منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات احلام المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f457/)
-   -   حصري 18 - الدوامة - شارلوت لامب ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t172143.html)

جمره لم تحترق 09-02-12 04:20 PM

موعدنـــــا كمــا وعدت سابقاً
مع أول فصــول الرواية
اليوم بعد الساعة 11 مساءً
قراءة ممتعة وأكيد مشوقة
تحيتي للجميع
جمرة لم تحترق
http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayatb3357a724a.gif

جمره لم تحترق 10-02-12 12:03 AM

1 ـ طــــوق من نـــار
 
http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayat542ba2e1ed.gif 1 ـ طوق من نـــار
http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayat542ba2e1ed.gif
رن جرس الهاتف بينما كانت جيني تضع اللمسة الأخيرة على
رسمها لزي جديد . . . وتأففت بنفاذ صبر . أكــثر ما يغيظها أن
يقاطعها أحد وهــي تعمل , مما يقطع عليها تركيزهــا .
ووضعت القلم بين أسنانها وسارت بسرعة إلى الهاتف .
ـ نعم . . ؟
ـ هل لــي أن أتحدث مع الآنســة جيني نيوهام ؟
في الصوت لكنة أجنبية , وشـــيء من التردد . بدا على وجه
جيني القلق والصدمــة . فقالت وهي تنزع القلم من فمها :
ـ هـي . من المتحدث .
ـ جيني ؟
ـ من يتكلــم ؟
ـ إيفا .
وسارعت المرأة لتضيف وكأنما خشيت أن تقفل جيني الخط :
ـ أنا مضطرة للاتصال بك . . إن روبرتو . . .
فقاطعتها جيني بخشونة :
ـ لن أتحدث عنه . . . لا الآن ولا أبداً . . . لقد قلت لك من
قبل إيفا . لا أريد جرح مشاعرك . . فانا اعرف أن قصدك الخير ,
ولكنــــي لم أعد أعير ابنك أي اهتمام . .
وردت إيفا بصوت مختنق بدا و كأنه البكــاء :
ـ لم تفهمي قصدي جيني .
فردت جيني ببرود :
ـ بل أفهم جيداً . . أوه . لا تبكـــي إيفا ! لا يجب أن تدعي
الأمر يكدرك . روبرتو لا يستحق ذلـك مطلقـــاً .
وعاد صوت البكاء أعمق من قبل , ومسحت جيني شعرها بيدٍ
مرتجفة :
ـ إيفا . بحق الله لا تبكــي ! أنا آسفــة .
وهمس الصوت المرتجف المخنوق .
ـ إنه يموت . . . يموت يا جيني .
وللحظــات وقفت جيني شاردة تنظر إلى السماء الرمادية . . .
وبدأ تأثير الصدمة يظهر , فتقلصت معدتها , واتسعت عيناها ,
وصــرخت غير مصدقة .
ـ مــاذا تعنين ؟
منتديات ليلاس
بالكـــاد استطاعت أن تلفظ الكلمات , فقد خرجت وكــأنها همسة
شبح من بين شفتيها الشاحبتين من شدة التأثر . وأصدرت إيفا نحيباً
جديداً وقالت :
ـ كان يقود سيارته عندما انزلقت وانقلبت به , إذ فوجـــئ
بصهريج زيت منقلب على الطريق . وكان هو أول الواصلين ولم
يلاحظ هذا إلا بعد فوات الأوان . . وأمضى المسعفون ساعتين
لإخراجه . إنه شديد الشحوب لفقدانه الكثير من الدم .
ـ اوه يا إلهــي ! هل هو فاقد الوعــي ؟
ـ لهذا أتصل بك . . لقد استعاد وعيه منذ لحظات وأول شــيء
تلفظ به هو اسمك .
ـ اسمي ؟
وأغمضت جيني عينيها بأسى . وتابعت إيفا الحديث بسرعة
وكــأنها تخاف من أن تقفل جيني الخط :
ـ سأل عنك , ومتى ستأتين . . . جيني إنه يعتقد أنك ما زلت
زوجته .
وطال الصمت بينهما , وأنفاس جيني تتقطع , والألم فــــي
عينيها . ثم ســألت بخشونة :
ـ لمَ تقولين هذا ؟
ـ إن الأمــر واضح . . لقد قال : أين جيني ؟ أين زوجتي ؟ فـــي
البداية ظننته يهلوس . . وبعد حين أدركت أنني مخطئة . . . جيني
لقد فقد ذاكرته , نسي أي شــيء حدث له خلال الخمس سنوات
الماضية . . نســـي أندرو . . . وعندما ذكرت اسمه أمامه لم يعرفه
فأصبت بالصدمة , إنني خائفة .
ـ وهل كان واعياً للحادثة .
ـ يقول الأطباء نعم . . . ولكن الإصابة في رأســه خطرة . لقد
أجروا له عملية عند وصوله المستشفى , ويقولون إنهم خفضوا من
الضغط على الدماغ . . ولكن من يعلم ؟
ورطبت جيني شفتيهــا :
ـ قلت . . قلت إنه يموت . هل هذا رأي الأطباء ؟
ـ أنت تعرفين الأطباء جيني , إنهم لا يعطون الجواب
الصحيح , ويراوغون دائماً . ولكنك ترين الأمــور بادية على
وجوههم , ينظرون إليك فتعرفين كل شـــيء بوضوح .
ـ ولكن ماذا قالوا ؟
ـ أوه . . . إنه ليس على ما يرام . . إنه مصاب بشكل خطير . .
كما قالوا لي , والآن قالوا إذا استطعت المجيء . . سيكون هذا
أفضـــل .
ـ إذا استطعت ؟
واتسعت عيناها , وأصبح اخضرارهما شديداً مقارنة مع بياض
بشرتها . . وعضت على شفتها وقال ببطء :
ـ إيفا . . لا يمكنني الحضور .
ـ إنه يسأل عنك طوال الوقت , يريد أن يعرف لِمَ لــم
تزوريه . أوه . . جيني . . ألا تستطيعين فهمي ؟ إنه يعتقد أنك كنت
معه في السيارة ساعة الحادثة , وأنك مُت , وأننا نخفي الخبر عنه .
راقبت جيني عصفوراً طار من على شجرة قريبة , فارداً جناحيه
دون صعوبة . يرتفع وينجرف مع الهواء الحار . . إنها لا تستطيع
التفكير بروبرتو سوى إنه قوي وشرس , ولا تستطيع أن تتصور بأنه
سيموت . فهو دائماً كان بالنسبة لها مفعم بالحياة . ثم تابعت إيفا :
ـ أعلم أن معاملته لك كانت سيئة .
الملاحظة جعلت شفتي جيني تلتويان بمرارة وقالت قبل أن
تستطيع منع نفسها :
ـ ما هذا التصريح المتأخــر !
ـ ولكنه يموت ! لا يمكنك رفض رؤيته . . جيني . . تعرفين أنه
لا يمكنك .
منتديات ليلاس
صحيح . . إنها تعرف , وهذا ما جعلها غاضبة , وقد غلف
الحزن نظراتها , وهــي تتطلع من النافذة , وتابعت إيفا بســرعة :
ـ ســأرسل لك سيارة . وكل ما عليك فعله أن تقفــي قرب سريره
لبضع لحظــات ليرى أنك سالمة . . وهذا لن يؤذيك يا جيني .
كان فــــي كلامها سخرية خفيفة , أدهشت جيني , فلطالما كانت
إيفا لطيفة معها . . فقالت بقلق :
ـ لا بأس .
فتنهدت إيفا ارتياحاً . أقفلت جيني الخط , وأخذت تحدق في
السماء . . المطر ينهمر , رذاذ خفيف ينقر الزجاج وكـــأنه
الأصــابع .
لم تر روبرتو منذ خمس سنوات . . ولقد عانت كثيراً لتتخلص
من ذكراه ولتمسح طيفه من عقلها الباطن . . كانت تحلم به ليلة بعد
ليلية ولسنوات . . كارهة نفسها لعدم قدرتها على السيطرة على
مخيلتهــا .
التقيا وكانت لا تزال صغيرة . . لا خبرة لها بالحياة . . وتقبلت
طابع شخصيته الأكبر سناً والأقوى دون أن تدرك حتى ما كان
يحدث لها . روبرتو , وبطرق كثيرة , كان يجعلها طيعة له . . يعيد
قولبتها وكأنه النحات يقولب الصلصال الطري . يتمتع بفرض
الغموض عليها . . ولقد مرت بنوع من الصراع الداخلي مع نفسها
عندما حاولت التخلص من سيطرته .
لقد كانا متناقضين . . . كان شديد السمرة بقدر ما هي شديدة
الشقار . . مسيطر على نفسه بينما هي متقلبة . . هو متصلب شرس
لا يلين بينما هي حساسة وسريعة العطب . . . ومن الجنون أصـــلاً
أنها انجذبت إليه . . ولكنها أصيبت بالدوار لوجوده كالفراشة أمام
الضوء الساطع , لا تهتم أن تحرق جناحيها . . و روبرتو اغتنم كل ما
فيها من ضعف ليتمسك بها دون رحمــة .
تستطيع أن ترفض الذهاب . . . بالطبع . . . و لكن إذا كان
يموت . . فهل تستطيع الرفض ؟ قد لا تستطيع مواجهة عالم هو
ليس فيه . حتى كراهيتها له تعطيها سبباً للحياة .
تخلصت من دائرة أفكارها المجنونة القاسية , ونظرت إلى
ثيابها . الملطخة بالدهان . . يجب أن تغير ثيابها وغطت رسومها ,
ثم دخلت الحمام , خلعت ملابسها واستحمت , ثم ارتدت فستاناً
صوفياً أخضــر اللون قاتماً .
عندما سمعت رنين جرس الباب كانت جاهزة , فتحت الباب
فإذا بها أمام شاب صغير خطا إلى الأمام وقال مقطباً :
ـ مرحبا جيني .
ـ هل أنت جوليان ؟
لم تستطع أن تصدق أنه ذلك الشاب اليافع أين الخمسة عشرة
سنة عندما قابلته آخر مرة . . . أين التصرفات الخرقاء , والبثور
والبشرة الناعمة , من هذا الشباب ذي الأعوام العشرين , الأنيق
الرقيق , بشعره الذي يصل إلى ياقة قميصه ؟ . . شبهه بأخيه أكثر
بروزاً الآن من ذي قبل . .
ـ كيف حالك جوليان ؟
ورد عليها بصوت خشن :
ـ أنا بخير .
كان دائماً متعلقاً بأخيه , فهم عائلة مترابطة . . الباستينو لهم
علاقة متينة منسوجة بدقة . ولقد وجدت جيني صعوبة كبيرة في
البداية في الانتساب لهذه العائلة . . وأحست في البداية بالمقاومة
لها . . والعدائية . . وحتى الغيرة . . وبالتدريج أحست أنها تلبس
ثوبهم , ولكن في النهاية لم تعد تستطيع الاحتمال .
وأخذ جوليان منها المعطف الذي تحمله وساعدها على
ارتدائه , وقال :
ـ السماء تمطر . . ولدي مظلة , سنضطر إلى الركض نحو
السيارة عندما نخرج .
منتديات ليلاس
كان قد مضى زمن طويل لم تركب جيني فيه سيارة فخمة كهذه
السيارة . ونظرت ساخرة إلى الفراش الأبيض المنجد , وإلى لوحة
العدادات اللماعة وكـــأنها صنعت لطائرة حربية .
وملس جوليان شعره الأسود إلى الخلف , واستدار لينظر إليها .
ـ تبدين أكثر جمالاً ممـــا أذكرك جيني .
كان في عينيه وميض إعجاب وهما تحومان حولها لتستقرا
قليلاً عند الساقين اللتين برزتا من تحت حافة الفستان . وكان يمكن
أن تجد اهتمامه الرجولي بها مثيراً لولا أنه ذكرها بأول لقاءٍ لها مع
أخيه . وســألته :
ـ كيف حاله وهل شاهدته ؟
ـ لقد رأيته . وماذا أستطيع أن أقول . . يبدو بحالة رهيبة . .
لقد أحسست بالدوار عندما وقفت قرب سريره وشاهدت عن كثب
ما حدث له . لطالما كان رجلاً قوياً , والآن قد أصبح حـطـــاماً .
فارتعدت جيني !
ـ أنا آسفـــة !
ـ هل أنت آسفــة حقاً ؟ أتســاءل .
فاتسعت عيناها :
ـ وماذا تعنـــي ؟
ـ أنت تكرهينه وأنا لا ألومك , فلديك أسبــابــك , ولكن
أرجوك , لا تدعـــي الحزن وأنت لا تشعرين به . لا بأس بذلك أمام
أمــي , فهي رقيقة القلب لتصدق بأنك لا زلت مهتمة . . أما أنا فلا
أطيق الكذب . فلو كنت مكان روبرتو , ولو كنت أموت , فلن
أرغب في أن تبكـــي قرب سريري .
فلمعت عيناها الخضراوان غضباً :
ـ لم أكن يوماً ممثلة بارعة لأدعي أي شـيء جوليانو . . فأنا
ذاهبة لأراه لأن والدتك توسلـت إلــي . . ولأجــل راحة نفســـي
قبلت . . إنها فكرة سخيفة أن أراه ثانية . لو أنه في وعيه لما فكرت
بالأمر . ولكن إيفا رجتني , وأنا مولعــة بأمك جداً .
كان لجوليانو بقية من الذوق ليخجل , فاحمر وجهه , ووضع يداً
معتذرة على ذراعها .
ـ جيني . . . أرجوك . . أنا آسف حقاً . أنها الصدمة لرؤيته
هكذا , جعلتني أعتقد أن لا شــــيء آمن , لاشــيء ثابت . . قد كان
دائماً صخرة العائلة . . الأقوى بيننا كلنا , كان بالنسبة لــي الأب منذ
وفاة والدي .
أجفل جيني لهذه الذكرى . . فهي لا تريد أن يذكرها أي شــيء
بأنطونيو باستينو . فقد كان عدوها منذ البداية , وآخر مرة رأته فيها
أهانـها بمرارة وأذلها . ولم يخفف موته بعد ذلك بأشهر من شعورها
بالكراهية له .
ـ ألا يجب أن نذهب الآن ؟
ـ أوه . . أجل . بالطبع .
بعد لحظات من انطلاقهما ســــألته :
ـ ماذا تفعل الآن جوليانو . . . أتعمــل في المؤسســة ؟
ـ بالطبع . . وما غيره ؟
فرددت بسخرية :
ـ وما غيره . .
ـ أعمـــل هنا في نيويورك .
ـ أوه . . لم أكن أعلم هذا . . منذ متى أنت هنا ؟
منذ سنة . أمضيت في لندن مع روبرتو ثم أرسلني إلى
هنا لأكتسب المزيد من الخبرة .
ـ وهل تعجبك السكنى في نيويورك ؟
ـ ليست مثل روما .
وابتسم . . فابتسمت بدورها :
ـ صحيح .
ـ أنا مشتاق للشمــــس .
ـ وهل ستعود إلى لندن أم ستقيم هنا ؟
فهز كتفيه :
ـ هذا عائد لقرار روبرتو . . إذا عــــاش .
وساد صمت متوتر , مرفق بأفكــار صامتة , ثم ردت عليه
بغضــــب :
ـ بالطبع سيعيش ! لا تستسلم جوليانو , فروبرتو لن يسمح لك
بهذا لو عرف . يجب أن تؤمن بأنه سيتحسن .
ـ ولكنك لا تصدقين هذا وإلا لما جئت .
منتديات ليلاس
بساطة رده صدمتها , ونظرت إلى الطريق متنهدة والدموع تنهمـر
من عينيها . إنه محق , إنها تتظاهر بالهدوء , لكن في الحقيقة . إنها
تشعر بالبؤس يملأ نفسها ولا تجرؤ على البوح به .
توقفت السيارة بهما خارج أبواب المستشفى الزجاجية , وخرج
ليساعدها على النزول واضعــاً ذراع تحت مرفقها , وقـــال :
ـ يجب أن أوقف السيارة بعيداً . انتظري هنا . . لن أتأخـــر .
صحيح أن المطر توقف ولكن السماء ما زالت مكفهــرة , وكأن
المزيد من المطر يتجمع تحت الغيوم , وعاد جوليان بسرعة ليمسك
بذراعها ثانية . . وسارا عبر المدخل المكتظ نحو مصعد فــــي
المؤخرة . ودخل وراءها جمهرة من الناس , وما أن توقف المصعد
حتى بدأ جوليان يشق طريقه معتذراً ليخرجا . ولحقت به جيني ,
قلبها يدق بقوة جعلتها تظن أن كل من كان قربها قد سمعه .
إنها لم تشاهد روبرتو منذ خمس سنوات .
ودخل بها جوليان إلى غرفة الانتظار . أحست بالقشعريرة . .
أسرعت إيفا راكضة نحوها , وذراعها مفتوحتان .
ـ جيني . . أوه يا عزيزتي !
وتعانقتا . . الخد على الخد , رأس إيفا الأسود أقصر من رأس
جيني الأشقر بقليل . كانت قد نسيت كم أن إيفا صغيرة الجسم ,
فبين ذراعيها بدت العجوز كالطفل لصغر بنيتها . وتراجعت جيني
عنها لتنظر إلى البشرة السمراء والعينين البنيتين اللتين تحملان
الحزن والألم . وبدت إيفا أكبر سناً , فمنذ خمس سنوات كانت
متوسطة العمر تمضي أوقاتاً طويلة أمام المرآة لتظهر أصغر سناً . أما
الآن فهي تبدو مسنة . لقد انقض الزمن عليها كالذئب , فحرمها من
حيويتها . وخسرت من وزنها , وتجور خداها , وأصبحت عيناها
أعمق تحت حاجبيها السوداوين الكثيفين . . . وقالت إيفا مرتجفة
محاولة الابتســام :
ـ كم اشتقت لك .
ـ وأنا كذلك .
ـ كم هي الحياة ساخرة . . أخيراً عدنا والتقينا . . ولكن
الأسبــاب مريعة !
ونظرت جيني إلى من حولها في الغرفة : آنا تعرفها , لم تتغير
أبداً ولا شعرة منها تغيرت . كانت تجلس منعزلة , إنها الفتاة الوحيدة
في العائلة . وجهها الممتلئ هادئ لا ينم عن شــيء وعيناها
السوداوان دون أي تعبير . إنها أكبر ببضع سنوات من روبرتو ,
ومتزوجة من مهندس ايطالي . . زواجها سعيد , ولديها اربعة
أولاد كما كانت تعرف آخر مرة . ثلاثة أبناء وبنت . ولكن الاولاد
بكل تأكيد لا يحملون اسم باستينو ولذلك لا حساب لهم , وآنا
تعرف هذا وتمتعض منه . كانت تكره جيني , لأنها لو حملت بأي
طفل فسيحمل اسم باستينو .
منتديات ليلاس
لويس كان يجلس قرب آنا . بدا سميناً و ضخماً . . كتفاه
العريضان يتناسبان تماماً مع سترته المفصلة بدقة على قياسه .
ولروبرتو علاقة تخلو من الود مع ابن عمه . فهو على كل الاحوال
باستينو . ابن أحد ثلاثة اشقاء , عملوا جاهدين لبناء إمبراطورية
باستينو . وباستمرار انتقال لويس الدائم من نيويورك إلى لندن ,
ومن لندن إلى روما , لم يكن عدواً لجيني . . بل على العكس فلقد
حاول عدة مرات إظهار إعجابه بطريقة سمجة اضطرت معها إلى
ردعه ببرود . . وها هو الآن يبتسم لها متمتماً بالتحية فردت عليه
تحيته بهدوء .
وجلس ولد صغير إلى جانب لويس , ويده في يده . عرفت من
هو وخفق قلبهـــا ألمــاً .
ولاحظت إيفا نظراتها إلى الصبي . . فقالت بنعومة :
ـ إنه أندرو .
انزلق الصبي من كرسيه ليأتيها راكضاً , ووضعت إيفا يدها على
رأسه الأسود , وأدارته نحو جيني :
ـ جيني هذا أندرو . . أندرو . . . هذه جيني .
وأحست جيني وهي تنظر إلى الطفل بالغضب والتأثر معاً . إنه
صورة عن أبيه . له عينا عائلة باستينو السوداوان المائلتان إلى
الأعلى , يحيط بهما رموش سوداء كثيفة ترتفع إلى فوق . . وشعر
أسود براق , أنف مستقيم متكبر , وجنتاه مرتفعتان . وحده فمه
الزهري الناعم الملــيء بالحداثة والرقة ذكرها بذلك الفم الذي كان
يجبرها يوماً على الاستسلام .
ـ مرحباً أندرو .
امتدت يده بأدب , وأمسكت بها . وأحست بالألم المفاجــئ
للسرور الذي أحست به لملمسها . . وتفحصتها عيناه . . وكأنه
يعرف كل شــيء عنها . . ولكن هل أخبروه بــشــيء بحق الله ؟
تقدمت آنا . . والامتعاض باد في كل حركاتها , وأدارته ثانية
لتعيده إلى المقعد , ونظرت إيفا لابنتها , وتنهدت . . ثم استدارت
إلى جيني وســألتها :
ـ هل ستدخلين الآن لرؤيته ؟
عند باب الغرفة توقفت والتفتت بقلق إلى جيني .
ـ ستكونين حــذرة . . ألن تفعلــي ؟ لا تدعيه يتكلم , ابتسمي له
فقط .
تبتسم ! وتنهدت بصمت , هل تعلم إيفا ما تطلب منها . . .
ومررت يدها إلى شعرها , وحملقت عينا إيفا بالخاتم الماسي الذي
لمع في يد جيني . . . فصاحت :
ـ لا يمكنك وضعه .
للحظات بدا عدم الفهم على جيني , ثم احمر وجهها ونظرت
إلى الخاتم الماسي في يدها . وتأوهت إيفا :
ـ لو شاهد هذا . . .
فقاطعتها جيني :
ـ ولكنني مخطوبة . . وسأتزوج قريباً .
وبدا الارتباك على إيفا , وأخذت شفتاها بالارتجاف .
ـ جيني . . أنت لا تفهمين . . إنه يعتقد أنك لا زلت زوجته .
ـ إنه مخطئ إذن .
ـ ولكن عليك أن تتظاهري لبضع دقائق . . ستسبب الحقيقة
صدمة قاسية له . . . وأي شــيء يمكن أن يقلب توازنه . . فهل
تستطيعين تحمل موته على ضميرك ؟
ـ أوه . . . يا إلهــي ! أنت تطلبين الكثير إيفا !
وببطء سحبت الخاتم من يدها وسألت :
ـ والآن . . ماذا ؟
فتحت إيفا حقيبة يدها , وببطء مدت راحة يدها المفتوحة
فأجفلت جيني مما رأته هناك :
ـ لا . . لن أفعــل !
ـ إنه يموت . . . ولن تتمكني من الرفض . لن اسمح لك .
وارتجفت جيني , ومدت يدها إلى الخاتم , خاتم زواجها
القديم , ووضعته في اصبعها . . إنه خاتم وراثي للعائلة . . إيطالي
قديم الصنع , له شكل أفعيان ملتفان , ولطالما أثار التعليقات بين
صديقاتها . منذ خمس سنوات خلعته ورمته عبر الغرفة إلى والده .
وانحنى أنطونيو يومها ليلتقطه , ويبتسم ببرود ويقول بلؤم :
ـ سيعود الآن ليكون في اليد المناسبة التي يجب أن تضعه لولا
أن تزوجك روبرتو .
منتديات ليلاس
أمسكت إيفا بذراع جيني لتضغط عليها :
ـ شكراً لك حبيبتي . هيا الآن . . إنه بانتظارك .
وأمسكت بيد جيني لتقودها إلى الداخل . . التفتت الممرضة
الجالسة عند الطاولة بفضول , وأخذ قلب جيني يخفق
بجنون , و بدأت تحس بالتعرق في يدها وعلى مؤخرة عنقها عند
أسفل الشعر .
وعلمت أنها تتعمد ملاحظة تفاصيل ما حوله كــي لا تنظر
مباشرة إلى عينيه السوداوين البارزتين من تحت الأربطة البيضاء .
ـ جيني !
صوته كالهمس . . أخف بكثير من أن يسمع . . تقدمت من
سريره .
ـ كنت خائفاً من أن تكوني قتلت في الحادث ويخفون الأمــر
عني .
ـ كنت مسافرة . . . وعدت فور سماعـــي بالخبر .
وتفحص وجهها بنظرته الساخرة المألوفة وتمتم :
ـ لا بد أنك ذعرت . ولكنني أرفض الموت . عندما أخفوا عني
أخبارك تساءلت اذا كنت ســأحتمل الحياة بدونك . . . ولكنني بعد
رؤيتك أنا مصمم على الخروج من هنا , حبيبتي .
والتفتت إلى إيفا , ثم عاودت النظر إليه , فرأته يقطب :
ـ ألن تقبليني جيني ؟
انحنت فوقه مرتجفة , وقلبها يضرب بصوت مرتفع , ولامست
خده بشفتيها . وكانت على وشك أن تستقيم , ولكن يده السليمة
أمسكت بها , ثم لامست وجهها . . ووقعت يده فجأة وأغمــض
عينيه .
وأخرجتها إيفا من الغرفة وذراعها حولها :
ـ إنه دائماً هكذا ! فجأة يصحو ثم فجأة يغيب . . . ولكن هذه
المرة أظنه سينام مرتاحاً لعلمه أنك سالمة . شكراً لك جيني .
ـ لا تشكريني . . بحق الله !
ـ أدرك أن الأمر كان محنة لك .
ـ محنة ؟ كان كالجحيم . . . مم تظنين أنــي مصنوعة ؟ من
حديد ؟ كنت مضطرة للوقوف هنا لتقبيله , وسماعه يناديني . . .
حبيبتي . يا إلهــي . . كم أحسست بالدوار . . . وأنت تشكريني ؟
وانتزعت الخاتم الذهبي الثقيل من إصبعها وأعادته لإيفا :
ـ خذي هذا . لا أريد أن تقع عيناي عليه ثانية . . أو على أي
واحد منكم !
اندفعت في طريقها متجاوزة إيفا , وخرجت راكضة من
المستشفى وكأنما الجن يلاحقها . . تنتحب صامتة . فــي موقف
السيارات توقفت , لم تكن تدري كيف تذهب . . . وفكرت
أخيراُ . . سيارة تاكسي . . يجب أن تحصل على تاكسي . واستدارت
نحو مكتب الاستعلامات لتستخدم الهاتف كي تطلب سيارة تاكسي .
ووجدت نفسها تواجه جوليان , الذي نظر إليها نظرة إشفاق غاضب
قائلاً :
ـ تبدين فظيعـــة .
ـ دعني وشـــأنــي جوليان . . أرجوك !
ـ لا تكونـــي سخيفة . . ســأوصلك .
وانتزعت ذراعها من يده .
ـ ألا تفهم ؟ لقد اكتفيت منكم ! أريد الذهاب لوحدي . . لقد
اكتفيت من عائلة باستينو . . ليوم واحد !
ضحكت بهستيريا وأكملــــــت :
ـ ماذا أقول ! ليوم واحد ! بل للعمـــر كله !
وقال بهدوء جعله يبدو أكثــــر نضجــاُ من سنه :
ـ أفهمـك . ولكنــــني لن اسمـــح لك بالذهاب وحــــدك , فحـــــالتك
بائسة . . . ولا يجب أن تتركي لوحدك جيني . لقد أمرتني إيفا أن
أبقى معك إلى أن تصلـــي شقتك .
وحاولت الخلاص منه , ولكنه لم يتكرها تفعل . . . وقادها
أخيراً إلى سيارته وادخلها إليها . . طريق العودة كانت أكثر صمتاً من
ساعة الذهاب . خــارج شقتها , نظر إليها وهو يطفــئ المحرك .
ـ جيني . . . أمــي ارادتني أن أقول لك . . .
فصاحت يائســة :
ـ لا أريد أن أسمع شيئاً .
فتحت الباب وخرجت قبل أن يتمكن من ملاحظة ما فعلت .
وخرج مستديراً أمام السيارة , ولكنها كانت قد اصبحت داخل المبنى
ووجدت مفتاحها ودخلت الشقة , اقفلت الباب , واتــكأت عليه . . .
تتنفس بعمق .
وبدأت الدموع تنهمر على وجههــا . . وقرع جوليان الباب
وناداها دون جدوى . . فهــي لن تستطيع التحرك حتى ولو
أرادت . . . وأخيراً سمعت وقع أقدامه تبتعد . . . . وببطء , انزلقت
على الأرض . . وغابت عن الوعـــي .

نهاية الفصل (( الأول )) . . .
http://smiles.al-wed.com/smiles/42/117665xz7vascr2h.gif

جمره لم تحترق 10-02-12 10:23 PM

2 ـ أقوى من النسيان
 
http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayat542ba2e1ed.gif2 ـ أقوى من النسيان
http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayat542ba2e1ed.gif

وقف غرانت في غرفة عملها مائلاً رأسه ينظر إلى رسوم الأزياء
الملونة , بنظرات رصينة لطيفة .
ـ أنت تتحسنين كل يوم . . ولسوف تلمعين في عالم الأزياء
أكثر من دانــــي أتعلمين هذا ؟
ـ وهل يعلم دانــــي بذلك ؟
ضحكت ونظرات عينيها الخضراوين تتراقصان .
ـ بالطبع يعلم . إنه يعرف أكثر من أي منا , دائماً يقول إنك
ستصبحين رائعة .
واقترب غرانت ليحدق بالخطوط الــدقيقة واللمسات الناعمة
لرسم زي الفستان أمـــامه :
ـ يعجبني هذا . . غريب كيف يبدو متماسكاً عن بعد , ويزداد
غموضــاً عن قرب .
ـ ليس من المفترض أن تنظر إليه وأنفك فوقه .
واستدار لينظر إليها ضاحكاً , ثم تقدم ليحتضنها ولامس أنفه
خدها مداعباً :
ـ أنت لا تطاقين جيـــني .
ـ ومــاذا تعني ؟
ـ جميلة , ذكية . . وهذا ليس عـدلاً .
فضحكت :
ـ ليس عدلاً ولمن ؟
ـ لكل إناث الأرض .
ونظرت إليه بعاطفة , ومالت بطريقة كلها ثقة , ولفت ذراعيها
حول وسطــه . . وهمست :
ـ ولكننـــي أحبك .
وارتفع حاجباه :
ـ عندما أطريك ؟
ـ بل فـــي كل ثانية من اليوم .
ـ هذا ما أحب سماعه . . . والآن يجب أن أذهب . . . فلدي
زبون أقابله بعد قليل .
ـ أيجب أن تذهب ؟ لم أراك كثيراً هذا الأسبوع .
إنها بحاجة لرؤيته , وخاصة بعد زيارتها لروبرتو . . لم تكن قد
ذكرت شيئاً أمامه بخصوص الزيارة بعد , فقد وجدت صعوبة في
محاولة الشرح , والله يعلم أنها قصة بسيطة , ولكن أي ذكر لروبرتو
باستينو يجعل غرانت يغضب .
وقال لها بلطف :
ـ بعد أن نتزوج ستتغير الأمور . . . ستصبح مختلفـــة .
غرانت كان يحبها منذ سنوات طويلة , حتى وهي متزوجة من
روبرتو . وكانت دائماً تعرف هذا . فهو لم يبقِ الأمر سراً , ولكنها
لم تستجب له ســوى في السنة الأخيرة , إذ وجدت فيه الأمان الذي
تحتاجه .
قال لها وهو في طريقه إلى الباب :
ـ سيعود دانـــي من باريس بعد يومين .
ـ أعلم . . لقد أرسل لــي برقية . . لا بد أنها كلفته ثروة ! إنها
رسالة أكثر منها برقية .
فضحك غرانت :
ـ أعماله رائجة , وباع كل التصاميم .
ـ هذا يفسر الأمر . هل أبرق لك أيضاً ؟
ـ لا . . بل اتصل هاتفياً . . من هي لورين ؟
ـ لورين ؟ لا أدري . . . هل ذكرها لك ؟
ـ عدة مرات , ولكنني لم أفهم ما هي علاقتها به .
ـ أنت تعرف والدي العزيز . . . ربما تكون عارضة أزياء .
فابتسم غرانت :
ـ آسف لـلسؤال .
فلكمته :
ـ ولماذا ؟ أنا فتاة كبيرة الآن , والأيام التي كان يخبئ فيها
صديقاته عني قد ولت . أتساءل إذا كانت تعرف الطبخ . . أتذكر
لينا ؟ كان طبخها كالحلم .
ـ وكانت عارضة أزياء رائعة . . . تلك الأكتاف الرائعة . . .
وضحكا معــاً . . . وقالت له :
ـ أيها المحتال . . . كتفـيها هاه !
ففتح الباب وقال :
ـ أنسى دائماً أنك لا تتأثرين بشــــيء .
ـ بعد عيشي مع داني طوال حياتي ؟ كيف يمكن أن أتأثر من
شــــيء ؟
وقطب وجهه :
ـ ليس هناك شـيء من الغيرة في نفسك . . أليس كذلك جيني ؟
كلماته جعلتها تجفل واسودت عيناها . انحنى وقبلها على
خدها ثم رحل . عادت إلى غرفة عملها , ووقفت قرب النافذة
تتمتع بشمس الخريف الدافئة , لقد تغير الطقس في اليومين
الماضيين . وتوقف المطر والريح . وحدها الأشجار العارية سوى
من بضع ورقات كانت تذكرها بالخريف .
ليس هناك شــيء من الغيرة في نفسك ! إن معرفته بها قليلة !
وفكــرت بالمشاعر الوحشية الطاحنة التي عذبتها مرة . . وامتدت
يدها إلى معدتها وكأنمــا تلك المشاعر قد عادت لتعصرها ثانية .
وأغمضت عينيها وصرخت . . يا إلهــي ! وبدا صوتها غريباً , مغايراً ,
في الغرفة المشمسة .
لم تسمع شيئاً من عائلة باستينو منذ هروبها من المستشفى يوم
زارت روبرتو . . لا بد أنه استعاد عافيته , فهي لم تشاهد أي خبر
في الصحف عن موته . مجرد فقرة صغيرة تروي الحادثة وتقول إنه
مصـــاب .
منتديات ليلاس
حاولت مرة الاتصال بالمستشفى لتســأل عنه , وبالرغم من
امتداد يدها إلى الهاتف , إلا أنها تراجعت . . فلو أنه مات لأبلغت
بالأمــر . ولكن أحلامها كانت تفيض بذكــراه . كرامتها وحدها منعتها
من العودة إلى المستشفى لرؤيته ثانية , ولو للحظات , و لتسمع
صوته الأجش يقول (( حبيبتــي )) .
واستدارت غاضبة عن النافذة لتجلس وتبدأ العمل . . وأخذت
ترسم وجه فتاة ترتدي الزي الذي تصممه . . . ثم توقفت فجأة
لتنظر إلى الرسم بذهول . . قسمات وجه أندرو الطفولية أخذت
تبدو لها من خلال الرسم . فــأجفلت .
ومزقت الورقة من دفتر الرسم , وكادت تقطعها لولا رنين
جرس الباب الذي أوقفها فوضعتها من يدها وتوجهت لتفتحه .
ووقفت إيفا بلطف , وقساوة معاً . وجهها النحيل ملــــيء
بالتصميم . .
وتنهدت جيني :
ـ ماذا تريدين إيفا ؟
العينان السوداوان كانتا ثابتتين :
ـ ألا تريدين معرفة ما إذا كان قد مات أم بقــي حياً ؟
ـ لو أنه مات لعرفت . . . العالم كله كان سيعرف .
وهزت إيفا رأسهـــا :
ـ كيف يمكن لك أن تكونـــي قاسية ؟ إنه بحاجة لك . اذهبـــي
إليه . . لمَ ابتعدت ؟
رفعت جيني كلتا يديها لتمررهما على شعرها لتخرب تصفيفته
الناعمة :
ـ إيفا . . أشفقـــي علي لأجــل الله !
ـ كنت أتمنى أن لا أطلب هذا منك . . . ولكن روبرتو هو فــــي
المقام الأول عندي يا جيني .
ـ إنه هكــذا دائماً . . إنه الأول لدى الـجميع .
فحملقت إيفا بها بعينين واسعتين :
ـ ألهذا الدرجة مرارتك , لقد كان فاقد الوعي معظم الوقت منذ
أن زرتيه . . ولكنه استفاق الآن . . وهو يسأل عنك ثانية .
فشحب لون جيني واشتد بياضه :
ـ أتعنين أنه لم يسترجع ذاكرته بعد ؟
فهزت إيفا رأسها نفياً . . . فاستدارت جيني إلى الشقـــة :
ـ يا إلهــــي !
ولحقت بها إيفا , تنظــر من حولها بفضول , تلاحظ ترتيب غرفـــة
العمل , وكيفية تعليق رسومات الأزياء فوق الــحائط وعلى الرفوف .
ـ إذن . . هنا تعملين ! لقد بدأت تحققين النجاح . هكـــذا
سمعت . ولا بد أن والدك فخور بك .
ـ أجل . . إنه فخور بي . . إيفا . . لن أستطيع الذهاب . . إذا
كان قد أصبح بصحة أفضل . . فيجب إعلامه بالحقيقة .
ـ ونقتلــه !
ـ لن تقتله الحقيقة !
ـ لقد سمعت ما قاله . . بدونك لا يريد العيش .
واستدارت جيني على عقبيها , مرتجفة , عيناها مليئتين
بالاتهـــام :
ـ كلانا يعرف إنه عاش من دوني خمس سنوات . ولن يموت
الآن لمجد تذكره أننــي لم أعد زوجته .
ـ ولكنه لا يتذكر, وصدمة إبلاغه ذلك قد تحدث له ضرراً لا
يمكن إصلاحــه .
بالرغم من اضطرابها , ضحكت جيني :
ـ إنه أقوى من هذا . . . رأسه أقســى من الصلد .
ـ كان هكذا . . . ولكنه الآن ضعيف , هش , يتمسك بالحياة
بخيط رفيع , وأنا أرفض قطع ذلك الخيط بقولــي له ما يرفض
سمــاعه .
والتقت عيناهما . . فتنفست جيني بصعوبة :
ـ لا يريد أن يسمعه ؟ ماذا تعنين ؟
فتمتمت إيفا :
ـ أوه . . . جيني . . . أنت تعرفين بالضبط ما أعنــي . . . لقد
حصلت على رأي أخصائي نفسي بهذا الأمر . . روبرتو لم يفقد
ذاكرته فقط . . بل إن عقله الباطن يرفض أن يتذكــر .
وأخذت جيني تتحرك بقلق :
ـ ولماذا ؟ . . أعرف ما تحاولين عمله إيفا . . . ولكنك لن
تنجحي . . يجب أن تتقبلــي أنني و روبرتو قد انتهى أمرنا معاً ,
وهكذا كان منذ خمس سنوات . وحادثته لن تغير من الواقع شيئاً .
بعد ثلاثة أشهر ســأتزوج ثانية . وأنت تعرفين هذا .
وتجاهلت إيفا ملاحظتها وقالت بخشونة :
ـ روبرتو يحمي نفسه . . . هذا ما قاله الطبيب النفسي . . . إنه
يعرف أنه مريض وقد يموت . . . لذلك عاد إلى أيامه السعيدة
معك , وهذا يشعره بالأمان . ويعطيه سبباً ليعيش من أجلــه
ـ أتعرفين ما تقولين ؟ إنها ليست الحقيقة .
ـ يا عزيزتي . . أنا واثقة . . . روبرتو لم يفقد ذاكرته نهائياً , بل
فقد الجزء الأخير منذ فقدك . لقد أقفل عليها الباب . حــتى
أندرو . . ابنه . . . الذي يحبه . . . صدقيني . . . لا يذكره . ولا
يمكن له أن يرفض تذكــر ابنه للاشــيء . ومع ذلك ينظــــر إلى الولد
دون أحساس ويســأل : من هذا ؟
وعضت جيني شفتها .
ـ يا للولد المسكين ! وهل تألم لهــذا ؟
فتنهدت إيفا :
ـ لقد تكدر بالطبع . ولكنني أبعدته عن الجو , وشرحت له أن
إصابة أبيه جعلته يفقد ذاكرته , وأظنه فهم الأمر .
واستدارت جيني . . . تلف ذراعيها حول نفسها وكــأنها تكاد
تتجمد من البرد . . . وقالت :
ـ مهما يكــــن . . . لن أستطيع الذهاب .
منتديات ليلاس
وتقدمت إيفا من الطاولة , حيث ورقة الرسم المنزوعة من
الدفتر الكبير . . والتقطتها لـتنظــر إلى الرسم غير مصدقة :
ـ هذا عظيم . . . عظيم جداً . . . كــم أنت بارعة يا جيني !
فــاحمر وجه جيني .
ـ أوه . . . إنه مجرد خربشة من الذاكرة .
ـ ولكنك التقطت ملامح وجهه ببراعة . هل لــي أن أحتفظ بها ؟
ســأحافظ عليها كأنها كنز . . . جيني . . . أرجوك !
ـ بالطبع .
ـ شكــراً لك .
ونظرت إليها إيفا بعينين دامعتين :
ـ أرجوك اذهبي إليه . . أرجوك !
وتأكدت جيني أن لا مفــر لها . . وستبقى إيفا هنا إلى أن توافق
فقالت :
ـ أوه . . . حسناً .
وفي السيارة سألتهــا إيفا .
ـ مــاذا قال خطيبك عندما أخبرته عن روبرتو ؟
ـ لم أخبره بعد .
ـ ألا يعرف شيئاً عن حالته ؟
ـ أشك في أنه يعرف عن الحادثة أصلاً .
ـ وهل تظنيني سيمانع ؟
فضحكت ببرود :
ـ تعرفين جيداً أنه سيمانع , فأنا خطيبته , ومع ذلك أذهب
لأقف قرب فراش رجل آخــر وأتظاهر إننــي زوجته . . فماذا تتوقعين
منه ؟
ـ مما أذكره عنه , مع ما قلته , كــــان دائماً لطيفاً واسع المخيلة . . .
وبالطبع سيفهم .
توقفت السيارة خارج المستشفى , ولحقت جيني بإيفا إلى
الفناء الداخلـــي , ثم إلى المصعــد . . . خارج غرفة روبرتو توقفتا ,
ومدت إيفا يدها إلى جيني :
ـ الخاتم .
ارتجفت يد جيني وهي تأخذه . وفتحت إيفا الباب هامســة :
ـ ســـأنتظر في قاعة الانتظــــار .
بعد لحظـــات دخلت الغرفــــــة . . وكانت فارغـــــة وصامتة . .
والطيف الملفوف بالأربطــة فوق السرير لم يتحرك وهي تتقدم إليه .
ووقفت بهدوء إلى جانبه . . . ثم انحنت غير قادرة على مقـــاومة
إغراء يدفعهـــا , ولمست بشفتيها جبينه .
وعلى الفور امتدت يده لتلتف حول عنقها . فرفعت نظرهـــــــا
لترى أن جفنيه قد ارتدا عن عيني السوداوين , وهمــس :
ـ جيني . . . حبيبتي . . . أخيراً . . أين كنت ؟
وحاولت الابتعاد عنه دون جرح مشاعره , ولكــــــن يده كان لها
قوة غريبة ولم تتركهـــا . . فقالت :
ـ تبدو أفضـــل حالاً الآن .
ـ قبلينــــــــي ثانية . . . كنت نائماً . . هذا ليس عدلاً . . أريد أن
أكـــــــون مستيقظاً عندما تقبليني .
وقبلته بخفة , ولكن يده ضغطت على عنقهــا , وأبقت وجههـــــــــــا
قربه بينما كان يمرر فمه على خدهـــا .
لم تكن تتصور مطلقاً أنها ستشعر ثانية بهذه المشـــاعر معه .
وآلمها ذلك حتى أنها أرادت أن تهرب . وتخلصــــت من قبضته ,
ووقفت ويداها متشابكتان . . تتنفس وكــأنها كانت تركض .
وتحرك بقلق . . ولاحظت الألم في عينيه , وســألها :
ـ ما بك ؟
ـ يجب أن تبقــى دون حراك . . . فالتكدر لا ينفعك .
ـ ولكنني ســأتكدر أكثر لبرودك معــي . . تبدين أكبر سناً . . .
هل يجب أن تبقى هذه الستائر مسدلة فوق النافذة ؟ أريد أن
أراك . . . اقتربـــــــــي منـي .
واستدارت لتجر الكرسي وتجلس قرب السرير , مبقية رأسها
بعيداً . . لا بد أنه سيلاحظ التغيير عليها , فذاكرته تفتش عن الفتاة
ذات التسعة عشر سنة . وهي الآن امرأة في الرابعة والعشرين .
ـ لا يجب أن أبقى طويلاً .
ـ ولكنك وصـــلـــت لتوك . . ما الأمــر . . لماذا تبتعدين عنــــي
هكــذا ؟
فاستجمعت كل شجاعتها , ومالت إلى الأمـــام مبتسمة :
ـ آسفـــة لهذا . . . كنت قلقة عليك .
فانفجــرت أساريره :
ـ بالطبع ! يا عزيزتي المسكينة ! آسف لأنـــني سببت لك
التعاسة . أنت صغيرة على وضع كهذا . . . يا حبيبتي . والأمــر
صعب عليك . ولكن لست أدري ما حدث , ولا كيف حدث , كل
ما قالوه لــي إننــي حطمت السيارة .
وبدا مريضــاً , ضعيفاً , ولكن لم يبدُ أنه يموت . . إنه منطقــي ,
وواضح التفكير .
ـ لقد انسكب الزيت من صهريج , وتزحلقت السيارة فوقه .
فقطب :
ـ ومتى كان ذلك ؟ آخــر ما أذكــره هو رحلتنا إلى لندن . أذكـــر
عودتنا من مطار هيثرو . . وكنت معـــي في السيارة . . . يومها لم
لم تحصل حادثة أليس كذلك ؟
و أحـــســت بألم في حلقها , وابتعدت بصعوبة .
ـ لم أكن معك ســـاعة الحادثة .
ـ لا . . أمــي قالت هذا . . أذكر . . . لماذا تأخرت عن المجيء ؟
أين كنت ؟ مع داني كما أعتقد ؟ ومع صديقك العزيز غرانت ؟
ووقفت بقوة عن الكرســـي حتى كادت الكرسي تقع .
ـ يجب أن تنام الآن روبرتو . لقد وعدت الطبيب أن لا أبقى
أكثر من دقائق .
ـ أبقي هنا . . لم تردي على ســـؤالي . . هل كنت مع غرانت
كراولــي ؟
ـ لا . . . لم أكن معه . . . كنت مع أبـــي في باريس .
وبدت عليه الراحــــة :
ـ أوه . . . أنا آســف حبيبتي .
ـ والآن يجب أن أذهب .
فهمـــس :
ـ قبليني .
منتديات ليلاس
وقبلته . رغـــم إحـــســـاسهــا بالعـــذاب , وداعبت يــده شعرهـــا
الحريري . فارتجفت , ثم عاد إلى الاستقاء متنهداً , وبدا لها مرهقاً
حتى أن مشاعر الحنان لديها تحركت نحوه . فقالت له متوسلة :
ـ عــدني أن تنام الآن .
فابتسم وتمتم بصوت ضعيف :
ـ أعدك .
وقبل أن تتركـــه كان يغط في سبات عميق .
وكـــان مع إيفا رجــــل قصــيـــر ممتــلئ تبدو عليه الأهمــيــة . فابتسم
لها ومد يده :
ـ آه . . سيدة باستينو , سعيد جداً لمقابلتك .
فردت جيني بحدة وهي تنظر إلى إيفا :
ـ أن الآنســة نيوهام .
وقالت إيفا :
ـ هذا هو السيد كيلي , الأخصائي الذي سيتولــى معــالجة
روبرتو .
ونظرت إليه جيني دون اهتمام :
ـ هل أنت طبيب نفساني ؟
فرد بسرور :
ـ من بين عدة أشياء . . كيف وجدت زوجك ؟
فردت بحزم :
ـ نحن مطلقان .
فابتسم :
ـ ولكنه لا يعتقد هذا .
ـ مهما كان يظن . . فنحن مطلقان .
ـ قانونياً أجل . . . ولكن إذا لم يكن يتقبل الأمــر . . . فأنت
مجبرة .
ـ هذا مناف للعقـــل !
فابتسم بخبث :
ـ ولكنك هنا سيدة باستينو , وهذا يدل على أنك تتقبلين فكـــرة
ارتباطه بك .
بدت عليها الصدمـــة والشحوب .
ـ لقد جئت لآن أمــه توسلت إلي .
ـ وإن يكــن . . مهمــا كــان السبب الذي تبررين لنفسك به , فلقد
جئت . وهذا مــا يقول لــي إنك ملتزمــة به .
ووضعت جيني قبضتيها على جبينها :
ـ لا !
وأدار الرجل القصير ابتســـامته نحو إيفا :
ـ هل لــي أن أتحدث إلى السيدة باستينو على انفراد ؟
وأمسك بذراع جيني .
ـ هل تسمحين أن تأتـــي معي إلى مكتبي ؟
فقالت إيفا :
ـ ســـأنتظرك هنا عزيزتي .
وقدم لــها كرسياً أمام طاولته , وجلس مبتسماً :
ـ زوجك لا يذكــر الحادثة . . أتعرفين هذا ؟
ـ قال لـــي .
ـ وهل قال لـك آخـــر ما يتذكر ؟
ـ أجـــل .
ـ وهل تسمحين بقوله لــي ؟
فهزت كتفيها :
ـ لست أرى حقـــاً . . .
ـ أرجوك !
فــتـــنــهــدت :
ـ آخـــر ما يذكره رجوعنا من رحلـــة إلى لندن .
ـ ومتى كــان ذلك ؟
ـ منذ أكثر من خمـــس سنوات .
ـ وهل لهـــذا أي ميزة لــديــك ؟
وجمدت الابتســـامة على شفتيها . . ميزة ؟ . . أجــل . . إنها تذكر :
ـ بعد أيام من عودتنا تشاجرت معه وتركته وعدت إلى منزل
أبــي . . .
ولم تستطـع أن تكمــل , وارتجفت شفتاها , واندفعت الدموع
إلى عينيها .
ـ وبعدها . . .
ـ لم يكن مخلصــاً لـــي .
ـ وهل اكتشفت هذا بنفسك ؟
وهزت رأسها ايجابياً وهي تتذكر , لقد نامت عند والدها ليلة . .
ثم في الصباح اكتشفت خطأها , فأخذت سيارة تاكسي إلى منزلها
في الصباح الباكر , وبكل الحب والشوق ركضت لتصل إلى غرفة
نومها , غرفتهما , وفتحت الباب لتجمد وكأنها تلقت رصــاصة في
قلبها .
من على الوسادة قرب رأس روبرتو الأسود , رفعت جيسكا
رأسها ذي الشعر الأحمر مبتسمة , ولم تقل كلمة , بل تحولت
البسمة إلى ضحكة . . . وأخذت العينان السوداوان تسخران منها .
واستدارت جيني دون كلمة وخرجت من المنزل . . . فيما بعد
ذلك اليوم جاء روبرتو ليراها . ولكن والدها رفض السماح له
بالدخول . ومن غرفتها في منزل والدها سمعت الصراخ . . . وحاول
روبرتو اقتحام طريقه إلى الداخل . . . ووصل غرانت . . . وكانت
معركة قاسية , شهدت كل فصل منها وهي ترتجف وتحس بالسقم .
و معاً . . تمكن والدها و غرانت من طرده . وفي اليوم التالي كانت
جيني في طائرة متجهة إلى لندن للإقامة مع عمتها هناك . . . ومن
هناك أرسلت وكالة لمحاميها لإجراء الطلاق . وأرسل روبرتو عدة
رسائل لها . . لم تفتح أي منها . . . وعادت لتتم إجراءات الطلاق
في أمريكا . . . وبعد أسبوع تزوج روبرتو من جيسكا . وبعد الزواج
بثلاثة أسابيع ولدت له أبنها , أندرو . . الولد الذي وضع روبرتو
كل دمغات العائلة عليه , ولا مجال له لإنكــار بنوته .
ـ وهكذا تطلقتمــا ؟
ـ أجل .
ـ وهل رأيته منذ تركتـــه ؟
ـ لا . . .
ـ إنها قضية فتحت وأقفلت . . . أليس كذلك ؟
ـ صحيح ؟
ـ هيا الآن سيدة باستينو . . .
فصاحت بشراســة :
ـ لا تناديني بهذا الاســم !
ـ يا عزيزتي الشابة , وماذا في هذا الاسم ؟ لا يمكن الجدال
حول الأمر , فزوجك بكل مرارة نادم على الطلاق . ويرفض كل ما
مر به منذ يوم تركته . لقد أبعد تلك الفترة عن ذاكرته , لأنه فــي
حالته الحاضرة , عقله الباطن يعف أنه لا يستطيع مواجهة تلك
المرحلة من جديد . وإلى أن يستعيد عافيته سوف يستعيد ذاكرته .
ـ وماذا إذن ؟ لا أستطيع الاستمرار في الادعاء . فأنا مخطوبة
لـــرجل آخــر .
ـ هكذا عرفت . . . منذ متى أنتما مخـطوبان ؟
ـ منذ أكثر من أسبوع .
واتسعت عيناه بخبث .
ـ حقــاً ؟ هذا مثير للاهتمام !
وحـــدقت به جيني . . . لماذا يبتسم هكذا ؟
ـ هل أعلنت خطوبتكمـــا في الصحف ؟
ـ طبعــاً . . .
منتديات ليلاس
شهرة داني في عالم التصميم , وشهرة دار الأزياء التي يملكها
غرانت , جعلت نشر الأمــر محتماً . حتى أن عدة صحف نشرت
قصصاً صغيرة حول الأمــر .
ـ هل تذكرين تاريخ ظهور تلك القصص ؟
ـ يوم الخطوبة بالضبط . . . أوه . . . لا في اليوم التالي . . .
وتوقفت عن الكلام فجأة وحدقت بالرجل . . . ثم قالت ببطء :
ـ يوم . . حصلت . . الحادثة . . لــ روبرتو !
فابتسم , وبدا الرضى على وجهه .
ـ بالتحديد . . . هذا مــا كنت أرتاب فيه . . . وكما قلت قضية
فتحت وهي مقفلة . . . وواضحة جداً .
ـ بل أكثــــر من واضحة . . . وأنا لا أصدقها .
وضم يديه معاً وكأنه يصلي . . . وابتسم دون أن يخفي رضــاه :
ـ وهل لديك تفسير آخـــر ؟
فوقفت :
ـ ليس في الوقت الحاضر . . . ولكنـــني ســأفكــر بتفسير آخــر .
وانفجــر ضاحكــاً .
ـ افعلـــي هذا أرجوك سيدة باستينو .
فحملقت به غاضبة , وقالت بعد تفكيــر :
ـ ألم يتبادر إلى ذهنك لو أن ظهور خبر خطوبتي هو سبب
حادثة اصطدام سيارة روبرتو . . فقد يكون فقدان الذاكرة شيئاً
متعمداً ؟
فاتســعـــت ابتســـامته :
ـ بالطبع . . . ولكن ليس بالضــرورة كمــا تعنين أنت . فهو لا
يدعـــي سيدة باستينو . . لقد فقد الذاكرة حقاً للخمس سنوات
الماضية . لقد جاهد عقله بكل طاقته ليقفل الستارة عن الذكريات
المؤلمة لحماية نفسه . وكما قلت , عندما يستعيد عافيته الجسدية ,
سيسمــح عقله للذاكــرة أن تعود .
ـ وحتى ذلك الوقت ؟
فهــز كتفيه .
ـ يجب أن أصــــر على أن لا تحرريه من هذا الوهم إلى أن
أسمح أنا بذلك . فقد تكون الصدمة مؤذية جداً له .
وحدقـــت بالأرض تعض شفتيها :
ـ لن يموت . . . وأنا واثقة من هذا . لقد كـــان أقوى بكثير اليوم
عمــا شاهدته أول مرة .
ـ ولكن الصدمــة قد تقتل أي إنســـان وهو بصـحــة كــاملة ,
صدقيني ! وعندمـــا يصــاب شخص كــزوجــك سيكــون الخطــر مضاعفاً .
وأغمضــت جيني عينيها . . . وهمست بيــــأس :
ـ أوه . . . يا إلهــــي ! . . . لست أدري كـــم أستطيع أن أتحمــــل
بعــد .

* * *
نهاية الفصـــل (( الثانــي )) . . .
http://smiles.al-wed.com/smiles/42/117665xz7vascr2h.gif

جمره لم تحترق 10-02-12 10:27 PM

مع إن مافــي متابعة للآســـف
فالمفروض ما اتحمس أنزل إلا فصــل
بس موعدنــا غداً إن شــاء الله
باربعة فصــــول
لنـــــا لقاء غداً الساعة 11
تحياتي
جمرة لم تحترق
http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayatb3357a724a.gif

جمره لم تحترق 11-02-12 10:08 PM

3 ـ القلب الخائن
 
http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayat542ba2e1ed.gif3 ـ القلب الخائن
http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayat542ba2e1ed.gif

كان الخريف قد بدأ يولــي ممهداً لقدوم فصل الشتاء الذي
يبطــئ بنعومة متمثلاً بضباب صباحي , وطقس مكفهر بارد ,
وزخات من المطر . بقيت الحرارة مرتفعة أكثر من المعتاد , فترى
النساء والرجال يسيرون في نزهاتهم باللباس الصيفي الخفيف .
بالغرم من كل حكمتها , استمرت جيني بزيارة روبرتو في
المستشفى . . وكانت تمضي معه يوماً نصف ساعة جالسة قرب
سريره . . تمسك بيده . . تراقب النور الساطع في عينيه وهو
يتأملها . كان يمازحها بلطف , كما كان يفعل في الأشهــر الأولى
لزواجها . . مظهراً لها الحنان الدافئ . الذي تتذكره بحزن وأسـى .
تلك الأشهر الأولى كانت أكثر اللحظات سعادة فــي
حياتها . . فروبرتو مُحب مثير , حساس , يعــي تماماً براءتها . يحبها
ويحميها , وإن كان يجرفها معه في لجج رغبته الحارة , العقبة
الوحيدة التي كانت تعكــر صفو تلك السعادة التامة كان والد زوجهـــا
أنطونيو وعدائيته نحوها فهو لم يكن يخفي عن أحد رغبته في أن
يتزوج ابنه من ابنة عمه جيسكا .
بعد عودتهما من رحلة إلى لندن , كمحاولة يائسة لاستعادة
سعادتهما , عادت المشاكل حـــال وصولهما إلى نيويورك . فقد كان
موعد حفلة عيد ميلاد جيسكا ليلة وصولهما . . وكانت جيني حينها
متعبة من السفر , فآوت إلى الفراش باكراً , بينما بقي روبرتو ليحضر
الحفلــة .
لم تستيقظ جيني إلا بعد منتصف الليل على صوت موسيقى
منبعثاً من الأسفل . نهضت من فراشها ومن على فسحة السلم
تطلعت إلى المرآة الضخمة التي تعكس ما في الصالون الطويل ,
فشاهدت جيسكا , مغمضة العينين , تسبح مع الموسيقى بين ذراعي
روبرتو . فعادت إلى فراشها متوترة , والغيرة تنهشها . . . ولم تغط
في النوم إلا حوالي الرابعة صباحاً ولم يكن روبرتو قد عاد بعد إلى
فراشه . . . مع أن المنزل كان خالياً يسوده الصمت .
وكان هذا بالطبع سبباً لخلاف آخــر . وتدخل أنطونيو باستينو
بعنجهيته وكبريائه , مقطباً وجهه قائلاً لها :
ـ إذا كنت تغارين من جيسكا فاسألي نفسك عن السبب ! ألست
تغارين بسبب معرفتك أنها هي امرأة من طبقته , وليس مجرد فتاة
جميلة جاهلة نكـــرة .
عندهــا خلعت جيني خاتم الزواج من يدها لترميه له بينما ظل
روبرتو صامتاً لا يفوه بكلمة . وسارعت إلى منزل أبيها , معتقدة أن
لروبرتو نفس وجهة نظر أبيه , وأنه قد ندم على زواجه منها , لكنها
مع بزوغ أول شعاع لضوء الصباح سارعت إلى منزل باستينو
لمحاولة كسب ود زوجهــا , مهما يكن الثمن .
ما شاهدته يومها لم يكن ليفارق مخيلتها ليلاً ونهاراً ولأشهر
طويلة . . . روبرتو غافٍ في فراشه . . وإلى جانبه جيسكا يعلو
وجهها بسمه انتصــار .
لم تزل هذه الذكرى تحز في نفسها حتى هذه اللحظات . . لم
لم تستطع النسيان , كانت تعرف بالطبع , أن هناك الكثير من النساء
قبلها . . ولكنها آمنت بكــل سذاجــة , أن روبرتو بعد قســمه
بالإخلاص , لن يفعل ما قد يســــيء إليها .


الساعة الآن 08:09 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية