منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات احلام المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f457/)
-   -   حصري 70 - السيف بيننا - بيني جوردان ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t171070.html)

جمره لم تحترق 02-01-12 09:10 PM

70 - السيف بيننا - بيني جوردان ( كاملة )
 
http://up.3dlat.com/uploads/12877185634.gif
السيف بيننا **
العدد :
70
. للكاتبة :
بيني جوردان
http://up.bashar.cc/uploads/a15d0a3647.gif
المقدمة :
عندما تتحول الثروة إلى لعنة على صـــاحبهـا , وعندمــا تصبح
الشهرة باباً إلى الجحيم , فهـل يعود هناك من مجال لنتحكم
بمصيرنـا ؟
نادين الفتاة الثــرية المدللة تواعـــدت مع قـدرهــا : كــان رجــلاً
طويلاً سـاحراً كـحلم , وغرقت نادين في غموض عينية منذ
النظــرة الأولى , دون أن تتروى . . . ولـم تدرك أن مــــا تخفيه
عيناه ليس مـشاعره هو , وإنمــا وعود الموت , الموت لها . . .
عندمــا عرفت نادين اللعـــبة كان قد فات الأوان , فقد أصبحت
رهينة بين يدي خاطفين قساة لا يعرفون الرحمــة , ولم يبق لـها
إلا انتظـــار الموت . . . على يد من تحب !

http://up.bashar.cc/uploads/a15d0a3647.gif
عدد الفصول :
10
http://up.bashar.cc/uploads/a15d0a3647.gif

عناوين الفصـــول :
1 ـ
لا حواجــز بيننــا * *
2 ـ
الضحيــة والجــلاد * *
3 ـ
ســـأقتــلــك يـومــاً * *
4 ـ
بين الموت والرغبة * *
5 ـ
الـــــــجـــــــــــــرح * *
6 ـ
ســــراب الحــريـــة * *
7 ـ
مــا قــــبل الـمـــوت * *
8 ـ
لــيلتـهـــا الأخـــيرة * *
9 ـ
بقــي فـي أحلامهـا ! * *
10 ـ
أعدنــي إلى عذابي * *
http://up.bashar.cc/uploads/1eb11f49c1.gif
لا أحل لأحد نقل الرواية إلا بذكر اسمي : جمره لم تحترق
واسم منتداي : ليــــلاس
http://up.3dlat.com/uploads/12877185639.gif
http://up.bashar.cc/uploads/a6cd696200.gif

جمره لم تحترق 02-01-12 09:15 PM

بين الكراهية والحب خيط رفيــع
هذا هو مضمـون الرواية الرائعة
السيف بيننــــــا
موعدنـــــــا الأربعـــاء
بإذن الله . . مع أجمل روايات أحلام
رقم وأحـــــد بالنسبة لـي
وأتمنى أن تنــال أعجابكم
http://up.3dlat.com/uploads/128771856316.gif

Rehana 03-01-12 05:50 AM

صباح الخير ... زووووز
حبيت تنسقيك .. يفتح النفس ^^
يعطيك العافية

انا سمعت من زماااااااااااااااان ان هذا الرواية حلووة ..وقلت راح اكتبها
وانت ماشاء الله عليك راح تكتبيها وتمتعينا باحداثها
بإنتظارك حبيبتي
لك عبق من ورود الياسمين

http://www.jamaa.net/cach_images/www...32dcdf1b2.cach

* تثبت الرواية *


أنس إسلام 03-01-12 01:24 PM

جمرة كل كتاباتك اروع من بعضها واحنا بنستني علي احر من الجمر
الله معك ويعافيك
:55::55::55:

نـخوة 03-01-12 03:26 PM

هلا جمرة
باين عالرواية حلوة
ومتأكدة انها حلوة لانها من ايدك
وان شاء الله وقت ما فضى ابدأ اقرأها
مع ان رواية يا رمال اعيديس الخيال بعد ما قرأتها
صايرة مزحومة مع عيالي ومشاريعهم وامتحاناتهم
مع ان البنت بثاني والولد بأول ابتدائي بسسسس الدراسة عندنا بالبحرين جد مكثفة ومتعبة
سامحيني طولت بالهذرة
بسسسس حبيت اشجعك
والله ييسر لك كتابة الرواية
ويعطيك الف عافية
واحلى بوسة لك
اموووووه


جمره لم تحترق 04-01-12 05:13 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Rehana (المشاركة 2966511)
صباح الخير ... زووووز
حبيت تنسقيك .. يفتح النفس ^^
يعطيك العافية

انا سمعت من زماااااااااااااااان ان هذا الرواية حلووة ..وقلت راح اكتبها
وانت ماشاء الله عليك راح تكتبيها وتمتعينا باحداثها
بإنتظارك حبيبتي
لك عبق من ورود الياسمين

http://www.jamaa.net/cach_images/www...32dcdf1b2.cach

* تثبت الرواية *


اخجلتــي تواضعي . . شكراً على الكلام الحلو عن التنسيق
و خلاص من غير ما تتعـــبي وتكتبيها جاتك الرواية
على فكـــره أنا اكيده راح تعجبك > > يا واثق
حبيبي شكــراً على اطلالتك الدائمة وتشجيك الرائع
وشكــراً على الياسمين
ودي وخالص حبي
http://www.al-wed.com/pic/8124.gif

جمره لم تحترق 04-01-12 05:18 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أنس إسلام (المشاركة 2966717)
جمرة كل كتاباتك اروع من بعضها واحنا بنستني علي احر من الجمر
الله معك ويعافيك
:55::55::55:

شهادتك اعتز بهــــا
فهي من أروع ما يكــون
امتنانــــي لك يا راقيه
ودي وعبق وردي
http://www.al-wed.com/pic/8124.gif

جمره لم تحترق 04-01-12 05:25 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نـخوة (المشاركة 2966827)
هلا جمرة
باين عالرواية حلوة
ومتأكدة انها حلوة لانها من ايدك
وان شاء الله وقت ما فضى ابدأ اقرأها
مع ان رواية يا رمال اعيديس الخيال بعد ما قرأتها
صايرة مزحومة مع عيالي ومشاريعهم وامتحاناتهم
مع ان البنت بثاني والولد بأول ابتدائي بسسسس الدراسة عندنا بالبحرين جد مكثفة ومتعبة
سامحيني طولت بالهذرة
بسسسس حبيت اشجعك
والله ييسر لك كتابة الرواية
ويعطيك الف عافية
واحلى بوسة لك
اموووووه


هلابك غلاتـــي
مـاشاء الله طلعتــي مامــا
الله يوفقهم لك وتفرحـــي فيهم
وتخلصي من الامتحانات ونشوفك
طبعاً مرورك دومـــاً مميز واطلالتك لا غنى عنــها
فيكفي أن أقرأ اسمك لأشعــر بالسعاده
عميق امتناني
ومحبتي لك ولصغارك
حفظكم الله
http://www.al-wed.com/pic/8124.gif

جمره لم تحترق 04-01-12 05:40 PM

بمـا أني دائماً لدي عادة غريبة
وهي أن اقرأ عن مواصفات البطلة والبطل الشخصية
وأبحث عن صورة قريبة من الشكل
وانسبها لهم ههههههههههههـ
اليوم قلت اشارككـــم جنوني
وهنــا صور للبطل وهو سيرجيو
والبطلــة نادين
سيرجيو الوسيم الأسمر بشعر أسود وعينان رماديتان
ونادين بشعرها الأحمــر وعيناها الخضراوان
وهــذه بعض الصور
http://smiles.al-wed.com/smiles/13/158jkl.gif
http://im10.gulfup.com/2012-01-04/1325691485645.jpg
http://smiles.al-wed.com/smiles/13/158jkl.gif
http://im10.gulfup.com/2012-01-04/1325691484791.jpg
http://smiles.al-wed.com/smiles/13/158jkl.gif
http://im10.gulfup.com/2012-01-04/1325691484762.jpg
http://smiles.al-wed.com/smiles/13/158jkl.gif
http://im10.gulfup.com/2012-01-04/1325691485953.jpg

جمره لم تحترق 04-01-12 05:48 PM

1 ـ لا حواجــز بيننــا * *
http://www.al-wed.com/pic-vb/17.gif
بقيــــا فترة طويلة وكــأنهمـا غريبــان وذلك منذ مـــوت والــــدة نادين
تقريباً . وقتذاك كانت تلميذة في الثانية عشــرة , وكـان والـــدها الكثير
الأشغـال في الأربعين من العمر . أما الآن فقد تجاوزا المحنـة بأعجوبة
ووجدا طريق العودة إلى بعضهما بعضاً وهـا كل منهما معتز بالعلاقــة
الجـــديدة .
ـ نادين , عزيزتــي , أنت رائعة كـــأمك !
وجدت وراء الفخــر في نبرة صوت والدهــا ألمــاً وفهمت سببه .
دارت حول نفسهـا فرفرفت تنورة فستانهــا الرقيقة حول قدهــا الرشيق .
ـ أيعجبـــك ؟
كــان الفســتان باهــظ الثمـــن , اشترته في لـندن , خصيصاً لهذه المناسبة
المعــدة سلفــاً لإعلان بدء العطـلة التي طالمـا انتظراهـــا . ولكــن وبمــا أن
السير برادلي يترأس مؤسسة كلايتون الصناعية فـوقته ليس ملكه وعشـية
سفرهما إلى روما كان عليه أن يخبر نادين بأنه سيتأخـر بضعة أيام قبل أن
يتمكن من الانضمام إليها في فيلتهما الواقعة في جنوبــي إيطاليا .
وأكـد لهـا السير برادلــي :
ـ بكل تأكيد , خاصة بعدمــا استلمت الفاتورة !
راح يتأمـــل التغيير الــذي طـرأ عليهـا مفكــراً . مــن مراهـقـة متمـردة إلى
سيدة شــابة صغـــيرة لقد حدث هذا بين ليلة وضحــاها تقريباً . كان فخـوراً
بابنته كثيراً فهـي ابنته الوحيدة التي أوشك أن يفقدهـا بسبب المرارة التي
عانيا منها بعد وفاة زوجـته . . وكان قد نسى أن نادين فقـدت هـي أيضاً
أمهـا . . وعاد إحساسه بالذنب يظهر من نظرته القلقة التي يرمقها بها . .
أضـــاف :
ـ أنا آسف بالنسبة للعطلة ولكن إن كنت محظوظـاً لن أمكث فــي
سان فرانسيسكـو مدة طويلة , أنت على الأقل ستتمتعين هذه الليلة ,
السنيور ميدسيني دعا معظم مجتمع روما الراقـي إلى هذه الحفلة .
علقت نادين بخبث :
ـ هذا ليؤثر فيك حتى تستثمـــر أموالك في أعمـاله .
منتديات ليلاس
جـــعلتها البشرة الذهبية الدافئة والشعر الأصهب اللذان ورثتهما
عن أمهـا إضافة إلى رشاقة قدهــا الذي تحسدهــا عليه أرقى العارضات
تصبح المفضلــة لدى المصورين طوال حياتها المــراهقة , هذا عدا ذكر
الوجه المنحوت الذي يشبه تمثال فينوس . فكر برادلي كلابتون بينه
وبين نفسه وهو يراقبهـا : ليس غريباً ألا تفتقر إلى صحبة الرجـــال !
جعلها الفستان إلى اختارته لحفلة الليلة , تبدو هــشة رقيقــة بريــئة
المظهر , وكأنهـا حورية من حوريات البحـر . عندما زاد تغضن جبينه
بعبوس مؤقت ابتسمت نادين تشجعه , وقالت هامسـة وهي تتأبط ذراعه
وتفتح باب غرفتهــا في الفندق :
ـ لا تقلق فلن أخــذلك , ولن أعبث طوال السهرة لأنك لـن تستطـــيع
مرافقتــي , فقد ولت تلك الأيـــام .
ـ وما كان يجب أن تكــون لولا انشغــالــي الدائم بأعمــالي .
اجتاح بعض الضباب عينيها الخضراوين لأنهــا تذكــرت سنوات
مراهقتهــا غـير الـممتعة , والألــم الذي شعــرت به لفقدانهــا والدتهــــا .
قاطعته قائلة : (( اتفقنا على عدم التفكير في الماضــي )) .

جمره لم تحترق 04-01-12 05:50 PM

1 ـ لا حواجــز بيننــا * *
 
كــانت سيارة ليموزين فاخـرة بانتظارهمــا لتقلهمــا إلــى فيلا ميدسينــي
الفاخرة الواقعة فــي إحـــدى ضواحــي رومـــا الثرية . وكــانت نادين قد
تفوهت بالحقيقة عندمـــا قالت إن السنيور ميدسينـي يأمـــل أن يقنــــع أباها
باستثمار أموال في شركته , لكن المشهور أن كلايتون ذي سمعة مهيبة
وأنه رجل أعمال داهية , وتعرف نادين تمام المعرفة أن هناك حاجة لأكثر
من حفلة اجتماعية لإقناعه .
فيما كانا يمران بسرعة في المدينة نظرت إلى وجه أبيها . . لقد قـــام
بكــل ما في وسعه . . وأمن لها سلسلة مستمرة من مدرسات ومدبرات
منزل ليكن بديلات عن أمهـا ولكن ما قام به لــم يكن كافياً , وحتى تدفع
أباها ليراها ويلاحظ وجودهـا , راحت تزج نفسهــا بمأزق تلو الأخر ولم
تهجـر نمط الحياة الذي سارت فيه بعدما تركت المدرسة إلا في السنة
الماضية التي بلغت فيها العشرين فأصبحت فتاة ناضجة . لقد كانت ابنة
رجال عصاميين لديهم من المال أكثر من الوقت لصرفه على أبنائهم . .
رجال هم أيضاً ابتعدوا عن آبائهم أثناء سعيهم لتلقـي العلم في المدارس
العامة التي تفاخر الآباء بتأمينهـــا لهم .
متى سيتعلم الأهل أن الأولاد يحتاجون إلى الحب , لا إلى المال ؟
لم يكن سبب ثورتها هو رغبتها في مشاركة أبناء جيلها خبرتهم بل كان
السبب هو جذب اهتمام أبيها إليها ولكن موت أحد أقرانها بسبب إدمانه
على المخدرات صدمهـا وأرجعها إلى واقعهـا فـأدركت الهوة التي تسير
إليها وكان ذاك الحدث الدافع الذي جعلها تحاول التقرب من والدها
للمرة الأخيرة وحدثت المعجزة واستجاب لهـا .
في السنة الماضية هجرت التجول البائس وعطل الأسبوع الصاخبة
وحفلاتهــــا الهـــازجة واستعاضـــت عن ذاك اللــهـو بالانشغـال بالجـــانب
الاجتماعـي في أعمال أبيها , فشركاته مشهورة باهتمامهـا بالموظفين . .
وقد أصبحت بتشجيع من أبيهـا متورطة في قسم منظـم جديد يهتم باتخـاذ
الخطوة التالية الإضـــافية , لمساعـــدة الآباء والأمهــات المسؤولين عن
عائلات فقدت عمادها الآخـر . وغرقت نادين في هذا العمل الذي دفع
حياتها السابقة إلى التلاشـي .
كانت تعلم أن أباها مسرور . وإن كانت تخرج في هذا الأيــام ,
فإنما لتشارك عشاءٍ أو بحفل راقص في ناد ليلي راقٍ وهذه الأماكن التي
ترتادها الآن هي عكس ما كانت ترتاده سابقاً . العديد من أصدقاء
الماضي سخروا منها . . بل أن الكثير من الشبان هزئوا بها وذكروها
كيف كانت في السابق روح كل احتفال ومغامرة .
ولكن هذا , كان قبل أن تدرك المأزق الذي يسيرون جميعاً إليه . .
كانت الجماعة التي تعاشرها تعتبر الإدمان على كافة أنواع المخدرات
حنكة , مع أن نادين كانت تجبر نفسها دائماً على الابتعاد عن التجربة ,
ليس لاعتراض خلقــي , إنما لأنها كانت ترى بأم عينـــها تأثير هذا في
الآخرين , وهي تكره أن تفقد السيطرة على نفسها . . وهو أمر كانت
تخشى حدوثه لها . . وربما كان هذا هو السبب المباشر لعدم تورطها
الجدي مع أحد الشبان الذين كانت تخرج برفقتهم . لم يكن بينهم أحد
يعرف أنها ما تزال عذراء , بل كان كل واحد منهم يعتقد أنه الوحيد
الذي ترفض أن تقيم معه علاقة وطيدة , وهذا اعتقاد شجعت على أن
يعرفه الجميع , لأنها تعلم أن فيه سلامة لها , فالأفضل أن تنعت بالفشل
على أن يعرف الجميع بطهارتها . وحتى والدها لم يكن يعرف أن
الشائعات والقصص التي دارت حولها إنما هي مجرد شائعات و كانت
تشعر بالخجل من ذكر الموضوع أمامه . . ولكنها الآن تتساءل عما إذا
كان قد بدأ يدرك الحقيقة بنفسه . . فقد كان في نظرته إليها نوع غريب
من التسلية والسرور عندما خرجت من التاكســي في نهاية الأسبوع
الماضي أمام منزلهما في لندن وهي تبعد نفسها ببراعة عن ذراعي ابن
أحد الدبلوماسيين الفرنسيين الماهر في حقل الغزل وفنونه . . خاصة
وأن فرانسوا يُعتبر صيداً ثميناً في الدوائر التي تدور فيها . . ولكن السير
برادلي انتقد الشاب الفرنســـي بشدة :
ـ إنه من الهواة بل هو ليس بارعاً في هذه الأمور .
وجدت نادين نفسها تصغي إليه و توافقه رأيه فيما يتعلق بذاك
الشاب .
منتديات ليلاس
الليلة , وبسبب سفره , و لأنها لن تراه لعدة أيام , أرادت أن تترك
انطباعاً حسناً عنها . . فارتدت بعناية للحفلة فستاناً حريرياً أبيض رائعاً
من تصميم (( بليندا بيلفيل )) وكان للفستان تنورة ذات طبقات من
الدانيل , أما ياقة الفستان فكانت منخفضة ومستديرة ومزينة بورود
حريرية وردية اللون , تتناغم أي تنـاغم مع صغر سنها . وبعد ارتداء
الفستان تزينت بالألماسات التي كانت لأمها , قرطان صغيران وقلادة
مماثلة وسوار . أما شعرها فقد كان مرفوعاً ومربوطاً على شكل كعكة
ولكن بعض خصلات هـذا الشعر الأحمر الدقيقة داعبت عنقـها . . حينما
ساعدها والدها على النزول من السيارة أصدر الحرير حفيفه المعروف .
وقفــــا أمام فيلا ميدسيني الزاهية بأنوارها .
تمتــم السير برادلي في أذن نادين وهما يرتقيان الدرج الرخــامي
المنخفض الذي يوصل إلى قاعة رقص تحف بهما العمدان الرخامية :
ـ إنه رائع قديم العهــد .
كان واضحاً أن السنيور ميدسيني يترقب وصولهما , فقد وصـــل إلى
الباب حالما وطئا عتبة داره ليحيي والد نادين بسعادة مبالـغ فيها قبل أن
يلتفت إلى نادين ليبدي إعجابه بهــا .
ـ وهذه المخلـوقة الخلابة هي ابنتك ؟ أنت رجل محظوظ !
كان إعجابه إعجاب رجل بامرأة جميلة فاستجابت له بــابتسامــة
هادئة . . . بدرت حركــة صغيرة على مسافـة غير بعيدة عنها لفتت انتباههــــا
فلمـا رفعت بصرهــــــا , وجدت أنهــــا تنظـر مباشرة إلى رجل طـــــويل أســـود
الشعر , يقف وحيداً . الشعـــــر والبشرة السمـراء يعلنان بصــراحة أنه إيطالــي
ولكنه أطـــــول بكثيـــر مع جميع الرجال في هذا المكان بل هـــــــو أطــــول حتى
مــن والدهــــــا البالـــــغ طوله ستة أقـــــدام . رأت نادين حتى وهـي على هــــذه
المسافـــــــــة أن عينيه رماديتـــــان وحبست أنفاسها عندما شع فيهمـــا وميض
يشيــــر إلى أنه قـــــرأ مـا فــــي عقلهـــــا . ابتسمت ببرود واستنكـــــار للسنيور
ميدسيني , ثم سرعـــــان ما تغير مزاجهـــــا من التكدر إلــى الفــرح . . فقد كانت
تحس بالكآبة لآن والدها لن يتمكن من مرافقتها إلى جنوبي إيطاليا .

جمره لم تحترق 04-01-12 05:52 PM

1 ـ لا حواجــز بيننــا * *
 
ـ جوليس , ألن تقوم بالتعارف المطــلوب ؟
كانت غارقــــــة في أفكـــــار كادت معهــــا لا تلاحــــظ انضمـــام الغـــريـــب
إليهــــم . كانت كلماته موجهــــة للسنيور ميدسيني ولـــكن عينيه لم تفارقـــا
وجه نادين . ولما رنت إلى وجه أبيهـــا لمحت فيه تسلية وابتسامــــة مـــرح ,
وعرفــت أن وجههـا قـد احمر قلــيـــلاً . سمعــت السنيور ميدسيني يرجوهــــا
بشــكـــــل رسمـــــي :
ـ لو سمحت لــي السنيوريتا ؟
حين هزت رأسها إيجاباً وضـــع يده على ساعـــــد الشــاب وجذبه إلى
الأمام , بحيث لامست سترته ذراع نادين العارية . وهــذا ما أثار فيها
ارتجافاً وبعض الحيرة .
مع ذلك , فقد لاحظت أن السنيور ميدسيني , اضطر لرفع رأســه
لينظر إلى وجه صاحبه , وأن العينين الرماديتين برقتا ببريق المرح وكأنه
يكيد مكيدة للتأثير فيها أكثــر .
ـ ستكون يا سيرجيو محط حسد جميع أصدقائك , فكلهم يتوقعون
التعرف إلى الآنســة كلايتون .
قاطعه والدهـــا :
ـ اسمهــا نادين , وأنـــا واثــق أن السنيور . . .
سارع السنيور ميدسيني لتعريف الاســم :
ـ سنيور دورباريو . . سيرجيو . . جدة سيرج إنكليزية , لذا يتحدث
اللغــــة بطــلاقة .
وتابع السير برادلي :
ـ أنا واثق أن السنيور دورباريو سيسامحنـي إن تركت ابنتي معه ريثمـا
أتناقش معك أموراً عملية مهمة أخبرتني عنها سنيور ميدسيني .
سمعت نادين , سيرجيو دورباريو يقول والبسمة واضحة في صوته
كما في عينيه وعلى وجهه :
ـ هذا إذا كان غيابك يكفي لمراقصتها . . .
فيما كان السنيور ميدسيني يرافق السير برادلي , أردف سيرج
لـ نادين :
ـ من سوء الحظ أن السنيور ميدسيني مخطئ . . لم يعد لي جدة
إنكليزية لأنها ماتت لــلأسف منذ عدة سنوات . لكن إن لم أكن مهتماً
بتعزيز ذكراها من قبل فسأبــاشر بذلك منذ الآن , لأن لغتها هي التي
ستمكنني من التقدم على أبناء بلدي لأسرقك منهم , وسيكرهونني .
لم تستطع نادين منع نفسها من الضحك . . الأمـر كله سخيف . .
مع ذلك فقد أعجبهــا , وانجذبت إليه .
سمعته يضيف قــائلاً :
ـ آه . . هكذا أفضل . . حين دخلت منذ برهة كــــان في عينــيك
ظـلال , إنهما عينان جميلتان . . يجب ألا تحجب الغيوم لونهما
النحاســي .
يــجـــب أن تعـــترف نادين أنه ماكـر . نظرت إليه , فــــي جــــانــب وجهه
قســـوة كانت تصدم وتراً في نفسهــا , إنه مختلف وخطير وثمة شــيء في
داخلهــا يشعـــر بالانــفعال لهــذا . استجابت له لأنه سعى إليها هي من بين
جميع النسوة الموجودات في هذا المـــكان . لم يكـــن في يديه رغم رقتهما
واسمرارهمـــا ذلك الترهــــل الــذي ألفته في أيدي من تعرفت إليهـــم فـــي
لـــندن . . فهمـا لم تكونــــا قط يدي رجــل اعتاد الكسـل . سألهــــا برقـــة :
ـ أكنت في روما منذ مدة طويلة ؟ . . بالطبع لـــم تكونـي وإلا سمعت
عنك شيئاَ . أنت أجمل من أن تصلي إلى روما دون أن يلاحظ أحد
وصولك .
ردت نادين باتزان :
ـ وصلنا هذا الصباح , وسنرحل غداً . . أبي مسافر إلى سان
فرانسيسكــو .
ـ وماذا عنك أنت ؟
شعرت هنيهة بالهجر , وأحست بغصة في حلقها , أحرقت
الدموع عينيها . . إنها سخيفة . ولكنها كانت تمني النفس بالكثير في
هذه العطلة , وكانت ترقبها بفارغ الصبر .
كانت أصابعه على ذراعها دافئة , تشعرها بالحماية :
ـ تعالي . . ثمة باب يفضي إلى الحديقة , سنـتمشــى فيها وعندها
تتمكنين من استعادة رباطــة جأشــك .
حينما أصبحا في الخارج تمتم :
ـ أتسامحيننــي لأننــي ذكرتك بما أزعجك .
هزت نادين رأسها إيجاباً . إنه مهتم بمزاجها وأفكارها وهذا مــا
جعلها لا تشعـر بالتردد أو التحفظ اللذين تعرفهما عادة , حتى مع رجال
تعرفت إليهم منذ سنوات .
ألقت الظلمة المخملية الرائعة رداءها على الليل الإيطالـــــي . كانت
الحديقة حديقة رسمية . . ممراتها جميلة فيها ورود و نوافير تتراقص فـي
النهار . الضعف السخيف الذي خبرته في أعماقها زاده الليل قوة
فانحنى سيرجيو نحوهــا ثم وقف فجأة , وأدارها إليه , يرفع ذقنهــا :
ـ دموع ؟ هل لــي أن أســأل (( لماذا )) ؟
كان ما ظهر منديل في يديه ليستخدمه في التــقاط الدمـــوع التـــي بللت
وجهها . . فأجابت بصوت مرتجف يرافقه اندفاع متهور للإفضاء له بما
يجيش فـي أعماقهــا :
ـ ليس عندي سبب حقيقي , كل المسألة أننــي خططت ووالدي أن
نقضي العطلة معاً في فيلتنا في جنوب إيطاليا . . وهو مضطر الآن للسفر
إلى سان فرانسيسكو صباحاً . . يبدو لــي الأمـر سخيفاً . . وأعرف هذا ,
لكن . . أتــرى . .
وصمتت .
ـ نعــم ؟
منتديات ليلاس
كانت قد توقفت عن الكلام محرجة ولكن صوته الهادئ شجعهــا
على المضــي :
ـ كنا على اختلاف كبير ردهاً من الزمن وها قد عدنا إلى التواصــل
مجــدداً .
طأطــأت رأسهــا , وأغمضت جفنيها لإخفاء ألمهــا وشكوكها ولكنهــا
ذُهلت من نفسها بسبب ثقتها فيه . أردف يقول بتفهم كامل هادئ .
ـ وتخشين أن يكون من الأصــل غير راغب فـي مرافقتك ؟
ضرب على الوتر الحســـاس وهذا ما أذهلهـــا . فمن غير المعقــول أن
يعرف غريب عنها كل هذا , شعرت فجأة بأنها هشة أمــامه ولكــن فـي
الوقت ذاته غمرها إحساس من الراحة لأنها وجدت إنساناً آخـر يتفهــم
أفكــارها ومشاعرها وهذا إحساس غريب . .
ـ أيصدمك أن أحزر بسهولــة ما تحاولين إخفاءه عن الآخرين ؟ ألا
تلاحظين أن هناك تفاعلاً كيماوياً خاصاً بيننا ؟ أنت تشعرين بما
أشعر به أنــا ؟
أهذا صحيح ؟ خفق قلبها بين جنباتها : أهذا هو تفسير ما تشعر به
من ألفة تجاه هذا الغريب ؟ أم أنها ببساطة تسمح لنفسها بالانجراف
الذي يدفعها إليه مزاجها وسحر هذا الليل ؟ ماذا تعرف عنه على أي
حــــال ؟
وما الذي تحتاج إلى معرفته ؟ صـاح بها هاتف داخلــي ! إنها تعرف ما
شعرت به حين نظــر إليها . . تعرف كيف انقلب قلبهــــا بمـــجرد رؤية
قسمات وجهه المنحوتة بخشـونة . تعــرف كيف أن جسدهـا تجاوب مع
نظــراته .
ـ نــادين .
ترك اسمها شفتيه بهمس , فأحــست بالتـوتر يجتـــاح كـــــل عضلاتهـــا .
فلامست شفتيها بطرف لسانها , بشكل غير إرادي فتوهج الإعجــــاب في
عمـــق عينيه . وتطايرت الإثارة في جسدها بشكل خطــير , فــأغمـضــت
عينيها غريزياً , وقد صدمها أن تتصور نفسها بين ذراعيه . . طافت فـي
مخيلتهـــا هـــذه الصورة وغمرتهـا حتى كادت توقف أنفاسها , فترنحــت
قليلاً , وأحست بضغط أصابعه القوية على ذراعيها .
لامست شفتاه جهــة مـــن وجنتهــــا الرطبة ثــم الجهــة الأخرى وأبعدهــا
بحزم عنه رغم مظاهر الخضوع عليها . استطاعت تحت نـــور القمــــر أن
ترى خـطوط جانبي فمه العميـــقة فشعرت رغمــاً عنها بفيض من المشاعر
الاحتـــرام والإعجــــاب . ما كــــان أسهــل أن تبعده عنها لو تصرف كمــــا
يتصرف أي رجــــل رافقهــــا من قبل . . كانت في عقلهـا الباطني قد أعدت
له اختباراً , واضطرت للاعتراف بأنه نجح فيه . لو كـــان مكانه رجــل آخــر
لاستغـــل ضعفهــــا النفسي والجسدي , ولكــــن سيرجيو كـــــان يعـــرف أن
اللحظة غــير مناسبة لإيقــــاظ رغبتهــــا , ففــي الوقت الحالـــي لا تحتاج إلا
الشفقة والحنان . فجـــأة شعرت بالخــوف منه لأنه يفهمهــــا خـــير فهـــم . .
استجابتهـا الجسديــة لــه , وحدهـــا كافيه لإخافتهــــا . . . فهذا ما لم تختبره
مع رجــل آخـر . . .
ـ تـعـــالــي . .
تفوه الكلمة بإيجاز وكــأنه تحت الإكــــراه وهذا ما جعــــل أعصابها
ترتجــف استجابة . . وأكمـــل :
ـ . . . الأفضل أن نعود قبل أن يرسل أبوك خلفنـــا فرقة تفتيش .

جمره لم تحترق 04-01-12 05:54 PM

1 ـ لا حواجــز بيننــا * *
 
وفيما كان يعودان أدراجهما سألهــا :
ـ أين تقع تلك الفيلا التي ستذهبين إليهـــا ؟
أحست نادين بقلبها يخفق بقوة لا تذكــر أنها اختبرت مثلها من
قبل .
وأخبرته . . ثم راحت تصف باختصار المنطلقة و الفيلا متعمدة إبقـــاء
صوتها خفيضاً دون أن تحاول إلزامه بزيارة . . ولكنهما تجــاوزا الحاجة
لمثل هذه الدعوة . . فقد زالت بينهما كل الحواجز حتى بات لا داعـــي
إلى اعتماد الحيل أو التفاخــر الزائف , المقبول عادة في مثل حديثهمــا .
حين تركها سيرجيو أخيراً إلى جانب أبيها , أحست بالحـــرمان ,
وظهر ذلك على تعبير وجههــا . . راقبهــا برادلي كلايتون بقلق , وسألها
عن السبب , فــأكدت له أنه ليس هناك من خطب ولكن صوتها ارتجف ,
وتعلقت عيناها بظهر سيرجيو المنسحب .
لــم تشـــاهد سيرجيو ثانية حتى أوشكــــت هي ووالدهـــا على الرحـيل ,
وقــــد لمحته لمحـــة فقط إذ كان يقف إلى جانب سيـارة سريعة غـــالية
الثمن , وهو يضع مرفقه على باب السائق المفتوح , يحدق إلى الظـلام ,
شاهدت لبرهة من الزمن تعابيـــر وجهه فشعرت أن شحنـــة كهربائـيـة
تلذعها بطريقة مؤلمة . كان على وجهه خطوط الغضب والكـــآبة وكانـت
المرارة تجعد طرفي فمه . . كان غريباً ومع أنه كان ينظر إليهـا مباشرة ,
لم يكن في نظرته المــعرفة .
قرب هذا إليهـا واقع أنهمــا فعلاً غريبان , وأنهـــا لا تعـــرف شيــئاً عنه ,
وعن حياته ولا تعرف شيئاً عما رسم نظرة المرارة أو الكآبة على وجهه .
مـــر علــى نادين ثــلاثة أيـــام في الفيلا التي كان ما يحيط بهمــــا جميـلاً
وموحشـــاً . . ولكــن ويا للغرابة لم يكن والدهــا من يحتل معظم أفكــارها
بل هو سيرجيو دورباريو .
كان الزوجــان اللذين يهتمان بالفيلا بتكـليف مـن أبيهــا لطيفـــــان ولكنهمـــا
لا يتكلمان تقريبـاً ولـم يكــن أي منهمــــا يميــل إلــــى محادثتهــــا , فقــررت
الاستفادة من الأوقــــات التـي تقضيهــــا في انتظار والدها على أفضل وجـــه
وذلك بأن تزيد من اللون البرونزي الــذي اكتسبته في اليونــــان هذا العــــام ,
حين استسلمت لــرجــاء أحد أصدقائها , الـــذي طلب منهــــا الانضمــام إليه
في عطلـــة سيكون فيها على متن يخته الـذي سيجــوب به الجــزر اليونانية .
كانت عطلـــة كسولـة ولكنهــــا لســــوء الحـظ انقلبت إلـى كابوس . . فمـا إن
انضــمت إلى ســــائر المسافرين في أثينا حتى اكتشفت أنهــم جميعــاً أزواجــاً
وكـــان من المتوقع منهــــا أن تكــون مرافقـة فرانسوا في الرحلة . ثم لم تلبث
أن اتخذت الرحلـــة مســـــاراً سيئاً حتى انتهى بهـــا المطاف إلى شجــار رهيب
قـــام بينهـــا وبين فرانسوا بعد ظهــــر أحد الأيــام حين كـان اليخت يرسو على
شواطئ جزيرة (( كورفا )) .
كــــان قـــد قــــــصــد الجميـــع الشاطـــئ , وكــــانت وحدهـــــا تستــلقــي تحت
أشعــــة الشـمـس أو هــذا ما ظنته حـــتى تسلل فرانسوا إليهـــا , وفك لها رباط
ثوب السباحــــة , حالمـــا أدركت أنهـــــا ليست بمفردهــــا حتى استدارت , وفي
تلك اللحظــــة بالـــذات وجـــد مصـــــور طفيلــــي فرصته والتقط لهـــا صـــورة .
عندمـــا نـشرت تلك الصـــورة علــــى صــفــحــة الشائعــــات الاجتماعيــة بــعــد
أيـام شــعـــرت بالخــــزي والعــــار فلم تكن الصـــــورة تظهــــر تعابير وجههــــا
المصدومــة , بــل أظهـــرت بوضـــــوح لا لبس فيه القـــســـم العلــــوي من ثوب
البحــــر المنزوع عنهـــــا , ورافق الصورة شرحـــاً مستفيضاً يغمـــز بأنها تقضي
إجــازتهــا مـع أصدقــــاء منهــم العابث العالــمــي فرانسوا شارمان , هــــذا عـــدا
أشياء أخرى وأخرى .
قاــــل لهـــا والدهــــــــا يومذاك إن المصــــور قــــام بواجبه ليــس إلا لــــكن نادين
أحــســت أن الحـــادثـــة لطـخــت سمعتهـــا , وكـــانت آخــــر قشة قصــمــت ظهـــر
البعيــــر فــقـــد ساعدتهــــــا تلك الحــــادثة علـــى التخـــلــص نهائيـــاً من زمرتهـا
القـــديمـــة , وأدهشهـــــا ألا تفـتـقــدهـــم أبــداً بعــد ذلك . اضجعت تحـــت أشعــــة
الشمـــس , وكـــان إلى جانبهــــا قمــيــص وتنورة . . جلســـت تــلف التنورة حول
جسمهـــا , وهـــي تحدق إلـــى البحــــر . . إنهـــا تكـره أن يعرف سيرجيو ما كانت
عــليــه سابقاً .
تــــرى كيـــف كـــــان يـمـكـــن أن تــكـــون ردة فــعلـــه هــــو علــى تلك الصورة !
أوحــى إليهـــا شيء مـــا في داخلهــــا بأنهــــا لو تعرضت لـمثل هذا الموقف معه ,
لمـــا وصلت الــصــورة أبــداً إلــى الـصــحـف . . ولــكـــن من المستحيل أن يتسلل
سيرجيو دوباريو مـــن وراء ظــهــر فتــاة مــــا ويتصـــرف كمـــا تصرف فرانسوا .
أولاً لأنـه لــن يكون بحـــاجــة لهـــذا , ثــانــيــاً لأنـه لـــن يطلــب الدعـــاية إن أراد
مغــــازلــة امـــرأة مـــــا . أحســـــت نادين باحـــمرار وجهــهـــا . . ولا علاقة لهذه
الحرارة بالشمس , فقـــد أحــســـت بــوهــن غـــريــب يتــســلـل إلـى أوصالها لأنها
فـــكرت فــي مــا ستشعر به لو غازلها سيرجيو .
كــــانت الظـــلال الطـــويلة قـــــد بدأت تتسلل إلــــى الشـــــاطئ , وهــــي تـــشـــيـر
إلى أن النهار بدأ يجمع فلوله وهذا يعنـــي أن عليهــــا تــــرك الشاطــــئ وارتقـــاء
الدرجـات المنـــحوتة في الجــــرف الصخـــري الــــذي يقضــــي إلى الفيلا القابعـــة
في القــمـــة , فـــبدأت تجمـــــع حاجياتهـــــا وتنظــــر إلى الصخور , تســمرت فـي
مكانها عندما طالعتها صورة الرجل المتقدم نحوها .
كــــان يـرتــدي ســـروالاً مـــن الجينز قصـــيــراً مــمــــزق الأطراف , وتتــدلى من
عـنقـــه ميدالــية ذهبــية .
ـ سيرجيو !
خـــــــرج اسمــه من ثغـــــرها بتعجب , واتسعت عينــاهــــا إعـجـــابــــاً برشاقته ,
بدا السروال القصير شاحباً ممزقاً وكأنه كان ســروالاً كاملـــاً قــــبل أن يقتطــــع
ليصبح سرواله . كان لمنـظــر جــسمه تـــأثير قــــوي عــلى أحـــاسيسهـــا , زاده
تعاظمـــاً واقـــع أنه كـــان يراود أفكارهــــا باستمرار تقريباً منذ آخـر لقاء بينهما ,
قال لها مبتسمـــاً :
ـ قيل لي في الفيلا إننــي قد أجدك هنـــا .
لم تجرؤ على أن تصدق ما تسمعه فســألت : (( جئت ترانــي ؟ ) .
سخرت عيناه منهــا :
ـ بالـــطـــبــع لا ! أســتــطيع التفـكيـــــر علــى الأقــــل في عشرة أسباب تدفعني
إلــى المجــــيء إلــى هــنـــا في منتصف أسبوع عمل عاصــف ولكنهـــا كلـهـــا
ستكـون أكــاذيب .
كـــانت نظرته إليهــــا تدمرهـــا ثــم لم يلـبــث أن نقـــل عينيه مـن ثنايا جسمها
إلى وجههــا المشتعل وثغرهــا الفاغر .

جمره لم تحترق 04-01-12 05:56 PM

1 ـ لا حواجــز بيننــا * *
 
ـ أنت تدهشيننـي , فعــلــى شاطـــــئ مهجـــور مـعـــــزول كهــذا . . لا أظن أن
هــذا . .
وأشــار إلى البكينــي :
ـ ضروري .
مــــرت بضـــــع ثوانـــي قبــل أن تـسـتوعب معنــى كلامــه . وعـندمـــا فهــمــت
قــصــده مـــدت يدهــا مـتوترة إلى نظارتهــــا ووضعتــهـا علـــى أنفهــا لتخفـــي
اضطرابــهــــا . . أيتوقــــع منها حقــاً أن تجلــس على الشاطــئ دون . . وهـــو
ينـــزل هـــذه الدرجــات ؟
ابــتعـــدت عنه وهـــي تشعر بالارتبـــــاك والذعـــــر لأنها لــن تستطيع التفكيــر
بوضـــوح مـــا دام موجوداً أمــامها .
ـ أكــنــت . . هل ستبقى طويــلاً ؟
الســــــؤال غـــير متمـــــاسك ولا متــــرابط , ونـــدمـــــت علـــى سخافته حالمـا
طرحته ولكن لم يـبــدُ الاهتمـــــام علــــى سيرجيو . . بـــل قــــال بكــــل عفوية :
ـ يومـاً أو يوميـــن . لقــد حـجــزت غــرفـــة فـــي فــنـــدق , إذا كــــان بالإمكان
تسمية المكــــــان بفندق فـــــي (( سان لورنزو )) علـــى بعد قليل مـن الساحل ,
أتعــرفيــنه ؟
ـ أجــــل . . لكن كــان بإمكانك الإقامـــة هنــــا , في الفيلا .
ارتفــع حاجــبــاه :
ـ وهــــل سيوافق والــــدك على أن تقيمـــي علاقة كهذه ؟
مــــرة أخــــرى صـــدمت استـــجــابة جسدهــا للصـورة الـتي يرسمها , إنهــمــا
معـــاً فـــي عــــزلة يتعشيان علــى الشـــرفة التي تطــل علـــى البحر حيث أنـوار
النجــوم وحدهــا هــي ما تضــيء المنظــر . وبـعــد ذلـك . . .
أحـــســـت بجـفـــــاف فمهـــــا , كـــــان جسدهـــــا يسـتـجيـب لأحاسـيـس هــزت
الأرض تحـــت قدميهـــــا . . لـــم تــكـن قد شعرت قط يمثــــل هـذه الأحــاســيس
من قبل , أطـــرقت برأسها لتلهــي نفسهـــا فلاحظت أن منشفتهـــــا وقـــــارورة
الــزيــت المضـــــاد للشــمـس مـــا زالتا علـــى الــرمـــل . أدركت وهـــي تنحني
لتلتقطهــــا أن عينيه كانتا مثبتتين على جسمهـــــا . فارتجفت ارتجــافة عميقــة
وراح العرق يتقــصــد من شفتهــــا العليـــا . . مــــا الـــذي يحدث لها ؟ هل فهم
سيرجيو ما تفكـــــر فيه ؟
ـ تعــــالـــي , فباميلا طـلبـــت مـــني أن أقــــول لك إنهــــا ستبكـــر في تحضــير
العشاء الليلة لأنها ترغــب في الذهـــــاب بـــاكراً كمــــا ذكــــرت أن الغـــد يـــوم
راحتهــا , وتنـــوي قضــــاءه مع ابنتهـــــا . . كنت سأقترح أن نتنــاول العشاء
معـــاً . . لكــن بما أن المسافــة بعيدة بين رومــا وبين هذا المكان . فــأخشى أن
أقـــع نائماً . علـــى أي حــال هـــل تسمحين لــي بتناول الفطور معك وربمــا بعد
الفطور ننطلق معاً في نزهة بالسيارة ؟
ابـتـلعـت نادين خـيـبتـهــــا , وتـمـسـكـت بـواقـــع أنــه اجـــتـاز بسـيــارته هــــذه
المسافة كلهـا ليراهـــا , وأنــه يــــود رؤيتهــــــا فـي الغـــد . وتمكنـت من الـــرد
بابتسامة , ثم عـادت تنحني لالتــقــاط ما تبقى من أغراضهـــا , ولكـــن صيحـــة
ألم تصاعدت منها عندمـــــا داست على حـــافة صــدفة حــادة . سرعان ما انتشر
الألم ففقدت توازنهــــا وكــــادت تقع إلـــى الخلف لولا ذراعــــا سيرجيو الـلـــتان
أمسكتـــا بهــا .
بدا لهـــا أن يديــه كانتا تحرقــــان بشرتهـــا الرقيـقـــة عندمـــا كـــان يمسك بهـــا
وقطب سائلاً : (( ما الذي حدث ؟ )) .
هزت رأسهــا : (( دست على صدفة إنما لم يحدث شيئاً )) .
ـ دعيــــني أرى .
ركـــع علـــى ركبتيه أمامهــــا , يرفــع قدمهــــا المصابة وهــذا ما اضطرهــا إلى
التمسك بكتفيــه لئـلا تقـــع . . كـــــان لبشــرته ملمس نـــاعم وكــانـت العضـــلات
المتـحـركـــة مطواعـة , وكــــان على نادين أن تكبــح رغبة جامحــــة في أن تمرر
أصابعهــا علــى كتفيــه . . ولكــن ذلك يشـبه ملامســة جـلـد نـمـــر ولــعـــل هـــذا
الرجـــل خطــر كالـــنــمـر تمامـــاً . نظرت إليه , تراقب رأسه الأســـود , وبراعــة
الأصابع التي تعاين قدمها المصابة , ثم قـــال :
ـ تبــدو لـــي علــى مــــا يـــرام . . فالـــدم يـنــزف منهــــا بحرية , وإن غسلتهــــا
ونظفتها جيداً عندما تعـــــودين إلــى الفيلا فلـــن تحــدث تعقيدات , فليــس فيهــــا
قطع من الصــدف المكســور .
رفـــــع رأســه , ثـــم راحت يده ترتفع من كــاحلها إلى الأعلـى . أرســل
تعبير عينيه الدم حاراً في عروقها . . ثم وقف وأصبحـــت بيـن ذراعـــيه ,
وجهها يرتفع إليه بشوق . . ووجــدت يده طريقاً إلى ظهــــرهـا تحتـضنـه ,
فجأة أحست أنهـا خفيفة كالريش وأنهــــا تذوب وأنه يعــيـد تشكيلهـــا كــما
يشـاء ويهوى , وشــعـرت بالحـرارة الشــرسة التي يطلقها فيهــا .
حينما تركهــا شعـــرت بــأن جزءاً من نفسهــــا يتلاشى , وعرفت نادين أنه
لو اقتــرح عليهــــا أي شيء لمــــا مانعت أبداً . أرادت منه كــــل شيء منـذ
اللحظة التي شاهدته فيها . . لم يكن سيرجيو غريبــــاً لأنهـــــا شعرت بأنهـا
تعرفــه من قبل , وبأنها كــــانت تبحث عنــه منـــذ زمـــن طويــــل . تعرفـت
أحاسيسها كلها إليه , ورحبت به , بطريقــة لم يستطـــــع تفكيرهــا الوصول
إلى فهم كنهها , أرادت أن تبوح له بهذا , وأن تسألـه إذا كان يبادلهـــا هـــذا
الإحســــاس , ولكنها كانت دائمــاً خجولة .
تركهــــا , ليعطيهــــا بصمت مـــا وقـــع منهـــا من أغراض . ثم قال بصوت
خفيــض :
ـ تشاو . . لا تنسي الفطور غداً . ثمة ما ينبئني بأنك فاتنـــة وأنت
تقـــدمين عصير البرتقال والقهوة .
كـــان في صوتــه نبرة سخرية , فتساءلت نادين عمـــــا إذا كــان يظنهــا
معتادة على تناول الفطور مع الرجال أو بالأحرى مع العشاق , ولكــن لـو
كان هذا ظنه بها لما تردد في قبول دعوتها للإقامة في الفيلا . إنها تـعرف
أنه يريدهـــا . . وتعــــرف أيضــاً رجال إيطاليا . . أنهم رجــــال معتـدون
برجولتهــم حتى الغــرور . . مع ذلك فسيرجيو يعاملها بالرقة التي يعامـل
بهــا قطعة خـزف صينية رائعة , وهذا ما تمتعت به . أحبت تحفظه بمقدار
ما أحبت رجولته . . من الواضح أنها تعني له أكثر من مجرد محطة لليلة
واحـــدة .
تـاقــت إلى التعبير عن بهجتهـــا لأنه ينظر إليهـــا على أنها إنسانة لا على
أنها ابنة أبيها ولكنه بالتأكيد يعرف ما تحس به , وتنهدت تنهيدة صـــامتة
فكيف يفشل في فهم مشاعرهــــا , لقـد رأت الفهم في ابتسامته وأحست به
في ضغط يديه عليهـــــا .
ارتدت علــى عقبيها نحــــو الفيلا بـقـلـب مفعـــم بالأحـــــلام وبدأت بالفـعل
تترقب الصبــــاح المقبل بفــــارغ الصبر .
http://smiles.al-wed.com/smiles/13/i...17_42994_4.gif
نهاية الفصـــل (( الأول )) . . .

جمره لم تحترق 04-01-12 06:04 PM

2- الــضحية والجــلاّد * *
 
2- الــضحية والجــلاّد * *
http://www.al-wed.com/pic-vb/17.gif
لأول مرة منذ وصولهــــا إلى الفيلا تستيقظ وإحسـاس مثير مــن الترقب
يجتاحهــا .
استحمت بســرعة ثم ارتدت (( تي شيرت )) أبيــض اللون وجينزاً بنيــاً
وتناولت ثوب سباحة نظيفـاً وروبـاً قطنياً وضعتهما في منشفة كبيــرة في
حقيبة صغيرة من قماش (( الكانفا )) .
لم يكن لديهــــــا فكـــــرة عمــــا قد تشمله خطة سيرجيو في هــذا اليوم ,
ولكنها لن تسمح لنفسها بالارتبـاك إن اقترح عليها التوقف فـــي مكان مـا
للسباحة . . كانت تعرف أن فتاة مثلهـــا , لن تقلق بشأن ثـوب سباحة . .
وبكل تأكيــد لا تستطيع التفكير في فتاة من زمرتها القديمــة لا يمكــــن أن
تـكــــون سعــيــدة مبتهجـة , لعــرض جسدهـــا أمـــــا سيرجيو دورباريو .
فــي الوقت المحـــدد وصــــل سيرجيو وذلك عندمــــا كـانت باميلا تحـمـــل
الفطــور إلى الشرفة . . سمعت نادين صوت السيارة , فتقدمت إلـــى بــاب
الفيلا تفتحه , كان سيرجيو ينزل من سيارة مرسيدس قرمزية مكشوفة . .
فـي تلك اللحظـــــات وقبـل أن يراهـــا . بدا لهــــا مشغـــول البال , القميص
الأســـود الـــذي يرتديه يلف جسده وسروالـه الأسود يشــتد علـــى ســـاقيـه
وخصره لأنه كان منحنياً لتناول مفتاح سيارته , كانت ملابسه عـادية وهــي
غيـــر مصممة لجـــذب الانـتـباه , مـــع ذلك أحســـت بوجــــوده , وبرجولته
وقوته . شعرت بأنه كــان يراجع نفسه في أمــر مـا , فقد تغيــرت أســاريره
فجأة من التجهم المتحفظ إلى الإعجاب الرجولي الصريح .
ما إن وصــل إليها حتى قال وهو يلف ذراعه حول كتفيها :
ـ لو كـنـت أعلـــم أنك تـبـديـن خــــلابة هكــــذا في الصباح , لمـــــا أقنعـــني
شيء بالعودة إلى الفندق ليلة أمـــس .
أحنــى رأســــه يحجب عنهـــــا أشعة شـمــس الصبــــاح فعانقهـــا . عندهــا
تساءلت عمــا إذا كـــان قـــد شم رائحة عطرهـــا كما شمت رائحة عطره . .
كـــانت رائحته رائحة نظافــة ورجولـة , وأحـــست برغبة جامحـــة فـــي أن
تلمس وجهـــه الحليق وعنقــه . . لكنهــــا قالت بصـــوت أجــــش وشـفـتـين
مرتجفتين :
ـ الفطور جاهز . . وصـــلت في الوقت المنــاســب .
نظر إليهـــا نظرة مائلة مربكـــة , أرسلت نبضاتهــــــا سريعة في عروقهـــا ,
وقال :
ـ هـــذا أمـــر يعتمد على أشياء أخرى . . كنت أفضـــل أن أصـــل قبــــل الآن
لأراك وأنت كالأميرة هاجعـــة في سبات عمــيق بانتظــار قبلة أمير الأحــلام .
كـــــان مـن السخــف أن تـــحـس بالاختناق لمجــرد سمــاع كلمـــات الغــزل .
فــقـد سمعتهـــا فـــي الماضــي كثيراً ولـم تشعــر قـط بأيـة ردة فعـــل . . فيم
يخــتلـف سيرجيو عـــن سواه ؟
حاولت بســـرعة أن تصـــرف هـــــذا التفكير عنهــــا وهـي تقوده عبر الفيلا
إلى الشرفة الخلفية .
أحـســت بالســـرور لاعتنائهـــا بمــــائدة الطعام خاصـــة عندمـا ألقـــى نظرة
إليهــا . كـــانت لفائف الخبـــز بالسكر والحليب ما تـــزال ســـاخنة , وهــــي
متراصـــة كــــالذهب في السلة . أما صحن مربى المشمش الصغير فكان في
صحن أخضــر اللون , كـــانت تقصــــد أن يشبه بلونـه أوراق المــــائدة ذات
المقبض الأخضــر الشاحب التي يستخدمونها في الفيلا .
بعد مرور نصف ساعة وفيمــــا كـــــانت نادين تسكب القهـوة فـــي فنجــــان
سيرجيو للمرة الثانية فكرت في نفسهــا , أنهما يشبهـــان زوجــين قديميــن
هادئين . كـــــان يستند إلى الخلف في كرسيه , مسترخيــاً , يتأمــــل المناظر
الـــتي تشـــرف عليهــا الشرفــة . وسألته وقد تضــــرج لونها التقت لينظـــر
إليهـــــا :منتديات ليلاس
ـ ما هي خطتك بالضبط لهذا اليوم ؟ . . أعني , هل أحضر غداءً
للنزهــة أم . . .
ـ بكل تأكيد , إن لم يكن في الأمــر إزعاج . . مع أننـي أعترف , أن
الطعام هو أبعد شــيء عن تفكيري .
اعتذرت نادين تريد تنظيف الطاولة من الصحون الفارغة وكان أن
تركته وحيداً في الصالة الرئيسية .
لم تسمعه يصل إلى المطبخ , وكــادت توقع السكين الذي كانت
تفتح به الخبز المستطيل لتضع فيه الزبدة والمربى , حين ناداهــا :
(( نادين )) .
التفتت إليه ولكن نظرة عينيه حيرتها . . كان يبدو مشغول البال ,
وكــأنما هناك ما يهُمه أكثــر من نزهة اليوم . . وأكمــل :
ـ ربما ليست الفكرة جيدة .
كان يعطيها ظهــره وهذا ما تشكره عليه لأنه حال دون أن يرى ألم
الإذلال في عينيها . . ما الذي يعنيه ؟ أيفكــر مجدداً في رغبته في قضاء
اليوم معها ؟ هل اكتشف أنها ليست تلك الفتاة التي ظنها حين قابلها في
رومــــا ؟

جمره لم تحترق 04-01-12 06:06 PM

2- الــضحية والجــلاّد * *
 
تمكنت من السيطرة على صوتها ليكون هادئاً غير مكترث :
ـ كما تشاء . . مع أننـي ما كنت لأظن أن التردد عادة من عاداتك .
فجأة عادا غريبين . كانت تقصد من وراء كلماتها الأخيرة أن تلذع
وتؤلم , ورأت وجهه يتغير , وعرفت أنهما على وشك الخصــام وكأنما
غيمة سوداء مفاجئة اجتاحت السماء الزرقاء الصافية .
ـ واضح أن هذا ليس عادة ما عاداتك . . هل تتخذين دائماً آراء
متهورة بشأن الناس , أم بشــأن الرجال فقط ؟
كان رده ضربة مؤلمة لها ولكنها عجزت عن الاعتراف بأنهــا لم
تتجاوب من قبل مع أي رجــل كمــا تجاوبت معه .
عاد إلى الصالة , ولحقت نادين به , متأكدة أن اليوم قد افسده
الكـــلام .
أردف يقول : (( أظن أن من الأفضل إلغاء خطتنا لهذا اليوم )) .
توقف أمام صورة موضوعة في إطـار على الطاولــة , تظهر فيها نادين
مع أبيها , ومع أحد أصدقاء الأب القدامى . . اخذ ينظر إلى الصورة
بتركيز حيرهــا . وما استغربته أن عينيه وفمه اجتاحتهما الكآبة , فقالت
لــه :
ـ إنه صديق قديم لأبــي . . إنه . . لقد مات السنة الماضية .
ارتجف صوتها , وعضت شفتها بقسوة . . لم تكــن تعرف الرجل
جيداً . مع أنه وأباها كانا صديقين لسنوات طويلـة . مع ذلك كانت تجد
من الألم التحدث عن موته , فقد كان ضحية عملية اختطاف , وموته
على يد مختطفيه كان العنوان الرئيســي في الأخبار . كانت نادين حتى
الآن تجد صعوبة في إبعاد الرعب المثير عن نفسها , ولكنها لم تخبر
والدها عن خوفها من أن تكون هي أيضاً ضحية اختطاف . وأقنعت
نفسها بخفة أن بعض الناس يخافون العناكب , أما هي فتخاف
المختطفين .
كانت تشك أن مرد خوفها هذا يعود إلى موت أمهــا . . كانت فــــي
المدرسة الداخلية عندمــا ماتت , ولم تعرف بالأمر . ولكن وصول
غريبتين , عرفت فيما بعد أنهما سكرتيرة أبيها ومساعدته الشخصية ,
أبعدتاها عن المدرسة بدون أن تقدما تفسيراً ثم لم تلبثا أن أخبرتاها
بموت أمها وهذا الخبر ترك في نفسها جرحاً لم يندمل حتى الآن تماماً .
أجبرت نفسها على أن تردف :
ـ لقد اختطفه الإرهابيون .
ـ إنها مــأساة !
بدا سيرجيو وكأنه يعني ما يقول ووجدت نادين نفسها , تعود لتحيا
حزن أبيها . ولكنها نفضت عنها هذا بسرعـة . . وقالت :
ـ آه , لا أدري . . أليس هذا ما يجول في خيال الجميع ؟
كان هذا كلاماً مقبولاً بين الزمرة التي عايشتها نادين , وطالما
استخدمت هذا التعبير لتدافع عن نفسها غير عابثة بالاستنتاج الذي قد
يكونه مرافقها عنها , لكنها الآن . . تهتم . وتمتمت بمرارة لو أنها لم
تتفوه بما قالت خاصة عندما رأت نظرة سيرجيو إليها . قالت وصوتها
وعيناها يساعدانها في التوسل ليفهمها , ويسامحها , مساحة لا تسمح
لها كبرياؤها بطلبها :
ـ سيرجيو ؟
تغيرت ملامح وجهه , وطردت ابتسامة العبوس والمرارة القاسية
التي ظهرت عليه , والتوى فمه ساخراً :
ـ يبدو أننــي استيقظت هذا الصباح ومزاجــي ســــيء وربما السبب أنني
غير معتاد على حرير الفندق . كم تحتاجين من وقت للاستعداد ؟
لم يشر إلى أنه منذ دقائق قليلة كان على وشك أن يلغي نزهتهما ,
ولكن الفرح الذي غمر نادين جعلها لا تذكر له ذلك بل وعدته :
ـ عشــــر دقائق .
وكانت عند قولها . فما هي إلا عشر دقائق حتى وقفت تراقب
بإثارة سيرجيو وهو يضع سلة الطعام في صندوق المرسيدس , ثم يفتح
لها الباب لتصعــد .
كـــان الطـــــريق لهما وحدهمـــــا تقريــــباً , واسترخت نادين مستندة إلى
ظهـــر مقعدهـــــا مستمتعة بالنسيم العليل الذي يتلاعب بخصلات شعرها
وراحت تتنشق عبير الريف الهاجع تحت حرارة منتصف الصيف . . مرا
ببساتين الزيتون المعمرة سنيناً قديمة .
وصلا إلى أعلى التلال خلف منطقة الفيلا , فبان البحــر في البعيد
يلمع أزرق لازوردياً ويلتحم بالأفق . جلست نادين على الأرض
وركبتاها تحت ذقنها , تحس بحرارة الشمس وهي تلفح كتفيها . . منذ
نصف ساعة , أوقف سيرجيو السيارة بعيداً عن الطريق , في هذه البقعة
الجميلة المعزولة , وها هو الآن يستلقي إلى جانبها فوق العشب الطري
ينظر إلى السماء . حركت نسمة لطيفة الهواء الساخن حولهما . . كان
يجب أن تشعر بالراحة والسعادة بعد الوجبة التي تشاطراها ولكنها شعرت
بوضوح بكل حركاته حتى دون النظــر إليه .
كن قد انتزع قميصه وبنطلونه , وبقي بثوب السباحة الذي كان
يرتديه تحت ملابسه , ولامت نادين نفسها لأنها لم تحذُُ حذوه وترتدي
ثوب السباحة . أجبرت نفسها على عدم النظـر إليه وفكرت في أن
بإمكانها الذهاب إلى السيارة لتغيير ثيابها , فلا أحد سيراها . . وكأنه قرأ
ما تفكر فيه , فقــال متكاسلاً :
ـ لماذا لا تقصدين السيارة لتبدلي ملابســك ؟
إنها ترغب في هذا . . فلماذا تتراجع ؟ وما هذا الإحساس الغريب
الذي يجعلهــا مترددة في عرض نفسهــا أمام سيرجيو ؟
رفع نفسه على مرفقه ليتأملها .
ـ تبدين وكــأنك إحدى عذارى المسيحيين التي تفضل ثياب الأسود
على أحضان آسرك الروماني . . إنها تجربة جديدة من نوعها .
أبعدت عينيها عنه لئلا يقرأ فيهما صحة تخمينه فهي فعلاً ما تزال
طاهرة . لماذا , وهي التي لم تهتم بهذا من قبل , تحس بالرهبة أمامه ؟
ليتها تملك بعض الخبرة لتستطيع الرد . قست كلماته وهو يردف :
ـ لماذا تبدو البـراءة شركاً مغرياً للرجال متى شهدوها ؟ حين أنظــر
إليك يصعب علي أن أتصور أن رجلاً آخـر قد لمس قدك الرشيق . يا
إلهــي . . لا شك أننــي سـأفقد سيطرتــي على نفســي !
ضاعت وهو يميل إليها يأســرها بين ذراعيه :
ـ ثمة ما ينبئني بأننــي سأندم على هذا . لكننــي لا أستطيع التفكير إلا
بالألم الذي يخز في نفسي ويذكرني بأنني من البشر . . ماذا تتوسل مني
عيناك حين تنظرين إلي هكذا ؟ الإنقاذ . . . أم هذا ؟
عرفت نادين منذ رأتــه أول مرة , أنه رجل يعرف كل شيء عن
الجنس الآخــر . . لكن يبدو أنه أساء الحكم عليها , فضغط ذراعيه
القاسيتين عليها , والرغبة التي لم يحاول كبحهــا , أخافتها بدل أن
تثيراها . وجردها غضب داخلي من كل إحســاس أو إغواء .
ســألت نفسها بوهن وهي مجمدة بين ذراعيه . . لماذا تشعر
بالخوف من التغييرات التي تطرأ عليه ؟ فقاومت لتتحرر منه واجتاح
الذعـر عضلات جسدها أما عقلها وجسدها فكانا يصرخان لها بأنها
حمقاء لأنها سمحت له بالانفراد بها في عزلة تامة . ماذا تعرف عنه على
أي حــــــــــال ؟
وكأنما أحس بمسار تفكيرها , فخفف فجأة من وطأة عناقه وتمتم
معتذراً في أذنها ثم راح يخفف من ذعرها بهمسات رقيقة .
ـ سامحيني (( كارا )) كنت متهوراً , لكن رغبتي فيك أقوى منــي .
رغم كلماته ورغم نظرة عينيه شعرت بأنه يلعب دوراً وكــأنه يتفوه
بكلمات لا يشعر بها , لكن هذا الشعور مات فور ولادته . . ربما
تصورت غضبه . . ربما كان سبب غضبه الرغبة , فهي لا تعرف الكثير
عن الأحاسيس التي تسير الرجال ومن الواضح أنه ليس بالرجل المعتاد
على إنكـــــار رجولته .
أخافتها استجابة جسدها له فحاولت الابتعاد , متمتمة :
ـ يجب أن نعــــود . . فــأنا . .
نظر سيرجيو إلى ساعته , ثم أعاد نظره إلى المنظر أمامهما وإلى
السماء المهجورة , والطريق المهجور . وقال بعذوبة :
ـ ليس الآن .
حين مضت في اعتراضها , تجاهلها ومضى في عناقه لها , فعلقت
أنفاسها بموجة صادمة . وانسل اسمه من بين شفتيها :
ـ سيرجيو . .
قاطعهــا بصوت أجــش :
ـ أعرف . . ولكنك جعلت المقاومة صعبة علي . . صعبة جداً .

جمره لم تحترق 04-01-12 06:08 PM

2- الــضحية والجــلاّد * *
 
كان وجهها قد أصبــح ببياض الورق . . أرادت أن تخلل أصابعها
في شعره , وتشده إلى ذراعيها ولكن الخجــل , وقلة الخبرة أبقياها
متباعدة حذرة . . وما هي إلا لحظات حتى وقف سيرجيو , يجذبها معه
ويقودها نحو السيارة .
لم يكن لديها الوقت للاعتراض . وفيما كانت تنتظره , أدركت أن
سمعه المرهف التقط صوت تقدم اللاندروفر الهابط من التلال
نحوهما . . وقف اللاند على مقربة منهما وقفز منه ثلاثة أشخــاص :
رجلين وفتاة وهم يرتدون الجينز والتي شيرت , ويحملون في أيديهم
رشاشات معلقة على أكتافهم , ومصوبة إليها .
أحست نادين أنها دخلت فجأة إلى كابوس , وراقبتهم بعجـــز
يقتربون منها . . من خلفها سمعت سيرجيو يتحرك , فأحست بالراحة
لأنها ليست وحدها , فالتفتت إليه تشهق باسمــه .
ـ اخرجــا من السيارة !
كانت الفتاة تلقي الأوامــر بكلمــات حادة اللكنة اخترقت ضباب
الرعب الذي غلف نادين . . فتمتمت باسمه مرة أخرى وكـأنه تعويذة
ضد الشر وراحت تتوسل إليه ولكن عينيها اتسعتا وكأنهما لا تصدقان ما
تريانه على وجهه من تعابير حجرية وما تسمعه من فمه :
ـ نفذي ما قـــالت لك نادين .
ـ لكن . . .
ألا يرى أنها لو غادرت السيارة لأصبحت أكثر عرضة للخطــر ؟
آلمتها ضحكة الفتاة الشرسة وهي ترى وجه نادين الشاحب المذعور
أمام ارتبـــاك سيرجيو .
صاحت الفتاة :
ـ انظروا إليها ! إنها لا تصدق حتى الآن . . لا بد أنك قمت بعمـــل
رائع في إقناعها بتقبلك سيرجيو . . إنها حتى هذه اللحظة لا ترى
الحقيقة الحمقاء الصغيرة ! . . سيرجيو شريكنــا وهو لن يساعدك .
نظرت نادين إلى وجهه القاسي وعرفت أن الأمر حقيقـــــي . أدار
رأسه , وعيناه الرماديتان تتفرسان في كل ذرة ضعيفة فيها , وعرفت
بوضوح مرعب , أن كل شيء كان مخططاً له , كل تفصيل ممل , كل
كلمة , كل مداعبة , وهي كالبلهاء وقعت في حبائله . . وليس هذا
فقط , بل أنها حاكت بكل غباء أحلاماً عاطفية بشأنه . . . أوهمت نفسها
بأن شيئاً نادراً , ثميناً , موجود بينهما . . . ودار رأسها وهي تتذكــر كيف
كانت قريبة جداً من تسليمه نفسها . . شكرت الله لأنه وفر عليها هذا
الإذلال النهائي ! تصورته , وهذه الفتاة الزيتونية البشرة ذات العينين
البنيتين , يضحكان على عذريتها الضائعة , وعلى ثقتها التي لم تكن في
محلها , مدت يدها مغشية البصر إلى مسكة الباب , لتنزل من السيارة
ولكنها تعثرت بصخرة ناتئة وكادت تقع لولا ذراعا سيرجيو ولكنها
دفعته عنها دليل كراهية مريرة . . تخبـــئ الألم المرير , تستخدم ألم
خداعه لها لتحويل الألم إلى غضب , تقول بصوت أجــش :
ـ لا تلمسنــي !
منتديات ليلاس
ضحكت الفتاة المسلحة للمرة الثانية بسخرية :
ـ آه . . سيرجيو . . لقد أفسدت عليها كل أحلامها الجميلة . ظنتك
تريدها لنفسها , ولكنك في الواقع لا تريد سوى مال أبيها . . ترى كم
من المال سيسارع لدفعه مقابل حريتها ؟ من الأفضل ألا يتأخر . . روما
تحتاج إلى دعم مالي سريع لشراء المعدات اللازمة .
صمتت فجأة تشهق ألماً بعد أن تقدم سيرجيو ليمسك بمعصميها
ويديرها لتواجهه , ويقول بصوت ثابت بارد :
ـ احفظــي لسانك ليديا !
رفعت ليديا رأسها بتحد :
ـ ولماذا ؟ ثمة طرق لمنع صديقتك الصغيرة من تكرار ما تسمعه ,
ولكن هل فقدت إخلاصك لقضيتنا يا صديقي ؟ هذا هو اليوم الثاني
الذي نتواعد فيه هنا .
هز كتفيه : (( لقد تأخرت )) .
لكن رده لم يعجبها , وانضم حاجباها الكثيفان في عبوس شديد ,
وقالت بصوت خطير تنظر إلى نادين :
ـ أخرتك هذه . . سيرجيو . .
قاطعها سيرجيو :
ـ تأخرت في روما . . تذكري أننــي المسؤول هنا ليديا , وأنه من غير
المسموح لك أن تسألــــي عن تحركاتـــي . والآن اصطحبي الفتاة إلى
الآندروفر . . لقد قضينا وقتاً طويلاً هنا .
استقرت فوهة رشاش ليديا في أسفل فتحة قميص نادين , وقالت
ليديا متمتمة من بين أسنان بيضاء حادة :
ـ تعالي . . أنت جميلة ولكن رقيقة . . انظروا كيف ترتجف ! هــذا
الرشاش حساس جداً . . ارتجاف جسدك كاف لــ . .
قاطعها سيرجيو ببرود قاتل : (( لن تنفعنا ميتة )) .
كان قد تغير إلى حد كبير كادت معه لا تعرفه . فقد اختفت
الابتسامة الدافئــة والسحر السهل وحل محلهما الشر المخيف
والقسمات المحفورة حفراً .
لكن ليديا ســارعت لتوافقه الــرأي :
ـ لا نريدها ميتة ولكن والدها سيدفع فدية ابنته حتى وإن شوهناها
قليلاً . لقد أحسنت صنعاً باختيارهــا سيرجيو . . لقد قرأنا كثيراً في
الصحف عن نادين كلايتون , وعن علاقاتهــا ومال أبيهــا . .
التفتت إلى نادين تردف :
ـ سمعنا أنك آتية إلى إيطاليا , فوضعنا خططاً دقيقة وحذرة , قال
سيرجيو إنه لا يصعب عليه كسب ثقتك . . فلديك ضعف أمام الرجال .
صــــاح بها سيرجيو :
ـ توقفي عن إضاعة الوقت ليديا , اصحبوها إلى المزرعة . يجب
أن أعيد المرسيدس وعلي أن أراسل أباها بالتلكس , قد نرى النتائج
بسرعة . . والآن تذكري أن يظهر كل شيء طبيعياً حالما تصلون إلى
المزرعة خشية أن تكون مراقبة .
ـ ومتى تعود ؟
ارتفع حاجباه بسبب العداء في سؤال ليديا المتملك :
ـ لا أدري ! إن عودتــي وقف على موعد انتهاء الأمـــر .
سألته ليديا وهي تدفع بفوهة الرشاش نحو نادين :
ـ وهي ؟
ـ حافظي على الخطة فقط , وحذار الخشونة فلا جـدوى . .
ـ ألأنك لا تريد أن يفسد بشرتها الناعمة شــيء ؟
فجأة فهمت نادين أن ليديا تغار منها . . فما هي علاقة هذه الفتاة
به ؟ أهما عشيقان ؟ صدمها ما شعرت به من ألم ولكن أَلم يقتل اكتشافها
خدعة سيرجيو كل ما شعرت به نحوه وإلى الأبــد ؟
وسمعته يرد :
ـ لا تهمني بشرتها بل الثمن الذي ستضعه لها . كما عليك أن
تعرفي أن علينا أن نملك دليلاً قاطعاً على أنها ما تزال حية لأجل أبيها ,
ولهذا لا أريد أن تُمس شعرة من رأسها , على الأقل في الوقت الحالي .
سأقرر ما يلزم حين أعــــود .
نظر إلى ساعته الذهبية , وأحست نادين بالإعياء الجسدي لمجرد
التفكير في المال الذي يسعى إليه . لقد توقفت عن الوجود كآدمي
بالنسبة له , ولكن هل كانت موجودة بالنسبة له أصلاً ؟ ها قد أصبحت
ببساطة سلعة مميزة . . أما الكلمات التي تفوه بها قبل أن يتركها مع
حراسها الثلاثة فكــانت :
ـ لا تحاولي فعل ما هو متهور . . لدى ليديا الأوامر بإطــلاق النار
عليك إن حاولت الفرار . إنما ليس الأمر أن تقتلك بل أن تجعل ساقيك
أقل جاذبية وذلك بأن تغدوا محطمتين .
صعُب على نادين كبح الذعر , فضحكة ليديا الشرسة أخفتها فقط
رعدة محرك المرسيدس , التي التمع طلاؤها البراق في الشمس قبل أن
تسلك الاتجاه الذي سلكته منذ وقت قصير .
كان هذا إحياء حقيقــي لأسوأ كوابيسها . . هبوط مباشر من الجنة
إلى الجحيم . . . صرخ بها كل عصب بذعر مجنون فقاومت رغبة في
الارتداد على عقبيها للفرار ولكنها تعلم أن فرارها سيكون دعوة سهلة
لرد ليديا الذي ستنفذه بكــــل سرور .
وفيما كانت واقفة تحت حرارة الشمس , أمسكــت الحقيقة الباردة
بكل مشاعرها الضعيفة . . الحب والرغبة سحقا سحقاً رهيباً , أمام رغبة
حارقة في الانتقام . ليس بسبب الاختطاف فحسب بل بسبب الطريقة
التي تم بها الاختطاف , وبسبب الطريقة التي استخدمها سيرجيو
للوصل إلى حياتها , وبسبب ضعفها وانكشاف مواقع تعرضها للخطر
أمامه . لقد استغلها ببرود , وجرأة , وستجعله يدفع الثمن غالباً حتى
ولو اقتضاها ذلك سفك آخــر قطرة دم من دمائها ! استحوذ عليها فجأة
ظمأ للانتقام , محا كل خوف وذعر من نفسها وأعطاها القوة لمواجهة
هذه الوجوه الباردة , ورشاشاتهم القاتلة .
والدها مليونير وهو سبب يبرر اصطيادهم لها , ولكن معظم ثرائه
مرتبط بأعماله , فهو وإن استطاع جمع الفدية المطلوبة , لن تخرج على
قيد الحياة . . فقد قرأت قدرها ومصيرها في عيني خاطفيها . . كم من
الضحايا عانت من الوضع ذاته ؟ وكم منهم أطلق سراحهم ؟ تذكرت
صديق والدها مثلاً . لقد اختطف وقتل . . وهي الآن تواجه خيارين : إما
الاستسلام للذعر الذي ينتشر في داخلها , أو الاحتفاظ بآخر ذرة من قوة
احتمالها لتزعزع ثقة خاطفيها بأنفسهم . إنها الغريزة نفسها التي جعلت
أباها يرتقي من حالته المغمورة نسبياً , إلى المركز الذي يترأسه الآن .
انتشرت في نفس نادين الحاجة القديمة للحياة والبقاء , وكان أن
اتخذت القرار , وهي تسلك الاتجاه الذي أشارت إليه ليديا بسلاحها ,
ولسان حالها يقول : البقاء حية أفضل انتقام . . ! وهذا ما ستتمسك به
فعليهــــا أن تعيش , وستقــــدم للعدالة كــــل من شارك في ارتكاب هذه
الجريمة بحقها . . أما سيرجيو فسيكون الانتقام ألذ ما ستتجرعــه من
شراب , وراح عقلها يفكـــر بسرعة بحثاً عن وسيلة للهرب , متجــاهلة
صمت البندقيتين المصوبتين إلى ظهــرها .
http://smiles.al-wed.com/smiles/13/i...17_42994_4.gif
نهاية الفصــل (( الثانـــي )) . . .

جمره لم تحترق 04-01-12 06:10 PM

موعدنـــــــا غداَ بإذن الله
مع فصــول جديدة
تحيتي
جمره لم تحترق
http://files.maas1.com/images_cache/...22065656cU.gif

زهرة منسية 04-01-12 06:26 PM

مبروووووووووووووووووووك علينا روايتك الجديدة جمرة موفقة حبيبتى يسلموا أيديكى عجبنى الملخص كتير شكلها أكشن وطريقة عرضك للملخص جميلة قوى يسلموا أيديكى جمرة دايمن أختيارتك رائعة

قمر العراق 05-01-12 01:42 AM

السلام عليكم باين من الملخص ان الرواية روعة موفقة انشالله

سهر اليل 05-01-12 05:15 PM

برااااااااااااااااااااااااااافووووووووووووووووووووووووووو ,, ياقمرتنا على هيك رواية ,بس شو شي من الاخر رووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووعه ,, بجد احترت اقول عن اي روايه احلى بس كل شي من تحت دياتك بيطلع غير شكل ,, بجد بجد مافي اشكرك ,, ناطرين باقيه الروايه لنعيش معها ياعسل ,,
بعيكي الف عافية ,,

جمره لم تحترق 05-01-12 08:59 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهرة منسية (المشاركة 2968226)
مبروووووووووووووووووووك علينا روايتك الجديدة جمرة موفقة حبيبتى يسلموا أيديكى عجبنى الملخص كتير شكلها أكشن وطريقة عرضك للملخص جميلة قوى يسلموا أيديكى جمرة دايمن أختيارتك رائعة

الله يسلمك واحم احم مبروك علينا كلنا
يب الرواية فيها اكشنات مو أكشن وحده ههههههه
بصراحة مره أحب الرواية هذه مدري فيها شيء كذه جذاب
لا أحد يسمعني بس يفهمني غلط :lol:
تسلمي يا قلبي
على كلماتك الرائعة
والدافئه
لا عدمتك أبـــداً
http://www.al-wed.com/pic/8124.gif

جمره لم تحترق 05-01-12 09:05 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قمر العراق (المشاركة 2968666)
السلام عليكم باين من الملخص ان الرواية روعة موفقة انشالله

وعليك السلام ورحمة الله
أول شـــيء اهلا وسهلا فيك بالمنتدى
لاحظت إنك جديدة . . تشرفنا بتواجدك قمر
وثاني شــيء تسلمي على الكومنت الجميل
http://www.al-wed.com/pic/8124.gif

جمره لم تحترق 05-01-12 09:09 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سهر اليل (المشاركة 2969269)
برااااااااااااااااااااااااااافووووووووووووووووووووووووووو ,, ياقمرتنا على هيك رواية ,بس شو شي من الاخر رووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووعه ,, بجد احترت اقول عن اي روايه احلى بس كل شي من تحت دياتك بيطلع غير شكل ,, بجد بجد مافي اشكرك ,, ناطرين باقيه الروايه لنعيش معها ياعسل ,,
بعيكي الف عافية ,,

:peace:

:peace:

:peace:

كمــــــان دانا غلبااان (( مقطع من مسرحية ))
مآآآآآآآره شكـــراً على كلماتك الرائعة
وحماسك الأروع . . بجد سعيدة بمتابعتك
واعتز بتواجدك الدائم . .
واتمنى ما اخذلك باختياري لهذه الرواية أو باختياراتي القادمة
ودي وخــالص شكري
http://www.al-wed.com/pic/8124.gif

جمره لم تحترق 05-01-12 09:15 PM

3- سأقتلك يومـــاً **
 
3- سأقتلك يومـــاً * *
http://www.al-wed.com/pic-vb/17.gif
اندفعت فوهة الرشاش بقسوة إلى ظهر نادين , وأمرتها ليديا
بصوت متجهم : (( ادخلـــي إلى اللاندروفر )) .
لكن نادين رفضت أن يسيطر عليها الرعب خاصة وهي تعرف أن
ليديا تريد منهـــا أن تخاف .
راقبها الرجلين وهي تصعد إلى اللاندروفر على مضض , ولكن
الرجل الأصغر جسماً و الأدكن لوناً هو من جعل نادين ترتجف بسبب
الطريقة التي كانت عيناه تستكشفان جسدها . قالت ليديا وهي تدخل
قدميها إلى داخل اللاندروفر .
ـ تذكرا ما قاله سيرجيو , علينا حينما نصل إلى المزرعة أن نظهر
كــل شيء بمظهر طبيعـــي .
رد الأكثــر اسمراراً بكــراهية :
ـ سيرجيو ! ديو . . يا إلهــي ! من هو ليعطــني الأوامر ؟ طالمـا عملنا
سابـقاً وحدنــا !
أجابت ليديا بقسوة :
ـ هذا كان قبلاً أما الآن فلدينا أوامــر من روما . سيرجيو هو
المسؤول . أليس هو صاحب الاقتراح ؟ سنجني مالاً أكثر بكثير مما . . .
قاطعهــا الأطول موافقاً :
ـ المال . . آه . . أجـــل , نحن بحاجة دائمة إلى المال . منظمتنا لا
تلقى دعم الأثرياء .
ضحك الثلاثة , ثم شهقت نادين ألماً حين أمسكت ليديا بمعصمهــا
وأمرت بيدرو أن يأخذ المقود على أن يساعدها لينو على تكبيلها
بالقيود .
كان لينو أصغــر الرجلين جسماً وهو من كرهته نادين وعندما مال
إليها ذعرت من قسوة جسده , لم يكن طويل القامة , إلا أنه قوي
العضلات فأصابعه قبضت بسهولة على معصميها في آن واحد وكان أن
اضطرت للاستسلام إلى الإذلال الأخير بوضع الأصفاد في يديها مربوطة
إلى جانب اللاندروفر , قالت ليديا :
ـ نتخذ هذا التدبير لئلا تقومي بعمل أحمق , كالقفز من السيارة
مثلاً . ولكنك لن ترمي نفسك , فأنت لست من الصنف المغامر . .
أليس كذلك ؟ ألم تفكري يوماً وأنت تعيشين حياة الترف , أن في العالم
أشخاصاً يعيشون على الكفاف , ويضطرون دائماً لإعطاء ضريبة من
مدخولهم القليل لدعم مضطهديهم ؟ ولكن , سرعان ما ينتهي هذا كله .
أفزع خيالها المفرط نادين التي لم تفهم ما تقوله الفتاة . . ولكن
هاتفاً حثها على إظهار الاهتمام , وكأنما في إصغائها لآسريها قد
تكتشف مفتاح الحرية .
ـ أتؤمنين بالمساواة بين البشـــر ؟
برقت عينا ليديا :
ـ أنت على حق . من حق الجميع الرجال والنساء المساواة , لكنهم
محرومون من هذا الحق الإنساني الأساسي . . فالثورة التي يجب أن
تكون مقسمة بينهم تمسك بها الأقلية , خاصة الكنسية . . ولكن سرعان
ما سينتهي كل هذا .
لم تستطع نادين تصديق ما تسمع , وقالت :
ـ لكن إيطاليا بلد الكاثوليك . . ولا أظن الناس سيتخلون عن
دينهم .
قاطعها لينو :
ـ إذن سنضطر لاستخدام القوة . . وفي النهاية سيرى الشعب
الحكمة فيما نفعل . فالكنسية أصبحت مهترئة . . إنها آلة لصنع المال ,
ولتجويع الناس . . سنأخذ تلك الثروة ونتقاسمها فيما بيننا .
فكرت نادين برعب , بأنهم لا يصدقون بالطبع أن بإمكانهم إنجاز
ما يقولون ولكنها كانت ترى أنهم يصـدقون . فعلى وجه كل واحد منهم
تعبير ثابت حالم , وحماسة مجنونة مسطورة بوضوح على قسماتهم . .
أيشاركهم سيرجيو وجهات نظرهم المتطرفــة ؟ . .
قالت لها ليديا :
ـ تتلقى المنظمة دعماً كبيراً في الجامعات . . فشبابنا يرون زيف
الدين المسيحي . (( فليتبارك الضعفاء )) أليس هذا ما يقولونه ؟ لكن القول
والفعل أمران مختلفان ففي هذا العالم لا يداس إلا على الضعفاء .
سألتها : (( وأنتم تنوون تغيير هذا ؟ )) .
رد بيدرو بصوت خال من الشفقة :
ـ هذا ما يظنه الكثيرون من الناس , ولكن لا بد من وجود من
بيدهم السلطة دائماً , ومن ينحني أمام تلك السلطة , لكن قبل أن
نستطيع إعادة البناء , علينا أولاً أن ندمر . وحتى نفعل هذا نحتاج إلى
مال , ونحن نجمعه عن طريق الفدية .
تفاخرت ليديا :
ـ أكثــر ما يخاف الناس من المنظمات الإرهابية منظمتنا , لأننا
مسؤولون عن موت أكثر من ألف شخص حتى الآن .
صاحت نادين :
ـ لكنكم تقتلون الأبرياء . . اعتقد أن بإمكانكم الحصـــول على مزيد
من الدعم عن طريق النقاش المنطقــي , لا عن طريق الإرهاب المجنون .
رد بيدرو ساخــراً :
ـ كما يفعل الأثرياء الدكتاتوريون ؟ لقد اكتشفنا أن رشاشاً واحداً
يفعل فعلاً لا تفعله مليون كلمة , ومع ذلك سيأتــي يوم يصغي فيه العالم
إلى كلماتنا , حتى لو اضطررنا لتدمير كل ما أو من يحاول الوقوف في
وجهنــا .
أرعب الحقد البارز في نبرات صوته نادين . . كانت كلماتهم
كلمات متطرفين سياسيين .
ـ أخرجي !
كانت غارقة في أفكارها فلم تدرك أن السيارة توقفت . دفعتها ليديا
إلى خارج اللاندروفر , بعدما فكت لها الأصفاد :
ـ أسرعي , لا تدعي لينو منتظراً . . إنه يفقد صبره بسرعة , وحين
يحصــل هذا . . .
لم تنه تهديدها , لكنها لم تكن بحاجة لإنهائه لأن نادين رأت
الرجل يبتسم لها بخشونة . قال مقترحاً :
ـ لماذا لا أظهر لها عينة عمــا هو مخبأ لهــا .
ومد يده يمسك صدر قميصها , فارتدت في مقعدها , قبل أن ترد
ليديا بشيء من الندم :
ـ طلب سيرجيو ألا تلمسهــــــا .
كشر لينو عن وجهه , وقال بقذارة :
ـ لأنه يريدها لنفسه . . ثم , كيف له أن يعرف ؟ لن يكــون الرجل
الأول الذي تعاشره .
ردت ليديا بحــرارة :
ـ سيرجيو لا يريدها . . إنه يحتقرها ويحتقر كل ما تمثله . لقـــد
سمعته . .
والتفتت إلى نادين ثانية : (( هيا اخرجـــي )) .
وخرجت نادين مرتجفة فقد جعلتها لمسة لينو تحس بالغثيان
تشكر الله لأنهم لا يعرفون الحقيقة . . فلو عرفوا . وارتجفت بعنف
مدركــة أن عملية تدمير براءتها ستكــون تسلية لرجل مثل لينو .
يقع المنزل الزراعي بين بضعة فدادين من الزيتون الرديء الصنف
والكرمة المهجورة وهناك نصف دزينة من البقر الهزيل في إسطبل
صغير ملحق بالبناء الرئيســـي .
قالت لها ليديا :
ـ هذه فكرة أخرى لـ سيرجيو . . لو جاء أحد إلى هنا , لشعر بأننــا
عائلة فقيرة يحاول أفرادها تأمين قوتهم اليومي . بيدرو ولينو أخوان .
سألتها نادين بطريقة لا إرادية : و سيرجيو ؟
وليتها لم تسأل فقد لاحظت لمعان الانتصار في عيني الفتاة :
ـ آوه . . سيرجيو يلعب الدور الذي يلعبه في الحقيقة . . إنه
رجلــي , حبيبــي . . .
وضحكت بشراســة :
ـ . . أيتها الحمقاء الثرية الغبية ! أظننت حقاً أن رجلاً مثل سيرجيو
قد يعجب بفتاة مثلك ؟ أنت امرأة غبية لا تفهم إلا ما له علاقة بملابسها
ومجوهراتهــا ؟
التوى فمها بسخرية . فأحست نادين بغضبها يتصاعد وقالت
ســاخرة أيضـــاً :
ـ على الأقل , هذا أفضــل مما تطلقون عليه اسم (( القضية )) .
أمسكت ليديا بشعرها تشده وتشده حتى انتشر الألــم في رأسها
كله , أما أصابع اليد الأخرى فتركت علامات قاتمة على خــد نادين , لأن
تلك المرأة صفعتها . أرادت نادين أن تتقيأ بشدة ليس من الألم بل
بسبب العنف الجسدي . أهذه هي المرأة التي يفضلها سيرجيو عليها ,
هل ضحكا عليها وهما يتباحثان خطط الأســر وطرق المغازلة التي
سيعتمدها سيرجيو ؟
قالت ليديا وقد قرأت أفكــارها :
ـ كان هذا واجبه . . لا تظنــي أنه يشتهيك . . إنه يكرهك ويـكره
مثيلاتك . ولولا المال الذي سيدفعــه أبوك لاستردادك لقتلك غير نادم
وكــأنه يدوس على أفعى .
بدأت أخيراً نادين تفهم أنها فعلاً أسيرة هذه العصابة المتطرفة
المعتوهة التي لا تحترم الحياة الإنسانية أبداً , وما سيرجيو إلا واحد
منهم . مضت لحظة أوشكت فيها على أن تُذل نفسها بالانهيار ولكنها
تمكنت بجهد خارق من استعادة رباطة جأشها . . يجب أن تركز
تفكيرها على الهرب والانتقام كما يجب أن تمنح نفسهــا قضية تعمل
لأجلهـــا .
سرعان ما أصبحت في المنزل . في الطابق السفلي ثمة غرفة واحدة
كبيرة بدائية الأثاث , أرضها من الطين الذي مهدته السنين وثمة مطبخ
أكثر من بدائــي في زاويته موقد كبيرة وحنفية يتيمة . كانوا قد مروا بمبنى
صغير مستقل وارتجفت لمجرد التفكير ببدائية العيش هنا . . فهل
سيحاول آسروهــا تلقينها مبادئ تعاليمهم ؟ إن حاولوا فستقاومهم
بشدة , ولكنها تشك في أن تقبل منظمتهم انضمام الضحايا إليها فهم
ينظرون إليها بمنظار المال الذي سيجنونه من ورائها وهذه هي نظرة
سيرجيو إليها . . سيرجيو ! لماذا ما زالت تشعر بهذا الألم الذي لا تفهم
له سبباً ؟ فالرجل الذي ظنته , غير موجود إنه حلم يقظة ليس إلا . هو
رمز الحب والهوى اللذين صورتهما مخيلتها ورغبتهــا .
ـ تعالـــي !
منتديات ليلاس
أرجعت الكلمة القاطعة والوخزة المؤلمة نادين إلــى واقعهـــا . . .
أشــارت ليديا لها بالمسير لتصعــد سلماً خشبياً بالياً يقود إلى الطابق
العلوي . كان هناك أربعة أبواب تنفتح على منبسط السلم الصغير وكان
في أحد هذه الأبواب قفلاً جديداً لماعاً , فتحته ليديا , ودفعت الباب
فثارت عاصفة من الغبار . . كانت الغرفة صغيرة نوافذها صغيرة
وهواؤها عفن رطب , أما السرير المتربع فيها فضيق كسرير المخيمات
وإلى جانبه كيس نوم .
قالت ليديا بأدب ســاخر :
ـ هذه غرفتك . . أرجو أن تجد السنيوريتا كل ما تشتهيه نفسها .
أغلقت الباب وراءها وأحكمت إيصاده قبل أن ترد نادين .
ركـضت إلى النافذة ولكنها لم تشاهد سوى الريف الأجرد , والنهر
الضيق الذي يشق أحد السهول . . عليها أن تعترف أنهم محترفون . .
وفكرت في وضعها , فحتى يعرف والدها أنها مفقودة سيتعذر على أحد
إيجادها . لقد قرأت أشياء عن هذه المنظمات المتطرفة وعن أعضائها
العديمي الشفقة والرحمة في معاملة ضحاياهم ولكن رغم كل ذلك
عادت القصص المرعبة التي قرأتها تجول في خلدها . إنها تذكر وريث
عائلة كلارك الذي فقد أذنه , ثم لينا ميسون التي أجبرت على الانضمام
إلى العصابة التي خطفتها . كما تذكرت العشرات أيضاً . فجأة تخلت
عنها سيطرتها التي رافقتها منذ بداية محنتها , وراح جسدها كله
ينتفض , وكبحت رغبة في الصياح والصياح حتى يبح صوتها . . وما إن
تخطى الذعر دفاعاتها حتى طغى على عقلها , فرمت نفسها على وجهها
فوق السرير الضيق تنتحب وتنتحب ثم ازدادت بؤساً عندما راح الجوع
يقض مضجع معدتها . أيخططون لتجويعها أيضاً ؟ توقفت دموعها عن
التدفق . ثم استقامت في جلستها تعترف لنفسهــا أنها كانت بحاجة إلى
هذا الانطلاق القصير . . توقف جسدها تدريجياً عن الارتجاف , ثم لمـا
سمعت وقع أقدام على الـــدرج ذعرت فمسحت وجههــا بسرعة وراحت
تدعو ألا يلاحظ أحـــد آثار دموعهـــا على وجههـــا . . أصغت متشنجة
فسمعت ليديا تقــول :
ـ لينو . . عد إلى هنا . . لقد وصل سيرجيو !
تلاشى وقع الأقدام مجدداً فتنفست نادين الصعداء , ففي عيني لينو
الصغيرتين ما يجعل بشرتها تقشعر اشمئزازاً . . . يا رب العالمين ! ليتها
تنجو لتجعلهم يدفعون الثمن كلهم وأولهم سيرجيو الذي خدعها
باهتمامه بها في حين أنه لا يهتم إلا بمالها !
كانوا يقفون في الغرفة السفلى , سيرجيو و ليديا إلى جانب الطاولة
الطويلة الرثة , ونادين على الطرف الآخــر . . أما لينو و بيدرو
فيحرسانهــا .
لم يكد الفجر يبزغ حتى شعرت نادين بأنها لم تكن يوماً مسرورة
برؤية الفجر كما هي الآن ذلك أنها لم تنم إطلاقــاً . كان النوم مستحيلاً ,
وها هي الآن هنا , في هذا البناء المهترئ حيث يقال لها إن أي حركة
خاطئة تبدر منها تعني رصاصة في ساقها على الأقل .
ـ هل فهمت الوضــع ؟
تجاهلت لمعان التحذير في عيني سيرجيو وأجابـت :
ـ لماذا لا تبقيني أسيرة القفل والمفتاح ؟
ما أشد ما تغير ! كيف فكرت أنه إنسان لطيف المعشر ؟ إنه أقسى
رجـــل عرفته يوماً .
رد عليها ببرود :
ـ لسنا أغبياء إلى هذه الدرجــة . . قد يجري تفتيش هذا المكان , لذا
عليك أن تتصرفي كمـا سآمرك بالضبط . أنت ابنة عم ليديا . . معتوهة
قليلاً , ولكنك مفيدة في أعمــال المنزل . . أما نحن فاشترينا المزرعة منذ
مدة قريبة ونعمل جاهدين على إعادتها إلى العمل وهذا ما سنفعله .
وسيكون ذلك تمريناً مفيداً يا رفاق الأيام القادمة ويقع على كاهل
كل منا متاعب العمل , تذكــروا أن العالم دولة قوامهـا العمل .
لولا ذكـاؤها لأقسمت أن هناك شيئاً من السخرية في آخــر كلماته . .
سرعان ما عقت ليديا على كلماته محتجة :
ـ لن نعمل في الأرض كالفلاحين سيرجيو . . هذا ليس . .
ـ أعتقد أن أهم تعاليم منظمتنا هو أن يكون الجميع متساويين وألا
يكون بينهم سيد ومسود .
التفت الجميع إلى نادين وهي تقاطع ليديا التي أطلقت عليها نظرة
حـــادة .
ـ يجب أن يكون هناك دائماً من يتولى السلطة . منظمتنا تحضر
الآن رجالاً ونساء لمثل هذه المناصب ولكنها تشترط ألا يدفعهم الجشع
أو الشهوة إلى السلطة كما يحدث في الحكومات الحاضرة .
قالت نادين ببرود تقاطعها :
ـ هذه كلمات الديكتاتورية في جميع أنحــاء العالم .
صاح سيرجيو :
ـ كفى ! والآن إن جاء الشرطة للتفتيش عنك هنا , فحذار أن تبدر
عنك حـــركة خاطئة . . لأننا سنقتلك ونقتلهم .
قالت نادين بمرارة :
ـ وهل تستحق قضية مهما كان شأنها سفك هذه الدماء كلهــا ؟
ردت ليديا غاضبة :
ـ اسألي حكومتك المستبدة . . لقد سمن حكامها وتكاسلوا على
حساب موت الآخرين . . اسأليهم إذا كان موت هؤلاء يستحق .
قاطعها سيرجيو :
ـ ستجيدين صعوبة في تلقينها التعاليم ليديا , أنسيت أن والدها أحد
أولئك الامبرياليين ؟
ودت نادين القول إن والدها بدأ حياته بقدرات متواضعة , وبنى
لنفسه امبراطوريته المالية بجهده وعرق جبينه . ولكنها اختارت عوضاً
عن ذلك الصمت . وإنما هل ستجرؤ على كشف العصابة للشرطة ,
وهل ستصل الشرطة للتفتيش عنها في المزرعة ؟ اعترفت على مضض
أنها لا تجرؤ . . فهي لن تخاطر فقط بحياتها , بل ستخاطر بحياة رجال
الشرطة أيضاً . . سمعت سيرجيو يسخر منها وقد فسر نظرة عينيها .
ـ أنت حكيمة . . تذكــري ذلك حالما تشعرين بأقل تهور . لدى
بيدرو ولينو أوامر لن يترددا في تنفيذها . آه وثمة أمر آخـر . . قالت ليديا
إنك كنت تحاولين إقامة صلة ما مع لينو . وأنا أنصحك بالتراجع فلينو
مخلص للقضية نعم هو ضعيف أمام سحـر النساء ولكن إياك التفكير في
استغلال ضعفه هذا من أجل هروبك , فهو قادر على مغازلتك وقتلك
في وقت واحد . . أنت بالنسبة له مجرد جســد , لا شخص . الأفضــل أن
تتذكــري هذا .
ردت بمــرارة :
ـ وكيف أنسى ؟ فهذا هو القاسم المشترك بينكما . ولعلها أحـــد
تعاليم منظمتكم .
أحست بالرضى عندما رأت وجهه الأسمــر يشحب . إذن , لديه
نقاط ضعف على أي حال و يبدو أنه لم يعجبه أن تقارنه بلينو . .
ماذا ستفعل إن حظر الشرطة ؟ ترى هل ستقدر على أن تسترعي
انتباههم ؟ أم سيتعرفون هم إليها ؟ تصــاعد أملها , وكأنه رأى هذا في
عينيها وأردك السبب , فـــأعلن باختصـار :
ـ يجب أن نفعل شيئاً لمظهــرك .
تأملها ثم قال لليديا :
ـ حالما ألتقط لها الصور لأرسلها إلى والدها قصي لها شعرها .
شعرها ! ارتفعت يد نادين إلى رأسها وكأنها تحميه . . آه , شعرها
الطويل , لقد وصفه والدها بأنه أشبه بالحرير السائل . شاهدت الانتصار
في عيني ليديا , وعرفت كم ستسعد بتنفيذ المهمة .
كان الفطور عبارة عن خبز أسمر رديء وجبنة ماعز وقهوة مرة .
أجبرت نادين نفسها على تناول الفطور وقالت لنفسها إن عليها
المحافظة على قوتها وإنها لن تحقق شيئاً بتجويع نفسها .
لكي يلتقط الصور التي ينوي إرسالها إلى والدها , جعلها سيرجيو
تجلس على كرســي خشبي مستقيم , أما ليديا فقيدت يديها , وشدت
ذراعيها إلى ما وراء ظهرها فانسلت صرخة ألم من بين شفتيها
المطبقتين , ولاحظت أن عيني سيرجيو ضاقتا لمشاهدة القساوة
المتعمدة فقال :
ـ كفى ليديا . . لا نريد أن نخيف الأب الحنون برؤية ابنته باكية .
اعترضت ليديا :
ـ ولماذا لا ؟ سيشجعه هذا على دفع الفدية في أسرع وقت .
صحح سيرجيو لها معلوماتها ببرود :
ـ وقد يدفعه إلى أن يقوم بحماقة . . ألا تذكرين ما حصل مع جورج
آدمز .
خفق قلب نادين لسماع اسم صديق والدها , وهمست بألم : (( أنتم
المسؤولون عن مقتل جورج آدمز )) ؟ا
رد سيرجيو سـاخراً : (( ليس شخصياً )) .
قاطعها بيدرو : (( سيرجيو لا يهتم بسفك الدماء لأنه في غاية
اللطف )) .
رد سيرجيو ببرود :
ـ بل أنا رجل عاقل , فلم نحقق من مقتل آدمز شيئاً , بل كــلفنا
مالاً , والفدية لم تدفع . أنا لا أمانع في التخلص من أي دليل إنما قبل
ذلك علينا أن نحصل على المال .
إنه أسوأ من الباقين , فعذر هؤلاء إيمانهم بقضيتهم أما سيرجيو فلا
يشاركهم التزامهم , إنه ساخر ومنعزل . فلماذا يتعاون مع أمثالهم ؟ ماذا
يفعل معهم ؟ لا تستطيع التفكير إلا في سبب واحد . . المال . . أيمكنهــا
أن تقنعه بإطلاق سراحها وذلك بعرض رشوة عليه ؟ أو بتقديم اقتراح له
بأن تدفع له الفدية مباشرة ليطلق سراحها بدون أن يؤذيها ؟
قال لها آمراً , بصوت منخفض جذاب وهو يحضر الكاميرا :
ـ ابتسمي لأبيك .
لكنها شدت شفتيها بحزم , ورفضت حتى النظر إلى الكاميرا .
تنهد سيرجيو ثم تقدم إليها , وأمسك ذقنها ليدير رأسها , فسألت ليديا :
ـ لماذا تتسامح معها بهذه الطريقة ؟ لقد أصبحت لين العريكــة يا
صديقـــي .
وليدحض كلامهــا , اشتدت قبضته على ذقن نادين بشكــل مؤلم ,
وأصبحت عيناه قطعتي ثلج . وأدار وجهها بقسوة لتواجه الكاميرا .
وقال :
ـ ابتسمي نادين , وإلا غيرت رأيي واتفقت مع ليديا بأن للدموع
تأثيراً كبيراً في ولدك .
ردت من بين أسنانها ناسية القسم الذي وعدت به نفسها , وهو ألا
تنزل إلى مستواه بتبادل الأحاديث معه .
ـ وكيف ستفعل هذا ؟
ـ أمــر بسيط . . خاصة وأنا أتعامل مع غبية مثلك .
همست بقرف :
ـ أنت . . أيها السادي ! أعتقد أن عقلك الملتوي يظن أن خداعك
لي واستغفالي أمر يدعو إلى الافتخار والتباهــي .
ارتفع صوتها يصرخ :
ـ . . حسناً . . هيا . . أخبرهم , وأظنهم سيوافقون على ما فعلت !
أنتم جميعاً لستم من الجنس البشري !
وتهدج صوتها مثقلاً بالدموع , فحذرها سيرجيو بحدة :
ـ حذار , وإلا أظهرت لك أننــي قد أكون غير إنساني .
واستقرت عيناه قصداً على ثنايا جسدها , وما أرعبها أن تجد نفسها
تتضرج خجلاً فنظرت إليه مباشرة , وهذا ما كان يريد . . فقد قفز بسرعة
يلتقط الصورة قبل أن تبعد نظرها , ولمعت أضواء عدسة الكاميرا
حولها , واضطرت للاعتراف بأنه خدعها مجدداُ . . . وكرهته . .
كرهته !
عادت إلى واقعها وهي تسمعه يقول بصوت أجش :
ـ والآن . . التسجيل . فلنسجل بعض كلمات الأب العجوز ولا
تنسي أن تقولي إنك تستمتعين معنا .
صاحت به وهو يضع أمامها جهاز تسجيل صغير :
ـ اذهب إلى الجحيم ! لن أتفوه بكلمة !
الطريقة التي تقدم بها إليها رافقتها صيحته , (( آه , ولكنك قسماً
ستتكلمين )) . كان لصيحته هذه تأثير مطبق على إرادتها .
أردف : (( نستطيع تحقيق هذا بطريقتين إما بنظافة وبدون مشاكل
وإما بضجة و . . .
صمت منتظراً وعرفت نادين أنه لا يطلق تهديده اعتباطاً , لذلك
استسلمت مجبرة الكلمات اللاذعة على التراجع .
فقالت بصوت أجش : (( ماذا علي أن أقول )) ؟
كانت تحاول جاهدة تجاهل كرامتها الثائرة على استسلامها ,
ولكن أسرها واختطافها قضيا تقريباً على روح المقاومة . . وكان
التسجيل مختصراً لم يتعد بضع جمل , قالت فيه إنها في خطر كبير وإن
على والدها عدم اللجوء إلى الشرطة وتنفيذ ما يطلبه الخاطفون
بحذافيره .
قال سيرجيو ساخراً حين أنهت كلامهــا :
ـ رائع . . أترين ما أسهل الحياة عندما نتعاون ؟
استسلمت لعواطفها وهمست : (( يا إلهي ما أشد كرهــي لك ! )) .
ضاقت عيناه اللتان تركزتا على وجهها الــذي سرعان ما تضرج
خجــلاً .
وضع الشريط المسجل في مغلف وأخفاه , ثم عاد ليقول :
ـ حسناً . . الجــميع إلى مراكزهم . . نادين ستساعد ليديا في
تحضير الغداء .
تمتمت معترضة بأنهم خاطفوها ولكنهم لــن يجعلوها خادمة
منزل . . فصاح بها :
ـ ماذا ؟ أتجدين عمل المنزل وضيعاً ؟ أتفضلين العمل مع لينو في
حقول العنب ؟
يا الله كم تكرهه ! لقد عرف نقطة ضعفها بسهولة شيطانية . .
وعرف ما تشعر بها تجاه لينو الذي يجعل بشرتها تقشعر رعباً وقرفاً .
وعندما كانت تهز رأسها غيـر قادرة على التفكير السوي , لحقت
ليديا إلى المغسلة البدائية القذرة وكانت ضحكة ليديا الهازئة تصم
أذنيها . وهناك في المطبخ بدا من الواضح أن ليديا لا تتقن شيئاً من
الأعمال المنزلية , ودفعت ليديا بقصعة الخضار إلى نادين .
ـ خذي , اعملي أنت بها .
واتبعت أوامرها بمحاضرة عن وجهة نظر المنظمة عن دور المرأة
في المستقبل , وقد فهمت نادين منها أن هذا المستقبل لا يشمل مثل
هذه الواجبات , كتحضير الخضار للطبخ مثلاً . . ولكن من تظن ليديا
ومثيلاتها أنه سيقوم بالمتطلبات الأساسية كالطعام والملبس والأعمال
المنزلية الضرورية , في ذلك العالم الجديد الذي تصمم ليديا ومثيلاتها
على تكويــنه ؟
عندما كانت تبرش الجزر نظرت إلى السكين التي تحملها . . إنها
صغير وحادة . . أيمكن . . أتجرؤ على أن تخبئها ؟ نظرت من فوق
كتفها فإذا لينو واقف في الباب ينظف بندقيته , و بيدرو في الخارج .
كانت ليديا تتحدث بصوت منخفض مع سيرجيو فخفق قلبها بشدة وهي
تلف أصابعها حول السكين . .
ـ هل انتهيت ؟
انتزعت ليديا القصعة المعدنية منها فأسرعت نادين تدس السكين
في جيب سروالها . ضج الدم في عروقها لأنها توقعت أن يصيح بها
أحدهم ولكن أحداً لم يفعل ذلك .
سألت ليديا :
ـ متى أقص لها شعرها ؟ لن نخاطر بتركها على هذه الحال .
نظر سيرجيو إلى نادين , فازدادت سرعة نبضات قلبها . هل عرف
بأمر السكين ؟ كان في عينيه تعبير غريب , وللحظات ظنت أنها سمعت
شيئاً من الندم في كلمة (( لا! )) التي قالها , وأكمــل :
ـ حسن جداً . . إذن اصطحبيها إلى فوق .
كان لينو يتكئ على السلم وهذا جعل نادين تضطر إلى ملامسته
عندما مرت به . . ابتسم ابتسامة الذئب وعيناه تجوبان جسدها . .
فتقوقعت على نفسها , قالت ليديا لـ سيرجيو :
ـ انظر إليها ! تتظاهر بطهارة لا تملكها . لينو لا يختلف عمن
عاشرتهم من الرجال , واعلمي أن له عشيقات من الطبقة الراقية , فنساء
الطبقة الراقية يعشقن الرجال الأقوياء , أليس كذلك (( كارا )) ؟ أم أنك
تظهرين هكذا , شاحبة ضائعة بسبب سيرجيو ؟
ـ حذار يا رفيق . . ستحاول الالتفاف حولك , أعرف مثيلاتها !
دفعتها ليديا في سجنها الضيق إلى الكرسي الوحيدة . وكانت
الإيطالية رغم نحولها قوية فتألمت نادين من ضغط أصابعها وحاولت
عــدم الصياح حتى عندما شدت بقسوة شعرها , تقطع الخصلات
الحريرية بمقص مطبخ غير مشحـوذ .
لن تصرخ , لن تبكي . . ولكن صعب عليها عدم الشعور بالعذاب
والألم وهي ترى شعرها يقع على الأرض عند قديمها . . حين انتهت
ليديا من عملها , قالت ساخرة :
ـ ليس شكله مستساغاً عندك ولكنني سمعت أنهم في إيرلندا
الشمالية يطلون الخائنات بالقطران وبإلصاق الريش فيه . . وأظن أن
الطريقة الوحيدة لإزالة القطران هو بحلق الشعر كله . . أليس كذلك ؟
ـ لماذا تسألين ؟ أتفكرين في إقناع منظمتكم بتبني هذه العادة مع
الخائنات ؟
ـ لا . . . لـكنني أظن أن والدك سيدفع الفدية في أسرع وقت إن شاهد
صورتك وأنت مطلية بالقطران وفوقك الريش ملصوق . يجب أن أكلم
سيرجيو في هذا الأمــر .
هذا أكثر من أن تطيقه نادين . بطريقة ما أصبحت السكين في
يدها , التي ارتفعت نحو ليديا . وسمعت صيحة الفتاة الشرسة ,
وسمعتها تنادي سيرجيو , وسمعته يأمر لينو بالبقاء على حذر ثم ارتقى
السلم الخشبي بسرعة ودخل الغرفة , حيث رأى المنظر .
ـ نادين ! أعطنـــي السكين !
ثم دار خلفها وأمسك بمعصمها بحزم , ولكن بدون أن يؤلمهــا
أرجع ذراعها إلى الخلف يفتح أصابعها فوقعت السكين إلى الأرض . .
أمسكت ليديا ما تبقى من شعر نادين وشدته بقسوة , وصفعتها على
وجهها تكيل لها السباب بلغتها .
صاح سيرجيو : (( ليديا , توقفـــي ! )) .
ـ انظــر ما فعلته بــي !
تركتها لتريه جرح السكين على ذراعها وأكملت :
ـ ســـأجعلها تدفع الثمن !
تحرك سيرجيو , ليكبح ليديا بالسهولة التي كبح بها نادين . .
وسألها بهدوء : (( هــل فتشتها ؟ )) .
صاحت نادين : (( لن تلمسنــي ثانية ! )) .
خرجت الكلمات منها قبل أن تتمكن من منعها , وفهمت ما تعنيه
هذه الكلمات قبل أن يقول سيرجيو ببرود :
ـ حسناً جداً إذن . . سأفتشك بنفســــي .
ـ لا !
أطلق احتجاجها العاصف ضحكة قاسية من ليديا . .
وقال سيرجيو لها :
ـ أعطيني المقص , وانزلي إلى تحت لتساعدي لينو في المراقبة .
أحست نادين بأن الإيطالية مترددة في تركهما بمفردهما , ولكن من
الواضح أنها لا تجرؤ على تجاهل أوامــر سيرجيو . . بعد خروج
الإيطالية لم يتحرك سيرجيو من مكانه للحظـــات , ثم قال ببرود :
ـ الآن , تعالي إلى هنا ولننه الأمــــر .
ـ لن تلمــسنـــي !
كان في صــوتها هذه المرة بعض التردد وراحت تتراجع نحو
الزاوية , مع أن سيرجيو لم يتحرك .
ثم تحرك . . تحرك بسرعــة جعلتها مسمرة بين ذراعيه . كانت
أنفاسه باردة على جبهتها , وكانت عضلاته قاسية تحت قميصه المشعث
النظيف ووجدت نفسها تتساءل كيف يمكنه من بين الجميع البقاء نظيفاً
مرتباً . . في الوقت نفسه الذي كانت فيه تتوسل , ويدها تبعده عنها
بضعف قــــائلة :
ـ لا !
http://smiles.al-wed.com/smiles/13/i...17_42994_4.gif
نهايــة الفصل (( الثالث )) . . .

جمره لم تحترق 05-01-12 09:20 PM

4-بين الموت والرغبة **
 
4- بين الموت والرغبة * *
http://www.al-wed.com/pic-vb/17.gif
ازداد صـوته برودة عندما قال : (( أريد تفتيشك لا اغتصابك )) .
ردت بمرارة :
ـ ولماذا لا تجمع بين الاثنين ؟ أليس هذا ما يفعله أمثالك من
الرجال عندما يريدون مأرباً ما ؟
كان صوته ناعماً . ولكن عضلة في فكه تحركت متوترة . . وأحدق
خط أبيض بفمه . وتابع يســأل :
ـ هل أنت واثقة أنك لا تطلبين هذا بالضبط . . إن للفتيات
المدللات مثيلاتك سمعة . . آه . . لا . . لن تفعلي هذا . .
أمسك يدها بسرعة عندما رفعتها لتضربه , وأنزلها إلى تحت , ثم
شدها بدون رحمة إليه .
كان تأمله الخبير لجسدهــا أكثر التجارب إذلالاَ . . وعندما أبعد
يديه عنها كانت نظرة عينيه متجهمة .
ـ أرأيت ؟ لست ممن يسيطر على رغباته , أليس كذلك ؟
ـ أنت . . أنت . . لا تطاق ! وأنا . . أكــرهك !
أوشكت دموعها على الانهمار فارتدت عنه لئلا يراها :
ـ نادين ؟
أهذه مخيلتها أم أن صوته رقيق فعلاً ؟ ارتدت على عجل وارتباك ,
وكادت تقع , فامتدت يده تتمسك بها ثم التفت ذراعه على جسمها
فشعرت بما يشبه الصدمة الكهربائية تنطلق لترجفها . اتسعت عيناها
وازدادت سرعة نبضات قلبها بإثارة , وارتفع اللون الأحمر إلى وجهها
بسبب شعورها بالذنب .
وصاحت :
ـ أخرج من هنا ! ولا تلمسني ! لا أطيق لمستك !
ولكن قولها هذا كان غلطة فادحة إذ سرعان ما أصبحت عيناه
وقحتين ساخرتين .
ـ لا ؟ . . أستطيع القول أن ذاكرتك بدأت تخونك نادين وأعتقد أن
أكثر ما يعجبك حقاً هو أن تضمك ذراعاي وتلمسك يداي .
ـ لا !
كرر مبتسماً :
ـ لا ؟ إذن فلنخضع هذا الإنكار للتجربة , أنفعل ؟
احتواها بين ذراعيه قبل أن تتحرك . . فأبقت شفتيها مطبقتين
بشدة , تحاول التفكير في أن لينو هو من يعانقها . ودفعت جسدها
ليحس بالاشمئزاز والثورة , لا بالسرور ولكن أصابعه الرشيقة بثت
الحرارة في بشرتهـــا .
أحست أن هذا كله لم يكن كافياً . . وتجاهل إحساس متمرد
قراراتها في المقامة والرفض . لكنها أخيراً تمكنت من انتزاع نفسها
وقد رافق ذلك صرخة احتجاج .
ـ سيرجيو ؟
منتديات ليلاس
ابتسم سيرجيو لها عند سماعه نداء ليديا , وابتعد نحو الباب تاركاً
نادين تغلي غضباً واحتقاراً لنفسها . ماذا دهاها ؟ كيف استجابت إلى
مداعباته ؟ إنها تكرهه ! . . ومع ذلك استجاب جسدها له . لماذا ؟
حين تأكدت أنها أصبحت بمفردها , استسلمت للدموع , راحت
تبكي بصمت فانتفض جسدها وانتشرت حول وجهها خصلات شعرها
الأحمر القاتم الحريري ولكن لم يكن فقدانها شعرها الحريري الناعم
هو ما يحزنها , بل شيء أعمق , وأصعب على الفهم . عندما لمستها يدا
سيرجيو انتفض شيء ما في أعماقها والمؤسف أنه شعر به . ففي إحدى
اللحظات , قبل أن تبدي مقاومة نظر إليها وعرف أن جسمها رغم
منطقها وكبريائها يرغب في الاستجابة للأمر الرجولي الذي في يديه .
كانت حقيبة يدها معها , فتشت فيها عن مناديل ورقية . . ليتها
فكرت في وضع قميص آخر معها . . فبعد جفاف دموعها أحست
بالحرارة والعرق . كانت ساقاها متسختان ولم يكن في الغرفة ماء
لتغتسل وباستثناء سيرجيو , لم يكن آسروها يهتمون كثيراً بضروريات
المدينة والنظافة الشخصية , حتى ليديا . . ولكن نادين كانت موسوسة
بمظهرها ولأنها لم تتمكن من الاستحمام أو من تنظيف أسنانها شعرت
بالقرف .
هناك نهر في الوادي . . شاهدته من النافذة الأمامية . ورؤية الماء
المتدفق بنعومة , زاد من شوقها إلى برودة الماء ونعومته على بشرتها . .
وتساءلت عما إذا كانت قادرة على طلب طست للاغتسال . ولكنها تعلم
أن ليديا سيسعدها رفض طلبها أما الطلب من لينو فمرفوض عندها
بسبب نظرة ذاك الرجل إليها , أما سيرجيو فتخشى إن طلبت منه ذاك
المطلب أن يظن أن لاهتمامها بالنظافة علاقة به !
ومر النهار وهي جالسة بمفردها بدون عمل يشغلها يدوياً أو
فكرياً , وهذا ما زادها خوفاً ورعباً وإحباطاً ولعل سبب الإحباط اقتناعها
بأن حياتها ستنتهي هنا في هذا لمنزل المهترئ .
بعد الظهر سمعت تحركاتهم في الطابق السفلي ولكنها لم تر أحد
منهم ومن النافذة شاهت لينو يعمل في كروم العنب , فدعت إلى
الله . . أن يرسل الشرطة الذين إن وصلوا عمدت إلى إخبارهم الحقيقة
ولو أدى ذلك إلى قتلها . وعندها تكون قد قامت بمحاولة ولكن ربما
تسببت في مقتل آخرين كذلك ! وهذا ما لن تتحمله .
كانت قد شاهدت سيرجيو ينطلق بسيارته بعد وقت قليل من تركه
لها , ثم عاد عند المغيب . لا شك في أنه ذهب ليرسل الصورة والشريط
إلى أبيها . حاولت نادين التفكير كم من الوقت سيمضي قبل أن يتلقوا
الرد منه . إنهم بالطبع لن يرسلوا الصورة والشريط مباشرة لأن ذلك
سيسهل في اقتفاء أثرها . . إذن ماذا فعل سيرجيو ؟ هل أرسلها إلى روما
لتنقل من هناك إلى عنوان والدها ؟
بعد عودة سيرجيو بنصف ساعة أتت ليديا تفتح الباب فتصاعدت
روائح تثير الشهية من الأسفل , فأدركت نادين مستغربة أنها تتضور
جوعاً . وقالـت ليديا بعدما دفع بيدرو حاجبيه تعجباً للرائحة :
ـ اشترى لنا سيرجيو المعكرونة والصلصة لنطبخها .
لاحظت نادين أن بيدرو ولينو جلسا إلى المائدة بدون أن يغسلا
أيديهما ودون أن يبدلوا الجينز المهترئ بما هو جيد أو نظيف . ولكن
سيرجيو كان يرتدي قميصاً أبيض نظيفاً , غير مزرر عند العنق , كما
لاحظت أنه استخدم الحنفية الوحيدة ليغسل يديه قبل الجلوس إلى
المائدة مع أنه لم يكن يعمل كالآخرين . . وحذت نادين حذوه بدون أن
تطلب الإذن , وعندما انساب الماء على يديها أغمضت عينيها بسعادة .
سمعت ليديا تســخر :
ـ حساسة جداً . . أليس كذلك ؟ تحـــاولين التأثير في سيرجيو
بتصرفـــات السيدة الأنيقـــة . . صحيح ؟
ردت نادين بــــهدوء ســاخر يحاكــي سخرية الفتاة :
ـ يحب بعضنا النظـــافة والانتعاش .
لمعت عينا الفتاة بشــــكل خطير :
ـ ماذا تعنين بالضبط ؟ سيرجيو . . أكانت سجينة أن لا . . لــن
أتحمــل إهانة هذه الفاسقة الصغيرة . . فإما أن تطلب منها المحافــظة على
أدبها أو أقوم أنا بتأديبهــا ؟
عرفت نادين أن الفتاة تعمدت إثارتها . . ولكن لماذا ؟ ألكــي تسنح
لها الفرصة لتعرضها للمزيد من العقاب الجسدي ؟
لاحظت نادين أن ما من أحد آخر تجرأ على تحدي أوامــر سيرجيو ,
وكان سيرجيو بطريقة ما بعيداً منعزلاً عنهم جميعاً بما فيهم ليديا التي
كانت عشيقته بدون شك .
كان الطعام لذيذاً مدهشاً , فالمعكرونة طرية وزكية الرائحة ومـــا
أذهلها أن تتناول صحنها كله . . فقد يكون رأسها يائساً في تفكيره
ولكن جسمها يحتاج إلى الغداء , فيما بعد رافقها سيرجيو إلى
(( غرفتها )) . ما إن دخلتها حتى انتظرت سماع صوت إقفال الباب ,
واستدارة المفتاح في القفل . . ولكن ما أدهشها أن سيرجيو بقي واقفاً .
سمعته بعد قليل يقول متردداً , أو هكذا بدا لهــا :
ـ أستطيع إقناع ليديا باصطحابك إلى النهر لتستحمي إذا شئت ؟
فسرت نادين لهجة الإشفاق في صوته على غير محلها وهذا ما
دفعها إلى القول بمـــرارة :
ـ ما الأمر ؟ هل تزعج ثيابي القذرة وجــسدي غير النظيف أحاسيسك
المرهفة ؟ أمــر مؤســف ! يجب أن تتعلم العيش مع قذارتي .
ما إن تفوهت بالكلمات حتى ندمت عليها لأنها تمنت لو قبلت
عرضة بلا تعليق , ولكن الوقت فات على سحب قولها المتسرع , فقد
ارتد سيرجيو إلى الباب , يهز كتفيه بدون اكتراث :
ـ فليكن ما تريدين . . فكرت فقط في أنك سترحبين بفرصــة
لإنعاش نفسك . . بدءاً من مساء الغد سيرافقك أحدنــا فيجب أن
تخرجي وإن لم تخرجــي طوعاً أجبرناك .
ســخرت منه :
ـ لم كل هذا الاهتمام بصحتي ! لماذا ؟ أتظــن أننــي لا أعرف أن لا
فرصة لـي بالخروج من هنا حية ؟
كان صوتها مشبعاً بالكآبة والألم وانعكس هذا في عينيها وهــي تنظر
إليه . بدا لها لهنيهة بأنه فهم , وأراد أن يواسيها , ولكن لا بد أن هذا
مجرد وهم بصري , فقد تحرك وكانت عيناه باردتين وقاسيتين كحالهما
دائماً . ويسألهــا بصوت ناعم :
ـ وإن لم تخرجــي من هنا على قيد الحياة . فماذا ستفتقدين ؟ ذراع
عشيق آخـر أم الإحساس بالحرير الفاخر على جسدك ؟ أم لمعان
الجواهــر ؟
ردت بصوت خـشــن :
ـ لا شيء من هذا كله . . ما سأفتقد إليه هو تنشق الهواء النقي مــرة
أخرى , الهواء غير الملوث بأنفــاس الحيوانات أمثالك . . حيوانات !
ضحكت بجنون هستيري :
ـ الحيوانات لا ترتكب بحق بعضها بعضاً هذه الجرائم . هي لا
تدمر وتقتل في سبيل المال . كم من المال طلبت من والدي ؟
ـ مليون جنيه . . إنه مبلغ رائع أليس كذلك ؟
ـ وهل خططت لهذا منذ البداية ؟ منذ الحفلة الراقصة في روما ؟
ـ أجــــل .
كــــان الاعتراف جازماً , يرفض الإفصاح عن أي ندم أو عطف .
ـ ورغم علمك بما سيجري كنت قادراً على . . على . .
ـ العبث معك ؟ كان أمراً ضرورياً , ولم يكن صعباً .
تحركت عضلة في فكه النحيل الأسمـــر , وتابع ساخراً :
ـ أنت امرأة في غاية الجاذبية وكان الجو مؤاتياً وما من إيطالي
أصيل قد يفعل غير هـــذا ؟
صــاح بها عقلها الباطني : (( غبية . . غبية ! )) لقد صدقت أن ما جرى
بينهما عنى له شيئاً . . لقد صدقت كمراهقة مجنونة .
ـ أنــت مـجرد آلــة لا رجل !
خالته لبرهة سيضربها ولكنه نظر إليها متجهماً , وقال بهدوء :
ـ تكرهين نفسك لأنك تستجيبين لــي . لا تكرهي نفسك . .
فاستجابتك ردة فعل طبيعية في تلك الظروف . امرأة لها تجربتك لا بد
أن تستجيب , خــاصة لـرجل . .
ـ حاول إغوائــي ؟
هز كتفيه :
ـ هذا يدل على براءة كلانا يعرف أنك لا تملكينها , وستكون
الأمور أسهل لو توقفت عن المقاومة . فأنا لا أرغب في إيلامك أو
إذلالك .
أسكتته ضحكتها المريرة فمد يده إليها يمسك ذراعيها .
ـ اسمعـــي . .
انتزعت نفسهــا من قبضته , وسألت بغضب :
ـ ماذا تحاول أن تفعل ؟ أن تغار ليديا ؟ لماذا لا تدعوها إلى هنا
لترى . . .
ـ أنت مصممة على إزعاجــي . . أليس كذلك . . أم أن هذا مـا
تريدين حقـــاً .
اشتدت قبضته عليها بسرعة وشدها إلى صدره , وتحركت يداه من
كتفيها إلى ظهرها , يضمها إليه . كانت إحدى يديه تلتف على مؤخرة
عنقها تجبرها على إحناء رأسها , والأخرى تلصقها به . . فصاحت :
(( لا )) .
اختنق احتجاجها المتأوه على صدره وحينما استكانت بين ذراعيه
أدركت كم أثارت غضبه . . فمن الواضح أنه رجــل غير معتاد على أن
تنتقده امرأة . . حاولت مقاومة اللامبالاة الذائبة التي راحت تتسلل إلى
جسدها . . واستطاعت تذوق طعم الدم المالح في فمها من شدة ما
ضغط وجهها على صدره . . ولكن لم تلبث أن استرخت ذراعاه قليلاً
فعمت كيانها موجة ارتياح أفزعتها وتركتها ضعيفة مرتجفة غير قادرة
على فهم ما يحدث لها . . إنها تكرهه . . تحتقره !
ســألت بصوت متحشرج أجش : (( ماذا تحاول أن تفعل ؟ )) .
ابـتسم مكشراً عن أسنانه :
ـ قد أسألك السؤال نفســه .
أصمتها سؤاله لبرهة ثم انطلقت إلى النافذة تسير على ســاقين
تهددان بالانهيار , لتتأمــل الطبيعة خارجاً . لماذا تختبر مثل هذه الجاذبية
الغامرة كلمـا اقترب سيرجيو منها ؟ إنها تكره الرجل وتحتقره , لكـــن
جسدها يتوق إليه .
قال سيرجيو يكســـر الصمت ساخراً :
ـ إن رغبت في التجربة مجدداً , فتجنبـــي أن تختاري لينو لأنك قد
تحصلين على ردة فعل لا تتوقعينها . . إلا إذا كانت ليديا على حق ,
وكانت المعاملة القاسية الخشنة هي ما تجتذبك أهذا هو الأمر ؟ أهذا ما
تأملين فيه ؟ لا ريب أنك كنت تشاهدين أفلاماً سينمائية كثيرة . قد
تكونين مرغوبة , ليس بالنسبة لي . . حين أرغب في ذلك أحب أن أكون
بين ذراعي امرأة عطرة الرائحــة .
منتديات ليلاس
سحب التهكم كل لون من وجه نادين , وسألت بشراسة :
ـ ألهذا تقوم بمثل هذه الأشياء ؟ لتبقى قادراً على أن تعيش في
مستوى راق ؟ إذا كان الأمر كذلك , فلماذا لا نعقد اتفاقاً مفيداً ؟
كان قد طرأ على بالها فكرة ما , وقبل أن تفقد شجاعتها حاولت
وضعها قيد التجربة . . ابتلعت الخوف المتزايد في نفسها , ومالت إلى
الأمام قليلاً , بشفتين منفرجتين وأصابع راحت تتسلل إلى الشق في
قميص سيرجيو :
ـ مليون جنيه مبلغ كبير , إن كــــان لك وحدك .
لم يتحرك , ولم تفصح عيناه عن شيء . ســأل : (( ماذا تقترحين ؟ )) .
كان أشبه بتمثال غرانيت لا يلين , فأردف : (( الخيانة ؟ )) .
هزت كتفيها محاولة الظهور بمظهر المرأة الهادئة المسيطرة على
الموقف .
ـ ولمَ لا ؟ هل ستقول إنها كلمة شرف بين لصوص ؟
قالت هذا بعذوبة ولكن السهم أصاب هدفه . . فقد سارع إلى إبعاد
أناملها عن قميصه بقسوة وظهــر على وجهه التحفظ .
ـ وإذا وافقت ؟ وإذا أردتك أنت إضافة إلى المليون جنيه مثلاً ؟
استقرت غصة ثقيلة في صدرها سببت لها ألماً شديداً .
ـ أنا . . نحن . . قد تصل إلى اتفاق ما .
أخافتها نظرة عينيه , فمدت يدها إليه فوجدت أنه وضع عرض
الغرفة حاجزاً بينهما , والتوى فمه بازدراء .
ـ يا إلهي . . كل شيء سيــان عندك .
لاحظت نادين صدره يعلو و يهبط تحت القميص الأبيض الرقيق ,
وكأنه يلهث من الركض . . بعثت قوة الغضب الذي استحوذ عليه
الخوف إليها . مع أنها لا تعلم ماذا فعلت ليغضب هذا الغضب كله .
ثم قال لها ســـاخراً :
ـ من تخدعين بحسب رأيك ؟ أتحاولين القيام بتضحية ؟ يا لها من
تضحية ! أنت تريدينني . . ولكنني لن ألمسك حتى لو كنت آخر امرأة
على وجه الأرض . أتظنين أنني لا أعرف ما يدور في خلدك ؟ ألا
تعتقدين أنني أعرف كل شيء عن الإثارة التي تحصل عليها امرأة مثلك
من مجرد التفكير بأنها ستغتصب بالقوة ؟ إذا كان هذا ما تريدينه حقاً ,
فلينو هو الرجل المناسب لك , لا أنا . . فأنا أحب أن تكون علاقاتي
سوية .
خرج قبل أن تتمكن من الرد تاركاً لها الإحساس بالألم والذل
بسبب رفضه . آمنت لهنيهة إنها ستتمكن من استخدام الفدية طعماً
لانقسام آسريها . . ولكنه قلب كل الطاولات في وجهها مشيراً إلى أنها
تحاول إقناعه باغتصابها .
صاح بها هاتف داخلي . . لأجل ماذا كل هذا ؟ ودافعت بمرارة :
إنها لا تريده . . إنها تكرهه . . إنها تحتقره !
مضى على سجن نادين أربعة أيام . الأمل الذي تمسكت به في
البداية تلاشى تاركاً مكانه شعوراً فاتراً باللامبالاة . وجرت الأيام برتابة
مملة ففي الصباح تقفل ليديا باب غرفتها بعد أن تقدم لها الماء
للاغتسال , ثم ترافقها إلى كوخ بدائــي صغير بعيد عن المنزل . . في
البدء عانت مرارة الإحراج كلما اضطرت إلى تحمل هذه المهانة , ولكن
السجن والطعام البدائــي الذي كانت تتلقاه , سلباها قدرتها على
المقــــاومة .
قبل النوم , كانت كل ليلة تغسل الثياب التي تلبسها نهاراً , ومع
أنها كانت تجف ليلاً , إلا أنها بدأت تبدو الآن رثة , وأحست بالحرمان
والوضاعة . لكن اهتمامها بمظهرها , كان قد اتخذ مقعداً خلفياً بالنسبة
لخوفها على مصيرها .
كان الجميع في الأمسيات يتناولون الطـعام في الغرفة السفلى وغالباً
ما كانت نادين تحضر ذلك الطعام تحت أنظار الحرس , فاليوم كان
سيرجيو غائباً وأحست بغيابه مع أنها لم تكلمه منذ فتشها . . في البداية
جعل تجنبها الواضح له ليديا تضحك , ولكن نادين وجدت الفتاة
الأخرى تراقبها وكأنها تجد صعوبة في فهم قدرتها على اللامبالاة .
ولكنها لم تكن غير مبالية خاصة في أسرها الحالي بل كانت
كراهيتها له تتعاظم حتى تكاد تسلبها القدرة على التفكير في أي شيء
آخــــــــــــــــر .
وصل سيرجيو فيما كانت نادين تتفحص العنب مع لينو . وهذه
عملية تكسر الظهر . . وما أشد ما رغبت في الاستقامة لتريح ظهرها
لولا خوفها من أن يعتبر سيرجيو حركتها انهزاماً . كان كلاهما متورط
في معركة إرادات صامتة , وكانت تعلم أن صمتها يغضبه فهذا ما تراه
في عينيه .
وهذه المعرفـــة بعثت إليها لذة منحرفــة . كان يريد أن يحطم إرادتها ,
ويريد أن يبعث الخوف إلى قلبها . ولكنها لن تحقق له ما يريد , ولن
تنضم إلى صفوف ضحاياه !
صاح بها لينو عندما توقفت عن العمل بدون أن تستقيم أو تتمطى .
ـ ما بك ؟ هل أنت ضعيفة أمام العمــل الشاق ؟
كان أفراد العصابة دائمي السخرية منها ولكنها تعلمت القوقعة على
نفسها بعيداً عن تهجماتهم , مع أن غريزة وليدة عميقة , كانت تحذرها
من لينو الذي كانت ليديا تتعمد تركه معها وكانت كبرياؤها تمنع نادين
من تصحيح ما تقول حين تلمح لـ سيرجيو إنها أمضت معظم يومها معه .
وفي الواقع كانت تفضل البقاء سجينة غرفتها , ولكن سيرجيو أصر
على أن تمضي نهارها في الخارج , وفي الهواء الطلق لتحرك أطرافها ,
ولم تستطع فهم السبب . لكنها باتت الآن مقتنعة بأنها لن تترك المزرعة
وهي على قيد الحياة . كان سيرجيو يذهب يومياً إلى البلدة القريبة
لتسقط الأخبار عن أبيها . . وقد حدث أن طلبوا مهلة أسبوع للرد ,
ومرت خمسة أيام منها . حاولت نادين أكثر من مرة أن تتصور حالة
والدها والتوتر الذي يعاني منه . ولكن عالمها بات مرتبطاً بحراسها ,
والتفكير في ما يحدث خارج هذا السجن أصبح مؤلماً ألماً لا تكاد
تتحمله وقتـــاً طويلاً .
ذبحت ليديا إحدى الدجاجات التي كانت تجوب في فناء المنزل ,
وقامت نادين بطهيها جيداً وحينما دخلت ولينو إلى المنزل انبعثت
رائحة الدجاج الشهية , وكان سيرجيو يقرأ جريدة , وليديا قربه
وذراعاها حوله . . فرفع رأســه , فأشاحت نادين نظرها عنه , وفمها
مشدود قرفاً . . فقال لها :
ـ أظهر والدك على الأقــل بعض التعقل . . فليس في الصحف مــا
يشير إلى اختطافك . ثمة خبر صغير في صحيفة لندنية , يقول إنك
تقضين إجازة مع أصدقائك .
سخرت ابتسامته منها وأثارتها ولكنها رفضت الرد . بدأت تسير
نحو السلم وكادت تصل إليه حين امتدت يده تمسك معصمها . فذعرت
وارتدت نظرتها لتلتقي بعينيه , وتصادمت عيونهما . كانت ترى بشرته
السمراء المغطاة بالشعر تحت القميص الأبيض الشفاف فتحرك شــيء ما
في داخلها . شــيء غريب , غير مرغوب . وجذبت نفسها عنه بتوتر
ويأس لتتخلص من الإحساس بقربه . .
فسألها : (( إلى أين ؟ )) .
ـ إلى غرفتــي .
ـ لماذا ؟
ـ لأننـــي أريد الانفراد بنفسي . . هل من اعتراض ؟
صاحت ليديا :
ـ فلنذهب سيرجيو . . لا يمكنها الفرار , ولن تحــاول . إنها أضعف
من أن تحاول . . فطوال حياتها كانت تستخدم مال أبيها واسمه لتنفتح
الأبواب لها . وها قد باتت الآن غير قادرة على فتح أي باب بنفسهــا .
هذا غير صحيح !
تكونت الكلمات على شفتيها , ولكنها لم تتفوه بها . . فقد جعلتها
الكبرياء تلوذ إلى الصمت ومنعتها من القول بأن هذا الاتهام كــان صائباً
منذ سنة أمـــا الآن فلا .
ـ سيرجيو !
جعل نداء بيدرو الملح من الخارج ليديا ولينو يخرجان ودفع
سيرجيو إلى أن يترك ذراع نادين وهرع إلى الباب . سمعت نادين كلمة
(( الشرطة )) فقفز قلبها أملاً . هل أتو بحثاً عنها ؟ هل بلغت باميلا عن
غيابها , وهل أدرك الشرطة ما قد حدث لها ؟ آه , ليتها تستطيع جذب
انتباههم بطريقة مــا !
طغى التوتر على المنزل المتداعي عندما كانت سيارة الشرطة تتقدم
في الممر الضيق الموصل إليه . السلاح الذي كان دائماً ظاهراً , ابتعد
عن الأنظار , وحده لينو كان يتلاعب بسكين . وعندما سمعت السيارة
تقف جف حلقها . فجأة انفتح الباب بشدة , ودخل رجلان يرتديان
بزتيهما وراح يتأملان الغرفة العفنة .
وســأل أحدهم : (( لستم هنا منذ مدة ؟ )) .
كان سيرجيو يستند إلى الجدار أمامها مشكلاً حاجزاً بينها وبين
الشرطيين أما ليديا فتسللت إلى الطابق العلوي . . وعرفت نادين أن
سيرجيو لم يكن يبالغ في تهديداته , وأنه قد يطلق النار عليها وعلى
الرجلين ولكنها رغم ذلك لم تكن قادرة على ترك الفرصة تمر بدون
محــاولة تحذير الشرطيين .
قال سيرجيو :
ـ ورثت المزرعة عن خالي . . إنها مهدمة ولكننا سنصلحها .
ـ أنتم لستم من هذه المنطقة ؟
هز سيرجيو كتفيه :
ـ نحن من روما . . لكنني أفضل الريف على المدينة . وكذلك
إخوتــي .
توجهت عينا الرجل إلى نادين حينما راح زميله يجوب الغرفة . .
ثم سأل سيرجيو :
ـ أهذه شقيقتك ؟
كانت نادين من حسن الحظ تفهم وتتكلم الإيطالية , فتدخلت
بسرعة : (( لا , أنا . . )) .
رد سيرجيو بأسرع منهــا : (( إنها زوجتــي )) .
ارتد إلى الخلف يحيط كتفي نادين بذراعيه , ولكنها أحست بضغط
أصابعه المحذرة على لحمها , وقال مردفاً :
ـ أتبقيان لمشاركتنا طعامنا ؟
رفض الرجلان الدعوة , وعادا إلى الباب , فاستدارت نادين بفزع
في دائرة ذراعي سيرجيو . . ترجو الله أن يلاحظ أحدهما الكرب الذي
تمر به . . ولكنهما خرجا برفقة لينو إلى سيارتهما , وظلت هي في
مكانها تشعر بالغثيان يسيطر عليها . لقد ولى آخــر آمالهــا , واستحوذ
عليها إحباط شامـــل .
تركها سيرجيو في اللحظة التي برزت فيها ليديا من الطابق
العلوي , وعيناها مركزتان عليهما بريبة . ورأت نادين بوضوح أنها
تغار , ولكنها لم تكن تملك القدرة على الاستفادة من هذا الاكتشاف ,
إذ استحوذ عليها إحساس بأنها ستموت فمهما فعل والدها , فلن يتمكن
من إنقاذها . . . وارتجفت , فتجهم وجه سيرجيو بعبوس شديد . لماذا
يدعي الاهتمام بها ؟ يعرفون جميعهم أنها مجرد وسيلة للكسب لجمع
المال لقضيتهم . . لامست بشرة وجههــا حيث صفعها , وأحست
بالكراهيــة تتجدد .
فقدت نادين شهيتها للدجاج المطبوخ , ولم تكن قد أكلت الكثير
وقت الفطور كذلك . وعندما أمرها سيرجيو بأن تنهي وجبتها اضطرت
لــــكبح ضحكة مريرة .
ـ لماذا ؟ ستقتلوني على أي حــال , فلِمَ لا أقوم بهذا نيابة عنكم ؟
ضحكت ليديا :
ـ إنها ليست غبية كما ظننت . . أم تراها تحــاول اجتذاب شفقتك
(( كارا )) عزيزي . . لا بد أنها قرأت الكثير عن العلاقات التي تتطور في
مثل هذه المواقف بين الآسر والضحية .
تجاهل سيرجيو كلام ليديا وقال بإصرار لـ نادين : (( يجب أن
تــأكلي . . . )) .
ثم التفت إلى لينو متسائلاً : (( أحظيت بقدر كاف من التمرين ؟ )) .
هز الرجــل كتفيه : (( كانت تعمل في الحقل بعد الظهر )) .
أضافت ليديا : (( وفي كل ليلة يرافقها أحدنا عندما تسير )) .
التفت سيرجيو إلى نادين :
ـ ستأكلين , وإلا اضطررت إلى إطعامك بنفســـي .
قاطعته ليديا : (( أسمعت شيئاً عن لندن ؟ أكان . . )) .
ـ ينفذ والدها حتى الآن جميع تعليماتنا حرفياً . إنه يحاول جمــع
المال , ويأمل الحصول عليه في الوقت المحدد .
لمعت عينا ليديا السوداوان :
ـ يجب عليه ذلك وإلا أرسلنا ابنته قطعة قطعة .
حين دفعت نادين بطبقها بعيداً هذه المرة , لم يحاول سيرجيو
منعها . . وأدلى لينو برأيه :
ـ كلما انتهينا من هذا بسرعة كلما كان أفضل . . ضقت ذرعاً بهذا
المكـــان . . !
كان الظلام قد خيم على الطبيعة خارجاً فانبعثت أصوات الجنادب
بلا توقف , ورمت الفراشات الصغيرة بنفسها على النوافذ سعياً وراء
الضوء . ما إن انتهت وجبة الطعام , حتى قال سيرجيو لـ نادين :
ـ تعالي سأسير معك الليلة .
أرادت أن ترفض فقد أحست بعيني ليديا تخترقان ظهرها وكأنما
خنجران , وشاهدت لمعان الامتعاض في عيني لينو . . لكن ليديا
اعتادت على التسلل بعيداً في الوقت المفترض بها السير معها وكانت
تتركها وحيدة مع لينو الذي كانت عيناه تستمران بالتحديق إلى جسدها
بشغــــف .
عندما خطت إلى الخارج أحست بالعرق يبلل بشرتها فتمنت
لو تستحم مهما كلفها الأمــر . . منعت نفسها من الضحك بسخف لأنها
تذكرت نكات يدور موضوعها عن الموت . بدا لها أن دهراً قد مر منذ
ضحكت آخر مرة بشكل طبيعي , وبدأت تفهم كيف يعمل الرهبان في
أديرتهم , بعيداً عن العالم . . فتحت رحمة غرباء , كان من السهل أن
يحس المرء بحكمته تتلاشــى وبإرادته تتحطم .
وجهها سيرجيو ناحية النهر , وكأنه قرأ ما يدور في خلدها من
أفكار , فأراد أن يزيد من عذابها . كانت رائحة جسده تتناهى إليها مع
رائحة الريف . . وكانت أحاسيسها مركزة عليه حتى ضاقت منها .
لم يقترح من جديد فكرة الاستحمام في النهر , منعتها كبرياءها من
الطلب كما رفضت أن تطلب منه شيئاً , مهما كان ضرورياً .
ـ أتعلمين . . أنت مختلفة عمــا كنت أتوقع .
فاجأها التعليق الهادئ , وكادت تفقد توازنها حين وقفت فـي
الظلام تنظر إليه بحثاً عن السخرية في وجهه ولكنها لم تجد شيئاً .
فســألت : (( كيف ؟ )) .
جعلت , عباءة الظلام الكلام أسهل , ودفعت الكراهية بعيداً قليلاً .
أحست به يهز كتفيه :
ـ في كل يوم . . تبدين أكثر ضعفاً , مع ذلك أقوى , وأكثــر مرونة .
توترت نادين وتشنجت لأنها شكت في أنه ينصب فخاً لها , وقالت
بصوت مرير حاد :
ـ ألم تجد أننــي تلك المدللة الثرية التي كنت تتوقعها ؟ لست ابنة
(( دادي )) المدللة التي كنت مؤمناً أنها قادرة على شراء أي شيء ؟ لست
غبية , أعرف المواصفات , وأعرف سبب وجودي هنا . وإذا كنت تتوقع
أن أركــع أمامك متوسلة حين أعرف أنك ستقتلني . .
ـ وإذ لم تعرفـــي ؟
ـ أهذا ما تريد ؟ أن أزحف باكية ؟ لماذا ؟ أيسعدك هذا ؟ أنــا لم
أتوسل إلى رجل قط في سبيل أي شيء , ولن أبدأ بهذا الآن !
ـ ألم تتوسلي قط إلى رجل ؟
التفت إليها فشاهدت تحت نور القمر السخرية تتسلل إلى قسمات
وجهه القاسية , وقال بعذوبة :
ـ ليس هذا ما سمعته عنك . . فالكلام الذي يدور حولك يقول إنك
أسهل الفتيات على الإطلاق , وأفضلهن . . فتاة قوية , تعرف كيف
تحصل على الرجل الذي تريده .
ـ لكننــي لا أريدك !
كان الرد الأجش فظاً خالياً من الانفعال فقد آلمها مجرد الإصغاء
إلى ما قاله , كانت تعرف ما هي سمعتها بالطبع . . واستولى عليها
إحساس سقيم وهي تتذكــر كيف ظنت أن هناك شيئاً مميزاً بينهما . . .
قالت له بمرارة :
ـ حتى المريضة جنسياً قد لا ترغب في أي رجل قد تقع عليه
عيناها . . ماذا تعمل حين لا تعتمد على الخطف من أجل معيشتك ؟
أتؤجر نفسك للمليونيرات من العجــائز ؟
شهقت حين أمسك بها تحت ذراعيها , وهزها بعنف . ثم أنبأتها
نظرة واحدة ألقتها على تعابير الغضب البارد على وجهه إلى أنها تمادت
كثيراً . . ولكن , هل تمادت إلى درجة أن يرغب في قتلها الآن ؟ فجــأة
أرادت أن تتوسل إليه لئلا يعذبها قبل أن يقتلها . اسودت عيناها بثقــــل
مشاعرها , أبرزت هذه القصة البشعة بنية وجهها وضعف جسدها شديد
النحول بعد أن خسرت بعض الوزن .
ـ نادين . . .
ســرعان ما أشاحت بعينيها عنه كارهة رنة الشفقة في صــوته , رافضة
إياها . وقالت بلؤم :
ـ ماذا دهاك ؟ أتفكر ثانية ؟ لماذا لا تذكر هذا لليديا . . ستكون أكثر
من سعيدة إن تخلصت مني بل ستجد متعة عظيمة في قتلـي .
كان الغضب المرير هو ما دفعها للتفوه بهذه الكلمات ولكنها
أحست بتوتر جسده الذي تجاوب مع كلماتها , وقال بعذوبة :
ـ ربما ستفعل هذا . . وإذا كنت تحاولين دفعي إلى أن أفقد
السيطرة على نفسي . .
صمت ثم تمتم بشيء من بين أسنانه في الوقت الذي كشف فيه
ضوء القمر الاحتقار في عينيها . . ثم أصبحت بين ذراعيه , تحس
بالحرارة تتصاعد من جسده كما شعرت بإحدى يديه تتعقب خطوط
عنقها , وبالأخرى تشدها إليه .
حاولت المقاومة , لكن قوته كانت عظيمة . . وتصاعد الذعر في
أعماقها حينما شعرت بيده تجول على ظهرها , لكنه كان خوفاً سرعان
ما أخلى الطريق لمشاعر أخرى .
نسيت كل ما قادهما إلى هذا العناق وكل ما حدث بينهما , وما
جعلها تكون في هذا المكان . .
أرادت أن تدفعه عنها , ولكنها بدت عاجزة , وارتفعت ذراعــاهــا
لتلتفا حول كتفيه . . وتصاعدت آهة حارة من أعماقها وراحت تشده
إليها . . وانحنى رأسه ببطء إليها , فانطلقت في جسدها كله ثورة من
التوتر , وكان أن اشتدت أناملها الظمأى على شعره الأســـود .
ـ سيرجيو !
أجفلهمـا صوت مرتفع حــاد . وكانت ردة فعله أسرع منها . . فتركها
متراجعاً إلى الوراء في اللحظة التي وصلت فيها ليديا إليهما . . ولكن
نادين لم تظن للحظة واحدة أن الإيطالية خدعت . .
قالت ليديا :
ـ قلقنا عليكما . . لقد مضى على خروجكما وقت طويل .
تشدق سيرجيو ببرود :
ـ قلقتم ؟ أم تملككــم الفضول ؟
صاحت ليديا بشراســة , تهجر ضبط النفس فجأة :
ـ كنت تغازل هذه الساقطة الصغيرة !
ـ ما ذلك بجريمة وقد نطلق على ذلك اسم الواجب . ولكنك بكل
تأكيد لا تغارين (( كارا )) ؟
كان يتعمد إغاظة الفتاة , مع أنها لم تفهم السبب , ولا فهمت
كذلك ما الذي دفعه إلى أن يعانقها بتلك الطريقة . شعرت بأنها ما زالت
تحترق بنيران ذاك العناق ولكنها مهما وبخت نفسها الآن لن تتمكن من
إنكــار تجاوبها معه . ولكن لماذا كانت هذه الرغبة من حظ سيرجيو في
وقت تشعر بالبرود تجاه جميع الرجال الذي تعرفت وتتعرف إليهم ؟
كانت في حالة شحن عاطفي قوي وقد فضحتها هذه العاطفة .
وفيما كانت غارقة في أفكارها , لم تشعر بالغضب المطل من عيني
ليديا . ولكنها شعرت أثناء العودة إلى المنزل بذلك حين دفعتها ليديا
متعمدة حتى كادت تقع . . لقد جعلت منها عدوة لدودة خطرة . أما
النظرة التي رمقتها بها عند دخولهم إلى المنزل فكانت تعد بعقاب شديد
لتجرؤها على احتلال مركزها مع سيرجيو .
قالت نادين لنفسها مبارك عليها هذا الرجل . صحيح أنها انجذبت
إليه في البدء , ولكن هذا التجاذب لم يدم بعدما عرفت طينته . راحت
رغبة الانتقام للمرة الثانية تحرق أحشاءها ولكنه انتقام لن يحدث إلا إذا
خططت للعودة من الموت , لتلاحقه . في وقت متأخر من الليل أيقنت
أنها تسير إلى حتفها لا محالة . ولكنها في بعض الأحيان كانت تفكر
بطريقة من لا يتوقع الموت أبداً . نهرت نفسهـــا فعلى المؤمن المشرف
على الموت واجب ديني ألا وهو إعداد النفس له . . ولكن كيف للمــرء
أن يهيئ نفسه ؟ بالصلاة ؟ بطلب المغفرة للأعداء ؟ ولكنها لن تقدر على
هذا أبداً .
كان الفجــر قد أوشك على البزوغ حينما غلبهــا النعاس . . تهدهـــد
نفسها متظاهرة بأنها طفلة صغيرة يحتضنها والدها بين ذراعيه .

http://smiles.al-wed.com/smiles/13/i...17_42994_4.gif
نهاية الفصل (( الرابـــع )) . . .

جمره لم تحترق 05-01-12 09:24 PM

موعدنا غداً بإذن الله
كنت بانزل الفصل الخامس والسادس
بس قلت برضو التشويق حلووووووو :lol:
اتمنى للكــل قراءة ممتعة
تحيتي ومحبــــتي

جمرة لم تحترق
http://www.al-wed.com/pic/8124.gif

Rehana 06-01-12 05:43 PM

يلا ياحلوووة .. بإنتظارك
فيس التشجيع

جمره لم تحترق 06-01-12 06:42 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Rehana (المشاركة 2970158)
يلا ياحلوووة .. بإنتظارك
فيس التشجيع

:hR604426: تسلمـــي يا قمر
على التشجيع :ma1:
نورتي قلـــبي
ودي لك
http://www.al-wed.com/pic/8124.gif

جمره لم تحترق 06-01-12 06:47 PM

5- الجـــرح * *
 
5- الجــــــــــــرح * *
http://www.al-wed.com/pic-vb/17.gif
أصمت نادين أذنيها عن إهانات ليديا الحادة وردعت نفسهـــــا
كالعادة عن الإحساس بالمهانة عندما تراقبها وهي تخلع ملابسها
لتغتسل بالماء الذي تزودها به في طست صغير قائلة في كل مرة
بسخرية :
ـ لم تعتادي على هذا الأمـــر , أليس كذلك ؟
لكن , هذا الصباح أحست في صوتها بغيظ يفوق المعتاد وعرفت
نادين السبب .
عانت ليديا منذ البدء الأمرين لتلمح لـ نادين أنها و سيرجيو
حبيبان . . لكن نادين أحست فيما بعد أن الإيطالية لم تكن واثقة من
سيرجيو كمـــا تدعـــي .
سخرت ليديا منها حين لم ترد عليها : (( إنه تغيير كبير بالنسبة
لك )) .
كانت نادين تعلم أن ردها سيثير ضربة من نوع ما من ليديا , لذلك
تجنبت تشجيعها على ذلك .
ـ أنت الآن لست سيدة مجتمع . . أليس كذلك ؟ لن يرغب فيك أي
معجب إن شاهدك على هذه الحال . هذا إذا كانوا يرغبون فيك , لا في
مــال أبيك !
وقعت كلماتها الأخيــرة على جرح مؤلم , لم يندمل بعد . فقد
كانت تشك دائماً أن الكثير من معارفها لا يتوددون إليها حباً بها بل
طمعاً بوالدها . لذلك ردت لا إرادياً وهي تقصد الهزء بـ ليديا :
ـ ما بالك ؟ أخائفة أن يرغب سيرجيو في مال أبي فيخونك ؟
كانت تعرف أن هذا الإدعاء سخيف ولكنه يستحق مشقة قوله
لرؤية غضب ليديا التي انقضت على نادين , وأظافرها تنهش بشرتها
الناعمة , تصيح بهــــــــــا بشراسة .
ـ لن يجرؤ . . فستقتله المنظمة . . كما أنه لا يرغب فيك . لقد
أخبرني أنه يسلي نفسه بك ليرى ما إذا كنت بارعة في الفراش كما هو
مشهــور عنك .
شدتها من شعرها بشراسة قبل أن تدفعها بقوة كادت ترسلها إلى
الأرض . ولكن نادين ردت بخبث لئيم وهي تقف مستعيدة توازنهــا :
ـ وأنت , ألا تعترضين ؟ أم تراك لا تجرؤين على الاعتراض ؟
عرفت أن سهمها أصاب هدفه حين اسودت عينا ليديا , ولكن قبل
أن ترد ناداها لينو من الأسفــل , فتمتمت ليديا وهي تدفعها إلى الخارج :
ـ حذار , حذار ! وتــذكري أن سيرجيو لــي !
كانت نادين تسير بين أغراس الكرمة المغبرة , تشعر بلينو يراقبها
من ورائها وكانت نظراته التي لا تلين قد بدأت تفقدها أعصابها . . لم
يكن قد تحرك ليلمسها , ولكنها تعرف أنه يرغب فيها . تعرف وتخــاف
من هذه المعرفة فهي تشعر بأنه خطير ككلب مسعور . . وكانت بشرتها
تقشعر كلما شعرت بعينيه على جســـدها .
وقت الغداء أحــست بالحرارة والتعب من الانحناء على غرسات
العنب , لذا عندما قال لها لينو إن باستطاعتها التوقف عن العمل تنفست
الصــــعداء .
قال لها لينو وهمــا يقصدان المنزل :
ـ عندما يدفع لنا والدك المــال , قد أشتري مزرعة كهذه وسأتخــذ
لــنفسي زوجة ممتلئة .
كانت تعرف أنه يضايقها بكلامه , ولكنها لم تستطع أن تكبح رداً
ســـــاخراً :
ـ ظننت أن المــال عائد إلى القضية . .
لم تكن تشعر بأن ليديا تتعقبهمــا إلا بعدما ردت بشراسة :
ـ قضيتنا هي تنظيف العالم من الأثرياء الطفيليين أمــثــالك
والمشاركة بثرواتهم !
في الوادي قرب النهر لفتت حركة مفاجئة نــظر نادين فوقفت تصغي
إلى ليديا , وتراقب سيرجيو وهو يخرج من الماء حيث كانت بشرته
تلمع تحت الشمس . كان يدير ظهره لهم ولكن نادين شعرت بأنفاسها
تنحبس في حلقها وراقبته وهو يسير نحو سيارته . كان رشيقاً كنمر في
غابة , بشرته براقة كقماش من الساتان البني . ويبدو أنها أصدرت صوتاً
صغيراً فضحهــا , فقد خطت ليديا فجأة أمامها , والكراهية الفجة في
عينيها , وقالت من بين أنفاسها :
ـ أنت تريدينه . أرى هذا في عينيك . . لكنـــــــه لـي !
التفتت إلى لينو :
ـ أترى , إنها ترغب فيه كــالــساقطات !
كانت كلماتها اللاذعة أكثر مما تستطيع نادين أن تتحمــل . وإذا بردة
فعلها تجعلها تتحرك بشــكل غير طبيعي , فخطت إلى الأمـــام , ترفع
يدهـــــا . . . أمسك لينو بيدها , وجذب ذراعها بشكـــل مؤلم خلف ظهرها
مبتسماً الابتسامة المثيرة الشهوانية التي طالما أوقفت شعر رأس نادين
بخوف بدائــي .
استطاعت أن تفلت منه صــــائحة :
ـ دعنـــي !
أعطاها الخوف القدرة على التحرر منه ولكن خوفها ظل يطــاردها
طول الطريق بسبب الطريقة التي كان الرجل والمرأة ينظران إليها .
وقت الغداء توقعت نادين أن تقول ليديا بعض الملاحظات بــشــأن ما
حــدث ولكنها لم تقل شيئاً , بل راحت تتحدث إلى لينو و بيدرو أكثر مما
تحدثت إلى سيرجيو . فتساءلت نادين عما إذا كانت تحاول إثارة
غيرته . . ولكن , لم يكن في تصرفاته ما يدل على أنهما حبيبان . . مع
أن نادين شكت أنهما ربما كانا حبيبين في وقت ما , وأن ليديا
تحاول يائسة تجديد علاقتهما الحميمة .
بعدما زار الشرطة المزرعة سمح لـ نادين بمزيد من الحرية , فمن
غير المحتمل أن يعود رجال الشرطة ولم يعد في الحراسة المسلحة
سوى شخص واحد . وقد قيل لها إن الحارس سيطلق النار عليها فيما
لو حاولت الفرار . ومع أنها تعلم أن مقتلها هو النتيجة الحتمية , إلا أنها
لم تستطع دفع نفسها إلى المحاولة التي تعلم أنها ستضع حداً لحياتها .
بعد الغداء أعلن سيرجيو عن حاجته للذهاب إلى البلدة . ولاحظت
نادين أنه الوحيد الذي يتصل بروما وبوالدها , ولكنها كانت تشعر
بكراهية الآخرين لهذا التدبير ومع ذلك لم يتساءل أي منهم عن حقه في
هذا . كان يحكمهم بتأثير الخوف , وهذا سلاح حقير , ولكنه ســــــلاح
قـــوي .
كان قد مضى على خروج سيرجيو ربع ساعة عندما أنهت نادين
تنظيف المائدة . في هذا الوقت أعلنت ليديا أن سيرجيو أعطاها
تعليمات بأن تحرسها أثناء الاستحمام . وكان رد فعل نادين الاحتجاج .
ـ لــم يخبرنــي .
ولكن ليديا شخرت وقالت :
ـ ولمَ يخبرك ؟ لا يحق لك أن تناقشــي أوامره , كما أنك ستوفرين
على بيدرو حمـــــــل الماء .
اعترفت نادين بأنها ترحب بهذه الفرصة التي ستخولها الارتماس
في الماء . فالغسل البسيط الذي كانت تقوم به في طست الماء الصغير
كان أفضل من لا شيء ولكنه لم يكن يفي حاجتها إلى الاغتســال .
كانت المياه منعشة كما تصورت وكانت قد نسيت ما يشعر به
المرء عندما يكون نظيفاً فعلاً . وما أشد ما كانت سعادتها غامرة عندما
وقفت المياه تغمرها حتى الصدر . زودتها ليديا بالصابون وببعض
الشامبو لتغسل شعرها , الذي مازال متلبداً منذ القصة الإجبارية .
حين تخطت المياه باتجاه ليديا , لم تكن ليديا موجودة . وهذا أمر
غريب فليست الإيطالية على هذه الدرجة من الإهمال ولكن نادين كانت
مسرورة لأنها وجدت نفسها بعيداً عن وجود تلك المرأة الكريهة . كانت
تجفف نفسها حين برز شخص من بين ظلال الزيتون , فشدت منشفتها
إلى جسمها تحميه . . وشاهدت لينو يتحرك إليها ببطء .
كان أول ما فكرت فيها هو الفرار ولكن الخوف سمرها في مكانها
فراته يبتسم ويمد يده إلى المنشفة مهدداً :
ـ لا تزعجي نفسك بالصراخ , فلن تسمعك ليديا أو بيدرو . ما كان
يجب أن تضعي عينيك على سيرجيو , لأن ذلك لا يعجب ليديا .
إذن , لقد تعمدت تلك المرأة جرهـــا إلى هذا الفخ . وكانت تعلم أن
لينو سيجدهـــــــا .
ارتعشت ارتعاشة عنيفة وارتدت على عقبيها تتأوه ولكنها لم تكن
سريعة كفاية فأمسكها لينو بأقل جهد , وبدأ يتلاعب بها كما يتلاعب
القط بالفأر وطفقت يداه تشدان خصرها , وانحنى إليهــــا .
فكرت في أنها ستموت إن عانقها , فلن تطيق ذلك , كانت يداه
تمسكان بالمنشفة , فجعلها الخوف والذعر تقاتل كحيوان مذعور ,
وأخذت أظافرها تغرز عميقاً في بشرته . فاجأته ردة فعلها العنيفة التي
دفعته مكرهاً إلى تركها جزئياً ولكنها شاهدت يده الطليقة تمتد إلى
حزامه . ماذا يعني بحركته ؟ لم تفهم ما يفعل إلا عندما شاهدت بريق
سكين في يده .
سرعان ما تقوقعت على نفسها , كانت عيناها مشمئزتين ومسمرتين
في آن واحد . وأحست بالخوف يعضها عضات هائلة تكاد تمزق
صدرها وتشل فكرها وحركتها . تحرك لينو إليها كالمنوم مغناطيسياً
وكان تركيزها منصباً على النصل الرفيع اللامع الحاقد .
ضحك لينو ضحكة عميقة متمتعاً بخوفها , متلاعباً بها . ارتدت
تستعد للعدو ولكن ما إن تحرك حتى أمسك بها . .
ـ لينو !
مزق الأمر الجاف الأجش الصمت , فالتفتت نادين بحدة بحثاً عن
صاحبه فرأت سيرجيو يركض إليها والغضب يستعر في وجهه .
أعطى وصوله نادين الشجاعة فقاتلت لينو وتحررت من قبضته ,
ولكنهـا أساءت الحكم على ردة فعله , فظهور سيرجيو المفاجئ ,
جعله يتمتم بوحشية من بين أنفاسه ثم أنزل السكين التي قطعت المنشفة
من الأمام تاركة خيطاً رفيعاً أحمــر راح يتسع وينتشر وسط نظراته . أما
آخــر ما سمعته فكان صوت سيرجيو الذي صاح بحدة :
ـ بيدرو . . أبعده عن نظري وإلا لن أكون مسؤولاً عما أفعله به !
حين استردت وعيها , كانت مستلقية في اللاندروفر مع شخص . .
إنه سيرجيو , في مقعد السائق وهو يتشاجر مع ليديا , التي كان صوتها
حـــاداً غاضباً :
ـ لماذا تصطحبها إلى البلدة ؟ إنه مجرد خـــدش !
ـ إنه أكثر من خدش ليديا . . ولا نريد أن تموت من التسمم بسبب
الالتهاب . والآن أسأل ماذا كانت تفعل بمفردها مع لينو أصلاً ؟ لقد
أعطيتك تعليمات صارمة . . .
ردت تقاطعه بنعومة :
ـ ربما كان يجب أن تعطي هذه التعليمات لها (( كارا )) عزيزي لا
لــي . . دعني أهتم بجرحها . . ماذا إن حاولت الفرار وهي في البلدة ؟ .
رد بثقة باردة هادئة جعلت نادين تقشعر :
ـ لن تفعل . . ويجب أن يعاين الطبيب الجرح . . قد يحتاج إلى
قطب كما أننا لن تستفيد منها ميتة . والدها يطالب بدليل على أنها ما
تزال على قديد الحياة وهو لن يرسل لنا المال إلا إن حصل على هذا
الــــدليل .
تمتم بيدرو :
ـ لم تقل شيئاً عن هذا من قبل ؟ قلت لنا إن كل شيء يسير حسب
الخطة .
ـ وهذا صحيح . . ولكنك لست عديم الخبرة في هذه الأمور لتعلم
أن رجل أعمال ماكراً لن يدفع إلا إن حصل على الدليل الذي يؤكد أن
ابنته بعافية .
ـ وكيف توفر الدليل له ؟
ـ نجعلها تقرأ فقرة من جريدة الصباح .
ـ وبعدها يرسل المال ؟ ألهذا طلبت أن نتركها على قيد الحياة ؟
أصر سيرجيو على المحافظة على حياتها . أيعني هذا أن الآخرين
كانوا يضغطون عليه لقتلها ؟ ضغطت على وجهها المحترق إلى المقعد
القاسي . وحاولت ألا تظهر لهم أنها استردت وعيها .
ـ بدا لي ذلك هو الشيء المعقول المنطقي وقد أكدت لي روما
أنكم خبيرون في هذه الأمور . . ولكنني وجدتكم مهملين وكأنكم
أطفال غير مجربين . يجب أن أرفع بكم تقريراً لدى انتهاء هذه
المهمة . . لقد تجاهل لينو تعليماتي قبل هذه المرة .
عرفت نادين حتى بدون أن تنظر إليهم أن ليديا و بيدرو مرعوبان من
كلامه , فتعجبت من قدرة سيرجيو في السيطرة على الموقف وعلى
أفراد العصابة . كان يديرهم كما يدير الدمى . شعرت بأن شهوة الانتقام
التي ساعدتها ومنعتها من الانهيار تتلاشى منها لأنها وجدت نفسها
عاجزة عن الانتقام من رجل حصن نفسه من كل ما قد يوجهه إليه
القدر . ولكن , لكل رجل نقطة ضعف , غير أن حدساً ما أنبأها بأن
المرء قد يقضي عمره كله في البحث عن نقطة ضعف سيرجيو ولا
يجدهــــــا .
منتديات ليلاس
حين شغل سيرجيو محرك اللاندروفر القديم , أرسل الارتجاج
ألماً في جرح نادين وكان أن فقدت الوعي ثانية . ولم تسترد وعيها إلا
بعدما تجاوزوا الطريق الترابية . فأوقف سيرجيو السيارة ونظر إليها :
ـ كيف تشعرين ؟
لم تكن يدها تبرح المنشفة الملتفة حول جسمها فعبس وكــأنه
يعرف هذا للمرة الأولى . خلع قميصه بسرعة :
ـ هاك من الأفضل أن ترتدي هذا .
ثم استدار إلى الخلف وأخرج جينز نظيفاً مطوياً أعطاها إياه .
ـ وهذا أيضاً ربما هذه الملابس كبيرة ولكنها أفضل من لا شيء .
أمسكت بالقميص والسروال ونظرت إليه بجمود فسألها :
ـ ما الأمر الآن . ألن ترتديها لأنها لــي ؟ أتفضلين البقاء عارية . .
صحيح ؟
ـ كنت . . أتساءل إن كان بإمكانك إشاحة وجهك بعيداً .
دهشت من سرعة استدارته أما هي فتعثرت الأزرار بين يديها
وتدفق الدم ببطء من جرحها , قال ببرود :
ـ تدركين ما كان سيحدث لولا عودتي التي كان سببها ثقب في
الإطــــار . . أليس كذلك ؟
وجدت الشجاعة لترد : (( أجــــــــل كان سيغتصبني لينو )) .
ـ يغتصبك ؟ لم تكن هذه هي القصة التي سمعتها من ليديا . ألست
من طلب ما حدث لك ؟
ـ هـــــذا غير صحيح !
ـ لا ؟ وهـــل ستدعين جهلك برغبته الشديدة بك ؟
ـ بل أعرف ذلك ولا أجهلـــه .
كانت كلماتها الهادئة أكثر من همس بقليل . . ولكنها لن تخبره
عن خدعة ليديا , فليظن بها ما يشاء لأنها لا تكترث أو تعبأ .
ـ تعرفين ومع ذلك عرضت نفسك أمامه بتلك الطريقة ؟
جعلتها لهجته الحادة القاسية تنتفض ذهولاً . . وأردف يســأل
بغـــضب :
ـ ومن خلته ؟ أحد زملائك في المجتمع الراقي ؟ حسناً . . سأظهر
لك من هو . إن تسمية لينو بالحيوان لظلم وإجحاف بحق مملكة
الحيوانات . إنه أحد الساديين . أعرف أن بعض النساء يجدن هذا النوع
من الرجال مثيراً . . حسناً . . أنت لست منهن ولكنك ذات تجربة
تجعلك تعرفين أمثاله وتعرفين أن عليك ألا تشجعيه .
أشجعه ! تدفقت الدموع التي لم تستطع منعها :
ـ لم أشجعه !
ـ لا ؟ ليس هذا ما سمعته . تعرفين خير معرفة التأثير الذي يتركه
مظهرك . إن الرجل الذي لا يتأثر عندما يراك هو رجل قد قُد من حجر ,
ورغم معرفتك وخبرتك عرضت نفسك بتباهٍ .
ـ عرضت نفسي بتباه ؟
نسيت ألمها وجلست تتابع :
ـ كنت أستحم في النهر , وفي ظني أن ليديا تحرسني على الضفة .
ولكن ماذا عنك ؟ هل يختلف الأمر حين تكون مكاني ؟
ذكرها بريق التسلية في عينيه بالليلة التي التقيا فيها للمرة الأولى .
وقال بنعومة :
ـ هكذا إذن . . رأيتني هذا الصباح . . أقول رداً على سؤالك ,
ودفاعاً عن نفسي أن ما من امرأة استطاعت حتى الآن اغتصاب رجل .
وإن حدث ذلك فاعلمي أننا حصلنا على مساواة كاملة بين الجنسين .
ولكن حتى يحدث هذا , سنضطر ببساطة إلى تقبل الوضع الراهن ,
الذي يقول إن الأمرين مختلفان كل الاختلاف .
كادت نادين توشك أن تقول له إن أحد أهداف منظمتهم هو فرض
المساواة الكاملة . ولكنها تذكرت أن سيرجيو لا يقضي الوقت في ذكر
وصايا منظمتهم , فنادراً ما كان سيرجيو يذكر سياستها أو يحاول توجيه
التعاليم لها كما يفعلون . بل هو في الواقع في واد وزملاؤه في وادٍ آخر .
جعلتها حفرة مفاجئة في الطريق تقفز من مكانها وتلتصق به
وعادوها الألم مجدداً . . وتسللت الفكرة من رأسها , وهي تحـــاول
التركيز على ما تبقى من وعيهـــا .

http://smiles.al-wed.com/smiles/13/i...17_42994_4.gif
نـهاية الفصل (( الخامس )) . . .


جمره لم تحترق 06-01-12 06:53 PM

6- ســـراب الحرية * *
 
6- ســـراب الحـرية * *
http://www.al-wed.com/pic-vb/17.gif
ظــل الدم ينزف ببطء طـوال الطريق إلى البلدة الصغيرة . . كان
سيرجيو يقود السيارة بسرعة وحذر وفيما كانا يمران بالطريق الساحلي
أمام الفيلا , تذكرت نادين تلك المناسبة والمشاعر المعذبة التي
خبرتها .
الآن ماتت تلك المشاعر الرقيقة كلها . فكرت مرتين أو ثلاث
مرات , في رمي نفسها من السيارة , ولكن الدم الذي نزفته أوهن
عزيمتها هذا دون ذكر ضغط أصابع سيرجيو التي اشتدت على
ذراعها . . أصبحت مقدمة قميصه الذي ترتديه مشبعة بالدماء ولكنهما
كانا قد وصلا إلى القرية الصغيرة المغبرة الطريق , المثالية في إيطاليتها
بشوارعها الضيقة , ومبانيها الطويلة , المليئة بالغسيل المنشور ,
وبالجدات الجالسات خارجاً وهن يراقبن الأطفال , بدون أن يزعجهن
صوت الســيارة .
منتديات ليلاس
غاص قلب نادين عندما دخلا إلى ما بدا لها أفقــر حي في البلدة ,
وتوقف سيرجيو خارج مبنى متداع طلاؤه . وقال لها :
ـ الطبيب روسيني كان أبرع جراح , ولكنه لسوء الحظ أدمن على
الكحول . سأخبره بأنك زوجتي وبأن جرحك حدث جراء خلاف
عائلي . ما زالت إيطاليا مجتمعاً يسيطر فيه الرجل , وعليه سيُعتبر ما
تقولينه هستيريا نسائية بحتة . أما الآن فيستحسن أن ترتدي هذا .
أعطاها سترة خفيفة الوزن , لونها كلون عينيه . حينما رآهـــا تكافح
من أجل الوقوف ساعدها على ارتداء السترة وعاملها وكأنها طفلة
صغيرة . . كانت باردة أكثر مما تحس , لذا رحبت بدفء السترة ,
خاصة عندما اكتشفت أن ما قاله لها عن الطبيب صحيح .
تعمد الإسراع بها أمام امرأة منتظرة , وشدها إليه بحيث شعرت
بالمسدس الذي يخفيه تحت سترته , وقاطع الطبيب الذي كان يتحدث
مع أحد مرضاه . أمام إصرار سيرجيو , أُدخلا إلى غرفة فحص رثة ,
وطلب من نادين نزع قميصها .
نظرت إلى سيرجيو نظرة ممعنة , فأدار ظهره أما الطبيب فــــراح
يعاين الجرح بدقة عجيبة .
ـ همم . . إنه جرح نظيف , وهو غير عميق . ســـأعطيك بعض
المراهم وبعض الأقـــراص .
كتب الوصفة وأعطاها لـ سيرجيو ثم قال لـ نادين بمرح :
ـ في المرة القادمة , كونـي ألطف معه . هه ؟
توقعت من سيرجيو أن يعود بها مباشرة إلى المزرعة ولكنه ويا
للدهشــة , أوقف اللاندروفر خارج فندق صغير , وأمسك بذراعها وقادها
إلى الخارج قائلاً :
ـ سنبيت ليلتنــا هنا . وفي هذه الأثناء سنسجل الشريط لوالدك أما
غداً صباحاً فــأعود بك إلى الطبيب ليعاين جرحك .
ســألته بمرارة :
ـ ألا تخاف أن أفر منك ؟ خــاصة وأنه ليس هناك أحد يحرسنــي
سواك ؟
ـ وكيف يمكنك الفرار ؟ وليس معك مال أو جواز سفر . . إلى أين
ستذهبين ؟ إلى الشــرطة ؟
ضحك , فأغاظتهــا برودته . وأكمــل : (( لا أظن هذا )) .
ربت على سترته بطريقة تكشف ما يخفيه ثم دخلا إلى الفندق وهو
ما يزال ممسكاً بذراعها . تقدم من الاستعلامات وسمعته يحجز غرفة
بسريرين وظلت هي جامدة وتفكيرها يدور في دوائر مرهقة مذعورة
سعياً إلى وسيلة لقلب الموقف لصالحها . . وسمعته يدون اسمها ثم
يسجل اسمها على أنها زوجته . نظرت إليه بسخط , تهمس بقسوة وهو
يوجههــا إلى الــدرج :
ـ لن أشاركك غرفة . . أكرهك !
رد بصوت ملؤه الملل ونفاذ الصبر :
ـ لا تكوني ساذجة . . وإياك أن تظنيني لينو !
امتقع وجهها بشدة وهو يحدجها بنظرة من رأسها إلى أخمص
قدميها . هي ما تزال ترتدي قميصه , وبنطلون الجينز , وكان شعرها
نظيفاً ولكنه يحيط بوجهها كيفما كان . ردت بغضب :
ـ لا . . أعتقد أنك تفضل ليديا !
ارتفع حـاجباه : (( صحيح ؟ لماذا ؟ )) .
تلعثمت برهة من الزمن ثم انطلقت تهمهم بكــلمات غير مفهومة .
ـ حسناً . . إنها . . إنها امرأتك . . أليست كذلك ؟
نظر إليهـــا وما أدهشها أنه توقف .
ـ أهذا صحيح ؟
عاد بها إلى البهو ومنه إلى الخارج . . هناك وتحت أشعة الشمس
القوية غشي بصرها , فتعثرت , فالتفت أناملها تتمسك بساعده . .
ولكنها شعرت بأنها تمسك حديداً لا يلين ولا يلتوي أبداً .
ـ أين سنذهــب ؟
حسبته غير رأيه , وقرر عدم المخاطرة بالبقاء في البلدة تلك
الليلة , ولكنه لم يرد عليها , واضطرت أن تزيد سرعتها لتلحق بخطواته
الواسعة , كانت قبضة أصــابعه حول ذراعها كالكماشة .
تجاوز مكان اللاندروفر , ودخل بها إلى جزء من البلدة لم تره من
قبل . . هي لم تزر بلدة مونتي فينو قط أثناء رحلتها إلى الفيلا لأنها تقع
في قلب البلاد وطالما فكرت أنها لا تستحق الزيارة . . ولكنها أدركت
الآن أن (( البيازا )) أي الساحل بكنيستها القديمة ومبانيها التي تعود
للعصور الوسطى كانت تستحق نظرة عن كثب . ولكن سيرجيو لم
يتوقف ليتأمل هندستها , بل توجه رأساً إلى محلات صغيرة تقع في
رواق مسقوف معتم , وتوقف خراج أحد المحلات .
كان في الواجهة فستان من الكتان البسيط , تفصيلته مذهلة وثمنه
معقول . ويا للدهشة , أدخلها إلى المحل , وتكلم مع الفتاة التي أتت
تخدمها وهي تتحدث الإنجليزية , وسمعته يقول إنهما سائحان جاءا إلى
البلدة صدفــة .
قال يشرح للفتاة :
ـ وقع لزوجتي حادثة وهي بحاجة إلى أن تبدل بلوزتها بأخرى .
راقبت نادين بصمت وذهول عدة ملابس تُعرض أمام سيرجيو ,
واعترفت مرغمة بأن ذوقه رفيع فقد اختار لها بلوزتين من الكتان
إحداهما زمردية اللون والأخرى بنفسجية وكلتاهما تناسبان لون
بشرتها .
قالت الفتاة وهي تخرج تنورة بنفسجية :
ـ هاك تنورة تناسب هذه البلوزة .
ـ سنأخذها .
وأخرج حفنة سمكية من أوراق اللير الإيطالي مبتسماً تلك
الابتسامة التي أسرت قلب نادين مرة .
فيمــــا كـــانت الفتاة تحضــــــر الفاتورة تحركت نادين إليهـــــا . لــــكن
سيرجيو أحـس بما ستقدم عليه فأمسك ذراعها وبرقت عيناه تحذرانها .
ثم خرجا إلى الرصيف الحــار وكان أن ولت اللحظــة المناسبة , وولى
معها شعاع أمــل آخـر .
تمت عودتهما إلى الفندق بسرعة وكفاءة . . وفي غرفتها أخرج
سيرجيو صحيفة , وآلة التسجيل الصغيرة التي استخدمها من قبل . .
وقال يأمر نادين بخشونة بعدما أعطاها الصحيفة :
ـ اقرئـــي .
أرادت الرفض ولكن عدم فائدة الرفض طغى عليها بموجات كئيبة
ساخطة . . فأخذت تقرأ لمدة عشر دقائق قبل أن يوقفها سيرجيو ,
ويعيد الاستماع إلى الشريط , ثم ينتزعه من الآلة , ليضعه في مغلف :
ـ عظيم , قد يشجع هذا والدك على الإسراع . يكــاد ينفذ صبر
الآخــرين .
ردت ساخرة :
ـ في حين أن شيئاً لا يهز صلابة صبرك . . يدهشني أنك لم تطلب
بضع صرخات ألم ورعب للزيادة في التأثير .
أدهشها ظهور خطوط خفيفة من الاحمرار على وجهه . إذن فهو
يملك نقطة ضعف . فتحت فمها لتدق أكثر على النقطة الحساسة لديه
ولكنه رماها بالبلوزة والتنورة , مشيراً إلى حمام صغير .
ـ حينما تجهزي ناديني لأضع المرهم الذي وصفه الطبيب .
نظرت إليه نادين , وحرارة غريبة تطغى على بشرتها . . . كان
الجرح تحت الصدر مباشرة وهو يمتد في لحمها الطري حتى البطن . .
في داخلها ما ارتجف للتفكير بيدي سيرجيو وهما تلمسان بشرتها . .
فقالت متوترة :
ـ ســـأفعل هذا بنفسي .
ولكن حاجبيه ارتفعا بسخرية وازدراء وقال بصوت حاد خبيث :
ـ بالطبع تستطيعين هذا . ولكن هل ستدهنين الجرح فعلاً ؟ لا
أستبعد أن تتناسي لتقعي مريضة ويتم لك بذلك مراوغتنا , والهرب .
لم تستطع نادين الإنكار بأن الفكرة خطرت ببالها , و فضحتها
عيناها . فلو تركت نفسها تمرض وتموت , وطلب والدها برهاناً آخر
على أنها حية لحال موتها دون حصولهم على المال , على الأقــل ,
وأكــــــمل :
ـ هكذا , وبما أنني لا أثق بك , ســـأتأكد من إتمام المهمة بنفسي .
كانت قد دخلت إلى الحمام حين أضـــاف :
ـ ارتدي البلوزة والتنورة البنفسجيتين . . فأنا أذكر أن ساقيك
جذابتان هذا عدا أشياء أخرى مغرية وجذابة .
قررت نادين تجاهل طلبه وارتداء الملابس التي خلعتها ولكن
عندما خرجت من نعيم الدوش الدافئ والتقطت قميصه و وجدت أنه
يحمل بالإضافة إلى تلطخه بالدم , رائحة رجولته التي ما تزال تعشش
في القماش . فرمته عنها بسرعة , ونظرت إلى البلوزة البنفسجية التي
كانت تلتف حول الجسم والتي لها ياقة واسعة , وأرداف ضيقة . . كان
الجرح ظاهراً بفظاظة على بشرتها السمراء بفعل الشمس وكانت أطراف
شعرها المبلل المجزور , تنسدل بنعومة على وجهها فتزيد من استدارة
وجهها البيضاوي .
عندما خرجت إلى غرفة النوم و كانت ترتجف بفعل شعور صعُب
عليها تفسيره . كان سيرجيو مستلقياً على أحد السريرين , يقرأ
الصحيفة . فسارع للوقوف حين دخلت وراحت عيناه تتأملانها في هذه
الملابس ثم قال :
ـ إنها تليق بك . إنما أظن أننا بغنى عنهما ما دام علي الاعتناء
بالجــــــرح .
مــد يــده بحــــزم إلى رباطــــات البلوزة , يحلهــــا قبــــل أن تتمـــكن من
منعه . . واحترق وجهها بحرارة الدم المتصاعد , وتراجعت إلى الوراء .
تجاهل سيرجيو الحركة و وأمسك كتفها ليوقفها في مكانها ثم راح
يدهن المـــرهم فوق الجرح المؤلم . . هذه الأصــــــابع , التي لم تفعل حتى
الآن سوى معاقبتها , كانت تريحها بشكل غريب , تنشر المرهم
الملطف على بشرتها الحارة . . وشعرت باسترخاء غريب .
ـ نادين ؟
التقطت الحدة في لفظ اسمهـا , ولكن الغرفة بدأت تميــد بها بشكــــــل
غريب . . أصابع سيرجيو وعيناه السوداوان القلقتان هما الحقيقة
الوحيدة التي تحس بها . . ثم احتجب كل شيء , سيرجيو والجرح
والغرفة , فقد هاجمتها دوامة من الدوار وانفتحت أمامها بحيرة سوداء
وكان أن تعثرت وراحت تغرق و تغوص ثم تعاود الطوفان بلذة فوق
شيء دافــئ . . وآمن .
كان أول ما وعته نادين حين فتحت عينيها غرابة ما يحيط بها . .
رفرفت عينيها أمام أشعة الشمس القوية , المتدفقة من النافذة ونظرت
ببطء حول الغرفة . . لا شك في أن كابوس اختطافها لم يكن سوى
كابوس ولكنه كان واقعياً جداً . . عبست لدى سماعها خرير المياه في
الحمام , ثم وقع نظرها على البلوزة والتنورة اللتين كانت ترتديهما
الليلة السابقة , وسرعان ما فهمت ما حدث . . لا تذكر أنها خــلعت
ملابسهــا . . وهذا يعني . .
ـ عظيم . . لقد استيقظت .
تسمرت لأنها تعرف أنها شبه عارية تحت الغطاء وصاحت عن غير
تفكـــير :
ـ هل نزعــت ملابسي ؟
رد ساخراً :
ـ لقد أغمي عليك , وبدا لي من المؤسف أن تفسد ثيابك الرائعة .
وهي ليست المرة الأولى وأشك في أن تكون الأخيرة . . مع أن نسائي لا
يغمى عليهن بين ذراعــي .
جعلتها ضحكته ومعرفتها بأنها أسيرته تشعر بالغضب الشديد .
فردت ببرود متقــــزز :
ـ أنا لست إحدى نسائك , وأعترض أن تصفني وكأننــي إحداهن .
تجهم وجه سيرجيو , وضاقت عيناه وهو يدفع كتفيه عن الباب ,
ويتقدم ببطء إلى السرير . . حاولت نادين إبعاد عينيها عن رشاقته
ووســــامته .
وقف قرب الـسرير ولما رأت الغضب البارد في عينيه ذعــرت :
ـ إذن أنت تعترفين ؟ لماذا . . عجباً ؟ لأنك لا تستطيعين التحكم بي
كما تتحكمين بالآخرين ؟ أم أن السبب أنني انتزعت الاستجــــابة التي لم
يستطيعوا انتزاعها منك ؟
ـ أنت لم تنتزع منــي شيئاً !
خرجت كلمات الإنكار منها لا إرادياً , ولكنها شهقت عندمــــــا
شعرت بالسرير يتقلص تحت ثقله من جراء تثبيته ذراعيها على جانبي
السرير , قال لها وهو يتأمل وجهها المتورد : (( لا ؟ )) .
كانت سخريته وعدم تصديقه تطغيان على كلماته الهامسـة . .
انتفضت نادين حين انحى فوقها . وأدارت رأسها بجنون من جانب إلى
آخــر لتتخلص من عناقه الذي يريد منه أن يثبت كذبتها . ولكنها في
الواقع كانت تقاوم المشاعر التي صدمتها .
ـ توقفــي عن تمثيل دور العــذراء !
كانت الكلمات ساخرة أكثر منها غاضبة .
استجابت رغماً عنها لعناقه ولم تستطع فعل شــيء حيال الأمـــر . هذا
هو الثمن الذي ستدفعه بسبب افتقارها إلى التجربة . . المرأة التي تملك
تجربة سابقة لا تكون عرضة للخطر من مجرد لمسة صغيرة , كمـــــــا
يحصل لها مع سيرجيو .
ـ أنت ترتجفين .
لأننـي أكــرهك كثيراً . أكرهك وأحتقرك !
ـ صحيح ؟
طغت التسلية على الغضب اللامع في عينيه , ولكن لم يكن لدى
نادين سوى لحظة واحدة لتتساءل عن سبب غضبه , كانت يداه
القاسيتان تمسكان برأسها بحيث أصبحت غير قادرة على الحراك
تأوهت من أعماق حنجرتها محتجة , تحاول دفعه عنها , ولكنه كان
أقوى منها . وأحست رغماً عنها بالاستجابة له في أعماقها .
فانسل اسمه من بين شفتيها برجاء , رجاء استغاثة ولكن لمــا
تصلب جسمه وتركهــا ببطء هز رفضه كيانها كله .
ـ الأفضــل أن ترتدي ثيابك . . يجب أن نعود إلى المزرعة .
كانت كلماته باردة وإشاحة وجهه عنها ضربة مؤلمة لها . أرادت
أن تغضـــــب وتصيــــــح . . أن . . أن مـــاذا ؟ وتعالـى الغثيان إلى رأس
معدتها . . أي نوع من النساء هي ؟ وهي التي تباهت دائماً بقدرتها على
كبح مشاعرها وعلى رفض مشاعر الإثارة الرخيصة . . ومع ذلك , هي
هي , تعاني من أسوأ أنــواع الألم والإحـــباط مع رجــل تكرهه وتحتقره . .
ما لذي يحدث لهــــا ؟ لقد قـــرأت قصصــاً عـن العلاقـة المثيرة التي تتطــور
بين الخاطـــف والمخطـوف . . وربما هي الآن تعاني منها . . مع ذلك فهي
تكرهه . . ويجب أن تحتقــر نفسها لهــذا . . كانت مشاعرهـــــا الجياشــة
محبطة لأنه أعطاها ظهره ووقف يلتقط قميصه , ويرتديه .
ـ هاك . . خذي هذا وارتدي ملابسك .
استدارت في الــوقت المـناسب لتلتقط الثياب التي رمـــاها لهــا وكـــان
وجهها قرمزياً من الخجل . أمسكت البلوزة وســارعــت إلى الحمام ,
حالما أدار ظهـــــره لها .
عندمــــا خرجت من الحمـــام , وجدت الفطــور في الغرفــة . . كانت
القهوة لذيذة بالنسبة للطعام الذي يتناولانه في المزرعة , فشربت عدة
فناجين قبل أن تدرك بأن سيرجيو أنهى فطوره وهو ينتظرهــا . أرادت لا
إرادياً إطالة الوقت معه لأنها ارتجفت لمجرد التفكير في المزرعة وما
ينتظرهــا فيها .
ـ تعالي . . يجب أن يعاينك الطبيب , وأنا أريد إرســـال الشريط إلى
أبيك . لقد نفذ حتى الآن كل ما طلبناه منه . . وأتمنى أن يستمر في هذا
من أجـــل سلامتك .
منتديات ليلاس
نظر الطبيب إلى الجــــرح باستغراب , وقال لـ سيرجيو إنه يتماثل
للشفاء بشكــل سريع . كان سيرجيو قد أصر على مرافقتها إلى عيادة
الطبيب , قائلاً إن الطبيب لن يستغرب الأمــر فالرجــال الإيطــاليون
يكرهون ترك نسائهم مع الرجال , وسيفهم الطبيب لماذا لا أريد أن
يكون وحده مع زوجتـــي الجميلة .
آلمتها هذه الملاحظــة كثيراً كانت تعلم أنها تبدو غير جميلة بشعــرها
المشعث وبوجههـا الخالي من الزينة , لذا لا داعي إلى أن يذر الملح
على الجـــرح .
حين غادرا عيادة الطبيب اقتادها نحو ساحة (( البييزا )) حيث اشترى
لها ملابس أخرى . راقبته نادين وأفكارها تتقاذفها بسبب الأحداث التي
أوصلته إلى وضعه الحالي . من الواضح أنه مثقف وذكي وقوي وقدرته
على السيطرة على العصابة دليل واضح على قوته وذكائه , وهذا بحد
ذاته ليس مهمة سهلة . إن رجلاً يملك صفة القيادة قادر على القيام
بأعمــال شرعية ناجحة . فلماذا اختار العيش خرجاً عن القانون ؟ أهو
تحدي الحياة والرغبة في العيش قرب الخطر ؟ أم أن المال هو ما يروق
له ؟ الجواب أمر قد يستحيل عليها معرفته . . أحست أنه يجرها إلى
مبنى صغير عرفت أنه مكتب البريد .
راقبته وهو يرسل الشريط إلى والدهــا , وامتلأت نفسهـــا بإحســاس
غامر من الحنين إلى بيتها ووطنهـــا . فترقرقت الدموع في عينيها ولم
تحاول منعها فانسلت قطرات منها على وجههــا .
ـ هـــاك .
تناولت المنديل منه لتجفف عينيها , في هذه الأثناء رأت شرطيين
يدخلان إلى البناء . كان سيرجيو قد تركها لتجفف دموعها فبدأت بتهور
تعدو إلى الأمام وآمالها منصبة على الوصول إلى الشرطيين .
كانت تسبق سيرجيو ببضع ثوان فظنت أن هذه الثواني كافية ولأنها
صغيرة الجسم اعتقدت أنها قادرة على التسلل بين الحاضرين , وهذا ما
لا يستطيعه . لكن , ما إن وصلت إلى الهدف حتى أحست بيديه تطبقان
عليها , وتشدانها إلى الخلف , حين استدارت لتواجهه بشدة كان وجهه
قناعاً بارداً من الغضب كــاد يفقدها توازنها .
نظـــــر الشرطيان إليهمــا , كمـا فعــل آخـــــــرون . ففتحت نادين فمهـــا
لتطلب العون , ولكنها صاحت ألماً حين تركت يد سيرجيو أثرها على
وجهها .
إنه للمرة الثانية يؤدبها جسدياً مع أن الألم هذه المــــرة لم يكن
كبيراً , فالصدمة كانت أقوى من رد فعلها فقد لاذت إلى الصمت . تكلم
سمعته يقول للشرطيين الفضوليين :
ـ إنها تقـــــابل رجــــلاً آخــر . . ابن عمــــــي لا غيره . . وحين أواجههـــــا
بالأمــر , تنكــر مع أن جميع أبناء قريتي رأوها معه !
ضحك الشرطيان وعلقـــا على الأمــــر بكلام دفــــع الــــدم إلى وجنتيها .
أزعجها مزاحهمـــا الوضيـــع ولكن إيطاليا بلد يحكـــمه الرجال فإن الرجل
هنا قادر على تأديب زوجته علناً بدون أن يفكــر أحد في التدخل .
كانت قبضته تؤلمها عندما راح يجرهــا إلى الخــــارج ولم يتوقف
حتى اتخذ طريقاً ظهر فيه اللاندروفر وقال لهــا :
ـ حاولي شيئاً كهذا ثانية , وستشعرين بوخـــز الرصاص , لا براحة
يدي . . يا إلهي ! إنك تتحدين صبري إلى أقصــى حد ! ماذا كنت
ستجنين ؟
ردت بحــدة :
ـ كنت أحـــاول كسب أثمن ما في الوجود . حريتي . . .
ـ ألهذا لم تتزوجــي قط ؟ ألأن (( حريتك )) تعني الكثير لك ؟
ردت ساخرة , لتعوض كرامتها عن الضربة التي سددها إليها :
ـ ألست ساذجاً قليلاً ؟ إذا أراد المرء يستطيع أن يجــد حريته وحرية
رغباته فـي الزواج أيضـــاً .
هز كتفيه بدون أكتراث :
ـ إذن , ربما لم تجدي من يرغب فيك , على أســــاس هذه الشروط ,
وأنت صاحبة السمعة المشبوهة . كمـــا يقال . . .
ـ صاحبة السمعة المشبوهة ؟ ألم تسمع بالمـســاواة النسائية ؟ قد لا
يرغب كل الرجال بالطاهرات من النساء , العديمات الخبرة .
ـ ربما لا يرغبون فيهن كـعشيقات أمــا كزوجــات فالأمــــر مختلف .
أغضبها غروره الذاتي , وأرادت أن تقـــول له إنها لم تتزوج بسبب
حلم سخيف يراودها وهو يتعلق ببحثها عن رجــل تحترمه وتشرفه ,
وتحبه , رجـــل يظهر فيها أنوثتها دون أن يسيطر عليها أو يخمد روحها
المتحفزة . . وها قد آمنت بأن لا وجود لمثل هذا الرجــل .
لم يحدث أثناء العودة إلى المــزرعة شيء يذكر مع أنها كلما اقتربا
من سجنها كانت تشعر بالرعب يتزايد وعندما بلغا وجهتهما غاب عن
تفكيرها كل شيء إلا الموت الوشيك حدوثه .
حياتها آمـنة ما دام والدها يسعى إلى جمع الفدية . . إنها واثقة من
هذا . . لكن ما إن يعرف الخاطفون بأنه سيدفعها حتى يتخلصوا منها
دونما رحمة . . فكيف يتركونها حية وهي قادرة على التعرف إليهم فيما
بعد ؟ لا شك في أنهم يعتقدونها بلهاء , خاصة سيرجيو الذي يسلي
نفسه بها ويتلاعب بـمشاعرها رغم علمه بمصيرها النهائي .
استقبلتهما ليديا بصمت غاضب . وكــان على فك لينو كــدمة شديدة
حية , وفي عينيه غضب وحـــشــي , حين نظر إليهما وهذا ما زاد من
مخاوف نادين . . وحده بيدرو لم يتغير .
ـ هـل أرسلت الشريط ؟
كانت ليديا مشاكسة بضراوة , عيناها تتفرســـان باستمرار في وجه
نادين التي لا تعرف عما تفتش عنه في وجهها ولا تهتم . لا بد أنها
لاحظت البلوزة والتنورة اللتين ترتديهمــا وعندما رد عليها سيرجيو
بالإيجاب أضافت بعدائيــة :
ـ أتركتها تدخل المحل بمفردهــا ؟ ألم يكن في ما فعلته مخــاطرة ؟ أم
أن لديها عذراً للبقاء معنا لا نعرف عنه شيئاً ؟
تصاعد الدم إلى وجه نادين وقال سيرجيو بتشدق :
ـ لم تدخل إلى أي محل بدونــي , اشتريت الثياب لها , فما كانت
ترتديه كان ممزقاً وملوثاً بالدماء , فقررت استبدالها بثياب أخرى لئلا
تلفت أنظار الناس . فما من أحد يتساءل عن وجود شخصين غريبين في
إجازة ولكن رؤية رجل يرافق امرأة ترتدي أسمالاً بالية ملطخة بالدماء
سيعلق في ذاكرتهم .
لم يسعد هذا الرد ليديا ولكنها لم تستطع التفكير في انتقادات
أخرى تتغلب بها على منطق سيرجيو السليم . وما استطاعت نادين
أيضاً , فمنذ استيقظت هذا الصباح ساورتها مشاعر متشابكة متصارعة
لم تستطع السيطرة عليها . . كان في عيني سيرجيو هذا الصباح نظرة
غضب ممزوج بشيء آخــر . . . وكأنه إعجاب ممزوج باحتقـــار نفسي .
ولولا بعض الحكمة المتبقية لديها لافترضت أنه نادم على المشاركــة في
اختطافها . ولكنها ليست الضحية الأولى التي يتورط في اختطافها بهذه
الطريقة , ولا يمكنها أن تغتر بنفسها فتوهمها بأن مشاعره تجاههـــا
مختلفة عن مشاعره تجاه الآخرين .
جرت وجبة المساء بصمت فقد كانت ليديا طوال الوقت ترمق
سيرجيو ونادين بعينين غاضبتين مراقبتين . وكان سيرجيو يلاحظ
مشاعرها ولكنه تجاهل نظراتها الشرسة إليه , وتساءلت عن سبب
تصرفه هذا . خاصة وأن على الزعيم أن يحافظ على علاقة طيبة مع أفراد
العصابة . بعد الطعام لاحظت نادين أن ليديا توجهت إلى لينو مباشرة ,
كما لاحظت أنهما راحا يتحدثان بصوت خفيض أما سيرجيو فكان يقرأ
الصحيفة التي حملها من البلدة . أخذت نادين تنظف المائدة أمام أنظار
بيدرو .
بعدما نظفت الصحــون , وبدأت تجففهــا , قال سيرجيو :
ـ دعي عنك هذا . . فلينه لينو و ليديا هذا العمل . كيف حــــال
جرحك ؟ أتتناولين الدواء ؟
هزت رأسها إيجابــاً , فالجرح كان يندمل بسرعة مذهلة . . ولكن
اهتمام سيرجيو الواضح أقلقها . لماذا يظهر مثل هذا الاهتمام الشديد
بصحتها ؟ أيحاول هدهدة مشاعرها وبعث اطمئنان زائف إليها لغرض ما
في نفسه ؟ أيشعر بالبهجة عندمــا يدفعها إلى الثقة به ؟
مرت أربعة أيام حين اكتشفت نادين أن مزاج خاطفيها بدأ بتغير
بشكل خطير . . فكلما ذكروا مبادئ منظمتهم كــانت كلماتهم تلذع
وتشجب حضارتها بقوة , حضارة أخذوا على عاتقهم أمــر تدميرها .
وذات صباح التفتت ليديا إلى سيرجيو تســأله بشراســة :
ـ لماذا لم نسمع شيئاً من أبيهــا حتى الآن ؟ لقد مر وقت كــاف . ربما
لا يحمل تهديدنا على محمل الجـد . لم نواجه قط مثل هذا التأخير .
رد ببرود :
ـ نحن نعيش في الحاضر , وأنت تعرفين أوامـــر رومــا . . أنــا
المسؤول عن هذه العملية .
قـــاطعه بيدرو غاضبــاً :
ـ ليديا على حق . . ربما حان أن نسرع الأمـــور قليلاً . . لا يمكن
البقاء هنا آمنين وقتاً طويلاً .
قالت ليديا وكــأنها تقترح حلاً :
ـ أقترح أن نرســل لأبيها ما يذكره بأن ابنته عرضة للخطــر . ربمــا
يجب أن نذكـره برباط الدم بإرسالنـــا مــا هو ملموس أكثر من شريط
تسجيل . فقد دفعــــت عائلـة الصبـــي كــلارك فديتــه بــسـرعة عندما
اســتلمــت . . .
صــــاح سيرجيو آمـــــــراً :
ـ كفى , لن أستمع إلى المزيد ! أنا المسؤول عن هذه العملية , وأنــا
من يقرر الخطوات التي سنتخذها . وعليكم أن تتبعوا أوامــري !
ســاد الصمت وهم يصغون إليه . . وتجمع غثيان خوف على مــعدة
نادين وهــي تفكـــر في تهديد ليديا .
كيف سيشوهونهــا ؟ ببـــتر أصبع أم أذن ؟ الفكرة بحد ذاتها دفعت
العرق البارد إلى جسمها , ولكنها رفضت الاستسلام للذعــر كما رفضت
أن ترضي غرور ليديا عندما ترى الذعــر على وجهها .
كانت تعلم بتفاصيل ما حدث لحفيد جاك كلارك , لأنهـــا قرأت
القصة كاملة في الجريدة وهي تذكر أن أباها علق على الأمــر مع أنها
كانت صغيرة يومذاك . وكان خـاطفوه قد قطعــوا أذنه وأرسلوها إلى
عائلته . . وقد افتدى وعــاش ! ليتها تستطيع الهرب ! ولكن كيف ؟
فالهرب مستحيل , ولكنها تتوق إليه وهو يسيطــر على كافة أفكارها .
شعرت الآن بالرعب من التهديد الذي أطلقته ليديا . . ومضت
الأيام وفي هذه الأثناء شـاهدت نادين ليديا ولينو مرتين يتحدثان أثناء
العمل , بهمــس منخفض . . أيخططـــان لتــجــاهــل أوامــر سيرجيو ,
ولاغتصاب سلطته ؟ كانت تحس بتغيير ما في ليديا فقد أصبحت قاسية
مع سيرجيو , وشعرت بأنه الوحيد الذي يحميها من حقد لينو لذا كانت
تشعر كلما اختفى سيرجيو عن الأنظــار بالقلق مما قد يحدث لها . . فهي
تستبعد أن تنفذ ليديا تهديدها فتقوم بتشويههــا رغم إرادة سيرجيو
الذي لن يقدر على فعل شيء بعدما ستنفذ المرأة رغبتها . حاولت ألا
تتصور عذاب أبيها حين يستلم مثل هذا الدليل على محنتها .
لم تستطع لمس وجبة المساء , وكانت حركاتها كسولة غير
مبالية . . . أحست أكثر من مرة بنظرات سيرجيو تنصب عليها , لكنها
رفضت النظر إليه . وعندما نهضت عن المائدة , فجأة , دفع كرسيه
بحركة خرقاء , فطـارت عيناها إليه فسمعته يقــول :
ـ بيدرو . . يبدو أن ضيفتنا تحتــاج إلى هواء نقــي . . تمشى معهــا
حتى النهــر ثم عد بهــا .
ســألته ليديا بخبث :
ـ ألن تصحبــهـا بنفسك ؟ لا تقــل لـي إنها صدتك ؟
انقلبت على ما يبدو , رغبة الإيطالية فيه إلى كراهية في وقت قصيــر
جداً . . أم أن ليديا , تخفــي مشاعرها الحقيقية بادعاء الازدراء ؟
كان الظلام قد حــل , ولكن الهواء الاستوائي كان ناعماً ودافئاً . .
لذا شعرت بالخوف من العودة إلى غرفتها الصغيرة . ولما فكرت في
الفرار وجدت أن ذلك مستحيل فبيدرو يمشي وراءها وهو على أتم
الاستعداد للانقــضاض عليها .
كان النهر أمامهــا مترقرقاً . فسارت نادين على ضفة النهر عدة
أمتار , ثم توقفت فجــأة لأنها لمحت سيرجيو يتقدم إليهما من الاتجاه
المقابل . يبدو أنه هو أيضاً كذلك , رغب في تنشق نسيم الليل العلي
ولكنه حر في أن يفعل هذا متى شاء , التوت شفتاها بمرارة لهذه
الفكــرة .
قال سيرجيو للرجـل الآخــر وهو يتوقف أمامهما :
ـ بيدرو , أريد منك أن تلقي نظرة على اللاندروفر . . فالمحرك
ترتفع حرارته بسرعة .
ـ ســأجربه الآن , وفي الصباح ألقي عليه نظرة أخرى .
ـ عظيم , لا نخاطر بالبقاء بدونه .
فيما كان بيدرو يتسلل مبتعداً في الظلمة وقفا وحدهما , وأحست
نادين بارتباك غريب . وراحت تنظــر إلى النهر ولكنهــا كانت تشعر
باستياء مرير بسبب لمسة يد سيرجيو الذي أشــار إلى أن وقت العودة قد
أزف . كــان المنزل السجن وراءها والنهـــر أمــامهـــا والحرية خلف هذا
النهـــــــر .
اجتاحتها رغبة غريزية تغلبت على كــل حذر وخوف . . وبدون أن
تفكــر هرعت نحو النهر , وليس في ذهنها خطة واعية متبلورة . . بل
خوف ويأس إلى الحرية .
فاجأت حركتهــا سيرجيو , وسمعته يشتم ويلعن بـــصوت ناعم
خلفها . ولكنها أصمت أذنيها عن صوت ملاحقها وحثت خطاهـا إلى
أقصى حد . سجنها القصري جعلها خفيفة الوزن , ولكن خفة وزنها لم
تجعلها تسبقه كثيراً . . لأن سيرجيو كــان قوياً وذا قدرة هــائلة تفتقر
إليهــــــا .
رفضت الاستسلام حتى وهي تعلم مسبقاً عدم فائدة ما تفعــل ,
كانت تعذب جســدهــا إلى درجة كانت معها تصرخ احتجاجاً ولكنها لم
تكن تعبأ بشــيء حتى بالانهيار . . الفكرة الوحيدة التي كانت تضج في
رأسهــا هي الحاجة إلى الهرب والرغبة في أن تبتلعها الأرض لتصبح
جزءاً منهــــا . . جزءاً حـراً !

http://smiles.al-wed.com/smiles/13/i...17_42994_4.gif
نهاية الفصل (( السادس )) . . .

جمره لم تحترق 06-01-12 06:57 PM

7- مـــا قبل المــوت * *
 
7- مـــا قبل المــوت * *
http://www.al-wed.com/pic-vb/17.gif
فجأة وقعت أرضاً بقوة ارتجت لها أسنانها , وكــادت تخــرج أنفـاسهــا
من بين رئتيها . كان قد ثبتها إلى الأرض ثقل عظيم فرفعت رأسها
بانهزام مرهق , وحدقت أمــامها إلى النهر الذي ينساب بنعومة بين
ضفتيه .
ـ أيتهــــا الحمقاء الصغيرة !
استلقــت نادين وراحـت تشهــق شهقــــات مزقــت رئتيها وألقاهـــا
سيرجيو على ظهرها فوقعت وتهدلت ذراعـــاهـا بعجــز إلى جانبيها
وارتجف جســدها كله .
ـ ماذا كنت ستجنين من فعلتك .
ـ الحرية .
كــان ملء الكلمـــة الألــــم والهزيمة . أضـــاء نور القمــر وجههـا فكــشـف
بقسوة عـــن شــدة عــذابهــا . فجــأة سمعته يشـتـــم ويلعـن ثــم , ودون أن
تصدق , غمـــــر وجهها بيديه وراح يلثم وجنتيها ورأسها بإلحاح . لم يكـن
في عناقه استكشاف أو عقــاب ساخـــر , بل لمســـات رجــل جرفــه الكـبـت
الـــذي يفرضــه على نفسـه بقسوة شديدة وكـان أن تصرف بعفوية ملحــة .
تســلل القمــر من وراء سحابة واستطــاعت نادين سمــــاع همسات النهــــر
الخافتة ونغمات الليل الهادئة , وســـرى تذمـر صاخــب في داخلهــا وحاجــة
ماسة إلى تجـربة مباهـــج الحياة كلهــــا قبـــل أن يفوت الأوان . فإذا كــــان
الموت قادماً لا محالة فلم لا تختبر الحياة أولاً . . فجــــأة فقدت كــل قدرة
على المقاومة فقد بدا لها أن القدر وضعها في طريق سيرجيو وكأنما هذا
أمـر مرتب منذ زمن بعيد بحيث لا يمكنها الحؤول دون وقوعه .
رفعت ذراعيها إلى كتفه . . لم يكن في لمسته أي تردد , بــل لمسة
رجل لم يعد عنده شيء آخـر مهم . أما نادين الجديدة التي ولدت في
لحظات الهزيمة بعد محاولة الفرار فلم تشعر إلا بالإثـــارة التي كانت
تبعثها إليها نظراته الواضحة تحت ضوء القمر وازداد الصمت رهبة
حولهمـــــــــــا .
وجذبها إلى ذراعيه يحتضنها فتساقطت حواجز الـخجل بعيداً . كـــــان
في تجاوبها العاصف ما يدفعها إلى الارتواء بعمق , من كــأس الحياة
الذي تعلم أنه على وشك أن ينتزع عن شفتها قبل أن تتذوق شراب
الحب المــر الحلو .
سمعته يتمتم : (( لمــاذا ؟ لمـاذا الآن ؟ )) .
عرفت ما يعني , ردت بكــل صدق .
ـ ربما لأننــي أريد اختبار كل ما تقدمه الحياة قبل أن يفوت الأوان .
أحست به يتجمد وينظر إليها في الظلام , ثم يدير وجههــا إلى نور
القمــر بحثاً عن شـــيء مــا .
ـ أظننـي سمعتك . . ولكن , كرري ما قلت لأتأكــد فقط من أننــي لا
أتوهم .
وكررت قولهــــا وحينما أنهت كلامهــا ران صمت رهيب .
ثم قال سيرجيو بصوت خفيض : (( وهل أنت حقــاً عذراء ؟ )) .
ـ وماذا إن كنت ؟
تنهد , ثم استقــــام مديراً لها ظهره , بحيث لم تتمكن من قراءة تعابير
وجهه . . ثم قال متجهمـاُ :
ـ الآن , وقد سمعت كل شيء , أشعــر بأنك لست كاذبة . أهذا حقــاً
ما تريدين ؟ لقاءً عابراً مع رجل لا تعرفينه ؟ إن كان الأمـر كذلك فلماذا
لم تسعـي إليه من قبل ؟ لمـاذا الآن ؟
ردت بمقدار ما استطاعت من هدوء .
ـ لأنك معـي , هنــا .
لم يكن هذا هو رد الفعل الذي توقعته . . كــان سيرجيو يلقي عليهــا
دروساً وكأنه أب حانق , فاستوت جالسة أيضاً . فرد عليها بخشونة :
ـ وهذا هو الحال بالنسبة لبيدرو ولينو . . أتقولين إنهما قد يفيان
بالمراد أيــضاً .
أرادت أن ترد بالإيجاب , ولكن الكذبة لم تخرج من بين شفتيها .
والتفت إليها سيرجيو يتفرس فيها وهي تهز رأسها بصمت . .
وضع يديه على كتفها ونظر إلى وجهها : (( نادين )) .
كانت المرة الأولى التي يتفوه اسمها بهذه اللهجة , وهذا ما أضاف
تأججاً إلى مشاعرها لم تستطع تحمله .
ـ قد تكونين بريئة ساذجة , ولكنك تعرفين أن الإنسان في مثل هذه
الظروف , يتصرف بحرارة واندفاع مجبراً مشاعره وموجهاً إياها إلى
طرق لا تسلكها عادة . وهذا مـا حدث الليلة .
صمت ثم ابتسم قليلاً باحتقار . فتألمت من الإحسـاس بالنبذ
والهجــر , فتمسكت بــشيء من كرامتها وقالت تحاول تجنب عينيه :
ـ إن كنت لا تريدني , فلماذا بدأت بمغازلتـــي أصلاً ؟
رد عليها بقسوة :
ـ أردت امرأة تساويني خبرة ومعرفة ولم أرد طفلة صغيرة تريد أن
تختبر مـشاعر جديدة . يجب أن تشكريني فبهذا ستتمكنين من الحفاظ
على نفسك للغرض الذي كنت مصممة عليه منذ البدء , قدسية الزواج .
ردت بمرارة :
ـ وهذا ما لن يحدث . ولكننــي لم أكن أدخــر عذريتي للزواج .
ـ لا ؟
أغضبتهـــا سخرية الكلمة : (( لا )) .
ـ إذن لمـــاذا أو لمـــــن ؟
أرادت عدم الرد , ولكن شيئاً في أعماقها عارض ترددها كشــف
أفكارها ومشاعرها الخاصة . . وهكذا ردت بصوت خفيض .
ـ ادخر نفسي لمن أستطيع احترامه , لمن يملك المشاعر التي
أملكها له , لمن أستطيع أن أشاركه فكــري وروحي وجســدي .
رد سـاخراً :
ـ شقيق روح . . . ولكن الحقيقة في النهاية أوصلتك إلى أبعــــد من
هدفك , أو مثالك الأعلى , وكان سيحصل لولا وقوفي عند حدي .
أوه . . هيا الآن لا تقولي إن قلبك الطــاهر يراني العاشق المثالي . . أو
الفارس الأبيض .
كانت سخريته لاذعة , فردت بمرارة :
ـ الحاجة تربح وتسيطر حينما يقودها الشيطان , خاصة عندمـــــا
تواجه . .
ـ خيارين أولهما الذهاب إلى القبر عذراء , وثانيهمـــا القبول بـي
ويبدو أنك اخترت الخيار الثاني . أمن المفترض أن أغتر بنفسي بسبب
هذا ؟ إن كنت تتوقعين هذا , فأخشى أن أخيب أملك . . والآن أقدم لك
نصيحة : في المرة القادمة عندما تستجيبين فيها لرجل في سبيل التجربة
فاصنعـــــي معه معروفاً واكتمــي عنه ســرك .
ـ سيرجيو !
برزت ليديا من بين الأشجــــار وهي تنادي سيرجيو التي التفت إليها
وهو يساعد نادين على الوقوف . .
صــاحت الفتاة الأخـــــرى .
ـ آه . . هذا أنت . . ظننا أن شيئاً ما أصابك , لقد تأخرت .
أكـــــد لها بطريقة أثارت الألم في قلب نادين :
ـ لا , لم يحدث شـــــيء .
منتديات ليلاس
صحيح . . لم يحدث له شيء أما لها فحدث الكثير . الرفض أمــر لا
يطاق خاصة إن كان الرافض رجلاً أقسمت على أن تكرهه وتنتقم منه .
بدأت تسير حائرة ضائعة في متاهات المشاعر . كان نسيم الليل
البارد يضرب بشرتها وراحت المشاعر التي اختبرتها بين ذراعي سيرجيو
تخبو حتى صعُب عليها أن تصدق أنها تصرفت فعلاً كما تصرفت أو أنهــا
استجابت له بمثل تلك الطريقة , مع ذلك ففــي أعماقهــا إحســـاس ضئيل
بالنــدم . . أرسلت التفكـــير المؤلـــم إلى زوايا النسيـــان , ودخـلت إلــى
المنزل متجهة إلى غرفتها . ولكنها شعرت بحدة نظرة ليديا السوداء التي
تكــاد تكــون ملموســة تقريباً .
سمعت الإيطالية تســأل سيرجيو :
ـ حتام سنبقى هنا ؟ لا شك في أن صبرهم ينفذ في رومـــا . لم نتأخـــــر
قط في إنهاء مهمــة مــــا .
رد سيرجيو :
ـ لا . ولم تكونــي قط قريبة من الاعتقال كمـــا كنت في المرة
الماضية بسبب الأمـر الغبي الذي ارتكبته بقتلك جورج آدمز . . فهذا ما
أفقـدنا فديته أيضــــــاً .
ـ كان رجال الشرطة يقتفون أثرنا , وبما أنه شــاهدنا وعرف وجوهنــا
جيداً خفنا أن يكشفنـــا .
كانت الأيام قد اتخذت روتيناً رتيباً . كانت نادين تعمل في الحقل
بعد الفطور مباشرة وذلك تحت مراقبة آسريها . . وكان سيرجيو
يتوجه يومياً إلى البلدة القريبة وكانت ليديا ترافقه أحياناً أو أحد الرجلين
في أحايين أخرى . تعلمت أن تقنع نفسهـــا أن الألم الذي تشعر به كلما
رأته مع ليديا لا يعني لها شيئاً . بل كيف تُـــكــن له أية مشاعر بعدما أذلها
وخــان ثقتها . آلمهــا جسدياً ونفسيـاً عن قصد وعمــد .
اليوم , كانت السحب السوداء تظلل الأفق مهددة بقدوم المطر ,
ومع تقدم الوقت انخفضت درجة الحرارة وكان الجو الخارجي يوتر جو
المنزل أيــضــاً .
فأعصاب أفراد العصابة متوترة , ليديا تصيــح بـ بيدرو و بـ لينو .
و بيدرو يكـــــاد لا يستجيب , أما لينو فــأمسكهــا بذراعهــا بقسوة وهزهـا
بعنف , فجذبت ليديا نفسها منه , وازداد التوتر بينهما . في هذا الجــو
العاصف أحست نادين بأن الجرح يؤلمهــا لأول مرة . كــــــان قد التأم
تماماً , ولكنها كانت تعرف أن هناك ندبة خفيفة تحت صدرها تذكــرها
بمـا حدث وكـأنهـا بحاجة للذكرى .
ذهب سيرجيو إلى البلدة , وبــدلاً من تحمـــل جو المنزل خرجت
نادين تتمشى خارجاً فلحق بها بيدرو الذي اتكــــأ على اللاندروفر الثاني ,
وراح ينظف بندقيته , ويراقبهــا بصمت . فكــرت بخبث وهــي تسير على
الممــر المغبر باتجاه بستان الزيتون : ما أسرع ما يتكيف الفكر البشري .
إنها الآن لا تستغرب رؤية السلاح ولا تشعر بالصدمــــة بسبب الأســر .
في البستان , تغلبت عليهــــا الأفكـــار التي راودتها طوال اليوم . لمـــاذا
لم يتصل والدها حتى الآن بالعصابة ؟ هل الأمــر ببساطة أنه يجد صعوبة
في جمع مثل هذا المبلغ الضخم ؟ أم أن ليديا على حق في أنه لا يهتم
باستعـــادتها ؟
ترقرقت الدموع في مآقيها , ولكنها لم تتركهــا تنهمر . . عليها أن
تتمسك بفكرة أن والدها يحبها . . ولكن التقصير في الاتصــال من جهة
والدها يؤثر في الجميع , وليس فيهـــــــا فقط . فقد انفجرت ليديا في وجه
سيرجيو مســـــاء حين عاد :
ـ إنه يتلاعب بنا , وأنت تشجعه سيرجيو . . كلمــا مر يوم ازداد
الخطر في أن ينكشف أمرنا . يجب أن نغادر هذا المكان .
قطب لينو بغضب في وجــه ليديا .
ـ لا . . . ! إن غادرنا هذا المكان لفتنا الأنظـــــــار إلينا . . يجب أن نكمــل
الطريق الآن .
صـــــاحت ليديا :
ـ ولكننــا لا نستطيع البقاء هنا إلى ما لا نهاية . . يجب أن نفعــل
شيئاً , فالسير برادلي يحتاج إلى ما يذكره بالخطر الذي يهدد حياة ابنته .
خافت نادين من التهديد بتشويهها . عندما سمعت هذا التهديد فـــي
المرة الأولى ارتــاعت وجعلها الرعب تحــــاول الهرب يأســاً ولكن هذا
التهديد لم يتكرر منذ ذلك الحين .
رد سيرجيو وقد بدا عليه الحزم .
ـ لا ! قلت لك أن لا , مرة . ولا أعتقد أن السير برادلي يتأخــر لدافع
سـري . . إن تجميع مليــون جنيه لـيس بالأمــر اليسير حتى على
الأثرياء خاصة إن تمت العملية بسرية . طلب مهلة , وأنــا أوافق على
منحــه هذه المهلـة .
هل غضب لأن ليديا لا تنفك عن التذمر ؟
صـــــاحت ليديا :
ـ ولكننا نعرض أنفسنــا للخطــر بالانتظــار طويلاً .
انتقدها سيرجيو غير عابئ بنظراتهــا الغاضبة :
ـ أنت لا تفكرين بطريقة منطقية . إن اتخذنا الخطــوة التي تقترحينهـــا
فلن يتردد السير برادلـي في الاتصــال بالشرطــة. نحن لا نتعامل مع غبي
ليديا .
ـ وماذا يقولون في روما ؟ لا أخــالهم مسرورين منك سيرجيو ؟
ـ بل على العكس لديهم نظرة واقعية تفتقرين إليها , (( كارا ميا )) ( يا
عزيزتي ) وهم قانعون بترك الأمور بين يدي . ولكنــني أرحب أن تتحدثي
إليهــم لو شـئـت .
جعلت النظرات القلقــــة المتبادلة بين ليديا و لينو و بيدرو نادين
تتساءل ما إذا كان تجهمهم على قيادة سيرجيو قد سبق تخطيطهـــا . .
ولاحظت أن هناك تغييراً في الولاء داخل العصابة , بتكتــل ليديا و لينو
و بيدرو معاً . . أعلن سيرجيو ما صدم الجميع :
ـ يجب علي الذهاب إلى روما على أي حــال . . وأثناء غيابي لا
تفعلوا ما يجلب علينا الخطــر وحينما أرجع نناقـش الأمور . وإن تجاهل
أي منكم أوامري فسيواجهني شخصياً حين أعود . . فهل هذا واضح ؟
استغربت نادين من جديد قدرته في السيطرة عليهم . أرادت لبرهـــة
أن تتوسل إليه ليصحبها فهي تخشى البقاء بمفردهـــا مع الآخرين . .
ولكن ما الفائدة ؟ تعرف أنه سيرفض , ولكن أليس هو أيضاً كريهاً
كــالآخرين ؟ لا فرق بينهم إلا في شــيء واحد وهو أن سيرجيو يملك
سيطرة على مشاعره وردة فعله .
بعد نصف ساعة , رحـل . فقامت نادين بمهمتها العادية في الحقل
تحت مراقبة بيدرو الذي راح يلقي محاضرة شرسة عن شرور
الرأسماية ولكنها تجاهلته وتجاهلت خطابهم العظيم . في البدء كــانت
تصغي باهتمام , على أمــل أن تفهمهم ولكنهـا وجدتهم عميان لا يرون
أخطــاء معتقدات منظمتهم .
كانت قد خسرت بعض الكيلوات في سجنها القصري . وكــانت
بشرتها قد لوحتها الشمس وباتت الآن أشد اسمراراً وبما أنه مضى عليها
زمن طويل لم تستخــدم فيه أدوات التجميل اعتادت على مظهرهــا
بدونهــا .
كــــان شعرها المجزور قد طــال قليلاً , وانتشر حول وجهها بطريقة
جميلة فقد أظهرت الخصلات الفاتنة جمــال عينيها الكبيرتين .
ـ أنت هنا للعمل لا لأحــلام اليقظة !
لم تشاهد ليديا وهــي تتقدم , فســـارعت تستقيم واقفة بألم . أمــــــا
الإيطالية فدنت منها بخطوات واسعــة , وإحدى يديها على خصرها
بعدوانية والأخرى على البندقية .
وتابعت بحقــد :
ـ قد تخدعين سيرجيو و ولكنك لــن تخدعينـــــــي . . تأملين من رمــي
شباكك عليه أن يلين فيساعدك ولكنك لن تنجحي , فهو لن يجرؤ حتى
وإن أراد إسداء مــعروف لك . فالمنظمة لا تتســامح مع الخونة , لـئـلا
تخــالي نفسك ذكية . واعلمــي أنه سيأخذ ما تعرضينه عليه دون أن يقدم
لك خــدمة . حين يعود سننفذ الأمور على طريقتنا . أتظنـــين أن جســدك
قادر على أن يســحــره ؟ لا يا عزيزتي بل سترين العكس . من الأفضل أن
تدعــي الله حتى يجمع والدك المــال قريباً . . . ولا تخدعـــي نفسك بــأن
سيرجيو يهتم بك , إنه يكرهك ويكــــره أمثالك . . وهذه حـــالنا جميعاً .
ـ أنت تقولين هــذا بسبب الغيرة !
قالت كلماتها بتهور , ولكنهــــــا تعلم أن تخمينها وقع في محــله وأن
ليديا , وخــلافاً لكـــل منطق , تغـــــار منها .
ردت ليديا تفح فحـــــاً :
ـ أنت كــاذبة ! سيرجيو يقبل بك لأن عينيــك تتوســلانـه , إنه رجــــــل
ولكنــك بالنسبة له لست إلا جســداً !
أخذت نادين تفكـــر في كلمــات ليديا . وتســاءلت عمـــا كــانت ستفعلــه
ليديا لو قالت لها الحقيقة , حقيقية رفض سيرجيو لهـــا . سيرجيو . .
لماذا يحتل هذا الحيز من أفكـــــــارها ؟ حــاولت التركيز على والدها وما
يفعله عادة في يومه , متسائلة عما يشعر ويفكر في هذه اللحظــــات . . هل
يفكــر فيها ؟ أندم لأنه لم يلجأ إلى الشرطــة ؟ أم أنه خــائف من أن يعرضهـا
للخطـر إذا أخبرهم ؟ ترى كيف سيجمع المــال ؟ تعرف أنه لا يملك مثــل
هذا المبلغ نقداً وجمعه يعنــي التخلــي عن بعض ممتلكاته وربمــا عن
اللوحــات الثمينة التي جمعهــا بشغف طـوال سنوات , أو التحف الأثرية
التي اشترتهــا أمهــا . . وقد يبيع أيضاً أسهمه في الشركــة وهذا ما لا
يستطيع تنفيذه بــدون أن يثير الريبة ؟
منتديات ليلاس
انفجرت العاصفة المنذرة تلك الليلة . . كــــان الرعد والبرق يطغيان
على السماء . . قصدت نادين فراشها وهي تشعر بصداع شديد فقد
كانت مسرورة لأنها ستتحرر من لينو الذي كــان ينظـر إليها نظرات رغبة
طوال الأمسية , وأحست بأنها معرضــة للخطـر بدون وجود سيرجيو الذي
كــان يحميها من رغبات هذا الرجــل .
أتى الفجــر حاملاً معه صفاءً نظراً وسمعت نادين صفيـــر بيدرو فـي
الأسفل , وجاءت ليديا تطلق سراحها بدون أن تحمــل إليها الماء
المعتاد . وعندما ســألتها نادين عن ذلك ردت بلؤم وخبث :
ـ ما الأمــر ؟ ألا تظنين أن سيرجيو لن يرغب فيك إلا إذا كنت نظيفة
زكية الرائحة ؟ سيرجيو رجــل ويفضل امرأة حقيقية على سخيفة
مدللة . . حبيبة أبيهـــــا !
مع مرور الأيام كانت درجة خوف الخاطفين من انكشــاف أمرهم قد
انخفضت , وأصبحوا أقل حذراً في السماح لنادين بالحرية . . سألت
ليديا ســاخرة حين سد بيدرو على نادين الطريق إلى الباب :
ـ وإلى أين قد تذهب ؟ دعهــا تخرج ثم راقبها من هنا , وإذا حــاولت
الهرب أطلق الـــنار عليهـــا .
لم تخطئ نادين في الظن بأن المرأة تطلق التهديد جزافاً . كــــان
النهر يجتذبها , مع أنها لم تكن مستعدة للاعتراف بالسبب . وقفت
تراقبه لدقائق عدة . . ثم خلعت البلوزة والجينز , وســارت إلى المــاء
تخوض فيه فشعرت بالمتعة والانتعاش به , مع أنها هذه المـــرة راقبت
الضفة بحذر , ولم تبق وقتاً طويلاً في الماء . . لم يكن معها ما تجفف
نفسها به , لكن الشمس ستجفف بسرعة ملابسها الداخلية . . كــانت
تشاهد بيدرو من بعيد يراقبها من المنزل . . لكن ملابسها الداخلية
كانت محتشمة أكثر من ثوب سبـاحة . . في الواقع . . وفي مثل هذا
الوقت من النهار يذهب لينو عادة بالسيارة إلى البلدة ليشتري مـــــا
يحتاجون إليه . . كــان أحدهما يذهب بانتظام بضعة أيام إلى البلدة .
حين عادت من النهر إلى المنزل , كــان اللاندروفر متوقف فــــي
الخارج , ولكنها لم تجد أثراً للـينو ولأنها خالته في حقل العنب دخلت
إلى المنزل المظـــلم .
فجأة امتدت يد تحيط بخناقها وتكاد تزهق أنفاسها . كانت أنفاس
الرجل مشبعة برائحة الثوم الممتزجة برائحة العرق .
ـ لا تقــاومــي !
ثم امتدت يده الحرة لتنزع أزرار قميصها بعجلة من مكــانها ,
وكانت تشاهد الرغبة المشتعلة في عينيه فعرفت أنه كمن لها متعمداً . .
كل الخوف الذي مر بهـــــا في السابق لم يكن شيئاً بالمقارنة مع الخوف
الذي تحسه الآن . كانت كل عضلة في جسدهـــا تصرخ محتجة وكــانت
عيناها مذعورتين .
قاتلته نادين كطفلــة متوحشة وقعت في فخ . راحـت أظافرهــا تمزق
وجهه , ولكن ضرباتها على ما يبدو كانت تسلية . . كانت رائحته ,
عكــس رائحة سيرجيو النظيفة , تشبه رائحة حيوان متوحش نتن .
شعرت بالغثيان الشديد كلما لمست يداه جسدهــا , وعبر ضباب
ذعرها وخوفهـــا سمعت صفق باب ثم صوت يصيح :
ـ لينو . . ارفع يديك عنهـــا !
إنه سيرجيو ! وتنفست الصعداء لكن لينو الذي جن بــجنون الرغبة
رفض الانصيـــــاع لأوامر سيرجيو .
ـ قلت لك دعهــــــــا !
دفع لينو نادين بيد متوحشة إلى الأرض صائحاً :
ـ وأنا سئمت أوامرك !
وظهرت سكينة حـــــادة تومض شراً وراح يتقدم إلى سيرجيو . تلاشى
خوف نادين على نفسها أمام خوفها على سيرجيو . . كان غير مسلح
وعرفت دونما الحاجة إلى منطق أن ليديا و بيدرو لن يقدمــا يد المساعدة
لـ سيرجيو وأن ما يحدث الآن أمامها يتعدى مســألة رغبة لينو فيها أو
اعتراض سيرجيو عليه . .
ارتعدت فرائصها وهي ترى تلاحم المتخاصمين . رسمت ذراع
لينو في الهواء قوساً سريعاً وهو يوجه السكين إلى الأسفـــل .
أغمضت نادين عينيها , وشعرت بجرحها ينبض ألمــاً وخوفاً مما قد
يوقعه هذا النصل اللامع . تبع هذا صوت تصادم شديد , فتأوهت بألم
ثم فتحت عينيها وراح قلبها يخفق رعباً لما شاهدته .
كان لينو مـــلقى على الأرض تحت أقدام سيرجيو , والسكين بعيدة
عنه قليلاً . كـان سيرجيو يتنفس أنفاســــاً ثقيلة ورأت جرحـــاً صغيراً
ينزف من خـده . مســــح الدم بنفاذ صبر بيده , قبل أن يمرر أصــابعه
في شـــعره الأشعــث وعندمـــا صـــاح كان أبرد من قطعة ثلج من شدة
الغضــــب :
ـ بيدرو ! ألم أطلب إليك مراقبة لينو ؟ أمــا أنت لينو ألم أحذرك ممــــا
قد يحدث لــو . . .
صــاحت نادين :
ـ سيرجيو , احتـرس !
كـــانت قـــد شـاهــــدت أصـــابع لينو وهــي تمتـــــد إلى الســـكين , ولكــن
سيرجيو سبقه إليها , ورفسها بعيداً وهو يشتم بوحشيـة . . وعيناه تسودان
من القــسـوة . أمسك لينو من قميصه يــشـــده ليقف .
ـ يجب أن أضـــربك حتى أنخـــــر عظــامك .
صـــــاحت ليديا معترضــة :
ـ لم تكن غلطــة لينو . . كانت تثيره , وتشجعــه . . .
لم يحدث ذلك ! إنهــا تكذب ! .
تألقت الجملة في عقلها , ولكنهـــا لم تستطع نطقهـــا لأن الدنيا دارت
حولهـــــا ملتهمة كــل الواقع , مغرقة إياها في كـــــابوس مظلم .
http://smiles.al-wed.com/smiles/13/i...17_42994_4.gif
نهاية الفصل (( الســابع )) . . .

جمره لم تحترق 06-01-12 07:00 PM

موعدنـــا غداً بإذن الله
أو بعد غــد
تحيتي لكم
وكـــل الحب
http://www.al-wed.com/pic/8124.gif

سهر اليل 07-01-12 05:59 PM

لاء لاء كده مايصحش بقا ,,
موعدنا دلوقتي ايه غدا او بعد غد ,,
شوقتينا للاحداث ياعسوله ,,
تسلم لايادي ياربي ,, بجد مرسي مرسي مرسي ,,
ناطرينك ياقمر ,, ومرسي كمان مره لمتابعتك المستمره بتنزيل الفصول هيك بنتشوق وما بنمل من النطره ,, وبيفضل الشوق جوانا لمتابعه الروايه,,لانه بصراحه في روايات بتفقدي حماس متابعتها مهما كانت حلوه لانه في فترات طويله بين فصولها,,
ناطرينك لا طولي علينا ,,

جمره لم تحترق 08-01-12 04:31 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سهر اليل (المشاركة 2971079)
لاء لاء كده مايصحش بقا ,,
موعدنا دلوقتي ايه غدا او بعد غد ,,
شوقتينا للاحداث ياعسوله ,,
تسلم لايادي ياربي ,, بجد مرسي مرسي مرسي ,,
ناطرينك ياقمر ,, ومرسي كمان مره لمتابعتك المستمره بتنزيل الفصول هيك بنتشوق وما بنمل من النطره ,, وبيفضل الشوق جوانا لمتابعه الروايه,,لانه بصراحه في روايات بتفقدي حماس متابعتها مهما كانت حلوه لانه في فترات طويله بين فصولها,,
ناطرينك لا طولي علينا ,,

:flowers2: سوررررررري قلبوووو بس كان عندي مناسبة
وتعرفي عاد دلع البنات
والوقت والتجهيزات . . وكل شوي
شيء ينقص :lol:
بس والله عشان كلامك الحلو طنشت النوم و كتبت فصل
وبكرة ان شاء الله آخــــر فصلين
يالله يا ستــي الفصـــل مآآآآره حلو
وعاد الله يعينك لأنك راح تتشوقي تعرفي ايش النهاية
http://www.al-wed.com/pic/8124.gif

جمره لم تحترق 08-01-12 04:37 PM

8- ليلتهــــا الأخيــــرة * *
 
8- ليلتهــــا الأخيــــرة * *
http://www.al-wed.com/pic-vb/17.gif
كانت نادين مستقلة على الفراش الضيق في غرفتها التي عمها
الظلام ولكنها كانت ترى نور القمر يتسلل من النافذة . استوت على
السرير , فعاد كل ما جرى إلى ذاكرتها . . وبدأت ترتجف وتبتلع ريقها
بصعوبة لترد الغثيان الذي ارتفع إلى حنجرتها التي بانت عليها
الكــدمات أقوى , وبلوزتها تتدلى ممزقة .
يا الله ! ارتجفت لمجرد التفكير في ما كان سيصيبها . استوت على
فراشها محتبية تلف ذراعيها حول ركبتيها وتضع ذقنها عليها . وترت
الطرقة الخفيفة على الباب أعصابها ولكنها لمحت وجه سيرجيو
المتجهم المطبق , فأدارت وجهها وهي ترتعد من شعورها بالغثيان من
جديد . ولكن مشاعرها انعكست في عينيها قبل أن تطبقهما مجدداً ,
لتخفي ما فيهما عن الرجل الواقف في الباب والحامل قصعة صغيرة في
يده , والمرهم في الأخرى .
ـ نادين .
نطق اسمها وكأنه ينادي مخلوقاً يعيش بعيداً عن حضارة الإنسان .
كان صوته متزناً , ناعمــاً عندما اقترب من السرير :
ـ لا بأس عليك أبداً . . لا أريد أذيتك . . أريد فقط أن أعاينك
لأتأكد من اندمـــــال جرحك . ســـأضع بعض المـــرهم على كدماتك . .
أترين أنه لا يؤلم . . أليس كذلك ؟
وتركته يمسك ذراعها وراح يدلك الكدمات بالمرهم ولــكن
جسدها توتر بشـــــدة :
ـ نادين . .
اندفعت الدموع إلى مآقيها واهتز جسدها كله . . فأنت بصوت
منخفض جعله ينحني لــسماع كلماتها المعذبة :
ـ لا تلمسني . . لا تقترب مني . . أحــس أننـي قذرة . . قذرة .
راحت تتأرجح من جانب إلى آخــر وعيناها مرهقتان مظلمتان . ومــد
سيرجيو يده إليها , ولكنهــا انكمشت وظلت ترتعــش .
ـ نادين . . لا بأس عليك . . أعدك بألا يلمـسك مرة أخرى . سيكون
كل شيء على ما يرام . تعالــي أريد أن آخذ هذه البلوزة , لتتمكنـي من
الاغتسال . ســـأحمل إليك بعض الماء وعندهــا ستشعرين بأنك أفضـــل
حالاً .
توجه إلى الباب , ولكــــن لم يظهر على نادين دليلاً يشــير إلى أنها
سمعته أو شاهدته . كانت ذراعاها النحيلتان مطبقتين حــول جسدهـــا
المتوتر ولسانهــا يكــرر :
ـ قذرة . . قذرة . .
وعندما عاد , كانت على حالهــا السابق فاقترب منها بصبر وكــأنه
يعامل طفلة فأبعد ذراعيها عن ركبتيها , ومد لها أطرافها المتشنجة ,
وأزال عنها البلوزة الممزقة . . انتفضت من لمسة يديه اللتين راحتا
تعالجان كدماتها ولكنها لم تحــاول تجنبه . وظلت أصــابعه تدلك بشرتها
بالمرهم , حتى بدأ التوتر يزول عنها تدريجياً . ولما أحــس بذلك توقف
وراحت عيناه تبحثان في وجههــا وهو يقول بلطف :
ـ أنت بخــير نادين . . لم يحدث شـــيء . . هو لم . .
فــأضافت ترد عنه :
ـ لم يغتصبني ؟ لكنه كــان يهم بهذا , ولم أستطع فعل ما يحول دون
ذلك . لم أشــعر إلا أننــي ســأموت .
راح صوته ويداه يهدهدانها وطفق لسان حاله يقول لها إن كل شيء
قد انتهى , ثم ضمها إليه كـطفلة صغيرة ولم يتركها إلا عندما اطمأن إلى
أنها بدأت تسترخــي . . أشــار إلى وعاء كبير على الأرض .
ـ حملت إليك الماء . سأتركك لتغتسلــي , ثم أعود بعد نصف
ســاعة مع بعض الطعام .
عندما خرج وقفت نادين مرتجفة , تغسـل نفسها ببطء . كانت بقايا
بلوزتها الممزقة تثير موجة إثر موجــة من الذكرى المرعبة , ولكنها
أبعدتها عنها وارتدت الأخــرى وفيما كانت تزررها وصــل سيرجيو حــاملاً
العشـاء .
لم تكن ترغب في طعــام ولأنه أحــــــس برفضها قال :
ـ لن أتركك قبل اختفاء آخــر لقمة . . قالت ليديا إنك لم تــأكلـــي
شيئاً طوال اليوم .
ـ وما الفائدة ؟
كان صوتها يرتجف , والدموع تترقرق في مقلتيها .
ـ تعالــــي . . .
وصلت ملعقة كبيرة من اللحم و المعكرونة إلى شفتيها ففتحت
ثغرها كطفلة مطيعة . ما إن بلعت أول لقمة حتى أدركت مدى
جوعها . . كان سيرجيو قد حمل إليها أيضاً القهوة , ولكنها حين
تذوقتها كشرت بسبب طعمها القوي .
ـ اشربيها , فهي ستخفف من وطــأة الصدمة , وتساعدك على النوم .
النوم . . ! كيف تنام وهي كلما أغمضت عينيها يطالعها وجه لينو ,
وتحس بيديه على جسدهـــا ؟ وضعت كوب القهوة من يدها بحذر مبالغ
فيه : (( سيرجيو )) .
ـ أعرف . . ولكن هذا كله سيمر وينتهي .
صــاحت بوحشية :
ـ وكيف تعرف ؟ أنت لم تتعرض لما تعرضت إليه . . كان الأمــر
كريهاً مقيتاً جعلنــــي أشعر أنني ملوثة . . ومدنسة . .
قاطعها بعذوبة :
ـ نادين . . . ما حدث لم يكن غلطتك . إذا كانت غلطة أحــد فهــــي
غلطتي . . كنت أعرف أنه يرغب فيك ومع أن ليديا حــاولت إقناعي بأنك
تشجعينه , إلا أنني كنت أعرف أن هذا غير صحيح . فلا لــوم عليك
أبداً . . يجب أن تصدقي هذا .
صاحت متألمــة :
ـ وكيف أستطيع ذلك , فلو اغتصبني لما صدقني أحــــد . سأشعــــر
كلما لمسني أحد بأنه هو من يلمســـني . لا أستطيع . .
ارتجفت ثانية بصمت ولكنها لم تلاحظ طريقة تجهم سيرجيو ولا
اسوداد عينيه :
ـ نادين . . أنا . .
قالت مرتجفة :
ـ لا تتركــني وحدي الليلة سيرجيو . . أرجوك لا تتركـــني وحدي , لا
أستطـــيع التحمــل . . أنا . .
ـ هس ! هس . . !
التفت ذراعاه مجدداً حولها , ليجبرهــا على الاسترخــاء :
ـ لا بــأس عليك . . كل شيء على ما يرام . . سأبقى . . تعالي . .
استلقي وحــاولي الخلود إلى النوم . أعدك أن أكـــون هنا إذا احتجتني .
ونامت فعلاً , ولكــن جفنيها لم يغمضـــا إلا لعلمها بأن سيرجيو
يشاركهــا السرير الضيق , ويضمهــا إلى دفء ذراعيه بحيث لم يعد هناك
مجـــال لصــورة لينو .
لم يكد السرير الضيق يتسع لهمــا . واستيقظت بعد فترة من الليل
فرأت أنها متقوقعة بين ذراعيه ورأسها مستقر على صدره وذراعاها
ملتفتان حول خصره .
ـ سيرجيو . . أنت مستيقظ ؟
ـ أجــل . . هل أنت خــائفــة ؟
ـ لا أخــاف عندما تكون معــي . . لينو . .
ـ انســــي أمر لينو . .
انتزع ذراعيها عنه فارتجفت وطـاف بها الألم مجدداً , فــأمسكت
يداه بوجههــا وقال بعذوبة : نادين . . لا ترتجفـي . . فككت كلماته التوتر
في داخلهــا فبكت بكـاء العاجز عن التوقف أبداً . تركها تبكـــي وكانت
تشـعر بالراحــة بسبب دفء بشرته تحت خدهـا , وبسبب أصابعه التي
كــانت تبعد الدموع عن وجههــا .
لم تشعر بالخوف في أحضانه , ولا بالذعر حين مرر أصابعه على
شفتيها . . واستجابت له , لكنهـــا عادت فتشنجت لأنهـا تذكرت لينو
ووحشيته فحالت صورته بينها وبين الرجل الذي يضمها بين ذراعيه . .
وارتفع الغثيان من جديد وترقرقت راحتيها بالعرق البارد .
ـ نادين . .
كان في نبرة صوته ندم وتفهم . فتركهــا ببطء .
ـ لا !
منتديات ليلاس
من مكــان ما , وجدت الشجاعة على الاعتراض , وارتفعت ذراعاها
إلى كتفيه , وأكملت همســاً :
ـ لا . . لا تتركني سيرجيو . . عانقني , ألا ترى ؟ أنا لا أذكـــر إلا لينو
ولا أشم إلا رائحته النتنة ولا أسمع إلا صوته . أرجوك ؟ أرجوك لا أريد
أن يكــون الذكرى الوحيدة . . .
ـ نادين . . يا إلهي . . هل تعرفين ما تطلبينه مــني ؟
كانت كلماته المكبوتة تحمل عنفاً أرســل الألم من رأسهـــا إلى
أخمص قديمها , ولكنهــا رفضت اختبار ألم رفــض جديد . . فتمتمت
بــانكســــار :
ـ ألست جذابة ؟ أم تراك لا تطيق لمســـي بعدما لمســني لينو . . .
سمعته يشتم متوتراً . ثم ضمها بين ذراعيه وسمعته يهمس بعذاب :
ـ لا تقولي هذا . . لست بحاجة لـي . . تريدين شخصاً يمحــو من
ذاكرتك صورة لينو , ولا يهم من يكــــون هذا الشخــص . إن كنت أملك
ذرة من التعقل لـ . . يا إلهي . . أريدك أيضاً نادين . . ولكنك تجعلينني
أجد صعوبة في عــدم معانقتك واحتضانك .
لم ترد عليه . . كانت تعرف أنها تحتاجه لــيكون الترياق الــشافي
لنفسها من ذكرى تهجم لينو عليها . . كما تعرف أنه لن يــســــيء
معاملتها , مهما كان السبب , ومهما كانت مهمته في الحياة . أحست أنه
يفرض على نفسه سيطرة شديدة لا يعرف كم من الوقت هو قــادر على
الاحتفاظ بها . . ولم تكن تريد منه أن يفقد السيطرة , لأنها تريده صاحياً
واعياً لا يشغل باله قلة خبرتهــا . . أرادت أن يتحابا بسبب حاجة ورغبة
متبادلتين , أرادت أن تغرق في عذوبة الاستسلام وتنسى متى وأين وماذا
يحـــــدث .
تسللت يداه إلى ظهرها , يرفعها إليه لتصبح مستلقية بين ذراعيه ,
وامتدت يداها إليه . كانت أشبه بطفلة صغيرة ترفض فتح غلاف هديتها
قبل الوقت المحدد , ثم أدركت أنها يمكن أن تفقد الهدية , فسعت
بحرارة للكشف عن جميع الهدايا دفعة واحدة .
تمتم سيرجيو في أذنها مرتجفــــاً :
ـ نادين ! ألديك فكــرة عما تفعلينه بي ؟ (( ديو )) يا الله لا بد أنني فقدت
صوابي . . ليتك تعرفين كم من الليالي أمضيهـــا وحـــدي وأنا أحلم بك
بين ذراعي كمــا أنت الآن .
كانت كلماته تعويذة سحرية أزالت جميع الشكوك التي تدور في
خلدها .
فجأة أحست به يتوتر وبجسده يستمر وبلسانه يهمس :
ـ لا أستطيع فعل هذا نادين .
لا . .
ولأنها لم تكن المرة الأولى التي يرفضها فيها شعرت بأسى كبير
ولكنها مع ذلك قالت له عندما رأته يهم بالخروج .
ـ أرجوك , سيرجيو لا تتركني , إبق معي فقط ليس أكثر فلن
أطالبك بالمزيد ولكن لا تتركني لذكرى لينو . إبق معي فقط .
ـ حسناً , لن أرحــل فاهدئي أرجوك .
كانت متعبة ومهزومة وكئيبة فأخذت عيناها تغمضان ثم شعرت به
يستلقي قربها .
استيقظت مرة أخرى أثناء الليل خائفة من كابوس فتناهى إليها
صوت سيرجيو في صمت الليل يحثها على الاستيقاظ :
ـ لا بأس عليك . . إنه مجرد كابوس . . لينو ليس هنا . أم
اتخذتني مكانه في كوابيسك ؟
لم تتظاهر بعدم الفهم وتضرج وجهها لأنها تذكرت كيف توسلت
إليه بدون خجل أن يحبها . . ولقد كان على حق في رفضه. . وقالت :
(( لا تقل ذلك , رجـاء )) .
ـ أما زلت تتوقعين أن تميد بك الأرض ؟
أجفلتها سخريته ومع ذلك أردف :
ـ معي يا عزيزتي لقد اخترت الشريك غير المناسب .
ـ لماذا تقــول هذا ؟
ـ إنني بشر ألا ترين كم أتعذب لأبعد نفســــــي عنك ؟
أحست أن شيئاً يخنقها , وحينما وجدت القدرة على الكلام أخيراً ,
قالت بارتباك :
ـ شـكـــراً لك .
لم تكن ترى وجهه , ولكن كان هناك الكثير من التوتر في كلامه
عندما قال : (( هل لنا أن نترك هذا الموضوع ؟ )) .
عندما فتحت عينيها ثانية , أحست أن هناك أمراً مختلفاً . . عبست
تحاول أن تتذكر ماذا , ثم فهمت . . إنها وحدها في السرير , مدثرة
بالغطاء الذي دثرها به سيرجيو قبل أن يخرج .
قال تفكيرها السليم إن عليها الشعور بالخجل , أو على الأقـــل
الندم , بسبب ما كادت تقدم عليه البارحة لولا تراجع سيرجيو أخيراً .
ولكنها تمنت لو أنه لم يتراجع فـ سيرجيو هو حلمها الكبير . ولكن
أين هــو ؟
تناهى إليها صوت غيب من الخارج , فهرعت إلى النافذة , تنظـــر
إلى الطبيعة حيث رأت طائرة هليوكوبتر في مثل هذا المكان النائــي يعني
شيئاً ؟
شعرت بالتوتر والانفعال وسمعت في الأسفل جلبة . لا بــد أن
سيرجيو هناك . . ولا ريب أنه رأى الطائرة . ولكنها أحست الآن
إحساساً مختلفاً فلأول مرة تفكــر في أنهمـا في موقعين متقابلين , وأن
حريتها تعني فشله . لقد أوضحت ليديا ما يحدث للفاشلين . استولى
عليها خــوف رهيب , ولكنها نحته بعيداً .
انفتح الباب ودخــل يقول بشفتين مشدودتين وبلهجة قاطعة حــادة :
ـ عظيم . استيقظت سنغادر المكــان .
ـ بسبب الطائرة ؟
ـ شاهدتها إذن ؟ أجل . . ذكرتني ليديا أن بقاءنا هنا كانت فكرتــي .
وهي لا تكن لك مشاعر لطيفة هذا الصباح .
صمت ينظـــر إليها باهتمــــام متحفظ :
ـ إذن . . لقد عدت الآنسة كلايتون المتكبرة , بعدما أدركت أن
العالم الخارجي لم ينسك ؟
آلمها كلامه وشعرت بالخوف عليه . عندمــا اندفعت عبر الباب
لتخرج لامست ذراعها ذراعه العارية , فأرادت في لحظة ضعف التعلق
به والتوسل إليه حتى يرحل حالاً ما دام أمــامه متسع من الوقت . نظرت
إليه وترقرقت الدموع في مآقيها لأنها تعلم أن إنقاذها يعني سقطه .
ولكن تعابير وجهه حذرتها من التفوه بمــا تشعر , فنزلت لتواجه حقـد
ليديا المرير , وشـــر عيني لينو المتقدتين الذي كان يراقب السماء من
النافذة .
قضت الخطة المغادرة حالما يتناولون الطعام فهمت نادين مما
سمعت أن لديهم منزلاً آخــر حُضر قبل اختطافها وأنهم سيصحبونها
إليه .
قالت ليديا وهي تسخر من سيرجيو :
ـ قــــلت لك إننا أطــلنا المقــــام هنـــا . . وحذرتك من أن أباهــــا يتلاعــب
بنا . . لكن لا .. أنت تعرف أفــضــل منه . . أم تراك كنت تريد وقتاً أطول
لمعاشرتها ؟ فهــــل وجـــدت المتعة التي نشدتهـــا ؟ ولكن عندمـــا ستعرف
رومــا بهذا . . .
رد بحــــــزم :
ـ روما لن تعرف شيئاً قبل أن أقــــــــول لها أنا . . بيدرو اذهب إلى
الخارج وساعد لينو في تخضير اللاندروفر . . يبدو أن شيئاً ما قد
حدث . . فهــو يحاول تشغيله منذ وقت .
ظلـــوا يسمعــــــون هدير المحرك عدة دقائق ثــم ظــهر بيدرو متجهماً
غاضباً .
ـ لم يدر المحرك , والله أعلــم ما السبب . فالمحرك اللعين ينطفئ
حالما يُشغـــل .
ـ حسناً . . فلنستخدم السيارة الأخرى .
شعرت نادين رغم توتره البادي أنه لا يهتم حقاً إذا ما رحلوا أم لم
يرحلوا , وكانت هذه الفكرة التي عنت على بالها غريبة .
هز بيدرو كتفيه : (( فعلت ذلك ولم أفلــح )) .
عبس بيدرو فجأة واستدار ليفتح علبة السكـــر , ثم سأل ليديا : (( كم
كانت الكمية الموجودة هنا ؟ )) .
رأت نادين عينا الفتاة تتسعان وهي تنظر إلى علبة السكر , والتفت
بيدرو إلى سيرجيو , وقال بوحشية :
ـ صديقتك الصغيرة وضعت السكر في المقود ! لهذا لا يدور
المحرك اللعين !
نظرت إليه ليديا بمرارة :
ـ تعني أننا عالقون هنا ؟ حين يعودون سيلقون القبض علينا وكـــأننا
فـئران في مصيــــدة !
رد سيرجيو :
ـ هذا إن عــادوا . . فلسنا واثقين . .
قاطعته بشـــراسة :
ـ أوه . . لا . . لسنا واثقين . . لكننا قادرون على التخمين . . إنهم
الشرطة بدون شك ولن يعودوا بدون سلاح ولكن الفتاة مــا تزال معنا .
و (( دادي )) لا يرغب في استعادة ابنته مليئة بالثقوب . وهذا بالتأكــيد ما
سنفعله إن لم يعطنا المــال والــضمانة للخروج من البلاد .
فكرت نادين بقلب غائر في أن الجرذان أيضاً قد تكون خــطـــرة , فلا
بيدرو ولا لينو تجادلا مع ليديا , وما من شك لدى نادين أن الإيطالية
ستنفذ ما قالته بالضبط إذا دعت الحاجة . ولكنهم مخطئون في أمــر
السكــر فهي لم تمسه .
قال سيرجيو لــ ليديا بحدة : (( أقفلي عليها باب غرفتهــا )) .
وتحرك فرأت أنه يحمل مسدساً , ولكن هذا المسدس ليس كسلاح
الباقين بل هو أفطس ذو منظر شرير . كسى جسدها طبقة خفيفة من
العرق . . يا الله . . إذا كان هذا هو معنى إنقاذها , فهي تفضل البقاء
أسيرة !
لكن ليديا رفضت :
ـ لا . . ستبقى معنا هنا بحيث نستطيع مراقبتها . . ليحذروا عندما
يطلقون النار علينا . . كم سيطول الوقت قبل وصولهم إلينا ؟
لاحظت نادين أنها مذعورة , ولم تستطع إلا أن تلاحظ كيف أنهم
جميعاً حتى لينو كــانوا يتجهون إلى سيرجيو طلباً للنصيحة والقيادة .
ـ هذا وقف على المدى الذي سيتقدمون به إلينا . . ربما ساعتين ,
هذا إذا عرفوا أننا هنا . . لذا علينا المباشرة بالاستعداد . . ليديا
اصطحبي معك نادين واحضري كل مؤونة الطعام فلا نعرف كم سنبقى
مسمرين هنا . لينو , بيدرو , أحضروا ما لدينا من ذخيرة .
رطبت ليديا شفيتها : (( ألن تحذر رومــا ؟ )) .
ـ وما الفائدة ؟ لا يمكنهم نجدتنا في الوقت المناسب . لا . . فنحن
وحدنا في هذه الورطــة .
لاحظت نادين أن سيرجيو يتمتع بالموقف في حين أن الآخرين
متوترون . أدركت فجأة أنهم كالطبل الأجوف , صوته عالٍ وداخله فارغ
فما إن ظهرت قوة تفوق قوتهم حتى انكشفوا على حقيقتهم .
كان سيرجيو مخطئاً في تقديره بالنسبة للوقت , فقد عادت الطائرة
بعد ساعة ونصف تماماً فراحت تدور حول المزرعة قبل أن تحط قرب
النهر بعيداً عن الأنظــار. . فقال بيدرو ساخطـاً :
ـ اللعنة . . إنهم بعيدون عن مرمى النيران ! ماذا سيفعلون ؟ هل
سيجتاحوننا أم سينتظرون ؟
بدا سيرجيو غير متأثر : (( هــذا وقف . . ؟ )) .
ســألت ليديا بصوت حاد مذعور : (( على مــاذا ؟ )) .
ـ على ما إذا كانوا الشرطة الإيطالية لأنني أخشى أن يكــون السير
برادلي قد أقنع الحكومة البريطانية بأن من حق ابنته البريطانية الجنسية
حماية الجيش البريطاني .
ابيض وجه ليديا هلعاً :
ـ أتعني فرقة الإنقاذ الخــاصة ؟ لكن السلطــات الإيطالية لن توافق !
ـ أعتقد بعد مذبحة (( موريو )) أن السلطات الإيطالية ستكـــون شاكرة
الحكومة التي ستحمـــل الوضع المحرج عن عاتقها . . على أي حــال
أليس إسقاط الحكومة وإظهــار فشلها هدفاً من أهداف منظمتنا ؟
تساءلت نادين بحيرة عما إذا كان سيرجيو يدرك أنه بهذا يزيد من
مخــاوف رفاقه بدل تهدئتهم . . وكأنه يعرف كم ترعبهم مواجهة فرقة
الإنقاذ الخاصة , ويتعمد التلاعب بأعصابهم ولكنها بدون شك تتخـــيل
مــا هو غير موجود .
ـ سيرجيو . . هناك قرب بستان الزيتون . . انظـــر !
محت كلمات لينو المتوترة كـــل ما يتعلق بالسبب الذي يدفــــع
سيرجيو إلى هذا التصرف . وكان كــالآخرين اهتمامه منصب على
الأشباح المتحركة بين أشجــار الزيتون . مـــاذا سيفعلون ؟ الإيطاليون
يعمدون إلى اقتحام المبنى مهما كــان من بداخــله أما البريطانيون فيميلون
إلى الدبلوماسية قبل العنف .
تبين فيما بعد أن الوسيلة الأخيرة هي المعتمدة . . فقد تقدم رجــــل
يرتدي بذلة مموهة إلى المنزل يحمل مذياعاً يدوياً , ويحيط به رجلان
يحملان الرشاشات . . تكلم الرجل عبر المذياع بالإيطالية , طالباً من
الخاطفين إطلاق سراح نادين ولكن لينو رد عليهم بإطــلاق الرصاص .
وشاهدت نادين الرجال الثلاثة يرتمون أرضــاً , وفي اللحظة عينها كــان
سيرجيو يدفعها إلى الأرض قائلاً باقتضاب :
ـ ابقي منخفـضـة .
أخفض رأسه أيضاً فيما كانت طلقات رشـــاشه تصيب جـــدار
المبنى .
ثم فيما بعد لم تعد نادين تتذكـــر بوضوح ما حدث . كانت تعاني من
الخوف ومن حرارة لا تحتمل , أمـــا الغرفة فازداد توترها . كانت رشقات
متقطعة من النيران تذكرهم بأنهم لن ينجو من المبنى أحياء .
كم مضى من الوقت , لم تكـــن نادين واثقة . فقد بدا أن الزمن يجر
أقدامه الثقيلة , والخوف يستولي على كيانها , أما الموت فقد كان أقرب
لها من بندقية ليديا , وسكين لينو , ولن يتردد أحد منهما في إطلاق النار
عليهــا .
كان سيرجو يستلقي إلى جانبها , يحرس إحدى النوافذ . حين
حــاولت التسلل إلى فوق , نحو غرفتها لتجتذب انتباه المنقذين , أطبقت
أصابعه على معصمها ولكن الإمساك بها لم يلهه عن هدفه .
صرخت ليديا بحـــدة في مرحلة مــا , بعدما تلقت توســلاً آخــر
بالاستسلام .
ـ لن تأخذونا أحياء . . ولن تسترجعوا الفتاة . . سنقتلها أولاً !
بعد ذلك بدا أن الجو خــارجاً قد عمه السكون فصعد لينو إلى فوق
ليحقق من أي حركة خلف المنزل , لكن ما إن صعد حتى تصاعدت
الطلقات من الخارج تجذب اهتمام الآخرين إلى مهاجميهم .
كانت نادين تواجه الدرج منبطحة على وجهها وعضلاتها متشنجة ,
لكن خائفة من أن تصاب برصاصة طائشة إن تحركت . . . لذلك كانت
أول من شاهد الرجال الأربعة الذين برزوا من فوق بسلاحهم الكــامل
وبزتهم المموهة التي أثارت في نفسها الطمأنينة .
فيما بعد , لم تستطع أن تقول ماذا دهــاها , فهي عوضــاً عن البقاء
صامتة , دفعت ذراع سيرجيو , فالتفت بسرعة . . وفي اللحظة نفسها
صرخت ليديا بذعــر :
ـ سيرجيو . . الفتاة . . اقتلها الآن !
وشاهدتها نادين ترفع سلاحها , فجلس سيرجيو وشــد نادين معه
في اللحظة عينها التي انفتح فيها الباب عنوة , وسمعته يتمتم :
ـ إلى الباب . . اركــضي . . بسرعة .
أطاعته مذهولة فقد شاهدت العزم في عيني ليديا , وتحـــرك سيرجيو
يرمي بنفسه بينها وبين البندقية , وسمعت نادين انفجاراً مدوياً , حملتها
قوته إلى الباب , ثم التقطها الرجال ذوو البزات المموهة وهم يؤكدون
لبعضهم بعضاً أنها سالمة .
كانت تصــيح منتحبة : (( سيرجيو . . سيرجيو . . )) حينما التفت
حول جسمها ذراعان حبيبتان وبرز أمامها وجه أبيها وهو يتطلع إليها ,
وضمهــا إليه :
ـ آه . . يا فتاتي المسكينة !
كـــان غـريباً فعـلاً في ثيابه العسكرية , أكبـــر سنــاً وأكثر وقـــاراً مـمــا
تذكره , ثم تقدم رجـــل آخر وهــو الضابط على مـــا يبدو يقــــول بصوت
منخفض أن يتركــا الرجال يقومون بالعمل الذي جـاؤوا من أجله . مشيراً
إلى اللاندروفر المنتظــر وساعدها والدها لتصعــد إليــه . . ولكنها تطلعت
من فــوق كتفهـــا إلى الوراء , كانت أصـــوات الطلقـــات النارية تتردد في
أرجاء المنزل الذي أخــذ الدخان الكثيف يتصاعد منه .
قال لها والدهــا متجهماً . .
ـ لديهم أوامــر باعتقالهم ويجب أن يكونوا أحياء . لكن لــحسن
الحظ سيحاكمون في إيطاليا , وهذا يعني أن يحصلوا على حكم قاس
جداً . . ربما سجـن مؤبد . . على أقــل تقدير .
سجن مؤبد ؟ فكــرت نادين بـ سيرجيو وهو مسجون في زنزانة . . .
فالتوى شيء ما في داخلها . . لقد أنقذ حياتها , أفلا يعني ما فعله شيئاً ؟
التفتت إلى والدها , تريد أن تخبره ولكنه أصمتهــا وضمها إليه وهو
يرتجف قائلاً :
ـ يا حبيبتي المسكينــة ! لا أستطيع الانتظــار حتى أحملك إلى
المنزل . سنذهب معاً إلى مكــان ما وستكون لنا إجــازة جيدة نضع فيها
كــل هذا وراءنا .
وافقت نادين مخدرة التفكــير . . ترفض أن تعترف أن قسمــاً مما
جرى لها في الأســر لن يُنسى بسهولة . إنها الآن حــرة وســالمة . . وعلى
هذا يجب أن تركز أفكــارها وتحاول النسيان , نسيان أي شيء آخـــر .
http://smiles.al-wed.com/smiles/13/i...17_42994_4.gif
نهاية الفصــل (( الثامن )) . . .

جمره لم تحترق 08-01-12 04:41 PM

انتظـــروا آخـــر فصلين
حيث ستسدل ستارة
النهاية
لو في حمآآآآآآآآس بانزلها اليوم خخخ
محبتي للكل
http://www.al-wed.com/pic/8124.gif

سهر اليل 09-01-12 01:03 PM

يخواااااااااااااااااااتي أنا ع القمر بس يهل علينا ,,
تؤبشي ئلبي ياعسل على عالفصل ,, هئ هئ هئ هئ بس بجد مافي اتحمل النطره بدي اعرف شو بيصير ,,
عم بتخيل النهاية ,, بس اكيد كتابتها بايديكي اروع نهاية ,, بليز لا طولي ,, ومبارك المناسبه الحله الي عندك ,, ومرسي لجهدك معنا ,, وسوي لاني سهرناكي , واممممممممممممممممممممممممممم , اكيد مافي حماس اكتر من هيك , يلا وين اخر جزئين ماشوفتهم ,,ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه ,,
يسلموو الايادي ياعسل ,,

fati_mel 09-01-12 02:13 PM


جمره لم تحترق 09-01-12 09:39 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سهر اليل (المشاركة 2973333)
يخواااااااااااااااااااتي أنا ع القمر بس يهل علينا ,,
تؤبشي ئلبي ياعسل على عالفصل ,, هئ هئ هئ هئ بس بجد مافي اتحمل النطره بدي اعرف شو بيصير ,,
عم بتخيل النهاية ,, بس اكيد كتابتها بايديكي اروع نهاية ,, بليز لا طولي ,, ومبارك المناسبه الحله الي عندك ,, ومرسي لجهدك معنا ,, وسوي لاني سهرناكي , واممممممممممممممممممممممممممم , اكيد مافي حماس اكتر من هيك , يلا وين اخر جزئين ماشوفتهم ,,ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه ,,
يسلموو الايادي ياعسل ,,

ههههههههههههههههههـ
تؤبشني طلتك وحماستك
والله يبارك فيك ويسعدك غلاتي
وبجد بجد ما في حماآآآآآآآآآآآس أكثر من كده
يعطيك الف الف عافيه على الاطلاله الرائعة
التي تفرحني دوماً بل ترسم الابتسامه لساعات
شكــراً لتواجدك
خالص محبتي
http://www.al-wed.com/pic/8124.gif

جمره لم تحترق 09-01-12 09:42 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة fati_mel (المشاركة 2973404)

يعطيك الف عافية يا غاليه
على الكومنت الرائع شكراً كثيراً
http://www.al-wed.com/pic/8124.gif

جمره لم تحترق 09-01-12 09:50 PM

9- بقــي فــي أحـلامهـا ! **
 
9- بقــي فــي أحـلامهـا ! * *
http://www.al-wed.com/pic-vb/17.gif
شغل اختطاف نادين , وإنقاذها الغريب من نوعه الصحــافة . ولكن
المراسلين الذين كانوا يلاحقونها على أساس أنها مادة خصبة لمقالات
الشائعات الاجتماعية , أخذوا الآن يطاردونها للحصول على مقابلة
معها , حتى أصبح من المستحيل عليها , أن تخطــو خطوة خــارج شقة
أبيهــا .
منتديات ليلاس
كانت علاقتها الجديدة مع أبيها , مكـافأة غير متوقعة وقد أثر
اهتمامه الرقيق فيها عظيم التأثير . كان يخطط لاصطحابها بعيداً في
عطلة حالما يزول ضغط العمل عنه . ولكنهما حتى الآن لم يتطرقا إلى
موضوع محنتها ذلك أنها أبدت رغبة في تناسيها وأذعـــن هو لمشيئتها . .
مع أنه حذرها من أنها لن تستطيع دفن ما حدث بعيداً .
كانت يوميــاً تقلب الصحف بحثاً عن خبر عن مختطفيها . . ولكن
دور فرقة الإنقاذ الخاصة ظل قيد الكتمان . أما سبب اشتراكهم فهو
السلاح العالي التقنية الذي شاركت شركة والدها في إنتاجه وخشيت
الحكومة أن يكون شــيء من هذا القبيل قد تسرب إلى الخاطفين , أو
على الأقــل هذا ما قاله لها والدها .
لكن نادين , التي دأبت على قـراءة الصحـــف لم تجـــد ذكراً للغارة
على المزرعة ونتيجتهــا . وأقنعت نفسهــا أن من الطبيعي أن تشعر
بالفضول لمعرفة مصير خاطفيها . ولكن الواقع أن شخصاً واحداً منهم
شغل أفكارها ويشغلها , إنه سيرجيو . . هل نجا , أم أُســـر ؟ قالت لنفسها
يجب أن تسر لأنه اعتقــل , ولكنها رغم ذلك كانت تشعر بالألم والعذاب
بسببه .
بعد شهر من عملية إنقاذها اصطحبها والدها إلى الكاريبي حيث
أمضيا أسبوعين رائعين استلقيا خلالهما على الرمال الفضية الشاحبة
تحت السماء اللازوردية الدكناء . . كانت العطلة مثالية ولكن نادين لم
تجدها هكذا . لأنها ما زالت متوترة , تقفز مذعورة كلما سمعت وقع
أقـــــدام .
قالت لوالدها بثبات في صباح يوم :
ـ حين نعود . . ســأركز اهتمامــي على عملــي . . فما نفعله الآن هــو
تسلية ولهو لا فائدة منهمـــا .
رد والها ممــــازحاً :
ـ شرط ألا تبذري مكاسـبنا على مشاريعك الخيرية .
كـــان يعاملهـــا وكأنها من زجـــاج معرض للكــسر . وحتى يطمــــأن إلى
حــالها راحت تعرض عليه خططها وهما في الطائرة في طريق العودة إلى
الوطن . إنها رحلة طويلة تـــدوم ثماني ســاعات . استيقظت نادين قبل
الغروب فسمعت الطيار يعلن أن الطائرة ستحط في أقرب مطـــار
اضطراراً , وأكــــد لركابه أن عطلاً غير خطير أصاب المحرك .
كانت المضيفـــات يوزعــن الابتسامات على الركــاب , وأكــدت لهــا
إحداهن مبتسمة , وقد جــاءت لتتأكد من سلامة حزام الأمـان .
ـ السلامة أفضل من الندم . . ثمة طائرة أخرى تنتظــرنا , ولن
تتأخـــروا فترة طويلة .
التفتت المضيفة إلى والدهـا تبتسم له بفتنة , فوالدها مــا زال رجلاً
جذاباً , عندها وجدت نفسها تتساءل عما إذا كان والدها قد فكر يوماً
بالزواج مرة أخــرى , وإنجاب المزيد من الأولاد . وشعرت بالخجــل
الشديد لأنها لا تعرف شيئاً عن والدها وآماله وأحلامه والأسوأ من هذا
أنها لم تكن ترغب في المعرفة وأنها كانت تعامله وكأنه مجـــرد ممول .
من الآن وصاعداً سيتغير هذا كله . وضغطت على يده وهما يستعدان
للنزول من الطائرة وأصغت إليه وهو يتحدث إلى المضيفة . . سألت
نادين المضيفة وهي تتجه إلى مقعدها في مؤخرة الطائرة (( أين
سنحط ؟ )) .
ـ في روما . . لكن لن يكون هناك وقت للزيارة .
روما ! ازدادت أصابع والدها ضغطاً على يدها قليلاً وكانت عيناه
متعاطفتين ومتفهمين . مسكين أبي ! لقد كانت الحادثة أشد وقعاً عليه
وهي حتى الآن لم تخبره شيئاً عمــا مر بها وعمــا تُكِــن من مشاعر
لــ سيرجيو .
وكما قالت المضيفة , لم يتأخروا في المطار إذ سرعـــان ما وضعت
طائرة جديدة تحت تصرفهم , ولكن فيما كانوا يهرولون إلى بوابة
الذهاب لفت اهتمام نادين عناوين صحيفة . (( تقدم عصابة خطف إلى
محاكمة مبكرة . . وابنة لورد إنكليزي ستكون شاهدة عليهم )) كان في
المقال تفاصيل أخرى لم تجد الوقت لتقرأها لأن والدها كان يستعجلهـــا
ووجهه شــــــاحب منهك .
قالت له تتهمه عندما جلسا في مقعدهما في الطائرة الجديدة .
ـ لم تخبرني بهذا .
ـ لم أشــأ إزعــاجك . . لست مضطرة للظهور في المحاكمة إذا لم
ترغــــبي . في الواقع قلت للانس . . .
ـ لانس ؟
ـ لانس آدمز , كنت وجده شريكين . . ولا أظنك قابلته يومــاً . إنه
أكبر منك بعدة سنوات . . إنه في الثلاثين .
ـ لا . . لم أقابلــه . لكن ما علاقته بالمحاكمة ؟
ـ لا شيء ولكنه محام بارع , وكنا نناقش إمكانية اضطرارك للظـــهور
في المحاكــمة قبل سفـرنا . ونصحني أن أحذرك . . ولكنـــني أردت أن
تكوني في هذه الإجــــازة حرة مما يخيم عليك فهل أخطــأت ؟ في الواقع
قلت للانس لا أريد أن تظهري . . .
ـ ولكن إن لم أشهد , فلن يتمكنوا من إدانتهم . . أليس كذلك ؟
ـ لا أعتـقــد . . فــأنت الشــاهد الــوحيد , و لـك الكلمة الأولى
والأخيرة . لكنني أرفض أن أعــرضك لخطــر أو إزعاج .
ـ خطـر ؟ تعني من أفراد العصابة الباقين ؟
ـ لقد أصبح معظمهم قيد الأسر . فقد استقصت الشرطة معلومات
من خاطفيك عن شركاء كثر , اقتفوا أثرهم واعتقلوهم .
كان والدها يعرف معلوما كثيرة عن القضية كلـــهـــا وهذه
المعلومات أكثر مما ادعى أنه يعرف . وقال لها وقد عرف ما تفكر فيه :
ـ طلبت تزويدي بكل جديد . . قد حظي السلطات الإيطالية
بمساعدة كبيرة من رجالنا . . مع أن الأمــر كله كان سراً دبلوماسياً .
ـ أعتقد أننــي محظوظة .
ـ لا تفكري في ما حصل . . ربما لانس على حق فقد يكون ظهورك
في المحكمة كارثة لك , فــأنت لم تكلميني عمـا حدث قط .
ـ ولكنك على ما يبدو تحدثت عن القضية كثيراً مع لانس .
عضت شفتها وهي ترى تجهم وجه أبيهــا وقالت :
ـ آسفة يا أبي . . لم أكن منصفة عندما تفوهت بتلك الكلمات .
ـ قلقنا عليك . أنا و لانس صديقان رغم فارق السن , وأنا أقدر
أحكــــامه .
لم يتطرقا إلى الموضوع حتى وصلا إلـــى الوطن ثم إلى المنزل
حيث وجدت نادين مغلفاً رسمياً بانتظارها .
تبين لها أنه من السلطات الإيطالية فحملته معها إلى غرفتها , أمام
والدها فتركها تفعل ما تشاء . . ما إن دخلت إلى غرفتها حتى تكورت
فوق الكرسي الهزاز الذي احتفظت به منذ طفولتها .
غريب أمر الإنسان . في بداية أسرها , كانت ستسعد بهذه اللحظــة ,
وتتمتع بالتفكير في إرسال سيرجيو إلى السجن وبحرمانه من الحرية
كما حرمها من حريتها . . أمـا الآن . .
وفيما كانت تحـدق في المغلف راحت الأحداث والمشـــاعر التي
كانت قبلاً غريبة عليها , تتراءى لها , وبدأت تنظــر إلى الرسالة شاردة
لأن الحقيقة صدمتهــا بقوة .
إنها تحب سيرجيو ! لهذا لم تتمتع بالعطلة ولهذا أمضت عدة ليال
في سهاد وأرق ولهذا قضت أيامها في ألم عميق . لقد ظنت مخطئة أن
ما كان بينهما مجرد افتتان أو حاجة شعرت بها عندما ظنت أن حياتها
قصيرة . . لكنها في الحقيقة كانت طريقة جسدها في دفعها إلى مواجهة
الحقيقة . . وأنها لم تكن ترغب سوى بـ سيرجيو , و سيرجيو وحده .
كانت في الطريق للوقوع في حبه عندما شاهدته على الشاطئ وقد
أجبر الجو الخانق في منزل المزرعة ذلك الحب على النضوج باكراً . .
فجأة عرفت ما يجب أن تفعل . . ولن يكون سهلاً , ولكن والدها بدون
شك سيصاب بالصدمة وسيتألم . ماذا تفعل ؟ إنها تحب سيرجيو , وهي
مستعدة للمقاتلة من أجله مهما فعل في الماضي . وحينما تبلغ
السلطات أنه أنقذ حياتها في تلك الدقائق اليائسة , عندما دفعها بعيداً
عن فوهة رشاش ليديا , فسيعمدون بالتأكيد إلى تخفيف الحكم ؟ تعرف
أنه لا يشبه الخاطفين . . ولكنها لا تعرف ما كــان يفعل , ولا
تعرف حتى ما هو شعوره نحوهـــا , إنما كل هذا لا يهم . إنها تريد أن
تنقــــذه .
وجد والدها تصميمها على حضور المحــاكمة , غريباً ومع ذلك لم
يبدُ قلقه , ردت نادين على الحكومة الإيطالية , تقول إنها ستقف
شاهدة , وقررت أن تقدم توسلها لــصالح سيرجيو , في قفص
الشهادة . .
لم تكن حمقاء بل تصورت ما ستنشره الصحافة عنها ذاكرين أن
ضلال حكمها يعود إلى سيرجيو وعندهـا ستعود الشائعات حولها إلى
الانتشار ولكنها لم تعد تهتم . . فـ سيرجيو سيعرف الحقيقة .
كانت المحاكمة ستجري بعد شهر , ولم يمر يوم لم تفكر فيه
بـ سيرجيو , ولم تمض ليلة بدون أن تحلم بذراعيه تضمانها وما
استيقظت صباحاً إلا وذكراه في رأسها .
قدمت السلطات موعد المحاكمة خشية أن يسعى أفراد العصابة
الطليقون إلى تحرير رفاقهم . ولحضور هذه المحكمة اختارت نادين
ثوباً حريرياً ذهبي اللون يشبه لونه لون الزعفران . وقد أبرز هذا الثوب
شعرها الأحمــر وعينيها العسليتين الصفراوين . وجعلها تبدو أكبر سناً ,
أم أنها فعلاً كــبــرت ونضجت ؟
قال لها السير برادلي , إنها تبدو ساحرة ولكنه في سره , كـــان يعرف
أنها تبدو هشة ضعيفة إلى حد يدمـــي القلوب . . وتمنى لو يعرف ما الذي
يحمل هذه الظلال إلى عينيهــا وهـــذا القنوط إلى شفتيها . لكنه كــــان
متفهماً وحكيماً فلم يســأل , فعلاقتهمــا الجديدة أثمن من أن تعــرض
للانهيـــار .
كان يريد مرافقتها إلى إيطــــــاليا , ولكنها رفضت كمــا أن بعض
المستجدات فرضت عليه رحلة عمل إلى نيويورك في أسبوع المحــاكمة
نفسه وهذا يعني أنه لن يتمكن من مرافقتها .
قبل موعد الانطلاق إلى روما , عادا إلى المنزل باكراً مــساء
الجمعة . . كانت نادين مشغولة بتوضيب حقائبها , فصعد إلى غرفتها
والتعب والتوتر باديان عليه ثم قال لها بدون مقدمات :
ـ أعرف أنك ستعترضين على هذا . . ولكنني قررت أن يرافقك
أحــد إلى رومــا .
ردت ساخرة : (( لا تقل إنه لانس الـــذي لا يقدر بثمن )) .
لقد سئمت قليلاً من ذكره أمــامها ولكنه تجاهل تعليقهـا الفظ وهز
رأســـه :
ـ لا . . إنه أحد الرجال الذين اقتحموا المزرعــة , فهو مطلـــوب
للشهادة أيضـــاً .
شهادة قد تدين سيرجيو ! ذعرت نادين . . فهذا ما لم تخطط له ,
وهـــذا الرجـــل الــذي يشير إليه والدها , ما هو إلا أحــد رجــال الفرقة
الخاصة التي أنقــذتها . على أي حال لم تتعرف إليه بل هي أصلاً لا تذكر
الكثير عن ذلك اليوم . لكنها وجدته لطيفاً ومهذباً , عندما كــان يجلس
إلى جانبها في الطــائرة .
لم تدرك مدى توترها إلا بعدما كادت الرحلة تنتهي . قال لها
بهـــدوء :
ـ أعــــرف أنـك تستصعبين الشهــادة . . خاصــة وقــد عـــايشت أفـــراد
العصابة . والمخطــوف في هذا الموقف إما يكره الخاطف بشدة أو يعتمد
عليه كثيــراً . .
كان يراقبها , فشعرت نادين بأنه يتســـاءل عن الموقف الذي
اتخذته : الكره أم التعاطف . لكنه سيعرف سريعاً . شدت على شفتيها
لتصبحا خطاً رفيعاً . فما قاله صحيحاً إنها تشعر فعلاً بالاعتماد على
سيرجيو , فبدونه لا طعم للحياة ولا نكهة ومع ذلك فهــي تعرف أن من
المحتمل ألا يبادلها المشاعر . لكن إن استطاعت تحريره فيحتاج إلى
مساعدتها وعونهــا . تحركت بقلق في مقعدها . . أهذا ما تريده ؟ عرفان
جميل بالقوة ؟ تبعية لها , لأنه لا يجد شيئاً آخــر أمامه ؟ أتريد حقاً أن
يتقزم إلى هذه الدرجة ؟ ألم تحبه لأنه متكــبر ومستقل ؟ أيرغب حقاً في
الحرية بهـــذا الثمن ؟ أم سينقلب مـــا يكنه لهــــا إلى كراهية واحتقار ؟
حاولــت نفسها سـلباً وإيجاباً أثناء الرحــلــة ولكنها لم تصل إلى نتيجة
ولكن ما تعرفه خير معرفة أنها لن تسمح لـ سيرجيو بالذهاب إلى السجن
بدون أن تحــاول على الأقــل إنقاذه . أمــا ما يحدث بعد ذلك فشأنه هو .
عندما رأت الحراسة المشددة التي طالعتها في المطـــار والتي
أحاطت بالفندق الذي نزلا فيه , علمت أن السلطات تنظــر إلى تلك
المحاكمة بطريقة جادة , وأدركت أن فرصتها في إنقاذ سيرجيو قليلة .
كانت الحكومة الإيطالية تريد الانتقام وستكـــون مساعدة نادين هــي
السبيل للحصول على ما تريد . وهذا ما تأكد لها في اليوم الأول
للمحاكمة , حين طلبت للشهادة .
فــي قفــص الإتهام , شاهــــدت ليديا , تحــــدق إليهـــا بغــضــب , كمــا
شاهدت لينو و بيدرو إلى جانبها , ورأت آخــرين وقفـوا وراءها لم تتعرف
نادين إليهــــم , لكـن سيرجيو لم يكن بينهم . بدأ الخوف والذعر يستوليان
عليها . . أين هو ؟
تدفقت الأسئـــلة عليها , وأجبرت نفسها على الرد بدقة ولكنهـــا
تعمدت عدم التلميح إلى دور سيرجيو . كان توترها يزداد كلما بحثت
عنه عيناها في قاعة المحكمة . هل استطــاع الهرب ؟ لم تقــرأ شيئاً عن
هذا في الصحــــف .
في إحــدى المراحــل , حين اضطرت لذكــر تهجم لينو عليها , أخــذت
القاعة تميد بها , وأصبح صوتها أجش متوتراً . فــســارع القاضــي يأمــر
بإحضــار كــأس عصير لــها , وطلب منها أن تهدأ . ثم ســألها :
ـ في تلك المرحلة أنقذك أحد أفــراد العصابة ؟ فهل هذا الرجــل . .
هنا بين الموجودين في قفص الاتهام ؟
تقدم شخص من القاضــي ليهمس شيئاً في أذنه , فهز القاضي رأســه
ببطء , ثم ابتســـم لــ نادين :
ـ آه . . أجل . لقد نسيت . . ذلك الرجل أصيب أثنـــــاء القتال
وأصبح أبعــــــد من عدالة الإنســـان .
مــــادت قاعة المحكمــة , وانقلبت , ودارت بجنون حولهــــا . .
سيرجيو مات . . مات . . . كانت الأصوات حولها تتخطــاها وتتباعد
عنها في موجــات ثقيلة . . شخص ما في مؤخــرة القاعة , كــان يصيح ,
ويركض إليها ومسدسه في يده . . فجــأة انفجر العنف فـــي قـــاعة
المحكمة , وصرخ شخص ما ثم دفع نادين إلى الأرض , في اللحظة
التي مرت سكين قرب أذنها . . ودوت أصوات الرصاص , ثم حينما
رفعت نادين رأسهـــا رأت جسـد لينو خامداً ممدداً ووجه ليديا متلوياً
ألمـــــاً .
منتديات ليلاس
تبدل المشهد أمامهـا وشاهدت نادين سيرجيو مكـــان جســـد لينو ,
ذراعاه مفتوحتان وجسده بدون حياة . . فطغى حزنهــا عليه على جميع
مشــاعرها .
سمع حـارسها يشتم , ثم ســألها ما إذا كانت بخير , وقال متمتماً :
ـ لقد حــذرني لانس من حــدوث شيء كهذا . .
لكن ما قـــاله لــم يكـــن يعــني شيئاً لــ نادين . . فــ سيرجيو مــــات . لم
تستطع ترك الأمـــر هكذا . . فبعــد مــا حدث لم يطلب منها المــزيد مــن
الأقوال ولكنهــا رفضت مغادرة قاعة المحكمة , حتى تعرف ظـروف مقتل
سيرجيو كـــاملة .
كــان فــي عيني حــارسهــا شفقة وحنو , عندمــا قالت له إنه قد يضطــر
إلى حملهــا بالقوة إلى خارج القاعة , وإنها لن تغادرها قبل أن تعرف كل
شــيء . . وكان في عينيه كذلك إحســاس آخــر لم تستطع نادين تسميته ,
ربما هو الشعور بالــذنب .
شاهدت تلك النظرة مجـــدداً , حين تحدثت مع مســؤول إيطــالي
أنيق , متجهم الوجه , يتكلم الإنكليزية بطــلاقة . وقد اعتذر هــذا
الإيطالي بلياقة رسمية لما كــاد يحدث لها , وقال بمرارة :
ـ السفلة ! هذه الحيوانات لا تستحق الحياة . . إنهم يريدون تمزيق
المدينـة , إنهم لا يستحقون الحياة .
رفعت نظراتها المتوسلة إلى حــارسها , للتدخــل ولطرح السؤال
الذي لم تستطع نادين طرحــه :
ـ آنسه كلايتون مهتمة بأمر رجـــل اسمه سيرجيو . . قتل أثناء
الحادثة , على مــا أعتقد .
أهي مخيلتها , أم أن رسالة صامتة تبودلت بين الرجلين ؟ . . بعد
تردد قليل , قال الإيطالي :
ـ أجــل . . هذا مــا حصل له .
أرادت أن تعرف الحقيقة مهما كانت مؤلمة . إنها تريد أن تعرف
كيف قتل سيرجيو :
ـ هل مــات في منزل المـــزرعة ؟
ـ أجــل , أصــابه أحـــد منقذيك . .
ـ بل أحــد أفراد عصــابته .
جــاء التفسيران في الوقت نفســه , ولامست تقطيبة شديدة جبين
نادين , ولكـــن قبل أن تتســاءل عن تباين تفسيريهما , اعتذر الإيطالي
بــــلطف :
ـ أجل . . طبعاُ . . أنت على حق وأنا مخطئ . لقد تلقى رصــاصة
من أحـــد منقذيك .
إذن سيرجيو مات ! لكنها لم تتمكـــن من تقبل هذا الخبر . لقد كــــان
رائعاً ولطيفاً , ســلاحه قوة إرادته . وأخذت تشنجــات بكاء هستيري تهز
جسدهــا فبدا حارسهــا غير مستريح وهكذا بدا الإيطالي أيضاً .
ـ سنيوريتا . . أرجوك . .
ـ مــاذا حدث لجثته ؟
صمت مطبـــق . . : (( دفنت )) .
ـ وأين قبره ؟
ـ غير معــروف , وهذا ما يليق بالمجرمين أمثاله .
وكانت هذه الضربة القاضية . . لقد رحل سيرجيو وكأنه لم يكن .
ذهب بدون أن يكــون له قبر يحدد ولادته وموته .
بدا حارسها مندفعاً لإخراجها من قاعة المحكمة , وشعرت بأن
انفعاله هذا هـو لإبعادها عن طـرح المـــزيد من الأسئلة . كان يتصرف كمن
يريد إخفــاء شيء عنها . ولكن ما هو هذا الشيء ؟
عندمــــا حطــت الطــائرة في مطـــار هيثرو كان والدها بانتظارهـــا ولكــن
عندما رأى الحزن على وجهها وتحركها البطــيء الذي يشير إلى أنها تكـاد
تتمـزق إرباً أرباً لم يحـاول معانقتهــا . ثم أســـرع يدير أمــر ذهابهــــا إلـى
الريف . ولم تذكــر نادين متى كانت المرة الأخيرة التي أمضـيا فيهــا بعـض
الوقت في الريف , حـاولت أن تجبر نفسهـــا على التجاوب مع مزاج أبيهـا
ولكنهـــا فشلت في ذلك .
كـان سيرجيو يلاحقهـا . . وعندما فقــدته أدركت شــدة حبهـــا له , فهــي
الآن تشعر بألم جسدي كبير ولعل أكثــر ما يؤلمها موضع لحده المجهول
فلو عرفت المكان لذهبت تزوره في لحــده علها تجد بعض السلوان .
أفضت بمكنونات قلبهــا إلى أبيها على أمــل أن يستطيع تقصــي بعض
المعلومات عن موضع قبر سيرجيو ولكن أباها بدا متردداً وقال مفسراً
تــصــرفه :
ـ سيزيد هــذا من قسوة الأمــر عليك .
ولكن نادين كانت مقتنعة بأن مــا يقولـه ليس السبب الحقيقــــي ,
وشعرت من جديد بأن الجميع يراوغ ولا يقول الحقيقة .
أخذ والدها يقنعهـــا بأن عليهــا لملمة خيوط حياتها ولكنها لـــم تشعـــر
بما يدفعها إلى هــذا . وبعد أربعة أيام من وصولهـــما إلى المنزل الريفـي
وحتى ترضي أباها , وافقت على تناول العشاء خارجــاً . وقــاد السيارة
بنفسه إلى مطعم ريفي صغير , يرتاده المحليون بكثرة , وطلب وجبة
لهـــا .
كان طلب (( البانيه )) الذي قدم لهما مع الخبز الطــازج يثير الشهية . .
ولكن ما كادت نادين تتناول لقمة واحدة , حتى شاهدت رجلاً يقف في
طرف قاعة الطعام البعيد , كــان شعره الأسـود متجعداً فوق ياقة قميصه
وحركته مرنة . لمحته من الخلف ولكنها كانت لمحة كــافية لانتزاع
اللون من وجهها ولم تشعر إلا ولسانها ينطق اسم سيرجيو بألم . جاءت
ردة فعل أبيها سريعة فسارع يخفي وجهها الشاحب وجسدها المرتجف
عن سائر الموجودين . وقال لها بهدوء :
ـ لا يمكن أن يكـــون سيرجيو , نادين .
ولكنها لما نظرت إليه وجدت نظرة في عينيه لم تستطع تحليلها .
كــانت نظرة ملؤها الغضب والإحساس بالذنب . حين تأكد من استعادتها
رباطة جأشها , قال لها إنه تذكــر مخابرة هاتفية عليه إجراؤها قبل العودة
إلى المنزل .
عندمـا ابتعــد يطـلب الهـاتف , حـــاولت استجماع شتات نفسهـــا . وبدا
لها أن والدهــا تأخر كثيراً , وحين عــاد بدا مشغول الفكــر غارقــاً فــي
التفكير .
غـــادرا المطعم فـــوراً تقريباً , وما إن وصـــلا إلى المنزل حتى قال لهــا
بنعومــة :
ـ أعرف أنك لم تذكــري إلا الأمور الأساسية عمـــا حــدث أثناء
خطفك وأعرف ما تشعرين به نحو سيرجيو . . ولكنك كتمت أموراً
كثيرة جرت . أيــساعدك التحدث عن الأمـــر نادين ؟
رمت بنفسها بين ذراعيه فتداعت رباطة جــأشها الهشة :
ـ آه , يا أبـــي !
وأجهشت بالبكــاء وراحــت تقص عليه مــا حدث فأصغى صامتاً
وعندما أنهت الــسرد بدا متجهماً , وأكــبر سناً :
ـ يــا طفلتي الصغيرة الحبيبة ! مــــاذا أقــــول ؟ أنت تتحــــدثـيـن عن حبــك
لهذا الرجــل , فهل أن واثقة بأن الأمــر ليس مجرد افتتان . . ولو افترضنا
أنه نجـــا فهل يشعر . .
وأردفت تتم عنه جملته باكــية :
ـ فهل يشعر بما أشعر به ؟ أبي , لا أدري أعرف شيئاً واحداً وهو
أننــي أحبه وبدونه لا طعم للحياة عندي .
ـ أحببته كثيراً ؟
ـ أجـــل . صــدقـني أو لا تصــدقـني , كــان حبي الأول . . وأنا سعـــيدة
بذلك . ولا تقل لي إنني ما زلت صغيرة , وإن أمامي العمر لأجد شخصاً
آخــر , لأنني لن أجـد شخصاً كــ سيرجيو .
ـ آه . . يا ابنتي المسكينة ! ماذا أقول ؟ الزمن يشفي الجــراح ! عندما
فقدت أمك . .
تنهد وبدا مرة أخــرى أكبر سناً :
ـ نادين . . لقد أســـــأت الحكم عليك والأنكـــى . .
ردت بحــزن : لأنني قلت لك أن سيرجيو هــو حــــبي الأول ؟ لا ألـــــومك
أبي . . فسمعتي لم تكن عظيمة .
ـ اسمعــي يــا ابنــتي أنت أكـــبر مــن أن أقــــول لـك ملاحظــات تافهـــة ,
وأصغــر من أن تتقبلـــي أن هذه الملاحظات هي فــي النهـــاية صحيــحة .
أدركت نادين إنه كان يراقبها بحزن متعاظــم أثـــناء العـــــودة إلى لــندن .
وفي لندن انخرطت بالعمــل بلا توقف وكــان العــمــل الوسيلــــة الوحيـدة
لإرهاق نفسها حتى تنام ليلاً . وما كان أشد حاجتها إلى النوم , فأحلامـها
كانت تشمل دائماً سيرجيو الدافئ المحب .
منتديات ليلاس
حان عيد الميلاد وولـى وبدأ شعـــرها يسترسل من جديد . لكنها
أصبحت نحيلة ومتوترة وهـشة كــالزجــاج . . وكان الألم يزداد سوءاً .
في مطلــع السنــة الجديدة , كـــان على والدهــا السـفر إلى نيويورك مرة
أخرى . . وكان والدها في الأسبوع الذي سبق رحيله يبدو متوتراً عصبياً
على غير عادته . . وعندمــــا واجهته نادين بذلك , قال إن السبب عــــدم
رغبته في تركهــا وحيدة ثم قال وهو يتجنب النظـر إلى عينيها :
ـ طلبت من لانس أن يزورك ليتأكد من أن كــل شيء على ما يرام . .
إنه في السويد حالياً ولكنه سيعود الأسبوع المقبل . . ولديه مفتاح
للشقــة .
أرادت نادين أن تقول له إنها ليست بحاجة إلى عين ساهرة ولا إلى
أن تعامل وكــأنها طفلة حمقاء ولكنها لم تقل له ذلك بسبب قلقله
وحزنه . عندما امتنعت عن الكلام , قــال :
ـ نادين . . أنا . . فليسامحني الله على ما فعلته بك . . فأنا لا
أستطيع مسامحة نفســي . لـيتني كنت أعلم . . .
اعتقدت بأن لســان حاله يقول إنه لولا ثراؤه لما تعرضت للخطف
ولما التقت بـ سيرجيو , فردت تقاطعه بنعومة :
ـ وعلى ماذا أسامحــك يا أبي ؟ أعــلم يا أبـي أن حبــــي لـ سيرجيو هـــو
أثمن من كل ما في الحياة . ربما أنت على حق , فربما كان سيرجيو يُكن
لــي المشاعر نفسها .
قاطعهــا والدهــا بعنف :
ـ بالطبع كــــان يُكنهـا . . نادين . . أنا . .
علمت أنه يحاول تخفيف ألمهــا , فضحكت ضحكة مرتعشة :
ـ ماذا تعني (( بالطبع كان يكنها )) . . ولمـاذا يحبنـــي ؟ ألأننــي ابنتك ؟
ســافــر السير برادلي بعـــد ظهـــر اليوم التالـي وكـــانت نادين قـــد أقلته
بنفسها إلى المطار بسيارة الرولزرويس الضخمة . وبعدمــا أقلته عـــادت
ولكن عوضاً عن العودة إلى الشقــة التي تحتل الطابق الأخــير من البناية
التي يسكنان فيها , توجهت إلى المكتب تغرق نفسها في العمل .
كــانت تصل إلى المكتب في الثامنة صباحــاً ولا تغـــادره حتى الثامنة
ليلاً , وعندما تعود إلى الشقة في أعلى البناية كانت تشعر بإرهاق شديد
يكاد يمنعهـا عن تحضير لقمـة طعام ولكن جسمهـــا اعــتاد على هـــذه
الخطوات العقابية , وعــاد النوم إلى مراوغتها .
قال لها رئيسها ذات صباح عندمــا وجدهـا جالسـة على مكتبهــا وحول
عينيها دوائــر كبيرة :
ـ نادين لن تستمري على هــذه الحــال . استريحــي بضعة أيــام . هــــذا
أمر ! لن تقدمـــي للعمل فائدة وأنت على هذه الحــال .
اعترفت بصدق قوله فاستسلمت ولكن الشقة بدت لها مقفـرة بدون
والدها ولذلك قررت الذهاب إلى منزلهما الريفي في (( سوراي )) .
عندمــا غـــادرت لـندن انهمــر الثلج . كانت رقــع الثلج تتســاقط هشـة
ولكنها كانت متماسكة كحبها لــ سيرجيو , الذي أخذ يزداد تماسكاً بدون
أن تشعر به حتى فــات الأوان . . فات الأوان . .
وصــلت إلى مـــنزل سوراي متأخرة , وفيمــا كـــانت تهم بفــتح الباب
فكرت في الاتصــال بأبيها الذي سيقلق إن اتصــل بالشقة في لندن ولم
يجدها . لكن قيادة السيارة مدة طويلة أرهقتها وأتعبتها فنامــت حالمــا
استلقت في الفراش . . وكــان أن استسلمت إلى أحــلاك ليس فيهـا إلا
سيرجيو .
http://smiles.al-wed.com/smiles/13/i...17_42994_4.gif
نهاية الفصل ما قبل الأخير (( التاسع )) . . .

جمره لم تحترق 09-01-12 09:52 PM

ســــاعة وسيكون الفصــل الأخير جاهز
انتظرونــــــــــــــي
http://www.al-wed.com/pic/8124.gif

جمره لم تحترق 09-01-12 10:48 PM

10 - أعدني إلى عــذابي * *
 

10- أعدني إلى عــذابي * *
http://www.al-wed.com/pic-vb/17.gif
عندما استيقظت نادين اكتشفت أن الثلج الكثيف يغطي حديقة
المنزل والأرضي الريفية المحيطة به . ولأن المنزل لم يكن يستخدم
باستمرار, اعتاد والدها على استئجار من يمد يد المساعدة . وهكذا
كانت تأتي امرأة من القرية أسبوعياً لترتب المنزل , لذا لم تجد نادين
مشكلة في تشغيل التدفئة المركزية .
فيما كان الدفء ينتشر في المنزل قررت الاتصال بأبيها , ولكنها
حين رفعت السماعة اكتشفت أن الخط مقطوع , أما أقرب هاتف فيبعد
ثلاثة أميال , وطالما تساءلت من أمر بوضعه هناك , بعيداً أميالاً , هزت
كتفيها وقررت الاتصال به حين تقصد القرية لشراء الطعام .
كان الثلج أعمق مما ظنت في البلدة . . وكانت سيارة الرولز ثقيلة
رغم مقودها الآلي . عندما وصلت إلى القرية وجـــدت مخزناً عـــاماً واحداً
يبيع الطعام , وجــزاراً واحداً . تمكنت نادين من شراء ما يلزمها . . وفيما
كانت في طريق العودة انهمر الثلــج من جــديد . ما إن وصلت إلى مفتــرق
الطريق , حيث كشك الهاتـف , حتى كـادت سيــارة مســرعة كــانت تهــبط
التل المقابل بجنون تصطدم بها لولا ابتعـاد نادين بسيارتهــا الثقــيلة عــــن
الطريق . . جلست مصعوقة لا تصدق نجاتهـــا . وما إن استعـــادت هــدوء
أعصابهـا , حتى حـاولت إعـــادة الرولز إلـــــى الطريق , ولكــن الإطــارات
الخلفية ظلت تنزلق بدون جــــدوى على الثلج . فــأدركت أنهــــا لن تتمــكن
من تحريكها . . والأنكى أن السيارة كانت تنزلق إلى الخلف فسارعت
تشد المكبح اليدوي , ونزلت تتفحص وضــع السيارة .
ولمــا أدركت أنها مضطرة إلى ترك الرولز والسير إلى المنزل على
قدميهــا خفق قلبها .
ولكنها خففت عن نفسها قائلة إن بإمكانهــا الاتصال بالمكتب في
لندن ليعرف أباها أين هي وبإمكانها كذلك الاتصال بالكاراج المحلي
ليبعثوا من يسحب السيارة . ســارت نحو كشك الهاتف , تبحث في
حقيبتها عن قطع نقدية معدنية .
رفعت السماعة وسرعان ما عبست عندما لم تسمع الرنين المعتاد .
حركت الأزرار أكثــر من مرة , وأدركت أن الخط مقطوع كما هو الحال
في المنزل . فتناولت مشترياتها بغضب من السيارة , وبدأت السير , إنما
ليس على الطريق المعبد بل عبر الحقول لأن هذا الطريق سيوفر عليها
المسافة والوقت .
كانت قد ارتدت ملابس عادية للذهاب إلى القرية : ســروال من
الكتان وسترة من الفراء اشتراها لها أبوها في عيد الميـلاد . كانت
المـــلابس بكلمـات مختصرة جــذابة ومنــاسبة للتــسوق من قريــة
(( نايتسبروج )) . . وقبل أن تقطع نصف المسافة , تخدرت ساقاها وآلمتاها
من المشـي في ظـــروف لم تعتـــد عليهــا . جــمدت الريـــح الــبـــاردة وجههـــا
ووقف قفــازها الجلدي الناعم الفـــاخر عاجزاً عـن تدفئتهـــا ومـــع ذلك ورغـــم
تعبها كله خــــــــــاضت الثلــــج بتصميم , حــتى بـــرز أمــامهــا أخيراً الجـــدار
الحجــــري المحيـــط بحديقة المنــزل . دخـــلت من بـــاب صــغــير , واتجهـــت
متعبة إلى الباب الخــلفـــي .
كــــان المنــــزل ينعـــم بالدفء بعـــد البـــرودة التـــــي شهــدتهــا فــي الخـــارج .
صعـــدت إلى غرفتهـــا لــتستحم ثم رفعت سمـــاعة الهـــاتف مرة أخرى قــبل أن
تدخــــل المـشــتــريات إلى المطبــخ . . فإذا الخط مــا يزال مقطــوعــاً . عضت
على شفتها ثم قــالــــت لنفــسهــا إن السيارة لن تتعرض إلى المخــاطر لأنهـــا
بعيــدة عن الطــريق . كمــا أن رئيســها يعرف مكــانها . . مسكين والدها . . .
الرولز هي فخــره وبهجته . أملت أن يــصلح الهاتف في الــوقــت المنــاســــب
لإنقـــاذ السيـــارة قبل عودته من نيويورك . . فتح السير الطويــل شهيتهـــــــــــا
وللمرة الأولى منـــذ المحـــاكمة تجد نفسهــا تتمتع بالتفكيـــــر فـــي الطعــــــام
ولكنها فكرت أن عليهـــا قبل كــــل شيء الاستحمـــام .
كان في خزانة الحمام شـــامبو للحمام سكـــبـــت مـــــنــه بــعــض القـــطــرات
بسخاء في الماء الســاخن , وراحت تراقب المياه وهي تتــــحـــول إلى لــــــون
أخضــــر مليء بــالــرغوة . غمرها المــاء بغمامة دافئة معطرة , واسترخـــت
فيه , لكن جــســمــها ارتجف فقد تذكــــرت سيرجيو عندمـــا كـــــــان يعانقهـــا
بشغف , تـــأوهــت لأن الــذكريــات رغم كل شيء ترفض أن تمـوت . جففــــت
نفسهـــا بخشونة , ثم دخـلــــت إلى غرفة النوم ترتدي ملابس نظيفة . فتحــت
درجـــاً فيه عدة قــطــع من ملابس صيفية مرتبة , وضــعــت هناك بعد عطلتها
في الكــاريبي , ولكن مالفت اهتمــامهــا فجأة هو قمــيــص قطنــي رجالي . . .
أمسكـــته ببــــطء تفتحـــه , ثــم حــدقــت إليـــه وراحـت الذكــريات تتدفــق إلى
رأسـهـــا , إنه قمـــيص سيرجيو . وجــدته في غرفتها يوم قضــى ليلته معهــــا
ليــــحمــيهــا من خـــوفهــا . رفعته إلى وجههـــا , تضمه وتشم رائحــة الــرجل
الـــذي احتوى جـــسـده يوماً . وقــبـــل أن تحرم نفســها من هـــذه الســعـــادة ,
ارتدته . . فغمـــرهــا ولكنهــا لم تهتم , إنــه قميــص سيرجيو الــــذي كــــــان
يرتديه . . كانت تمشــط شعرهــــا حين سمعت من يــقـــرع الباب الأمــــامـــي
تسمـــرت للحظــــات في مكانها , ثم وضـــعـــت الفــرشــاة من يدهــا
وهرعت إلى الدرج , ناسية أنها ترتدي القميص , وأن ســـاقيها تبدوان
طويلتين نحيلتين تحته . . لا شك إن أحــداً كــان يمر قرب المنزل فشـاهد
الأنوار وأحــب أن يــتأكــد من أن كـــل شيء على مـــا يرام . فتحت الباب .
ولكن الكلمات ماتت على شفتهــا , حين اندفع والدها إلى الداخــل ,
ينفض عنه رقع الثلج وعلى وجهه التعب والإرهــاق . توقف ثم التفت
يتحدث إلى الــرجــل الذي خــرج من السيارة المركونة أمـــام المنزل .
وسمعته يــنادي :
ـ لا بأس لانس . . إنها هنا . وهي سـالمة . . يا إلهي نادين , حين
رأينا الرولز كدت أصــاب بنوبة قلبية !
ـ ولكن . . أبي . . ماذا تفعل هنــا ؟ كيف عرفت . .
ـ اتصــل بي لانس من لندن ليقــول إنه زار الشقة ولم يجدك , فــاتصل
برئيسك الذي أخبره أنك هنا . فحـــاولت الاتصال بك بدون جدوى .
استقرت عيناه بحزن على وجهها , ولم تجد ما يدعو للســؤال عن
سبب مجيئه إلى سوراي لأن قلقه وحزنه باديان على وجهه .
قالت بحــدة وهي تنظر إلى الباب الذي ما زال مفتوحــاً :
ـ آه , أبـــي ! لا شك أن صديقك لانس فــضــولي . ألم يكتــف بــقول
رئيسي الــذي أكد له أننـــي هنا ؟
ـ أوه . . لا تلومــي لانس . . طلبت منه مراقبتــك لأجلـــي . ويجــب أن
أقول إننـــي حين شــاهدت الرولز . . .
ـ آه . . كنت آمــل أن أستعيدهــا قبل عودتك .
ثم باشرت بشــرح مــــا حـــدث وبعــد قليـــــل سمعت جلبة فــي الخـــارج ,
فــأدركت أن كــل ما ترتديه هو قميص رجــل , ربمــا يكون محتشماً ولكنه
مثير جـــداً , فــأسرعــت إلى الدرج , لا تريد أن تضبــط في مثــل هذا الموقف
أمـــام صديق أبيهـــا .
ولكنهــا لم تفلــح . . فمــا كــادت تصــل إلى الدرجــة الأولى حــتى
سمعت الباب يصفق , وسمعت أبوهــــا يقول بصوت متوتر عجيب :
ـ لا بأس لانس . . إنهــا بخير .
ـ يريحني أن أسمــع هذا .
صوت بارد هــادئ ورسمي . . ومع ذلك فهــي تعرف هذا الصوت
كمــا تعرف صوتها . . التفتت إلى مصدر الصوت بوجه شاحب . حــاولت
شفتاها النطق بالاسم ولكنها ارتجفت ارتجــافة قوية لم تستطع معها إلا
الصياح بــاحتجــاج ثم ابتلعها فراغ أســود هــادر , وهــي تسمع والدهـا يصيح
بقــلق :
ـ يا إلهــي ! كــان يجب أن أحذرها . . لكنني خشيت أن أجدها قد
ارتكبت حمــاقة .
ثم توقف كل شيء واستولى عليها الخوف من أن تكون قد فقدت
عقلها . . فالرجـل الذي دعاه والدها (( لانس )) هو (( سيرجيو )) . . سيرجيو
الميت . . سيرجيو الذي اختطفها وأذلهــا . . سيرجيو الذي أحبته . .
سيرجيو الذي لا يمكن أن يكون هذا الرجل الواقف الآن يراقبهـــا بعينين
باردتين قاتمتين , الرجل المرتدي بذلة رسمية , والذي تلوح عليه
مظـــاهر الغضب ونفاذ الصبر .
فتحت نادين عينيها ببطء : (( أبــي )) .
ـ لقد رحــل . . إلى لندن .
سيرجيو ! إذن أنها لم تكن تحلم ! كـــانت مستلقية في فراشهــا في
منزل أبيها . وكــل ما حولها مألوف و آمن إلا الرجل المستند إلى النافذة .
ـ أظن أن الوقت حــان لنتكلم .
تصاعدت الهستيريا في داخلها . لقد تركهــا تعتقد أنه مات , تخفى
تحت ظــل صديق والدها . . جرها لتحبه ثم حطم قلبها , والآن يعتقد أن
عليهما أن يتكلمـــا ؟
أشاحت بوجههــا عنه , تــحدب كتفيها بطفولية .
ـ لا تكــلمني !
شعرت به يتحرك . كــان ثابت الخطوات , تطغى عليه رجولة مميزة
وكــان أن تقدم ليقف إلى جانب السرير . . ليته لا يقف هناك فقد جعلهـا
وقوفه فوقها تشعر بالوهن . راقبت اليد التي مدها إليها بذعر ومرت بين
شفتيها المذعورتين صيحة ألم :
ـ لا تلمســني ! . . لا تلمســني ! لا تقترب مني ! أكرهك !
خــر على ركبتيه , حتى أصبحت عيونهما على مستوى واحد :
ـ حقــاً .
حــاولت نادين الجلوس , ولكن ذراعه التي قبعت على كتفيهـــا
ســمرتها في السرير , وســـأل بانفعــال :
ـ ألهذا ترتدين قميصي . . لماذا أردت إنقاذ حياتي ؟ لمــاذا قلت
لأبيك إنك تحبينني أكثر من حياتك ؟
حــاولت أن تبتلع ريقها , ووجدت أنها غير قادرة :
ـ لا يمكن لأبي أن يخبرك بما بحت له , لن يفعل ذلك .
ـ لكنه فعل . . والآن هل ستقولين إنك كــذبت عليه ؟
تجــاهلت السـؤال : (( من أنت ؟ )) .
رد بــحدة :
ـ تعرفين من أنا . . لآنس آدمز أبن أفضل صديق لأبيك , ولكنك لم
تردي بعد على ســؤالي .
ـ أنت من لم يرد على ســؤالي .
ـ في هذه اللعبة , كمــا في ألعاب أخرى السلطة للقوة . . لذلك
أخبريني . . أكنت صـــادقة فيما بحت به لوالدك ؟
خرجت الكلمات بألم من أعماقها :
ـ أجــل , ولكنني لم أعنك أنت بل عنيت رجـلاً لا وجود له الآن .
ـ لكنه موجود . . أتريدين أن أثبت لك هــذا ؟
تراجعــت مذعورة : (( لا )) .
ـ ما هذا الحب الذي يجعلك تخافين إلى هذه الدرجة . ربمــا يجب
أن أذكرك بأن من السهل أن ينقلب هذا الكــره إلى شيء آخــر مختلف .
ـ ماذا تفعل هنا ؟ لا أفهــم . . .
انتفض بقـــسوة :
ـ مــاذا دهاك ؟ هل تلاشى السحر كله الآن لأنك عرفت الحقيقة ,
واكتشفت أنني رجــل كالآخرين ولست بطلاً ؟ أنت لا تعرفين مبدأ الحب
الأول يا فتاتي الصغيرة فما زلت تعيشين في عالم الخيال .
نهض وتقدم إلى النافذة مديراً ظهره لها واضعـاً يديه في جيبي بذلته
الفــاخرة التي يرتديهــا :
ـ جئت اليوم إلى هنا لآن والدك طلب مني ذلك , كــان قلقــاً عليك إذ
خشي أن . . .
ـ أن يكـــون سبب هزالــي و ضعفـــي حب رجـل لا وجود له ؟
في لهجتها مرارة . أنزلت قديمها إلى الأرض فقال لانس بهدوء :
ـ لم يقصد أحد منــا ما حدث . اسمعــي , إمــا أن أجلــس الآن لأقـص
عليك كيف جرت الأمور أو أخــرج من هذا المنزل تاركاً إياك ترعين
الكــراهية والمرارة المتمسكة أنت بهما . فأيهمـا تختارين ؟
ـ وهل ستبوح بالحقيقة كــاملة ؟
التفت ليواجهها فرأت ما لم تره قط , رأته أكبر سناً , أكثر إرهــاقاً ,
على وجهه شــيء ما مطبوع لم يكن موجوداً من قبل . . . وقال :
ـ هل أنت قوية لتسمعــي الحقيقة ؟
ترددت لحظة . . فمهما كانت حدة الألم التي ستعانيها فهي مدينة
لنفسها بمواجهة الواقع . . . ردت بحزم : (( أجــل )) .
ـ بدأ كل شــيء منذ سنة ونصف . . مات والداي حينما كنت مراهقاً
فتبناني عرابي ورباني . وكــان لطيفاً بشكل خاص معي . . رجل يهتم
ويتفهم الناس . أراد أن أحــل محله في مهنة القانون عندما يتقاعد . . فقد
كان يهوى صيد السمك , وينتظر بفارغ الصبر أن يجد المزيد من الوقت
لممارسة هوايته . . لذلك سافر إلى إيطاليا وكان يجب أن أرافقه لكن
مشكلة ما وقعت بيني وبين مرافقته . في بداية مراهقتي وبعدما
خسرت والدي عشت حياة مجنونة , هربت من المدرسة , والتحقت
بالعسكرية وقمت بأشياء أخرى مجنونة , فعلمني ما مر بـي أشياء كثيرة
عن الحياة , ما كنت لأتعلمها بطريقة أخرى . . . وقد وقف إلى جانبي
وآزرني فرغبت أن أرد له الدين وأن أشعره بأنه يستطيع أن يضع أعماله
القانونية بين يدي بثقة . . وهكذا سافر إلى إيطاليا وحده ولكنه لم يعد .
لمعت عيناه بمرارة , وأحــســت نادين بألمــه :
ـ حين كان في إيطاليا . اختطف . . وتلقيت طلب الفدية . لكــــن
المبلغ المطلوب كــان أكبر من أن أستطيع جمعه بسرعة . قمت بقصارى
جهدي ولعبت اللعبة على طريقتهم , وتمكنت من جمع المال بمساعدة
مع أبيك . ولكــن بعد فـوات الأوان .
ـ قتلـــوه ؟
ـ أجل . وحــاولت الضغط على السلطـات الإيطالية لــفعل شــيء ما .
ولكنهم كانوا أسوأ من السوء نفسه , فقررت أن أضــع الأمــر على عاتقي ,
حين كنت في الجيش , التحقت . . .
ـ بفرقة الإنقاذ الخــاصة ؟
ـ أجل . لذلك قررت أن أحـــاول خرق العصــابة , إن السلطـات
الإيطالية تعرفهم , ولكن لم يكن لديها دليل بين , لذلك لاحقتهم
لأراقبهم , ودرست أوضــاع المنظمة وقد ساعدني واقع أن كل وحدة من
وحدات المنظمة كانت تعمل مستقلة وعرفت أنه لن يكون مستحيلا ً أن
أخترق صفوفهم وكان أن ادعيت أن المنظمة الرئيسية أرسلتني لهذه
المهمة ولكنني احتجت إلى طعــم ثمين .
ـ أنــــــــــــا ؟
ـ ناقشت الأمــر مع أبيك , وأكــدت له أنك ستكونين آمنة . ولــكـــن مــا
لم أحـســب حســابه . . كــان . . .
ـ أن أكــون غبية فأقــع في حبك ؟
التفت إليها ثانية ليواجهها وكــانت قسمات وجهه غير مقروءة :
ـ وهل وقعت في حــــبي ؟ ظننت أن مـا حــدث كان افتتاناً . . لا . . ما لم
أحسب حسابه , أن تكوني امرأة عديمة التجربة وهذا عكس ما عرفته من
الصحف فقد كنت بريئة ونصف غبية , لا تعرفين حتى أولى قواعد
حماية النفس .
اختلطت المرارة وخيبة الأمـــل مع كلماتها :
ـ وهكذا قمت بخداعي وإخـافتي ومن ثم إغوائي .
رد بقســوة :
ـ أعفيني من التهمة الأخيرة . . كنت معي طوال الطريق , وأمنت
لك الحماية التي قدرت عليها بدون أن أثير شكوك الآخرين .
ـ كل تلك الرحلات إلى البلدة . . كانت . . .
ـ كانت لإرسال التقارير إلى أبيك ولنقـــل المعلومــات إلى فرقـــة
الدعـــم .
ـ إلى زملائك في فرقة الإنقـاذ الخــاصة ؟
توضح الآن كـــل شـــيء .
ـ أجــل . . كنت أعمــل بصفة غير رسمية , وبموافقة من الحكومـــة
الإيطالية .
ـ وكيف تمكنت من اختراق العصابة أصــلاُ ؟ باتخــاذك ليديا عشيقة .
ـ لا . ومــاذا إن فعلت ؟ ألم تحــاولي أنت إغوائــي لتكونــي عشيقتي ؟
إياك أن تقولي إنك حاولت إغوائي لإقناعي بتحريرك .
فجأة , أصبحـــا غريبين يواجه كل منهما الآخــر عبر شق عميق من
مرارة متبادلة . . وعرفت نادين سبب مرارتها واشمئزازها . . ولكن ما
سبب مرارته هو ؟ هل السبب إصــرار والدها عليه حتى يأتي لرؤيتها ؟ أم
أنه لم يكن يريد أصــلاً تورطاً إضافياً خشية أن تفرض نفسها عليه ؟
ـ ما لا أستطيع فهمه , هــو تصرف أبي . .
قاطعها لانس :
ـ طلبت منه ألا يبوح لك بشــــيء وأضيفي إلى هذا أنه مؤمن مثلــي
بأنك تحبين فكــرة الحب . . قلت لك إن التقارب المفروض في مثل هذه
الظروف يسبب أموراً غريبة وما لم يحسب أي منا حسابه كان . . .
ـ أن يحاول لينو اغتصابي وأن أرمـــي نفسي بين ذراعيك ؟ . . حسن
جداً . . ليس عليك أو على والدي الإحســاس بالإحراج بشــأن ما كــان
يمكـن أن يحـــدث .
منتديات ليلاس
آلمها أشـــد الألم أن تعرف أن مــا حدث كـان محسوباً ومخططاً له . .
وأن كل مـا كان يريده هو الانتقـــام من قتلة عرابه , وأنهــا كانت بكل بساطة
مجـــرد طعم . سمعته يقول بصــراحة :
ـ أتعلمين أن والدك اعتقدك انتحــرت حينمــا شاهد السيارة . هــذا
دون ذكــر ما شعرت به أنـا .
ردت بمــرارة :
ـ شعـــرت بالســـرور بــــدون شـــك , فمن المحرج جــداً لك أن تواجـه
مشـــاعري غير المـــرغوب فيهـــا . مـــاذا جرى ؟ هل يضغط أبي عليك
لتتزوجــني ؟ حسناً . . لا تقلق . . لا أرغب فيك الآن حتى لو كنت آخر
رجـــل على وجه الأرض !
أدارت ظهرها له . ولكنه قطــع المسافة الفاصلة بينهمــا بصمت
وأمسك ذراعيها ليديرها بقوة .
ســألها ســاخراً : (( أتراهنين على ذلك ؟ )) .
جرى الدم حاراً في وجنتيها وعندما أخفض رأســه ليعانقها اختنقت
أنفاسها واحتاجت إلى كل ذرة من إرادتها لتقاوم دافعاً مجنوناً يدفعها
إلى رمي ذراعيها حول عنقه , وإلى ضمه إلى صدرهــا لترجو منه أن
يحبهــا كما تحبه . . اعترفت لنفسها بأنها ما تزال تحبه رغم خداعه وعدم
اهتمامه بها . ولكن , لديها على الأقل بعض من الكرامة لترفض الذوبان
بين يديه , مع أن الله وحده يعلم السبب الذي يجعله يفعل بها هذا . إلا
إذا كان تصرفه نوعــاً من العقاب .
حين رفع رأسه عنها , كانت عيناه سوداوين عميقتين و كانت أظافــر
نادين قد تركت آثاراً مؤلمة في راحتي يدها . . أما جسدها فكله متوتر
بسبب الجهد الذي بذلته للمحافظة على لا مبالاتها . سألته بفظاظة , مع
أنها كانت تبكـــي ألماً في أعمــاقها :
ـ هل أنت راحــل الآن ؟
قال بكلمات ناعمــة شريرة : (( ليس الآن )) .
في عينيه تصميم ما أرسل إشارات الخطر في جسدها . . نظرت
بجنون إلى الباب , ولكن الوصول إليه يعني تجاوزه , وليس هناك من
طريقة تستطيع من خلالها تجاوزه دون أن يتلامس جسماهما .
نظر إلى القميص الذي ترتديه نظرة ذات مغزى :
ـ ما زلت تملكين شيئاً لي , على ما أعتقــد .
ـ هذا . . أتريد هذا ؟
ـ لا أريده فقط , بل ســـآخذه .
اعتقــــدت أنـه سيعمد إلى فـك الأزرار لـــذا أمسكــت بأطـــراف القميــص
بشدة , ولكنه أمســك بأطرافه ببساطة وشدها بقسوة , فطارت كل الأزرار
في اتجـــاه واحــد .
تصاعد صوتهــا بحدة , غضباً وذعراً : (( أتريده ؟ )) .
وخــلعـت القمــيص عنها يدفعهـــا إلى ذلك غضـــب شــديــد . ثـــم كورت
القميص الذي تمزق إلى كـــرة , وقذفته به .
ـ خذه إذن . . خــذه واخــرج من هنـا . إنمـــا لا تعد بعد الآن .
التقط القميص لا إراديـاً , وعيناه مسمرتان عليهـــا ولكن نظرة واحدة
من هاتين العينين جعلت قلبها يغور عميقاً ثم يرتفع ضاربة فيه طبول
الألـــم .
سمعته يقــول هامســاً :
ـ لا يمكنــك تصـــور الـعــذاب الــذي عانيـت منه كلمــا رأيتـك هكــذا بدون
أن أتمكــن من الوصول إليك . وبقيت أعاني ليلة تلو ليلة ويومــاً تلو آخــر
حتى ظننت أنني سأجن . . بل أنني مجنون فعلاً . . ما من امرأة قد تكون
كاملة إلى هذه الدرجــة , مثيـــرة إلى هــذا الحــد مرغوبة إلى هذه الدرجة
ولكنني كنت مخطئاً .
تحركــت نادين ولكنه مد يــديــه بعنــف , وراحــت أصـابعه تغــرز في
لحم خصــرها . . وأكمــل ببطء :
ـ أنت حتى الآن لا تعرفين ما بيننا , أنت لا تعرفيــن كــم هــو نادر هذا
الشعــور الذي يعتمــل في قلبي . هذا الشعــور الذي لم أختبر مثله في
حيــاتــي .
تفجــر ألم رهيب في نفسهــا مرسلاً شظايا مؤلمة إلى كل عرق نابض
في جســــدها .
ـ لمــاذا ؟
ـ إنه شعور فريد , لا أستطيع العيش بدونه لــذا أريد أن يدوم ما بيننا
إلى الأبـــد . أريدك أنت إلى الأبــد . إن مجرد التفكير في أن رجلاً آخر
يضمك ويحضنك يصيبــني بالجنون ويمزقني إرباً .
كان هذا شكـــل آخــر من أشكــال العذاب يوقعه بهـا . قالت بشراسة :
ـ اتركــني . . دعني أذهـب !
ـ ليس قبل أن أفعــــل هذا . .
و (( هذا )) كان عناقاً أشعل مشــاعرها إلى درجة لم تعد معها تستطيع
التفكير إلا فيه . سمعته يهمس في أذنها :
ـ أعـــرف أنك لا تستطيعين أن تحبيني لأنك لا تعرفينـــني ولكن
شوقــي إليك وعجزي عن الحصول عليك يدفعني إلى الجنون . فمنذ
أن خرجت من المستشفى وأنا عاجز عن التفكير بصفاء :
انتفضت بين ذراعيه : (( المستشفى )) .
ـ يا الله ! أوَظننت أنني أمتنع عن السعي إليك لو كنت أستطيــع ؟
أقنعت نفسي أن ما تشعرين به افتتان كما اتهمت نفســي بالحماقة لأنني
ظننتك واقعة في حبي فعلاً . ولكنني كنت مسحوراً بك , وحين أفكــر في
لينو وفي ما كاد يفعله أرغب في تمزيقه , لم أغفر لنفســي قط بسبب ما
عرضتك إليه . كنت خائفة جداً . . يا الله كدت أجن حــين التجــأت إلي !
قلت لنفســـي إنني لــن افعــل لك شيئاً , ولكــن ما إن عانقتك حتى فقدت
كـــل وعــي !
ـ ظننت رفضتــني لأنني . . عذراء .
تمتم بحــدة :
ـ يا الله . . ! بل أردتك , منذ وقـــع عليك بصـــري , كـــان بيننا سحـــر
مميز منذ البداية , ولكنني لم أدرك أنـــني أحبك فعـلاً حتى شاهـــدت بأم
عيني مدى شجاعتك ومدى قدرتك على مواجهة المصـاعب رغم خـوفك
الشديد . وكرهت نفســي بسبب الخطـــر الذي عرضـــتك إليه . لم أُقــدر
مدى تأثيرك في لينو وفي نفســـي .
ـ وهل أحببتني ؟ قيل لــي إنك مت .
ـ قيل ذلك لئلا يسعى إلي أصــدقاء لينو و ليديا , هــذا إجــراء
طبيعي . أما أثناء المحاكمة فكنت في المستشفى أسترد عافيتي من
الجرح الذي أصابـــــني من رصاصة ليديا .
تمتمت بانكســــار :
ـ ساعة أنقذت حياتي . كنت ســأروي لهم هذا في المحكمــة . .
كنت . .
ـ أعرف كل شــيء . . يا إلهي . . أنت تعرفين جيداً كيف تعــذبين
رجــلاً , أليس كــذلك ؟
ـ قلت لأبي إنني أحبك , ومع ذلك لم يقل شيئاً .
ـ وماذا كان سيقول ؟ كنت ووالدك نظنك تعانين من حالة افتتان ,
وهذا أمر شائع في مثل تلك الظروف . أتظنين أنك واجهت المشاكل ؟
كنت أعرف أن ما أحس به ليس أفتتاناً . . ولكنني وعدت والدك بأن
أمهلك وقتاً لتستعيدي حياتك الطبيعية ولكن وجودي في المستشفى لم
يكن يعني أنني قادر على نسيانك . وعندما راح أبوك يتأخــر في زيارتي
قررت أن المجــيء إليك . يا الله . . تصوري ما أحسـسـت به حين وصلت
إلى الشقة واكتشفت رحيلك ! كنت قد خططت لكـــل شــيء . . عشاء
هادئ يرافقــــه تفسير , ثم . . .
ـ ثم مــاذا ؟
ـ ثــــم عنـــاق وعنـــاق لأروي ظمــــئي إليك . وبعــد تلك العـــناقات لـــــن
تستطيعــــي رفـــض الزواج بي . هناك في المزرعة كنت أقف علـــى أرض
ثابتة وكنت أعـــــرف كيف تستجيبين إلـــي . يا الله ! كم من الوقت أمضيته
محاولاً النسيان ! كنت أعـرف أنــــني أستغلك , ولم تكونــــــي فــي موقــف
يسمـــح لك بالمقارنة , ولكنــني كنت قد بلغت أيضاً مرحلة يــأس جعلتــــني
أستخــــدم أية وسيلة لإبقائك فــــي حياتــي . قلت لنفســــي إنــــني يجب أن
أقنعك أن ما بيننا جميل ومميز , ســواء أكـــان افتتاناً ما تشعرين به أم حباً .
وكنت قد اتخذت قــراراً بــأن أصبــح وجهــاً دائماً في حياتك , حــتــى ولــو
اضـطــررت إلى الابتزاز .
ـ ابتـــزاز ؟
ضحك وشــدها ثانية إلـى دفء ذراعيه :
ـ أجــل يا حبيبتي , كنت ســأبتزك بالعرض الذي قدمته لـــي . .
ـ أتعني . .
ـ أعنـــي أنــني أحبك حباً يدفعني إلى ارتكـــــاب أي شــــيء حتى
أتزوجــك .
ـ ظننت أن ذلك كــــــــــان دوري .
منتديات ليلاس
جلس على السرير ثم شدهــــا إلى جانبه . . ثم راح يبادلهـــا الضحــك
وذراعاه تضمانها بــشدة . وسمعته يــتــأوه باحتجاج في أذنها .
ـ ألا يقلقك أن أفقد سيطــرتي على نفســـي ؟ أريدك نادين , أحبــك ,
وأحتـــاج إليك .
هــمــست ترد : (( وأنا أحبك حباً جمــاً لا أكـــاد معه أنتظـــر ليلاً حتى
أراك فـــي منامــي )) .
ضحك ضحـكــــة المنتصــر:
ـ أستطيع أن أقوم بما هــو أفـضــل من هذا حبـــي . . أفضل بكثير . إنما
ذلك بعد أن تعديــني بالزواج . وإلا ســـأروي لحفيــدنـا كيف حــاولت
إغــوائـــي .
ضحــكـــت نادين , وقـــد ازداد حـبهـــا لـــه أكـــثر فـأكثــر . ولكـــن الضحــكــة
مـــاتــت حيــــن نظــرت إليه ورأت الحــــب الصــادق فـي عينــيه فضـــمته إلى
صــدرهــا متأوهة . الآن عرفت أنه يبادلهــا حبــها العميق , الآن كفـرت له كـل
خـــداعه وســامحــته على جمــيــع الآلام لأنه سيعوض عنهــا بالسعادة وما هو
آت عظــيــــم .
http://smiles.al-wed.com/smiles/13/i...17_42994_4.gif
تــمــت * *
النهـــــايـــة * *

جمره لم تحترق 09-01-12 10:51 PM

هــاقد اسدلنا الستار عن الرواية
أرجو أن تنــال اعجاب المتابعين
و
http://www.g999g.com/alamed/trheb/f17.gif

فداني الكون0 10-01-12 08:53 AM

اهنيج علي الروايه الحلوه واو عجيبه
عجبني جنونج حتى انا جذي
لازم اذا قراءة روايه اتخيل البطل والبطله
وحط في بالي صوره معينه عنهم

يعطيج العافيه

سهر اليل 10-01-12 06:10 PM

وااااااااااااااااااااااااااااااااااااو
شو رواية رائعة ,, وشو احداث بتجنن ,,
بس الاروع ,, والاجمل ,, والي بيجنن اكتر ,,
هو جمره لم تحترق , وتواجدها بيننا ,, وحرصها على امتاعنا برواياتها وزوئها المميز في اختيارهم ,,
وحرصها أيضا على المتابعه المستمره معنا ,, في تنزيل الفصول دون الايطاله بها علينا ,,
بجد جمورتي بحبببببببببببببببببببببببببببببك ,, وكتيييييييييييييييييييييير بتشكرك ,,
وانا كتير بيشرفني تواجدي في تصفحك حبيبتي ,,,
يلا شدي الحيل ناطرين رائعه اخرى من روائعك ياقمر ,,

جمره لم تحترق 17-01-12 01:36 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فداني الكون0 (المشاركة 2974408)
اهنيج علي الروايه الحلوه واو عجيبه
عجبني جنونج حتى انا جذي
لازم اذا قراءة روايه اتخيل البطل والبطله
وحط في بالي صوره معينه عنهم

يعطيج العافيه

ههههههـ ثانكس على الكومنت الخطير
تصدقــي على بالي ماأحد انتبه على ابطالي
وهبالي العجيب
وسعيده لقيت أحد نفسي
اهلا وسهلا فيك غلاتي . .
و شكراً على مرورك المميز
لا عدمنا تواجدك بيننا
محبتي وشكري
http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayat9a2bc6e237.gif

جمره لم تحترق 17-01-12 01:43 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سهر اليل (المشاركة 2974923)
وااااااااااااااااااااااااااااااااااااو
شو رواية رائعة ,, وشو احداث بتجنن ,,
بس الاروع ,, والاجمل ,, والي بيجنن اكتر ,,
هو جمره لم تحترق , وتواجدها بيننا ,, وحرصها على امتاعنا برواياتها وزوئها المميز في اختيارهم ,,
وحرصها أيضا على المتابعه المستمره معنا ,, في تنزيل الفصول دون الايطاله بها علينا ,,
بجد جمورتي بحبببببببببببببببببببببببببببببك ,, وكتيييييييييييييييييييييير بتشكرك ,,
وانا كتير بيشرفني تواجدي في تصفحك حبيبتي ,,,
يلا شدي الحيل ناطرين رائعه اخرى من روائعك ياقمر ,,

واووووووووو كومنت عجيب
وي وي وي وي وي >> هذا صوتي وانا مبسوطه
هههههههـ . . والله استحيت من روعة كلامك حبي
ومو قادره اعبر عن فرحتي وسعادتي على تشجيعك
بجد أنتِ أجمل هدية ممكن الشخص يلقاها عند اتمامه لعمل
أو عن بحثو عن كلمة شكــر . . بجد ماشاء الله عليك
والله لا يحرمني منك ومن طلتك المميزة
شكــراً على روعتك . . شكراً كثيراً
حبي لك . .
http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayat9a2bc6e237.gif

عميشه 18-01-12 12:58 AM

يسلمووووو الروايه اكثر من حلوه مره اعجبتني:55::55::lol:

قمر العراق 19-01-12 01:52 AM

الرواية روووووووووووووووووووووووووعة

Rehana 19-01-12 08:17 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جمره لم تحترق (المشاركة 2968183)
بمـا أني دائماً لدي عادة غريبة
وهي أن اقرأ عن مواصفات البطلة والبطل الشخصية
وأبحث عن صورة قريبة من الشكل
وانسبها لهم ههههههههههههـ
اليوم قلت اشارككـــم جنوني
وهنــا صور للبطل وهو سيرجيو
والبطلــة نادين
سيرجيو الوسيم الأسمر بشعر أسود وعينان رماديتان
ونادين بشعرها الأحمــر وعيناها الخضراوان
وهــذه بعض الصور
http://smiles.al-wed.com/smiles/13/158jkl.gif
http://im10.gulfup.com/2012-01-04/1325691485645.jpg
http://smiles.al-wed.com/smiles/13/158jkl.gif
http://im10.gulfup.com/2012-01-04/1325691484791.jpg
http://smiles.al-wed.com/smiles/13/158jkl.gif
http://im10.gulfup.com/2012-01-04/1325691484762.jpg
http://smiles.al-wed.com/smiles/13/158jkl.gif
http://im10.gulfup.com/2012-01-04/1325691485953.jpg


عجبووووني الابطال .. الله يعطيك العافية
انا بدور بس الغلاف الاصلي للرواية ^^
اما غلاف رواياتي المترجمة .. بتعب في البحث ههههههههه
عجبني جنووونك ^^
والله يعطيك العافية مرة ثانية على الرواية الحلووووووووة

نجلاء عبد الوهاب 20-01-12 02:06 AM

الرواية تجنن حلوه كتييير
:55::55::55::55::55::55::55:
:rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1:
:ostrich_liam::ostrich_liam::ostrich_liam::ostrich_liam::ost rich_liam::ostrich_liam:

kh sh 21-01-12 01:34 AM

peace:روايه رائعه جدا سلمت يمناك قرأتها دفعة واحدة من التشويق شكرا لك مرة اخرى ورجاء مني لك امتعينا بروايات اخرى

نونه الدلوعة 22-01-12 12:05 AM

روااية غبيه ياليتني مااقريتهاااا..
بعد القهر والتعذيب والتلطيش الي
اخذته من العصاابه والاذلال النفسي والجسدي
وطلع كمان ان ابوها يدري ووافق انهم يخطفونهاااا
وقسسسسسسم حقدددت..وهيا غبيه ساامحته
الحمدلله اني مو مكاانها ولا كنت قتلته ثم قهرت ابويا باي طرريقه عشان مرا ثانية مايوافق اني انخطف.. خخخخ..!!! <<صدقت انها هيا البطله..!!!
والله شي يقهررررررررر...<مازاالت حاااقده ع الرواايه
وتسلميييين يااعسل ع الكتاابه ..لكن الكااتبه غبيه روايتها منررفزة لاقصى حدددددددد..:@ ان شاء الله معد اقرااا لها رواية مررا ثاانيه..:8Pp04714::8Pp04714:

bibo.abaza 24-01-12 02:55 PM

بصراحة مش واقعية وشكرا على المجهود

tayba 25-01-12 02:22 AM

الله الله الله على الشغل الرائع ده تسلملى ايديكى يا قمر ودايما الحاجات الحلوة تيجى منك

زهرة منسية 26-01-12 07:19 PM

زووووووووووووووووز
طول عمرى بقول أنا آن ميثر أفضل كاتبة للروايات الرومانسية وكنت بحب جداً بينى جوردان بس النهاردة أتاكد أنى بينى جوردان أفضل من أفضل كاتبة روايات رومانسية
الرواية دى فيها شئ عجيب غريب ما تقدريش توصفيه أنا مش عارفة أتكلم ولا أوصف أحساسى !!!!!!!!!!ولا أعرف أوصفها بأى شئ لان ما فى شئ أو كلمة من كلمات اللغة هتوصف شعورى بيها
أنا لجزء من اللحظة أول ما ذكر أبوها لانس توقعت أنه سيرجيو بس ما تخيلتش أبداً
زوووووووووووووز الرواية تستحق نجوم السما كلها مش بس خمس نجوم
http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_13275981991.gif
أنك كتبتى الرواية دى أنا ممتنة ليكى كتير
ومش لاقية حاجة أشكرك بيها بارك الله فيكى وحقق كل ما تتمنيه وأبعد عنك كل سوء
http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_13275981992.gif
http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_13275981993.gif

زهرة منسية 26-01-12 07:50 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة bibo.abaza (المشاركة 2988179)
بصراحة مش واقعية وشكرا على المجهود

بصراحة أنا مش معاكى!!!!
بالرغم من أن الحاجة الغير واقعية بيكون لها سحر خاص
على العموم الأختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية

ندى ندى 30-01-12 08:05 PM

جميييييييييييييييييييييييله جدا جدا

أميرةالاحساس 31-01-12 08:31 AM

صباح الخير أختي جمرة
شكرا على الرواية واضح انها حلوة ومميزة ما شاء الله عليك دائما مبدعة ومتميزة.
الله يحفظك ان شاء الله والله لايحرمنا من تميزك وابداعك.

actium 02-02-12 08:22 AM

شكرااااااااااااااااااااا جداااااااااااااااااااااااااا

جمره لم تحترق 08-02-12 07:34 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عميشه (المشاركة 2982434)
يسلمووووو الروايه اكثر من حلوه مره اعجبتني:55::55::lol:

الله يسلمك يا الغلا كله
سعيدة أنها نالت اعجابك . . . تحيتي
http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayat9a2bc6e237.gif

جمره لم تحترق 08-02-12 07:36 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قمر العراق (المشاركة 2983291)
الرواية روووووووووووووووووووووووووعة

الروعة مرورك مره أخرى هنا
والاروع إنها أعجبتك . . محبتي لك
http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayat9a2bc6e237.gif

جمره لم تحترق 08-02-12 07:41 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Rehana (المشاركة 2983410)
عجبووووني الابطال .. الله يعطيك العافية
انا بدور بس الغلاف الاصلي للرواية ^^
اما غلاف رواياتي المترجمة .. بتعب في البحث ههههههههه
عجبني جنووونك ^^
والله يعطيك العافية مرة ثانية على الرواية الحلووووووووة

الله يعافيك ويسلمك غلاتي
ههههههههـ تصدقي في متعة عجيبة بالبحث عن الابطال
وتقريب الخيال بصورة في الواقع ترضي خيالك
حمستيني اقرأ الروايات المترجمة من مترجمين ليلاس
شكــلــي وفي اقرب فرصة باقرأ
شكــراً . . على . . مرورك العطــر
http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayat9a2bc6e237.gif

جمره لم تحترق 08-02-12 07:43 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نجلاء عبد الوهاب (المشاركة 2984335)
الرواية تجنن حلوه كتييير
:55::55::55::55::55::55::55:
:rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1::rdd12zp1:
:ostrich_liam::ostrich_liam::ostrich_liam::ostrich_liam::ost rich_liam::ostrich_liam:

الحلو مرورك العطر والدائم في كل جديد
تحيتي لك . . و محبيتي

http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayat9a2bc6e237.gif

جمره لم تحترق 08-02-12 08:05 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة kh sh (المشاركة 2985102)
peace:روايه رائعه جدا سلمت يمناك قرأتها دفعة واحدة من التشويق شكرا لك مرة اخرى ورجاء مني لك امتعينا بروايات اخرى

يا قلبي أنا . . الله يسلمك
وإن شــاء الله دائماً تنال رواياتي على اعجابك
ووعــد منــي أن أختار كل جميل من أجلكم
تحيتي لك . . ومحبتي

جمره لم تحترق 08-02-12 08:17 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نونه الدلوعة (المشاركة 2986142)
روااية غبيه ياليتني مااقريتهاااا..
بعد القهر والتعذيب والتلطيش الي
اخذته من العصاابه والاذلال النفسي والجسدي
وطلع كمان ان ابوها يدري ووافق انهم يخطفونهاااا
وقسسسسسسم حقدددت..وهيا غبيه ساامحته
الحمدلله اني مو مكاانها ولا كنت قتلته ثم قهرت ابويا باي طرريقه عشان مرا ثانية مايوافق اني انخطف.. خخخخ..!!! <<صدقت انها هيا البطله..!!!
والله شي يقهررررررررر...<مازاالت حاااقده ع الرواايه
وتسلميييين يااعسل ع الكتاابه ..لكن الكااتبه غبيه روايتها منررفزة لاقصى حدددددددد..:@ ان شاء الله معد اقرااا لها رواية مررا ثاانيه..:8Pp04714::8Pp04714:

هههههههههههههههههههههه وربي موت ضحك
تصدقي يا قلبي ما ينفع تكتبي رواية رومانسية أبداً
لو عملتي النهاية كده كل القراء راح يحقدو عليك
أجل رواية رومانسية خيالية وهذا بالتحديد الي معروف عن روايات
عبير وأحلام . . لازم البطلة تكون متسامحة قد ما يكون البطل قاسي
اذا كانت الرواية خليجية ممكن يصير كده وراح تعجبني مره
أنتِ بس لو تابعتي المسلسلات المكسيكية أو التركية
تلقي البطلة مهما البطل مرمطها تقول
(( ســـأناضل من أجل حبك ))
بس صدقيني لو الرواية أنتهت زي ما تبي
ماراح تعجبك . .
على العموم تسلمي على تعليقك الصريح
واختلاف الرأي لا يفسد في الود قضيه
وتسلمي على المرور الخفيف . . مودتي لك
http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayat9a2bc6e237.gif

جمره لم تحترق 08-02-12 08:22 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة bibo.abaza (المشاركة 2988179)
بصراحة مش واقعية وشكرا على المجهود

الله يسلمك . . نورتي غلاتي
بس لازم تعرفـــي ولا رواية رومانسية واقعية
وتحديداً روايات أحلام وعبير
والمتعة دائماً في الخيااال . . في الشــيء المستحيل
في التسامح في القسوة وفي اللين وحتى في الانتقام
شكراً على مرورك العطر . . تحيتي لك
http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayat9a2bc6e237.gif

جمره لم تحترق 08-02-12 08:37 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة tayba (المشاركة 2988664)
الله الله الله على الشغل الرائع ده تسلملى ايديكى يا قمر ودايما الحاجات الحلوة تيجى منك

الله يسلمك ويسعدك قلبووو
شكراً على ذوقك ومجاملتك الرائعة
واتمنى أكون دائماً مصيبه في اختياراتي
كل الود لك . . وعميق امتناني
ودي وعبق وردي

http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayat9a2bc6e237.gif

جمره لم تحترق 08-02-12 08:54 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهرة منسية (المشاركة 2989987)
زووووووووووووووووز
طول عمرى بقول أنا آن ميثر أفضل كاتبة للروايات الرومانسية وكنت بحب جداً بينى جوردان بس النهاردة أتاكد أنى بينى جوردان أفضل من أفضل كاتبة روايات رومانسية
الرواية دى فيها شئ عجيب غريب ما تقدريش توصفيه أنا مش عارفة أتكلم ولا أوصف أحساسى !!!!!!!!!!ولا أعرف أوصفها بأى شئ لان ما فى شئ أو كلمة من كلمات اللغة هتوصف شعورى بيها
أنا لجزء من اللحظة أول ما ذكر أبوها لانس توقعت أنه سيرجيو بس ما تخيلتش أبداً
زوووووووووووووز الرواية تستحق نجوم السما كلها مش بس خمس نجوم
http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_13275981991.gif
أنك كتبتى الرواية دى أنا ممتنة ليكى كتير
ومش لاقية حاجة أشكرك بيها بارك الله فيكى وحقق كل ما تتمنيه وأبعد عنك كل سوء
http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_13275981992.gif
http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_13275981993.gif

وااااااااااااا يا قلبي مره كلامك يجنن . . عجزت افكر وانسق جمل مفيدة
تعبير عن امتناني لكلماتك وتعبيرك المدهش عن أعجابك بما اقدمه
أكثر من سعيده لأن الرواية أعجبتك كثيراً
وهنا تــأكدت مره ثانية وثالثة ورابعة إن أذواقنا قريبة لبعض
هذا إذا ما كانت نفسهـــا
وعد منــي إن شــاء الله أقدم كل ما هو رائع
وقريباً بعد (( الدوامة )) وعشان خاطرك راح أنزل
رواية ثانية لهذه الكاتبة وهي (( لم أعد طفلة )) . .وإن شــاء الله تعجبك
نورتي . . ومحبتي لك . . وموفقه في حياتك


اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهرة منسية (المشاركة 2989998)
بصراحة أنا مش معاكى!!!!
بالرغم من أن الحاجة الغير واقعية بيكون لها سحر خاص
على العموم الأختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية

اتفق معاااااااااااااااك إن الخيال له سحر خــاص
وأكيد زي ما قلتي اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية
http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayat9a2bc6e237.gif

جمره لم تحترق 08-02-12 08:55 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ندى ندى (المشاركة 2993588)
جميييييييييييييييييييييييله جدا جدا

وجميل مرورك جداً جداً
سلمتي . . غلاتي
http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayat9a2bc6e237.gif

جمره لم تحترق 08-02-12 08:59 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أميرةالاحساس (المشاركة 2994420)
صباح الخير أختي جمرة
شكرا على الرواية واضح انها حلوة ومميزة ما شاء الله عليك دائما مبدعة ومتميزة.
الله يحفظك ان شاء الله والله لايحرمنا من تميزك وابداعك.

صباحك سكــر . . ومساءك سكـر
ومرورك سكــر . . . . وكلك سكر
الله يحفظك ويسلمك من كل شر
ويحفظ كل من يعز عليك غلاتي
شكــراً على مرورك العطر الرقيق يا أميرة
ودي وعبق وردي . . وامتناني لك
http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayat9a2bc6e237.gif

جمره لم تحترق 08-02-12 09:13 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة actium (المشاركة 2996819)
شكرااااااااااااااااااااا جداااااااااااااااااااااااااا


يسلموووووو يا الغلا . . فديتك وفديت الطله
ودي وعبق وردي
http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayat9a2bc6e237.gif

love200 11-02-12 07:01 AM

شكرا لكم علي هذه الروايه المدهشه

سومه كاتمة الاسرار 23-02-12 03:26 PM

روووووووووووووووووعه سلمت اناملك
:8_4_134:

soukaina 25-02-12 04:38 AM

thank you very much

جمره لم تحترق 15-03-12 05:43 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة love200 (المشاركة 3006845)
شكرا لكم علي هذه الروايه المدهشه

العفوووو يا الغلا
وأكثر من سعيده إنها اعجبتك لهذه الدرجة
منوره . . ودي وعبق وردي
http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayat9a2bc6e237.gif

جمره لم تحترق 15-03-12 05:54 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سومه كاتمة الاسرار (المشاركة 3017126)
روووووووووووووووووعه سلمت اناملك
:8_4_134:

الله يسلمك حياتي
مشكورة على المرور العبق
وسلمتي من كل شر
تحيتي
http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayat9a2bc6e237.gif

جمره لم تحترق 15-03-12 05:57 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة soukaina (المشاركة 3018986)
thank you very much

ولكم يا الغلا . . منوره
ودي وعبق وردي
http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayat9a2bc6e237.gif

ملك فارس 02-06-12 04:58 AM

جمره انا مش عارفه اهنيكى ازاى على الروايه بصراحه تسلم ايديكى اللى كتبتها انتى دائما مميزه يا عسل

امبراطورية ع 09-06-12 07:34 PM

روايه جميله جدآآآآآآآآآآ
تسلم الايادى جمره

الجبل الاخضر 20-06-12 05:50 AM

اوال شي اسلوبك عجبني وكانك تصوري القصه كئنها مسرحيه واقعيه تسلم على الابداع واستمري و:55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:تسلم الانامل :hR604426:على المجهودك الرائع والاختيار الممتاز:55::peace: ونشكرك على تعبكي:lol: ياعسل :wookie:وننتظر جديدك:dancingmonkeyff8:

mahmoh 17-11-13 12:21 AM

رد: 70 - السيف بيننا - بيني جوردان (كاملة)
 
[COLOR="rgb(240, 128, 128)"][القصة رائعة ومميزة ككل كتاباتك
كما اسمك المميز يعجبنى كثيرا
لكى تحياتى الصادقة
[/COLOR]

غنجة بيا 29-12-13 01:27 AM

رد: 70 - السيف بيننا - بيني جوردان (كاملة)
 
رواية راىعة سلمت اناملكي عزيزتى

sassou 03-01-14 01:14 PM

رد: 70 - السيف بيننا - بيني جوردان (كاملة)
 
شكرا على الرواية الرائعة
هذه ثاني مرة التي اقرئها فيها
شكرا مرة اخرى

*الهوا الغايب* 29-03-14 02:18 PM

رد: 70 - السيف بيننا - بيني جوردان (كاملة)
 
شكراااااااااااا

زهراء الحلوة 04-04-14 11:47 PM

رد: 70 - السيف بيننا - بيني جوردان (كاملة)
 
مششششككووووورةةة يا عزيزتييييييي

صوفى عز 15-09-14 03:49 AM

رد: 70 - السيف بيننا - بيني جوردان ( كاملة )
 
:liilas: thanx

تينه التي تامل 30-09-14 09:28 AM

رد: 70 - السيف بيننا - بيني جوردان ( كاملة )
 
من البدايه باين عليها روايه ممتعه

تـخ ــتـو ـخه 01-10-14 09:28 PM

رد: 70 - السيف بيننا - بيني جوردان ( كاملة )
 
تسلم أناملك الذهبيه على القصه وااااايد وأيد حلوه

red flower225 09-10-14 10:32 AM

رد: 70 - السيف بيننا - بيني جوردان ( كاملة )
 
شكراً علي الرواية :)

توتالى 25-03-15 12:02 PM

رد: 70 - السيف بيننا - بيني جوردان ( كاملة )
 
يعطيكم العافية

توتالى 25-03-15 12:04 PM

رد: 70 - السيف بيننا - بيني جوردان ( كاملة )
 
الرواية من الروايات الرومانسية الرائعة التى قراتها

البسمات 25-03-15 07:31 PM

رد: 70 - السيف بيننا - بيني جوردان ( كاملة )
 
شكرااااااااااااااا

شيهو 20-04-15 10:38 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جمره لم تحترق (المشاركة 2968183)
بمـا أني دائماً لدي عادة غريبة
وهي أن اقرأ عن مواصفات البطلة والبطل الشخصية
وأبحث عن صورة قريبة من الشكل
وانسبها لهم ههههههههههههـ
اليوم قلت اشارككـــم جنوني
وهنــا صور للبطل وهو سيرجيو
والبطلــة نادين
سيرجيو الوسيم الأسمر بشعر أسود وعينان رماديتان
ونادين بشعرها الأحمــر وعيناها الخضراوان
وهــذه بعض الصور







ليش مو باينين الصور عندي؟ :(

زهره الازهر 20-04-15 11:51 AM

رد: 70 - السيف بيننا - بيني جوردان ( كاملة )
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جمره لم تحترق (المشاركة 2973922)
هــاقد اسدلنا الستار عن الرواية
أرجو أن تنــال اعجاب المتابعين
و


شكرا جدا على الروايه ياقمر
:IuL04800:
وتسلم ايدك :55:

بهاروش 21-04-15 12:17 AM

شکرا جزيلا علي الروايه حبيبتي

فيفي سولى 03-06-15 09:57 PM

رد: 70 - السيف بيننا - بيني جوردان ( كاملة )
 
:lol::lol:
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جمره لم تحترق (المشاركة 2965983)

السيف بيننا **
العدد :
70
. للكاتبة :
بيني جوردان

المقدمة :
عندما تتحول الثروة إلى لعنة على صـــاحبهـا , وعندمــا تصبح
الشهرة باباً إلى الجحيم , فهـل يعود هناك من مجال لنتحكم
بمصيرنـا ؟
نادين الفتاة الثــرية المدللة تواعـــدت مع قـدرهــا : كــان رجــلاً
طويلاً سـاحراً كـحلم , وغرقت نادين في غموض عينية منذ
النظــرة الأولى , دون أن تتروى . . . ولـم تدرك أن مــــا تخفيه
عيناه ليس مـشاعره هو , وإنمــا وعود الموت , الموت لها . . .
عندمــا عرفت نادين اللعـــبة كان قد فات الأوان , فقد أصبحت
رهينة بين يدي خاطفين قساة لا يعرفون الرحمــة , ولم يبق لـها
إلا انتظـــار الموت . . . على يد من تحب !


عدد الفصول :
10


عناوين الفصـــول :
1 ـ
لا حواجــز بيننــا * *
2 ـ
الضحيــة والجــلاد * *
3 ـ
ســـأقتــلــك يـومــاً * *
4 ـ
بين الموت والرغبة * *
5 ـ
الـــــــجـــــــــــــرح * *
6 ـ
ســــراب الحــريـــة * *
7 ـ
مــا قــــبل الـمـــوت * *
8 ـ
لــيلتـهـــا الأخـــيرة * *
9 ـ
بقــي فـي أحلامهـا ! * *
10 ـ
أعدنــي إلى عذابي * *

لا أحل لأحد نقل الرواية إلا بذكر اسمي : جمره لم تحترق
واسم منتداي : ليــــلاس


ميرين 11-06-15 02:17 PM

رد: 70 - السيف بيننا - بيني جوردان ( كاملة )
 
شكرا جزيلا

من اجمل الروايات التي قرئتها

demis 31-10-15 03:21 AM

رد: 70 - السيف بيننا - بيني جوردان ( كاملة )
 
مساهمة رائعة لمكتبة الأدب الروائي العاطفي ، فشكرا من القلب هذا الجهد

عشقي الملكي 17-12-15 11:52 AM

رد: 70 - السيف بيننا - بيني جوردان ( كاملة )
 
merciiiiiiiiiiiiiiii

زراعه 20-12-15 07:11 AM

رد: 70 - السيف بيننا - بيني جوردان ( كاملة )
 
شكرًا بارك الله فيك

Kooa 05-10-16 12:13 AM

رد: 70 - السيف بيننا - بيني جوردان ( كاملة )
 
يسلموووووووووووووووووووووووووووووووووووووووو

فرحــــــــــة 27-10-16 04:11 AM

رد: 70 - السيف بيننا - بيني جوردان ( كاملة )
 
غاليتى
جمره لم تحترق
قصة جميلة رائعة
ومن اجمل الروايات التى قرأتها
واستمتعت بها وبأحداثها
لك منى كل الشكر والتقدير
دمتى بكل الخير
فيض ودى

الفراشة المحترقة 05-11-16 11:40 PM

أريد تحميل الرواية لجوالي ككتاب وفتح الرابط وايجادها

ياسمين حموي 02-10-21 03:32 AM

رد: 70 - السيف بيننا - بيني جوردان ( كاملة )
 
‏الله يلومه لايمي في غرامك
ياللي شعورك ردّ لي إبتسامي

انا بشاير 18-03-22 12:01 PM

رد: 70 - السيف بيننا - بيني جوردان ( كاملة )
 
نةت ةتتنتتتت تتتخوتتتخحممةةىةة

hannon 13-05-23 10:01 AM

ارجو تنزيلها


الساعة الآن 08:20 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية