منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   95 - الوعد المكسور - مارغريت بارغيتر - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t170949.html)

نيو فراولة 28-12-11 09:26 PM

95 - الوعد المكسور - مارغريت بارغيتر - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
95- الوعد المكسور - مارغريت بارغيتر - روايات عبير القديمة

الملخص


ساره مكسورة القلب بعد فقدانها والديها,وحيدة تصل الى جزيرة (مل) في اسكتلندا للعمل سكرتيرة عند هيو فريزر . لكنه يطلب منها اضافة الى مهماتها , الاعتناء باخته الشابة جيل, وهي الواقعة في هوى رسام لايحبه هيو ولا يوافق على علاقته باخته مع انه لا يعرفه رافضا مقابلته في الأساس ,شيئا فشيئا ترتسم على شاشة الحب علامات اخرى ,اذ تجد سارة انها مبلبلة الفكر بين واجبها وقلبها . فهي لا تستطيع القيام بدور الجاسوسة والوقوف في وجه اثنين يحبان بعضهما. ...
ومن جهة اخرى بدأ قلبها يخفق بشدة امام هيو. . اخيرا ,خلال الحفلة السنوية تكتشف ساره ان لهيو صديقة جميلة وثرية ولايعود بامكانها احتمال شئ...
تهرب,البحر امامها وهيو وراءها , وقلبها مبلبل اكثر من أي وقت مضى!

نيو فراولة 28-12-11 09:28 PM


1-لقاء غير مريح



بعد أن إجتاز المركب صخرة ليدي مارا على بعد قليل من أسوار قلعة ديوارت القى مراسيه قرب رصيف مرفأ كريغتيور.
وتنهدت سارة بإرتياح بعد أن وصلت اخيرا وراحت عيناها تبحثان في تشوّق متفحصتين الحشد الصغير من الناس فوق الرصيف ، لقد ذكر لها جيمس بأن هيو فريزر سيكون هنا في إنتظارها ، ولكنها لم تتبيّن أي شخص يناسب الوصف الذي اعطاه لها قائلا بأنه رجل في حالي الثلاثين من عمره ، طويل واسود الشعر ،وداخل سارة الأمل بالا يكون هيو فريزر الذي قرّر إستخدامها بعجلة بدون أن يراها قد نسي فجأة كل ما يتعلق بها.
وإستدارت نحو أمتعتها لتجمعها ، وتقطيبة خفيفة تعلوجبهتها الملساء ثم سارت بتثاقل فوق المعبر الخشبي الذي يصل المركب بالرصيف ، وإسترجعت في ذهنها أستمتاعها برحلتها في المركب ، وإضطراب الأمواج ، ألا أنها أحست بان زمنا طويلا قد إنقضى منذ ان غادرت لندن من محطة يوستن البارحة ، وعندما ودعتها صديقتها جين ، السيدة التي كانت تقيم سارة في منزلها في لندن ، على رصيف المحطة قالت لها بمرح:
" ستكون رحلتك ممتعة بدون شك يا عزيزتي".
منتديات ليلاس
وذلك بعد ان ساعدتها في العثور على مقصورة فارغة في القطار ، واغرقتها بسيل من المجلات.
وسافرت سارة ليلا الى غلاسكو في اسكوتلندا ، ثم غادرت قطارها الى القطار المتوجه الى أوبان ومن هناك إستقلت المركب ، وقد تمتعت برحلة جيدة مع أنها كانت مرهقة قليلا ، وبينما راحت تتساءل بصبر نافذ عن طول المدة التي عليها أن تنتظرها ، إعتراها شعور بأن غاية ما تصبو اليه الان الوصول الى نهاية مطافها.
إبتعدت سارة عن المركب بضع خطوات ثم القت بحقائبها كيفما كان بجانبها ، وراحت تحدّق بفضول عبر المرفأ الى كزيغنيور التي بدت لها بلدة صغيرة لا تحتوي إلا على بعض البيوت المتناثرة وعدّة فنادق متراصة على حافة المياه حول الخليج ، وفي الخلفية لاحت لها سلسلة من الجبال الوعرة ، ولاحظت بأن بعض السيارات التي كانت على ظهر المركب قد غادرته شارعة في رحلتها عبر الطريق الضيق المتجه الىتوبرمري ، اما فيما عدا ذلك فلم يكن هنالك من مظاهر الحياة إلا القليل : صبي صغير وجهه منير يكسوه النمش ، يحاول اصطياد السمك ومجموعة من طيور النورس تحلّق بأمل قربه.
وراحت سارة ترقب المنظر بإهتمام مستغرق لم تقطعه إلا هبة ريح عصفت فجاة بإحدى حقائبها الصغيرة وأخذت تلعب بها ، وقفزت سارة فزعة الى الأمام ن ولكن قبل ان تستطيع الوصول الى حقيبتها سارع شخص وسبقها اليها مسترجعا إياها ، وعرفته سارة على الفور ، وتبينت فيه الشخص الذي لاحظته على المركب لأنه كان يصفر لحنا معروفا من أوبرا ريغوليتو ، وكان شابا نحيلا ذا لحية ن يرتدي بنطلونا ضيقا من المخمل الأسد وبلوزة سوداء ، وطاف بذهنها ان ملابسه تليق بصالة قهوة في حي تشلسي الراقي في لندن لا بجزيرة سكوتلندية ، وإبتسم الشاب بمرح وهو يعيد لها حقيبتها.
وردّت سارة إبتسامته بسرعة وقالت له بحرارة:
" لقد سارعت في اللحظة المناسبة ، ولو أنك تأخرت لحظة واحدة لإنتهت حقيبتي في البحر".
" وأنا لا اعرف السباحة".
قالها بلهجة مازحة وهو يزيح جانبا بضحكته كلماتها اللاهثة الشاكرة ، وضاقت حدقتاه وهما تستقران على وجهها المضرج.
" هل تحبين ان أوصلك بسيارتي الى أي مكان؟ أو لم تقرري بعد اين تريدين ان تذهبي؟".
وشعرت سارة بالإضطراب وهي تزيح بصرها جانبا محاولة ان تتغلب على شعور باهت بعدم الإرتياح ، وتمتمت:
" قد لا يكون إتجاهنا واحدا".
وتمنت لو أنها إرتدت للسفر ثيابا اكثر وقارا من بنطلونها الجيمز القديم ، فلقد بدا واضحا ان هذا الرجل ظنّها فتاة تهيم هنا وهناك بحثا عن الصحبة ، وسارعت الى القول غير عابئة بنظراته الجريئة:
" في الحقيقة أنني في طريقي الى لوخ غويل من أجل العمل عند هيو فريزر ، وقد اتفقنا على أن أنتظره هنا ، ولهذا فانا لست بحاجة الى عرضك ، ومع ذلك شكرا".
" هيو فريزر".
وللوهلة بدا لها وكأنه جفل عند ذكر ذلك الإسم ، ولكن هذا الإنطباع سرعان ما تلاشى حتى أنها شكّت في حقيقته ، وقال هازا كتفيه بعدم مبالاة:
" حسنا من المحتمل ان التقي بك يوما ما".
ورفع يدة بحركة عابرة ثم دار على عقبيه ، وقفز بخفة الى مقعد سيارة قديمة مهملة وساقها مبتعدا ، وسارة ترقب المشهد بصمت.
وإستدارت وهي تتنهد ، ثم جلست على صندوق مقلوب لتخزين السمك ، وإستعدت للإنتظار ، وعبّت الهواء الذي كان يفوح برائحة السمك والملح وأعشاب البحر بعمق ، واحست بحدته المنعشة ، إنها لم تقابل هيو فريزر بعد ، ولم تكن تعرف أي شيء عن منظره إلا بضع كلمات تفوّه بها جيمس ، وبدا لها من الصعب التصديق أن تكون جالسة هنا بعيدا عن بيتها تستعد لأبتداء وظيفة جديدة على جزيرة تكاد لا تعرف عنها شيئا ، ففي السابق لم تكن هذه الجزيرة إلا إسما على الخريطة ، ولو لم يقع حادث الطائرة الذي تسبّب في مقتل والديها لكان من المحتمل ألا تبقى الا مجرد إسم.

نيو فراولة 28-12-11 09:30 PM

في الحقيقة إن جين هي التي ساعدتها على العثور على هذه الوظيفة ، وجين مارلي هي صديقة قديمة للأسرة عرفتها سارة منذ طفولتها ، وبعد وقوع الحادث ذهبت سارة لتعيش معها ، إذ كان من الضروري ان ينتقل طبيب آخر الى البيت والعيادة حيث كان والدها يعمل ، وحيث كانت سارة تساعده مستقبلة مرضاه ، وفي أي حال ما كانت سارة ترغب في الإستمرار بالعيش في البيت بعد ان رحل والداها.
وكانت جين تعمل سكرتيرة لأحد مؤسسي مكتب معروف للمحاماة في الوست اند في لندن وهي التي إقترحت أن تحاول سارة الإبتعاد عن لندن ، لمدة وذلك اثناء مكالمة هاتفية الى سارة من مكتبها.
" اعتقد انك بحاجة الى الإبتعاد يا حببتي "، قالت لسارة برقة ، "ورغم أنني اكره ان نفترق إلا انك بحاجة الى التغيير ، ولم استطع ان افعل شيئا بهذا الشان في الماضي ، ولكن يبدو الآن ان صلواتي قد إستجيبت متجسمة في طلب من شخص يدعى هيو فريزر يسكن في إحدى جزر أسكوتلندا ".
ثم تابعت تسرد بقية قصتها على سارة التي أصغت اليها بحيرة.
" أنا لا اعرف فريزر شخصيا يا سارة ، ولكن جيمس يعرفه ، وقد ورث فريزر بعض الاملاك والأراضي في جزيرة ( مل) وهو بحاجة الى سكرتيرة لمدة شهر تقريبا تساعده على ترتيب اموره ، وتكون على إستعداد لمصاحبة وتسلية اخته الصغرى – اخته غير الشقيقة على ما اعتقد ، وهو بالطبع يستطيع ان يستعين بإحدى العاملات في مكتبه فهو يمثل بيت فريزر في شركة فريزر وهاردينغ للإستيراد ، وأنت لا شك قد سمعت بها ، لكن يبدو أنه يفضل إستخدام فتاة لا تعمل في مكتبه ، وهذا ما دفعه الى الإتصال بجيمس هاتفيا".
وقاطعتها سارة قائلة وهي تتمسك بسماعة الهاتف في محاولة منها لتستوعب كلمات جين.
" ولكن لماذا اخترتني انا؟".
فأجابت جين بقلق:
" لأنك بحاجة الى التغيير يا عزيزتي ، وعندما سالني جيمس فيما لوكنت اعرف شخصا مناسبا فكرت بك في الحال ، إننا كلتينا نعرف كم كانت هذه الاسابيع الخيرة مؤلمة بالنسبة اليك ، وعمل كهذا هو افضل في إعتقادي من إجازة في الوقت الحاضر ، فهو سيشغلك ذهنيا وجسديا ويساعد على تحويل فكرك عن الحادث ، على كل ، فكري في هذا الإقتراح ومناقشة هذه الأمسية ، وإذا نال رضاك فإن جيمس سيقابلك بشأنه غدا صباحا".
ولكن سارة ، ، مهملة نصيحة جين لم تعر الموضوع تفكيرا عميقا ، فعلى الرغم من مضي شهر على حادث تحطم طائرة والديها فإن ذهنها كان ما يزال يعاني من حالة من الخدر دفعتها الى القبول بدلا من التفكير ، وبما ان جين ترى بأن هذا الرجل ، فريزر ، إنسان معقول وان التغيير سيفيدها فإنه لا مانع لديها من التعاون ، وفي اليوم التالي ذهبت سارة مع جين لمقابلة جيمس كار ووجدته رجلا لطيفا يقارب الخمسين ، وكانت تعرف بانه يحب جين وأنهذا الحب إستمر عدة سنوات ، ولكن يا لسوء الحظ كانت جين التي إنتهى زواجها بالطلاق ، تاركا ذكرى مريرة في نفسها ، على غير إستعداد لتجرب الزواج ثانية ، إلا أنها كانت تخرج معه بين الحين والاخر ، وقد عرّفته منذ زمن طويل على والدي سارة الذين كانا يكنان له مودة كبيرة ، وإستقبل جيمس سارة بإبتسامة ، وأشار اليها بلطف بالجلوس ، ثم دقّ الجرس طالبا بعض القهوة، وبعدها إنتقل للحديث عن متطلبات الوظيفة المقترحة ، وبدا قانعا بمؤهلاتها وبقدرتها على إرضاء موكله جيدا.
" انا اعرف بان سيدة مسنة بعض الشيء كانت تعمل عند العم هيو ، وهي طباخة ومدبرة منزل ماهرة ، أن جيل ، في إعتقادي ، قد تكون متعبة الى حد ما ، ولكن هذا لا يعني بأنني اشك في قدرتك على تسيير الأمور جيدا".
قال هذا وعيناه تبتسمان لها من فوق نظارته ذات الإطار الذهبي.
وفكرت سارة وهي تتململ بقلق فوق صندوق الخشب الذي تجلس عليه : إن جيل هي أخت هيو فريزر غير الشقيقة ، وهي السبب كما شرح لها جيمس في عدم رغبة السيد فريزر في إستخدام فتاة صغيرة السن ، او سيدة نموذجية في منتصف العمر ، وخطر لسارة ان فريزر نفسه يبدو شخصا نموذجيا ، وأملت وهي تلوي شفتيها الرقيقتين بان يحوز عمرها 21 عاما ، على رضى فريزر ن وفي كل حال فإنه لا يبدو ان أخته اليافعة ستشكل مشكلة كبيرة ، ومن المحتمل أن ما ينشده أخوها هو بعض المساعدة من فتاة عاقلة وخفيفة الحركة تستطيع أن تعاون جيل على ملء وقتها في جزيرة منعزلة كهذه.
وعبست سارة وهي ترفع ناظريها عن ساعة يدها لتحدق في شمس الأصيل ، ولكن صوت محرك سيارة جعلها تتحوّل بعينيها الى رصيف البحر ،وحادت السيارة التي كانت من نوع لاند روفر عن الطريق وسارعت الى حيث رسى المركب ، ثم توقفت فجأة بضغطة قوية على الفرامل ، وقفز منها رجل طويل راح يحدّج جموع الناس بنظرات وجيزة وسريعة ، ، وكان حسن الهندام رغم أن ثيابه كانت عبارة عن بنطلون من المخمل المضلّع وكنزة بيضاء ذات قبة عالية ، وبدت ثيابه مناسبة لجسده القوي المتين العضلات ، وأوحى لها وجهه المتدفق حيوية أنه رجل يقضي معظم أوقاته في الهواء الطلق يتعرض يتعرض للريح والعواصف ، وأنه يميل الى العيش في خطر.

نيو فراولة 28-12-11 09:31 PM

وإستقرت نظراته عليها الآن تتفحصها بموضوعية محاولة تقييمها ، وشملتها عيناه الرماديتان الفاترتان بنظراتهما من تحت حاجبيه الداكنين الثخينين ، ولاحظت سارة صرامة قوس الصدغين والفك وإنسياب شعره الداكن ، مدركة بأن شدّته وصرامته تحول دون نعته بالرجل الوسيم ،وإنتهت سارة الى ان خلاصة ما يمكن وصفه به هو أنه رجل متين البنيان ومثير للإهتمام ، وإبتسمت له بآلية لأن عينيه إستقرتا عليها اخيرا.
وضاقت حدقتاه ، وتغيّر التعبير الذي كان يكسو وجهه ، وإرتفع حاجباه الثقيلان قليلا ، ثم إختلج فمه الصارم بإبتسامة جعلت الدم يتدفق في خدي سارة ، إذ انها كانت إبتسامة متعالية هازئة قليلا ، باعثة على الإضطراب.
وسار حتى وقف بجانبها مهيمنا بقامته المديدة ، وسالها بحدة:
" هل انت سارة دينتون ، سكرتيرتي الجديدة؟".
وعندما هزّت سارة رأسها بالإيجاب مرتبكة مضطربة اضاف بكياسة:
" إسمي هيو فريزر ، وانا من لوخ غويل".
وسارعت سارة للوقوف على قدميها إذ انها شعرت بفقدان التكافؤ وهو يطل عليها من فوق ، وقالت وهي تحاول أن تلملم كل ما إستطاعته من وقار:
" لقد غادرت القارب منذ لحظات فقط".
" إذن دعينا نذهب".
ومن دون ان يعيرها مزيدا من الإهتمام حمل حقائبها بخفة ووضعها في مؤخرة السيارة ، وبحركة عابرة من يده اشار اليها بأن تجلس في مقعد السيارة المجاور له.
وفكرت سارة مجفلة : ( لا فائدة من ان اتوقع منه ان يفتح لي باب السيارة ، على كل هو رئيسي وانا مرؤسته )، ولمحت سارة في عينيه بريق إستمتاع بالموقف وهو واقف بإنتظارها ويضع يديه في جيبه ، وفجأة أدركت أنه يستطيع قراءة افكارها مما بعث الغيظ في نفسها ، وإنتقل تفكيرها الى السيارة ووجدت انها تعرف ان اللاندروفر هي افضل سيارة من نوعها للأنتقال في مناطق الهايلاند ولكن الم يكن بالأمكان ترتيبها قليلا ؟ وأمعنت النظر بإمتعاض في مجموعة الأشياء المبعثرة في ارض السيارة ، كل ما يخطر على البال : من المعاول حتى المواسير ، أما حقائبها فقد تربعت بكبرياء فوق حزمة من القش ، وخلعت سارة متعبة معطف المطر الذي كانت ترتديه وجلست بحذر شديد على حافة المقعد.
" كما ترين ، إنها ليست سيارة وثيرة".
وإهتز المقعد عندما إستقر في السيارة بجانبها قائلا:
" إرمي هذه الأوراق القديمة وراءك وإحترسي من صفيحة البنزين تلك ، هل إستمتعت برحلتك؟".
" نعم.....".
ورات سارة ان سؤاله المتأخر ما كان إلا سؤالا أملته اللياقة ، إذ ان صوته لم يعبر عن اي شعور بالإهتمام.
وحاد بالسيارة بإحتراس عن الرصيف سائقا بسلاسة ومهارة معتادة ، مخلفا وراء وراءه كرينغنبور ، سالكا الطريق بإتجاه سالن في الشمال.
وثارت الدهشة في نفس سارة ووجدت نفسها تقول قبل أن تستطيع إيقاف كلماتها:
" ولكنك قدمت من ناحية الجنوب".
" هذا صحيح " ، اجاب بتكاسل وبإيماءة طفيفة من حاجبيه الداكنين .
" لقد ذهبت لاقابل شخصا لشراء كلب".
وإحمر وجه سارة وندمت على كلماتها ، فالأمر ، كما اوحى جوابه لا يخصها.
وقال مبتسما وهو يرمق وجهها المكتئب بنظرة سريعة لاح فيها وميض من التسلية :
" إنني ابحث عن فصيلة خاصة ، واحد من الصعب العثور عليها ، هذا الطريق سيقودنا الى مشارف سالن ومن هناك سنحيد الى اليسار ونسلك الطريق بإتجاه لوخ غويل ، وسالن هي قرية صغيرة تقع على الساحل ولا تبعد إلا عدة أميال من هنا ، وقد أسّسها رجل كان يتقلّد منصب حاكم جنوب ويلز الجديدة ، ويحمل إسم لاخان إبن كويري".
وأجابت سارة:
" انا أرى.........".
ولم تكن متأكدة انها فعلا ترى ، وعلقت:
" لا شك أن لاخان إبن كويري كان رجلا ذا شأن".
" هل سبق لك ا كنت هنا؟".
سألها بصوت تخالجه الحدة.
" لا".
وشعرت سارة بأن ذهنها قادر فقط على صياغة الإجابات الوحيدة المقاطع.
" لو حاولت الجلوس جيدا في مقعدك لأستطعت الإسترخاء وخفّ توتر أعصابك".
وخفف من سرعة السيارة بصبر لكي يتيح لبعض الخراف عبور الطريق الجديد ، ولاح البحر على عدّة ياردات فقط ، لا يفصله عن البر سوى شاطىء ضيق تكسوه الحصى وتتكسّر عليه الأمواج برقة ، وإستجابت سارة مرة ثانية لتعليماته ، وأحست ، لدهشتها بتحسن ، وتناهت اليها كلماته:
" إننا نتعلم كيف نأخذ الأمور ببساطة في هذه المنطقة من العالم ، إلا انني يجب ان اعترف بان إتقان هذا يستغرق بعض الوقت".
وعاد لمتابعة الطريق بعد أن مرت الخراف ، بينما راحت سارة تراقب القطيع يبتعد ، وبلّلت شفتيها قبل ان تتمتم برصانة:
" إنه لمن الواضح ان السيد لاخان غبن كويري لم يتبع هذه النصيحة ".
فحدّجها بنظرة طويلة ، وقال وفي عينيه بريق:
" إنك تخلطين الأمور يا ىنسة وينتون فالإسترخاء لا علاقة له البتة بالكسل".
فأدارت سارة رأسها المتالق بإتجاهه ، وراحت تتفحص وجهه عابسة متحيّرة ، وقد داخلها الشعور بأنه أذكى من أن تكون ندّا له.

نيو فراولة 28-12-11 09:35 PM

وأدار هو راسه بدوره بعد أن أحس بنظراتها المتفحصة الطويلة.
" من كنت تتوقعين ان تقابلي ؟ ". وتابع مبتسما: " رجل جبلي أشعث يرتدي الكلت ( تنورة يرتديها الرجال في اسكوتلندا ) والسيف السكوتلندي ليكمل لك الصورة؟".
تدفق الدم في وجنتي سارة إذ قابلت عيناها عينيه الساخرتين.
" إنني لم افكر في هذا مطلقا".
اجابته ذاكرة نصف الحقيقة فقط ، وتركت عيناه عينيها لترمقا ارجوان وجهها الجميل.
" هل اتعدى الحدود فيما لو سالتك ماذا تفعل فتاة مثلك هنا؟".
ولم تفهم سارة فحوى كلماته بالضبط ، إذ لاحت لها في عينيه نظرة متأملة ، فقالت موضحة:
" ولكنك ابديت رغبتك في إستخدام سكرتيرة".
ولامست عيناه جانب وجهها وكمال خطوطه.
" ما كنت لأظن بأن فتاة لها جمالك ستبدي الرغبة في ان تجد عملا في جزيرة كهذه ، حتى ولو لبضعة اسابيع".
فإستدارت سارة نحوه مستاءة وحدّقت فيه بتحد ن ماذا يحاول أن يقول ؟
" لعلك تظن بأنني اصغر مما يجب".
وشعرت بنبضاتها تتسارع في خوف ، لا يمكن أن يعني بانها غير مناسبة ليس بعد ان قطعت هذه المسافة الطويلة.
" لقد اسأت فهم قصدي".
وتركت نظراته وجهها لتعاود التركيز على الطريق.
" لقد طلبت من جيمس كار بشكل خاص ان يبحث لي عن فتاة شابة ، إنك تبدين صغيرة بلا شك لأنني اكبر منك".
وتذكرت سارة بان جيمس ذكر لها بأن فريزر يبلغ الخامسة والثلاثين من العمر تقريبا ، إذن هو ليس بالرجل المعمر وسارعت تقول:
" إنني اؤكد لك بأن منظري لن يؤثر باية طريقة على عملي مطلقا".
واحست بكلماتها تطفو في الهواء جامدة ، متزمتة ، مما جعل خديها يشتعلان خجلا للمرة الثانية".
" توحي كلماتك بالإمتعاض".
وتناول علبة السكائر من جيبه وقدم لها واحدة ، ولما هزّت راسها بخمول رافضة ، تناول هو واحدة وأشعلها ، ثم ألقى بعود الكبريت المحترق خارج النافذة.
" ربما كان يجب أن تصر على إختيار فتاة خالية من الجمال عندما إتصلت بالسيد كار".
قالت وهي ترنو بتعاسة الى سحب الدخان التي خلفتها سيكارته خارج النافذة.
واخذ الطريق يضيق ومن دون إنذار إندفع هيو فريزر نحوطريق جانبي وتوقف.
ونظر اليها مرة أخرى بتمهل عابث من تحت حاجبين تقوسا في حركة طفيفة اثارت الغيظ في نفس سارة الان ، كما اثارته قبلا ، وقال مجيبا على ملاحظتها الأخيرة:
" أنا شخصيا لا إعتراض لدي على إستخدام سكرتيرة جميلة " ، وإبتسم مضيفا : " ولو أن توقفي هنا قد اثار في نفسك بعض التساؤلات فإن السبب هو إنني اريد ان اناقشك في بعض الأمور قبل ان نلتقي بالآخرين".
وراح يتامل نهاية سيكارته المشتعلة بإمعان مثير للجنون ، وإنتظرت متململة محرجة ، وأزاحت شعرها الطويل الاشقر الى الوراء باصابعها النحيلة بعصبية ، إن هذا الرجل يثير نفورها وفضولها معا ، ويدفعها الى الحيطة على الرغم من انهما لم يلتقيا إلا قبل لحظات فقط ، وقد أوحت لها شخصيته باشياء لا تستطيع ان تتكهنها ، وهو بلا شك يختلف عن أي رجل سبق لها ان قابلته ، وسالته سارة بعناد محاولة أن تتفادى مجابهة الغموض والإبهام.
" ألا تظن ان سيدة أكبر سنا مني تناسبك أكثر؟".
وإستدار نحوها بصبر نافد متململا:
" ولكن السيدات الناضجات لا يتمتعن دائما بالكفاءة ، ولا يمكنهن التكيّف بسهولة ، ويتطلبن غالبا وقتا طويلا للإستقرار".
ظنت سارة أنها فهمت مقصده فقالت وهي تبتسم بأدب:
" أظنك تريد ان انتهي من عملي هنا باسرع وقت ممكن".
" ليس بالضرورة".
وتركت عيناه شعرها لتستقرا على وجهها بإمعان متكاسل ، إنه يتفحّص لوحة.
" في تقديري ، المدة اللازمة لأنجاز العمل هي ستة أسابيع ولكنه من المستحيل تحديد الوقت بالضبط".
" هذا يعني أننا قد ننتهي قبل المدة المقررة".
" او بعدها ، وهذا يتوقف على بقائي هنا ، فقد إضطر لقضاء بعض الوقت في لندن".
منتديات ليلاس
وإستوعبت سارة فحوى كلماته بصمت ، طبعا لقد نسيت ، عن عمله الاساسي مقره لندن ، وليس هنا ، وجلست برهة تحدق في لوحة جهاز القياس امامها ، غير شاعرة بعينيه المتفحصتين ، واخيرا تمتمت قائلة:
" لا شك أنه من غير المريح ان يعيش المرء بعيدا عن المدينة".
ثم اضافت وقد ادركت أن ملاحظتها إنما هي حقيقة معروفة للطرفين.
" لقد أخبرتني جين بأنك تعمل في تجارة الإستيراد".
" جين؟".
وعرت نظراته الحدّة إذ رمقتها عيناه بإحتراس.
" جين مارلي ، صديقتي ، هي سكرتيرة السيد كار ، والحقيقة انها هي التي أخبرتني عن هذه الوظيفة".
" آه فهمت".
وتراخت اعصابه المشدودة بوضوح ومن دون سبب مفهوم لسارة ، واضاف:
" حسنا ، من اجل إيضاح الأمور يحسن بي أن اذكر بان الإستيراد كان مهنة والدي وليس مهنتي ، وذلك حتى لحظة إختفائه من يخته قبل ستة شهور ، اما أنا فقد عشت في الخارج معظم الوقت ، انا مهندس".
" أنا آسفة".

نيو فراولة 28-12-11 09:38 PM

أجابت سارة ببطء ، وبدا لها غريبا الا يكون جيمس قد ذكر لها شيئا عن هذا الحادث ، ولو انها كانت على علم مسبق لإستطاعت أن تتجنّب هذا الموقف المحرج ، وضاقت عينا هيو فريزر ثم قال بلطف، ولكن بنبرة حازمة:
" أن هذا كله لا علاقة له بك ، أما بالنسبة الى تحديد المدة التي سيستغرقها عملك هنا فيمكننا التناقش بشأنها في المستقبل ، إن صدمة موت والدي كانت اكثر مما إستطاع ان يتحمله عمي الذي كان يكبره سنا والذي لم يكن يتمتّع بصحة جيدة ، وكان عمي متعلقا بلوخ غويل ، ولكن لم أدرك الى أي حد اهمل الأمور حتى اتيت الى هنا من أجل ان ارتب وأنسق اعماله".
وتمهل لحظة ن ولكن سارة تجنبت ان تعبر مرة أخرى عن تعاطفها ، فمن الواضح انه إنما يفضي اليها بهذه التفاصيل الان بسبب علاقتها بالعمل الذي جاءت من أجله ن ثم قالت وهي تتذكّر بعض مرضى والدها المسنين:
" ان كبار السن يميلون بدون إستثناء الى إهمال أعمالهم".
وتجاهل فريزر كلماتها ، وتابع قائلا بإستعلاء وتجهم :
" وعندما لاحظت الفوضى التي سادت مكتب عمي لجأت في الحال الى طلب المعونة من جيمس كار ، إلا انه لم يكن بالإمكان الخوض في التفاصيل قبل وصولك ، فبالإضافة الى واجباتك الوظيفية ، هنالك أمر آخر اود ان اتحدث اليك بشانه قبل أن نصل الى لوخ غويل......".
فرددت سارة وهي تحاول ان تخفي إضطرابها الفجائي وراء إبتسامة مشرقة:
" السكرتيرة الجيدة هي سكرتيرة متعددة المهارات".
فأطفأ فريزر سيكارته المحترقة قائلا:
" إن السيدة سكوت مدبرة منزلي ، تحمل الرأي نفسه على الأكثر ، وهي بلا شك ستعتبر إحدى مهماتها مراقبة تصرفاتك ، ولهذا فأنا أحذرك".
إبتسمت سارة رغم التعب الذي كانت تشعر به فهي عادة تملك القدرة على مصاحبة منهم أكبر منها سنا.
" هل هي كبيرة السن؟".
قالت وهي تقابل عينيه الداكنتين بثقة متجددة:
" في الستينيات على ما أعتقد".
وتجعّد جبينه وهو يقول مسلما:
" إن بيدي هي مؤسسة بكاملها او تكاد ، واظن أنه يمكننا إعتبارها فردا من العائلة ، وتحب ان تتصرّف كما يحلو لها".
" لقد تحدّث السيد كار عن اختك غير الشقيقة "، قالت سارة بجرأة ممزوجة بالحذر : " كما ذكر بانك بحاجة الى من يساعدك على رعايتها".
ولاحظت سارة تجهما في وجهه وهي تتكلم ، وكان التعبير المرتسم على ملامحه مزيجا من نفاد الصبر والتسليم.
" إن جيل تقارب العشرين ، ووالدتها وهي أميركية المولد ، تقوم حاليا بزيارة طويلة لأميركا ، ولهذا فإنه من الناحية النظرية تقع مهمة رعاية جيل على عاتقي".
" الا يوجد شخص آخر؟".
" تعنين افضل؟".
ولمعت عيناه بسخرية إذ تورّدت وجنتاها وقال:
" لا ، مع الأسف ، لا يوجد من يستطيع التأثير عليها ".
ورمته سارة بنظرة سريعة إذ ضاقت شفتاه الصارمتان ، وقالت:
" يبدو انك تعاني من مشكلة ".
" قد أكون... وهي مشكلة كنت بغنى عنها ، يبدو أن جيل قد سمحت لنفسها بالإختلاط مع بعض رفاق السوء بعد سفر والدتها ، ويا لسوء الحظ "، قال متنهدا : " كنت أنا مشغولا جدا ، بينما لم يكن لدى جيل ما يشغلها ما فيه الكفاية.
" قد لا يكون يتعدّى الأمر مجرد مرحلة تمر بها".
أشارت بلباقة ، محوّلة نظراتها عن وجهه العابس الى يديه المشدودتين على المقود.
" وفّري عليّ الملاحظات التافهة ". قال ووجهه ينطق سخرية :" انت لا تعرفين اختي ، فهي لا تمر بمراحل ، كما أنها تظن انها تعرف كل الأجوبة ، ولكنها لا تعرف معنى المسؤولية ، وجيل في الوقت الحاضر تعتقد بانها تحب فنانا فقيرا ، وتصمم على الزواج منه".
وقفزت عينا سارة الى وجهه ثانية ، فمن الواضح ، كما بدا من نبرات صوته ، أنه لا يوافق ، هل السبب هو كون الرجل فنانا أو فقيرا ؟ وتمتمت بتردد:
" لو أنه رجل مناسب فقد لا يبقى دائما في غير هذه الظروف".
" قد تستطيعين محاولة الإصغاء الي ، يا آنسة دينتون".
قال مستديرا في مقعده وعيناه الساخرتان تلتقيان بعينيها الواسعتين المكشوفتين.
" مما لا شك فيه أنك قطعت مسافة طويلة ، ومن المحتمل أن التعب قد بلغ بك حدا يحول بينك وبين التفكير الصائب ، ولهذا فأنا ارجوك ان تسمحي لنفسك بالإهتداء بآرائي ، وبالإضافة الى أنني أعرف المزيد عن هذا الشاب ، وما سمعته عن هذا الشاب ، وما سمعته عنه يجعله بحاجة ال الكثير مما يزكيه ، هذا لو توخيت في تقييمه جانب الإعتدال".
" ولكن هل قابلته؟".
سألته سارة بسرعة ، وعلى الرغم من انه كان على بعد سنتيمترات منها ، فلقد أحست بأن المسافة الذهنية بينهما شاسعة ، وفجأة ومن دون سبب تسارعت نبضاتها ، وداخلها شعور بالتعاطف مع جيل المتمردة.
" إن ما يقلقني هو طبع جيل المندفع ، وهي الآن تتماثل للشفاء أثر عملية جراحية ، وستاتي الى لوخ غويل لتقضي فترة نقاهتها ، إن أحدا هنا لا يعرف شيئا عن صديقها ، ولهذا فلا داعي لأن يذكره أحد إلا إذا أشارت اليه هي نفسها ، من المحتمل ان تنساه إذا ما قضت فترة بدون أن تراه ، وهنا أجد مساعدتك ضرورية انا لا أظن بأنه سيتبعها الى لوخ غويل ، ولكنني بحاجة الى من يراقبها ويخبرني فيما لو لاحظ شيئا مريبا ، لا اعتقد بأنك ستجدين هذه المهمة شاقة جدا".

نيو فراولة 28-12-11 09:41 PM

وعبست سارة ، وهي غير مقتنعة بعد ، وإعتراها شعور مزعج بانها لم تسمع القصة بكاملها بعد ، وبأنه لم يذكر لها كل شيء ، وفي قرارة نفسها احست بان الموضوع يغلفه شيء من الميلودراما ، كقصة من العصور الوسطى ، لا شك ان اسلوبا أكثر تفهما وتجاوبا هو أفضل من هذا الموقف الأبوي الثقيل ، لعل سفر والدة جيل قد أتاح لشعوره بالمسؤولية ان يفقد توازنه قليلا ، وسالت:
" أليس من المحتمل ان تكون مجحفا في حقها بعض الشيء ؟ فإن الحب بين أختك وبين هذا الرجل قد يكون حقيقيا".
" لقد سبق أن ذكرت لك ان هذا مستحيل".
أجاب بإقتضاب وبدا التصلّب جليا في موقفه.
" ألن تفعلي ما اطلبه منك؟".
وتساءلت سارة : ( ألم يقع هو في الحب شخصيا ؟ ثم داخلها الشك ، إن رجلا مثله لا بد أن يخضع عواطفه لنظام صارم ، ولا شك ان قلبه لا يمكن ان يسمح له بأن يلين إلا إذا امره عقله) .
ولما لم تجب أعاد سؤاله بصبر نافد وبصوت صارم:
" انا أرفض التجسس".
أجابت سارة بكل الحدّة التي جرؤت عليها ، وتقابلت نظراتهما .
" انا لا أطلب منك أن تتجسسي ، لا تكوني بلهاء ".
وراحت أنامله تمر خلال شعره الكثيف الداكن بغيظ ، وكأن الموقف كله قد أثار في نفسه التبرم:
" لو انك وجدت شيئا فانا اتوقع منك ان تخبريني ، ولكن دون ان تبالغي في إبراز الحوادث الصغيرة بحيث تخرج عن سياقها".
" هل هذا امر؟".
" يمكنك إعتباره أمرا".
" وإذا لم أوافق؟".
وإعتراها الخوف من الداخل ، على الرغم من الغضب المشتعل في عينيها.
" لا اريد أن أجعل من الموضوع مشكلة ، ولكن المرؤوسين عادة يكونون على إستعداد لإطاعة الأوامر".
" ضمن حدود".
إرتجفت الكلمات على شفتيها ثائرة.
وجاء جوابه بسرعة بعثت الرعدة في نفسها:
" كان يجب ان أراك بنفسي في لندن".
منتديات ليلاس
أدركت سارة بحدسها ان أحدا لم يجرؤ من قبل على تحديه.
وسمعت صوتا.. صوتها يجيب:
" حسنا لقد فزت ، بما أنني هنا فليس لي مجال كبير للإختيار ، سافعل ما بوسعي".
كان إستسلامها سريعا ، إلا انه كان خاليا من اللياقة الكياسة ، إذ انها كانت ما تزال تعاني من الثورة.
" حسنا!".
وإبتسم إبتسامة رجل تعوّد على تحقيق ما يريده دائما.
وبدا وكأنه على إستعداد للتصرف بأريحية، متناسيا سلوكها الذي لا تفسير له.
" أظنك ستجدين ان الأمر لن يتعدّى محاولة إيقاف جيل عن الإسراع الى لندن كلّما شعرت بالملل ، والان يحسن بنا أن نتابع طريقنا".
وأدار محرك السيارة راجعا بها الى الوراء بقوة ، ثم غيّر الموضوع قائلا:
" استنتج انه لا مانع لديك من العمل في خدمتي".
قالها بلطف وقد علا صوته على صوت المحرك.
إشتعلت عينا سارة الزرقاوان غيظا بينما كان يدير السيارة ، إذ احست بلذاعة كلماته وأسلوبه معا ، ولكنها قررت أن تتجاهل إنتقامه الذكي اللبق ، لا شك أنه يحس بانه لم يكن عادلا تماما ، ولكن كيف تستطيع ان تناقشه في النواحي الدقيقة لموقف يبدو ظاهريا بسيطا نسبيا ن فلو ان جيل وصديقها على علاقة حب فإنه ليس من المحتمل ألا يحاولا اللقاء ، وإذا ما تم هذا اللقاء فليس من المعقول أن يعتبرها مسؤولة.
" متى تصل شقيقتك ؟".
سألت سارة بثبات وهي تتمسك بحافة مقعدها من اجل أن تستعيد توازنها.
فإبتسم إبتسامة ساخرة ردا على موقفها العدائي الملموس.
" بعد اسبوع أو أكثر كما أتوقع ، إذ أنها ستبقى في لندن حتى تسمح لها حالتها الصحية بالسفر ، وهذا سيتيح لنا الوقت الكافي لكي نشرع في العمل".
" طبعا".
وضغطت سارة على نفسها حتى إستطاعت أن تعود بذهنها للتركيز على المناظر أمامها ثانية ، وأحست بدوار خفيف وهي تجر عينيها بعيدا عنه وعن سيطرة رجولته الطاغية المبهمة وعينيه اللامعتين كبرق عواصف الصيف ، ثم أضافت بلهجة دفاعية:
" انا معتادة على العمل الشاق وعلى الساعات الطويلة".
" من المستحسن أن تكوني هكذا".
وإستعرضتها عيناه بحدة ، مسجلتين تألق جلدها الناعم .
" لن يكون العمل هنا عطلة ، أو ما شابه ذلك ، إذ انه علينا ان ننجز ما يعادل خمس سنوات من العمل المتراكم ، من الواضح ان تقدم عمي في العمر قد حال بينه وبين ان يرعى اعماله كما يجب".
" الست مجحفا في حقه قليلا ؟ الم يكن هناك من يساعده؟".
" يبدو لي يا سارة ، أنك تحبين الأسئلة، إن عمي لم يكن بالشخص المغرم بالمكاتب وأعمالها ، وكان يفضل قضاء وقته في العراء".
ندمت سارة على حمرة الخجل التي صبغت وجنتيها والتي لم تستطع ان تسيطر عليها لحظة أن صدمها سماع صوت إسمها على شفتيه ، وراحت تحدق في اناملها النحيلة محاولة ان تعطي نفسها مهلة صغيرة تستجمع خلالها شتات فكرها ، فقد لاحظت في طبع فريزر نزعة من القسوة لم تعرف كيف تتصرف حيالها ، وهوبلا شك من النوع الذي إعتاد على المشاركة في المشاريع الكبرى في الخارج ، والذي ينتقي موظفيه بعد طول تدقيق ، متطلبا منهم شدّة المراس وتنوع الكفاءات وإذا ما اصر فإن اوامره فلا بد ان تنفذ على أكمل وجه ، وداخلها الشك في أن تستطيع هي النهوض الى مثل هذا المستوى.


نيو فراولة 28-12-11 09:43 PM

وعبست سارة ، وهي غير مقتنعة بعد ، وإعتراها شعور مزعج بانها لم تسمع القصة بكاملها بعد ، وبأنه لم يذكر لها كل شيء ، وفي قرارة نفسها احست بان الموضوع يغلفه شيء من الميلودراما ، كقصة من العصور الوسطى ، لا شك ان اسلوبا أكثر تفهما وتجاوبا هو أفضل من هذا الموقف الأبوي الثقيل ، لعل سفر والدة جيل قد أتاح لشعوره بالمسؤولية ان يفقد توازنه قليلا ، وسالت:
" أليس من المحتمل ان تكون مجحفا في حقها بعض الشيء ؟ فإن الحب بين أختك وبين هذا الرجل قد يكون حقيقيا".
" لقد سبق أن ذكرت لك ان هذا مستحيل".
أجاب بإقتضاب وبدا التصلّب جليا في موقفه.
" ألن تفعلي ما اطلبه منك؟".
وتساءلت سارة : ( ألم يقع هو في الحب شخصيا ؟ ثم داخلها الشك ، إن رجلا مثله لا بد أن يخضع عواطفه لنظام صارم ، ولا شك ان قلبه لا يمكن ان يسمح له بأن يلين إلا إذا امره عقله) .
ولما لم تجب أعاد سؤاله بصبر نافد وبصوت صارم:
" انا أرفض التجسس".
أجابت سارة بكل الحدّة التي جرؤت عليها ، وتقابلت نظراتهما .
" انا لا أطلب منك أن تتجسسي ، لا تكوني بلهاء ".
وراحت أنامله تمر خلال شعره الكثيف الداكن بغيظ ، وكأن الموقف كله قد أثار في نفسه التبرم:
" لو انك وجدت شيئا فانا اتوقع منك ان تخبريني ، ولكن دون ان تبالغي في إبراز الحوادث الصغيرة بحيث تخرج عن سياقها".
" هل هذا امر؟".
" يمكنك إعتباره أمرا".
" وإذا لم أوافق؟".
وإعتراها الخوف من الداخل ، على الرغم من الغضب المشتعل في عينيها.
" لا اريد أن أجعل من الموضوع مشكلة ، ولكن المرؤوسين عادة يكونون على إستعداد لإطاعة الأوامر".
" ضمن حدود".
إرتجفت الكلمات على شفتيها ثائرة.
وجاء جوابه بسرعة بعثت الرعدة في نفسها:
" كان يجب ان أراك بنفسي في لندن".
أدركت سارة بحدسها ان أحدا لم يجرؤ من قبل على تحديه.
وسمعت صوتا.. صوتها يجيب:
" حسنا لقد فزت ، بما أنني هنا فليس لي مجال كبير للإختيار ، سافعل ما بوسعي".
كان إستسلامها سريعا ، إلا انه كان خاليا من اللياقة الكياسة ، إذ انها كانت ما تزال تعاني من الثورة.
" حسنا!".
وإبتسم إبتسامة رجل تعوّد على تحقيق ما يريده دائما.
وبدا وكأنه على إستعداد للتصرف بأريحية، متناسيا سلوكها الذي لا تفسير له.
" أظنك ستجدين ان الأمر لن يتعدّى محاولة إيقاف جيل عن الإسراع الى لندن كلّما شعرت بالملل ، والان يحسن بنا أن نتابع طريقنا".
وأدار محرك السيارة راجعا بها الى الوراء بقوة ، ثم غيّر الموضوع قائلا:
" استنتج انه لا مانع لديك من العمل في خدمتي".
قالها بلطف وقد علا صوته على صوت المحرك.
إشتعلت عينا سارة الزرقاوان غيظا بينما كان يدير السيارة ، إذ احست بلذاعة كلماته وأسلوبه معا ، ولكنها قررت أن تتجاهل إنتقامه الذكي اللبق ، لا شك أنه يحس بانه لم يكن عادلا تماما ، ولكن كيف تستطيع ان تناقشه في النواحي الدقيقة لموقف يبدو ظاهريا بسيطا نسبيا ن فلو ان جيل وصديقها على علاقة حب فإنه ليس من المحتمل ألا يحاولا اللقاء ، وإذا ما تم هذا اللقاء فليس من المعقول أن يعتبرها مسؤولة.
" متى تصل شقيقتك ؟".
سألت سارة بثبات وهي تتمسك بحافة مقعدها من اجل أن تستعيد توازنها.
فإبتسم إبتسامة ساخرة ردا على موقفها العدائي الملموس.
" بعد اسبوع أو أكثر كما أتوقع ، إذ أنها ستبقى في لندن حتى تسمح لها حالتها الصحية بالسفر ، وهذا سيتيح لنا الوقت الكافي لكي نشرع في العمل".
" طبعا".
وضغطت سارة على نفسها حتى إستطاعت أن تعود بذهنها للتركيز على المناظر أمامها ثانية ، وأحست بدوار خفيف وهي تجر عينيها بعيدا عنه وعن سيطرة رجولته الطاغية المبهمة وعينيه اللامعتين كبرق عواصف الصيف ، ثم أضافت بلهجة دفاعية:
" انا معتادة على العمل الشاق وعلى الساعات الطويلة".
" من المستحسن أن تكوني هكذا".
وإستعرضتها عيناه بحدة ، مسجلتين تألق جلدها الناعم .
" لن يكون العمل هنا عطلة ، أو ما شابه ذلك ، إذ انه علينا ان ننجز ما يعادل خمس سنوات من العمل المتراكم ، من الواضح ان تقدم عمي في العمر قد حال بينه وبين ان يرعى اعماله كما يجب".
" الست مجحفا في حقه قليلا ؟ الم يكن هناك من يساعده؟".
" يبدو لي يا سارة ، أنك تحبين الأسئلة، إن عمي لم يكن بالشخص المغرم بالمكاتب وأعمالها ، وكان يفضل قضاء وقته في العراء".
ندمت سارة على حمرة الخجل التي صبغت وجنتيها والتي لم تستطع ان تسيطر عليها لحظة أن صدمها سماع صوت إسمها على شفتيه ، وراحت تحدق في اناملها النحيلة محاولة ان تعطي نفسها مهلة صغيرة تستجمع خلالها شتات فكرها ، فقد لاحظت في طبع فريزر نزعة من القسوة لم تعرف كيف تتصرف حيالها ، وهوبلا شك من النوع الذي إعتاد على المشاركة في المشاريع الكبرى في الخارج ، والذي ينتقي موظفيه بعد طول تدقيق ، متطلبا منهم شدّة المراس وتنوع الكفاءات وإذا ما اصر فإن اوامره فلا بد ان تنفذ على أكمل وجه ، وداخلها الشك في أن تستطيع هي النهوض الى مثل هذا المستوى.

نيو فراولة 28-12-11 09:46 PM

راقب فريزر وجهها الساكن دون ان يستدير ، ثم قال بهزة لامبالية من كتفيه القويتين:
" ما هي النتائج التي توصلت اليها داخل هذا الراس الجميل ، يا آنسة وينتون؟".
وإندلع الغضب في نفسها كاللهب ، إن هذا الرجل شيطان ساخر يلعب دوره بسهولة وبراعة ، وشعرت سارة بكل أعصابها تتوتر ، ولكنها حاولت ان تتكلم بثبات.
" لقد كنت آمل أن نستطيع العمل معا بمودة ، يا سيد فريزر".
ولمعت عيناه بإستمتاع.
" انا واثق من هذا يا آنسة دينتون ، وإذا ما إستطعت تلبية طلباتي ، فإنني لن ألجأ الى الشكوى".
" لا تخف ، فسافعل".
لم تذكر سارة انها في السابق قد شعرت بوجود رجل على هذه الصورة، فكل شيء حوله ، إنحناءة رأسه المتغطرسة ، وقوة كتفيه العريضتين ، وذقنه كلها توحي بشدة رجولته ، إنه من النوع الذي لا بد ان يثير عداء النساء ، ولكنها لاستغرابها ودهشتها ، وجدت عينيها تعودان اليه مرارا والسيارة تندفع عبر طريق الجزيرة المنعزل.
بعد سالن ، مال الطريق بإتجاه الشاطىء الغربي ، ووصلا لوخ غويل قرب نهاية العصر ، ولم تنس سارة بعد ذلك ابدا تلك المرة الأولى التي شاهدت فيها القلعة الرابضة على حافة البحر بحجارتها الضخمة التي بدت وكأنها إستمرار للمناظر الطبيعية حولها ، وتربعت القلعة التي بنيت من الغرانيت والحجر الرملي فوق الصخور العالية لعبة للريح ، والشمس الغاربة تصبغ بالذهب ابراجها وسطوحها.
ونظر الى وجهها المجفل :
" هل يخيفك المكان ، يا آنسة ؟ لعله كان من الواجب أن أحذرك مسبقا".
فاشاحت سارة بوجهها عنه فلم يعد يبدو له منه إلا إستدارة الخد الكاملة.
" إنني لا افزع بسهولة".
أجابت متمتمة بهدوء:
" هل تقولين الحقيقة؟".
قال وفي صوته نبرة خفيفة من الوعيد ، بينما راحت عيناه تقيسانها ببرود وقد لاح فيهما واضحا بارق من الغيظ المصطنع .
" هل تجدين انه من الضروري دائما ان تهاجمي كالقنفذ ،أظن انك شائكة مثله".
" هذا يمليه مبدأ الدفاع عن النفس ، يا سيد فريزر ، ولكنني اكره مقارنتك هذه".
" الدفاع عن النفس ، أو ذكرى علاقة حب إنتهت نهاية مريرة ، يا آنسة دينتون ؟ عن العلامات معروفة ويمكن التعرف عليها ببساطة بما في ذلك آلية الدفاع عن النفس".
اجابت سارة بعنف وبصوت منخفض:
" أنت مخطىء تماما".
فرد عليها بجفاء متناه:
" إن اليوم الذي اجد فيه نفسي على خطا تام لم يولد بعد".
وأحست بكلماته اللاذعة تلدغها فهبت قائلة:
" هذا لا علاقة له مطلقا بما عنيته مسبقا".
" قد لا يكون ، لا شك أن الشخص الذي خلف على وجهك مسحة الحزن الغامضة قد نجح تماما في ىداء مهمته".
قفز قلب سارة بالم ، إنها لا تستطيع التحدّث عن والديها دون أن تخاطر بقدرتها على ضبط نفسها ، ليس بعد ، ثم أنها لم تكن تريده أن يحزر الحقيقة ، من الأفضل أن تدعه يصدق ظنونه إذ أنها لا تريد عطفا منه ، ولا تنشد إلا النسيان.
" اقترح بان نعلن هدنة بيننا ، يا آنسة دينتون " قال ناظرا اليها ، وشبح إبتسامة في عينيه : " فأنت تملكين لسانا سليطا إذا ما أستثرت".
وعبر بسيارته تحت قوس حجري ضخم بمرونة خلفتها العادة ، بإتجاه الساحة المبلطة وبدا هادئا بينما احست هي بأعصابها مشدودة كالوتر.
تنفست سارة الصعداء ، لعلها تستطيع الآن ان تتجنب فريزر حتى يتسنى لها جمع أفكارها المبعثرة ، وتذكرت ما قاله لها اثناء حديثهما عن شعوره بالندم لأنه لم يقابلها ويخترها بنفسه ، إنها هي أيضا نذرت واعدة نفسها ، لن تقبل في المستقبل مطلقا أية وظيفة قبل أن تقابل شخصيا رئيسها الموعود ، هذا على الرغم من أن القليل من الرؤساء يمكن ان يكونوا على شاكلة هيو فريزر ، وقفز عرق صغير في أسفل عنقها لاحظته عينا فريزر قبل أن يوقف السيارة قائلا:
" إذا كنت في حالة تسمح لك "، ولمس ترددها وعصبيتها : " فلعلك تحبين ان تقابلي بيدي ، من المحتمل ان تلقى لديك قبولا أكبر مما لقيت هانا".
" بالطبع".
وإبتسمت محاولة ان تعكس تماسكا لم تشعر به ، محاولة ، دون نجاح ، ان تجابه سخريته اللاذعة بسخرية مماثلة ، ولاحظت حاجبه الأيمن بحركته المعهودة يرتفع ، فإشتعلت وجنتاها خجلا إذ شعرت بوطأة إنتصاره النهائي ، وهما تجتازان الساحة المبلطة متجهين الى الداخل.

نيو فراولة 29-12-11 08:06 PM

2- قلعة الأشباح

تبعت سارة هيو فريزر بخطوات سريعة الى مدخل القلعة وقد صممت في نفسها الا تتيح له فرصة إزعاجها أكثر مما فعل ، وسارت وراءه عبر ممر أرضي طويل ذي سقف معقود ، وخلال باب قادهما الى قاعة كبيرة مربعة مبلطة كسيت ارضها بالسجاجيد ،وزينت جدرانها بعدد من اللوحات الجدارية المنسوجة التي كانت تعلو مجموعة من الصناديق الخشبية المحفورة ،وتربعت على احد هذه الصناديق باقة من زهور التوليب الصفراء الطويلة التي راحت تتالق في النور الخافت المتسرب من النوافذ الضيّقة ، وفي إحدى نهايتي البهو رأت سارة درجا لولبيا صاعدا إحتضنته سماكة الجدران ، وكانت تغطيه سجادة حمراء ثخينة.
" اهلا بك في لوخ غويل".
تمتم هيو فريزر بكياسة من ورائها ، وإستدارت لتنظر اليه دون أن تتكلم فقال مبتسما وقد لاحظ الدهشة المرتسمة على وجهها:
" ستعتادين على القلعة بسرعة ، إنها تبدو كبيرة ، ولكنك عندما تتعلمين كيف تجدين طريقك خلالها ستنسين حجمها ، وستجدين باننا هنا في الحقيقة نتمتع بقسط كبير من الراحة".
" طبعا".
منتديات ليلاس
أجابت بسرعة بينما أخذ هو ذراعها وقادها بحزم عبر القاعة المبلطة الى الدرج الحجري الصاعد الى الطابق الأول ، والذي إنتهى بهما الى قاعة أخرى ، وشعرت سارة بتحسن في الحال ،إذ أن النوافذ الطويلة الثلاث التي أطلت من كواتها المقوسة العميقة في الجدران كانت تتيح لكمية كافية من النور بالنفوذ خلالها مما محى الشعور بالكآبة الذي خلفته القاعة الأرضية في نفس سارة ، وتناهت اليها رائحة قطع الخشب العطرة التي كانت تحترق في مدفأة كبيرة واسعة زيّنت أعمدتها الجانبية بالنقوش المحفورة.
وأحاطت بالقاعة مجموعة من البواب المصنوعة من خشب السنديان المحفور والتي تقود بدون شك الى الغرف الداخلية ، وفي نهاية القاعة شاهدت سارة درجا ملتويا مما ثلا للدرج الذي صعدته منذ قليل.
" إننا نعيش في هذا الطابق والطابق الذي يعلوه".
وارخى قبضته على ذراعها المشدودة رافعا حاجبيه بحركته المعهودة ، ولكن قبل أن تجد سارة فرصة للإجابة فتح أحد الابواب الذي كان واضحا انه يقود الى المطبخ ، وهرعت منه إمرأة صغيرة الثياب مرتبة الثياب.
" آه ، ها هي بيدي !". قال بلهجة سجلت فيها سارة شعورا بالخلاص.
وإستدارت لتواجه بيدي التي بدت صغيرة الحجم بالتاكيد ،ولكن هالة من الوقار والرصانة النابعة منها جعلتها تبدو أطول مما هي عليه ، إلا أن وجهها كان يشع بطيبة واضحة ، مما جعل سارة تميل اليها في الحال.
ومدّت سارة يدها الى بيدي التي إستجابت بحركة مماثلة بينما قام هيو بمهمة التعريف".
" أتمنى أن تعجبك القلعة، يا آنسة".
قالت بأدب وعيناها تستقران على وجه سارة المحمر:
" سأدق الجس لأطلب من كاتي أن ترشدك الى غرفتك ، فانا أتوقع أن تكوني متعبة بعد رحلتك".
وإمتدت يدها الى الجرس دون ان تنتظر جواب سارة.
" أنا لست على عجل".
أجابت سارة بهدوء وقد إعتراها شعور غريب بأن تحاول إثبات وجودها ، فقد احست دون تفسير منطقي بأن كلا من هيو وبيدي قد سعيا الى فرض إرادتهما عليها.
وقابلتها عينا هيو اللامعتان.
" يمكنك أن تتحدثي الى بيدي فيما بعد ، وتطلبي منها ان تريك المكان اما الان فاظن من الحكمة أن تفعلي ما إقترحته عليك ، فانت بلا شك قد جابهت يوما طويلا".
وأحست سارة بأنه إختار أن يسيء فهم مشاعرها عن قصد.
" إن السيد هيو على حق.
قالت بيدي هازة رأسها الرمادي بالموافقة ، مبتسمة برضى :
" ستشعرين بالتحسن غدا بعد قضاء ليلة مريحة ، وستجدين الكثير مما يشغلك".
" ساحاول أن امد يد المساعدة بالتأكيد ". وحادت سارة بنظراتها عن هيو بسرعة مخاطبة بيدي : " هل هنالك ما يمكن ان افعله الان ........؟".
وتلاشت كلماتها تحت وطأة التررد ، ولم تحاول أن تنظر الى هيو إذ تخيلت التعبير الساخر المرتسم على وجهه ، وهب في نفسها شعور مزعج بالثورة بينما راحت يدها تسمح جبينها بتعب ، لا شك ان بيدي تنفذ كلماته بحذافيرها ، ولكنه لا يجب ان يتوقع منها ان تفعل الشيء نفسه.
واومات بيدي براسها بالموافقة ثانية ، غير شاعرة بالتيارات الخفية السارية في الجو حولها ، وقالت بلطف:
" ستحضر كاتي في الحال ، يا آنسة وينتون ، أحيانا يخيّل لي نها قد اضاعت طريقها".
أحست سارة بانه من البعث أن تتابع الحديث ، فإبتسمت وراحت تنتظر قدوم كاتي بصمت ، وعادت الى التحديق فيما حولها بإهتمام متجدد ، بينما أخذت بيدي تناقش فريزر بشان رجل جاء لزيارته بينما كان غائبا.
لم يسبق لسارة ان عاشت في مثل هذا المكان العتيق من قبل ، وتساءلت بشيء من الخوف فيما لو انها ستالفه وتحبه ، لا شك ان عمر هذه القلعة هو المئات من السنين ، من المحتمل انها بنيت في القرن السابع عشر ، ولا بد أن الأشباح تسكن ممراتها الدامسة ، وبدا لها أن شخصا ما في وقت ما قد قام بتجديد القلعة من الداخل بحيث إستطاع ان يجمع في اسلوب بنائها القديم والحديث ، ففي هذا البهو الواسع الذي يعبر عن ذوق رفيع يستطيع المرء أن يجد كل مظاهر الراحة ، وفكرت وهي تصعد الى غرفتها ، بعد ان جاءت كاتي لتقودها اليها ، بان كل شيء داخل القلعة قد صمم بحيث يتيح لأصحابها فرصة العيش المتكامل.

نيو فراولة 29-12-11 08:14 PM

وجدت سارة ان غرفة النوم التي خصصت لها كانت داخل أحد ابراج القلعة المستديرة ، ولم يكن فرشها حديثا ولكنه كان جذابا ، غير عادي ، وغاصت قدماها في السجادة الوردية السميكة والتي كان يماثلها لونا غطاء السرير المزركش وغطاء الكنبة المجاور للسرير ، وعل طاولة صغيرة قرب الكنبة رأت مجموعة من الكتب والمجلات ، بينما راحت مدفاة كهربائية تشع دفئا مريحا حولها ، وذكّرتها الغرفة، برغم الإختلاف ، بغرفة الضيوف في منزل والديها.
أشارت كاتي الى الطاولة الصغيرة ، وكانت مثل بيدي قد تفحصت سارة ورمقتها بنظرات الإستحسان.
" قد تحبين ان تجلسي هنا في بعض الأحيان ".قالت وهي تبتسم لسارة بمرح : " ولهذا فقد تركت لك بعض المجلات".
وشكرتها سارة بسرعة معبرة عن إمتنانها وهي تبتلع غصة من الحنين الفجائي ، وخمنت بان كاتي هي الخادمة ، واحست بميل اليها وهي ترمق وجهها المستدير المرح وعينيها الداكنتين اللامعتين وإبتسامتها الودية المبتهجة ، وإختفت كاتي لبضع دقائق ، ولكنها سرعان ما عادت تحمل صينية عليها إبريق من الشاي الحار وبعض شرائح الخبز والزبدة الساخنة .
" هذه الصينية من بيدي "، وتابعت لاهثة : " وقد اخبرتني بان اذكر لك بأن موعد العشاء هو السابعة".
بعد ان إستحمت سارة وإستراحت قليلا إرتدت ثوبا ناعما وهبطت الدرج الى الأسفل.
ثم تناولت عشاءها في غرفة طعام صغيرة قرب قاعة الإستقبال ، ولما وجدت نفسها وحدها في هذه الغرفة الفاخرة ، إذ أنها لم تستطع أن ترى هيو في أي مكان حولها ، تمنت ، متاخرة ، لو أنها طلبت تناول العشاء على صينية في غرفتها.
بعد مضي بعض الوقت جاءت بيدي لتتأكد من أن كاتي قد جلبت كل شيء تحتاج اليه سارة ، وتلكأت حتى إنتهت الضيفة من تناول قهوتها في قاعة الجلوس.
" إن السيد هيو قد ذهب لتناول العشاء مع بعض الأصدقاء".
قالت لسارة التي لم تشا ان تسال كاتي عن سبب تغيبه.
" إنه يقضي في العادة وقتا كبيرا خارج المنزل ، لا يوجد حاليا من يوفر له الصحبة الكافية ، ولكن الظروف ستتغير طبعا عندما تصل الآنسة جيل ن آمل الا يكون خروجه قد ازعجك يا ىنسة".
" لا".
لم تشعر سارة بأي إزعاج بل أحست بإرتياح لم تستطع له تفسيرا عندما وجدت نفسها بمفردها ، ثم أنه ليس لها أن تعترض على الكيفية التي يقضي فيها رئيسها أوقاته ، ولكن يبدو ان بيدي لا تدرك هذا ، فهي على الأغلب لم تضطر الى التعامل مع سكرتيرة من قبل.
" أتوقع أن اتعود على العيش هنا في وقت قصير ، ثم اظن أنك عشت هنا مدة طويلة".
" يبدو ان بعضنا لن يستمر في العيش هنا في المستقبل بعد أن آت ملكية القلعة الى السيد هيو".
ردت بيدي بحدة ، وبدا وكأن الكلمات قد افلتت منها لا أراديا بعد محاولة كتمان طويلة.
" وطبعا ". سارعت بيدي لإتمام الحديث : " نحن نقد ر بأنه قد يجبر على بيع لوخ غويل ، أو يضطر الى إستخدام من هم اصغر سنا ، بعض مستخدميه يتقدمون في العمر ، وواحد أو إثنان منهم – مثلي – يعانيان من الروماتيزم ".
وتنهدت وهي تضغط بيديها على وركيها النحيلين ، دون أن تنتبه ، وكأنها تريد ان تعطي كلماتها مزيدا من التأكيد.
وضعت سارة قهوتها جانبا ، وحدقت في وجه بيدي ، لقد املت أن تستطيع الإبتعاد بالحديث عن هيو فريزر ، ولكنها وجدت نفسها تعود الى الموضوع كالكرة ، من المؤكد أنه لن يحاول أن يحرم هؤلاء المستخدمين المسنين من بيوتهم ، حتى ولو كان عمه هوالمسؤول عن عدم تأمين مستقبلهم قبل وفاته ، وراحت سارة تنظر الى عظام بيدي الهشة وقد ضاعت الكلمات على شفتيها.
وأخيرا قالت ، باذلة محاولة متخبطة لبعث الأطمئنان في نفس بيدي :
" لا شك ان السيد فريزر يضطر الى السفر مرارا ،ولهذا فلن يكون من الأفضل ان تبقي أنت هنا لتعتني بالبيت اثناء غيابه؟".
" قد يتزوج تاركا لزوجته مثل هذه المهمة ". أجابت بيدي رافضة أية مواساة : " إن النساء يجدنه شديد الجاذبية ، وهناك آنسة معينة تميل اليه جدا".
هضمت سارة هذه المعلومات بصمت دون ان تستطيع تفسيرا للرجفة البسيطة التي اصابتها.
" قد تستطيع الآنسة جيل أن تساعد".
ولكن بيدي وكأنها ندمت على ملاحظتها المندفعة ، إذ انها التفتت بسرعة وغادرت القاعة حاملة معها فنجان القهوة الفارغ وهي تتمتم :
" أنا لا ارغب في إزعاج الانسة جيل ، انا واثقة أن السيد هيو سيجد حلا لكل مصاعبنا فيما لو اتيح له الوقت الكافي".
قالت هذا وإختفت عبر الباب الأخضر الذي يقود الى المطبخ ، هاتفة لسارة بصوت مرتفع بأنها تستطيع ان تدق الجرس طالبة كاتي فيما لو إحتاجت الى أي شيء ، لقد نسيت بيدي ، كما بدا واضحا ، انها وعدت بان تريها القلعة ، وفكرت وهي تنظر الى الباب المتارجح بأن هذا يعني أن عليها الإنتظار حتى الغد لكي تتعرف على المكان.

نيو فراولة 29-12-11 08:16 PM


دهشت سارة عندما وجدت أنها نامت نوما عميقا تلك الليلة في القلعة ، وعندما إستيقظت لم تستطع أن تفهم اين كانت للوهلة الأولى ، ثم صدمتها المعرفة مع عودة وعيها ، انها في قلعة لوخ غويل بجدرانها السميكة المتجهمة ، ولكن سريرها كان مريحا ، غمرتها أشعة الشمس المتسربة من النافذة نصف المفتوحة فرمت اغطيتها بعيدا وقفزت جارية الى النافذة لتنظر من خلالها ، كان المنظر رائعا من برجها المستدير ،وبدا البحر بلا نهاية من الزرقة المتألقة ، وعندما نظرت الى الأسفل رأت مجموعة من الخلجان والرؤوس الصغيرة بمحاذاة الشاطىء الذي أحست به يناديها ، وغسلت وجهها بالماء البارد بسرعة وإرتدت ثيابها على عجلة مختارة بنطلونها الجينز القديم وقميصا مناسبا ضيقا ، وكان هيو فريزر قد ارسل لها رسالة مع كاتي في الأمسية الفائتة ليخبرها بأنه سيكون في إنتظارها في غرفة المكتبة بعد الأفطار ، ولما كان الوقت لا يزال مبكرا ، حوالي السابعة فقط اكدت لها ساعتها ، فقد قررت سارة ان تذهب للإستكشاف.
عندما وصلت سارة ال الردهة ، إرتدت صندلها وقفزت هابطة الدرج الملتوي ، لم تجد أي مخلوق في طريقها ، وكان الصمت مخيما على القلعة الضخمة مما جعلها تحس بانه لو وقع دبوس على الأرض لسمعته ، وحادت عن مدخل القلعة المهيب ، متجهة نحو مؤخرة القاعة ، ولم تجد صعوبة في العثور على الممر الطويل الذي سارت عبره البارحة مع هيو فريزر والذي قادها في النهاية الى ساحة القلعة.
في الساحة أيضا كان الصمت مخيفا مما جعلها تشعر وهي تشق طريقها الى قلب صباح ربيعي مثالي بان العالم كله ملكها ، ودارت حول بإتجاه حافة المنحدر ونظرت الى الصخور الشاهقة والشاطىء تحتها ، كانت حركة الجزر قد عرت جزءا كبيرا من الشاطىء ، تاركة بركا صغيرة عميقة خضراء بين عروق الصخور السوداء ، ولكن الرمال لم تكن بالكثافة التي قدرتها عندما نظرت الى الشاطىء من النافذة ، وقررت وهي تحدق عبر المياه الساطعة الى منحدرات جبل بن مور الهابطة بلطف نحو الأرض المنبسطة على طول الشاطىء المقابل بأن هذا المكان المعروف بلوخ ناكيل ، ولم يخطر ببالها وهي تطل على الشاطىء من فوق بأن المنحدر الذي وقفت فوقه قد يكون شديد الميل ، وظنت أنه لا بد ان يكون هنالك طريق ينتهي بها الى هذا الشاطىء المغري الذي يمتد تحتها.
وقعت سارة في اسار المنظر الجميل المحيط بها ، ووجدت نفسها تستمر سائرة حتى وصلت الى فوهة شق ضيق ينحدر بين الصخور بدا لها وكأنه بقايا مسلك قديم يقود الى الشاطىء ، رغم ان العشاب قد كادت تكسوه بالخضرة مما يدل على انه لم يستعمل لسنوات عديدة.
ومن دون تفكير شقت سارة طريقها بتصميم خلال الاعشاب النامية ، مزيحة الأغصان البرية الميتة ، محاولة أن تثبت قدميها على الأرض الزلقة التي بللتها الأمطار ، وفجأة ، ربما لشعورها بأن الوقت كان يمر ، أحست بأنه من الضروري ان تصل الى الشاطىء ، وإشتبك شعرها ببعض الأشواك التي إنتزعت الشريطة التي ربطت بها شعرها مما جعله يتناثر فوق وجهها حاجبا عنها الطريق ، وإنزلقت قدماها على الدرب فتزحلقت مسافة عدة امتار ، لكنها عندما نهضت وجدت نفسها ، لأستيائها البالغ ،واقفة على افريز صخري لا منفذ له ، ففوقها إمتد الدرب عموديا الى الأعلى ، بينما إنحدرت الصخور ملساء تحتها ، هابطة عدة أمتار نحو الأسفل.
وبحركة مرتجفة من يدها أزاحت سارة شعرها المتمرد عن وجهها وقد عراها الإضطراب ، إن خطتها لم تقدها الى النتيجة التي نشدتها ، فهي لن تستطيع الصعود سالكة الدرب نفسه الذي قادها الى هنا ، كما انه ليس بالإمكان أن تستطيع الوصول الى الشاطىء فوق الصخور الملساء المنحدرة دون ان تكسر قدما أو رجلا ، وفي مخيلتها رأت نفسها تعود الى بيتها في لندن في سيارة اسعاف مما جعلها تبتلع ريقها بتشنج والرجفة تسري في أوصالها ، ثم أنه لو تناهت الى هيو قصة ما أقدمت عليه هذا الصباح لما قبل منها عذرا.
كان من المحتم أن يعتري سارة الفزع ، فلقد كان الجرف الصخري الذي وجدت نفسها فوقه ضيقا وغير مريح ، ولم تجد فيه ملجأ يحميها من الرياح الباردة الهابة من البحر ، ونفذ البرد خلال قميصها الرقيق الى جلدها العاري فجثت خلف الصخور منطوية على نفسها محاولة ان تحتفظ بدفء جسدها ، ورأت بعض الطيور البحرية التي تشبه البط قرب حافة المياه تحتها وبعض طيور ( الغيلموت ) تغوص بينها ، ولكنها لم تجد أثرا لي إنسا ، وجربت ان تنادي ولكن لم يسمع نداءها أحد ، وادركت سارة بانه حتى لو وجد شخص في مكان قريب فإنه من المستحيل أن يسمعها فوق زئير الأمواج.
تنفست سارة ثلاث مرات بعمق متذكرة نصيحة والديها لمعالجة الخوف ، وحاولت أن تغير من جلستها غير المريحة... لا بد أن ياتي أحد ، مست سارة لنفسها بندم ، إنه من المضحك أن تشعر بمثل هذا الفزع ، ولكن كل ما إستطاعت أن تراه في ذهنها كان وجه فريزر الساخر ، ماذا سيقول لو أنه سمع بمغامرتها هذه وراحت تتخيل تعليقاته اللاذعة.

نيو فراولة 29-12-11 08:17 PM

ولكنها يا للفزع ، لم تضطر الى الإنتظار طويلا ، إذ تناهى اليها وقع حوافر حصان فوق الرمال قبل ان تلمح هيو فريزر نفسه قادما بإتجاهها ، وقفزت الى قدميها بجنون مما جعلها تكاد تفقد توازنها ، وصرخت محاولة أن تجذب إنتباهه.
الجم هيو فريزر حصانه الكستنائي بحدة مديرا راسه ، ثم رأها تلوح من فوق الصخور فوقه ، ورماها بنظرة طويلة ثاقبة سرعان ما تلاشت قبل ان يشد اعنة الحصان ويعدو به الى البقعة تحتها.
" ماذا تفعلين هناك بحق الشيطان ؟ ". صرخ قائلا بجفاف :" لقد ظننت بانني إستأجرت سكرتيرة لا بهلوانة".
وبدا في عينيه الإشمئزاز واضحا.
" آسفة ". صاحت سارة مجيبة بغضب : " إنني لم افعل أكثر من اتبع الدرب".
" الم تري لافتة ، أوتخمني مدى إرتفاع هذه الصخور ؟ إن احدا لم يستعمل هذا الدرب منذ عدة سنين ن والأعمى يستطيع ان يلاحظ هذا".
" لم أدرك....".
وبذلت سارة جهدا واضحا لكي تلجم سيلا من الكلمات المندفعة ، وهذبت الفاظها حتى بدت وكأنها مجرد إلتماس للمساعدة ، على كره وراحت عيناها ترمقه بغضب مكتوم بينما علا صوتها تطلب المساعدة بادب.
" لو إستطعت أن تستديري وتتعلقي بالحافة متدلية بجسدك ، فسيكون بوسعي أن أطالك".
ولم تفت سارة لهجته الجافة ، ولكنها وجدت أنه من العبث المجادلة ، وقررت أن محاولة التخلص من هذه الورطة باسرع وقت ممكن هي الطريقة الوحيدة للتقليل والتخفيف من ملابساتها ، فأخذت نفسا عميقا ثم فعلت ما طلبه منها مغمضة العينين ، وشعرت بدقات قلبها تتسارع عندما راحت قدماها تتارجحان في الفضاء ، ولكن في اللحظة التي بدأت فيها أناملها تنزلق من على حافة الصخرة شعرت بقبضتيه الفولاذيتين تمسكان بها وتحطان بها على ظهر الحصان امامه.
" أرجوك ، دعني أهبط الى الأرض يا سيد فريزر".
وأحست بأنفاسها تختنق في حنجرتها بينما راحت اناملها المرتجفة تحاول أن تنفذ بلا وعي خلال خصلات شعرها المتشابكة.
ولكن فريزر لم يكبح حصانه إلا بعد مرور عدة دقائق ، وبدلا من ان يطلق سراحها ، شدد قبضته عليها وهو يشير في البعد الى بقعة بدا فيها مستوى البحر ومستوى الصخور أكثر تقاربا واسهل على التسلق.
" لو أنك تابعت المسير " ، قال بصوت جاف : " لكان بوسعك أن تهبطي الى الشاطىء بسهولة ، وما كنت إنتهيت الى ما إنتهيت".
أدارت سارة رأسها بحيث لم يعد ظاهرا من وجهها إلا جانبه الذي راح يختلج بالتوسل.
" كيف كان من الممكن أن أتكهن ؟ لقد وصلت البارحة فقط".
وأحست بتفاهة ملاحظتها حتى قبل أن يسارع فريزر للإجابة بحدة:
" كان هذا أدعى لن تطلبي النصيحة".
كانت كلمات فريزر منطقية ، ولكنها في حالتها الراهنة ما كانت قادرة على التفكير السليم وشعرت بقربه الشديد منها ، حتى انها أحست بضربات قلبه عكس كتفها ، وحاولت أن تبتعد عنه قليلا ، ولكنه لم يبد كمن يريد التخلص منها بسرعة ، وإستانف فريزر محاضرته ، رافضا ان يتيح لها فرصة الفكاك منه بسهولة.
" يجب ان تحاولي التذكر في المستقبل بأن بعض نواحي هذا الشاطىء قد تكون كثيرة المخاطر ، فالصخور تعلو جدا في بعض الأماكن ، وبعضها مقلقل غير ثابت ، عندما جئت الى هذا المكان من الشاطىء للمرة الأولى ، وانا ما ازال صبيا ، كان الدرب الذي عثرت انت عليه ينحدر حتى مستوى الشاطىء ، ولكن جدار الصخر الذي يعلوه سقط معظمه فوقه في السنوات التالية مما يجعل من تدفعهم الحماقة الى إستعمال الدرب يجدون أنفسهم وقد وقعوا في فخ لا مخرج منه".
" إذن ، انا لست الأولى؟".
" ولست الأخيرة ، على ما أعتقد ، الناس لا يكفون عن إثارة دهشتي ، وإنعقد حاجباه وهو يتابع : " إن ساحل الجزيرة يجب ألا يقارن بشواطىء المصايف النكليزية".
إنتفضت سارة غضبا ، هل قرر أن يسلك سلوكا مهينا ، لا شك أنه من الذين يؤمنون بالتعبير عن آرائهم ، طبعا إنه على حق في ان يشعر بالغضب ، فهي قد تصرفت في منتهى الحماقة وتسببت في تضييع وقته الثمين ، ولكن بما انه لم يحاول ان يسألها ، عن مشاعرها انه لن يستطيع أن يتهمها بتبذير عطفه ، وإعتراها شعور حاد بالشفقة على النفس وهي ترتكز بنظراتها على عرف الفرس البني الأحمر ، وعيناها الزرقاوان تفيضان بالثورة.
" آمل الا يكون التعرض للبرد قد سبب لك بعض المعاناة".
وتصلب جسمها إذ شعرت بعينيه تتفحصان بتعمد ، مظهرها الأشعث ، ولما تأكد له أنها كانت نسبيا ، في حالة جيدة سارع الى متابعة كلامه دون أن يتيح لها الفرصة للإعتراض.
" هل تدركين ان عليك ان تبدأي العمل في اقل من ساعتين؟".
" لن استطيع إذا لم تسمح لي بالنزول".
أجابت مدافعة عن نفسها بصوت مختنق ، ولكنه ، كالسابق ، لم يعرها إنتباها ، بل اخذ يحث حصانه الضخم على تسلق المنحدر الهابط الى الشاطىء.

نيو فراولة 29-12-11 08:20 PM

عندما وصلا الى قمة الصخور ،وجدت سارة ان القلعة كانت ابعد مما توقعت ، وأحست بنفاد صبره وهو يشير الى القلعة قائلا بجفاء:
" تستطيعين ان تجدي طريقك الان ، وعندما يحلو لك الهبوط الى الشاطىء في المستقبل حاولي أن تنتبهي الى حركة البحر ، فقد يفاجئك المد قاطعا عليك طريق الرجعة ، ومن المحتمل ألا تجديني بقربك لكي تطلبي مني إنقاذك ثانية".
وفجأة هبت الريح عابثة بشعرها الذي تطاير فوق وجهه فمد يده ليزيحه مما جعل اصابعه تلامس مؤخرة عنقها العاري.
" لن يكون هذا ضروريا بالتاكيد ، لعله من الأفضل الا اغادر منطقة القلعة مطلقا".
ولأول مرة في حياتها وجدت نفسها تندفع الى الكلام دون هدى وأنذرها بصيص من الحكمة في اعماقها بانها قد تجاوزت حدود الأدب مع شخص هو رئيسها.
منتديات ليلاس
ولكن هيو فريزرإختار ان يتجاهل إنفجارها ، ولم يفعل أكثر من ان يجرها بذراعه وهو يشد لجام الحصان مما جعلها غير قادرة على التأكد فيما إذا كانت هذه الوخزة متعمدة أم لا.
" ما هي نوعية الناس الذين عملت في خدمتهم سابقا؟".
سال بصوت مصقول وهو يساعدها على النزول:
" والداي".
أجابت سارة بإقتضاب ، مستعيدة توازنها ، ومادة قامتها بإحتراس ، إن ذكرى والديها ما تزال تثير الألم في نفسها ، ولو ان جيمس لم يشرح لفريزر حادث الطائرة لما كان هناك ما يدعو للظن بأنه فعل ، فإنها شخصيا لا تنوي أن تذكر له شيئا ، وإكفهرت عيناها إذ تناهت اليها ملاحظته الجافة.
" يا ترى ، هل تصرفا بحكمة عندما أفلتا زمامك؟".
حدقت سارة في عينيه مجابهة نظراته الساخرة ، ووشت لها جلسته الواثقة بسيطرته التامة على الحصان الكستنائي الضخم ، هل يتوقع أن يستطيع السيطرة على النساء بالطريقة نفسها ، ورفضت أن تجيب على سؤاله الأخير.
وحوّلت نظراتها عنه وهي تتنهد بصمت ، ثم قالت لا شعوريا بصوت يفعمه التوسل:
" إنني لا املك إلا ان اسالك ان تمنحني فرصة اخرى ، ليس من العدل ان تطلب مني المغادرة بسبب هذه الحادثة فقط".
" ليست بداية عظيمة كما يجب ان تعترفي ، سترين كيف تسير الأمور ، إن فرص العثورعلى شخص آخر في هذا الوقت المتاخر صعبة ، وبالإضافة ، انا اريد الإعتماد عليك في رعاية أختي".
وفجأة عرت الحدة نظراته وتابع:
" أما الآن فانا اشير عليك بان تسرعي لتناول بعض الفطور ، وإلا فإنك لن تصلحي لأي شيء هذا الصباح".
وإرتفعت كتفاه تحت قميصه السميك بحركة آمرة بالإنصراف ، فجرت بدون ان تلوي على شيء ، ولم تتوقف حتى وصلت الى غرفتها.
في غرفة الطعام حيث وضع طعام الفطور على المائدة لم تتناول سارة سوى فنجان من القهوة وقطعة خبز ، ثم سالت كاتي عن الطريق الى قاعة المكتبة.
" سيري في هذا الممر يا آنسة ، المكتبة هي الغرفة الأخيرة عل يمينك".
وظهرت الخيبة على وجه كاتي عندما رفضت سارة أن تأكل المزيد :
" إن الانسة جيل عندما تاتي الى هنا من عادتها ان تتناول فطورا كبيرا ، وهي تقول بأن الهواء هنا يفتح شهيتها".
أسرعت سارة عبر الممر وطرقت باب المكتبة بإحتراس ، وكما خشيت ، وجدته في إنتظارها ، ولم تفتها نظراته الفاحصة وهي تعبر الحجرة ، هل كان يتوقع أن يراها بالبنطلون الجينز ؟ وسرّها ان شعرها كان مرتبا وإنها لم تستعمل إلا قدرا طفيفا من الماكياج.
طرق فريزر لب الموضوع من دون مقدمات ، ومن دون أن يذكر مقابلتهما على الشاطىء ، وقال وهو يشير الى مكتب صغير قرب النافذة :
" لقد طلبت وضعه هناك خصيصا من اجلك ، لا يوجد مكان كاف هنا".
ونظر الى المكتب الكبير الذي كان يجلس وراءه نظرة مفعمة بالعبوس ، وتبعت سارة إتجاه نظراته بدهشة : أكوام من المراسلات متناثرة هنا وهناك ، وحتى الأدراج بدت مكتظة ، حسنا لقد أنذرها!
وعبرت الحجرة الى مكتبها وهو ينتظرها بسلبية ، ثم جلست:
" لقد إشتريت هذه من لندن قبل عدة أيام".
قال وهو يراقبها تزيح غطاء الآلة الكاتبة الجديدة.
" إن عمي ، كما هو واضح ، ما كان يحبذ إستعمال هذه الأشياء، ولكنني لا اعتقد اننا نستطيع التدبير من دون واحدة".
وإلتقط بعض الأوراق بينما إبتسمت سارة بأدب وراحت تتفحص الآلة بإهتمام.
" في البداية اريد ان أملي عليك بعض الرسائل التي يمكنك أن تطبعيها عندما اخرج لتناول الغداء".
تناولت سارة دفترها متأهبة ولكن لتجد أنه عاد فوضع الأوراق على المكتب وراح يفكر:
" لعله مما يسهل الأمور ان تفهمي ، يا آنسة وينتون ، إنني لا أملك وقتا كبيرا للعمل هنا ، ومن المحتمل ان أتركك وحدك مرارا لكي تصرفي الامور بمفردك – كما أتوقع أن يكون جيمس كار قد اخبرك".
" لقد ذكر لي بانك إنسان مشغول".
" هذا تبسيط للحقيقة".
واخرج قداحته وأشعل سيكارة دافعا كرسيه الى الوراء ، وعبّ نفسا عميقا وهو يحدق فيها من خلال الدخان.
" قد تمر بك أوقات في المستقبل تحسين خلالها بوطأة العمل الشديد ، ولكن عندما أذهب الى لندن يمكنك ان تنسي كل هذا وتلعبي مع جيل ، إكتشفا الجزيرة معا جيل تعرفها جيدا وسيسعدها ان تريك معالمها".
" اتوقع ان نجد ما نفعله".
" في الوقت الحاضر ستكون ساعات عملك غير منتظمة ، أحيانا ، أضطر للعمل في المساء بعد تناول العشاء ، آمل ألا يزعجك هذا".

نيو فراولة 29-12-11 08:23 PM

أحست سارة بأنها لا تستسيغ اسلوبه في إصدار الأوامر مغلّفة بصيغة سؤال ليس بوسعها الإعتراض عليه ، لكن إذا ما توخّى المرء العدالة ، تعترف سارة انه لا بد أن يكون مشغولا جدا بكل مشاريعه ومهامه المختلفة، لعل الوقت مناسب الان لأن شيئا في صالح بيدي وكاتي ولن كيف تستطيع أن تساله عن مستقبلهما في أول يوم تعمل فيه هنا ؟ قد يفسر تدخلها بالوقاحة المطلقة ، هذا إذا لم يجد تفسيرا اسوأ ، وعلى الرغم من شكوكها وجدت نفسها تسال لا إراديا:
" هل تنوي الإشراف على مزرعة لوخ غويل بنفسك؟".
" قد افعل في النهاية".
وإلتمعت عيناه قليلا وكأنه قد خمن بعض ما كانت تفكر فيه.
" إلا أنني ماكنت أتوقع ان أضطر الى تغيير مهنتي في هذه الفترة من عمري ، فنا مهندس كفوء".
لا شك في هذا ! وشعرت بأعصابها تتوتر ، أنه من النوع الذي لا يمكن ان يرضيه ألا منتهى الكفاءة في نفسه وفي الآخرين.
ورن جرس الهاتف ممزقا الصمت الذي ساد للحظة ، وشعرت بنظراته لا تحيد عنها وهو يتناول سماعة الهاتف.
منتديات ليلاس
أثناء المكالمة شردت نظرات سارة تاركة وجهه المتبرم لتحط على رفوف المكتب المحيط بالحجرة ، ثم لتستقر على قطعة الخشب الكبيرة التي راحت تحترق في المدفأة الحجرية الضخمة ، ولاحظت سارة ان ارض القاعة المصنوعة من اعشاب السنديان كانت مكسوة بسجادة جميلة باهتة الألوان. وأحاطت بالمدفأة من جانبيها كنبتان جلديتان ، وتخيلت سارة الراحة والدفء اللذين لا بد أن يشعر بهما المرء في هذه الغرفة في فصل الشتاء والستائر الثقيلة مسدلة لتخفف صقيع الرياح الأطلسية العنيفة.
لا شك ان لوخ غويل تنطوي على كثير من الإغراءات التي من شانها ان تجذب أي رجل ، ما هو القرار الذي سيتخذه هيو بشان هذا المكان يا ترى ؟ وعادت سارة بنظراتها الى وجهه الأسمر وقد أدهشها اهتمامها الذي ما كان كله نابعا من قلقها على بيدي وكاتي ، وأحست بفضولها يكاد يطفو الى السطح فوبّخت نفسها بصرامة متذكرة بأنها يجب ألا تسمح لأفكارها بالطواف حوله، وخصوصا أن المعرفة بينهما لم تتعد فترة وجيزة.
" كان المتحدث هو الرجل الذي تعشيت معه البارحة ".
قال واضعا سماعة الهاتف بغتة قبل أن يعود الى أوراقه ، ثم رفع نظراته عنها وقال عاقد الحاجبين بصوت حاد:
" يريد ان يراني بعد الغداء اليوم من اجل البحث في أمر طارىء ، ولهذا فإنه من الأفضل أن نتابع العمل الآن متناسين كل ما عداه".
شعرت سارة في الأيام التي تلت وكأنها قد لصقت بكرسيها في المكتب ، وان حياتها كلها كانت تدور حول الالة الكاتبة ، ولما لم تفلت من هيو فريزر بادرة تعبر عن رضاه بجهدها أو عدمه فقد واست نفسها بانه ، على الأقل ، لم يلجأ الى الشكوى ، وكان يملي عليها مراسلاته في الصباح ثم يتركها بعد ان يصدر سيلا من الإرشادات ، وبعد الغداء كانت سارة تقوم بالترتيب والتنسيق حتى إذا ما حان موعد تناول الشاي كان معظم العمل قد إنتهى ولم يتبق إلا إنتظار توقيعه على الرسائل التي طبعتها ، احيانا ، وهي في طريقها الى غرفتها في الليل ، كانت تجد النور ما يزال يتسرب من تحت باب المكتبة ، ولكنه لم يلجأ الى طلب مساعدتها في مثل هذه الأوقات المتأخرة ، اما أمسياتها فكانت سارة تقضيها غالبا في القراءة أو مساعدة بيدي التي كانت بين الحين والآخر تشكو من آلام الروماتيزم المبرحة ، ووجدت سارة في الإستماع الى بيدي ، التي كانت تملك ذخيرة حية من القصص حول طفولتها والجزيرة ، مكافأة على كل المساعدات التي كانت تقدمها لها.
" يجب ان تحاولي الخروج اكثر".
قالت بيدي بحدة وقد إنتهت لتوها من سرد حكاية طويلة لاحظت خلالها إصفرار وجه سارة بشيء من القلق.
" إن الأمسيات لطيفة في هذا الفصل ، إذهبي للمشي احيانا بدلا من أن تجلسي برفقة عجوز مثلي يا آنسة سارة".
إلا أن سارة لم تحاول ان تعود الى البحر بعد مغامرتها الخيرة ، ولو سئلت عن السبب لما عرفت الجواب ، وإستعاضت عن البحر بمحاولة إكتشاف القلعة ، ودراسة اسلوبها المعماري القديم بإهتمام متزايد ، على الرغم من جهلها بمثل هذا الموضوع ، واتاح لها تجوالها فرصة التعرف على بعض الأفراد الاخرين الذين يعملون في المزرعة".
" إنني اخرج احيانا"، قالت وهي ترمق بيدي بنظرة مبتسمة : " ولكن هنالك الكثير مما يشغلني هنا".
" انا أدرك ذلك!".
وإزدادت تقطيبة بيدي وضوحا بدلا من أن تختفي كما أملت سارة وتابعت:
" إن السيد هيو يؤمن بالعمل الشاق بدون شك ، ولكن عمه كان يتهرب من الإهتمام بمراسلاته كلما اتيحت له الفرصة ، ولهذا خلف وراءه الكثير من الفوضى ، وقد عانى محاسبه مصاعب جمة أثناء حياته ، ولم تنفعه الشكوى ولا الوعود الكثيرة بتحسين المور ، اما السيد هيو فهو على نقيض عمه تماما ، ولا شك انه سيستطيع تنظيم الأمور قريبا....ان المستقبل هو الذي يثير قلقي ، كما سبق ان ذكرت لك ، ففي عمري هذا لا يألف المرء التغيير إلا بصعوبة".
عندما نهضت سارة لتصعد الى غرفتها لم يسعها إلا ان تتساءل لماذا تصر بيدي على وضع ثقتها فيها ، ولم تجد تفسيرا إلا في إحتمال ان تكون بيدي تخشى التحدث الى هيو بهذا الشأن شخصيا مما يجعلها تامل بأن تستطيع بضع كلمات منها ، بوصفها سكرتيرته ، ان تجد حلا لمشاكلها ، ولكن بيدي يجب أن تدرك بان نفوذ سارة لدى هيو قد لا تتعدى نفوذ أي شخص آخر يقيم هنا ، هذا إذا لم يقل عنه ، وشكت في ان يتجاوز شعور هيو بوجودها ساعات العمل اليومية في المكتب.
بعد مرور عدة ايام طلب هيو من سارة في الصباح ان ترافقه الى توبر مري ، وكانت عندها تتحدث من خلال زجاج النافذة بأسى ، غير شاعرة بانه كان يراقبها حتى قال بحيوية :
" سأذهب عصر اليوم الى توبر مري ، وأود ان تاتي معي ، هذا أمر".
ولم ترغب سارة في المناقشة ، خصوصا ان شمس آذار الساطعة كانت تثير الإغراء في النفس ، ورقص على وجهها الجميل بريق من الفرح غير المتوقع على الرغم من أن عينيها راحتا تنظران الى أكوام المراسلات أمامها بشيء من الشعور بالذنب.
تبعت نظراته نظراتها بصبر نافد:
" لقد إستطعت ان تنجزي كمية كبيرة من العمل منذ أن إلتحقت بخدمتي ، يا آنسة وينتون ، ولكنني لا أتوقع منك ان تتابعي دون فرصة للراحة".
تمتمت سارة بالموافقة فتوجه الى الباب مبتسما بشيء من الحدة وقال :
" ساراك بعد الغداء إذن".

نيو فراولة 31-12-11 06:47 PM

3- الأجنحة المضيئة

إرتدت سارة ثيابها المؤلفة من تنورة صوفية انيقة وقصيرة ، وبلوزة زرقاء تنسجم معها لونا ، ومشطت شعرها الأشقر الى الوراء وتركته نصف مسدول ، سعيدة بالحرية التي جعلها تشعر بها بالمقارنة مع الطريقة الرصينة التي إعتادت أن تصفّف بها شعرها من أجل العمل مؤخرا ، ولمست بشرتها الصافية الملساء ببعض البودرة ، ووضعت مسحة من أحمر الشفاه الوردي على فمها الممتلىء ، ثم هرعت هابطة الدرج.
اخذت سارة تراقب الطريق ، وبدأ هيو الشرح:
" على ساحل ( مل ) يوجد قبر يدّعي السكان انه قبر إبنة اللورد ألين وقبر حبيبها سيد الفا ، وتزعم السطورة انهما غرقا وهما يحاولان أن يعبرا لوخ غويل ناكبل على ظهر مركب ، ومن المحتمل ان يكون الشاعر توماس كامبل قد سمع بهذه الحكاية عندما جاء للعمل هنا مدرسا عام 1795".
" إنني أذكر القصيدة".
وغامت عيناها وهي تنظر خلال النافذة الى المرتفعات الوعرة ،وسرت الرعدة في جسدها.
" لا يبدو ان شيئا قد تغيّر هنا ، وكأن القصة حدثت البارحة".
" إن جزيرة كهذه لتتحدى الزمن ، إذا نظرت الى ما بعد الفا لأمكنك أن تري مزيدا من الجزر الصغيرة ".
سرحت سارة بنظراتها الى تلك الجزر كالمسحورة ، وبدت لها الجزر البنفسجية الباهتة ، الرابضة في غياهب البحر علىى طول خط الفق بإتجاه الغرب ، وكانها ترقد على حافة العالم ، فغلبها الصمت وهي تتامل روعة المنظر ، إن البقع المماثلة لهذا المكان هي التي تلهم الشعراء وتدفعهم الى كتابة قصائدهم.
" لقد أحبّ عمي هذه الجزر – جزر الهييريديز ، إذ كان رجلا إسكوتلنديا يفيض قلبه بالحب العميق لمسقط رأسه ، ولكنه من المؤسف انه لم يقبل على العمل بمثل هذه الحرارة".
لم تفت سارة لهجته الجافة ، وأحست للحظة بنفور شديد منه ، قد يبدي إهتماما بالماضي مرددا اساطيره الرومنطيقية ، ولكنه لن يسمح لنفسه مطلقا بان يتأثر بها الى حد كبير ، فلا يوجد للأحلام سوى مكان ضئيل في نفسه.
" الم تقع ابدا تحت رحمة عواطفك؟".
سألت سارة بتهور وقد ثارت في مخيلتها صورة زعيم ألفا المنكود ، فحطت عليها نظراته بخفة.
" انت لا تتوقعين ان أجيبك على هذا السؤال يا سارة".
منتديات ليلاس
وإعترتها موجة من الإضطراب الحار ، أن سارة بلا شك أفضل من آنسة وينتون ، ولكن مخاطبتها بإسمها المجرد من شانه أن يضع علاقتهما على صعيد آخر ، وإتسعت عيناها وهي تحدق امامها مترددة ، إن أسلوب حياتها الآمنة نسبيا حتى الآن لم يزودها بالمرونة الفكرية التي يمكن تكييفها بحيث تؤهلها لمجابهة رجل من هذا النوع ، ولأول مرة في حياتها أحست بإضطراب في عواطفها يسببه رجل ، وبعدم القدرة على العثور على الكلمات المناسبة.
وإنحدرت اشعة الشمس مضيئة جانب وجهه مما اسبل عليه إنطباعا بالحيوية الفائقة فسّرته سارة بالقسوة ، ورماها بنظرة أخرى تومض بالشقاوة وكأنه على علم تام بقلة خبرتها ، واجدا في ذلك مدعاة للتسلية .
" من الان فصاعدا ساناديك (سارة) ان عبارة ( آنسة وينتون ) تستغرق وقتا طويلا".
" بالطبع ، وآمل أن تحذو اختك حذوك عندما تاتي".
ومال الطريق نحو الظلال ، وشعرت سارة بان الطريقة الرسمية التي تفوهت بها عباراتها الخيرة قد بعثت التسلية في نفسه ، فشعرت بأعصابها تتوتر غيظا ، وإستدارت اليه وعيناها تشتعلان.
" أنت تحب إغاظتي".
" إن شيئا فيك يستفز المرء ، هناك الكثير الذي يمكن ذكره في مجال الأخذ بالثأر ، ولكنك أحيانا تردين الكيد بمثله".
" لا تنس أنك رئيسي".
" ها.... ها".
وإبتسم ثانية وهو يراقب إستياءها الواضح.
" لا تدعي امرا كهذا يحبط إندفاعاتك الطبيعية".
تخيلت سارة مدى السعادة التي ستشعر بها لو إستطاعت توجيه صفعة الى وجهه ، ألا يستطيع أي شيء أن يخترق تحصينات سور هذا الأسلوب الواثق المصقول ؟ إنه يلعب بالألفاظ ناثرا إياها بإستخفاف ، وكأنه يتلذذ بالأضطراب الذي تثيره.
" هل سمعت عن أختك؟".
" نعم ، هذا يذكرني ! ". وتلاشى مرحه بفجائية مزعجة :" لقد خابرتني جيل بعد الغداء ، ستصل غدا".
" إنني اتلهف للقائها".
وعلى الرغم من تحفظاتها السابقة فقد غمر صوتها رنين الصدق ، إن وجود جيل يشكل حاجزا بينها وبين هذا الرجل الذي يتارجح مزاجه كرقاص الساعة بين مشاعر الإعجاب بالذات وبين نوع من التسامح المزعج.
هزّ هيو كتفيه بلا مبالاة ، بينما سرحت سارة بنظراتها عبر النافذة المفتوحة ، محاولة أن توجه دفة افكارها نحو معابر أكثر سلامة ، وسارت السيارة على طول الشاطىء الغربي نحو قرية برغ وخليج كالغري ، وشرح هيو انهما بأتباع الطريق يستطيعان أن يشاهدا بعض معالم الساحل قبل الوصول الى قرية توبرمري ، وكانت المناظر تتغيّر من مكان الى آخر ، وبدت الأرض قفرا ، غير مأهولة . والمستنقعات أكثر جدبا وإمتدادا.
شردت عينا سارة اللتان لاح فيهما بريق الإهتمام فوق أعشاب الحلنج ، وفجأة دون تفكير ، امسكت بذراعه بشدة ما جعل السيارة تحيد عن الطريق قبل ان يستطيع إستعمال الفرامل.
" آسفة!".
قالت لاهثة وهي تشير الى طائر جثم بهدوء فوق عمود طويل.

نيو فراولة 31-12-11 06:49 PM

" لم أر نسرا على هذا القرب من قبل".
" من المحتمل ألا يكتب لك أن تري صقرا آخر إذا ما شرعت في الإمساك بذراعي هكذا وأنا أقود".
وتوقف بالسيارة الى جانب الطريق .
أحشى ان تصيبك خيبة الأمل فهذا الطائر صقر لا نسر".
ولكن سارة كانت في حالة من الإستغراق جعلتها لا تتلفّظ إلا بإعتذار قصير.
" أنا آسفة ، أعني بشأن ذراعك ، هل أنت متأكد بأنه صقر؟".
وإستدارت لتمعن النظر في الطائر مرة أخرى وعيناها تفيضان بالحيرة , لاحظ هيو الشك في تعابيرها فقال بهزة من كتفيه موضحا:
" أن النسر طائر أضخم حجما ، وعندما يبسط جناحيه تبلغ المسافة بينهما أكثر من المتر ، ولونه مثل لون الصقر بني غامق ، إلا أن رأسه ومؤخرة عنقه تتوجهما كتلة من الريش البني الذهبي ، اما الصقر كما ترين ، فهو أبيض اللون من الأسفل ، ن عدد الصقور في أراضي الهايلاند الغربية وويلز يفوق عددها في أي منطقة اخرى".
" الن يطير بعيدا؟".
سالت بصوت منخفض وانفاسها تخرج من حنجرتها بصعوبة ، ولم تعرف فيما إذا كان السبب هو قرب هيو فريزر الشديد منها أ مشاهدتها غير المتوقعة للصقر.
رفع هيو حاجبيه قليلا وترك ذراعه تستند على المقعد خلفها بحيث لامست أصابعه كتفها ، وكأنه لم يشعر بتسارع نبضاتها.
" لقد رأيت بعض الصقور تجلس بدون حراك ما يقارب الساعة ، ولكن إذا ما رأى الصقر شيئا يثير إنتباهه فإنه ينقض عليه بسرعة عظيمة ، وهو يحب الأرانب وما شابهها ، ان حراس الطرائد والأحراش لا يحبون الصقور لأنها في رايهم تلتهم الطرائد التي عليهم حراستها ، ولهذا فهم يقتلون عددا كبيرا منها".
" الا تتمتع هذه الطيور الجميلة بحماية الحكومة؟".
" طبعا ! وأزاح يده وهو يتحرك في مقعده ، ولكن القوانين لا تنفّذ أحيانا ، ومن الصعب تطبيقها في هذه المناطق التي لا تشكل جنة لطيور كما يبدو".
" إنظر !".
هتفت سارة بحركة سريعة من جسمها ، وقد حلّ رنين الحماس محل الأسى في صوتها ، وهي تلمح الصقر ، الذي بدا وكأنه لم يقدر الإهتمام المنصب عليه ، يفرد جناحيه ويحلق منسابا في الفضاء ، وحبست سارة انفاسها وهي تتامل روعة الطائر عندما مس شعاع من النور الساطع أسفل جناحيه مضيئا ريشهما المختلف الألوان.
لاحت إبتسامة خفيفة على فم هيو ، وإستقرت عيناه لوهلة على وجهها المضيء قربه قبل ان يستدير ليرى الطائر الكبير يحط على قمة صخرية في العالي.
" إذا كنت تهتمين بالطيور حقيقة ، فلعله بوسعنا أن نخرج معا يوما ما ونذهب لمراقبة الطيور".
" عندما يتوفر لنا المزيد من الوقت".
قالت رافعة يدها لتحجب الشمس ، وإختفى الصقر عندما إنعطف الطريق صاعدا ، لا شك ان مشاغله الكثيرة لن تتيح له ان يجد متسعا من الوقت مطلقا.
" الوقت... يبدو انني لا أستطيع أن اجد ما يكفي منه يا سارة".
" اعتقد ان الأمر كله يرجع الى ما يريده الإنسان من الحياة ، سيارة كهذه ، مثلا".
ولامست أناملها جلد مقعدها الوثير بتردد.
" قد تكونين على حق ،وتبعت عيناه حركات أصابعها ، ولكن سيارة الجاغوار هذه كانت لعمي ، وقد رايت انه من الأفضل إستعمالها اليوم ، بدلا من سيارتي".
داخل سارة الإمتعاض إذ احست به يدير ملاحظتها امبهمة ضدها ، خصوصا أنها كانت على يقين بأن سيارته هو الشخصية لن تكون من النوع الرخيص.
" هل تحسنين القيادة يا سارة؟".
" نعم ، أقود".
وإستعادت سارة في ذهنها سيارتها الصغيرة التي قدمها لها والدها هدية بمناسبة عيد ميلادها الأخير.
" أسمح لك بإستعارة هذه السيارة لو شعرت أن بوسعك قيادتها ، سأدعك تجربينها بعد تناول الشاي في العصر ، ستعتادين عليها بسرعة".
تألقت عينا سارة إبتهاجا ، فقد كانت في ريعان الشباب ، وعلى شيء من التهور تحت قناع السلبية التي ولدتها في نفسها أحداث الأسابيع الأخيرة.
" الا تخشى ان أتصرف بحماقة؟".
قالت وهي تبتسم بسعادة إبتسامة اشرق بها وجهها المفعم بالحيوية .
" لقد بدأت أظن بانك لن تفعلي هذا أبدا".
وتفحصها لوهلة متسليا بمراقبتها ، ملاحظا التغيير الذي طرأ على قسماتها المتالقة.
" لعله سيكتب لنا ان نرى اليرقة تبزغ الى الوجود يوما ما".
فعادت الى سارة جديتها على الفور ، لماذا يجب ان يثبط ويحبط كل شي ، لعلها هي المخطئة لأنها سمحت لنفسها بأن تعبر عن سرور فاق الحدود بفكرة قيادة هذه السيارة ، إلا أن ملاحظته أصابت وترا حساسا في أعماقها ، رغبة صادقة في الحياة لم تستطع أ تحققها لعدة أسابيع ، وتراجعت سارة مذكرة نفسها بأن هيو ، على الأغلب ، في لجوئه الى إستخدام اسلوب المداعبة معها إنما يعاملها كأخته الصغرى جيل ، وأن جلّ ما يقصده هو إيقاعها في شباك مزاحه ، ولهذا فإن أفضل خظة للدفاع هي التجاهل.
لزمت سارة الصمت محافظة على إبتسامتها بعناد إذ احست به ينتظر منها ردا لاذعا ، وداخلها إرتياح كبير عندما وجدت السيارة تقترب فجأة من قرية توبرمري.





نيو فراولة 31-12-11 06:51 PM

بعد ان توقفت السيارة تركها هيو هازا راسه هزة مقتضبة ، وبدا من الواضح أنه طردها من ذهنه بالسهولة نفسها التي طرد بها حديثهما الشائك ، إلا أنه تذكر بان يقول لها بانه سيقابلها فيما بعد لشرب الشاي.
وجدت سارة توبرمري بلدة صغيرة حلوة على الشاطىء الشمالي الشرقي للجزيرة ، وتجوّلت سارة في البلدة سعيدة بحريتها ، وقد شعرت بالأسترخاء لأول مرة بعد عدة أيام قضتها في صحبة الآلة الكاتبة.
شعرت سارة ، رغم قصر المدة التي مضت على مغادرتها للقلعة، بان الإحساس الخانق الذي قبض على قلبها بأصابعه الفولاذية بعد وفاة والديها قد أخذ يتلاشى ، إنها لن تفهم مطقا لماذا تقع مثل هذه الحوادث ، ولكن حدّة ألمها الثاقب قد إخذت تختفي ليحل محلهما نوع من القبول بالمحتوم ، اخف إحتمالا ، وداخل سارة ، وأشعة الشمس الدافئة تغمرها ، شعور براحة البال ظنت انه قد فارقها الى البد.
ليت جين كانت هنا ، يجب ان تكتب لها لتصف مشاعرها ، فلولا جين لما كانت سارة في هذا المكان ، وسارت بإتجاه المرفأ ،ووجدت أفكارها تنتقل من جين الى جيمس كار الذي وقع في حب جين منذ سنوات عديدة ، وكانت أم سارة تعتقد بأن زواجا بين جين وجيمس سيكون مثاليا ، إلا أن جين عبّرت عن ترددها دائما ، وبدون سبب واضح ، شردت افكار سارة الى هيو فريزر.
وهزت كتفيها بصبر نافد ، لماذا تعود افكارها دائما اليه؟
قررت سارة ، مصممة ، أن تنسى فريزر لفترة من الوقت ، وسارت متجولة في البلدة ، ملازمة الشارع الرئيسي الذي كان يمتد بمحاذاة جدار المرفا ، وراحت تنظر الى البيوت ، التي كانت من طراز القرن الثامن عشر ، بجدرانها الحجرية المتعددة الألوان وسطوحها المائلة ، وبدا كل شيء نظيفا ولامعا ، ولأستغرابها ، مهجورا.
واحست بالنعاس الذي كان يحوم في الفضاء حولها يصيبها بالعدوى ، فإستسلمت سارة له ، متكئة على جدار المرفأ المنخفض ، تاركة هواء البحر النقي يعبث بشعرها المصفف بعناية ويسري فوق بشرتها برقة ، وأحست بجفنيها يطبقان والدفء يغمرها.
وعلى حين غرّة مدفوعة بنوع من الحدس الحاد ، إنتفت سارة وإتجهت بنظراتها الى الطريق القريب منها ، وشاهدت لدهشتها ، الشاب الذي انقذ حقيبتها يوم وصولها الى الجزيرة يخرج من أحد الأمكنة المواجهة للبحر ، وطرفت بعينيها ثم نظرت مرة أخرى ، إنه الشاب الغريب الملتحي نفسه ويمكنها التعرف عليه في أي مكان .
بينما أخذت سارة تراقبه بدون أن يراها ، حمل هو بعض صناديق المؤونة في صندوق سيارته ، إنه ما يزال هنا إذن ! لعله أحد سكان الجزيرة ، او لعله إستأجر بيتا هنا ، مما يفسر حاجته لصناديق المؤونة هذه ، علت جبين سارة تقطيبة عابسة بدون مبرر وراقبته يبتعد بسيارته ، كان قد نظر بإتجاههما نظرة عابرة بدون ان يلوح عليه أن يعرفها ، هذا ليس غريبا فهما لم يتقابلا إلا لمدة قصيرة ، ولكن سارة وجدت تفسيرها صعبا على التصديق، وعادت الى المنظر تتأمله محتارة .
في طريق العودة ذكرت سارة مقابتها لهذا الشاب أمام هيو.
" اعتقد أن كثيرا من السياح يزورون جزيرة ( مل ) كل عام؟".
قالت بتردد ، وتمنت للحظتها لو أنها لم تذكر شيئا عن هذا الشاب لهيو لأنها خشيت ان يظن بها الفضول الشديد .
" هل يثير أهتمامك يا سارة؟".
" ليس الى حد كبير ، إنني استغرب فقط لماذا لم يتابع رحلته".
" لا تدعي الأمر يزعجك " وإختلط المكر بإبتسامته القاسية : " لا تنسي أن المجتمعات الصغيرة تولد الفضول ، هل سبق لك أن عشت في بلدة صغيرة ، يا سارة؟".
" ان الناس في المجتمعات الصغيرة يهتمون بالآخرين ".
" ان في مقدورهم أيضا أن يسببوا الإختناق".
أجابها بحدة.
" لا أظن ذلك !".
" إذن دعينا نتفق لا أن نختلف " قال متشدقا : " يبدو اننا نختلف حول مواضيع كثيرة".
لاحظت سارة في كلماته شيئا من التبرم ، وكانه كان يكتشف ، كارها ، ضرورة ان يسلم بوجود أنماط مختلفة للعيش ، هل يجد يا ترى ، الضغط المتواصل الذي تتطلبه حياة أكثر أستقرارا مدعاة للغيظ الشديد ؟ وهو الذي تعوّد على الإستمتاع بحريته وعلى التجول حول العالم ، وعادت سارة بإنتباهها الى ملاحظته الأخيرة
" هل تجد أنه أمر غريب ألا يكون بيننا أشياء كثيرة مشتركة؟".
" ها !". وضحك دافعا برأسه الداكن الى الوراء : " الم يذكر لك احد يا سارة ، بأن الرجال والنساء لا يشتركون إلا في القليل وأن العاطفة الوحيدة التي تستطيع احيانا أن تسد الفجوة بينهم هي عاطفة خطيرة جدا؟".
أدارت سارة رأسها بسرعة ، كان من الممكن أن تجيب بصراح ... لا ، ولكن لأنها شعرت بانه كان يطأ ارضا محرمة عن عمد ، فقد قررت أن تلتزم الصمت ، وبالإضافة ، لماذا يجب أن تعترف له بنقصان تجربتها؟ إنه يملك من الصلف والإعتداد بالنفس ما سيجعله يرى في هذا مدعاة للتسلة.

نيو فراولة 31-12-11 06:52 PM

" يجب ان تقدمي على المغامرة يوما ما ". قال ساخرا عندما إستمرت على صمتها : " إلا أنني لا أنصحك بان تختاري سائحا عابرا".
" لا تخش فلن افعل ، بوسعي الإنتظار حتى أعود الى لندن".
المهم ألا أقع في حبك – إبتهلت سارة راجية ، وشعرت بنظراته العابثة تعود الى وجهها وتتمهل فوق فمها الاعزل قبل أن تنحرف الى الطريق ، وشعرت بنبضاتها تتسارع وكانها تجري.
وعادت السخرية الى وجهه ، وتمتم قائلا:
" طبعا ! العاصمة العظيمة ! ولكنك تحبين التظاهر بانك تستطيعين العيش بعيدا عنها".
وهز كتفيه بحركة لامبالاة ، وكانه فقد الإهتمام بالحوار بينهما ، وعاد للتركيز على القيادة ، فشعرت سارة بأعصابها المتوترة تسترخي تدريجيا .
سلكا في طريق عودتهما الطريق المحاذي للشاطىء الشرقي الى سالن .
إتكأت سارة في مقعدها وأغمضت عينيها نصف إغماضة ، بينما إتجهت السيارة نحو المنعطف التالي.
" بماذا تفكرين؟".
وإبتسم بتكاسل ، مبددا شكوكها في ان تكون أفكاره في مكان آخر ، وقبل ان تستطيع الإجابة أدار السيارة فجاة وأوقفها ن ثم قفز من الباب.
رأت سارة سيارة أخرى واقفة قريبا ، سيارة طويلة وثرة وقفت بجانبها فتاة طويلة سوداء الشعر ، وبدا من الواضح انها كانت في ورطة ، إذ راحت ترمق سيارتها بكآبة ، ولكنها عندما لمحت هيو ، إختفى عبوسها وحل محله تعبير بالدهشة والسرور.
" هيو !". هتفت بحبور ثم عانقته : " لم يخطر لي ببال أن أجدك هنا !".
ضحك هيو ، وراقبته سارة بفضول وهو يعانق الفتاة بخفة.
" إنني سعيد برؤيتك للمرة الثانية يا بيث ، ولكنني ظننت انك سافرت الى فرنسا".
وضمّها اليه ثانية ، بحنان ، كما لاحظت سارة ، وومضت فكرة في ذهنها وهي تتذكر ما قالته لها بيدي مساء وصولها الى القلعة عن إحتمال زواج هيو بفتاة ذهبت في رحلة الى فرنسا ، هل هي الفتاة نفسها ام لا ؟
" لقد كنت هناك، وصلت البارحة فقط ، وظننت أنه من الأفضل ان أخرج بسيارتي لأنني اتركها معظم الوقت في الكاراج ، ولكن يا لسوء الحظ، إحدى العجلات تعطلت ، ولهذا وقفت انتظر آملة أن ياتي شخص ما ليساعدني على إستبدال العجلة، إلا أنني لم اتوقع ان تحضر أنت".
إبتسم هيو بتكاسل ، وإنحنى ليفحص الدولاب.
" إنني دائما اعرف متى اظهر".
قال عابثا ، ولاحظت سارة لمعان أسنانه البيضاء الناصعة ، وبدا لها ، إذ أشرق وجهه ضاحكا مما أبرز إنحناءة راسه المتكبر ، كقرصان اسمر ، ولم يخامرها الشك مطلقا في انه يستطيع التصرف كقرصان ايضا.
لاح لسارة ان عيني بيث لم يفارقا وجه هيو بتاتا وهي تساله اين كان .
" في توبرمري ، لحسن حظك ". وأشار بإهمال الى حيث جلست سارة : " مع سكرتيرتي " ثم قال معرفا : " سارة وينتون ، أقدم لك بيث اسكويث".
" سكرتيرة ؟".
وأدارت بيث راسها لتستقر بنظراتها الدهشة على سارة التي كانت ما تزال جالسة في السيارة ، وبدا واضحا أنها لم تشعر بوجودها قبلا.
" لماذا بحق السماء ، تحتاج الى سكرتيرة في لوخ غويل؟".
قالت بلهجة ثاقبة باردة وهي تستدير غاضبة لتواجه هيو الذي أزاح سترته إستعدادا لتغيير العجلة.
" قد تستغربين !".
قال بلهجة متهكمة ، وحطّت نظراته الساخرة للحظة وجيزة على وجه سارة الذي احمرّ غضبا تحت وطأة نظرات بيث العدائية.
" كان بالإمكان أن أساعدك انا".
ولم تسمع رد هيو ، ولكن بيث بدت مقتنعة بإجابته إذ إسترخت عضلات وجهها وركعت على ركبتيها بجانب هيو تتبادل معه الحديث... كما يلوح.
علا العبوس وجه سارة ، لا شك أن بيث هي المرأة التي لمحت بيدي بان هيو قد يتزوجها في المستقبل ، وإعتصر قلبها شعور بالإنقباض سارعت لطرده.
وصلت جيل في اليوم التالي، كان الصباح قد بدا بداية سيئة بالنسبة الى سارة عندما أيقظتها كاتي قبل السابعة لتخبرها أن بيدي اضطرت للزوم الفراش بسبب مرضها ، مما دفع هي والى أن يرسلها الى سارة ليطلب منها القيام بإعداد الفطور.
" لقد عاودتها آلامها".
شرحت كاتي بينما كانت سارة تهبط الدرج بسرعة.
" في العادة عندما لا تستطيع النهوض من فراشها أقوم انا بإعداد الفطور ، ولكنني عندما قمت بهذه المهمة في المرة الأخيرة سكبت الشاي على يدي وحرقت الخبز ، وكانت النتيجة أن راح السيد فريزر العجوز يشتكي من سوء الهضم طول النهار ، ما كنت أحب أن أزعجك ، يا آنسة سارة ، ولكن السيد هيو قال بأنه متأكد من انك طباخة ماهرة".
"وماذا لوكنت ؟". تساءلت سارة بغيظ وهي ترتدي مريولا من مراييل بيدي الكبيرة البيضاء ، إنه لا يتوقع منها أن تقوم بجميع الأعباء ؟ لا شك انها ستسمعه قريبا يهمس ، معلقا على الروماتيزم الذي تعاني منه بيدي ( انا واثق انك بخبرتك في التمريض يا سارة...".
ورفضت سارة أن تعترف بان سوء المزاج الذي كانت تعاني منه هدا الصباح قد يكون نتيجة لتجربة الليلة الفائتة ، فبعد ان تركا بيث بدا واضحا انه نسي وعده بشان السماح لها بإستعمال سيارته أو أن السبب ، يا ترى ، هو ان لقاءها ببيث البارحة قد افسد امسيتها ، خصوصا أن الأخيرة قد افلحت بالتلميح لسارة ، عن طريق التفوه ببعض الكلمات الباردة ، بأن وجودها في لوخ غويل غير مرغوب فيه ، ولكن من المحتمل أن هيو الذي كان مشغولا بتركيب الدولاب عندئذ لم يسمع هذه الكلمات.

نيو فراولة 31-12-11 06:53 PM

سارعت سارة الى سكب بعض الشاي ، ورتبت بعض قطع البسكويت بذوق فوق صحن مزين.
سآخذ هذه الصينية الى بيدي بنفسي ". قالت لكاتي التي راحت تحوم حولها : " لعلني أستطيع أن اساعدها قليلا قبل ان اتناول فطوري".
إشتكت بيدي لسارة من آلام مبرحة في الورك ، وقالت أن الحبوب التي وصفها لها الطبيب لم تناسبها مما دفعها لأن تلقي بها في المغسلة ، وبدت سعيدة بالشاي ، إلا أنها انّبت سارة على تحملها هذا العبء.
" اظن ان الأسبرين ينفع في مثل هذه الحالات".
منتديات ليلاس
قالت وهي تخرج حبتين من زجاجة وجدتها في المطبخ ، ولدهشتها إبتلعت بيدي الحبتين من دون معارضة ، تحت مراقبة سارة التي سجلت في ذهنها ضرورة ان تتحدث الى الطبيب عندما يأتي لزيارة بيدي ، ولمّا حاولت الأخيرة أن تغادر فراشها قالت لها سارة بحزم:
" أن ما تحتاجين اليه الان هو الدفء والراحة ، ثم أن هنالك فتاة أخرى في البيت بالإضافة اليّ والى جيل التي ستصل اليوم ، من المؤكد اننا سنستطيع تدبير الأمور فيما بيننا".
" الآنسة جيل ؟". وغمر الإستياء عيني بيدي الزرقاوين بلون البحر ، ماذا سيقول السيد هيو إذا ما لزمت الفراش؟".
اجابت سارة بلهجة لاذعة وهي تغلق الباب:
" شيئا لا يمكن مقارنته بما سأقوله نا ، لو غادرت الفراش".
وفكرت سارة بالسيد هيو ، وهي في طريقها الى المطبخ ، لا شك أن بيدي ستقوى على مغادرة الفراش خلال يومين أو ثلاثة ، ولكن إذا ما ارادها هي وان تقوم بالطبخ فعليه ان يحاول تدبير اموره في المكتب من دون مساعدتها ، إذ ليس بإستطاعتها ان تقوم بالمهمتين معا ، ثم أنه لن يؤذيه إكتشاف انها ليست سهلة الإنقياد بالدرجة التي يتخيّلها.
وجدت هيو في إنتظارها في المطبخ ، واقفا قرب النافذة ينظر الى الساحة ، وقد كادت كتفاه العريضتان تملآن النافذة الطويلة ، فغمر سارة شعور مثير لجمها عن الكلام لحظة ، وإستدار هيو عندما سمع خطواتها ، وحطت نظراته على وجهها اليافع الصافي.
" صباح الخير يا سارة ، اظن انه من الأريح لك ان أتناول الفطور معك هنا".
كم تبدو كلماته حافلة بالمودة! ولكن سارة ليست بالفتاة التي تخدعها مثل هذه اللهجة التي تخفي في طياتها نفاد الصبر الذي يتصف به الرجال وبالكاد تستطيع إبتسامته أن تخفي عدم ترحيبه بهذا التغيير في الروتين اليومي ، واومات سارة برأسها بفتور وهي تضع بعض شرائح اللحم تحت المشواة ، وسالته بلهجة حادة قبل ان تتناول المقلاة:
" كم بيضة تريد؟".
وإتسعت إبتسامة هيو اللاهية وهو يقترب ليقف بجانبها.
" إن مزاجنا لا يبدو على ما يرام هذا الصباح ، أليس كذلك؟".
ونظر اليها من فوق انفه المستقيم بعينين تتالقان بالخبث .
" هل أنت مغتاظة مني لأنني طلبت منك أن تعدي الفطور؟".
ضحكت سارة على الرغم منها ، وتلاشى غضبها.
" في الحقيقة لا ". وقابلته عيناها الزرقان بجراة ، ولكنك تحب إعطاء الأوامر.
"هل يزعجك أن تمدي يد العون يا سارة؟".
" لا ، إذا وجّه الي الطلب بالأسلوب الصحيح".
وأدركت بان تصرفها كان طفوليا ، ولكن خصلة من العناد في طبعها جعلتها تصر على مسلكها مع علمها بأنه إنما كان يحاول إستثارتها عن عمد .
وإبتسم هيو :
" لقد إعتدت على إعطاء الأوامر يا سارة ، حتى أنني كدت أنسى كيف اصوغ طلباتي بالأسلوب الصحيح ، لعلك تستطيعين ان تعلميني".
كان ما يزال واقفا بجانبها مهيمنا قرب الموقد ، يبدو أنه كان يمارس رياضيته الصباحية على ظهر حصانه.
" لن يكون بوسعي أن افعل كل شيء".
وكسرت بيضة ، من دون إحتراس في المقلاة محاولة أن تستعيد تمالكها لنفسها.
" وماذا بشان المكتب؟".
ولكن سارة لم تربح هذه الجولة أيضا.
" استطيع أن أطلب المساعدة من بيث عندما تاتي هذا المساء".
قال بلطف وعيناه تستقران على بياض عنقها المصقول فوق فتحة قميصها.
" لقد عرضت المساعدة".
وضعت سارة الزبدة فوق البيض باسرع مما يجب ، فتطايرت الرشاشات الحارة بملامسة ذراعها مما جعلها تطلق صيحة الم قصيرة قبل أن تسحب ذراعها بسرعة ، رامية الملعقة من يدها ، وغامت عيناها بدموع اليأس وهي تحاول ان تغطي المساحة المحروقة بيدها.
أطلق هيو صرخة مختنقة .
" دعيني ارى ما اصابك ! لقد ظننت ان كاتي هي الوحيدة المهملة هنا ، كم مرة كتب علي أن أنقذك يا ترى؟".
والقى نظرة سريعة على وجهها المصدوم ، ثم توجه الى إحدى الخزائن وعاد حاملا انبوبة مرهم غطى به الحرق ، وكانت هذه هي المرة الثانية التي اشار فيها الى مغامرتها فوق الصخور منذ حدوثها.
" هذا يكفي!".
صرخت سارة بحدة إذ افرغ محتويات الانبوب فوق يدها ، وآلمتها لسعة ملمس اصابعه أكثر من لسعة الحرق ، وأحست وهي ترتجف بانها عزلاء أتجاهه ، وتمتمت بشيء من الخجل وهي تسحب ذراعها:
" آسفة، أن الحرق بسيط ، وهو لا يستدعي الخوف الذي أصابني ".
وشمّت رائحة شيء يحترق فسارعت مبتعدة لتنقذ محتويات المقلاة.
" أظن انه يمكنني ان أساعدك في المكتب بعد الغداء ، بعد إنتهائي من العمل هنا ، كاتي تستطيع تصريف امور المطبخ بمفردها لمدة ساعة أو ساعتين".
" إذن ، لن نحتاج الى بيث كما يبدو لي".
قال معلقا بدماثة ، ورماها بنظرة متاملة من عينيه اللتين راحتتا تبحثان عن ضمادة في صندوق الإسعاف...
" ليس بالضرورة ، ولكن إفعل ما تشاء".

نيو فراولة 31-12-11 06:54 PM

وعضّت على شفتها باسنانها المصفوفة ، وهي تمد يدها اليه مطيعة ، فوضع فوقها الضمادة بحزموبراعة ، ووشت حركة أصابعه الماهرة بخبرة لا بأس بها ، كانت ذراعها لا تزال تؤلمها ، ولكنها احست بالدماء تعود الى وجنتيها ، ولم تعرف لماذا لم تستطع ان تحبذ فكرة قدوم بيث لمساعدة هيو ، وخالجها الشعور بأنه قد ضمّن هذا كما أوحت به الإختلاجة الغريبة التي طافت بفمه.
وضغط هيو على الضمادة ضغطة خفيفة مقصودة.
" عندما تنتهين من تنسيق الأمور داخل راسك الجذاب هذا ، هل يمكننا ان نتناول الفطور ؟ فنجان من الشاي الحار وجبتان من هذه الزجاجة ستكفل لك الشفاء العاجل"
ومد لها يده بزجاجة الأسبرين التي كانت قد وضعتها على المائدة بعد عودتها من غرفة بيدي.
" شكرا".
صممت سارة الا تعطي نفسها فرصة للعبوس ، وبعد الفطور إنغمست في العمل بعيدا عن هيو ، وبينما كانت تعد طعام الغداء راحت تفكر بالتشعبات والتعقيدات التي يتطلبها العمل في بيت كبير ، إن الجو الذي تخلفه ظروف مثل هذا العمل كفيلة بان تولّد جوا من اللفة لا يجده المرء في المكاتب الصغيرة ، وأحست سارة بخطر أن تحول بينها مثل هذه الألفة وبين الإحتفاظ بعلاقتها مع رئيسها على المستوى الرسمي ، ولاحظت انها قد بدات تلاقي صعوبة متزايدة في التفكير بهيو كرئيس فقط ، وهي لم تنس كيف انها كانت على وشك ان تضع رأسها على كتفه هذا الصباح ، لعله من حسن حظها انه سرعان ما فقد الإهتمام بما أصاب يدها وإستسلم لعدم اللامبالاة.
وجدت سارة بعض الوقت للتحدث الى طبيب العائلة أيان ماكنزي ، بعد ان عثرت على بطاقته بعد بحث طويل في خزانة في القاعة ، يجب أن تتذكر بأن تطلب من هيو الحصول على دليل للهاتف نظرا لعدم وجود دليل في البيت.
بعد العثور على الرقم ، إتصلت بالعيادة وتحدثت الى الطبيب بنفسها ، نعم ،بإمكانه ان يأتي لزيارة بيدي فيما بعد ، وسيجلب معه بعض الحبوب .
" إن إيجاد العلاج المناسب يعتمد على الخطأ والتجربة".
قال متنهدا عندما ذكرت له ما فعلته بيدي بالحبوب التي وصفها سابقا ، ولما إقترحت عليه بوجل أن لزوم الفراش قد يشكّل العلاج الأفضل ، قهقه بصوت عال قائلا قبل ان يضع سماعة الهاتف.
" جربي ان تحاولي فقط إقناعها بلزوم السرير!".
رات سارة وهي تساعد كاتي على إعداد غرفة جيل بان يومها هذا كان مزعجا منذ بدايته ، واصغت الى كاتي تسر اليها بان صديقها لن ياتي لزيارتها في نهاية عطلة الأسبوع.
" على كل ، لقد بدأت امل من صحبته".
قالت غاضبة وهي تمسح الغبار بحيوية زائدة جعلت الخشب يلتمع .
" إنه يعمل على الشاطىء المقابل في احد الفنادق المشغولة جدا ، مما لا يتيح له فرصة للخروج".
" إذا إستمر على هذا المنوال فسابحث عن شخص آخر".
أثارت لهجة التهديد في كلماتها إبتسامة سارة ، وبدا لها وهي تضع اللمسة الأخيرة على غطاء السرير الساتان بان كاتي ايضا تعاني من سوء الحظ هذا اليوم ، ولكن الفكرة لم تبعث السلوى في نفسها بل يأسا متزايدا.

الملآك القاسي 01-01-12 03:47 PM

بـــــــــــــاين انها روعة ياريت تكملينها يا قمرررررررررررر

نيو فراولة 01-01-12 03:48 PM

4- خطوات نحو اللهب


بعد الغداء بقليل ، توجه هيو الى سالن ليقابل أخته في المطار ، وكانت سارة في غرفتها بعد الظهر عندما سمعت طرقة سريعة على بابها ، وقبل أن تجد الوقت لتطلب من الطارق الدخول ، دخلت الغرفة فتاة شقراء صغيرة لها إبتسامة مفعمة بالحيوية ، وتقوّس حاجبا الفتاة وهي تسال:
" أظن أنك سكرتيرة هيو الجديدة ، لقد جئت لكي أشاهدك".
وتوقفت عن الكلام بغتة لتحدق في سارة بعينين واسعتين:
" يجب ان اعترف بانني لم أتوقع شخصا مثلك ، أين عثر عليك؟".
" في الحقيقة لم يعثر هيو علي ، لقد أرسلوني اليه".
ردّت سارة بثبات ، ملقية على الفتاة نظرة سريعة، وعرفت بحدسها بأن هذه الفتاة لا بد أن تكون جيل ، على الرغم من أنه لم يكن هناك شبه بين الأثنين فيما عدا إشتراكهما ، على ما يبدو ، في خصلة العجرفة ، ولاح لسارة أن هذا المزيج من التكبر وعدم الكلفة الذي تتّصف به الأثنتان مثير للإضطراب ، وهو يبرهن ، أكثر من أي شيء آخر على أنهما من سلالة عائلة فريزر ، وإنتظرت سارة بصمت بينما راحت جيل تفكر فيما قالته لها.
" أرسلوك؟".
سالت جيل بصوت رفيع مفعم بالفضول إذ لم تفتها قامة سارة الرشيقة وتقاطيعها الجميلة:
" ماذا تعنين بحق السماء ؟ من ارسلك؟".
" لقد طلب السيد فريزر من محاميه أن يرسل له سكرتيرة ، وكانت النتيجة ان وجدت نفسي هنا".
وإبتسمت سارة إبتسامة خفيفة.
" آه ، فهمت".

ولكن التعبير المرتسم على وجهها وشى بوضوح بأنها لم تفهم ، ولازمها الشك للحظة وهي تتأمل بشرة سارة المصقولة ، وفجأة ، وكأنها قررت ان تغير من أسلوبها ، مدّت يدها الى سارة مصافحة وموضحة دون أن تدعو الحاجة الى ذلك :
" انا جيل ، ىسفة إذا كنت تصرّفت ببعض الوقاحة ، ولكن اللوم يقع على هيو لأنه لا يشرح لي أي شيء كما يجب ،ويستعمل معي دائما الأسلوب الخاطىء".
إذن لقد ذكر لها شيئا عن الموضوع ! وأجابت سارة متسائلة ، متعمدة ان تنطق الكلمات بإستخفاف لكي تكتم إستياءها :
" أخشى ألا أستطيع متابعة افكارك؟".
لكن جيل لم تجب بسرعة ، وإبتسمت برضى كالقطة وهي تكور جسمها لتستقر فوق الكنبة ، وبدا واضحا أنها احست بإضطراب سارة وانها حبا في العناد لم تجد ما يدعو الى العجلة لتهدئة خاطرها.
" لقد ذكر لي – قالت بإبتسامة – بأن وجودك هنا هو من اجلي من بعض النواحي ، ويجب أن تعرفي انه ليس من طبعه الإهتمام بي ولهذا اتساءل لماذا يأخذ على عاتقه فجأة امر الإعتناء بي ؟ بل لماذا يسمح لنفسه بان يظن بانني بحاجة الى حارس أو مربية ؟ لذلك لا تستغربي إذ تجدينني أشك في تصرفاته ، من المؤكد أنه ليس هنالك من سبب يجعله يتحمل كل هذا الأزعاج من أجلي".
" أخشى انك اسات تفسير كلماتي".
قالت سارة وهي تجلس على طرف السرير ، وقد داخلها شيء من الإرتياح ، يبدو واضحا ان جيل قد خلطت الأمور ، كان من الأفضل الا يذكر هيو شيئا أمامها ، وحلّت محل إستيائها السابق موجة من الغيظ ، إن الرجال نادرا ما يبرهنون على البراعة والذكاء في تصرفاتهم إتجاه أخواتهم الأصغر سنا.
" إن سبب وجودي هنا في الحقيقة هو مساعدة أخيك لكي ينظم الأمور المتعلقة بميراث عمك ، لا اتوقع ان أبقى هنا مدة طويلة ، ولهذا ليس هنالك ما يدعو لقلقك".
على عكس ما أملت سارة ، لم يكن من السهل تهدئة مخاوف جيل التي إستطردت وعيناها تضيقان بتعبير ماكر:
" إن اسبابك قد تكون واضحة "وعبس وجهها : " ولكن ماذا بشأن هيو؟".
تردّدت سارة قبل أن تجيب ، إن جيل لم تلمح بعد باية طريقة الى صديقها الذي سبب كل هذا الإزعاج ، ولكن بدا من الواضح انها كانت تفكر به.
منتديات ليلاس
حسنا ! أنها لا تنوي أن تتدخل في اية خلافات عائلية إن أمكنها أن تتجنب ذلك ، ولن تشير الى صديق جيل إلا إذا ذكرته أمامها ، من حسن الحظ أن هيو لا يريدها ان تتحدث عنه ، لأن خطته لا يمكن أن تنجح إلا إذا توفرت السرية الكافية ، واحست سارة بالخجل من نفسها للطريقة الحاذقة التي راحت تزن الأمور بها ، فسارعت للإجابة على سؤال جيل بحرارة ما كانت لتظهرها لو كان الموقف مختلفا.
" ألا تعتقدين بانك تبالغين قليلا يا جيل ؟ أن السيد فريزر ذكر لي بأنه يشعر بالمسؤولية أتجاهك ،خصوصا بعد مرضك وبسبب سفر والدتك الى أمريكا".
" وعندما تعود سيسلمني لها كطرد بريدي ، ملفوفة بعناية وسليمة من العطب ، مسكين هيو ! أظن أنني استطيع تخيّل الصورة !".
وضحكت جيل وعيناها تومضان سرورا :
" إنه يكره القيود من أي نوع ، وأمي تقول انه قد إمتنع عن الزواج لهذا السبب فهو لن يسمح لنفسه أن يسرح في العالم طولا وعرضا تاركا زوجته اليافعة وحدها في المنزل".

نيو فراولة 01-01-12 03:49 PM

قفزت سارة الى قدميها بقلق ، وشعرت بنظرات جيل تتفحصها بإمعان وكانها لم تقتنع بعد ، إن جيل ماكرة ! قد تكون فتاة مدلعة ، ولكنها تبدو عاقلة ما فيه الكفاية ، وعلى علم بما تريد ، على عكس سارة ، ثم أنها على ما يظهر ، من النوع الذي لا يتورع عن اللجوء الى الأساليب الملتوية إذا دعت الحاجة ، ولهذا فإن افضل خطة للدفاع الآن هي التراجع بلا شك.
" يجب ان أسرع ! ". هتفت ملقية نظرة سريعة على ساعتها :" إعذريني فقد كدت أنسى بيدي ، إنها في السرير ، وعليّ أن أذهب اليها لتبيّن حالتها"
" آة ، هذا يذكرني...".
تثاءبت جيل وهي تفرد جسمها ، ومطت ذراعيها قائلة:
" لقد اخبرني هيو بأن الدكتور ماكنزي يريد التحدث اليك ، وهذا بالحقيقة سبب قدومي الى هنا".
توقفت سارة وهي في منتصف الطريق الى الباب ، وأدارت رأسها المضيء لتلقي نظرة مغتاظة على جيل.
" كان بوسعك ان تخبريني قبل الان !".
" آسفة لقد نسيت " قالت جيل بهزة لا مبالية من كتفيها : " لا تنزعجي فهو شخص عزيز عجوز ، انا واثقة أنه لن يتضايق من الإنتظار ، خصوصا عندما يجد الشخص الذي أضطره للأنتظار فتاة مثلك".
هرعت سارة تهبط الدرج دون أن تتمهل لتسمع المزيد ، إنها تعرف هذه النعوت التي يستعملها الناس عند الإشارة الى اطبائهم حق المعرفة ، مثل ( عزيز ، ولطيف ، وعجوز ).
عندما وصلت سارة الى القاعة وجدت هيو يتحدث الى رجل أصغر منه سنا فخمنت بان يكون أحد جيرانه ، وغمرها الإستياء لأنها لم تجد أثرا لأي طبيب.
إستدار هيو فسارت نحو الرجلين فوق السجادة الثمينة شاعرة بنظراته تنحدر على وجهها القلق ، ولمحت شبح إبتسامة على فمه الصارم.
" أظن انه من الأفضل ن أقدمك الى الدكتور ماكنزي يا سارة ، لأنه يبدو أنك اخذت على عاتقك امر الإعتناء ببيدي".
أوشكت سارة ان ترد بالطريقة الجافة نفسها لولا انها تمالكت نفسها فهذه هي طريقته في التعبير ! وتقدمت الى الطبيب وصافحته وقد غمرتها الدهشة ، لعل جيل ، بالفعل ، ترى الدكتور ماكنزي رجلا متقدما بالسن ، ولكن سارة شكّت في هذا ، لم يكل الطبيب جميل الطلعة ، إلا أن وجهه كان يشع نوعا من الجاذبية البسيطة غير المتكلفة ، وكان أصغر سنا من هيو ، وأشقر الشعر مثلها.
أحست سارة في نظرات الطبيب اليها ببريق الإهتمام ، ولم يكن في إعجابه ، الذي بدا واضحا في عينيه الرماديتين ، أي رياء.
" إذن أنت هي الآنسة التي تريد ان تجبر بيدي على إلتزام السرير ؟".
قال مبتسما وهو يضغط بحزم على أصابعها النحيلة ، وعيناه شاخصتان الى وجنتيها المحمرتين.
ما كان بإمكان سارة ان تحزر بأن مسلك الطبيب ماكنزي إتجاهها لم يكن عاديا بالنسبة اليه ، ولكن وجدت عجابه الصريح بها مشجعا ومثيرا بعد نهار طويل ممل ،وبغريزتها الأنثوية ، اهملت تقطيبة هيو الخفيفة ، مستجيبة لأبتسامة الطبيب بإبتسامة مماثلة فقالت:
" سأجرب".
وسحبت اصابعها من يده بإحتراس ، سائلة فيما إذا كان قد ترك بعض الحبوب لكي تستعملها بيدي.
" إن بيدي لا تستطيع ان تتذكر إسم الحبوب التي وصفتها لها".
" معي بعض الحبوب في السيارة ، سأعطيك بعضها إذا ما رافقتني " وتابع وعيناه لا تفارقان وجهها : " سيكون مفعولها أفضل بالطبع إذا إستطعت أن تحثيها على البقاء في السرير".
" سأحاول".
ردت سارة ، وشعرت فجأة بهيو خلفها يراقبها بإستهزاء ، فتظاهرت بعدم الإهتمام وإبتسمت للطبيب ثانية ، لقد أصبحت خبيرة بخصلة عدم التسامح في طبع هيو ، لكنها لم تستطع أن تدرأ غصة الألم مما اثار الإستياء في نفسها ، وإعترتها الدهشة والغيظ معا عندما تدخل هيو في الحديث قائلا بصوت جاف:
" يبدو من الواضح أنك لست مستعجلا يا ايان ، ولهذا أرجوك أن تفحص ذراع سارة قبل ذهابك ، لقد سكبت بعض السمن الحار عليها في الصباح إذ انها ليست دائما بمثل الكفاءة التي تبدو عليها".
إشتعلت عينا سارة غضبا وهي تجابه نظراته الساخرة ، صحيح ان ذراعها تؤلمها ، ولكن الألم ليس حادا ، وتمنت بإرتباك لو أنه لم يذكرها ، وحوّلت نظراتها عنه مبتسمة لأيان ، محاولة ان تستعيد بعض توازنها .
" لا داعي لن تزعج نفسك".
إحتجت سارة عندما همّ الطبيب برفع الضمادة ، متجاهلة عبوسه الفجائي.
" لقد فحصت يدي بنفسي بعد الغداء ، ووجدتها في حالة جيدة".
" كيف عرفت؟".
وإزداد وجه ايان عبوسا وتابع نافد الصبر:
" هل لديك خبرة في التمريض ؟ حتى الحروق الصغيرة يمكن أن تكون مزعجة".
" لكنني رايت العديد من الحروق !".
اجابت سارة وقد وخزتها لهجة التانيب في صوته ، سامحة لأنفعالها ان يغلب حذرها.
" كنت أعمل مساعدة لوالدي الذي كان طبيبا أيضا".
افلت أيان ذراعها كارها ، ولم يبد عليه الإقتناع التام.
" حسنا ! كما تشائين " وأستقرت نظراته الثاقبة على وجهها : " ومع هذا فساعطيك مرهما قد تحبين ان تجربيه عندما نذهب الى السيارة لكي تجلبي حبوب بيدي".
ثم أومأ يماءة مقتضبة لهيو ، وسار عبر الباب المفتوح .

نيو فراولة 01-01-12 03:50 PM

لما رجعت سارة بعد عشر دقائق ، وجدت ان هيو قد غادر القاعة ، ولم تجد له أثرا في المكتبة عندما ذهبت لترى ما إذا كان بحاجة الى مساعدة عاجلة ، وكان أيان قد اصر على ان تضع ضمادة مناسبة على ذراعها مما إستغرق بعض الوقت ، ولم تشا سارة ان تعترف حتى لنفسها ، بانها إختارت أن تتلكأ مع ايان عن قصد آملة ان تتجنّب هيو واية ملاحظات لاذعة قد يبديها حول مسلكها.
أما ما تبقى من فترة ما بعد الظهر فقد قضته سارة في المطبخ متحملة مضايقات جيل التي راحت لتوها تشكو من الملل ، وراحت جيل تتبادل الضحكات مع كاتي التي كانت تعرفها جيدا ، ثم أخذت تكيد سارة بشأن ايان ماكنزي:
" رايتكما متشابكي اليدين في القاعة ، ماذا كنتما تناقشان بهذه الجدية ؟ ليس روماتيزم بيدي بالطبع ؟ لقد ذكرت لهيو بعدها ان ايان بدا وقد إفتتن بك".
" قلت لي بان الدكتور ماكنزي رجل مسن وطيّب !".
وضغطت سارة على الكلمتين الأخيرتين بوضوح.
فقهقت جيل دون ان تبدو عليها علامات التوبة:
" حسنا ، اليست هذه هي الحقيقة ؟ كان عمي ديفيد يقول بان ايان ولد عجوزا – عجوزا مستبدا ! إنه لا يصف لي إلا المحاضرات !".
حاولت سارة دون نجاح ان تخفي إبتسامتها وهي تنحني لتضع طبقا في الفرن ، ربما لم يكن الخطأ خطا جيل لأنها تبدو اصغر من عمرها ، إنها فتاة مسلية بلا شك ، ولكن مزاجها المتبدل متعب ، من الافضل الا تذكر امامها بأن ايان طلب منها الذهاب الى حفلة رقص تقليدي ، ثم أن سارة لم تبد قبولا للفكرة بعد ، بسبب واجباتها الكثيرة ، ولكنها لم ترفض الدعوة ايضا إذ وعدت ايان بأن تبلغه قرارها في وقت ما خلال الأيام المقبلة.
" متى تعود أمك من اميركا؟".
سألت سارة مغيرة الموضوع ، وهي تفك شريط مريولها لتغير ثوبها.
لم تستسغ جيل تغيير الموضوع ، وردت من دون حماس:
" لا اعرف متى تعود".
وهزّت كتفيها ، ثم أضافت قائلة وهي تتبع خطوات سارة عبر القاعة .
" يوما ما ، على ما أعتقد".
" لم تذهبي معها ؟".
" لا ، كما هو واضح !".
قالت لاوية شفتها بشيء من الوقاحة.
" كان من الممكن أن أفعل ، لو انها إنتظرت حتى شفائي من العملية ".
عضّت سارة على شفتيها بشك ، إذا كانت جيل ارادت السفر الى أميركا فليس من الممكن أن يكون حبها لهذا الرجل في لندن حقيقيا ، إلا إذا كانت قد نوت إصطحابه معها.
تابعت جيل ، عندما لم تعلّق سارة ، بصوت مشاكس:
" يداخلني الشعور بان امي تعمّدت الذهاب لحظة ان علمت بأنني لا استطيع الذهاب معها ، وقد تذرعت بإضطرارها الى الذهاب لأسباب عائلية ، ماذا يعني هذا ؟ لا ادري ، وتم كل شيء تحت ستار من الكتمان ، ولكنني واثقة أن هيو يعرف السبب ، الا تستطيعين ان تتزلفي اليه لتعرفي الحقيقة؟".
إتزلف اليه لأكتشف سرا ! وضحكت سارة في قرارة نفسها وهي تتوقف قرب باب غرفتها ، لا يستطيع أحد ان ينتزع شيئا من فريزر سواء بالإقدام على إستعمال الأساليب الملتوية أو الإحجام عنها ، وهي لا ترغب في المحاولة.
وخصوصا لإشباع فضول جيل.
" ساترك هذا لك".
وإبتسمت ثم أغلقت باب غرفتها بهدوء.
بعد العشاء ذهبت سارة مع هي والى المكتبة لأنجاز بعض العمل إذ اراد إنهاء بعض المراسلات ، وقال لها بانها تستطيع طباعة الرسائل في الصباح على ان تنتهي منها قبل موعد بريد العصر.
بدا هيو في بدلته الرمادية ضامر الجسم جذابا ، وجلست سارة ، ثم أقبلا على العمل بصمت ، وأحست بنبرات صوته العميقة وهو يملي الرسائل عليها تتلاعب بأعصابها بطريقة مزعجة.
وعندما إنتهى ، مد يده الى سيكارة واشعلها ، وحبست سارة انفاسها وعيناها تتحولان عن وجهه المنحوت من صخر ، باحثة عن شيء تحوّل اليه إنتباهها.
ووقعت عيناها فجأة على خيالها في المرآة الطويلة قرب المدفاة فراحت تتفحص مظهرها بموضوعية ، بدت البلوزة الفاتحة التي إرتدتها مع تنورة سوداء مخملية طويلة وكأنها قد زادتها نحولا ، بينما لاح شعرها هذه الليلة أكثر إشقرارا وجمالا.
وفجأة ، ومن دون سبب ، أحست بالسعادة لأنها لم تكن بالفتاة القبيحة.
عادت سارة بنظراتها الى الغرفة ، وإحمرت وجنتاها إذ قابلت نظرات هيو الساخرة.
فوجئت سارة وإرتبكت عندما قال لها هيو بغتة بلهجة مرحة:
" تبدين جميلة هذه الليلة ، كما ان العشاء الذي أعددته كان لذيذا ، لا أعرف كيف تستطيعين التدبير ، ولكن حدسي بانك تعرفين الطبخ كان صحيحا ".
" ولو لم يكن؟".
" إننا على شيء من التهذيب ، حتى في هذه المناطق المتوحشة".
رد مبتسما .
" هذا يثير دهشتي".
" إن بيدي تبدو مرتاحة ، ولم تلجأ جيل للشكوى ، يجب ان اعترف بأن كفاءتك احيانا تثير دهشتي".
قال مزيحا سخريتها جانبا.
نظرت اليه سارة بتحد ، واجبرت نفسها على عدم الإستسلام للضعف .
" الكفاءة والمظهر الحسن غالبا ما يسيران جنبا الى جنب".
ردّت وقد أغاظتها صراحته الفجة.
" هناك انواع للجاذبية وحسن المظهر ، إن الرجل بحاجة الى أن يحتفظ بهدوء أفكاره".

نيو فراولة 01-01-12 03:51 PM

لم تبذل سارة جهدا لكي تحتفظ ببرودة اعصابها ن وحوّلت عينيها لكي تتجنب نظرة الإستخفاف من عينيه الداكنتين ، لقد كان الخطا خطأها .
ما كان يجب ان تستثيره ، كيف تأمل فتاة مثلها ان تخترق توازنه الفولاذي ، وردت متجاهلة نبرة السخرية في صوته:
" إن الكفاءة ليست من إحتكار السن " وتابعت بعناد : " كما تعرف بدون شك".
" النساء يعرفن معظم الإجابات قبل ان يغادرن المهد ، اما الرجال فهم يبتدئون عادة بداية سيئة ، خذي ماكنزي مثلا ، لقد قهرته بنظرة واحدة من عينيك الزرقاوين على الرغم من أنك فرضت عليه الإنتظار".
القت سارة عليه نظرة سريعة وقد إعتراها الخجل:
" آسفة !".
تمتمت وهي تنظر الى يديها .
" كنت اتحدث الى جيل مما جعلني انسى الوقت".
كرهت سارة ان تشرح له بأن جيل نسيت ان تبلغها رسالته حتى اللحظة الخيرة ، من الأفضل ان تدعه يظن بها الإهمال بدلا من أن تعرّض علاقته المتوترة باخته لمزيد من الضغط ، لقد أخطأت دون شك لأنها نسيت ان تعتذر لأيان ، إن منظره الفتي نسبيا اذهلها عن القيام بالواجب ، ولكن هذا التفسير سيبدو سخيفا لو تفوهت به ، ولهذا إكتفت بان تضيف بهدوء:
" شرح لي الدكتور ماكنزي بعض الأشياء المتعلقة ببيدي عندما ذهبت معه الى السيارة لإحضار بعض الحبوب".
" تصرف سليم ، يا آنسة وينتون !".
ثم قال بلهجة مصقولة وهو ينهض ببطء مبتسما بلين:
" إسمحي لي !".
تدفق الدم في وجنتي سارة وهي تهب على قدميها متجنبة وجهه المرتاب وقالت بسرعة:
" إذا لم يكن هناك ما أفعله ، فإنني أحب أن أخرج لتنسم الهواء ، جيل ذهبت الى سريرها مبكرة ، لقد سمعتها تصعد الدرج قبل قليل ، وبيدي لا تحتاج الى شيء".
فدار بسرعة ليطفىء النور ، ثم خرجا من الغرفة .
" إذا لم يكن لديك ما يدعو الى اإعتراض ، فسآتي معك !".
أوقفتها نبرة صوته الثاقبة ، كان القمر بدرا ، وهي دائما تحب التجول وحدها ، إنها لا تريده ان يصاحبها فهي تود أن تريح أعصابها وتسترخي .
ونظرت سارة اليه نظرة شبه يائسة:
"أفضل ان أذهب بمفردي ، إذا لم يكن عندك مانع ، إن الوقت ليس متأخرا".
تجمدت نظرة هيو الواثقة وقال:
" لدي مانع ، ثم إن خروجي معك أفضل لسلامتك ، هذا إذا ما أخذنا بعين الإعتبار ان إنقاذك في وضح النهار كان صعبا ما فيه الكفاية ، وبالإضافة ، انا أيضا اشعر برغبة في المشي ، وهناك بعض الأمور التي اريد مناقشتك بشأنها ، غدا سأسافر الى لندن ، ولن يسمح لي الوقت بالتحدث اليك".
كيف تستطيع أن ترفض ؟وبدون أية معارضة اخرى وضعت على كتفيها شالا بدلا من أن ترتدي معطفا لأنها كانت لا تنوي الإبتعاد مسافة طويلة.
كانت النجوم تتألق بشدة في سماء خلت من الغيوم ، وهبت ريح خفيفة ، وبدت القلعة كبناء أسطوري تحت ضوء الكواكب ، بينما جاشت الفضة في البحر الذي عكست امواجه ضوء القمر ، واحست سارة بجمال المنظر وهي تتبع هيو الى الشاطىء بأسى.
سارت بسرعة وكأنها ارادت أن لا تطيل هذه اللحظات لشعورها الحاد بالرجل المحاذي لها ، وسلكا الطريق الذي كان هيو قد دلّها عليه في السابق ولكنها كانت تضطر بين الحين والآخر الى التمهل لكي تلملم شعرها الذي راحت الريح تعبث بخصلاته ناثرة إياها فوق وجهها وعينيها ، وهمهمت بغيظ لأن شعرها وتنورتها الطويلة أخذتا تعيقان حركتها ، وجرت لتلحق بهيو.
توقف هيو فجأة ، وضحك بصوت منخفض ، وقفزت نبضاتها عندما شعرت به يمسك بيدها ويشبك أصابعها حول اصابعه بتكاسل ... كانت اصابعه نحيلة وقوية واخذت تعبث بتمالكها لنفسها ، وبدأ شيء في اعماقها يتحرك ببطء... شيء جديد مثير للفزع ، وسببت لمسته شعورا لاذعا في حنجرتها.
صرخت بومة ليلية فوق إحدى الصخور العالية صرختها الموحشة ، وبصعوبة سمعتها سارة ، ولكنها احست في نغماتها تحذيرا ، ووصلا الى ارض اقل وعورة فإبتهلت سارة ألا يشعر هيو بإرتعاشاتها المتشنجة لأنها ما أرادت أن يعرف المشاعر العاصفة التي ثارت في قلبها ، لقد مدّ هيو يده اليها ليساعدها كأنه يساعد طفلة ، ولهذا فإن رد فعلها القوي ليس إلا إستجابة حسية بحتة ، حيلة من حيل الليل.
وإستدارت سارة لتواجهه وقد احس بأنها غير قادرة على متابعة هذا التحليل الصارم لمشاعرها ، وتفوهت بأول جملة خطرت لها:
" متى تعود الى لندن؟".
اعطى الصمت العيق لكلماتها رنة من الإستفهام اللاهث ، فندمت سارة في الحال على سؤالها.
توقف هيو ومدّ يده ليزيح خصلة عنيدة من الشعر الملتفة حول حنجرتها ، كاشفا عن كمال إنسياب خطوط وجهها من الجبين حتى العنق.
" هل أنت سعيدة لانني ساسافر يا سارة؟".
وكانت في لهجته نبرة غامضة ، وتفحصتها عيناه الثاقبتان في الظلام.
حاولت سارة ان تقلد اسلوبه الهادىء المجرب ، وهي على يقين بأنها ليست ندا لبراعته اللفظية ، وتذكرت بنه قد هزأ في إحدى المرات من عدم قدرتها على رد الكيل بمثله ، إنها على إستعداد للإعتراف بضعفها هذا ولكن ليس تماما
" لقد سبق أن ذكرت أنه بإستطاعتي ان آخذ إجازة أثناء غيابك".
اجابت سارة متعمدة ان تعيد حديثا جرى بينهما في السابق.

نيو فراولة 01-01-12 03:54 PM

فرد هيو وأسنانه البيضاء تلمع :
" لقد إخترت ان تذكريني بوعدي ، ولم يمض على تقلدك لمنصب مدبرة منزلي إلا وقت قصير ، ولكن ، هذا إذا لم تخني ذاكرتي ، كان هناك قيد".
" قيد؟".
" لقد وعدت بان تراقبي جيل".
" دون ان اختار".
تجاهل هيو ملاحظتها ، وقال:
" إن إزدياد المسؤوليات سيساعدك على النضج ، ام أنك لا ترغبين في هذا؟".
" لست بحاجة الى النضج ، فأنا قد بلغت 21 عاما ، الا تعرف؟".
" سن متقدمة!".
وضحك إلا ان ضحكته هذه المرة كانت خالية من التسلية ، وثبت عينيه على وجهها المتالق في ضوء النجوم ،وقال بجفاء.
" ان العمر لا يقاس بالسنوات ، بالضرورة".
" تعني الخبرة؟".
" تستطيعين قول ذلك ، ولكن الخبرة هي شيء بعيد عن متناولك ، كما أتخيل".
علّق ردا على ذلك ، فإرتعشت سارة ، ولكنه تابع دون رحمة :
" لا شك ان تعلقك بحماية والديك قد حال بينك وبين التجربة ".
حدّقت سارة في وجهه الأسمر الجذاب ن وقد تناثر شعرها كالحرير فوق كتفها ، ذائبا في نور القمر.
" لقد تحرّيت اموري ، إذن".
" لم تدع الحاجة الى ذلك يا فتاتي " قال مائلا بإتجاهها ، فما على المرء إلا ان يراقبك ليصل الى هذه النتيجة".
فأجابته سارة بصوت رفيع يغلي بالغضب:
" إنك إنسان مستحيل".
"وانت أيضا ، دعينا نعلن هدنة بيننا".
عضّت سارة على شفتها بشدة ، محاولة السيطرة على نفسها كي لا تشاجر معه بعنف ، ولم تذكر انها شعرت بمثل هذا الغضب من قبل ، وإبتعدت عنه عدّة خطوات وإنحنت لتلتقط حصاة كانت تحت قدمها ، ورمتها بقوة بعيدا ، الى حيث راحت الأمواج تتكسر على الشاطىء.
ثم اخذت نفسا عميقا ، وقالت:
" كيف تريدني ان أتصرف مع جيل أثناء غيابك ؟ إنها لم تذكر شيئا عن صديقها ، هل انت متأكد ان لها صديقا؟".
فاجاب هيو بحدة وكأن تغيير الموضوع قد اثار إستياءه.
" اؤكد لك بأنه موجود ، لقد تنازعنا أنا وجيل بشأنه اثناء عودتنا من المطار".
تبعت سارة شعاعا من نور القمر فوق الرمال ، ولاح وجهها رقيقا عكس الألق المرتعش.
" إن المعارضة غالبا ما تؤدي الى النتيجة العكسية".
" هل تريدين حقيقة أن نتكلم عن جيل؟".
كانت الرمال تتسرب من خلال أصابع قدمها وصندلها موحية لها بشعور وثير غريب ، وراحت رائحة البحر تغزو حواسها ، مفعمة الهواء بما يشبه السحر ، وتحركت الرغبات ، لم تكن الليلة مناسبة للتفكير المنطقي ، ولكن سارة صممت على ان تستمر في المحاولة.
" لقد ظننت أن هذا هو السبب الذي دفعك لمرافقتي".
إرتفع حاجباه الداكنان بحركتهما المعهودة، مما اعطى وجهه في ضوء القمر تعبيرا منهمكا.
" إن ليلة كهذه لم تخلق للنقاش".
قال بنعومة ساحرة.
فتصلّب جسم سارة ، وبدت كحورية بحر على إستعداد للهرب: عيناها مستديرتان ، وراسها مرفوع الى الوراء فوق عنقها النحيل ، وغلبها شعور غريب عمره كعمر البد ، فإبتلعت ريقها وقالت:
" لا أظن انني أفهم ما تعنيه".
فلمعت عيناه ، وتاملها بنظرة طويلة مقصودة:
" الا تظنين انه قد حان الوقت لتفهمي؟".
" ليس هناك ما يجبرني على الإصغاء لمثل هذه الكلمات".
قالت بضعف ، وهي تطرق بعينيها تحت وطأة نظراته الفاحصة المستعصية ، فضحك ضحكة عميقة.
" لن أمثل دور الرجل المتوحش ابدائي ، إذا كان هذا ما يقلقك".
إرتجفت سارة عندما مد يده مرة ثانية الى شعرها ، لاويا خصلة منه حول إصابعه راحت تتألق في ضوء القمر ، وتابع مكملا حديثه بصوت مشدود:
" ولكنني لا أملك إلا أن اتساءل كيف ستتصرفين لو فعلت ، هل هذه الهالة من البراءة التي تحيط بك مجرد غلاف سطحي ، يا ترى ؟ عندما تختار فتاة مثلك أن تدفن نفسها في جزيرة نائية فإن السبب في العادة لا بد أن يكون رجلا".
" اتعني انك لا تعرف السبب وراء قدومي هنا؟".
" لقد ظننت انه من المثير أن أحاول معرفته ، خصوصا بعد أن رايت الطريقة التي نظرت بها الى أيان ماكنزي".
اجاب بسخرية لا تحتمل.
" كيف تجرؤ؟".
وإشتعل غضب سارة ليتلاشى بالسرعة نفسها ، ومسحت على وجهها بيدها كالمنومة ، وقالت:
" ماذا لو قلت لك أن السبب هو إحساسي بالتعاسة".
"وفّري عليّ التفاصيل البائسة، إن كتفي لم يخلق لتجفيف الدموع".
" لا يمكن لأمرىء صحيح العقل أن يظن بك مثل هذا الظن".
أجابت سارة بعنف ، رادة كلماته الى نحرها ، وعيناها تفيضان بدموع لم تذرفها نتجت عن الجرح العميق الذي سببه لها ، وندمت على النزوة التي كادت أن تدفع بها الى الإفضاء اليه بالحقيقة عن والديها ، وحركت راسها بسرعة لكي تخفي وجهها المبلل بالدموع تحت خصلات شعرها الثقيل ، ولكن هيو لاحظ لمعان الدموع في عينيها.
" وفري عليّ هذه الدموع ، أعدك بأن أطلق العنان لنفسي كالبركان إذا ما إستسلمت للبكاء ، او لعله من الأفضل أن أخلق لك سببا يدعوك للبكاء!".
شعرت سارة بجسمها يطفو في الهواء ، تتدافعه صعودا ونزولا زوبعة عواطفها الثائرة.

نيو فراولة 01-01-12 03:55 PM

صدمت سارة عندما عانقها هيو لأنها كانت على جهل بالمشاعر التي كانت تجيش في نفسه بإستثناء غضبه ، واحست بقربه منها يحجب قدرتها ، على التفكير الواضح.
وفجاة ، ومن دون إنذار ، إنتزع ذراعيها من حول رقبته وأزاحها بحزم بعيدا عنه ، فترنحت سارة تحت صدمة هذا الرفض غير المتوقع.
وتناهى اليها صوته خشنا ، قاسيا:
" لم تتصرفي وكان قلة الخبرة التي تدّعينها قد شكّلت لك عائقا".
أحست بوقع كلماته عليها كالماء البارد ، فعاد اليها وعيها ، إنه لمن الجنون ان تدعه يعاملها بمثل هذه الطريقة.
" ما الذي جعلك تتصرف هكذا؟".
" الله وحده يعلم... الإغراء .... الإستفزاز!".
وسرت نظراته فوق جسمها النحيل تومض بلمعة إستحسان مزعجة .
" ما كان يجب ان آتي معك الى الشاطىء".
" لم اشجعك".
وغطت كلماتها حاجتها اليائسة لبعث ثقتها في نفسها من جديد .
إستعاد هيو تمالكه لنفسه وبدا وجهه كالقناع الجامد وقال:
" هناك عدة طرق لتشجيع الرجال ، يا سارة ، وأنت تفعلين ذلك دائما لا شعوريا".
" هذه كلمات مريضة ، كيف تستطيع التفوه بها؟".
" هذه هي الحقيقة يا سارة، سواء أكنت عالمة ام جاهلة بها ، أنت تجذبين الرجال كما يجذب اللهب الفراش".
حدقت فيه سارة مرتاعة ، هل يظن أنها معتادة على مثل هذه التصرفات؟".
" أظن إنك قد إرتكبت خطأ ".
" لا " اجاب بقوة وبصوت بدأ الغضب يذوب منه : " ولكن الوقت متأخر وأنت تبدين متعبة ، ثم إننا لا نريد أن نبدأ شيئا لا نستطيع أن ننهيه ، يحسن بنا أن نعود ، وكما قلت سابقا ما كان يجب أن آتي معك".
" ولكنك قلت بان هنالك بعض الأمور التي تريد أن تناقشني بشانها".
وبصعوبة إستطاعت سارة ان تدرك فحوى كلماتها لأن ذهنها كان ما يزال يعاني من اثر الصدمة.
" ليس هنالك من لا يستطيع الإنتظار".
لفت سارة الشال حول جسمها ، وحدقت في البحر امامها ، كان القمر قد إختفى وراء غمامة مما جعلها غير قادرة على تبين موقع خطواتها إلا بصعوبة ، وتعثرت فجأة ولكن يده إمتدت اليها في الحال لتسندها ، إلا أن لمسته الآن كانت جافة خالية من المشاعر ، وراح يساعدها على صعود الدرب الضيق الغارق في الظلال.
وأحست سرة بانه قد ندم على مغازلتها ، وبذلت سارة محاولة شبه مكشوفة لتجمع شتات نفسها ، وسارت دون أن تعلق على كلمات فريزر الأخيرة ، وتمهلت خطوات هيو بجانبها ، وبدا وجهه الداكن عصيا على القراءة ، ثم تناهت اليها كلماته المفعمة بالسخرية:
" لا داعي لأن تغلقي الأبواب في وجهي لأن الصدف شاءت ان أكون رئيسك ، أنت دائما تصرين على الإشارة الى وضعك ووظيفتك حتى أصبحت فكرة لا تتزحزح في رأسك الرجعي الجميل هذا ، إنه من المعروف ان كثيرا من الفتيات ينتهين بالزواج من رؤسائهن".
سرت القشعريرة في جسم سارة ، إنه يحاول ان يجعل الموقف يبدو مسليا ، لقد كان من الممكن ان تغفر له عدم إهتمامه ، ولكنها لا تستطيع ان تغفر له هذه السخرية اللاذعة ، وإبتلعت ريقها بصعوبة ثم قالت:
" لم اعمل في خدمة العديد من الرؤساء ، يا سيد فريزر".
" من الآن فصاعدا ، يا صغيرتي ، ناثرة اللهب ، نادني بإسمي : هيو".
إرتجفت سارة ، من الواضح ان أسلوبها المتكلف قد ضايقه ، ولكنها تفضل ان تواجه غضبه على ان تدعه يكتشف الطريق المؤلمة التي إستجابت بها له ، حمدا لله على قرب موعد سفره ، أثناء غيابه ستحاول ان تتعلم كيف تواجه هذه الكتلة من العواطف الجياشة التي تعتمل في نفسها ، حتى إذا ما عاد إستطاعت أن تواجهه بنوع من الموضوعية ، ولو لم تشعر بها.
أطلت القلعة مهيمنة ، وصاح طائر بين الأشجار ، وإرتعدت سارة إذ حادت نظراتها عن وجه هيو الساخر لترحل عبر الريح والسماء فوقها ، وأحست بانوثتها كما لم تحس بها من قبل ، ولكنها صممت على ألا تدعه يخمن مشاعرها.
أخذت سارة نفسا عميقا ، واشاحت بوجهها لتخفي قطرات الدموع التي لسعت عينيها.
" من الأفضل ان أذهب الان ، لقد وعدت بيدي بأن اعد لها شرابا ساخنا ، ستتساءل الى أين ذهبت إذا لم افعل".
وإستدارت ثم عبرت الباب الأمامي الضخم بخطوات سريعة.

الملآك القاسي 01-01-12 08:09 PM

متــــــــــــابعه بشـــــــــوووووق

نيو فراولة 02-01-12 02:22 PM

5- أرجوحة الحزن


غادر هيو القلعة مبكرا في صباح اليوم التالي ليذهب الى لندن
وكانت سارة قد نهضت من فراشها متأخرة بعد ليلة غير مريحة مما اثار غيظها ، وهرعت الى الأسفل لتجد أن هيو قد خرج بعد أن تناول فطوره بمفرده ، ونظرت سارة الى كرسيه الفارغ بمزيج من الإرتياح والياس.
" كان مستعجلا جدا يا آنسة سارة " قالت كاتي من وراء ظهرها :" سألني الا اوقظك لأنه قدّر بأن تكوني متعبة ، ولم ينتظر حتى أقلي له بعض البيض ، لقد أخذت بعض الشاي الى بيدي قبل قليل ، وهي تصر على مغادرة الفراش وإستئناف العمل".
" آه ، لا !".
منتديات ليلاس
واسرعت سارة تصعد درجات السلم الى غرفة بيدي بإستياء شديد لكي توبخها ، ولما إستطاعت أخيرا ان تقنعها بالبقاء في السرير ، وجدت في إنتظارها مجموعة من المشاكل مما إضطرها لأن توفر لها إهتمامها الكامل ، ولم تجد وقتا لتناول أكثر من فنجان قهوة وقطعة خبز محمصة.
" الآنسة جيل تشعر بالتعب ". قالت كاتي وهي تقوم بإعداد صينية فطور بإهتمام: " ولن تغادر غرفتها قبل موعد الغداء".
لم تنزعج سارة لأن هذا الترتيب من شأنه ان يتيح لها طبع رسائل هيو والحصول على توقيعه قبل ذهابه ، وعندما رأته أخيرا لم يبد عليه القلق بشأن جيل.
" هذا شيء متوقع ، كما اعتقد ، لا شك أن الرحلة قد أتعبتها وستحتاج الى الراحة لفترة قبل ان تستعيد قواها ، وهذا يعني انها لن تسبب لك كثيرا من المضايقات قبل عودتي".
بدا واضحا انه ما كان ينوي أن يبدي عواطف الشفقة! ودون ان يضيّع مزيدا من الوقت وقّع الأوراق ونظر بسرعة الى بريد الصباح:
" ساغادر بعد قليل".
قال وهو يرمق مكتبه بسرعة، ثم حطت عيناه على وجه سارة المصفر :
" أتوقع أن تديري الأمور بكفاءة ، ولكن إذا ما حدث أي شيء وإحتجت الي فيمكنك الإتصال بي في مكتبي ، هذا هو الرقم ، ساترك لك ايضا رقم الشقة لكي لا تجدي صعوبة بالإصال بي عند الضرورة".
نظرت سارة بكآبة الى رأسه الداكن وهو ينحني ليكتب رقم الهاتف ، وكان قد إرتدى بدلة أنيقة فوق قميص مقلم فاتح مما أبرز سمرته ورجولته .
إستقام هيو بقامته وإستعرضتها نظراته ببطء حتى إستقر على الضماد الطبي فوق ذراعها ، فأفترت شفاه عن إبتسامة خفيفة ساخرة.
" لا شك ان الدكتور ماكنزي سيعتني بك ، لا تسمحي لنفسك بالوقوع في شباكه تماما ، يا سارة".
أزاحت سارة راسها بسرعة متجاهلة كلماته ، وتصنعت الإستخفاف ، ولكن ملاحظته آلمتها ، فاجابت:
" قد تعود من لندن قبل أن ياتي لزيارتنا ثانية".
ورفعت راسها فوجدت عينيه مصوبتين عليها فتسمرت تحت وطأة نظراتهما النفاذة للحظة ، ثم أجبرت ذهنها على التحوّل للإهتمام ببعض التفصيلات التي بقي عليها إتمامها ، رافضة أن تدع ذهنها يعود الى ليلة البارحة ، وعلى الرغم من هذا شعرت بحمرة الخجل تصبغ خديها ، فاسرعت لتجمع حزم الرسائل وأخذت ترتبها.
" اشك في هذا ، إن الرجال أمثال ماكنزي لا يقعون تحت تأثير النساء بسهولة ، ولكن عندما يفعلون لا تستطيع حتى الخيول البرية أن تصدهم".
هل حملت ملاحظته نوعا من الحذير الخفي؟ لا شك أنه ققصد ان يلفت نظرها الى حقيقة نوايا ماكنزي ، هذا إذا كانت لديه نوايا ! ولكنه ليس بالقيّم عليها ، إن ايان على الأقل تصرف بمنتهى اللياقة ، أما هيو فإن سلوكه يتارجح بين اللطف والخشونة من لحظة الى اخرى ، وردت سارة متسرعة تحت وطاو السخرية في عينيه:
" لقد وقعت أنت نفسك تحت تأثير الآنسة اسكويث في الأمسية الفائتة".
إنكمش هيو في الحال ، وأحست بافكاره تنفصل عن ذهنها ، وكانه إنسحب بجسمه من الغرفة ، وبلّل العرق كفيها إذ تجسمت لها فجأة جسامة حماقتها ، ولكنه عندما تكلم جاء صوته ثابتا ، على الرغم من ان السخرية ما تزال عالقة به.
" لعله يمكننا تشخيص مزاجنا هكذا : مواجهة الصباح بعد ليلة البارحة " وهزّ كتفيه بإستخفاف ، وكانت هذه هي الملاحظة الوحيدة التي أبداها بشان نزهتهما على شاطىء البحر ، فغمرها الخجل الشديد.
توقف هيو للحظة ليتامل اللون الوردي الذي تالق في خديها وقد رفعت راسها المتلألىء لتحدق في عينيه ، وكان وجهه قريبا منها فاشاحت بوجهها لتتجنبه.
" آسفة !".
إعتذرت بلهجة يائسة ، محاولة ان تخفي ضربات قلبها وهي لا تدري ماذا تقول ، فإلتمعت عيناه بسخرية لا قرار لها ، ومد أصبعه الى خدها المحمر ناقرا إياه بخفة ، ثم أدار ظهره فجأة قائلا من وراء كتفه وهو يتجه نحو الباب:
" ساراك عندما أعود".
لم تستطع سارة ان تستقر في البيت بعد الغداء ، ولهذا قررت ان تذهب الى القرية لتضع الرسائل في البريد ، وسألتها بيدي أن تحضر لها بعض الحوائج كما طلبت منها ان تذهب لزيارة اختها التي كانت على موعد معها هذا العصر ، ولما لم يكن بالإمكان ان تخرج بيدي من القلعة فقد وعدتها سارة بأن تسأل فيما إذا كانت اختها تحب ان تاتي لزيارتها لمدة ساعة او ساعتين.سعدت سارة بهذه الفرصة لمغادرة القلعة التي بدت موحشة بعد ذهاب هيو.
لم تهبط جيل الى الطابق الأسفل إلا بعد رحيل هيو ، وأمضت بقية الصباح في التجول من غرفة الى غرفة من دون هدف ، وإقترحت سارة عليها أن تأتي معها الى سالن ، ولكن جيل لدهشتها رفضت.

نيو فراولة 02-01-12 02:23 PM

" لا ارغب في ان أفعل أي شيء".
قالت بصراحة وهي تتثاءب مكورة فمها الوردي الصغير .
" ساصاب بالملل دون شك ، أنا واثقة أنك ستتمتعين بنزهتك أكثر من دوني".
أوشكت سارة ان ترد عليها قائلة بان خروجها ليس للمتعة ، وان الإنسان يحتاج احيانا الى تنفس بعض الهواء النقي ، ولكنها أحست بانه من الحكمة ألا تقول شيئا ، من الواضح ، لسبب لا يعرفه أحد غيرها ، إن جيل تعاني من سوء المزاج ، وعندما لمحت لها سارة بان مزاجها سيتحسن عندما تستعيد صحتها ردت قائلة:
"أنني لست مقعدة".
وكانت لهجتها غاضبة إذ أغاظتها لهجة التفاول في كلمات سارة .
إبتسمت سارة مكرهة ، من السهل إثارة مشاعر جيل العدائية ، ولكنها إذا ما أرادت أن تعيش معها تحت سقف واحد ، فإنه من الأفضل أن تكون معها على وفاق ، بعد قليل تركتها سارة تستمع الى بعض الأسطوانات ، وهرعت الى السيارة.
إقتربت سارة من الجاغوار بإحتراس ، لقد سمح لها هيو بإستعمالها شريطة أن تلزم جانب الحذر.
" كل ما تحتاجينه هو إستعمال عقلك".
أجابها بصبر نافد عندما إحتجت بانها لم تجربها بعد.
منتديات ليلاس
ركبت سارة السيارة وتمنت مبتهلة ان يكون هيو على حق وهي ترجع بالسيارة الكبيرة الى الخلف لتخرجها من المرآب ، وتخيلت التعليقات اللاذعة التي لا بد ان يبديها هيو فيما لو سببت حادثا للسيارة ، أو ألحقت بها الأذى ، هذا على الرغم من تهاونه معها بإستعمال السيارة ! يحتمل أن تكون تعليقاته في مثل هذه الحالة أسوأ من التعليقات التي كان بوسعه ان يتفوّه بها عندما أبدت ملاحظتها بشان بيث إسكويت ، لا شك ان التمالك والسيطرة على النفس اللذين بذلهما... هذا الصباح يستحقان الإعجاب إذا ما أخذ المرء بعين الإعتبار لذاعة لسانه حتى في الأحوال الطبيعية.
في سالن ، ألقت سارة الرسائل في صندوق البريد ، وإشترت الحاجات التي طلبتها منها بيدي ، وبعد أن وضعت المشتريات في صندوق السيارة ، قررت ان تذهب لبحث عن شقيقة بيدي ، لم تكن إرشادات بيدي واضحة ، كانت قد طلبت منها أن تبحث عن بيت صغير في الجانب الآخر من البلدة ، وقالت:
" أي شخص يستطيع ان يدلك عليه".
ولكن سارة لم تجد أي شخص حولها لتوجه اليه السؤال ، وأنّبت نفسها لأنها لم تسأل عن البيت في مكتب البريد ، وكانت بيدي قد اعطتها إسم البيت أيضا ، ولمّا لم تكن على عجلة من أمرها ، فقد قررت أن تذهب للإستكشاف ، وكان العصر دافئا ولطيفا ، ولهذا فإن البحث عن البيت سيعطيها فرصة للتعرف على ما حولها ، ولم تشك في انها ستعثر عليه قريبا ،وفجأة عند منعطف الطريق ، شاهدت كاتي تتحدث الى رجل ملتح ، كانا يقفان جنبا الى جنب والأشجار تكاد تحجبهما ، مستغرقين في الكلام.
توقفت سارة بدهشة ، وشخصت بناظريها ، يبدو أنه مكتوب عليها أن تلتقي به دائما ! آخر مرة في توبرمري ، والان هنا ، ولكن عامل المفاجاة هذه المرة هو ان تراه يتحدث الى كاتي ، على الرغم من أنها ذكرت بأن صديقها لا يعيش في هذه الجزيرة ، او لعله ليس إلا عابر سبيل توقف ليسال كاتي عن الطريق ، هناك تفسيرات عديدة.
وإستدارت سارة وقد فقدت إهتمامها لتتابع بحثها عن البيت ، واخيرا عثرت عليه في الجانب الآخر من القرية ، وبعد أن عرّفت بنفسها إنتظرت حتى إرتدت اخت بيدي ، الآنسة بلاك ، أفضل معطف وقبعة لديها.
" لا يناسب القلعة إلا الأفضل".
قالت الآنسة بلاك بغموض وهي تستقر في المقعد بجانب سارة.
" هذا ما قاله السيد فريزر العجوز أمامي عندما جاء ليستقر هنا ، وقد ردد هذه الكلمات بذاتها فيما بعد مشيرا الى الجزيرة ، إنني لأتساءل فيما إذا كان السيد فريزر الشاب يحمل الرأي نفسه".
أدركت سارة بأن الآنسة بلاك عنت هيو، وإن فضولها يدفعها كالآخرين ، الى محاولة معرفة فيما إذا كان ينوي أن يتخذ لوخ غويل مقرا له ، ولما ردّت سارة قائلة بأنها لا تعرف بدت خيبة الأمل واضحة على قسماتها التي تشبه قسمات الطيور ، وكتمت سارة رغبتها في أن تضيف متنهدة بانها هي أيضا تتمنى لو تسمع منه قرارا بهذا الشان ، من المحتمل أن أجبار كل هؤلاء الناس على العيش في حالة توقع يعطي هيو شعورا بالأهمية ، وهو شعور لا تستطيع ان تشاركه إياه ، ولكي تتجنب أفكارها المزعجة راحت سارة تثرثر متحدثة عن بيدي ، وسرها أنها قد نجحت في تحويل إنتباه الانسة بلاك.
" آمل أن تتحسن بيدي خلال يومين أوثلاثة ".
" لقد قلت لها مرارا بان الوقت قد حان لكي تتقاعد ، لا لأنها قد عجّزت كثيرا ، ولكن لأن آلامها ستتفاقم إذا لم تعتن بنفسها".
كان من الصعب إيقاف اخت بيدي عن الكلام بعد الشروع فيه ، ولهذا تركتها سارة تتكلم ، معيرة إياها إنتباها بسيطا ، لأن أفكارها أصرّت على العودة الى كاتي والرجل الغريب.
" إن كاتي هي إبنة أخيك ، أليس كذلك؟".
سالت سارة عندما أبدت الآنسة بلاك ، ويا لحسن الحظ ، ملاحظة تتعلق بكاتي.
ولم تعرف تعرف سارة لماذا سالت هذا السؤال.

نيو فراولة 02-01-12 02:25 PM

" ليست إبنة أخي بالضبط " شرحت الآنسة بلاك " بل قريبة بعيدة نسبيا ، وكان من حسن حظها أن تعثر على وظيفة في القلعة عندما رفضت ان تترك الجزيرة".
" لماذا؟ أعني ان الحياة الهادئة في القلعةلا تناسب فتاة يافعة مثل كاتي".
" نعم ، من بعض النواحي".
تابعت الآنسة بلاك من دون أن يبدو عليها أنها وجدت شيئا غير عادي في سؤال سارة.
" قد يتبرّم معظم الناس من مثل هذا الهدوء ، إن قلة الوظائف هي المشكلة الحقيقية ، ولكن لكي تكوني على علم أكثر بالموضوع، سأفضي لك بأن والدة كاتي ماتت عندما كانت طفلة ، ولهذا تولينا أنا وبيدي أمر رعايتها ، وقد أمضت كاتي جزءا كبيرا من طفولتها وصباها في القلعة ، ولعبت مرارا مع الآنسة جيل التي كانت تأتي لقضاء عطلاتها هنا ، ولهذا يمكن القول بأنهما شبتا معا رغم إختلاف ظروفهما، تعرفين ما أعني ؟ والى الآن ما زالتا صديقتين حميمتين ، وكان هذا أحد الأسباب الذي دفع كاتي لأن تذهب للعمل في القلعة بعد ان تركت المدرسة".
بدأت الأمور تتّضح لسارة بعد هذا الشرح الطويل ، وقالت بإبتسامة:
" لقد وصلت جيل البارحة ، أتوقع ان تكون كاتي سعيدة بلقائها " وأضافت بحذر : " اعتقد أنني لمحت كاتي بينما كنت ابحث عن بيتك ، في سالن هذا إذا لم أكن على خطأ ".
" لا ، لا أعتقد أنك اخطأت".
وهزت المراة الصغيرة راسها الرمادي ، وعلا العبوس وجهها الذي لوحته شمس البحر.
" ولكن آمل ألا تظني بأنها تختلس الوقت من وراء ظهرك ، لقد جاءت لتراني لبضع لحظات ، وقالت بانها قد اتت الى سالن بغرض إبلاغ رسالة من الآنسة جيل الى صديق ، لم تذكر إسم الشخص المقصود ، ولكنها ستعود الى القلعة في الحال بعد تبليغ الرسالة ، هذا ما قلته".
أظلمت السماء بغتة ، وخذت قطرات المطر تتساقط على زجاج النافذة فسارعت سارة لأدارة المجفف لمسح الزجاج أمامها.
" امل الا تبتل تحت هذا المطر".
قالت سارة مبتسمة بإستياء وهي تضغط على مكبس البنزين .
" هذا ليس إلا وابلا من المطر على ما أعتقد ، وكاتي لا يزعجها المطر ، فالأمطار تهطل بغزارة هنا".
بدا على الآنسة بلاك أنها وجدت في تعليق سارة العابر باعثا على الإطمئنان.
وإسترخت في مقعدها مصعدة تنهيدة إرتياح.
ألقت سارة عليها نظرة سريعة ، ثم راح ذهنها يجيّر لحقائق التي كشفتها لها هذه المحاورة ، بدا من الغريب ان ترسل جيل كاتي الى سالن لتحمل رسالة منها بعدما ذكرته عن شعورها بالتعب وعدم رغبتها في إزعاج نفسها بشيء ، ثم إنه من المؤكد أن معظم معارف جيل في الجزيرة يملكون هواتف في بيوتهم ، ولهذا فإن كل الملابسات تشير الى مؤامرة تحاك في الخفاء ، ولكن من المحتمل أن كاتي قد إختلقت هذا المبرر لكي تخرج من القلعة ، مستغلة مرض بيدي ، وعبست سارة ضائقة بالقلق الذي غمر نفسها ، وفجأة لمعت فكرة مفزعة في ذهنها ، إن الرجل الغريب الملتحي تكلم بلهجة تدل على أنه قادم من الجنوب ، لا ، لا يمكنها ان تصدق هذا ، ولكن هل يمكن ان يكون هذا الرجل هو الفنان الذي تحبه جيل ، هذا الإحتمال هزيل دون شك ، فالرجل غادر القارب معها عندما وصلا قبل ثلاثة أسابيع ، ولو أنه كان صديق جيل لأنتظر وصولها قبل أن يسافر ، يجب الا تدع خيالها وشعورها بالمسؤولية يسيطران على افكارها بهذا الشكل.
ساقت سارة السيارة الى ساحة القلعة ، وبعد ان ساعدت الانسة بلاك على مغادرة السيارة اخذتها لترى بيدي ، ثم تركتهما معا واعدة بان تعود بعد ان تعد لهما بعض الشاي ، وأخبرتها بيدي قبل ان تترك الغرفة بأن الطبيب جاء لزيارتها ، وانه وعد ان يمر ثانية في الصباح.
" لا افهم ما حدث ! ثلاث زيارات خلال ثلاثة ايام ! إنني أخشى حتى وضع قدمي على الأرض ، على الرغم من ان آلامي قد زالت".
وفكرت سارة وهي تهبط الدرج : ( لقد كان هيو على حق إذن بشأن أيان ، أم هل كان ؟ ) طبعا هي لا تعرف شيئا عن عادات الأطباء في هذه المنطقة من العالم ، ولكن ليس هنالك سبب واضح يدعو لتفسير زيارات ايان بغير الإخلاص للواجب.
فوجئت سارة بجيل في المطبخ ، التي إستدارت بتلهف عندما سمعت وقع اقدامها ، ولكن خيبة الأمل حلّت محل التطلع عندما عرفت شخصية القادم ، من الواضح إنها كانت تنتظر شخصا آخر ، وحيت سارة بإقتضاب واشاحت بوجهها عابسة ، بينما سارعت سارة لأعداد الشاي.
" سآخذ الشاي الى غرفة بيدي ". شرحت سارة مجيبة على التساؤل الصامت في عيني جيل : " إن الوقت ما يزال مبكرا ولهذا فستعد لنا كاتي الشاي عندما تعود من سالن".
صاغت سارة جملتها بإحتراس ، وراحت تراقب وقع كلماتها على جيل بإنتباه ، لحظة صمت ! ثم لاحظت سارة بارقا من الحذر يزحف الى عيني جيل على الرغم من انها لم تفصح عن أي شعور بالفزع.
ضحكت جيل فجأة ، مشيحة بوجهها عن وجه سارة المرهف ، وذهبت لتجلس قرب الموقد على كرسي بيدي ، وأسندت ظهرها متكئة الى الوراء ، شابكة قدميها النحيلتين ، وأحست سارة بانها تراقبها من خلال جفنيها شبه المطبقين ، مما اثار الغيظ في نفسها.

نيو فراولة 02-01-12 02:26 PM

" طبعا " قالت جيل وهي تطلق ضحكة رقيقة : " لو عرفت بأن كاتي كانت تنوي الخروج لسألتك أن توصليها الى سالن عندما عرضت علي مرافقتك الى هناك".
من الواضح أن هنالك بعض الأسباب التي تدفع احد هؤلاء الأشخاص الى عدم التصريح بالحقيقة ، بينما راحت تفكر فيما قالته جيل ، إذا كانت جيل صادقة فإن كاتي قد كذبت من دون شك ، ولكن لماذا تتظاهر كاتي بأنها قد ذهبت الى سالن من اجل ان تحمل رسالة من جيل؟ لم يكن هناك ما يدعوها لأختلاق مثل هذا العذر عادة في الفترة التي تتلو الغداء وتسبق تناول الشاي.
" بما أن كاتي تقطن في سالن "تمتمت سارة وهي تراقب وجه جيل الأملس : فإنني أعتقد بأنها ذهبت الى البلدة لتزور خالتها ، لقد إضطحبت الآنسة بلاك من سالن لتزور بيدي".
" الانسة بلاك؟".
لو ان سارة قصدت لا شعوريا ان تفزع جيل لقد نجحت ، لأن الاخيرة إنتصبت في مقعدها فجاة ، وجابهتها بوجه خال من التعبير ، ثم هتفت بغضب:
" هل تعنين هذه المرأة العجوز الثرثارة التي لا تنقطع عن الكلام ؟ إن المرء لا يستطيع أن يصدق نصف ما تقوله".
" من فضلك...".
ورفعت سارة يدها بحركة دفاع عن النفس ، وراحت تحدّق بعينين غمرتهما الدهشة والفزع بالفتاة الجالسة على الكرسي ، عن السيدة بلاك ليست إمرأة ثرثارة كما وصفتها جيل ، ولكن من الواضح أن قدومها مع سارة هذا العصر قد سبب إزعاجا كبيرا للفتاة.
قررت سارة مدفوعة بالرغبة في حماية نفسها ، ألا تسمح للقلق ان يسيطر عليها ، وكانت على وشك إتمام جملتها بعد صرخة التعجب التي أطلقتها عندما رن جرس الهاتف ، فقفزت جيل التي لم يكن من عادتها ان تهب للمساعدة للإجابة على الهاتف ، أما سارة فقد راحت تدهن بعض شرائح الخبز بالزبدة.
عادت جيل بعد دقائق وقالت:
" كانت المكالمة من بيث إسكويث".
وجلست على الكرسي ، وبدا عليها انها قد إستعادت تمالكها لنفسها ، ثم تابعت بإبتسامة راضية:
" كانت غاضبة جدا لن هيو سافر دون أن يخبرها ، وسالتني فيما إذا كان سيرجع قبل موعد الحفلة الراقصة في الأسبوع المقبل".
" حفلة راقصة؟".
سألت سارة محاولة أن تكتم موجة الفرح التي غمرتها ، فقد ظنّت ان هيو وبيث ذهبا معا الى لندن .
" آه ! حفلة راقصة تقليدية ، إن والدة بيث تقيم واحدة في حزيران من كل عام ، وأحيانا تأتي خصوصا لحضورها ، من دون هيو بالطبع ، لأنه غالبا ما يكون في مكان ما في الخارج ، لقد أخبرت بيث بأنني لا أظن أنه سيستطيع حضور الحفلة هذا العام ايضا ، مما جعلها تضع سماعة الهاتف بسرعة ".
" ولكن...".
وحدّقت سارة في وجه جيل عابسة وقد لاحظت التعبير الشقي المرتسم عليه.
" إن هي يتوقع أن يكون هنا بعد يوم ا إثنين ، لقد ذكر لي ذلك بنفسه ".
" هل قال ذلك؟" ردت جيل بصوت ناعم ذي لمعان ، إن الدقة في تحديد المواعيد والماكن ليست من طبع هيو".
" لا تكوني حمقاء".
اجابت سارة بثبات ، ولكنها احست بوجهها يشتعل خجلا بسبب التلميح الذي تضمنته كلمات جيل ، وختمت كلماتها قائلة بضعف:
" أظن انك كنت تمزحين مع انسة اسكويث".
" هذا كلام فارغ " وتجعد وجه جيل بتكشيرة غير لطيفة : " أنا لا أستلطف الانسة اسكويث ، واعرف أنها لا تحبني ، ولهذا فلا داعي لأن تقفي بيننا مسلحة بسلاح الدبلوماسية ! لم أجد ما يدعو الى تهدئة قلقها ، من الصعب ان يثق المرء بهيو ، فهو يغيب احيانا لمدة عدّة أسابيع إذا راق له ذلك".
" هل من عادة سكان الجزيرة أن يقيموا عدة حفلات من هذا النوع؟".
" طوال فصل الشتاء " أجابت جيل بإقتضاب: " في أغلب الأحيان لا يتعدى الإحتفال تبادل الأحاديث والإستماع الى بعض الأغاني ، أو تناول الشاي والقهوة مع السندويشات والكعك الساخن ، أما والدة بيث فإنها تقيم حفلة كبيرة كل سنة تخصّص ريعها للجمعيات الخيرية ، وتصر على أن يكون كل شيء في كامل الزينة والأبهة ، ربما يصطحبك هيو معه إذا حضر في الوقت المناسب".
تذكرت سارة فجأة دعوة ايان ماكنزي ، فقالت بإندفاع دون أن تفكر:
" في الحقيقة دعاني الدكتور ماكنزي لحضور الحفلة بصحبته".
" حسنا.... " هزت جيل كتفيها بدون إكتراث ، وبدا على وجهها الصغير عدم الإهتمام :"يبدو أنك ستحضرين الحفلة بطريقة او بأخرى ، في الحقيقة انا أكره فكرة زواج بيث من هيو " واضافت دون ان تاخذ نفسا : " إلا ان هيو يجب ان يتزوج يوما ما ، لعل زواجه سيحسن طباعه ويجهل منه إنسانا".
غادرت سارة المطبخ بسرعة خوفا من ان تستطرد جيل في الكلام ، وتلكأت في غرفة بيدي غير راغبة في العودة الى المطبخ كي لا تسمع المزيد عن هيو وبيث ، محاولة ان تقنع نفسها بان السبب الوحيد هو كرهها للإصغاء الى الشائعات ، ولكن صورة هيو طاردتها في كل مكان ، وكلما إلتفتت رأت وجهه ينحني فوق وجهها والقمر يضيء شعره الكالح.
حاولت سارة أن تطرد خيال هيو من ذهنها ، فعرضت على الآنسة بلاك أن توصلها االى سالن ،وعادت قبل موعد العشاء بدقائق ، فسارعت لتحضير بعض الحساء والسلطة.

نيو فراولة 02-01-12 02:27 PM

وأحست بالإرتياح عندما وجدت أن جيل كانت في غرفتها ، إذا كانت جيل وكاتي تتآمران معا ، فإنها لا تريد أن تعرف شيئا عن الموضوع ، ولكن كاتي هدات من شكوكها عندما جاءت الى المطبخ ، وقالت لها بانها ذهبت الى سالن لترى صديقة وعدت بأن تأتي وتطبخ حتى تشفى بيدي من مرضها.
" إذا لم يكن لديك مانع ، فإن جين ستقوم بالمهمة خير قيام".
لم يكن هنالك داع لقلقها إذن ! " وتابعت كاتي قائلة بان السيد فريزر هو الذي إقترح هذا الحل قبل ذهابه ، ولم تعرف سارة أسرّتها الفكرة أم أغاظتها ؟ الم يكن بالإمكان أن بستشيرها قبل أن يسارع الى إتخاذ القرارات ؟ فلو أنها عرفت مسبقا سبب ذهاب كاتي الى سالن لما عانت من كل هذا القلق غير الضروري.
في صباح اليوم التالي عندما وصلتها رسالة من جين مع بريد الصباح ، إزدادت سارة إنشراحا ، وقالت جين بانها مشغولة في المكتب ، ولكنها ستأخذ إجازة قصيرة عما قريب ، وقد فكرت في ان تأتي لقضائها في جزيرة ( مل ) وسالت سارة ان تخبرها عن وقت يناسبها لكي تستطيعا قضاء بعض الأيام معا ، ثم العودة الى لندن معا أيضا إذا ما كانت سارة قد إنتهت من العمل في لوخ غويل.
إنتهت من العمل في لوخ غويل ؟ وشعرت سارة على الرغم من سرورها برسالة جين بأن الصباح قد فقد إشراقه.
منتديات ليلاس
قضت سارة بقية الصباح في إنجاز عملها ، ولم تر جيل إلا لماما ، وكانت على وشك ان تذهب للبحث عنها لكي تتناولا الغداء معا عندما وصل أيان ماكنزي ليزور بيدي كما إدعى ، وقضى في القلعة ساعة أمضى نصفها في التحدث الى سارة وحاول أن يقنعها للمرة الثانية بالذهاب معه الى الحفلة الراقصة ، ولكنها وجدت نفسها كالسابق ، غير قادرة على إعطائه وعدا قاطعا ، إذ انها لم تستطع أن تتخلّص من فكرة أن بيث اسكويث لا تميل اليها ، على الرغم من أن مدة تعارفهما كانت قصيرة ، وشعرت سارة بأن هذا أدعى لأن لا تفرض نفسها على بيث ، وودعت أيان بإبتسامة آسفة ،ثم عادت للبحث عن جيل.
ولما لم تستطع ان تجدها ، سألت كاتي التي كانت مشغولة في المطبخ تغسل أطباق الغداء ، فأجابت بأنها لا تعرف.
" لعلها قد ذهبت لتزور الآنسة اسكويث، لقد ذكرت لي بان الآنسة بيث قد تلفنت البارحة".
ولما وجدت سارة ما تزال واقفة تحدق فيها بعبوس ، ادارت زر الراديو ورفعت الصوت.
إمتنعت سارة عن الرد ذاكرة بأنها على علم برأي جيل بشان هذه المكالمة ، وظنت بأنه من غير المحتمل أن تكون جيل قد ذهبت لزيارتها ، ولكن لماذا ؟ احيانا يدعي الناس بانهم يكرهون بعضهم بينما لا تكون هذه الكراهية في الحقيقة إلا شيئا ظاهريا ، إلا أن سارة إستمرت على الرغم من هذا في شكها في ان تكون جيل مع بيث ، طبعا ، إن كاتي إنما خمنت تخمينا ، ولهذا فإن جيل قد تكون في مكان آخر ، أي مكان !
ما كان للقلعة جيران ملاصقون ، وكان اقرب جيرانهم يعيشون على بعد عدة أميال على الساحل ، ولولا ان دق جرس الهاتف فجأة لما عرفت سارة من اين تبدأ البحث عن جيل.
كانت سارة قد قررت ان تنسى جيل لبرهة ، وتذهب لقضاء ساعة على الشاطىء لأن اليوم كان جميلا وشعرت بأشعة الشمس والبحر يناديانها خصوصا أنها وجدت نفسها لأول مرة دون مسؤوليات كبيرة ، وكانت بيدي نائمة في غرفتها ، وفجأة رن جرس الهاتف ممزقا الصمت المخيم على القلعة ، وسمعته سارة وهي في طريقها نحو الباب ، فإستدارت وقفزت السلالم بسرعة لكي تجيب على المكالمة ، وأشارت الى كاتي التي كانت جالسة في المطبخ تقرا كتابا ، ان تبقى في مكانها.
" ألو !".
هتفت في السماعة لاهثة الأنفاس ، وكانت المكالمة لدهشتها من بيث .
" تبدين مضطربة ".
علّقت بيث بصوت فاتر:
" آسفة ! ". قالت سارة وأصابعها تتقلص على السماعة : " كنت على وشك الخروج عندما رن الهاتف فظننت أن المكالمة هامة".
" ربما من لندن !".
قالت بيث بصوت بطيء تشبه نغماته صوت القطط ، مما أثار الدهشة في نفس سارة ، ولكن بيث تابعت قائلة:
" في الحقيقة إنني كلمت هيو بالهاتف مساء البارحة ، إنه يحب عندما يكون غائبا أن أكلمه بالهاتف ، قال أنه سيعود الى البيت في وقت يسمح له بحضور الحفلة – التي أريد أ اكلمك بخصوصها لقد إلتقيت بأيان ماكنزي في سالن بعد الغداء ، وذكر لي بانه يرغب في إصطحابك الى هذه الحفلة ، ولهذا فقد شعرت بأنه يجب ان أقول لك كلمة ترحيب".
من العجيب ان تبدر هذه البادرة من بيث ! فهي ليست من النوع الذي يحب المساعدة ، خصوصا مساعدة فتاة غريبة لا تميل اليها ، ولكن سارة ذكرت نفسها بأنها قد تكون على خطأ وانه ليس من حق المرء ان يقفز الى مثل هذه النتائج بعد لقاء وحيد قصير.
" اشكر لك لطفك ، ولكنني غير واثقة من قدرتي على تلبية دعوتك ، إذ يجب عليّ اولا أن أطلب إذنا من السيد فريزر ، ثم أن بيدي مريضة ، وجيل وصلت منذ فترة قصيرة فقط !".
" بحق السماء ، ما دخل جيل في هذا الموضوع؟".
ولسعت أذنها ضحكة بيث الحادة .

نيو فراولة 02-01-12 02:29 PM

" لست أدري ما يدعوك للقلق عليها ، فهي تبدو سعيدة بصحبة صديقها الجديد ، وهو فنان إستاجر كوخا قرب الشاطىء ، هل هيو على علم بالموضوع يا ترى؟".
" لا شك انك مخطئة".
أجابت سارة بحدّة ، وقد غمرتها موجة من الإستياء ، ورفضت أن تصدق ما كانت تعرفه بالغريزة.
ضحكت بيث مرة ثانية ، وبدا واضحا أنها إستمتعت برنة الفزع في صوت سارة.
" أؤكد لك أنني لست مخطئة ! فقد بدت لي جيل في أحسن حال عندما صادفتهما في طريقي قبل لحظات ، وليس في هذا ما يدعو الى العجب لان آل فريزر ليسوا ممن يضيعون وقتهم ، ألم تكتشفي هذا بعد؟".
" من فضلك !".
وسقطت سماعة الهاتف من يد سارة تحت وطأة إنفعالها ، وراحت تحدق بها وكأن مجرد لمسها سيلسعها ، يجب ان تعيد الإتصال ببيث كي تعتذر ، فلا شك ان بيث تتوقع منها ذلك ، ولكنها لم تكن تعرف رقم بيث ، ولم تجد لديها الوقت أو الرغبة في البحث عنه.
غمر سارة شعور بالخطر ، لقد ظنت قبل لحظات فقط ان مخاوفها لا تستند الى أي برهان ، والان ؟ يجب ان تفعل شيئا من اجل أن تساعد جيل ، لكي تحذرها وتذكر لها بان بيث على علم بعلاقتها الرومانتيكية ، وإنه من المحتمل ان تخبر هيو ، ووجدت سارة ، وقد داهمتها موجة من المشاعر المتشابكة ، إنها غير قادرة على توخي الأمانة الكاملة مع نفسها.
يجب ان تحاول العثور على جيل مهما كلّف هذا من أجل ان ترى بنفسها فيما إذا كان هذا الفنان إنسانا بلا ضمير ، كما وصفه هيو ، أو رجلا مقبولا وصديقا معقولا ، ولكن كم كانت غبية لأنها لم تستطع الإحتفاظ بهدوئها ولم تسأل بيث عن عنوان الكوخ الذي إستأجره الفنان ! وكرهت سارة ان تسأل كاتي عن هذا الموضوع ثانية ، خصوصا أنها شكّت في أن تسرع كاتي الى تزويدها بالمعلومات التي تريدها.
تركت سارة مكان الهاتف وهي تتنهد ، ثم إلتقطت معطفها هامة بالخروج ، وفجأة تذكرت الدعوة التي وجهها اليها أيان بالذهاب معه لزيارة مريض يقطن قرب الساحل بعد أن نزل من غرفة بيدي ، وقد قال لها بأن المريض يعيش قرب أطلال الكنيسة المهجورة ، ولو ان بيث قد صادفت كلا من ايان وجيل بعد الغداء في الطريق ، فلا بد أن تكن قد رأتهما في بقعة واحدة ، أو في مكانين متقاربين، وقد ذكرت بيث بانها رات أيان في سالن .
ساقت سارة سيارة الجاغوار وقد عاودتها الثقة، لا شك أن جيل قد إستخدمت السيارة البيضاء الصغيرة التي تستعملها والدتها عندما تزور لوخ غويل ، والتي توضع عادة في المراب الخارجي ، مما يفسر عدم إنتباه سارة الى مغادرة جيل للقلعة.
توقفت سارة في القرية وسألت مجموعة من الأطفال كانوا يلعبون إذا ما كانت توجد في القرية مجموعة من الأكواخ التي تؤجر خصيصا للزوار والسياح ، وما كانت سارة تحب الحصول على المعلومات بهذه الطريقة ، ولكنها شعرت انها أفضل من السؤال في أحد الأمكنة والمقاهي ، فالأولاد سيظنونها سائحة عابرة تبحث عن المأوى ، ويطردونها من ذهنهم حال إختفائها عن أنظارهم.
اخبرها الأولاد ، بان هنالك مجموعة من هذه الأكواخ ، إلا أن معظمها تؤجر عادة في مثل هذا الوقت من العام ، وكانت على وشك أن تشكرهم وتنطلق بسيارتها عندما قالت فتاة صغيرة:
" إن السيد مانسون الذي يسكن في نهاية هذا الشارع عنده كوخان ، أجّر أحدهما الى رجل فنان ، أما الكوخ الثاني فهو خال ، لأن الأمطار تنفذ من سقفه ، فإذا كنت لا تبالين بالمطر ، فإن السيد مانسون سيؤجرك الكوخ الثاني...".
عجبت سارة للسهولة التي عثرت فيها على الكوخ في نهاية زقاق ضيق ، لقد كان كوخا قديما بني قرب شاطىء النهر يكاد لقدمه يختفي في حضن المناظر حوله ، وبدا الكوخ خاليا من الحياة فيما عدا حبلا من الدخان الخفيف المتصاعد من بقايا المدخنة.
إقتربت سارة من الكوخ بحذر ، وكانت قد تركت سيارتها بجانب رصيف الشارع الرئيسي خشية ان تتعرض للأذى فيما لو ساقتها عبر هذا الزقاق الضيق ، ولم تكن تعرف ماذا ستقول او تفعل ، وإبتهلت وهي تقرع باب الكوخ أن تجد الكلمات المناسبة.
بعد عدة ثوان بدت لها عدة ساعات ، فتح الشاب الملتحي الباب ، ونظر اليها بدهشة ، ولكنه جابهها من دون أضطراب البتة ، وقال مجترا كلماته:
" يا للمفاجأة ! إنك فتاة القارب ، أليس كذلك ؟ وسكرتيرة السيد فريزر ، كما أعتقد".
وعلت وجهه إبتسامة ساخرة.
ولكن قبل ان تجد الفرصة للكلام سمعت حركة خفيفة وراء ظهر الشاب ، ثم ظهرت جيل امامها وقد إرتسم على وجهها المتدفق حيوية ، تعبير بالإشمئزاز الشديد ، وحطت نظراتها على سارة وبدا جليا انها لم تسر بمشاهدتها.
" أنت مخطىء يا كولن ، من الأصوب أن تقول عضو البوليس السري ، سارة وينتون".
حدقت سارة فيها مجفلة ، وأحست بنفسها غير قادرة على الكلام ، ممزقة الأعصاب ، ولكنها أدركت بعد أن إلتقت نظراتها بنظرات جيل بأن الأخيرة إنما نهجت نهج الدفاع عن النفس لكي تخفي جرح مشاعرها ، وإعترى سارة الإحساس بغتة بأنها دخيلة على الموقف ، وكأنها كانت تقف خارج دائرة حطمتها عن عمد.
يجب أن تحاول إفهام جيل وصديقها بأنها إنما أت الى هنا من أجل ان تساعدهما وليس بوصفها سكرتيرة هيو ، وشعرت بغريزتها بأن هذا الرجل الرجل هو الفنان الذي يعيش في لندن ، وقد أدركت هذا لحظة ان فتح الباب لها .
" أنا آسفة يا جيل ، لقد جئت من أجل المساعدة ومن أجل أن أحذرك ، هنالك شخص على علم بوجود كولن هنا ، وطبعا لن تمضي مدة طويلة حتى يعرف هيو أيضا".
" بيث أسكويت ، دون شك ! " وإحمر وجه جيل إنفعالا ، هذه الكلبة الحقيرة !".
" جيل ! " إحتجت سارة محاولة أن تسيطر على إنفعالها بجهد ، أنت تعرفين أن توجيه مثل هذه الإهانات لن يوصلك الى هدفك ، ولن يشفع لك مثل هذا الأسلوب عند أخيك ، لماذا لا ندخل ونجلس لنناقش الموضوع بهدوء؟ ".
احست سارة للحظة ، بان جيل كانت على وشك ان ترفض إقتراحها ، ثم إستدارت فجأة بهزة من كتفها وسارت الى الداخل ، بينما تراجع كولن عدة خطوات الى الوراء لكي يتيح لسارة فرصة اللحاق بها.
لاحظت سارة ان غرفة الجلوس كانت نظيفة على الرغم من الفوضى التي سادتها ، وشاهدت في زاوية من الغرفة حاملا للوحات تحيط به ما يحتاجه الفنان عادة من أنابيب الدهان والفراشي ، وعلى الطاولة قرب النافذة ، تربعت مجموعة من آلات وأدوات التصوير.
وأضفت النار المشتعلة في المدفأة على الغرفة جوا من الراحة ، مخلّصة إياها من الرطوبة.
جلست سارة بإحتراس على طرف كرسي مقلقل جره كولن من أجلها من تحت الطاولة.
تكومت جيل فوق الكرسي الآخر ، ونظرت الى كولن ثم الى سارة بعبوس ، ثم قالت فجأة بلهجة أكثر حرارة.
" آسفة يا سارة ! قد تبدو لك كل هذه الأمور وكانها سلسلة من المؤامرات والأكاذيب ، إنني احب كولن وهو يحبني ، ونحن نرغب في الزواج ، أحيانا يندفع الإنسان لقول الأشياء الخاطئة بحافز الدفاع عن النفس ، لعلك لا تعرفين ان كلا من هيو ووالدتي لم يزعجا نفسيهما حتى بالتفكير بمقابلة كولن ، لقد حكما عليه قبل ان يشاهداه لأنه فنان ، ويظهر أنهما يظنان أنه لا يجد حتى لقمة العيش !".
بذلت سارة محاولة ذهنية لكي تزن الأمور حق وزنها ، وتذكرت بأنها يجب ان تلتزم الحذر على الرغم من تعاطفها مع جيل ، إن هذه الفتاة اليافعة الشقية تملك قوة التأثير على سامعيها ، وهي قادرة ان تخدع أي إنسان إذا ما كرست ذهنها لهذا الغرض.
" لا شك انك قادرة على تدبير مثل هذا اللقاء بينهم ، ما كنت لأظن بان الحذق والدهاء ينقصانك".
ألقت جيل على كولن نظرة سريعة وقالت:
" من المؤسف أن شخصا ما نقل الى والدتي قصة غريبة عن كولن ، وهي قصة غير حقيقية ، ولكن أمي رفضت أن تصدقني عندما حاولت ان أقنعها بكذبها ، انت تعرفين كيف تتعقد الأمور ، بعد هذه المحاولة كرست كل جهودي لكي أحول دون أن يتقي هؤلاء الثلاثة ، وأعتقد ان هيو قد أصغى الى القصة كما روتها أمي قبل ان يأتي الى هنا ، وما كاد يراني حتى ألقى علي محاضرة طويلة ، مما جعل الأمور تزداد تعقيدا منذ ذلك الوقت".
" لماذا لا تبداين بداية جديدة ، بتقديمي الى صديقك ؟ ربما نستطيع بعد ذلك أن ندرس الموضوع من جانب او جانبين".

الملآك القاسي 03-01-12 04:47 AM

متابعــــــــــــه واغاليــــــــــــــــــة... الروايه روووووووعه

نيو فراولة 03-01-12 05:32 PM

6- اصابع بلا حنان


تناهى الى سارة ازيزالنحل من خلال النافذة المفتوحة ، يحمله النسيم النقي ، واحست وهي تصغي الى هذه الأصوات بالإسترخاء والنعاس يكادان يغلبانها مما جعلها تدرك بأنها متعبة ، ولكن الجو في الكوخ الصغير كان مفعما بالتوتر الى حد جعلها غير قادرة على الإستجابة للإسترخاء الحقيقي.
وإعتراها فزع طفيف عندما لاحظت ان جيل كانت تجلس بلا حراك ، تعلو وجهها المتمرد تقطيبة عميقة ، وكانها لم تستسغ إقتراح سارة ، وساد صمت طويل مربك ، وفجأة نهضت جيل هازة كتفيها بلامبالاة ، وإتجهت نحو كولن ثم جرته الى الأمام.
" أظن بأنني تصرفت بصبيانية ، ودون تفكير ، على كل ، وإذا كنت ما تزالين تصرين ، فانا أقدم لك كولن براون ، المجرم الخطير من لندن".
نظر كولن من جيل الى سارة ، وفي عينيه وميض من التسلية ، ومد يده الى سارة ليصافحها ، فشعرت بانها تراه لأول مرة كما يجب ، كان رجلا طويلا وبدا وجهه في النور الخافت نحيلا غائرا ، ولاحظت أن فمه كان مشدودا رغم وقفته وسلوكه اللا متكلفين.
منتديات ليلاس
" ها نحن نلتقي رسميا في النهاية ، يا آنسة وينتون ، يجب أن اعترف بانني رأيتك مرة ثانية بعد اليوم الذي أنقذت فيه حقيبتك ، ولكنني ظننت أنه من الحكمة ألا أقترب منك ، لعله كان من الأفضل ان أدرك بانك ستكتشفينني إن عاجلا أو آجلا ، لا". وإبتسم وهو يشد اليه جيل بحنان ." أعتقد أنك تتساءلين الآن ماذا ننوي جيل وأنا ان نفعل ، وأي مؤامرات تطبخ في الخفاء".
" هذا إذا ما أخترنا الطريقة الفجة في التعبير ، يا سيد براون".
وجابهت سارة عينيه الرماديتين اللامعتين ، وإبتسمت إستجابة لأبتسامته ،وأعجبتها طريقته الحازمة في المصافحة.
" أعترف بانني قلقة نوعا ما ". قالت سارة : " هل تعتبر فضولا مني لو سألتك عن مهنتك بالضبط ، هناك فئات عديدة للفنانين".
" لا أبدا ، إبتدات بالعمل في شركة كبيرة كفنان تجاري ، ثم تركت الشركة وقررت ان أقدم خدماتي لجهات متعددة ، كانت الأمور صعبة في البداية ، ولكنني أعتبر ناجحا في عملي الان ، وأكرس معظم وقتي لرسم الشروح المصورة في الكتب ، وأحيانا أرسم المناظر الطبيعية ، وفي الوقت الحاضر ، أنا أقوم برسم مجموعة من الطيور والحيوانات لشرح كتاب للأطفال عن مناطق الهايلاند".
" ولكنك قدمت الى هنا قبل ثلاثة أسابيع؟".
إبتسم كولن إبتسامة طافحة بالإستياء وشد اليه ذراع جيل.
" من أجل أن انجز بعض العمل قبل قدوم جيل ، كان من القسوة ان أتركها وحدها في المستشفى ولكنها اصرت ، فأنا أحب أن آخذ الصور لموضوعي قبل أن أشرع بالرسم ، لأن هذا يساعدني على ضبط الألوان والتفصيلات ، وعندما تكون جيل برفقتي فإنها لا تنقطع عن الثرثرة مما يفزع الطيور على بعد عدة أميال".
" والآن ، هل تتوقعان أن تبقيا هنا بدون ان ينكشف أمركما ، لا بد أن يعرف هيو الحقيقة".
" لقد كانت مغامرة قررنا ان نخاطر بها " اعلنت جيل بتمرد :" في البداية جاء هيو الى القلعة من أجل ان يصفي املاكه هنا ، وكان ينوي البقاء مدة قصيرة، اما الآن فهو يفكر بالإستقرار هنا على الدوام ولهذا فانا أتوقع ان يكتشف امرنا يوما ما".
قفز قلب سارة بعنف ، إذا كان هيو قد قرر الإستقرار هنا ، كما ذكرت جيل ، فلعله يحتفظ بها كسكرتيرته ، إذا ما إحتاج الى واحدة ، ولكن هل من الحكمة أن تقبل ، وشعرت برغبة جنونية في أن تضمها ذراعاه مرة ثانية ، ويعانقها بشدة.
سحبت سارة نفسا سريعا ، مرتجفة ، طاردة صورة هيو من ذهنها .
" إنني ما زلت أرى ان تصطحبي كولن لتقديمه الى هيو ، يا جيل ، من أجل أن تشرحي له قضيتكما بوضوح ، ثم ان هيو لا يستطيع ان يمنعكما من الزواج لانك تجاوزت الثامنة عشرة".
" ولكنني أحب اسرتي ، وأفضل ان أحصل على الموافقة".
" يجب أن أسرع بالعودة" قالت سارة وهي تلقي نظرة سريعة على ساعتها ، وإلا أرسلوا من يبحث يبحث عني ، الساعة تقارب الخامسة ، اقترح ان تتبعيني يا جيل ، لعلنا نستطيع ان نصل الى قرار هذا المساء ، بعد العشاء مثلا.
" عاجلا لا آجلا". وافق كولن بإقتضاب ، وتبعهما الى باب الكوخ " فانا لا أستسيغ هذه السرية والكتمان".
سارت الأمور أثناء تناول العشاء على ما يرام ، ولكن قبل ان تستطيع سارة الإجتماع بجيل لكي تقنعها بوضع خطة بناءة لحل المشكلة ، وصلت بيث بصحبة صديقتين .
وبينما أخذت سارة تساعد كاتي في إعداد المزيد من القهوة ، لاح لها أنه ليس هناك ما لا يمكن حله بإستخدام التفكير السليم ، ن كولن براون لا يبدو عن قرب رجلا لطيفا ، وإذا كان قد ذكر الحقيقة فإن مستقبلا لامعا ينتظره ، ولم تشك سارة في انها قادرة على إقناع هيو بأن يتبنى رايا أكثر مرونة ، فيما لو سمحت لها جيل بأن تتحدث اليه في الموضوع بعد عودته ، هذا لا يعني بأنها تتلهف لأن تفتح معه مثل هذا الحديث ، ولكن لا بد أن يحاول شخص ما أن يأخذ على عاتقه تسوية هذا الوضع المتشابك الذي خلقته سلسلة من الخطاء وسوء التفاهم ، وشعرت سارة أنه من الأفضل ان يسمح لجيل بان ترى كولن دون المزيد من المعارضة ، لأن هذا من شانه ان يعطيها الفرصة لكي ترى علاقتها الرومنتيكية به بمنظارها الحقيقي من غير هذه الهالة الدرامية الإصطناعية .

نيو فراولة 03-01-12 05:33 PM

أمضت سارة ساعة بعد العشاء في سكب القهوة وتقديم البسكويت دون أن تفرض نفسها على الحضور ، مع ان بيث أسكويث كانت لا تزال تذكر مناقشتهما الحادة على التلفون ن فإنها لم تلمح اليها بشيء ، بل على العكس بدت وكأنها تبذل كل ما في وسعها من أجل أن تكون لطيفة مع سارة الى الحد الذي دفعها الى أن تجدد دعوتها لها لحضور الحفلة باسلوب وجدت من الصعب معه ان ترفض الدعوة ، ولكن كان أكثر ما أثار دهشة سارة هو سلوك جيل ، وتعجبت لماذا راحت الفتاة تتزلف بهذه الطريق الى بيث ، وللمرة الثانية غمر سارة شعور عميق بالشك ، إلا أنها في النهاية قررت ان تتوقف عن تحليلها للامور ، وبعد أن غسلت فناجين القهوة الفارغة ، وتأكدت من أن بيدي كانت مرتاحة ، ذهبت الى فراشها وهي تعاني من آلام الصداع.
في صباح اليوم التالي جاءت جيل لتبحث عنها في المكتبة حيث كانت تصنف بريد الصباح ، كان الوقت يقارب الظهر ، ولكن جيل كانت ما تزال تتثاءب من أثر النعاس ، وكأنها لم تنم طوال الليل.
" انا آسفة يا عزيزتي ، ولكنني اشعر بالتعب ". قالت جيل محاولة أن تفسر بدون أن تدعو الضرورة ، "تاخرت بيث في الذهاب ،ولما جئت لأراك وجدتك نائمة بعمق ، كنت على وشك أن اوقظك ، ولكنك بدوت كمن تحلم أحلاما لطيفة ، هل كنت تحلمين بأيان ماكنزي؟".
" جيل!".
وإستدارت سارة لتنظر اليها نافدة الصبر ، ورفعت شعرها الأشقر الطويل عن وجهها:
" لقد أمضيت يوما متعبا جدا البارحة مما جعلني أتأخر في النهوض هذا الصباح ، قولي لي ماذا تريدين ودعيني اتم عملي هنا؟".
ما كانت سارة على ثقة بأن من حقها ان تتحدث الى أخت رئيسها بهذه الطريقة ، لكنها إكتشفت أنه من الأفضل مواجهة جيل بصراحة بدلا من المداورة ،، الا أنه لم يكن من السهل التخلص من جيل.
" ارجوك يا سارة ، لا تغضبي مني ، يجب ان أكلمك الان لأن هيو قد يعود فجاة ، وهذا تصرف ليس بالغريب عليه !".
بدت جيل جذابة ببنطلونها الواسع الأزرق ، وتربعت على حافة مكتب سارة محدقة في وجهها بعينيها الواسعتين المتوسلتين :
" أن الموضوع يخص كولن ، لا أريد هيو ان يعرف أنه هنا ، ليس الآن على الأقل ، دعي الأمور تختمر قليلا ... الى حين عودة والدتي على الأقل ، ما رأيك؟".
" ولكن يا جيل ألا تعتقدين بانك إذا أستطعت إستمالة هيو ، فإنك تحلين بذلك العقدة الكبرى ؟ ". ثم أضافت بصوت ذي مغزى : " وماذا بشان الآنسة أسكويث ؟ أنها تعرف أن كولن هنا ، على الرغم من انه لا علم لها بالتفصيلات".
" أعرف ، ولكنني لا اعتقد بأنها ستفضح سري ، إذا كانت تريد أن تتزوج هيو ، فعليها ان تتعلم كيف تعاملني".
لم يكن من طبع جيل قبول أية معارضة.
" هل تظنين بان بيث اسكويث ستدع أمرا كهذا يقف في طريقها؟".
سألت سارة بجفاء ، وقد أثارت إمتعاضها الأنانية التي غلفت حجة جيل.
" قد تدهشين !". لمحت جيل بدهاء : " قد لا أكون أكثر من اخت هيو غير الشقيقة ، ولكن والد هيو كان والدي ، كما ان هيو شديد التعلق بأمي ، وبالإضافة فأنا أستطيع ان أقول له شيئا أو شيئين عن بيث".
" إسكتي يا جيل ! هل تعرفين ماذا تطلبين مني أن أفعل ؟ تريدينني ان أغمض عيني حين تذهبين لتقضي ساعات في كوخ برفقة رجل غريب ؟ هنا في هذه الجزيرة التي يعرفك فيها الجميع ؟ ولكن سواء افعلت هذا هنا أو في أي مكان آخر فإن التصرف نفسه ليس أخلاقيا ، وبالإضافة ، فانا أعتقد أن كولن يتفق معي بالرأي".
" طبعا". ردت جيل بسخرية : " إن كولن يشابهك من حيث التعنت الأخلاقي، وإذا ما داخلك علي في هذا الشأن ، فأنا أنصحك بأن تطمئني بالا ، لقد كلمني بالهاتف هذا الصباح ليقول لي بان أخته قد جاءت لتقيم معه مدة أسبوعين ، مما يعني أننا سنكون تحت رقابة كافية".
ونظرت سارة الى جيل التي قفزت على قدميها ، وقالت بصراحة:
" إذا كان ما قلته هو الحقيقة ، فلن أذكر شيئا أمام هيو ، ولكنني لن احاول ان اغطي تصرفاتك عن عمد ،إنك لا ترغبين في الإفضاء اليه بالحقيقة ولهذا فلا تتوقعي مني الشفقة إذا ما إكتشف الأمر عن طريق شخص آخر".
قبل أن تستطيع سارة أن تهضم خطر هذا الوعد الذي قطعته على نفسها عاد هيو من لندن في مساء هذا اليوم بالذات ، بعد الغداء ، ودخل الى القاعة بينما كانت جالسة تتحدث الى بيث التي جاءت للزيارة من دون سابق إنذار ، متحججة بسبب واه ، وبدت جيل التي أمضت العصر خارج المنزل تعبة ، وراحت تتثاءب وهي تقلب صفحات مجلة قديمة.
ولمحته بيث أولا وهو يفتح الباب فهتفت:
" يا للسماء ! لم نتوقع وصولك بهذه السرعة ، هل تناولت غداءك؟".
" نعم".
أجاب بإقتضاب مجيبا على إبتسامة بيث بمثلها ، ولوت سارة عنقها لتنظر اليه ، وهو يقترب من المدفأة وتنقلت نظراته بين بيث وسارة التي رأت صورتها تنعكس للحظة في عينيه السوداوين قبل أن يلتفت الى بيث قائلا:
" لقد جئت بالطائرة برفقة ديكسون الذي صادف وجوده في لندن وجودي هناك".
" هل أنت متأكد انك تناولت عشاءك؟".
سالت بيث مرة ثانية ، وكأنها سيدة البيت كما لاح لسارة ، وتنهد هيو بإرتياح ثم جلس.
" لقد تناولت عشائي في كاراسينغ ، ومع هذا فانا أرحب بفنجان من القهوة ، إذا لم يكن في هذا أزعاج".
" لقد فرغنا لتونا من تناول القهوة".
قالت بيث بإبتسامة دافئة وعيناها تلتمعان.

نيو فراولة 03-01-12 05:34 PM

هبت سارة من مكانها ، وسارعت الى صينية القهوة وكأنها حبل الأمان ، لأنها ارادت ان تفعل أي شيء ينقذها من نظرات هيو الكاسحة.
" سأعد بعض القهوة من جديد ". قالت بسرعة : "إن كاتي لا تعمل هذا المساء ، وقد ذهبت الى القرية مع صديقتها".
ولكن ، لأستغرابها الشديد ، وجدت هيو يقف بجانبها فجأة ، متجاهلا تقطيبة بيث ، وتناول صينية القهوة من يديها.
" إسمحي لي ! سآتي معك لكي أجلب القهوة بنفسي ، هناك أمر أو إثنان أريد مناقشتك بشأنهما".
تمهلت سارة ، ولكن جيل اثارت دهشتها عندما قفزت فجأة ، وإقترحت بإبتسامة معسولة:
" لماذا لا تسمحان لي بعمل القهوة ، بدلا من أن تتنازعا يا هيو ؟ " ورفعت راسها ، وطبعت على وجهه قبلة مرحة : " أنا سعيدة بعودتك ، وإذا ما تبرعت بإحضار هذه القهوة التعيسة ، فقد تجلس وترتاح ، إن شغلك مع سارة لا يمكن ان يكون على هذه الدرجة من الأهمية !".
لم يجادل هيو مما أثار دهشة سارة ، ووضع صينية القهوة مسرعا بين يدي جيل بطاعة وسلبية.
وراقبته سارة وهو يجلس مادا رجليه الطويلتين ، ثم يتوجه بإنتباهه كله الى بيث.
" لا شك أنك في غاية التعب ، يا عزيزي هيو".
قالت بيث بصوت يفيض بالشفقة وهي تنظر اليه بحنان.
" ولكن إذا ما أردت ان تناقش بعض الأمور مع الآنسة وينتون ، فإفعل ولا تهتم بوجودي".
عضت سارة على شفتيها ، وقد فاض في نفسها نوع من الحقد اللاشعوري ، يبدو أنه يتلذذ بجعلها هدفا لملاحظات بيث المؤلمة ، ونظرت سارة الى هيو بغضب يائس لم تستطع له تفسيرا ، حتى أدار وجهه بإتجاهها، ورمقتها عيناه القاتمتان بسخرية أفزعتها ، وكأنه خمن ما كان يطوف في ذهنها ، ووجدت سارة صعوبة في الإشاحة بوجهها ، وغمرتها كلماته التي تفوه بها بغمامة من المشاعر.
" ما أريد ان أقوله للآنسة وينتون يستطيع الإنتظار لخمس دقائق ، سنذهب الى المكتبة ونتحدث بعد قليل".
أحست سارة في كلماته رنة التهديد ، بماذا يتهمها الآن ؟ وإرتعشت متسائلة لماذا يثير هذا الرجل الغامض في نفسها كل هذه المشاعر المعقدة.
" في أي وقت تشاء".
وافقت سارة بسرعة ، بإبتسامة مقتضبة ، كارهة ان تظهر ولو ذرة قلق واحدة ، خصوصا أمام بيث ، إلا أن صوتها بدا لاهثا، وداهمتها مئات من الشكوك.
وراحت تصغي الى هيو يتحدث الى بيث عن اصدقائهم ومعارفهم في لندن ، وترك هذا الحديث في نفسها إنطباعا حسنا ، فقد لاح ان هيو قد قضى وقتا مفيدا ، ولم يقابل أية كارثة كبيرة ! وغمرها الإرتياح عندما عادت جيل أخيرا تحمل بعض القهوة.
" هل إستلمت شيئا من أمي ، يا هيو؟".
وإبتسم ثم جلست بجانبه لكي تسكب القهوة.
" لقد إتصلت بها من لندن ، قد تعود من الخارج قريبا ، ربما بعد أسبوعين".
لاحظت سارة الإحمرار الذي كسا وجنتي جيل التي إحتجت بغضب:
" كان أحرى بها ان تكلمني بالهاتف ، فهي لم تتصل بي منذ ان سافرت ، لماذا كلمتك انت بدلا مني؟"
" لقد كلمتني بشان بعض الأعمال " اجاب هيو محاولا تهدئتها ، وشرب قهوته كلها مرة واحدة ، ثم ملأ الفنجان ثانية : " وكنت أنا الذي إتصلت بها".
" لا شك انك ستسمعين عنها في القريب العاجل " قالت بيث مقطبة الجبين وبإبتسامة تأنيب جعلتها تبدو أكبر من سنها ، " أنت تعرفين أن لديها الكثير مما يشغل ذهنها".
" أثناء إجازتها؟".
ردت جيل وهي ترمق بيث بنظرة مكفهرة.
وضع هيو فنجانه ، وقال بحزم:
" انت تعبة دون شك يا جيل ، فالوقت متاخر الآن " ونظر الى ساعته : " لقد ذكرت بيث قبل قليل بأن الوقت قد حان لذهابها ، اما أنا فاريد ان اقول شيئا لسارة ، ارجو ان تذهبي الى غرفة المكتبة يا سارة وتنتظريني هناك ، سألحق بك بعد أن أودع بيث".
أشاحت سارة وجهها عنه بسرعة ، ووقفت على قدميها ، ثم تمهلت لحظة لتقول:
" إذا لم يكن عندك مانع ، فسأذهب لأرى بيدي أولا ، سأعود بسرعة".
صعدت سارة الدرج بسرعة لترى فيما إذا كانت بيدي تحتاج ال أي شيء ، وكانت قد أخذت لها بعض الحليب والبسكوت حوالي الساعة التاسعة ، ووجدتها الآن على وشك الإستسلام للنعاس ، وسرّها كثيرا أن تسمع بان هيو قد عاد الى البيت.
" اشعر بالإمتنان لعودة السيد هيو سالما " هتفت قائلة" أنا لا احب هذه الالآت الطائرة".
وإبتسمت عندما سوّت الأغطية فوقها بلطف ثم اطفأت النور.
" كيف حالها؟".
سأل هيو عندما دخلت سارةالى غرفة المكتبة وأغلقت الباب ، كان واقفا قرب المدفأة ويداه خلف ظهره ، وإعتراها شعور غريب بعدم التكافؤ عندما سار بضع خطوات الى منتصف الغرفة.
" في تحسن ، إن الراحة في السرير قد نفعتها كثيرا".
فكر هيو فيما قالته للحظة ، ثم سأل:
" هل إستطاع طبيبنا الطيب ان يصنع حبوبا سحرية؟ أو هل نجح فيما اخفق فيه غيره ؟ لم يسبق لي أن سمعت بيدي لزمت الفراش من قبل !".
فتمتمت سارة بوداعة وإستحياء:
" ربما يكون قد جمع بين الإثنين".
كرهت سارة ان تقول له بأن أيان جاء لزيارة بيدي كل يوم خلال غيبته ، مما جعل بيدي تعتقد بأن حالتها كانت أسوأ مما ظنت ، وهذا بالطبع دفعها الى ملازمة الفراش!
" اظن أن بيدي بحاجة الى إجازة بغض النظر عن مرضها ، يبدو انها لم تأخذ واحدة منذ سنوات ، وإدارة مثل هذا البيت ورعايته يتطلبان مجهودا كبيرا دون شك!".
" طبعا".
قال هيو بنزق ، وبدا كمن فقد الإهتمام بالموضوع وشرد ذهنه الى امور اخرى.

نيو فراولة 03-01-12 05:37 PM

تحركت سارة قلقة وقد داهمها شعور بالإرتباك ، وراح نسيم الليل المتسرب من النافذة يحمل اليها آلاف الروائح المختلفة وصوت البحر البعيد ، وفجأة أحست بالإجهاد ، وإعتراها ما يشبه الغيبوبة نتيجة للتعب ، والصراع العاطفي ، ونظرت الى هيو بإنتباه وهي في إنتظار ان يتابع كلامه ، حتى كادت ملامحه تنطبع تماما في ذاكرتها ، ثم قالت لتحثه على الإفضاء بما يريد:
" لم تسألني القدوم الى هنا من أجل التحدث عن بيدي؟".
" لا ، ولكنك لا تبدين في حالة تسمح لك بمتابعة أي نقاش ، ماذا فعلت بنفسك أثناء غيابي؟".
ترددت سارة للحظة ، ولم تعرف بأن النور فوق راسها كان ينعكس مباشرة على وجهها مجسما كل زواياه ، وكانت ترتدي ثوبا أسود من الجرسيه بقبة مفتوحة مما ظهر بياض جلدها ورقة عظامها النحيلة ، وكان شعرها منسابا متهدلا كغلالة من الحرير فوق كتفيها ، وقالت بصوت رنت فيه نغمة الإحتراس:
" أعترف بأنني كنت مشغولة ، ولكن ليس هنالك ما يستدعي الإهتمام".
" فهمت".
وسار الى حيث كانت واقفة في وسط الغرفة.
" دعيني أرى كم كنت مشغولة".
ورفع ذقنها وراح يتفحص الظلال الباهتة على خديها المضرجين وأصابعه ما زالت تحتفظ باللمسة القاسية نفسها.
" من فضلك !".
إحتجت سارة بصوت منفعل ، ولكنها لم تستطع أن تتزحزح ، وإختلج وجهه بنظرة عدائية حسية، فقال فجأة وهو يهز رأسه عابسا:
" إنك تبدين جميلة جدا ..... ومغرية".
" قد تظنني جميلة ، ولكنك لا تستلطفني ، اليس كذلك؟".
وإسودت عيناه إذ أجاب قائلا:
" أنا لا أحب الطريقة التي تؤثر بها المرأة على الرجل ، إذا كان هذا ما تعنين".
" هذا شيء مختلف".
"كم تحب النساء أن يعقدن المسائل ، إنهن ولدن من أجل خلق المشاكل".
" إنك لا تستطيع ان تصفنا كلنا تحت عنوان واحد ، إن بعض النساء قادرات على منح السعادة العميقة للرجال".
" لا " إعترض بلهجة ناعمة " العكس عادة هو الصحيح ، إن على الرجل دائما أن يبذل كل المجهود ، أما بالنسبة اليك ، فإنني أظن بأنني لا اميل اليك أو استلطفك ، ولكن يجب عليّ أن أتحملك الى حين إنتهائنا من مهمتنا هنا".
وقف على بعد عدة سنتيمترات منها فقط ، ورمقتها عيناه بإنتقاد ، متنقلة فوق عظام عنقها وكتفها الرقيقة.
" كل هذه الحساسية والقابلية للعطب... اعتقد أن موت والديك قد سبب لك هذا".
هبت سارة واقفة وكانها قد سمرت في مكانها ، وقد حرمتها الصدمة من القدرة على التفكير ، كيف إكتشف الحقيقة؟ لماذا يعاملها بهذه الطريقة؟ وتحركت يداها بتشنج محاولة أن تدرأه عنها وتعبر عن إشمئزاز لم تستطع أن تجد الكلمات القادرة على وصفه.
" كيف وجدت الحقيقة؟ كيف تمكنت من إيجاد الحقيقة؟".
وإنقبضت حنجرتها إذ أحست بالألم يجيش في نفسها كجرح فتح من جديد.
امسك هيو بها ، فاحست بقبضته على ذراعها تسبب لها من اللم ما يوازي الألم الذي إجتاح قلبها ، ورفع رأسها حتى أجبرها على النظر اليه ، ألا يملك ذرة من الرحمة؟ وأحتوتها عيناه السوداوان:
" لقد قلت لأيان ماكنزي ، كان والدي طبيبا ، كان... بالقلم العريض ، من المحتمل أن أيان لم يلاحظ ، ولكن الأمر اثار فضولي".
" ولهذا حاولت التدخل فيما لا يعنيك".
" تماما"
" كيف؟".
" رايت صديقتك جين هذا الصباح قبل ا نارك لندن ، كان عندي موعد مع جيمس كار".
" لم يكن بخصوصي بالتأكيد؟".
" كنت قد صممت على معرفة الحقيقة ، ووجدت جين هناك فإغتنمت الفرصة".
كان الهواء بينهما مشحونا بالكهرباء والغضب المتأجج ، وقالت سارة:
" لقد ظننت بأن والدي أجبر على التخلي عن مهنته ، أليس كذلك ؟ وشككت في ان يكون هناك شيء مشين في الموضوع".
فرد هيو بصوت مفعم بالغيظ:
" هذا لا يهمني على الإطلاق ، إنما أردت أن اعرف ما الذي يجعلك تتكتكين كالساعة ، وما تخفيه هذه الواجهة من الحساسية المرهفة المثيرة ، وظننت أن السبب قد يكون رجلا ... قصة حب تعيسة ، فلقد أفلحت منذ قدومك الى هنا في أن تستثيري خيالك بشكل لا يستساغ".
علت وجه سارة نظرة بعيدة ثانية إذ أخذ برود عميق يزحف الى شعورها:
" والآن بعد أن أنتهيت من عملية البحث والتحري ، وإستطعت ان تحل اللغز ، فإنك قد فقدت الأهتمام بي من غير شك".
ضحك هيو ضحكة قصيرة ، وضاقت عيناه اللتان كانتا تتفحصان وجهها الأسي بإنتباه ويقظة:
" لن اقول هذا ، ولكن علينا اولا ان نحاول تخليصك من عذابك الداخلي.
وهزّها برقة:
" سوف تتغلبين على فجيعتك ، لقد كانت تجربة مريعة ، ولكن عليك أولا تهبطي الى الأعماق المجردة ، ثم تبداي من جديد ، لن تستطيعي معرفة السكينة إلا إذا واجهت فجيعتك وجها لوجه".
حاربت سارة فيضان دموعها اللاسعة وقالت:
" عن فلسفتك تدهشني ، وقسوتك ايضا".
فرد بإبتسامة ساخرة لا تخلو من العطف وهو ينظر الى خديها المحمرين :
" الحياة تمضي بنا يا سارة ، وإذا ما أردت ان ترافقي موكب الحياة فعليك ان تتعلمي كيف تعيشين مع احزانك ، لا أن تدعيها تجرفك".
" انت تدعي بان الحزن لفقد الوالدين هو غير طبيعي؟".
" طريقتك في الحزن... نعم ، لقد لاحظت هذا منذ اللحظة الأولى التي رأيتك فيها ، كان هنالك شيء يتآكل بنفسك....وقد وشت به عشرات من التصرفات الصغيرة والأشياء العابرة".
وهي التي ظنت بان أحدا لن يستطيع أن يحزر ! وفاضت بها كأس المرارة فصرخت:
" أكرهك لأنك سالت جين".
هاجمته سارة دون وعي ، وهي تشعر بأنها عزلاء ضد منطقه القاسي ، وراحت عيناها تتلألآن ، ولكن الدموع لم تسقط منهما.
" لقد قلت لها بأنني قد بدات أتحسن ، ولكن الدموع لم تسقط منهما.
" عندما تركتها بدت مسرورة ، وقد تكلمنا معا".
" آه فهمت....".
قالت سارة وقد إتسعت عيناها تحت وطأة الأرتباك الذي داهمها ، لم تتوقع هذا منه ، هل تجرؤ على سؤاله عما حدث؟ ولكنها ربما تستطيع التخمين ، إن جين دون شك إضطلعت بالجزء الأكبر من المحاورة دون ان تحتاج الى سؤال ذكي بين الحين والاخر ، والنتيجة الآن هي أن هذا الرجل القاسي القوي الأرادة قد اصبح عليما بتفاصيل حياتها منذ المهد ، لأنها بالنسبة الى جين هي الإبنة التي لم يكتب لها ان تنجبها ، والتي لن تلدها ولو تزوجت مرة ثانية.

نيو فراولة 03-01-12 05:38 PM

تحركت سارة كالمنومة ، وعيناها الواسعتان الزرقاوان تعكسان توسلا لاشعوريا وتنشدان التعزية والسلوان.
وتابع هيو ، طاحنا الكلمات:
" إن ما تحتاجين اليه الان هو ثورة عاطفية من نوع آخر ، تجربة أكبر من أن تستطيعي مجابهتها ، تجربة تكتسح بقايا مشاعر الإشفاق على النفس التي تتمسكين بها بكل هذه الصلابة".
" مثلا....؟".
حدق هيو في سارة وقال بسوداوية:
" إن الثورة العاطفية توصف عادة بعلاقة حب ، ربما من الأفضل ان تركزي إهتمامك على أيان ماكنزي الذي لن يبدي إعتراضا بالتاكيد ، أحيانا ، حتى انا أجدك جذابة وساحرة".
إنطلقت يد سارة بإتجاه هيو دون أن تستطيع لها منعا ، ولكن قبل أن تصل الى وجهه الساخر امسك بها في قبضته الجامدة ، وشدها الى الأسفل مسببا لها الألم الذي أرادت أن تسببه له.
" لا أستطيع أن أفهمك!".
قالت لاهثة تكاد تشهق بالبكاء ، وغلبها الوهن والضعف ، ثم أحست بيده تمسح على ذقنها ، إن تأثير الصراع في هذه الساعة المتأخرة أخذ يبدو واضحا عليها ، ولاح وجهها شاحبا مجهدا ، ولما أدرك هيو مقدار تعبها ، تغير التعبير المرتسم على وجهه ، وتراخت يداه ، وصرخ صرخة مكتومة وهو يدفع بها بعيدا عنه الى كنبة كبيرة، ثم سكب لها قدحا من الماء ووقف بجانبها حتى تجرعته كله ، وعلت وجهه إبتسامة خفيفة إختفت تحتها تقطيبته ، قال بلهجة كالحة:
" يبدو أنك قد نجحت على الأقل في تجرع كأسك دون أن تشرقي أوتسعلي".
" لست طفلة".
قالت سارة ثم أكملت تجرع كأسها ، لا لأنها عطشى ، ولكن لأنها ارادت بأية طريقة أن تسترجع تمالكها لنفسها ، وبعد فترة قصيرة قال هيو بسخرية:
" والآن ، يا صغيرتي ، إذا لم يكن لديك مانع ، فأرجوك أن تغادري الغرفة لأن لدي بعض ما أريد إنجازه هنا".
" ولكنك قلت.... بان هنالك بعض الأمور التي تريد ان تناقشها معي".
فأجاب هيو بإبتسامة متهكمة ، مطلا عليها من علو:
" كان هذا مقصدي قبل ان أحيدعن الموضوع ، وأدخل في تشعبات لا صلة لها به ، أما الان فأنا أنوي التخلص منك قبل أن يحدث هذا مرة اخرى ، لقد عاد اللون الى وجنتيك الان ،ولكنني لا اريد أن يغمى عليك او أي شيء من هذا القبيل هذه الليلة ، غدا سستاح لنا الفرصة لمناقشة شؤون العمل ما حلا لنا".
ومد لها يده بحركة مهذبة بحتة ليساعدها على النهوض ، ولكنها إختارت ان تتجاهلها ، ووقفت تترنح على قدميها ، كانت عضلاتها ما تزال ترتعش قليلا.
" ما رايك ، هل إستعادت جيل صحتها الآن؟".
تعثرت سارة مجفلة وهي في طريقها الى الباب ، كانت على وشك أن تلقي عليه تحية المساء عندما هبط سؤاله فوق رأسها المجهد التعيس ، ولم تستدر اليه وهي تتمتم : (" نعم " محاولة ان تحجب عنه وجهها ، وشعرت سارة بنه حتى ولو توقفت حياتها على قول المزيد لما إستطاعت.
" حسنا ، لا داعي لأن تتصرفي وكأنك قد أصبت برصاصة في الظهر ، في الحقيقة لقد فكرت ان أصطحبها معي الى أيونا غدا ، أستطيع ان أخلط النزهة ببعض العمل لكي لا أضيع الوقت ، هل سبق ل كان ذهبت الى ايونا ؟ هل تحبين ان تأتي معنا؟".
إلتفتت سارة اليه نصف إلتفاتة بعصبية ، وبدا جانب وجهها مشدودا متوترا ، كانت متأكدة ان جيل لن ترغب في الذهاب دون كولن ، ولكن هيو لا يعرف بوجود كولن هنا ، وقد وعدت سارة الا تخبره ، إنها ورطة ! لماذا ، بحق السماء ، وافقت على ان تحتفظ بسر جيل ؟ لماذا لم تملك من حدة الذهن ما يجعلها تتبين ما يعنيه ويتضمنه مثل هذا الوعد؟
" لماذا.... لماذا لا نترك الحديث في هذا الموضوع حتى صباح الغد ؟ أنت تعرف جيل ، من المحتمل ان تكون قد رتبت مشروعا آخر ، فأنت لم تحدد موعد عودتك".
عندما إستيقظت سارة في الصباح رأت وهي تاخذ حماما سريعا بأن كلماتها الأخيرة خير ما امكنها أن تقوله ، وسارعت الى إرتداء ثيابها آملة أن تعثر على جيل ، وتخبرها بنوايا هيو قبل ان يجتمع بها ، إذا كانت جيل لا تريد أن تذهب الى أيونا ، فعليها أن تحاول الإفلات معتمدة على نفسها ، شارحة أعذارها من دون مساعدة ، فهي لا تريد أن تضيف جريمة أخرى الى قائمة جرائمها فيما لو إكتشف هيو الحقيقة.
لم تجد جيل في غرفتها ، ودهشت سارة عندما هبطت الى الأسفل لتجد أن جيل قد إتهت من تناول فطورها تقريبا ، وقالت لسارة بأنها خرجت لركوب الخيل برفقة هيو في الصباح الباكر ، وانها قررت مرافقته الى ايونا .
" بهذه السهولة؟ وأنا التي قضت ليلة بأكملها أقلّب الأمور دون ان أستطيع النوم؟".
"ولم لا ؟ الحقيقة يا عزيزتي سارة هي أن أخت كولن ليست من النوع الذي آبه له ، كل ما تريد أن تفعله طوال النهار هو التجول في البراري ،وهي مجنونة ، ككولن ، بمراقبة الطيور ، ولكن لأسباب مختلفة".
" مثلا.......؟".
"تعرفين انك ولن يذهب لمراقبة الطيور من أجل الحصول على الصور اللازمة لعمله ، وهو الآن قد حصل على كل الصور التي يحتاجها ، ويستطيع ان يعود الى لندن وينهي لوحاته هناك ، إلا ان غوين تصر عل أن يرافقها ، أعتقد انه أصيب بالعدوى".
" أية عدوى؟".
" مراقبة الطيور ! " اجابت جيل بغيظ " لا تبدين حاضرة البديهة هذا الصباح ، أليس كذلك ؟ حسنا ، لقد قال كولن لأخته ، دون ان يسألني ، بأنه لا مانع لد ولما عرفت قلت له بأنني شخصيا أعترض ، ولكنك لا تعرفين كولن".
" وكيف أستطيع؟". أجابت سارة بإحتراس " إننا لم نتقابل إلا مرة واحدة ، ولكنني ظننت بانك تحبين كولن!".
" طبعا احبه ، ولكنني لست جاهلة بأخطائه ، إنه يناقش طويلا ، وهو عنيد جدا ، إنه مجنون ، مثلك ، بضرورة إخبار هيو ، لقد أمضيت دهرا البارحة لأقنعه بالعدول عن الفكرة ، أما الآن فهو يحتج باننا إذا ما كنا بحاجة الى الإجتماع فعلينا أن نراعي أخته".
"هذا التصرف يليق بكولن ! " قالت سارة بصمت محاولة أن تخفي إبتسامة ، لقد أعجبها تصرف كولن ، كلما عرفت سارة المزيد عن كولن مالت اليه ، إن جيل فتاة أفسدها التدليل ، ولا شك أنه من مصلحة كولن ألا يشارك في تدليعها ، إن بعض المعارضة لأهوائها لن يضرها.
" ولهذا فقد قلت لهيو بأنني أرحب بالذهاب معه الى أيونا بعد الغداء، كل شيء على ما يرام ، كاتي ستعتني ببيدي ، وكولن سيعتني باخته ، أما هيو العزيز فسيعتني بك وبي".
وإتكأت جيل على ظهر مقعدها وقالت بخفة:
" إذا ما لعبت اوراقي كما يجب ، فقد أكتشف لماذا ذهبت أمي الى أميركا ، وماذا تفعل هناك؟".
" لماذا لا تحاولين أن تنسي مشاكلك يا جيل ، هذا العصر فقط!".
" حسنا ! ". قالت بإبتسامة قوية ، وقفزت على قدميها " آسفة يا سارة ، اعدك بان أسلك سلوكا طيبا إذا ما وعدت بأن تصرفي إنتباه هيو عني الى حين عودتي من زيارة كولن ، يجب أن يفهم بأنه ملكي هذا الصباح ، تستطيع غوين أن تفعل ما تشاء بقية اليوم".

نيو فراولة 04-01-12 02:51 PM

7- اشكال العذاب !


كان الجو جميلا عندما غادروا القلعة حوالي الساعة الواحدة ظهرا بعد أن تناولوا غداءهم مبكرين ، وساق هيو سيارة اللاندروفر ، وجلست جيل وسارة بجانبه ، كانت هناك مجموعة من الأشياء مبعثرة هنا وهناك في مؤخرة السيارة ذكّرت سارة باول يوم لها في الجزيرة ، ولكنها لم تعبأ بالفوضى هذا النهار ، فعلى الرغم من أنه لم يمض على قدوم سارة الى الجزيرة إلا بضعة اسابيع ، فقد بدأت تفقد شيئا من حساسيتها للترتيب والتنسيق الصارم.
ولدهشتها وجدت ان هيو ما زال يتذكر هذا اليوم أيضا إذ علّق مازحا:
" بدت خيبة الأمل واضحة على قسماتك ذلك اليوم".
وإبتسم بشقاوة.
" لا عجب في ذلك ! " قالت جيل هابة للدفاع عنها" فهذه السيارة العجوز تبدو دائما مثقلة بالخردة والروائح الكريهة ، وهي طبعا ليست مكانا للشخص الأنوف".
ضحكت سارة ، وأحست بالإنتعاش لأن مزاج جيل كان مرحا هذا العصر ، وقالت بسرور:
" اعتقد ان الخردة مفيدة أحيانا".
طوال الطريق الممتد على الشاطىء الغربي ، راحت جيل تثرثر بمرح عن لندن ، بينما جلست سارة في مقعدها مكتفية بالتطلع الى المناظر التي لا بد أن يكون مرافقها قد شاهدها مرارا.
وسرّها ان تجد أن هيو كان اكثر من ند لأخته ، وأنه أظهر براعة في الرد على ملاحظات أخته الماكرة ، خالطا أجوبته ببعض الملاحظات المنطقية بين الحين والاخر ، وإكتشفت سارة أنه على الرغم من تصرفاتها الطفولية ، فإن جيل قادرة على التفكير بذكاء لماح إذا ما شعرت بالرغبة في ذلك ، وتساءلت في نفسها فيما إذا كانت جيل قد فكرت في ان تدخل ميدان العمل يوما ما ، فإن إختيارها لمهنة مناسبة قد يساعد على تجنيد كل حيويتها لأشباع ميولها بشكل أكثر فعالية ، لعل جيل ، مثلها ، قد تمتعت دائما بنوع من الحماية الأسرية التي عاقت نضجها ، كما لمح هيو الليلة الماضية ، أنه من المؤسف أنه لا يطبق نظريته بشانها على اخته ايضا ، وشكت سارة في ان يصف هيو لخته الدواء نفسه الذي وصفه لها.
بعد ليلة البارحة الممطرة ، تلاشت الغيوم من الغرب وبدت السماء صافية ، وخلعت سارة معطفها لأن الحرارة أصبحت لا تطاق داخل السيارة التي راحت اشعة الشمس تضربها بسهامها.
" من الأفضل ان لا تنسي معطفك عندما نترك السيارة " قال هيو ملقيا عليها نظرة سريعة وهي تحاول التحرك في المقعد المحشور " قد تحتاجين اليه فيما بعد".
" لن انساه".
تمتمت قائلة وهي تستدير لتضع المعطف خلفها.
احست سارة بالإرتياح عندما عبروا قرية صغيرة، ومروا بحجر ضخم قائم بين بيتين دفع هي والى الإفضاء بشرح قصير.
قال انه في القرن الأخير جاء زوجان شابان ليقضيا ليلة العرس في ذلك المكان ، ولكن عاصفة شديدة هبت في تلك الليلة ، فهبطت صخرة عظيمة من التلال فوق البيت بمن فيه.
إرتعشت سارة عندما توقف هيو عن الكلام مفكرا ، ولكن جيل هزت كتفيها ، وقالت بإستخفاف:
" إن هيو يمارس هوايته كالعادة ، بحق السماء ، لا تشجعيه يا سارة ، وإلا كتب علينا ألا نرى أيونا هذا اليوم !".
فأجاب هو بجفاء من فوق رأس سارة ضاغطا على البنزين:
" هل تتعلمين كيف تبدين مشاعر الشفقة أحيانا؟".
" ولكن ليس الهوس بالماضي".
" إن الزمن لا دخل له في الموضوع ، فهذه القصة تعتبر مأساة في أي عصر".
تنشقت جيل قائلة:
" ولكنك ذكرت ان الزمن يساعد الإنسان على التغلب على معظم الأشياء".
" بالضبط ، ولكنني لم أعن أن المرء ينسى بالمرة".
منتديات ليلاس
أحست سارة وهي تصغي الى حوارهما ، بأن لهذا الحوار صلة بمناقشة سابقة بينهما حول كولن ، فشعرت بعضلاتها تتقلص خوفا ، إن المرء لا يعرف ماذا يتوقع من جيل ان تقول أو تفعل ، وعلى الرغم من أنها قد وعدت بأن تسلك سلوكا حسنا ، فليس هناك ما يضمن أنها ستفعل ، لا شك انه من الصعب على جيل الغارقة في الحب ان تحاول إخفاء عواطفها على الدوام ،ولكن الذنب ذنبها الى حد ما لأنها إختارت أن تخفي علاقتها بكولن ، بدلا من أن تحاول البحث عن حل للمشكلة.
وبينما راحا يتناقشان ، أحست سارة بوجود نوع من الرفقة الحميمة بينهما ، مع شيء قليل من الفهم الصحيح ، وغلبها الإرتياح عندما حوّل هيو مجرى الحديث فجأة ، وكانه قد تعب من الخوض في الموضوع نفسه.
أعجبت سارة بمناظر الطرف الجنوبي من جزيرة ( مل ) التي لاحت جبلية وعرة ، ولكن جيل نظرت بملل عندما حاولت سارة ان تلفت نظرها الى المنظر ، ولم ترد.
" يجب ان تاتي يوما لأستكشاف هذه المنطقة كما ينبغي".
قال هيو وقد سرّه إهتمام سارة ، ولكنها تساءلت فيما إذا كان سيذكر وعده ، أم سيكون مصير هذا الوعد وعده السابق بالخروج لمراقبة الطيور .
ارادت جيل أن يتوقفوا في قرية على الشاطىء ، وإحتجت عندما أصر هيو بانه لا وقت لديهم ، فشرح قائلا:
" لقد وعدت ان اقابل جون فينلي في الساعة الثانية ، ولا أريد ان أجبره على الإنتظار".
نظرت جيل اليه غاضبة وقالت:
" لم تسأل بيث الخروج معنا اليوم؟".
واحست سارة بأن جيل أبدت هذه الملاحظة بغرض الإنتقام من هيو وإغاظته.

نيو فراولة 04-01-12 02:52 PM

" لقد جاءت ملاحظتك متأخرة بعض الشيء ، ولكن إذا ما أردت بعض الإيضاح ، فإنها مشغولة بالإستعداد للحفلة ، وستاتي للعشاء هذه الأمسية".
أحست سارة ببرودة مفاجئة ، وقررت بإبتئاس ان هيو لا بد ان يكون قد وجه الدعوة الى بيث عندما خرج ليودعها ليلة البارحة.
" هل سيأخذنا جون فينلي في قاربه كالعادة؟".
" إنه يحتاج الى العبور هو شخصيا ، ولهذا سيرافقنا".
سرحت عينا سارة الى الساعة الذهبية حول رسغ هيو القوي الأسمر ، بينما راحت تفكر في السرعة اللاهثة التي غيّرت بها جيل الموضوع عندما اشار هيو الى الحفلة ، هل السبب هو ان جيل لا تريد ان تحضر الحفلة؟ وشعرت سارة بانها هي أيضا تود لو تستطيع تجنب اللحظة التي سيكتشف هيو فيها أنها ستحضر الحفلة مع ايان ماكنزي ، لقد إتصل بها أيان مرة ثانية هذا الصباح ، وإضطرت الى قبول دعوته كارهة لأنها لم تستطع أن تجد عذرا مناسبا تقدمه له ، ووجدت سارة انها من بعض النواحي تتطلع الى حضور هذه الحفلة ، ولم تستطع أن تجد سببا لترددها ، إلا إذا كان منبعه الخوف من ملاحظات هيو المبهمة.
في بلدة فيونفورت قابلوا جون فينلي : رجلا أكبر سنا من هيو ، أخذهم الى أيونا في قاربه الصغير.
همست جيل لسارة بينما كان الرجلان يتبادلان الحديث:
" إنه كاتب من نوع ما ، يكتب في حقل الأفلام الوثاقية وتواريخ الحياة هذا النوع من الكتابات التي لا تدر عليه ربحا كبيرا ، وقد إستأجر كوخا صغيرا ، كما فعل كولن ، أول ما قدم الى هنا ، ثم إبتاع بيتا متداعيا ، وصادف ان كان هيو هنا في ذلك الوقت فساعده على تحويل البناء الى مكان يصلح للسكن ، ولهذا كلما عزمنا على الذهاب في رحلة يصر على تقديم خدماته ، لا تدعي هيو يعرف ما قلته لك لأنه لا يحبني ان اتكلم في هذا الموضوع".
" فهمت...".
كان المضيق ضيقا ، ولما عبره القارب إجتاز المسافة القصيرة نحو المرسى وتوقف ، وساعد هيو سارة على مغادرة القارب المتارجح بنظرة ودية من عينيه.
ولما فارقوا المرسى ساروا عبر القرية الى الكاتدرائية ، بدت القرية هادئة لأن معظم زائريها اليوميين قد غادروها ، سار هيو بقامته الفارغة وراء الفتاتين لافتا إنتباههما الى المعالم الهامة ، شارحا لهما بعض المعلومات التاريخية.
لم تستطع سارة أن تستوعب كل ما سمعت ، فإبتسمت مقلّصة وجهها ، وعيناها تومضان ، وقالت:
" لن أتذكر نصف ما قلته لنا ، أخشى أن أضطر الى شراء دليل سياحي".
" بإمكانك أن تفعلي ذلك بالطبع ، إلا انك ستجدين كثيرا من الكتب الجذابة والمشوقة حول ايونا في مكتبة لوخ غويل".
أخذت جيل تتلكأ في الخلف ، وبدا عليها الضجر التام ، وقالت متشكية عندما سألتها سارة عما ألمّ بها:
" لقد اتيت الى هنا مرارا في السابق".
" مرة واحدة".
اجاب هيو رافعا وجهه العابس بصبر نافد قبل أن تستطيع سارة ان ترد .
" ثم أنك قد تأتين الى هنا مئات المرات ، ومع ذلك تكتشفين ناحية لم تعرفي عنها شيئا من قبل".
" ولكن كل شيء هنا قديم جدا ! " إحتجت جيل غاضبة ، وانت تعرف بانني لم أهتم مطلقا بالتاريخ في المدرسة أو خارجها ، خذ هذا المدفن مثلا... وأشارت بيد آمرة الى مقبرة أوران ، عندما كان عمي ديفيد حيا كان لا يمل أو يتعب من ترديد هذه المعلومات وغيرها على مسمعي عندما كنت طفلة ، وهذا ما يجعلني اتذكرها جيدا ، إن عقلي يوشك على الإنفجار عندما أفكر في هذا الموضوع".
كان تعبير جيل مضحكا الى الحد الذي كان يدفع هيو الى الإبتسام رغما عنه ، ولم تدهش سارة عندما أعلنت جيل بعد ذلك بانها تفضل أن تذهب الى الفندق لكي تجد شخصا تتحدث اليه.
" سأراكما هناك".
هتفت وهي تلوح لهما بلا إكتراث ، مبتعدة.
شرح هيو لسارة بأن جون فينلي ينوي قضاء العصر مع صديق جاء ليعيش على الجزيرة قبل مدة قصيرة ، وسارا معا بإتجاه الكاتدرائية في الشارع الذي كانت تسير فيه مراكب جنازات الملوك والزعماء قبل أن تحمل جثتهم الى مقرها الأخير.
بهرت سارة بروعة الكاتدرائية وتسارعت نبضاتها ، فهي على عكس جيل ، تستجيب على الدوام لجمال الأبنية القديمة وللأجواء التي تعشش فيها ، ولهذا فإن نظرتها الأولى للكاتدرائية التي إنحدرت فوقها أشعة الشمس مؤلفة أحجارها الغرانيتية الوردية جعلتها تتسمر في أرضها أسيرة لكل هذا البهاء.
" منظرها يستحوذ على النفس ، أليس كذلك؟".
فأجابته بهزة صامتة من راسها وبإبتسامة خفيفة ، فاخذ ذراعها وقادها الى الأمام ، وقد علا التفكير وجهه الأسمر.
" لم أر لها مثيلا من قبل".
دخلا البناء من البوابة الرئيسية التي ذكر لها هيو بأن تاريخها يرجع الى عام ألف وخمسمئة ميلادية ، وتمهلت قرب منحوت من الحجر ، زين بنقوش محفورة تشرح قصصا دينية قديمة.
وقادها من مكان الى آخر ، وعندما وصلا الى الجدار الشرقي النورماندي لفت نظرها الى لوحة زيتية شهيرة ، وعلى الرغم من أن الإضاءة كانت خافتة في الجناح الشمالي من الكاتدرائية إلا أنها لم تستطع أن تخفي جمال اللوحة ، وإنتقلت افكارها ببطء الى كولن ، وشعرت انه من المؤسف الا يكون هنا هذا العصر ، فهذه اللوحة رائعة ، والكاتدرائية ، وكل ما يحتويه المكان لا بد أنها كانت ستستثير حماسته الفنية.

نيو فراولة 04-01-12 02:54 PM

لاحظ هيو فورا التبدل الذي إعتراها ، فسال:
" ماذا يزعجك يا سارة؟".
وإستقرت نظراته عليها بشيء من السخرية ، واحست سارة بأنه يغزو أحاسيسها ، فسارعت الى دفعه عنها.
" لا شيء....".
قالت متجنبة بمهارة ان ترد على سؤاله ، وأزاحت شعرها عن جبينها ، ثم تركت اللوحة وسارت عبر الباب الشمالي الى الرواق الخارجي ، ثم توقفت أمام تمثال جميل وقد داهمها شعور بالحماقة ، ولاحظت ان التمثال صنع عام الف وتسعمئة وخمسين ، ثم شعرت بهيو يقترب منها.
" من المؤسف أنك لا تجدين القدرة على الإفضاء بما يزعجك يا سارة ، هل ابدو لك وحشا مرعبا؟".
" طبعا لا "وحثّت نفسها على بذل مزيد من الجهد ، إنك لطيف جدا هذا العصر".
" اسلوب ممتاز في الكلام ، ولكنني أعتقد ، لا اعرف كيف بأن هنالك شيئا يسبب لك الإزعاج ، يا صغيرتي الجبانة".
وقفت سارة تحدق فيه ، والنور والظل يتلاعبان فوقها ، وجسمها المشدود بحذر يتأرجح على حافة الهروب ، بعد لحظة صمت قال بإكفهرار:
" وبما أنه يبدو انك فقدت لسانك ، وإنني قد افرغت جعبتي من المعلومات ، فإنه من الخير أن نذهب للبحث عن جيل فهي على الأقل تملك ذخيرة لا تغيض من الكلمات".
ظلت سارة على صمتها ، وراحت تنتظر أن يتلاشى اضطرابها ، وغادرت الكاتدرائية على مض مع هيو ، وسارا بإتجاه فندق القرية.
" في كل حال ، اعتقد أنك رأيت بما فيه الكفاية اليوم ، وإذا ما حاولت ان تري المزيد فقد تصابين بسوء هضم ذهني ، ثم أنه بوسعنا أن نعود الى هذا المكان إذا رغبنا".
بعد أن فرغوا من تناول الشاي ، إقترح هي وان يذهبوا في جولة صغيرة بمحاذاة الشاطىء الى الخليج ، حتى يحين موعد عودة جون فينلي.
ولكن جيل تذرعت بالتعب ، وأبدت الرغبة في ان تظل في الفندق من اجل ان تتحدث الى بعض الطلاب الذين كانوا يقيمون في الفندق ، فوافق هيو على طلبها متذكرا عمليتها.
سارت سارة برفقة هيو بمفردها، ورغبت ان ترى كل ما يمكن ان تراه من أيونا في الساعة المتبقية لهما لأنها ظنت أنه من الحماقة ان تضيع مثل هذه الفرصة ، حتى ولو هذا يعني أن تتيح لهيو ان يشاكسها كلما قالت او فعلت شيئا غبيا ، يجب أن تتعلم كي تتجنبه.
كان الطريق بإتجاه الجنوب يسير بمحاذاة شاطىء رملي ، ولكنه إنتهى قبل أن يصلا الى الخليج ، فسارا على الرمال عدة أمتار لأن المد كان قد إنحسر كاشفا جزءا من الشاطىء.
كان الخليج صغيرا وجميلا جدا ، إذ إنحدرت الصخور المطلة عليه في تدرجات عريضة تغطيها شجيرات اللبلاب، وكانت قمم الصخور مكسوة باعشاب الخلنج التي ترتدي حلة من الزهور الوردية في الفصل المقبل ، وبدت البقعة مهجورة مما اثار دهشة سارة ، فقد ظنت أنهما سيلتقيان ببعض السياح هنا.
وإنعطف الخليج متغلغلا في البر ، بينما راحت الرمال البيضاء تتألق قرب الصخور التي كستها الطحالب الفضية ، وفاضت البرك الصغيرة التي خلفتها الأمواج بمختلف انواع الأعشاب البحرية الرقيقة المتعددة الألوان ، وإمتدت أمامهما ، مطلة بعظمة ، جبال ( مل ) بقممها الغارقة في رماد الغيوم ، وكان الهواء نقيا عليلا ، وبدا كان الألوان في ايونا تتصف بنوع من الصفاء الغريب الذي ياسر الحواس.
ركعت سارة على الرمال لتخلع حذاءها، وقد نسيت وجود هيو للحظة ثم ثنت نهايتي بنطلونها ، وفجأة شدها هيو بسرعة وصمت الى ظل صخرة مجاورة ، فكادت أن تفقد توازنها ، ومدت يدها بحركة مرتعشة لكي تمنع نفسها من الوقوع.
" إذا ما إنتظرت هنا قليلا ، قبل أن تتسرعي في الغوص في البرك ، فإننا قد نرى بع الطيور قانصة المحار ، لقد وعدت ان آخذك لمراقبة الطيور ، اليس كذلك؟".
على الرغم من حرارة الجو ويوم حافل بالمغامرات شعرت سارة بموجة من الإثارة لم تقمعها رنة المزاح في صوت هيو ، والوميض الساخر في عينيه ، إذا كان يظن أن قضاء نصف ساعة على شاطىء رملي كفيل بأن يخلصه من الوفاء بوعده لها بمرافقتها لمراقبة الطيور ، حسنا ! ومن هي لتناقشه في قراره؟
عاد ذهن سارة الى كولن براون لأنها شعرت بان الجزيرة بمناظرها وطيورها لا بد ان تشكل موضوعا مفيدا له.
" إنظري !".
ولكزها هيو مشيرا الى بعض الطيور قانصة المحار التي إستقرت على الشاطىء قربها.
" لعل هذه الطيور تبحث عن سرطان البحر ، إذا ما جلست دون حركة ، فلعنا نرى أحدها يمسك بالسرطان".
حاولت سارة أن تفعل ما إقترحه عليها ، ولكن ضيق المكان أزعجها ، إذ وجدا نفسيهما في شق عميق بين الصخور ،وكادت أكتافهما تتلاصق، وشعرت بالرمال تتسرب من خلال أصابع قدميها ، مما أثار في نفسها شعورا حسيا غريبا ، فتسارعت ضربات قلبها مما جعلها تخشى أن يلاحظ هيو هذا الوجيب ، فأدارت رأسها نحو الشاطىء، وافلتت منها تنهيدة خافتة.
كانت الطيور التي رأتها كبيرة ، بيضاء وسوداء ، ولها مناقير برتقالية تتصاعد منها بين الحين والآخر صيحات حادة وغريبة ، سرعان ما تنقلب الى نغمات مزمارية مجنونة كلما إهتاجت أو إضطربت ، وراحت هذه الطيور الصاخبة التي بدت أليفة نوعا ما تحفر حفرا في البرك الصغيرة ، التي خلفتها مياه البحر ، بمناقيرها الطويلة بين الطحالب البحرية، وصادف الحظ بعضها ، وأمسك احدها بسرطان كبير ولكن سرعان ما فقد فريسته عندما إنقض عليه طائر نورس كبير ، وإختطفها منه.

نيو فراولة 04-01-12 02:56 PM

" لتكن الغنيمة من نصيب الرجل الأفضل".
" اليست هذه هي الحالة دائما؟".
ردت سارة بتمهل وهي تبحث عن صندلها ، وقد اخذ إهتمامها بالطيور ، وحتى بالبحر ينحسر إذ احست بأن الوقت قد حان للعودة.
" يسعدني ان اعتقد ذلك".
وإتكأ على الصخور خلفه بإرتخاء، سادا طريق الهرب امامها ، ولم يبد عليه أنه كان على عجل.
"ولكن هذا لا يحدث دائما ، خصوصا فيما يتعلق بالنساء ، اللواتي اجدهن مخلوقات مشاكسة عنيدة ، وهن أحيانا يقعن في هوى الرجل حبا في نقائصه وضعفه ، مما يجعلهن يتعامين عن حاجته الى خصال أكثر صرامة".
نظرت سارة اليه بسرعة ، هل يشير الى إنسان معين بالذات ؟ وقالت بإحتراس:
" قد تكون على حق".
وإنحنت الى الأمام عابثة بالرمال بين أصابعها النحيلة ، وأخفى شعرها المتهدل على جبينها تعابيرها ، لأنها لا تريد ان ينتهي هذا اليوم المثالي بنغمة ناشزة ، وثبتت صحة حدس سارة عندما سأل هيو فجاة :
" هل تظنين بان جيل ما زالت تصبو الى صديقها الفنان؟".
فقالت بسرعة:
" من المحتمل انها ما تزال ، بل أعتقد أنه أكثر من إحتمال".
" الم تسر لك بشيء ؟".
"لماذا لا تسالها بنفسك ، يا هيو؟".
إرتفع حاجباه الداكنان إذ قال:
" إنك تتعمدين المراوغة والتملص".
فلدغتها كلماته ، وشعرت بأنه ليس هنالك أمل في أن تستطيع إخفاء الحقيقة.
" سارة !".
منتديات ليلاس
رفعت رأسها منتفضة إذ خرقت مسمعها صرخته القصيرة ، كان وجهه قريبا جدا منها ، حتى أنها إستطاعت ان تتبين الخطوط الحادة حول فمه قبل أن تلتقي عيناها مباشرة بعينيه.
" هيو... عندما ترجع والدة جيل ألن تعيد النظر بالموضوع ، وتوافق على مقابلة هذا الرجل؟ لا بد أنه يملك بعض الصفات الحسنة".
إستراحت نظراته على ذراعها العارية ، وإمتدت يده الى يدها ، وفك أصابعها المتقلصة برقة، واحدا فواحدا ، فأفزعتها لمسته ووخزتها كالأبر . قال بعذوبة وعيناه تستقران ثانية على وجهها المصفر:
" هل تعتقدين بأنني يجب ان أفعل يا سارة؟.
" لا أظن بأنك ستندم على مثل هذه الخطوة".
وحمل صوتها رنة أسى خفيفة.
" هذا تفاؤل عظيم ! " قال بسخرية رقيقة" لكن من أجلك يا سارة قد اقدم على هذه الخطوة".
أضاء وجهها فجأة عاكسا الدفء الداخلي الذي غمر جسمها ، ولكنها هزت رأسها قائلة:
" إن ما تفعله ، يا هيو ، يجب أن يكون من اجل جيل لا من أجلي ، فالمشكلة هي مشكلتها لا مشكلتي".
" ولكنك قد تجابهين مشكلة خاصة بك باسرع مما تتوقعين".
تناهت اليها كلماته متكاسلة غامضة ، ومد رجليه بخفة بجانبها ، وراح يلف خصلة من شعرها الطويل حول أصبعه ، وقفز قلبها بتعاسة عندما حطت بظراته عليها ، لن تستطيع الإفلات منه إلا إذا اطلق سراحها ، وشعرت انه من الغباء ان تتوسل اليه ليفعل ذلك ، ماذا عنى بكلماته الخيرة ؟ وفاضت فيها التساؤلات ، لقد عانت من قسوته من قبل ، كيف سيتصرف لو عرف بأن كولن يعيش هنا ، وأنها قد علمت بالأمر ؟ لا ، لا يمكنها أن تفكر بما سيحدث ، وقالت سارة محاولة ان تتخلص من تعذيب اعصابها المرهقة:
" ان جيل لا تفهم لماذا ذهبت والدتها الى أميركا من دونها".
" من الأفضل ألا تفهم"
" في كلماتك نذير".
وندمت سارة على جملتها المتسرعة ، سيظن بأنها تحاول ان تسبر غوره .
إبتسم هيو فجأة ، وشدّ خصلة من شعرها حول أصبعه بحركة قاسية متعمدة ، وراقبها تجفل ، فقال بنعومة:
" الحقيقة....؟ اظن أن جيل قد طلبت منك أن تجسي نبضي ، أيتها الأعجوبة الصغيرة ، حسنا ! قولي لها بانني رفضت ان أتكلم ، ودعينا نرى ماذا تفهم من ذلك".
إشتعل جلد سارة إنفعالا وغضبا يائسا:
" ولم الظهور بمظهر المنافق؟".
" انا لست منافقا فيما يتعلق بك ، في ظروف غير هذه كان من المحتمل ان أستجيب لأغراء جمالك ، فما انا إلا بشر".
" لا تبدو واثقا مما تقول".
" طوال حياتي ... كان من عادتي ان أتصرف بسرعة ، ولكن الرجل يجب أن يتمهل احيانا ، إن مظهرك البريء يجبر المرء على كبح نفسه ، ولكن هذا المظهر قد يكون خداعا".
شهقت سارة وقد كاد الغضب يخنقها ، ورفعت يدها التي لمست خده المشدود في محاولة للتخلص منه فوق الرمال ، ولكنه كان اسرع مما توقعت ، ووثب كالفهد وامسك بها قبل أن يقعا معا على الشاطىء.
لم تجد سارة متسعا من الوقت لألتقاط انفاسها ، وتحركت يداها نحو صدره لكي تدفعه بعيدا عنها ، ولم تستطع ان تتحرك تحت وطأة عناقه القوي ، واحست بضربات قلبه وشعرت بدمائها تتأجج وهي تتمنى أن تستمر هذه اللحظة الى الأبد.
قد تكون هناك أشكال أخرى للتعذيب ، لكن لا يوجد ما يوازي هذا الشكل عمقا وإكتساحا ، كان الهواء يمور بصيحات الطيور وأغانيها ، ولكن سارة لم تبال ، وتباطات الثواني ثم طالت ، واخيرا رفع رأسه الداكن ، وراح يحدق في وجهها المورد.
وفجأة جرت نفسها بعيدا عنه ، وهي غير قادرة على التفكير بسبب الفوضى التي غمرت ذهنها.

نيو فراولة 04-01-12 02:57 PM

وإرتجف صوتها وهي تنظر اليه بإهتياج قائلة:
" هل هذه طريقتك في التأديب؟".
راحت عيناه تحومان حول عينيها الزرقاوين باهدابهما الكثيفة واللتين ما تزالان طافحتين بالعواطف ، ثم قال بسخرية متعمدة:
" لم اجد طريقة أكثر سحرا وجاذبية ".
تراجعت سارة الى الخلف بحركة إحتجاج لا إرادية.
" لم أستسغ ما حدث".
ردت سارة بعنف ، إذ راحت عيناه ترمقانها ، وقد لاح فيهما وميض من التهديد ، ثم قال بصوت ناعم:
" يلوح لي أنك أنت المنافقة الآن أو.... ألا تعرفين؟".
" لقد نصحتني بان أبحث عن علاقة رومنتيكية".
" لن تجدي مثل هذه التجربة مع ايان ماكنزي".
" ماذا تعني؟".
قال هيو هازئا لاويا شفتيه:
" هل تريديني أن افسر؟".
" لا.....أنا....".
وإرتعشت شفتا سارة حتى لم تعد قادرة أن تجبر نفسها على الكلام ، وكرهت ان ترى القناع يزاح عن عواطفها فتتعرى امام عينيها، وحدقت في وجه هيو الأسمر الوسيم ، وشعرت بتاثيره عليها ، لأن جزءا من ذاتها راح يستجيب بطريقة لا قدرة لها على لتنبؤ بها ، لشخصيته المسيطرة ، إذا لم تقاومه فسيخضعها تماما ويسحقها ، وشعرت بالخوف يكتسحها ، فقالت ، ناثرة شعرها الى الوراء باصابع مرتجفة:
" من الأفضل ان نذهب".
فرد قائلا وعيناه تحدقان فيها بوحشية:
" الم يضمك احد من قبل ، أوهل ستحاولين ان تنكري ذلك؟".
وإنتصب رأسه فجأة :
" اعتقد بانني أكرهك".
ردت سارة وهي موقنة أن الحقيقة هي العكس، محاولة ان تتجاهل الألم الذي راح يمزق أحشاءها.
" هذا ما تصرين على إدعائه ، ولكنني أظن بانك تعرفين بأن هذه ليست هي الحقيقة ، وانا استطيع أن ابرهن لك على ذلك ، في الحقيقة قد تستمتعين بالتجربة ، أنا أضمن لك هذا ، ولكنك لست من النوع الذي إعتدت عليه".
" لا يبدو ان هذا قد شكل لك عائقا حتى الان ، ولكنني بالتأكيد ، لست واحدة من نسائك المتوحشات ، ساكنات الغابات الإستوائية أو الصحارى".
شعرت سارة بأن غضبها قد أعانها على إستعادة بعض تمالكها لنفسها وساعد على إبطاء ضربات قلبها ، ولاحظت ومضات التسلية في عينيه وهما تستقران على العرق الذي راح ينتفض في أسفل عنقها.
" في غابة لن يردعني شيء عن التصرف إتجاهك كما اريد ، كم أتمنى أن اعثر عليك في غابة يا سارة ! لأنك لن تستطيعي الإفلات مني هناك".
أدركت سارة بانه كان يهزأ منها ، ضاحكا ، ولكن عينيه راحتا تومضان بنور رمادي كالفولاذ ، وأحست بضعفها المخجل وهي تحدق فيه كالمأخوذة ، لقد إعترفت مسبقا بأنها ليست ندا له من حيث البراعة اللفظية ، وتضاءل بصيص الأمل في أن تستطيع مناورته والإنتصار عليه بوسيلة أخرى ، ثم تلاشى من نفسها تماما ، وعرفت أنه من الحماقة أن تحاول المستحيل.
فهزت راسها غير قادرة على الكلام ، أما هيو فقد إنتصب على قدميه ، قافزا بخفة لا تفق مع حجمه وطوله.
" من الأفضل أن نذهب من هنا".
قال هيو كمن صحا فجأة ، وقد فارقته روح السخرية ، ورفعها نحوه بحركة بارعة في دقيقة واحدة ، فآلمت أصابعه عظام رسغها.
" لن أكون مسؤولا عما يحدث لو بقينا هنا وانت تبدين على هذه الصورة ، بشعرك المحلول وقدميك العاريتين.
أفلت هيو ذراعها وقد راحت تحدق فيه بعينين واسعتين تطلان من وجهها الشاحب ، محاولة أن تسيطر على الشعور الغريب الذي غمر نفسها.
وإنحنت بحركة آلية لتلتقط صندلها ، واحست بغثيان خفيف بسبب الشعور بالمذلة الذي إجتاحها والذي لم تستطع له تفسيرا ، وتمنت لو تستطيع الهرب منه ، وقالت بصوت خال من التعبير:
" لا تقلق ، فإن هذا لن يحدث ثانية".
عادوا الى لوخ غويل ليجدوا الفوضى قد إستتبت في القلعة ذلك المساء ، وكان السبب هو ان بيدي ، بعد مناقشة طويلة أعلنت أنها لزمت الفراش ما فيه الكفاية ، وأن الوقت قد حان لكي تنهض من فراشها وتتولى إعداد العشاء ، فإعترى الفزع كاتي التي سارعت الى إخبار الدكتور ماكنزي بالهاتف ، ووصل الطبيب في اللحظة التي وصلت فيها بيث ، ولما كان ماكنزي في القلعة عند عودتهم من أيونا ، فقد إضطر هي والى دعوته لتناول العشاء معهم ، وقبل ماكنزي الدعوة بسرعة غير عادية ، خالية من الخجل .
" يظهر أنه يريد أن يراقب مريضتنا المقعدة !".
تمتم هيو بجفاء هامسا في أذن سارة ، وهم يجلسون على كراسيهم حول المائدة.
أجفلت سارة متجاهلة هجومه إذ أزاح لها الكرسي لكي تجلس، ألا شيء يفوته ؟ إن عيني أيان لم تفارقا وجهها منذ أن هبطت الدرج قبل خمس دقائق ، وكان من المفروض ان يجلس بجانبها ، ولكن هيو سبقه ببراعة وتعمد كما ظنت سارة .
" أعتقد أن بيدي تستطيع الآن مزاولة عملها؟".
سأل هيو مخاطبا الطبيب بصوت لاذع ، وهو يأخذ مكانه بين جيل وبيث التي بدت جذابة جدا في ثوب أسود أنيق.
" اشاركك الرأي ، كان من الأفضل ان نبقى في السرير مدة أطول ، ولكن المرء لا يستطيع أن يأتي بالمعجزات ، لقد كانت الأعجوبة أن تنجح سارة في إبقائها في السرير مدة أسبوع ، وعدتني بيدي ألا تتعب نفسها".
" إنها لا تطيق فكرة وجود أي شخص آخر في مطبخها " ردت بيث بحيوية " ولهذا حاول ان تداريها ، يا عزيزي هيو".
" إذا ما فكر هيو بالزواج والإستقرار فقد تستطيع زوجته أن تبقي بيدي في مكانها " قالت جيل بجرأة كبيرة ووجهها يفيض بالإستياء " لا استطيع انا شخصيا أن تصرف إتجاه نزوات بيدي ومزاجها".
" قد تثبت زوجتي المقبلة أنها أسوأ منك في هذا المجال".
قال هيو مداعبا جيل بكياسة ، نظرا اليها بإبتسام ، وهو يملأ كأس ايان .
" لا اصدق ذلك !". ضحكت جيل وهي تتناول ملعقة الحساء ، " ماما تقول ... بانه على الرغم من كونك رجلا فإنك ستنتقي جيدا ساعة الإختيار".
أحست سارة بشعور خفيف بالمرض ، وراحت تلتقط الطعام من طبقها إلتقاطا ، غير راغبة برفع رأسها الذي أخذ يدور ، كان شعورها بوجود هيو بجانبها طاغيا ، وراح يلهيها عما حولها بمغناطيسيته الغريبة التي وجدت نفسها غير قادرة على مقاومتها.

نيو فراولة 04-01-12 02:58 PM

وفسرت سارة شعور الأسى والكآبة التي إعترتها بتعبها والإثارة العاطفية التي عانت منها هذا العصر ، وكان الإحساس بالبحر والسماء وفتنة تألق اشعة الشمس فوق المياه ما يزال معها ، معمقا في نفسها الشعور بحقيقة تلك اللحظة المؤلمة.
وإعتراها إحساس بالإرتياح عندما أخذت بيث تتحدث الى جيل بوجه عابس عن أيونا ملقية عليها سيلا من الاسئلة عن رحلتهم وكيف قضوها
إتكأ أيان بإحتراس الى الأمام ، وقال لسارة وعيناه تعكسان عتابا خفيفا:
" لو عرفت بانك راغبة بالذهاب الى أيونا لسرّني أن أصطحبك ، في الحقيقة ، سأذهب الى أيونا في الأسبوع المقبل من اجل زيارة مريض ، هل تحبين أن تأتي معي؟".
" آه، آسفة...".
حدّقت سارة فيه مترددة ، لم يستطع أي شيء منذ عودتهم أن ينتزع من ذهنها سحر أيونا ، ولكنها ، وهي تسترجع ما حدث ، اجبرت نفسها على التركيز على الكاتدرائية بدلا من شاطىء البحر ، إنها لن تطيق العودة الى ايونا ، ليس الآن على الأقل ، ولكن كيف تستطيع ان ترفض؟ فقد أكتشفت ، رغم قصر تعارفهما ،بأن ايان قادر على إبداء الكثير من العناد والمشاكسة إذا ما رغب.
سارع هيو الى القول بحزم ، بينما كانت لا تزال تفكر:
" إن سارة فتاة عاملة يا أيان ، لا أظن أنني أستطيع الإستغناء عنها ، ليس وضغط العمل كما هو عليه هنا ، اليوم كان حالة إستثنائية ، لقد اردت أن أرى جون فينلي ،وظننت بأن التغير قد يفيد جيل".
" وأنا أريدها أن تخصص يوما من أجلي " تدخلت جيل قائلة قبل أن يجد إيان فرصة للإعتراض ،أرغب في ان نذهب معا الى أوبان لأنني اريد أن أشتري ثوبا لحفلة ، فليس عندي فستان واحد مناسب".
تململ هيو بغيظ بجانبها ، وقال:
" لماذا ، بحق السماء ، لم تجلبي فستانا معك يا جيل ؟ كان يجب أن تعرفي بانك قد تحتاجين اليه".
إبتسمت جيل إبتسامة عادية لأخيها ، ورمقته بعينين واسعتين بريئتين .
" كان السبب هو عمليتي ، يا عزيزي هيو ، لقد منعني المرض من مجرد التفكير بالحفلات والرقص ، ولهذا أرجو ألا تبخل علي بسارة ، أنا واثقة انك تستطيع الإستغناء عنها لمدة عدة ساعات ، ألا توافق يا أيان؟".
وأدارت وجهها المتوسل الى الطبيب.
هز ايان رأسه بالإيجاب ، متحالفا معها ، وقد عاد اليه مزاجه اللطيف.
" في كل حال ، سأرافق سارة الى الحفلة الراقصة ، لا تستطيع ان تجبرها على العمل خلال الحفلة ، يا صديقي العجوز".
قهقه الجميع ، أما سارة فقد وجدت من الصعوبة حتى ان تبتسم ، وتحولت عيناها رغما عنها الى هيو ، ولاحظت بخوف فجائي عصبي ان فمه كان مضموما بشدة ، وومضت عيناه وهو ينظر الى الرجل الجالس مقابله.
ولكنه قال بإهمال دون ان تبدو عليه إمارات الغضب:
" أقول في صالحك انك رجل لا يضيع الوقت، إلا إذا ... " أضاف بلهجة معسولة " كنت جسورا بعض الشيء".
تحركت ساة على كرسيها بقلق ، واصابعها الملفوفة حول كاسها مشدودة من التوتر ، وأدار هيو راسه فقابلت عيناها نظرته ، وأدركت انه عليها أن تقول شيئا ، ولكنها لم تدر كيف تجيب ، فهزت كتفيها بحركة عاجزة :
" لقد إتخذت قراري صباح البارحة فقط "إعترفت بتعاسة وهي تنظر بإتجاه بيث : لقد سألتني الآنسة اسكويث ان احضر الحفلة قبل يومين ، ولم أعتقد بأنك ستمانع".
" يبدو أن هيو يتخيّل بأنني سأهرب معك".
قال أيان ضاحكا ووجهه اللطيف يشرق بالإبتسام ، وبدا من الواضح أنه لم يكن على علم بالتيارات الخفية وراء الكلمات ، وتمهلت نظراته بحماس على وجه سارة المورد.
" لم تتح لي الفرصة لحضور الحفلة منذ سنوات ، بسبب طبيعة عملي ، ولكن لن يحول بيني وبين حضورها هذه المرة إلا كارثة أو ما يشابهها".
بعد ذلك أخذ الحديث مجرى أكثر طبيعية ، ولكن ايان ، قبل أن يغادر القلعة ، وبينما كانت سارة تستطلع رأيه الأخير بشأن بيدي ،توسل اليها ثانية بالا تنسى بأنها قد وعدت بالذهاب معه الى الحفلة.
" ليس لأن لحفلة مهمة يا سارة ، انت تدركين هذا بالطبع ، ولاحت في عينيه اللطيفتين فجأة نظرة حادة ، ولكنني لم أقابل فتاة مثلك من قبل ، ويخيل اليّ بأنني قد بدأت اقع في حبك".
" آه ، من فضلك ، يا أيان... " وحدقت فيه مجفلة ، لا يمكن ان تكون جادا إذ أنك لم تتعرف عليّ إلا منذ أيام فقط".
وإعترت سارة حالة من الإضطراب التي افلحت ، بالإضافة الى تعبها ، في تمزيق اعصابها ، وبدا أيان جادا تماما وكأنه يصدق ما يقول ، لو أنها لم تكن تعاني من الإحساس بوجود رجل آخر لكانت الأمور ، دون شك ، مختلفة ، وإجتاحتها موجة من اليأس مشتتة قدرتها على التفكير المنطقي ، ولم يسعها إلا أن تحدق في وجه أيان دون أن تنبس ببنت شفة ، ولكن قبل ان تستطيع قول أي شيء آخر ، إلتقط أيان قبعته القديمة ، مبتسما إبتسامة حزينة ، وكأنه قد خمن بعض ما يجول في نفسها.
" لا تهتمي يا سارة ، نامي على الفكرة بهدوء هذه الليلة ، ولا تدعيها تزعجك".
ثم ودّعها بلمسة رقيقة من يده ، وتركها واقفة شاخصة في الفضاء وراءه.
لقد كان يوما حافلا بلا شك !

الملآك القاسي 05-01-12 04:47 AM

حلـــــــــــــــوة ولازلت انتظر التكمله

نيو فراولة 05-01-12 02:01 PM

8- عواطف متفجرة


قررت جيل ألا تذهب الى اوبان لشراء فستان جديد ، وإعترفت لسارة بأن الفكرة ولّدها في نفسها دافع عنيد لقضاء يوم باكمله مع كولن الذي كان من المنتظر أن يرافقها ، ولكنها بعد تفكير عميق ، قررت بأنه ليس هنالك ما يدعو الى الإقدام على هذه الخطوة الخطيرة.
" قد يكتشف هيو الحقيقة بسهولة ، أو قد يصر على القدوم بنفسه خوفا من ان أتعرض لنكسة ، وأنت تعرفين هيو ، أحيانا يخيّل الي ان له عينين في مؤخرة راسه".
إستجابت سارة لملاحظة جيل بإبتسامة متقلصة ، ولم تكن تشعر مطلقا بالرغبة في الذهاب لشراء ثوب برفقة جيل ، كما أنه لم تكن لديها رغبة حقيقية بترك لوخ غويل حتى ولو ليوم واحد ، ولهذا فقد داخلها إرتياح كبير عندما غيّرت جيل رأيها.
تحركت جيل متململة عندما لم ترد عليها سارة ، وكانت لا تحب الصمت من أي نوع ، وراحت عيناها تتجولان بتفكير فوق وجه سارة.
" سمعت هيو يقول لبيث الليلة الماضية بأنه قد يذهب الى لندن ثانية في الأسبوع القادم ، قد أذهب معه لقضاء يومين او ثلاثة إذا قبل بإصطحابي ، إن كولن مشغول جدا ، وعليه أن ينجز بعض المهام المتأخرة ، ولا شك أنه سيغتاظ مني لو أعقته عن العمل ، ولكن إذا ما ذهبت مع هيو فإن هذا سيعطيه الفرصة لينسى وجودي حتى أعود".
أدارت سارة رأسها ببطء وحدقت فيها وقد إنتزعها كلماتها من خمولها .
"إن السيد فريزر لم يذكر لي انه سيذهب الى لندن بينما كنا منهمكين في العمل هذا الصباح".
" لعله لم يفكر بالأمر ، فهو مشغول جدا طوال الوقت بالجري وراء بيث، لا أعرف لماذا اسمح لنفسي بتحمل كل هذا القلق من أجل إخفاء كولن عن الأنظار ، ان هيو لن يلاحظ ولو جلسنا انا وكولن فوق قمة جبل بن مور".
" لقد ذكرت قبل لحظة بانه لا يفوته شيء ، حتى ولا كلمة".
" هل يجب ان تأخذي كلامي دائما على محمل الجد ؟ إنما أنا أحاول أن المح الى ان الحب احيانا يعمي الناس ، يبدو لي أنه من المؤكد تقريبا أنه سيعلن خطوبته في الحفلة".
" تعنين خطوبته الى بيث؟".
وحاولت سارة أن تبتسم ، ولكن شفتيها لم تفلحا إلا في الأنفراج بالم .
" ومن غيرها ؟ لقد راقبتهما جيدا ، وانا واثقة من ان هنالك علامات".
" علامات؟".
" إن المرء لا يحتاج الى رؤية حادة أو قدرة على قراءة المستقبل لكي يرى ما يحدث ، لقد وضعت إثنين وإثنين معا ، إن هيو يفكر بالبقاء في لوخ غويل كما سبق أن ذكرت لك ، لقد إكتشفت ان لديه خطة لأبتداء مشروع بتربية الخيول وتوليدها ، فهو كان دائما مغرما بالخيل ، أعتقد أنه يفكر أيضا ببناء بعض الأكواخ والبيوت في ممتلكات القلعة لأن عددا من الأكواخ القديمة قد بدأ يتداعى الى حد لا يكن معه ترميمها ، ولهذا ، إذا ما اخذنا بالإعتبار كل شيء ، فلا بد أن تكون بيث في منتهى السرور الان".
" منتهى السرور ؟ ماذا تعنين بقولك هذا ؟ قد تكونين مخطئة ، قد يكون هيو قرر أن يترك لوخ غويل نهائيا ، وبيع أملاكه هنا بعد أن ينسق أمورها ، ثم أن بيث قد لا ترغب في العيش هنا مطلقا".
" اعتقد أنك أنت المخطئة ، في كل حال ، إن الوقت سيحكم بيننا ، وبالمناسبة... "إستطردت جيل قائلة وهي تنقل نظراتها الحادة الساخرة من البركة الى وجه سارة " فلماذا تكثرين من إستعمال ( السيد فريزر ) هذا العصر ، البارحة بعد عودتنا من أيونا كنت تستعملين( هيو ) فقط ، في الحقيقة لولم تكن بيث في المنظر ، ولو كنت فتاة أخرى غير سكرتيرته ، لظننت بأن هيو قد إفتتن بك يا سارة العزيزة".
" لا تكوني غليظة ! أحيانا ، انا أنادي السيد فريزر بإسمه ، هيو ".
وقفزت سارة على قدميها مرتبكة وقد إشتعل خداها إحمرارا ، إن جيل لا تحتمل ! وتحركت متململة وقد إعتراها دافع فجائي غامر بأن تذهب الى مكان ما ، كان الجلوس في الحديقة ممتعا ، لكنها أحست بأنها لا تستطيع البقاء في مكانها مدة أطول ، نهبا للشكوك إثر ما قالته لها جيل .
" هل لديك مانع من السماح لي بإستعارة سيارتك لمدة ساعة أو ساعتين ؟ أحس بالرغبة في أن أذهب للمشي ، ربما بإتجاه جبل بن مور ، لقد إمضيت طوال العصر في الكوخ بصحبة غوين ، ولهذا فأنا أرغب بإستنشاق بعض الهواء النقي ، ارجوك أن تطلبي من بيدي ألا تحتفط لي باي طعام ، ساتناول عشاء خفيفا عندما أعود".
" حسنا يا عزيزتي ! ولكنني لا أعرف من سيزعجك لو بقيت هنا ، فأنا سآخذ حماما طويلا ساخنا ، ثم أصطحب كاتي الى سالن لكي تزور خالتها ، ولهذا لن احتاج اليك هذا المساء ".
إبتسمت سارة رغما عنها ، بسبب اللهجة الملوكية التي ألقت بها جيل كلماتها الأخيرة ، وأحست بأنها تعرف تماما ماذا ستفعل جيل ، ستاتي كاتي الى كوخ الآنسة بلاك ثم تذهب لقضاء الأمسية مع كولن ، ولكن سارة لم تعلق وإكتفت بان تقول:
" سأراك غدا ، إذن".
منتديات ليلاس
ما كان بإمكان سارة أن تجد متعة في هذه اللقاءت السرية ، والإثارة الناتجة عنها ، لأن ذلك كان يعني الإشتراك في خدع هيو ، وإرتعشت فجأة وهي تسير بعيدا ، فإن الشعور بأنها على علم بالخداع الذي تمارسه جيل كان يلازمها دائما، وكانت تدرك بأن أعصابها المشدودة الى حد لا يطاق على وشك التمزق ، وقد إستطاعت في الماضي أن تتحمل ، ولكن هذه الأيام الأخيرة كانت أصعب من أن تطاق ، فالآن ، على الرغم من هيو كان يبدو وكأنه غير شاعر بوجودها ، فإن إحساسها هي بوجوده في تفاقم ، وكذلك إحساسها بالثورة الداخلية العنيفة التي يستطيع أن يسببها لها ، إن معظم ما حدث بينهما كان نتيجة لأخطائها ، ولهذا فإن عليها الا تلوم إلا نفسها إذا راح الحديث عن إحتمال إعلان خطابته يسبب لها الألم ، فالرجال عادة لا يعتبرون ضمة أو ضمتين أمرا جديا ، ولكن سارة حنّت الى الشعور بذراعيه تطوقانها ثانية ، ولو كان مدفوعا بنزعة عدائية.

نيو فراولة 05-01-12 02:04 PM

" ولا تهتمي بالعودة بسرعة ! " هتفت جيل وهي تهبط السلالم حاملة سترتها على ذراعها " أستطيع ان أستعمل اللاندروفر إذا ما دعت الحاجة".
لماذا لم يخطر لها هي شخصيا أن تستعمل اللاندروفر ؟ وفكرت وهي تسوق السيارة في الطريق المحاذي للشاطىء ، وكان المنظر جميلا جدا ، وكذلك الجو.
ابطأت سارة من سرعة السيارة ، وأخذت تفتش عن مكان تقف فيه ، وكانت الغيوم المتجمعة من ناحية الغرب تغير ألوان الخليج بإستمرار من الرمادي الفاتح ، الى باقة من الألوان الزرقاء تفوق بهاء وألقا ألوان البحر الأبيض المتوسط الذي شاهدته خلال عطلاتها في السنين الخيرة.
أوقفت سارة السيارة ،وتمهلت لحظة قبل أن تخرج منها.
خالج أحاسيس سارة بعض الإنتعاش ،مما جعل كآبتها تنحسر وهي في طريقها بإتجاه البرية الوعرة ، ووجدت جدولا فراحت تراقبه يسيل فوق الأحجار في مهده الصخري ، ثم إنحنت وغرفت بعض المياه الباردة في يدها ، ورفعتها الى شفتيها الجافتين ، ثم خلعت السترة ، وجثت على نتوء صخري فوق شاطىء الجدول ، وأخذت في يدها مجموعة من الحصى ، وكتبت إسمها بعناية على الأرض ، مجمعة الأحجار الصغيرة وقدعلا وجهها العبوس لشدة إستغراقها.
عندما كانت طفلة كانت أمها تلعب معها أحيانا على طرف الجدول الصغير قرب بيتهم في ويلز ، وكانتا تتسابقان احيانا في كتابة إسميهما بالحصى لتريا من تنتهي أولا ، وسهل الأمر ان عدد حروف إسم والدتها كانت تماثل عدد حروف إسمها.
وأحست ، وهي تستعرض ذكرياتها الآن ، بأن معرفة سر فوزها الدائم بهذه اللعبة ليس من العسير تخمينه الآن ، ولكن أن تربح في أية لعبة، مهما كانت بسيطة ، كان إنتصارا كبيرا للطفلة سارة حينذاك ، التي لم تتجاوز ربيعها الخامس.
أفلتت تنهيدة من شفتي سارة وهي تمضي في طريقها ، متتبعة مياه الجدول المتلألئة ، حتى جذب إنتباهها منظر غزال صغير يقف على حافة الصخور ، فإقتربت منه بإحتراس ، ولكن الغزال راقب تقدمها بعصبية وحذر ، ثم رفع رأسه وقفز هاربا.
شردت سارة دون هدى نصف حالمة تحت أشعة الشمس الدافئة ، وإستسلمت للصمت والهواء العابق برائحة الصنوبر حتى كادت تصل الى حالة من السكينة المخدرة ، وحادت عن الجدول ، ثم ذهبت لتجلس على حافة أفريز صخري غارق في الظلال ، وكانت قد أفلحت في صعود جزء من جبل بن مور المعروف بسهولة التسلق ، ولكن ليس من دون خريطة وبوصلة ، فهما ضروريتان ، ولم تكن سارة تعتزم أن تتسلق الجبل ،وما ارادت إلا ان تتجول لكي تجهد نفسها جسديا من اجل التخلص من افكارها ، وعندما جلست مسندة ظهرها الى الصخرة الدافئة ، احست بانها قد أفلحت في تحقيق مرامها.
حلّق صقر في الفضاء وراقبته سارة حتى اطبق جفناها الثقيلان ، ولم يكن هناك سوى الصقر والشمس والريح الهامسة ، فغرقت في نوم عميق .
لم تتذكر سارة بعد ذلك اللحظة التي إستسلمت فيها للنوم ، ولا ما الذي أيقظها ، إلا إذا كان جسدها يحتوي على نوع من جهاز للإنذار ظل متيقظا اثناء نومها ، ولما فتحت عينيها لم تعرف أين هي ، وإعتراها الفزع وكأنها وقعت فجأة في قلب كابوس معلق ، ولم تستطع ان تعثر على أي اثر يدلها على مكان وجودها إذ أحاط بها حجاب من الضباب الرمادي حاجبا كل شيء ، ومان كان الأمر ليختلف لو أنها وجدت نفسها فجأة في عالم آخر ، او في منتصف الطريق بين كوكبين ، أبدا لم تر من قبل مثل هذا البياض الذي يشبه القطن ، أو هذا الهواء السميك الذي لاح لعينيها الفزعتين جامدا ، لا يمكن النفاذ خلاله.
بعد لحظات خيل لها انها كانت دهرا ، تحركت ببطء وحذر ، خائفة أن تهشم هذا الصمت الرهيب... هذا الصمت الذي لم تعرف له مثيلا من قبل على الرغم من أنها كانت قد قرأت قصيدة عنه في الماضي تتحدث عن جزر الهيبريديز وصمت البحار ، وتساءلت سارة ، بإبتسامة ملتوية ، فيما إذا كان الشاعر قد عانى مثل تجربتها هذه.
افلحت روح الفكاهة التي خالجتها للحظة في تثبيت بعض مخاوفها : وراحت تمشي متعثرة، وأحست بتقلص في إحدى قدميها وهي تنظر الى ساعتها مما جعلها تجفل من الألم ، كانت الساعة الثامنة تقريبا ، لقد نامت ساعة ! ولما خفّ الألم في قدمها عاد اليها الفزع ، وراح ذهنها يجيش بالقصص المأساوية عن ناس ضاعوا في الجبال ، إذ أن والدها كان عضوا في إحدى فرق الإنقاذ ، وعرفت من تجاربه ان رجال الإنقاذ لا يصلون أحيانا في الوقت المناسب.
حاولت سارة بياس ان تتذكر بعض الإرشادات ، يجب عليها أن تبقى متيقظة ، هذا هو أهم شيء ! ثم أنه عليها ألا تقدم على محاولة حمقاء قد تؤدي بها الى الوقوع في هوة سحيقة قبل ان تصل المعونة ، ولهذا جلست متكورة على نفسها ، ولكن جلوسها ساكنة جعل ذهنها يعود الى سلسلة من الأفكار المتشائمة ، إن المساعدة إذا ما وصلت ستصل متجسدة في شخص هيو فريزر دون شك ! فهو الشخص الوحيد الذي يحتمل أن يعرف يوجدها هنا ، ستذكر له جيل بالطبع أين ذهبت ، وعندما تتأخر في العودة... وشعرت سارة بأن تخيل ردود فعله المحتملة قد أخذ يرق ذهنها في هوات صقيعية لا قرار لها ، لا شك انها قد تصرفت بحماقة ، ولكنه لن يفسر الأمر كذلك ، فقد علّمتها التجربة بأن غضبه لا يكن التنبؤ بابعاده ، وإقشعر جسمها إذ خمّنت ما يمكن أن يقوله إذا ما وجدها على هذه الحالة ، وراحت تبتهل متمنية أن ينقشع الضباب لكي تستطيع العثور على الطريق والعودة قبل أن يتفاقم الوضع.

نيو فراولة 05-01-12 02:06 PM

بعد نصف ساعة تقريبا سمعت سارة صوتا ينادي ، ولكنها وهي راكعة قرب الصخور خالتها أوهاما .
وهكذا بدت عندما عثر عليها هيو: جاثية متكورة تحت الصخور العالي ، ترتعش مرتجفة ،ولم تسمعه حتى وقف أمامها يكاد يدوسها بقدميه.
" لا شك أنك ولدت تحت كوكب محظوظ".
قال برصانة ، وهي تنظر الى الأعلى لتحدق في عينيه ووجهها شاحب شاخص، وعيناها تفيضان بخليط عجيب من الخوف والإمتنان.
إلتصقت السترة الرطبة بجسدها النحيل ، وراح قلبها يمور بسيل من العواطف إذ إستراحت عيناه على وجهها الأعزل.
" كيف وجدتني؟ لم أصرخ".
" اما انا فقد صرخت ، ولو أنك كنت تصغين وأجبت ، لوجدتك قبل الآن ، مما كان سيجعل مهمتي اسهل".
هزت سارة رأسها هزة بكماء ، وأخيرا تمتمت بصوت مرتعش:
" آسفة ، لم أسمعك".
كانت يداها قد أطبقتا بشدة وعنف حتى بدا معصماها بلون البياض ، وأحست من إنحناءة راسه وتجهمه انه كان في حالة نفسية تنذر بالخطر ، كان ما يزال واقفا ، مهيمنا فوقها ، دون أن يفصح عن شيء ،ولكنه ما لبث ان قال ووجهه خال من التعبير.
" لقد وجدت إسمك قرب الجدول ، وكذلك إسم امك ، فقد دعتها صديقتك ، عندما تحدثت عنها في لندن ، بإسمها : إيما ، وهذا أتاح لي أن اتبع الأثر الصحيح ، ولكنني كنت على وشك الرجوع عندما عثرت عليك فجأة ، لقد كان من الجنون أن آتي بمفردي كل هذه المسافة.
" كل هذه المسافة؟".
" نعم لقد تجولت أميالا".
لم يبد لها هذا ممكنا ، ولكنها لم تجرؤ على الإعتراض ، وركع على الأرض بجانبها ، وأمال راسه بإتجاهها.
" ألم تدركي خطر الشرود وحيدة في مكان كهذا دون اية إحتياطات ، حتى ولا معطف حقيقي؟ لو لم أجدك لتجمدت من البرد قبل بزوغ الصباح بهذه الثياب الهفهافة".
وتنقلت عيناه فوق جسمها وثيابها الرقيقة بجرأة ، فإرتجفت كريشة في مهب الريح ، وتناهى اليها صوته يتأرجح بين الغضب والإهتمام.
" لم يكن في الأمر ما يستدعي هذا ، أليس كذلك؟".
وكاد هيو يسمع النفس الحاد الذي سحبته في الفضاء المشحون حوله عندما قالت:
" هل تظن بانني فعلت هذا عن عمد؟".
" ربما ، بعض الناس يجدون متعة في عمليات إنقاذهم".
" لا استطيع ان أثبت لك شيئا ، ليس بوسعي ان أقدم لك أي برهان إلا كلمتي".
طاف نوع من الإستهزاء بفمه الحازم وقال معلقا:
" إن أي واحد منا قد يتعرض لسوء الظن".
" لم يخطر لي انني سأفقد طريقي".
" ماذا كنت تتوقعين؟".
أخذت سارة تصارع للوقوف على قدميها المرتعشتين محاولة الإبتعاد عنه ، ولكن يده هبطت ضاغطة على كتفها بقوة كانت كافية لتلزمها مكانها.
" من الأفضل أن تبقي هنا في مكانك ، لا أعرف ماذا تريدين ، ولكنني لا أنوي المخاطرة بعنقي مرتين ، فقد نسلك دربا خاطئا ، وكما قلت لك من قبل ، إنني مجنون بلا شك للجراة على القدوم الى هنا بمفردي".
سرت في جلد سارة مئات الرعشات وهي تحاول أن تتخلص من قبضته القاسية ، وآلمتها التكشيرة الهازئة التي أفتر عنها فمه الى حد كبير ، فجابهته بنظرة طويلة متوسلة إذ ركع بجانبها على الأرض مقرقعا بصوت جزمته على الأرض الصخرية الوعرة.
وبدا وكأنه لان قليلا ، وراحت عيناه مكانهما بنظرات سريعة مقيمة.
" سننتظر هنا بعض الوقت ، قد ينقشع الضباب ، إن الرياح قد بدأت تهب ، والتنبؤات الجوية حسنة ، وإذا ما حالفنا الحظ فإن الضباب سينحسر خلال فترة نصف ساعة ، إننا على مسافة بعيدة عن السفح ، ولكنا لسا قريين كثيرا من القمة".
حدقت سارة في هيو بإضطراب كبير وقد إرتسمت الحيرة على وجهها .
" ألن يقلقوا في لوخ غويل؟".
إستند هيو بظهره الى الصخرة ، فاردا كتفيه ، محاولا ان يجد بقعة مريحة ، وقال وهو يطلق سراحها بحركة لا مبالية :
" لقد طلبت منهم أن يعطوني مهلة حتى العاشرة ، إذا ما حالفنا الحظ قد نصل قبل هذا الموعد فالساعة الان لم تتجاوزالثامنة إلا قليلا ، وإذا لم نستطع العودة فإننا سنعتبر محظوظين أيضا لو لقينا بعض المساعدة".
" إنني لأتساءل لماذا لا تلقي بي في قعر هاوية ما".
قالت متسرعة ، متهورة.
إبتسم هيو إبتسامته الهازئة وعيناه تستقران على خديها المضرجين .
" أؤكد لك بأنني لا أهجر مسؤولياتي بهذه السرعة ، حتى ولو وجدت هوة سحيقة".
تجنبت سارة عينيه ، وإلتفتت غير لاوية على شيء ، وراحت تحدق في العتمة المتكاثفة ،وسألت فجاة :
" هل تناولت عشاءك؟".
"في المطبخ " أجاب ببطء " بسرعة ، اخشى أنني لست من فصيلة الأبطال الذين يهرعون الى تسلق أعالي الجبال ومعداتهم خالية حتى ولو من أجل فتاة جذابة مثلك".
" آسفة !".
" إشربي هذه ، لا شك أنك تشعرين بالبرد".
أخذت سارة الزجاجة منه غير راغبة ، وأمسكت بها بين يديها الباردتين .
" إشربيها !".
اطاعت سارة ورفعت الزجاجة الى شفتيها وشرقت قليلا عندما أحست بالدفء يسري في حنجرتها العارية ، ثم أخرج هيو ترمسا من الجيب الآخر وسكب منه بعض القهوة الساخنة.
" هذه من بيدي ، لقد إستطعت ان التهم بعض الطعام بينما كانت تعدها".
كان للقهوة مفعول السحر وسرت الحرارة في جسم سارة ، طاردة البرودة ، رافعة من روحها المعنوية رغم أن الضباب كان ما يزال مهيمنا ، وسيطرت على الرعشة في صوتها وقالت برقة:
" لا أريد ان تظن بانني ناكرة للجميل".
" وفري علي هذا ، بحق السماء".
حدّقت سارة فيه ، ووجهها ينبض بالحيرة ، وأدهشها التغيير السريع الذي إعترى مزاجه.
" آسفة".
تمتمت بشيء من الحدة.

نيو فراولة 05-01-12 02:07 PM

وعندما لم تسمع منه جوابا عقدت ذراعيها حول جسمها وتكومت على نفسها ، وأحست بان وجهها كان قذرا ، اما قميصها فكان متجمعا ، ولاحظت انها قد فقدت أحد أزرارها ، ولكنها لم تبال ، وضايقها شعرها إذ أنها كانت قد أضاعت شريطتها ، مما جعله يتهدل حول كتفيها ، ويتطاير في الهواء حول فمها ، وحاولت أن تدفع به الى الوراء وقد نفد صبرها ، ثم قالت :
" عندما أجد بعض الوقت سأقص شعري ! إن شكلا قصيرا سيبدو لطيفا ، ويساعدني على ترتيبه بسهولة".
حطّت عينا هيو فوق رأسها المحني ، وقال بصوت فيه تهديد رقيق:
" إياك أن تفعلي ذلك ، دعي شعرك وشأنه ، إنه يعجبني هكذا.
" لا يهم ، لم تبق لي إلا عدة أيام هنا".
وسرت في جسدها رعشة قوية مؤلمة ، فإعتصرت جسمها بين ذراعيها لكي لا يلاحظ ، اخطأ هيو فهم ما عنته ، فتبدّل مزاجه على الفور ، وقال :
" أما زلت تشعرين بالبرد؟".
وامسك بذراعها جارا إياها حتى لصقت به ، وقال وقد بدا وجهه مشدودا :
" قد نضطر للبقاء هنا مدة ، والبرد كالشيطان المريد في هذه الأماكن".
شرقت سارة بأنفاسها ، وحاولت أن تتخلص منه قائلة:
" دعني أذهب !".
فهزّها هزّة خفيفة وقال:
" إنني لا أمزح أو ابحث عن سبب لكي احيطك بذراعي ، لا أريدك أن تفقدي الوعي ، هذا هو كل مرادي ، وإشتدت قبضة ذراعيه حولها ، هل تشعرين بالدفء الآن؟".
" لست بردانة ".
قالت ووجها يتاجج تحت وطأة صراحته الهازئة ، وغمرتها موجة من الكراهية.
" لماذا ترتعشين إذن؟ " ومدّ أصابعه الفولاذية الى اصابعها يتفحص حرارتها ، إن ثيابك غير مناسبة بالمرة".
" لقد أحضرت سترة معي ، وكانت الشمس حارة".
" أما الآن فهي ليست كذلك ، وأما بالنسبة الى هذه السترة فهي غير كافية على الإطلاق".
وقبل أن تستطيع الإعتراض خلع معطفه الكبير ، ولفّه حولها بحيث احاط بهما معا ، فوجدت نفسها تلتصق بصدره الدافىء بحكم الضرورة .
أحست سارة بما يشبه الحمى ، وشعور غامر بالإثارة على الرغم منها ، فاغمضت عينيها وقد قررت ألا تدعه يحزر ما بها ، وغزاها إحساس عميق بالشوق نبع من حيث لا تدري ، مخدرا وعيها حتى خالجها الخوف من أن تتكلم أو تتحرك.
مرت الدقائق ببطء ، ثم سأل هيو :
" هل تشعرين بتحسن؟".
كانت سارة تحلم ، ولكنه عندما تكلم نظرت اليه بسرعة لتجد أنه كان يحدق فيها بغرابة ، فأدارت راسها بسرعة ماسكة أنفاسها ، وراح قلبها يضرب بشدة في السكينة ، وأحست بأن الحقيقة الوحيدة هي هذا الرجل الذي كان يرنو اليها بقلق مستتر.
" سألتك سؤالا !".
" آسفة ! طبعا اشعر بتحسن ، لا حاجة بي الى معطفك".
فإرتفع احد حاجبيه بحركة ساخرة ، ونظر اليها هازئا:
" هذا مثال لنكران المرأة لجميل الرجل ".
ورفع يده ، فظنت سارة أنه على وشك إسترجاع معطفه ، ولكن عوضا عن ذلك أمال رأسها الى الوراء بقوة ، وازاح بأصابعه شعرها الثقيل عن عينيها غير عابىء بالعقد ، ثم رفعه عن عنقها بمهارة متعمدة، سارحا بنظراته فوق وجهها الرقيق ، متمهلا بعينيه فوق البقع المتسخة على خديها ، وفوق أهدابها الذهبية الأطراف.
" هيو....".
سمعت سارة إسمه على شفتيها يتصاعد مع تنهيدة خفيفة ، دون أن تشعر بأنها قد نطقت به ، وإعتراها شوق عارم ، وبدأت تختلط في أعماقها مشاعر حلوة ، ولكنه لم يتحرك من مكانه ، وتابعت يده فقط التجول فوق وجهها ، مسمّرة إياها في مكانها ، مثيرة عواطف في نفسها لم تكن تعرف بأنها تملكها.
" كنت تقولين .......؟".
حثّها على المتابعة برقة ، بصوت خافت إمتزج بالريح التي بدأت تهب:
" لا شيء....".
وداهمها الإضطراب ، وأطبقت جفنيها الثقيلين ، كانت هذه هي الطريقة الوحيدة لحماية نفسها ضد مقدرته على قراءتها كالكتاب ، وصبغت الحمرة وجنتيها ، وخشيت أن يلمح لونها حتى في النور المتلاشي.
بعد لحظة صمت ، تمهلت خلالها أصابعه بتردد على وجنتيها المحمرتين ، كما خشيت ، قال ببطء:
" لقد بدأت تشعرين ثانية ، يا سارة ، وكنت قد قررت أن تعيشي في عالم مجدب لا مكان للعاطفة فيه مدة طويلة ، ولكن هذا العالم قد بدأ يختفي الآن".
عادت سارة الى وعيها تحت تأثير لهجة هيو المتأججة ، ولكنها لم تجرؤ على التحرك ، وتصلّب جسمها ، كانت خائفة أن يحزر الكثير ، فإن عالمها المجدب الخالي من العواطف قد تعرض لغزو هذا الرجل الذي هو ملك إنسانة أخرى ، هل يتوقع منها ان تشعر بالإمتنان لأنه افلح في إيقاظ عواطف راح يراقبها بنوع من الموضوعية الطيبة، واحست بالغضب المفاجىء يملأ عينيها بالدموع اللاذعة ، وشعرت بدفئه يتسرب اليها ، فإختلجت متشنجة.
ولكنها ، حتى عندما حاولت ان تبعده عنها ثانية ، احست بذراعيه تضيقان حولها ، شادتين جسدها بحركة رقيقة ، وفجأة رفع رأسه وكأنه قد أحس بالخطر وراح يتفحص السماء.
الغيوم !" هتف وقد سرحت نظراته فوق راسها ، ولاح يقظا يتنسم الأجواء ، إنها ترتفع تحت تأثير الرياح الهابّة ، يحسن بنا أن نسرع"
وهبّ على قدميه جارا سارة معه ، مركزا إتباهه على الجو ، وبدا رأسه الداكن الصلف وكأنه قد عكس لون السماء والعتمة، وأخذت الريح تهب عابثة بثيابها ، مالئة الليل ضجيجا ، ممزقة الصمت المخيف الذي كان سائدا من قبل ، وكان الضباب الان قد إرتفع الى قمة الجبل بينما لاحت الأرض أمامها واضحة ، ولكنها عندما رفعت وجنتيها الحارتين الى الريح الباردة ، أحست برذاذ المطر وبنذير أمطار ستهطل عما قريب.
" يحسن بنا أن نسرع ".
رد هيو ، وهو يتفرس في السماء ليستدير اليها خالعا معطفه ، ثم زرّره حولها مسكتا محاولاتها الضعيفة للإعتراض بنظرة حادة ، وإلتقط الترمس بيد وامسك بذراعها بالأخرى ، ولم يسمح للتعبير الصارم المرتسم على وجهه باية معارضة إذ شدّها بقوة لتجابهه.
" علينا ان نسير مسافة لا بأس بها ، وقد تعود الغيوم فتتجمع في أية لحظة بسبب الجو المتقلّب هذه الليلة ، ولهذا اسرعي بالمشي ، نعم ... هذا حسن ، قد لا يحالفنا الحظ مرة ثانية إذا ما تمهلنا".
ولاح وجهه عابسا متجهما وهو يلقي نظرة سريعة على وجهها .

نيو فراولة 05-01-12 02:08 PM

كان هيو على حق ، كما أدركت سارة بعد برهة ، إذ لم تمض عليهما نصف ساعة إلا واحاطت بهما ثانية أسوار الضباب الرمادي وهما لا يزالان على بعد مئة متر تقريبا من الطريق ، ودفعها امامه بقسوة ، رافضا أن يسمح لها بالتوقف حتى وصلا الى السيارتين ، وادركت سارة لاهثة الأنفاس ، بأنه ما كان بوسعها أن تقوم بهذه الرحلة بمفردها ، فقد بدا وكأنهما سارا عدة أميال ، إلا ان هذا لم يقترب بهما من هدفهما كثيرا.
" انا أعرف هذه المنطقة جيدا ، عندما كنت صبيا تسلقت قمة بن مور".
بدت خطوط فمه مشدودة من التعب والتوتر ، وقال لها وقد توقفت للحظة في العتمة ، متأهبة ، وكانها على وشك الطيران :
" اريدك ان تعديني يا سارة ، ألا ترجعي الى هنا ثانية بمفردك".
فتحت سارة باب السيارة وهرعت الى داخلها محاولة ان تتخلص من النبرة الديكتاتورية الحازمة في صوته ، وشعرت بأنه لم يكن يتوسل أو يتظاهر بمشاركة وجدانية لم يحس بها ، فكل ما يريده هو ألا تتصرف بهذه الطريقة الحمقاء مرة أخرى.
راحت تبحث عن مفتاح المحرك على غير هدى.
" أنت ديكتاتور".
قالت بغصة في حلقها ، محاولة أن تتجنب النظر اليه ، وإعتراها نوع من الشعور بالذنب لأنها وجدت أن جانبا من نفسها قد رفض ان يهادنه ، ولو أنها كانت شخصا آخر لأندفعت بشعور من الواجب بالثناء عليه وإغراقه بالشكر ، وغمرت الثورة كيانها بأجمعه ، ضد القدر الذي سمح لها بأن تقع في حب رجل لا تعني شيئا بالنسبة اليه.
نظرت سارة الى وجه هيو ، وأحست بأعصابها تنكمش خوفا ، كان هنالك شيء يشبه الغضب في عينيه ، وكأن ملاحظتها المقتضبة قد جرحته ، ولكنه إبتسم إبتسامته الساخرة المعهودة كما لو كان يبتسم لملاحظة أبدتها طفلة جريئة.
" كنت تقولين......؟".
حثّها على الإسترسال بإرادته الفولاذية ، ويده على الباب المفتوح تمنعها من التحرك بالسيارة ، وصوته مشحون بالتحدي.
" آسفة".
قالت سارة وهي تطلق ضحكة رنانة مقتضبة ، وقد صممت على مجابهة الموقف ، إن الإنتهاء الى مثل هذه النغمة الناشزة لهو خير الف مرة من أن يخمن حقيقة مشاعرها ، ولو أنها تبعت جانب الحذر المطلق لأستطاعت أن تجنب نفسها مرحلة الإذلال النهائي ، وأجبرت عيناها على مقابلة نظراته النافذة وقالت برعونة متهمدة:
" إنني ممتنة لك جدا ، كما سبق أن ذكرت لك ،ولكن إذا كان التكرار يسعدك فأنا أكرر شكري لك ، يا سيد فريزر ، واعدك بأنني سالك سلوكا حسنا في المستقبل".
" مما يعني كل شيء ، او لا شيء ، أهنئك يا آنسة وينتون ، ، انحني لآداء التحية للحضور !".
وصفق باب السيارة بصرخة نصف مكتومة ، فقفزت تحت وطأة عنف إحتقاره إذ حط بثقله على المقعد بعيدا عنها ، وأشار اليها بالتحرك قائلا:
كل ما اسأله منك هو ان تتجنبي طريقي في المستقبل".
ظنت سارة وهي تعبس متحيرة ، ضاغطة على مكبس البنزين ، بأنه من الغريب ان يقول رجل مثل هذه الكلمات لسكرتيرته.
بعد رجوعهما الى القلعة قالت جيل في صباح اليوم التالي:
" لا اعرف لماذا غضب هيو عندما إكتشف انني لم اكن هنا عندما رجعتما الليلة الماضية ، لقد حاولت ان اشرح له انني كنت متيقنة بأنه سيجدك ، ولكنه رفض الإصغاء الي ، مما جعلني اقرر انه ربما أراد أن يثير ضجة كبيرة حول لا شيء ، خصوصا أن الشخص المعني لم يكن إلا انت".
" لقد كان غاضبا بشان موضوع آخر ، موضوع خروجك مثلا في ذلك الوقت المتاخر ، كما أظن".
" ما أحمق مثل هذا التصرف ، انا لم اعد طفلة".
" بغض النظر عن هذا ، إذا توخينا الكلام بشكل عام ، كان من المحتمل أن تتعرض حياة إنسان أو إثنين للخطر ، إن أي شخص قد يتعرض للمتاعب ، وكان من المفروض ان تقومي بطلب المساعدة إذا لم نعد".
دفعت جيل راسها الى الوراء وقالت دون أن يبدو عليها التأثر:
" إنك اسوأ من هيو ، ما زلت أصر بأنه لم يكن هناك داع للغضب الذي أظهره ، كانت الساعة العاشرة تقريبا فقط ، كما أن كاتي كانت تعرف أين تجدني".
" يبدو ا ن كاتي تعرف الكثير ، أعتقد أنها عرفت بوجود كولن هنا قبل ان عرف أنا بزمن طويل".
هزت جيل كتفيها ، ولكنها بدت خجلة بعض الشيء إذ قالت :
" لقد عرفت كاتي طوال حياتي ، منذ أن بدات أتذكر الناس والأشياء ، ولهذا فإنه من الطبيعي أن تخلص لي دون الاخرين ، أستطيع ان اعتمد عليها".
" حسنا ، أنت تعتمدين عليها ، ولكن يجب عليك ان تتذكري بانني لن أستطيع ان أفعل المحال ، لا شك أن هيو سيجد الحقيقة يوما ما ، وإذا ما أردت الصراحة ، فإنني سأتنفس الصعداء عندما يفعل ، ولو كنت مكانك لركزت كل جهودي على محاولة إيجاد تفسير جيد".
القت جيل عليها نظرة عابسة ، ثم قفزت على قدميها وشعرها المجعد يتناثر:
" بحق السماء ، لا تبدأي بإلقاء المحاضرات عليّ ثانية ، لقد سمعت منها ما يكفيني طوال حياتي ، لماذا يعترض هيو على زواجي من كولن إذا كان هو قد إعتزم على الزواج من إمراة سيئة مثل بيث ؟ إن احدا لا يهتم بي مطلقا !".
داخل سارة شعور يشبه الغثيان ، وراحت أذناها تطنان طنينا مؤلما ، وسمعت نفسها تجيب بصوت واهن:
" إن بعض الأشخاص حاولوا أن يساعدوك...".
" كل شخص يختار طريقته ! " أجابت جيل بغموض ، وخداها محمران من الغيظ " ولكن دعيني اقول لك بأنني لا ابالي بإكتشاف هيو للحقيقة ، ثم انه قد يجد صدمة في إنتظاره في وقت أقرب مما تتصورين".
وإلتفتت جيل لتتناول معطفا صوفيا أزرق عن الكرسي الذي كانت تجلس فوقه في غرفة سارة ، غير عابئة بالتعبير المرتسم على وجهها الشاحب.
" هل ستأتين ؟ أم لا ؟".
قالت جيل بصوت ما يزال فيه أثر للضجر ، وهي تتحرك بإتجاه الباب ، فتبعتها سارة كارهة بعد ان إلتقطت معطفها هي ايضا.
كانت جيل تعاني من أحد امزجتها الطفولية الإنتقامية ، ولهذا لم تكن بالرفيقة الودودة لهذا اليوم ، وتمنت سارة لو انها رفضت إقتراحها بأن تذهبا معا لتصففا شعرهما عند المزين ، وأحست بأن الوقت قد فات لتغيير رأيها الان من دون ان تثير شكوك جيل المغرمة بتوجيه الأسئلة المربكة ، والتي تملك موهبة على إنتزاع الأجوبة المهمة ، وتنهدت سارة وهي تهبط السلالم وقد طاف بذهنها أن جيل تستطيع ان تتخذ من موهبتها مهنة.
قابلتا هيو في الردهة ، وكانت سارة قد أمضت الصباح كله في المكتبة ، محاولة أن تنفذ بعناية سلسلة من التعليمات التي تركها لها مكتوبة بخط يده ووضعها بجانب الآلة الكاتبة ، وبإستثناء عدة دقائق أطل خلالها ليوقع بعض الرسائل الهامة ، كانت هذه هي المرة الأولى التي إستطاعت ان تتحدث فيها اليه هذا اليوم.
رفع هيو حاجبيه متسائلا ، وهو يقف جانبا من أجل أن يدعهما تمران ، فترددت سارة ، وتورد وجهها تحت وطأة نظراته الفاحصة.
" هل تتذكر يا سيد فريزر... بأنك سمحت لي بالذهاب لتصفيف شعري هذا العصر؟".
ووقفت غير واثقة ، بينما سارعت جيل الى العبور خلال الباب المفتوح ، فتمهلت نظراته على رأسها الذهبي بتعمد ، وبدت ساخرة بعض الشيء.
" نعم ، إنني اتذكر الآن ، يا آنسة وينتون ، أظن ان بعض العناية بمظهرك مفيد لك بعد ليلة البارحة ، على الرغم من أن شعرك يبدو لي جميلا على الدوام".
إعترى سارة شعور احمق ، لا تفسير له ، بأن هيو كان يغازلها ، ولولا الوميض الخفيف الساخر في قرارة عينيه لصدّقت بأن خيالها لم يخترع هذه الفكرة.
ولكن كلماته الخيرة التي تناهت اليها ، مصقولة ملساء ، أقنعتها بأنها كانت غبية لتسمح بمثل هذه الخواطر:
" إن المزين الذي ستذهبين اليه ماهر جدا ، فبيث تبدو دائما كنجمة سينمائية بعد ان تزور صالونه ".
كانت جيل قد قادت السيارة وتوقفت بها أمام المدخل ، وراحت تنتظر سارة بصبر نافذ ، ضاغطة على بوق السيارة ، وتحت وطأة هذا الصوت تحطم شلل سارة التي كانت تقف متجمدة في مكانها ، فنظرت الى هيو نظرة شاخصة ، ثم تمتمت تستأذن بالذهاب ، مرددة عدة كلمات غير مفهومة.
ودارت على عقبيها ، ثم فرّت هاربة.

نيو فراولة 05-01-12 02:09 PM

9- وغرّد طائر في القلب


عندما جلست سارة ، بعد عدة ساعات من اليوم نفسه ، تنتظر أيان لياخذها الى الحفلة شعرت بيأس متفاقم ، ولم تكن راغبة في الخروج مطلقا ، ولما وصل ايان أخيرا ، لم يفلح الإعجاب الصريح الذي إرتسم في عينيه أن يخفف من كآبتها ، كيف ستستطيع ان تتحمل الموقف فيما لو علن هيو خطبته لبيث ، كما خمّنت جيل بأنه سيفعل ، وردت سارة الفكرة المؤلمة من ذهنها ، وجلست في لسيارة بجانب ايان.
كان هيو قد سبقها بصحبة جيل وأحد الجيران ، وبقيت سارة في غرفتها عن عمد حتى سمعتهما يغادران المنزل ، وقد قررت ألا تعطيه الفرصة لأدراك حقيقة مشاعرها ، أو أبداء ملاحظة قد تطيح بالبقية الباقية من تمالكها لنفسها.
منتديات ليلاس
أخذت سارة نفسا عميقا ، وأجبرت نفسها على التخلي عن التفكير بمشاكلها عندما تناهى اليها صوت ايان يعتذر بقلق بسبب تأخره .
" لا يهم ، أنا أعرف كل ما يتعلق بهذه الأمور ، فإن مرضاك يجب أن تكون لهم الأولوية بغض النظر عن كل ما يحدث".
" أظن ذلك ( قال بإبتسامة ملتوية ) من حسن الحظ أن الحادث كان بسيطا ، على الرغم من أنه جعلني أعطيه أهمية أكثر مما يستحق عند وقوعه ، تعرفين ما أعني؟".
هزت سارة رأسها مبتسمة وهي تنظر اليه.
كانت المسافة الى بيت بيث ، قرب خليج كارسينغ بعيدة قليلا ، ولكن سارة لم تهتم فقد وجدت في رفقة أيان صحبة طيبة ، وهذا اعطاها الفرصة لإستعادة توازنها ، وكان نور النهار قد بدأ يتلاشى عندما وصلا الى البيت الكبير المربع المحاط بالأشجار ، ولم يبد منعزلا أوكئيبا كلوخ غويل ، ولاحت أراضيه ، المحمية من تأثير الرياح ، غنية بالوان زهور الرودودندرن وزهور الأسيجة التي كانت على وشك التفتح.
" إنه مكان قديم وجميل".
" يبدو أ كل سكان الجزيرة هنا".
همس ايان بصوت خافت ، وهو يأخذ ذراع سارة عند اسفل الدرج الخشبي الحلزوني الذي هبطته بعد أن وضعت شالها في الأعلى.
عند مدخل قاعة الرقص قدّمها ايان الى السيدة اسكويث ، والدة بيث الرملة ، والى السير دونالد أرفين ، عم بيث من غلاسكو ، الذي راح يساعد في الرسميات ، وأعتقدت سارة ، وهي تصافح السيدة الصغيرة الحجم الغنية بمشاعر الأمومة ، بأن بيث لا تشبه والدتها مطلقا ، إذ ان بيث لا تملك إلا القليل من دفء والدتها وعذوبتها.
بعد قليل تحركا ، وقدّمها ايان الى عدد كبير من المدعوين ، ولاحظت سارة وجود حشد كبير ، وكان معظم الرجال يرتدن الملابس التقليدية لسهرة في مناطق الهايلاند ، بينما معظم النساء يرتدين التنانير الشعبية الطويلة ، وراحت فرقة موسيقية تعزف فوق منصة مرتفعة قليلا في قاعة الرقص ، وبدا عليهم السرور واضحا ، وسرت عدوى هذا الجو المرح الى سارة ، فوجدت سارة نفسها بعد عدة دقائق ترقص الفالس بسعادة بين ذراعي أيان ، وقد أخذت بعض مخاوفها السابقة تتلاشى.
وبينما كانا يرقصان شدّها أيان اليه وهمس في أذنها ، وعيناه على شعرها الذهبي المنساب في موجات راحت تتطاير متجاوبة مع خطوات رقصتها السريعة.
" إنك جميلة يا سارة !".
أدركت سارة من النبرة العميقة في صوته ، بانه قد يسعى يوما ما ، كما كان قد لمح لها ، الى نشدان ما هو ابعد من الصداقة ، واحست أنه من الأرحم أن تحاول إيجاد طريقة لتحذره موحية اليه بأن الصداقة هي كل ما تستطيع تقديمه له ، ولكنها كانت شديدة الإستغراق في البحث بنظراتها عن هيو ، من فوق كتفه ، حتى انها بصعوبة سمعت ما كان يقوله لها ، وضاعت معظم كلماته في الفضاء فوق راسها .
ولاح أن ايان قد حزر أخيرا بأن أفكارها لم تكن معه ، ولو لم يعرف أين كانت بالضبط ، فقال:
" إذا كنت تبحثين عن أصحابنا في لوخ غويل فلا داعي لأن تقلقي ، لا شك أنهم هنا في مكان ما يتمتعون بالحفلة والرقص".
" في الحقيقة كنت افكر في جيل".
اجابت وهي تشعر ببعض الخجل من نفسها ، لا لأن ما قالته كان بعيدا جدا عن الحقيقة بل لأن جيل ومشكلتها كانتا لا تفارقان ذهنها.
" أظن انني لمحتا قبل قليل ، في لحظة دخولنا ( قال ايان ) وكانت ترقص ، أعتقد أنها في صحة جيدة الآن ، فقد مضت مدة لا بأس بها على عمليتها".
إبتسمت سارة وهي تلتفت الى أيان ثانية ، وراحت تنظر اليه بينما كان يقودها في الرقص ، وتمنت لو تنسى هيو ، فإن أيان هو الذي إصطحبها هذه الأمسية ، ومن حقه عليها أن تبدو مرحة.
لم تر جيل في أي مكان ، وأملت سارة ألا تكون ما تزال غاضبة من هيو.... من المؤسف أنها لن تستطيع أن تسال كولن أن ياتي معها ، وهذه حقيقة يبدو سلوكها السابق في ضوئها غبيا ، فلو أنها كانت شجاعة ، وحاولت أن تتكلم مع أخيها في الموضوع مرة ثانية ، لكان في وسع كولن أن ياتي معها ويستمتع بالحفلة.
عزفت الأوركسترا النغمات الأخيرة من رقصة الفالس ، وإنساب ايان وسارة بين ذراعيه فوق ارض الصالة ، وعيناه تتلألآن .
" سأحاول ان أجد بعض المرطبات قبل ان يتيقظ الآخرون للفكرة نفسها ( قال مقهقها ) إن المرء بحاجة الى أن يحتفظ بقواه من أجل مجابهة هذا النوع من الرقص".
فكرت سارة بانه كان هناك عدد كبير من الناس ، وراح أيان يحاول ان يشق طريقه بين الجموع بصعوبة بالغة.
" من أين أتوا جميعهم؟".
سالت سارة وقد افلحت في العثور على مكان هادىء ، وعلى كأس من الشراب البارد.
" قد تتعجبين ! إن عددا كبيرا منهم لم يكونوا بين المدعوين على الأكثر ، وهذا لا يعني أنه يمكن ان نعتبرهم متطفلين ، فهم في العادة أصدقاء للاصدقاء إذا أدركت ما أعني".
" نعم ، افهم".

نيو فراولة 05-01-12 02:10 PM

أجابت سارة بهزة من راسها ، وظنت أنه يمكن إعتبارها هي شخصيا من هذه الفئة ، إذا ما توخى الإنسان الدقة ، وحدّقت فيما حولها ترتشف شرابها ، وراحت تستمع بتراخ الى أيان وهو يشير الى عدد من الأشخاص المرموقين الذين اتوا خصيصا لحضور الحفلة ، وكانت لم تر جيل بعد ، وفجأة توترت أعصابها إذ رأت بيث ترقص بين ذراعي الرجل المعجب بها.
بدت بيث طويلة جذابة بشعرها الأسود ووجهها المطلي باناقة ، وكانت حركاتها رشيقة ، ووقعت عيناها على سارة التي تراجعت مجفلة تحت وطأة النظرة العدائية الباردة التي إرتسمت في أعماقها ، ولكنها إعتقدت بعد لحظة بانها لا بد أن تكون قد اخطأت ، إلا ان بيث لم تبد وكانها تفيض بمثل هذه السعادة التي لا بد ان تشعر بها فتاة على وشك ان تعلن خطوبتها.
ولكن أيان لم يتح لها إلا وقتا قصيرا للتأمل ، وبعد العشاء كانت قد بدأت تشعر بمزيد من السرور والإرتياح عندما ظهر هيو فجأة الى جانبها.
منتديات ليلاس
بدا انيقا جدا وملفتا للنظر ، كما يمكن ان يبدو الرجل الطويل فقط في ثياب السهرة ، وعلى الرغم من دوافعها الأخرى ، فإنها لم تستطع ان تمنع نفسها من لذة تأمله بإمعان ، وكانت عيناه تلمعان كالفضة في وجهه الداكن الأسمر.
" هذه الرقصة لي ، كما أظن".
وإنساب بها بعيدا قبل أن يجد ايان الفرصة للإعتراض ، وأمسك بها بعيدا عنه قليلا لكي يستطيع ان يرى وجهها.
" اخبريني هل تتأملين الناس دائما بهذه الطريقة؟ من قمة الرأس الى أخمص القدمين؟".
" آسفة ! هل أطلت التحديق ؟ لقد كنت اتساءل اين كنت؟".
خرجت الكلمات الأخيرة من بين شفتي سارة قبل أن تستطيع إيقافها ، فتوردت قليلا ، ولاح الإحمرار واضحا تحت جلدها الأملس الشفاف.
" لقد كنت اتأمل بذلتك بإعجاب ، في الحقيقة كانت جيل هي التي اردت أن أرى".
" في هذه الحالة من الأفضل ان تتوقفي عن البحث ، لا شك أنها هنا في مكان ما ، ولكن من المستحيل ان تجدي حزمة قش في هذه الزحمة فكيف بالقشة؟".
" كل ما اردته هو ان أتبادل معها بعض الكلمات".
" الا يمكن ان تستعيضي بي عنها ؟ من فضلك لا تفسدي أمسيتي بتوجيه مثل هذه النظرات المتعالية ، إنه شيء توصلت الى إتقانه تماما ، خصوصا خلال الأيام الأخيرة".
وحدّق في وجهها بإمعان ، وعيناه السوداوان تطفحان بالأسئلة إذ إنحدرتا فوق راسها المحني ورموشها الثقيلة ، وكان ثوبها من الحرير ( الجورجيت ) أبيض اللون ، له كمّان واسعن مضمومان عند الرسغين ، وتكمله تنورة فضفاضة ، وكان صدر الفستان ضيقا إلتصق بجسدها ، كاشفا عن عنقها وكتفيها ، وبدت سارة فيه جميلة جدا.
أحست بحواسها تتخدّر تحت وطأة نظراته العميقة ، وشعرت بالضعف ، فكادت تتعثر إذ وجدت نفسها تغرق في بحر من اليأس ، وضاقت ذراعاه حولها للحظة ، وشدّها اليه ،ولم يصغ الى الإعتذار القصير الذي تفوّهت به ولا التفسير الذي صاحبه.
لزمت سارة الصمت مشيحة بوجهها ن واخذ النبض يضرب بشدة في اسفل عنقها ، وغامت عيناها ، لم تشعر أبدا بمثل هذا الشعور من قبل ، وكرهت هيو لأنه كان السبب ، شهق هيو نفسا مسموعا وعيناه تتنقلان فوق وجهها:
" دعينا نخرج من هنا ، كل هؤلاء الناس ! لا أعرف من أين جمعتهم بيث".
" هذا من اجل غاية جيدة".
إعترضت سارة بوهن ،وهي تشعر بهيو يقودها عبر باب جانبي بحزم ، ثم عبرا ردهة مظلمة بإتجاه خلفية المنزل ، ولم تعرف اين كانا ذاهبين.
" أشك في أن يستطيع الكثيرون منا التحمل".
علّق هيو بجفاء ، وهو يفتح بابا خارجيا إنتهيا منه الى الهواء النقي العليل.
وجدت سارة نفسها تمشي مسرعة عبر ممر الحديقة ، ثم عبر قوس بني في جدار آجري قديم يقود الى خميلة من اشجار الصنوبر وبعض الأعشاب القصيرة المتشابكة ، بعد ذلك هبطا بعض الدرجات الحجرية غير المنتظمة ، ووصلا الى كوة قرب ما بدا لسارة في الظلام بركة تكاد تغطيها الأعشاب النامية ، وقرب البركة رأت مقعدا خشبيا قويا صقله تعاقب المواسم والأجواء.
حدّقت سارة بفضول الى زوايا الحديقة التي بدت واضحة في ضوء القمر ، وكادت أن تنسى وجود هيو للحظة ، حتى قال بهدوء:
" لن يجدنا أحد هنا".
وتمهل ، وأخذت الرياح تخلف فوق وجهه ظلالا كلما هبت خلال أغصان الأشجار القريبة ، مما أعطاه منظر قرصان متغطرس متهور ، واخذ قلب سارة ، الذي كانت ضرباته قد هدأت نسبيا ، ينبض من جديد بشدة عندما نظرت اليه ، وشعت إبتسامته برقة عندما نظرت اليه كومضة بيضاء في العتمة ، ولكنها دهشت عندما قال لها:
" كان أخو بيث صديقي ، وكان معروفا في عالم سباق السيارات ، لن تستطيعي تذكّره بالطبع ، لقد قتل قبل عدة سنوات ، وكانت هذه البقعة هي بقعته المفضلة ، كما كان يدعوها ، كنا نأتي الى هنا احيانا عندما كنا صغارا لهرب والإختباء من بيث ، لا أحد ياتي الى هنا الان ، كما أعتقد".
" آسفة ، إنني افهم".
ووقفت امامه في ثوبها الأبيض الطويل .
" الا تؤمن بالأشباح؟".
" لا ، فيما عدا الشبح المنتصب أمامي الآن ".
وكانت الإبتسامة ما تزال ترف على شفتيه عندما لمس أحد قرطيها الذي راح يهتز.
" وهو ليس يالتأكيد شبح بن الذي كان يتمتع بروح الفكاهة والمرح".
سمعت سارة وراءها صوت إنسياب المياه الى البركة المهملة ، تحت الأعشاب النامية ، وكان الصوت الوحيد حولها عندما توقف هيو عن الكلام ، وعلى الرغم من شعورها بعدم الإرتياح ، سارت بعيدا عن هي والى حافة البركة ، ونظرت الى اعماقها المظلمة ، وأحست بالدموع تلسع عينيها.
"لقد بنى بن هذه البركة بنفسه ( قال هيو مقتربا منها ، ومتابعا إتجاه نظراتها دون ان يلاحظ الدموع في عينيها ) كان يحب العمل في الحدائق ، مثل بناء الجدران وشق الدروب وغير ذلك ، ولم أستطع مطلقا أن أعرف كيف كان يوفق ولعه بالحدائق وتعلقه برياضة سباق السيارات".
" إن حبه للحدائق ما كان ليقتله".
قالت سارة وقد إعتراها الخجل قليلا للنبرة الجريئة في صوتها ، ولكنها ما كانت ترغب في ان تدفع العواطف تتسرب الى نفسها ولو قليلا ، وبدت لها اللهجة العاطفية في صوت هيو سلاحا آخر يوجه ضد تحصيناتها المضعضعة ، إذا لم تتوخ جانب الحيطة فإن البقية الباقية قد تتداعى ، مخلفة إياها تحت رحمته تماما.

نيو فراولة 05-01-12 02:11 PM

وفجأة تمنت سارة بيأس لو كانت أكبر سنا أو أكثر خبرة ، إن هيو يثيرها ويحيرها معا ، وهو يبدو قادرا على قراءة حالتها النفسية ، واحيانا يبذل جهده لكي يروح عنها ، ولكنها لا تعرف كيف تعامل معه مطلقا ، لقد إعتاد ان يرمقها بطريقة توحي بالإستمتاع والتسلية ، وهو يملك القدرة على إقتحام قلبها الأعزل بقسوة ، وراحت اصابع سارة تبحث بلا وعي عن شيء تتمسك به ، فلمست أوراق زهرة من زهرات الليلك الرقيقة ، وإستدارت بحركة آلية ، ودفنت رأسها بين الزهيرات الباهتة المعطرة.
" سارة !".
منتديات ليلاس
جاءت ضحكة هيو رقيقة ، هازئة قليلا ، ونفذت الى أعماق قلبها ، ورفعها بين ذراعيه ، وحملها الى المقعد ، ثم وضعها هناك وجلس بجانبها ، ولكنه إحتفظ بإحدى ذراعيه حولها.
سكنت بلا حراك ، وإعتراها ما يشبه الغيبوبة ، ومد هيو يده الأخرى الى ذقنها ، ورفع وجهها اليه مراقبا العرق الذي راح ينتفض في صدغها .
" انت تعرفين لماذا أردت ان نأتي الى هنا ، أليس كذلك؟ لا من أجل ان اكلمك عن بيث أو بن أو جيل ، بل لكي أعبر لك عن الحب ، كما أردتني أن أفعل عندما كنا فوق جبل بن مور ، لقد شعرت بذلك".
إرتجفت سارة دون أن تستطيع السيطرة على رعشاتها وقد صدمتها هذه المفاتحة الصريحة.
" لا أريدك ان تشعر بأنك مدين لي باي شيء".
قالت وهي تغص، وقد غمرتها المذلة ، وإشتعل وجهها خجلا وهي تحاول أن تنتزع نفسها بعيدا عنه دون جدوى ، كيف دفعتها الأقدار الى الوقوع في حب رجل بمثل هذه القسوة ، رجل لا يتورع عن تعييرها بضعفها ورهافة حسها ، ولكنها لم تستطع الإفلات بهذه السهولة ، فإن القسوة التي عرفتها فيه من قبل كانت لا تزال هنا ، تسخر بها وتؤلمها.
لم يحاول أن يتظاهر الآن ، ولم يكن في موقفه أي من التحفظ والسيطرة على النفس اللذين أظهرهما في الليلة الماضية .
أحس هيو بإرتجافها فرفع راسها ، ولكنها دفنته بسرعة في كتفه ، فأجبرها على رفعه ثانية ، ولاحظ اليأس المرتسم على وجهها وإضطرابها الفائق ، وتناهى اليها صوته يقول:
" غدا يا سارة ، يجب علينا انا وأنت ان نتحدث ، لعله ما كان يجب أن آتي بك الى هنا هذه الأمسية ، ولكن هذا الشيء بينا هو أمر لا يستطيع الإنسان أن يقاومه مدة طويلة".
وابرز ضوء القمر معالم وجهها الجميل الصافي ، وبدا يافعا أعزل ، وقد إستدارت عيناها تحت وطأة عنف مشاعرها.
" إذا ! " قالت بصوت خافت ، لا يكاد يسمع ، وانفاسها تتصاعد مضطربة لافحة عنقه ، إنها لا تريد ان تفكر بالغد ، لا توجد إلا هذه الليلة وهذا الرجل ، فالان لم تعد تملك ذرة من الكبرياء ، إنها لا تريد إلا أن يحبها هيو كما تحبه ، الكلمات ليست كافية ، غير مهمة.
" يا حبيبتي...".
كان ما يزال قربها ، ولكنه إستعاد تمالكه لنفسه ، وتصاعد صوته أكثر ثباتا ، وقد عادت اليه بنرته الفولاذية .
" لقد أتيت مع ماكنزي ، ولهذا يجب أن أعيدك اليه قبل أن يشرع في البحث عنك ، ستقولين له بأنك لا ترغبين في الخروج معه ثانية ، إن غدا لهو يوم آخر !".
هل كان يعتذر أم يتوسل الى مشاعرها الأسمى ؟ ورمت براسها الى الوراء بعنف والشكوك تدميها.
"وماذا بشأن بيث ؟( لم تستطع ان تمنع نفسها من السؤال ، وهي تحدق فيه خلال الظلام ) لا يوجد شيء بيني وبين أيان ، ولكن أنت وبيث... قالت جيل بانك قد تعلن خطبتك لها هذه الأمسية".
راح راسها يدور وغزاها شعور حاد بالعذاب ، إنها على إستعداد لأن تدفع أي ثمن مقابل إسترجاع هذه الكلمات التي افلتت منها مندفعة رغما عنها ، ما كان يجب أن تذكر بيث ، ولكن النزوة التي دفعتها الى الكلام كانت أقوى منها ، شعرت سارة بجسد هيو يتصلّب للحظة ، ولكن ليس غضبا ، ولم تستطع ان تتبين ملامحه لأنه كان يقف عكس القمر الذي كسته غمامة ،ولم تلمح إلا بريقا خفيفا في عينيه عندما قال برصانة:
" إن جيل تتحدث كثيرا ، هذه كانت عادتها دائما ، وهي بارعة في الوصول الى النتائج الخاطئة ( وإستدار فجأة وأمسك بوجهها بين يديه ) لا تضيفي شيئا آخر ، يا سارة ، سنعود الآن ، وكما قلت لك قبل قليل ، إن الغد لهو يوم آخر".
كانت الأوركسترا تعزف النغمات الأخيرة لأحدى الرقصات عندما دخلا قاعة الرقص ، وصدمت حواس سارة الأنوار المتلألئة وروح المرح السائدة في القاعة ، وكأنها نغمات ناشزة ، وأحست بالثقل الجاثم على قلبها يتفاقم ، ولم يساعد وجه هيو المجهد على تشتيت هذه المشاعر ، وداخلها الشعور بأنها كانت تحلم هذه الساعة الأخيرة ، وأن شيئا لم يحدث في الحقيقة.
ثم بدت الدقائق الالية وكأنها قد نجحت في تحويل الأمسية الى كابوس مخيف ، فقد ظهرت جيل أمامها فجأة وراحت ترقص بإتجاههما بين ذراعي كولن ، وذلك في اللحظة التي داهمتهما فيها بيث مصممة غاضبة.
إعترى سارة ما يشبه الإغماء ، شعور جديد مريع ، وهي ترى بيث تضع ذراعها حول ذراع هيو وكأنها تملكه ، مبتسمة له إبتسامة مضيئة.
" لقد بحثت عنك في كل مكان يا حبيبي ، ذكر لي البعض بأنك كنت تتناول مشروبا ، ولكنني لم اجدك ، ثم سالت جيل عنك ولكنها كانت مشغولة جدا بالتمتع بصحبة صديقها الفنان من لندن ، مما جعلها غير قادرة على الإنتباه الى أي شخص آخر ، انا أغفر لها بالطبع ، فقد بدت غارقة في الحب".
ووقعت ضحكة بيث الرنانة كالصقيع على رأس سارة.
تبعت ذلك لحظة صمت ، وأخذ اللون يتسرب من خدي سارة ، تاركا إياها تبدو شاحبة وخائفة ، ولم تضطر للنظر الى وجه هيو لترى العبوس يتجمع فوق وجهه وذلك عندما لوّحت جيل لهم بجرأة ، ثم إختفت هي وكولن في زحمة الموجودين.

نيو فراولة 05-01-12 02:13 PM

تابعت بيث الإبتسام ، ممسكة بذراع هيو ، وعيناها تدرسان مظهر سارة المشعث قليلا بنظرة باردة حقود ، وبدا واضحا انها إستخلصت نتائجها الخاصة ولم يعجبها ما رأت.
وأدركت سارة ذلك عندما تمتمت بيث بسلاسة:
" لقد رايتك وجيل تدخلان كوخ الفنان البارحة ، يا سارة ، ولكنني كنت مستعجلة جدا فلم أتوقف ، كنت على وشك سؤال جيل أن تصطحبه معها اليوم ، ولكنيا لحسن الحظ كانت من النباهة بحيث توقعت الدعوة".
كانت سارة تعرف بأن بعض النساء قادرات على التصرف بذكاء شيطاني عندما يتعرضن للإثارة ، وكانت تعرف أيضا بان بيث كانت تعلم بوجود كولن وبعض الخلاقات والمناقشات بشأنه ، ومن المحتمل ان جيل قد سدت الثغرات في معلوماتها ، الى حد الإفضاء اليها بدور سارة في الموضوع ، وكل ما تحتاجه بيث الآن هو تشويه بعض الحقائق، مستعملة المعلومات من أجل الوصول الى غرضها .
زحفت البرودة الى جلد سارة ، ومعها شعور بالحتمية، فإن الشيء الذي خشيته أكثر من غيره قد حدث أخيرا ، عن هيو يعرف الان دورها في محاولة خدعه ، وبدا الإحتقار الذي يشعر به إتجاهها واضحا على وجهه ، وتناهى اليها صوته يقول بإقتضاب من خلال ضباب العذاب الذي إكتنفها:
" إسمحي لسارة ولي يا بيث بإنهاء هذه الرقصة فقط".
قبل ان تستطيع سارة الإعتراض جرها بعيدا عن عيني بيث المشمئزتين الى حلبة الرقص ، ولكنها لم تشعر بالإمتنان له في قلبها ، فلا شك ان الإستجواب سيبدأ الآن ، بدأت التعاسة تتجمع في نفس سارة إذ أخذ خوفها يتفاقم ، وتعثرت قدماها على الأرض المصقولة ، فشدّها هيو بسرعة الى الأعلى ، محيطا إياها بذراعيه الشديدتين وقال بصوت خافت قاس:
" حاولي على الأقل ألا تفقدي قدميك وقد فقدت كرامتك".
" من فضلك ، يا هيو".
همست وهي تحاول أن تسيطر على نفسها ، ولكنه قاطعها بصوت متحجر :
" لا تقولي انك تملكين تفسيرا ، وانك لا تعرفين عما كانت بيث تتحدث ، لأنني لا أريد أن أسمع تفسيرا".
حدقت سارة فيه بعينين وجلتين واسعتين ، مميلة رأسها الى الوراء لكي ترى وجهه ، لا شيء يمكن أن يكون أسوأ من هذه اللحظة ، إن هيو إنسان غريب ! لا صلة له بالرجل الذي إحتواها بين ذراعيه بحب عميق في الحديقة ، وشملتها عيناه بنظرات كالسياط ، وقد لاح النفور في كل خلجة من خلجات وجهه.
" من فضلك يا هيو ، يجب أن تصغي الي ، من أجل جيل على الأقل ، ألا نستطيع أن نذهب الى مكان ما لكي نتحدث؟".
رفض هيو توسلاتها على الفور ، كما توقعت ان فعل.
" هذا المكان يصلح للكلام كأي مكان آخر ، ولو أنني وجدت نفسي معك بمفردنا لوقعت في خطر إستعمال العنف الجسدي ، أو أتحت لك الفرصة ثانية لكي تتلاعبي بي كما تشائين ، وهو شيء يبدو أنك قد تمتعت به جدا في الماضي".
من ذا الذي قال بان الكوابيس لا تستمر ؟ هذا الكابوس يمكن أن يستمر العمر كله ! وحاولت سارة تحت عنف صدمتها أن تنتزع نفسها بعيدا عنه ولكنه أمسك بها كالكماشة ، وأحاطت اصابعه بخصرها الرقيق كالفولاذ ، ووجدت انها إذا ما ارادت ان تتجنب إثارة الإنتباه ، فمن الأفضل لها ان تتبعه حيث يريد.
وبدا من غير المنطقي ، إنه على الرغم من تهكمه ، كانت ما تزال تتآكلها الرغبة الملحة في ان تدعه يرى بأنها لم تتعمد أن تخدعه ، وأنها تصرفت كما فعلت مدفوعة بتيقنها من ان كولن براون قد تعرض للظلم في الحكم عليه ، ثم انه بوجود أخت كولن في الكوخ معهما طوال الوقت بدا من الحكمة إتاحة الفرصة لجيل وكولن لمعرفة حقيقة مشاعرهما دون التعرض للمعارضة وتأثيراتها السلبية.
" على الأقل ، دعني اقول لك بأنني شخصيا اعتقد بأن كولن براون هو شاب جيد يمارس مهنة جيدة ، وهو يرغب صادقا ، بالتعرف عليك".
" ما الطف هذا ! لا أحد يستطيع الإدعاء بانك لم تزنيه وتقيميه جيدا ، ولكن، بحق السماء ، وفري عليّ التفصيلات".
" إنني أكرهك!".
" الشعور متبادل".
قال منفجرا بلهجة يفعمها عنف مستكن ، وومض بريق الخطر في عينيه وهوو يستوعب شحوبها الشديد ، لم يكن هنالك من مخبأ وأحست بمصابيح الثريات المطلة من سقف الصالة المزين تلسع وجهها بنورها المتألق ، ولاح هيو تجسيدا للقتل ، القتل المجرد العاري.
" انا أعرف كل شيء عن عزيزنا السيد براون ، هذا يعني ( إستطرد مصححا ) إنني اعرف الآن ، وبناء على معلوماتي أجدني اتفق معك في الرأي في انه لا غبار عليه ، ولكن ليس هذا هو الموضوع المطروح ، وانت تعرفين ذلك ، فلقد تعمدت أن تخدعيني ، وانا لا أهتم مطلقا بالأساب المخففة ، لأنني طلبت منك ان تفعلي شيئا ووافقت ، ولكنك لجأت من وراء ظهري الى العمل ضدي طوال الوقت".
قابلت عينا سارة الكبيرتان المحملقتان عينيه بتوسل بينما راح الألم والإستياء يصطرعان في نفسها.
" إنني لا أرى الأمر كما تراه ، يا هيو ، لقد ظننت بأنني كنت أتصرف من أجل خير الجميع ، ثم إنني قد وضعت كل مشاعري الخاصة بشأن دوري في الموضوع في المكان الثاني ، لأن إهتمامي الرئيسي كان منصبا على مصلحة جيل".
" ما الطف هذه الخطبة الصغيرة، يا سارة ، هل كنت تتوقعين التصفيق والثناء ؟ بدلا من ان تكثري من الإحتجاج ، لماذا لا تعترفين بأنك كنت قد قررت أن تتصرفي كما تشائين منذ البداية ؟ مثل طفل افسده التدليع ، حسنا ، إنني أرى الآن والفضل هو لبيث ، وأنا أعرف تماما حقيقة معدنك".
" كيف تجرؤ.......؟".
وإندفعت الدماء الحارة الى خديها ، وتحولت الى عاصفة من الغضب ، وإنتهت الرقصة بمرافقة لحن صاخب من الأوركسترا ، فتوقفا يحدقان كل منهما في وجه الآخر ، غير عابئين بالناس حولهما ، وتصلب ظهر سارة من شدة الغضب الذي خنق دموعها في مهدها ، ورمت برأسها الى الوراء متحدية.
" ألا تظن ، بانه قد يكون هناك تفسير مختلف؟ لقد إكتشفت بانك كنت مخطئا فيما يتعلق بكولن براون ، ولكن لم تفكر بأن تأتي لتصارح من يعنيهم المر بحقيقة ما إكتشفت ، كيف إستطاعت مثل هذه المعلومات أن تنزلق من ذاكرتك العجيبة ! ولو أنك فعلت ، لكنت أنا وجيل لك من الشاكرين".
ثم إستدارت ، إذ لم تعد تملك السيطرة على كلماتها ، ودون أن تنتظر أي جواب جرت مبتعدة ، ولم تكن من المغرمات بالخناق ، وقد لاحظت انها وهيوقد اخذا يجذبان إنتباه الموجودين ، وسارعت سارة لمغادرة قاعة الرقص ، وتنفست الصعداء عندما عثرت على أيان في طريقها.

نيو فراولة 05-01-12 02:14 PM

كان يمشي في الردهة ، وبدا واضحا أنه كان يبحث عنها ، وشعرت بوخزة من الشعور بالذنب عندما أشرق وجهه فرحا برؤيتها ، هل هي في حقيقتها إنسانة مخادعة ، كما تشعر الآن ؟ ربما ، ولكنها وجدت من الصعوبة أن تسيطر على العواطف التي كانت تعتمل في نفسها.
" من فضلك يا ايان ، عندي صداع عنيف ، هل تتفضل بإيصالي الى البيت ؟".
عبس أيان وهو يحدق في وجهها بإمعان ، بعينين قلقتين ، وقد تيقظت حاسته الطيبة.
" لم تتعرضي لحادث أو لشيء من هذا القبيل يا سارة؟".
" لا في الحقيقة... إلا إذا كان بإستطاعتي أن أصف نقاشا حادا مع رئيسي بالحادث ، إن الرقص يوشك على التوقف يا ايان ، آمل ألا يزعجك ان نغادر الان".
" طبعا لا ، في الحقيقة كنت على وشك أن أسالك شخصيا بان تدعينا نذهب الآن ، فبعد نصف ساعة سيبدأ صف طويل من السيارات بالتجمع لمسافة ميل تقريبا ، مما سيجعلنا غير قادرين على التحرك ، إذا إستطعت العثور على معطفك فستجدينني في السيارة خارج البوابة".
كانت سارة ما تزال تشعر ببعض الخجل عندما فكرت بايان بعد عدة ساعات ، ولم تدرك إلا بعد اوصلها وتركها ، بانه لم يقل إلا القليل ، وكأنه قد خمن الإتجاه الحقيقي لعواطفها ، وساق بها الى لوخ غويل بدون أن يبدي ولو ملاحظة واحدة غير لطيفة ، على الرغم من أنها شعرت بانه كان يود لو يعرف موضوع الخلاف مع هيو ، لا شك أنه سيعرف في القريب العاجل.. بعد ان تكون قد ذهبت.
كان رأسها ما يزال يؤلمها ، على الرغم من الحبوب التي اصر ايان بأن تأخذها ، ولكنها حاولت أن تتجاهل صداعها ، وقفزت من فراشها ، لقد نجحت في الحصول على قسط من النوم على الاقل ، مع انه كان نوما متقطعا مضطربا.
كان الذي ايقظ سارة هو صوت السيارة في الساحة أمام القلعة ، وتذكرت بأن هيو كان قد رتب لخروج لقضاء هذا اليوم مع جون فينلي ، مما سيدفعه لمغادرة القلعة باكرا ، من الواضح أنه لن يدع خلافا مع سكرتيرته يفسد متعته.
وصلت الى النافذة في اللحظة التي إختفى فيها هيو ، ولم تلمح منه ألا راسه الداكن قبل أن يسوق بعيدا ، ولما إستدارت وقعت عيناها على فستان حفلة الليلة الماضية ملقى على الأرض ففي الساعات الأولى من هذا الصباح ، عندما نزعته ، لم تبال بما يحدث له ، فإتجهت بسرعة ال خزانة الثياب ، وفتحت بابها ، ثم أنزلت حقيبتها ووضعت فيها ثيابها.
يجب أن تترك لوخ غويل في الحال ، لن يكون بإمكانها أن تبقى وتواجه هيو مرة ثانية ، ليس بعدما حدث ليلة البارحة ، فلا شك أن إحتقاره لها سيكون واضحا الى الحد الذي يثير الإرتباك بينهما ، هذا فيما عدا مشكلة حبها له الذي لن تستطيع ان تخفيه ، ثم أن عملها هنا قد إنتهى تقريبا ، ولن يجد هيو صعوبة في إتمامه بنفسه ، أو ربما تتبرع بيث بتقديم كل المساعدة التي تحتاجها.
إنتهت سارة من حزم ملابسها وسارعت لوضع خططها ، ستتكلم بالهاتف لتطلب سيارة أجرة من سالن ، ثم تأخذ المركب من كريغغنيور ، ولم تكن تعرف موعد مغادرته للجزيرة ، ولكن سائق سيارة الأجرة سيخبرها لأن سكان الجزيرة يعرفون مثل هذه الأشياء في العادة ، ومن أوبان ستاخذ القطار الى غلاسكو ، ثم الى لندن، وإذا حالفها الحظ فستصل الى منزلها في المساء .
بعد ساعتين كانت تجلس على الرصيف في كريغينور ، كان الوقت الحادية عشرة فقط ، وقال لها سائق سيارة الأجرة بأن المركب سيصل قبل الساعة الثانية عشرة ، ولهذا لن تنتظر طويلا.
كان اهل البيت في لوخ غويل ما يزالون في الفراش عندما غادرت ، وكانت قد كتبت رسالة صغيرة لهيو تركتها في المكتبة ، وقالت لبيدي بإقتضاب بانها قد إستدعيت للعودة الى لندن في الحال ، ولم تكن واثقة فيما إذا كانت بيدي قد صدقتها ام لا ، ولكنها وعدت بان تخبر الاخرين عندما يهبطون من غرفهم ، لا شك في ان هيو سيفكر في عذر مناسب عندما يعود.
اما الآن فقد جلست على صندوق مقلوب لتخزين السمك ، كما فعلت عندما قدمت قبل عدة اسابيع ،ولكن بدلا من أن تنظر بإتجاه البر راحت تنظر نحو البحر ، لأنها هذه المرة كانت تنتظر المركب وليس رجلا ذا لسان حاد وعينين أكثر حدة ، رجلا كتب عليها أن تحبه.
كان الصباح جميلا ، رطبا ومنعشا ، لا غيوم إلا ما تجمع منها فوق الأفق ، فأغلقت سارة عينيها بتصميم ضد سحر المنظر ، عندما تذهب بعيدا عن الجزيرة ستشعر بالتحسن دون شك ، ولكنها الآن يجب أن تحتفظ بذهنها جامدا كأبي الهول ، يجب ألا تفكر.
وفجاة فتحت عينيها المغرورقتين بالدموع ، وقلبها يخفق بشدة ، وشعرت بالضعف يسري في قدميها ، فقد حادت سيارة اللاندروفر عن الطريق الشمالي ، وسارعت بإتجاه الرصيف ثم توقفت قربه بضغطة شديدة على الفرامل ، وقفز منها رجل طويل داكن الشعر....
آه ، لا ، وقفزت يد سارة الى عنقها ، ليس للمرة الثانية ، ودون ان تعير إنتباها لوهن رجليها ، سارعت للوقوف متعثرة فوق قدميها ، غير مصدقة ما رأته عيناها .

نيو فراولة 05-01-12 02:15 PM

ولكن هيو لم يتوقف للسؤال هذه المرة ، ودون ان يتكلم أو ينظر اليها كما يجب ، إلتقط متاعها بقسودته المعهودة ، وألقى به كيفما كان في مؤخرة السيارة.
" أين تظنين انك ذاهبة؟".
قال أخيرا ، وهو يحيد بالسيارة عن الرصيف.
لاحظت أنه كان في منتهى الغضب ، ولكن لم يكن هنالك ما تستطيع أن تفعله لأن صوتها بدا وكأن أصابه الشلل ، واخيرا إستطاعت أن تقول بصوت ضعيف:
" هل وجدت الرسالة التي تركتها لك؟".
" نعم ( قال بعنف وهو يغيّر السرعة قرب المنعطف ) لقد إستلمتها ، ورأيت جيل أيضا ، ولكن هذا ليس هو المهم ، إن جيل لا تملك ذرة من التعقل ، ولكنني توقعت منك أن تكوني أكثر حكمة".
لم يفت سارة تهكمه الشديد، فإستدارت بسرعة لتنظر من النافذة ، والدموع توشك ان تقفز من عينيها.
" لقد ظننت بانك كنت ذاهبا لقضاء اليوم بطوله بصحبة صديقك".
أطبق هيو فكيه بشدة وقال بإيجاز:
" ولهذا قررت أن تهربي وتذهبي الى جين في لندن".
تبعت ذلك لحظة صمت طويلة ، وشعرت سارة بالعرق يكسو كفيها ، فكوّرت اصابعها حولهما بشدة ، وتابعت اللاندروفر طريقها ، وضاق الشارع ، وفجأة قاد هيو السيارة الى طريق فرعي وتوقف ، فوجدت سارة نفسها في مكان تحيط به أشجار الصنوبر ، المكان نفسه الذي توقفا فيه في السابق ، في اول يوم لها على الجزيرة.
اوقف هيو المحرك ، وإستدار اليها على الفور ، ولاحظ تعبيرها الوجل .
" الآن ( قال بحدة وبدون شفقة ) سنتكلم أنا وأنت".
" حسنا ، إفعل ما تشاء إذا كنت تظن بأن هذا سيشكل فرقا ما".
أجبرت نفسها على القول بلا إكتراث.
وإنطلقت يده الى كتفها ، وأمسك به ضاغطا ، موجعا إياها عن قصد .
" إصغ الي".
ولمعت عيناه بسخرية ، ودفعت نبرة صوته بالدماء الحارة الى وجنتيها ، وظلّ يحدّق في عينيها حتى لم تعد تحتمل نظراته ، فأطبقت جفنيها ، وهمست:
" لقد قلت بانك رأيت جيل".
"نعم ( قال بإقتضاب ) وقد فسرت الكثير ، كل ما لجأت اليه كي تجبرك على الموافقة على خططها من اجل أن تخفي صديقها ، لا يسعدني ان أقول بأنه قد ثار بها الغضب عندما ذكرت لها بانه لم يكن هناك داع لهذا".
فسارعت سارة الى القول عندما توقف لحظة متأملا:
" لقد ذكرت شيئا عن كولن في الحفلة ، شيئا عن كونه مناسبا".
وضع هيو أصبعه تحت ذقنها ، وأجبرها على النظر اليه.
" لقد قبض رجال الشرطة على كولن براون عندما قاموا بمهاجمة ناد كبير من أجل ضبط المخدرات ، لا أظن أن جيل قد فكرت بإطلاعك على هذه الحقيقة !".
ولما هزّت سارة راسها مجفلة ، إستمر قائلا:
" لقد أطلق سراحه لحسن الحظ إذ ثبتت براءته ، ولكن قبل ان يحدث هذا إستلمت والدة جيل أخبارا سيئة من أميركا ، قبل ان تتزوج من والدي كان قد مضى على ترملها خمس سنوات ، ولو ان المعلومات التي إستلمتها كانت صحيحة ، لكان معنى هذا بان زوجها الأول ما زال على قيد الحياة ، مما يعني بدوره من الناحية الفنية بان زواجها من والدي لم يكن قانونيا ، كل هذا حدث بعد موت والدي بقليل مما جعل المرأة المسكينة تكاد تفقد عقلها ، ولكن ما لبثت أن تبينت بأنه كان هنالك خطأ في الموضوع ناشىء عن عدم إكتشاف هوية الميت الحقيقية ، بالإختصار ، كانت قد فقدت زوجها الأول في حادث طائرة في المكسيك ، ووقعت أوراقه بين يدي شخص آخر ، وبعد كل هذه المدة يشاء سوء الحظ ان يلقى هذا الرجل حتفه في حادث فتقع أوراق زوجها في أيدي الشرطة وتكون هي الأوراق الوحيدة التي أمكنهم التعرف من خلالها على هويته ، ولهذا إتصلوا بها في لندن".
منتديات ليلاس
حاولت سارة مستاءة أن تجد تعليلا.
" إما كان بالإمكان أن تذهب جيل معها ... او أنت".
" لقد رفضت أن تصغي لمثل هذا الإقتراح ، إن اختها في بلتيمور معها الآن بالطبع ولكنها لم تشا ان تعرف جيل شيئا عن الموضوع ، خصوصا الآن ، بعد أن زالت الحاجة".
"ولهذا فقد طلبت منك أن تعتني بجيل وتراقبها أثناء غيابها ، وما كدت أصل الى هنا حتى أمرتني بالتعاون معك".
بدا فمه الساخر حنونا.
" تذكّري يا سارة بأنني لم أكن معتادا على الأمور والمشاكل العائلية ، لعلني قد تصرفت بمبالغة ، باذلا الجهد لبناء خط دفاعي ثقيل ضد عينين زرقاوين جميلتين".
حاولت سارة أن تحتفظ بشيء من حضور الذهن من أجل أن تتجاهل ضربات قلبها
" مساء البارحة ، ذكرت بأن كولن شخص لا بأس به ، ولكنك لم تشر الى هذه الحقيقة من قبل".
كشّر هيو لاويا وجهه وقال:
" لأنني لم أعتقد بأن هذا كان ضروريا ، لقد ظننت أن جيل نسيته ، أو لعلك تستطيعين أن تعللي السبب بحالتي النفسية".
" ولكن متى إكتشفت الحقيقة؟".
" ألحّت سارة.
" عندما ذهبت الى لندن ، وقابلت جيمس كار ، كان قد تعهد بان يبحث لي عن الحقيقة ، وقد قابلت ايضا جين مارلي ، وتكلمنا معا".
أضاف ، وقد رقّت عيناه.
عبث النسيم المتسرب من نافذة السيارة بشعر سارة ، ولكنها رفضت بأن تدفع ذهنها يشرد.
" ليلة البارحة كنت غاضبا جدا".
" طبعا يا حبيبتي ( وجاء صوته مرحا مفعما بالسخرية ) يجب ان تتذكري بأنني لم أكن أعرف أن السيد براون كان على ظهر الجزيرة ، ناهيك عن كونه يقطن هنا في كوخ إستاجره ، وعندما تبرعت بيث بالهمس بالمعلومات في أذني إحمرت الدنيا في عيني ، ولم يكن وجود كولن هنا هو الذي هزّني ، بل علمك بوجوده".
حدّقت سارة فيه بعينين واسعتين تحف بهما الظلال ، ثم تحركت شفتاها الرقيقتان ، وقالت بندم::
" ىسفة ، يا هيو ، ارجو ان تصدقني".
" يا حبيبتي ( قال ضامّا إياها بشدة ) أنا هو الذي يجب أن يعتذر ، لا أنت ، كل ما أستطيع أن أقوله هو ان الحب يجعل الإنسان حساسا واعمى ، لقد أردت ليلة البارحة أن أتوسل اليك لكي تتزوجينني ، والله وحده يعلم بأنني لم ادع شيئا يقف في طريقي من قبل ، ولم يحل بيني وبين سؤالك إلا مزيج غريب من الأسباب المتصلة ببن وايان ماكنزي ، لقد اردت ان يكون المكان مناسبا لأنني لم اسأل فتاة من قبلك ان تتزوجني ، وأنا في العادة لا أدع مجالا لحقد بيث وحبها للإنتقام ان يؤثرا علي".
" أنت لا تحبها إذن؟".
إنحنى هيو وقال:
" ليس هنالك شيء البتة بين بيث وبيني ، يا حبيبتي ، كل ما في الأمر أنها تظن انها تميل اليّ أكثر من غيري من الرجال".
إبتسمت سارة بعذوبة ، ولكنها لم تناقش ، إذ أن بيث أسكويث لم تعد مهمة على الأطلاق.
وضمّها اليه مرة ثانية.
" أحبك ( قال بصوت سريع خافت ، وكان نواح الريح هو الصوت الوحيد للحظة ، حتى رفع رأسه وتمعن في وجهها المحمر الرقيق ) أحبك يا حبيبتي ( ردّد بإنفعال ) ولكن هل انت على إستعداد للزواج مني والعيش هنا في لوخ غويل ؟ إنني أنوي ان أدير املاكي هنا بنفسي ، واراقب اعمالي في لندن من لوخ غويل".
رفعت سارة الى هيو عينين تتالق فيهما النجوم ، وحدّقت فيه وفمها يرتعش تحت وطأة العواطف العارمة التي جاشت فيها.
" سارعاك يا سارة ( قال واعدا ) ساحاول ان أعوّضك عن كل شيء".
تناهى الى سارة تغريد طائر ، وكان الهواء عابقا بروائح الصيف في الجزيرة ، وسمعت في صوت هيو حنانا لم تستطع ان تنكره.
" يا حبيبي ( ردّت بصوت يكاد لا يكون مسموعا ) إنني أحبك الى الدرجة التي لا يهمني فيها اين أعيش ، ولكن لوخ غويل مكان مثالي ، لوخ وغويل وأنا وانت".
لقد جاءت الى هذه الجزيرة قبل مدة قصيرة بقلب مجروح حزين ، اما الآن فقد راح قلبها يخفق متناغما مع خفقات قلب الرجل الذي كان يضمها بحنان ، ولم يعد قلبها يرجع إلا أصوات البحر ، وفاضت به الموسيقى.



تمت

Rehana 06-01-12 03:13 PM

يعطيك الف عافية على مجهودك في كتابة روايات عبير القديمة
لك وودي وتقديري


http://4.bp.blogspot.com/_iTwpjOELp_...ou+Cards+4.jpg

سماري كول 07-01-12 09:31 PM

رووووووووووووعه تسلمين ع الروايه حبوبه

شوق المشاعر 09-01-12 05:12 AM

يسلموووووووووووووووووو

جمره لم تحترق 22-01-12 08:01 PM

ياقلبي عليك فديتك
يا ستي حملت روايات من مكتبة الرويات المكتوبة على الجوال

واليوم رحت مشوار ولا بنت تكلم الثانية
كل وحده مطلعه الببي وتضحك مع نفسها
قلت يابنت طلعي رواية واقرأيها وقرأت الملخص وعجبني
لدرجة البنات رجعوا يهرجوا مع بعض وأنا مندمجه
ههههههههههههههههههـ
وخلصتها . . ومن الفضول كلهم قالوا ارسلي لنا ايش قاعده تقرأي
وكده قهرتهم قد ما قهروني وقلت (( لا ))
وقتها باموت وادخل النت عشان اقول لك شكراً
شـــكراً شكــــراً . .
ماشاء الله عليك لاحظت معظم القسم في روايات من مجهودك
فوعد كل مااقرأ رواية باسمك حتى ولو مافي نت
ارجع اشكرك عليها لمن يرجع
لأنك رائعة ومجهوداتك تستحق الشكر دوماً
سلمتي .. محبتي
http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayat9a2bc6e237.gif

نجلاء عبد الوهاب 24-01-12 10:32 PM

:liilas::liilas::liilas::liilas:
:075::075::075::075::075::075::075:
:0041::0041::0041:
:110::110::110::110:
:ostrich_liam::ostrich_liam::ostrich_liam:
:djparty:

ندى ندى 25-08-12 05:26 AM

جميله ومميزه ورائعه جدا جدا

hoob 28-08-12 10:36 PM

شكرا حلوه كتير

نهاد الخولى 05-09-12 06:41 PM

جارى القراءه
يسلمووا حبيبتى

عميشه 10-09-12 12:47 AM

شوكريااااا

قماري طيبة 29-08-14 05:00 PM

رد: 95 - الوعد المكسور - مارغريت بارغيتر - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
رواية جميلة سلمت يداك عليها

حبيبي لحن احساسي 16-09-14 01:34 AM

رد: 95 - الوعد المكسور - مارغريت بارغيتر - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
:71_asmilies-com: الله يسلم الايادى يا بعدى :8_4_134: قصة رؤعة والله

جوهرة الدانة 17-09-14 10:40 AM

رد: 95 - الوعد المكسور - مارغريت بارغيتر - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
رئعة تسلم ايدك

Moubel 19-09-20 03:02 PM

رد: 95 - الوعد المكسور - مارغريت بارغيتر - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
Thank you 😍 😍 😍

الاختلاف 26-09-20 10:28 AM

رد: 95 - الوعد المكسور - مارغريت بارغيتر - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
رواية رائعة 😊


الساعة الآن 06:06 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية