منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   104 - بانتظار الكلام - ليليان بيك - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t170578.html)

نيو فراولة 14-12-11 05:51 PM

2- نصف إبتسامة لها!



عندما جاء نيكول في اليوم التالي كانت روزالي تلبس بدلة ملونة بالأصفر والأحمر والبنفسجي , أدارت نفسها من جانب الى آخر أمام المرآن ورأت نفسها كيف تظهر في عيون الناس , ألا تبدو مزخرفة أكثر مما يجب في هذه الألوان ؟ هل هي تحاول جلب الإنتباه كما أدعى والدها ؟ قد أكون كذلك , قالت لنفسها , ولكن ثم ماذا ؟ لن أعبأ .
مررت المشط على شعرها البني الفاتح فأحدث قرقعة خفيفة حينما ألتوت أطراف الشعر الى خصل ناعمة , وضعت بعض الظلال حول عينيها مما أضفى عمقا للون عينيها البندقيتين.
رن جرس الباب ,فراحت مسرعة تسابق درجات السلم لتستقبل نيكول وفتحت الباب على مصراعيه.
" أهلا , يا عزيزي ! ". قالت ثم وقفت بإضطراب .
" مرحبا آنسة بارهام ...... حبيبتي ". كان أدريان واقفا يبتسم بأدب.
" أوه ..... بحق السماء ...... إنني متأسفة , كنت أتوقع شخصا آخر".
" ذلك ما ظننت ,إنه واضح من خيبة الأمل المرتسمة على وجهك".
نظر الى بدلتها وهو يخطو نحو قاعة البيت لكنه لم يقل شيئا .
" هل جئت لترى والدي؟".
" ومن يكون غيره ؟ بكل تأكيد لم آت لك , إنني لا احلم أن أكون مفسدا لمتعة الآخرين".
" إنني لا أعرف ما تعنيه".
رفع حاجبيه عاليا بحركة إنفعالية ثم دخل الى غرفة الدراسة , بعد ذلك بقليل جاء نيكول , اقتادته الى البهو وقد أخذها من ذراعها.
"حبيبتي ! " . قال وهما يسيران ببطء : " لقد مرت عدة أيام , إنني أفتقدك في الدرسة إفتقادا شديدا".
عانقها برقة , سحبت نفسها منه وهي تقول :
" دعنا نمشي في الحديقة ونتحدث يا نيكول , لدي الكثير أريد أن أقوله لك".
ذهبا الى الحديقة ,كانت عطور الزهور الربيعية فواحة في هواء الحديقة وتنشقت روزالي بعمق , وقد وضعت يدها في يد نيكول , كانت تحس أن من الممكن ملاحظة جميع تحركاتها من داخل غرفة الدراسة المطلة على الحديقة ,إن نيكول طويل القامة ورشيق الجسم , راحت روزالي تنظر الى العلى نحو وجهه الجميل ذي الطابع الأنثوي.
" ألا تسأل عني؟". قالت بغنج وقد بدا وجهها يطفح بالسعادة ,وضع يده تحت ذقنها وقال بنعومة :
" بالطبع يا حبيبتي ! أحس أنني تائه بدونك , لقد كنت مستغرقا بافكاري ".
" كيف يكون شكلها يا نيكول ؟".
أربكه السؤال وإرتسمت على وجهه سحنة المذنب , إستمرت متعلقة بذراعه وهي تنظر الى الأعلى نحو وجهه :
" أعني الفتاة التي تحلم بها؟".
ربت على يدها يفكر شارد :
" انت تعرفينني جيدا يا حبيبتي , يمكنك قراءة أفكاري , إنها ......إنها أسطورية الجمال".
"من هي ؟".
قالت روزالي وقد جفلت بإستغراب من تحقق صحة سؤالها .
" الفتاة التي أخذت مكانك في المدرسة".
" أوه.......". قالت وقد سحبت ذراعها منه فأسرع ووضع ذراعه على خصرها وأدارها نحوه لتنظر اليه.
" لا تكوني ضنية يا حبيبتي , أنت تعرفين أنك الفتاة الوحيدة لي , في الواقع إنها مرتبطة كما علمت عنها".
إبتسمت اليه :
" إذن فقد قمت بالأستفسار عنها؟".
" في الواقع.... أنا........".
" نعم أنت قمت بذلك ". إستدارا ثم أستمرا في المشي والحديث نحو باب البيت.
" هل تلبس خاتم؟".
"كلا .... ولكن........".
" إذن لا زال هناك أمل لك ".
"لا تكوني حمقاء يا روزالي".
قال وقد أدارها من كتفها وعانقها بقوة غير معهودة ,ثم أمسك يدها :
" أنت الفتاة التي لي...... وأنت تعرفين ذلك".
" هل انا كذلك؟".
فكرت مع نفسها ثم أدارت نظرها نحوغرفة الدراسة في اللحظة التي كان أدريان قد أخفض عينيه من جهة الشباك.
هل أنا الفتاة لنيكول فعلا ؟ أنها غير متأكدة و أنها غير متاكدة من أي شيء بعد الآن , بدا نيكول أمامها وكأنه في حلم جميل.
" إنها طويلة ,وذات قوام ممشوق وشعر أسود ووجه جميل , لقد تخرجت بفرع الإقتصاد ".
قال ثم سكت .
منتديات ليلاس
"لكنها ليست أنت....... أليس كذلك؟". سحبها نحوه.
( وكأنه يمثل دورا وكذلك أنا ) , بهذا التفكير راح دماغها يفكر كادت الفكرة المذكورة تنفجر الى ما لا تحمد عقباه لولا أنها قررت التوقف عن هذا المسار في فكرها , رأت أن تتخلص من تلك العيون الرقيبة لذا فقد أخذت يد نيكول وسحبته بإتجاه البيت.
" لنذهب الى البهو ". قالت له : " الوقت ممل في االخارج".
جلسا على الأريكة الضخمة وكانت روزالي بإتجاه الزاوية :
" إذن فإنك لم تفتقدني مطلقا؟".
" الا تتوقفين عن هذا الكلام الفارغ فتعانقينني بصورة طبيعية؟".
كانا متوترين في أعصابهما , لكن شعور قوي طغى عليهما فأحست بمتعة فائقة لأنها ترى نفسها محبوبة فعلا وأنها محبوبة لنفسها فقط.
" أجد ما يقدرني على الأقل ".
الفكرة تأرجحت هكذا في ضميرها وعندما إبتعدا عن بعض لم يدر بخلدها السؤال ما إذا أحبته بدورها هي أيضا؟

نيو فراولة 14-12-11 05:54 PM

إستمعت الى نيكول كالعادة يتحدث اليها عن عمله وعن معاناته الخارجية وآراءه عن كل شيء يدور في العالم ,وعندما أسرع الوقت بالأنقضاء تذكرت أنها لم تقل له كلمة واحدة عن عملها الجديد ,إذ لا يبدو أنه مهتم بذلك.
" روزالي ؟". سمعت صوت أبيها خارج البهو .
" إنني آتية يا أبي".
"ما رأيك ببعض القهوة يا عزيزتي , إن والدتك على وشك القدوم".
سحبت يدها من نيكول وتركته وهي تتبادل بعض العبارات مع والدها ,تبعها نيكول إلى المطبخ وجلس يراقب بينما راحت هي تهيء الصينية,وضعت خمسة أكواب مع صحونها الصغيرة, لم يعرض نيكول أن يقدم مساعدة كما لا بد أن يفعل أدريان لو كان معها.
إستمر في الحديث حول نفسه وقضاياه ووجدت أفكارها تسرح بعيدا عن صوته الممل ,ما هو رد فعل الدكتور كرافورد اتجاه نيكول ؟ ما هو رأيه في صديقها؟ لديها شعور انها تعرف ما سيقوله حول نيكول بعد ذهابه ولا شك أن قوله لن يكون إستحسانا.
" خمسة أكواب يا حبيبتي؟".
سؤال نيكول أعادها إلى الواقع مرة أخرى
" لدى بابا ضيف زائر من الكلية يساعده في كتابه و كتاب مدرسي , هو متخصّص بالرياضيات بالطبع".
تذمّر نيكول وهو يقول:
" اوه....... واحد آخر منهم ؟".
وجدت روزالي نفسها في وضع غريب لأول مرة حيث تريد فيه الدفاع عن أناس يهاجمهم نيكول.
" أراهن أنه ذو عقلية قديمة ومثقل بالمعلومات ". قال نيكول : " كما هو الحال في معظمهم ,بإستثناء والدك بالطبع يا حبيبتي".
" كلا , هو ليس كذلك".
قالت بصوت أكثر حدة مما كانت تريد أن تظهره , فنظر إليها بإستغراب : " إنه شاب وذو شخصية مسرّة جدا , إذا أردت أن تعرفه".
لقد أصبحت مستاءة من نفسها و لماذا يجب عليها أن تقف في الدفاع عن رجل كان قد أزعجها هو إلى حد لا يطاق والذي كان خشنا معها كلما حدث وإلتقيا , لقد إلتوت إبتسامة نيكول.
" فالأمر هكذا إذن , أليس كذلك؟".
" إنني لا أعرف ما تقصده , إنه ليس كذلك مطلقا و إذا وجب أن تعرف فإنني أرى أننا نثير أعصاب أحدنا الآخر لم أتصور أن أثنين يمكن أن يصلاه ,لقد تخاصمت معه خلال ثلاثة أيام أكثر مما تخاصمت مع فرد آخر طول حياتي".
" حسنا يا حلوتي , لا تنحنين إلى الوراء محاولة الأنكار , وإلا سأحاول أن أصدق تلك الأفكار الرديئة التي جاءت في راسي".
أدارت نفسها إليه بغضب.
" لا تحاول أن تبرر أفكارك المشتتة عن طريق إتهامي بأن لدي مثل هذه الأفكار".
عليها أن تمارس سيطرة إرادية قوية وهي تحمل الصينية إلى البهو,يجب ان توقف الرجفة في يديها وإلا ستنسكب القهوة في المكان .
ذهبت الى غرفة الدراسة وفتحت الباب " قهوة ".
قالت وقبل ان يرفع ارجلان رأسيهما أغلقت الباب ثانية , عادت مرة أخرى إلى المطبخ لتحضر بعض الطعام وران بإرتياح أن نيكول لم يكن هناك , وضعت بعض الكعك والبسكويت على طبق وكمية من المعجنات المخبوزة على شكل أصابع صغيرة في طبق آخر وحملتهما الى البهو ثم جلست على الأريكة بجانب نيكول وصبّت القهوة.
وعندما ظهر الآخرون في مدخل الباب , اخذ نيكول يدها , قدم والدها الرجلين بكلمات مختصرة , رمى الدكتور كرافورد نظرة متفحصة على نيكول وتراءى لروزالي أنه قد اخذ فكرة قاسية عن نيكول ,لكنها لن تهتم في أي حال بنتيجة تفحصه هذه , ادارت القهوة والطعام على الجميع وبينما هي تنحني لتعطي كرافورد كوبه تركّزت عيناه على عينيها لبرهة , لقد كانت نظرته حاذقة ومتسائلة لدرجة أنها إرتعشت خجلا وأدارت نفسها بإنفعال , أي حق له أن يتصرف أتجاهها هكذا ؟ لم أطلب إليه ان يختبر لي الرجال من اصدقائي , قالت بصمت مع نفسها ,وأن يؤيد هذا أو ذاك و مثل ما يحلو له.
كان الحديث مملا و فروزالي تعرف أن أباها لا يحب نيكول وهو لا يكلّف نفسه عناء إخفاء ذلك , فتحت الباب الأمامي وبعد لحظات دخلت سارة.
"مرحبا بكم جميعا".
قالت واخذت عيناها تدوران في الغرفة ,وجدت زوجها فإبتسمت له ثم أدارت راسها , وقد أنتفض هو على قدميه في الحال .
" إسكبي لأمك كوبا من القهوة يا روزالي , فسآخذه لها بنفسي".
أعطته القهوة فترك الغرفة هي تعرف أنه سعيد إذ تمكّن من الأفلات , فإنه دائما لا يرتاح من وجود نيكول.
" لا تسرع يا دكتور كرافورد ". صاح فرانكلين : " خذ وقتك , سأتحدث قليلا مع زوجتي ". وعندما إنغلق الباب وراءه وضع نيكول كوبه الخالي بإعتناء على الصينية , وانحنى إلى الخلف ثم وضع ذراعه حول روزالي وقال :
" إذن فانت واحد آخر من هؤلاء العلماء الفصيحين يا دكتور كرافورد؟".
حملقت روزالي في نيكول وأغلقت عينيها بإنتظار رد فعل الدكتور كرافورد العنيف , ولكن عندما فتحتها مرة أخرى رات أنه بتسم , لقدمد ساقيه الطويلتين ودفع بيديه إلى جيبي بنطلونه , وقال بكسل واضح:
" نعم , أجدك محقا أن تسمينا هكذا ". بدا وكأنه يتهيأ لأن يمتّع نفسه : " لا شك أن ما يزعجكم أنتم المتمسكين بالتقاليد والمهتمين كثيرا بالماضي ,أنت تدرس اللغة اللاتينية واليونانية القديمة على ما أعلم , هو أننا العلماء نسأل أسئلة بصورة دائمة".
يبدو أن نيكول فوجىء بذلك, طلقته الأولى أخطأت الهدف وجلبت رد فعل غير متوقع ,حاول مرة أخرى.
" المشكلة أنكم تميلون دائما إلى إختراع الأشياء الخطرة ثم لا تعرفون كيف تسيطرون على ما اخترعتموه".
"نعم سمعت بذلك كثرا ,من قبل . قال الدكتور كرافورد وكأنه يخاطب طالب بطيء التعلم: "لكن ليس العلماء الذين يسيطرون على إختراعاتهم , فمعظم هذه الأختراعات , االتي تسميها خطرة ,وتذهب إلى أيدي السياسيين والعسكريين منهم حال ما تخرج من مرحلة التصميم و ولأنك حللت هذه الأختراعات الخطرة فإنك ستجد أن معظمها قد أخترعت لغراض محددة ولأستعمالها في أوقات محددة , وبالطبع هناك نسبة معينة من العلماء يختارون العمل تحت التخصص العسكري ولكن بعض منهم يعملون بصفة بناءة وليست هدامة ,في أي حال ذلك شانهم وإختيارهم , لا يمكنك الحكم على جميع العلماء بسبب قيام عدد قليل من زملائهم بالعمل بما يرونه جزءا من قناعتهم".

نيو فراولة 14-12-11 05:56 PM

ظل نيكول يفكر لبرهة من الوقت ثم جاء بمزيد من الأنتقادات .
" ليس لدى العلماء إحساسا بالمسؤولية ".
" هذا أيضا يأتي من الباب نفسه الذي جاء منه قولك الول ,كما وانني سمعت بهذا القول ايضا من قبل ,إن مسؤولية العالم الأولية تقع في البحث عن الحقيقة العلمية , ولست أجد مبررا هنا لحاول أن أوضح لك ماعسى أن تكون عليه الحقيقة العلمية , ذلك لأنك وأنا لا يمكننا التفاهم بلغة مشتركة تجعلني اتفاهم معك بصورة واضحة متماسكة حول الموضوع".
" بكلمات اخرى ". إنفجرت روزالي غاضبة : " إنك تعني اننا على درجة من الجمود بحيث لا نفهم ما تتحدث عنه أنت".
هز أدريان كرافورد كتفه بعدم إهتمام : " إذا أردت أن تضعي الموضوع هكذا فإنني أقول نعم".
إنفعل نيكول كثيرا فقال :
" إن هؤلاء الذين يسمون أنفسهم علماء يفتقدون الأحساس والأدب الثقافي".
" إنني أعتبر هذه الصفات مميزات شخصية بحتة يمكن ان توجد لدى الكثيرين من الناس بغض النظر عن مهنتهم وعملهم".
" هناك شيء آخر بشأنكم ايها الرجال".
قال نيكول وقد صعّد من عصبيته الآن .
" بسبب إمكانية الخطورة في إختراعاتكم الميكانيكية الخادعة فإنكم تعتقدون أن مجرد سحب الخيوط يجعل الآخرين يرقصون لنغمتكم".
ضحك ادريان من ذلك :
" تلك أعتبرها ,وجهة نظر مأخوذة من القراءة المسرفة في الروايات العلمية الخيالية".
كاد نيكول يفقد اعصابه مرة أخرى بينما تعلم روزالي أنه يحاول إخماد عصبيته.
" المتخصصون بالاداب من أمثالنا ". قال وقد سحبها اليه بحركة تملكية : " اعني نحن المثقفون مقارنة بكم انتم الذين لا تفهمون سوى التكنولوجيا تحاولون الحفاظ على القيم القديمة التي تقومون بتدميرها في الوقت نفسه , نحن نعمل ما في وسعنا للحفاظ على التقاليد".
" بكلمة اخرى ". قال الدكتور كرافورد : " ما تريدان قوله بمواقفكم ذات الأتجاه التأخري الرجعي انكم لستم فقط عجزتم عن تقديم أي مسألة مادية لتطور وتقدم البشربة ,وإنما تقومون ايضا بمنعها من التقدم , أنتم منتسببوا الآداب ليس لديكم غير الكلام , نحن نعمل , أنهم العلماء والمهندسون أي رجال التكنولوجيا الذين تهزأ بهم واللذين بواسطة إختراعاتهم الخادعة , كما تسميها , جعلوا الحياة سهلة الى درجة لا تصدق لأكبر نسبة من سكان العالم".
نهض نيكول , لقد لاحظ أنه قد نال النصيب الأسوا من المناقشة , لكن ادريان صمم على ان تكون آخر منطوقة من فمه , لقد وقف باسلوب بطيء كسول ووضع يديه خلفه:
" أن رايي المتواضع هو أنه لا احد , وانا اعني لا أحد , يمكنه ان يسمي نفسه مثقفا حقيقيا بدون بعض المعرفة الساسية الأولية في العلم , فالعالم يتعامل مع المستقبل كما يتعامل مع الحاضر , مع شديد إحترامي وفأن اللاتينية واليونانية القديمة تقودان بصورة قاطعة الى الماضي".
قال نيكول عبارة "طاب مساؤك " بصورة عصبية وإتجه محو الباب وقد سحب روزالي معه.
تعالي الى االخارج وقولي مع السلامة يا روزالي , يجب أن أعود".
" اهكذا مبكرا يا نيكول؟".
" ليس هناك ما يدعو للبقاء مدة أطول سأتصل بك تلفونيا قريبا". ثم غادر.
عادت ساخطة لأبعد الحدود واتجهت الى البهو حيث بدأت تجمع الأواني على الصينية ,كان الدكتور كرافورد يراقبها لبضعة دقائق.
" آسف ان أكون السبب في مغادرة صديقك بهذا الوقت المبكر".
" من الواضح انك عملت ذلك عمدا أو قصدا".
لكن ضحكته عبّرت عن تنصّله من أي مسؤولية .
" أنا ,عملت ذلك ؟ آه نعم فأنني أحب ذلك ,لكنه هو الذي أثار الموضوع ,هو الذي بدأ يهاجمني وليس العكس".
إنها تعلم أن ذلك هو الصحيح وولكن لا شيء يجعلها تعترف به بصراحة.
" انني لم ألاحظك تشتركين في الحديث وتقفين جانب الدفاع عن صديقك وتناقشين الى جانبه , هل ذلك لأنك كنت في السر موافقة مع رأيي؟".
إن إبتسامته الواثقة بعثت الأستياء فيها فذهبت الى المطبخ بدون أن تحاول الرد , لحقها أدريان:
" اعتبر سلوكك العدائي بأنه تأييد".
" أعتبره ما شئت".
أدارت كتلا الحنفيتين بقوتها وراح الماء يتدفق بعنف في حوض غسيل الأواني وإنتشر الى ما وراء الحوض وإبتلت ملابسها فمسحت بدلتها بمنشفة قريبة منها , ثم غسلت الأكواب والصحون الصغيرة محدثة جلبة في المطبخ وهي تضع الصحون مقلوبة واحدة بعد الاخر على لوحة ترشح الماء بجانب الحوض , اخذ الدكتور كرافورد منشفة لكنها ألتفتت وأختطفتها منه.
لمعت عيناه وكانها تلمح خطرا.
" انا اصر".
قال بوجه صارم مما جعلها تلين بهدوء , اعطته المنشفة وإستمرت في غسل الأواني .
" انت تعرفين ". قال مستغرقا في التفكير : " إن صديقكم يحيرني , إنه من النوع الذي يمكن وصفه بالكلاسيكي فمواضيعه تعود كثيرا الى الماضي بحيث انه يرى الآن الحاضر بعيني احد من الماضي ,إن أفكاره المتحاملة عن العلم والعلماء مبنية أساسا عبر ملاحظات عقيمة وجاهلة للآخرين , حيث قبلها بدون جدل بدون أن يفكر لنفسه , ولو انك مخلصة ولست متحاملة بهذه الدرجة العمياء بسبب تجربتك المؤسفة البسيطة ضمن إطار عائلتك فإنك بلا شك توافقين على رايي".
أستدارت ثم قالت : " إنه انت الذي تعرض جهلك وتحاملك بسبب ملاحظاتك الخالية من أي ذوق و ان الغرض الأساسي للموضوع الذي ادرسه في الكلية هو إعادة الصفة الأنسانية للعلماء من أمثالك الذين يرفعون انوفهم لمجرد الشارة الى الثقافة"

نيو فراولة 14-12-11 05:58 PM

إرتفعت حاجباه بدهشة:
" إذن فالعلماء أغبياء ثقافيا ؟ها انك تتشبهين بصديقك وتعيدين كالببغاء ما سمعته من الآخرين , في يوم ما سأجعلك تاكلين كلماتك هذه يا آنسة بارهام ,وسنرى من منا هو الأكثر ثقافة".
علّق المنشفة على السكة ووضع يديه في جيبه , إنها متأكدة من ان كلماته الأخيرة موجّهة لغرض الأستفزاز , كانت إبتسامته تحمل معاني الخبث وتعمد الأذى :
" الهدف الأساسي في الحياة كما اراه لمتخصصي الآداب والكلاسيك مثل صديقك هو أن يجعلونا نحن العلماء نقدر عملنا أكثر مما نحن عليه الآن".
إنجرّت هي الى الفخ الذي نصبه , فقالت بعصبية:
" لا شك أنك تشملني أيضا في قولك هذا".
" نعم انت كذلك , فانت تتكلمين بالحماقة نفسها التي تكلم بها حول مواضيع بعيدة عن قدرتك على فهمها ".
قابلته وجها لوجه وقد شدّت على قبضة يدها :
" الا تاخذ شعورك المتعالي هذا بعيدا عن هنا , يا دكتور كرافورد ,وتتركني لشأني؟".
ولكن لشد ما راعها ان ترى الدموع وقد ملأت مقلتيها بدون إرادتها وهو يراقب منذهلا.
" انني متأسف".
قال وهو ينظر اليها عن قرب : " لم أقصد إيذاءك ,عن غشاء التصلب الذي تحاولين به تغطية نفسك يبدو أضعف من الجد .ساحاول تذكر ذلك في المستقبل".
ألتفت الى الباب وإبتسم : " تصبحين على خير يا روزالي".
أخذت روزالي تعتاد على عملها الجديد , أن موضوعها الدراسات العامة من المواضيع الإلزامية لجميع الطلبة , لذا فإن كل قسم من الكلية ممثلا في صفوفها ,لقد إكتشفت أن التعامل مع هؤلاء الشباب الذين يختلفون بعضهم عن الآخر في أصولهم البيتية ومستوياتهم الثقافية , جعل معرفتها وخيالها يمتدان الى درجة أوسع بكثير مما كانت عليه خلال تدريسها لاولاد المدرسة قليلي الإستفسار لقد وجدت أن ذكاء وآراء الطلبة ذات صبغات تجديدية ومليئة بروح التحدي لمعرفة المبهم حتى ان المناقشات غالبا ما إتصفت بالحدة والحرارة ,وكثيرا ما اتصفت بالحدة والحرارة ووكثيرا ما تركت جانبا الملاحظات التي تهيئها في البيت بدون الرجوع الى أي إشارة منها ,وأصبح ذلك سببا للقلق لأنها تخاف ان تفلت الأمور من الضبط والسيطرة الضروريين , لذلك قررت أن تتحدث الى رئيس قسمها ,رجل إسمه واليس ماسون.
وفي اليوم الذي ذهبت به لتراه وكانت سكرتيرته في مكتبه ,حيث قدّمها واليس ماسون : "ماريون ,هذه الانسة بارهام ومحاضرة الدراسات العامة الجديدة, إبنة فرانكلين بارهام ,رئيس قسم العلوم والرياضيات ,اليس كذلك يا آنسة بارهام؟".
هزت رأسها قليلا في التأييد :" آنسة بارهام ,أقدملك سكرتيرتي التي لا غنى لي عنها _ ماريون هارلينغ , اعتقد أن إسم الانسة بارهام هو, روزالي".
إبتسمت روزالي :
"لا بد أن يكون والدي قد ذكره".
قال واليس ماسون لسكرتيرته انه يستدعيها في وقت آخر ودعى روزالي لتجلس ولاحظت انه ينظر اليها بأهتمام وأن شيئا آخر في عينيه لم تهتم في تفسيره:
" لديك أي إنزعاج حول عملك يا ىنسة بارهام؟".
اخبرته عن بعض شكوكها وقلقها بينما كانت تحاول ان لا تتأثر اوتضطرب من نظراته المركزة ,لكنه طمأنها حول كل ما أثارته وراح يمشي في الغرفة وهو يقول:
" جميع هذه المشاركة التي يبديها الطلبة تدل دلالة واضحة أن محاضراتك ناجحة ,إذ من الواضح انك تشاركينهم بصورة كافية في المواضيع التي تناقشينها لتجعليهم يعبرون عن آرائهم ويقولون ما يجيش في خواطرهم".
" أنني لم أذكر الموضوع بهذا الشكل ".
قالت روزالي جوابا على تعليقه .
جلس في كرسيه وإستمر:
" انت تعرفين أن ذلك هو في الحقيقة الهدف المرجو في الأساس من تدريس موضوع الدراسات العامة ,لمساعدتهم كأفراد ومجموعات ان يعبروا عن انفسهم بصورة أكثر كفاءة لكسر حاجزا لتفاهم , ربما لم نلاحظ بعدكم عدد الشبان والشابات الذين يأتون لهذه الكلية وهم يحملون معهم شيئا من بقعة عمياء فيما يتعلق بقابليتهم على التعبير عن أنفسهم".
بدأت روزالي تشعر بسعادة أكثر بعملها بينما هي تستمع الى حديث رئيس القسم ,عرفت بأنها تسير في الطريق الصحيح , إبتسمت له فرد عليها بإبتسامة ودية فحاولت تجاهل الدعوة الموجهة خلف الأبتسامة تلك.
" الذي بدأت أعمله الآن يا سيد ماسون ,هو أنني بدأت اخطط اسلوبي الخاص في تناول الموضوع , فحينما تناقش الجوانب الأكثر شخصية في المنهاج مثل العلاقات الشخصية وآمل أن يكون ذلك مسموح به ,فإنني أطلب اليهم أن يجلسوا حولي على الأرض بعد ان ندفع بالمناضد والكراسي الى الوراء".
فكر بما قالته ثم هزّ رأسه بالموافقة.
" انها فكرة جيدةغير معتادة".
"نعم .........لكنني ادرك أن هذا الأسلوب قد لا يكون شديد التمسك بالصول التقليدية ,لكن أثره في تحطيم حاجز الإتصال والتفاهم قد برهن على فعالية هائلة ,فحالما يجلسون على مستوى الأرض , يبدو أن اثرا تحرريا كبيرا يكتنف عقولهم".
ضحك من كلماتها وقال:
" يكتنف عقولهم فقط ,ذلك ما آمله ,وليست باساليب أخرى , في حالة وجود طالبات بينهم !".
فهمت ما ذهب اليه من قصد وضحكت معه.
" لم تخطر ببالهم تلك الأتجاهات حتى الآن ! ولكن ساضع عينا واعية حذرة حول ذلك".
نظر الىى ساعته ووقف , وقفت روزالي أيضا :
" آمل انك أكثر راحة الآن؟".
" نعم كثيرا ........ شكرا يا سيد ماسون".
" في أي وقت تحتاجين الى استشارة ,يمكنك أن تأتي الي ,والان.". نظر الى ساعته مرة اخرى : " حان وقت تناول القهوة ,هل ترغبين تناولها معي؟".
خجلت من السؤال في عينيه:
" حسنا ,انا ....... حسنا ......نعم شكرا ارغب بذلك".

نيو فراولة 14-12-11 05:59 PM

فتح باب سكرتيرته:
"نحن ذاهبان الى القهوة يا ماريون هل تريدين أن تأتي معنا؟".
توقفت ماريون عن الطبع , رفعت حقيبتها اليدوية ومشت بطول الرواق معهما و وجدوا طاولة فارغة في مطعم هيئة التدريس وسالها ماسون حول تجاربها التدريسية في مدرسة الأولاد .
" لقد كانت مليئة بالتقليد ". قالت له : " كلها إرتباطا بالماضي , فهم يدرسون اليونانية القديمة هناك ....ز ليست اليونانية الحديثة مثلا , وهناك الكثير من الأولاد الذين يدرسون ذلك و لي صديق يقوم بالتدريس في هذا الموضوع كان يتعجب دائما للأعداد الكبيرة من الاباء والأمهات الذين يريدون أولادهم ان يدرسوا هذا الموضوع ".
نظر واليس إليها بإهتمام:
" هل تعتقدين أن مثل هذه المواضيع قليلة التطبيق في عالمنا الحديث؟".
" حسنا ! ارى أنها لا تقدم مساهمة في أي حقل اتجاه حل مشاكل عالمنا الحالي ....... اليس كذلك؟".
توقفت وقد تملكها بعض الأضطراب بعد ان شعرت ما الذي تتحدث عنه , هل تغذت بافكار الدكتور كرافورد بهذا العمق الذي جعلها تتبناها كأفكارها ؟ نظرت حولها في المطعم ولشد ما راعها حين إكتشفت أنه كان جالسا الى االطاولة المجاورة لهم وينصت بإهتمام لمناقشتهم , أدار رأسه اتجاههم بينما توقفت روزالي عن الحديث وكانت إبتسامته تحمل معها سخرية لطيفة ,نظرت الى الأسفل نحو فنجان القهوة أمامها محاولة إستعادة توازنها , ولحسن الحظ كان واليس ماسون وسكرتيرته يتحدثان فسنح لها الوقت أن تتمالك نفسها.
لم تشعر إلا تلك الدقيقة كم كانت تفتقد ادريان كرافورد ألتقت عيناها به الان ,ومرة أخرى في الرواق , وكانت تراه أحيانا وقت الغداء في المطعم.
كان يزور بيت والديها حوالي مرتين في الأسبوع للعمل في الكتاب المدرسي الذي يساعد والدها في تأليفه لكنه لم يبق في أي من هذه المرات لتناول الطعام ,وغالبا ما تكون هي خارجة عند قدومه الى البيت ولكن حتى في حالة وجودها داخل البيت فإنها كانت تبقى في غرفة نومها ، لم تكن تريد أن تلتقي به لسبب مبهم لا تفهمه , فقد كانت تريد أن تختفي عنه.
عرفت الان لماذا؟ ا ناثره على دقات نبضها اثر مدمر وقربه منها هو ترف ليس في وسعها تحمله دائما , أصبحت افكارها في غاية الإضطراب حتى فقدت الأنضباط في حركاتها مما شجّع واليس على إعتبار ذلك دعوة مفتوحة له ,خاصة وهي تشك ان يكون من النوع الذي يحتاج الكثير من التشجيع كما برهنت الدقائق التالية على صحة ذلك.
منتديات ليلاس
" هل ستكونين مشغولة في المساء يا روزالي؟".
كان صوته منخفضا عندما نطق بإسمها بينما كانت عيناه تعبران عن الرجاء ,لقد ذهلت وتراجعت على الفور.
" في العادة أكون مشغولة جدا يا سيد ماسون ,عندما لا التقي بصديقي , فإنني عادة اكون مشغولة بتحضير ملاحظاتي في البيت".
لقد اخذ على حين غرة بردها عليه , لكنه لم يخجل أويتردد ومن الواضح أنه لم يفقد الأمل بأن يصل الى نجاح ما في المرة المقبلة ,يبدو ان الدكتور كرافورد عارفا بمجرى الحديث حيث ادار عينا تفحصية نحوهما , نظرت روزالي اليه بتحد كأنها تصرخ عليه بسكوت ,وبكل تأكيد أن لا يتدخل فيما لا يعنيه.
وبعد ذلك و كانت روزالي غالبا ما تتناول القهوة الصباحية مع ماريون ,لقد إكتشفتا إهتمامات مشتركة وكلاهما أحبتا السير مع بعض ,كان لديهما حماس مشترك حول بيوتات الشباب وقررتا القيام برحلة الى حقول يورك شاير.
وكان واليس ماسون يشاركهما الطاولة أحيانا في تناول القهوة ويبدو ان إهتماماته بروزالي قد إزدادت بدلا من ان تتراجع رغم ردها القوي له.
وفي صباح يوم ما , بينما كانت جالسة لوحدها في غرفة الطعام الخاصة بالهيئة التدريسية تفكر في عالم خاص بها حينما وقف شخص ما الى جانبها :
" مرحبا , روزالي".
ذهلت فخرجت من أحلامها النهارية لتنظر في عينين بنيتين.
" أوه , مرحبا دكتور كرافورد".
جلس مقابلها مع قهوته .
" أعيدي ورائي , ا – د – ر-ي-ا –ن ".
إبتسمت : " أدريان !".
" درجة كاملة ! تلميذة جيدة ,حتى أنني أتمكن من تدريسك الرياضيات في يوم ما".
تتعهدك لماته بوعد ليس في وسعها ان تأخذه مأخذ الجد لأنها تعلم ان الوعد مزيف , ضحكت وهي تشعر خفيفة التكلف بوجودها قريبة منه".
" اشك في ذلك , أن تدريسك عندئذ لا بد يكون على درجة فائقة لكي يدخل حتى مبادىء االرياضيات في دماغي".
" هل هذا تحد؟".
"أوه.......كلا ,لدي ما يكفيني الآن لنشغل في عملي , شكرا في أي حال على إمتداحك ذكائي باكثر مما اعتقد".
أضاف كمية من السكر في كوب قهوته وراح يحرك كوبه ,وبعد ان أخذ يرشف من قهوته قال:
" سمعت من ابيك أن لديك جهاز تلفزيون عاطلا عن العمل".
" نعم تعطل عن العمل لتوه ,انه جهازي الخاص الذي أحتفظبه في غرفتي ,كنت عازمة عل الأتصال بأحد المخازن ليرسلوا لي أحدا يفحصه لي".
" هل يمكنني أن اقوم بذلك ,أجرتي إسمية فقط , اقل بكثير من المخزن".
" انت؟ هل تعرف أي شيء عن التلفزيون؟".
" قدر مناسب من المعرفة ,كذلك أعرف عن الراديو , وحاليا اصنع راديو خاصا بي , راديو إستلام مجسم".
" تصنع جهاز راديو؟لكن هذا غريب".
" شكرا".
لكنني لا اعرف أن من الممكن لشخص عادي ان يصنع واحدا , دعنا من كون ذلك.......". توقفت عن الكلام بعد تلعثم.

إستمري ودعنا من كون ذلك يمكن ان يقوم به عالم رياضيات كثير النسيان بعيدا عن عالم الواقع وقولي ذلك ولا تترددي ! من الواضح أنك قد وقعت في التصوير الخرافي المموج الذي بناه بشأننا كتاب المسرحيات والروايات وكتاب قصص الأطفال الهزلية ,ولكن عودة الى موضوع حديثنا ,هل تريدين ان ألقي نظرة على جهاز تلفزيونك وأحاول ان اعرف ما الذي عطّله".
" حسنا ,نعم من فضلك يا أدريان , أكون ممتنة لذلك جدا ".
" بكل ممنونية يا روزالي , إنه رد متواضع على حسن الضيافة التي غمرتني بها في بيتكم".


الساعة الآن 10:07 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية