منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   151 - قبل أن ترحل - مارجري هيلتون - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t170495.html)

نيو فراولة 09-12-11 10:32 PM

ومن غريب الصدف أن الآنسة كيت والسيد شريدان ينتسبان الى بيئة متشابهة من حيث العادات والتقاليد والأهواء , الأمر الذي جعلها تشعر بالأطمئنان الى تحقيق نوع من التفاهم المتبادل بينهما , بعد أن تعرف حقيقة موقفه من أوضاع المزارع الخاصة القديمة.
من المعروف أن تلك المزارع الشاسعة والشاملة آلاف الأشجار المنتجة للمطاط يديرها رجل واحد , أما اليوم فأن الأوضاع تختلف عما كانت عليه سابقا , يوم كان والدها يشرف على أدارة مزرعة من ذلك النوع كان يملكها السيد مارلو , والد السيد تربط بينهما , لا سيما وقد تجاوزتها الأحداث القائمة حاليا والتغييرات التي حصلت في أعقاب الحرب ونيل الأستقلال.
وتذكرت كيت في ما تذكرته السنوات التسع الأولى من طفولتها التي عاشتها في منزل يقع بالقرب من الفيللا التي بناها العم مارت , كما كان يحلو لها أن تناديه , يوم أحضر زوجته الثانية الشابة الى ماهور , وتنهدت وهي تحاول النظر الى الماضي بمنظار نضوجها عبر الضباب الذي يشوش عليها رؤية ذكريات الطفولة بوضوح.
منتديات ليلاس
ثم قفزت في خيالها صورة ليلى دانتون التي لم تمكث هنا سوى فترة قصيرة ,والتي أختفى أثرها دون أن يتوصل أحد لمعرفة حقيقة زواجها , البعض قال أن ليلى كانت أصغر بكثير من أن تستقر مع رجل يوازي عمره ضعف عمرها , وأين؟ في مزرعة بعيدة جدا عن مرافق الحضارة , تختلف الحياة فيها أختلافا كبيرا عن الحياة التي كانت تحياها في سنغافورة , وقال البعض الآخر أنها واجهت صعوبات كثيرة وهي تحاول أن تكيف نفسها للتعايش بسلام مع أبن زوجها الصغير السن , فلم تنجح , وذهب بعضهم الى القول بأنها تزوجت السيد مارت كي تنقذ نفسها من جبروت والدها وتسلطه عليها , ومن والدة لا يهمها في الحياة سوى التهافت على أستمالة الرجال , وإذا بها تجد نفسها في وضع يزداد سوءا مع كل يوم , وأجمع الكل على القول أن زواج ليلى من مارت , لم يكن زواجا موفقا , بغض النظر عن جميع الأساليب والدوافع.
وهذا بإختصار حقيقة ما حدث لليلى بين الفترة الممتدة من مغادرتها للمنزل الزوجي لغاية إلقاء نفسها في البحر , بعد الأحتفال بعيد الميلاد الرابع عشر لأبن زوجها والت , جمعت حوائجها الشخصية وتركت البيت لتنزل في الفندق الوحيد الموجود في ماهور لمدة يومين , وما أن أنتشر الخبر في البلدة حتى أصبحت هدفا لشتى الأقاويل والأشاعات المغرضة , منها ما دار حول وجود صاحب لها فنزلت في الفندق لملاقاته بعيدا عن الأنظار , ومنها ما دار حول وصول صديق قديم لها ونزوله في الفندق المذكور فذهبت لأحياء حب دفين , وما الى ذلك من شؤون وشجون , ومهما يكن من أمر تلك الأشاعات وحقيقتها فإن سر أقدام ليلى على النزول في الفندق بقي لغزا , وغني عن القول أن تلك الأشاعات تركت أثرها العميق في نفسية ليلى إذ غادرت الفندق في اليوم الثالث وهي ترتعش من العصبية والأنفعال , وأنطلقت بسيارتها نحو مرتفع صخري يطل على البحر , حيث ألقت بنفسها هي والسيارة الى البحر , ولم يتمكن أحد من أنتشالها , أما زوجها فقد تلقى خبر هذه المأساة بأعصاب هادئة , وحزن عميق.
ومع أن الآنسة كيت كانت طفلة في ذلك الحين , فإن صورة ليلى بقيت حية في خاطرها , ليس فقط بتأثير الطابع المأساوي لنهايتها , وإنما بدافع معالتها الحسنة لها , إذ كانت بين الوقت والآخر تقدم لها الهدايا الجميلة.
وهكذا غيّب الموت الغامض وجه صبية ينبض قلبها بالحيوية والنشاط , ويطفح وجهها بالأبتسام , رغم ما تخلل حياتها من الخطأ والصواب , لتبقى عرضة للتهامس بين الناس والتعبير عن حزنهم ودهشتهم وحيرتهم في آن.
يبقى والت مارلو الذي تتذكره الانسة كيت بوضوح , وتعتبره الغيمة الوحيدة التي تشوش عليها ذكريات طفولتها السعيدة , تشعر بالنفور منه , هكذا كان شعورها نحوه عندما كانت طفلة , وهكذا تشعر نحوه الآن , رغم أحياء الصداقة بينها وبين والت , بعد مرور سنوات عديدة اعلى ذلك الحادث المفجع.
وما لبثت أن قطبت حاجبيها دهشة وعجبا عندما تداخلت مع ذكرياتها الجارية صورة ذكرى سفرها الى بريطانيا للعيش مع جديها , وكان والت في السابعة عشرة من عمره , وفكرت بأنه لا شك أصبح في الثانية والثلاثين من عمره الآن , مثله مثل السيد شريدان , ولكنه يبدو كأنه يكبره بعشر سنوات , وتساءلت بدهشة عن كيفية هدره لجميع الأموال التي ورثها عن والده , وعن فشله في بيع مزرعته لشركة ماهور لاتكس رغم مرور خمس سنوات على وفاة والده .
ثم هزت رأسها عدة مرات وهي تفكر بدهشة لمعرفة أسباب المضايقات التي وضعها والدها أمام السيد والت , دون أن يردعه عن ذلك وجود صداقة قديمة وحميمة بينهما , ويبدو أن هذه الذكرى ألهبت مشاعرها , إذ هبّت واقفة وأسرعت الخطى نحو زاوية الهاتف وكأنها تشعر أن القيام بأي عمل يمكن أن يساعدها للتغلب على هذا القلق النفسي الذي تشتد وطأنه عليها كلما تواصلت الذكريات , ولكنها أصيبت بخيبة أمل من جراء العطل الذي ألحقته العاصفة بخطوط الهاتف , فعادت الى المكتبة لألهاء نفسها بإعادة قراءة الرسالة التي وصلتها من والدتها ذلك اليوم.

نيو فراولة 09-12-11 10:35 PM

وكم كانت دهشتها عندما تأكدت من المخاوف التي عبرت عنها والدتها في رسالتها الأخيرة , وهي مخاوف لا علاقة لها البتة بالعملية الجراحية التي ستجرى لها , ولا بالقلق الذي يراود قلب كل أمرأة نضطر تحت وطأة الظروف أحيانا لترك زوجها وأولادها يتدبرون شؤون حياتهم اليومية بأنفسهم لفترة من الزمن , ولا بإمكانية أو عدم أمكانية حصول إبنتها على إجازة طويلة تقوم خلالها بإدارة شؤون المنزل والعناية بوالدها فتطمئن بالا على سير الأمور أثناء غيابها عن البيت , ولا لمجرد قلقها على زوجها الذي تعرف تماما أنه قادر على تدبير أموره بنفسه بسهولة.
وبعد أن عجزت عن إدراك كنه المخاوف التي تساور نفس والدتها أو أستشفاف مصدرها , وضعت الرسالة أمامها وبدأت قراءتها للمرة الثانية.
" سررت جدا بمشاهدة الأصدقاء القدامى رغم الطقس البارد المخيم على بريطانيا الآن , لقد قابلت الطبيب صبيحة هذا اليوم فأكّد لي بأن عمليتي ستكون ناجحة مئة بالمئة , وسره وصولي في الوقت المناسب , صحيح أنني لم أفارقكم إلا منذ يومين تقريبا , غير أنني متشوقة لسماع الأخبار السارة عن كيت ومعرفة أن جميع الأمور تجري على خير ما يرام , وعلى النحو الذي أتمناه , الرجاء أن تخبروني عما إذا كان الرجل الجديد يضايق أحدا , لماذا أرسلوه ؟ أنا لا أفهم الدوافع الكامنة وراء مجيئه الى ماهور ما دامت الأمور تسير سيرا حسنا , هكذا كانت قبل قدومه , ولا أتوقع لها أن تتغير......".
وما أن إنتهت من قراءة الرسالة حتى أحضرت قلما وورقة , ووضعتهما أمامها تمهيدا للبدء بكتابة الجواب عليها , جلست تفكر وتفكر , وتقلب الأمور من جميع جوانبها , ثم بدأت تتساءل : ( ما هو الشيء الذي يقلق والدتي ؟ ولماذا تتوقع حدوث بعض المشاكل والمتاعب ؟ إنه ليس قطبا من أقطاب الصناعة الجدد .. والظروف اليوم غيرها في الأمس , ولم يعد من الجائز التعرض لمبدأ التقدم أو نقده , كما أن إدارة مزرعة صغيرة خاصة شيء , وإدارة شركة ضخمة شيء آخر , فعدد العاملين فيها الآن أصبح أضعاف عدد العاملين في الماضي , بالأضافة الى الأساليب الحديثة , وخطط التوسيع , لماذا تتجاهل حقيقة أن والدي يحتل منصب مدير في هذه الشركة ؟ يجب أن أذكرها بكل هذه الأمور , وأصحح لها المعلومات التي تكونت لديها عن السيد شريدان وأطمئنها بأنه ليس مكلفا بمهمة إثارة المشاكل , وإنما هو مكلف للعمل بجد ونشاط , وجمع المعلومات , وتقديم الأقتراحات والتوصيات , والقيام بكل ما منن شأنه أن يبرر وجوده هنا.....).
وبهذا المعنى كتبت الرسالة وختمتها بأحلى عبارات المودة والمحبة والأطمئنان , ثم نهضت وذهبت لتأخذ لنفسها حماما باردا يخفف عنها حدة الحر الشديد المشبع بالرطوبة , ولسان حالها يقول : ( لوالدي ملء الحرية في السهر مع السيد والت حتى الفجر , فأنا لست وصية عليه) .
ألا أن والدها لم يطل السهرة هند السيد والت تلك الليلة , كما توقعت , إذ صادف وصوله الى مشارف المنزل لحظة خروجها من الحمام , وما هي إلا لحظات حتى أصبحت تسمع وقع أقدامه يتردد في الجو خافتا ومتقطعا كما لو أن صاحبها يلتزم أقصى درجات الحذر في مشيته , مما أثار الخوف في نفسها من أن يكون القادم شخصا ينوي القيام بعمل خسيس أو السطو , تحت جنح الظلام , فتمنت لو أنها لم تسمح للخادم بالخروج لمقابلة خطيبته.
ومما زاد في مخاوفها أن تلك الأصداء لم تكن تردادا لشتى الأرتعاشات المألوف سماعها أثناء الليل في المناطق الأستوائية , والمعروف أنها تستمع بصورة متواترة , بينما كانت الأصداء التي تتناهى الى مسامعها تسمع تارة ثم تخبو , لتعود وتسمع بوضوح ثم تخبو لتعود وتسمع متقطعة ومتثاقلة , وهكذا دواليك , حتى أصبح صداها يدوي في أذنيها , فأيقنت أن القادم أصبح قاب قوسين من باب المنزل , فركضت مسرعة نحو النافذة وفتحتها لتجد نفسها واقفة أمام شبح والدها يتلمس الخطى في الظلام , وتصرخ بوجهه وهي ترتعش من الخوف والرعب:
" أهذا أنت يا أبتاه! لماذا تمشي بخطى متثاقلة ومتجرجرة ! حسبت القادم لصا فرحت أبحث عن البلطة لأدافع بها عن نفسي , من حسن حظك أنني لم أجدها , وإلا لكان حدث ما لا تحمد عقباه ".
قالت ذلك وأطلقت قهقهة عالية وطويلة وهي جامدة في مكانها والدهشة تشع من عينيها , فيما أقترب منها والدها وهو يعتذر لها قائلا بحنان:
" آسف جدا على ما سببته لك من أزعاج وخوف , يا إبنتي الحنونة , سامحيني! كنت أحاول ألا أزعجك في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل".
" ولا يهمك يا أبتاه ! وأنا أيضا , لسوء حظي , كنت في الحمام فلم أسمع صوت سيارتك وهي قادمة".
صمتت لحظة تتأمله بشغف ولهفة ثم تابعت تقول:
" هيا إدخل يا زائر الليل ! لحظات وأحضر القهوة لنشربها معا".
" عظيم , عظيم , يا كيت!".

نيو فراولة 09-12-11 10:40 PM

أخذ ينزع رباطه , فيما ظلت هي واقفة تتأمل قسمات وجهه التي بدت آخذة في التجعد والترهل وعكست لها ملامح كئيبة تصورتها إنعكاسا لما يتفاعل في داخله من شعور بعقدة الذنب , وتمنت في قرارة نفسها أن لا يكون ذلك نتيجة لتعاطيه الميسر مع السيد والت , لكنها أستبعدت ذلك لأنها كانت تعرف أن والت أضعف بكثير من أن يجر والدها الى ممارسة لعبة مكروهة وممقوتة , خاصة وأن والدها كان يمتاز بصلابة الأرادة وسمو الأخلاق , بدليل أن صديقه والد والت أوصاه بأن يهتم بأمور ولده بعد وفاته , ويوجهه الى ما فيه خيره وفائدته في المستقبل.
أستدار السيد مريفال نحو إبنته , وسألها:
" كيف حالك الليلة , يا كيت؟ كان بالي مشغولا عليك".
قال ذلك وجلس يتأملها بحنان ويفرك وجهه بيده وكأنه يحاول أن يزيل عنه آثار التعب والإرهاق , ويصغي لصوت إبنته تقول:
" أنا بخير والحمد لله , وأنا أيضا كنت قلقة عليك بعد أن تأخرت في الرجوع الى البيت , ولم أتمكن من إجراء أية مخابرة هاتفية للأطمئنان عنك بعد أن قطعت العاصفة جميع الأسلاك , أبي , لماذا ترتعش! أخشى أن تنتقل اليك عدوى فساد الأخلاق من السيد والت".
" لا , لا يا إبنتي الحبيبة , إياك أن تتفوهي بمثل هذا الكلام , لا تسيئي الظن فقليل من سوء الظن أثم , كل ما في الأمر أن السيارة تعطلت وتوقفت في وسط الطريق فقضيت وقتا طويلا أحاول إصلاحها حتى أنهكني التعب".
" الحمد لله على السلامة ! كنت أمزح والآن أنا ذاهبة لتحضير القهوة".
ومرت من أمامه وهي تطبطب على وجهه بيدها الناعمة.
كان والدها لا يزال جالسا دون أن تغيب ملامح الأرهاق عن وجهه , وقت عادت وهي حاملة صينية القهوة بين يديها لتقدم له فنجانا منها , فتناوله وهو يتمتم بصوت مترجرج مقرون برنته الطريفةالمعهودة:
" سلمت يداك يا خير من يرفه عن نفس عجوز مثلي".
ثم سكبت لنفسها فنجانا وجلست قبالته ترشف منه وهي تراقبه بشغف فيما كان يشرب القهوة بسرعة كعادته وهي ساخنة , وتعض شفتيها من الدهشة عندما لاحظت , بما لا يقبل الشك , أن والدها آخذ في الهرم , ومع ذلك , لم تقتنع بأن ملامح هرمه كانت نتيجة للهرم الطبيعي الذي يطال الأنسان بعد فترة معينة من حياته , لا سيما أن والدا كان لا يزال في الثالثة والخمسين من عمره , وهو عمر لم يعد يعتبر رمزا للشيخوخة أو الكهولة , هذه الأيام , أخيرا , إستفاقت من ذهولها فرفعت رأسها وسألته بصورة مباغتة:
" هل هناك ما يشغل بالك ؟ يا والدي!".
حدق فيها جيدا كمن يمعن في القراءة لأستشفاف معنى الكلمات الحقيقي الكامن وراء السطور , وهو يهز رأسه ويضحك قبل أن يرد عليها متسائلا بدهشة لا تقل عن دهشتها:
" أنا ؟ شيء يقلقني أنا ؟ لماذا تسألينني , يا كيت؟".
" سألتك لمجرد أن تقول لي ما إذا كان هناك شيء يشغل بالك غير حالة أمي الصحية".
" أجل , قلت لك أن لا شيء يشغل بالي أبدا ".
وصمت وهو يبتسم ويفكر بمدى النجاح الذي حققه في التغلب على عنصر المفاجأة الذي داهمته به بأسئلتها المحرجة , ثم تابع قائلا:
" لا يوجد ما يقلق بالي ويرهقني سوى إنهماكي بالعمل المتواصل وغلاء المعيشة".
كادت هذه التوضيحات أن تلحق بها الهزيمة لو لم يكن هناك ما يحثها على المضي قدما في الحديث معه ,فتاملته ثم اجابته:
" آه , لم اقصد ذلك ,كان من الطبيعي ان أستفسر عن حالتك .... واتوقع منك أن تكشفها لي بصفتي إبنتك , ألا تريد أن تخبرني ؟ أجل , سألتك لمعرفة ما إذا كنت تشكو من حالتك الصحية , أو من صعوبات تواجهها في العمل , أو من مضايقات يضعها السيد شريدان بوجهك , على فكرة ,جاء السيد شريدان الليلة يريد مقابلتك".
" صحيح ؟ وهل كان هو ايضا مشغول البال علي؟".
هزت كتفيها ومطّت شفتيها وهي مندهشة من اللامبالاة التي يبديها والدها حيال الأسئلة التي طرحتها عليه حتى الان ,ثم ردت عليه قائلة:
" لم يقل لي شيئا , وإنما إستنتجت من سياق حديثه إنه يحمل في جعبته شيئا ما لا يبعث على الأرتياح....".
وصمتت تفكر تتامله لحظة ثم تابعت تقول :
" إذا كان هناك ما يستوجب الكتمان وفلا مجال لكتمان الأسرار بيننا وهل نسيت يا والدي ؟ لم تالف هذه العادة في البيت , أرجوك أن لا تخلق سابقة لكتمان الأسرار عن بعضنا بعضا , همومنا كانت دائما مشتركة , أليس كذلك؟".
"صحيح يا كيت , الحق معك , ليس بيننا أسرار , ولكن أرجوك أن تمهليني حتى يوم الأثنين القادم وأريد منك ان لا تسأليني شيئا على الأطلاق و لا عن العمل ولا عن الأمور الغامضة التي تتفاعل في نفسية السيد شريدان لئلا تعكري علينا صفو الرحلة التي سنقوم بها خلال عطلة نهاية الأسبوع ,مفهوم؟".
" أجل ! ومن قرر القيام بهذه الرحلة؟".
" الكل ,كلهم ذاهبون لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في نادي السباحة الجديد الذي حدثتك عنه ,هل نسيت ؟ وقد وافقت على المشاركة في الرحلة".
قال ذلك وصمت يتأملها ليرى ماذا سيكون رد فعلها ,ولما وجدها لم تحرك ساكنا , سألها :
"هل تفكرين ببرنامج آخر لقضاء العطلة الأسبوعية؟".
" كلا , ولكن .....".
فقاطعها وقال :
" لكن ماذا ؟ علام كل هذا التردد , هل نسيت كيف كنت تتلهفين على الذهاب الى الشاطىء , وخاصة مسبح الدكتور ليم ! كنت أتوقع منك أن تقصديه فور وصولك الى هنا".

نيو فراولة 09-12-11 10:41 PM

هنا سطعت البهجة من عينيها إذ إستيقظت في خيالها ذكريات الطفولة , أيام كانت تذهب الى شاطىء الأحلام برفقة والدها لتسبح وتحيط في الماء ,وتسرح وتمرح فوق رماله الناعمة , وهي ذكريات لا أمتع ولا أروع في نفسها , كانت تتردد في إعطاء قرارها بالموافقة أو عدم الموافقة على الاشتراك في الرحلة الوشيكة خشية أن تطغى بعض المفاجآت والمغامرات العاطفية هناك على الذكريات الممتعة البريئة التي ما زالت تحملها في أعماقها ,وما لبثت حتى إستجابت لسؤاله بالقول :
" أتمنى ألا اشترك في رحلات من هذا النوع .... رحلات ستكون ولا شك حافلة بالمغامرات التي لا تحقق لأصحابها إلا مزيدا من الأوهام".
وقاطعها والدها ليقول بلطف وهدوء:
" كل شيء باق على حاله , يا كيت , البحيرة ما زالت تحافظ على جمالها الطبيعي , إذ أن موقع نادي لسباحة الجديد لم يؤثر عليه بشيء".
" ما قصدت ذلك".
وتنهدت بعمق ثم أردفت قائلة:
" الأمور , كل الأمور ,تبدو مختلفة كليا الآن ".
" من الطبيعي أن تختلف , كل الأمور تبدو دائما مختلفة بالنسبة الى عمر الأنسان ,ولكن هذا لا يعني حرمان هذا الأنسان أوذاك من الشعور بمتعة متساوية , بطريقة أو بأخرى".
" لا , لا أظن انني سأشعر بالمتعة ذاتها التي كانت تراودني يوم أسبح على الشاطىء القديم , لن انسى جماله الطبيعي الساحر , ولا المتعة التي كانت تغمرني وانا اقفز واركض على إمتداده وأتصور نفسي الطفلة الوحيدة في العالم , هل تذكر تلك العاصفة التي هبّت فجأة ذات يوم وأرغمتنا على اللجوء الى بيت جدرانه الخارجية مرصوفة بأصداف البحر هربا من شرّها وطغيانها ؟ حدثني عنه يا أبتي! وعن تلك الفيللا البيضاء كالثلج".
فهز رأسه وهو يفكر ويتأملها بدهشة , ثم ردّ عليها قائلا:
" البيت موجود ولكنه مهجور , لقد هجره الدكتور ليم بعد وفاة زوجته ,الأعشاب تغطيه من كل صوب ,أصداف اللؤلؤ المتنوعة الأشكال والالوان وجمعتها فيكتوريا زوجة احد المزارعين ,وألصقتها على الجدران واحدة واحدة ........ تصوري ! يومذاك , كان عمرك ست سنوات , ومع ذلك كنت تطمعين في منزل الدكتور ليم ,طيّب الله ذكراه كم كان يداعبك ويلاطفك..... هل تذكرين ؟".
فردت وهي تبتسم له إبتسامة عريضة:
" وهل يمكن ان أنسى مثل هذه الذكريات الحلوة ! تنساني يميني إذا نسيتني , يا اعز والد في الوجود , ولكن أرجوك ألا تحكي لأحد شيئا عن ذكرياتي هذه حرصا على حلاوتها وطرافتها ,مفهوم!".
وصمتت وهي تتأمله وتهز رأسها بدلال , ثم سألته:
" هل تعتقد أنني سأشعر بنفس السعادة التي كانت تراودني وأنا أسرح وأمرح على شاطىء النادي القديم عندما كنت طفلة ,بعد التغييرات التي طرأت على الزمان والمكان؟".
" ولم لا ! لست أدري ما يحول بينك وبين شعورك بالسعادة اليوم........".
"هل أنت متأكد , يا أبتاه؟".
" طبعا ,طبعا , إذ أن السعادة لا تقاس بمقياس الزمان والمكان... وإنما هو شعور نابع من مصادر شتى لا حدود لها ".
" بما في ذلك التفرج على الزواج والعشاق يتبادلون النظرات الحالمة وأحاديث الغزل ,على مرأى من أنظار الكبار والصغار ؟كلا , يا والدي , لا يمكن إعتبار مثل هذه المشاهد المخزية مصدرا للسعادة , أنا لا أريد الذهاب لتمضية عطلة نهاية الأسبوع هناك لأنني لست في وارد مشاركة احد من الرجال , لا والت ,ولا شريدان , ولا من يحزنون , حياته الصاخبة و وأرجوك يا والدي أن تفهمني".
تأملها طويلا وهو يبتسم ويلاطفها لتهدئة أعصابها قبل أن يرد عليها بقوله:
" جاء دوري انا لأسألك عما يشغل بالك ,ما بك ثائرة على الرجال ؟ وما الذي يقلقك ؟ أخبريني ولا تخفي عني شيئا و يا كيت و أنت أغلى وأسمى ما عندي في هذه الدنيا , ما الذي غيّرك من حال إلى حال؟".
" لا شيء , أنا لم اتغيّر ابدا و.........".
فقاطعها ليقول :
" بل تغيّرت بعد الذي حصل بينك وبين كين , واأسفاه على فتاة واعية وعاقلة مثلك ترزح تحت وطأة حادث بسيط ,وإن كان مؤسفا يجعلها تحتقر جميع اصناف الرجال وتنفر منهم , إذا كنت لم تنسجمي مع السيد والت فهذا لا يعني نهاية الرجال أو نهاية العالم و كما لا يليق بك أن تظلي ترفضين الدعوات التي تأتيك من هنا وهناك , برضاي عليك يا عزيزتي , عودي إلى سيرتك السابقة وكفي عن الظهور بمظهر المتكبرة والمتغطرسة ,هكذا أصبح الناس يتحدثون عنك كلما خطرت ببالهم".
" هذا ليس صحيحا ,كلا , انا لست متكبرة , فانا ارفض هذه الدعوة أو تلك لأن من حقي أن أرفض كل دعوة أراها غير مرغوبة".
" وما رأيك بعزلة نفسك عن العالم ! وماذا يهم إذا صدف وخان أحد الرجال العهد , أو قلب لك ظهر المجن , أو طعنك في الظهر ! ومع ذلك ,فهذا لا يعني أنك بريئة مما جرى لك حتى الان , قد تكونين شريكة في ما جرى , من يدري!".
وكان هذا الكلام بمثابة صدمة أصابتها في الصميم , ربما لأن والدها فاجأها بكشف جميع الأوراق التي يحملها في جعبته ووضعها أمامها على الطاولة ,لكنها كتمت شعورها بالصدمة وظلت محافظة على أعصابها ووردت عليه بلطف ونعومة:
" لم أكن أتصور أبدا أن رسائلي تركت لديك كل هذا الأنطباع عن مدى تأثير كين علي , صدقني يا أبي انني على عكس ما تراني".
" أنت إبنتي ,وهل يعقل ان لا يعرف الأب إبنته على حقيقتها ! الحقيقة أن توقفك عن عدم ذكر إسم كين جعلني اعتقد بأن الأمور ليست على ما يرام بينكما , ولكنني لم أفاتح أحدا بهذا الموضوع , وأهم من ذلك , صارت رسائلك اللاحقة ترد إلينا خالية من أي ذكر للجنس الخشن ,وإنما لم يخطر ببالي انك اصبحت متشائمة الى مثل هذا الحد إلا بعد عودتك الى البيت , بصراحة ,هذا كل ما عندي".
وبما أنه لم يسبق للانسة كيت أن إشتركت في حديث طويل وشامل كهذا , وما تخلّله من كشف للحقائق تارة , وتبسيط للأمور طورا , فقد إعتصمت بحبل الصمت إتجاه ما سمعته يجري اخيرا على لسان والدها ,وهي تفكر وتفكر إلى أن إنتهت الى القول:
" صدقني يا ابي , إنني لم اتغير بقدر ما تتصور , ولا أنا متحجرة ولا متقوقعة على نفسي , كل ما في الأمر انني أحاول حماية نفسي من هذا الحديث المجنون كما يجدر بكل فتاة أن تفعل هذه الأيام و المهم , كان الحديث شيّقا وممتعا لأنه كان يدور عليك.....".
وقاطعها قائلا:
" وعلى عطلة نهاية الأسبوع أيضا".
ثم هبّ واقفا وصار يتمطّى ويتثاءب ,ويطبطب على خدها بنعومة , دون أن يعاتبها او يلومها ولو بكلمة واحدة , إلى ان خاطبها وهو يبتسم :
" لا تيأسي , يا عزيزتي , لا بد للحظ ان يطرق باب قلبك مرة ثانية في يوم من الأيام ".
وهكذا إنتهى نقاشهما بسلام , فذهب كل منهما في طريقه إلى غرفة نومه , يراودهما الأمل برؤية حلم جميل.

زهرة منسية 09-12-11 11:36 PM

مشكورة كتير على روائعك اللى بتمتعينا بيها


الساعة الآن 01:16 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية