وطلب ريك فنجان القهوة ، بينما جالت عينا ليندا في أرجاء المطعم ، لتقعا على ولد في السادسة من عمره تقريبا ، جالس مع أهله الى الطاولة المجاورة ، بعينيه الواسعتين والقاتمتين ، يمسك السكين والشوكة بعناية وإرتباك ، مما يدل على تجربته الأولى في تناول العشاء في مكان عام كهذا ، إبتسمت ليندا من غير أن تدري ان ريك يراقبها ، فرفع حاجبيه مستفهما :
" شخص تعرفينه؟". " لا ، إنني أبتسم لذاك الولد الصغير الجالس هناك " عند خروجهم من المطعم ، فوجىء الثلاثة بحشد من الناس على الرصيف المقابل ، وبسيارات الأطفاء والشرطة تلهب الأرض مطلقة منبهاتها ، كانت إحدى البنايات المجاورة تشتعل ، وأمام عيون الثلاثة راحت نوافذ البناء تهوي ، وإمتدت النيران محولة كل ما يعترضها الى لقمة سائغة ، ورجال الإطفاء يبذلون ما بوسعهم لكبح جماح السنة اللهب ، فعزلوا منطقة الحريق لمنع النار من إلتهام أماكن أخرى. تذكرت ليندا فجأة ذلك الولد في المطعم ، فإستدارت تبحث عنه لتجده واقفا مع اهله يراقب الحريق ، مأخوذا بوهج النار وبمنظر سيارات الإطفاء ، وإهتم ريك بإيجاد طريقة ما لمغادرة المكان ، فالإزدحام يشتد وسيصعب بعد قليل إيجاد وسيلة نقل ، قال للفتاتين : " أخشى في حال بقائنا هنا ألا نحظى بسيارة أجرة بسبب الطوق المضروب حول المكان ، فعلينا الإسراع بالإبتعاد من هنا". ووافقت الفتاتان ، فالإزدحام يعيق تحرك رجال الإطفاء وقيامهم بواجبهم ، شرح ريك خطته قائلا: " حسنا ، لنتحرك قبل أن يشتد توافد الفضوليين ، لكن علينا المرور قرب البناء المشتعل ومن هناك نصل الى الطريق العام ، فهيا بنا ما دام ذلك ممكنا الآن ". كان البناء كالمعمل الهادر بآلاته ومحركاته ، أجيج النار يغطي على كل شيء ، وألسنة اللهب إمتدت الى كل شبر منه ، ثائرة ، هادرة ، لا تقوى يد الإنسان على لجمها ، فتحول المكان كله الى آتون هائل من نار ، أحست ليندا بوهج النار يلفح وجهها وهي تراقب رجال الإطفاء يعملون ، وفجأة وقعت عيناها على خيال صغير يقف وحيدا قرب مكان الحريق ، خلف إحدى سيارات الإطفاء ، مما حجبه عن أعين الإطفائيين ورجال الشرطة ، فسحبت يدها من يد ريك ، وإستدارت تتحقق من صحة ما تراه ، وصرخت بهلع: " يا ألهي ، إنه الطفل الذي شاهدته في المطعم !". وتراجع الإطفائيون بسرعة صائحين: " إنتبهوا ، إنتبهوا !". وبدا أن زمام الأمور قد أفلت من يد الجميع ، فالنار تنذر بكارثة والخيال الصغير ما زال مسمرا في مكانه ، فتراجع المتجمهرون متدافعين إلا ريك الذي أمسك بذراعي ليندا ، ودفعها الى مكان آمن بين الجموع ، وركض ناحية البناء في سباق مع الوقت ، ليبعد الولد عن مكان الحريق. وفجأة دوى إنفجار هائل يصم الآذان ،وهوى احد الجدران على الأرض،وتحول البناء الى بركان... وكأنما النار قد إبتلعتهما ، لم تقو ليندا على الحراك ، عيناها شاخصتان برعب الى مكان الإنفجار ،كل ما فعلته أنها نادت ريك بأعلى صوتها ، لكن صيحاتها ضاعت بين صراخ الجموع وتعليقهم ، فراحت تشق طريقها بين المحتشدين بطريقة قاسية لم تعهدها في نفسها من قبل ، حتى وصلت الى حيث إنحنى رجال الشرطة والإطفاء فوق جسمين بلا حراك ، وما لبثوا ان نقلوهما بعيدا من غير ان تتمكن ليندا من إلقاء نظرة عليهما .لم تتأخر سيارة الإسعاف في الوصول الى مكان الحريق ، ونقل ريك الى إحداهما ملفوفا بغطاء صوفي ، فيما نقل الولد الى السيارة الأخرى يرافقه والداه ، وزاد من توتر ليندا أنها أخضعت لأجراءات شكلية وإضطرت للإجابة على أسئلة عديدة ، قبل السماح لها بالصعود الى سيارة الإسعاف ،ومرافقة ريك الى المستشفى. في المستشفى ادخل ريك رأسا غرفة العمليات ، بينما تولت الممرضة المسؤولة عن قسم الطوارىء الإستفسار عن إسمه وأقاربه من ليندا ، فأعطتها عنوان عمه والعنوان الذي اعطاها إياه قبل الحادث ، لكن إدارة المستشفى لاقت صعوبة في الإتصال بعمه ، فحاولت المسؤولة الحصول على عناوين أخرى عن طريق ليندا من غير فائدة ، فهي لا تعرف سوى عمه قريبا له ، وتدخلت جاين لتوفر على ليندا مزيدا من الإرهاق موضحة : " نحن صديقتا السيد برنيت ، ولا نعرف شيئا عن اقاربه". وعبثا حاولت الممرضة إقناعهما بالذهاب الى المنزل للراحة فبقاؤهما هنا لا يجدي في الوقت الحاضر ، لكن ليندا أصرت على البقاء قائلة: " مستحيل ، أريد اولا الإطمئنان الى صحته". " لا يمكننا الجزم بشيء حتى الآن ، فقد أدخل غرفة العمليات وقد يبقى فيها ساعات ،فعليكما ببعض الراحة ". " هل تعرفين شيئا عن الولد الصغير ؟". " سمعت إحدى الممرضات تقول أن حالته لا تدعو الى القلق ، فقد أغمي عليه بعد إصابته برجله وسيكون على ما يرام ( وأردفت بسخط ) لو لم يقترب هذا الولد الغبي من مكان الحريق لما حصل هذا كله" " لقد بهره منظر سيارات الإطفاء ، وأظنه لم يدرك الخطر المحدق به فهو ما زال طفلا". قالت جاين بتهكم: " انت تدافعين عنه لأنك متيمة بالأطفال". تمتمت ليندا : " ربما". حاولت جاين قدر إستطاعتها صرف ليندا عن الشرود والقلق فقالت: "نتج الحادث عن إنفجار قوارير الأوكسجين ، ولم يصب غيرهما بجروح بليغة ، أما مصابو رجال الإطفاء فجروحهم طفيفة لأن كلا منهم يعتمر قبعة". أدركت ليندا هدف صديقتها من كل هذا الكلام ، لكنها لم تكن تصغي ، فتفكيرها منصب على هاجس واحد ، ريك. |
ومضت ساعات أحستها ليندا دهورا قبل أن تدخل إحدى الممرضات قاعة الإنتظار ، فنهضت ليندا بلهفة حارة مستفسرة ، بادرتها الممرضة:
" أعتقد أنكما تنتظران أخبارا عن حالة السيد برنيت ، أليس كذلك؟". فردت ليندا بإضطراب : " أجل ، هل سيكون عل ما يرام ؟". منتدى ليلاس " لن يموت ، فهو محظوظ جدا ، لقد أصيب بحروق عديدة لكنها سطحية ، وعليه البقاء في المستشفى لبعض الوقت ، فبعض الشظايا التي أصابته يستغرق إخراجها من جسمه فترة ، وهذا سيزعجه قليلا ، والآن هل أنت خطيبة السيد برنيت؟". تمنت ليندا لو ترد بالإيجاب لكنها قالت: " كلا ، نحن صديقتاه ، هل إتصلتم بعمه؟". "نعم، وقد أفادونا انه خارج المدينة في رحلة عمل ، ولكنه عائد اليوم وسيأتي مباشرة الى هنا". " هل يمكنني مشاهدته؟". " لا يمكنه إستقبال احد الان ، وهو على كل حال ما زال تحت تأثير البنج ، أقترح أن تعوداه لاحقا فتحظيان بمقابلة عمه ايضا ، لأنني متأكدة أنكما بحاجة للراحة". في سريرها في الفندق ، اغمضت ليندا عينيها بعد أن طمأنت نفسها أن ريك بخير ، وأن كل شيء سيكون على خير ما يرام. وعند عودتها الى المستشفى مع جاين ، تعرفتا الى ريان برنيت عم ريك ، فقامته الطويلة ،ومنكباه العريضان ، وشعره البني وعيناه المشابهتان لعيني ريك بريقا ولونا ، جعلته يبدو أصغر من أعوامه السبعة والأربعين . حياهما ومد يده مصافحا ثم خاطب ليندا: "آنسة لورانس ، اخبروني انك كنت برفقة ريك عندما اصيب". " هذا صحيح ، فقد كنت نتناول العشاء ثلاثتنا ، هل سمحوا لك برؤيته؟". " أجل ، لكنه ما زال فاقد الوعي". فسألته ليندا بقلق: " كيف حاله ؟". " بعدما أطلعت على تفاصيل الحادث ، لم أكن أتوقع أن يكون بحال أفضل كما سترين بنفسك بعد قليل". " أود رؤيته". " آنسة لورانس ، هل إسمك الأول ليندا؟". " أجل". " إذن ، يمكنك رؤيته بكل تأكيد ، فما برح يسأل عنك في هذيانه ". ودخلا الغرفة معا ، فقامت الممرضة الجالسة بقربه وإنحنت على أذنه هامسة: " سيد برنيت". ولم تدعها ليندا تكمل ، فوقفت في الجهة الأخرى من السرير وقالت : " لا توقظيه أرجوك". إبتسمت الممرضة قائلة: " إنه بحاجة لرؤيتك ، فقد كان قلقا جدا عليك ، كان طوال الوقت يتذكر الإنفجار ، فيسأل عما حلّ بك ، صدقيني ، ستتحسن حالته حين يعلم أنك بخير". وسألها ريان برنيت: " هل إسترد وعيه؟". " لفترة وجيزة ، فأنا أمضيت الليل بقربه ، وإستلمت نوبتي منذ دقائق ". وإستدارت تزيح عن جبين ريك بعضا من شعره ، ففتح ريك عينيه قليلا ، فهمست في أذنه: " لديك ضيوف يا سيد برنيت". ففتح عينيه أكثر يحاول أن يرى بصورة أوضح ، وإقتربت ليندا منه فرفع يده أتجاهها ، فحضنتها يداها بنعومة وسمعته يقول: " أنت بخير ، هذا أنت حقيقة ، أنا لا أحلم أليس كذلك؟". أجابت ليندا والدمع يطفر من عينيها: " انت لا تحلم يا حبيبي ، أنا حقا بخير ". كان وجهه شاحبا تملأه الخدوش ، خده الأيمن اصيب بحرق بالغ ، وألصقت ضمادة كبيرة تحت عينه اليسرى ، لكن ما يهم ليندا أنه حي ، فهي تشعر بلهاثه وبحرارة يده بين يديها. وأغمض عينيه بإحكام ، فأدركت أنه يخفي دموعا كادت تفضح ما يعانيه. ثم زفر زفرة طويلة وقال: " قلقت عليك كثيرا يا حبيبتي". فغمرته ليندا تمسح شعره بيديها ، ونظر ريان الى الممرضة نظرة أدركت معها أنه من الأفضل إخلاء الغرفة للحبيبين ، فخرجا بهدوء الى الصالون الصغير. أمضت ليندا ساعات قرب ريك ، الى أن تأكدت أنه نام ، فإنسلت الى حيث كان ينتظرها ريان وجاين ، وذهب الثلاثة لتناول الشاي في مقهى المستشفى. كانت ليندا مرهقة جدا ، فرؤيتها ريك بهذه الحالة أثّرت فيها كثيرا ، لكنها حاولت جاهدة أن تخفي إرهاقها عن جليسها ، فأخبرتهما بإقتضاب عن الممرضات وحسن معاملتهن للمرضى وخاصة لريك ، الى أن سألها ريان: " كم مضى على علاقتك بإبن اخي يا آنسة لورانس؟". كانت دهشته عظيمة عندما سمع جوابها ، لكنه كان بارعا في إخفاء إنفعاله بسرعة ، ثم قالت جاين: " إتصلت بأهلك ، وأخبرتهم عما حصل ، كما اعلمتهم أننا عائدتان غدا". فردت ليندا بعزم: " لا يمكنني العودة غدا ، سأعاود الإتصال بهم وأشرح لهم الوضع ". نظرت اليها جاين بدهشة وأكملت ليندا: " آسفة يا جاين ، أعتقد انك ستعودين وحدك". فتدخل ريان سائلا: " هل بإمكاني الإستفسار عن سبب إمتناعك عن العودة؟". " ريك بحاجة لأن أكون قربه". " ما مدى معرفتك بريك يا آنسة؟". لم تجب ليندا على سؤاله فقد شغل تفكيرها حالة ريك . فتدخلت جاين قائلة بسخط : " لا أدري ما القصد من سؤالك يا سيد برنيت ، لكن إسمح لي أن أوضح لك نقطة وحيدة هامة جدا ، ليندا لا تنتمي الى هذا النوع من الفتيات". فإبتسم ريان ورد مدافعا عن نفسه: " لم أفكر لحظة أنها كذلك ، وأؤكد لك أنني لم أعن شيئا من هذا القبيل ، فقد سبق وقلت يا آنسة لورانس أنه لم يمض على معرفتك ريك أكثر من ثلاثة أسابيع ، ولكن يبدو انك تعتبرين نفسك أكثر من رفيقة عطلة ، صدقيني ، هذا ليس تطفلا ، ولكن يهمني كثيرا معرفة حقيقة العلاقة بينكما". كان صادقا في ما يقوله ، أو هكذا ظنت ليندا ، فردت بتاثر يعكس حرارة مشاعرها: " لا يمكنني الجزم حول شعور ريك ، اما عن شعوري فأنا أحبه". لم يدم إسترسالها في التفكير طويلا ، فقد قطعه ريان قائلا: " هل يمكنني مرافقتك الى الفندق ، أود ان أتحدث اليك أكثر ؟". تركتهما جاين وحدهما في الغرفة ، وتناول ريان كرسيا وجلس قرب النافذة ، بينما جلست ليندا على حافة سريرها ورأسها بين يديها تنتظر منه الإفصاح عما يريده بالتحديد ، ثم سالها بهدوء: " ماذا تنوين فعله بالضبط؟". " البقاء هنا طالما ريك يحتاجني". " لكنه قد يمكث طويلا في المستشفى". " هل هي الحروق ؟ لكنهم قالوا لي أنها طفيفة ، وأنه لن يموت". فرد ريان وهو يبذل ما بإستطاعته للسيطرة على إنفعالاته : " لا لن يموت ، لكن هناك عدة شظايا في ظهره تعذر إخراجها اثناء العملية ، وقد أصاب بعضها عموده الفقري، فإرتاى الأطباء عدم لمسها حفاظا على حياته ( مسح دموعه بيده ) هناك خطر بألا يتمكن من المشي بعد الآن ". |
شكرا لك عزيزتي زهرة
|
ا
هلا يا غالية الرواية دي من اجمل الروايات اللي قراتها سلمت اناملك علي الاختيار الموفق والله يعينك علي انهائها :shokrn::shokrn::shokrn::shokrn::shokrn: |
3- لن تكون وحيدا
هوت ليندا على السرير وصدى كلمات ريان برنيت يتردد في ذهنها ، ولما إستوعبت أخيرا الحقيقة المرة قالت: " ايعلم ريك بذلك ؟". " لا ، فهو لم يفق من غيبوبته إلا لبضع دقائق لم تكن كافية حتى يطلعه الطبيب على الأمر الفظيع". منتدى ليلاس أضاف الرجل منتشلا إياها من شرودها : " إصابته تسبب آلاما كثيرة لذلك سيبقيه الأطباء تحت البنج ليومين أوثلاثة ، ولكنهم سيضطرون بعد ذلك لأعلامه بكل شيء ، لأنه لا بد أن يلاحظ عجزه عن تحريك رجليه ". " أتعتقد أنه من الحكمة إخباره بخطورة حالته ؟ أخشى أن يثبط ذلك من عزيمته ، فيستسلم للياس وتخف مقاومته المعنوية للشلل". " إصغي اليّ جيدا يا آنسة لورانس ، أظن أنني أعرف ريك أكثر منك فهو عائلتي الوحيدة لو صحّ التعبير ، ريك لا يحب الأسرار ، وهو سيعرف كل شيء عاجلا أم آجلا ، لذلك أعطيت تعليماتي للأطباء بإطلاعه على حقيقة حالته حالما يسأل ، فلو أخفينا الأمر عنه سيتصور أنه أسوأ مما هو عليه ". نهض عن كرسيه ، وتوجه الى النافذة ينظر بشرود الى ما يجري خارجا ، ثم إستدار ورمق ليندا بنظرات فضولية ما لبثت ان إلتقت عينيها المفعمتين بحزن عميق ، فسالته: " لماذا تنظر الي هكذا يا سيد برنيت؟". مرر الرجل يده على شعره وتنهد قائلا: " آنسة لورانس...". " أرجوك أدعني ليندا". " كم تبلغين من العمر يا ليندا ؟". " تسعة عشرة عاما ". " تسعة عشر ... ما زلت صغيرة جدا ". لم تحرك الفتاة ساكنا ، لكن عينيها الغاضبتين أعلمتا الرجل بانها تلقت إهانة لا تتقبلها من أحد ، فسارع الى الإعتذار: " لا أقصد جرح شعورك يا ليندا ، لكنني قلق على ريك ". " وأنا ايضا قلقة عليه وأريد أن افعل شيئا لمساعدته ، سأستقر في لندن وأحصل على وظيفة لأستطيع البقاء بقربه". " ليندا". رفعت الصبية عينيها الى وجهه فرأت فيه إضطرابا كبيرا ، لكنه مع ذلك إستطاع أن يقول بكل لطف : " واثقة أنت من ان ريك محتاج اليك ؟". " لم تر ما قالت الممرضة...". " كانت الممرضة على حق وانا لا أنكر أن ريك إرتاح وسرّ كثيرا لرؤيتك ،ولكنني أخشى أن يكون خيالك قد ذهب بعيدا بعض الشيء يا عزيزتي ، أنت وريك أمضيتما الأسابيع الثلاثة الأخيرة معا ، وكنتما معا عندما وقع الإنفجار ، فمن الطبيعي ان تكوني اول شخص سأل عنه ريك حين أفاق من الغيبوبة ، لكن مع الأسف ، هذا لا يعني أنه يحبك". واضاف وهو يلاحظ المرارة والخيبة في عيني ليندا: " لا تسيئي فهمي يا ليندا ، فانا أريد صالحكما معا ، أن تقع فتاة في التاسعة عشرة من عمرها في حب شاب صحيح الجسم ووسيم شيء ، وأن تسجن نفسها في حب رجل قد يبقى مقعدا طوال حياته شيء آخر ( أضاف بعد لحظة تفكير ) قلت لي سابقا انك لا تستطيعين الجزم حول شعور ريك ، هل هذا يعني أنه لم يصارحك بحبه؟". " أنت على حق لكن ريك قال أنه لا يريد الكف إطلاقا عن رؤيتي ". " لكن الأمور تغيّرت الآن يا ليندا ! إذا إستطاع ريك السير ثانية فلن يكون ذلك قبل أشهر من الصبر والجهد والمثابرة ، أما إذا لم يكن هناك أمل فالوضع سيكون رهيبا الى حد لا استطيع وصفه أوحتى تصوره ". فقالت ليندا بكل بساطة وصدق : " أمشي أم لم يمش سيبقى ريك الرجل الذي أحب". " أتدركين مدى خطورة ما تقدمين عليه؟". " أنا واثقة من نفسي يا سيد برنيت ، ولا أدري لماذا تحاول إقناعي بعكس ذلك". إتصلت ليندا هاتفيا بأهلها وشرحت لهم القضية من غير أن تحدد موعدا لعودتها فقالت لأمها : " الأمر يتوقف على حالة ريك ، لن أتمكن من حزم أمري قبل بضعة أيام". أجابتها أمها بصوت مضطرب: " لكن لم يمض على معرفتك هذا الشاب سوى بضعة أسابيع يا عزيزتي ". " أعلم ذلك ، ولكنه بحاجة اليّ يا أمي". " أرجوك يا إبنتي ، لا تنساقي وراء شعور بالذنب أو المسؤولية لئلا نجد أنفسنا في ورطة لن نتمكن من الخروج منها". " ألا تفهمين يا أمي أنني أغوص في هذه الورطة بملء إرادتي؟". " أتعنين انك مغرمة بهذا الشاب؟". أجابته ليندا بصوت ناعم إذ عاودتها ذكرى اللحظات الحلوة التي أمضتها مع ريك : " نعم ، أنا مغرمة به.... إنه شخص مميز يا أماه". أدركت ليندا من سكوت أمها ان موقفها يلقى تفهما وتجاوبا ، وتأكدت من ذلك أكثر عندما قالت والدتها: " افهم موقفك يا عزيزتي ! وهو ، أيبادلك الشعور نفسه؟". ردت الفتاة بكل صراحة: " لا أعرف". جفلت المرأة لهذا الرد وسكتت طويلا قبل أن تقول لإبنتها : " كنت دائما طفلة حساسة يا حبيبتي ، فلذلك عليك إختيار الحل الأنسب لك وله مهما بدا قاسيا ، أعتقد انك تحسنين صنعا لو عدت الى البيت الان ونسيت ريك". شعرت ليندا بأن أمها خانتها فإنفجرت : " لا يا أمي ! انت أيضا تقولين هذا الكلام ؟". " ومن قال لك ذلك غيري؟". " ريان برنيت ، عم ريك". " وماذا قال لك بالضبط؟". وأخبرت ليندا أمها بما دار من حديث بينها وبين ريان ، فعلّقت هذه الأخيرة : " يبدو لي أنه رجل حكيم وعاقل ، هل فكرت بنصيحته؟". " فكرت بها مليا ". " من الواضح أنك لا تنوين العمل بها ( تنهدت الوالدة واضافت ) متى سنراك إذن؟". " قد أمر بكم في نهاية الأسبوع ، وفي أي حال ساعلمك بذلك قريبا ". " وماذا عن دروسك ؟ الفصل الجديد يبدأ بعد عشرة ايام ". " أعلم ذلك يا امي ، ولكن قد أبقى في لندن وأحاول الإنتقال الى أحد معاهدها ". " وماذا يحصل إذا لم تنجح المحاولة ؟". " سابحث عن وظيفة ما". " وتتخلين عن دراستك؟". " إذا كان ذلك ضروريا ". سلمت الأم بالأمر الواقع بعدما لمست مدى تصميم إبنتها فقالت: " حسنا ، حاولي المجيء في نهاية الأسبوع إذن ، الديك ما يكفي من المال؟". " نعم يا أمي ، لا تقلقي علي". اقفلت ليندا الخط والخيبة تغمرها ، وشعرت أنها وحيدة في هذا الخضم ، لن ينتشلها منه إلا إراداتها القوية وتصميمها الثابت ، لقد أحبته ، وإيمانا بهذا الحب الكبير ، ولأجل هذا الإيمان قررت البقاء بجانب ريك طالما هو محتاج اليها ، ولن ترجع عن قرارها مهما حدث ، لكنها أغفلت شيئا مهما ، لقد أخذت القرار من غير مراجعة ريك ، الطرف الثاني للقرار. |
الساعة الآن 07:49 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية