلت الغرفة ، ووجدت نفسها كأنها واقفة بين أكوام من الركام أو الطلال .
وظلت واقفة في وسط الغرفة ، تتأمل محتوياتها ، ونوافذها العالية التي بدت وكأنها لم تفتح ابدا منذ تركيبها ، جاءت الى هنا وهي لا تدري ماذا يخبىء لها القدر ، كانت حائرة ، ومرتبكة ، ومنفعلة للغاية ، وحاولت جهدها ان تتغلب على مشاعرها المضطربة ، فلم تنجح ، كما انها لم تتمكن من إخفاء مظاهر العصبية التي كانت تنعكس بوضوح من خلال حركات يديها ، وتفاقم شعورها بالخيبة حين راحت تراقب يدها اليمنى وهي تتحرك ، بصورة تلقائية ولا شعورية ، نحو اليد اليسرى لتغطيها ، وتثير فيها ذلك الشعور الذي كان يراودها ايام كانت تضع خاتم الزواج في اصبعها ، وتلك الرعشة الحلوة التي دغدغت آمالها وأحلامها حين وضعته .
هذا وفيما بدت دافينا غارقة في ذكرياتها ، التي إختلط حلوها ومرها بشكل يستحيل معه التمييز بينهما ، كان محاميها ، السيد بريستو ، يتحدث مع احد الأشخاص على الهاتف بلهجة توحي بأنه واثق من نفسه ، كان يتكلم وهو يلوّح بيده تارة ، ويهز رأسه تارة اخرى ، بطريقة مثيرة وملفتة للنظر ، اشبه بمن يقوم بجولات ويخرج منها منتصرا.
منتديات ليلاس
في هذه الأثناء ، راحت دافينا تختلس النظر الى الملفات المكدسة على مكتبه ، بصورة عشوائية ، علّها تهتدي الى ملف قضيتها ،وتكوّن لنفسها فكرة عن مجرياتها ، من خلال الأوراق المحفوظة فيه ، غير أن السيد بريستو أحبط محاولتها هذه ، إذ راح يسرع في إنهاء المكالمة الهاتفية .
وضع السماعة في مكانها وإلتفت اليها وهو يعتذر عن إطالة الحديث ويقول :
" آسف جدا يا آنسة دافينا ! كيف الحال ؟ وما وراءك من أخبار ؟".
قال لها ذلك وصمت وهو يتأملها طويلا ، كأنه يحاول قراءة افكارها ن الى ان قطعت دافينا حبل هذا الصمت قائلة بدهشة :
" الأخبار عندك ! جئتك لتزودني بالأخبار فوجدتك خالي الوفاض ، ما الخبر ؟".
تاملها السيد بريستو ، وقد زمّ شفتيه ، كانه يريد أن يوحي لها أن لا أخبار لديه ، ثم أخذ يتأمل الملفات أمامه ، ويقلبها كيفما إتفق ، الى ان إختار من بينها ملفا ، فرفعه ووضعه أمامه ، ثم رفع راسه وقال :
" يؤسفني القول بأن لا جديد عندي أطلعك عليه سوى ان السيد لويد ما يزال يرفض الرد على رسائلي".
عضّت دافينا شفتها من الدهشة وردت تقول متسائلة :
" هل أنت متأكد من وصول رسائلك اليه ؟ من المعروف أن السيد لويد دائم التنقل ، من مكان الى آخر ، مما يشكل صعوبة في إيصال الرسائل اليه ، أليس كذلك ؟ إنك خيبت أملي كالعادة ".
" ربما كنت صادقة في حدسك ، وهذا يعني بأن الذنب ليس ذنبي ، ولكن ، كيف تفسرين رفضه الرد على ذلك العدد الكبير من الرسائل المضمونة مع إشعار بالوصول ، التي أرسلتها اليه حتى الآن ؟ لا تقولي لي بأنها لم تصله ، إذ أن هكذا رسائل تعاد عادة الى مرسلها في حال عدم تسليمها لصاحبها ، شيء غريب ومحير للغاية ! لا أستطيع فهم أو تفسير ما يجري ".
صمت لحظة وهو يفكر ، ويبتسم بلجاجة كمن يحمل في صدره سرا دفينا ، وينتظر فرصة مناسبة للبوح به ، ثم إلتفت اليها وتابع قائلا :
" دعيني أبوح لك بسر ... بل أبشرك بشرى عظيمة ...لقد سمعت بأن السيد لويد عاد الى بريطانيا ، و...".
وقاطعته لتتساءل بمنتهى الدهشة والعجب :
" صحيح ؟ متى عاد ؟ انا لا أصدق ذلك ، مستحيل ! نعم ، مستحيل أن أصدق ذلك ، لأنني اعرف جيدا بأنه لا يسافر ولا يعود بدون نشر الخبر في الصحف والمجلات ،وسط هالة فضفاضة من الدعاية الطنانة ".
" لكنه عاد الى بريطانيا ، صدقيني يا دافينا ، تأكدت من هذا الخبر وعرفت المكان الذي توجه اليه فور وصوله ...".
قال ذلك وصمت يفكر كأنه يحاول تذكر إسم ذلك المكان ، ثم تابع قائلا :
" أجل ، تذكرت الآن إسم المكان الذي توجه اليه... نعم تذكرت ... لقد توجه الى مكان يدعى بلاس غوين ... أتمنى ان أكون لفظت إسم المكان صحيحا ".
" آه ! عرفت المكان الان ، أظن بأنه يقع في ويلز ، أليس كذلك ؟ المهم ، أرجو أن تساعد عودته على تسهيل الأمور ، هذا كل ما أتمناه ".
" ربما ، ولكنني لست أدري كيف ! هل نسيت بأنه لم يتنازل ويرد على مجرد رسالة واحدة من رسائلي ! ".
بدت دافينا محتارة ومرتبكة من سماع خبر عودة لويد ، ولكن كان يصعب عليها تصديق مثل هذا الخبر ، وهي التي تعرف جيدا ، من خلال معايشته وخبرتها معه ، أن لويد يأبى التنقل والتجول بدون الإعلان عن ذلك ، وهذا ما كان يجعلها لا تصدق الخبر ، إذ كيف تصدق ذلك وهي تعلم علم اليقين بأن لويد ، في زحفه الدائب نحو الشهرة والعظمة ، يتوسل الدعاية كافضل وسيلة لإضفاء المزيد من الشهرة والعظمة على شخصيته ومؤلفاته ، وهكذا ظلت تتأرجح بين تصديق خبر العودة وعدم تصديقه ، وهي تتمنى ، في قرارة نفسها ، لأن لا يكون الخبر صحيحا ، وان يبقى في أميركا الى ما شاء الله ، وبدأت تشعر بالخوف من أن عودته ستضع حدا للحياة الهادئة الهانئة التي نعمت بها أثناء غيابه.

نيو فراولة 06-02-12 08:09 PM

في هذه الأثناء ، كان المحامي يراقبها ويتأملها وهو غارق في التفكير ، عله يتوصل الى إيجاد طريقة ما يمكنه بواسطتها ان ينقذها من المأزق الذي تتخبط فيه ، ثم تطلع اليها وخاطبها على نحو من الجدية والرصانة قائلا :
" هل تذكرين بانك قلت لي ذات يوم ، أن زوجك سيوافق على الطلاق بمنتهى السرور وبدون أي تردد ! أجل ، هل لك أن تخبريني عن الدوافع التي جعلتك تعتقدين بأنه سيوافق ؟".
تنهدت دافينا وردت قائلة :
" كانت هناك دوافع كثيرة جعلتني أميل الى الإعتقاد بأنه سيوافق ".
"وعلى إفتراض أنه رفض ، هل فكرت بالخطوة التالية ؟".
" عندها ، سيكون لكل حادث حديث ".
" المسالة ليست بهذه البساطة لأنه سيكون عليك ، إذا رفض الطلاق ، الإنتظار لمدة ثلاث سنوات ، مفهوم ! ".
" وما العمل ؟".
قالت ذلك بحدة وسكتت وهي ترتعش وتنتفض من حدة غضبها وإنفعالها ، فيما ظل السيد بريستو صامتا ، كما لو انه يريد أن يعطي لنفسه مزيدا من الوقت ، ولدافينا الوقت الكافي لأستعادة هدوئها ، ثم إلتفت اليها وخاطبها بلطف قائلا :
" لكنه القانون ، يا آنسة غرير ، أرجوك أن تفهمي هذا الواقع ، وتقدّري ظروفك ، وتشفقي على نفسك ، هذا هو منطق القانون ، وليس باليد حيلة ".
"وما العمل ؟".
" ليس أمامك سوى شيء واحد .. إذا وافقت على تنفيذه ، إستطعت حل القضية ".
" لست أفهم ماذا تقصد ! ارجوك أن تكون أكثر صراحة ".
"حاضر ! سأكون صريحا جدا بشرط أن تكوني أنت أيضا صريحة معي ، انا أعتقد بأن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يؤدي الى حلحلة المشاكل هو الإتصال بزوجك شخصيا ، وإلا ...".
فقاطعته وقالت بحدة :
" أخطأت الهدف ، يا سيد بريستو ، إذا كنت تقصد بأن اقوم أنا بهذا الإتصال الشخصي ".
ورد عليها قائلا بلطف وبشاشة :
" ولم لا ! هذا شيء طبيعي ومالوف ، وغالبا ما يؤدي الى تسوية الأمور بين المتنازعين ، بمنتهى السهولة والبساطة ، مهما كانت الأمور معقّدة ، فكيف بالحري إذا كانت القضية بسيطة الحل كقضيتكما ، خاصة انها محصورة بين طرفين إثنين بدون أن تتخللها اية تعقيدات او مداخلات ، أو أي نزاع حول الأولاد والثروة والمال وغير ذلك من الشؤون والشجون ، لقد طلبت مني الصراحة وها أنا قد وضعت جميع الأوراق أمامك ، ويبقى عليك أن تحسني الإختيار ".
إحتدت دافينا وإغتاظت ، لكنها ظلت صامتة تفكر بأن محاميها يحاول ان يضعها أمام خيارين ، لا ثالث لهما ، فإما ان تتنازل عن كرامتها وكبريائها وترضى بالإتصال بزوجها شخصيا علها تستطيع إقناعه بالموافقة على الطلاق ، وأما الإنتظار لغاية إنقضاء المدة القانونية ، ثم رفعت رأسها وحدقت فيه والدموع تتدحرج على خديها ، وقالت :
" المشكلة يا سيد بريستو هي أنني أكرهه وأقسمت ألا أراه ، فكيف والحالة هذه تريدني أن اذهب لمقابلته شخصيا ! كلا ، لن أذهب لمقابلته ، لا أريد أن أراه أبدا ".
" هذا يعني تعقيد الأمور ودفع القضية الى حائط مسدود ، أرجوك أن تقبلي نصيحتي وتتصلي بزوجك شخصيا ،وتبحثي معه القضية من كافة جوانبها ، ومهما كانت النتيجة ، فإنها ستكون لصالحك ، إذ ان المحكمة سوف تعتبر ذلك دليلا على حسن نواياك ".
ولكن دافينا ظلت متمسكة برايها ، بدليل أنها إزدادت حدة وعصبية، وراحت تردد قولها :
" لا ، أبدا ، لا لن أتصل به شخصيا ...".
فقاطعها السيد بريستو قائلا :
" أرجوك أن تفهميني ! هناك إجراءات قانونية لا يمكننا تجاوزها أو تجاهلها ، وإعلمي بأنه لا يمكن حل مشكلتك بمجرد نزع خاتم الزواج من أصبعك ، أو العودة الى إستعمال إسم عائلتك ، فهذه تصرفات شخصية لا يقرها القانون ( صمت قليلا يفكر ، ثم تابع يقول ) فكري في الموضوع بجدية ، وإدرسي الفكرة من كافة جوانبها ، ثم أبلغيني قرارك النهائي خلال يومين ، لا تنسي ! أنا بإنتظارك كي اعرف كيف اتصرف ".
نهضت دافينا متثاقلة وهي تقول بصوت خافت كالهمس :
" حاضر ... حاضر ! سوف أدرس الموضوع بكل جدية وإهتمام ، من يدري ! ربما كنت على حق يا سيد بريستو ، وربما أدت الفكرة الى نتائج طيبة ".
قالت ذلك ومشت نحو الباب ، حيث رافقها السيد بريستو وودّعها قائلا :
" إطمئني بالا يا دافينا ، وثقي بأن المحاولة لا بد من أن تعطي ثمارها ، عاجلا ام آجلا ، ومهما تكن النتيجة فإنها تبقى افضل من الطلاق ... الطلاق ، كم هو بغيض وشنيغ ! المهم أن تحاولي الإستفادة من جميع الفرص المتاحة امامك ، فلا بد من أن تنجح واحدة منها لتبعد عنك الهموم ، وتبدد الغيوم السوداء التي تظلل اجواء حياتك ، إنني اتطلع بلهفة وشوق الى مجيء ذلك اليوم الذي سيكون اسعد ايام حياتك ، مع السلامة".
خرجت دافينا من المكتب تلفها الحيرة ، ولا تدري الى أين تذهب ، او ماذا تفعل ، فكرت بان تعود الى البيت لتخبر والدتها بما جرى بينها وبين السيد بريستو ، ولكنها غيرت رايها ، إذ تذكرت بان والدتها كانت تتوقع سماع خبر موافقة زوجها على تطليقها ، وهذا أمر لم يحصل ، ولم يزل بعيد المنال ، كما أن الفكرة التي عرضها عليها محاميها ، لا يمكن أن تحظى بموافقة والدتها ، بأية صورة من الصور.

نيو فراولة 06-02-12 08:10 PM

لم يكن في جعبتها أي خبر سار تنقله الى والدتها ، ففضّلت تأجيل عودتها الى البيت ، والذهاب الى مكان آخر ، أي مكان يبعدها عن مقابلة والدتها اليوم ، وعن سماع التهم التي ستوجهها اليها .
وهكذا قررت الذهاب الى الحديقة العامة ، حيث يمكنها ان ترتاح من عناء ذلك الجو الخانق ، ومن وطأة المناقشات الحادة التي دارت بينها وبين السيد بريستو .
ما أن إنطلقت بها سيارة الأجرة في طريقها الى الحديقة العامة ، حتى أخذت تراودها تلك الذكريات الحلوة التي عاشتها ، عندما كانت تخرج برفقة لويد قبل الزواج ،وتلاحقت صور تلك الذكريات الجميلة في خيالها ، مقرونة باللوعة والأسى ، فتذكرت تلك الساعات الطويلة التي كانت تقضيها برفقته ، وفي الحديقة العامة ذاتها ، التي فكرت بالمجيء اليها هذا اليوم ، أو تلك اليام التي كانا يقضيانها في التجول حول المدينة، او زيارة الأماكن الأثرية والسياحية ، والمتاحف ، أو حضور إحدى المسرحيات في المساء ، أو تناول العشاء في زاوية هادئة من زوايا المطاعم المشهورة ، على انغام الموسيقى الناعمة ، وفكرت ، والمرارة تحز في نفسها ، بان تلك الأيام كانت لا أمتع ولا أروع ، وهيهات أن تعود ، آه ! كم يبدو الفراق شاسعا بين الأمس واليوم ، وبين ما كانت عليه حياتها من سعادة وهناء ، وما هي عليه اليوم من تعاسة وشقاء .
هذا وبالرغم من أجواء الهدوء التي كانت تسود الحديقة العامة ، ومظاهر الفرح والسعادة التي إنعكست على وجوه زوار الحديقة ، بدت دافينا غارقة في أحزانها ومآسيها ، كأنها غريبة عن هذا العالم ، واسيرة الذكريات الكئيبة ، وعاجزة عن مواجهة التحديات التي كانت تنتظرها ، وعن فهم حقيقة ما جرى لها وما سوف يجري .
منتديات ليلاس
ظلت جالسة في الحديقة، بضع ساعات ، بدون أن يفارقها الشعور بالحزن والأسى ، وبدت شاردة الذهن كأنها تشهد عرض مسلسل تلفزيوني من الذكريات الدرامية ، وهي تتوالى في ذهنها ، حلقة اثر حلقة، من البداية حتى النهاية ، فتصورت ذلك اليوم الذي شهد تعارفهما ، ثم دعوته إياها لتناول العشاء معه في احد المطاعم ، حيث عرض عليها فكرة الزواج منه ، وهو يلح عليها بأن ترضى به شريكا لحياتها ، وتبع ذلك صورة والدتها وما دار بينهما من نقاش عنيف حول موضوع الزواج ن إذ عارضت والدتها زواجها من شخص كالسيد لويد ، الذي وصفته بأبشع الأوصاف واقبحها ، وهنا تذكرت ذلك الحوار العنيف الذي جرى بينها وبين والدتها حول فائدة الزواج من السيد لويد ، فراحت تردده في ذهنها ، وتقول :
" اماه ، عرض السيد لويد علي الزواج ، وقد وافقت ، بصورة مبدئية ، ريثما انال موافقتك ".
" كلا يا إبنتي، انا لن أوافق على زواجك من رجل كهذا ، لا أفهم كيف تريدين الزواج منه ، إنه رجل سخيف وبليد وخشن الطبع ، ومتوحش.
" لكنه مؤلف وشاعر مشهور ، أرجوك ، يا أماه ، لا تعارضي زواجي منه لمجرد او اوصافه لا تعجبك أو لعدم إقتناعك بشهرته ".
" أية شهرة هذه التي تتحدثين عنها ! شهرته أشبه بالمثل القائل : يذهب المال ويبقى القرد على حاله ... الشهرة شيء عابر سرعان ما يطويها النسيان وتصبح في خبر كان ".
" ولكن عمي فيليب يرى العكس ".
" طبعا ! طبعا ! عمك فيليب ناشر ويهمه إرضاء المؤلفين ، الحق علي ، إذ كان يجب ألا أسمح لك بحضور الحفلة التي أقامها على شرفه ".
" هذا هو قدري ، قدري ان اقابله واتعرف عليه ".
" قدرك ؟ أنا أؤمن بالقدر ، المهم ، لن أوافق على هذا الزواج ، مفهوم ! ".
عند هذا الحد تذكرت دافينا الصدمة التي أصابت والدتها من جراء تهجمها عليها بهذه الطريقة غير المتوقعة منها إطلاقا ، وكيف راحت تطيب خاطر والدتها ، طالبة منها الغفران وهي تعانقها بحنان ، ولسان حالها يقول :
"آسفة يا أمي ! ارجوك أن تسامحيني على زلة لساني ، آه ، لو انك تعرفينه على حقيقته ".
"وهل تعرفينه انت على حقيقته ؟ إنك مخطئة إذا كنت تعتقدين بان رفقة ثلاثة أسابيع كافية لمعرفة الأنسان ، أي إنسان ، على حقيقته ، يقول المثل : في العجلة الندامة وفي التأني السلامة ، فلماذا كل هذه العجلة ! رايي ان تخطبيه لمدة محددة حتى إذا حدث بينك وبينه ما ليس في الحسبان ، أو ما لا يبشر بالخير ، أمكنك فسخ الخطوبة بسلام وبساطة ، وبدون أية مشاكل ".
" لا تخافي من عواقب زواجي المتسرع ، فقد صممنا على إنجاحه ، مهما تقلبت الظروف والأحوال ، وعلى الصمود بوجه جميع المحاولات التي يجوز أن تبذل من أجل إبعاد أحدنا عن الآخر ، وإفشالها ".
" إنني أفهم واقدر شعورك نحوه ، ومع ذلك ، أنصحك بالتفكير طويلا قبل الإقدام على الزواج بمثل هذه السرعة ".
" لكنني وعدته بالزواج منه بأسرع ما يمكن نزولا عند إلحاحه ، وبأن ابذل كل ما بوسعي لتحقيق احلامه ".
" الح عليك بالزواج سريعا خشية أن تغيري رأيك ، يا له من خبيث ماكر ! إنه داهية في الذكاء ويعرف من اين تؤكل الكتف ".
" ماذا تقصدين ؟".
" مسكينة أنت ، يا دافينا ! إنك طيبة القلب لدرجة أن طيبتك تعطل عقلك عن التفكير ".
" وهل تظنينني ساذجة الى هذا الحد ؟".
" معاذ الليه يا دافينا ، قصدي أن أقول بأنك تحاولين تحقيق أحلامه بدون التفكير في الأسباب التي تدفعه للإسراع في الزواج منك ".
" واي ضرر في ذلك ؟ لماذا كل هذا التشاؤم والتشكيك ؟".
" كلا ، انا لست متشائمة ، ولكنه الشك هو الذي يدفعني الى التفكير بأن هذا الإنسان يحاول إصابة عصفورين بحجر واحد ، الثروة والشهرة في آن معا".

نيو فراولة 06-02-12 08:12 PM

" كفى ، كفى ، يا اماه ! كفاك تهجا وإتهامات ، ثقي بأنني سأبقى تلك الإبنة الوفية التي عرفتها ... ولكن ارجوك الكف عن تحقير الرجل الذي قررت مشاركته الحياة ، حلوها ومرها، عسرها ويسرها ، افراحها واحزانها ، نجاحها وفشلها...".
" أجل ، لكنني لن اوافق على هذا الزواج ، لن أوافق على زواج إبنتي من شخص ينتمي الى إسرة مغمورة ، وإبن عامل في أحد المناجم ، لا يهمه سوى الوصول الى عرش الشهرة والثروة بعد الزواج منك ، إنك لا تعرفين الأهمية التي يعول عليها من وراء سعيه للزواج بإبنة شقيق ناشر مؤلفاته ، فضلا عن كونك إبنة شريك هذا الناشر ووريثته الوحيدة التي ينتظر أن ترث ثروة طائلة بعد بلوغها الخامسة والعشرين من العمر ، هذه هي الأسباب الحقيقية الكامنة وراء إلحاحه عليك بالموافقة على الزواج منه ، والحقيقة غالبا ما تجرح.......".
كان بودها ان يتوقف مسلسل كل هذه الذكريات الحزينة ، فتغادر الحديقة ، وتذهب الى مكان آخر ، علّها بذلك تشعر بعض الراحة ، وتقضي الساعات القليلة الباقية من عطلتها لهذا اليوم بعيدا عن الماضي ومآسيه .
لكنها ظلت عاجزة عن الإفلات من خيوط الماضي وذكرياته ، وسرعان ما بدأت تتذكر زوجها ، مرورا بالحفلة التي اقيمت على شرفه ، والتي شهدت تعارفهما ، ومبادرته الى دعوتها لتناول العشاء معه في الخارج ، فتصورت والخيبة تراودها ، التغيير الكبير الذي طرأ على حياته ، بدون ان تدرك الأسباب أو الدوافع التي قلبت إبتسامته الى عبوس ، ولباقته الى عجرفة ، وحنانه الى قساوة ، وبراءته الى خبث ، وصدقه الى دهاء ، وتواضعه الى تكبر ، ومودته الى جفاء .
وتخيّلته وهو يتقدم نحوها، بطلعته البهية ، وإبتسامته العريضة ، ويقول لها بمنتهى اللياقة والأدب:
" يشرفني جدا أن أدعوك لتناول العشاء معي في الخارج ويسرني إذا كنت تتكرمين بتلبية دعوتي هذه ".
وإذ بها تبتسم له بصورة عفوية ، وترد عليه قائلة :
" لكنني أخشى من أن تغير رايك بعد ان تعرفني ..." وتصمت لحظة ثم تتابع القول :
" أهلا وسهلا بك ! انا دافينا غرير ".
وتاملها مليا ثم حوّل نظراته عنها ليتطلع الى زاوية الصالة ، حيث كان عمها فيليب يتحدث مع بعض الشخصيات ، ثم سألها بدهشة :
" إبنته ؟" وهو يشير باصبعه الى العم فيليب .
" كلا ، إنه عمي ".
" تشرفنا ! ".
" إنني قريبة الشبه بأمي ".
" هل تعرفينني عليها ، بودي التأكد من صحة المثل القائل : كما البنت كذا الأم ، لمعرفة كيف ستغدو فتاة أحلامي ".
وقفت امامه xxxxxة فيما هو يحدق فيها ، كما يفعل قاضي التحقيق أثناء إستجوابه أحد المتهمين ، كأنه يحاول ان يسبر أغوار ذاتها لمعرفة مدى إنسجام البراءة الكامنة في حديثها مع تلك البراءة الكامنة في داخلها ، او إفهامها بأن ليس امامها سوى قبول دعوته والخروج معه لتناول العشاء في مكان ما ، ومرافقته كظله الى ما لا نهاية ، وتظل مع ذلك ،صامتة ،تفكر بعمق ، حتى تتصور في النهاية ان قدرها وقدره كانا يسيران في إتجاه واحد نحو نقطة الألتقاء ، ثم اشارت عليه بما يفيد قبولها لدعوته ، وأخذت طريقها ، بصورة لا شعورية ، نحوعمها فيليب ، ودّعته وإعتذرت له عن إضطرارها لمغادرة الحفلة قبل الأوان ، وسط دهشة المدعوين وحيرتهم ، لتلتقي السيد لويد في الخارج ، ويذهبان معا الى الحديقة العامة ، ريثما تفتح المطاعم أبوابها لإستقبال الزبائن.
منتديات ليلاس
لم يكن مجيء دافينا الى الحديقة العامة بحثا عن الراحة إلا ليزيدها لوعة واسى ، وقد حز في نفسها أنجرافها وراء الذكريات المؤلمة والمؤسفة في آن ، فيما الناس حولها ، كل الناس ، كانوا يتبادلون أطراف الحديث ويضحكون ، ويسرحون ويمرحون ، كانهم يعيشون في دنيا غير دنياها ، وما لبثت حتى أدركت أن الوقت قد داهمها ، فهبت واقفة وسارت في طريقها الى الخارج.
كانت أصداء بعض العبارات المؤثرة التي تبادلتها مع والدتها ، ومع السيد لويد ، ومشاهد بعض الأحداث التي رافقتها، لا تزال تتوالى في خيالها فيما كانت تنتظر مرور إحدى السيارات كي تنتقل بها الى مكتبها في دار النشر ، وظلت تراودها حتى وصلت الى الدار.
مرت دافينا وهي في طريقها الى مكتبها في الطابق الثاني ، بموظفة قسم الإستعلامات ، التي ناولتها لائحة تتضمن أسماء الأشخاص الذين إتصلوا بها أثناء غيابها.
وتجدر الإشارة الى حقيقة ان إلتحاق دافينا بالعمل في الدار يعود الى عدة أسباب ، منها ، علاقة والدها السابقة بهذه الدار كمدير، وشريك ، وعرض العمل الذي تلقته من عمها فيليب ، وشعورها العميق بضرورة العمل لملء الفراغ الرهيب الذي طرأ على حياتها في أعقاب إنفصالها عن زوجها .ومع ذلك وبالرغم من جميع الأسباب المحقة والمعقولة التي جعلت دافينا توافق على العمل ، كانت والدتها تعارض ذلك ، بل ترفض رفضا باتا ، ان تشتغل إبنتها في الدار ، خشية أن يعود السيد لويد الى الإتصال بها نظرا لتعاقده معها ، ولكنها عادت ووافقت ، على مضض ، بعد ان علمت بأنه لا يزال في أميركا ، وبانه لم يقدم شيئا للدار من إنتاجه منذ ان سافر اليها قبل سنتين.

نيو فراولة 06-02-12 08:14 PM

وبعد لحظات ، وصلت الى مكتبها ، وباشرت فورا بغربلة اسماء لأولئك الأشخاص الذين إتصلوا بها أثناء غيابها ، وتقرير المخابرة الأولى التي يجب ان تقوم بها ، كانت لا تزال مشغولة بمراجعة الأسماء حينما دخلت عليها سكرتيرة عمها وبادرتها القول مبتسمة :
" آه ! الحمد لله على السلامة ! إتصلت بك عدة مرات فلم أجدك ، السيد غرير يريد مقابلتك وها هو الآن بإنتظارك ".
تاملتها وهي تتنهد وتفكر بان تطلب منها عدم البوح بانها غادرت المكتب خلسة ، لكنها عادت وغيرت رايها نظرا لعدم الخوض معها في أمور من هذا القبيل سابقا ، ثم إلتفتت اليها وقالت لها بأنها ستوافيه بعد لحظات .
وفيما كانت تستعد لموافاة عمها ، راحت تفكر بعذر ما تبرر به غيابها عن الدار ، إذ تصورت بان يكون غيابها هو السبب الذي جعله يستدعيها لمقابته ، ثم إستجمعت قواها ، ولملمت خيوط أفكارها ، وخرجت في طريقها الى مكتب السيد فيليب ، فوجدته منهمكا بتسجيل بعض الرسائل ، وجلست تنتظره حتى ينتهي .
إلا أن السيد فيليب أوقف آلة التسجيل ، بعد لحظات ، وبادرها قائلا وهو يبتسم :
" اهلا وسهلا يا عزيزتي ! أخبارك ! انا بإنتظار سماع أخبارك الطيبة على أحر من الجمر ، هل بلّغك المحامي أي خبر من النوع الذي يفرح قلب والدتك ؟".
" أجل ، أخبرني بانه علم بعودة السيد لويد من رحلته وذهابه من المطار راسا الى ويلز ، هل علمت بذلك ؟".
" كلا ، لم اسمع بهذا الخبر ... ولكنه خبر يسرني سماعه...".
وقاطعته لتقول متسائلة:
" لماذا يسرك سماع مثل هذا الخبر ؟".
" يسرني ذلك لأنه يوحي لي بأن السيد لويد قرر الإستقرار والعودة الى العمل والإنتاج"
"هكذا ! لم يخطر ببالي أبدا أنك ستتوصل الى إستنتاج كل تلك الأفكار من خبر كهذا؟".
حدّق بها وهو يرد عليها ساخرا ومداعبا :
" وماذا كنت تتوقعين مني أن أستنتج ؟ هل نسيت أن جميع آمالنا وتوقعاتنا مترابطة ببعضها ؟ على فكرة ، سمعت انك مصممة على حل قضية زواجك بصورة نهائية ، هل هذا صحيح ؟ يسعدني سماع ذلك ! ".
ويبدو أن ذكر موضوع الزواج اثارها ، فتاملته طويلا ثم اجابته قائلة بحدة :
" حسنا ، هل لك يا عمي أن تحدثني عن توقعاتك ... واي زواج هذا الذي تتحدث عنه .... زواج يصعب وصفه وتصوره او بالأحرى تسميته زواجا بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة ...".
قالت ذلك وسكتت تفكر ثم تابعت حديثها بلهجة أكثر تهكما وسخرية :
" الحق علي إذ كان يجب ان اتجاهل تقاليد اسرتي واتنكر لحسبي ونسبي واكتفي بمعاشرة السيد لويد خارج نطاق الحياة الزوجية ، لو تصرفت على هذا النحو لما أصبح زواجي مصدرا للتندر والتهكم ".
" مهلا ، مهلا ، يا عزيزتي ! ارجو ان تفهميني ، لم اقل شيئا يثير النرفزة ، انا أعرف الكثيرين ممن تزوجوا بدافع أضعف وأقل أهمية من الدوافع التي دفعت بكما الى الزواج ،ونجحوا في حياتهم الزوجية ".
" هل تقصد بأنني سبب فشل زواجنا . إذا كنت تعتبر بان السير بعيدا وراء الأحلام والأوهام بعقد مسيرة الحياة الزوجية ، يجوز عندئذ لك أن تعتبرني المسؤولة عن الفشل ".
تأملها العم فيليب بحنان وهو يفكر بانه أغاظها من حيث لا يدري فرد مستدركا :
" سامحيني يا عزيزتي إذا كنت اخطأت بحقك ، معاذ الله أن يكون قصدي إغاظتك، بالعكس إذ انني أتحمل بعض المسؤولية عما جرى بينك وبين لويد ، وثقي أيضا بأن والدتك تشاركني مثل هذا الشعور ".
" أعرف ذلك وقد حاولت ان أفاتحها بالموضوع و ....".
فقاطعها قائلا :
" لكن المشكلة ، يا عزيزتي ، أن والدتك لا يمكن أن تقتنع بشيء لا تؤمن به... أعتقد بأن لويد أخطأ التصرف نحوها، إذ كان من اللياقة ان يتصرف معها بطريقة لبقة ، او على الأقل يتظاهر نحوها بانها جديرة بالإحترام ، لا أظنه كان سيخسر شيئا لو أنه تصرف معها باقل قدر ممكن من الكياسة واللياقة ولكنه ، لم ...".
وقاطعته لتقول :
" إنني اعرف نفسيته ... إنه يكره التظاهر والمجاملة الفارغة ، خذني أنا مثلا على ذلك ، لم يحاول إطلاقا خلال صداقتنا الطويلة أن يقول فيّ كلمة مديح او إطراء ، لا على سبيل المجاملة ولا على سبيل المصارحة ، كنت بنظره مجرد ألعوبة يلهو بها، لا أكثر ولا أقل ".
" غريب ! هذا شيء لم أعرفه عنه ، هل انت واثقة مما تقولين ؟".
حدّقت فيه من الدهشة وردت قائلة :
" ما كنت اتوقع منك ان تطرح علي هكذا سؤال ، يا عمي ، وانت أدرى الناس بما حصل ، هل نسيت ؟ أنت تعرف ، والكل يعرف أنه سافر الى أميركا بمفرده وتركني هنا وحدي ، ومرت الأيام بدون أن أسمع منه شيئا ، ثم دخلت المستشفى لأنقاذ حياة طفلي فلم انجح ... وكتبت اليه ارجوه كي يعود ، ويبقى بجانبي ، كي يواسيني عندما كنت في أمس الحاجة اليه ، فماذا كانت النتيجة ؟ تصور أنه تجاهلني وفضّل البقاء هناك للتلهي بإنتاج وإخراج برامج تلفزيونية سخيفة ، تافهة ، في حين كنت انتظر عودته بفارغ الصبر ، وغالبا ما كنت اتصوره واقفا بالباب غرفتي في المستشفى ، ومع ذلك ، لم افقد الأمل ، فإتصلت به هاتفيا ، هل تعرف ماذا كان جوابه ؟ انت لا تعرف ، لكنني ساقول لك ماذا قال لي ، قال لي أن اكف عن مضايقته وملاحقته وتعكير صفو حياته الهانئة التي يعيشها ، هل هذا شيء معقول ؟ هل هذا تصرف يليق بالرجال أمثاله ؟ عندها ، صممت على الإنتقام منه ، لم أنم تلك الليلة قبل أن انهي كتابة رسالة اليه أخبرته فيها بتصميمي على هجره وقطع علاقتي به الى الأبد وإعتبار كل ما كان بينا قد إنتهى ،ومع ذلك ، لم يتنازل ويرد على رسالتي ، وهكذا إنقطعت أخباره وإنقطعت علاقاتنا وما زالت ، منذ ذلك اليوم حتى الساعة....".

نيو فراولة 06-02-12 08:15 PM

فأطرق العم فيليب رأسه وكانه يقول لنفسه : مسكينة أنت يا دافينا صامتة، تارة تشهق وطورا تتنهد كالأم المنكوبة ... وعبثا حاولت أن تضفي مسحة من الإبتسام على ملامح وجهها الحزين ، ثم إلتفتت الى عمها وقالت :
" كم يحز في نفسي كلما خطر ببالي ان تلك كانت النهاية .... نهاية احلامي واحزاني ، ولكن ....".
فقاطعها عمها ليقول لها بلطف وحنان :
" لا تخافي يا عزيزتي ما دمت حيا ، وثقي بأنني سابقى الى جانبك ، الحق معك ... والحالة ، كما وصفتها ، لا تطاق أبدا ، لكن يبقى علينا مواجهة كل تلك الأمور بالروية والتعقل ، أليس كذلك ؟".
" نعم ، إن ما تقوله هو عين الصواب ".
هنا ، فكر العم فيليب بأن يغيّر مجرى الحديث ، علّه بذلك يقنعها بما كان يجول في خاطره من افكار ، فتاملها لبرهة ثم سألها :
" هل خطر ببالك يوما ان تبحثي موضوع زواجك بعمق ، بينك وبين نفسك ؟ فإذا لم تفعلي ذلك بعد، ارجوك ان تحاولي ، انا متأكد بأنك ستتوصلين الى نتيجة ما ، إذا فعلت ذلك ..".
صمت يفكر ثم تطلع اليها وتابع يقول :
" ما رايك بالأتصال الشخصي؟".
" ماذا تقصد يا عمي؟".
" مجرد سؤال لمعرفة رأيك فيه".
" أظن بأنني فهمت الآن ".
" إذن أرجوك دراسة هذا الموضوع بإهتمام كلي تحسبا لأي طارىء في المستقبل القريب ".
" لكن لا مبالاته ، وصمته الرهيب ، أمران لا يطاقان ، أظنه يتصرف عل هذا النحو عن قصد ، وإلا كيف يمكن تفسير إحجامه عن الإجابة على الرسائل العديدة التي بعث بها المحامي بريستو اليه؟".
" ما العمل إذن ؟".
" لست أدري ... من الواضح أن فكرة الإتصال بلويد شخصيا لإقناعه بالموافقة على الطلاق تحتل مركز الصدارة بين الحلول التي طرحت لمعالجة هذا الموضوع ، لقد سبقك السيد بريستو الى طرح الفكرة اثناء مقابلتي إياه اليوم".
" صحيح ؟ وماذا كان تعليقك عليها؟".
" لا شيء سوى انني وعدته بدراستها وتبليغه قراري النهائي بشأنها".
" هذا يعني أنك لم تعارضي الفكرة ".
" كلا ، لم أعارضها ، إذ ليس من طبعي أن اعارض لمجرد المعارضة ، خاصة إذا كانت الفكرة تسهل أمامي الأمور ".
وهنا ، همهم السيد فيليب وإبتسم إبتسامة عريضة كمن يكتشف شيئا جديدا بصورة مفاجئة ، وينتهز الفرصة للإعلان عنه ، ثم حدّق فيها وقال :
" إسمعي يا عزيزتي ! إذا كنت توافقين حقا على الذهاب والإتصال بالسيد لويد شخصيا ، فإنني أقترح عليك الذهاب والإتصال به بصفتك مندوبة الدار ، ومكلفة للتفاوض معه بشأن العقد المبرم بينه وبين الدار والذي لم ينفذ حتى الآن ، وإياك ان تبحثي معه موضوع الطلاق ، لا من قريب ولا من بعيد ، أو موضوع رسائل محاميك ، أما إذا حاول هو التطرق الى موضوع الطلاق فليحاول ، وعندها تعرفين كيف تتصرفين".
" لكن ، هل تظن بأن هذه اللعبة ستنطلي عليه؟".
" لا باس ، المهم هو ان الزيارة ستفاجئه ، وقد تؤدي الى نتائج طيبة ، آه ، لو خطرت ببالي هذه الفكرة قبل توكيل المحامي بريستو لكانت وفّرت عليك الكثير من المتاعب والمآسي ، لا يهم ، المهم أن تذهبي قريبا بدون ان تراودك أية فكرة بالدخول في معركة معه ، وإلا ستكون النتيجة مخيّبة لآمالنا".
وبدا للعم فيليب أن دافينا كانت راضية عن فكرته الجديدة ، وربما اصبحت مستعدة للسفر الى مقاطعة ويلز ، حيث يقيم لويد الآن ، على الفور ، وقد كان صادقا في تصوره ، إذ بادرته قائلة وهي تبتسم :
" موافقة يا عمي ! لا أظن بان هناك فائدة ترجى من إنتظاره للقيام بالخطوة الأولى ، سأقوم بهذه المحاولة ، وليحدث ما يحدث".
وإنشرحت اسارير العم فيليب لدى سماعه ذلك ، فراح يتأملها وهو يداعب ذقنه بأصابعه ، ثم أجابها قائلا :
" ولا تنسي أن تبشريه بالجولة الجديدة التي ستكلّفه الدار القيام بها للولايات المتحدة بعد إكمال الترتيبات الخاصة بها ، أعتقد بأن هذا كل ما عندي ، وأتمنى لك التوفيق في مهمتك ، مع السلامة ! ".
خرجت دافينا من مكتب عمها وتوجهت فورا الى مكتبها ، إلا ان خبر الإعداد لرحلة جديدة يقوم بها زوجها الى الولايات المتحدة ، أقلقها واربكها ، إذ أنها لم تنس بعد النكسات والنكبات التي عانت منها بسبب الرحلة الأولى التي قام بها بمفرده ، بعد أن كانت تعد نفسها لمرافقته ، وتضع الخطط المختلفة لزيارة واشنطن ، وسان فرنسيسكو ،ونيو أورليانس ، وشلالات نياغرا ، بالإضافة الى المرارة التي شعرت بها لحظة عرفت الشخص الذي عرقا موضوع سفرها الى أميركا لتمضية شهر العسل هناك.
دخلت الى مكتبها واغلقت الباب وراءها ، ثم جلست وراحت تتأمل الأوراق المكدسة على مكتبها ، وكم كانت دهشتها عندما وجدت بين الأوراق مخطوطة كتاب يحكي قصة زواج فاشل ، كما تبين لها من بضع صفحات طالعتها ، فوضعتها جانبا وألقت برأسها على المكتبة ،وغرقت في لجة من الصمت ، كمن كان يتابع مشاهد حلم ن الأحلام الغريبة ، أو كمن كان يحاسب نفسه ويقارن بينه وبين كل من كانت له علاقة بالموضوع ، علّه يصل الى معرفة الحقيقة ، وفي غفلة من الزمن ، ووسط أصداء هذا الصمت الرهيب ، وكاني بها تساءلت ، في غمرة هذا الإنفعال الذي داهمها وهي تقرأ مقدمة قصة مماثلة للقصة التي كانت تعيشها ، عن سير الإحداث التي بدأت تتوالى منذ زواجها ، لا شك في أن دافينا سالت نفسها، وحاولت الإجابة عن كل سؤال طرحته على نفسها بنفسها ، علّها تتوصل الى معرفة الحقيقة، فترتاح نفسيا ، وتعطي لكل ذي حق حقه.

نيو فراولة 06-02-12 08:16 PM

وأول سؤال تصورته هو: ترى ، متى وكيف بدات المشاكل ؟ ومن هو الذي إفتعلها ؟ هل إفتعلتها امي ؟ ربما ! من يدري ، ربما كانت هي التي زرعت بذور الشك بيننا قبل ان نحتفل بزواجنا ، لماذا جاءت الى غرفتي في صبيحة ذلك اليوم الذي كنا سنحتفل بزواجنا فيه؟
وهنا تصورت والدتها وهي تختلس النظر اليها من شق الباب ، بوجهها الشاحب ، وقهقهاتها الساخرة ، وكلماتها اللاذعة، وتذكرت ما قالته لها ، وراحت تردد اقوالها بينها وبين نفسها : لو كنت تتمنين لي السعادة لما كنت تستعجلين الزواج من شخص غريب وبعيد عنا ، لماذا كل هذه العجلة؟ لو كان زوجك المنتظر يتحلى ببعض صفات المرحوم والدك ، من حيث اللطف والتهذيب والأخلاق وخاصة إحترام الغير لكنت افهم ظروفك وابارك هذا الزواج ".
إكتفت دافينا بالإصغاء الى والدتها وهي تلقي عليها محاضرة عن آداب السلوك وحسن المعاملة ، كان بودها أن ترد على كل كلمة قالتها لها ، ولكنها احجمت عن ذلك إحتراما منها لرمز الأمومة ، كان بودها أن تذكّرها بقدسية الأسرار الزوجية وواجب الإحتفاظ بها ، وكادت أن تذكّرها بجهلها قواعد إجراء المقارنة ، وإفتقارها الى الشجاعة الأدبية للإعتراف بالحقيقة، وأن تذكّرها بالحياة البائسة التي عاشتها تحت كنفها منذ ولادتها وحتى وفاة والدها ، فضلا عن معاملتها الفظيعة لوالدها ، وكيف كانت تبادله لطفه وتهذيبه وتسامحه بالكبرياء والعجرفة والوقاحة وقلةالحياء... كان بودها أن تذكّر والدتها بكل هذه الأمور ، ولكن تقديرها وإحترامها لرمز الأمومة منعاها من قول ذلك .
وما ان غاب شبح والدتها من خيالها حتى برز لها شبح لويد ، ساعة سبقها في الوصول الى قاعة مجلس عقود الزواج ، فتصورت الشكوك والظنون التي رافقتها خلال جميع حركاتها وسكناتها ، إبتداء من الإحتفال بمراسيم الزواج ، مرورا بالحفلة التي أقامها لهما عمها فيليب بهذه المناسبة ، ولغاية وصولهما الى عتبة الشقة التي كان يقيم فيها ... نظرات شاخصة فاحصة ... اشبه بنظرة السيد الى عبيده ... نظرات دفعتها دفعا الى الإستنتاج بأنه يريد الإيحاء لها بأنه اصبح سيدها المطاع وأصبحت هي خادمته المطيعة ، خلافا لما كان يوحي لها قبل الزواج من مودة وإحترام ، وتقدير ... ثم تصورت الحيرة التي أصبحت تتخبط فيها حول تفسير إيحاءاته وإشاراته التي كان يبثها بنظراته الباردة والشاخصة التي لا تخلو من الظنون ومحاولة فرض الإرادة ... عند هذا الحد ، بدأت ملامح زوجها ونظراته الغريبة تختلط بشبح والدتها وكلماتها المعارضة لزواجها بمثل هذه السرعة ، والناصحة لها بضرورة التريّث وأخذ الوقت الكافي لمعرفة رفيق العمر على حقيقته ، فإعتبرت والدتها محقة في ما ذهبت اليه .
خلاصة القول أن دافينا ، بالرغم من تصوراتها الشاملة بحثا عن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء النكسات التي تعاني منها ، ظلت عاجزة عن الوصول الى قرار نهائي وحاسم بشانها ، يضع حدا للتأويلات التي كانت تدور حول تلك الأسباب ، وظلت تتارجح بين الشك واليقين بسبب التناقضات التي كانت تتجاذبها ، مثلا ، كانت تتصور بأن زوجها بدأ يعاملها بقساوة وإحتقار بعدما تعرض للأهانة والإحتقار من قبل والدتها ، ثم تغير رأيها وتقول ان والدتها كانت على حق عندما نصحتها بعدم التسرع في الزواج ، وأخذ الوقت الكافي للتعرف على فتى الاحلام ، وإلا فإنها ستندم ساعة لا ينفع الندم ، الى آخر ما هنالك من شؤون وشجون ، ومن مطابقات وتناقضات ، حتى أنها حملت نفسها قسطا من المسؤولية عما جرى ، إذ أنها أمضت الفترة القصيرة التي سبقت الزواج ، في اللهو والمرح ، وزيارة المطاعم ، والحدائق العامة ، والمعارض ، والمسارح ، والمتاحف ، والمكتبات ، والمسابح ، بدون ان تحاول التعرف على رفيق العمر بعمق ، وإكتفت بمعرفة إسمه ، وإسم مدرسته وجامعته ، وعناوين الكتب التي ألّفها ، وأنواع الطعام المفضّلة لديه وغير ذلك من الأمور السطحية ، وها هي الآن تدفع الثمن.

نيو فراولة 07-02-12 04:35 PM

2-واحة الدموع

إنطلقت دافينا بسيارتها في الصباح متوجهة الى بلاس غوين حيث يقيم السيد لويد منذ عودته الى البلاد من أميركا ، كانت الرحلة طويلة ، ولكنها ممتعة وشيقة ، إذ كانت المنطقة الممتدة من لندن الى بلاس غوين مليئة بالمناظر الطبيعية الجميلة ، مع ما يتخللها من روافد مائية جارية وسط الحقول والبساتين ، ومرتفعات جبلية ، وتلال ، وهضاب ، ووديان ، تعكس الحياة الريفية بأبهى صورها ومعانيها ومفاتنها ، خلافا لمظاهر الحياة في المدينة .
سارت في الإتجاه الذي يؤدي الى منطقة بلاس غوين ، حسبما تشير إشارة السير ، وهي تتوقع بأن تصلها بعد فترة قصيرة ، إذ خيل لها أن المنطقة تقع على مسافة بضعة أميال من شارة السير ، ولكنها أخطأت التقدير ، أو أن دائرة حركة السير أخطات في تثبيت تلك الإشارة بدليل أن المسافة التي قطعتها دافينا تجاوزت مئات الأميال ، وإستغرقت أكثر من اربع ساعات ، قبل وصولها الى مناطق مأهولة بالسكان .
وكثيرا ما فكرت بالعودة من حيث اتت ، كان يراودها مثل هذا الشعور كلما شعرت بالوحشة والوحدة من طول المسافة ، ووعورة مسالك بعض الطرق الجبلية وصعوبة السير عليها ، إلا أنها كانت تعود وتغير رأيها ، وتتابع المسيرة بالرغم من جميع المشقات التي تواجهها ، فقد صممت على القيام بهذه المغامرة ، وإنجاز المهمة التي جاءت من اجلها ، وهي مهمة يهون في سبيلها ركوب المصاعب والمتاعب.
كانت تحمل معها رسالة خاصة موجهة من العم فيليب الى السيد لويد ن تتضمن بالإضافة الى تفاصيل الرحلة الأميركية التي سيقوم بها لويد قريبا ، موضوع تخويل دافينا صلاحية التفاوض معه ، بإسم الدار ، فيما يتعلق بكافة المواضيع المتعاقد بشأنها مع الدار ، وهذا ما أشاع الرضى والإرتياح في نفسها ، لان ذلك سيمكنها من المحافظة على ماء الوجه ، والتفاوض معه مفاوضة الند للند ، وإختبار حقيقة نواياه بالنسبة الى موضوع الطلاق.
كانت دافينا قد اخبرت أمها عن عزمها على السفر والإتصال بزوجها ، وأطلعتها على كافة الأسباب المعروفة وغير المعروفة التي اهابت بها لقيام بهذه المغامرة ، وكان هذا الخبر صدمة عنيفة لوالدتها ، التي رفضت تصديق السباب التي تعللت بها دافينا للقيام بهذه الرحلة وظنت بأن إبنتها كانت تحاول تضليلها ، فراحت تبكي وهي تقول بصوت مترجرج إنك تكذبين علي يا إبنتي .... نعم ، إنك تكذبين ! أظنك عائدة اليه بعد كل الذي جرى ، أليس كذلك ؟ فلماذا التذرع باسباب واهية ... غير صحيحة ... كاذبة ... إنك عائدة اليه ، أليس كذلك ؟) .
منتديات ليلاس
وعبثا حاولت إقناعها بالسباب الحقيقية الكامنة وراء قيامها بهذه الرحلة ، فلم تقتنع ، رفضت أن تصدق بأن دافينا كانت ذاهبة في رحلة طويلة ، شاقة ، مضنية ، لمجرد سؤال زوجها عن سبب عدم رده على سؤال محاميها ، أو لمجرد تسليمه رسالة من العم فيليب ، حتى أن ذكر إسم العم فيليب أثناء الحديث جعلها تتصور بأنه كان متورطا في الموضوع ، وربما يسعى جهده لتحقيق المصالحة بين إبنتها وزوجها ، وما كان منها إلا ان همهمت وتنهدت وهي تقول :
" الان عرفت الحقيقة... حقيقة الدور الذي يلعبه العم فيليب من وراء الستار ... وها هو يدفعك الى السفر كي تعودي الى أحضان ذلك العجيب الغريب ، لا لشيء إلا نكاية بي ... إنه يكرهني ... نعم ، إنه يكرهني".
وأعادت دافينا الكرة بمحاولة إقناعها بحقيقة الأسباب ، فلم تنجح ، إذ ظلت والدتها متشبثة برايها ، وصارحتها القول بأنها لو لم تكن عائدة اليه ، لكان العم فيليب وقد شخصا سواها للإتصال بالسيد لويد.
كما رفضت الوالدة تصديق إدعاء إبنتها بان إيفادها للإتصال بالسيد لويد كمندوبة عن الدار كان لمجرد توفير تغطية مشرفة لها في حالة تطرّق زوجها ، من خلال محادثاتهما ، الى موضوع حياتهما وتصديق كافة الأسباب والدوافع التي سردتها إبنتها ، ويعود ذلك بالدرجة الأولى الى فقدان الثقة بينها وبين السيد لويد ، وإنعدام الفائدة من التعامل معه بطريقة من الطرق إذ لم يكن في نظرها سوى ذلك الرجل البربري الذي يتنكر لكافة مبادىء الشرف والإستقامة ، وإلا لما كان سافر الى أميركا بمفرده ، وترك زوجته وراءه تعاني آلام الوحشة والوحدة والمرض.
ليس هذا فقط بل راحت تدافع عن نفسها وتنفي مسؤوليتها وعلاقتها بالأسباب التي جعلت دافينا تعدل عن مرافقة زوجها الى أميركا ، ردا على تذكيرها إياها بالوعكة الصحيحة التي ألمت بها يومذاك وإستدعت بقاءها هنا بغية الإشراف على راحتها ومعالجتها.
ولكن دافينا ، فكرت بعدم وضع اللوم كله على والدتها ، وبوضع حد لكل هذا الجدل العقيم ، الذي لا يقدم ولا يؤخر بالنسبة الى شؤون الساعة ، طالما لا يمكن إعادة عقارب الساعة الى الوراء ، فماذا يفيدها الان إثارة التهم حول الشخص المسؤول عن عدم مرافقتها لزوجها في رحلته الأميركية ، او عن الطفل الذي فقدته قبل الأوان ، وغير ذلك من الشؤون والقضايا التي أصبحت كلها في ذاكرة الماضي ، وتذكرت كيف ا زوجها نفسه لا يزال يحملها مسؤولية فقدان طفله ، ويرفض إطلاقا تصديق حقيقة ما حدث لها وأدى الى عملية الإجهاض ، التي كانت نتيجة تعرض زوجته لصدمة قوية ، نقلت على اثرها الى المستشفى ، وأجريت لها عملية إجهاض الجنين ، نزولا عند راي الأطباء.
خطرت ببالها تلك الذكريات وهي مستمرة في سيرها نحو الهدف المنشود ، قطعت مئات الأميال على مدى عدة ساعات ، بدون ان ترى أي أثر للبناء والعمران ، وكادت تفقد الأمل بوجود منطقة إسمها بلاس غوين ، بعدما أصبحت ، شارة السير التي تحمل هذا الإسم بعيدة عنها مئات الأميال الى الوراء ، لولا أنها لم تكن مصممة ، هذه المرة ، على تنفيذ المهمة التي جاءت من أجلها.

نيو فراولة 07-02-12 04:38 PM

وبعد مسافة غير قصيرة ، بدأت تباشير الأمل تظهر أمامها ، حين شاهدت من بعيد أعمدة من الدخان تتصاعد من قلب الغابة ، وفكرت بأن لا بد من وجود بعض الاماكن المأهولة هناك ، وبإحتمال العثور على مكان زوجها.
وهكذا بدأت بتخفيف سرعة السيارة ، كي تنعطف بها الى الطريق الضيقة ، وتابعت سيرها في الإتجاه المؤدي الى إحدى القرى ، وفقا لشارة السير ، وبعد لحظات ، وصلت الى تلك القرية ، التي كانت بيوتها لا تتجاوز عدد اصابع اليد ، ثم مرت بمكتب للبريد ، وحانوت ، ومحطة بنزين ، وفندق صغير تعلو مدخله صورة تنين باللونين الأسود والأحمر ، بالإضافة الى عدة أكواخ وبيوت ريفية ، تحمل إشارات واسماء متنوعة ، لم يكن بينها أي اثر للإسم الذي تبحث عنه ... أي بلاس غوين ،وهناك تساءلت في نفسها عن الدور الذي يمكن للسيد لويد ان يلعبه في حياة مثل هذه القرية المتواضعة ، في حال وجوده فيها.
بعد ان عجزت عن الإهتداء على أي مكان يحمل إسم بلاس غوين ، توجهت الى مكتب البريد علّها تجد هناك من يرشدها الى مكانه ، لكن المكتب كان مقفلا ، عندها ، فكرت بالذهاب الى الفندق ، حتى إذا حالفها الحظ تتجه اليه ، وإلا فإنها ستمكث في الفندق ، كي تستريح من عناء الرحلة ، وتتناول فنجانا من الشاي أو بعض المرطبات ،وهكذا كان .
كانت موظفة الإستعلامات في إستقبالها على الباب ، حينما وصلت ، ودعتها للدخول بكل بشاشة ، ثم رافقتها الى الصالة وهي تقول لها مداعبة :
" أظنك قادمة من مكان بعيد ... يبدو ان الرحلة كانت طويلة ".
" بل شاقة ومرهقة ايضا ، إنني تعبة ومرهقة للغاية ، هل لك ...".
فقاطعتها الموظفة لتقول وقد تصورت بحدسها ان هذه الصبية بحاجة الى شيء ينعشها ويعيد اليها نشاطها وحيويتها.
" لحظة وأحضر لك بعض المرطبات !".

لا شكرا ، أرجوك ان تحضري لي بعض الشاي ".
" حاضر... لحظة فقط ويحضر الشاي ! ".
كان الطقس باردا في الخارج ، إلا أن ذلك لم يمنع دافينا من الخروج والجلوس في حديقة الفندق ، حيث راحت تشرب الشاي ، على أنغام خرير مياه النهر بمحاذاة الفندق ، في طريقها الى قلب القرى ، لتتابع إنسيابها من هناك الى الحقول والسهول والبساتين الشاسعة ، ودهشت عندما شاهدت الطاولات والكراسي موضوعة بكثافة في الحديقة ، مع ان الفندق يقع في قرية صغيرة كهذه ، والمكان يبد شبه مهجور ، والحركة معدومة فيه.
ويبدو ان موظفة الإستقبال ادركت بحدسها الدهشة التي كانت تراود دافينا فإقتربت نحوها وهي تقول :
" لا شك في ان كثافة الطاولات والكراسي وقلة أو بالحرة ندرة الناس تثيران الدهشة ، ولكن هذه الدهشة تزول بعد معرفة الحقيقة ، اجل ، عائلات كثيرة تأتي الى هنا دائما لتمضية عطلة نهاية الأسبوع ... ومن المتوقع ان يرتفع عددها كثيرا في المتقبل القريب ، خاصة بعد ان يستأنف معمل الصوف نشاطه".
" معمل صوف ؟ واي مصنع يكون هذا ؟ اين يقع هذا المعمل ؟".
" إنه مصنع قديم يدعى بلاس غوين ... العمال جارية فيه على قدم وساق لتجديده وإعادة تاهيله للعمل في محاولة للحد من هجرة الشباب.......".
فرحت دافينا عندما أيقنت بان الأمور تسير في مسارها الطبيعي ، بعد سماعها الموظفة تذكر الإسم الذي جاءت من اجل البحث عنه ، وفكرت بأنها ستتول ، عاجلا أم آجلا ، الى معرفة مكان السيد لويد.
وما ان إنتهت دافينا من شرب الشاي وتناول بعض الطعام حتى جاءت موظفة الفندق تسألها عما إذا كانت تنزي النزول في الفندق ، وعن المدة التي تنوي ان تمكثها.
موضوع نزول دافينا في الفندق امر مفروغ منه ، غير أن مدة بقائها فيه تبقى مرتبطة بالمهمة المكلفة بها ، وهذا كان جوابها عن السؤال الذي طرحته عليها الموظفة ، ثم سالتها عما إذا كانت تعرف شخصا يدعى لويد ... أديب ومؤلف وشاعر...
فردت موظفة الفندق قائلة بدهشة عارمة:
" آه ! السيد لويد ... نعم اعرفه ... إنه موجود هنا ... في بلاس غوين... إنه صاحب المكان...".
" وماذا ايضا؟ يسرني معرفة المزيد عنه ، وأكون شاكرة إذا زودتني باية معلومات إضافية بهذا الخصوص ".
" طبعا ! طبعا ! ولكنني أفضل ان أترك ذلك للسيدة باري عمة السيد لويد وإبنتها ويانون وكنت على وشك ان أعرض عليك مرافقتك الى مركزهما ... القريب من هنا".
فوجئت دافينا عندما أخبرتها موظفة الفندق أن عمة السيد لويد تملك وتدير ناد للفروسية بقصده هواة ركوب الخيل ، من كل حدب وصوب لممارسة هذه الهواية بإشراف الآنسة ريانون .
وشاءت ان تسأل موظفة الفندق لتحجز لها غرفة تقضي الليلة فيها ، وتعود الى لندن في الصباح ، غير انها غيّرت رأيها ، وقررت الذهاب الى بلاس غوين ، وهي تتوقع سلفا من السيدة باري ان ترحب بقدومها ، فتستقبلها وتقدم لها غرفة تبيت غيها الليلة ، خاصة إذا اخبرتها أنها أتت الى هنا بمهمة رسمية ، ولكنها ، ما أن نطقت بسيارتها وقطعت مسافة قصيرة حتى راحت تتمنى أن يكون النادي مكتظا بهواة ركوب الخيل ، وجميع غرفة محجوزة ، بحيث يصعب على عمة لويد تامين غرفة لها للمبيت فيها ، فتجد امامها ما يبرر عودتها الى لندن .
وصلت دافينا الى بلاس غوين ، فأوقفت سيارتها في الباحة الأمامية ، وهي لا تزال حائرة ، مترددة ، فيما إذا كان عليها متابعة المغامرة حتى النهاية ، او الكف عنها والرجوع الى لندن ، قبل حلول الظلام ، وبعد تفكير طويل ، قررت متابعة المهمة ، ثم سارت في إتجاه الباب ودخلت منه لتجد نفسها في صالة واسعة ، ذات جدران خشبية ، وفي إحدى زواياها مدفأة وضعت حولها الزهور والنباتات المنزلية الجميلة.

نيو فراولة 07-02-12 04:40 PM

بقيت دافينا داخل الصالة تنتظر قدوم من يستقبلها او يسالها عن اسباب وجودها في المكان ، ولما طال إنتظارها ، رنت الجرس ، وإذا بصوت يخاطبها صاحبه من الخلف قائلا :
" نعم ، أي خدمة !".
وإستدارت نحومصدر الصوت لتجد نفسها واقفة امام فتاة ، في ريعان العمر ، ممشوقة القامة وطويلة ، رشيقة الجسم ، سوداء الشعر ، تدلت خصلاته الطويلة على كتفيها ، مرتدية بزة خاصة لركوب الخيل ، راحت تحدق فيها بنظرات ، إن كان يصعب وصفها بالنظرات العدائية ، فإنه يصعب بالتالي وصفها بالنظرات الودية كتلك النظرات التي يتوقع الزائر عادة أن يراها منعكسةعلى وجه المضيف ساعة الإستقبال ، إلا أنه كان من السهل إستشفاف ملامح العداء التي تعكسها بوضوح نظرات هذه الفتاة كانها كانت تشير عليها بمغادرة المكان قبل معرفة سبب وجودها ، لكن دافينا إستدركت هذا الأمر ، وردت عليها قائلة :
" إنني أبحث عن شخص يدعى لويد ..بودي مقابلته لأمر هام ".
" وهل لي أن اعرف من يريد مقابلته؟".
ولاذت دافينا بالصمت وهي تفكر بان تنصحها بعدم التدخل في شؤون غيرها ، لكنها ظلت محافظة على هدوء اعصابها وصمتها لئلا تتورط في مشاكل هي بغنى عنها الان ، لا سيما وأن هذه الفتاة لم تعرفها على نفسها بعد ، وتخشى من ان تكون هذه ريانون ، الفتاة التي حدثتها عنها موظفة الفندق ، لذلك قررت مواجهتها ببرودة أعصاب ، والكشف لها عن إسمها ، ثم إلتفتت اليها وقالت بمنتهى الياقة والهدوء :
" دافينا غرير تريد مقابلته".
سمعت الفتاة ذلك وتقدمت مسافة خطوة واحدة نحوها ، ثم ردت قائلة بحدة وغضب :
" صحيح ؟ اكاد لا أصدق ذلك ، مع السلامة ! بوسعك العودة من حيث أتيت ... أنت شخص غير مرغوب فيه هنا ".
وفجأة سمع صوت ينادي : " ريانون ! ريانون ! " كأنه يعترض على ما قالته قبل لحظات ، دفع دافينا الى التلفت حولها لمعرفة مصدره فتراءى لها شبح إمراة كانت واقفة بجانب السلم ، وقد إنعكست على وجهها ملامح الإنزعاج ، وما هي إلا لحظات حتى نزلت الى الطابق السفلي ، وهرعت الى حيث كانت دافينا وريانون واقفتان ، وإلتفتت الى دافينا وخاطبتها بلطف قائلة :
" آسفة على ما حصل ، صحيح ان جميع الأماكن عندنا مشغولة ومحجوزة ، إلا أن ذلك لا يبرر لأبنتي تصرفها السيء ، أرجوك أن تقبلي إعتذاري و ...".
فقاطعتها ريانون وقالت :
" يبدو انك أسأت فهمي ، يا اماه ، إنها لم تطلب حجز غرفة لنفسها عندنا ، وإنما جاءت لمقابلة السيد لويد ... إنها زوجته ".
إبتسمت الوالدة إبتسامة مقرونة بالدهشة ، ثم إقتربت من دافينا وعرفتها عن نفسها قائلة :
" انا عمة لويد ... عمته بيث ".
ومدت دافينا يدها لتصافحها وهي ترد عليها قائلة :
" يؤسفني إذا كان وجودي سببا للإزعاج والمضايقة ، غير أنني مكلّفة للقيام بمهمة رسمية ".
" لا بأس ! ليس عندي أي إعتراض على ذلك ... ولكن الوضع ، كما تلاحظين ، صعب جدا ".
حيال هذا الموقف المعقد ، لم تجد أمامها سوى ان تؤكد لعمة لويد بأنها جاءت ، لا للإقامة والبقاء ، وإنما لمقابلة السيد لويد وتسليمه بعض الأوراق والوثائق التي شاء عمها أن يكلفها بنقلها اليه شخصيا ، وظلت صامتة تفكر ثم تابعت قائلة :
" أجل ، يكفيني مقابلته لدقائق ، الموضوع لا يستغرق أكثر من بضع دقائق " هنا ، تدخلت ريانون وقالت بحدة :
" كلا ، لا يمكنك مقابلته ، أولا لأنه ليس موجودا ، وثانيا لأنه لن يعود قبل غد او بعد غد ... وما دام هذا هوواقع الحال ، فما عليك إلا أن تعودي من حيث اتيت ، مع السلامة ! ".
ويبدو أن تصرفات الانسة ريانون لم تعجب والدتها ، فتدخلت لوضع حد لها وخاطبتها قائلة :
" من الأفضل ان تذهبي الى غرفتك طالما انت لا تحسنين التصرف بتهذيب ولياقة ... وأنا سأعالج هذا الموضوع بنفسي ".
" حاضر ، لكنني ذاهبة الى الإسطبل ".
قالت ريانون ذلك ثم خرجت بعد ان القت نظرة حاقدة على دافينا .
وهكذا أخذت السيدة باري ، عمة لويد ، تتعامل مع دافينا ببشاشة ، مما اعاد الفرحة والبهجة الى قلبها ، خاصة بعد ان دعتها الى الجلوس معها في الصالون ، وطلب منها مشاركتها في شرب الشاي ، إلا أن دافينا شكرتها وإعتذرت لها عن عدم تمكنها من تلبية دعوتها الان ، ثم سالتها :
" اخبريني ، يا سيدتي ، هل صحيح أن لويد ليس هنا كما سبق وقالت إبنتك ".
" نعم ، صحيح ، ولكنه سيعود طبعا ، متى ؟ لا استطيع التحديد ، لأنه يذهب ويرجع كيفما إتفق ".
وفكرت دافينا بأن لويد لم يتغير قيد أنملة ، ثم إبتسمت قائلة :
" ما كنت اتوقع أن تتعقد الأمور الى هذا الحد ... ارجو أن لا يتأخر وإلا اصيب عمي فيليب بخيبة أمل ".
فأجابتها السيدة باري في محاولة للتخفيف من حدة المخاوف التي تصور لها بأنها لن تتمكن من لقاء لويد .
" مهما يكن ، فانت في بيتك ... إنتظريه حتى يعود ، أهلا وسهلا بك ".
وظلت دافينا صامتة ، بعد ان غمرتها عمة لويد بلطفها ووضعتها في موقف حساس ومحير للغاية ، وكانت لا تتمنى ان تضع العمة في موقف حرج ، ولا تدري بالتالي ما إذا كانت تستطيع أن تتحمل تصرفات إبنتها او أن تتجاهل نظراتها العدائية السافرة نحوها ، ثم إلتفتت اليها وقالت :
" شكرا ، يا عمتي ، كم انت لطيفة ! لكنني محتارة في أمري ، ولا أريد مضايقتك ما دامت جميع الأماكن عندك مشغولة ! إسمحي لي انا ...".
فقاطعتها السيدة باري قائلة :
" الأمور تحتلف ساعة يكون الضيف من أهل البيت ، أصبح من واجبي تأمين مكان لك للنوم فيه ، مهما كانت الظروف ".

نيو فراولة 07-02-12 04:41 PM

وهنا لم يعد بوسع دافينا أن تخفي الدهشة التي إستولت عليها بفضل العاطفة التي عبرت عنها العمة باري نحوها ، وخاصة عندما اضفت عليها صفة اهل البيت ، وفكرت بأن اللباقة تقتضي معاملتها بالمثل ، وإحترام وتقدير الوصف الذي اضفته عليها ، وشكرها على تأمين مكان لها تبيت الليلة فيه.
الغرفة التي عرضتها عليها ، كانت واسعة ، ومريحة ، وتطل على احد البساتين ، بالإضافة الى نهر تنساب مياهه عبر الحقول والسهول ، وبعض المرتفعات الجبلية الشامخة، وقد اعجبتها كثيرا ، كما اعجبها الأثاث الموجود فيها ، وبصورة خاصة خزانة الثياب المصنوعة من خشب الماعوغاني ، والكراسي ، والطاولة الصغيرة ، وغيرها من قطع الأثاث العريق ، وقد إسترعى إنتباهها نظافة الغرفة ، ورائحة العطر المنعشة التي تفوح منها .
حدّثتها السيدة باري وهي تشير يدها الى المناظر الطبيعية الجميلة التي يمكنها التمتع برؤيتها من نافذة غرفتها ، حدثتها عن مشهد التنين الذي يظهر للعيان بوضوح كلما كان الجو صافيا .
ويبدو أن ذكر إسم التنين أثار الرعب والذعر في نفس دافينا ، فحدّقت في السيدة باري ثم قالت لها :
" عفوك ، يا سيدتي ! ماذا قلت ؟".
" آه قلت التنين ... وها هو رابض هناك الآن ... فوق قمة تلك التلة الجرداء ، هل ترينه ؟".
قالت ذلك وهي تشير بيدها نحو التلة ، في حين إرتبكت دافينا وإقتربت نحو السيدة باري بحركة خاطفة كمن يتولاه الذعر من شيء مخيف يحاول الهرب منه .
والحقيقة أن قمة تلك التلة العالية تعكس للناظر اليها من بعيد شكل تنين متحجر ، لا يختلف ابدا عن شكل التنين الحقيقي ، كما انها تتوج قمة التلة بهذا الشكل ، ويكفي إلقاء نظرة فاحصة عليها للتأكد من ذلك ، إذ يستطيع الناظر ان يتصور بسهولة نفسه واقفا امام تنين حقيقي إزاء هذه الأوصاف الخيالية ، كان لا بد من أن يداهم دافينا شعور بالرعب ، وهذا ما أصابها بالفعل ، إذ بدأت ترتجف وهي تتراجع الى الوراء وتقول :
" كل ما اتمناه هو ان يكون هذا التنين مسالما وصديقا وإلا أصبح مصدرا للرعب والذعر ".
وردت السيدة باري تقول كأنها تريد ان تطمئنها :
" أجل ، لا تخافي لأنه ، على حد علمي ، لم يؤذ احدا حتى الان ، دعينا من قصة التنين الان ، إنني ذاهبة لتحضير الشاي ، هل تشاركينني ؟".
" بكل سرور ".
وهكذا خرجت السيدة باري لتحضير الشاي بعد ان إعتذرت لها عما تعرضت له على يد إبنتها ريانون من تصرفات غير لائقة ، بدافع ولعها وتعلقها بالسيد لويد.
وغابت السيدة باري عن النظار ، تاركة دافينا وحدها ، غارقة في احلامها وتاملاتها ، وفي حيرة من امرها ، وباتت تنتظر عودة السيدة باري مع الشاي ، تصغي بدهشة الى الأصداء المتنوعة التي كانت تنتقل عبر الأثير مرددة اصوات حفيف أوراق الشجر ، وثغاء الغنم ، وصهيل الخيل ،وزقزقة العصافير ، وخرير مياه النهر المنسابة من أمام الفندق نحو الحقول ، وعواء الكلاب مقرونة بوقع حوافر الخيل ، مما يخيّل للسامع بان جميع المخلوقات قد تجمعت هنا ... في هذا العالم الصغير العجيب.
غير أن كل هذه الأجواء والمناظر لم تستطع ن تثنيها عن التفكير بالسيد لويد ، فراحت تفكر به ، وتتصور أنه توارى عن الأنظار بعد أن علم بقدومها ، لتعود وتستبعد حدوث ذلك ، وتلوم نفسها على إتهامه بسوء النية والتصرف قبل ان تتضح لها الأمور على حقيقتها ، وتخاطب نفسها بنفسها قائلة : ( ربما سمع بقدومي ... كلا ، لا اعتقد ذلك ... ان له ان يعرف ... من يدري ! يمكن ريانون أخبرته... يجوز ... ولكن كيف يمكنها ذلك ، ومتى ؟ لا ... لا ... لا أظنها إستطاعت القيام بهذه المهمة ... عسى خير ... ولكل شيء نهاية ) .
في هذه الاثناء ، بدات تسمع قعقعة أدوات زجاجية ، وسرعان ما تبين لها بان الشاي اصبح جاهزا ، وشعرت بمن فتح باب الغرفة ، وتطلعت لترى انسة ريانون قادمة ، حاملة بين يديها صينية عليها فناجين الشاي ، ودعتها الى تناول الشاي ببرودة مقرونة بالعبوس ، فحاولت دافينا ترطيب الأجواء والمشاعر غير الودية التي تكنها ريانون نحوها بكلمة مجاملة لطيفة ، فلم تنجح ، ولم تكن الصدمة التي شعرت بها بفعل جواب ريانون على ملاطفتها ومجاملتها ، اخف وطأة على نفسها من الصدمات السابقة ، إذ أن دافينا ، عندما بادرت ريانون بالقول ساعة اطلت عليها من الباب:
" آه ، يا ريانون ، كم هي جميلة ومريحة هذه الغرفة ! ارجو أن لا تكون متعتي وراحتي على حساب إزعاج غيري من الناس ...".
لم تتوقع من ريانون أن تهز كتفيها إستهجانا وترد بوقاحة قائلة:
"لا باس ولكنك ستتمتعين فيها على حساب لويد ... إنه الوحيد الذي سيتضرر من إقامتك فيها ... ومن مدري ، فقد يطردك منها ساعة يعود ".
لم تشا الرد عليها ولو بكلمة واحدة ، وفكرت بان افضل جواب على الحماقة والوقاحة هو الصمت ، صحيح انها إعتصمت بحبل الصمت ، إلا أن محاولة ريانون إقحام إسم السيد لويد في الموضوع ، جعلتها تتصور بأنها كانت تشغل غرفة زوجها الخاصة ، ودفعتها الى النهوض بحثا عن بعض الأدلة كي تتأكد بنفسها ما إذا كانت الآنسة ريانون صادقة فيما اشارت اليه ام لا ، وهكذا فتحت خزانة الثياب لتجد فيها مجموعة من ثيابه.
وغني عن القول ان هذا الإكتشاف كان كافيا لدافينا كي تتأكد من هوية شاغل الغرفة الصيل ، وتشير بالتالي بعض التساؤلات حول ما الفائدة التي ترجوها عمته من وضعها في هذه الغرفة بالذات ، والتي تدرك ، بدون أدنى شك ، حقيقة المشاعر اتي يمكن ان تراود الزوجة المتخاصمة مع زوجها ، حتى تجد نفسها مرغمة على النوم في سريره ، قبل المصالحة معه ، وفكرت بأنه كان بوسعها من باب الياقة وإحترام شعورها أن تضعها في غرفة إبنتها ، وتنقل إبنتها الى هذه الغرفة ، وفي اسوأ الإحتمالات ، كان بإمكانها ان تضعها في غرفة احد النزلاء ، بعد ان تنقله اليها ، بحجة القيام بتغييرات روتينية، ومع ذلك ، ىثرت عدم الذهاب بعيدا في البحث عن الأسباب التي جعلت العمة باري تخصص لها غرفة زوجها ، خشية أن يقودها ذلك ، من حيث تدري أو لا تدري ، الى نكران الجميل ، خاصة بعد الجهود المضنية التي بذلتها في سبيل تدبير مكان لها ، والتصدي لمواقف إبنتها ريانون المعارضة والمعادية لها منذ ان وصلت الى هذا الفندق .

نيو فراولة 07-02-12 04:42 PM

واهم ما كان يثير الدهشة في تصرفات دافينا هو أنها كانت تدرك تماما بأنها اسيرة مشاعر وافكار متناقضة ، بدون أن تحاول مرة واحدة اإفلات من خيوط هذه الدوامة الرهيبة ، ومواجهة الحقائق كما هي .
مثلا ، كانت تغضب عندما يتأخر زوجها في اللجوء الى النوم ، وتقلق عندما يحضر ،وها هي الآن ، بعد أن تأكدت بان هذه الغرفة غرفته الخاصة ، بدأت تشعر بالقلق من ان يصل فجاة ويدخل الغرفة ، ليفاجأ بوجودها نائمة في سريره ، وتنسى ، أو بالأحرى تتجاهل ، حقيقة التناقضات التي تتخبط فيها ، وليس أدل على ذلك من الثقليات التي طرات على تفكيرها وهي في طريقها الى هذا المكان ، إذ كانت تتمنى ، في قرارة نفسها ، ان يكون لويد أول إنسان تراه حال وصولها ، لتعود وتتمنى بأن لا يكون هناك كي تعود ادراجها من حيث أتت ، شيء أغرب من الخيال.
منتديات ليلاس
وما هو اغرب من ذلك انها ، ما أن وصلت الى المنطقة، وإهتدت الى المكان ، وإستقرت فيه ، حتى راحت تصور بأن لويد توارى عن الأنظار بعد أن علم بقدومها ، لتعود وتفكر بأنه براء من هذه التهمة إذ ليس هناك من يعرف خبر قيامها بالرحلة سوى عمها فيليب ، ثم ، عندما إستقبلتها عمة زوجها وأنزلتها في تلك الغرفة المريحة ، راحت تتصور بأنها إنما وضعتها في هذه الغرفة لغرض في نفس يعقوب ، لتعود وتجد ما يبرر لها إقدامها على هذه الخطوة ، وتفكر تارة بانه لا يليق بها أن تنام في سرير زوجها بعد كل الذي جرى بينهما ،لتعود وتجد لنفسها عذرا يبرر لها النوم في غرفة زوجها وفي سريره بالذات ، بعد التطور العظيم الذي طرأ على مشاعرها نحوه .
وفيما كانت تحاسب نفسها ، وتقيّم ما لها وما عليها ، خلال الفترة الممتدة من ذلك اليوم الذي تقابلا فيه ، وتواعدا على الزواج ، حتى اليوم ، راحت وجلست على حافة السرير ، بعد أن إستيقظت في خاطرها ذكريات اليوم الأول لزواجها ، وتصورت ، والمرارة تحز في نفسها ، كيف تركها زوجها جالسة وحدها الى الطاولة ، وراح يجول في انحاء المطعم ، يجامل هذا ، ويتحدث مع ذاك، بدون ان يخصها ولو بإلتفاتة عابرة ، أو بكلمة واحدة من طرف لسانه ، وظل يتصرف على هذا النحوالى أن إنتهت الحفلة ، وحان الوقت للصعود الى جناحهما الخاص في الفندق.
لقد عاد اليها بعد ان إنتهت الحفلة ، لا ليرافقها الى الجناح العلوي الخاص في الفندق ، وإنما ليهمس في أذنها انه خارج لقضاء حاجة مهمة ، واعدا إياها بانه لن يتأخر في العودة ، وكان أن علمت فيما بعد بأنه خرج ليبحث عن مكان ما يمتع النفس فيه لبعض الوقت ، وهنا تذكرت بحسرة كيف صعدت الى جناح الفندق وحدها ، ولبثت تنتظر عودته وقد غمرها البؤس واليأس والحزن ، حتى فقدت الأمل ، وداهمها النعاس فنامت قبل ان يكون قد عاد من جولته القصيرة في الخارج.
وغالبا ما كانت تصرفاته هذه تثير في نفسها شتى التساؤلات ، التي كانت معظمها تصور لها بأن زوجها كان حقا غريب الأطوار ، كما كانت تصفه والدتها ، وتلوم نفسها على رفضها الإصغاء لنصيحة والدتها ، التي حذّرتها مرارا وتكرارا من مغبة الحب الخاطف ، الذي لا يلب ثان ترتفع حرارته حتى يهبط ليخبو الحب ويزول.
لا شك في أن والدتها كانت تملك رؤيا واضحة بالنسبة الى العلاقات بين الناس ، ومن خلال هذه الرؤيا كانت تتصور بان للحب قاعدة لا تتعزز ، ولا تتجلى وتصمد بوجه الهزات العاطفية والإنفعالي ، إلا من خلال تعزيز اواصر الصداقة والثقة والإحترام المتبادل ، بصورة تدريجية ، وما الحب الذي يربط بين قلبي إبنتها دافينا ولويد في نظرها ، إلا شذوذا صارخا عن هذه القاعدة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل ان التناقضات ترفض أن تتركها وشانها ، ام أنها هي التي ترفض الحياة في عالم خال وبعيد عن التناقضات ؟ من العبث محاولة الإجابة على هذا السؤال ما دامت هي تبدو وكأنها عارمة من التناقضات ، إلا أن هذا لا يعفي زوجها ، أو والدتها ، من مسؤولية ما يجري لها.
كان زوجها لا يزال في الخارج عندما إستيقظت دافينا من نومها فجأة ، وهي ترتعش من الذعر ، الذي إرتفعت حدته بعد ما إكتشفت ان زوجها لم يعد من جولته بعد ، وصارت تتجاذبها الافكار وشتى التخيلات ، ثم رفعت راسها عن الوسادة وجلست في السرير ، تحدث نفسها : لعله لا يحبني ... بلى ، يحبني ... لكنه لم يعترف لي مرة بحبه ... إن لم يحبني فلماذا تزوجني ... إذاكان الأمر كذلك ، لماذا يتصرف تصرفا يوحي لي بأنه لا يحبني ... من يدري ؟ ربما لا يحبني ... سوف احسم هذا الموضوع معه عندما يعود .. سوف افهمه بأن أرواء مشاعره العاطفية ، لا تكفي لأثبات محبته لي... سوف أضع النقاط على الحروف واقول له بكل صراحة ان المعاشرة الزوجية لا تصلح ان تكون قاعدة لأرساء علاقات شخصية وطيدة وحميمة تدوم مدى الحياة .... وعندئذ ، سيكون لكل حادث حديث... سوف اضع حدا للمآسي وخيبات الأمل ... كفاني ما ذرفته من دموع ، وما أجهشته من بكاء كلما كان يتركني وحدي ويذهب ليعود بعد منتصف الليل ... ويتحفني بنظراته الماكرة ، الخادعة.... وإنتقاداته اللاذعة ، وتعليقاته الساخرة ، ومجاملاته الثقيلة الظل ... كأنني العوبة بين يديه ، يلهو بها ساعة يشاء ، ويعبث بها ساعة يشاء ، بدون خجل ولا وجل ، وسوف اساله عن الجنة التي وعدني بها ،وعن وعوده الفارغة التي ظلت مجرد كلمات تتردد اصداؤها في الهواء ... واين أصبحت؟
كان بودها أن تطوي صفحة الماضي وتبدأ الحياة من جديد ، من نقطة الصفر ، في حال سارت الأمور على خير ما يرام ، وكانت مستعدة لنسيان كل ما له علاقة بالماضي ، وبدء صفحة جديدة ، ومسيرة جديدة ، على اسس واضحة من الحب والإحترام المتبادلين ، كانت مستعدة للتضحية بكل شيء في سبيل بناء حياة جديدة ، وطي صفحة الماضي البغيض ، لولا بعض الذكريات القاسية التي ما زالت آثارها المفجعة توجع قلبها ، والتي كانت لا تزال تخشى من زوجها ان يعود الى ممارستها ، ويؤدي ذلك بالتالي الى هدم أعمدة البيت من جديد ، وتكون النهاية.
هناك بعض الأمور والتصرفات التي يجوز التهاون بشأنها ، وعدم الإكتراث بها ، والتي لا تؤثر ، لا من قريب ولا من بعيد ، على مسار الحياة الزوجية ، مثل عدم التقيد بالمواعيد ، او التأخر في العودة الى المنزل ، أو الخلاف حول المكان الذي يجب الإلتقاء فيه لتناول الغداء أو العشاء ، ما دامت كلها أمور قابلة للحل مع مرور الزمن ، ودافينا كانت مستعدة لنسيان جميع لنسيان جميع هفواته وتصرفاته المتعلقة بأمور كهذه ،وعدم محاسبته عليها ، أو معاتبته بشأنها ، غير أنه لم يكن بوسعها نسيان تلك التصرفات التي تطال كرامتها ، وتترك ىثارها السيئة في نفسيتها.... تصرفات كانت توحي لها بأنها لم تكن في نظره سوى دمية بين يديه ، يلهو بها ساعة يشاء ... كانت ترى دربها طويلة ، وعرة المسالك ، مليئة بالشوك ، وسط هالة من الوعود البراقة ، والمجاملات الخادعة ، وترى نفسها ضحية الغرور والكبرياء والعجرفة والنانية المتبادلة بين والدتها وزوجها فضلا عن الثمن الباهظ الذي دفعته من راحتها ، والدموع الغزيرة التي سكبتها ، والقلق الذي يلازمها كظلها ، كان قدرها أن تعيش في راحة من البكاء والدموع.
وفي زحمة كل هذه التأملات ، والتناقضات ، والإنفعالات ، حاولت ان تنام ، علّ النوم يحررها ويريحها ، فلم تستطع ... وظلت تغفو حينا ، وتصحو حينا آخر ، وطيف زوجها يداعب خيالها لغاية أن سيطر عليها النعاس فأغمضت عينيها ونامت ملء جفونها.

نيو فراولة 08-02-12 09:27 PM

3- لقاء في الظلام

إستيقظت دافينا في صباح اليوم التالي بعد ليلة حافلة بشتى الذكريات والأحلام ، الموجعة والمفرحة في آن معا ، لكنها بدت هادئة الأعصاب ، كمن تنتابه الحمى وترتفع حرارته فجأة ،وتظل ترتفع وترتفع .... وهو يهذي ويتلوى ويصرخ ، وينتفض ، ويرتعش ، لغاية ان تشل النوبة قواه العقلية والجسدية وتجعله عاجزا عن الحركة لتبدأ عملية الإرتخاء ، فيغيب عن الوعي ويستسلم لسلطان النوم بعد هزيمته في المعركة ، ليعود ويستيقظ بعد ساعات من النوم الهانىء وهو يشعر بقيامة جديدة أثر غيبوبة مؤقتة لا تختلف عوارضها عن بداية النهاية ... فيشعر بالإنتصار ، وتراوده آمال وأحلام جديدة ببزوغ فجر جديد لحياته المتجددة ..
أجل ، لقد إستيقظت من النوم وهي تفكر ، على غير عادتها ، بان إنسياقها وراء ذكرياتها الماضية ستكون له عواقب وخيمة على مجمل حياتها ومستقبلها ، وما عليها إلا أن تطوي صفحة الماضي ، إذ يستحيل إعادة عقارب الساعة الى الوراء ، إلا أن قرارها هذا لم يصمد طويلا ، شانه شأن جميع قراراتها السابقة ، وذلك لأنها نابعة من العاطفة .
منتديات ليلاس
وهكذا لم يكتب لقرارها بضرورة نسيان الماضي أن يعيش سوى بضع دقائق ، ما لبثت بعدها أن تصورت بأن كل ما يدور حولها ينذرها بضرورة مغادرة هذا المكان بأقصى سرعة ممكنة ، وبان الظروف الانية ليست مناسبة لأثارة ما سيؤول الى مواجهة حامية الوطيس بينها وبين لويد ، ولا يضيرها إن هي أودعت الأوراق التي حمّلها إياها عمها فيليب لتسليمها الى السيد لويد ، لدى أي شخص من أهالي المنطقة ، وتكلفه بإيصالها اليه ، ويبقى على المحامي متابعة قضيتها بالطرق القانونية ، وإجراء المفاوضات والإتصالات الضرورية بشانها مع زوجها ، ذلك كان الحل الذي فكرت بإعتماده وفكرت على أثره بالرحيل.
وما ان إنتهت من وضع اللمسات الأخيرة على هذا القرار المفاجىء حتى ذهبت وغسلت وجهها ، ثم إرتدت ثيابها وخرجت من الغرفة في طريقها الى الخارج ، عبر المطبخ، الذي كانت تنبعث منه رائحة تثير الشهية ، وتسيل اللعاب.
كانت عمة لويد عائدة الى الدار حاملة سلة مملؤة بالخضار الطازجة ، عندما أصبحت دافينا في الخارج ، فبادرتها بالتحية وهي تبتسم لها وتقول ردا على إندفاع دافينا نحوها ملوّحة بيدها بقصد المساعدة :
" أهنئك على هذا النشاط ، يا عزيزتي ! الطعام سيكون جاهزا بعد ساعة من الآن تقريبا".
هزت دافينا رأسها وهي ترد قائلة :
" ما جئت لكي أستفسر عن الطعام " ثم أشارت بأصبعها الى السلة وتابعت تقول:
" قصدت مساعدتك في حمل السلة".
" شكرا لك ... اظنك بحاجة الى مزيد من الراحة ، عودي وإجلسي في الصالون حيث تجدين أدوات كثيرة للتسلية بالإضافة الى جهاز الراديو ومجموعة كبيرة من الكتب ، آسفة لعدم وجود تلفزيون عندنا... إن ضعف شبكة الإرسال والإستلام لا يشجعنا على شراء تلفزيون.
لكن دافينا تجاهلت ذلك وأخذت تلح عليها كي تدعها تقوم بحمل السلة عنها ، وهي تبتسم وتقول :
" دعيني اساعدك طالما أنك تعتبرينني كفرد من افراد العائلة ، أليس كذلك .؟".
" أجل ، لم أصدك عن مساعدتي في البداية إلا بدافع الحرص على ملابسك ، خذيها وساعديني ، إذا شئت ، بتقطيع اللوبياء وتحضيرها للطبخ ، كانت ريانون تساعدني في تحضير هذه الأشياء ، ولكنها ذهبت اليوم الى المزرعة لتشتري لنا بعض البيض.
وهكذا إندفعت دافينا حاملة السلة الى المطبخ ، حيث اخذت تستعد للبدء بالعمل وهي مسرورة جدا من هذه المبادرة المشجعة .
جلست دافينا قبالة عمة لويد ، تقطع اللوبياء الخضراء ، بينما كانت العمة تقوم بتحضير الجزر وتقطيعه ، وكانت فرصة مناسبة إنتهزتها دافينا لتتحدث مع السيدة باري ، فبادرتها بالسؤال عن مصدر الرائحة الزكية التي كانت تملأ الجو ، فردت عليها وهي تبتسم :
" رائحة خروف محمر... كلنا هنا لا نحب الماكولات الدسمة... طعامنا كله بسيط ولكنه لذيذ الطعم ، حتى أن رواد الفندق باتوا يفضلونه على أي طعام سواه بعد ان تذوقوه.
" لماذا يأتي الناس الى هنا ؟ هل يأتون فقط لممارسة هواية ركوب الخيل وترويضها ؟".
" كلا ، البعض يأتي للتنزه في اجواء الحقول والبساتين ، والبعض يأتي لتمضية عطلة نهاية الأسبوع ، والبعض يأتي لممارسة هواية ركوب الخيل ، هناك عائلة ذاهبة اليوم لتمضية النهار على ضفاف النهر ، وعائلة اخرى ذاهبة لتمضية النهار على سفح الجبل ومشاهدة الشلالات ... والسباحة في البركة الموجودة هناك ".
وصمتت لحظة ثم تابعت حديثها تقول :
" على فكرة ، لا يمكنك تصور كم السباحة ممتعة ، والمناظر خلابة هناك ، عندما يعود لويد ، إذهبا معا الى هناك وتمتعا بالمناظر الطبيعية الساحرة ".
إرتعشت دافينا وإنتفضت لدى سماع إسم لويد ، وخطر ببالها إنتهاز هذه الفرصة كي تخبرها بانها لم تعد راغبة في إنتظار لويد حتى يعود ، بدون أن تتورط في الدخول معها بأية تفاصيل أخرى ، لكنها لم تفعل .
وبعد صمت قصير ، تابعت السيدة باري حديثها ، بدون أن تتوقف عن تحضير الخضار ، فحدّثتها عن بعض الأماكن الواقعة في الجوار ، وعن بعض الأماكن الأخرى في المنطقة ، التي يقصدها الناس للتمتع بمشاهدتها ، والتعرف على معالمها ، خلال أيام العطل والعياد ، وكانت تحرص ،طيلة حديثها مع دافينا ، وعلى ختيار الكلمات الناعمة ، مقرونة بإبتسامة ، بين الحين والآخر ،كانها شاءت أن توليها عناية خاصة نظرا للظروف الحياتية العصيبة التي كانت تعيشها ، علّها بذلك تخفف عنها وطأة الشعور بالوحدة والغربة ، ولم تكن دافينا ، بدورها ، بعيدة عن إدراك حقيقة ما ذهبت اليه العمة باري ، من مجاملة وملاطفة ، وراحت تبادلها بالمثل.

نيو فراولة 08-02-12 09:28 PM

هذا وتطرقت السيدة باري الى أمور كثيرة ومتنوعة من خلال حديثها ، فروت لها عن أمور كثيرة تتعلق بظروفها العائلية والمعيشية ، كما حكت لها عن الأعمال التي قام بها لويد في السنتين الماضيتين، وعن المصاعب الإقتصادية التي واجهتها المنطقة ، والتي بسببها إضطر زوجها لبيع هذا المكان الى السيد لويد ، ولاحظت دافينا مدى الحسرة واللوعة التي إنعكست على وجه العمة المسكينة وهي تحدثها عن وفاة زوجها أثر النوبة القلبية التي اصابته بعد أسبوع من بيع المسكن ، الذي أبقاها فيه السيد لويد ، هي وإبنتها ريانون ، كي تقوم بإدارته ، ريثما يضع له تخطيطا لتطويره وجعله مركزا سياحيا يقصده الزوار من كل حدب وصوب.
وطال الحديث ، وتشعب كثيرا ، بحيث اصبح يدور في معظمه على مواضيع خارجة عن نطاق المجاملة المتبادلة ، أو الطقس ، أو مناظر المنطقة الطبيعية ، والتي كادت تكون مقتصرة على لويد ، والحياة التي يعيشها ، والأعمال التي يحاول تنفيذها ، وغيرها ، ومما قالته:
" بعد غيابه الطويل عن المنطقة وجولاته المتكررة في اخارج ، لم أصدق قوله بأنه ينوي الإستقرار هنا ... حسبته كان يمازحني ، لكن سرعان ما تبين لي العكس تماما ، بدليل أنه راح يكثف نشاطاته ، ويبذل المجهود في سبيل تجديد معمل الصوف تمهيدا لأعادة تشغيله ، فإستقدم لهذه الغاية عددا من الخبراء لدراسة المشروع وإقتراح نوع المعدات اللازمة لتشغيل المعمل ، وغير ذلك من الأمور ... كما أشرف على تنفيذ العديد من الأشغال بمساعدة عمال محليين ... المهم أنه لم يضجر كما توقعت له...".
وقاطعتها دافينا لتسألها بدهشة :
" أصحيح انه يحاول تجديد المعمل وإعادة تشغيله ؟ وهل سيكفيه إنتاجه من القماش !؟".
" ولم لا ! إنتاج المعمل ليس هدفه الأساسي ، وإنما السياحة وتنشيطها ، يهمه بالدرجة الأولى إجتذاب السياح لزيارة المنطقة والمعمل ، حيث يشاهدون أنوال الحياكة وهي تعمل ، في حياكة البسط والسجاد بالوانها وأحجامها وقياساتها المختلفة ، ويبادرون الى شراء بعضها وحمله معهم الى مدنهم وبيوتهم ... وأهم من ذلك أن أفكاره اخذت تشجع الأهالي وتدفعهم الى إحياء الحرف القديمة ، وفي مقدمتهم السيدة دافيس إذ بدأت هي الأخرى تستعد لعادة تاهيل انوالها تمهيدا لتشغيلها وبدء الإنتاج ، كما علمت بأنها تعد الخطط اللازمة لأقامة المعارض لعرض منتجاتها ... وهناك مشاريع كثيرة قيد الدراسة أرجو ان يكتب لها النجاح فتزدهر المنطقة وتنشط الحركة التجارية والسياحية وتتوقف حركة الهجرة ، وتزول البطالة ".
كانت دافينا تصغي الى السيدة باري تحدثها عن كل تلك الأمور ، وهي صامتة ، ولا يعني ذلك بانها لا تبالي بما كان لويد يخطط من أجل المستقبل ، بل انها كثيرا ما كانت تعبر عن دهشتها مما كانت تقصه عليها عمة لويد ، من خلال بعض الإشارات والتلميحات وخاصة عندما راحت العمة تتحدث عن المشاريع التي ينوي زوجها تنفيذها في الريف ، وهي مشاريع تفرض عليها البقاء والإقامة هنا .
وهكذا ظلت دافينا صامتة ، وقد إستولت عليها الحيرة والدهشة مما سمعته وهي تتمنى في قرارة نفسها الا تكون تلك الأخبار صحيحة ، إذ لا يعقل ان يكون لويد يفكر بالإستقرار في هذه المنطقة الريفية، والتخلي عن عالمه ، عالم الكتابة والدب ، عالم الشهرة والثروة ، بهذه البساطة ، اللهم إلا إذا كان الدافع الى ذلك يفوق طاقته ، فما هي الأسباب الكامنة وراء إقدام السيد لويد على هذا التحويل الخطير في حياته؟ هل كانت هي السبب ؟ ربما ، ولكنها إستبعدت ان تكون هي السبب الرئيسي والوحيد الذي يدفعه الى الإتجاه في ذلك المنحى الخطير على مستقبله الأدبي ، وإنتهت الى التفكير بأن ما ينوي القيام به لا يعدو كونه مغامرة ستكلفه ولا شك ثمنا ، باهظا عاجلا أم آجلا .
وكانت السيدة باري تتأملها وهي غارقة في تفكيرها ، وتتمنى لو تعلق على حديثها ، ولو بكلمة واحدة ، علّها تكون كافية للإفصاح عما كان يدور في خلدها بالنسبة الى موقفها من مشاريع السيد لويد ، أو ما قد يطمأنها الى مستقبلها في هذا المكان بعد مجيء دافينا ، بإعتبارها زوجته ؟ وتساءلت بنفسها هل يبقيني في منصبي كمشرفة على شؤون المنزل ، ام أن زوجته ستتولى هذا المنصب بنفسها ؟ من يدري ! كل شيء جائز) ، والحقيقة أن دافينا إستشفت بحدسها ما كان يدور في ذهن السيدة باري من مخاوف حول مستقبلها ، وكادت أن تطمئنها الى المستقبل ، لكنها عدلت عن ذك مخافة ان تسألها عن حقيقة الأسباب التي دفعتها للمجيء الى هنا ما دامت لا تفكر بالبقاء.
وهكذا فكرت بإثارة مواضيع أخرى لتغيير مجرى الحديث ، فسألتها عن الخيل ، وبرامج التدريب على ركوبها ، وعدد الخيول المتوفرة لهذه الغاية ، وعن المشاكل التي يواجهونها في هذا المجال .
تنهدت السيدة باري وهي تروي لها حكاية الخيل ، من بدايتها الى نهايتها ،وجاءت في حديثها على ذكر عائلة مورغان بصفتها إحدى العائلات التي تملك عددا وافرا من الخيول الصالحة لممارسة ألعاب الفروسية ، وتابعت القصة وهي تشعر بالمرارة تحز في نفسها عندما تطرقت الى عدد الخيول التي كانت تملكها غبنتها ريانون ، والتي ارغمت على بيعها أثناء الضائقة الإقتصادية التي سادت المنطقة ، ولم تلبث حتى عادت تشعر بالإرتياح عندما راحت تحدثها عن عملية الإنقاذ التي قام بها السيد لويد ، فور عودته الى المنطقة ، إذ ذهب وإشترى تلك الخيول من الذين سبق وإشتروها ، وردها الى ريانون ، فأعاد بذلك البسمة الى ثغرها ، والفرحة الى قلبها ، وكان هذا الخبر كافيا لإثارة الشكوك في نفس دافينا حول طبيعة العلاقة القائمة بين لويد وريانون ، إذ يأتي الحب في مقدمة الدوافع التي يمكن أن تدفع المرء الى الإقدام على عمل من هذا النوع ، يجوز وصفه بالمغامرة ،خاصة ان ريانون تمتاز بشخصية قوية ، وجمال رائع ، الإضافة الى كونها لا تزال في ريعان الصبا ، وهذه كلها من المزايا التي تثير الإعجاب في نفس لويد ، الذي لا يتورع عن التضحية بشيء في سبيل إرواء نزواته.

نيو فراولة 08-02-12 09:30 PM

هذا وتطرقت السيدة باري الى أمور كثيرة ومتنوعة من خلال حديثها ، فروت لها عن أمور كثيرة تتعلق بظروفها العائلية والمعيشية ، كما حكت لها عن الأعمال التي قام بها لويد في السنتين الماضيتين، وعن المصاعب الإقتصادية التي واجهتها المنطقة ، والتي بسببها إضطر زوجها لبيع هذا المكان الى السيد لويد ، ولاحظت دافينا مدى الحسرة واللوعة التي إنعكست على وجه العمة المسكينة وهي تحدثها عن وفاة زوجها أثر النوبة القلبية التي اصابته بعد أسبوع من بيع المسكن ، الذي أبقاها فيه السيد لويد ، هي وإبنتها ريانون ، كي تقوم بإدارته ، ريثما يضع له تخطيطا لتطويره وجعله مركزا سياحيا يقصده الزوار من كل حدب وصوب.
وطال الحديث ، وتشعب كثيرا ، بحيث اصبح يدور في معظمه على مواضيع خارجة عن نطاق المجاملة المتبادلة ، أو الطقس ، أو مناظر المنطقة الطبيعية ، والتي كادت تكون مقتصرة على لويد ، والحياة التي يعيشها ، والأعمال التي يحاول تنفيذها ، وغيرها ، ومما قالته:
" بعد غيابه الطويل عن المنطقة وجولاته المتكررة في اخارج ، لم أصدق قوله بأنه ينوي الإستقرار هنا ... حسبته كان يمازحني ، لكن سرعان ما تبين لي العكس تماما ، بدليل أنه راح يكثف نشاطاته ، ويبذل المجهود في سبيل تجديد معمل الصوف تمهيدا لأعادة تشغيله ، فإستقدم لهذه الغاية عددا من الخبراء لدراسة المشروع وإقتراح نوع المعدات اللازمة لتشغيل المعمل ، وغير ذلك من الأمور ... كما أشرف على تنفيذ العديد من الأشغال بمساعدة عمال محليين ... المهم أنه لم يضجر كما توقعت له...".
وقاطعتها دافينا لتسألها بدهشة :
" أصحيح انه يحاول تجديد المعمل وإعادة تشغيله ؟ وهل سيكفيه إنتاجه من القماش !؟".
" ولم لا ! إنتاج المعمل ليس هدفه الأساسي ، وإنما السياحة وتنشيطها ، يهمه بالدرجة الأولى إجتذاب السياح لزيارة المنطقة والمعمل ، حيث يشاهدون أنوال الحياكة وهي تعمل ، في حياكة البسط والسجاد بالوانها وأحجامها وقياساتها المختلفة ، ويبادرون الى شراء بعضها وحمله معهم الى مدنهم وبيوتهم ... وأهم من ذلك أن أفكاره اخذت تشجع الأهالي وتدفعهم الى إحياء الحرف القديمة ، وفي مقدمتهم السيدة دافيس إذ بدأت هي الأخرى تستعد لعادة تاهيل انوالها تمهيدا لتشغيلها وبدء الإنتاج ، كما علمت بأنها تعد الخطط اللازمة لأقامة المعارض لعرض منتجاتها ... وهناك مشاريع كثيرة قيد الدراسة أرجو ان يكتب لها النجاح فتزدهر المنطقة وتنشط الحركة التجارية والسياحية وتتوقف حركة الهجرة ، وتزول البطالة ".
كانت دافينا تصغي الى السيدة باري تحدثها عن كل تلك الأمور ، وهي صامتة ، ولا يعني ذلك بانها لا تبالي بما كان لويد يخطط من أجل المستقبل ، بل انها كثيرا ما كانت تعبر عن دهشتها مما كانت تقصه عليها عمة لويد ، من خلال بعض الإشارات والتلميحات وخاصة عندما راحت العمة تتحدث عن المشاريع التي ينوي زوجها تنفيذها في الريف ، وهي مشاريع تفرض عليها البقاء والإقامة هنا .
وهكذا ظلت دافينا صامتة ، وقد إستولت عليها الحيرة والدهشة مما سمعته وهي تتمنى في قرارة نفسها الا تكون تلك الأخبار صحيحة ، إذ لا يعقل ان يكون لويد يفكر بالإستقرار في هذه المنطقة الريفية، والتخلي عن عالمه ، عالم الكتابة والدب ، عالم الشهرة والثروة ، بهذه البساطة ، اللهم إلا إذا كان الدافع الى ذلك يفوق طاقته ، فما هي الأسباب الكامنة وراء إقدام السيد لويد على هذا التحويل الخطير في حياته؟ هل كانت هي السبب ؟ ربما ، ولكنها إستبعدت ان تكون هي السبب الرئيسي والوحيد الذي يدفعه الى الإتجاه في ذلك المنحى الخطير على مستقبله الأدبي ، وإنتهت الى التفكير بأن ما ينوي القيام به لا يعدو كونه مغامرة ستكلفه ولا شك ثمنا ، باهظا عاجلا أم آجلا .
وكانت السيدة باري تتأملها وهي غارقة في تفكيرها ، وتتمنى لو تعلق على حديثها ، ولو بكلمة واحدة ، علّها تكون كافية للإفصاح عما كان يدور في خلدها بالنسبة الى موقفها من مشاريع السيد لويد ، أو ما قد يطمأنها الى مستقبلها في هذا المكان بعد مجيء دافينا ، بإعتبارها زوجته ؟ وتساءلت بنفسها هل يبقيني في منصبي كمشرفة على شؤون المنزل ، ام أن زوجته ستتولى هذا المنصب بنفسها ؟ من يدري ! كل شيء جائز) ، والحقيقة أن دافينا إستشفت بحدسها ما كان يدور في ذهن السيدة باري من مخاوف حول مستقبلها ، وكادت أن تطمئنها الى المستقبل ، لكنها عدلت عن ذك مخافة ان تسألها عن حقيقة الأسباب التي دفعتها للمجيء الى هنا ما دامت لا تفكر بالبقاء.
وهكذا فكرت بإثارة مواضيع أخرى لتغيير مجرى الحديث ، فسألتها عن الخيل ، وبرامج التدريب على ركوبها ، وعدد الخيول المتوفرة لهذه الغاية ، وعن المشاكل التي يواجهونها في هذا المجال .
تنهدت السيدة باري وهي تروي لها حكاية الخيل ، من بدايتها الى نهايتها ،وجاءت في حديثها على ذكر عائلة مورغان بصفتها إحدى العائلات التي تملك عددا وافرا من الخيول الصالحة لممارسة ألعاب الفروسية ، وتابعت القصة وهي تشعر بالمرارة تحز في نفسها عندما تطرقت الى عدد الخيول التي كانت تملكها غبنتها ريانون ، والتي ارغمت على بيعها أثناء الضائقة الإقتصادية التي سادت المنطقة ، ولم تلبث حتى عادت تشعر بالإرتياح عندما راحت تحدثها عن عملية الإنقاذ التي قام بها السيد لويد ، فور عودته الى المنطقة ، إذ ذهب وإشترى تلك الخيول من الذين سبق وإشتروها ، وردها الى ريانون ، فأعاد بذلك البسمة الى ثغرها ، والفرحة الى قلبها ، وكان هذا الخبر كافيا لإثارة الشكوك في نفس دافينا حول طبيعة العلاقة القائمة بين لويد وريانون ، إذ يأتي الحب في مقدمة الدوافع التي يمكن أن تدفع المرء الى الإقدام على عمل من هذا النوع ، يجوز وصفه بالمغامرة ،خاصة ان ريانون تمتاز بشخصية قوية ، وجمال رائع ، الإضافة الى كونها لا تزال في ريعان الصبا ، وهذه كلها من المزايا التي تثير الإعجاب في نفس لويد ، الذي لا يتورع عن التضحية بشيء في سبيل إرواء نزواته.

نيو فراولة 08-02-12 09:31 PM

إلا أنها تمنت ان يكون حدسها صحيحا ، إذ أن ذلك سيجعل موافقة لويد على طلاقها سريعة، وعسى أن يكون زواجه من ريانون أوفر حظا ، وان تكون الزوجة الطائعة ويكون هوالزوج السيد المطاع.
هل كانت دافينا محقة في ما ذهبت اليه من شكوك حول طبيعة العلاقة القائمة بين لويد وريانون ؟ أغلب الظن لا ، لم تكن محقة في ظنونها ، بدليل ان ملامح السيدة باري لم تتغير كما يحدث لملامح من يخفي أخبارا او اسرارا حول علاقات مشبوهة كالتي تصورتها دافينا قائمة بين لويد وإبنتها ، لا سيما وانها معنية مباشرة بمستقبل إبنتها وبتصرفاتها ، وهل يعقل أن تبدو ملامح أي إنسان ، كالملامح التي إنعكست على وجه السيدة باري ومحياها ،من صفاء ، وبراءة ،وطهارة ، غادرت دافينا المطبخ ، بعد أن ودعت العمة باري وشكرتها على شعورها وعاطفتها ،وتوجهت الى الصالون حيث بدأ نزلاء الفندق الذين غادروه في الصباح للتنزه والتفرج على بعض الأماكن الطبيعية يعودون تباعا ، ويحييون دافينا ببشاشة وحرارة ، ويتمنون لها طيب الإقامة في هذا المكان ، وعرفتهم هي بدورها على نفسها بعد أن شكرتهم على حسن إستقبالهم لها واخبرتهم بانها جاءت هنا لتمضية عطلتها الصيفية ، وهنا اخذوا يتسارعون في إطلاعها على الخرائط السياحية التي كانت بايديهم ، منها خريطة المكان السياحي المعروف بإسم عرين التنين ، ويشجعونها ويحمسونها على زيارة تلك الأماكن الطبيعية الفاتنة.
منتديات ليلاس
حتى ان الصغار إشتركوا في الحديث وراحوا يقصّون عليها أخبار مغامراتهم ، ويعرضون أمامها الحيّات الصغيرة التي أمسكوها ووضعوها في علب صغيرة ، وقفت دافينا بين هؤلاء الصغار تصغي بدهشة الى أحاديثهم ، حيث راح كل واحد منهم يروي حكاية مغامرته بين احضان الطبيعة ، هذا يروي قصة مطاردته للحيات الصغيرة حتى تمكن من الإمساك بواحدة منها ، وربما أكثر ، والثاني يتحدث عن الركض وراء الفراشات بغية الإمساك بها ليضمها الى مجموعته ، والثالث يحكي والغصّة في حلقه عن فشله في إنتشال اية سمكة جميلة الألوان من مياه النهر رغم كل الجهود التي بذلها ، كل ذلك ،ودافينا واقفة تصغي اليهم وتبتسم لهم ، وتسالهم وتستمع لأجوبتهم ،وهي تكاد لا تصدق نظرا لما تتطلبه المغامرات التي قاموا بها من شجاعة ، وحكمة ، وقوة إرادة ، وصبر ، ومثابرة ، خاصة إذا تخلّل مثل هذه المغامرات مطاردة الحيات ، والركض مسافات طويلة وراء الفراشات والعصافير والأرانب البرية.
وكم كانت دهشتها عندما رد احدهم على سؤالها عن الحيات قائلا :
" كلا... انا لا أخاف منها ... ولماذا أخاف ! مررت بمئات منها قبل الآن ولم أخف ، بالعكس ، كانت هي تهرب مني وانا اركض وراءها حتى تدخل في جحر أو في فجوة ترابية ... فأتركها وأعود للبحث عن غيرها... لعبة رياضية مفيدة ... أحبها أنا كثيرا...".
ثم صمت برهة كانه يفكر باشياء أخرى يريد أن يحكي لها عنها بعد ان لاحظ إهتمامها بحكاياته البريئة ، وتابع يقول:
" هل تعرفين ان الحيات لا تؤذي ... هذا صحيح ، إكتشفته بنفسي من خلال مغامراتي في البراري ... حيات كثيرة طاردتها بدون ان تحاول إحداها مرة أن تؤذيني أو تهاجمني ... ربما لن حياة المنطقة مسالمة بطبيعتها ، كما أخبرني السيد لويد .... الحق معه ... الحيات هنا مسالمة جدا".
إرتعشت دافينا وتنهدت من الدهشة لدى سماعها إسم لويد يردده هؤلاء الأولاد برغم حداثة عودته الى المنطقة ، وتساءلت كم سيردد ذكر إسمه من الناس بعد أن تطول إقامته هنا واين عساه يكون طالما ان هؤلاء الأولاد يعرفونه ، ويذكرون إسمه ، ويتحدثون عن أشياء قالها لهم قبل يومين ، على ابعد تقدير ! ثم إلتفتت الى هذا الفتى ، وقالت له:
" ماذا بعد ، حدثني عن بقية مغامراتك ومشاهداتك ، ألا تريد ! إنني احب سماع القصة من أولها الى آخرها ، تفضل".
وإبتسم لها تيم ورد عليها قائلا :
" بلى حسنا ، سأحكي لك عن كل شيء عملته وشاهدته هنا ، بعدما شبعت من مطاردة الحيات والفراشات ، جمعنا بعضنا ورحنا نمشي ونمشي حتى وصلنا الى الشلال... وهناك حاولت أن أتابع المشي حتى اصل الى مغارة التنين وقلت لأختي ان ترافقني ، ولكنها رفضت ، هكذا تفعل دائما ... دائما تعارضني.... لست أدري لماذا تقف ضدي دائما وتعكر علي صفاء الرحلات ومتعتها... يا لها من أخت شقية ، عنيدة".
وقاطعته دافينا لتسأله بدهشة:
" قلت التنين ! هل أنت متأكد من وجود تنين في الغابة ؟ من قال لك ذلك؟".
" نعم.... يوجد تنين هناك .. هذا ما قله لي السيد لويد ، قال لي ان بإمكاني ان أسمع هديره بوضوح من بعيد اثناء هبوب الريح بقوة ، أنا شخصيا لم أره ، ولم أسمعه ، السيد لويد أكّد لي ذلك ،ولكن ، السيد مورغان نفى وجود أي تنين هناك وسخر مني عندما سالته عنه وعن هديره وأخبرني بان الهدير المزعوم ليس إلا صفير الريح عندما تهب بقوة وتمر في طريقها عبر بعض الشقوق الصخرية الضيقة هناك فتحدث صوتا يشبه صوت الهدير ... صدقيني بانني لا أعرف من هو الصادق من الأثنين ".
ويبدو أن تيم أفرغ كل ما في جعبته من قصص وحكايات فأخذ يهمهم ويدندن وهو يتحسس بطنه ويقول بعد أن إلتفت صوب والدته:
" جائع.. أكاد اموت في الجوع... متى سنأكل ؟ الم يحن وقت الطعام؟".
" كفى ، كفى تذمرا وتأففا ! إنك لم تهضم بعد الأكل الذي أكلته في الخارج ، هل نسيت كم أكلت ! انا لا أصدق انك جعت الآن بعدما أكلت ضعف ما أكله أي واحد منا ... إصبر وتأكل بعد قليل ".
" حسنا يا اماه...".

نيو فراولة 08-02-12 09:34 PM

عندها ، إلتفتت والدة تيم الى دافينا وخاطبتها وهي تبتسم قائلة :
" لا تصدقي كل هذه القصص الصبيانية المبالغ فيها ولا تدعيها تؤثر على أعصابك وتصدك بالتالي عن القيام برحلة الى موقع الشلالات ... صدقيني إنها رائعة... إذهبي وتمتعي بمشهدها الجميل وإسبحي في بركةالمياه هناك... السباحة فيها تنعش الجسم وتريح الأعصاب... أنا سبحت فيها اليوم وبت اشعر بالراحة والإنتعاش والقدرة على الخروج غدا لممارسة هواية ركوب الخيل أكثر مما كنت اشعر في أي وقت مضى ... لا تفوّتي عليك هذه الفرصة".
في هذه اللحظة بالذات ظهرت ريانون فجاة ، لتعلن بصوتها الجهوري ان الطعام جاهز ، ودعت الحاضرين للإنتقال الى غرفة الطعام ، ثم تنحت جانبا كي تفتح الطريق امامهم للمرور ، وهي تخاطب دافينا التي ظلت جالسة في مكانها ، قائلة:
" نت مدعوة لتناول الطعام معنا في المطبخ لأن غرفة الطعام صغيرة ولا تكفي لأستيعاب الجميع ، هكذا قالت والدتي ، وهي تنتظر معرفة رأيك ".
إبتسمت دافينا وهي ترد عليها بقولها:
" حاضر... سمعا وطاعة ! انا مستعدة لتنفيذ كل الأوامر ، وخاصة طلب الوالدة الكريمة".
قالت ذلك وهبّت واقفة بنشاط ورشاقة كأنه كان على المسكينة أن تراعي خاطر الانسة ريانون كيلا تغضب حتى بحركاتها وسكناتها ، وتبعت ريانون في الممشى ، ثم وقفت ، فيما دخلت ريانون الى المطبخ حيث كانت والدتها تحضر الطعام لنقله الى نزلاء الفندق ، وما هي إلا لحظات حتى خرجت السيدة باري حاملة بين يديها طنجرة الشورباء ، وتبعتها الآنسة ريانون حاملة بين يديها صينية كبيرة عليها بعض الوان الطعام ، فإبتسمت دافينا لهما وإندفعت نحوهما تعرض المساعدة ، غير أن الانسة ريانون أشارت برأسها بالنفي وهي تقول لها :
"لا ، شكرا !... نحن لسنا بحاجة لمساعدة احد ...".
ولاذت دافينا بالصمت وهي تفكر بأن هذا هو جزاء كل من يتدخل في ما لا يعنيه... إذ يسمع ما لا يرضيه.
كانت الرائحة المنبعثة من المطبخ تؤكد بما لا يقبل الشك بأن وجبة اليوم شهية ، وقد تاكدت من ذلك بنفسها عندما جلست الى المائدة مع العمة باري والآنسة ريانون ، ولكنها لسوء الحظ لم تأكل من الطعام ما يسد جوعها ، إذ اخذ ميزان شهيتها يرتفع وينخفض بالنسبة الى نظرات الآنسة ريانون الجالسة أمامها ، تلك النظرات التي كانت في معظمها متجهمة وعابسة.
أخيرا إنتقل الجميع الى الصالون ، حيث قدمت لهم الحلوى والقهوة ، وبعد لحظات وصل شاب ، وسيم الطلعة ، طويل القامة ، وصار يتأمل الحاضرين ، فردا فردا حتى إذا وصل الدور الى دافينا تأملها طويلا ، ثم إبتسم لها وخاطبها قائلا:
" ضيفة جديدة ؟ أهلا وسهلا ! متى وصلت؟".
ولكن الآنسة ريانون لم تترك لها الفرصة للرد عليه ، إذ سبقتها وقالت:
" وصلت اليوم ، لكنها ليست زائرة ، بل هي زوجة لويد".
قالت ريانون ذلك بعصبية ظاهرة ، ثم رمت صينية القهوة على الطاولة بصورة عشوائية ، اثارت ردودا غير مستحسنة من جانب الحضور .
إلا أن هذا التصرف السلبي من قبل الانسة ريانون ، لم يمنع الشاب من متابعة حديثه مع دافينا قائلا :
" يشرفني أن أكرر ترحيبي بك بصفتك زوجة السيد لويد ... مرة ثانية ، أهلا وسهلا ، لي الشرف بمعرفتك ".
ثم إقترب منها ويده ممدودة لمصافحتها ، وهو يقول لها :
" انا هيو مورغان ".
" تشرفت ! اهلا وسهلا ، أنا دافينا غرير ".
" إسم فني ! " ورفع حاجبيه من الدهشة وتابع يقول متسائلا :
" ممثلة ؟ هل انت ممثلة ام عارضة أزياء؟".
وهزت دافينا راسها بالنفي وهي تضحك وتقول :
" لا هذه ولا تلك ، يبدوأنك تحاول مجاملتي بوصفك إياي ممثلة أو عارضة ازياء ! وكم يبدو هذا الوصف مغريا ".
" معاذ الله أن يكون ذلك قصدي ، ولكنني فعلت ذلك لأسباب محض شخصية ... سمها من وحي المظاهر ، إذا شئت ، أنا آسف إذا كنت أخطأت التقدير ".
" لا باس ... وليس في ذلك أي ضرر ، أنا أشتغل مع عمي في دار نشر يملكها ".
فتأملها مورغان طويلا ، قبل أن يعلق على جوابها ، ثم رد عليها وهو ينظر بخبث الى الانسة ريانون ، قائلا :
" حسبك أنك جمعت بين الفكر والجمال ... هذا يوحي لي بأن الحظ أعطى السيد لويد بدون حساب ".
هنا تدخلت الآنسة ريانون إذ ردت عليه قائلة بتهكم وسخرية :
" كفاك سخافات وتفاهات يا هيو ! هل تريد فنجان قهوة ؟".
" طبعا ... طبعا ! ماذا تنتظرين ؟ هل تظنين بأنني جئت لكي اراك ؟".
قال ذلك وراح يلاحق ريانون بنظراته حتى توارت عن الأنظار .
وبعد لحظات عادت الآنسة ريانون حاملة صينية القهوة ، فوضعت الفنجان أمامه على الطاولة الصغيرة وهي ترتعش من الإنفعال ، الأمر الذي دفع مورغان الى التعليق على تصرفها هذا بلهجة لاذعة.
" صدقيني بأنني لن أعود ثانية ... لن اعود الى هذا المكان إطلاقا ، ما هذه الخدمة ؟ خدمة بعيدة كل البعد عن اللياقة والإحترام لم أعهدهما من قبل".
ثم بدا يرشف القهوة ببرودة أعصاب ، بدون أن يظهر عليه أي أثر للإنفعال أو العصبية من جراء تصرف الآنسة ريانون على ذلك النحو غير اللائق ، بل ، على العكس من ذلك ظل محتفظا بهدوئه ، وألتفت الى دافينا ، وتأملها قليلا ، ثم قال لها مبتسما :
" أنصحك بألا تبالي بتصرفاتها ... ولا باقوالها ... إنها اشبه بالكلاب التي تملأ الجو بنباحها ونادرا ما تعض .. يدهشني كثيرا أنها تصرفت معي اليوم على غير عادتها ... وفي رايي لا نار بلا دخان ولا شك أن شيئا ما قد حدث وأفقدها توازنها ، وإلا ...".

نيو فراولة 08-02-12 09:44 PM

قاطعته دافينا وقالت :
" معك حق ! يجوز أن يكون مجيئي الى هنا هو الحدث ... ولا أستبعد بأنه ضايقها ... كما يتضح ذلك من خلال تصرفاتها ...".
" أجل ، من الجائز أن قدومك ضايقها ... وإذا عرف المرء السبب زال عجبه ، ولا تنسي أيضا ، السيد لويد وسيم ولبق للغاية ، وقد ضحى بالكثير من أجلهما ... هي ووالدتها ... يكفيه فخرا أنه أنقذهما من براثن الحاجة والعوز ورد لهما الخيول التي باعتاها اثناء الضائقة الإقتصادية التي مرت بالمنطقة .. أنا شخصيا ، لا ألومها ابدا على تصرفها اليوم ولا على غيرتها على لويد .... فلها عذرها ولها ما يبررها ... أليس كذلك ؟".
كانت دافينا تصغي اليه بكل إنتباه وحذر ، ودهشت من صراحته المتناهية...وكم راودها الحذر من مغبة أن تصل كلماته الى مسامع ريانون التي كانت في المطبخ المجاور لمكان وجودهما ، تساعد امها في جلي الصحون والأواني المنزلية الأخرى ، لكن حذرها زال بعد تيقنها بإنشغالهما في المطبخ فضلا عن قعقعة الصحون المسموعة بوضوح ، التي كانت كافية ولا ريب لطمس اية أصوات اخرى تصدر في الخارج.
ثم رفعت راسها وسألته مستوضحة :
" هل تظن بأن الدافع الى كل تصرفاتها نحوك اونحوي لا فرق ، مصدره غيرتها على السيد لويد ؟".
رفع مورغان فنجان القهوة واخذ منه رشفة ، ثم وضعه على الطاولة ، وهو يفكر قليلا ، ورد قائلا :
" أعتقد ، هذا رايي الشخصي ، اما إذا كانت تصرف هكذا لغرض في نفسها أو لأسباب أخرى مستجدة ، فأنى لي أن اعرف ، على فكرة ، هل تنوين البقاء هنا طويلا؟".
" كلا ، لن أبقى طويلا ، ربما ارحل غدا في الصباح".
"قبل أن تقابلي السيد لويد ؟".
" نعم.... بدون أن أراه ، ثم ، ليس من الضروري أن اقابله ، سوف أرحل بعد ان أترك الأوراق المكلفة بتسليمه إياها مع أي شخص ".
" آه ، لم اعرف بانك مكلفة بتسليمه بعض الأوراق الخاصة به ، لا شك في أنها أوراق مهمة وإلا لكانت ارسلت اليه بواسطة البريد ، أليس كذلك؟".
" ربما ، ولكنها ذات طابع شخصي محض ... ولا علاقة لأحد بها سواي.
" ارجوك أن تفهميني ، انا لا أقصد التدخل في شؤونك الشخصية ، ولا أسمح لنفسي بذلك ، أرجوك ان لا تشككي في كلامي او في نواياي ، كل ما في الأمر ان تفكيرك بمغادرة المكان قبل مقابلة لويد أثار إهتمامي فإندفعت أستفهم لمعرفة ما إذا كانت ريانون هي السبب أم لا ، هذا كل شيء ".
" مهما يكن ... سأكون سعيدة جدا إذا عدت الى لندن.... للتمتع بالحياة الهادئة الهانئة هناك ... الحياة الخالية من العقد ، والمشاكل ، والصعوبات .... يقولون لي أن الحياة هنا طبيعية ... بسيطة ... غير معقدة ، ولكنني لم أفهم كيف ، وعلى أي أساس ، يصنفون حياتهم هكذا".
كان مورغان ودافينا يضحكان ساعة وصلت الآنسة ريانون فجأة ، وبدون سابق إنذار ، لتشاهدهما وتقول بلهجة لا تخلو من العصبية:
" لماذا كل هذا الضحك الصاخب ؟ هل لي ان أعرف السبب !؟ لا بأس وإضحكا ما طاب لكما الضحك ، هل آخذ الفنجان... هل شربت قهوتك؟".
وتأملها مورغان لحظة ثم راح يداعبها بكلمات معسولة ولاذعة في آن ، من ذلك انه ذاهب الى البيت كي يرتدي افضل ثيابه ويعود للذهاب معها الى حفلة الرقص المنوي إحياؤهما الليلة في البلدة ، قال لها هذا الكلام بعد ان رآها مرتدية فستانا جديدا ، وجاء الجواب سريعا ، ربما باسرع مما كان يتصور ، إذ أجابته فورا انها ليست في وارد الخروج معه.
وإعتبر مورغان هذا الرفض بمثابة شذوذ عن القاعدة من قبل الانسة ريانون ، إذ لم يسبق لها أن رفضت له طلبا في الماضي ، ولكنه تقبله ببشاشة ، ثم إلتفت الى دافينا وسالها :
" ما رايك ؟ هل تحبين الخروج معي لقضاء سهرةعامرة بالرقص والموسيقى ؟ ستكون تجربة مفيدة لك للتعرف على طبيعة حياتنا الليلية في الريف ، ارجو ألا تخيبي املي كما خيّبته الآنسة ريانون ! ".
وهنا تدخلت ريانون وردت عليه قائلة :
" لا أظنها تريد ان تورط نفسها في حفلات تافهة... وبرفقة إنسان لا تعرفه...".
ادار مورغان وجهه نحو دافينا وهو يقول موجها الكلام الى الآنسة ريانون بطريقة غير مباشرة :
" من المعروف ان سلاح المرأة دموعها ، لكن سلاحك أنت ، بل واقوى سلاح تملكينه... هو لسانك ، ويا له من سلاح فتاك لولا قذارته...".
قال ذلك وصمت لحظة وهو يدير وجهه نحو الانسة ريانون ليخاطبها وهو يقصد بكلامه دافينا بصورة غير مباشرة:
" إنها تغار منك لأنك لطيفة ومهذبة ومثقفة ، ولهذا السبب رفضت الخروج الليلة كي لا تنكشف امامك بعد ان يلاحظ الناس الفرق الكبير بينك وبينها ، فتفقد شعبيتها....".
ثم عاد وإستدار صوب دافينا وتابع حديثه موجها الكلام الى ريانون بطريقة غير مباشرة:
" كنت أتوقع منك أن تشجعيها على الخروج الليلة ، كي ترفه عن نفسها قليلا ، وتنسى العذاب بعيدا عن النظرات المريبة ، ولوعة الغيرة ... ما كنت اتصورك قاسية القلب الى هذا الحد نحو واحدة من أفراد عائلتك ....".
فقاطعته ريانون وكأنها أدركت ما كان يرمي اليه من خلال حديثه الطويل وردت عليه بحدة وإنفعال :
" ومن الذي أخبرك بانها فرد من افراد عائلتي ؟ لقد أخطأ الهدف يا هيو ... كلا انها ليست من افراد عائلتي...".
قالت ذلك وخرجت .

نيو فراولة 08-02-12 09:45 PM

عندها إلتفت هي والى دافينا وعاد يسألها :
" ما رايك ؟ أظنها ستكون فرصة مفيدة لك جدا ، من الخطأ أن تعودي الى لندن بدون أن تحملي معك ولو ذكرى واحدة تذكرك بهذه المنطقة الريفية وحياة الفلاحين فيها... وفرصة سعيدة ربما جعلت منك مؤلفة مشهورة ، إذ قد يخطر ببالك تأليف كتاب عن الحياة في الريف ، والتقاليد ، والعادات ، وغير ذلك من الشؤون والشجون .... بدلا من نشر مؤلفات الآخرين ... والمواهب متوفرة ولا ينقصك شيء لبلورتها وإظهارها سوى الخبرة ... فليكن خروجك الليلة الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل ".
لم ترد دافينا على الفور وإنما بقيت صامتة وهي تفكر تارة ، وتتأمله طورا ، ثم قالت :
" لو كنت أستطيع لما ترددت لحظة واحدة في الخروج برفقتك الليلة ، آسفة جدا ! يجب ان أنام باكرا كي استطيع القيام يرحلة العودة غدا ، وهي ، كما لا يخفى عليك ، رحلة طويلة وشاقة".
" يبدو لي ان الأمور لن تسير حسبما أشتهي واتمنى ، وما علي سوى الرضوخ للأمر الواقع ، ما دمت سيء الحظ الى هذا الحد ".
قال ذلك وهو ينهض من مقعده ، ويستعد للخروج فإستمهلته وهي تقول له :
" مهلا يا سيد هيو ! قلت ان الحفلة ستبدأ بعد ثلاثة ارباع الساعة من الآن ، أليس كذلك ؟ اجل ، إنتظرني حتى أغير ثيابي ، ونخرج معا ".
" كلا ، لا أستطيع إنتظارك إذ علي أن أغير ثيابي ، ونخرج معا".
"كلا ، لا أستطيع إنتظارك إذ عليّ ان أغيّر ثيابي أنا أيضا ، ساذهب واعود بسرعة ، حاولي ان تكوني جاهزة عندما اعود ".
وتابع طريقه الى الخارج عبر الباب الخلفي ، حيث إلتقى ريانون وقال لها بدون أن يتوقف عن المشي :
" كيف حال راسك ؟ هل تحسن ؟ سلامتك ؟".
اعقب ذلك فترة قصيرة بدا الصمت خلالها سيد الموقف ، بعد أن غادر هيو المكان ، وإنتقلت الآنسة ريانون الى المطبخ وهي مرتبكة ، حائرة ، صفراء اللون ، وإنهمكت دافينا بتغيير ثيابها إستعدادا للخروج وهي مبللة الفكر كمن يبكته ضميره لشعوره بإرتكاب خطيئة كبرى.
وما هي إلا دقائق معدودة حتى إنتهت دافينا ولبثت تنتظر عودة هيو ، صحيح ان دافينا وافقت عل الخروج برفقة هيو وحضور تلك الحفلة الراقصة ، ولكن الصحيح أيضا انها وافقت على مرافقة هيو بالرغم من إرادتها بسبب التصرفات الشاذة والمخجلة التي مارستها ريانون حياله وحيالها ، في آن معا ، بل أنها لم تكن متحمسة للخروج ابدا ، لا برفقة هيو ، ولا برفقة أي شخص سواه ، ليس فقط لأنها متزوجة ، بل ايضا لأنها محافظة ،وهنا شعرت بوخز الضمير يوبخها على إقحام نفسها في المعادلة القائمة بينهما ، بغض النظر عن الأخذ والرد ، واللف والدوران ، والدور السلبي الذي لعبته ريانون ، وفكرت بأنه كان يجد ربها أن تلتزم جانب الحياد المطلق في الحوار الذي دار بينهما ، أو أن تتوارى عن المسرح وتتركهما يسويا أمورهما الخاصة بنفسهما ، لوتصرفت كما يجب أن تتصرف لكان بوسعهما التوصل الى حل سليم للمشكلة وابقيت نفسك بعيدة عن اية مشاكل قد يخلقها خروجك برفقة شاب لا تعرفين عنه شيئا.
منتديات ليلاس
وهنا خطر ببالها ان تذهب وتقابل الانسة ريانون ، كي تقنعها بضرورة الخروج مع مورغان الليلة وتقول لها بكل صراحة أن ليس في نيتها الخروج الى أي مكان .
من الواضح ان دافينا كانت تحاول إعادة الأمور الى مجراها الطبيعي بين هيو وريانون بعد الهزة العنيفة التي تعرضت لها ، والحوار العنيف الذي دار بينهما ، وما تخلله من تصرفات شاذة ونظرات عدائية ، وعبارات قاسية .
وكان هناك ما يبرر لدافينا محاولة الإتصال بالآنسة ريانون وإقناعها بالتراجع عن موقفها الرافض والموافقة على الخروج برفقة هيو ، كما كانت مقتنعة بأن ريانون كانت تتوقع الخروج والسهر في مكان ما هذه الليلة ، بدليل أنها شاهدتها ترتدي فستانا جديدا.
المهم ان دافينا قامت بالمحاولة ، فإتصلت بالآنسة ريانون وحاولت إقناعها بتسوية الأمور بينها وبين هيو ، وافهمتها بمنتهى الصراحة أن تصرفاتها غير اللائقة دفعت هي والى أن يدعوها هي للخروج معه بدلا منها.
فماذا كانت النتيجة ؟ لا شيء إذ ظلت ريانون متشبثة بالرفض ، برغم الجهود التي بذلتها دافينا في هذا السبيل ، بل أنها ذهبت الى ابعد من ذلك ، فحذرتها من مغبة التدخل في شؤونهما ، أو الحديث عن مميزات مورغان ونواياه ، حتى إنتهت الى القول بانها أدرى الناس بشؤون مورغان ، محذرة إياها بضرورة الكف عن اللعب على الحبال وإلا ...
وصمتت ريانون وهي ترتعش وترتجف من الإنفعال ، ثم إلتفتت اليها وقالت بحدة :
" يمكنك الذهاب الآن والخروج مع مورغان ... ولك مني أطيب التمنيات والدعاء بالفرح والسعادة ".
هزت دافينا كتفيها عجبا مقرونا بالحسرة وهي خارجة من غرفة آنسة ريانون ولسان حالها يقول : شاني شان جميع سعاة الخير ....وما عليّ إلا تقبل النتائج مهما كانت مريرة وقاسية ، ثم عادت الى غرفتها ، فأغلقت الشباك ، والقت نظرة أخيرة على نفسها في المرة ، وأخرجت شالها الصوف من الخزانة ، وأقفلت الباب ، وسارت في طريقها الى الخارج عبر غرفة الطعام.
دهشت السيدة باري عندما رأت دافينا في طريقها الى الخارج وسألتها مستوضحة الأمر:
" اراك خارجة ... هل انت ذاهبة في نزهة ؟ الطقس بارد في الخارج ومن الأفضل ل كان ترتدي معطفا ، إذا لم يكن عندك معطف ترتدينه ، فإنني مستعدة لإعارتك معطفي ".
" شكرا....".

نيو فراولة 08-02-12 09:46 PM


وصمتت لحظة وهي تشعر بالضيق والإنزعاج ،ثم تابعت تقول :
" الحقيقة انني خارجة برفقة السيد مورغان الذي دعاني الى حضور حفلة موسيقية راقصة بعد أن رفضت الانسة ريانون مرافقته الى الحفلة...".
وإذا بالسيدة باري تتأملها طويلا وهي ترفع حاجبيها وقالت متسائلة:
" صحيح ؟ شيء غير معقول ! وكيف تقبلين الخروج معه ؟".
" اجل قبلت ، وأي ضرر في ذلك ؟ هل هناك ما يمنع الخروج برفقة فتى ظريف ولطيف مثل السيد مورغان ؟".
" تقولين فتى ؟ ما شاء الله ! وأنت ، كم عمرك ؟ إنه اكبر منك بسنتين ، على اقل تقدير ، ما كنت اتوقع منه ان يدعو إمرأة غريبة عنه ومتزوجة للخروج معه ، لست أدري ماذا ستكون ردة فعل والدته والسيد لويد على مثل هذا التصرف ، وهذا الحدث الطريف ! ".
حدّقت دافينا فيها طويلا وقد راودتها دهشة عارمة ، ثم ردت عليها قائلة :
" لماذا تعملين من الحبة قبة !؟ ألا تعلمين أن مورغان دعاني للخروج معه نكاية بإبنتك ولمجرد أن يعلمها درسا في ادب السلوك ؟ هذا كل ما في الأمر ، إذ أنني لا أعني شيئا في نظره".
وهزت السيدة باري كتفيها إستخفافا وهي ترد عليها ببرودة اعصاب قائلة :
" سامحيني إذن ... الحق عليّ لأنني تدخلت في ما لا يعنيني ، ولولا حرصي على سمعتك وكرامتك لما كنت سمحت بلفت إنتباهك الى عواقب هذه التجربة المتغايرة للعادات والتقاليد المألوفة في منطقتنا ، والتي تجهلينها ولا شك ، وهي تختلف كليا عنها في لندن .. إذ ان الزوجات هنا لا يخرجن إلا برفقة الأزواج ، وإلا بقين داخل البيوت".
وهنا إزدادت دافينا غضبا وعصبية وهي ترد عليها قائلة :
" أجل ، لو اتبعت هذه القاعدة خلال السنتين الماضيتين لكنت اصبحت ناسكة ".
" أنت صاحبة الرأي والخيار ! اما انا فاعتقد بأن على المرأة أن تتبع زوجها ، وتطيعه ، وتبتعد عن إثارة المشاكل وإلا كان نصيبها المتاعب والهموم ".
وردت دافينا بلهجة مقرونة بالتحدي تقول :
" لعلمك بانني لم أعط فرصة واحدة للإختيار ، أو لإبداء الرأي ، إذ كان السيد يصر على ممارسة قاعدة خاصة به ، ألا تعرفين هذه الحقيقة أم انك تتجاهلينها ! ".
" قلت لك واكرر القول بأنني لا اعرف شيئا عما حدث بينكما ولا اريد ان أعرف ، ولكن من المفيد معرفة ان الخروج برفقة رجل غريب أمر غير مقبول وغير لائق هنا ، ومن شأنه أن يجعل الأمور اكثر تعقيدا ، هذا ما يهمني إبلاغك إياه ، وأعذر من أنذر ".
ثم تركتها وذهبت الى المطبخ ، وتابعت دافينا طريقها الى الخارج .
وقفت تنتظر وهي تفكر بأن للسيدة باري الحق في التعبير عن رايها بكل صراحة وحرية ، والدفاع عن زوجها السيد لويد ، لكونها عمته ، ولكنها تساءلت : ترى ، ماذا كانت السيدة باري ستقول او كيف تتصرف لو كان زوجها يعاملها المعاملة نفسها التي يعاملها إياها لويد ؟ لا شك في أنها كانت ستقيم الدنيا ولا تقعدها ، لكنني أعذرها ، فهي معذورة لأنها لا تعلم شيئا عن حقيقة ما جرى بيننا ، ولا أظنها إستيقظت يوما لتجد ان زوجها غادر البيت وترك لها ملاحظة مكتوبة على قصاصة من الورق تقول ( الى اللقاء ) ، او أنها عانت آلام الوحدة والوحشة والعذاب والحزان كما عانتها هي في المستشفى ، فضلا عن الهموم والمآسي التي عاشتها ساعة فقدت جنينها بدون أن تجد بجانب سريرها من يعزيها ويواسيها ، وبدون ان تتوقف عن همس إسم زوجها ، اجل ، لا أتصورها تعرضت ولو لمرة واحدة لأي حادث من الأحداث التي تعرضت لها أنا ، ولا أجهضت جنينا ، ولا مرّت بمثل هذه التجربة المريرة ، أو عانت مرارة الفراق والبعاد عن زوجها كما عانيت وتعذبت وتحسرت ، وقد صدق من قال: المصيبة لا يشعر بها إلا صاحبها ، وهذا ما يشفع للعمة باري فيما ذهبت اليه في الدفاع عن لويد ، والتلويح امامها بأن لتصرفاتها حدود لا يجوز لها أن تتخطاها.
ثم توقفت لحظة عند ردّة الفعل التي جاءت السيدة باري على ذكرها في سياق دفاعها عن لويد وهي تفكر بالوسيلة التي سيؤدب ها على خروجها الليلة برفقة شاب غريب ، وهوالذي هجرها بعد زواجهما ببضعة أسابيع ، وسافر الى أميركا وإنشغل عنها بالمسرات بدون أن يكلف نفسه مرة أن يكاتبها أوو يرد على رسالة واحدة من رسائلها ، او رسائل محاميها ، ناهيك عن نظراته الجامدة والمريبة ، التي كانت تلاحقها حيثما إتجهت وتحركت ، خلال الأيام القليلة التي عاشاها معا ، قبل سفره الى الخارج ، والتي جعلت حياتها اشبه بالجحيم ، وماذا تفيدني حلاوة اللسان إذا كنت سأدفع ثمنها من حريتي وكرامتي وسعادتي !
وكما أن لويد كان يبالغ في مجاملة زوجته حتى الإبتذال ،ويلاحقها بنظراته الشاخصة الفاحصة حتى الرهبة والإرتياح ، كذلك كانت دافينا تبالغ في وصف مجاملاته الى الحد الذي يطبعها بطابع التهكم والمراوغة ، وفي تشخيص نظراته الى الحد الذي يطبعه بطابع السيد المستبد ، وتبقى الحقيقة التي يجب أن تقال وهي ان لويد اخطأ الهدف عندما راح يعامل زوجته بقسوة ومكابرة وإهمال ، لا لشيء إلا نكاية بوالدتها وإنتقاما منها لكرامته ، وأن دافينا أخطأت التصرف عندما راحت تتصوره يحاول من خلال معاملته تلك فرض إرادته عليها ،والقضاء على حريتها الشخصية ، فأصبحت أميرة الهواجس وشتى الإنفعالات والتناقضات.
وهكذا تحولت طمانينتها الى قلق ، وإنقلب حلمها الجميل الى كابوس مزعج ، وصفاء الذهن الى بلبلة ، لا تعرف الراحة أو الإستقرار ، ولا تدري ما إذا كان يصح تسمية لويد كشريك حياة ، ورفيق عمر ، كما حلمت بذلك ذات يوم.

نيو فراولة 08-02-12 09:48 PM

ثم تنهدت وشهقت والألم يح زفي نفسها حين تصورت اشلاء حلمها الجميل تلوح أمامها في الهواء بعد أن تحطم على صخرة التصرفات الشاذة ، تصرفات من كانت تضع كل آمالها المستقبلية في شخصه ، وتتوقع منه ان يعاملها معاملة الشريك للشريك ، أو الند للند ، لا معاملة السيد للخادم.
كم هي مسكينة هذه الفتاة ! والى أي حد كانت غارقة في الحيرة ، والى أي مدى كانت تسير وراء افكارها الخيالية والى متى ستظل اسيرة الإنفعالات العاطفية ! وغالبا ما كانت تتوج همومها بالبكاء ، كما أوشكت أن تفعل الآن لولم يصدها عن ذلك صوت سيارة قادمة في إتجاهها من بعيد ، والتي سرعان ما تبيّن بأنها سيارة السيد مورغان الذي كانت تتظره.
ترجل مورغان من السيارة ، واسرع الخطى نحوها ، كان يرتدي بدلة جديدة ، فاتحة الون ، وبدا فيها اكبر سنا من عمره الحقيقي ، وأكثر ثقة بالنفس مما أظهر سابقا ، أما دافينا فقد تمنت بأن لا يغيب عن بال السيدهيو ان الدافع الحقيقي الذي جعلها تقبل دعوته والخروج برفقته الليلة ليس له أدنى علاقة بجماله او بريعان شبابه ، وإنما لغرض في نفسها.
والحقيقة ان دافينا شاءت الإستفادة من هذه الفرصة ، فرصة لقاء هيو صدفة ودعوته اياها للخروج معه ، كي ترى ماذا سيفعل زوجها بعد أن يسمع الخبر ، وقد إتخذت جميع الإحتياطات لمواجهة كافة الإحتمالات .
كانت تحمل في جعبتها بعض الصور التي إلتقطت لزوجها وهو يجالس بعض الممثلات اثناء وجوده في أميركا ، أرسلها احد أصدقاء العائلة الى والدته ، وقد نشرته الصحف في حينه ، خاصة الصورة التي اخذت له برفقة ممثلة تدعى ليزا دير قامت بدور البطولة في أحد أفلامه ، وفكرت بان الفرصة سانحة الآن لمواجهته بكل هذه الحقائق ، وكشفه على حقيقته أمام الناس ، ودحض أقوال وكيله الذي نفى وجود أية علاقات بين زوجها والفتيات اللواتي ظهرت معه في الصور ، ووصف الأخبار والصور التي نشرتها الصحف هناك بأنها للدعاية.
وهكذا خرجت دافينا برفقة هيو ، وتوجها الى تلك الحفلة ، التي حضرها عدد كبير من شبان المنطقة وشاباتها ، ورقصت دافينا حتى التخمة ، على أنغام الموسيقى الناعمة ، الحالمة ، رقصت مع هيو ، وتناوبت على الرقص مع عدد من أصدقائه.
وكان من الطبيعي ان يلاحقها بعضهم بنظرات مريبة عكست التساؤلات التي راودتهم حول الأسباب التي جعلت هيو ياتي هذه المرة الى الحفلة برفقة فتاة غريبة ، خلافا لعادته ، كما ساورت البعض الآخر المخاوف من أن تكون العلاقة الحميمة القائمة بين هيو وريانون قد تعرضت لإنتكاسة خطيرة باتت تهدد بإنقطاع هذه العلاقة.
وما عدا ذلك ، يمكن القول أن دافينا امضت بضع ساعات تسرح ، وتمرح ، وترقص ، وهي تشعر نفسها خالية من الهموم والأحزان ،وكأنها ولدت من جديد ، لغاية ان إنتهت الحفلة ، وعادت الى الفندق برفقة هيو.
هذا ورفض هيو إلا أن يرافقها الى باب الفندق الرئيسي ، حيث شكرها وودّعها قائلا :
" طابت ليلتك يا سيدتي ، صدقيني انه لولا إرتباطك بالسيد لويد وإرتباطي أنا بالآنسة ريانون التي يصعب إقناعها بجدية تعلقي وإرتباطي بها ، أجل ، لولا هذا الرباط وذاك ، لكنت اقرنت الوداع بعناق ، وحسبي أنني حظيت الليلة بشرف الخروج برفقتك ، إنها فرصة سعيدة جدا لن أنساها ، أرجوك ان تنسي تصرفات ريانون الناتجة عن إنخداعها بشخصية لويد ، ولا يهمك ! تصبحين على خير ".
قال ذلك وإستدار وسار نحو سيارته ، فصعد اليها ، ثم إنطلق بها ، فيما كانت دافينا تراقبه حتى غاب عن الأنظار ، ففتحت الباب ودخلت منه الى الصالون ، حيث بقيت واقفة بضع دقائق تفكر بما كان للموسيقى والمرح من آثار بارزة كانت تشعر بها ، إذ بدت هادئة الأعصاب ، متجددة النشاط ، لا يراودها أي شعور بالخيبة أو بالهواجس المثيرة للقلق والإنفعال.
لكن شعورها بالإنتعاش وهدوء الأعصاب لم يمنعها من التفكير بإتخاذ كافة الإحتياطات الضرورية لمواجهة مختلف حالات الأرق ، والألم ،والصداع ، حال حدوثها ، فذهبت الى المطبخ كي تحصل لنفسها على بعض الحبوب المهدئة للأعصاب والأوجاع ، وهي تتلمس طريقها اليه في الظلام ، بمحاذاة الحائط ، وتتحسسه بيدها بحثا عن زر الكهرباء لأنارة المكان ،وفوجئت عندما شاهدت النور يشع بوجهها من خلال الغرفة المجاورة للمطبخ ، وسمعت جلبة وضجة حسبتهما ناتجتان عن إصطدامها بكرسي كانت هناك ، لتجد نفسها واقفة وجها لوجه أمام زوجها ، وهويبتسم لها إبتسامة ماكرة ويبادرها القول بلهجة ساخرة:
" مساء الخير ، يا عزيزتي ! ها نحن نلتقي من جديد! ".

نيو فراولة 10-02-12 08:01 PM

4- سرير الذكريات

ظهور لويد المفاجىء أمام دافينا وهي تتصور بأنه كان يسرح ويمرح في مكان يبعد مئات الأميال عن مكانها ، أذهلها ، وأدهشها ، وأربكها ، لدرجة تفوق التصور ، وتفوق قدرتها على الإحتمال ، فوقفت امامه مشدوهة ، وعاجزة حتى عن النطق.
وقفت أمامه برهة من الزمن وهي تحاول إستعادة سيطرتها على أعصابها المضطربة ، وهو يتأملها بنظراته المالوفة التي طالما أرهبتها ، وافزعتها ، وحاولت الإفلات من طغيانها ، ثم فكرت بأن الوقت هو للصمود والعمل وليس للجمود والسكوت ، فلملمت خيوط شجاعتها التي تشتت ، وإلتفتت اليه وقالت له ، بتلعثم :
" لم اكن اتوقع وجودك هنا ".
تأملها وهو يحرك حاجبيه صعودا ونزولا ثم رد عليها قائلا بتهكم وسخرية :
" أما كنت تتوقعين رؤيتي ؟ولم لا ! من كنت تتوقعين إذن ؟ ما دمت أعيش هنا فانا إذن موجود ، أليس كذلك ؟".
إحمرت وجنتاها من الخجل وهي ترد قائلة :
" أكيد ! طبعا ! هذا أمر مفروغ منه ، آسفة ! يبدو أنني غبية ".
" شكرا على إعترافك بالأمر الواقع ، يا له من قرار واضح وصريح تنطق به سيدة محترمة تعتبر قدوة في برودة الأعصاب على غرار والدتها تماما...".
وسكت لحظة وهو يتاملها ثم تابع قائلا :
" ماذا جرى لك يا دافينا ! يبدو لي ان وزنك قد خف بشكل ملحوظ ، وترك آثاره السلبية على قوامك وجمالك ، ما الخبر؟".
" سنتان مضتا على فراقنا ، يا سيد لويد ! وأشياء كثيرة تغيرت وتبدلت خلالهما ، الهذا الحد تخونك الذاكرة؟".
وصمتت تحدق فيه مليا لتكتشف التغييرات التي طرأت عليه .... ملامح وجهه تغيرت فأصبحت أكثر صلابة وقساوة من قبل ، وشعر راسه خالطه بعض الشيب ، لكنها لاحظت بأن هذه التغييرات لم تقلل من فتنة رجولته اوجاذبيته ، وفكرت بان المواجهة بينهما ستحصل خلال اللحظات القادمة ، وما عليها إلا أن تشعره بأنها مستعدة لكافة الإحتمالات ، ثم رفعت راسها وقالت بجرأة وصراحة:
" كنت عطشانة وجئت أشرب ماء ، فدعني أشرب قبل البدء بالحديث....".
فقاطعها وقال :
" أي حديث ؟ في أي حال ، سوف أدعك تحدثينني عما تحملينه في جعبتك من أخبار ".
قال ذلك وسار بجانبها بعد ان تحركت نحو المطبخ فدخلته ومدت يدها الى علبة الإسعافات الأولية لتأخذ لنفسها منها بعض الحبوب المسكنة التي كانت تنوي تناولها قبل النوم ،وفوجئت عندما حاول منعها من تناول تلك الحبوب وهو يقول :
" ما هذه الحبوب ؟ لتهدئة الأعصاب أم للنوم؟".
" ليست مهدئة ، ولا منومة ، في أي حال ، عندي حبوب منومة فوق ، في الطابق الثاني ".
هنا ، خطر له ان يختبرها ، فراح يقترب منها ، ويحاول ان يداعبها ويلامسها ، فيما كانت هي تتراجع الى الوراء كلما تقدم هو خطوة الى الأمام ، حتى حشرها بين الحائط والطاولة ولم يبقى أمامها أي مجال للتملص منه سوى البقاء والجلوس حيث هي ، بينما ظل هو واقفا يتاملها كمن يشعر بحلاوة الإنتصار ، ثم قال لها :
" الان يمكنك التحدث معي ، تفضلي ! كم انت محظوظة ! لم يكن في نيتي العودة الليلة ، ولكنني عدت بسرعة بعد أن علمت بوجودك ".
منتديات ليلاس
قبل التعليق على كلامه ، حاولت دافينا ان تعطي نفسها وقتا كافيا للتفكير بمن عساه اخبر لويد عن قدومها ، الى أن إنتهت الى الإستنتاج بأن ليس هناك سوى عمته باري ، وربما ألحت عليه للعودة قبل فوات الأوان ، أو قبل ان تجد زوجته الغريبة صديقا جديدا ينقذها من كافة المآسي التي تعانيها ،والمشاكل التي تتخبط فيها ، ثم ردت عليه قائلة :
" الموضوع عكس ما تتصور وتفكر ، لو لم تثرني ريانون وتحتقرني لما كنت قبلت دعوة هيو للخروج معه".
رفع لويد كتفه إستخفافا كأنه يريد إفهامها بان ذلك لا يهمه إطلاقا ثم حدّق فيها ورد قائلا :
" لم أطلب منك توضيح الأسباب التي أدت الى تصرفك ، المهم ، ان العناق البريء الذي جرى أمامي قبل لحظات كاف لإثبات هذه الحقيقة".
" ربما فوجئت بقدومي الى هنا ، ولكن ليس هناك ما يدعوك للقلق فأنا هنا للقيام بمهمة رسمية".
" لم أشك لحظة في ذلك ، وأنا أتمنى لك النجاح في مهمتك ، وإنما الخلاف بيننا يدور حول تفسير الأسباب التي دفعتك لمجيء ".
" أجل ، إنني أقوم بزيارة عمل.... صدقني".
" إنني أصدقك لدرجة بت معها اتصور بأنك تحملين معك بعض الأوراق الأسطورية من عمك لتسليمها الي ، أليس كذلك؟".
" بلى ، ولكنها ليست ذات صفة اسطورية كما وصفتها ، دعني أذهب وأجلبها لك إذا شئت وعندها ترى ...".
فقاطعها ليقول لها وهو يشير عليها بان لا تتحرك من مكانها :
" لا ، لا ! ليس الان ، امرها لا يهمني كثيرا ، ولكن يمكنك بالطبع ان تعطيني لمحة عنها ".
ورد عليه وهي تتصور بأن مثل هذه البداية لا تبشر بالخير أبدا :
" أجل ، يسألك عمي فيليب ، قبل أي شيء خر ، عن مصير كتابك المقبل ؟وعن موعد تسليم المخطوطة تمهيدا لطبعها ونشرها ، خاصة أن القراء الأميركيين ينتظرون إصداره وتوزيعه على أحر من الجمر".
تاملها ورد يقول بلهجة ناعمة :
هل أرسلك فقط لطرح هذا السؤال ؟كنت اتوقع توجيه مثل هذا السؤال الى وكيل اعمالي".
صمت ينتظر تعليقها على كلامه ، وهويحدق فيها بنظرات مركزة ، بينما كانت تتجنب النظر اليه ، الى أن ردت قائلة:
" ولكن وكيل اعمالك الأدبية نفى معرفته بما تقوم به هذه الايام ".
"شكرا لك على هذا الجواب ، أجل ، أنا لا اقوم بأي عمل ، ويبقى عليك أن تنصحي عمك بنسيان الموضوع وتبليغ ذلك للقراء الأميركيين ، لن يكون هناك أي كتاب جديد ،مفهوم !".

نيو فراولة 10-02-12 08:03 PM

هبت دافينا واقفة وهي تقول :
" تصرفك الليلة غير معقول إطلاقا يا لويد ، أنت لا تستطيع خيانة موهبتك أو التراجع عن رسالتك الأدبية بهذه السهولة".
" أسمعي جيدا ما ساقوله ....".
وقاطعته لتقول وبريق الدهشة يشع من عينيها:
" كلا ، ليس من المعقول ابدا التفكير بإعتزال مهنة الكتابة بعد الشهرة الواسعة التي إكتسبتها ، أن قراءهم الذين كثر عددهم يتحرقون شوقا لمطالعة المزيد من عطائك الأدبي والفكري ، لا ، لا ، لا يحق لك أن تخونهم "
" لماذا تدافعين عني الآن بحماس منقطع النظير ؟ هل انت حقا قلقة على مصيري ، أم على القراء ، أم على أرباح الدار التي ستتدنى كثيا في حال توقفت عن الكتابة ، أم ماذا؟".
تأملته طويلا ثم ردت بلهجة لا تخلو من الإمتعاض:
" إنني أخجل من وصف أقوالك بالغباوة ، في أي حال ، إذا كنت مؤمنا باقوالك فما عليك إلا ان تفسخ العقد القائم بينك وبين الدار ، ثم أذهب واعرض كتابك على غير ناشر ، وكن على ثقة بأن عمي فيليب لن يقف حجر عثرة في طريقك".
" هكذا ! ولكنني استبعد ان يشكرك العم فيليب على إقتراحك هذا.... هل نسيت انه رجل أعمال...".
وصمت لحظة يفكر ثم تابع يقول:
" أنا شخصيا أحبه لأنه الوحيد من بين اعضاء أسرتك الذي لم يلحقني منه أي ضرر أو إزعاج".
قال ذلك وراح ينتظر جوابها ، ليعود ويضيف متهكما بعد طول صمت وإنتظار :
" مع ذلك ، انا لا أصدق بأن العم فيليب سيبقى ساكنا في حال تعاملي مع ناشر سواه ، علما بأن ليس لدي الآن أي كتاب جاهز كي أعرضه عليه ".
" لكنك باشرت بتاليف كتاب ما قبل سفرك الى اميركا !".
ثم إستدركت تقول بسرعة ، وقبل ان يتسنى له التعليق على ما قالته لتوها :
" لا ، ليس قبيل جولتك الأميركية وإنما قبل أن تهجرني ...".
وصمتت بإنتظار الجواب لمعرفة ما إذا فاته ملاحظة تبديل زمن الكتابة ، أم لا ، فيما كان هو يتأملها ويرد بلهجة لطيفة ومهذبة :
" يا لها من ذاكرة عظيمة ... ذاكرتك مدهشة ... لسوء الحظ ، أن ذاك الكتاب الذي تحدثت عنه طواه النسيان...".
"ولكن يمكنك إعادة النظر فيه ، من يدري ! ربما اخذ طريقه الى النشر ، كثيرون غيرك بدأوا الكتابة ثم توقفوا ، ثم اعادوا النظر فيها ، ونجحوا في غالب الأحيان ، وانت يمكنك تطبيق الطريقة نفسها ، حاول ذلك وانا متأكدة بانك ستنجح".
تأملها ثم رد عليها بلهجة ساخرة:
" ربما ! لكن مثل هذه الأفكار لا تراود إلا مخيلة اصحاب دور النشر ، حسبي أنني عرفت الآن ما يسري في عروقك ، اجل ، أن ما يجري في عروقك هو حبر الطباعة وليس الدم".
وشعرت دافينا بصدمة قوية تصيبها بعد أن وصفها لويد بهذا الوصف الذي لم تالف سماعه من قبل ، ولكنها طوت ألمها بين الضلوع ، رافضة الإنسياق وراء مثل هذه الصغائر ، ثم رفعت رأسها وجاوبته قائلة :
" ماذا كنت تنتظر مني أن اقول غير ذلك القول ، يا لويد ؟قلت لك ، واكرر القول بأنني هنا في زيارة عمل ومكلفة للقيام بمهمة رسمية من قبل الدار".
" إذا كان الأمر كذلك يؤسفني القول بان زيارتك فاشلة ولم تكن ضرورية ، لأنني طلقت الكتابة وبدأت العمل في مجالات اخرى".
" عرفت ذلك... هل صحيح أنك تحاول إعادة تأهيل معمل لحياكة الصوف !".
" نعم ، هذا صحيح ! يبدو أن هذا العمل لا يعجبك ، قد لا يعجبك هذا العمل لأنك تجهلين أهمية مهنة حياكة الصوف والأقمشة ... إنها أقدم من مهنة صياغة وفبركة الكلام بعدة قرون ، وربما كانت أكثر جدارة منها بالإحترام ".
قال ذلك ثم إنتقل من مكانه ليجلس بالقرب منها وهو يقول :
" المهم هو أنني أفعل ذلك ، ليس فقط بدافع تقديري لأهمية الصناعة ، وخاصة الحياكة ، بل أيضا لأن المنطقة بحاجة اليها ، بغض انظر عما إذا كانت صناعة خفيفة أم ثقيلة .
" ما بالك تتحدث بلغة رجال البر والإحسان وانت الذي طالما هاجمت عمي فيليب كلما كان يشجعك على القيام بعمل يفيدك ! ".
" لماذا تربطين حديثي عن تنشيط الصناعة بأعمال الخير والإحسان ؟قصدت القول أن الصناعة ضرورية لمكافحة البطالة وتعميم الفائدة في المجتمع ، وأنا أقوم بترميم معمل الحياكة على هذا الأساس ، بالإضافة الى تنشيط حركة السياحة ، كما سبق وقلت ".
تأملته قليلا ثم ردت تقول بإمتعاض :
" أخبرني ، يا لويد ، هل أنت مقتنع بفائدة ما تقوم به ؟ هل يرضيك بيع الخيطان والأقمشة والسجاد لقاصدي النزهة في هذه المنطقة البعيدة عن العالم ؟".
رفع حاجبيه من الدهشة وهو يعلق على تساؤلاتها قائلا :
" من المؤسف جدا أنك لا تقدرين هذه المهنة حق قدرها ، ولا المنطقة ، أنت حرة ، أما أنا فأعشق هذه الأرض واتصورها كالجنة منذ نعومة أظفاري ، لدرجة أصبحت عندها أتمنى لأولادي ان يترعرعوا ويعيشوا وعملوا فيها ....".
فقاطعته لتقول له متسائلة بحدة ودهشة :
" وماذا تفعل بالأفاعي الزاحفة على بطونها في كل إتجاه؟".
" لا شيء ، بل ساتركها تزحف ، هل نسيت الأرض لا تخلو من الأفاعي ؟ من الطبيعي أن تكون لكل جنة أفعاها ! أليس كذلك؟".

نيو فراولة 10-02-12 08:05 PM

لم ترد ، ظلت صامتة تفكر بما يقصده من إشارته الى البنين كأنه يجهل ، أو أنه يتجاهل ، واقع حياتهما الانية ، وإنفصال أحدهما عن الآخر حتى هذه الساعة ، وتساءلت : ما باله يتحدث بمثل هذه الروح المتفائلة عن المستقبل ! وهنا عادت بها الذاكرة الى الجنين الذي فقدته والحسرة تحز في نفسها ، خاصة عندما بدأت تتخيل شكل الحياة التي كانت ستعيشها فيما لو كتب الحظ للجنين ان يرى النور ، ثم راحت تحدث نفسها : إذا شاء لويد أن ينسى ذلك الجنين الذي لم يبصر النور فلينساه ، اما انا فلن أنساه.
" دعنا الآن ننتقل الى الشق الثاني من مهمتي ".
وصمتت تفكر ثم تابعت تقول :
" كلفني عمي فيليب بأن أعرض عليك القيام بجولة جديدة في أميركا بعد النجاح العظيم الذي حققته خلال الجولة السابقة".
حدّق فيها لحظة ثم رد عليها مازحا :
" الهذا الحد تحاولين التهرب من مواجهة الأمر الواقع ؟ ام أنك تحاولين نبش الماضي لتذكيري بشبكات التلفزيون والأندية الإجتماعية والثقافية هناك وعلاقاتي بها ! تصرفاتك تحيرني".
" اجل ، وهل تنكر أيضا المتعة التي نعمت بها طيلة إقامتك هناك ؟".
" سواء نكرت ام لا ، فهذا شاني وحدي ، مع ذلك ، سابوح لك بسر وهو أنني كنت متكدرا ساعة وصلت نيويورك لأسباب لا أود الكشف عنها الآن ... ولم أتمكن من التغلب على الضيق والكدر إلا بفضل ما لقيته هناك من ترحيب وتكريم".
قال ذلك وصمت ، وظلت دافينا صامتة وهي تتمنى في قرارة نفسها لو لم تثر هذا الموضوع.
ثم رفعت رأسها وقالت كمن يشعر بالهزيمة :
" يبدو لي ان من العبث متابعة الحوار معك ، ومن الفضل لي ان أذهب وانام باكرا لأنني عازمة على السفر غدا صباحا".
رد عليها بإبتسامة فاترة قبل ان يعلق على كلامها قائلا :
" ليس من المعقول ان تقرري الرحيل بدون ان تعطيني فرصة كافية للتفكير في عرضك المثير للإهتمام ، فكري على الأقل بموقف عمك فيليب إذا عدت اليه فارغة اليدين ".
" هل تقصد القول بانك ستفكر في الموضوع ؟".
" موضوع الجولة الجديدة ، نعم ، سأفكر فيه ، إن المشاريع التي أنوي تنفيذها تحتاج الى اموال كثيرة ، آه ، يا دافينا ، كم هي الحياة صعبة وقاسية عمك يستطيع الإستغناء عنك لمدة قصيرة تعودين اليه بعدها راضية مرضية".
عضّت شفتيها من فرط الدهشة وهي تفكر بان لا شيء يمنعها من البقاء هنا ، طالما ان عمها فيليب شجعها على القيام بهذه الجولة للإتصال بزوجها شخصيا ، بدون ان تنسى الغرض الأساسي الذي جاءت من اجله ، موضوع الطلاق ومحاولة إقناعه بالموافقة عليه .
ثم تطرقا الى مواضيع اخرى متنوعة ، ودارت بينهما مناقشات عفوية ، كانت تشتد تارة وتحتد تارة ، وتهدا طورا ، حول الأحداث التي جرت خلال مدة إنفصالهما ، الى أن إنتهى لويد الى القول :
" حان وقت النوم ، إذهبي الان ونامي في سريري وثقي بانني لن اعكر عليك صفو نومك".
وهكذا نهضت دافينا بسرعة وهي تحدق فيه بعمق كأنها تحاول قراءة افكاره لمعرفة ما إذا كان يفكر باللحاق بها ، أم لا ، غير أنه ظل جالسا وهو يقول لها قبل أن يتسنى لها الخروج :
" دافينا ، إنني أنصحك بالبقاء هنا ، إذ ربما يحالفك الحظ في تحقيق الهدف الذي جئت من اجله ، كلانا نجاهد في سبيل إستعادة الحرية ، على فكرة ، نسيت ان أخبرك بأنني أنوي الزواج ثانية ".
صعقت دافينا من سماع ذلك ، ثم خرجت مسرعة هي لا تصدق ما سمعته أذناها ، ودخلت غرفتها ، والقت نفسها على السرير وهي تحدث نفسها قائلة :
" أبشري ، يا دافينا ، وإفرحي ! إنه سيوافق على الطلاق".
عندما إستيقظت دافينا في صباح اليوم التالي، شعرت بالإنقباض والضيق حين شاهدت الجو مكفهرا وملبدا بالغيوم نتيجة لتقلّب الطقس خلال الليل ، وسرعان ما سمعت الباب يدق ، فتوجهت نحوه لتفتحه وهي تقول :
" مهلا ! مهلا ! دقيقة واحدة وأفتح الباب".
وما ان فتحت الباب حتى وجدت الانسة ريانون واقفة امامها ، حاملة الشاي اليها ، وبادرتها قائلة بحدة وغضب:
" لماذا تقفلين الباب بالمفتاح ؟". ووضعت صينية الشاي على الطاولة بحدة وعصبية لدرجة أن الشاي تدفق الى خارج الأبريق ،وهي تثرثر وتقول : " إقفلي باب غرفتك بالمفتاح عندما تعودين الى لندن... أما هنا ، فلا ... لأننا لسنا لصوصا ، مفهوم ! ".
فردت دافينا تلاطفها قائلة :
" عفوا ! أعذريني ، لأنني تعودت إقفال الباب بالمفتاح منذ صغري ، صدقيني أنني لم افعل ذلك عن عمد".
وبالرغم من تمادي الآنسة ريانون في تصرفاتها الشاذة نحوها ، ظلت دافينا صامتة وهي تتأملها عائدة الى المطبخ ، وتفكر جاهدة لمعرفة الأسباب الكامنة وراء هكذا تصرفات ، وتوقفت طويلا عند السر الذي اعلنه لويد اثناء الحديث الذي دار بينهما أمس ، من انه سيتزوج ثانية ، وحاولت أن تقنع نفسها بوجود علاقة ما تربط بين تصرفات الانسة ريانون ، وعزم لويد على الزواج مجددا.
والجدير بالذكر أن دافينا اوت الى غرفتها ليلة أمس وهي تشعر بالقلق والرق ؟ من جراء التناقضات التي كانت تتخبط فيها ، جاء يراودها الأمل بإقناع لويد للموافقة على الطلاق ، وعندما باح لها بأنه ينوي الزواج ثانية ، إضطربت وإرتبكت خشية ان ينفذ وعده فيطلقها ويتزوج ، وادهى من ذلك ، تفاقم قلقها أثناء الليل لدرجة أنها ظلت واعية وهي تتصور ، كلما سمعت حركة ما ، بان هذا هو لويد في طريقه الى غرفة الآنسة ريانون.

نيو فراولة 10-02-12 08:06 PM

والأن ، بعد أن توارت الانسة ريانون عن الأنظار ، وإستعادت هي هدوءها ، سكبت لنفسها الشاي ، وحين إنتهت ، خرجت من غرفتها وهبطت الى الطابق الأرضي ، حيث تجمع بعض نزلاء الفندق إستعدادا للخروج لممارسة رياضة ركوب الخيل.
ثم توجهت من هناك الى المطبخ حيث وجدت السيدة باري وريانون تقومان بوضع وجبات جاهزة من الطعام في أكياس نايلون صغيرة ، بادرتها السيدة باري بالقول حالما راتها :
" صباح الخير ! أهلا بك ! سوف احضر لك الفطور حالما انتهي".
وردت دافينا قائلة لها بلطف :
" لا ، شكرا ، لا تزعجي نفسك إذ أنني لا اتناول في الصباح سوى عصير الفواكه والخبز المحمص .... وهذه اشياء استطيع تحضيرها بنفسي ، وما عليك إلا أن تخبريني اين أجدها".
" حاولت أن اوقظك من النوم ، ولكن لويد منعني".
ودهشت دافينا عندما سمعتها تقول لها ذلك ، لدرجة أنها فكرت بان السيدة باري كانت تحاول إثارتها ونكرزتها بحضور زوجة لويد الجديدة".
عادت السيدة باري وسالتها :
" كيف كان شعورك الليلة الماضية ؟ هل نعمت بنوم هادىء ! ".
" نعم ، شكرا".
في هذه الأثناء ، إنتهت الانسة ريانون من ربط آخر اكياس الوجبات الجاهزة ، فإلتفتت الى والدتها وودعتها وخرجت ، متجاهلة وجود دافينا.
منتديات ليلاس
عندها راحت السيدة باري تحدث دافينا عن النشاط الذي شهده الفندق هذا الأسبوع بفضل تدفق الزوار على المنطقة باعداد لم تعهدها من قبل ، ثم سألتها عما إذا كانت تريد الخروج مع بعضهم لقضاء بعض اوقت والتمتع بمشاهدة بعض الأماكن الطبيعية الفاتنة ، تاملتها دافينا ، ثم ردّت عليها قائلة :
" لا ، شكرا ، إنني أفكر بالعودة الى لندن غدا ، في أي حال ، خروجي لا يفيد إذ انني لم اتعلم ركوب الخيل ، فضلا عن كوني لا املك الملابس او الأدوات اللازمة لممارسة هذه الهواية".
" لا بأس ! ريانون عندها مجموعة كبيرة منها ولا أظنها سترفض ان تعيرك كل ما يلزم ، إذا قررت الخروج".
" ليس اليوم ، شكرا".
" كما تريدين".
قالت السيدة باري وهي تتابع وضع الطعام على المائدة ، وعندما إنتهت جلست الى المائدة قبالة دافينا ، ثم تابعت حديثها قائلة ::
" ركوب الخيل رياضة مفيدة وممتعة ".
وصمتت لحظة تابعت بعدها تقول:
" الشاي اليوم اطيب شاي تذوقته في حياتي ، أرجو ان لا تكون الحركة الناشطة في الفندق ضايقتك ، صحيح ان الفندق يعج بالنزلاء هذه الأيام ، وأن وجودهم بهذه الأعداد الكبيرة يبعث الحياة فيه وينشط الحركة في المنطقة ، ولكن الصحيح ايضا أنه لا يمكن الإستغناء عن الهدوء والسكون أحيانا.
وتوقفت عن الحديث وهي تتأملها كأنما تحاول ان تعطيها فرصة لمشاركتها في الحديث ، وعندما خاب ظنها ، تابعت تسألها قائلة :
" ماذا تنوين عمله اليوم ؟".
ولم ترد لأنها كانت غارقة في التفكير بالمواضيع التي ستبحثها مع لويد ، ساعة يلتقيان مجددا ، يراودها الأمل بأن الأمور ستجري حسبما تشتهي ، بعد ان إقتنعت ، و أنها تحاول الإقتناع بان لويد يريد هو ايضا الإسراع في حل كافة الأمور العالقة بينهما ، كي ينصرف الى ترتيب أموره وأحواله المستقبلية.
وفيما كانت غارقة في تفكيرها إذا بلويد يطل عليهما فجأة ، وهو يبتسم لها إبتسامة باهتة ، ثم صب لنفسه بعض الشاي في الفنجان وهو يخاطبها قائلا :
" سوف أخرج بعد قليل لإنجاز بعض الأشغال ، تعالي معي إذا كنت تبحثين عن المتعة بين أحضان الطبيعة ، وتصرفي كما لو كنت سائحة ، ما قولك !".
ترددت ثم فكرت بأن الحكمة تقتضي قبول دعوته ، وهكذا كان .
وجدت دافينا لويد بإنتظارها في الطابق الأرضي عندما عادت للخروج معه ، ويبدو ان ثيابها لم تعجبه ، فبادرها قائلا بلهجة مقرونة بالحدّة :
" أليس عنك ثياب أجمل من هذه الثياب؟".
" كلا ، ليس عندي شيء اجمل من الشال الذي كنت أرتديه مساء أمس ، لم أحمل معي سوى القليل القليل من ثيابي إذ كانت رحلتي ليوم واحد ، وكان الطقس دافئا".
" كان... الطقس سريع التقلب هنا".
قال ذلك وتركها ليعود بعد برهة قصيرة حاملا بيده فستانا من الصوف ، وناولها إياه وهو يقول:
" قد لا يعجبك كثيرا... هذا الموجود ، المهم ان تحتاطي من البرد".
قال ذلك وراح يتأملها وهي ترتديه ، وعندما إنتهت حثها على المشي بقوله :
" هيا بنا !".
ثم تطلع الى قدميها وتابع قائلا:
" أرجو أن يكون كعبا حذائك عاليان كفاية لوقاية قدميك من الوحل والحجارة".
كان الطقس ممطرا ، والهواء باردا ، عندما سارا في إتجاه سيارته الواقفة في باحة الفندق الأمامية ، وسرعان ما بدات دافينا تفكر ، ربما بتاثير شعورها بالبرد ، بانه كان عليها ان ترفض دعوته ، وتبقى في الفندق ، ليس هذا فقط ، بل راودها الندم على إضاعة فرصة ذهبية سنحت أمامها ، كي تجابهه بالرفض ولو مرة واحدة في حياتها ، فيفهم بانها لم تعد تلك الآداة الطيّعة بين يديه ليلهو بها ، أو يعبث بها ، ساعة وكيفما يشاء ، ولكن ، ماذا يفيد الندم بعد فوات الأوان ؟ وهل بالإمكان إعادة عقارب الساعة الى الوراء ؟ أبدا ، يبقى عليها أن تضع امام عينيها المهمة التي قررت تنفيذها ، وتتجنب الوقوع في الخطا الذي غالبا ما يكون ثمنه غاليا.
بعد ان سار لويد بضع خطوات ، اسرع خطاه ، فإضطرت دافينا الى تسريع خطاها بغية اللحاق به ، لغاية ان وصلا الى السيارة وصعدا اليها.

نيو فراولة 10-02-12 08:08 PM

جلست بجانبه في المقعد الأمامي ، ثم بدات تشد حزام السلامة حول خصرها ، عملا بنصيحته ، حتى إذا إنتهت ، إلتفت اليها وقال بلهجة ساخرة:
" اخيرا بدأت تتعلمين كيف تكوني حذرة ! صدقيني بأنه خير للمرء ان يتعلم متأخرا من أن لا يتعلم ابدا ، ومع ذلك يؤسفني القول بأننا تركنا الوقت يمر علينا بدون ان نتعلم شيئا".
" أي وقت ؟ الوقت الذي سبق مجيئي هنا أم ذاك الذي سبق زواجنا؟".
ولم يلتفت اليها ، وإكتفى بهز كتفيه إستخفافا وهو يقول:
" لا فرق".
الملفت للنظر هو ان دافينا بدأت تشعر بالإرتياح ، بالرغم من إصرار لويد على قيادة السيارة بسرعة جنونية ، وغزارة المطر ، وشدة الريح ، وسوء الرؤية بسبب كثافة الضباب ، وضيق الطرقات وكثرة المنعطفات الخطيرة ، وهدير الرعد ولمعان البرق.
مرّ حتى الآن بعدة طرق جانبية وفرعية ، بدون أن يتوقف عند واحدة منها ، ا وان يقول لها الى اين تؤدي هذه الطريق أو تلك ، وهكذا ظل مندفعا بسيارته حتى وصل الى طريق جانبية تؤدي الى الجبال ، أثارت في نفسه بعض الذكريات ، فإنتهزها فرصة ليقول لها بدون أن ينعطف نحوها :
" كان في نيتي أن آخذك الى الجبال من هذه الطريق لولا سوء الأحوال الجوية ، لا بأس، سنخرج لزيارتها عندما يتحسن الطقس...".
وقاطعته دافينا لتعلّق على ذلك وتقول بدهشة:
"هل تظنني باقية هنا الى الأبد! ".
فردّ يقول وعلى فمه إبتسامة فاترة:
" أعتقد بأنك باقية بحكم الضرورة ! هكذا إتفقنا امس ، هل نسيت؟".
" كلا لم أنس ، ولكنه لم يخطر في بالي بأن إقامتي هنا ستمتد كما تظن".
" هذا شأنك ! وليس لك أن تلوميني على تصوراتك الخيالية وتصرفاتك الخاطئة".
" هكذا ! ".
"نعم ، بل وأكثر من ذلك ".
" هل أنت جاد في ما تقوله ؟".
" طبعا".
" يبدو لي انك تحاول التملص من مسؤوليتك إتجاهي ! ".
" مسؤولية ! مسؤوليتي أنا.... أنا إتجاهك ! لا أظنني قد ألزمت نفسي باية مسؤولية إتجاهك".
" أجل ، هل نسيت حديثنا امس؟".
" كلا ، لم أنس ، سوف ارد على جميع إقتراحاتك وعروضك في الوقت الذي يناسبني ".
" وماذا عن الموضوع الآخر ! .
" أي موضوع ؟ لا أذكر أننا تباحثنا بشان أي موضوع من نوع آخر ، لست أفهم ارجوك أن تكوني أكثر صراحة".
" موضوع الطلاق ، نسيته! حسبتك تفكر على الطلاق ، ونمت على هذا الأساس".
" الشيء الوحيد الذي نمت عليه ليلة البارحة كان سريري العتيق الذي اثار في ذهني ذكريات ماضية لا تختلف أبدا عن الذكريات التي عشتها البارحة ، إذ كنت نائم على بعد بضعة أمتار من غرفة نومك ، تماما كما نمت في تلك الليلة التي سافرت بعدها الى أميركا ، يا لها من ذكريات طالما راودت خيالي...".
فقاطعته لتقول له وهي ترتعش:
" عسى ان تكون وطأتها عليك أدهى من الكابوس".
تطلع اليها بطرف عينيه ، وهو يهز رأسه كمن يتوعد ويتهدد من طرف خفي ، ثم رد عليها قائلا بلهجة تنطوي على الوعيد:
" زلة لسان اخرى من هذا النوع ، أو غلطة واحدة أخرى ، يا زوجتي الجميلة ، وارميك ارضا من السيارة ، وأتابع طريقي واتركك تعودين مشيا إذا شئت".
قال ذلك وصمت لمعرفة رد فعلها ، ولكنها بقيت صامتة وبدون ان تلتفت اليه ، خشية التورط في أمور لا تحمد عقباها ، غير أن لويد عاد وتابع حديثه قائلا :
" كانت هناك اسباب قوية منعتني من إيقاظك صباح ذلك اليوم الذي سافرت فيه الى الولايات المتحدة ، ومع ذلك ، إتصلت بك هاتفيا من المطار فلم ألق جوابا ، أين كنت وقتها ! اين ذهبت ؟ لا شك في انك توجهت الى بيت والدتك كي تريها آثار اللكمات الباقية على جسمك ، أليس كذلك ؟".
لم تستطع دافينا السيطرة على أعصابها من شدة الحيرة التي غمرتها بعد ان صدمتها الحقائق التي كان يبسطها أمامها ، بدون لف ولا دوران.
والحقيقة أن الإثنين حاولا ، في صبيحة ذلك اليوم ، عمل شيء ما لإعادة الأمور الى نصابها ، لويد كان صادقا مع نفسه عندما أخبرها بأنه إتصل بها هاتفيا بعد أن أصبح في المطار ، كذلك دافينا كانت صادقة في الكشف له عن ذهابها لزيارة والدتها ، ولكنها توجهت الى بيت والدتها من المطار ، وليس من المنزل ، بعد أن فشلت في اللحاق به قبل أن يصعد الى الطائرة ، كما حاولت أن تسافر على متن طائرة اخرى للإلتحاق به ، غير أن الأمور جرت عكس ما كانت تشتهي ، إذ فوجئت بمشاهدة طبيب والدتها يبحث عنها وبخادمة والدتها وهي تبكي وترجوها لإلغاء سفرها والعودة معها للإعتناء بوالدتها المريضة.
كان لويد يجهل هذه الأمور ، وشاءت دافينا ألا تطلعه عليها نظرا للكره الذي كان يغشى العلاقات بين لويد ووالدتها ، هذا الكره الذي كان يتفاقم مع مرور الزمن ، ويهدد بالتالي مستقبلها وحياتها الزوجية ، مع ما يتخلل ذلك من ألم وأسى بسبب معاملة لويد القاسية لها نكاية بوالدتها ، وإمعان والدتها في دفعها الى الطلاق نكاية بلويد.
كما الوالدة ، كذلك لويد الذي تمادى في تصرفاته غير المعقولة نحوها لدرجة اصبحت عندها تفكر بان الطلاق أهوين الشرين ، وما مجيئها الى هذه المنطقة ، وتكبدها مشقات السفر ، إلا طمعا بإقناع لويد بالموافقة على الطلاق .

نيو فراولة 10-02-12 08:09 PM

إحتارت دافينا ، خلال ذلك الصمت الطويل ، وهي تفكر بما كان يدفعه دائما الى مهاجمة والدتها وإتهامها بشتى التهم ، ثم قطعت حبل الصمت بقولها له ردا على تلميحاته الأخيرة :
" ماذا كنت تتوقع مني أن افعل ؟ هل كنت تريدني ان أحبس نفسي في البيت كما النسّاك لغاية ان تتنازل وتفكر بالعودة؟".
" لا ، ابدا ، ثم ، أنا أعرف بأن زوجتي الفاضلة الوفية كانت تشتهي عودتي اليها ".
" ليس هذا فقط بل ايضا ليعود ويكف عن معاملتها بهمجية ".
ضحك لويد طويلا قبل أن يرد عليها قائلا :
" تقولين همجية ؟ إياك أن تكرري هذه الكلمة ! هل تعرفين معناها ؟ لا أظن أنك تعرفين لو لم أكن على موعد سابق مع صديق عزيز لكنت أوقفت السيارة وشرحت لك معناها عمليا".
هنا شعرت دافينا بقرب ساعة الحساب ، وفكرت بأنه من الأفضل لها عدم الذهاب الى أبعد من ذلك في إثارته ، ثم راحت تتأمله وهي تبتسم قليلا ، ثم قالت له بلهجة ناعمة :
" آسفة يا لويد ، الحق معك ، كان يجد ربي الا ألجا الى إستعمال كلمات لا افهم حقيقة معانيها ، أنا غبية ! كم كنت ساذجة عندما فكرت بأن الفرصة مناسبة للتوصل الى تفاهم فيما بيننا ، كان يجب ان أصغي لصوت ضميري وأبقى بعيدة".
" لا تظني بأنني صدقت قولك من انك جئت بوحي إرادتك ، من أقنعك بالمجيء عمك أم محاميك اللامع الذي لا يزال يطاردني ؟ من الذي اقنعك ؟".
" آه ، عرفت الآن ! رسائله كانت تصل اليك إذن ؟".
"نعم ، كانت تصلني وكنت أحرقها ، الواحدة تلو الأخرى ، توقعاته تعجبني لأنها كثيرا ما تتحقق ، المهم ، أنا أكره التعامل مع أي شخص كان بواسطة فريق ثالث".
" ألم تخبرني مساء أمس بانك تنوي الزواج ثانية ! ".
هنا حدّق فيها طويلا قبل أن يرد عليها ردا لا يخلو من المداعبة الثقيلة الظل قائلا :
" بلى أخبرتك ، ولكن نسيت أن أخبرك بأن زوجة لمستقبل لا تزال صغيرة السن ، وهذا ما يجعلني أتريث في الزواج منها لئلا أكرر الغلطة السابقة ، وحتى تصبح هي مهيأة لمثل هذا الحدث العظيم في حياتها".
كان بودها ان تنقض عليه وتغرز أظافرها في وجهه حتى يطفر منه الدم ، لكنها عادت وفكرت بأهمية الإحتفاظ بهدوء الأعصاب ، خاصة في مثل هذه المواقف الحرجة ، وردت قائلة بلطف :
" حسنا تفعل ! عظيم ! فكرة حكيمة ... بل في منتهى الحكمة ".
وصمتت لحظة تفكر ثم تابعت تقول :
" يبقى عليك ان تتأكد بأنها ترضى الإنتظار مدة ثلاث سنوات ريثما أستطيع أنا تطليقك بدون موافقتك.
" قد ترضى أو لا ترضى ، العلم عند الله .... إنها مغامرة ، لا يخيفني الإقدام عليها ، يهمني ان اؤكد لك بأنك ستكونين أول العارفين ، وما عليك إلا الصبر لغاية أن يصلك الخبر اليقين".
" شكرا ! هذا من لطفك وكرم أخلاقك ، والآن ، أريد أن أسالك : هل تعرف بانني لم أستعد كما يجب للإقامة طويلا في هذه الديار البعيدة عن العالم؟".
" كلا ! لا أعرف ! وكيف لي أن أعرف ما دمت أجهل تماما ما تحتويه خزانتك من ثياب ، لكن هذا لا يهم ، عندما والحمد لله محلات كثيرة لبيع الملابس النسائية التي أتمنى أن تعجبك والتي تختلف كثيرا عن الأزياء اللندنية ، إنحلت هذه المشكلة ، ماذا بعد؟".
حدّقت فيه ، ثم ردت قائلة :
" لا شيء ، شكرا لك مرة ثانية ، المهم أن وقتي لا يسمح لي ابدا للقيام بجولات على الأسواق".
رفع لويد حاجبيه وقطبهما من الدهشة وهو يفكر بالذهاب معها في الحديث الى أبعد حد ممكن ، ثم قال لها متسائلا :
" هل ينقصك المال اللازم لشراء بعض الثياب ؟ أخبريني ، لا تخجلي مني ، فانا يحق لي قانونا أن ألبي جميع طلباتك ، يبقى عليك أن تطلبي وعليّ أن البي ، وما زلت قادرا على ذلك لأنني بعيد كل البعد عن الإفلاس".
هنا نفد صبر دافينا فصرخت بوجهه قائلة :
" لا اشتهي رؤيتك أبدا".
ظل لويد محافظا على أعصابه ، فلم يغضب ، ولم يفكر بالرد عليها من عيار الكلمات الحادة ذاتها ، وإنما إبتسم لها وخاطبها بمنتهى اللطف قائلا:
" لماذا كل هذا الغضب والإنفعال ! إذا كنت تفكرين بأنني عرضت شراء بعض الثياب لك تمهيدا لممارسة بعض الحقوق الأخرى ، فقد اخطأت الهدف ، دعينا منها الان ، سوف نبحثها في وقت لاحق.
وصمت يفكر وهو يتطلع الى الجبل الراسخ أمامه ، والغيوم الكثيفة التي كانت منتشرة فوقه وحواليه ، ثم تابع حديثه:
" دافينا ، دافينا ! إنظري كم هو جميل ذاك الجبل ، يمكن الذهاب اليه مشيا على الأقدام ، نصعد اليه ، عندما يكون الجو صافيا .
منتديات ليلاس
كانت شوارع البلدة التي توقفا فيها تشهد حركة ناشطة جدا ، الحوانيت فتحت ابوابها ، والناس يتجولون في الأسواق ، بعضهم يتبضع ، وبعضهم يتفرج.
ما أن إنتهى لويد من إيقاف سيارته في مكان آمن ، حتى تناول ورقة وكتب عليها عنوان محل لبيع الملابس النسائية يملكه أحد أصدقائه ، ثم اعطاها إياها وهو يلح عليها للذهاب فورا الى المحل ، وإختيار الثياب التي تعجبها ، بدون أن تدفع ثمنها ، بعبارة اخرى ، لم يكن مطلوبا منها سوى أن تقصد المحل ، وتختار ما يناسبها ويعجبها من ثياب ، وتمشي عائدة الى المكان الموعود.
مرت دافينا وهي ذاهبة الى السوق بصالون للزينة ، فشاءت أن تقص شعرها ، قبل التوجه الى محل الألبسة النسائية ، وهكذا دخلت الصالون ، وإختارت لشعرها تسريحة واسعة الإنتشار في أوساط الفتيات والمراهقات.

نيو فراولة 10-02-12 08:10 PM

لم يخطر ببال دافينا ان المزينة كانت ستقصر لها شعرها الى الحد الذي أظهرها بمظهر فتاة مراهقة إلا بعد ان إنتهت المزينة من عملها ، وأدركت هي بعد فوات الأوان خطأ ما أقدمت عليه ، في أي حال ، نهضت من الكرسي ، ونقدت المزينة أجرتها ، ووضعت في يد المساعدة إكرامية ، ثم خرجت وهي xxxxxة ، لا تدري ما إذا كانت هذه القصة ستعجب لويد ام لا ، كانت تعرف ، من خلال تجربتها القصيرة معه ، ان الشعر الطويل يعجبه جدا ، إذ كثيرا ما كان يبالغ في إعجابه بشعرها الطويل وهو يلامسه ويداعبه بأنامله ، لكنها لم تسمعه مرة يقول لها أنه يفضل الشعر الطويل على القصير ، أو الشعر القصير على الطويل ، ومع ذلك ، كانت تتوقع منه ردة فعل ساخطة على ما فعلته بشعرها.
وسارت في طريقها تبحث عن محل الألبسة ، حتى إذا إهتدت اليه تخطته ودخلت في محل آخر بجواره ، حيث إشترت بعض الملابس الثقيلة ، ودفعت ثمنها من مالها الخاص ، فشعرت كان كابوسا كان يضغط عليها وإنجلى.
وقفت تفكر بما عساها تفعل ، إذ أن لويد فارقها بدون أن يحدد لها موعد للتلاقي بعد شراء الملابس ، وما لبثت تفكر حتى قررت ان تنتظره في مطعم قريب من المكان الذي أوقف فيه سيارته ، بحيث يسهل عليها مشاهدته عندما يعود.
وهكذا توجهت الى ذلك المطعم وطلبت لنفسها فنجانا من القهوة.
كانت السماء صافية، وأشعة الشمس قوية ولكنها كانت دافئة نوعا ما ، مما جعل دافينا تشعر ببعض الإرتياح النفسي ، ولولا الهواجس التي بدات تراودها حول طبيعة رد فعل لويد على شعرها القصير ، لأمكن القول بان هذه الفترة الصباحية كانت من أمتع فترات حياتها ، ومع ذلك ، حاولت تخفيف وطأة تلك الهواجس عن كاهلها ، أو بالأحرى إستبعاد حصول أي رد فعل سلبي اومحرج من جانبه ، بعد فترة إنفصالهما الطويلة ، غدت خلالها علاقاتهما الشخصية ، مفككة وشبه معدومة ، عن لم تكن معدومة تماما ، بإستثناء ما يرد عنها في رسائل محاميها.
وبعد فترة قصيرة نادت خادم المطعم وطلبت منه أن يشتري لها نسخة من دليل المنطقة السياحي.
وذهلت عندما إكتشفت ، من خلال قراءة الفصل الخاص بتاريخ هذه المنطقة ، إنها لم تشهد احداثا تاريخية بارزة ، منذ عدة قرون مضت حتى اليوم ، أو بالأحرى منذ تلك الحقبة الغابرة التي تصدى أثناءها أحد الحكام المحليين لسلطة اللوردات ، وتحداهم بتشكيل برلمان مستقل عن سلطتهم هناك.
ثم القت الكتاب جانبا لتراقب المارة علّها تلمح بينهم أثرا للويد ، فخاب ظنها وراحت تمضي الوقت في التفرج على بعض اللوحات الزيتية المعلقة على الجدران ، والتي كانت تضم لوحة رائعة بريشة أحد مشاهير الرسامين ، تعكس مناظر الجبال والوديان السحيقة القريبة منها ، جعلت دافينا تبرر للويد عودته الى ارض آبائه وأجداده حيث تفاصيل الطبيعة من تلال ، وروابي ، وجبال ، وسهول ، ووديان ، وأنهار ، واشجار ، تتىلف وتتكاتف لتشكل معا لوحة يعجز أمهر الرسامين عن وضع مثلها ، وباتت تتمنى لو تسنح لها الفرصة لإطالة مدة بقائها في المنطقة.
وهنا بدأت تقارن بين الدهشة التي راودتها لدى رؤية تلك المناظر الطبيعية ،وتلك الدهشة التي اثارها لويد في نفسها من خلال تصرفاته وإنفعالاته المتقلبة وخاصة في اليوم الأول لزواجهما إذ بدأت تشعر بالفرق الشاسع الذي يفصل بينهما ،وتشته الإبتعاد عنه الى غير رجعة ، ويبقى أن أهم ما إستنتجته من تلك المقارنة ، هو أن المشاعر العافية التي كانت بمثابة القاسم المشترك لحياتهما الزوجية ، ليست كافية كاسس للزواج وإستمراريته ، وبدافع هذا الإستنتاج تصورت بأن زواجه الثاني قد يكون أوثق وابقى من زواجه الأول ، لكونه يعرف الانسة ريانون منذ الطفولة ، بحيث نمت علاقتهما وتطورت بصورة طبيعية ، وإستقرت في النهاية على أساس متين لا تزعزعه المفاجآت مهما كانت ، وقد تعزز هذا الشعور لديها عندما تذكرت بأن لويد لا يزال حتى الساعة يتجاهل الجنين الذي أجهضته اثناء وجوده في الولايات المتحدة ، ولم يحاول مرة ان يفاتحها بهذا الموضوع.
من الواضح أن دافينا شديدة الحساسية أزاء تعاملها مع لويد ، خاصة عندما لا تكف عن التفكير بانه سبب جميع المآسي والنكبات التي نزلت بها منذ اليوم الأول لزواجهما ، وهي لا تريد ان تنسى الصدمة التي أصابتها ساعة تركها وسافر الى الولايات المتحدة .
ولكن الحقيقة يجب ان تقال ، وهي أن دافينا ولويد يحبان بعضهما حبا عميقا يفوق التصور ، حبا شوّهته وحطّمت حلقاته ، الإنتقادات اللاذعة المتبادلة بينهما ، مع ما يرافق ذلك من إشارات وتلميحات تهكمية غير معقولة ، وإتهام أحدهما الآخر بخيانة العهد والأمانة ، الى ان وصلت الأمور بينهما الى حد بات عنده كل واحد منهما يتهم الآخر بإهانته وتحقيره عن سابق تصور وتصميم ، ناهيك عن الحساسية المرهفة الكامنة في نفسية كل منهما ، التي تستيقظ لأقل الأسباب ، بعد ان تدفع العقل الى الراحة والنوم.
للدلالة على هذا الواقع الأليم ، يكفي الإستشهاد ببعض التصرفات أو المواقف ، من هذا الجانب أو ذاك ، أولا أثناء حضورهما الحفلة التي اقامها العم فيليب على شرفهما بمناسبة زواجهما ، حدث أن تركت دافينا لويد وحده مع بعض المدعوين وذهبت وإنضمت الى شلة أخرى من المدعوين ، فإذا بلويد يغضب ويحتد ردا على ما خيّل اليه بان زوجته فعلت ذلك عمدا بقصد إهانته وتحقيره أمام الحاضرين ، وبوحي من والدتها التي سبق لها واهانته ورفضت الموافقة على زواجهما ، ولا تزال حتى الساعة تحاول جهدها لفسخ الزواج وإعادة إبنتها الى أحضانها ، وبالمقابل ، كانت دافينا تتصور بأن لويد بإصراره على بقائها بجانبه ، وعدم الإبتعاد عنه إلا بموافقته ، يحاول فرض إرادته وسيطرته عليها.

نيو فراولة 10-02-12 08:12 PM

وكان لويد يتصور بأن دافينا لم تتزوجه إلا بدافع زحفها وراء الشهرة بعد أن يقترن إسمها بإسم مؤلف لامع ومشهور من وزنه ، مع توقعاتها له بأن يصل الى قمة المجد والشهرة عاجلا أم آجلا ، ومن جهة ثانية كانت دافينا تتصور لويد ، على أثر الفتور السريع الذي شاب علاقتهما الزوجية ، تزوجها بدافع شعوره بأنه وجد فيها ضالته المنشودة التي سترضى بفرض سلطته المطلقة عليها ، والهيمنة على شخصيتها وثروتها ، والتصرف حيالها كما يتصرف السيد مع عبيده .
وتجدر الإشارة الى أن لويد بدأ يكره والدة دافينا ، منذ ذلك اليوم الذي أقامت فيه حفلة على شرفه ، كما ذكرت في بطاقات الدعوة التي وجهتها الى العديد من أصدقائها وصديقاتها ، بصفته خطيب إبنتها وزوجها المستقبلي ، إذ أصيب بصدمة وهو يراقبها تنتقل بين المدعوين بدون ان تحاول مرة الإقتراب منه او مبادلته ولو كلمة عابرة معه ، وإعتبر تصرفاتها تلك ، وتجاهلها لوجوده طعنة نجلاء أصابت كرامته في الصميم .
والحقيقة ان لويد كان صادقا في تصوراته إذ إنفضح أمر والدة دافينا عندما تبيّن بأنها اقامت تلك الحفلة ، وفي نيتها أن تنال من كرامته فيبادر إذ ذاك الى فسخ خطوبته ويصبح الزواج فكرة منسية.
وماذا كانت النتيجة ورد فعل لويد ؟ النتيجة كانت ان لويد أصبح أكثر تصميما على الزواج من دافينا ، ومهما كان الثمن ، خاصة بعد ان تأكد من الخطة الكامنة وراء إقامة تلك الحفلة بحجة تكريمه ، وطوى فكرة الثأر منها لكرامته حتى تزوج من إبنتها ، فراح يذلها ، ويهينها ، ويتجاهلها ، لا لشيء إلا نكاية بوالدتها.
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى كانت دافينا ملمة تماما بأسرار الحب المفقود بين والدتها وزوجها ، كما كانت تعرف بأن لويد يقسو في معاملته نحوها ومعها نكاية بوالدتها ، وكانت المسكينة تطوي أحزانها وآلامها بين الضلوع ، وهي تعلل الأمل بأن لويد سيعود ، ويعاملها كما عهدته عندما تعرفت عليه.
إلا ان ذلك لم يمنع دافينا من لوم لويد على الإمعان والإستمرار في تصرفاته القاسية نحوها ، خاصة أنه يعرف حق المعرفة بأنها حاولت إلغاء تلك الحفلة المشؤومة بعد إكتشاف نية والدتها إكراما لخاطره ، كما سبق لها ورفضت التخلي عنه والعمل بنصيحة والدتها بعدم الزواج منه ، وصممت على ربط مصيرها بمصيره ، لقد آن الأوان كي يقدر مواقفها النبيلة نحوه فيكف عن مضايقتها وإهمالها ، كفاها ما لقيته من مضايقات ونكبات.
كان الألم يعتصر قلبها كلما تصورت وتذكرت سفره الى أميركا بمفرده ، وما أعقب ذلك من تصرفات قاسية.
تلك هي الأحداث التي تصورتها دافينا وهي جالسة في المطعم تنتظر عودة لويد ، عادت بها الذاكرة الى كل شاردة عاشتها في الأسابيع القليلة التي أعقبت زواجها ، فضلا عن الصدمة التي اصابتها عشية سفره الى أميركا ، عندما حضرت لهذه المناسبة عشاء خاصا ، وراحت تنتظر رجوعه الى البيت على غير طائل ، إذ أنه لم يعد إلا بعد ساعات طويلة من الإنتظار والقلق الذي راودها حول حقيقة الأسباب التي اخّرت عودته ، وهي تدعو له بالعودة بالسلامة ، وكم كانت خيبة أملها مؤلمة عندما راح يوبخها ويصرخ بوجهها ، كمن طار صوابه ، فور دخوله الى البيت ، ويقول :
" لا داعي لكل هذه المجاملات الخادعة.... وتقولين إنتظرتك وإنتظرتك... إنك تقومين بواجباتك الزوجية التي تفرض عليك ان تنتظريني الى ما شاء الله .... مفهوم ! ".
والأنكى من كل ذلك أنه ، بدلا من الجلوس الى المائدة والبدء بتناول العشاء ، طلب منها ان تنتظره ريثما يذهب ويحلق ذقنه ، ويغير قميصه ، وهو يدّعي بأنه يفعل ذلك إكراما لها ولكي ترتاح قليلا بعد العذاب الذي تحملته في سبيل تحضير كل تلك الألوان الشهية من الطعام.
سمعت دافينا كل ذلك وصبرت ، حتى إذا إنتهى وجلس الى المائدة ، جلست بجانبه ، وراحت تصغي اليه بمنتهى السرور والبشاشة وهو يشيد بمهارتها وخبرتها في تحضير الوان الطعام ، الى أن إنتهى الى القول بان أنفه سيظل يتذكر نكهتها ولسانه طعمها الى فترة طويلة من الزمن ، وخاصة اثناء وجوده في أميركا.
غريب عجيب أمر لويد ، إذا جامل فإنه يجامل الى أقصى حدود المجاملة واللياقة ، وإذا كابر فإنه يكابر الى أقصى حدود المضايقة ، لدرجة يبدو عندها كمن يضرب المثل بشذوذه عن القاعدة.
وكرّ مسلسل احداث تلك الليلة أمامها حتى وصل الى المشهد الذي يصوره يندفع بحماس منقطيع النظير ، بعد إنتهاء العشاء ، ليرفع الصحون والملاعق والسكاكين المتسخة عن المائدة وينقلها الى الحوض ، ويبدأ بغسلها وهو يشيد بخبرته في هذا المجال ، برغم محاولاتها الجادة والمتكررة لمنعه من القيام بعمل يدخل في صلب واجباتها الزوجية.
ولفّت الحيرة دافينا فيما كانت كل تلك الذكريات تراودها ، بدون أن تتوصل الى تفسير اللغز الكامن وراء تقلبات أطواره وتصرفاته ، وهي تعلل الأمل بأن لا بد ان يأتي يوم يكتشف فيه قيمة تضحياتها في سبيل إرضائه وإسعاده ، فيكف عن مضايقتها ويحوّل حياتها الى نعيم.
إنتظرت وإنتظرت طويلا حتى سئمت من الإنتظار ، وقالت لنفسها : ما باله تأخر في العودة ! في هذه الأثناء ، بدا رواد المطعم يتوافدون بأعداد كبيرة لدرجة أن كثيرين منهم إضطروا للبقاء واقفين.
وبدات تفكر بمغادرة المطعم بعد أن فقدت الأمل من أنه سيوافيها الى هذا الكان ، ولكنها ظلت مترددة كالغريق الذي يتمسك بأي شيء يلوح أمامه لإنقاذ نفسه ، وكانت تنهض تارة وتعود لتجلس تارة أخرى ، وكررت ذلك عدة مرات بدون أن تتمكن من تقرير ما إذا كانت ستخرج ام تبقى ، ثم خرجت مسرعة الى الطريق العام.

نيو فراولة 10-02-12 08:15 PM

وما أن أصبحت في الخارج وإستعادت صفاء تفكيرها وسيطرتها على اعصابها حتى لطمت خدها بيدها ، وراحت تحدث نفسها قائلة : آن الأوان لك يا دافينا المسكينة ان تتعلمي من التجارب المريرة التي مرت بك .... وأن تفهمي بأن لويد لا يهمه سوى نفسه وتحقيق رغباته.... وإحذري من الوقوع في الخطأ ثانية ، إياك أن تستسلمي له مهما بالغ في مجاملاته ، ومداعباته ، والتعبير عن مشاعره الرقيقة إتجاهك .... حلمك الجميل بانه سيسعدك كان أشبه بالسراب .... هدفك في الحياة شيء ، وهدفه شيء آخر ، إصمدي ثم إصمدي ثم إصمدي بوجه كافة المحاولات التي سيلجأ اليها ، ولا تنسي إستخفافاته بك ، ولا إهاناته لك ، ولا تخليه عنك ساعة كنت تشعرين بأمس الحاجة الى وجوده بجانبك ، ليس كزوج وحبيب ، وإنما كمطلق صديق ، كي يواسيك ويخفف عنك وطأة الألم الذي داهمك ساعة فقدت طفلك ، ولو أنه كان فعلا ذلك الزوج الوفي ، كما يدّعي ، لكان عاد فور سماعه الخبر... إياك ان تنسي يا دافينا تقلباته المفاجئة ، وإنتقاداته التهكمية ، ومضايقاته المفتعلة إنه رجل بلا قلب يسعى وراء تعذيب الاخرين ويتنكر لمبادىء الحياة الكريمة .
منتديات ليلاس
عند هذا الحد توقفت متمنية لو أنها بقيت في لندن ،وتركت للمحامي متابعة القضية ، مهما طال الزمن او قصر للبت فيها ، إذ كان بوسعها ان تكرهه وهي بعيدة عنه أكثر مما تكرهه وهي قريبة منه.
والسؤال الان : هل قررت قص شعرها الطويل كي تفهمه ، وتبرهن له بأنها اصبحت في حل من كافة الحقوق العاطفية التي كان يحاول فرضها عليها بالإكراه ؟ أم ماذا كان يدور في خلدها ساعة قررت ذلك ؟ ذلك لأنها هي نفسها تضايقت من منظر شعرها والملامح العجيبة التي أضفاها على وجهها عندما تاملت صورتها المنعكسة عبر زجاج واجهة أحد المحلات ، وصعقت من رؤية التشويه الذي أحدثه قصر شعرها في جمال وجهها ، ولم تستطع تجاهل حقيقة من يثيره مشهدها في نفسية لويد من غضب بعد أن يعرف الحقيقة ، وما سيتبع ذلك من محاولات لتدفع ثمن ما فعلت.
ولكنها إستدركت وقالت في نفسها : ما حدث قد حدث ، وما علي إلا ان ابقى مستعدة لكافة الإحتمالات ، بما فيها إحتمال رفضه الطلاق ، بغض النظر عن الفائدة التي يرجوها لنفسه على اثر الطلاق.
ثم فكرت بأن تشتري منديلا للرأس لتغطية شعرها به ، ومع ذلك ظلت تتوقع حدوث مفاجأة ما فينكشف أمرها ، وتقع المعركة التي كانت تسعى جهدها لتاجيل موعدها ، الشيء الوحيد الذي كان يقلقها هو أن يدعوها للخروج معه لزيارة الحصون القديمة التي تقع في منطقة ترتفع فيها درجة الحرارة أثناء النهار فتضطر الى نزع المنديل عن شعرها وتقع الواقعة ، وما عدا ذلك ، ليس أمامها ما تخشاه.
بعد فترة قصيرة وصلت الى مكان السيارة ، لم يكن لويد هناك ، ولكنها شاهدت ورقة موضوعة بمحاذاة زجاجها الأمامي ، فتناولتها وبدات تقرا مضمونها المكتوب بيد لويد: اللقاء في مطعم بلاك سوان الساعة الثانية عشرة تماما ، لويد.
وما أن إنتهت من قراءة الكلمة الأخيرة حتى طار صوابها ، ولم تجد من تفش خلقها فيه ، سوى تلك الورقة فمزقتها ، ثم وقفت امام السيارة وهي تصرخ كانها تخاطبه شخصيا وتقول : كفاك ، يا لويد ، كف عن تعذيبي ... كان ذلك صوت عاطفتها ، اما عقلها فقد حدثها بعدم التفكير بالتحدي ، او بتقديم وقت المعركة ، لئلا تذهب جهودها سدى ، محذرا إياها من مغبة الذهاب لتناول طعام الغداء في غير مكان.
وهكذا عادت أدراجها من حيث أتت وهي تلعن الساعة التي قررت فيها المجيء معه ، لم تهدا اعصابها بعد ، وكانت ىثار الخيبة التي اصابتها من جراء إستخفاف لويد بها لا تزال تتفاعل في نفسها ، وتابعت طريقها علّها تلتقي به صدفة وظلت تمشي وتمشي ، وتارة أخرى تفكر بمتابعة الطريق علّها تعثر على المكان الذي أوصاها بالذهاب اليه ، وتارة أخرى تفكر بإستئجار تاكسي ينقلها الى فندق بلاس غوين ، مع ذلك ، ظلت حائرة لا تدري ماذا عساها تفعل.
اخيرا ، وصلت الى ذلك المطعم الذي إستراحت فيه من قبل وفجأة شعرت بيد تشدها الى الوراء فإستدارت لتجد لويد ، عيناه شاخصتان فيها ويده ما زالت متشبثة بذراعها ، يخاطبها بلطف لتهدئة اعصابها التي إضطربت بفعل المفاجأة :
" ما قصدت إزعاجك ، صدقيني بأنني قصدت فقط منعك من متابعة المشي في الإتجاه المعاكس الذي يؤدي الى مطعم بلاك سوان... هذا كل ما في الأمر ، آسف".
لم تخدعها مجاملته ، التملق الذي أخفاه فضحته رنة صوته وإنسياق كلماته ، إذ كان يصعب عليها تصديق إمكانية اللحاق بها إنطلاقا من مسافة بعيدة ، وباتت شبه مقتنعة بانه كان يتبع اثرها ويراقبها من خلف مكان ما بالقرب من سيارته ، إذ كان يعرف تماما بأنها لم تكن تبحث عنه ، لكنها كتمت غيظها ، وردت عليه بلهجة مما ثلة قائلة:
" الغريب كالأعمى....".
فكرت لحظة ثم تابعت قول:
" حتى انني لا استطيع قراءة أسماء الشوارع المكتوبة باللغة المحلية ، هل يمكنك ان تتصور ذلك ، يا لويد ؟".
تاملها بحنان وهو يعلق على حيرتها قائلا :
" مسكينة أنت ، يا دافينا ! من حسن حظك أنني شاهدتك وأنقذتك من الضياع".
وكمن يفاجأ برد لا يتوقعه ، رفعت الأغراض التي وقعت من يديها الى الأرض وهي تقول غاضبة :
" كفى ، يا لويد ! كفاك تهكما وسخرية ".
لكنه تجاهل ذلك، وجلس على حافة الرصيف يجمع الأغراض التي وقعت من يديها ، وتبعثرت على الأرض ،وهو يزم شفتيه تأففا بعد أن إكتشف حقيقة الأغراض التي إشترتها ، ثم رفع راسه الى فوق وخاطبها قائلا :
" أخبرني صديقي صاحب محل الألبسة النسائية أنه لم يرك ، هل هذا صحيح؟".
" نعم ، صحيح ، أنواع الملابس المعروضة في واجهة محله لم تعجبني فإشتريت ما يفي بحاجتي لمدة يوم أو يومين من محل آخر يقع بجواره ".

نيو فراولة 10-02-12 08:16 PM

إلتفت اليها وراح يتأمل المنديل الذي غطت راسها به وهو يقلب شفتيه ويقول:
" عظيم ! أكاد لا أصدق ما تراع عيناي من أنك أخذت فكرة كونك سائحة بجدية ! ولم يخطر ببالي ابدا انك مولعة الى هذا الحد بالقلاع ، في أي حال ذكريني كي آخذك لزيارة قلعة كينافون ذات يوم ، صدقيني بأن جمالها الطبيعي لا يوصف".
" لنني لست متاكدة بأنني سأبقى هنا لفترة طويلة".
" آه ، يؤسفني سماع ذلك ، أرجو ان تؤجلي ساعة الرحيل لغاية ان نذهب ونتغدى معا ، اكاد أموت من الجوع".
قال ذلك وإنطلق يمشي بخطى واسعة تاركا إياها تتبعه بخطى وتيدة ولكن متعثرة ، كانت تغلي من شدة الغضب والتعب عندما لحقت به الى السيارة ، لتجده ينتظرها وياخذ منها بقية الأغراض ويضعها في صندوق السيارة ، ويحثها على الإسراع معه الى المطعم.
كان الجنس الخشن يحتل جميع طاولات المطعم الموضوعة على شرفته الأمامية الواسعة ، يتمتعون بحرارة الشمس الدافئة ، مما دفع لويد الى الدخول من صالة الفندق الرئيسية ليعبر منها الى زاوية هادئة تابعة للمطعم ، فيما كانت دافينا تتلمس طريقها الى هناك بصعوبة للتعب الذي اصابها.
ولم يكادا يجلسان الى الطاولة حتى ظهر أمامهما خادم المطعم وناولهما لائحة الطعام ومضى ، ثم عاد بعد لحظات يسجل عنده انواع الطعام التي إختارها ومضى.
وإنتهزلويد فترة الإنتظار هذه ليداعب دافينا ويجاملها كعادته كلما وجد نفسه وحيدا معه ، وكانت هي تصغي الى مجاملاته ، وإطراءاته ، والتغني بجمالها ، فتستقبل الجيد منها ببشاشة والرديء بعبوس وتحفظ ، بدون ان يغيب عن بالها لحظة واحدة ، أن لا يستدرجها ، بمداعباته ومجاملاته ، الى الإستسلام لرغباته العاطفية مهما بالغ في الوصف والإطراء.
بعد فترة قصير حضر الطعام ، وبدا لويد يأكل بسرعة أدهشت دافينا لدرجة جعلتها تأكل لقمة لقمة وتتريث في مضغها ليتسنى لها مراقبة لويد ، موزّعة نظراتها بين الصحن الموضوع أمامها ولويد ، الى ان إنتهى وطارت مظاهر الدهشة.
إلتفتت اليه وهما خارجان من المطعم وسألته بصورة عفوية:
" هل نحن ذاهبان الى البيت؟".
فرد عليها قائلا:
" أجل ، إننا عائدان الى بلاس غوين " وتركها تستنتج المعنى من وراء الكلمات ، بعد أن إحمر وجهها خجلا وهي تتأمل نظراته الغامضة.
ظلت صامتة طيلة الوقت الذي إستغرقته السيارة للخروج من دوامة السير الكثيف الذي كانت تشهده شوارع البلدة في تلك الساعة ، وما أن أصبحت السيارة خارج البلدة وراحت تشق طريقها في الشارع العام وسط حركة خفيفة ، حتى بادرته قائلة وعيناها شاخصتان الى الأمام:
" لويد ، كان عليّ ان أبقى في لندن لو كنت أحسنت التصرف ، لكن ، لا باس سوف أضع حوائجي في حقيبتي فور وصولنا ، وأتركك تعيش بسلام".
وصمتت تفكر وهي تحدق في يديها المضطربتين ، ثم تابعت تقول:
" ويبقى عليك أن تبلغ العم فيليب قرارك بالنسبة الى الجولة الجديدة التي إقترحها عليك".
قالت ذلك وصمتت تتأمله من طرف خفي بإنتظار سماع جوابه ، لكنه لم يرد ، ولم يحاول الرد ولو بكلمة واحدة ، بل حاول أن يبقى صامتا أكثر منه في أي وقت مضى ، عندها ارخت رأسها الى المقعد ، ثم أغمضت عينيها وغرقت في حلم عميق ، وتنهدت بعمق وهدوء كلما تصورت مرارة الهزيمة التي جلبتها على نفسها من خلال فشلها في تحقيق أي أمر من الأمور التي كانت تحلم بتحقيقها ، فضلا عن تدهور علاقاتهما الى أسوأ مما كانت عليه قبل قدومها ، وها هي تجد نفسها مضطرة لمغادرة هذه المنطقة ، والرجوع الى لندن ، إذ من المحال إقناع لويد باي شيء مغاير لمبادئه الشخصية.
وهكذا ظلت تكبو حينا وتصحو حينا آخر ، وتتفادى التطلع اليه ، لماذا؟ من يدري ، إذ تعددت الأسباب والهدف واحد ، أكثر من ذلك كانت ، إذ لاحظت ذراعها سيلامس ذراعه بتأثير هزات السيارة عند المنعطفات الحادة ، تبتعد عنه تلقائيا تفاديا لملامسته ، وهو يصبر ويتجالد حتى نفد صبره ، فخاطبها بلهجة حادة وجافة قائلا:
" إسمعيني وإفهميني جيدا ، لن تغادري هذا المكان إلا إذا سمحت لك بالذهاب ، إما إذا كنت مصممة على الرحيل بدون موافقتي ، فهذا شأنك ويمكنك الرحيل ، لكن ذلك يعني أنني ساظل اقاوم جميع الجهود التي تبذلينها في سبيل طلاقنا طالما بقيت حيا ".
إحتجت قائلة :
" هذا غير معقول ، يا لويد....".
وحدّقت في عينيه ، وتابعت تقول:
" لماذا كل هذا الإصرار على تنغيص حياتي ، والإمعان في مضايقتي وحجز حريتي التي أحاول إستعادتها بقدر ما أنت تحاول ، أليس كذلك؟ أطلق حريتي ، يا لويد ، ما بقي امامنا امل في العودة للعيش معا بسلام ، دعني وشأني ، ليس بدافع الحرص على مستقبلي وإنما إكراما لعروس المستقبل ، هذا إذا كنت حقا تحترمها وتفكر جديا بمستقبلها".
" لا أشك لحظة في ذلك ولا في قدرتي على إقناعها بتلبية رغباتي ، إذا كنت تتصورين بان جميع النساء مثلك فأنت على ضلال مبين ، لا توجد إمرأة واحدة في العالم أنانية بقدر ما أنت انانية ، أو أن يخطر ببالها أن تلفت أنظار العالم اليها كما شئت انت أن تظهري يوم زفافك".
وأطرقت راسها الى الأرض وهي تشعر كأن جسمها يتقلص ويضطرب بسبب قوة خفقات قلبها ، الذي إرتفعت طاقة خفقاته وتسارعت بتأثير المعاني الغامضة التي إستنتجتها من وراء كلماته ، ثم رفعت رأسها وردت تقول بصوت هامس:
" الظاهر أن ثقتك بنفسك عظيمة".
" لقد اخطأت المرمى يا دافينا ، فأنا لا أثق بنفسي وإنما بفتاتي.... عظيمة هي ثقتي بها ، أنا أعتد بها كثيرا".

نيو فراولة 10-02-12 08:18 PM

وردت تقول وهي تتلعثم:
" مسكينة هي ... إنني أشفق عليها و.....".
فقاطعها قائلا:
" إنها لا تحتاج الى شفقتك وعطفك ( ثم ألقى عليها نظرة خاطفة وتابع يقول ) إنني عازم على تكريس حياتي كلها ، بل كل لحظة من حياتي ، في سبيل سعادتها".
وفجأة برزت صورة الآنسة ريانون في مخيلتها ، وصارت تتصورها بمظاهر شتى. تصورتها واقفة امامها تحداها وهي تبتسم إبتسامة غامضة ، ثم تصورت ملاح الغيرة القاتلة على وجهها ، إلا أن تلك التخيلات لم تؤثر في عزمها وصمودها ، فتاملته وهي ترد عليه بلهجة وكلمات عبرت عن إرادتها في مواجهة التحدي حتى النهاية:
" انا أشك كثيرا في أنك تدرك ما تعنيه السعادة أو طبيعة الأمور التي تشعر بها المرأة بالسعادة ، والدليل على فشلك الذريع في هذا المجال لا يحتاج الى أي برهان".
بدأ لويد يتحفها بنظراته الصاعقة قبل ان تصل الى نهاية جوابها ، تلك النظرات التي إستشفت من لمعانها حدة الغضب المتأجج في ذاته والتي أثارت فيها رعشات باردة من شدة الخوف الذي بدأ يسيطر عليها ، خاصة عندما ايقنت أنه صار يخفف السرعة إستعدادا لإيقاف السيارة الى جانب الطريق.
وهكذا تحقق الأسوأ الذي كانت تخشى حدوثه ، وتعمل كل ما في وسعها لإبعاد كأسه المرة عن شفتيها ، حدث وكان لها الفضل الأكبر في تسريعه ، من حيث كانت تدري أو لا تدري ، ووقعت الواقعة ، وحصلت بنتيجتها على حصة الأسد ، إذ أنه ، ما أن أوقف السيارة ، حتى إنعطف قليلا الى اليمين ، وركض مسرعا حول مقدمة السيارة ، ثم إنعطف قليلا الى اليمين ، وضغط على مسكة الباب فإنفتح بسهولة ، وشدها بيده الى الخارج ، ليبدأ معها معركة حامية الوطيس ، فيها مختلف أنواع الاسلحة البيضاء ، إنتهت بإنتصاره عليها إنتصارا باهرا وكان له تاثيرا كبيرا على مجريات الاحداث اللاحقة.
ولكن بهجة إنتصاره لم تدم طويلا ، إذ أنها تلاشت في اللحظة التي طار فيها المنديل عن راسها وبان له ما فعلت بشعرها الطويل ، فإحتد ونظر اليها وهو يقول:
" من يصمم على الإنتقام لا يخاف ، أنت حقا جبانة ، وإلا ما كنت غطيت شعرك بالمنديل بعد تقصيره.... ظاهرك إمرأة بكل معنى الكلمة ولكنه يخفي وراءه كتلة من الحقد والضغينة ... آه ، كم كنت مخدوعا !".
" لا يحق ل كان تنتقدني ، إذ أن شعري ملكي وانا حرة للتصرف به كيفما أشاء...".
خاطبته بهذه اللهجة الجريئة لتغطية ضعفها أمامه ، وصمتت لحظة تفكر بضرورة مواجهة تحديه لها بتحد مماثل ، أن لم يكن أعنف ، ثم تابعت تقول:
" يجب أن تعرف يا لويد أنني لست ملكك !".
فقاطعها ليرد عليها بحدة قائلا:
" لست ملكي ؟ ملك من أنت إذن؟ ماذا كنت تفكرين نفسك فاعلة ساعة عقد زواجنا ! توقيع وثيقة قرض قصير الأجل ؟ أم ماذا ؟ شكرا ، أنا لست في حاجة لقرض من هذا النوع".
" تاكدت من نواياك هذه نحوي منذ زمن طويل .... والآن ، هل لك أن تتابع السير وتوصلني الى الفندق ، لقد قررت الرحيل وعدم البقاء لحظة واحدة تحت سقف بيتك".
" حسنا ، يجب أن تفهمي بأنه لا يمكنك الإعتماد عليّ ، يا زوجتي الحبيبة ، لأن معركتي معك لم تنته بعد".
" ما فعلته بي قبل لحظا كان أعنف من معركة ، وها هي آثارها واضحة أمام عينيك ، تبا لك ، يا لويد ! آن لك الأوان لكي تخجل من نفسك بعد كل الذي فعلته بي حتى الان ".
لم يرد ، ولكنه مد يده نحوها يحاول مداعبتها فتملصت منه وإستدارت مسرعة لتعود الى مكانها في السيارة لمتابعة الطريق.
منتديات ليلاس
حالما ادار السيارة وإنطلق بها على الطريق العام راود دافينا شعور باليأس والقرف من متابعة الحديث والنقاش معه ، على غير طائل ، أسندت على أثره راسها الى مقعدها تنشد راحة الفكر والقلب في آن معا ، وهي تشعر بالبرد بالرغم من حدة أشعة الشمس الساطعة على السيارة ، وبعد مسافة قصيرة بدات تفكر بما ينبغي عليها عمله لدى وصولهما الى بلاس غوين ، يرادها شعور بأن عمة لويد ستوفر لها الحماية والإطمئنان هناك بغض النظر عما ينوي فعله ، مفاتيح سيارتها كانت في حقيبتها اليدوية ، مما يسهل لها عملية نقل حوائجها ووضعها في صندوقها الخلفي ، والتسلل اليها في الوقت المناسب بدون أن يراها أحد ، ولسان حالها يقول : سوف أتصرف كاللص الذي لا يعرف احد متى يقتحم البيت.
ثم حاولت أن تكبح جماح إنفعالها ، وتتجاهل المرارة التي كانت تحز في نفسها بسبب شعورها بالفشل ، وتساءلت يائسة : ترى ، ما هي تلك القوة الساحرة التي تمكنه من السيطرة عل كافة مشاعري بحيث كنت أنصاع لتلبية رغباته وطلباته مثلما تنصاع الأفعى لأنغام مزمار الغاوي !
أما اليوم فلا ، إنها لن تنصاع له بعد اليوم ، ولن تلبي له طلب ، ما من قوة على الأرض ستكون قادرة على إرغامها للإنصياع لمشيئته ، فقد صممت على قهره وإغضابه ، ذلك ما كان يراودها من أفكار ، وما كانت تعد نفسها بتنفيذه ، بدون أن تكون صريحة مع نفسها ، أن ما كانت تعد نفسها به ، لا يعد كونه وجها واحدا من وجوه الحقيقة ، اجل ، لقد تجاهلت ، أو بالأحرى تناست ، ان تحدث نفسها عن الوجه الآخر للحقيقة ، ذلك الوجه الذي يحكي حكاية ضعفها وسهولة إنقيادها لرغباته ساعة يشاء ، والشواهد على ذلك كثيرة ، اكثر من أن تحصى وتعد ، يكفي التذكير بموقف واحد من مواقف التحدي الذي لوّحت بإلتزامه مرة للدلال على سرعة تقهقرها وإستسلامها أمامه ، خلاصة ذلك أن لويد إحتج مرة بشدة على تقصير شعرها بدون إستشارته وموافقته ، فغضبت ، وثارت وهددته بالويل والثبور وعظائم الأمور إن هو حاول التدخل مرة أخرى في ما لا يعنيه ، وجاءها رد فعله على ذلك أعنف وأسرع مما كانت تتصور ، إذ حشرها في زاوية ضيقة واشبعها من مجاملاته ، لدرجة أنها شعرت نفسها أكثر طواعية بين يديه ، من تلك النعجة التي تقع فريسة بين أنياب الذئب.

نيو فراولة 10-02-12 08:20 PM

وهكذا ، ما ان أصبحت السيارة على مسافة قريبة من الفندق حتى بدأت تنتفض وترتعش من فرط الرعب الذي داهمها، وقالت لنفسها : ليس أمامك إلا الهرب وسيلة للإنقاذ.... وخير البر عاجله.
حالما توقفت السيارة في ساحة الفندق الأمامية ، قفزت منها بسرعة بدون أن تلتفت اليه ، اوتفوه بكلمة ، وبادرت الى وضع حوائجها في صندوق سيارتها ، وهي تعد نفسها للهرب فيها بعد ان تأكدت من وجود كمية كافية من البنزين لإيصالها الى الوجهة التي تقصدها .
ثم اخذت طريقها نحو الفندق ، بدون أن تلتفت الى الوراء لرؤية ما إذا كان يتبعها ام لا ، لئلا تثير الشكوك في نفسه حول نواياها وخططها القادمة.
عمة لويد إلتقتها في الصالون ، فإبتسمت لها إبتسامة عريضة وبادرتها بالقول:
" الحمد لله على السلامة ، اين لويد ؟ هل عاد معك ؟هناك من ينتظره على الهاتف".
" لن يتأخر ، لحظة ويصل".
قالت ذلك واخذت طريقها الى غرفتها في الطابق العلوي ، حيث راحت تضع ثيابها وأغراضها في الحقيبة بسرعة ، وبصورة عشوائية ، كخطوة أولى إستعدادا للهرب ، ثم فتحت الباب قليلا وبكل هدوء ، وخرجت منه تسير على أخمصي قدميها حتى وصلت الى مطلع الدرج ووقفت هناك تراقب وتتطلع لمعرفة ما إذا كان هناك من يراقبها ، لم تر أحدا ، وإنما سمعت صوت لويد وهو يتحدث على الهاتف بلهجة عالية ، فلوحت بيدها إشارة الإنتصار ، إذ تصورت بان المكالمة خارجية ، فهبطت الى الطابق الأرضي وأخذت طريقها الى الخارج مرورا بالصالون ، بدون ان يلمحها أحد.
ومن هناك ركضت نحو سيارتها وهي تبحث عن مفاتيح السيارة في حقيبتها ، فوصلتها بعد لحظات قليلة وفتحت الباب وصعدت اليها ، بدون ان تكف عن المراقبة.
بيد أن فرحتها تلاشت بسرعة ، وذلك لأن السيارة لم تشتغل ، برغم محاولاتها المتكررة لتشغيلها ، فقط ظل المحرك يشهق ويشحط ثم يخرس ، عشرات المرات ، ثم ترجلت منها ورفعت غطاء المحرك وراحت تتأمله وتتفحصه علها تكتشف علة توقفه عن الحركة، فلم تنجح ، فتنهدت وتاوهت وهي تصعد ثانية الى السيارة لتحاول تشغيلها من جديد ، لكنها عبثا حاولت ، أخيرا فكرت بان تفحص البطارية من خلال المؤشر الداخلي ، البطارية كانت السبب ، كما أشار المؤشر ، وتساءلت قائلة : كيف يعقل أن تفرغ شحنة البطارية والسيارة لا تزال متوقفة هنا منذ يومين ؟كلا ! أبدا ، هذا غير معقول ، اللهم إلا إذا عبث بها إنسان ما .
وفيما كانت غارقة في تفكيرها تبحث عن مخرج من هذا المازق ، تناهى الى مسامعها صوت وحركة ، فإلتفتت حولها لترى لويد واقفا على بعد بضعة أمتار منها ، يراقبها وهو يبتسم إبتسامة فاترة ، ثم إقترب منها وسألها :
" أي مشكلة ! أي خدمة ! هل تسمحين لي بمساعدتك؟".
قال ذلك وصمت وهو يبتسم إبتسامة باردة أما دافينا فقد ظلت صامتة تحدق فيه ،وتفكر بهذا المقلب الذي لا يستبعد أبدا أن يكون هو مهندسه ومنفذه ، ثم رفعت رأسها اليه وردت تقول له بحدة وغضب :
" إبتعد عني... وإذهب الى...".
" سبق لي وذهبت... إنسيت أنني كنت هناك ! عندما أذهب المرة القادمة سآخذك معي ، إستبشري خيرا وإستعدي للسفر منذ الآن؟".
ثم إستدار وأسرع الخطى نحو سيارته ، فصعد اليها وإنطلق بها في الطريق العام ، تاركا دافينا واقفة وحدها ، تراقبه بوجوم وكآبة وحسرة ، الى أن غابت السيارة عن أنظارها.

نيو فراولة 11-02-12 05:12 PM

5- جمر تحت الرماد

المشكلة الجديدة التي برزت بوجه دافينا الآن مصدرها سيارتها ، إذ تعطلت عن الحركة وهي واقفة في مكانها ، بدون سبب ، وخالجها شعور بان هذا اليوم سيكون أشقى وأتعس يوم في حياتها.
حاولت إصلاح الخلل لكنها عجزت عن إكتشاف العلة لترى ما إذا كانت تستطيع إصلاحها ، فذهبت وإتصلت بأحد الكراجات وطلبت من المتحدث معها ان يوافيها بأحد العمال لفحص سيارتها ، لكن المتحدث أبرها بانه لا يستطيع تلبية طلبها اليوم بسبب إرتباطاته السابقة ، وعدها بتلبية طلبها بعد يومين إذا شاءت أن تنتظر ، وقبل ان ينهي الحديث اوعز اليها للإتصال بصاحب الفندق الذي تقيم فيه عله يستطيع مساعدتها نظرا لخبرته في ميكانيك السيارات ، ودهشت عندما سمعته يذكر إسم لويد ، مما اثار في نفسها الشكوك حول علاقة لويد بهذا العطل المفاجىء.
وفي أي حال ، فإنها شكرته على هذه البادرة ، ثم فكرت أن تتصل بوالدتها الموجودة في لندن لتستشيرها في الموضوع ، وتسالها عما إذا كانت تستطيع مساعدتها ، فلم تجدها.
منتديات ليلاس
وهكذا عادت الى الصالون وهي تفكر يائسة بما عساها تفعل للخروج من هذا المأزق الجديد ، الذي سيفرض عليها البقاء داخل الفندق الى أن يتم إصلاح العطل ، شاءت ذلك ام ابت ، لم يكن أمامها أي خيار آخر لإستحالة إستئجار سيارة أجرة في مثل هذه الأيام الحافلة بالنشاط السياحي.
مضى عليها بعض الوقت وهي جالسة في الصالون تفكر ، وتتنهد ، وتتأه ، وتضرب كفا بكف ، وتندب حظها التعيس ، بدون ان تعفي نفسها من مسؤولية بعض ما كانت تواجهه من المتاعب ، وبدون ان تسقط من حسابها إمكانية تورط لويد في تعطيل السيارة على أثر تهديداته السابقة بالإنتقام منها ، وباي ثمن ، لتعود بعد أن تهدأ اعصابها ، وتفكر ببراءته ، في ضوء التهديدات العديدة السابقة التي بقيت بدون تنفيذ ، لتعود من جديد وتنحي باللائمة عن كل المشاكل التي تحدث بينهما وتعقد حياتهما ، على نفسها وعلى لويد ، سواء بسواء ، ولكن ، ماذا ينفع الندم الان ! وإنتهت الى التفكير بان عليها ، ما دامت هنا ، متابعة مهمتها بعيدا عن كل ما يثير مشاعر وحساسية لويد ، إذا كانت تنوي فعلا التوصل الى تسوية ودية للمشاكل العالقة بينهما.
وقفت حائرة بعد أن سدت بوجهها جميع الأبواب ، التوصل الى إتفاق مع لويد حول الطلاق لم يزل بعيد المنال ، إن لم يكن مستحيلا ، كما أثبتت لها الأحداث الجارية ، وسيارتها تعطلت فجأة وعطلت معها خطة هربها من هذا المكان والعودة الى لندن ، فماذا تفعل ؟ لا شيء ، لم يكن بإمكانها ان تفعل شيئا ، سوى أن تصبر حتى ياتيها الفرج من وراء المجهول.
ثم فكرت بأن تخرج وتمضي بعض الوقت بين احضان الطبيعة ، بعيدا عن اشباح المشاكل والمتاعب التي تطاردها حيثما كانت ، وفيما كانت تهم بالخروج رأتها عمة لويد وبادرتها قائلة بدهشة :
" آه ، هذه انت يا دافينا ! أين لويد ؟ اين يمكن ان أجده لأعطيه بعض الرسائل التي وصلت الان ؟ هل....".
فقاطعتها دافينا وردت عليها بلهجة حادة:
" لماذا تسألينني انا؟ هل تظنين بأنني أمينة سره ! لا أعرف مكانه ولا اين ذهب......".
وصمتت لحظة بعد أن ندمت على مخاطبة السيدة باري بلهجة جافة لا تليق بها أن تستعملها معها نظرا لما تلقاه منها من تكيم وحفاوة ، فإستدركت قائلة لها:
" عفوك يا عمتي العزيزة ، لقد اخطات بحقك ! الحقيقة أن لويد يتجاهلني ويخفي عني كل ما يتعلق بشؤونه ، لدرجة أنه لا يحييني عندما نلتقي وجها لوجه".
" لا باس ، أنا أقدر ظروفك ، لكن تصرفاته السخيفة واللامبالية تحيرني ، ما كان يجب أن يشتري هذا الفندق ما دام يعرف أنه لا يستطيع البقاء فيه".
" وهذا ما يحيرني أنا ايضا ، صدقيني يا عمتي بأنني لا أعرف شيئا عن المشاريع التي يقوم بها ، أنا لا ألومه ، فهذا شأنه".
وصمتت لحظة تفكر وتتأملها برقة وإحترام ثم تابعت تقول :
" الوداع الان يا عمتي ! انا ذاهبة.... ذاهبة لقضاء بعض الوقت في الخارج ، الى اللقاء! ".
كانت السماء صافية ، والشمس باسطة أشعتها الدافئة على الحقول المترامية الأطراف ، والجبال الخضراء العالية ، عندما خرجت دافينا من الفندق ، فاثارت مناظرها الحماس في نفسها لزيارتها جميعا ، والتمتع بمشاهدتها ، إن سمح لها الوقت بذلك ، وفي هذه اللحظات ، تذكرت الأوصاف الشيقة التي سردها لها بعض السواح ، عن مساقط المياه ، وروعة جمالها ، ونقاوة مياهها وطلاوة نغمات خريرها ، فقررت الذهاب الى مكانها ، كمرحلة أولى في نزهتها.
مرّت وهي في طريقها الى الشلالات ، بسهول وبساتين كثيرة ، تغطيها شتى النباتات والمزروعات والأشجار ، مناظر جميلة ساحرة ، لا يباعد بين هذا المنظر وذاك سوى طريق هنا وهناك يسلكها اصحاب الحقول والبساتين للوصول الى بيوتهم الكائنة في أملاكهم ، وفي هذه الأجواء الطبيعية الرائعة ، والهادئة ، والمليئة بخيرات الأرض المتنوعة ، تأكدت دافينا من صدق حديث العمة باري عن المتعة الفائقة التي توفرها الطبيعة للإنسان ، وهو سارح أو مسترخ في احضانها ، فخالجها الحنين للبقاء في هذه الأجواء ، لو أنه يمكنها فقط التخلي عن الحياة في لندن ، وهي تقارن بين محاسن الحياة الهادئة هنا ومساوىء الحياة الصاخبة هناك .

نيو فراولة 11-02-12 05:13 PM

إستمرت تمشي حتى وصلت الى مشارف الوادي الذي يؤدي الى تلك الصخور المشهورة بشكلها الذي يشبه التنين ، وبعد مسيرة قصيرة لاحت أمامها صورة كتلة صخرية رمادية اللون ، غير واضحة المعالم ، فتصورت بأنه ذلك المعمل المهجور الذي يقوم لويد بتجديده وتاهيله لحياكة الصوف ، والأقمشة ، والبسط ، وتوقفت أمامه تتساءل : أنا لا أصدق بان لويد ، وهو الكاتب الذائع الصيت ، سيضحي بمستقبله الأدبي والثقافي ، في سبيل إحياء معمل مهجور كناية عن مجموعة أنقاض ، لا يعقل أن يكون جادا فيما يقوم به أو مصيبا في تفكيره بأنه من خلال ترميم هكذا معمل سيحقق طموحاته التي لا تقف عند حد ، ما لي وله ، فهو حر وأنا بصدد إستعادة حريتي.
ثم تابعت طريقها تقصد الوصول الى قمة الجبل أمامها ، الطريق الى هناك وعرة ، وتزداد وعورة وصعوبة كلما تقدمت في المشي ، لدرجة أنها أضطرت لنزع حذائها ومتابعة الطريق حافية القدمين ، وما أن قطعت مسافة غير قصيرة حتى أصبح بإمكانها ان تسمع صدى خرير تساقط المياه ، خاصة بعد وصولها الى منعطف حاد يشرف على منطقة منخفضة تقع فيها بركة مياه سبق لإحدى السائحات أن حدثتها عن مياهها الباردة ، ومتعة السباحة فيها ، ومنها تجري المياه منسابة بإنحدراها حتى تتخطى صخرة داكنة اللون ، وهي ترغو وتزبد أثناء إنسيابها فوق الصخور المتشعبة.
لم تشعر دافينا بحماس أثاره في نفسها أي مشهد سابق كالحماس العارم الذي أثاره فيها منظر المياه المنسابة أمامها ، بصفاء يفوق صفاء ، وصخب يفوق صخب الثائرين وضوضائهم ، فإنطلقت مسرعة الى هناك.
وصلت ووضعت رجليها في مياه البحيرة الضحلة القريبة من الضفة وهي مأخوذة بروعة المنظر ، والقشعريرة الناعمة التي خالجتها حالما غمرت المياه ساقيها حتى الركبتين.
السكون يخيم في أرجاء المنطقة ، لا يعكر صفوه سوى زقزقة عصفور ، أوحفيف اوراق الشجر ، أو قعقعة ضفدعة ، أو أزيز حشرة ، أو خرير الماء المتساقط من بين اصابع يدي دافينا للعودة الى أحضان البحيرة.
ظلت واقفة في المياه القريبة من الشاطىء ، تغطس يديها فيها حينا وتغرق المياه حينا آخر لتبلل بها ذراعيها ورجليها كي تمنحها مناعة كافية لمقاومة برودتها ، عندما تقرر السباحة فيها ، كانت مصممة على السباحة في البركة ، لكنها تباطأت ، ريثما تتأكد تماما من خلو المكان ، إذ أنها لم تحمل معها ثياب السباحة.
وما أن إطمأنت الى خلو المكان من البشر حتى عادت الى الشاطىء ، حيث نزعت ثوبها ووضعته جانبا ، ثم نزلت في الماء بثيابها الداخلية وبدات تسبح ، والحنين بدأ يشدها للسباحة الى موقع الشلالات ، الذي كان في قمة لائحة الأماكن التي قررت مشاهدتها ، وهكذا بدأت تسبح في إتجاه الشلالات ، وهي تتطلع يمينا وشمالا لتفادي الإصطدام بأي جسم غريب قد يكون تحت الماء ، أو الوقوع في فخ الدوامات والتيارات المائية العنيفة.
هذا وبعد ان قطعت نصف المسافة المؤدية الى مخرج جوفي لمياه البحيرة ، بدأت تسمع الأصوات الغريبة الصادرة عن إحتكاك الحجارة القريبة من المخرج ببعضها ، أو أنقلابها وتدحرجها فوق بعضها البعض بتاثير قوة المياه الجارية ، وتتفرج على صقر كان يحوم فوقها وهو يقوم بمناورات رائعة ، إذ كان يبسط جناحيه على مداهما ويبقى ساكنا لبرهة قصيرة ، او يعلو ليعود وينقض بسرعة فائقة كأنه يقوم بعملية مطاردة خاطفة ، عرفت ، او أقنعت نفسها بانها تعرف مصادر كل تلك الأصوات ، إلا واحدا صعب عليها معرفة مصدره ، وباتت تخشى من وجود مخلوق بشري يراقبها من وراء مخبأه على اليابسة ، لم تكن تخشى من وقوع إعتداء عليها ، وإنما كانت تخجل من ان يراها احد وهي تسبح بثيابها الداخلية ، أضف الى ذلك أنها تعتقد بأن ظهورها بمثل هذا المظهر مناقض تماما للتقاليد التي تؤمن بها ، وابرزها الظهور المحتشم امام الناس.
كان بنيتها أن تقطع الرحلة الى تلك الفجوة الصخرية وتعود الى الشاطىء لترى اين تذهب ، لو لم تطمئن الى خلو المكان من أي مخلوق سواها ، وقد عزز إطمئنانها هذا عودة السكون التام في أجواء المنطقة ، وهكذا تابعت السباحة في إتجاه تلك الفجوة الصخري ، التي بدات ملامحها تتوضح أكثر فأكثر ، كلما إقتربت منها وقصرت المسافة التي تفصلها عنها ، وذهلت عندما أخذت أوصاف الفجوة تظهر مطابقة لأوصاف عرين التنين الذي حدّثها عنه أحد نزلاء الفندق بعد عودته من زيارة المكان ، ولكن سرعان ما تبين لدافينا أن تلك الصفة ، صفة ( عرين التنين ) لا تنطبق على الموصوف ، أي الفجوة الصخرية التي أصبحت صورتها ماثلة أمامها بكل وضوح ، كانت واضحة بأنها ليست مغارة بالمعنى الصحيح للكلمة ، وإنما كناية عن فجوة صخرية ، مظلمة ، باردة مشبعة بالرطوبة ، وضيقة لدرجة يصعب عندها للطفل العبور من خلالها ، بالإضافة الى شقوق متنافرة ومتباعدة ، ناهيك عما تشكله طبيعة هذه الصخور الناتئة من مخاطر ومحاذير بوجه كل من يحاول السباحة اليها والتوغل في مجاهلها.
هذا ورغما عن عدم وجود أي أثر لأي مخلوق، شعرت دافينا بحدسها بما ينبىء بوجود كائن حي بالقرب من مكانها ، لم تكن تتصور إطلاقا وجود لويد هنا ، لأنها لم تخبره ، كما لم تخبر أحدا من الناس سواء ، عن المكان الذي توجهت اليه ، ولكن، لويد ، لسوء حظها ، كان هناك.
وكم كانت دهشتها كبيرة عندما إستدارت ، بعد أن أجالت النظر في شكل تلك الصخرة الذي يعكس فعلا شكل تنين حقيقي لأول وهلة ، لترى لويد جالسا على الصخرة التي وضعت ثيابها بجانبها ، وزاد في دهشتها رؤية ثيابها تلك موضوعة أمامه ، بشكل بارز ، وتساءلت : ترى ، لماذا يصر على مطاردتي كأنه هر وأنا فارة!

نيو فراولة 11-02-12 05:14 PM

لكنها قامت بحركات لتوهمه بانها لم تشاهده ، فتابعت سباحتها حتى وصلت الى خلف صخرة كبيرة وتوقفت هناك تعلل الأمل بأنه قريبا يغادر المكان ، وتدلك جسمها بيديها للمحافظة على حرارته ، وتنشيط دورتها الدموية.
بعد لحظات ، إختلست النظر اليه فراته يهب واقفا ، ثم يتأمل المكان قليلا ، ويمشي حاملا بين يديه ثوبها ، فصعقت بما رأت ، وخرجت من الماء وراحت تراقبه لترى أين سيذهب ، وهي ترتعش من البرد والفزع.
صحيح أن أشعة الشمس اعادت الى جسمها حرارته ودفئه ، ولكن ذلك لم يقلل من شعورها بالحزن والأسى مما كان يجري أمام عينيها ، خاصة عندما شاهدت لويد يتوارى عن الأنظار ، حاملا معه ثيابها ، عندها ، وقفت مشدوهة لا تدري كيف تواجه هذا الموقف الخطير ، وراحت تحدث نفسها : وشر البلية ما يضحك ، لو أنه إكتفى بأخذ الحذاء لما كان أثار بوجهي أي مأزق ، إذ سأبقى قادرة على العودة الى الفندق حافية القدمين ، أما أن أعود وأنا شبه عارية فهذا مستحيل ، مستحيل ، هذا شيء غير معقول وضرب من الجنون ، وقاحة ليس بعدها وقاحة ، لم يكفه ما فعله بسيارتي ، ماذا يريد! ماذا يقصد! من يدري! ربما إصطحب معه بعض أصدقائه ونزلاء الفندق كي يتفرجوا علي... يا له من ماكر ووقح !
الحل الوحيد الذي خطر ببالها للخروج من هذا المأزق الجديد ، هو أن تبقى مكانها ، حتى إذا صادف مرور أحد نزلاء الفندق أو هواة ركوب الخيل ، طلبت منه ان ينقلها معه الى الفندق ، الوسيلة لا تهم.
وهكذا جلست على الشاطىء بإنتظار حدوث شيء ما ، راودتها أفكار شتى ، ليس اقلها الشعور بالهزيمة، والإنهيار النفسي، وما الى غير ذلك من التصورات المحطمة للأعصاب ، والمسيلة للدموع ، والحقيقة أنها أوشكت على البكاء لولا بقية من أمل ، وعزيمة ، رفضت أن تستسلم لليأس أو أن تقع فريسة الخوف ، هكذا راحت تحدث نفسها : الوقت ليس للبكاء وإنما للعمل ، سوف يدهشك عملي ، سوف تقهرك عزيمتي ، قريبا ترى ما يدهشك ، قريبا وتنهار قوتك التي تظنها لا تقهر ، إنني أكرهك .... أكرهك ، اكثر مما أكره الموت.
قالت : ( أكرهك ، يا لويد) وتوقفت لتمسح الدموع الغزيرة التي إنهمرت من عينيها ، هكذا ، دفعة واحدة ، وبرغم إرادتها ، وترفع راسها لترى لويد واقفا أمامها ، يبتسم لها بخبث ، ويخاطبها قائلا:
" لماذا تبكين ، يا حلوة الحلوات؟ لعلك تندبين إرادتك المحطمة ، اليس كذلك؟".
رفعت رأسها اليه وهي تدندن وتتمتم بعض الأنغام كانها شاءت أن توحي له بأنها صامدة كالصخر بوجه الأعاصير، لا شيء في العالم قادر على زحزحة شعرة واحدة من شعرها ، ثم ردت تقول:
" ملابسي ، من فضلك ، أعطني إياها !".
فأجابها:
" هل تريدينها حقا ! أأنت متاكدة ! أكاد لا أصدق ! ".
وهو يجول بنظره عليها ، من قمة رأسها الى قدميها ، ويقلب شفتيه ويزمهما تارة ، ويهز رأسه ، ويشير بيديه تارة أخرى ، كمن يجد نفسه فجأة أمام مشهد لا يعجبه ، فيما حاولت هي أن تستر جسمها بستار من الأوهام ، وردت قائلة :
" تأملني جيدا ! تامل ما طاب لك التأمل ، إنك أتخمتني بتصرفاتك الصبيانية ، هيا ، أعطني ملابسي وكفى".
لم يرد ، وراح يحدق فيها بنظراته الباردة ، بينما كانت هي تتجنب التطلع اليه ، وأطرقت رأسها لتتلهى بالعشب النابت حولها ، خافت أن تتطلع اليه ، أو أن تحدق في عينيه ، تهربا من الإيحاءات الجامحة التي كانت تشع منهما ، ومن العواقب الوخيمة المتوقعة ، إن هي فعلت ، ثم إلتفت اليها وقال:
" لماذا قطعت رحلتك وعدت الى الشاطىء ؟ كنت أظنك ذاهبة للعيش والبقاء في مغارة التنين الى ان تموتي من شدة البرد ، ما الذي غيّر رأيك؟".
" كيف عرفت؟ يا ليتني بقيت هناك ، لكان ذلك أجدى وأنفع ، لك ولي".
" هاك ثوبك ! إلبسيه لئلا تصابي بمرض ما وتقولي بأنني السبب ".
وألقى بالثوب اليها ، ما أن إرتدته حتى قالت له بحدة وعصبية ظاهرة:
" حان الوقت لكي نواجه الحقيقة ، يا لويد ، انا أعلم جيدا بأنك لن تعترف بأن لي اية حقوق زوجية ، وأنت ربما تعرف الآن سبب مجيئي الى هنا ، جئت بدافع إقناعك بالموافقة عل الطلاق وما زلت متمسكة بهذا المطلب".
" قبل الإجابة على سؤالك، إسمحي لي بعرض وجهة نظري حيال الموضوع أولا".
" كلا ، لا ، لن أسمح لك بذلك ، لا استطيع سماع ذلك ، لويد ، ارجوك يا لويد ان ترأف بي وتطوي هذا الموضوع".
" أجل سوف أسمح لك بالرحيل ولكن في الوقت الذي أراه أنا مناسبا ، وعلى أساس شروطي أنا".
صمت لحظة يفكر ، ثم سألها قائلا:
" على أي اساس تطالبينني بالموافقة على الطلاق؟ ألأنك تلك لفتاة المدللة ، وحبيبة أمها ، التي تتصور بأن العالم ملك يديها ، وما عليها إلا أن تطلب فتعطى ؟ ام ماذا؟".
" ارجوك يا لويد ألا تزيد الأمور تعقيدا ، وتفقد بالتالي كل شيء بعد فوات الأوان".
فهز رأسه ورد عليها ساخرا:
" أنا شخصيا لم أعد أملك شيئا يستحق الأسف".
" حتى ولا ذلك الأذى الذي سيصيب الفتاة التي اتوي الزواج منها؟ الم تلاحظ كيف تنظر الي؟ اجل ، إنها تكرهني وتكره سماع إسمي ، ارجوك أن تفكر بما سيؤول اليه مصيرها حالما تلاحظ بأن تغييرا ما طرأ على علاقتنا ، انا متأكدة بأنك ترفض حدوث شيء من هذا القبيل ، اليس كذلك؟".
" نعم ولا، أما المسؤولية فانا لها ، أنا مستعد لتحمل مسؤولية أي شيء ، مهما كان".

نيو فراولة 11-02-12 05:15 PM

" ما يقال ويشاع عن انانيتك وغرورك صحيح إذن ، والدليل على ذلك إستمرارك في تصرفاتك الوقحة والقاسية نحوي ، لا هي تغيرت ولا انت ، ألا ترى نفسك كيف أنك تتصرف كالجلاد!".
" كانت تعجبك تصرفاتي في الماضي ، فما الذي غيّرك ! حسبي وحسبك أن الثلج ذاب وظهر كل واحد منا على حقيقته".
هنا إهتاجت دافينا وإغتاظت ، وراحت تصرخ بوجهه ، وتلوح بهذه اليد وتلك مهددة ومتوعدة ثم هاجمعته وصفعته عل خده الأيمن ، فادار لها الأيسر ، فحاولت صفعه ثانية ، لكنه صدها عنه ، وقبض بيده على يدها لمنعها من المحاولة مرة أخرى ، غير أنها أعادت المحاولة فصدها عنه وكان صده عنيفا هذه المرة ، إذ إختل توازنها وكادت تقع ارضا لو لم يمسكها قبل فوات الأوان ، وهو يحذرها من مغبة اللعب بالنار.
ثم أفلت يدها وتركها تسبقه في المشي امامه على الطريق وتبعها هو لغاية أن وصلا الى طرف الشارع العام ، حيث إستوقفها وقال :
" والان ، إذهبي الى الفندق وحدك ، وانا سالحق بك بعد قليل ، إياك أن تختبئي لأنني اعرف جميع الزوايا والخفايا".
وهكذا سلكت دافينا طريق العودة بدون ان تتجرأ على الإلتفات الى الوراء ولو مرة واحدة.
وبعد فترة ، وصلت الى الفندق وهي منهوكة القوى ، محطمة الأعصاب ، وتوجهت لتوها الى غرفتها في الطابق الثاني ، عبر الصالة الرئيسية ، حيث إلتقت هيو مورغان ، الذي بادرها القول بدهشة :
" يا لها من صدفة مفرحة ! إعتقدت انك رحلت".
" ما زلت هنا ! شكرا على بادرتك اللطيفة!".
" هل تعرضت لسوء ؟ هل أغضبك احد؟ أخبريني ولا تخفي عني شيئا".
سالها ذلك بعد أن سمعها تحدثه بلهجة لا تخلو من التلعثم ، ثم تابع يسألها عما فعلت بشعرها ، فأجابته:
" قصّرته ، أي إعتراض!".
" كلا ، لا أبدا ! إنما هذا قد لا يعجب لويد".
" صحيح ! أنا أعرف ذلك ، وأنت ، هل تعرف بأنني أصبحت منبوذة هنا ! حاولت الرحيل من هنا بسلام ، لكنني....".
وقاطعها ليسالها:
" لكنك..... ماذا ؟ما الخبر ! ".
" سيارتي ! سيارتي معطلة ، ولم أجد من يصلحها سوى لويد ، لكنني رفضت ، هل تقدر أنت؟".
" الحقيقة أنا لست ميكانيكيا ماهرا ، قد يكون بإمكاني مساعدتك إذا كان العطل بسيطا كما تقولين ، لحظة لأعطي السيدة باري هذه السلة وأعود".
وبالفعل عاد بعد قليل ، وخرج برفقة دافينا الى حيث كانت السيارة متوقفة ، وبادر بفحصها على الفور ، لكنه لم يوفق في معرفة العطل ، وسألها:
" هل البطارية شغالة؟".
"نعم ، أظن بأن للعطل علاقة بالمحرك ، هل فحصته جيدا ! ".
" فحصته حسب معرفتي ، ولكنني سأفحصه ثانية".
ثم رفع الغطاء وصار يتفحصه قطعة فقطعة لغاية أن توقف عند مكان معين وراح يفحصه بمنتهى الإهتمام ، ثم صرخ بأعلى صوته قائلا:
" وجدته ! عرفت العطل ، ذراع الحركة مفقود من محله ولا يمكن للمحرك أن يشتغل بدونه".
" وكيف يمكن ان يفقد!".
" أنىّ لي أن أعرف!".
قال ذلك وصمت يتأملها ثم تابع يقول:
" معك حق ، أنت شخص غير مرغوب فيه هنا ، ولكن الشخص الذي فك الذراع من مكانها لتعطيل السيارة عن الحركة لا ينوي ترحيلك من هنا ، غريب !".
" مهما يكن ، هل يمكنك أن تفعل شيئا لتشغيل السيارة ريثما أنقلها الى الكاراج".
" كلا ، يا دافينا ! آسف، هناك طريقة واحدة فقط وهي إما بإعادة تركيب الذراع القديمة في مكانها أو شراء ذراع جديدة وتركيبها ، وما عدا ذلك يكون مضيعة للوقت".
عندما عادت دافينا الى داخل الفندق ولحق بها مورغان بعد قليل ،طلبت منه ان ينقلها بسيارته الى أقرب محطة لسكك الحديد ، ولكنه إعتذر عن ذلك ، وبكل لباقة ، حرصا منه على عدم التدخل في الشؤون الزوجية ، وتصرفاته حيالها وحيال لويد خير شاهد على صحة ما يقول.
منتديات ليلاس
وعذرته دافينا وقدرت موقفه لأنه قال الحقيقة ، إنتهزتها فرصة لتسأله عما إذا تعرض لكلمة سوء من أحد بسبب خروجه معها تلك الليلة التي أمضياها معا ، وأبدت له إستعدادها لتفويت الفرصة على كل من تحدثه نفسه بالإساءة اليه ، وكان بودها أن تستفسره عن حقيقة العلاقة القائمة بين لويد والآنسة ريانون ، لكنها لم تجد الجرأة الكافية لبحث هذا الموضوع معه ، لا سيما بعد أن تصورت بأنه إعتذر عن مساعدتها ونقلها بسيارته الى محطة سكة الحديد ، كي تبقى هنا كوسيلة للإيقاع بين الانسة ريانون ولويد.
بعد لحظات دخلت السيدة باري ودعت الجميع الى الشاي ، فإعتذرت دافينا ، وعادت الى غرفتها لتجد عدة رزم كبيرة موضوعة على السرير ، فقالت محدثة نفسها : يا له من ماكر ، جاء في غيابي ثم إختفى.
ووقفت تفكر بعمل تقوم به لقطع الوقت ، فلم يخطر ببالها أي شيء ، ثم قالت لنفسها : إذهبي وخذي دوشا هذا أفضل ما يمكنك عمله ، وهكذا كان ، فتحت الخزانة وأخرجت منها بعض الثياب النظيفة ، وتأملت نفسها طويلا في المرآة كأنها أرادت ان تتأكد مما عساها تركته مضايقات لويد على جمالها من آثار مشوهة فوجدته باق على حاله من جاذبية وسحر ، ثم خرجت ودخلت الحمام.
بقيت في الحمام بعض الوقت تغتسل في مياهه الساخنة ، فإنتعشت روحها ، وهدات أعصابها قليلا بخلاف ما كانت تشعر به سابقا عندما تكون مضطربة ومنفعلة بعد الحمام .
الشيء الوحيد الذي افرح قلبها هو أنها بدت أصغر سنا بعد تقصير شعرها.

نيو فراولة 11-02-12 05:16 PM

في هذه الأثناء بدأت تسمع أصداء أحاديث نزلاء الفندق العائدين من النزهات وركوب الخيل تتردد في أجواء الحمام ، مقرونة بأصداء قهقهاتهم ووقع أقدامهم.
وهكذا لم تفاجأ دافينا ، بعد خروجها من الحمام ، وذهابها الى غرفة الطعام ، برؤية الآنسة ريانون التي بادرتها بالقول حالما رأتها وهي جالسة الى المائدة:
"ماذا جرى لشعرك ؟ ماذا فعلت به؟".
" كما ترين ، قصرته قليلا عسى ان يعجبك شكلي الآن".
" وماذا يفيدني شكلك ! الحقيقة شكلك يعجبني ، ولكن وجودك هنا لا يعجبني ، لا تقولي بأنك باقية هنا !".
" أجل ، إنني باقية ، وهذا من سوء حظي ، لأن سيارتي معطلة ".
" وماذا أصاب سيارتك ! بإستطاعة هيو أن يصلحها ، أنا مستعدة لكي أطلب منه القيام بذلك ، إذا كنت لا تعارضين".
" لا شكرا ، لا تتعبي نفسك ، حاولت ولكن محاولته ذهبت عبثا لأن هناك قطعة مفقودة".
" قطعة مفقودة ! وكيف طارت ! ما كنت أتصور بأنك ذكية الى هذا الحد".
وكانت الإشارة الأخيرة المبطنة كافية لأثارة دافينا فردت تقول لها بحدة:
" كفاك تفلسفات وسخافات ، يا آنسة ريانون ، صدقيني بأنني تواقة للرحيل هذه اللحظة".
ثم إقتربت منها وإنحنت لتهمس في أذنها قائلة:
" انت بإمكانك مساعدتي إذا كنت حقا تريدين المساعدة".
" كيف؟ ولماذا تطلبين مني المساعدة؟".
" كي أتمكن من الرحيل".
" ولكن كيف؟ وما هي هذه المساعدة؟".
"كل ما أطلبه منك هو أن تنقليني بالسيارة الى أقرب محطة لسكة الحديد".
" كلا ، لا استطيع القيام بهكذا مساعدة ، هل تظنين بأنني ساذجة الى هذا الحد : أنا أعرف قصدك ، إنك تتصورين بأن لويد سيلحق بك ، أجل ، يجب ان تفهمي بان هذه الخطة لن تنجح ولن تنجحي في سحبه من هنا".
" أنت مخطئة يا آنسة ريانون ، صدقيني بأنني راحلة من أجل سعادتكم جميعا ، ولن أبوح لأحد بسر مساعدتك لي".
" كلا ، لن اساعدك لأنني متأكدة مما تخططين له".
قالت ذلك بعصبية ظاهرة ونهضت من كرسيها لتخرج وهي تثرثر قائلة:
" من قال لك بأنني أريد مساعدتك ، كان يجدر بك أن تبقي حيث أنت في لندن".
وتركت دافينا وراءها غارقة في بحر من الحيرة والدهشة.
وبعد لحظات غادرت دافينا مكانها ، بعد أن تضايقت من الجو الحار ، وأخذت طريقها الى الصالون وهي تتلفت يمينا وشمالا مخافة أن تلتقي مع الآنسة ريانون وتتجدد المعركة ، وجدت الصالون خاليا من الناس ، والشيء الوحيد الذي أثبت لها بأن هيو مورغان كان لا يزال قابعا داخل الفندق ، هو وسيارته الواقفة في وسط الساحة الخارجية ، صحيح أنها عاتبة عليه لأنه رفض ان ينقلها الى محطة السكة ، ولكن الصحيح أيضا أنه رفض لأسباب لها ما يبررها ، وقد يكون أهمها أن تبقى هنا ، حتى إذا تصالحت هي مع لويد ، عادت الآنسة ريانون تلقائيا الى كنفه ، ومن جهة أخرى ، كانت لا تستبعد أن يكون لاعبو الشطرنج هنا قد بدأوا يستعملونها كحجر من حجارة اللعبة ، كل واحد منهم حسبما يتفق مع رغبته واهدافه.
وعلى العموم ، كانت دافينا لا تلوم أحدا على ما كانت تتعرض له من نكسات ونكبات ، بل أنها ، على العكس من ذلك كانت تعتبر نفسها مسؤولة عن كل ما كان يصيبها.
وكأني بها شعرت بتجدد عزيمتها وتصميمها على ممارسة حقوقها غير منقوصة ، أسوة بغيرها من جميع البشر ، بدون ان تسمح لأحد من الناس بمنعها من ممارسة هذه الحقوق ، وإرغامها على الإنتظار الى ما شاء الله ريثما يسمح لها بذلك ، فإنتفضت واقفة ، وأخذت طريقها الى خارج الفندق ، وتوجهت لتوها الى سيارة هيو ، وراحت تتأمل صندوقها الخلفي ، والخيمة الموضوعة فيه ، وإمكانية الإختباء تحتها ساعة تقرر الرحيل ، بدون أن تخبر احدا بالأمر ، ولا حتى هيو نفسه ، إلا بعد أن تبتعد السيارة مسافة عن الفندق.
بقيت أمامها عقبة وحيدة ، ولكن أساسية ، وهي انها لا تستطيع معرفة متى سيقرر هيو مغادرة المكان ، إذ لا يمكنها الإختباء تحت الخيمة الى ما شاء الله إلا إذا شاءت أن تعرض نفسها لمشاكل الإختناق التي كثيرا ما تؤدي الى الموت ، ولكن ، هناك وسيلة واحدة تمكنها من الهرب بعيدا عن مواجهة خطر الموت وهي أن تبقى في غرفتها حتى إذا شاهدت هيو متوجها الى سيارته أسرعت في الخروج واللحاق به.
وهكذا عادت الى غرفتها ، فوضعت ثيابها وحوائجها في حقيبتها بعد أن أخرجت منها الأوراق المتعلقة بالرحلة الأميركية المقترحة ووضعتها في خزانة ثيابه ، ثم جلست بجانب الشباك تراقب خروج هيو.
لما طال إنتظارها على غير طائل ، قامت وحملت حقيبتها ، وخرجت بها ومشت الى السيارة ، حيث وضعتها تحت الخيمة وعادت الى الفندق كأنها لم تفعل شيئا.
في هذه الأثناء كانت الإستعدادات جارية في المطبخ لتحضير وجبة العشاء ، فقررت دافينا الإنتقال من غرفتها الى المطبخ ، يقينا منها بان هيو قد إستبقي لتناول العشاء هنا ، فيسهل عليها مراقبته من هناك ، بعد أن تعرض نفسها لمساعدة عمة لويد في تحضير الطعام ، على سبيل التمويه ، وفوجئت عندما رأت لويد وهيو جالسان في الصالون المجاور لغرفة الطعام ، يتبادلان أطراف الحديث بشغف وإهتمام لدرجة أنهما لم يرياها عندما مرت من هناك لتصل الى المطبخ ، المهم أنها تأكدت الآن من أن هيو باق لتناول العشاء ، كل شيء يجري حسب الخطة المرسومة حتى الآن.

نيو فراولة 11-02-12 05:18 PM

كان هيو أول من بادر الى الحديث مع دافينا ، بينما كانت السيدة باري تصب الشاي في الفناجين ، وفكرت أنه ربما فعل ذلك كي يرفع من معنوياتها ، ويمهد بالتالي لترطيب الأجواء ، فقد اقترب منها وهو يبتسم لها ويقول:
" كفاك تفكيرا بامور الدنيا ومشاكلها!".
ثم إستدار وتابع يقول موجها كلامه للجميع:
" ما رأيكم أن نخرج بعد العشاء ونسهر في مكان ما ! ".
وصمت يفكر لحظة ثم تطلع الى لويد وقال له مداعبا :
" يجدر بك أن تهتم بأمورها أكثر من ذي قبل وتؤمن لها جميع اسباب الراحة ، وإلا هجرتك وعادت الى لندن".
خيل لدافينا ، للوهلة الأولى ، أن هيو يمهد الطريق للكشف عن المساعدة التي سبق وطلبتها منه ، لذا سبقت لويد في الرد عليه ، في محاولة لقطع الطريق أمامه ، إذا كان فعلا الإعلان عن ملابسات المساعدة التي طلبتها مه ، وقالت:
" إطمئن ، يا سيد هيو ، إطمئن ! إن شيئا من هذا القبيل لن يحدث ، فالحياة تبدلت كثيرا من حيث الإثارة والتشويق".
وتركت له تفسير ذلك عل هواه ، وتركت للويد المجال كي يستنتج بأنها تتطلع بشوق ما بعده شوق الى إقتراب موعد النوم ، ولسان حالها يقول : فليفسر ذلك حسبما يشاء ، وقريبا يكتشف فداحة غلطته.
ثم تدخلت ريانون في الحديث لتعتذر عن عدم تمكنها من الخروج اليلة ، وتلاها لويد معتذرا عن الخروج وهو يتطلع الى دافينا بطرف عينيه ، وأضاف يقول:
" بودي أن أنام باكرا إذ أنني أكاد أموت من التعب والإرهاق".
وعبثا حاول هيو إقناع الآنسة ريانون بالعدول عن رفضها والخروج الليلة ، فلم تقتنع.
في هذه الأثناء كانت دافينا غارقة في التفكير بطريقة تمكنها من الهرب ، بعيدا عن أنظار الجميع ،وبدون أن تثير الظنون حول تلك الخطة، ثم تشرب رشفة من الشاي ، تعاود بعدها التفكير في الخطة ، الى ان إنتهت ، ثم غادرت الغرفة وذهبت للجلوس في الصالون ، حيث إلتقت افراد أسرة فنتون وراحت تتفرج على اللعبة التي كانوا يلعبونها ، ثم ودّعتهم وخرجت بحجة انها ذاهبة الى النوم باكرا فابى الإبن تيم إلا أن يرافقها حتى تخرج من الباب وهو يلاطفها ، ويجاملها ، ويسألها رأيها في الشلالات والتنين ، وعما إذا كانت فعلا تعتقد بوجوده أم لا ، حتى خرجت.
لم تذهب دافينا الى غرفتها كي تنام ، كما قالت ، وإنما خرجت من الفندق وهي مصممة على الرحيل ، ما يهمها الان هو أن تتمكن من الوصول الى سيارة هيو بدون أن يراها أحد ، والصعود اليها ، والإختباء تحت الخيمة ، ريثما يحضر هيو وينطلق بها ، وقد حالفها الحظ في تنفيذ كل ذلك بمنتهى السهولة.
وما هي إلا لحظات معدودة حتى بدأت تسمع صدى أصوات وقهقهات صاخبة ، فأيقنت أن ساعة الفرج قد دنت ، بعد ان تأكدت من سماعها صوت لويد ، وتبعه وقع اقدام تقترب من السيارة ، لتسمع بعد ذلك مباشرة صوت باب السيارة يفتح ويغلق ، ثم صوت مفاتيح محرك السيارة التي بدأت لتوها تشتغل لتتحرك بعد لحظات.
شعرت دافينا بان السيارة كانت منطلقة بسرعة فائقة ، وعلى طريق وعرة المسالك ، نظرا للخضّات والهزات التي كانت تتعرض لها من جراء رجرجات السيارة ، وإرتفاعها وهبوطها على طول الطريق ، مما ارهقها وعرّضها لرضوض كثيرة في جسمها ولكنها ، كانت تشعر بالسعادة ليقينها بانها إستطاعت الهرب من هذا المكان ، الى غير رجعة ، والإفلات من القيود التي تكبلها.
وفجأة توقفت السيارة امام أحد المنازل ، أن الوقت الذي يستغرقه الوصول الى بيت هيو مورغان كان أطول من ذلك بكثير ، وتريثت بإنتظار عودة هيو ، الذي ترجل ودخل ذلك المكان ، لكنها إنتظرت وإنتظرت حتى عيل صبرها من الإنتظار ، عندها قررت الترجل من السيارة والدخول الى البيت للإستعلام عن سبب تاخر هيو.
مان أن دخلت البوابة الرئيسية المؤدية الى البيت حتى بدأ الخوف يتسرب الى نفسها ، خافت لأن الحركة كانت معدومة داخل البيت ، برغم الأنوار الساطعة التي حولت ليله الى نهار ، وتابعت سيرها ، ولكن بمنتهى التيقظ والحذر ، حتى أصبحت في الداخل ، من غير أن تقابل أحدا بعد ، وفوجئت بعد لحظات بمن يربت بيده على كتفها من الخلف ، فإستدارت لتجد نفسها وجها لوجه امام لويد ، وهو يتأملها ويبتسم لها إبتسامة باهتة غاية في السخرية ويقول:
" ما لي أراك وحيدة يا عزيزتي ! ".
ثم أغلق الباب ، وتركها جامدة في مكانها ، وواجمة مما حدث ، لا يمكن ان تصدق حقيقية ما كان يجري امامها.

نيو فراولة 12-02-12 02:48 PM

6- رورد من الماضي

أيقنت دافينا الان ، وهي واقفة أمام لويد ، أنها وقعت في المصيدة ، أما بسبب خطا في حساباتها ، أو بسبب تواطؤ احد الذين اخبرتهم عن خطة هربها من المنطقة ، مع لويد ، وما عليها سوى ان تواجه الحقيقة كما هي ، ولم يكن وجودها في هذا المنزل الغريب ، ووجود لويد أمامها كالجدار المسدود سوى وجها واحدا من أوجه تلك الحقيقة التي عليها أن تواجهها ، هذا إذا كانت فعلا تنوي التوصل الى حلول جذرية وثابتة لجميع المشاكل التي تتخبط فيها.
هذا وبعد أن أحكم الطوق حولها ، بادرها قائلا:
" حذرتك من مغبة اللعب بالنار، فلم تصدقي ، ولم تاخذي تحذيري بجدية كافية ، ألم أقل لك بأن النهاية ستكون مفجعة لك بقدر ما ستكون مفرحة لي ! ما قولك؟".
" أين هو مورغان؟".
طرحت عليه هذا السؤال كأنها شاءت ان تخفف عن نفسها حدة ما إعتراها من إنفعال مقرون بالحرج ، وجاراها لويد في حديثها فرد على سؤالها قائلا:
" بقي في الفندق لمواساة الآنسة ريانون ".
" يا لك من إنسان عديم الشفقة والرحمة ! إنني أشفق على تلك الفتاة المسكينة ".
" ربما كان هذا ، وحسبها أن تجد هي والى جانبها كلما واجهها حدث من العيار الذي تتصورينه ، ويا حبذا لو يؤدي وجودهما معا اليوم الى إحداث منعطف حاسم في حياتهما !".
" إنك تتحدث وكأن أمرها لا يعنيك إطلاقا".
فهز كتفيه إستخفافا وقلب شفتيه إمعانا في إظهار إستخفافه بما قالته ، ورد قائلا:
" أمرها يعنيني .... يعنيني أنا ! إنك مخطئة في ما تذهبين اليه ، يا دافينا ، انا لست ذلك البطل الذي تتصوره ريانون ، اعتقد بأن هيو قادر على أن يلعب هذا الدور في حياتها".
" لكن أنت تنوي الزواج منها ، أليس كذلك؟".
هز رأسه بالنفي وقال :
" كلا ، كلا ، يا دافينا ، كيف أتزوجها وأنا متزوج ! هذه الحقيقة راسخة في ضميري ، لا يمكن ان يزعزعها شيء حتى وإن تزعزعت جذورها في ضميرك أنت !".
تاملته دافينا طويلا قبل ان تعلق على كلامه وتقول بصوت هامس مشوب بالترجرج:
" لست أفهم كيف تجرؤ على التفوه بمثل هذا الكلام....".
وقاطعها ليقول:
" أجل ، ما قلت إلا الحقيقة ولا شيء سوى الحقيقة ، هل نسيت ما وضّحته لك قبل ايام قليلة مضت من أنني لن أوافق على الطلاق بسهولة ، قلت لك الحقيقة يومذاك لأنني بحاجة اليك وعقدت النية على الإحتفاظ بك هذه المرة".
" حتى وإن كان ذلك برغم إرادتي!".
فتأملها وهو يبتسم ويقول:
" سأعطيك الجواب غدا في الصباح".
منتديات ليلاس
قال ذلك وإقترب منها ، وهو يحدق فيها بنظرات يشع منها بريق غريب لم تعهده من قبل ، فحاولت الإبتعاد عنه لمنعه من إشراك يديه في اللعبة ، وإحتدم الصراع بينهما لفترة ، بدون ان يتمكن منها بصورة حاسمة ، وبدون أن تتمكن من الإفلات من بين يديه بصورة نهائية ، حتى اعياهما التعب ، فإتفقا على مناقشة مشاكلهما بالطرق السلمية .
وهكذا جلسا في زاوية من زوايا الغرفة تمهيدا لمناقشة الأمور القائمة بينهما.
دار الحديث على النحو التالي:
سالت هدافينا:
" من هو صاحب هذا البيت؟".
أجابها لويد:
" ليس هيو.... هذا أكيد".
" أجل ! وكيف عرفت أنني كنت مختبئة في صندوق السيارة؟".
" بحدسي ، حدسي أنبأني ، مع قليل من الذكاء والنتيجة التي إستنتجتها من تحليل الدافع التي كانت تدفعك لطلب المساعدة من هيو ، وعلى أثر ذلك أتفقنا انا وهيو على تبادل سيارتينا ، وقد نجحت الخطة كما ترين".
" آه ، كم أنت محظوظ!".
" لكن لا تنسي بانك نجحت في تنفيذ تهديدك بعدم تمديد إقامتك في الفندق ولو ليوم واحد.......".
قال ذلك وإستأذنها للذهاب الى المطبخ لتحضير القهوة ، وكان غيابه فرصة أتاحت لها المجال للقيام بجولة خاطفة حول المنزل ، إستنتجت بعدها ان لويد هو صاحب هذا البيت ، بدليل أن محتوياته كانت متطابقة مع أوصاف المعمل الذي ينوي تأهيله لإنتاج خيطان الصوف والأقمشة وغيرها ، ودهشت عندما شاهدت النار متأججة في المدفأة ، فإستوحت من الرماد الموجود في الزوايا بأن المدفأة أشعلت قبل عدة ساعات من وصولهما الى البيت ، مما أكد لها بان لويد كان يعد العدة خلال ذلك اليوم بالتعاون مع هيو ، للإيقاع بها.
عاد لويد بعد قليل ، حاملا صينية القهوة بين يديه ، وقدم لها فنجانا ، وأخذ لنفسه فنجانا ، ثم جلس الى جانبها يتبادل وإياها نظرات صاكتة ، الى أن قطعت دافينا صمتها بسؤاله:
" الى اين وصلت بتفكيرك؟".
" سؤال جميل ! ماذا تقصدين؟".
" سالتك مثل هذا السؤال لأنني شاهدتك تفكر بجدية وعمق كمن يبحث عن شيء مفقود أو عن دليل لأثبات حقيقة متنازع عليها".
" الزوج ليس بحاجة للبحث عن إثباتات تدين زوجته طالما بقيت الثقة بينهما قائمة وراسخة".
" تبدو لي وكأنك تتحدث عن الماضي !".
" كلا ، يا دافينا ، لست في وارد الحديث عن الماضي".
" هكذا أوحى لي حديثك ! ".
" مشكلتك أنك دائمة التشكيك في كل ما ترينه يجري حولك ، أجل ، من حقك أن تسألي وأن تسيئي الظن ، لكنك لا تسألين في الوقت المناسب".
" بل كنت أسألك في الوقت المناسب ، بينما كنت أنت ، نعم أنت كنت تتهرب من الإجابة".

نيو فراولة 12-02-12 02:50 PM

" مهلا يا حبيبة قلبي الأنانية ، مهلا ! ما بالك تنفضين عن نفسك غبار كافة المساوىء والمتاعب وتلقين به على كاهلي ! هل نسيت تصرفاتك الوقحة نحوي بعد ما نجحت والدتك في إقناعك بأنني لست ذلك النجم المتألق الذي كنت تحلمين به ! نسيت ، هه! تبا لك ! يا لك من ماكرة وناكرة للجميل ! والأدهى من كل ذلك هو أنك تتصرفين معي على أساس كونك إمرأة ذات ميزة وقيمة ، يحق لك ما لا يحق لغيرك".
هنا تضايقت دافينا وغضبت ، فصارت تتصرف على غير هدى ، فنهضت من كرسيها وهي ترتعش وتنتفض من فرط ما يتفاعل في باطنها من هواجس ومخاوف ، ثم إلتفتت اليه وحدقت في عينيه والشر يقدح من عينيها وخاطبته بحدة وعصبية تقول:
" كيف تجرؤ على إتهامي بمثل هذا ، يا وقح ، يا ماكر ، يا لعين ، يا...........".
وقاطعها ليقول لها ببرودة أعصاب:
" بل وأجرؤ على عمل ما هو أدهى وافظع كما سأثبت لك بعد قليل".
قال ذلك وضرب الطاولة الصغيرة امامه بقدمه فإنقلبت ، ثم راح يقترب نحوها ليمسكها وهي تبتعد عنه وملامح الخوف ظاهرة بوضوح على وجهها ومن خلال يديها المرتجفتين ، وظل يطاردها وهي تهرب أمامه ، وتستغيث كي يرحمها ، ويعف عنها ، بدون جدوى ، إذ أصرّ على تلقينها درسا لا تنساه في قواعد السلوك والطاعة الزوجية ، وهي تتملص منه برشاقة وخفة كأنما جميع طاقاتها الدفينة إستيقظت لمساعدتها في هذه المعركة التي لم تكن في الحسبان ، حتى إنتهى بها المطاف الى الوقوع ارضا على أثر إصطدامها بالكرسي.
عندها ، توقف لويد عن مطاردتها ، ووقف يتأملها وهو يضحك بسخرية ويقول:
" هذه هي عاقبة الكبرياء والأنانية والتهرب من المسؤولية ، خاصة مسؤولية الأمومة ، على فكرة ، أنت مدينة لي بولد.... هل نسيت أن لي بذمتك طفل ! لا تخافي ، لن أطالبك به ، ولكن تذكري بأنني سوف أكبلك بالسلاسل لمدة ستة أشهر ، المرة القادمة ، لضمان بقائه على قيد الحياة وأعذر من أنذر!".
هنا بدأت تبكي وتدافع عن نفسها لرد التهمة وتقول:
" تهمة سخيفة من رجل سخيف ، لا تقدم ولا تؤخر ، آه ، لو كنت فقط تعرف حقيقة المحاولات اليائسة التي قمت بها لإنقاذ حياته والآلام التي تحملتها بسبب فقدانه لكنت ركعت أمامي وطلبت مني الغفران".
" أجل ، سمعت وعرفت ، ولولا ذلك لكنت قطعت جولتي وعدت من حيث أتيت وقضيت عليك".
وبدأت دافينا تشعر بالإنهيار ، لم يعد بوسعها ان تتحمل سماع أكثر مما سمعته حتى الآن من إتهامات ، والإتهامات المضادة ، والمضايقات ، والأحزان ، وإزداد شعورها بالإنهيار عندما أصبحت لا تفهم جيدا ما كان يدور حولها ، مع ما رافق ذلك من وجع رأس ،ودوخة ، ال أن إختل توازنها ووقعت أرضا بالقرب من كرسي لويد ، وهي غائبة عن الوعي.
عندما إستيقظت دافينا بعد ان إستعادت وعيها وعافيتها دهشت من وجودها في غرفة تراها لأول مرة ، غرفة غريبة عنها ، بكل اشيائها ومحتوياتها ، وأكثر ما أدهشها هو أنها سمعت اصداء اصوات تتردد في جو الغرفة ألفت سماعها في وقت من الأوقات ، إذ لمتكن هذه سوى أصداء حروف الآلة الكاتبة آتية الى جو الغرفة من مكان مجاور ، عند ذاك إطمانت بأنها موجودة في منزل لويد.
إلا أن إطمئنانها النفسي بدأ يخالطه القلق من أن يأتي السيد لويد للنوم في الغرفة ذاتها ، بعد أن ينتهي من عمله ويحاول مداعبتها بهدف إرغامها على البقاء هنا لغاية أن تلك له ولدا تكتب له الحياة.
هذا وبرغم ما عبر عنه لويد من مشاعر الأسى والحنان عن فقدان طفله ، من خلال إتهام دافينا بمسؤولية فقدانه ، بغض النظر عن التعابير القاسية التي إستعملها ، يبدو أنها ما زالت مصممة على الرحيل.
وتجدر الإشارة الى أن حظها من النجاح في المحاولة الجديدة لم يكن أفضل منه في محاولاتها السابقة ، ويعود سبب ذلك الى سوء التقدير ، وعدم التخطيط المسبق والمبني على الحقائق والوقائع ، التصميم وحده لا يكفي لتحقيق النجاح ، وبدون أن تتوفر له عدة عوامل مواتية ، تسانده وتضمن له سلامة التنفيذ في مختلف الظروف والأحوال.
إنطلاقا من هذا الواقع ، لا الجزم ، أو بالأحرى الإدعاء ، ان سوء حظ دافينا هو السبب الوحيد لما آلت اليه محاولاتها السابقة من فشل ذريع ، وها هي الآن تقع في الخطا ذاته ، إذ إعتقدت بأن إنشغال لويد عنها بعمله في الخارج كان كافيا لها لتحاول الهرب بنجاح.
ما ان تأكدت من إستمرار لويد في عمله حتى خرجت من الغرفة ، وراحت تمشي على رؤوس أصابعها بمحاذاة الحائط ، تارة مواربة وطورا منحنية الظهر ، لغاية أن وصلت بسلام الى طرف السلم ، بدون ان يلاحظ لويد ذلك ، ولكن يبدو أن سوء الحظ يأبى أن يفارقها ، إذ إنزلقت رجلاها فتدحرجت على السلم وسقطت أرضا ، محدثة بذلك جلبة قوية ، هرغ على أثرها لويد الى مكان الحادث ، ليصاب بصدمة من هول ما رأى ،وهو لا يصدق عينيه ،ثم إنحنى ورفعها عن الأرض وقال لها:
" ماذا كنت تفعلين هنا ، أيتها الحمقاء ؟ هل كنت هاربة ! هل تشعرين بالم؟".
" كلا ، إنني بخير".
" هذا غير معقول ، مدي ذراعيك وحركيهما صعودا ونزولا لأرى ما إذا أصابهما سوء".
" لا لزوم لذلك ، قلت لك أنني بخير".

نيو فراولة 12-02-12 02:51 PM

رفضت أن تدعه يفحص جسمها للتأكد من سلامته ، كانت ذكريات المناقشة الحادة التي جرت بينهما لا تزال حية في ذهنها ، ومع ذلك رفض لويد أن يتركها واقفة وحدها قبل التأكد من سلامتها ، وبعد دقيقة صمت ، سألها بنبرة حادة:
" حركي اصابعك! ". فاذعنت له وقالت:
" هه! حرّكتها".
" هل تشعرين باي وجع".
" وجع بسيط ، نعم ، لا يهم".
"مدي ذراعك لأرى".
فكرت بأن ترفض ، لكن شعورها بالألم ارغمها على إطاعة أمره ، فبسطت ذراعها أمامه بطريقة توحي بأنها فعلت ذلك برغم إرادتها.
وبالرغم من صرخة الألم التي أطلقتها حالما تحسس بيده موقع الرضة ، ظلت متشبثة برأيها من أنها بخير ،وترفض ابكبرياء أن يساعدها بوضع حذائها في قدميها ، إلا أن لويد لم يقتنع بأقوالها ، إذ كيف يقتنع بعد أن سمعها تصرخ من الألم عندما جس بيده موقع الرضة ، الشيء الوحيد الذي إقتنع به هو ضرورة نقلها الى المستشفى لمعاينتها وتصوير ذراعها بواسطة الأشعة ، وهنا حاولت ان تقنعه بأنها تفضل ان ينقلها الى الفندق وهي توهمه بأن العمة باري قادرة على إسعافها ومعالجة ذراعها بطريقة أفضل وأنجع من الطرق المتبعة في المستشفيات لمعالجة هكذا حالات ، ولكنها عبثا حاولت ، إذ تجاهل أقوالها وحملها بين ذراعيه الى السيارة ، وأجلسها الى جانبه ، ثم إنطلق بالسيارة الى المستشفى.
لم يكن في قسم الطوارىء ساعة دخول دافينا ولويد سوى الطبيب المناوب ، وقد نهض لتوه من مقعده ، وكشف عن إصابتها ، فهز رأسه تأثرا ، ثم طلب منها أن توافيه الى غرفة الفحص حيث باشر على الفور بفحص أصابعها ، واحدا واحدا ، غير آبه لصرختها كلما مط بيده أصبعا من أصابعها ، أو حركه في جميع الإتجاهات ، حتى إنتهى من فحصها وتطلع الى لويد من طرف خفي وكأنه شاء أن يعبر له وحده عن أسفه لصابتها وهو يقول:
" لا تخافي ، لا يوجد سوى عظمة واحدة مكسورة ، ويحتمل أن تكون عظمة أخرى مشعورة ، في أي حال ، يجب أن آخذ لك صورة على الأشعة".
وبعد برهة قصيرة خرجت من الغرفة لتجد لويد وآثار الحزن بادية على وجهه بوضوح لا يقبل الشك ، كان ينتظرها ليناولها فنجانا من الشاي ويقول:
" إشربي الشاي قبل ان يبد ويفقد مفعوله ، لقد علمتني الخبرة بأن الشاي الساخن والمشبع بالسكر مفيد جدا للصدمات ، هيا اسرعي ، يا دافينا لئلا يبرد".
إبتسمت له ، برغم الألم الذي كانت تقاسي منه ، وجلست بجانبه على المقعد ، تحتسي الشاي وهي مسرورة جدا من وجوده الى جانبها ، ولكن هذا السرور المفاجىء غاب عن ثغرها بعد أن أبلغها الطبيب نتيجة الصورة بوجود عظمتين مكسورتين ، وليس عظمة واحدة كما سبق وأكد لها قبل التصوير ، ولم يكن أمامها سوى أن تتقبل هذا الخبر السيء برحابة صدرها المعهودة ، ولسان حالها يقول : أنا الغريق وما خوفي من البلل.
والألم الذي كان ينتظرها بعد قليل كان اشد إيلاما في النفس من الم الصدمة ذاتها ، إذ لم يمض وقت طويل على تظهير الصورة حتى أخضعت لعملية تلبيس رسغها ، ومفصل إبهامها بالجص، كانت عملية وضع الجص شاقة نظرا لحساسية الموقعين الواجب تلبيسهما به ، وكلّفت دافينا المزيد من الآلام والدموع.
بعد حوالي ربع ساعة عادت الى السيارة وصعدت اليها بمساعدة لويد ، الذي كان له الفضل الأكبر في رفع معنوياتها ن وإنعاش روحها الحزينة بما راح يقصه عليها من نوادر مسلية ومضحكة ، كانت كلها تدور حول ذكرياته الماضية وما تخللها من حوادث طريفة ومؤثرة ، في آن واحد ، خلال دراسته الجامعية ، ودهشت عندما كان يحدثها عن تجاربه وممارساته الرياضية آنذاك والمنافسات الحادة التي كانت تدور بين اللاعبين وما يتخللها من مناوشات وخصومات عابرة ، ليسمعها تنصحه بضرورة تناسي الماضي ، واهمية التطلع الى المستقبل ، وأخذ العبر من الماضي لمعايشة الحاضر ، وبناء المستقبل ، وهكذا عادت وقفزت صور الماضي الى خاطرها والذكريات ، فندمت على ما فاتهما من فرص سعيدة ومفيدة لبناء مستقبلهما وتثبيته على أساس نبذ السيئات وإعتماد الحسنات وتطويرها نحوالأفضل.
منتديات ليلاس
وفي غمرة هذا الشعور الذي راودها لنبذ الماضي البغيض ، إلتفتت الى لويد لتشعر بالدهشة من رؤيته على نحو من العبوس وهو ضاغطا بكلتا يديه على المقود ، يتطلع أمامه بعينين جاحظتين فتصورته يفكر بحل اللغز الذي يكتنف عملية إجهاض الجنين ، برغم محاولاتها اليائسة لأقناعه بأن الإجهاض كان مقدرا له ان يحدث ، وإحتارت لمعرفة الأسباب التي تجعله يعتقد ،بل يصر على الإعتقاد بأنها أجهضت نفسها عن سابق تصور وتصميم ، ويرفض تصديق روايتها الصادقة عن الحادث ، لم تتذكر شيئا ييبرر له إعتقاده بأنها تعمدت إجهاض نفسها ، سوى أن تكون والدتها قد سربت له مثل هذا الخبر بهدف دفعهما دفعا الى الطلاق ، بعد أن بائت جميع المحاولات التي بذلتها في سبيل إفشال زواجهما ، وتساءلت :هل يعقل ان تقدم والدتي على عمل خسيس كهذا؟
وفي سياق التساؤلات التي بدات تراودها حول الدور الذي يجوز أن تكون والدتها قد لعبته في تكوين التهمة الموجهة اليها بالإجهاض عمدا ، توصلت الى الإقتناع ، أو ما يشبه الإقتناع ، بأن والدتها لعبت الدور الأكبر في هذا السبيل ، بعد ان توصلت الى معرفة السر الذي يكتنفه الغموض لحل هذا اللغز ، والذي يكمن في الحديث جرى بين والدتها ولويد عندما طلبت منها أن تتصل به هاتفيا وتقول له بلسانها كي يقطع جولته ويعود الى لندن لتقرير ما يجب عمله قبل إجراء عملية الإجهاض.

نيو فراولة 12-02-12 02:52 PM

لا حاجة الى القول بان دافينا كانت تجهل الدوافع التي تهيب بوالدتها لفعل أي شيء يؤدي الى طلاقهما ، أو مدى المحبة العميقة التي تكنها لها ، أو مدى الحقد الذي تكنه للويد ، كما كانت تعرف تماما مدى الأنانية التي تتفاعل في نفس والدتها ، لدرجة أنها كانت لا تتورع عن إلحاق الأذى بأوفى صديقاتها وأصدقائها لأتفه الأسباب ، والشواهد على ذلك أكثر من أن تعد وتحصى ، فماذا يمنع والدتها من إلحاق الأذى بلويد ، ذلك الأذى الذي تراه ، بدافع سخافتها وانانيتها ، سيعد بالخير على إبنتها ، لا شك في أن والدتها تعتبر طلاقها نعمة وإنقاذا لكرامتها ومستقبلها ، وكانت دافينا ترفض هذه المعادلة في تعاملها مع الناس ، وتعتبرها غير قابلة للحياة ، ومجرد الرحمة والعدالة والوفاء.
لم تستيقظ دافينا من ذهولها وخواطرها إلا عندما شعرت بتوقف السيارة ، وقفز لويد من مقعده الى الأرض ، بدون أن يلتفت اليها كأنه في سباق مع الزمن ، ودخل الى المنزل ، حيث قابل السيدة إيفانس واقنعها بتخصيص غرفة لهما لقضاء الليل فيها ، ثم خرج ليعود بعد لحظات ويدخل برفقة دافينا وهو يحمل حقيبة الثياب بيد ويطوق خصرها باليد الأخرى ، فيما كانت صاحبة المنزل واقفة في الردهة ، وهي تتأملها بنظرات مفعمة بالشفقة والرأفة والتأثير ، لإستقبالهما ومرافقتهما الى باب الغرفة التي شاءت ان تضعها تحت تصرفهما للمبيت فيها تلك الليلة.
منتديات ليلاس
ما قامت به ربة المنزل اتجاه دافينا من خدمات إنسانية ، وما بدر من لويد نحوها من مشاعر نبيلة ، وإندفاع عفوي لعمل أي شيء تطلبه أو تحتاجه في سبيل توفير جميع اسباب الراحة والهدوء والإطمئنان لها ، أعاد اليها تدريجيا ثقتها بنفسها التي وصلت الى حد الإنهيار خلال اليومين الماضيين ، وشعورها بالسعادة التي كانت لا تزال تبحث عنها منذ أن إفتقدتها بعد زواجها بفترة قصيرة جدا ، كانت السيدة إيفانس في شبه حركة دائمة ، وهي تتنقل بين غرفتهما والمطبخ ، تارة حاملة الشاي ، وتارة المرطبات ، لتذهب وتعود مرة أخرى حاملة لها الماء الساخنة موضوعة في كيس من المطاطا كي تستعمله لمقاومة البرد ، في حين كان لويد يجلس بجانبها يسليها بنوادره المضحكة ، ويساعدها في نزع ملابسها ، وهو يتأملها بنظرات بريئة ، صادقة ، حالمة ، متعطشة ، ذكّرتها وهي تبادله نظرات مماثلة بأن الحقيقة لا يمكن أن تتغير ، مهما قست الظروف ، وكيفما تبدلت وتغيرت المواقف والتصرفات.
وعندما إستيقظت دافينا في الصباح ، شعرت كأنها خلقت من جديد ، وكأن الليلة الماضية هي الإنطلاقة الحقيقية لبداية الحياة الزوجية التي طالما حلمت بها ، إذ حصلت خلالها على كنزها المفقود الذي كان يخبئه بين ضلوعه ويرفض ، برغم محاولاتها اليائسة ، وتضحياتها الجسيمة ، وتحمل شتى الوان القهر والعذاب لدرجة تفوق قدرتها على الإحتمال ، يرفض مجرد التلميح لها بما يطمئنها الى وجود كنزها المفقود عنده ، وجدت ضالتها المنشودة، هذه الليلة فسبقته الى النهوض من النوم للتمتع بشمس الصباح الدافئة ، والهواء المنعش ، ومناظر الطبيعة لساحرة ، الماضي مضى الى غير رجعة ،ولم يبقى في خاطرها من ذكريات عنه سو ما كان يمثله لويد من آمال عارمة تجسد كل احلامها الماضية وطموحاتها المستقبلية ، وقفت تتأمل الطبيعة كأنها كانت تحلم ، أو كأنها تستعيد في اليقظة ما كانت تتصوره أضغاث أحلام راودتها الليلة الماضية وهي لا تصدق كيف أن ليلة واحدة من الود المتبادل ، والثقة المتبادلة ، والعواطف المتبادلة ، أزالت رواسب مئات الليالي التي حفلت بشتى المآسي والأحزان ، وأعادت اليها كنزها المفقود ، إكتشفته مرة عندما سمعته يردد بسره ويقول تكرارا : تعالي يا دافينا ، تعالي وضميني الى صدرك وإطبعي بثغرك الباسم قبلة دافئة على جبيني فيطمئن قلبي الى حبك ..... إنني أحبك ولا أحب احدا سواك ، وهي لا تصدق ، إلا بعد ان سمعته يردد القول نفسه وهو في اليقظة ، بعد أن عادت الى الداخل ، إذ دعاها وهو لا يكاد يتمالك نفسه من شدة الفرح الذي كان يغمره ، دعاها للجلوس على حافة سريره ، وراح يحدثها عن رحلة شهر العسل التي سيقومان بها فور وصولهما الى فندق بلاس غوين ليأخذا ما يحتاجان اليه من ثياب واغراض خلال جولتهما ، كل ذلك ، بدون أن يتطرق الى خلافاتهما الماضية أو الى موضوع الطلاق ، لا من قريب أو بعيد.
غير أن هذه الفرحة العارمة لم يكتب لها أن تدوم لأكثر من الخمس دقائق التي ذهب لويد خلالها للإتصال بعمته في فندق بلاس غوين ، وعاد بعدها تطفح على وجهه مظاهر العبوس والتجهم بعد أن أخبرته عمته عن وجود والدة دافينا في الفندق تنتظر رجوع إبنتها كي تعود معها الى لندن ، عاد وعلى وجهه بشائر لا توحي كثيرا بالإرتياح ،، وجعلت دافينا تتساءل بحسرة ، ترى ، ماذا حدث لتخطف منه ثمرة تلك الفرحة التي أيعنت ونضجت وقطفت ، وعطرت رائحتها الزكية نفسيهما بعطر جميل خالته سيبقى عالقا بهما الى ما لا نهاية.
ولكن عجبها زال بعد ان أخبرها وهو يتطلع اليها بطرف عينيه ، قائلا:
" إنتهت رحلة شهر العسل قبل أن تبدأ.....( وصمت قليلا وهو يتأملها ويهز برأسه ، ثم تابع يقول ) هناك من ينتظرك في بلاس غوين ، يا لها من زيارة مفاجئة ، هيا بنا ! ".
وقفت أمامه مدهوشة وقد غمرتها الحيرة فعقدت لسانها واعجزته عن الكلام بطريقتها السلسلة المعروفة إذ صارت تلفظ الكلمات مستقطعة ومتباعدة مقرونة بإشارات من يديها المرتعشتين لتعبر عن الحيرة التي تعجز الكلمات عن الإيحاء بها وتقول:
" لا أنتظر زيارة أحد.... صدقني يا لويد ، لا أريد رؤية أحد....".
" هل أنت متأكدة!.
" تماما ، أنا متاكدة كل التأكيد !".
" تبا لوالدتك إذن ، إنها بإنتظارك في الفندق... أظنها تحاول طعنك في الظهر للمرة الثانية".
وصمت يتأملها وقد أغمض عينيه نصف إغماضة ، ثم تابع يقول بحدة وهو يهز بأصبعه:
" إياك أن تنكري تورطك في تدبير خطة هذه الزيارة بالإتفاق مع والدتك قبل مجيئك الى هنا ، أجل ، يا دافينا ، لا يسعني إلا أن أهنئك على نجاحك الباهر في موضوع الخداع وفي عالم التمثيل ، تبقى كلمة اخيرة لا بد منها وهي نصيحتي لك بألا تذهبي بعيدا في توقعاتك والآمال التي راودتك بفضل الإنجازات الرائعة التي حققناها معا ليلة أمس ".
قال ذلك ثم إستدار ومضى يسرع الخطى بعيدا عنها حتى توارى عن أنظارها وهي واقفة على مطلع السلم ، جامجة ، صامتة ، محطمة ، تصغي بصمت لتأوهاتها الهامسة.

نيو فراولة 12-02-12 02:55 PM

7- حب الى الأبد

كانت العودة الى فندق بلاس غوين أشبه بحلم مروع ، إذ تقررت فجاة ، ونشطا لتنفيذها على الأثر لدرجة جعلتهما يرفضان دعوة السيدة إيفانس لتناول طعام الفطور معها بحجة أن الوقت كان ضيقا للغاية ولا يسمح لهما بهدر لحظة واحدة خارج نطاق الإستعداد لرحلة العودة ، والبدء بها على الفور ، وعبرت دافينا عن إمتنانها للسيد لويد على صموده الرائع بوجه إلحاحات السيدة إيفانس المتكررة لمشاركتها في وجبة الصباح ، والذي أنقذها من مازق حرج جدا كان لا مفر لها من الوقوع فيه ، لو جلست الى المائدة لتأكل وهي عاجزة عن الأكل بسب ذراعها المكسورة.
غير أن التطور المفاجىء للاحداث كان يقلقها ، وكان ينذر بتحول اسرع مما كانت تتصوره من ذروة السعادة الى هوة اليأس والكآبة ، ويشعرها بأن حياتها مقبلة على حالة من الإستنزاف ، تفوق قدرتها على الإحتمال ، ذلك ما بدأ يخالجها وهي جالسة بجانب لويد في السيارة ، تتطلع الى المناظر الطبيعية حينا وغلى لويد حينا آخر.
وبعد لحظات بدأت تناشد لويد أن يصدقها بأن خبر قدوم والدتها الى المنطقة صدمها ، فلم تنجح ، إذ انه رفض رفضا قاطعا تصديق الدوافع البريئة التي أهابت بوالدتها للقيام بهذه الزيارة المفاجئة ،وإعتبرها حلقة في سلسلة خططت لها سابقا وقد تعزّز شعوره السلبي إزاء زيارة الوالدة عندما تذكر محاولة دافينا الإتصال بوالدتها هاتفيا ، منذ يومين ، تلك المحاولة التي وصلته أخبارها من عمته ، السيدة باري وهي لا تدري بفشل تلك المخابرة بسبب وجود والدة دافينا خارج البيت ، في ذلك اليوم.
كانت تميل الى معارضة العودة الى الفندق لولا خوفها من أن يتهمها لويد بمحاولة أخرى للتهرب من مواجهة الحقيقة ، ثم رضيت وفي ذهنها أن تقنع والدتها بضرورة الكف عن التدخل في شؤونها الخاصة ، وفيما كانت تفكر بالطريقة التي ستواجه بها والدتها عندما تقابلهافي الفندق ، إلتفتت اليه وتذكرت بأنه ، منذ لحظة الإنطلاق ، لم يحاول ولو مرة واحدة أن يلتفت اليها ، او يرد على أي سؤال من أسئلتها ، أو أن يبادرها بكلمة واحدة بعيدا عن الأسئلة التي كانت تطرحها عليه ، مما أعاد اليها الشعور باللم الذي كاد ان يتلاشى كليا بفضل المودة المتبادلة التي كانا ينعمان بها لفترة قصيرة خلت.
وفكرت بضرورة إنعاش جو الجمود والعبوس الذي كان يظللهما داخل السيارة كي تعيده الى الأجواء المرحة السابقة ، فضلا عن الشعور المشترك بالأخذ والعطاء الذي بدأ يشدهما الى بعضهما بعضا ، مع ما اثار ذلك من حنين في نفسها للعودة الى لويد ، وإستعادة ثقته الكاملة بها ، وبدافع هذا الشعور ، إلتفتت اليه وخاطبته بصوت هامس هادىء قائلة:
" لويد ! لويد ! يجب ان نتحادث ، قل شيئا...اي شيء.... من غير المعقول ان نظل هكذا صامتين".
"ولم لا ! رد بدون أن يعيرها ولو لمحة خاطفة ، فظل يتطلع أمامه ، وتابع قائلا:
" مثلنا مشهدا من المسرحية معا بالأمس ، وبذلك يمكنك العودة الى لندن والتمتع بأناقة وبهجة الحياة فيها".
" لا يجوز لك أن تتفوه بمثل هذا الكلام ، وأنت ادرى مني بالحقيقة ، لست أدري ماذا أو كيف يجب ان أفعل كي اقنعك".
" لا حاجة بك لذلك...لا تعذبي نفسك ، إنخدعت بما اثاره التقشف من حنين جارف في نفسك نحوي وظننته سيدوم.... لكن سرعان ما خاب ظني .... لا شيء يدوم .... لا شيء".
" بلى ، هناك شيء واحد يدوم هو الحب ، الحب يبقى ويدوم ، اللهم إلا إذا كنت لا تعني ما قلته لي".
" اجل ، كنت أعني ما قلته في حينه".
وصمت يفكر ويتأملها لحظة ثم تابع يقول بلهجة قاسية:
" ولكن لا تنسي أن الرجال يميلون أحيانا الى المبالغة في مجاملاتتهم الى حد الإفراط والإبتذال ساعة يعيشون مثل تلك اللحظات ، كما لا يخفى عليك ، يا دافينا".
" ما قلته هو أفظع ما سمعتك تقوله حتى الآن".
" عودي الى حيث يجب ان تكوني والزمن يشفي الجراح والأحزان وقبلة واحدة تطبعها أمك على وجهك تكفي لمعالجة الصدمة البسيطة التي أصابتك".
أدارت وجهها وراحت تتطلع أمامها بنظرات زائغة بعد الصدمة التي شعرت بها من جفاء كلامه ، وقساوة قلبه ، وخشونة ملامحه ، لدرجة أن حرارة أعصابها وصلت الى درجة الغليان ساعة إنعطف بالسيارة نحوالطريق المؤدية الى الفندق ، بدون ان تفقد الأمل من تخفيفها وتسكينها بعد المواجهة المتوقعة بينهما.
وما هي إلا لحظات حتى وصل الى لفندق وأوقف السيارة في الساحة الأمامية ، فترجلت منها ، بعد تريث قصير لأستعادة أنفاسها ، وطلبت من لويد أن يجلب لها حقيبتها من صندوق السيارة ، كي تستعمل المرآة لتسوية شعرها ومسح آثار الهم والغم عن وجهها ، بالبودرة او بأحمر الشفاه ، لا يهم ، فالمهم بنظرها هو أن تخفي عن والدتها كافة مظاهر البؤس والشقاء البادية على وجهها.
ثم سارت بخطى ثابتة صوب الباب ودخلت الفندق ، حيث كان الفتى تيم اول من إلتقته ، فحيته ورد لها التحية بأحلى منها ، ثم سألها بلهجة مؤثرة كمن يتعرض فجأة لحادث مفجع بعد أن لمح ذراعها المضمد المشدود الى عنقها برباط ابيض:
" ما الخبر ! سلامتك ! كيف حدث لك هذا؟"
" شكرا على عواطفك النبيلة يا تيم ، إطمئن ، كسر بسيط ويشفى بعد مدة قصيرة".
" مسكينة ! مسكينة أنت يا سيدة دافينا ، سلامتك".
" شكرا... الوداع".

نيو فراولة 12-02-12 02:56 PM

ثم تابعت طريقها ودخلت الى الصالون، لتقف مذهولة من رؤية والدتها جالسة هناك وحيدة ، تدخن وتشرب القهوة ، وأخذت ترتعش من الهلع الذي داهمها حالما شاهدت إبنتها في حالتها الحاضرة وقالت لها:
" ماذا دهاك وماذا فعلت بنفسك !".
" تزحلقت وكسرت ذراعي ، ألم تخبرك السيدة باري؟".
فقاطعتها لتقول وهي تشير لها بيدها بما معنى أنها ليست قلقة على ذراعها بقدر ما هي قلقة على مصيرها ، وتتأمل وجهها وشعرها وشكلها:
" ماذا حدث لك؟ اخبريني ، ما الذي جعلك هزيلة خلال يومين ، تبدين كالشبح ؟ شيء لا يصدق!".
تأملتها ثم إقتربت منها وصارت تداعب شعرها بيدها وهي تقول لها:
" أماه ، هل تكبدت كل هذه المشقة والتعب لمجرد أن تأتي وتنتقدي مظهري".
" كلا ، طبعا لا ، إتصلت بك هاتفيا أمس كي اسالك متى ستعودين ، المرأة التي ردت علي اخبرتني بانك خرجت في نزهة مع زوجك ولا تعرف متى ستعودان".
" على فكرة ، لم ار سيارتك في الخارج؟ كيف جئت؟".
" إستأجرت سيارة ، السائق ذهب لقضاء بعض الحاجات وسيعود بعد ساعة ، أود أن تكوني جاهزة للسفر عندما يعود ، هل عندك ملابس غير هذه ترتدينها؟".
" عندي ، نعم عندي " قالت دافينا بلهجة دافئة وصمتت تفكر ثم تابعت تقول:
ولكن يؤسفني القول بأن رحلتك ذهبت سدى لأنني لا افكر بمغادرة هذا المكان".
وتبع ذلك صمت رهيب مشوب بالوجم ، راحت والدتها خلاله تتأملها وتهز رأسها تحسرا وتأوها ، الى أن إنتهت الى القول:
" اهكذا تردين على إهتمامي بك وعلى التضحيات التي ابذلها من أجلك ؟ هل يمكنك تصور المخاوف التي داهمتني امس عندما وصلت وعرفت انك كنت خارجة برفقة ذلك الرجل ولا احد يعرف المكان الذي توجهتما اليه ، كلا ، فهذه امور لا تعنيك ولا تهمك ".
"أماه ، ما لي اسمعك تتحدثين وكأنك الأم الوحيدة في العالم التي إحتضنت إبنتها وإعتنت بتربيتها وشؤونها المختلفة و....".
فقاطعتها والدتها لترد عليها وهي تنتفض حدة وغضبا قائلة :
" أرجوك لا تجربي أن تكوني وقحة او ذكية ، صحيح أنك تزوجت وتتمتعين بمزايا وصفات رائعة ، لكن الصحيح أيضا انك ما زلت تتصرفين كالطفلة في كثير من المجالات ، وكما تعلمين ، لحقت بك الى هنا لأنني سمحت لك بالسفر على اساس أنك ذاهبة لبحث موضوع الطلاق مع ذلك الزوج....".
وقاطعتها دافينا وهي تحدق فيها لترد عليها قائلة برصانة وجدية:
" صدقيني يا أماه ! ارجوك ان تصدقيني ، إن وضعي لم يعد يسمح لك بالتدخل في شؤوني الشخصية ، وعلى الأخص موضوع الزواج ".
هنا غابت تلك الإبتسامة الباهتة التي كانت لا تزال ظاهرة على وجه الوالدة لتحل محلها ملامح الغضب والإثارة ، قبل أن ترد عليها بحدة بارزة تقول:
" دفاعك المستميت لم يدهشني كثيرا ! كنت دائما أتوقع سماعه ذات يوم بعد أن تأكدت من إستسلامك الفاضح لمشيئة هذا الرجل ورغباته وأهوائه بمجرد ان يلوح لك باصبعه".
" إنني أحبه!".
" كيف تحبينه وأنت لا تعرفين معنى الحب ! هل نسيت كيف اهملك وعاملك كأنك خادمة وهوسيدك ؟ لا... لا ، يا إبنتي ، انا لن اقدمك ضحية بريئة لهذا الهمجي ، كلا ، يا دافينا ، لا تحاولي إقناعي بان الحب يربط بينكما فالحب أسمى وارفع بكثير....".
هنا هبّت واقفة ومشت صوب النافذة حيث راحت تتطلع الى الخارج وهي تتأمل وتفكر ، ثم إستدارت وحدّقت في وجه والدتها وهي تقول:
" كيف تتحدثين عنه بهذه اللهجة وانت لا تعرفين عنه شيئا ؟ كيف...... تسمحين لنفسك التحدث بهذه اللهجة القاسية عن إنسان تجهلينه؟ انا لست في وارد إرغامك على إحترامه وتقديره ، وإنما بودي أن أنصحك بانه قد آن الأوان كي تطهّري نفسك من رواسب الضغينة والحقد إتجاه هذا الإنسان ".
" أجل ، لو كان يتحلى بأدنى قدر من المسؤولية الإجتماعية لفعلت.... (قالت ذلك وصمتت لحظة تفكر ثم تابعت كلامها وهي تضحك وتقول) وماذا تنتظرين مني ان اضمر له غير الحقد الضغينة طالما اراه يتعمد تعذيب إبنتي وإذلالها وإهانتها ، إنني اتحدى أي أم أخرى لتبرهن بأنها تشعر عكس شعوري إذا ما رات إبنتها تلقى المعاملة نفسها التي تلقينها أنت.... نعم أتحدى واقبل التحدي".
" يا أماه ! لا اخالك بحت له بأنني أنوي إجهاض نفسي إلا بدافع حنانك الأمومي ذاك الذي حدثتني عنه منذ لحظات ، اليس كذلك؟".
وباسرع من لمح البصر ، إصفر وجه الوالدة وأوشكت على الإغماء لو لم تسرع دافينا لنجدتها وإنعاشها حتى إستعادت رشدها ، وكان ما حدث لها كافيا لفضحها امام إبنتها ، إذ ان ملامح وجهها كشفت لدافينا بوضوح حقيقة ما كانت تخفيه والدتها بين ضلوعها فشعرت بمرارة تحز في نفسها.
أزاء الموقف الحرج الذي اوقعت نفسها فيه ، من حيث تدري او لا تدري ، راحت الوالدة تحاول يائسة الدفاع عن نفسها ، وهي تتذرع بشتى التبريرات وعبارات الود والحنان قائلة:
" لا تصدقيه ، يا حبيبتي ، لأن ما قاله لك هو عكس ما قلته له تماما ، يا له من كاذب مخادع ، إنه يحاول الإيقاع بيننا بدافع غيرته ، أنا إكتشفته وعرفته على حقيقته منذ ان إلتقيت به أول مرة".
" كلا ، يا أماه ، لا أعتقد بانه يضمر لي الشر..." وصمتت تفكر لحظة ثم تابعت تقول:
" لست أفهم كيف يجوز الخلط بين الإجهاض الإرادي وفقدان الجنين القسري".

نيو فراولة 12-02-12 02:57 PM

تأملتها والدتها وهي ترطب شفتيها بلسانها ، ثم ردت تقول:
" آه ، تذكرت الآن ، يا إبنتي الحبيبة ، الواقع أنني لم أذكر كلمة ، فقدان الجنين ، وإنما إستعملت التعبير الطبي المعروف ، كما سمعته من الممرضة ، وخلاصته أنك تواجهين حالة من الإجهاض الطبيعي ولا استبعد أبدا أن يكون سمع الكلمة غلط بسبب التشويش الذي حصل اثناء المخابرة".
" حسنا ، وما قولك عن بقية رسالتي أنني طلبت منك ان تبلغيه إياها ! هل إستعملت تعابير طبية بقولك له مثلا : كفاها ما ألحقته بها من مصائب وأحزان ، بدلا من أنها ترجوك أن تحضر حالا ، او إبتعد عن طريقها وإتركها وشأنها ، بدلا من حاول جهدك ان تحضر لأنها بحاجة اليك".
وطار صواب الوالدة من معاملة إبنتها لها بهذه المصارحة الوقحة ، فضربت الأرض بقدميها ، وهبّت واقفة وعيناها تتوهجان كاللهيب ، ثم ردت قائلة لها بحدة وإنفعال :
" متى ستفهمين بان ليس من طبعي التسليم بشيء إطلاقا ، لكن يجب أن تتذكري جيدا بأنني قادرة على تكرار اللعبة ، أكثر من مرة ، بل مرات ، وكما تعرفين ، لم أكن مقتنعة بأن هذا الرجل يناسبك ، منذ البداية وقد زاد إقتناعي بذلك هذا البيت الحقير الذي ينوي دفنك فيه وانت حية ، ألا ترين ؟ إنظري حالته الكئيبة المهلهة ، أرجوك يا بنيتي ان تفكري بمستقبلك قبل فوات الوان ، عودي معي الى لندن حيث يمكنك أن تفعلي كل ما تريدين فعله بعد إستعادة حريتك ، الدنيا مليئة بالرجال ولا بد من أن يحالفك الحظ يوما فتتعرفي على رجل محترم من مستواك ، يعرف قيمة المرأة ويحترمها ، ثم لا تنسي بانك سترثين ثروة والدك بعد سنتين ، لست ادري ما إذا كنت تعلمين ماذا يعني ذلك بالنسبة اليك".
" نعم ، أعرف ! إنني ادرك حقيقة ما يعني ذلك بالنسبة الي والى غيري ، اخبريني ، يا اماه ، امن اجل هذا تقومين بكل تضحيات الأمومة هذه؟ لكنك لست بحاجة للمال ، فعندك منه ما يكفي ويزيد ، هل طارت أموالك في مضاربات البورصة ام بعد؟".
" كفاك سخرية وإهانة ، ولكنني ساغفر لك كل ذلك لأنني أراك مضطربة جدا ،( ثم رفعت حقيبتها اليدوية عن الأرض وأمسكتها بيدها وتابعت قائلة ) إنك لا تفهمين في مداولات الأسهم ، ولن تفهمي ابدا".
تأملتها دافينا طويلا قبل أن ترد عليها قائلة:
" لدي شعور بانني ساتعلم هذا النص فور إنتقال ثروة والدي الي ، خاصة إذا طلّقني لويد ، اما إذا قدّر لي وبقيت زوجته ، يحق له أن يبدي رايه في كيفية إستعمال تلك الثروة".
هنا ، مشت الوالدة صوب الباب وهي تقول:
" ارفض الإستماع الى المزيد من هذه الأقوال التي أزعجتني لدرجة أن لساني أصبح عاجزا عن وصف مداها ، المهم ، أنني خارجة لإنتظار عودة السائق وأتوقع منك أن تلحقيني ، وانا متأكدة بانك ما زلت تعرفين جيدا ، برغم إتهاماتك المتهورة بحقي ، اين تكمن مصلحتك ومنفعتك".
منتديات ليلاس
ما أن خرجت الوالدة وأغلقت الباب وراءها حتى إستلقت دافينا على الكرسي ، أخيرا ، عرفت الحقيقة ، كما هي ، لكنها رفضت أن تخبرها عن المآسي التي تكبتدتها بسبب تدخلاتها في شؤونها الخاصة ، لئلا ترضي غرورها وانانيتها ، وحسبها انها عرفت الحقيقة الكامنة وراء كل المشاكل والمصاعب التي واجهتها ، وإكتشفت حقيقة الدوافع التي كانت تهيب بأمها للتورط في مناورات ومقالب لا يتورط فيها إلا صغار النفوس ، ثم غطت وجهها بيديها خجلا من معرفة أن والدتها قد إنحطت الى هذا الدرك ، عندما راحت تبذل محاولات يائسة ، الواحدة تلو الأخرى ، في سبيل إفشال زواجها ، بأي ثمن ، كانت تقوم بمحاولات يائسة ودائبة لأن الفشل ، في نظرها ، يعني نهاية ايام عزها وغطرستها وانانيتها وغرورها ، على يد لويد ، الذي اصبح بعد فشلها الذريع في فرض إرادتها عليه ، يجسد الوسيلة القادرة على تحطيم عنفوانها ووضع حد لتصرفاتها والاعيبها ، مع ما سيتبع ذلك من فقدان سيطرتها على إبنتها بعد إنتقال ثروة والدها إليها غداة بلوغها سن الخامسة والعشرين ، من هنا ، باتت لا تتورع عن محاولة الإيقاع بين إبنتها وزوجها لإرضاء كبريائها.
وأكثر ما كان يحز في نفسها الآن ، ويهز ضميرها من الإعماق ، معرفة ان والدتها هي التي كانت تفتعل المشاكل بينها وبين زوجها ، وتحاول إتهام لويد بها ، بدون ان يكون للمسكين أي ضلع فيها ، لا من قريب ولا من بعيد ، وتساءلت : هل يعقل أن يوجد في العالم بأسره أم تبذل المستحيل في سبيل تحطيم سعادة إبنتها ، مثلما تحاول أمي أن تفعل ؟ شيء لا يصدق .... مستحيل .
ثم نهضت وهي تشعر بالإغماء من فظاعة ما إكتشفته ، وذهبت لتستريح قليلا في غرفتها ، بإنتظار عودة زوجها ، وما ستفعله والدتها بعد عودة سيارتها الى الفندق.
خلال الفترة الواقعة بين خروج والدة دافينا وعودتها لمعرفة ما إذا كانت ستغادر هذه المنطقة وتعود معها الى لندن ، جرت بعض الأحداث البسيطة العابرة ، التي شاركت فيها دافينا ، بطريقة أو بأخرى.
فقد كان لها لقاء مع عمة لويد ، عندما جاءت هذه الأخيرة الى غرفتها لتغيير شراشف السرير ، وجرى خلال هذا اللقاء القصير حديث شيق بدأته العمة باري ، فأخبرت دافينا عن وصول والدتها الى الفندق ، وهي مضطربة ومنفعلة من معرفة أن دافينا ، كانت تقضي نزهة في الخارج برفقة زوجها ، وعلمت دافينا من العمة باري ان والدتها باتت ليلتها في غرفتها ، وأن لويد كان ينوي أخذها معه لتمضية شهر العسل في مكان ما ، لو لم تتعرض للحادث المشؤوم الذي ادّى الى كسر ذراعها ، وقبل ان تغادر الغرفة عبرت لها عن اسفها العميق ، وتاثرها البالغ لما أصابها ، وتمنت لها الشفاء العاجل.

نيو فراولة 12-02-12 02:58 PM

وما ان إختفت العمة باري عن الأنظار حتى وصلت الآنسة ريانون وتبادلت معها أطراف الحديث ، وفرحت دافينا عندما لاحظت التغيير الذي طرأ على تصرفات ريانون ، كانت مهذبة وهادئة الأعصاب ، الأمر الذي جعلها تعتقد بأن التقارب الأخير بين السيد هيو والآنسة ريانون بدأ يعطي ثماره ، بدليل ان ريانون حاولت هذه المرة مساعدتها في توضيب ثيابها ووضعها في حقائبها ، ولم تنسى أن تقول كلمة آسف في الحادث الذي تعرضت له ، مما اهاب بدافينا لإطالة الحديث معها ، ولمست تجاوبا أكيدا لديها للبقاء معها لمدة أطول ، لو لم تكن مضطرة للذهاب والبحث عن الفتى الضائع ، تيم فنتون.
وما ان علمت دافينا بضياع تيم حتى وضعت حوائجها جانبا وخرجت مسرعة للمشاركة في البحث عنه ورده الى اهله الذين أخروا رحيلهم عن الفندق بسبب إختفاء إبنهم تيم بصورة مفاجئة ، وكانت دافينا أكثر حماسة من أي شخص آخر ممن إشتركوا في عمليات البحث عن ذلك الفتى لأنها كانت تعتبر نفسها مسؤولة الى حد ما ،عن ضياعه ، إذ سبق لها وحدّثته عن وجود تنين حقيقي في مغارة تقع عند سفح الجبل الشامخ هناك ، فأبدى رغبته حينذاك في الذهاب الى هناك لمشاهدة التنين ، من هنا كانت لا تستبعد قيام الفتى تيم بهذه المغامرة ساعة كان أهله يعدون العدة للرحيل.
في هذه الأثناء ، إقتربت والدة دافينا من إبنتها وسألتها :
" هل انت جاهزة؟ السيارة وصلت وطلبت من السائق الإنتظار قليلا ريثما أعود ، هيا إذهبي الى غرفتك وإجلبي حقيبتك".
" والفتى الضائع؟ علي أن أشارك في البحث عنه؟".
" كثيرون غيرك يحاولون ولا بد من العثور عليه ، عاجلا ام آجلا ، لن يلومك أحد لأن ذراعك مكسورة ، هيا أسرعي ، يا إبنتي ، وتعالي معي الى لندن ، السائق لا يستطيع الإنتظار الى الأبد".
فردت عليها قائلة بمنتهى اللطف والتهذيب:
" آسفة ، يا أماه ! لن اسافر معك وما عليك إلا أن تعودي وحدك ، لست أدري كيف تطلبين مني الإبتعاد عن زوجي".
" إذن ، أنا ذاهبة بدونك يا عزيزتي ، مع تمنياتي القلبية لك بحياة سعيدة تمتعين بها مع عمة زوجك الثرثارة وإبنتها العبوسة".
قالت لها ذلك ، ثم إستدارت وأخذت طريقها نحو السيارة ، وتبعتها دافينا وهي تقول:
" ساذهب معك حتى السيارة كي أودعك هناك".
وعندما اصبحت في منتصف الطريق ، إلتفتت اليها والدتها وهي تدفعها بيدها لتذهب عنها وتركها تكمل الطريق وحدها وتخاطبها بلهجة ساخرة قائلة:
" عودي وإتركيني إذهب لوحدي ، لكن تذكري بأنني لن أراك ثانية ، ولا تنسي أن تبلغي عمك الخبر وأنا واثقة بأنه سيدعم قرارك نظرا لتعاطفه مع السيد لويد ، بصورة دائمة ن الوداع! رجائي الأخير هو أن لا يطالك لهب النيران التي سيشعلها التنين في طريقك، مع السلامة!".
وتابعت سيرها بدون ان تحاول معانقتها إطلاقا ، ثم ركبت السيارة ، وأشارت على سائقها بالإنطلاق ، في حين بقيت دافينا واقفة تتأمل السيارة الى ان توارت عن النظار ، ثم إستدارت وهي تشعر بأن كلمة تنين لا تزال تضج في خيالها ، فأيقنت لتوها ان قدرة غريبة جعلت والدتها تنطق بهذه الكلمة لتذكيرها أن الفتى تيم كان يجول حول مغارة التنين لتوديعه ، فأسرعت الخطى نحو الفندق ، وهي تتمنى رؤية الفتى تيم قد عاد مع لويد بسيارته التي توقفت في تلك اللحظة في ساحة الفندق.
وهنا دخل السيد هيو ليشارك في البحث عن تيم ، وكان هو الذي وصل ، وليس لويد.
وما أن علم تفاصيل إختفاء الفتى تيم حتى إنطلق بسيارته نحو مغارة التنين ، بعد ان ركبت دافينا الى جانبه ، وراحت تتطلع حولها بحذر وغنتباه وهي شاردة الذهن ، فحسبها هيو كانت جادة ومتحمسة لبحث عن لويد أكثر منها للبحث عن ذلك الفتى ، وبادرها القول مداعبا:
" أعتقد بأنك جادة في البحث عن لويد اكثر مما أنت جادة في البحث عن تيم ، توقعت للأمور أن تعود الى مجراها الطبيعي بعد تلك الليلة ، وحسبي أنك تصرفت بصورة صحيحة وصادقة عندما إتصلت به واخبرته عن وصولك المفاجىء.
" احقا أنت الذي إتصلت به ! كنت أعتقد بأن عمته هي التي تلفنت له ".
" نعم ، انا إتصلت به ، فعلت ذلك خوفا من ان تعودي من حيث أتيت".
" وهل كان ذلك هو السبب الذي دفعك الى دعوتي للخروج معك في تلك الليلة؟".
" بين بين ، وابلغت لويد الخبر".
" ويا ليتك أخبرت عمته ايضا ، الم تعلم إنها أصبحت ترتاب في أخلاقي وسلوكي؟".
" إنها ترتاب في سلوك أية فتاة تخرج برفقتي بإستثناء الانسة ريانون".
" وكيف تجري الأمور بينك وبينها الان".
" يمكنك إعتبارها ساكنة ، لكنني سانتصر في النهاية".
" أعتقد ذلك".

نيو فراولة 12-02-12 02:59 PM

في هذه اللحظة أصبحت السيارة قريبة جدا من مغارة التنين ، فاوقفها هيو وترجل منها ثم راح ينادي على الفتى ، بدون جدوى ، عندها ، فكر بالتوجه الى المغارة مشيا على الأقدام ، وطلب من دافينا أن تنتظره في السيارة ، ومضى هيو في طريقه نحو الرابية ، بينما ترجلت دافينا وراحت تمشي على العشب ، وما هي إلا دقائق معدودة حتى شاهدته عائدا وهو يحمل الفتى تيم ، والقى به داخل السيارة .
اما دافينا فقد قتنها منظر تلك الكتلة العارمة من الصخر اللازوردي الجاثمة أمامها ، فترددت في العودة معهما بحجة انها تود ان تمرح قليلا في الهواء الطلق وبين أحضان الطبيعة.
وهكذا عاد هيو بسيارته ومعه تيم ، واخذت دافينا طريقها الى المعمل الذي يؤهله لويد للإنتاج ، وبعد مسيرة قصيرة وصلت وراحت تدق الباب ، عدة مرات ، بدون ان تلقى جوابا من أحد ، ففتحت الباب ، ودخلت لتجد ان كل شيء كان على حاله كما تركاه ليلة البارحة، فجمعت الصحون والأواني وغسلها ، ثم رتبت الكراسي والسرير ، ونفضت الغبار عنها ، وأزالت الرماد من الموقدة ، مع إجراء بعض الترتيبات الأخرى هنا وهناك.
وفيما كانت متوجهة الى المطبخ لتحضر لنفسها فنجانا من القهوة ، لمحت وجود طاولة صغيرة في زاوية الصالون المتواضع عليها آلة كاتبة ، وبجانبها بعض الأوراق ، تاملت هذه الأشياء لحظة وهي تصارع غريزة حب الإستطلاع ، لكن فضولها إنتصر ، إذ وجدت نفسها تتحرك لا شعوريا نحو الطاولة ، وتتصفح الأوراق الموضوعة عليها.
ودهشت عندما إكتشفت من طريقة الكتابة بأن مضونها لا يوحي بأنه يضع كتابا ، وإنما مذكرات ، أو شبه مذكرات ، ثم توغلت في قراءتها وهي تقلب الصفحات ، صفحة تلو أخرى ، لتكتشف بأن أسمها ورد في النص ، أكثر من مرة ، وزاد في دهشتها إكتشاف أن هذه الكتابة تعود الى سنتين مضتا ، أي قبل سفره الى أميركا ببضعة ايام.
بلغت سعادتها نشوتها الذروة حينما بدات تقرأ مقتطفات منها ، مثلا: هي حبي وشيطاني في آن واحد ، كثيرا ما كان الحب يدفعني للمجازفة بكل شيء في سبيل الكشف عن مدى حبي لها ، ومدى حاجتي اليها لأعود وأكف عن تلك المحاولة كي لا أحملها المسؤولية الجسيمة والتضحيات التي ينطوي عليها الحب نظرا لحداثة سنها ...
أعادت ترتيب أوراق المخطوطة ، الى وضعها الطبيعي ، وقد إغرورقت عيناها بالدموع ، وهي تتساءل : ما الذي كان يمنعه من البوح بسر حبه لي ، ترى ! واسفاه عل كل ذلك الوقت الذي هدرناه معا ونحن نضرم نار الخلافات بيننا بدلا من ان نستغله في سبيل إنماء حبنا وتعزيز ركائزه.
فكرت بكل ذلك وهي تعيد قراءة المقاطع التي يعبر من خلالها عن حبه العميق لها ، كانها كانت لا تستطيع تصديق ما تراه عيناها مكتوبا على الورق يدعم الوعد الذي قطعه على نفسه ليلة البارحة من انه بصدد وضع الترتيبات النهائية لبدء رحلة شهر العسل الثاني بعد بضعة أيام ، كانت متلهفة للتأكد مما يثبت لها حقيقة إسجام الأقوال مع الفعال حتى تأكدت فهدأت بالا وإستقرت حالا ، ثم اخذت طريقها الى غرفة النوم وهي توعد نفسها بقضاء أول ليلة هانئة ، حالمة ، عرفتها طيلة حياتها الزوجية.
وعندما إستيقظت شعرت بأن هناك من يشاركها وجودها في البيت ، فنهضت من السرير وسوت شعرها ، وغسلت وجهها ، وإرتدت ثوبها ثم خرجت لترى من في البيت ، وكم كانت دهشتها عارمة عندما لمحت لويد جالسا في المطبخ وهو يشرب الشاي ، فإقتربت منه بخطى وثيدة هادئة والقت يدها الناعمة على كتفه وهي تهمس في أذنه:
" لويد!".
أدار وجهه نحوها بسرعة وهو لا يصدق ،وتأملها قليلا وهو يبتسم لها كما لم يبتسم من قبل ، وقال بلهفة:
" دافينا! ماذا تفعلين هنا ؟كان عليك ان تكوني الآن في طريقك الى لندن".
"وما الذي يدفعك الى مثل هذا التفكير؟".
" قيل لي بانك رافقتها ؟ ما الذي غيّر رأيك؟ قلبك أم عاطفتك؟ أم أنها رافقتك الى هنا؟".
" كلا ، يا لويد ، لا هذا ولا ذاك ، إنها ليست هنا ، بل هي في طريقها الى لندن الآن".
" كان من الأفضل ان تسافري معها ، فليس لك هنا ما تحصلين عليه".
" بلى ، يوجد ، أنت هنا ، وهذا أقصى ما أشتهي الحصول عليه".
وكان لقاء إختلطت فيه الدموع ، دموع البكاء بدموع الفرح ، عادا وإلتقيا بعد فراق طويل كادت خلاله نار الفتنة ان تقودهما الى الطلاق والفراق ، وكانت مصارحة بين قلبين ، تواعدا على نسيان الماضي بكل مساوئه ونكباته ، وتصميم على تتويج الحب الدفين بحياة اقسما على أن تكون حافلة بشتى انواع السعادة والطمأنينة والثقة المتبادلة الى الأبد.



تمت

زهرة منسية 15-02-12 11:22 AM

يسلموا أيديكى فراولايا مـــشـــــكــــورة

Rehana 20-02-12 05:30 PM

يعطيك العافية حبيبتي .. فراولة

elalem 22-04-12 11:42 AM

مشكور جدا جدا جدا

elalem 22-04-12 11:44 AM

مشكور جدا جدا

سومه كاتمة الاسرار 25-04-12 06:10 PM

القصه روووووعه ياقمر على الرغم انها فى معظمها حزينه سلمت الايادى
:8_4_134:

الجبل الاخضر 30-04-12 12:53 AM

:55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:تسلم الانامل :hR604426:على المجهودك الرائع والاختيار الممتاز:55::peace: ونشكرك على تعبكي:lol: ياعسل :wookie:وننتظر جديدك:dancingmonkeyff8:

hoob 01-05-12 08:40 PM

:dancingmonkeyff8::dancingmonkeyff8::dancingmonkeyff8:

سماري كول 11-05-12 07:56 PM

تسلمين ع الروايه الحلوه حبوبه

انجلى 14-05-12 08:02 AM

روععععععععععععععععععععع:0041::0041::0041::0041::0041:

ندى ندى 02-11-12 11:19 PM

رد: 136- وجه في الذاكرة - سارة كريفن - روايات عبير القديمة (كاملة)
 
روووووووووووووووووووووووووووووووووووعه

*^^*مجرد إنسانه*^^* 02-11-12 11:47 PM

رد: 136- وجه في الذاكرة - سارة كريفن - روايات عبير القديمة (كاملة)
 
شكرررررررررررررراً

حسن الخلق 03-11-12 12:02 AM

رد: 136- وجه في الذاكرة - سارة كريفن - روايات عبير القديمة (كاملة)
 
جزاكي الله خيرا على مجهودك الكبير
شكرا على حسن الاختيار

زهراء* 27-08-13 10:42 AM

رد: 136- وجه في الذاكرة - سارة كريفن - روايات عبير القديمة (كاملة)
 
وااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا اااااااااااااااااااااااااااااااااااو:peace:

ماروكوا 19-04-15 01:02 PM

رد: 136 - وجه في الذاكرة - سارة كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
مشكوريييييييييييييييييييييييييييين

نجلاء عبد الوهاب 03-07-17 12:07 AM

رد: 136 - وجه في الذاكرة - سارة كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
:toot::toot::toot::toot::dancingmonkeyff8::dancingmonkeyff8: :dancingmonkeyff8::liilas::liilas:

Moubel 19-12-21 10:25 AM

رد: 136 - وجه في الذاكرة - سارة كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
رواية جميلة شكرا لك على المجهود

نجلاء عبد الوهاب 25-09-22 10:04 PM

رد: 136 - وجه في الذاكرة - سارة كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
:lol::lol::lol::lol::lol::lol::wookie::wookie::wookie::party 0033::party0033::party0033:

سمآآآء 26-12-22 10:24 PM

رد: 136 - وجه في الذاكرة - سارة كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
جميله
....
.....
....
...

انثى العطر 17-06-23 12:15 AM

رد: 136 - وجه في الذاكرة - سارة كريفن - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
رووووووووووعه


الساعة الآن 11:01 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية