منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   151 - قبل أن ترحل - مارجري هيلتون - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t170495.html)

نيو فراولة 13-12-11 03:31 PM

9- للحب جولة ثانية


أمضت الانسة كيت الأسبوع الأخير من فرصتها الطويلة مع اهلها في البيت ، تعتني بصحة والدتها وتساعدها في تدبير شؤون المنزل ، تسامرها ، وتستقبل الضيوف وتودعهم ، وهي لا تريد سوى تعزيز روابط الحنان والمودة بينها وبين والدتها ، والثقة والإحترام بينها وبين والدها ، وفي الليلة السابقة لرحيلها أقامت حفلة عشاء متواضعة دعت اليها بعض الصدقاء ، بينهم السيد ركس الذي حظي بقسط وافر من الشفقة نظرا لقدومه بمفرده، كانت زوجته إيلين تسرح وتمرح في أجواء أستراليا اللطيفة ، ولن تعود الى ماهور إلا بعد أن تلد.
منتديات ليلاس
كانت ملامح الحزن البارزة بوضوح على وجوه الحاضرين تطغى على مظاهر البهجة التي يحاولون إشاعتها على جو السهرة ، بسبب إقتناعهم بأنهم كانوا يحتفلون بوداع من اعادت الى الحياة الإجتماعية في ماهور بهجتها ورونقها وحيويتها ، لتغادرهم غدا وبذلك يغيب عن مسرح حياتهم الإجتماعية ذلك النجم الساطع الذي كان يفيض حيوية ورشاقة وجمالا ، فتعود الحياة الى سابق ركودها وجمودها.
وزاد في إكتئاب الحاضرين أن وجوها بارزة أخرى ستغادر ماهور خلال فترة قصيرة من الزمن ، السيدة فانهان كانت هي الأخرى ستغادر البلدة في اليوم التالي ، وكذلك السيد ماديسون وزوجته سيغادران ماهور خلال شهرين بعد أن يحال على التقاعد ، فضلا عن السيد شريدان الذي غادر بعد المعرض بيوم واحد.
الحاضرون كلهم كانوا قلقين على مصير الحياة الإجتماعية بعد غياب الانسة كيت ، في حين كانت كيت قلقة على مصير السيد شريدان ، إذ ظلت صورته ماثلة في خيالها طيلة السهرة ، كانت لا تريد أن تفكر بالسيد والت إطلاقا غذ كانت تعتبره مصدر جميع المتاعب والمصاعب التي يواجهها والدها ،وتتمنى من كل قلبها ان يذهب الى غير رجعة ، لتعود الى والدها طمأنينته وسعادته.
ومع ذلك لم ينس الحاضرون وجه السيد والت والحديث عنه والإشاعات المتداولة في أوساط ماهور حول توقيفه في مطار بنانغ من قبل البوليس ، من الإشاعات الرائجة أنه تشاجر مع أحد رجال البوليس في المطار فإعتقل للتحقيق في الحادث ، وإشاعة أخرى تقول أن البوليس القى القبض عليه هناك للتحقيق معه في الإتهامات الموجهة ضده من الشركة التي يعمل فيها ، ولكن هذه كلها تبقى مجرد إشاعات ، ولا أحد يعرف ن لا الانسة كيت ، ولا أي شخص آخر غيرها ، السباب الحقيقية الكامنة وراء هرب السيد والت وإعتقاله في مطار مدينة بنانغ ، ويبقى ان أقصى ما كانت تتمناه كيت وهي تسمع أخباره هو أن لا يورط والدها معه في اية مخالفة من المخالفات المتهم بها.
لم يكن احد من الحاضرين يتوقع أن تكون الانسة كيت صامتة ، واجمة ، وشاردة الذهن طيلة السهرة ، أو يتكهن بالأسباب التي جعلتها تتصرف خلافا لعادتها ، والواقع هو ا ن كيت كانت لا تزال تعيش في اجواء ذلك الصراع الذاتي الناشب بين ضميرها وكبريائها منذ الإصطدام الذي حصل بينها وبين براد شريدان ليلة العرض ، والذي تفاقمت حدته في اليوم التالي إذ غادر ماهور دون ان يكلف نفسه لياتي عندها ويودعها ولو بصورة عابرة ، كانت تحبه حبا جارفا يفوق قدرتها وتصورها على التحمل ، ولما كانت تشعر بفراغ هائل في حياتها تلك الليلة ، كانت قاسية في حكمها عليه ، وعلى نفسها بالذات ، في آن معا.
وهكذا قضت معظم ساعات السهرة وهي حائرة ومرتبكة لدرجة انها لم تشعر حين وجّهت السيدة ماديسون اليها حديثا لترد عليها إلا بعدما لكزتها والدتها لتلفت نظرها ، فإعتذرت لها وإشتركت معها في الحديث دون ان تتمكن من إخفاء الحيرة التي كانت غارقة فيها.
في هذه الأثناء بدأ الحاضرون بمغادرة المنزل ، الواحد بعد الآخر ، ولكن ببطء ، إذ كان كل واحد منهم يتذكّر ، في آخر لحظة ، نادرة ما ، اونكتة ، فيتباطأ في الخروج حتى يرويها ، السيد ماديسون مثلا ، كان لا يتذكر الأحاديث الهامة التي يريد أن ينقلها لأصدقائه إلا بعد وصوله الى عتبة الدار ، ولكنه غالبا ما يضفي على حديثه نفحة من العذوبة والحلاوة والجو العائلي ، أما الانسة فاي فراحت كعادتها تبحث عمن يوصلها الى بيتها بسيارته ، فوجدت ضالتها المنشودة في السيد ركس ، الذي تطوّع للقيام بهذه الخدمة قائلا:
" أنا حاضر يا فاي ، بشرط ان تعديني بأنك لن تخبري إيلين !".
وهنا طفق الجميع يضحكون ن وتوالى مسلسل الضحك عندما ردت عليه فاي بقولها:
" أعدك بانني لن أغريك على الحب".
وضحكت مع الجميع ، ثم اضافت بحسرة:
" آه لو تعلمون كم انا مشتاقة لبراد شريدان!".
وتناولتها السيدة ماديسون بملاحظة فيها خبث وخداع قائلة:
" هل لي أن أسألك عن السبب ؟ هذا إذا لم يكن فيه إحراج لك ".
" لا ، أبدا ، لا إحراج فيه ولا من يحزنون ، كل ما في الأمر أنه كان دائما ينقلني بسيارته من النادي الى البيت ، ىه ... لا تسيئوا النية ، لم يكن هناك شيء ، حبنا كان طاهرا".
" وهذه معجبة أخرى".
علّقت السيدة فانهان وهي تبتسم للآنسة كيت ، ثم اضافت :
" "عجيب امر هذا الشاب إذ يبدو أنه ترك اثرا له وذكريات في مختلف مستويات الحياة الإجتماعية في ماهور".

نيو فراولة 13-12-11 03:33 PM

وتدخل السيد ركس في الحديث ليقول:
" سوف نطالب بنقله الى ماهور إكراما لخاطرك ، يا فاي! ".
فردت عليه قائلة وهي تبتسم:
" إستنادا الى ما قاله لي من المتوقع جدا ان يعود الى ماهور سواء حصلت المطالبة بعودته ام لم تحصل".
وصمتت تتطلع الى وجوه الحاضرين ، ثم تابعت تقول:
" نعم ، يجوز ان يعود ويقيم هنا بصورة دائمة ، إنه يفكر بشراء بيت الدكتور ليم القريب من الشاطىء ، من يعرفه؟".
" انا أعرفه واتذكره جيدا".
ردت الآنسة كيت وصمتت لحظة ثم تابعت :
" كان يملك مستوصفا هناك قبل بناء المستشفى الجديد".
وإستطردت فاي قائلة:
" المهم ن براد يعرفه ايضا وإتفق معه على شراء المنزل منه بعد حالته على التقاعد ، وإن شاء الله تتم الصفقة ويعود براد".
قالت ذلك وخرجت ، وتبعها ركس وماديسون وزوجته ، وكل واحد يلوّح لها بيده مودعا.
في اليوم التالي كانت ارض مطار ماهور مسرحا لوداع مؤثر كانت والدة كيت ابرز نجومه ، أدهشت الناس بطريقة تعبيرها عن عاطفتها إتجاه إبنتها الوحيدة وكانها كانت تودعها الوداع الأخير وهي تضمها الى صدرها ، تجهش بالبكاء وتقبلها ، وتهمس في أذنيها كلمات الدعاء والرضى والسفر والعودة بالسلامة.
" مع السلامة يا حبيبة قلبي وقرة عيني ، مع الف سلامة ، لست اعرف كيف ساعيش بدونك ، غيّري رايك يا حبيبتي وعودي معي الى البيت ، إسمعي مني وغيّري رايك يا إبنتي إذا كنت حقا تحبنينني".
" امي ، يا أعز مخلوق عندي في الدنيا ، إنني أحبك وأحبك أكثر من نفسي ، لا يمكنك ان تتصوري كم احبك..... هيا إبتسمي لي الان واعدك بانني لن اطيل الغياب ، ساعود قريبا لأن شوقي اليك لا يوصف".
" مفهوم يا كيتي ، مفهوم ، وهل لي أحد في الدنيا سواكما؟".
وصمتت إذ فوجئت بزوجها يطوّقها بذراعها وهو يقول لها:
" كفى يا رفيقة العمر ، كفاك بكاء وتحسرا..... إبنتنا مسافرة للعمل في لندن وستعود الينا قريبا ، لا تخافي عليها ، وأدعي لها بالسلامة في الذهاب والأياب".
ثم إلتفت الى إبنته وودّعها:
" مع السلامة يا كيتي ، والى اللقاء".
وبعد دقائق معدودة أقلعت الطائرة ،وكان على متنها أيضا السيدة فانهان التي جعلت رحلة كيت غاية في الراحة والإطمئنان.
توقفت الطائرة في مطار سنغافورة ، حيث إنتقلت كيت والسيدة فانهان الى طائرة أخرى لمتابعة سفرهما الى لندن عن طريق البحرين ، بعد إستراحة بضع ساعات أنتهزتاها لزيارة مصممة الأزياء الصينية وإبنتها الموهوبة.
وكم دهشت كيت عندما وجدت الفتاة الصينية كئيبة بسبب عدم ورود اية عروض اليها من الخارج في اعقاب نشر تصاميمها الرائعة في الصحافة العالمية اثناء معرض الأزياء الذي جرى في ماهور ، حسبما أوحت لها الانسة كيت من أن بعض دور الأزياء الأميركية ستهتم بتصاميمها وتستدعيها للسفر الى أميركا ، فتحقق احلامها الفنية والصحية هناك بفضل إمكانيات اميركا الفنية الهائلة ووسائل معالجة الشلل المتوفرة هناك.
وسرعان ما عادت اليها بشاشتها وبسمتها عندما أكدت لها كيت بأنه سياتيها عرض اوأكثر ذات يوم ، وما عليها إلا أن تصبر ، ثم أخبرتها بأنها متوجهة الى لندن وستحاول جهدها هناك أن تساعدها بطريقة من الطرق ، فإنفرجت أسارير كيم وراحت تعرض عليها رسوم بعض التصاميم الحديثة ، ولم تمانع في أن تأخذها كيت معها لتحاول عرضها على دور الأزياء التي تتعامل معها ، عسى ان تعجبها.
ولم تدع كيت هذه الفرصة الذهبية تمر دون ان تخبر الآنسة كيت عن الهواية الجديدة التي بدأت تمارسها فور عودتها من ماهور الى سنغافورة ، إذ إشترت البوما جمعت فيه الصور التي نشرتها الصحف العالمية عن الأزياء التي عرضت اثناء المعرض ، كان بينها صورة لنفسها وكيت واقفة بجانبها ، وأخرى ظهر فيها السيد شريدان وهو يحادث الانسة فاي ، مما اثار في نفسها ذكراه وبدا قلبها يخفق بضراوة وبصورة متسارعة ، كما اخبرتها بأنها طلبت من بعض الصحف أن ترسل اليها المزيد من تلك الصور لضمّها الى مجموعتها وهي تتامل وجه كيت وتبتسم لها كأنها أصبحت تملك ثروة طائلة تحرص اشد الحرص للمحافظة عليها ، ثم سألتها:
" يسعدني ان أرسل اليك عددا من الصور التي ستردني إذا كانت تهمك".
أومات كيت راسها بالموافقة وهي تبتسم ، والحزن يشع من عينيها ، لقد أعجبتها الفكرة واحزنتها في آن معا ، أعجبتها لأنها كانت تتمنى أن يكون لديها صورة أو أخرى من صور شريدان ، وأحزنتها لأنها كانت تغار عليه من فاي وتكره ظهوره معها في صورة نشرتها الصحافة العالمية بحيث يستحيل نزعها من الأذهان بسهولة ،وتحسد الثقة التي اولاها لفاي ، إذ كشف لها عن مشاريعه المستقبلية وطموحاته ، وحياته الخاصة ، بينما كان يركز إهتمامه وهي برفقته على أمور تافهة ، يحاول من خلالها التحري عن طبيعة العلاقات القائمة بين والدها والسيد والت ، ويغطي محاولاته بالتظاهر بأنه كان يحبها ، لكنها عادت وإستدركت ان لا شيء يدعوها للأسف عما فاتها ، معتبرة التجربة ، تجربة خروجها معه ، حدثا عابرا سرعان ما يفقد اهميته وتنساه حالما تنهمك في الأعمال التي تنتظرها في لندن ، وما السيد شريدان سوى شاب وسيم الطلعة ، مفتول العضلات ، عريض المنكبين ، همه الوحيد مطاردة النساء ، لا لشيء إلا لإثبات قدرته على الإيقاع بهن ، وليست هي في نظره سوى واحدة منهن ، لم تكن الولى في حياته ولن تكون الأخيرة.

نيو فراولة 13-12-11 03:34 PM

تلك الهواجس كانت لا تزال تنتابها بينما صعدت كيت الى متن طائرة البوينغ التي ستحملها االى لندن عن طريق البحرين ، وزاد في حراجة وضعها كونها مسافرة لوحدها ، إذ أن رفيقة السفر السيدة فانهان بقيت في سنغافورة ، ولم يكن امامها سوى الاعتصام بالصبر ، وهكذا لم تفارقها همومها وهواجسها إلا عندما وصلت الطائرة الى مشارف البحرين ، حيث كانت ستهبط في المطار لتتزود بالوقود ، وتتابع الرحلة ، تصورت أن الطائرة كانت تحوم فوق ماهور ، فأنساها ذلك همومها لبعض الوقت وهي تتأمل الشاطىء بحثا عن موقع نادي السباحة في ماهور قبل أن يتبيّن لها مقدار الشبه الكبير بين طبيعة الشاطئين.
ما ان حطت الطائرة في مطار لندن حتى توجهت منه راسا الى شقتها الواقعة في إحدى الضواحي ، وباشرت فور دخولها الشقة بإخراج حوائجها من الحقائب ووضعها في الخزانة ، وتحضير الملابس الثقيلة التي ستستعملها في لندن لمقاومة البرد والصقيع والضباب ، ثم إستحمت ، وتناولت بعض الطعام الجاهز في الثلاجة ، وإستلقت على سريرها ترتاح وتتمتع بالدفء والحرارة وهي تقرأ الرسائل التي وصلتها اثناء غيابها.
صحيح أن كيت تلقت عروضا عديدة ومغرية للإشتراك في حملات لدعاية ، وعرض الأزياء ، وإعلانات التلفزيون ، من شركات عالمية ، إلا أنها تريّثت في الرد عليها ريثما تشتري لنفسها بعض أدوات الزينة وسواها ، في هذه الأثناء أجرت عدة إتصالات بمدير أعمالها للإطلاع منه على آخر المقومات في دنيا الأزياء والدعاية ، والتباحث معه في العروض السابقة والمستجدة ، كما إتصلت بالبنك الذي تتعامل معه لتسوية اوضاع حساباتها المتضائلة وضرورة تغذيتها ببعض المبالغ ، كذلك خرجت ذات ليلة برفقة مدير أعمالها بناء على دعوته لتناول العشاء معا ، بحضور بعض الأصدقاء ، تعرفت اثناءها على نجم جديد في عالم الدعاية، يدعى جيرمي أعجبتها وساومته ،وجاذبيته ، وغناه وأعجبته بفضل رشاقتها ، ورصانتها ، ونشاطها ، لدرجة انه دعاها لتمضية عطلة راس السنة معه عند أهله في منطقة ساسكس.
ومع إقتراب عيد الميلاد بدأت بطاقات المعايدة تصل الى كيت بالعشرات ، من اهلها واصدقائها ، ومن الشركات التي تتعامل معها ، ومن المعجبين والمعجبات بها ، بينها بطاقة من السيدة فانهان ضمنتها خبرا ترك أثرا بالغا في نفسها ، إذ أنه كان عن السيد شريدان ، تقول فيه:
" على فكرة ، يا كيت ، اود ان اخبرك بان السيد شريدان امضى معنا عطلة نهاية الأسبوع ، وقد إشترى بيتا جديدا للإستقرار فيه بعد نقله الى ماهور كي يشغل منصب مدير الدائرة الفنية في الشركة إبتداء من الشهر التالي".
كما كتبت تخبرها عن أن الفتاة الصينية المشلولة لديها بعض الأخبار السارة التي ستنقلها اليها قريبا.
وكان من السهل عليها أن تدرك اخطاءها الماضية من خلال تصرفاتها غير المعقولة نحوالسيد شريدان ، عندما اشارت اليه السيدة فانهان ، وإن بصورة عابرة ، لتذكرها بتطور تلك الأحداث التي عاشتها في ماهور ، وهي تترجح بين الشك واليقين ، وإذا بها الان ، وبعد أن أكدت لها السيدة فانهان صدق ما رفضت تصديقه في الماضي ، تندب حظها وتشتهي لو ان الأمور جرت وفقا لما كانت تشتهي وتتمنى ، ومع ذلك رفضت التوقف عند احداث الماضي وتجاربه القاسية ، يراودها الأمل بان يتطور لقاؤها مع جيرمي الى اكثر من مجرد علاقة بين صديقين ، فقررت تلبية دعوته لتمضية ليلة رأس السنة في بيت أهله في ساسكس ، حيث عاشت تجربة هزلية خففت من وطأة الماساة الماضية ، بنتيجة العرض السخيف الذي عرضه عليها جيرمي بأن يمضيا معا مدة ستة شهور قبل أن يقرر نهائيا ما إذا كان سيتزوجها بصورة شرعية أم لا.
" يا لها من فكرة سخيفة!".
ثارت ثائرة كيت ورفضت حتى مجرد التفكير فيها ، واضافت وهي تضحك ضحكة ماكرة:
" يا ، يا جيرمي ، انا لا اؤمن بإختبارات الزواج... ومن الأفضل أن تغير الحديث".
" ولم لا ، يا كيت ؟ إنها فكرة حكيمة تسهل الفراق في حال عدم الوفاق".
" لا يا جيرمي ، لا شكرا ، الزواج بعد تجربة ستة اشهر ؟ من اين جئت بهذه الفكرة؟".
" إنها فكرتي وهي لمصلحتك أنت قبل مصلحتي".
" كذا؟ ولماذا كل هذه التضحية؟".
" سميها تضحية إذا شئت ولكنها ليست تضحية فقط وإنما واقعية !".
" ويا لها من واقعية يا جيرمي! ارجوك الكف عن بحث هذا الموضوع".
" ولماذا كل هذا العجب؟ كل ما في الأمر أن نفسي حدثتني بان الزواج بعارضة أزياء مثلك قد لا ينجح أو ان اشغالها قد تعرقل حياتها الزوجية فخطرت ببالي تلك الفكرة للحيلولة دون تعقيد الأمور في المستقبل".
" الأنني عارضة أزياء ظننت أنني أختار الرجال كما اختار ثيابي؟ لا يا جيرمي ، انت مخطىء".
" أن موقفك يدهشني يا كيت".
" كنت اتمنى الا يدهشك موقفي بقدر ما يدهشني أنا شخصيا ".
" لست افهم !".
" ليس ضروريا ان تفهم ، المهم أن تنسى موضوع زواجك من عارضة أزياء لا يهمها من أمور الدنيا سوى الحب والزواج".
" حاشى لك ان تفكري بامور كهذه".

نيو فراولة 13-12-11 03:36 PM

وصمت وهو يضحك بسخرية ، ثم اضاف:
" انا لا أؤمن بكل هذه الأمور".
" هذه هي الحقيقة".
" هل خدعتني ، يا كيت ! هل هناك رجل آخر....".
فقاطعته قائلة:
" كلا ، ليس هناك أي شخص آخر".
" لا اصدق.... نظراتك تؤكد لي ذلك".
هنا تنهدت بعمق ثم ردّت عليه قائلة:
" قل لي ، ماذا تسمي رجلا يعيش في الجهة الثانية من العالم لا هو يريد أن يرى لي وجها ولا أنا اريد أن ارى له وجها؟ هل تسميه شخصا آخر؟".
" إذا كنت توافقين ان ما قلته يحدد تعريفك للشخص الاخر ، فإن ذلك الشخص حقيقة واقعة ، هناك رجل آخر وسيبقى هناك دائما رجل آخر".
عادت كيت الى لندن وهي تشعر بالكآبة وعقدة الذنب ، وتمنت لو انها لم تلبي دعوته لتمضية العيد معه في بيت أهله ، خاصة وأن هذه العادة أصبحت بالية ، وقالت لنفسها : ( من يظن جيرمي نفسه حتى يعرض علي أن أجري معه تجربة لستة أشهر قبل ان يتزوجني ؟ مالي وله؟ توسمت فيه الخير فإذا به اسوا واحط بكثير مما كنت اتصور ، يكفي ما طرحه من أفكار أبشع من الرذيلة ، يريد ان يجرب العيش معي لستة أشهر ، قال ، وبعدها يرى إذا كان بإمكانه ان يتزوجني ام لا ، تبا لك ولثروتك ، ياجيرمي).
ومع ذلك فإن هذه التجربة الجديدة صدمتها ، وخيبت أملها ففكرت بالإتصال بمدير اعمالها وإقناعه بتدبير عمل لها في الخارج ولو لمدة شهرين اوثلاثة ، لتستعيد نشاطها وحيويتها بعيدا عن أجواء لندن.
ما ان اطلت عليه حتى بادرها بالسؤال:
" هه يا كيت ، ماذا لديك من أخبار؟".
وصمت يتأمل وجهها المكتئب ، ثم أضاف:
" أخبريني ، يا كيت ، ماذا حدث بينك وبين جيرمي ؟ ارجو ألا يكون الح عليك بالزواج ليلة رأس السنة!".
" ليته فعل ! وإنما العكس هو الصحيح".
" كيف؟ لست افهم".
" أنا كنت تواقة للزواج بينما كان هو شديد اللهفة على.....".
فقاطعها وقال:
" كفى ، يا كيت ، فهمت عليك ، لا بأس ، الحياة كلها دروس ، هل تتعشين معي ، وإعتبري ذلك دعوة رسمية ، ما رايك؟".
" أتمنى!".
" هيا بنا إذن ، وهناك نتابع البحث يا كيت ، إطمئني".
وضع امامها سلسلة من العروض ، بعضها جاهز للتنفيذ ، وبعضها الآخر ينتظر القرارات النهائية من قبل المنتجين لتنفيذها ، كان هم مدير العمال يدور حول إقناعها بقبول أي عرض من العروض المطلوب تنفيذها داخل بريطانيا ، نظرا لما كانت تتمتع به من مزايا شخصية رفيعة المستوى بالإضافة الى خبرتها الواسعة في مجالات الدعاية الحية والتلفزيونية ، ولما وجدها مصرة على السفر خارج البلاد ولو لفترة شهرين للترفيه عن نفسها ونسيان خيبات الأمل التي تلاحقها الواحدة تلوالأخرى ، وافق على إنتدابها للقيام بحملة دعاية واسعة النطاق ، في طول القارة الأوروبية وعرضها ، بما في ذلك المغرب وجامايكا ، بشرط ان تستقر بعدها في البلاد ، ووعدته خيرا.
يقول المثل : رب صدفة خير من الف ميعاد ، وينطبق هذا المثل على اللقاء الذي تم بين كيت والسيد شريدان ، هكذا وبدون سابق موعد بالمرة.
حدث ذلك اللقاء عندما كانت كيت تستعد للظهور أمام عدسات آلات التصوير لإخراج فيلم دعائي لعرضه على شاشة التلفزيون عن ثوب إصطناعي فريد من نوعه في عالم الملبوسات ، كان تنظيفه لا يحتاج الى أي غسيل بالماء والصابون ، وإنما كان الهواء يقوم بهذه العملية بمجرد نشر الثوب المذكور في الهواء الطلق الطلق ليزيل عنه كافة الوساخ العالقة به خلال فترة قصيرة من الزمن ، ويعود نظيفا ناصعا كما كان.
كان السيد شريدان جالسا في مطعم بالقرب من شاطىء النهر ، حيث كان المخرج والمصورون منهمكين بإخراج وتصوير الفيلم الدعائي الذي كانت كيت ستظهر فيه وهي ترتدي مع الثوب المبتكر قبعة واسعة جدا من القش ، حاملة بيدها مظلة شمسية بديعة الألوان ، وتلوح للناس بيدها الأخرى ، مع وثبة بارعة الى الأمام تظهرها وكأنها ماشية وهي تبتسم وتغمز بعينها.
بدأ المخرج يعطي التوجيهات للانسة كيت كي تنزع قبعتها عن رأسها وتلقيها في الهواء وتلتقطها وهي ساقطة وهي تضحك وتبسط ذراعيها ، ليقول بعدها لشريكها في الفيلم:
" هيا يا سيمون إنحن فوقها وكلمها بجدية... والآن دورك يا كيت ، تجاوبي مع التفاتته نحوك بسرعة وبصورة طبيعية ، هيا يا كيت قبل فوات الأوان... المصور ينتظر ، ماذا بك يا كيت ! ماذا جرى ! هيا أسرعي فالمصور ينتظرك...".
لكن الانسة كيت ترددت في آداء الدور المطلوب منها في هذه اللحظة الحاسمة من المشهد وهي تلمح غير مصدقة ما كانت تراه عيناها ، شبح السيد شريدان وهو يقترب من المكان بخطى وثيدة ثابتة ، يتأملها بدهشة ولهفة ويقول لها بصوت هامس:
" الم أقل لك بأنني الرجل الوحيد القادر على إختطاف لوعة الحنين من صدرك ! ". القى بذراعيه نحوها وهو ينحني فوقها بطريقة أذهلت المخرج لدرجة أنه أمر المصور بإلتقاط صورتهما ، إذ وجدهما في موقف معبّر تماما ، إن لم يكن اكثر ، عن المشهد الذي كان يتصوره.

نيو فراولة 13-12-11 03:37 PM

وفيما دار الجدل بين المخرج والمصور وشريك كيت في آداء الدور الدعائي المطلوب ، كانت كيت تغرق في الذكريات قبل أن تعود الى رشدها وتدرك مدى الجنون الذي إستبد بها خلال الدقائق القليلة الماضية ، وقبل أن تنتبه الى السيد شريدان وهو يقول لها:
" طلبت مني والدتك ان ابلغك اطيب تحياتها وتذكرك بانك نسيت خاتمك الماسي في البيت".
" صحيح؟ عظيم ، كنت اظن انه ضاع ، شكرا يا براد على هذا الخبر المفرح".
تحلّق الجميع حول شريدان الذي كان لا يزال يطوق خصر كيت بذراعه ، فعرفوه بأنفسهم الواحد تلو الآخر ، ثم دارت بينهم ثرثرة ممتعة حول مشهد الختام الذي أداه شريدان بصورة عفوية وانقذ بذلك عملية التصوير في آخر لحظة.
وبعد إستراحة قصيرة تناولوا خلالها بعض المرطبات وقطع الحلوى ، غادر المخرج وجماعته المكان ، وبقيت كيت جالسة بجانب شريدان كأنها في الحلم.
سألته بنعومة:
" اين تقيم؟".
" هنا في هذا الفندق ، أجل!".
" يا للمفاجأة ؟".
" هيا نبحث عن مكان أكثر عزلة".
نهض فنهضت كيت وسارت في الإتجاه الذي دفعها نحوه وهو يتابط ذراعها ، وصلا الى حديقة الفندق المحاذية لبركة السباحة ، حيث اشارت بيدها الى شجرة الورد وهي تقول بأسف:
" أنظر كيف تتساقط الورود الى الأرض!".
" ما جئت هنا لكي أبحث معك موضوع تساقط أزهار الورد!".
" أنت لحقت بي يا براد ، وإلا كيف عرفت انني هنا؟".
" يجب ان تدفعي أجرة البرقيات المتبادلة بيني وبين والدتك".
" وكم تظن يتوجّب علي أن ادفع؟".
" سوف أرى واخبرك ، كنت ناشطة الحركة خلال الأسابيع القليلة الماضية ، سمعت انك قمت بجولة في باريس وروما وبون وامستردام وطنجة والرباط".
" نسيت كوبنهاغن!".
" كيت!".
" لم تصلني أية برقية يا براد ، آسفة".
" طبعا لا ، وكيف تصلك وانت دائمة الحل والترحال؟".
وصمت يتأملها بشغف ثم تابع يقول:
" إتصلت بوالدتك وطلبت منها ان تبرق الى عمتك لتخبرها عن مكانك بعد ا دفعت سلفا أجرة برقيتها الجوابية".
" لا تقل ذلك يا براد ، صحيح؟".
" نعم صحيح ، أن لم يكن اكثر".
"ومتى رأيت والدتي ؟".
"زرت والديك مرة لمدة يومين ونمت في غرفتك".
" صحيح؟".
" نعم صحيح ، وشعرت كانني واحد من أفراد العائلة".
" براد، كنت افكر بك طوال اليل".
أحمرت وجنتاها وطفق قلبها يخفق بقوة ، واضافت:
" ولم يخبرني أحد عن ذلك ، من تظن نفسك تكون ؟ وهل إستطعت ان تنام لحظة في غرفتي؟ الم تزعجك الكوابيس؟".
" كلا يا كيت ، لا كوابيس ولا من يحزنون ، التفكير بك طوال الليل اعطاني مناعة ضد جميع أنواع الكوابيس"
" وشعرت بنفسك كانك في يتك ، اليس كذلك؟".
" نعم، ولكن بفضل الإستقبال الحار الذي لقيته من والديك".
" تقصد انني لم استقبلك الإستقبال نفسه؟".
" ساعطيك الجواب بعد أن أرى كيف سيكون إستقبالك لي".
صمت يتأملها وهو يضع ذراعه حولها ، ثم اضاف:
" لقد تحملت فوق طاقتي شتى أنواع الضيافات الخاصة بك ، يا كيت!".
" إذن لماذا جئت ولماذا تطاردني بعد؟".
" جئت لكي أسالك سؤالا ولن أذهب قبل حصولي على الجواب ، والذي أرجو أن يكون بالإيجاب".
" جواب على ماذا ؟ وهل من الضروري ان تسألني أسئلة؟".
" نعم ، ضروري ان اسالك سؤالا لا غير ، وهو : لماذا كنت تنفرين مني كلما حاولت التودد اليك وإنماء التفاهم فيما بيننا؟".
" إنك تؤلمني يا براد "، كان يشدد الضغط على يدها.
" سوف اوجعك أكثر إذا لم تكفي عن تعذيب قلبي بتهربك مني وصدي".
" ما هذا الجنون المفاجىء ! دعني ! إتركني اذهب!".
دفعته عنها بيديها محاولة الإفلات من الطوق المضروب حولها .
" ليس قبل ان اسمع جوابك ، قولي بالله عليك ، لماذا تهربين مني؟ ولماذا تتنكرين لمشاعرك ومشاعري في آن معا ؟ لا تنكري يا كيت ! انا مقتنع بانك تحبينني بقدر ما أحبك ، إن لم يكن أكثر ، فلماذا كل هذا الصدود والهروب من الحقيقة؟ آن لك لتعترفي بالحقيقة ولو مرة واحدة في حياتك".
" كلا ن غير صحيح ، إبتعد عني ، ارجوك أن تتركني وشاني".
" آم منك يا كيت! ماذا تريدين مني أن افعل كي أحظى بحبك وإحترامك؟".
منتديات ليلاس
وإذا بلهجته اللطيفة المفاجئة تحطم ىخر سلسلة في حلقة مقاومتها ومواقفها المتصلبة ، وتجعلها اضعف من ان تصمد ، أو ان تستطيع كبت مشاعرها الدفينة نحوه ، فجاة وجدت نفسها تعانقه بصورة لا شعورية ، وهي تهمس في اذنه قائلة:
" الم تعرف؟ كنت اظنك تعرف الإنتصار الذي حققته في الجولة الأولى ، آه ، لماذا اعدت الكرة ؟ بحق السماء ، قل لي لماذا عدت؟".
" يجب أن تعرفي ن عدت لأنني لم أستطع العيش بدونك يا حبيبتي!".
" صحيح؟".


الساعة الآن 10:03 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية