وغادرت كارسا الشقة لتعود الى مكتبها ، ورغم تراكم العمل عليها ، إلا انها أحست بسعادة كبيرة لأبتعادها ، ولو لساعات قليلة عن كايد ، وفي الموعد المحدد للإنصراف ، تركت كاريسا المكتب بعد ان سلمت الفتاة التي ستنوب عنها في فترة غيابها كل ما يمكن أن تحاجه من أوراق وملفات ومعلومات ، حزمت حقائبها بسرعة وعادت الى شقة موريس.
وفي تمام الساعة التاسعة والنصف إنطلقت السيارة بإتجاه المنزل الريفي ، وإطمأنت الشابة وهي ترى في مرآتها الأمامية أضواء سيارة المرسيدس الخضراء التي سترافقها طول الطريق. وركزت كاريسا ذهنها على القيادة وهي تحاول بصعوبة ان تتجاهل الرجل الجالس قربها ، حافظت على حدود السرعة القصوى المسموح بها ،وكانت تسترق النظر بين الحين والآخر لتتأكد من وجود الحارسين وراءها. أحست بكايد يلتفت الى الوراء ، وأحرقتها النظرة الفاحصة التي رماها بها قبل ان يعيد بصره الى الطريق. حاولت كاريسا أن تسيطر على توترها، وهي تذكّر نفسها انه يعتقد انه لم يرها من قبل ، طبعا لن تذكّره بلقائهما القديم ، لا تريد ذلك ، ما تشعر به الان ليس حبا ، بل مجرد تاثر لذكرى محزنة تركت آثارا سلبية على حياتها كلها ، لكن لماذا ترتعش عندما يلامس كتفها كتفه؟ حبها له إنتهى منذ سنوات طويلة ! وجوده قربها يزعجها ، لا بد أن تسيطر على هدوء اعصابها. وإسترقت كاريسا نظرة خاطفة الى الرجل الجالس بجوارها ، إنه لا يشعر بوجودها إلا كما يحس أي رجل امام إمراة جميلة ، هل حذّره موريس ، يا ترى ، من ان واجباتها نحوه لا تتعدى المطبخ والإهتمام بشؤون المنزل ؟هي غير متاكدة من ذلك ، فمن عادة موريس ان يتملّص من أي مواجهة مباشرة قد تحرجه أو تزعجه. وجاءها صوت كايد : " أنت سائقة ماهرة". صوته الهادىء جعلها تضغط بقوة على المقود وكانها تحتمي به من نفسها . " هل تمانعين بان اتحدث اليك وانت تقودين ؟". " لا ، طبعا لا ". كان هدوؤها المصطنع يفضح مشاعرها الحقيقية ، من عادتها ان تفرح لوجود رفيق يؤنس وحدتها في الرحلات الطويلة لكنها خائفة هذه المرة من أن تصدر عنها أي كلمة تذكره بها ، عليها ان تتغلّب على إضطرابها ، من واجبها ان تروّح عنه، فلتدعه يتكلم عن كان يريد ذلك . "كم يبعد المنزل الريفي من هنا ؟". " بضع مئات من الأميال ،وخمس ساعات من القيادة ، أي سنكون هناك حوالي الساعة الثانية صباحا". " أعتقد بانني استطيع ان احسب بمفردي ". سخريته اللاذعة جعلتها تعتذر بعفوية : " آسفة ". إقترب منها بسرعة وأخذ يحدّق في ملامحها ، توترت أعصابها وتساءلت عن السبب الذي يجعله يتصرف هكذا؟ حاولت ان تبدأ حديثا سطحيا عابرا تداري فيه إضطرابها . " هل تستطيع القيادة ؟". صمت لحظات قبل ان يجيب : " نعم ، كانت القيادة من أولى الأشياء التي تعلمتها بعد إستعادة بصري ، هل تريدين ان أنوب عنك قليلا ؟ إنني لا أعرف الطريق لكن..". " لا ، شكرا ، موريس طلب مني ان أقوم أنا بهذه المهمة ". " هل تنفّذين دائما كل ما يطلبه منك موريس؟". " في معظم الأحيان ، هل نسيت أنه رئيسي في العمل ؟". كان لا يزال ينظر اليها لكنها أبقت نظرها مسمّرا على الشريط الممتد أمامها ، لن يستطيع في أي حال أن يتبين ملامحها في هذا الظلام الدامس وسالها : " منذ متى تعملين لدى موريس؟". " منذ خمس سنوات ". " كمساعدته الخاصة؟". " بدأت كموظفة إستقبال ". " وصعدت السلم تدريجيا ؟ فتاة ذكية ". لم تعجبها الطريقة التي تكلم بها ، لكنها لم تجد في الكلمات شيئا يجعلها تعترض ، فسكتت ، وكذلك صمت كايد ، لكنها احست بتوتره رغم تظاهره بالهدوء. وعادت كاريسا تنظر في المرآة الأمامية لتتأكد من وجود السيارة الخضراء وراءها ، ولا بد ان كايد كان يفكر بالأمر ذاته إذ علّق قائلا : " لا تخشي شيئا ، هما خلفنا ، أعتقد ان موريس أطلعك على تفاصيل القصة؟". " قال ان حياتك في خطر وأن عليك أن تختبىء في مكان أمين حتى يقبض رجال الشرطة على المجرم" رفع كايد يده بعصبية ففهمت أنه تضايق من كلمة تختبىء ، وتابع حديثه قائلا : " يعرفون من هو وراء التهديدات ، لكنهم بحاجة الى أدلة دامغة تثبت الذنب على المذنب". " آه ، فهمت ". " أنت هادئة جدا". " ليست حياتي المعرضة للخطر ! ". وضحك برقة فتذكرت كاريسا اياما ماضية مرّت كشريط سينمائي في عتمة السيارة ، واحست بألم حاد وهي تحاول ان تبعد شبح الذكريات. " حياتك ستكون معرضة ايضا يا كاريسا ، لا تنسي انك ستبقين معي حتى تنتهي هذه القصة". " موريس أكّد لي ان أحدا لم يلحق بكما من سيدني ، لا داعي للقلق المجرم لا يعرف بالتأكيد اين انت الآن ، الحارسان هما لمزيد من الحرص لا أكثر ، ستمضي أياما قليلة في المنزل الريفي ، وعندما يحصل رجال الشرطة على الأدلة التي يريدون سيصبح بإمكانك....". " الخروج من المخبا ". |
قاطعها ساخرا قبل أن يضيف:
" هل تحاولين التخفيف عني؟". وارادت كاريسا ان تبادله سخريته فقالت : " هذا جزء من عملي يا سيد فرانكلين ". " اخبريني عن الأجزاء الأخرى أيضا". " حسنا ، سأعرفك أولا على المكان ، يقع المنزل الريفي في بقعة ساحرة ، ويطل على بحيرة رائعة ، تستطيع ان تقوم يوميا بنزهات طويلة في الغابات ، وإن كنت تحب رياضة التجديف ستجد مركبا صغيرا بإنتظارك ، أما أنا فساهتم بطعامك ، وبترتيب المنزل ، وبالسهر على راحتك". " راحتي؟ يبدو انني ساتمتع فعلا بالإقامة هنا". حاولت كاريسا أن تتجاهل قصده لكنه تابع قائلا : " الم تفعلي شيئا في هذا البرنامج الحافل؟". " ماذا تعني؟". " فهمت أن برنامج موريس يتضمّن أيضا مسرحية ميلودرامية ، أليس من المفروض أن تكوني عروسي الجديدة؟". وبإقتضاب اجابت كاريسا : " نعم ، لكنني لا أظن أننا بحاجة فعلا الى تأدية الدور ، المنزل الريفي بعيد عن المدينة ، والجيران الذين يحيطون بنا قلائل جدا ، لا أعتقد أننا سنلفت إنتباه أي كان ". " الآن تبدين حقا كما وصفك موريس ؟". " حقا؟". إنتظر قليلا ، ولما لم تعلّق اضاف قائلا: " لن تساليني ما قصدت اليس كذلك ؟ سأخبرك في أي حال ، قال موريس أنك فتاة ذكية وجديرة بالثقة ، وأنك تحافظين على هدوء أعصابك في أي موقف ، وقال أيضا انك شخصية مميزة... ولذا فوجئت عندما رايتك". "حقا؟ لم أعرف ذلك". " حقا ؟ واعتقد انك فوجئت ايضا برؤيتي ، أليس كذلك ؟". وإعترفت رغما عنها : " نعم ". لكنها عادت تستطرد بسرعة : " لم أكن أعلم أنك إستعدت بصرك". " انت لا تتابعين أخباري إذن ؟قصة العملية الجراحية نشرت على الصفحات الأولى في معظم الصحف العالمية ... وبعضها يصدر هنا ". " كنت دائما معجبة بفنك ". أجابها ساخرا : " أنت دبلوماسية ماهرة ، لا استغرب الآن أن يعتمد عليك موريس الى هذه الدرجة ، أنت مساعدة ماهرة في كل شيء إلا ...". وفجأة أمسك بيدها اليسرى ومرر أصابعه عليها برقة وهو يقول : " كان عليك أن تضعي حول اصبعك خاتم زواج ". إرتعشت للمسته وسحبت يدها بسرعة : " لم يكن من المفروض بك ان تمسك يدي وانا أقود ! ". " لماذا ؟ لا أعتقد ان الطريق بهذه الخطورة". وحاولت ان تبرر إنفعالها فقالت : " فاجأتني". " آسف ، المرة المقبلة سأحذرك قبل ان ألمس يدك ". لا بد انه يسخر منها ، هل عرف السبب الحقيقي وراء ردة فعلها الساذجة؟ كان عليها أن تهز كتفيها بلا مبالاة ، وان تضحك قبل ان تسحب يدها من قبضته ، وتابعت حديثها : لا أعتقد ان أحدا سيلاحظ خاتم الزواج ، لن نبتعد كثيرا عن المنزل في أي حال ، سنتجنب الناس". " انت تفكرين في كل شيء يا كاريسا ، تبدين في غاية الهدوء والثقة وكأنك تقومين بهذا النوع من المهمات كل يوم ". " لا ، ليس بالتحديد هذا النوع من المهمات ! ". وسألها هامسا : " وهل تقولين الحقيقة دائما يا كاريسا ؟". إرتعشت عندما ذكر إسمها الكامل ، صحيح أنها لم تكن تحب الأسم المختصر الذي أطلقه عليها موريس لكنها أجابت : "موريس يناديني بإسم كاري يا سيد فرانكلين ". " افضل إسم كاريسا ، ومن جهة اخرى ، ألا تعتقدين يا عروسي العزيزة أنه من غير اللائق أن تنادي زوجك بالسيد فرانكلين ؟ ما رايك بإسم كايد". " آه طبعا". وإنتظر قليلا كي تلفظ إسمه ، لكنها لم تفعل ذلك ، بل سالته : " هل تحب الإستماع الى الراديو ؟". بلا مبالاة اجاب: " إفعلي كما يحلو لك ". وإرتفعت الموسيقى في السيارة فإنقطع الحديث تدريجيا . وبعد دقائق إنحرفت كاريسا عن الطريق الرئيسية . إنتظرت قليلا عند المنعطف لتتأكد من وجود السيارة الخضراء وراءها ، وإنطلقت مجددا ، ولاحظت كاريسا بعد فترة بسيطة ان أضواء السيارة خلفها تضيء وتطفىء بسرعة فتوقفت الى جانب الطريق. " ما الأمر ؟". سالها كايد ، كانت تظن نه نائم لكنها كانت مخطئة . " اعتقد انهما يشيران لنا بالتوقف". وحاولت أن تسكت المحرك لكن كايد منعها من ذلك : " دعي المحرك ". إقترب منهما أحد الحارسين قائلا : " أطفئي الأضواء الأمامية يا نسة مارتن ، إنتظري إشارتنا قبل الإنطلاق مجددا ، نريد التأكد ان أحدا لم يلحق بنا ". فعلت كما طلب منها وإختفى الرجل في الظلام ، وخرج كايد عن صمته ليقول : " أطفئي المحرك الآن ". وعندما سكت ضجيج المحرك سمعت كاريسا نبضات قلبها تصرخ عاليا ، قالت لنفسها ان ما تشعر به هو الخوف من الظلام الدامس ، وإمكانية وجود رجل مجهول يتربص بهما ليقتلهما ، لكنها كانت تعرف جيدا ان ما تحاول أن تقنع نفسها به ليس الحقيقة ، سبب إضطرابها هو وجود كايد بجانبها ، وفجأة شعرت برغبة في الإحتماء به.... |
3- لمسة الذكرى
جلسا في الظلام الدامس يلفهما الصمت ، وبعد ربع ساعة تقريبا اشار لهما الحارسان بالتحرك ، فعادت كاريسا تركز إهتمامها على القيادة ، كم تشعر بالإرهاق ، هي تعبة ، وتريد ان تغلق عينيها في نوم عميق ، عليها ان لا تستسلم لهذا النعاس. كان كايد قد أسكت المذياع عندما طلب منها إطفاء المحرك فسالته : " هل تمانع الإستماع الى المذياع مجددا ". " طبعا ، كما تريدين ". وعادت الموسيقى الهادئة تملأ الجو . " ما بك يا كاريسا ؟ هل أنت بخير ؟". " نعم لا تقلق ، اشعر بإرهاق بسيط ، القيادة متعبة في الظلام والطريق طويل ، أحسس بملل". " هل هذا تعليق على رفقتي؟ هل تفضلين أن أتحدث اليك ؟". " طبعا لا ". " طبعا لا ... ماذا؟". " اقصد أنني لم أعلق على رفقتك ، مللت الطريق ... لا رفقتك ، تكلم إن كنت ترغب بذلك ، لكن لا تعتبر نفسك ملزما بتسليتي ". وهمست كاريسا لنفسها : بل على العكس تماما ، من المفروض أن أكون أنا الملزمة بالترويح عنك على الأقل هذا ما طلبه موريس منها ، لو عرفت مسبقا شخصية الرجل الذي وضعه مديرها في عهدتها ، لما وافقت على القيام بهذه المهمة ، لكنها لا تستطيع أن تتراجع الآن بدون إثارة شكوك موريس ، في أي حال ، لن تترك وجود هذا الرجل يؤثر عليها ، عليها أن لا تنسى أنها لم تعد مراهقة في السابعة عشرة من عمرها بل إمرأة ناضجة في الخامسة والعشرين ، لن تكرر مرة أخر اكبر خطأ إرتكبته في حياتها. تبادلا بضعة أحاديث سطحية تخللها الكثير من فترات الصمت ، وعندما توقفت السيارة أخيرا أمام بوابة المنزل الريفي تنفست كاريسا الصعداء. توقفت سيارة المرسيدس وراءهما ، فترجل الحارس ذاته وإقترب منهما ، اشارت له بيدها الى الدرب المؤدي الى كوخ الصيادين ، فاشار بدوره الى صديقه بالتوجه الى هناك ، ولم يتحرك هو من مكانه. " إن كنت لا تمانعين يا آنستي ، سأذهب برفقتكما الى المنزل الريفي". ناولته مفاتيح البوابة الحديدية ، وعندما فتحها على مصراعيها إنتظرا مرور كاريسا ليعود ويغلقها جيدا ، ثم صعد في المقعد الخلفي، لم يتكلم حتى أوقفت الفتاة السيارة في المرآب. " ارجوكما البقاء هنا ، سأتفقد المنزل اولا ، أعطني المفاتيح من فضلك ، لا تغادرا مكانكما قبل عودتي". وإختفى في الظلام ، احست كاريسا بتوتر كايد الذي فتح باب السيارة بعصبية ، فذكّرته برقة : " طلب منا البقاء هنا ! ". " إنه يعمل عندي ، انا الذي أصدر الأوامر ". " إنه يؤدي عمله ، دعه يفعل ذلك ". تمتم بكلمات غير مفهومة فعرفت أنه يريد اللحاق بالرجل ، بدل الجلوس كأي جبان رعديد ، وتذكرت ان عليها الإهتمام بسلامته ، فكذبت قائلة : " من جهة ثانية ... لا أحب البقاء بمفردي في هذا الظلام الدامس ". نظر اليها بحدة وأغلق الباب بقوة : " لم أكن أظن أنك إمرأة ضعيفة ". " لست كذلك ! ". وأحست فجأة بأصابعه الباردة تلف معصمها ، وسمعت نبرة ساخرة في صوته وهو يعلق ببطء : " اعتقد ان نبضك سريع بعض الشيء ". لم تستغرب كاريسا ذلك ، دقات قلبها كانت تتسارع وهو لا يشعر بالذكريات التي تدفقت في وجدانها حين لمسها ، فجاة أحست بكره شديد نحوه. كيف يجرؤ على التصرف بهذه الحرية واللامبالاة ، لقد غيّر مجرى حياتها وجعلها عاجزة عن التجاوب مع أي رجل آخر ... حطم حياتها ، وها هو يجلس قربها الآن ، لا يتذكر أي شيء عن اللحظات الحميمة التي جمعتهما... وكرهته أكثر لأنه لا يتذكر. هذه المرة لم تسحب يدها من قبضته ، بل شعرت برغبة بدائية لرفعها وصفعه بكل المها وغضبها ، تمالكت أعصابها ، وسحبت يدها بهدوء. وبعد دقائق عاد الحارس ومعه رفيقه فإستغربت كاريسا الأمر. " كيف تمكن رفيقك من فتح البوابة ؟ ظننت انك اغلقتها بالمفتاح بعد دخولنا". " السيد ويات أعطانا مفتاحا إضافيا ، إستعدادا لكل الإحتمالات ، تستطيعان دخول المنزل الان ، تركنا رقم هاتفنا على طاولة الإستقبال ، تصبحان على خير ". خرج كايد اخيرا عن صمته ليقول: " شكرا لك يا ستان ، تصبح على خير يا بات ". وعندما إبتعد الحارسان سألت كاريسا بدهشة : " ستان ؟ بات؟ متى إلتقيت بهما؟". " أثناء وجودك في المكتب ، لا يستطيعان بالطبع اداء مهمتهما بدون التعرف أولا على المعني بالقضية". " آسفة ، لست معتادة على هذا النوع من المغامرات البوليسية ". " ولا انا ". غادرا السيارة وحملا حقائبهما الى المنزل ، دخلت كاريسا المطبخ الصغير وألقت حقيبتها ارضا. " ساضع ابريق القهوة بالماء " ووضعته على نار هادئة ، وصعدا معا الى الطابق الأعلى ، فتحت كاريسا باب غرفة النوم الأولى وسالته : " اتعجبك هذه ؟ إنها مجهزة بحمام خاص". " حسنا ، سأبقى هنا ". القى غيتاره على السرير بينما ذهبت كاريسا لإحضار الاغطية والوسائد والمناشف ، وعندما عادت كان كايد قد خلع سترته وربطة عنقه ، كم يبدو وسيما وجذابا ، لا ، لن تستسلم لسحره. " القهوة ستكون جاهزة بعد خمس دقائق ". ولحق بها الى المطبخ ، رأى حقيبتها مرمية أرضا فحملها سائلا : " أين تريدين ان أضعها؟". " دعها الآن ، سأحملها الى غرفتي لاحقا ". لم يتحرك من مكانه ، ولم ينزل الحقيبة من يده. " أين تريدين أن أضعها؟". ترددت كاريسا لحظة فسبقها الى القول : " ما رايك بالغرفة المجاورة لغرفتي؟". " لا بأس ، شكرا". |
لماذا تشعر بكل هذا الخوف ؟ يا لها من بلهاء ! ما الفرق إن نامت في الغرفة المجاورة أو في الجهة الثانية من المنزل ؟ هما بمفردهما في أي حال فما الفرق ؟ وعندما عاد كايد كانت القهوة بإنتظاره على المائدة.
" كيف تفضل قهوتك ؟ مع حليب ؟". " لا بدونه ، شكرا ". كانت تعرف جيدا كيف يفضل قهوته ، وإن إدّعت عكس ذلك . شربا القهوة بصمت ، وعندما رفعت كاريسا الفناجين لتغسلها تعثرت بالكرسي وكادت تسقط ارضا لو لم يسارع كايد لأسنادها. " أنت مرهقة ، دعي الفناجين ، ساغسلها بنفسي ، إذهبي الى فراشك ". لم تعارضه ، كانت متعبة فعلا. عندما فتحت عينيها صباح اليوم التالي رأت كايد واقفا قرب النافذة. " جئتك بطعام الفطور ، ستتناولينه اليوم في الفراش". إبتسمت وتناولت طعامها بشهية ، وعندما إنتهت حمل الصحون الفارغة وخرج من الغرفة. إرتدت كاريسا ملابسها ونزلت الى المطبخ ، إبتسمت مجددا وهي ترى الأطباق نظيفة مرتبة ، بحثت عنه فلم تجده في المنزل ، خرجت الى الشرفة تفتش عنه بعينيها حتى رأته واقفا قرب البحيرة القريبة ، فلحقت به.منتديات ليلاس توقفت على بعد خطوات منه تراقبه بإهتمام ، ظنت أنه لم يشعر بوجودها ، ونسيت انه يستطيع بحاسته المرهفة التي إكتسبها وهو اعمى ، ان يحس بوجود الأشخاص حتى بدون ان يسمعهم أو يراهم. " ألا تعتقدين أن العروس العاشقة تقترب عادة من عريسها لتمسك بذراعه ؟ هناك شهود". ورات كاريسا بضعة قوارب على البحيرة ، صيادو اسماك يجربون حظهم. " أعتقد أن إهتمامهم كله منصب على الأسماك ". ورغم ذلك إقتربت منه ووضعت يدها تحت ذراعه. " هل أنت مسرور الآن ؟". " لا ، كنت أفضل عناقا اكثر حرارة". وضحك عاليا عندما رأى حمرة الخجل تلون وجنتيها ، لكنه توقف عن الضحك وهو يرى لمحة الكره في عينيها ، حاولت أن تسحب يدها فمنعها بقسوة. " لا تقاومي ، لن تستطيعي التغلب علي". " القوة الجسدية ليست كل شيء". " تملكين أسلحة خاصة بك ؟ اسلحتك يا عزيزتي تكون أكثر فعالية لو لم تظهري نفورك مني بهذا الوضوح". وتذكرت كاريسا انها هنا لتأدية عمل . " أنا لا أنفر منك ". لكن غضبها عاد لينتصر على إحساسها بالواجب. " لا تلمني إن غضبت ، انت تتعمد إهانتي". " لماذا؟ لأنني ارغب بعناقك ". " افضل أن لا تلمسني على الأطلاق". " هذا أمر صعب ! لا تنسي انه من المفروض بنا ان نمثل دور العاشقين ". " فلنعد الى المنزل. وبعد الغداء ذهبت كاريسا الى القرية المجاورة لشراء بعض الخبز والبيض الطازج ، كانت حجة للهروب من صحبة كايد ولولساعات قليلة. دخلت كاريسا المحل التجاري الصغير الذي قصدته مرارا في زياراتها السابقة وحيّت السيدة الواقفة وراء الطاولة الكبيرة ، لم تعرف إسمها ، لكنها تذكرت وجهها. " اهلا ، الست انت السيدة التي تعيش في البيت الريفي الكبير ؟". هزت كاريسا رأسها بالإيجاب وهي تخرج لائحة بكل الأشياء التي تريدها. " أين تضعين البيض الطازج الآن ؟". " عل الرف المقابل يا عزيزتي ، لم نرك منذ فترة طويلة، ألديك الكثير من الزائرين هذه المرة؟". ترددت كاريسا قبل أن تجيب: " لا ، أنا.... وزوجي فقط ". أغلق ستان الباب وراءه بشدة وهو يدخل المكان ، حياهما بهزة رأس لا مبالية ، طبعا لم يكن من المفروض ب هان يعرفها. وتجاهلت البائعة وجود ستان لتسأل بفضول : " لم أكن أعلم انك متزوجة ". " لم أكن متزوجة". وإبتعدت كاريسا بسرعة وهي ترتعش قلقا ، هل صدّقتها البائعة يا ترى؟ جمعت الأشياء التي تريد وعادت لتدفع الحساب ، ولاحظت أن السيدة تنظر الى يدها بإهتمام قبل ان تعلق قائلة : " آه.... فهمت الان ". وغادرت كاريسا المكان وهي لا تعرف ما الذي فهمته البائعة ، لحق بها ستان وهمس بسرعة وهو يمر قربها: " أريد أن أراكما الليلة ". وأكمل سيره وكأنه مجرد عابر سبيل ، وعندما أخبرت كاريسا كايد برغبة الحارس قال لها: " سنذهب في نزهة قصيرة الى جانب البحيرة". وهناك وجدا ستان منهمكا في إلقاء صنارته الى المياه ، بينما بات جالسا في قارب صغير وسط البحيرة. رفع الصياد يده محييا ، فاحاط كايد كاريسا بذراعه وإقتربا منه : " كيف الصيد اليوم؟". " لم يعلق شيء بصنارتي ، لكنني لن أيأس ، لن تفلت السمكة من يدي ، أنا بإنتظارها". وخفض صوته ليضيف: " لا تذهبا في نزهات طويلة قبل إخبارنا أولا بوجهتكما ، الغابة غير آمنة ، وهناك شيء آخر ، السيدة نسيت أن تضع خاتم زواجها اليوم ، لاحظت البائعة ذلك ". " لكنني لا أملك خاتم زواج ". " إشتري واحدا وبسرعة ، من الأفضل ان لا نتكلم طويلا ، قد يكون هناك من يراقبنا بنظارات مقربة ، الى اللقاء". وعندما إبتعدوا عنه ، إستغل كايد دخولهما في طريق فرعي ليهجم على كاريسا محاولا عناقها ، فدافعت عن نفسها بضراوة إضطرته الى التراجع عن موقفه. وعادا الى المنزل ، شغلت كاريسا نفسها بإعداد طعام العشاء وجلس كايد في غرفة الجلوس يعزف على الغيتار أحيانا وعلى البيانو أحيانا أخرى ، فعرفت أنه يؤلف أغنية جديدة. رفضت كاريسا أن يساعدها كايد في غسل الصحون بعد أن إنتهيا من تناول الطعام فعاد الى غرفة الجلوس ليحمل غيتاره .... ويحملق في الفضاء ، لحقت به كاريسا بعد قليل ، تناولت كتابا بوليسيا وإدّعت الإستغراق في القراءة ، سرحت مع أفكارها، فلم تسمع كايد يقترب منها: " جرّبي هذا". رفعت عينيها اليه فراته يحمل خاتما ذهبيا". " جرّبي هذا الخاتم ، كان عليّ ان أفكر بذلك قبل الآن". الخاتم يبدو مالوفا ، وتذكرت انها راته في يد كايد ، ترددت قليلا ، لا تريد أن تضع خاتمه حول اصبعها ، امسك يدها اليسرى بعصبية وأدخل الخاتم في أصبعها. لم يترك يدها ، أخذ يحدق في الخاتم ، ثم ضحك بمرارة وقال : " هذا خاتم زواج والدتي". ضحكته اخافتها ، سحبت يدها بسرعة لتنزع الخاتم عن اصبعها ، فمنعها قائلا: " لماذا تريدين نزعه؟". " أتسأل لماذا ؟ أنا لست زوجتك ، ان أضع خاتم والدتك مهزلة لن أقدم عليها ، ومن جهة ثانية الخاتم كبير على أصبعي ، ماذا لو فقدته؟". " لا يهم ، أنا لا ارى فيه أي قيمة عاطفية ، لا يعني لي شيئا". |
مشكوررررررررة كتير فراولايا وموفقة فى الكتابة وتكملة الرواية |
الساعة الآن 10:02 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية