منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   22 - الماضي لا يعود - آن ميثر - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t169392.html)

نيو فراولة 26-10-11 07:49 PM

22 - الماضي لا يعود - آن ميثر - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
22- الماضي لا يعود - آن ميثر - روايات عبير القديمة

الملخص


أخطأت مادلين مرة في شبابها , إلا أنها هرعت تحتضن الثمرة بكل ما أوتيت من حب وحنان وتضحية . وعملت جهدها كي تنشأ ابنتها ديانا في جو عائلي لا تشوبه شائبة . فتزوجت رجلاً لم يكن بحاجة الى زوجة بقدر حاجته الى مدبرة لمنزله . لكن القدر شاء أن يموت هذا الرجل وتبقى مادلين أرملة مع ابيتها الوحيدة ديانا .
في عالمها رجل واحد هو العم أدريان الذي يتمتع بكل الصفات الأبوية ويرشح نفسه ليكون زوجاً لمادلين في المستقبل . لكن ظهور رجل يدعى السيد فيتال الرئيس العام لشركة سيارات أجنبية حيث تعيشان . قلب المقاييس وغيّر الاحتمالات .كيف تتصرف مادلين مع ابيتها التي ربيت في جو لا يعرف المفاجاه , خاصة ان أمها انجذبت الى ذلك الايطالي الغريب .... وتتأثر ديانا الى حد اليأس والفرار, لكن من ينقذ حياتها في اللحظة الحاسمة ؟ وكيف يتأكد الجميع في هذه الرواية ان الماضي لا يعود ؟

Rehana 26-10-11 08:47 PM

تسلمين .. تسلمين يالغالية
لك كل الحب والوود .. عزيزتي فريال

http://www.papillonmulticolore.eu/es...i-fleur002.gif

زهرة منسية 26-10-11 10:20 PM

مشكورة كتيررر فريال أنت كنز ثمين بـ ليلاس والرواية رررررروعة أنا بحب آن ميثر كتير

نيو فراولة 26-10-11 10:37 PM

1- البنت وامها


طوت مادلين آخر رسالة ووضعتها في الظرف وأغلقته سعيدة شاكرة ، وتنفست الصعداء ، ثم وضعت الغطاء البلاستيك على آلتها الكاتبة ، واغلقت درجها بالمفتاح ، ودست المفاتيح في حقيبتها ، وبينما كانت تسير الى الباب إلتقطت سترتها المصنوعة من الجلد وإرتدتها وهي تمر ببصرها في أرجاء الغرفة لتوقن من أن كل شيء مرتب في عطلة نهاية الأسبوع ، وعندما إرتاحت الى ذلك فتحت الباب وخرجت.
كانت الممرات الطويلة ، التي كسيت أرضيتها بالمطاط ، تمتد أمامها ، وتحيط بها على الجانبين فصول دراسية ومزيد من الممرات ، وكانت تبدو الآن بغير الحشود المثرثرة من الأولاد ، عارية مقفرة لا حياة فيها ،وفجاة ظهر جورج جاكسون ، بوّاب المدرسة ، من احد الركان الكثيرة وإتخذ طريقه اليها ، فإبتسمت مادلين حين رأته يقترب ، إذ كانت ولوعة بالحارس المسن ، الذي كان يرعى الأمور بكفاءة عالية.
تساءل وهو يقترب منها:
" الم تذهبي بعد يا سيدة سكوت ؟ تعلمين ان الساعة تجاوزت الخامسة".
اومأت مادلين برأسها وقالت:
" انا ذاهبة الان يا جورج ، تركت الرسائل القليلة الأخيرة على مكتبي كالعادة ".
قال جورج ، وهويبحث في جيوبه عن غليونه:
" حسنا ، ساتولى امرها ، إذهبي الان يا عزيزتي ، فإن إبننتك ستتساءل اين انت".
قالت مادلين ، وهي تبتسم مرة أخرى:
" قد تكون على صواب ، أراك يوم الإثنين".
ومضت عبر الممر ، وكعب حذائها لا يكاد يحدث صوتا ، ومع أن المدرسة كانت خالية ، كان فيها ما يجذبها اليها ، وكانت تستمتع بالعمل هناك كسكرتيرة للناظر – أدريان سنكلير ، كانت سكرتيرته لأكثر من خمس سنوات الان ، منذ جاءا الى أوترييري.
وكان مدخل هيئة التدريس يفضي الى مكان وقوف السيارات ، التابع للمدرسة ، ومادلين ، التي تمتلك دراجة بخارية سكوتر مشت بسرعة الى حيث كانت اوقفتها ، وكانت الدراجة البخارية هي الآلة الوحيدة المتروكة في المكان ، وبينما كانت تدفع بقدمها آلة التشغيل ، إرتعدت ، كان الوقت في اواخر مارس – آذار ومع ذلك كان الهواء لا يزال باردا برودة الثلج في الصباح والمساء ، ولم يكن ركوب الدراجة البخارية يبعث على البهجة كاشهر الصيف الدافئة.
مضت راكبة الى باب الخروج وتباطات وهي تصل الى الطريق الرئيسي ، كان المرور يتدفق بجوارها ، وكان معظم المارين من العمال الذين غادروا مصنع السيارات القريب ، ومع أن أوترييري كانت بلدة صغيرة ، إلا ان المصنع الجديد الكبير الذي قام على مشارفها زاد من حجم التعداد الى حد كبير وكانت هناك بيوت تبنى تدريجيا ليقيم فيها الرجال الذين كانوا في الوقت الحاضر يرتحلون الى عملهم من اماكن بعيدة.
وعندما توقفت حركة المرور قليلا دخلت مادلين مجراها الرئيسي ، وغيّرت سرعتها وكانت تستمتع بشعور الحرية الذي تتيحه لها الدراجة البخارية ، اما المركبات المنذرة بالخطر ، التي كانت تندفع حشودها بجوارها فلم تكن لتضايقها كثيرا ، لم تشعر بانها عصبية ، ولم تكن كذلك أبدا وهي تقود وكان ركوب الدراجة البخارية لا يستغرق منها سوى جهد ضئيل.
وفجأة مرت بجوارها مسرعة سيارة حمراء ضخمة ، وبدا جسمها الثعباني المنساب دليلا اكيدا على سرعتها غير المحدودة ، وعبست مادلين والتيار الناجم عن مرور السيارة يكتنفها كموجة طويلة من امواج المحيط ولم تكد تستقيم حتى إضطرت الى تشغيل فراملها بكل ما تملك من جهد في الوقت الذي بدا فيه ذيل السيارة يندفع بعنف سريع نحوها ، كان السائق قد توقف بغتة بسيارته ، وكان مصباحاها المزدوجان يشعان كمنارة ويضيئان الطريق حتى في وضح النهار.
منتديات ليلاس
كانت مادلين مفرطة القرب ، فوضعت قدميها على الأرض لتجرب الوقوف ، ولكن الدراجة البخارية كانت تنزلق ، وفي الثانية التالية إرتطمت بها ، لم تكن خبطة شديدة، فقد وفرت عليها فراملها ذلك ، ولكن الدراجة البخارية انقلبت وإستقرت مادلين على الأرض وهي تشعر بالحماقة.
وبينما كانت تحاول الوقوف إمتدت يدان قويتان وساعدتاها ، يرافقهما صوت يبدو كالثلج المنسحق ، يتساءل:
" ماذا تظنين انك تفعلين؟".
إتسعت عينا مادلين وحدقت في الرجل الذي يواجهها غاضبة ، هل هو في الحقيقة يلومها ؟ عجبا ، إنه هو الملوم؟
واصل كلامه بلا تردد ، ولهجته تبدو غير ودية:
" هنا طريق عام ، وليس ملعب أطفال !".
ثم أضاف مكملا:
" يجب أن تفكري مقدما ، أو تبقي بعيدا عن الطريق".
إبتدرته مادلين في سخط:
" إنتظر لحظة ، إنها غلطتك انت بسبب وقوفك بهذه السرعة البالغة".
قالت ذلك بغضب بينما كانت عيناه الساخرتان تتفرسانها ، وتساءلت مادلين من أي جنسية يكون ؟ فقد كانت هناك لكنة في صوته ، ضعيفة لكن لا تخطئها الأذن ، ليست إنكليزية بالطبع ، ثم قالت:
" هذا الطريق لم يجر إنشاؤه لسباق السيارات ، وعادة ما يبدي سائقو السيارات مقاصدهم بإشارات ، تكون بمثابة تحذيرات مسبقة لمن يتبعهم في الطريق".
قاطعها قائلا:
" ادرك ذلك ، حسنا ، أعترف بانني توقفت فجأة ، لكنني لو لم أفعل لحدث ما هو أشد خطورة ، وإذا سرت الى مقدمة السيارة ، فسترين بنفسك".
مشت مادلين ببطء بعد ان إعتدلت قامتها ، وإن كانت تشعر بهزة بسيطة ، ولفت حول الوحش الأحمر ، ثم توقفت ودفعت بيديها في جيبي سترتها ، وكانت هناك ثلاث سيارات متصادمة في وسط الطريق ، وكان من الواضح ان إحداها إرتطمت بالسيارتين الآخريين ، وبينما كانت تقف هناك ، كانت إحدى سيارات الشرطة تأتي مجلجلة الصوت عبر الطريق من أوترييري ، ولكن لم يكن هناك فيما يبدو من أصيب إصابة خطيرة لحسن الحظ.

نيو فراولة 26-10-11 10:42 PM

شكرا ل Rehanaو nona1979


بتمنى الرواية تعجبكم واللي عنده إقتراح لكتابة رواية من عبير القديمة يتفضل ويقول .وأنا مستعدة لكتابتها .

fati_mel 27-10-11 07:55 PM

الله يعطيك الف ..الف عافية عن جد اختياراتك للروايات مميزة
و مشوقة و تسلم الايادي و الانامل لي تستاهل اللف في الحرير


:98yyyy::98yyyy::98yyyy::98yyyy:
:4redf54r::4redf54r::4redf54r:


نيو فراولة 27-10-11 09:09 PM

قال رفيقها وهو يبدو مسرورا الان :
"حسنا ؟ هل هذا يقنعك بان دوافعي كانت معقولة؟".
هزت مادلين كتفيها ، وقالت:
"بالطبع ، معذرة لأنني قفزت الى النتائج ، ولكن الدراجة البخارية ليس لها في الواقع قوة فرامل سيارة مثل هذه".
قالت ذلك وهي تشير نحو السيارة.
إنحنى الرجل برأسه ، ثم قال متأخرا قليلا:
" هل اصبت؟".
لم تستطع مادلين أن تكتم إبتسامة ، وقالت وهي تهز راسها:
" لا ، أشكرك ، فإنني لا أزال قطعة واحدة ! خير لك أن تفحص سيارتك ، فالأرجح أن تكون في حاجة الى إصلاح".
إبتسم كذلك بشيء من السخرية ، ووجدت مادلين نفسها تفكر كم هو جذاب ، كان طويلا ذا منكبين عريضين يستدقان الى ردفين نحيلين ، وكان أسمر البشرة بفعل الشمس ، وكانت عيناه زرقاوين غامقتين ، وشعره اسود فاحما ، وهذا ما جعل مادلين تفكر في انه ربما اسبانيا او إيطاليا ،وكان يتحرك برشاقة وسهولة ، وكان سلوكه المتراخي ، يخفي وراءه فيما يبدو حيوية مكبوحة ، وكانت حياكة بذلته خالية من العيوب ، حاكتها كما هو واضح يد صانع ماهر ، وكانت لكنته الضئيلة وتمكنه الممتاز من الإنكليزية يشيران فيما يبدو الى أنه تلقى تعليما باهظ التكاليف ، وتساءلت من يكون ، فقد كانت تعرف بمجرد المظهر معظم ذوي الثراء في أوتيرييري ، ولكن هذا الرجل غريب.
قال وكأنه يدرك خواطرها.
" إنني مرتبط بمصنع شريدان ، ولهذا فلا أكاد أعتقد أننا يجب ان نشغل انفسنا بإصلاح سيارتي وهي لم تتأثر كثيرا ، كما ترين".
كان شريدان مصنع السيارات الذي يقع على الطريق مؤسسة إيطالية أمريكية ، وأول مشروع مشترك من نوعه للإيطاليين والأميركيين في انكلترا ، وكان هذا يفسر لكنته أيضا فيما يبدو، من الواضح انه ينحدر من أصل إيطالي ، ولكنه قضى اعواما كثيرة في الولايات المتحدة على الأرجح.
قالت مادلين ذلك وهي تنحني لترفع دراجتها البخارية وتلتقط حقيبتها ، التي كانت لحسن الحظ مغلقة ، ولكن الرجل حال بينها وبين ذلك ، ورفع الدراجة البخارية بلا جهد وتفحصها بعين خبيرة ,وقال :
" دراجتك البخارية تبدو سليمة ، وإذا حدث فيها شيء فما عليك إلا ان تحدثينا تلفونيا ، وساعمل على إصلاحها".
واعطاها الرقم.
شكرته مادلين ، وهي تفكر الآن كم تبدو مشعثة الشعر مغضنة الملابس ، وبينما كان يسلمها الدراجة البخارية ، كانت تدرك تماما لغة عينيه وهما تطريانها بشكل ساخر ، وشعرت بوجنتيها تتوهجان من فرط الحرج.
قالت متلعثمة:
" اش كرك........".
ثم دفعت بقدمها آداة التشغيل ، وإرتاحت لأنها عملت من أول مرة ، وقالت وهي تجلس عليها :
" وداعا........".
" الى اللقاء يا؟ مس...مس؟".
قال ذلك وإبتسم وهو ينتظر إجابتها.
قالت تصححه:
" إن الإسم هو مسز سكوت".
ثم إنطلقت وهي تبتسم إبتسامة يسيرة ، وتعي عينيه وهما ترقبانها إذ تنطلق على الطريق ، وتمنت وهي تفعل ذلك ألا ترتكب اخطاء اخرى.
وخلال ثوان كان يمر مسرعا بجوارها وهو يرفع يده لإشعارها بوجوده ، فلم تلبث أن شعرت بنفسها تسترخي مرة اخرى.
وعندما هبطت الى وسط أوتيرييري ، إنعطفت يمينا عند إشارة المرور صوب هاينوك ،وكانت هاينوك إحدى ضواحي اوتيرييري ، وقد قام فيها عدد كبير من المساكن الجديدة ، بما فيها مجمّع الشقق الذي كانت تقيم فيه مادلين مع إبنتها ديانا وكانت الشقق في ايفنوود غاردنز تطل على نهر أوتر ، وشعرت مادلين بغمرة سرور عندما وصلت الى بيتها ، كانت شقة لطيفة كما كانت اوتيرييري نفسها بلدة بهيجة.
كانت الشقة في الطابق الأول ، وبينما كانت تفتح الباب وتدلف الى المدخل الصغير ، نادت:
" ديانا..... هل انت في البيت؟".
لم ياتها ردا فأغلقت الباب وخلعت سترتها ،وكانت غرفة الجلوس مفتوحة على المدخل ، وهي غرفة كبيرة ذات جدران ملساء مطلية بالغراء زيّنتها مادلين بعدة لوحات معدنية ، وكانت سجادة الحائط ، التي أنفقت فيها مادلين كثيرا من مدخراتها ، ذات لون ياقوتي أزرق .... وكانت التدفئة كلها كهربائية ، للسف لأن مادلين كانت تفضل نيران المدفأة المكشوفة في غرفة واحدة على القل ، وهنا أدارت مادلين صمام تشغيل شبكة التدفئة لأنه بالرغم من ان الغرفة كانت دافئة بالمقارنة مع الهواء ابارد في الخارج ، إلا أن دفئها لم يكن مريحا ، وكان جو الغرفة اليفا ، وثمة خزانة للصيني تضم قطعا قليلة من الصيني والزجاج الممتاز ، أما باقي المنزل فكان مملوءا برفوف الكتب الحافلة بدورها بالروايات ، وجهاز تلفزيون وجهاز موسيقى يخص ديانا كان موضوعا على منضدة في فجوة في الجدار وبجوارها مجموعة من اسطوانات الموسيقى الحديثة.
أشعلت مادلين سيكارة وادارت التلفزيون ، كانت قد تسوقت في وقت الغداء ، وجلبت بعضا من قطع اللحم التي إشترتها للعشاء ولا يستغرق طهوها وقتا طويلا ، وحملت حقيبة التسوق ومرّت بها الى المطبخ الذي كان مفتوحا على غرفة الجلوس ، وكان صغيرا جدا ، وأخرجت الطعام ووضعت الغلاية على النار ، ثم عادت الى غرفة الجلوس ، كان الوقت يقارب السادسة ، لهذا لم يكن لديانا ان تغيب طويلا.
دخلت غرفة النوم التي كانت تتقاسمها مع ديانا ، لم يكن هناك إلا غرفة نوم واحدة بحمام صغير وخزانة ملاصقة ، وكانت الشقق مخصصة في الحقيقة لشخص واحد ، لأن الشقة التي يوجد فيها غرفتان للنوم يزيد إيجارها عن عشرة جنيهات في الأسبوع ، كان على مادلين أن تقنع بالشقة التي فيها غرفة نوم واحدة ، ولمتكن هي لتعبأ بهذا ولكن ديانا كانت تقترب الآن من سن تجعلها تعترض على ألا تكون لها غرفة نوم خاصة ، ومع ذلك فعندما وصلا الى اوتيرييري بعد وفاة جو ، كانت مادلين تشعر بالشكر والحمد إذ اصبح لهما مكان يخصهما.

نيو فراولة 28-10-11 10:51 PM

خلعت ردائها الجيرسيه ودخلت الحمام لتغتسل ، وبينما كانت تفعل ذلك وجدت نفسها تتساءل عما ظنّه الرجل في السيارة عنها في الحقيقة ، وجدته جذابا الى حد كبير ، ولكن كان من الممكن ان تجده كذلك اية إمرأة ، وتساءلت عن عمره وبدا لها أنه في أوائل الثلاثينات ، ولما كانت هي في الثالثة والثلاثين ، فربما كان هو كذلك في نحو سنها على الأرجح .
وبينما كانت تمشط شعرها الذي تهدل على كتفيها عندما كانت تحل العقدة الفرنسية ، تساءلت ما يكون ظنه عن سنها ، كانت تعلم أنها لا تبدو بسنها الحقيقية ، وكان أدريان سنكلير يقول لها بإستمرار أنها تبدو كأخت ديانا أكثر منها أمها ، ولكن أدريان كان يريد الزواج منها وكانت تلك طريقته.
كانت ديانا تتذمر أحيانا ايضا ، من ان مادلين ترتدي ملابس لا تتفق مع مركزها كسكرتيرة للناظر ، وكارملة محترمة ، ولكن ، ديانا كانت عتيقة التفكير في بعض الأمور ، ولعل ذلك يرجع الى تأثير جو الى حد كبير .
وقررت محرجة أن عينيها هما أفضل ملامحها ، كانتا رماديتين تتولن الى الإخضرار ، تطل منها اضواء مصفرة ، وكان شعرها في نعومة الحرير وفي لون العنبر الكثيف ، وكانت طويلة ، مفرطة الطول على ما تعتقد دائما ، وإن كانت ممشوقة القوام بشكل لطيف على الأقل ، ولم تكن شديدة التحول بارزة العظام ، وكانت ترى انها في شكلها العام أنثى متوسطة حسنة الطلعة ، ولكن ليست مميزة بأي حال.
منتديات ليلاس
أما الرجل.... وهنا تنهدت ، فهو مميّز في كل شيء ، وشعرت بيقين ان عشرات النساء لا بد فكرن فيه على النحو نفسه ، وبالنسبة الى دخله فيبدو إنه إنسان قادر – ومع ذلك فلا يستطيع الإستفادة من هذه القدرة ، بعكس النساء الكليلات أو الكئيبات ، فإن صالون التجميل ، ومصفف الشعر ، وجراح التجميل يمكنهم ان يعالجوا ذلك ، أما هو فمن خلال سخريته التي تلوح معالمها حول عينيه وفمه ، يبدو ضجرا بحياته ومدركا في الوقت نفسه لجاذبيته.
لوت مادلين قسمات وجهها وهي تتطلع الى نفسها في المرآة ، وقد سرتها خواطرها ، يا للسماء ! إنها تتصرف كطفلة لمجرد أنها قابلت رجلا كان بلا جدال من خارج دائرتها ؟ وما لبثت ان دست ذراعيها في سترة منزلية ، وبينما كانت تعقد ازرارها ، نحت عن ذهنها كل خواطرها عن الرجل ....... مهما كان شعورها ، فإن ديانا كانت وستظل موضع إعتبارها الأول ، مسكينة ديانا ...... إنها لم تبرأ في الحقيقة ، رغم كل شيء ، من صدمة فقدان جو عندما كانت بعد في السابعة من عمرها.
وبينما هي تخرج من غرفة النوم ، سمعت صوت مفتاح يدار في قفل الباب منبئا بوصول غبنتها ، وإندفعت ديانا بمرح وإبتهاج الى الداخل وهي تبدو نحيلة كأنها الطبعة الأحدث من مادلين ، فيما عدا ان شعرها كان بنيا غامقا.
كانت ديانا في السادسة عشرة، تدرس في الكلية التجارية في أوتيرييري ،وكانت كثيرا ما تعود الى البيت متأخرة ، إن الكلية كانت تجري تمارين على المسرحية التي تعرض في نهاية الفترة الدراسية ، وكانت ديانا تمثل فيها دورا رئيسيا.
لم تكن ديانا في طول مادلين ، وكانت تترك شعرها طويلا منسدلا وفق الموضة ، وكانت ترتدي سترة رمادية غامقة ، وتهز في يدها حقيبة من التارتان ، القماش الصوفي المربع.
قالت تحيي مادلين ، وهي تطرح بحقيبتها على احد المقاعد.
" اهلا يا أمي...... اليس الجو باردا الليلة ؟ إنني اتجمد!".
اومأت مادلين براسها ، وقالت موافقة:
" نعم ، لا يشبه جو الربيع كثيرا ، هل كانت التمارين جيدة؟".
قالت ديانا بلا إكتراث:
" الى حد ما ، إن الآنسة هوكس تحاول دائما أن تدير العرض وكانه مهرجان عسكري ، ولكن فيما عدا ذلك كان كل شيء على ما يرام ، ويبدو انه صاخب....".
ضحكت مادلين في خفوت ، وقالت:
" انا اعتقد أن العرض سيكون ممتازا لا عليك ، سينتهي الأمر قريبا ، الفترة الدراسية تنتهي في ثلاثة أسابيع ، اليس كذلك؟".
" بلى والحمد لله ، وسيكون امامنا عندئذ اسبوعان كاملان لا نفعل فيهما شيئا ، سيكون هذا مرا رائعا !".
إبتسمت مادلين ودخلت المطبخ ، وبينما كانت تعد البقول وتضع قطع اللحم تحت الشواية قررت ألا تقول لديانا شيئا حول سقوطها عن الدراجة البخارية ، فلم يحدث ضرر لها باية حال ، هذا الى ان ديانا كثيرا ما تقول أنه يجب على مادلين أن تستخدم الأوتوبيس في ساعات ذروة المرور ، وكانت ديانا تبدو أحيانا مستاثرة بوالدتها قليلا ، ولعل ذلك يرجع الى أنها كانت قريبتها الوحيدة ، ولم تكن مادلين تريد أن تسبب لها مزيدا من القلق.
تناولا طعام العشاء في غرفة الجلوس ، وكان أحد اركانها تم تحويله الى خلوة لتناول الطعام بإضافة ستار يحجب المائدة عن الرؤية ، اعدت ديانا المائدة بينما كانت مادلين تضع الوجبة في الأطباق ، وجلسا معا بعد ذلك ، ترقبان التلفزيون في كسل بينما تناولت مادلين سيكارة مع قهوتها.

نيو فراولة 29-10-11 06:50 PM

تساءلت ديانا وهي تتمطى في كسل:
" هل اغسل الأطباق؟ هل يأتي الينا عمي ادريان الليلة؟".
" أعتقد أن أدريان سيأتي ، وأكون شاكرة إذا قمت بغسل الأطباق ، فسأقوم بتغيير ملابسي الى شيء مناسب أكثر".
إبتسمت ديانا ونهضت على قدميها ، ونظرت اليها مادلين , وتساءلت في تردد:
" هل...... أنت خارجة الليلة؟".
"نعم، طلب مني جيف الذهاب الى نادي السبعينات".
اومأت مادلين براسها:
" أوه.......".
" هل تمانعين؟".
بللت مادلين شفتيها بلسانها وقالت:
" لا لا ، ولماذا أمانع؟".
" لا سبب ، ولكنني لاحظت أنك لا تتحمسين بشان خروجي معه".
إبتسمت مادلين نصف إبتسامة ، وقالت:
" إني آسفة يا حبيبتي ، لا بد من ذهابك بالطبع".
هزت ديانا كتفيها ، وقالت بخفة:
" حسنا ، إنه شيء افعله والسلام".
إبتسمت مادلين بسخرية ، وقالت:
" نعم ، وأدريان سيأتي بعد ذلك على الأرجح ، قال إن عليه أن يقوم بعملية تقدير الدرجات ، لكني أظن أنه سيكون لديه متسع من الوقت للحضور".
غمغمت ديانا في مكر:
" انه يجد الوقت دائما من اجلك!".
ضغطت مادلين على شفتيها:
" نعم ، قد يكون الأمر كذلك ، ولكن هذا لا يعني شيئا على الإطلاق".
هزت ديانا كتفيها باسف ، وبدأت تحمل الأطباق الى المطبخ ، وأطفأت مادلين سيكارتها في منفضة السكائر وخطت الى غرفة النوم ، كانت قد بدات تضيق بتلميحات ديانا عنها وعن أدريان ، حقيقة أنها كانت تلميحات تقوم على الواقع ، ولكن مادلين لم تكن تساورها الرغبة في تحويلها الى حقيقة.
وبينما كانت ترتدي بنطلونا فضفاضا ازرق غامقا ، وتضع فوقه بلوزة من الحرير ، وجدت نفسها تتمنى ، وليس لأول مرة ، ان يكون جو حيا ، كانت ديانا تكبر الآن وتصبح ذات مسؤولية كبيرة في نواح كثيرة ، كذلك كانت تحب جو وكان جو مدلها بها ، فقد ظل بلا زواج سنوات كثيرة قبل ان يتزوج مادلين ، ثم وجد ديانا طفلة لا يمكن مقاومة حبها على الإطلاق ، وتساءلت مادلين الان هل كان زواجها من جو هو الذي عجّل بحالته؟ فمن المحقق أن الزواج أثقله بمزيد من المسؤوليات ، وأنه عمل بجهد كبير في السنوات التي أعقبت زواجهما ،ولكن مرضه لم يكن له علاج ، وقال لها الأطباء كثيرا أنها جعلت آخر سنوات عمره سنوات سعيدة.
قررت ان تترك شعرها منسدلا ، وخرجت من غرفة النوم تبدو في جاذبية الشباب ، وكانت ديانا تهذب ماكياجها بيد رشيقة ، وكانت تضع مجرد ظلال العيون وأحمر الشفاه ، ولم تكن بشرتها الزيتونية تحتاج الى مزيد من وسائل التجميل ، القت بنظرة إنتقادية على أمها من فوق كتفها وقالت متسائلة بإشارة من يدها:
" هل يوافق عمي أدريان على إرتداء البنطلونات الفضفاضة؟".
بدت مادلين مسرورة ، وردت بخفة:
" لا اكاد ارى كيف يمكن ان تهمه هذه المسالة ، أنا التي أرتديها وليس العم ادريان".
" اعرف ذلك ، ولكن بصراحة يا أمي ، لعلك ستتزوجينه يوما ، وعليك ان ترتدي من الملابس ما يتفق مع مركزك".
" يا عزيزتي ديانا .....لست انوي الزواج من العم أدريان ، وقلت له ذلك ، وقلته لك ايضا ، مئات المرات ، عجبا ، إنني في الثالثة والثلاثين ولست في الثالثة والخمسين ، ورغم أنني موقنة أنها تبدو سنا كبيرة بالنسبة اليك ، لكنني لا أنوي أن آوي الى الكرسي الهزاز بعد؟".
قطبت ديانا جبينها:
" إن عمي ادريان ليس اكبر سنا من ابي لو أنه.....".
ثم توقفت :أوه يا عزيزتي ...... انا اعرف ذلك ، ولكن هذا كان أمرا مختلفا.
" كيف؟".
تطلعت مادلين الى ساعتها ، وقالت:
" الم يحن الوقت لذهابك؟".
هزت إبنتها كتفيها ، وقالت:
" أظن ذلك ، حسنا ، أنت وشانك......".
ثم جذبت سترتها المصنوعة من الدوفيل وقالت:
" ساذهب إذا".
" حسنا يا حبيبتي إعتني بنفسك".
قبلت ديانا وجنة أمها وإنطلقت خارجة من الشقة وهي تدور حول نفسها ، ودخلت مادلين المطبخ ، كانت دلائل الغسل السريع من جانب ديانا للأطباق واضحة على الأرض التي تكاد تسبح في الماء ، وكانت ممسحة الأطباق مشبعة بالماء.
عصرت مادلين الممسحة ، وتناولت الممسحة الكبيرة وإمتصت بها الماء عن الأرض ، ومسحت الأرضية الخشب فغدت نظيفة ، ثم وضعت الأطباق التي كانت ديانا قد تركتها على المنضدة ، في أماكنها ،وعادت الى غرفة الجلوس.
وما كادت تستقر امام التلفزيون حتى جلجل جرس الباب فنهضت في كسل ومضت تطرق الأرض بخفوت الى الباب ، وإذ فتحته ، وجدت أدريان سنكلير ينتظر السماح له بالدخول.
وكان أدريان نحيلا طويلا في اوائل الخمسينات يكبر مادلين بعشرين عاما ، وأعزب ، ووجد مادلين فاتنة ومرغوبة تماما ، وتحركت كل عواطفه بعنف نحو مادلين بسبب إفتقارها الظاهر الى الإهتمام الرومانسي به ، وبصراحة ، كانت مادلين تتساءل عما يجتذب الرجال الأكبر سنا اليها ، لقد وجدت ادريان مثيرا من الناحية العقلية ، ولكنه بارد من الناحية العاطفية ، ولم تكن الزيجات لتقوم على العقل وحده ، ولم يكن ليمضي في إتجاه آخر غير هذا الأتجاه معها.

نيو فراولة 30-10-11 06:28 PM

قالت وهي تبتسم الان:
" تفضل يا ادريان ألا يزال الجو باردا؟".
قال ادريان ، وهو يدخل ويتخفف من معطفه.
" أبرد ..... هذه غرفة دافئة ومريحة يا مادلين ، إنني اشعر دائما كأنني في بيتي هنا ".
" حسنا ، أنا مسرورة لذلك".
اغلقت مادلين الباب وأخذت عنه معطفه قبل ان تتبعه عبر الغرفة وسالته ان تعد له بعض الشراب فوافق ، وجلس على الأريكة أمام التلفزيون في الموضع نفسه حيث كانت تجلس مادلين قبل وصوله ، وإنضمت اليه بعد ان سكبت الشراب.
كانت تستمتع بصحبة ادريان ، ودعاباته الجاهزة ،وكانت مسرورة لأنه لم يبذل أي محاولة قوية ليجعل العلاقات بينهما تتحول الى أكثر من ذلك ، كان كثيرا ما يطرق موضوع الزواج ، ولكن مادلين حاولت أن توضح له من البداية أنه لا يمكن ان يكون بينهما شيء أكثر من الصداقة.
وكان ادريان ياتي الى الشقة كلما إستطاع ذلك ، سواء كانت ديانا موجودة أم لا ، وكان يحب ديانا ، وكانت مولعة به ، وهي تخاطبه بالعم أدريان منذ كانت في الحادية عشرة من عمرها ، ولم تجد سببا يدعوها الى أن تغير ذلك الآن.
وكان يمتلك منزلا في أوتيرييري، تديره مدبرة ممتازة ، وكان المنزل يقع قرب مدرسة اوترييري التي كان ناظرها ، ومع أن المنزل كان كبيرا وكئيبا بالنسبة الى رجل يعيش وحده ، فقد كان يحبه ، وجعله مليئا بنخبة من التحف الفنية الكفيلة بأن تجهز متحفا ، وكانت مادلين تقول أحيانا وهي متأملة انه لو تزوج يوما ما وأنجب أطفالا يجرون في البيت لأصبح في خوف دائم على مجموعته.
قال أدريان بطريقة عرضية:
" وقع حادث على طريق اوترييري اليوم، تصادمت سيارتين ولوري ، ونشر الخبر في الطبعة المتأخرة من الصحيفة".
" اوه....أكان هناك حادث حقا؟".
كتمت مادلين معرفتها بالحادث ، فلم تكن تنوي ان تحدث أدريان ، فضلا عن ديانا ، بالحادث الشخصي الذي تعرضت له لن أدريان مثل ديانا ، يعيب عليها إستخدامها الدراجة البخارية على الطريق المكتظة ، يفضّل إستخدام وسائل النقل العامة في تلك الأمسيات عندما لا يستطيع توصيلها الى المنزل.
" نعم ، بعض الناس يتحركون بسرعة لا تناسب السلامة ، ومعظم هذه الصدامات يمكن تجنّبها بقليل من التروي".
" أوه .... إنني أوافقك".
قالت مادلين ذلك بشيء من التوتر ، وهي تجلس بجواره ، وتأمل ألا يخذلها وجهها واضافت:
" المرور المقبل من مصنع شريدان يتحرك بسرعة بالغة".
" بالفعل ، وسيكون من دواعي سروري إتمام بناء البيوت الواقعة خلف المصنع ، فبذلك لن يضطر هؤلاء المفسدون للقدوم الى المدينة ليتخذوا الطريق منها الى لندن ، إن معظم السيارات تجعل المنطقة الواقعة خارج المدرسة بمثابة حلبة سباق ، وإنني لأشعر بالإمتنان لأن جموعنا من التلاميذ يخرجن من المدرسة قبلهم ، هل تتخيلين ماذا يكون عليه الموقف لوخرج من أبوابنا حشد من راكبي الدراجات وحاولوا الإندماج مع هذا الحشد الآخر ! فلتكن السماء في عونهم!".
قبلت مادلين سيكارة عرضها عليها ، وقالت ، بعد أن بدا كلاهما يدخن :
" هل ذهبت يوما الى مصنع شريدان؟".
" كلا ، لم أذهب اليه منذ إفتتاحه ، وذهبت يوما الى موقعه خلال المراحل الأولى للبناء ، إنه مكان هائل ، ويبدو ان طاقة تشغيله عندما تكتمل تماما ستستوعب نحو خمسة آلاف رجل وأحضروا عمالا عدة مهمين من إيطاليا بالطبع ، ومن مصنعهم قرب ديترويت ، وسمعت ان نيكولاس فيتال نفسه جاء من روما خصيصا ليطمئن على ان كل شيء يجري على ما يرام ، وهو هنا بالطبع في زيارة فقط ، فهو الرئيس الكبير ، ولعلك تعلمين أن والده هو الذي أسس هذا العمل ، اما الرجل الذي يدير هذا الفرع فيدعى ماسترسون ، وهو من أمريكا على ما أعتقد ، أحضر اسرته معه وإستأجروا المنزل الذي يقع قرب هاينوك ، وأعتقد ان إسمه أنغلسايد".
منتديات ليلاس
" أجل .....إنني أعرف هذا المكان يا أدريان ، إنه ضخم ، ألم يكن ملك أحد الأرستقراطيين المفلسين في وقت ما؟".
قال أدريان ، وهو يضحك في خفوت:
" نعم ، كان اللورد أوترييري المسن نفسه يعيش هناك منذ سنوات ، تخيّلي ان ينزل الأمريكيون في هذا البيت الفخم المهيب !".
ضحكت مادلين ، وقالت:
" لا بد أن يكون شيئا جميلا أن يتحرر المرء من قلق المال".
" يا عزيزتي مادلين ....... إن بوسعك ان تتحرري ايضا من قلق المال إذا سمحت لي فقط بأن أولى رعايتك".
" اعرف ذلك يا أدريان ، واقدره ، لكنني لا استطيع أن أرى نفسي زوجة ناظر توزع الشاي والمجاملات على أولياء امور الأطفال ، اخشى الا أكون من هذا الطراز".
تنهد أدريان وقال:
" هراء يا مادلين ، في وسعك ان تتلاءمي بسهولة ، واقول جادا إن ديانا ستوافق على زواجك مني ، فهي بالنسبة الي بمثابة الأبنة".
" أعرف ذلك يا أدريان ، إنها مناصرة كبيرة لقضيتك، ولكن الأمر ببساطة هو ... إنني أتمتع بحريتي ، وأهم من ذلك ، إننا لا نتبادل الحب".
" وهل كنت تحبين جو؟".
قطب أدريان جبينه عندما لم تجب مادلين ، وإستطرد قائلا:
" هذا الى جانب انني أحبك يا مادلين ، أن الحب للشباب ،ونحن كبار ناضجون ، ولسنا أحداثا دون العشرين نتوق توقا الى القمر ، ألا تودين أحيانا أن تسترخي ، وان تضعي قدميك الى أعلى بدلا من الإندفاع الى البيت في الأمسيات؟".

نيو فراولة 31-10-11 11:43 PM

تنهدت مادلين ... كل ما قاله أدريان صحيح ، ستكون ديانا مسرورة إذا تزوجا ، ستكون متحمسة بالفعل ، فهي تحب أدريان وتحترمه ، وسوف تستمتع بالتميز الإجتماعي الذي ستكون فيه عندما تصبح إبنة زوجة الناظر ، كذلك كانت مادلين تعرف كم سيكون الأمر باعثا على البهجة إذا اصبح لها وقت فراغ كبير تقرأ فيه كل الكتب التي تود قراءتها ، وتستكشف كل المتاحف ومعارض الفن التي تستمتع بزيارتها ، بل وقد يكون لها اسرة كبيرة ايضا.
هنا إنتصبت مادلين في جفول ، لا يمكن ان تقنع نفسها ابدا مرة أخرى بحياة مثل هذه ، لم تكن في قرارتها شخصا مرتزقا ، وكانت تفزعها فكرة الزواج من أحد لمجرد المنافع المادية التي يمكن الإستمتاع بها ، لا تستطيع هي بالذات أن تفعل ذلك ، لقد إستطاعت هي وديانا ان يدبرا أمورهما حتى الآن ، وخلال عامين ، تكون ديانا قد عملت وإستطاعت أن تزود نفسها بالكماليات القليلة التي لم تستطع مادلين أن تتحمل نفقاتها دائما.
منتديات ليلاس
قالت وهي تتنهد مرة اخرى:
" انا آسفة يا أدريان ، لا استطيع ان افعل ذلك ، وعلى قدر إعجابي بك وإحترامي لك ، استطيع ان ارى كيف يكون في وسعنا أن نقضي حياتنا معا ، أنت مصبوب في قوالبك على نحو يتعذر معه التغيير بأية حال ، وسوف تكره ان تكون في البيت فتاة دون العشرين ، تفسد مجموعتك الثمينة وتوقظك في كل الأوقات على صوت أحدث مجموعة من الموسيقى الحديثة ، أنت لا تتصور ماذا سيكون عليه الوضع".
" هراء!".
قال أدريان ذلك مرة أخرى ، ثم تنهد وهو يري علامات الممانعة في وجهها ، وأضاف:
" حسنا ، فلننسى ذلك ، أين ديانا الليلة في أية حال؟".
" ذهبت الى نادي السبعينات مع جيفري إيمرسون ... هل تعرفه؟".
قال ادريان في تأمل:
" اعرفه ، اخوه في السنة الأولى في مدرستي ، ولكن جيفري يذهب الى المدرسة الثانوية ، أليس كذلك؟".
" نعم ، إنه في السابعة عشرة فقط ، وقد أخذ دراساته العليا في شهادة التعليم العام ، وينتظر الان مكانا له في الجامعة".
" آه .... نعم إنني أذكر أن هيذرنغتون كان يتحدث عنه في آخر مرة كنا نتناول فيها العشاء معا ، كان السيد هيذرنغتون ناظر المدرسة الثانوية ، وقال إن أمه مختلفة تماما ،وهو لا يكاد يصدق ان جيفري هو إبنها فهي سيدة فظة جدا على ما أعتقد".
عضّت مادلين شفتيها ، وقالت:
" إن جيفري ولد وسيم ، ذكي أيضا كما تقول ، ولكنني اتساءل أحيانا إذا كان متهورا قليلا ، على الأقل بعيدا عن المدرسة".
قطب أدريان جبينه ، وقال وهو يبدو متفكرا:
" نعم ، ربما كان الأمر كذلك ، هل يساورك القلق فيما يتعلق بتأثيره على ديانا؟".
" نعم ، إنني قلقة ".
" ولكن ديانا ليست سهلة القياد".
قالت مادلين وهي تتحرك في قلق:
" أوه ، إنني أعرف ذلك ، ولكن المسألة أنها لا تزال صغيرة.
هز أدريان كتفيه ، وقال:
" إنهن ينضجن مبكرا هذه الايام ، وديانا فتاة عاقلة ، وهي لن تتصرف بغباء وحمق ابدا".
نهضت مادلين وتساءلت:
" الن تفعل ذلك حقا ؟ الن تفعل ذلك؟".
ثم إبتسمت ، واضافت:
" لا..... لا أظن".
إبتسم ادريان ، وقال:
" إنني أدرك شعورك ، انت وصية عليها ، ولذلك تشعرين بمسؤولية مزدوجة لأنها بلا اب".
" ماذا...ماذا يعمل والد جيفري؟".
رد ادريان:
" إنه يعمل لحساب شركة من مقاولي سيارات النقل ، وكما قلت من قبل ، فمن الواضح أن جيفري هو الذي خرج على خط العائلة".
كان نادي السبعينات يقع فوق مقهى بالأسم نفسه في شارع هاي ستريت باوتيرييري ، وكان كل أعضائه شبابا دون العشرين من المدارس المحلية أوالكليات الفنية ، وكانت الموسيقى تاتي من صندوق للموسيقى قدمه صاحب المقهى مجانا.
وفي مساء الجمعة ذاك كان المقهى غاصّا بصغار الشباب ، كلهم يلفون ويدورون بجنون على الحان الموسيقى الصاخبة والمثيرة التي تصدر عن الصندوق ، وكان هناك بار منخفض في أحد الأركان يقدم القهوة والكوكاكولا وكانت الأضواء خافتة رقيقة.
وكانت ديانا سكوت وجيفري إيمرسون يرقصان معا ، وعندما إنتهت الموسيقى سقطت ديانا على صدر صديقها ضاحكة ، وصاحت:
" يا إلهي ، إنني منهكة القوى ، لنجلس قليلا؟".
أوسع لها جيفري في الإبتسام ، وأطبقت يداه حولها كانما هي اسيرته ، وغمغم في رفق:
" افضل ان أبقى هكذا".
إحمر وجه ديانا ، كانت تعجب كثيرا بجيف ، وكانت مسرورة لأن علاقتهما بدأت تدخل أخيرا فيما يبدو مرحلة أكثر جدية ، ولم يكن لها صديق منتظم من قبل ، وارادت ان تكون مثل سائر الفتيات اللواتي ينفقن أوقاتهن في مناقشة محاسن شتى الفتيان.
إلا انها خلّصت نفسها وقادته وهي تمسك بيده الى البار ، حيث إتخذا جلستهما على مقعدين عاليين، وطلب جيفري قدحين من القهوة ، واخرج من جيبه علبة سكائر عرضها على ديانا فهزت راسها وأشعل جيفري سيكارته ووضع العلبة في جيبه.

نيو فراولة 01-11-11 11:14 PM

قال بفتور:
" كنت اظن أنك تنوين تجربة التدخين في وقت ما".
قالت ديانا ،وهي تعض شفتها:
" كنت أنوي ذلك ... انا انوي ذلك".
قال ساخرا:
" إنك خائفة".
فتصلبت كتفاها وقالت:
" لا ، لست خائفة ، اعطني واحدة".
هز جيفري كتفيه وناولها سيكارة وأشعلها ، وجذبت ديانا انفاسها كما كانت ترى سائر الناس يفعلون ، ثم بدات تسعل مختنقة.
إبتسم جيف إبتسامة عريضة ، وربت على ظهرها ، فإرتعدت ديانا وصاحت:
" اوه... إنها فظيعة ... لا أدري كيف يمكنك...".
قال جيف:
" يجب ان تثابري ، إستمري ، إسحبي نفسا آخر".
قالت ديانا بحسم:
" كلا.. اشكرك........".
ثم القت السيكارة ارضا وسحقتها بقدمها.
قال جيف بإستياء:
" ماذا فعلت؟ إن هذه السكائر لا تنمو على الأشجار كما تعلمين".
قالت ديانا ساخرة:
" لا ، إنها تنمو على النباتات".
بدا جيف غاضبا ، وقال:
" شيء لطيف!".
ثم مضى متشامخا عبر ساحة الرقص.
ذهلت ديانا ، لم تكن تحلم ابدا بان ينصرف عها ويتركها ، وكان قلبها يدق بسرعة ، وشعرت باعماقها تبرد داخلها.
كانت تعلم ان سائر الفتيات في النادي يحسدنها على ارتباطها بجيفري إيمرسون ، كان فتى شديد الجاذبية وكان في وسعه ان ينتقي من يشاء من الفتيات ، أما إختياره لها فكان يثيرها الى حد كبير لأنه قبل شهرين فقط كان يعاملها كطفلة ، ومنذ إلتحقت بالكلية التجارية ، كانت قد نمت كثيرا ، ولم تكن تدري كم هي جذابة بشعرها الحريري وعينيها الواسعتين ، وعندما بدأ يواعدها ، إرتفعت مكانتها بين رفيقاتها ، وكان من بواعث جاذبيته انه كان الفتى المفضل لدى الجميع في الوقت الحاضر.
بدأت الموسيقى تعزف من جديد ، ورأته يقترب من فتاة نحيلة وجميلة ويطلبها للرقص على ما هو واضح ، وشعرت بالإهانة والغضب ، كيف يجرؤ على أن يعاملها هكذا ؟ وخطر لها ان تعود الى البيت ، ولكنها كانت تعلم انها لن تفعل ذلك ، بل ستنتظر لترى إن كان سيعود اليها ،ن كان هذا أمرا مغيظا ، ولكنها لم تستطع أن تنصرف عنه ، وإذا كانت ستفعل فليس الان.
طلبت قدحا آخر من القهوة ، وجلست ترشفه وهي مستغرقة في التفكير إذا لم يأت اليها بين الرقصات فستضطر للذهاب الى المنزل ، وكم سيكون هذا فظيعا !
بعد رقصتين اخريين بلغت اعماق اليأس ، وعندئذ شعرت بأن احدا ينضم اليها ، ولم تجرؤ على الإلتفات فألقت اليه نظرة جانبية ، وإرتاحت لأنه كان جيف .
كان وجه جيف يبدو نائيا عنها ،ولكنه قال:
" اتريدين الرقص؟".
شعرت ديانا بيديها تتنديان:
" أنا....حسنا ... هل تريد أنت؟".
هزكتفيه ورد ببرود:
" نعم ، إنني سأرقص".
" حسنا".
قالت ذلك وهي تنزلق من فوق كرسيها العالي.
وكانت الموسيقى عندئذ بطيئة متلكئة ، وكان هناك مطرب من معبودي الأسطوانات المعاصرة ، يتغنى بإحدى أغاني الحب ، وجذبها جيف بين ذراعيه ووضع خده على خدها ، وكانا يتحركان ببطء وذراعا كل منهما حول الآخر. وشعرت ديانا بنفسها ترتجف ، فهمهم اليها:
" إسترخي....".
فهمست اليه قائلة:
" إنني آسفة...".
وادركت انها تعتذر عن لا شيء ولكن كان هذا افضل من عدم مبالاته ، تطلع جيف اليها وتساءل:
" هل انت آسفة حقا؟".
تمتمت ، وهي تبدو قلقة:
" لماذا إنصرفت عني؟".
" لا أحب ان يعاملني احد وكأنني احمق".
"لكنني لم أكن.....أوه يا جيف... أظن أنني أتصرف بحماقة في بعض الأحيان ، ألا تستطيع ان تنسى ما حدث؟".
لانت عينا جيف:
" حسنا يا ديانا ، أظن انني ملوم بالقدر نفسه لأنني تصرفت بسخط وعاملتك بإزدراء ، هل جعلتك تشعرين بالغيرة؟".
إحمر وجه ديانا ، وقالت برقة ، وهي تميل على عنقه وتشعر بيديه تمتلكانها إذ تلتفان حولها:
" نعم ، لقد نجحت في هذا الإتجاه".
وعندما إنتهت الموسيقى تطلع الى ساعته ، وقال بهدوء:
" إنها التاسعة والنصف ... فلنذهب ... إذا؟".
أومأت برأسها وذهبت لتأتي بمعطفها ، وفي الخارج كان الهواء نقيا ولكنه شديد البرودة فإنطلقا مسرعين الى محطة الأوتوبيس ، كان جيف يسكن في الطرف الاخر من أوترييري ، قرب المدرسة الثانوية في الواقع ، ولكنه كان دائما يوصل ديانا الى منزلها.
ونزلا من الأوتوبيس وسارا في الطريق المظلم صوب البناية الثانية حيث كان يسكن آل سكوت ، وقبل ان يصلا الى البناية الثانية ، وبين البنايتين العاليتين ، كانت هناك حديقة صغيرة للزينة بها احواض زهور ومقعد طويل قائم بين اشجار الورد والشجيرات الخليجية ، وكانت مواعيد اللقاء القليلة الأخيرة بينهما تنتهي الى هذا المقعد ، حيث كان يودع احدهما الآخر وداعا طويلا ،ورغم ان الجو كان باردا سارا عبر الحديقة الى المقعد ، ولكنهما لم يجلسا في تلك الليلة ، إذ كان الجو قد أمطر خلال النهار ، وكان كل ما حولهما مندى ، ولكن الشجيرات كانت تكفل لهما بعض العزلة والإنفراد.

نيو فراولة 02-11-11 12:51 AM

قالت ديانا وهي تتطلع الى جيف:
" أشكرك على توصيلي الى المنزل".
"كان ذلك من بواعث سروري".
ثم جذبها اليه وعانقها... ورغم انها بادلته ذلك شعرت بنوع من الخطر يدنو منها ، كان في مسكته القوية لها وتصاعد أنفاسه وتبادل التجاذب بينهما نتيجة المبارزة المثيرة التي حدثت ... كل هذه حفّزتهما للتقارب أكثر على نحو لم تعهده من قبل فإذا بها تسحب نفسها الى الوراء فجأة ، يساورها الحذر والشعور بالصد والنفور ، فتبلع ريقها بصعوبة.
عقد جيف أزرار معطفه بأصابع غير ثابتة ، وقال بصوت محكم منطو :
" ألا تدركين ماذا يمكن أن يفعل عناق مثل هذا لرجل؟".
عضّت ديانا شفتها وأطبقت قبضتيها ، وتساءلت بعصبية :
" هل حدث خطأ ما؟".
ضحك جيف بإقتضاب في غير مرح ، وقال وهو يبدو غاضبا:
" وهل ... هل اراك غدا ؟".
تردد جيف ، ثم أحنى كتفيه :
" اوه ، نعم ... أظن ذلك ، عندي محاضرة في الصباح ، ولكنني بعد ظهر الغد ساتولى تحكيم مباراة في الركبي ، اتودين الحضور؟".
بدا على ديانا الإهتمام:
" هل يمكنني ذلك؟".
" بالطبع نستطيع أن نتناول الشاي بعد ذلك عند والدتي ، ثم نذهب الى السينما في المساء إذا شئت ".
بدا على ديانا المزيد من الإرتياح ، وقالت:
" يسعدني ذلك كما تعلم ... هل ستعترض والدتك؟".
هز راسه نفيا.
" بالطبع لا.... حسنا".
إبتسمت ديانا وقالت:
" لا باس".
بادلها جيف الإبتسام ، ووضع يديه في جيبي معطفه وقال:
" لا بد ان أذهب الآن ، سأراك غدا ، سوف نتقابل في المدرسة".
وتركها عند مدخل البناية ، وعاد أدراجه عبر الحديقة ليلحق بالأوتوبيس.
وعندما فتحت ديانا باب الشقة ودخلت ، وجدت والدتها تعد القهوة والسندويشات في المطبخ ، بينما كان ادريان سنكلير يتمدد على الاريكة يشاهد التلفزيون ، وكان العرض فيما يدو تكرارا لمباراة في كرة القدم جرت في إحدى دول القارة ، وبعد أن حيّا أدريان الفتاة عاد الى المشاهدة ، بينما ذهبت ديانا الى المطبخ لترى والدتها.
إبتسمت مادلين بمرح لها وقالت:
"حسنا هل قضيت وقتا طيبا؟".
" نعم ، شكرا".
قالت ديانا ذلك وهي تتنهد قليلا إذ تذكرت العناق...وتذكرت في فتور انه عناق حقيقي في حياتها.
كانت مادلين تتطلع اليها بفضول ، وتساءلت:
" لماذا هذه النظرة البعيدة في عينيك ؟ اين كنت؟".
هتفت ديانا ووجهها يتورد ، وهي تشعر بحرج:
" في النادي فقط ، انا ... نحن .... ساذهب لخلع ملابسي يا أمي ، لأستطيع أن آوي الى الفراش مباشرة بعد العشاء".
" حسنا يا حبيبتي....".
قالت مادلين ذلك وهي مقطبة ، هناك شيء مختلف يحيط بديانا الليلة ، وهي لا تستطيع أن تقرر ما هو ، وهنا عكّر صفوها إدراكها ان ديانا بلغت المرحلة التي لم تعد فيها تحكي لأمها كل شيء.

نيو فراولة 02-11-11 11:05 PM

2- دعوة

إعتادت مادلين وديانا التسوق معا صباح السبت ، حيث تشتريان معظم الطعام المطلوب للأسبوع التالي ، وتضعان السلع القابلة للفساد في الثلاجة الصغيرة في المطبخ ، وبينما كانتا تتناولان الغداء قالت ديانا:
"سأذهب بعد الظهر مباشرة مع جيف الى مباراة الركبي التي ستقام في المدرسة الثانوية ، ثم نتناول الشاي في منزله ونذهب بعد ذلك الى السينما".
وتساءلت مادلين وهي ترفع حاجبيها السوداوين:
" حقا ؟ وهل ستسر والدته بذلك؟".
إبتسمت ديانا وقالت:
" هل قابلت أسرته من قبل؟".
" كلا ، ولكن هذا لا يهم".
هزت مادلين كتفيها ، وقالت:
" حسنا ، أتمنى أن ينتهي كل شيء على ما يرام ، هل هذا ينذر بعلاقة أكثر جدية في المستقبل ؟ آمل الا يكون الأمر كذلك ، فأنتما صغيران جدا كلاكما".
هتفت ديانا :
" أوه يا أمي...".
ثم حملت طبق حلواها الى المطبخ.
وبينما كانت تعد القهوة ، إنضمت اليها والدتها وعلى وجهها علامات التفكير ، قالت بهدوء:
" اريد منك فقط أن تتذكري انك مجرد طفلة ، وجيف لا يزال بالمدرسة ، وهو ينوي كما قلت لي أن يلتحق بالجامعة في الخريف ، فليس من فائدة ترجى أن ترتكبا شيئا ينم عن حماقة".
إحتجت ديانا في غضب ، وكانت تمقت ان يحدثها أحد بتعال ، وقالت:
" لست ارى سببا لديك يدعوك الى أن تحدثيني بهذه اللهجة ، وفي أي حال أنا لم اتحدث بشيء ، اليس كذلك؟".
" بلى ، إنك لم تتحدثي بشيء ، ولكنك كنت تبدين غريبة ليلة أمس عندما عدت الى المنزل.
شعرت ديانا بوجنتيها تلتهبان من جديد ، كان مما يبعث على الضيق ان تبدو شفافة على هذا النحو:
" ليس ثمة سبب......".
ردت بذلك بإقتضاب ، وقلبت إناء القهوة ، وتساءلت مادلين إذا كانت قد افرطت في قلقها بشأن ديانا ، فكما قال ادريان إن الفتيات ينضجن مبكرا هذه الأيام ، تمنت ذلك ، لكم تمنت ذلك !
وبعد الفراغ من تناول الطعام تولّت مادلين غسل الأطباق بينما ذهبت ديانا لتغيّر ملابسها ، ثم أخرجت مادلين المكنسة الكهربائية ، إذ كانت تتولى تنظيف الشقة بعد ظهر كل سبت.
برزت ديانا وهي تبدو شابة نقية في تنورة من التويد وكنزة قصيرة مكتنزة ، وكانت ترتدي سترة من الفراء ذات كسرات لها قلنسوة من الفراء نفسه ، وكانت هذه السترة أصلا لمادلين ، وكانت في لون العسل مع بطانية بنية غامقة ، وهي مناسبة لبشرة ديانا الزيتونية مثلما كانت مناسبة لبشرة مادلين ، تطلعت ديانا الى أمها في حزن وإكتئاب وتساءلت وهي تشير الى السترة:
" هل تمانعين؟".
لوت مادلين قسمات وجهها ، ولكن كانت هناك نظرة سرور في عينيها ، وتساءلت مبتسمة :
"وهل يهم إذا كنت أمانع ؟ كلا ، إستمري وشانك ، إنها على الأقل ستدفئك ... وارى انك ترتدين حذاءك الطويل الجديد ، إنني مسرورة لأنك إشتريت هذا الحذاء ، رغم أنه غالي الثمن".
" حسنا ، أود ان أبدو جميلة عندما اقابل والديه".
قالت مادلين في شك:
" ن.........نعم......".
ثم أردفت وهي تهز كتفيها:
" تمتعي بوقتك !".
" سافعل ....وداعا....".
وبعد ان ذهبت ديانا ، إنكبت مادلين على العمل في شبه إنتقام ، لم تكن مولعة بعمل المنزل بوجه خاص ، ولكن كان لا بد من أدائه ، ولم تكن هي من النوع الذي يتجنبه.
وما كادت تفرغ حتى حلّ وقت تناول الشاي ، فصنعت لنفسها وجبة صغيرة ، كان أدريان يصطحبها دائما الى الخارج للعشاء في أمسيات السبت ، لذلك لم تعن بتناول وجبة كبيرة ، كانا عادة يذهبان الى فندق يقع خارج أوتيرييري ، ويتناولان شيئا من الشراب قبل الوجبة ، وكانت مادلين تستمتع دائما بهذا التغيير إذ لم تكن تخرج ابدا طوال الأسبوع.
منتديات ليلاس
غيّرت ملابسها وإرتدت ثوبا من الجيرسيه بلون العنبر ، ومشطت شعرها وثبّتته على وضع العقدة الفرنسية ، وبينما كانت تضع ماكياجا خفيفا على وجهها خطر لها أن بشرتها على الأقل جيدة ، كانت ناعمة خالية من التجاعيد ، وكانت تدرك أنها تبدو أصغر من أعوامها الثلاثة والثلاثين ، وبينما هي مسرورة بخواطرها ، أدركت أن كل هذا النقد الذاتي إنما يرجع الى الرجل في السيارة الحمراء ، وهنا تساءلت مرة أخرى إذا كانت ستراه بعد ذلك.
وصل أدريان في السابعة والنصف ، وكان يرتدي حلة من جلد الغزال فبدا بذلك اصغر سنا ومميزا ، وإبتسمت مادلين وهي تسمح له بالدخول ، وقالت وهي تطريه :
" إنك تبدو هذا المساء أنيقا للغاية".
رفع ادريان حاجبيه وقال :
" اشكرك ، أنت تبدين انيقة أيضا".
إرتدت مادلين سترة مريحة وردت قائلة في لهجة واقعية:
" اتوقع ان يكون الجو باعثا على البهجة كالعادة".
قاد أدريان سيارة روفر قديمة لكنها مريحة الى حد ملحوظ وكان دائما يقول أنه سيضطر الى شراء سيارة جديدة ، ولكن مادلين كانت تعلم أن سيارته القديمة ستبقى معه سنوات عدة بعد ، فقد كان يكره التغيير إذ يالف الإعتياد وكان هذا هو السبب الذي جعلها تعلم انه ليس في وسعها ابدا أن تفكر جديا في الزواج منه ، إذا لم يكن ذلك إلا بسبب عاداته الحازمة.

نيو فراولة 03-11-11 05:00 PM

كان فندق كراون يقع على مسافة ثلاثة أميال فقط من أوتيرييري ، على طريق غيلفورد ، وكان يقدم الطعام والخدمة المناسبة اساسا للذين يريدون الإبتعاد عن صخب المدينة وإندفاعها ، كما كانت مطاعمه ذات كفاءة طيبة ، وكان الطعام الذي يتولاه طاه فرنسي لذيذا ومنوعا في مذاقه ولذلك إشتهر بالخدمة الحسنة ، وكانت مادلين تشعر وهي تتناول الطعام فيه بانها خبيرة ذوّاقة في إختيار أصنافه والحكم عليها.
وكان الطريق الى الفندق يمر بمصنع شريدان ، فشعرت بعينيها تنجذبان الى المكان وهي تمر عليه وتساءلت أي مركز يحتله الرجل ، لقد قال إنه يعمل بالمصنع ، فربما يكون أحد المديرين ، فرجل مثله يقود سيارة مثل سيارته ، لا يمكن ان يكون من طبقة العاملين في الورشة ، هذا إلى ان حلته كانت تنبىء بتفصيل راق ، حتى حلل أدريان لم تكن تناسبه على هذا النحو الجيد او تبدو غالية الثمن كهذه الحلة ، ومع ذلك فأدريان ناظر مدرسة ! ولكن ادريان كان يتوخى في شرائه الأشياء أن تدوم ، وكانت غالبا ما تدوم.
كان الفندق مزدحما ،ولكن مائدتهما كان يجري حجزها من أسبوع لأسبوع ، وذلك يعد شيئا مضمونا ، فمنذ وصول الإيطاليين والأميركيين ، بدت بلدة أوتيرييري وما يكتنفها وكانها تصغر تدريجيا ، وكان سكانها يتجاوزون الحدود في كل مكان ، وزمجر أدريان وقد إضطر الى أن يشق طريقه الى الباب ليحضر شرابهما ، وعاد يشق طريقه الى جانبها وهي تقف قرب المدخل.
قال وهويتخذ بجانبها وضعا مريحا:
" يا له من زحام ، لقد اصبح المكان أشبه بمباراة الركبي كل اسبوع ، ولم يكن ابدا هكذا من قبل".
قالت مادلين في سخرية:
" لا أظن ان اصحابه يشكون ، إنهم سيشعرون بالعرفان لرواج تجارتهم".
" أتوقع ان يشعروا بذلك ، ولكن.... حقيقة... ليس ثمة مكان للجلوس والدخان ناحية البار يثير الغثيان".
إبتسمت مادلين ، لم تكن تنفر من الزحام مثل ادريان ، لكنها مع ذلك لا ترى ان هناك أية متعة في الوقوف عند المدخل طيلة المساء ، قالت:
" فلنذهب لنتناول الطعام إذن ، ونستطيع هناك على اية حال ان نتناول الشراب في راحة نسبية".
قال أدريان على الفور:
" فكرة ممتازة ، تفضلي".
وكانت غرفة العشاء أيضا مزدحمة ، ولكن مائدة أدريان ، تحت النافذة ، كانت تنتظرهما ، فجلسا شاكرين ، وخلعت مادلين سترتها... واكلا سلمون مشويا وسوفليه الخوخ ، وتنهدت مادلين وهي تشعر بالمتعة غذ تحتسي قهوتها ، وتمتمت وهي تبتسم:
لقد كان هذا لذيذا تماما ، يجب ان تعترف يا أدريان اننا لوغيرنا الفندق فلن تستطيع الحصول على وجبة مثل هذه".
إبتسم ادريان:
" نعم لعلك على حق ، لقد تبدّل شعوري الا إزاء كل شيء".
أشعلا سيكارتين وشرعا يناقشان قصة كان كلاهما قد قراها ، عندما سقط ظل على المائدة ، تطلعت مادلين في دهشة لتجد رجلا متقدما في السن يبتسم لهما ، ونظر أدريان ايضا وما لبث ان نهض بسرعة وهتف:
" هيذر وينغتون ! لقد مرّت فترة طويلة منذ إلتقينا ".
إبتسم هيذر وينغتون في لطف وقال:
" هل لي أن أنضم إليكما؟".
قال أدريان في يسر:
" بالطبع ، إجلس .... أوه ... بالمناسبة ... هذه سكرتيرتي ، السيدة سكوت ، لا أعتقد انكما تقابلتما من قبل ، هذا السيد هيذر هينغتون يا مادلين ، ناظر المدرسة الثانوية".
قالت مادلين وهي تبتسم وتصافح السيد هيذر وينغتون:
" نعم ، أعرف ذلك ، تفضل بالجلوس".
" ارى أنكما تحبان الطعام هنا ".
قالت مادلين في حماسة:
" أوه... نعم ، هل تاتي هنا كثيرا؟".
رد هيذر وينغتون في بطء:
" كلما إستطعت ان أترك زوجتي في امان، إنها شبه مقعدة ، ولا احب أن أتركها وحدها ، ومع ذلك كان عندي الليلة موعد عمل ، وجئنا هنا بعد ذلك لنتناول العشاء...".
ثم إلتفت الى أدريان قائلا:
" انا سعيد لأنني إلتقيت بك يا سنكلير ، فنا أريد أن أتحدث اليك".
قال أدريان ،وقد أثير إهتمامه:
" أي نعم... عم تريد ان تتحدث؟".
قالت مادلين وهي تتطلع متسائلة الى هيذر وينغتون:
" هل أنصرف؟".
هز هيذر وينغتون رأسه نفيا ، وأخرج غليونه وأخذ يملأه قائلا:
" كلا... على الإطلاق... هل يضايقك ان أدخن؟".
قالت مادلين:
"كلا...".
فاشعل هيذر وينغتون غليونه وهو يبدو متأملا ، وقال بعد ان اتم إشعاله:
" والان... إنك تعرف كونراد ماسترسون يا سنكلير ،أليس كذلك؟".
قطب ادريان جبينه:
" كونراد ماسترسون ؟ كلا؟ أوه... إنتظر لحظة ، لعلك تعني الأمريكي الذي يدير الآن مصنع شريدان؟".
" هذا صحيح ، هل تعرفه؟".
هز أدريان رأسه نفيا:
" كلا ، سمعت بإسمه فقط سماعا عابرا ... لماذا؟".
" ستعلم انه إشترى ذلك البيت الذي كان يملكه اللورد اوتيرييري في هاينوك".
" نعم ، سمعت ذلك".
قال أدريان ذلك وهو يومىء براسه ، وأخذت مادلين تنصت بإهتمام ، عمّ يدور الحديث يا ترى؟
" حسنا... إبنه عندي في المدرسة _ كونراد الصغير وهو في الثالثة عشرة وهو لامع الذكاء جدا ،ولكن ليس هذا ما كنت اريد ان أخبرك به".

نيو فراولة 04-11-11 06:24 PM

ثم إبتسم وكان يدرك تماما ان زميله يكاد ينفجر فضولا ورغبة في ان يصل الى لب الموضوع:
" كلا ، في الحقيقة جاءني ماسترسون بنفسه في أوائل الاسبوع ودعاني وزوجتي الى منزله لتناول الشراب مساء الأثنين ، فشرحت له ان ماري لا تستطيع القيام بزيارات إجتماعية ، فإقترح ان آتي في اية حال وان أحضر معي من اشاء ،وتساءلت إذا كنت تود ان تاتي معي ، إن ماسترسون رجل إجتماعي جدا كمعظم الأمريكيين ، وهو يريد أن يتعرف الى الناس ، وطبيعي ان مركزك كناظر المدرسة العليا الوحيدة في البلدة جعل إسمك يرد على ذهني لأول وهلة ، وكنت أنوي ان أحدثك تلفونيا غدا ،ولكنني عندما رايتك هنا هذا المساء ، لم استطع ان اغفل الفرصة ، وارجو الا تظن أنني دخيل".
" كلا......على الأطلاق".
كان من الواضح أن أدريان اثير إهتمامه ، وأنه يشعر بأطراء ، فأردف قائلا:
" الأمر يبدو فرصة بالغة الروعة ، ولا بد أن أعترف بان هؤلاء القادمين الجدد الى بلدتنا يثيرون إهتامي الى حد كبير".
أخفت مادلين إبتسامتها وهي تتذكر النفور في وقت مبكر من المساء عندما إضطر الى ان يكافح ليحصل على الشراب ، لمجرد وجود حشد من القادمين الجد ، وواصل أدريان حديثه قائلا:
" لم يسبق لي زيارة أميركا ، وانني ارحب بفرصة الحديث عن هذه البلاد مع أناس يعرفون حقا ما يتحدثون عنه ، سأحضر بالطبع".
إبتسم هيذر رينغتون في رضى وإرتياح:
" حسنا ، حسنا ،اعتقد انها ستكون مناسبة مثيرة...".
ثم التفت الى مادلين قائلا:
" هل تستمتعين بالعمل مع صديقنا الممتاز يا سيدة سكوت؟".
إبتسمت مادلين :
" كثيرا جدا ، أشكرك ، أدريان رئيس يراعي مشاعر الآخرين ، وليس متسلطا".
نفث هيذر رينغتون دخان غليونه ، وقال:
" نعم أعتقد أنه كذلك يستمتع بالعمل مع سيدة جميلة مثلك ، اليس في وسعك ان تخرجيه من حالة العزوبية التي هو فيها ؟ فهمت أنك ارملة".
تطلعت مادلين الى سيكارتها ، ثم قالت وعيناها تلمعان:
أعتقد ان ادريان سعيد كما هو ، أليس كذلك يا أدريان؟".
ثم كتمت ضحكتها.
قال ادريان في سخرية ، بدون ان يبدوعليه السرور:
" لسنا أطفالا..".
وكان هيذر رينغتون في رايه حريصا على الأدلاء بتعليقات صعبة ، ثم الإفلات من نتائجها ، قال هيذر رينغتون وهو يبتسم في خفوت:
" كلا ، أنا موقن انكما لستما كذلك ، في أية حال يا سنكلير ، لماذا لا تسأل السيدة سكوت إن كانت ترغب في ان تصحبنا مساء الأثنين ؟ اعتقد انها ستستمتع بهذه المناسبة أيضا".
قال أدريان وهو يوميء موافقا:
" إنني موقن أنها ستستمتع بها ، أتأتين يا مادلين؟".
قالت في حيرة بالغة:
" لست... لست ادري. إنني لم أدع.. ولا اعتقد في الحقيقة".
صاح هيذر رينغتون وهويهز راسه:
" هراء ، ماسترسون سيسعده أن يرحب بك ، وفي أي حال ، لن تكوني وحدك ، سيكون أدريان هناك الى جانبك".
ترددت مادلين ،وحثّها أدريان على القبول ،وقال ملاطفا وهو يستحثها:
" أرجوك ان تقولي أنك ستحضرين يا مادلين".
"ولكن... ديانا...".
قال أدريان بحزم:
" قادرة تماما على أن تعنى بنفسها في أمسية واحده ، نعم يا هيذر رينغتون ، سنحضر ، هل آتي بسيارتي لأصطحابك؟".
قال وهو ينهض:
" نعم ، سيكون هذا افضل ، ثم في وسعك بعد ذلك أن تذهب لإصطحاب السيدة سكوت ،والان ، يجب ان اذهب وأدعكما تواصلان امسيتكما بدون أزعاج".
ثم لمعت عيناه وهو يقول:
" إحكمي ضبطه يا سيدة سكوت".
ضحكت مادلين عندما لمحت الغضب في ملامح أدريان ، وإنصرف هيذر رينغتون وهولا يزال يضحك في خفوت وهتف ادريان في سخط:
" حسنا ، لقد ذهب هذا الرجل الى ابعد حد ، ماذا يظن نفسه؟".
قالت مادلين في رقة ولطف:
" إنه رجل مسن ساحر ، إنني معجبة به ،كان يمزح فقط فلا تدع السخط يتملكك يا أدريان على لا شيء".
تنهد أدريان وإبتسم في ندم ، وقال:
" اظن أنك على صواب كما أنت في العادة ، إنه يجعلني اشعر دائما بأنني أشبه بتلميذ من تلاميذه".
ضحكت مادلين في مرح ، وقالت في إبتهاج:
" تلميذ مسن ، ألا تظن ذلك؟".
وبعد ان غادرا الفندق توجها بالسيارة الى شقة مادلين ، كانت الساعة مجرد العاشرة مساء ، فدعته لتناول مزيد من القهوة ، ولم تكن ديانا في الداخل عند وصولهما ، ولكنها جاءت بعد ذلك مباشرة.
كانت وجنتاها محمرتين ، ولم تكن مفعمة بأحلام اليقظة على نحو ما كانت في الأمسية السابقة ، وشعرت مادلين بإرتياح ، وإن كانت قد ساورتها بعض المخاوف إزاء قسماتها المكتئبة ، لم تكن قد عرفت كيف تعاملها في الأمسية السابقة وكان من الواضح انها لا تعرف كيف تعاملها الليلة كذلك ، فقررت أن يكون فعلها عفويا ، ورفضت أن تبدأ في القلق من جديد بعد هذه الأمسية السارة التي تبعث على الإسترخاء.
وسالت ديانا وهي تتطلع الى أدريان:
" هل قضيتما امسية لطيفة؟".
غاص ادريان في الاريكة المريحة وقال:
" لطيفة جدا ، اشكرك يا ديانا ، والان تعالي اخبريني عن فتاك ... هل وفّر لك وقتا طيبا؟".
قالت ديانا في ادرب ، وهي تخلع السترة المصنوعة من الفراء ، وتجلس بجواره :
" نعم ، أشكرك ، تناولنا الشاي في مسكن ولدته ، ثم ذهبنا الى السينما ، شاهدنا أحد افلام الغرب في سينما اوديون".
" هل كان فيلما جيدا؟".
جعّدت ديانا أنفها ، وقالت مسلّمة :
" كان لا باس به... إننا لا نرى دائما أجزاء كثيرة من الفيلم".
قالت ذلك وهي تراقب في تراخ تعبير الصدمة على وجه أدريان.

نيو فراولة 05-11-11 10:51 PM

لم يخب ظنها ، إذ رفع أدريان حاجبيه إستنكارا ، كانت كلماتها الصريحة قد صدمته ، وكان من المحقق أن هذه الشيطانة الصغيرة ، إبنة مادلين ، تتغيّر ، كانت مادلين على صواب.
وتساءلت مادلين وهي قادمة من المطبخ تحمل صينية من القهوة:
" كيف كان الشاي ؟ هل سارت الأمور سيرا حسنا بينك وبين الديه؟".
هزت ديانا كتفيها النحيلتين:
" أظن ذلك ، ابدت والدته بعض الملاحظات الشائكة عن إهماله الدراسة اخيرا ، وكانني أنا السبب كله ، وأنه لا بد له ان ينقذ نفسه إذا كان يتوقع أن يبعثوا به الى الجامعة في الخريف....".
وتنهدت ديانا وهي تتذكر ما حدث , وأردفت قائلة:
" مسكين جيف ، بدا عليه الغضب فعلا وقال لأمه بوقاحة إن الأمر يخصه هو سواء ذهب الى الجامعة او لم يذهب ، وأعتقد انه سيغير رايه".
بلّلت مادلين شفتيها بلسانها وقالت:
" هكذا إذا ولكنك قلت له بالطبع انه يجب عليه دخول الجامعة ... أليس كذلك يا ديانا ؟ إنه ولد ذكي ، هكذا يقول ناظره ، ويجب الا تقفي حائلا بينه وبين دراسته".
بدا على ديانا التمرد ، ولكنها ظلت صامتة ، وتبادل أدريان ومادلين النظرات ، وتساءلت ديانا فجأة وهي تغيّر الموضوع وتسأل عما تناولاه في عشائهما ، فروت لها مادلين احداث الأمسية ، ووصفت لها لقاءهما مع هيذرنغتون ودعوته لهما لزيارة آل ماسترسون ، فصاحت ديانا بشيء من الغيرة:
" هل تعتقدان ان في وسعي الحضور؟".
قطب ادريان جبينه وقال:
" أخشى ألا يكون هذا ممكنا يا ديانا ، فهذه مناسبة للكبار ،وقد تثير ملل الشباب مثلك !".
ضغطت ديانا على شفتيها ، وغمغمت:
" للكبار ... هه ؟ فماذا انا إذا ".
مد ادريان يده الى علبة سكائره ، ورد في نعومة :
" لست أكثر من تلميذة ؟ أمامك يا ديانا سنوات وسنوات ، فتمتعي بما يخصك اليوم ، ولا تتوقي الى المستقبل قبل أن ياتي".
تنهدت ديانا وقالت:
" لا اريد محاضرة يا عم أدريان ، وفي أي حال أعتقد أنها ستكون مناسبة مثيرة جدا ، من سيكون هناك؟".
رد أدريان قائلا:
" أوه.... اتوقع ان يكون هناك مديرو المصنع ،ومعظمهم رجال متزوجون ومعهم عائلاتهم هناك ، وكما قلت لك ستكون مناسبة خالية من الأثارة".
هتفت مادلين فجاة :
" ماذا سأرتدي حقا؟".
رد أدريان مبتسما:
" ستفكرين في شيء ما ، ولعل من الفضل أن أخاطب هيذرنغتون المسن تلفونيا غدا واعرف الوقت الذي يجب أن نكون فيه هناك ، فإنني اكره ان نصل وهم يتناولون العشاء".
اومأت مادلين برأسها موافقة ، وقالت وهي تتمطى في كسل:
" اوه ، نعم ، في وسعك أن تخبرني يوم الإثنين ، إنني متعبة ، لقد كان يوما طويلا".
غمغم ادريان في جفاف ، وهو ينهض:
" أنا المقصود بهذه التلميحة ، سأنصرف الآن ، هل اراك غدا؟".
قالت مادلين في يسر :
" تستطيع ان تأتي إذا شئت ، كن على راحتك ، فإذا لم تستطع فساراك صباح الثنين".
" حسنا ، مساء الخير....".
قالت ديانا وهي تقبل خده:
" تصبح على خير يا عم أدريان ، إنتبه للطريق".
وبعد ان إنصرف أدريان حملت مادلين الأطباق الى المطبخ ، وتبعتها ديانا ، وإلتقطت منشفة الشاي لتجففها ، وتساءلت مادلين وهي تفتح الماء الساخن:
" هل ستقابلين جيف غدا؟".
ردت ديانا وهي تقطب جبينها:
" نعم – لماذا ؟ هل تريدينني لشيء؟".
إبتسمت مادلين في شك وهي تنظر الى إبنتها:
" أوه... كلا ... أين ستذهبان؟".
ردت ديانا بهدوء:
" حسنا ، لمجرد نزهة بعد الظهر في الواقع".
" هل تودين أن تصحبيه الى هنا لتناول الشاي؟".
لمعت عينا ديانا وهتفت:
" هل أستطيع ذلك؟.
لم يكن جيف قد حضر الى الشقة الى مرة واحدة من قبل لتناول الشاي , وفي ذلك الحين أصيبت مادلين بصداع وإضطرت الى ان تتركهما يتدبران أمرهما ، إبتسمت مادلين الان وقالت:
" بالطبع ، وإذا حضر العم ادريان ، فقد نلعب بعد الشاي لعبة المونوبولي أو شيئا مثل ذلك".
بدا على ديانا النفور:
" أوه يا أمي ، لا نريد أنا وجيف ان نلعب ألعابا!".
هزت مادلين كتفيها:
" ماذا ستفعلان إذا؟".
" ربما نذهب الى نادي السبعينات".
قطبت مادلين جبينها ، لم تكن تحب فكرة ذهاب ديانا الى مكان كهذا مساء السبت ، لكن كان من الفضل من ناحية أن تعرف أنهما هناك ، بدلا من السير في الشوارع على غير هدى ، قالت:
" لا بأس إفعلي ما تشائين".

نيو فراولة 07-11-11 07:49 PM

3- لقاء بلا موعد

خلال يوم الإثنين وجدت مادلين أفكارها في كثير من الأحيان تسبقها الى الأمسية ، كانت مناسبة هامة لها أن تخرج خلال الأسبوع ، كانت هي وأدريان يستقلان القطار بين حين وآخر الى لندن ويذهبان لمشاهدة أحد العروض أو إحدى الحفلات الموسيقية في قاعة المهرجانات الملكية ، ولكن هذه المناسبات كانت قليلة ومتباعدة ، إذ كان أدريان مشغولا عادة طوال الأسبوع ، كما أن ديانا كان يتعيّن أخذها في الإعتبار ، فقد كانت لا تزال اصغر من أن تترك وحدها لوقت طويل ، وكانت مادلين تقدمها على كل شيء.
وجاء ادريان يوم الأحد لتناول الشاي في الشقة ، وقابل جيف هناك ، وقضيا معا وقتا طيبا إذ كان جيف ذكيا ،وفي وسعه ان يناقش ادريان في موضوعات لا تقدر عليها المرأتان ، وجدته مادلين فتى جذابا وتساءلت إذا كان قلقها بشان ديانا بغير موجب ، فمن المؤكد ان في وسع الشباب على ان يتصادقوا بدون أن يقعوا في ضيق ما ، كان فتى حسن المظهر ، ومهما كانت خلفيته كان قادرا على أن يعنى بنفسه وان يتصرف في أدب كأي فتى مهذب.
ذهبت مادلين الى وسط المدينة وقت الغداء يوم الإثنين ، وقررت ان تكرّم نفسها بشراء ثوب جديد للأمسية ، وكانت قليلا ما تطلق لنفسها العنان إلا في الضرورات ... وحتى ديانا نفسها ذهبت الى حد القول بان هذا النوع من المناسبات لا يحدث كل يوم.
منتديات ليلاس
وجدت ما تريد في متجر صغير للملابس وكان ثمنه أكثر مما توقعت ، لكنها لم تستطع أن تقاوم إغراءه وهي تجربه ، كان من الشيفون الأخضر في خضرة ورق الشجرة ، طويلا الى عقبيها ، مرصّع الصدار بالترتر ، وكانت فتحة العنق منخفضة ومستديرة ، ومطرّزة بخرزات دقيقة ، وكان للثوب اكمام تنتهي باساور مطرزة أيضا بالخرزات ، كان ثوبا نموذجيا للمناسبة ، وعادت به مادلين الى العمل وهي تشعر بسرور بالغ ، وعندما طلب منها أدريان بعد الظهر أن يراه رفضت ، وقالت مداعبة:
" إنتظر حتى الليلة... أريد أن افاجئك".
ضحك ادريان بصوت خافت ، وقال:
" حسنا يا عزيزتي ، كما تريدين ، ولكنني أتوقع منك ان تعرضيه لي قبل الذهاب الى الحفل".
إبتسمت مادلين وهزت رأسها ، وفكرت وهي تتنهد.... حقا ، إن أدريان شخص عزيز ، فلماذا لا تستطيع ان تقرر الزواج منه ، وينتهي الأمر.
كان من المقرر أن يصلا الى بيت آل ماسترسون في التاسعة وحضر أدريان في التاسعة إلا عشر دقائق ، ليصطحب السيد هيذرينغتون الذي كان ينتظر في السيارة عندما نزلا ، أما ديانا فلم تكن ستخرج هذا المساء ، غذ كان جيف يدرس فقررت أن تغسل شعرها وتستمع الى اسطواناتها.
كانت مادلين ترتدي معطفا من الصوف الكثيف بلون الكريمة ، وتركت شعرها ينسدل على كتفيها ، فظهرت كأنها في الخامسة والعشرين ، حتى قالت ديانا في شبه مرارة:
" يا للسماء يا اماه ، لن يصدق أحد ان لك إبنة تجاوزت السادسة عشرة!".
فردت قائلة:
" هذا كله مفيد ، أليس كذلك؟".
ولكن لهجة ديانا بدت غير قاطعة.
بالغ هيذر رينغتون في إطراء مظهرها ، وكان أدريان قد ابدى إعجابه بها في ثوبها الجديد ، فايقنت مادلين نها ستمتع نفسها ، وإسترخت تماما.
ولم يكن بيت آل ماسترسون بعيدا ، بل يقوم على اراضيه الخاصة ، ويضاء بالكشافات ليلا ، منظره مثير ، وهناك عدة سيارات واقفة أمام المنزل في الفناء المليء بالحصى ، وأدركت مادلين ان معظمها من النوع الرحب الفاخر الذي ينتجه مصنع شريدان ونظرائه ، وكانت تبدو مريحة راحة فائقة ، فلم تملك مادلين أن حسدت شاغليها على هذا التفوق في وسيلة النقل ، وكانت هناك سيارات من طراز شريدان تلك التي اصطدمت بها الأسبوع الفائت وهي على دراجتها البخارية ، ولكن لم تكن من بينها سيارة حمراء.
وكان البيت الذي بني خلال القرن السادس عشر تجدد وإتسع وبالرغم من مظهره الخارجي كان ينم عن إنتمائه الى العصر الإليزابيشي ، إلا أن التدفئة المركزية والأضواء الكهربائية والسجاجيد الملائمة أنقذته في الداخل من معظم اجوائه الغابرة.
وكانت القاعة واسعة مرتفعة بسقف منحوت ومضاءة بشمعدانات كهربائية متشعبة نصبت في الجدران على مسافات ، واعطت سمات ضوئية مريحة للبطانة الخشبية اللامعة وللأثاث المصنوع من البلوط وكانت الأرض مصقولة كذلك ، وتبدو مثالية للرقص ، ألا أن معظم الضيوف تجمعوا فيما يبدو في غرفة جلوس كبيرة الى يمين القاعة ، وذهب الخادم الذي أدخلهم وأخذ معاطفهم الى الغرفة لينبىء مرؤوسيه بوصولهم.
خلب المكان لب مادلين ،وبينما هي تدرس بإعجاب شرفة المغنين خرجت اليهم لتحيتهم من غرفة الجلوس سيدة وسيمة صغيرة الجسم ، ترتدي سروالا وبلوزة من اللون الأرجواني الكثيف ، وقدمت نفسها على انها لوسي ماسترسون ، وقالت إن زوجها سيلحق بهم فيما بعد ، قالت بعد أن تعرفت على شخصياتهم :
" إنه يجتمع الان على إنفراد بنيكولاس.... نيكولاس فيتال ، إنهما دائما يتحدثان في شؤون العمل هذه اليام ، وىمل ألا تظنوه خشنا ولكن نيكولاس هو الرئيس ، ولديهما الكثير لمناقشته أثناء وجوده هنا".

نيو فراولة 07-11-11 08:18 PM



قال هيذرينغتون وهويبتسم:
" لا بأس بهذا يا سيدة ماسترسون ، نحن ندرك الموقف".
وتصوّرت مادلين أن يكون عمر لوسي بين الخامسة والثلاثين والخامسة والأربعين ، وظنت في تقديرها لأول وهلة انها أمراة سطحية.
قادتهم لوسي الى الجمع في غرفة الجلوس ، كان هناك نحوثلاثين ضيفا ، كلهم يقفون ويحتسون الشراب ويتبادلون الأحاديث القصيرة ، وكان هناك جهاز في ركن تنبعث منه نغمات الموسيقى الهادئة ، وقد عبق المكان بعطر فرنسي وتبغ هافانا ، وكانت الأرض مغطاة بسجادة ذات لون احمر كثيف ، يتلاءم مع الستائر ذات القطيفة الكثيفة ، وهنا وهناك أرائك ومقاعد ذات مساند ، منجدة بجلد ناعم ، بينما كانت هناك رسومات حية خففت من حدة خففت من حدة بياض الجدران الناصع.
وإكتشفت مادلين ان الكثير من الضيوف أزواج فيما يبدو وهناك عدد متساو تقريبا من الإيطاليين والأمريكيين ، وعللت لوسي ذلك بان شركة شريدان لديها مصانع في أيطاليا وأميركا كما لديها هنا ، وعدما أشتبك أدريان والسيد هيذرنغتون في مناقشة فنية مع بعض كبار السن من الضيوف الحاضرين وجدت مادلين نفسها بجانب زوجين أمريكيين هما فران وديف ماديسون.
سالت فران بإهتمام ، ومادلين تقبل سيكارة عرضها عليها ديف:
" هل تقيمين في اوتيرييري؟".
ردت مادلين:
"نعم ، لي شقة لا تبعد عن هنا كثيرا في الواقع ، أتقيمان انتما هنا؟".
قال ديف مؤكدا:
" نعم ، لدينا شقة ايضا ، ولكننا نتوقع ان يكون لنا بيت قريبا في المشروع الجديد قرب المصنع ، في واخر العام".
" هل أنتما من أمريكا".
إبتسم ديف إبتسامة ساخرة وقال:
" اصبت ، وأظن ان اللكنة واضحة".
ضحكت مادلين بصوت خافت ، وقالت:
" خطر لي انكما ربما تكونان هنا في زيارة لآل ماسترسون ....".
ثم تطلعت الى فران قائلة:
" هل تحبين انكلترا؟".
قالت فران بدون حماسة:
" اعتقد لا بأس بها ، ولكن لا يوجد هنا الكثير لنفعله ، أليس كذلك؟ ونحن نأمل ان نذهب الى أيطاليا فيما بعد ، هل سبق لك السفر الى الخارج؟".
قالت مادلين في حزن:
" الى فرنسا فقط فمنذ مات زوجي وانا وإبنتي لا نسافر كثيرا".
هتف دايف في دهشة:
" الك إبنة ؟ إبنة طفلة؟".
ردت مادلين باسمة:
" كلا ، أنها في السادسة عشرة من عمرها في الواقع ، ولكنني أشكرك على كلماتك الرقيقة".
هتف دايف ، وهو يبتسم إبتسامة لاهية عريضة:
" هذا ليس عدلا ، وما كنت لأقول إنك تبدين أكثر من الخامسة أو السادسة والعشرين ".
بدت فران وكأنما انطفأت حماستها الآن وظهر عليها شيء من الضيق، وسرت مادلين عندما جاء رجل آخر للانضمام اليهم ، وكان مثل ديف طويلا أشقر ، ملامحه مقبولة وقد إنتشر النمش في وجهه ، وكان من الواضح أنه يعرف آل ماديسون جيدا وقال:
"تحية لكما... هل لدينا عضو جديد في المنظمة؟".
رد ديف وهو يلتفت اليه:
" كلا... هذا هارفي كامنغز يا مادلين... هو أيضا عضو في عائلة شريدان".
حيّته مادلين بأدب ، وهي تومىء له برأسها:
" كيف حالك؟".
رد هارفي مبتسما بسخرية:
" انا بخير وبخاصة عندما تهتم بي إمرأة جميلة ، وبالمناسبة ، هل لك زوج في مكان ما هنا؟".
أجابت مادلين ، ووجنتاها تتوردان:
" إنني ارملة....".
وشعرت بان طريقته المباشرة إزاءها تثير الإرتباك قليلا........
قال هارفي وهو يفيض مرحا:
" عظيم ، ظننت انك تبدين وحيدة غير مرتبطة ، هل لي أن أربط نفسي بك؟".
طلعت مادلين مستنجدة بىل ماديسون ، وتساءلت بحذر:
" اليست زوجنك هنا؟".
فإنفجر ديف ضاحكا:
" هارفي متزوج ؟ أتمزحين ؟ من يمكن أن ياخذ على عاتقه عبئا مثله؟".
قال هارفي في أباء كاذب:
" لا تعبأي به ، ببساطة هو أنه لا يوجد من يفهمني".
ضحكت مادلين ، كانت تستمتع بهذا المزاح الطيب ، فقد إنقضى عليها وقت طويل منذ كانت بصحبة الشباب ، كشابة يمكنها الإنغماس في هذا المرح ، أما أدريان – رغم أخذه الأمور بسهولة – فلم يكن من هذا الطراز المرح الذي يمكن أن يسخر من نفسه ، وحتى جو لم يكن لديه وقت للفكاهة ، وبسبب زواجها المبكر إفتقدت مادلين هذا النوع من المبادلات الخفيفة.
قال ديف فجأة :
" أوه ، هذا رئيسنا اللامع ، ولا بد أنهما انهيا عملهما".
إلتفتت مادلين والآخرون ، كان هناك رجلان يدخلان الغرفة ، كلاهما طويلان ، ولكن أحدهما كان أعرض منكبا ، له ملامح نحيلة حسنة المظهر ، وكان كلاهما يرتديان بذلة غامقة ، ولكن الرجل العريض المنكبين كان أكثر سمرة ، وعرفت فيه مادلين على الفور الرجل الذي كان يقود السيارة الحمراء ، من يكون ؟ كونراد ماسترسون أو نيكولاس فيتال ؟ من المؤكد أنه لا يمكن ان يكون الأخير!
سالت مادلين فران في رقة:
" ايهما السيد ماسترسون".
ردت فران:
" أنه القادم الى اليسار يا حبيبتي ... ألا تعرفينه؟".
" كلا ، أخشى الا أكون اعرفه ... الرجل الأسمر إذا هو نيكولاس فيتال؟".
" نعم ، وسيم أليس كذلك؟ إنه إيطالي بالطبع ، وهذا يفسر سمرته البالغة ، وقد قضى وقتا طويلا في الولايات المتحدة ، ومن الطبيعي أن نحبه جميعا ، لكنني كما ترين إكتفيت بديف!".
وضحكت عندما ظهر الإستياء على وجه ديف ، وأردفت:
" ان نيكولاس يا حبيبتي هو أكثر الذكور مراوغة !".
شعرت مادلين بمعدتها تنقلب ، لقد إصطدمت بالسيارة التي يملكها صاحب مصانع شريدان ، فلا عجب أن يكون اصابه الضيق!

الجبل الاخضر 08-11-11 09:33 PM

:351:روعه وفيها :350::356:حمااااااااااااااااااااااااااااس :125:وننتظرالتكمله :uyvfd:بفارغ الصبر:363:

نيو فراولة 08-11-11 11:36 PM

تطلع نيكولاس فيتال بسأم ساخر الى الحشد القائم في غرفة الجلوس ، كان هذا الطراز من الإجتماعات يسئمه ، إفراط في الشرب وكثرة فائقة في عدد الأناث المفترسات ، الملتفات حوله ، ولو لم يكن لديع عمل مع كونراد ماسترسون لما جاء الليلة ، فقد عثر على ناد صغير في لندن أقرب الى ذوقه ، ولكنه الآن هنا في أي حال ، ويتوقعون منه أن يبقى لفترة على الأقل.
بحثت عيناه الحادتان في رجاء الغرفة عن هارفي كامنغز ، كان هارفي مساعده الخاص ومسؤول العلاقات العامة لديه ، وكان هارفي يحب هذا الطراز من المناسبات.
رأى هارفي على الفور ، كان يقف مع ديف ماديسون وزوجته ، وفتاة اخرى ، وإفترض ان تكون الفتاة مع هارفي.
إعتذر لمضيفه وشق طريقه بين الحشود المثرثرة الى حيث كان يقف هارفي ، وبادل الضيوف الآخرين تحياتهم وهو يمر ، ولكنه لم يقف ليتحدث ، مما اشعر جماعة الأناث بالأسف والأسى ، كان الجميع يعرفون بالطبع من هو ، وكان يعلم أنهم سيثيرون التخمينات عن نشاطه ، ولم تكن لحياته الخاصة وجود تقريبا في بعض الأحيان وكان يعلمان له سمعة قاسية فيما يتعلق بالنساء ، والى حد ما كان لسمعته ما يبررها ، ولكن نيكولاس نفسه كان يدرك أن النساء اللواتي ورّطن أنفسهن في حياته لم يتوقعن أكثر مما اعطاهن ، ومن المؤكد انهن لو اردن أن يلعبن اللعبة على طريقته لما كان هو الرجل الحقيقي وراء قناع الدبلوماسية.
وكان هارفي ورفيقته مشغولين بالحديث عندما إقترب منهما ، وكان ثمة وقت اتيح له فيه أن يتساءل عمن تكون الفتاة ، وعن يتحدثان ، كانت طويلة نحيلة ، لشعرها لون جميل غير عادي ، ينسدل بطلاقة على كتفيها ويبدوكثيفا حريريا ، وقالت له خواطره أن هارفي يحسن إختيار رفيقاته ، وما لبث ان قال وهو يضع يده على كتف هارفي:
" هل يضايقك أن افض هذا الحديث الهامس بينكما؟".
إستدار هارفي فجأة ، وقال وهو يئن:
" يا الهي ! ظننتك شرطيا !ألا بد لك أن تقتحم أجواء شخص مثلي على هذا النحو؟".
إبتسم نيكولاس إبتسامة عريضة ، ثم ضاقت عيناه ، كانت الفتاة التي تقف مع هارفي معروفة له ، انها راكبة الدراجة البخارية عندما اصطدمت بسيارته يوم الجمعة الفائت ، وكان من الواضح أنها عرفته ايضا ، إذ امتلأ وجهها فجأة بالإحمرار ، قال متشدقا:
"حسنا ، حسنا ، العالم مكان صغير حقيقة".
بدت الحيرة على وجه هارفي.
" ماذا؟ هل يعرف كل منكما الآخر؟".
قال نيكولاس بطريقة جافة:
" السيدة سكوت وانا تصادمنا يوم الجمعة الفائت ، كنت في سيارتي وقتئذ وكانت هي تركب دراجة بخارية".
رفع هارفي حاجبيه:
" حقا... لم تذكري يا مادلين أنك تعرفين نيكولاس عندما دخل الغرفة؟".
شعرت مادلين بالحرج كانها تلميذة ، وقالت:
" إنني لا ... اعني ... أن السيد فيتال ساعدني على النهوض فقط هذا كل ما في الأمر ، ولم نجد الفرصة ليتعرف احدنا على الآخر".
بدا السرور على نيكولاس ، لقد ظن في الأسبوع الفائت ان لها وجها يثير الإهتمام ، ولكنها الليلة تبدو جميلة حقا ، واراد أن يعرف عنها المزيد ، فدوّن رقم دراجتها البخارية وهي تنصرف بها ، وكان ينوي أن يعرف المزيد عنها ، ماذا تفعل مع هارفي ؟ خاصة وأنها كانت متزوجة؟ لم يكن لديه شك في طراز النساء المتزوجات اللواتي يعرفهن ، وهن ضالعات مع رجل أو آخر ، ولكن هذه المخلوقة كانت تبدو مختلفة ، لم تكن على شاكلة ما ألف من معارف من النساء ، كانت لها قسمات واضحة سافرة ، يمكنك ان تقول أنها نزيهة ، وكانت لها عينان واسعتان جميلتان.. قال بلطف ، وهو يتجاهل التعبير الذي بدا على وجه هارفي:
" لوى هارفي قسمات وجهه ،وتساءل في لهجة عدوانية تمثيلية:
" الان لماذا جئت هنا أيها الرفيق القديم؟".
فقال نيكولاس بلهجة لطيفة مرضية:
" حتى تستطيع أن تشتري لي شرابا ... إنطلق الان ايها الرفيق القديم".
تنهد هارفي وتطلّع باسف الى مادلين ، وقال بصوت مفعم بالعاطفة:
" فليكن .. إن لكل منا مصيبته".
ضحكت مادلين وهو ينصرف متظاهرا بجرح شعوره ، وأخذت تدير كأسها بعصبية بين أصابعها ، وهي تشعر بلسانها معقودا ، وكانت تدرك أنه يدرسها بإمعان ، وما لبث أن قال:
" لم تتضايقي لأنني إقتحمت حديثك مع هارفي ، اليس كذلك؟".
تطلعت مادلين اليه وهزّت راسها نفيا بقوة:
" كلا... على الأطلاق ... لم أقابله إلا منذ نصف ساعة فقط".
" كنت أظن انك ربما تكونين آخر غزواته!".
إبتسمت مادلين:
" أوه ، كلا ، لا شيء من ذلك على الأطلاق".
"حسنا".
قال نيكولاس ذلك وهو يبدو جادا واخرج سكائره ، وعرض عليها ، فتناولت واحدة , وإستطرد قائلا:
" وزوجك ، أهو هنا الليلة؟".
" كلا ، زوجي مات منذ تسعة أعوام".
بدت عليه الدهشة البالغة وقال:
" تسعة أعوام؟ ارجو أن تغفري لي ، ولكنني ظننت انك حديثة الزواج".
تنهدت مادلين قائلة:
" أوه، أرجوك ، انا في الثالثة والثلاثين ، وارجو ألا تقول أنني ابدوكفتاة دون العشرين".

الجبل الاخضر 09-11-11 07:36 PM

:55:جميل جدا واحداث مدهشه:dancingmonkeyff8: :8_4_134:بس ياليت تنزيلين فصلين اذا امداكي لان الفصل الواحد مرررره قصير :toot:وننتظركي بكل حمااااااس:I:IuL04800:

نيو فراولة 09-11-11 11:35 PM

إبتسم ، فكانت مختلفة على نحو يثير الإنتعاش ، فالنساء في عمرها عادة يحببن إعتبارهن صغيرات ، وكانت تجاربه قد أفادته بان النساء لا يحببن ابدا أن يعتبرهن أحد في اعمارهن الحقيقية ، فالشابات منهن يحببن إعتبارهن أكبر سنا وأكثر خبرة ، والمتقدمات في السن ينفقن كل وقتهن في محاولة إستعادة الشباب ، الأمر الذي يؤكد أعمارهن الحقيقية.
قال موافقا في لطف:
" حسنا ، ولكنك إمرأة جذابة للغاية ، واعتقد من واجبي الإعتذار لك عن سلوكي الفظ الأسبوع الفائت ، لم أكن مهذبا ، وأنا آسف ، واؤكد لك انني لست معدوم الشهامة هكذا عادة ، ولو لم نتقابل هذا المساء بالتاكيد كنت ساقوم بجهد لأكتشاف عنوانك والتكفير عما فعلت".
تمتمت مادلين ، وهي تشعر بانها غير قادرة على الفهم.
" ليس هذا ضروريا".
" أوافقك ، فبعد ظهر ذلك اليوم تلقيت مكالمة مزعجة من إبنتي قبل أن اغادر المصنع ، ولذلك فإنني كنت في حالة غضب ذهني كبير".
" لا بأس.....".
قالت مادلين ذلك وهي تشعر بقلبها يغوص بلا سبب عند ذكر إبنته ، كان يجب أن تعرف انه متزوج".
" هل.... هل زوجتك هنا معك؟".
رد قائلا وهو يهز كتفيه:
" زوجتي كذلك ماتت ، توفيت عندما ولدت ماريا ... منذ خمسة عشر عاما".
أحنت مادلين راسها وقالت:
" ادرك ذلك، إن لي إبنة ايضا ... وهي اكبر سنا بعام... في السادسة عشرة".
بدا مدهوشا وقال:
" حقا... إن ماريا لا تزال في روما ، وهي تريد ان تاتي الى هنا وتلحق بي ، إنها بالطبع تعترض على غيابي الطويل في الخارج ، وهي تعيش مع والدتي ، ولذلك فهي مدللة ،وعادة تحصل على ما تريد".
تساءلت مادلين وهي تتطلع اليه مرة أخرى:
" هل تنوي البقاء هنا طويلا؟".
اشار إشارة من لم يقرر بعد ، وقال:
" شهران ، أو ربما ثلاثة ، مضى عليّ هنا فقط عشرة ايام ، لا استطيع القول على وجه التحديد ، لو أحببت المكان هنا فربما بقيت".
وهنا عاد هارفي بصينية من الشراب ، لم يكن هارفي في طول نيكولاس ، وإن كان كلاهما يبدوان عملاقين بالمقارنة مع الرجال الذين الفت مادلين صحبتهم.
منتديات ليلاس
وقفوا يتحدثون جميعا بعض الوقت ، ثم إنضم اليهم كون ماسترسون وزوجين شابان آخران تم تقديمهما الى مادلين على أنهما بول وماري – لي لوكاس ، وأخذت ماري – لي تثرثر بلطف مع مادلين ، وتسالها إذا كان لديها اولاد ، قائلة إن لديها أربعة ، وكانت مادلين خلال الحديث تحسدها على إفنقارها التام الى الأحساس الخجول بالذات ن وكان يساورها الشعور بالإرتباك إزاء ما يحدث وكان كون ماسترسون يتحدث الان الى نيكولاس فيتال ، الذي كان يصغي اليه بإهتمام ،وهو يجذب أنفاس سيكارته بين حين وآخر ، وكان يبدو وسيما الى حد كبير اهداب جفونه طويلة وكثيفة وبالغة السواد ، ولم تكن على يقين إذا كانت مسرورة او آسفة على إنتهاء حديثهما ، كانت قد إستمتعت بحديثه ، ولكن كان من حظها أيضا ان يعود هارفي ، وكان واضحا في أي حال أن نيكولاس فيتال يبدو على راحته تماما عندما يتحدث الى النساء ، وكانت طريقته الساحرة تنبىء عن خبرة عريقة وليست متكلّفة ، إنه متمرس في الحديث مع النساء ، بينما هي مستجدة في الحديث الى الرجال.
جاء أدريان للّحاق بهم فيما بعد ، وأحست مادلين بالخجل إذ أدركت أنها نسيت كل شيء عنه وعن هيذرينغتون لفترة ، واخذ ادريان بذراع مادلين قائلا:
" يبدو نك تستمتعين بوقتك".
فقال نيكولاس وهو يرى ما يبدو من جانب الرجل الآخر من سلوك الإستحواذ إزاء مادلين:
" قل لي كون ، هل الناظر الذي حدثتني بشأنه هنا".
أوما كون برأسه وقال في ود:
" أجل...... وسأقدمك اليه".
وهكذا وجد أدريان نفسه يتحدث الى صاحب المصنع ، والمنظمة الكبيرة التي يمثلها ، وكان في وسع مادلين ان تستدل من تعبيرات وجهه أنه مسرور للغاية ، وتساءلت أي مبلغ كبير من مال فيتال يمكن ان يؤدي دورا في مدرسة أدريان.
قال نيكولاس ن بإهتمام:
" اخبرني ، كم سن التلاميذ الذين يلتحقون بمدرستك؟ وهل هي مدرسة كبيرة ؟".
قال أدريان ، وهو على إستعداد تام للحديث في موضوعه المفضل:
" يتراوح سن التلاميذ بين الحادية عشرة والثامنة عشرة ، ولدينا نحو 800 تلميذ في مجموعهم".
" إبنتي ماريا في الخامسة عشرة.... وهي لا تهتم كثيرا بالمدرسة على الإطلاق فيما يبدو ، ونحن نعاني المتاعب حتى بشان إحضارها الى هنا ، وقد خطر لي ان المدرسة في أنكلترا قد تكون لا باس بها... المدرسة الداخلية بالطبع".
غمغم ادريان ن بتعبير مثبط:
" بالطبع..".
كان يساوره شعور بأن فيتال سيقترح عليه إرسال ماريا الى اوتيرييري ، تساءل نيكولاس فيتال ، وهو يرقب ادريان بعينين حادتين:
" هل هناك مدرسة تستطيع ان توصي بها؟".
بسط أدريان يديه قائلا:
" إنني لا اعرف سوى القليل عن المدارس الداخلية بصفة عامة ، هل تود أن ترسلها الى واحدة من مدارس البنات الأفضل؟ أو هل تفضّل المدارس المختلطة؟".
إبتسم نيكولاس قائلا:
" أعتقد من الأفضل ان تكون لماريا الكلمة في هذا الشأن ، وإذا وافقت حقا على دخول المدرسة هنا ، فاعتقد ان اقل ما افعله هو أن اسمح لها بإختيار مدرستها ، ألا تعتقد ذلك؟".
" أوه... في هذه الحالة......بالطبع".

نيو فراولة 13-11-11 09:43 PM

كان ادريان يضغط بشفتيه ، وكانت مادلين تراقبه ، وثمة تخمين بخاطرها بأنه يعد هذا النوع من السلوك خطأ تماما ، فقد كان أدريان يرى دائما أن الأطفال لا يعرفون أبدا ما هو أفضل لهم ، وأن على الكبار ان يقرروا لهم.
تساءلت وهي عاجزة عن حجب السؤال:
" الن تفتقد رؤيتك وهي في المدرسة هنا ، وأنت في ايطاليا؟".
تلاقت عينا نيكولاس الزرقاوان بعينيها لحظة ،ووجدت نفسها تشعر كنها تخوض سباقا ولا تستطيع أن تلتقط انفاسها إلا بصعوبة ، ولم تستطع أن تنصرف بعينيها عنه ، ولم تستطع ان تستجمع إحساساتها المبعثرة إلا عندما واصل حديثه ونظر الى شخص آخر ، كان من السهل التاثير عليها مثل الطفل ، فأرغمت نفسها على الاّ تتطلع اليه من جديد ، وكان هذا أمرا عسيرا للغاية ، لا سيما انها بدت مبهورة بكل ما يقول ويفعل!
قال ردا على سؤالها:
" أتصور ان في وسعي ان أوفر وقتا بحضوري الى هنا ورؤيتها ، هذا لأن والدتي تريد الذهاب الى أمريكا لعدة أشهر هذا العام ، وسيخففها من مسؤولية ماريا أن تكون هي ايضا بعيدة عنها".
كان أدريان يومىء براسه موافقا ، وكانت مادلين وهي تلوي أصابعها تفكر : إذا دخلت ماريا المدسة في انكلترا ، فالأرجح ان يأتي نيكولاس فيتال الى هذه البلاد كثيرا ، وليس هناك مكان أصلح لأقامته سوى قرب المصنع ، قد تراه إذا مرة اخرى !
كانت في داخلها توبخ نفسها على إفتقارها الى الحنكة ، ولكنها كانت تبد من الخارج هادئة ، ما اسخف ان تعتبر نفسها مركزا مناسبا لأهتماماته ، ولأنه كان إنسانا ثريا وقويا ، فلم يكن في الأغلب يتوقع من أي إمرأة إلا أن تتهافت عليه لتصبح أوثق صلة به ، إن أي إهتمام قد يظهره نحوها لن يكون إلا عابرا ،وبرغم ان الفرصة الان تبدو جذابة ، لكنها ستكون الخاسرة عندما ينتهي الأمر.
إنها في أي حال أرملة محترمة لها إبنة يسهل التاثير عليها في سنها ، وتستطيع ان تتخيّل ملامح الفضيحة على وجه ديانا لو أخبرتها ، بأنها تبحث في إقامة علاقة مع مليونير إيطالي ! إنه أمر يبعث على الضحك حقا ، وهو حتى لم يطلب منها موعدا بعد ! ومع ذلك ففي نظرته اليها ما يوحي بأنه سيفعل!
جاء هيذرينغتون ليلحق بهم ويعرف جلية الأمر ، كان هو الذي يستطيع أكثر من ادريان ان يشير على نيكولاس فيتال بالمدارس المتاحة لماريا ، فإنتهز الفرصة للإعراب عن رأيه ، ومضى الحوار مملا رتيبا ، تاركا مادلين لخواطرها ، ولم تدرك ان نظرة نيكولاس فيتال كثيرا ما كانت تنحرف في إتجاهها لتحدق فيها ، أو انه كان يتمنى ان ينصرف الآخرون ويتركوهما يتحدثان ، مضت سنوات منذ ان وجد إمرأة تثير فيه أكثر من مجرد هتمام عابر ، كانت النساء عادة ما يؤدين اغراضهن ثم ينساهن ، وكان الحديث معهن محدودا... الموضة.....الطراز.... آخر تسريحة ... عادات الشراب الحالية ... تلك كانت الموضوعات السطحية التي إعتادها معهن ، أما مادلين تنصت بين حين وآخر الى صوته ، إذ بها تجده مزعجا على نحو ظاهر ، ويصبح أجش عميقا يعطي المرء الإحساس بان ما يقول هو لأذنيه وحدهما ... والواقع ان نيكولاس كان قد بدأ يزداد ضيقا بالمسألة كلها ، اراد حقا أن يعرف مادلين بشكل أفضل ، ولكن هذه الدائرة التي تحيط به من المخلصين بدأت تصرفه عن غرضه فاراد ان يتحرر منها ، فما لبث عندئذ أن انهى الحوار قائلا ، وهو يطفىء عقب سيكارته في منفضة قريبة:
" اشكركم جميعا على نصائحكم ، سابلغ بها ماريا بالتأكيد عندما اقابلها".
إنتفضت مادلين من بلادتها لدى هذه الكلمات ، وهتفت ، والكلمات تتطاير من فمها بغير سيطرة:
" هل... هل ستعود الى إيطاليا؟".
كانت عيناه رقيقتين وهو ينظر اليها قائلا:
" كلا..... ماريا ستاتي الى هنا ، وستبقى والدتي في روما لأنهاء الأمور ثم تتي لتلحق بنا".
" أوه.....".
قالت مادلين ذلك ثم دخلت قوقعتها من جديد ، وتساءل هيذرنغتون في دهشة:
" الك منزل إذا؟".
رد نيكولاس بطريقة جافة وقد بدأ يضيق بهذه الاسئلة:
" كلا ، لدي جناح في فندق ستاج".
كان فندق ستاج أكبر فنادق أوتيرييري ، فاخرا ، متسعا ، يرعى اناسا من طراز فيتال ، وكانت هذه حركة بارعة من جانب اصحابه ، الذين خمنوا تخمينا صحيحا انه سيأتي الى أوترييري لا يستطيعون تحمل نفقات طعامه وشرابه الباهظة ، ثم لم يكن مسموحا بدخول أبوابه لعناصر غير مرغوبة.
جاءت لوسي ماسترسون عندئذ ، وقضت كل شيء على نحو بعث الإرتياح في نفس نيكولاس ، فقد نظرت اليه بخجل وقالت:
" يا عزيزي نيكولاس ... عليك في الحقيقة أن تختلط بجميع الحاضرين أكثر مما تفعل ، إنه لمن بواعث سرورنا ان تكون بيننا ، فنحن لا نراك ابدا هذه الأيام".
قالت هذه العبارة الأخيرة في شكل لوم ، وتساءلت مادلين وهي ترقب رد الفعل لدى نيكولاس عن درجة القرب التي تود لوسي أن تكون بينها وبين رئيس زوجها ، او إذا كانت هناك علاقة ما سابقة بينهما ، كان هناك في سلوك لوسي ما يوحي بذلك ، وشعرت مادلين بشيء من الغثيان.

نيو فراولة 15-11-11 12:05 AM

هزّ نيكولاس منكبيه العريضين ، وتطلّع الى ساعته ، وقال ببرود:
" آسف يا لوسي ، إنني في الحقيقة رجل كثير المشاغل".
ردت عليه في ضيق:
" إنك ترهق نفسك بالعمل ، ويجب أن تسترخي اكثر".
تطلّع نيكولاس اليها ، وإستطاعت مادلين ان ترى عينيه تضيقان:
" ومن اين لك ان تعرفي انني لا افعل؟".
قال ذلك عن عمد ، فتصلّبت لوسي ،ونظرت مادلين بعيدا ، فقد كان ما راته كافيا ، وراى نيكولاس مادلين تشيح عنه ، وشعرها الرائع يلمع في الأضواء الخافتة ،وكان قد إنتوى أن يتحدث اليها قبل أن يبرح المكان.
هتفت لوسي في صوت غاضب خفيض:
" أنت شخص مستحيل!".
قال بغير إهتمام:
" نعم ، أنا هكذا ن اليس كذلك ؟ عفوا ، هناك من اريد ان تحدث اليه".
وتقدم الى جانب مادلين ، وكانت تقف بعيدا عن الآخرين ، وقد إستغرقتها خواطرها فيما يبدو ، وسالها برفق ، وعيناه مركزتان عليها وهي تستدير لتواجهه.
" هل تسمحين لي بمرافقتك الى البيت؟".
تطلعت اليه مادلين وهي تكاد تكون مسلوبة اللب ، وإتسعت عيناها وشعرت بوجهها يحمر من جديد أنه شعور يبعث على الضيق ، أن يعرف الإنسان عجزه عن السيطرة على لون بشرته ، وكانت عيناه ذات الأهداب الكثيفة تنومانها تنويما مغناطيسيا فيما يبدو ، كما تباعد عنها النفور الذي احست به عن علاقته بلوسي ، وكانت موقنة أنه يدرك تاثيره عليها ، فإرتعدت رغما عنها وقالت وهي تعقد ذراعيها معا:
" جئت مع أدريان سنكلير".
قال بصوت جاف:
" لم اسالك مع من اتيت ، سالتك إن كان في وسعي أن ارافقك الى البيت".
قالت وهي تتلعثم ، وتشعر بحمق:
" ولكن... ولكن ادريان يتوقع ... أن اذهب معه".
" وهل هذا يهمك؟".
منتديات ليلاس
هل هو كذلك؟ شعرت مادلين كأنها في فخ ، لم تكن لتستطيع أن تقول في نزاهة تامة ان أدريان بالغ الأهمية بالنسبة اليها ، إلا على أساس صداقة محض ، ولكن من ناحية أخرى ، كم هي مدينة له أكثر من هذا الغريب نسبيا ؟ ترددت... وكانت تبدو عصبية ، ارادت ان تنغمس فيما أمامها وأن تقول إنها ستشعر بالإثارة إذا رافقها الى طريقين في وقت واحد بالدرجة نفسها من الشدة ، لكن هل هي الدرجة نفسها حقا ؟ لو صارحت نفسها لإعترفت بأن فكرة الذهاب الى أي مكان مع نيكولاس فيتال في حد ذاته إثارة كافية ، أما ادريان فلم يكن في وسعه ان يكون مثيرا ابدا!
كان نيكولاس يتفرسها على نحو رزين وهي تهتز على الحافة ، ثم قال بصوت فيه نغمة السرور:
" انا موقن انه إذا إستغرق الأمر مثل هذا التفكير ، فالرد هو لا".
حاولت مادلين ان تجد كلمات تفسر بها ترددها ، ماذا يظن فيها الآن ؟ ما لبثت ان وافقته اخيرا قائلة:
" لعلك محق فيما قلت ، الأمر ببساطة هو أن أدريان وانا صديقان قديمان ويجب ألا اجرح مشاعره".
قال نيكولاس في دهاء:
" إن ما تعنينه حقيقة هو انه مهتم بك".
إعترفت في هدوء:
" اظن أنني أعني ذلك ، لقد عرف كل منا الاخر لخمس سنوات الان ".
" وكنت أرملة طوال هذا الوقت ، اليس كذلك؟".
" بلى....".
" إذا ، فإنني اعتقد أنه إما غبي جدا ، وإما انك عنيدة جدا".
إبتسمت مادلين وقالت:
" الخيرة ! فلا يستطيع احد ان يصف أدريان بالغباء".
هز نيكولاس كتفيه وقال :
" ثم ماذا ؟ الى أي شيء يوصلنا هذا ؟ هل تودين أن تأتي معي ... إذا لم يكن هناك سنكلير ليتدخل بالطبع؟".
مرت بيدها على شعرها في أضطراب ، وقالت وهي تتنهد:
" انا... أوه.. أظن ذلك".
بدا عليه الرضى والإرتياح وقال:
" حسنا ، ساتحدث إذن الى سنكلير".
حدّقت فيه بتوسل:
" اوه ، كلا ، ارجوك ، إنك ستعطي بذلك لدريان إنطباعا خاطئا".
اخرج علبة سكائره الرفيعة من جيبه وقدمها اليها وهو يتساءل:
" وكيف ذلك؟".
قبلت مادلين واحدة من السكائر الطويلة ، وإبتدرته بعد ان اشعلا السيكارتين:
" أدريان لن يفهم ابدا".
وفي هذه اللحظة لحق بهما أدريان متسائلا:
" هل أنت مستعدة للإنصراف يا مادلين ؟ ان هيذرنغتون لا يريد ان يتأخر لأن زوجته وحدها".
تفرس فيه نيكولاس للحظة ، ثم قال:
" هل افهم من ذلك أنك ستقوم بتوصيل هيذرنغتون الى بيته؟".
قطب أدريان جبينه وقال:
" هذا صحيح...".
فإلتفت نيكولاس الى مادلين قائلا:
" اقترح إذن انه ما دامت السيدة سكوت لا تستعجل الإنصراف في هذه اللحظة ، فساعمل بنفسي على ان تصل الى البيت سالمة ، واعفيك من هذه المسؤولية".
ذهل ادريان وبدا عليه ذلك ، لم يرد ان يسيء الى الإيطالي ، كما أن فيتال لم يترك له خيارا غلا قبول عرضه ، كانت مادلين وحدها هي التي تستطيع تغيير الموقف ، فنظر اليها متسائلا ، وكانت مادلين نفسها تشعر بالذنب ، كانت هذه مغامرة جديدة لها يساورها تخوّف من عواقبها ، ومع ذلك فلم تستطع ان تقول الكلمات التي اراد ادريان ان يسمعها ، إنها ستذهب معه الان ، في هذه اللحظة ، وعندما بدا واضحا أنها تنوي البقاء ، قال أدريان في تصلّب:
" حسنا جدا ... هل انت متأكدة انك تريدين البقاء يا مادلين؟".
رسمت مادلين على شفتيها إبتسامة ، وغمغمت بهدوء:
" لا يضايقني البقاء ، وإنه للطف بالغ من السيد فيتال ان يعرض مرافقتي الى البيت".

الجبل الاخضر 15-11-11 01:48 PM

:peace:حلوه ياحلوه:55: ننتظر التكمله:dancingmonkeyff8:

نيو فراولة 15-11-11 06:37 PM

بدا على أدريان أنه غير مقتنع ، كان قد شاهدهما يتحدثان معا وتساءل عما يخوضان فيه ، وهو الان يعلم ، لقد خدع للحظة ، ودهش من ان مادلين ، التي كان يظن انه يعرفها جيدا ، تتصرف على هذا النحو من الحماقة ، إنها لم تكد تعرف الرجل الاخر في أي حال ، وكان أدريان قد سمع بصيت نيكولاس ، ولما لم يكن يعلم بلقائهما العرضي في الأسبوع الفائت ، فقد بدا له الأمر أكثر سوءا ، لم يكن ليصدق ابدا أن تكون سكرتيرته على هذه الدرجة من الخداع.
تردد لحظة اخرى فقط ثم إستدار فجأة ومشى الى حيث كان هيذرنغتون في إنتظاره ، وهنا شعرت مادلين بذنب أكبر ، وبالوضاعة ايضا ، فإلتفتت الى نيكولاس وهي تتنهد:
" انا آسفة يا سيد فيتال ، ولكن من الأفضل ان أذهب معه..... فسوف يظن انني افرط في نكرانه ، وعلى أي حال ، فلولاه ما كنت هنا الليلة".
مدّ نيكولاس يده وإحتجزها ، وطوّقت اصابعه الصلبة ذراعها المستسلمة ، وشعرت بنفسها تضعف ، قال بهدوء:
" قد يكون الأمر كذلك ، ولكنك الان هنا ، وإنني اريد مرافقتك الى البيت ، وعادة ما أحصل على ما أريد ، اما هو فسيتغلّب على ما هو عليه".
كانت في صوته غطرسة فشعرت ببعض الضيق ، وردت في تصلّب:
" أستطيع ان اتخذ قراري بنفسي ..... شكرا لك".
" هل تستطيعين حقا؟ إنني أتساءل ، وفي أي حال فات الأوان وإنصرف!".
كان قد إنصرف بالفعل ! فبعد أن ودّع مضيفه وزوجته ، غادر الغرفة بدون ان يلقي نظرة واحدة الى الخلف ، وتم إتخاذ القرار عنها.
تلفتت مادلين حولها وهي تشعر بخوف عصبي ينتابها ، كانت الغرفة فاخرة الأثاث غاصّة بالأغراب ، حتى الرجل القائم بجوارها كان غريبا ، لا بد أنها مجنونة تماما! ومن المؤكد ان يظنها ادريان كذلك".
كانت تدرك أن يد نيكولاس لا تزال تمسك بذراعها ، فتطلعت اليه بعينين متسائلتين ،وما كاد يبادلها التحديق حتى ظهر هارفي ليتحدث اليهما ، فتحررت فورا من قبضته ، وحكت ذراعها حيث كان يمسكها وشعرت بالدم يتدفّق في عروقها ... وتساءل هارفي ،وعيناه ترقصان:
" هل متّعت نفسك إذن؟".
إبتسمت له مادلين إبتسامة خفيفة وقالت:
" كثيرا ... أشكرك".
وإبتسم هارفي بسخرية وقال:
" تبدين كطفلة تشكر معلمها على حسن المعاملة".
إصلحت مادلين وضع كتفيها وقالت:
" آسفة.... في الواقع كان الأمر كله تجربة جديدة تماما بالنسبة الي".
قال هارفي بسهولة:
" يجب ان تكرري التجربة قريبا مرة أخرى ، يوجد عادة رجال قلائل غير مرتبطين مثلي في هذه الإجتماعات – يمتعهن ان تكون هناك إمرأة جذابة يتحدثون اليها.......".
قال ذلك وهو يلوي قسمات وجهه أمام نيكولاس صراحة ، وإختلست مادلين نفسها نظرة في إتجاه نيكولاس ، ولكنه كان الان يتحدث الى رجل آخر كان إنضم اليهم ، وكانا يبدوان مستغرقين تماما في حديثهما ، ومضى هارفي يقول في صوت خفيض:
" هل ما سمعته صحيح؟ هل سيرافقك نيكولاس حقا الى البيت؟".
فهزت كتفيها النحيلتين وقالت:
" هذا صحيح ... ولماذا تسال؟".
اطلق هارفي صفيرا خفيضا بفمه وقال في إعجاب:
" الله الله! من المؤكد انك فتاة صغيرة شجاعة ، فالسماح لنيكولاس بمرافقتك هو شيء آخر غير السماح لي بمرافقتك ، إنتبهي لخطوك ، إن نيكولاس يلتهم الفتيات الصغيرات مثلما تلتهمين إفطارك!".
" اوه..... لا تكن مضحكا...".
هتفت مادلين بذلك وهي تدرك مع كل لحظة تمر أنها كانت حمقاء إذ لم تنصرف مع ادريان ، فهي هنا لا تفهم شيئا عما يجري ، وليس هؤلاء الناس على شاكلتها ... إنها ايضا لا تنتمي الى طبقتهم الإقتصادية كبداية ، ولذلك فإن مداعبة هارفي ضايقتها الآن ، فقالت:
" انا قادرة تماما على العناية بنفسي... اشكرك".
بدا هارفي متشككا:
" هل انت قادرة على ذلك حقا؟".
تطلعت مادلين نحو نيكولاس مرة اخرى ، كان يشرح للرجل الاخر جانبا من تصميم فني لسيارة ، وكان يقيس باصابعه النحيلة السمراء حجم هذا الجزء الموصوف ، وشعرت مادلين بقلبها يفوّت ضربة من ضرباته وتساءلت كيف يكون شعورها وهاتان اليدان تلمسانها وتربتان عليها ، شيء ما في هذا الرجل إجتذبها اليه بشدة ، وكان من المفزع ان يساورها هذا الشعور ، فحتى الان لم يكن ثمة رجل أثر عليها مثل ذلك ، ولا حتى جو بالتأكيد ، كانت تجربة جديدة غريبة ، وكانت قد بدات تدرك بعض الأحاسيس عن نفسها لم تكن تعرف انها موجودة.... وهنا تطلع اليها نيكولاس ، وكأنما شعر بإمعانها النظر اليه ، وغمغم عندما رأى التعبير المتوتر على وجهها:
" اتريدين الإنصراف الان؟".
تلفتت مادلين حولها في عجز وقالت:
" حسنا ، لا تدعني اصرفك عن حديثك ، ففي وسعك ان أجد سيارة اجرة بسهولة".
كانت تشعر في داخلها بان عليها ان تسرع بالفرار ، إذ بدأ الذعر ينتابها ، وهي تعرف ذلك ، ولكنها كانت عاجزة عن ان تمنع نفسها.

الجبل الاخضر 15-11-11 08:21 PM

:55:تسلم الانامل ياعسل :lol:بس المقطع مرررره صغيررر:toot: نتمنا تتكرمين علينا باطول في المره الجايه اذا امكنكي ياقمر :peace:وننظر ع احر من الجمر:dancingmonkeyff8:

نيو فراولة 16-11-11 06:52 PM

قطب نيكولاس جبينه ، ورسم حاجباه المنسحبان مع بعضهما تقدم غاضبا ، ورد قائلا ببرود:
" لن يكون هذا ضروريا ، هارفي ، هل لك أن تشرح لبيلمونت كل ما يتعلق براس الموزع الجديد؟".
هزهارفي كتفيه قائلا:
" أجل يا نيكولاس .... هل اراك في الصباح؟".
" بالتأكيد ... ساذهب الى المكتب مبكرا ، فلا بد من الذهاب الى المطار بعد ذلك لمقابلة ماريا".
وافقه هارفي وهو يبتسم إبتسامة عريضة ويغمز بعينيه لمادلين ، ولكنها لم تكن في مزاج يسمح لها بتقدير دعابته ، لم تكن ثمة دعابة في هذا الموقف كما تمثل في ذهنها .
دهش آل ماسترسون وهم يرونهما ينصرفان معا ، ورأت مادلين أن لوسي ماسترسون بدت حقودة على نحو واضح وهي تودعها ، إتخذت من قبل سلوكا تملكيّا إزاء نيكولاس ، ولكن من الواضح انه مهما كان تفكيرها ، فلم يكن نيكولاس يبدي أي إهتمام بها.
سرّت مادلين عندما وجدت نفسها معه في الخارج ، إرتدت معطفها في القاعة ، كما إرتدى نيكولاس معطفه ، وكانت السماء تمطر بغزارة وهما يسرعان عبر الفناء الى حيث كانت تقف سيارة صالون بيضاء منخفضة ن كانت أيضا من طراز شريدان ، ولكن من نوع يختلف عن السيارة الحمراء.
ساعدها على الدخول ثم إلتف وإندس بجوارها ، وكانت المقاعد واسعة فاخرة ومريحة للغاية ، وشعرت مادلين بنفسها تسترخي وتستند في كسل الى ظهر مقعدها ، وكانت ياقة معطف نيكولاس مرتفعة ، وبالرغم من أنه أدار المحرك ، إلا أنه التفت اليها قبل ان يتحرك بالسيارة ، وتساءل نيكولاس فجأة :
" لماذا قلت إنك ستركبين سيارة أجرة؟".
إنتفضت مادلين من هدوئها ، وردت وهي تشعر بعصبية مثل قطة صغيرة :
" رايتك منهمكا في الحديث ، ولم اشأ ان أزعجك".
بدا عليه الشك ، كان قد أدار مفتاح النور الداخلي الان ، وكانت مادلين تدرك انها تبدو مذنبة للغاية ، فصاحت:منتديات ليلاس
" حسنا ، بصراحة انا مجرد ارملة عادية لا تدّعي الجمال ، لها إبنة اوشكت ان تكون كبيرة ، فاي إهتمام يمكن أن أثيره فيك ، أنا لست من طرازك على الإطلاق".
هز نيكولاس كتفيه بشكل غير ملحوظ تقريبا ، ثم اطفا النور ، وتحركت السيارة بسرعة عبر طريق الخروج الى طريق أوتيرييري ، وتساءلت مادلين ما إذا كانت ستعود الى طبيعتها من جديد ، وتساءل نيكولاس ببطء:
" لماذا تتخيّلين انني أهتم بك؟".
شعرت مادلين كان ركبتيها تهتزان ، وتمنت الا يلحظ ذلك ، كان أقل ما يقال في عبارته انها تثير الإرتباك ، ولم تعرف كيف ترد عليها ، فقررت أن تتجاهل سؤاله ، وقالت:
" اسكن غير بعيد من هنا ، عند المنعطف التالي على يمينك ، إنه في الحقيقة قرب انغلسايد تماما ، وإذا وقفت في نهاية الطريق ففي وسعي ان أمشي بسهولة".
لم يرد ، ولكن السيارة إنعطفت نحو الحدائق ومضت ، فقالت مادلين بصوت خفيض:
" ها هي الشقق".
فأوقف نيكولاس السيارة فورا ، وكانت الحدائق تبدو مهجورة ، والأمطار جعلت الناس يؤثرون البقاء في دفء منازلهم ، وتلمست مادلين حقيبة يدها وقفازها في إرتباك وهي تستعد للخروج ، ولكنه قال عامدا:
" إنك لم تردي على سؤالي".
سرّت مادلين لأن النور لم يكن مضاء في هذه اللحظة ، كان الظلام ودودا ، غير كاشف ، وكانت موقنة بأن وجهها اصبح في حمرة الطماطم.
" كلا ... هل تتوقع ردا؟".
قال وهو يلتفت نحوها:
" بالطبع ، اريد أن أعرف".
ايقنت الان بأنه يدرك تاثيره عليها ، وكان قربه منها يسلبها أنفاسها وينعش كيانها ، ورغم انها احست بانه يتعين عليها ان تظهر نحوه الغضب ، غذ كان كل شعورها هو الإحساس بأنها تتوق الى أن تكون أكثر قربا منه ، وما لبثت ان قالت وهي تحاول بغير نجاح ان تضفي على الحديث سمة أخف:
" اعتقد انك تداعبني....".
قال وهو يبدو مسرورا:
" كلا ، إنني لا أداعبك".
لم تكن تحلم أبدا بان يكون ثمة رجل على هذه الدرجة من الإزعاج ن ولم يسبق لها ابدا أن عالجت موقفا كهذا ، وكانت حياتها آمنة في كثير من النواحي ، أما نيكولاس فيتال فكان رجلا آخر مجهولا تماما ، ما لبث ان غمغم قائلا:
" اخبريني ، هل أنت خائفة؟هل هذا بسبب إرتعادك ؟ ماذا كان هارفي يقول لك؟".
مد ذراعه عبر ظهر المقعد خلفها وامسكت اصابعه بكتفها ، فاوقفت الرعشة التي المت بها.
"لا.... لا شيء....".
قالت ذلك وهي تتلعثم ، وقد إشتعل كيانها كله بالعاطفة ، عاطفة اثارتها لمسة يده ، وقال نيكولاس وهو يحدّق في جانب وجهها على ضوء مصباح الشارع :
" إنني موقف انه قال شيئا".
وكان قد اضحى قريبا منها على نحو إستطاعت معه أن تشم رائحة الرجولة النقيّة المحيط بها ، كان يتحداها عمدا ، ويجعلها تدرك كيانها كإمرأة ، فأحست بحرارة فيكل جسمها:
" يجب أن أنصرف......".
قالت ذلك بحزم ، ووضعت يدها على مسكة الباب ، فإنحنى نيكولاس الى جوارها ومنعها من فتحه ، لم يكن ينوي ان يتركها تنصرف هكذا ، ففي فترة قصيرة إستطاعت أن تثير في نفسه مشاعر كان يظنها خامدة ، غمغم في رقة:
" ليس بعد ، أريد ان أعرف متى اراك ثانية؟".
فحدّقت مادلين فيه وتساءلت:
" هل أنت جاد؟".
فقطب جبينه للحظة ، وقال:
" انا جاد بالطبع... هل تخيّلت ان أصاحبك الى البيت ثم أخرج من حياتك... بهذه البساطة؟".
" لا أعرف.... ربما تخيّلت انني......".
" سهلة ؟ لم افكر في ذلك لحظة ، متى إذا؟".
" لا استطيع أن أفكر لماذا تريد ان تراني...".
إبتسم في شبه سخرية وقال:
" الا تستطيعين ... ربما ... فأنت إمرأة سبق لها الزواج تبدين ساذجة على نحولا يصدق".
قالت مادلين ، وفي نبرة صوتها ما يوحي بجرح شعورها:
" أشكرك....".
" هذا إطراء من نواح كثيرة.... هل تعرفين انك إمرأة مرغوبة؟".
إرتعدت مادلين وقالت وهي تتنهد:
" انا مجرّد ربة بيت عادية ، مضطرة الى ان تعمل".
" ليس بالنسبة اليّ..".
قال ذلك وأصابعه تلوي طية من شعرها العنبري ن واردف قائلا:
" هيا يا عزيزتي ؟ مساء الغد إذن؟".
بدات مادلين تجد صعوبة في المنطق ، وقالت:
" لست أدري........".
"ولم لا ؟ لا تقاومي يا مادلين ، ليس هذا ضروريا بيننا أريدك ان تأتي واعلم أنك تريدين أن تأتي ، الأمر هكذا بهذه البساطة ، إنك لمضطربة بسببي كما أنني مضطرب بسببك".
حدّقت فيه قائلة:
" أنا... اسبب لك الإضطراب؟".
كانت عيتاه مظلمتين لا يمكن قراءتهما ، ولكنها احست بالقوة وراء كلماته وتقلّصت أصابعه بإحكام على كتفيها لحظة ، ثم أطلقها ، فغمغمت وهي تشعر بمقاومتها تنحسر:
" ربما لا توافق إبنتي على ذلك".
بدت في صوته الغطرسة من جديد:
" سيكون هذا سيئا .... إسمعي ....سآتي لصطحابك في السابعة والنصف ، إتفقنا؟".
أحنت مادلين رأسها ، وكانت اعجز من أن ترفض:
" أوه... لا بأس....".
" حسنا ...".
وتناول حفنة من شعرها وجذب راسها الى الخلف ونظر في وجهها وغمغم :
" كوني في الموعد تماما".
فرجت مادلين شفتيها وهي تحدّق فيه ن فقال وهو يئن:
" لا تدعيني ألمسك يا عزيزتي ... وإلا فلن اتركك تذهبين".
جذبت مادلين رأسها بعيدا عنه وإنسلت من السيارة في حركة واحدة ولدهشتها وجدته ينسل بدوره ، ووقفا معا لحظة تحت المطر ، وغمغم برفق وقد ذهبت الغطرسة عنه تماما.
" لا تنسي ...".
" كأن هذا في إستطاعتي !".
قالت ذلك هامسة في عجز ، ثم جرت بسرعة الى البناية.

ابتسام محمد 17-11-11 07:57 PM

واضح ان الروايه جميله جدا في انتظار التكمله ياجميل ونالتوفيق ان شاء الله مع تحياتي

نيو فراولة 18-11-11 12:09 AM

4- الجناح
كانت ديانا تجلس في مقعد وثير بمسندين وتقرا ، عندما دخلت مادلين فتطلعت باسمة الى أمها :" هل العم ادريان معك؟".
خلعت مادلين معطفها المبتل قبل أن ترد ، وكانت لا تزال تشعر برعشة وتجد صعوبة في الحديث والتصرف ، وكأن شيئا مكدرا حدث ... أجابت ببطء:
" لم آت الى المنزل مع أدريان يا حبيبتي ، غادر الحفل قبلي بقليل ليرافق السيد هيذرنغتون الى بيته ، وجئت انا مع شخص آخر".
بدأ الشك على ديانا ، وتساءلت مادلين ، وإحساس الذنب يساورها ، عما ستظنه ديانا لو قرأت افكار امها في هذه اللحظة ... تساءلت ديانا على الفور:
" من هو؟".
فبسطت مادلين شعرها بعصبية وقالت:
" السيد فيتال يا حبيبتي".
قطبت ديانا جبينها ، كان الأسم مألوفا بالطبع ... إنه إسم الرجل الذي يمتلك المصنع الجديد ... بدت مذهولة:
" فيتال ؟ هل تعنين صاحب المصنع؟".
" صحيح".
قالت مادلين ذلك وهي تأمل أن تكون إبتسامتها مشرقة ، ثم أردفت :
" اليست هذه مفاجأة؟ هل تناولت عشاءك؟".
ولكن ديانا لم ترد على سؤالها ، بل نهضت قائلة:
" هل تشاجرت مع العم أدريان يا أمي؟".
إحمر وجه مادلين وقالت:
" بالطبع لا ، لا تكوني سخيفة ... انا لست مسؤولة امام أدريان عن تحركاتي ... اليس كذلك؟".
بدا الشك على ديانا أكثر من أي وقت آخر ، كان هذا أمرا غريبا على قدر علمها ، فلم يسبق لأمها أن خرجت في إحدى الأمسيات مع رجل وعادت مع رجل آخر ، ثم إن العم أدريان ، على قدر ما تذكر ديانا ، هو الرجل الوحيد الذي كانت امها تخرج معه منذ وفاة أبيها... فما لبثت أن تساءلت بأدب:
" هل إستمتعت بوقتك إذا؟".
قالت مادلين في رد غير كاف:
" اوه...نعم... كان ذلك مثيرا للإهتمام ...وكان هناك عدد كبير من الأميركيين كذلك".
" هذا السيد فيتال ... إنه إيطالي بالطبع؟".
" بالطبع ، لا يعني هذا انني أعرف الكثير عنه ، ولكنني أظنه كذلك".
" اوه".
هزت راسها ، لم تكن قد فهمت هذا كله ، ولكن مادلين قررت أن تغيّر الموضوع ، أما بالنسبة الى موعد الليلة التالية ، فكان ما تخشاه هو كيف تطرح هذا الموضوع بدون أن تسبب مزيدا من الحرج ، وقالت وهي تدخل المطبخ بسرعة لتصنع قهوة العشاء.
" ارى انك غسلت شعرك".
"نعم....".
قالت ديانا ذلك وهي تلقي نفسها في المقعد من جديد ، كانت لا تزال تفكر في تصرفات امها ، وإن كان واضحا ان مادلين لا تريد أن تتحدث بشأنها ، وخطر لديانا ان أمها تبدو مختلفة على نحو ما ، كانما هي أصغر سنا وأقل ثقة بنفسها ، ونفرت ديانا مما راته ... ترى ما شكل هذا الرجل الذي رافقها الى البيت ؟ أهو شاب أم مسن؟ ولماذا قرر أن يرافق أمها ؟ إنه لا يمكن ان يكون مهتما بها ، بلعت ديانا ريقها بصعوبة ، كلا ، إنها بالتأكيد تصنع من الحبة قبة ، إذا كان هذا الرجل يسكن في البلدة فمن المعقول انه عرض أن يصطحب مادلين في طريقه.
منتديات ليلاس
تجاوزا وقت صحوهما الصباح التالي ، تأخرت مادلين عن المدرسة وخشيت مقابلة أدريان بعد ما حدث الليلة الفائتة ، من المحقق ان يطلب تفسيرا لتصرفاتها ، وليس لديها مبرر واحد تقدمه ، وليس في وسعها أن تقول أنها ذهبت الى البيت مع نيكولاس فيتال لأنها شعرت بإنجذاب مباشر نحوه ... ثم أنها لم تخبر ديانا بعد عن امسية اليوم ... حقا أصبحت الحياة أكثر تعقيدا.
جلست الى مكتبها وبدأت تكتب بإجتهاد على الالة الكاتبة ، كانت الصوف تبدأ في التاسعة والنصف ، ولكن التلاميذ كانوا يجتمعون في القاعة قبل ذلك ، وكان أدريان يتقدمهمن ولم يكن يعود عادة الى مكتبه ألا بعد الحصة الأولى... إلا أنه اليوم عاد مباشرة ، كانت مادلين منهمكة في الجدول التي تركها لها في المساء السابق وكانت تأمل ألا يتعرض معها بصراحة للمسائل الخاصة إلا فيما بعد ، ولكن للأسف خاب أملها ، إذ جاء أدريان مباشرة الى مكتبها ، وقال:
" حسنا...وصلت الى المنزل بالسلام إذا؟".
رسمت مادلين على شفتيها إبتسامة وقالت:
" بالطبع ، كانت تلك الأمسية تبعث على الإهتمام ، أليس كذلك؟".
قال أدريان بشيء من السخرية:
" الى حد كبير".
وهنا قررت مادلين ان تواجهه ، قالت:
" والان ، إسمع ، ليس من حقك أن تنتقد تصرفاتي".
قال أدريان ، في غضب وإزدراء معا:
" إذا كانت علاقتنا مجرد علاقة عمل ،وهي ليست كذلك ، فإنني اشعر بأن من واجبي أن أحذرك فيما يتعلق بفيتال".
فحدّقت فيه مادلين قائلة:
" تحذرني؟".
" نعم أحذرك ، نيكولاس يا مادلين رجل خبير بالنساء ، وهو ليس بالرجل الذي يمكنك أن تلهي معه ، فدعيه يقصر نفسه على أناس من طرازه ، لن يعترضوا على تصرفاته".
" أوه ، حقا يا أدريان... إن السيد فيتال لم يفعل أكثر من مرافقتي الى البيت...........".
" ربما... ولكن كان يمكنه أن.... هل نقول .... يضايقك؟".
كادت مادلين ان تضحك:
" يمكنه ماذا؟ يا له من تعبير بال يا أدريان ، بالإضافة الى انني لا أعتقد ان مستر فيتال يحتاج الى إستخدام هذه الأساليب بخصائصه البدنية".

نيو فراولة 18-11-11 08:13 PM

تصلبت كتفا أدريان وقال:
" يا عزيزتي مادلين ، أعتبرك دائما إمرأة عاقلة ، إمراة أود حقا أن تشاركني حياتي ، ولكنك تغيّرت فيما يبدو منذ ليلة امس الى تلميذة بعيدة عن روح المسؤولية ، وأنا أشعر بخيبة أمل عميقة لذلك".
" ولكن لماذا؟".
" لأنك رغم زواجك إذ كان هذا الزواج يبدو لي فريدا ، فكنت صغيرة جدا ، وإذا إفترضت أنه كانت لك أسباب للزواج من جو- ولا أريد التدخل في شؤونك الخاصة – فإنني لا أعتقد أنك خبيرة بأساليب الرجال ، نيكولاس فيتال يختلف تماما عن جو، الذي يبدو أنه وضعك على قاعدة واخذ يعشقك من بعيد كما يقولون ، إنك تبدين وكأن أحدا لم يمسك ، لك مظهر بريء ما زلت اعجب به، أعرف ا نلك طفلة ، لكنني لا أعتقد ان الهوى قد مسك من قبل ، واعرف أن فيتال جذاب من الناحية البدنية ، ولكنك لا تدركين الميول الحيوانية الفجة التي توجد في بعض الرجال".
قاطعته مادلين بحرارة، وهي تحس بالحرج البالغ:
" ارجوك يا أدريان ... لا تستمر ، لا اريد أن أسمع المزيد....".
قال موافقا وهو يقطب جبينه:
" انا موقن انك لا تريدين .... الأمر الذي يثبت أنك تحسبين انك تعرفين ما تفعلين".
" ولكن ماذا افعل ؟ جئت معه فقط الى البيت ، أليس كذلك؟".
"وهل ستقابلينه ثانية؟".
هزت كتفيها بطريقة عرضية ، على قدر ما إستطاعت وغمغمت في إرتباك:
" لست ادري...".
نظر اليها أدريان غير مصدق ، ولكنه لم يعارضها ، قال:
" مادلين ... يا عزيزتي .... لا اريد ان اراك متألمة ، كل إهتمامي من اجلك ... وانت تعرفين ذلك".
تنهدت مادلين ومدت يدها الى حقيبتها ، واخرجت علبة سكائرها وأشعلت واحدة ببطء ، كان كل ما قاله أدريان يدور في ذهنها ،وكان كثير مما قاله صحيحا ، هل هي عل كل هذه الدرجة من السذاجة؟ وهي بدت عرضة للإنتقاد على نحو مضحك ؟ في أي حال ، حتى نيكولاس فيتال نفسه قال إنها ساذجة ، والان ، فإن فكرة الخروج معه هذا المساء بدأت تحوم في الأفق على نحو مفزع ، اليس الافضل الأتصال به وإلغاء كل شيء الآن ؟ وإذا صدق أدريان تماما بشأنه ؟ إنها تعرف أنها لن تستطيع الإستجابة الى موقف كهذا كما يتوقع منها أن تفعل ، إنها ليست متعة ليلة سريعة الزوال ، بل إنسانة جادة في قرارة نفسها ، وليس في نيتها ان تنغمس في وضع أحمق مهما بدا مثيرا في وقته ، وبينما هي تفكر في هذا الأمور ، عادت اليها ذكريات جو ، لطفه ورقته وحبه الذي وهبه لها بإنكار ذات في الوقت الذي لم تكن تبادله حبا بحب ، وبغريزتها كانت تعلم ان نيكولاس فيتال سوف يأخذ منها من حيث الحب والهوى بقدر ما يعطي ، وإذا فلا ينتظر أي منهما شيئا زائدا من الآخر ... قالت وهي تتطلع الى ساعتها:
" إنها التاسعة والنصف ... وفصلك ينتظرك".
تنهد ادريان في صبر نافد ، وقال:
" اوه ، حسنا..... سنتحدث فيما بعد".
لم تتطلع اليه مادلين وهو يغادر الغرفة ، بل عقدت عزمها على ألا يكون هناك حديث آخر اليوم ، نالت منه ما يكفي ولا تستطيع أن تأخذ المزيد.
عادت ديانا الى البيت هذا المساء قبل مادلين ، وكانت قد أعدت المائدة قبل أن تدخل أمها ، وكانت تبدو ودودة المظهر على نحو كاف ، وقد نسيت فيما يبدو كل ما يتعلق بخاتمة الأمس التي لم تحسم ، وتمنت مادلين أن تظل ديانا على هذا المظهر الودود عندما تخبرها بانها ستخرج هذه الليلة ... تساءلت ديانا وهي ترقب امها تشعل سيكارة:
" هل قضيت يوما طيبا؟".
ردت مادلين في إرتباك :
" الى حد معقول... هل يضايقك يا ديانا أن أخرج هذا المساء ؟".
خرجت الكلمات من فمها سريعة وتركت ديانا في حيرة:
" تخرجين ؟ تعنين مع عمي أدريان؟".
" حسنا ، كلا .... ليس بالضبط ... مع السيد فيتال ".
بدا الإرتباك على ديانا ، ورددت صدى كلمات امها:
" السيد فيتال".
أومات مادلين براسها ، وسقط قلبها وهي ترقب تعبيرات وجه ديانا ، لم تكن ديانا لتسلم بهذا الأمر بلباقة على نحو لطيف ،وتساءلت إذا كانت نظرتها لأبنتها في الماضي قد إتسمت بمغالاة التعقل ، إنها لا تزال صغيرة في أي حال ، والنساء في سنها يخرجن مع الرجال ، بعضهن أرامل وبعضهن غير متزوجات وحتى بعضهن متزوجات ومع ذلك يخرجن مع رجال آخرين ، وعندما تكبر ديانا وتتزوج فقد لا تشعر بأنها مضطرة الى أن تضع أمها موضع الإعتبار ، ولعلها عندئذ تفهم وضع أمها ... هتفت ديانا الان :
" ولكن يا أمي ، إنك لا تكادين تعرفينه ، وهو ليس إنكليزيا...".
قالت مادلين وهي تسحب نفسا من سيكارتها:
" هذا صحيح".
بلعت ديانا ريقها بصعوبة ، وإحمر وجهها كثيرا ، وبدا عليها الضيق البالغ... فصاحت على نحو طفولي:
" ولكن لماذا ؟ لماذا؟ عمي أدريان لن يوافق ... انا موقنة من ذلك".

نيو فراولة 19-11-11 05:10 PM

هزت مادلين كتفيها قائلة:
" لا تهتاجي هكذا يا حبيبتي ، العم ادريان لا صلة له بالموضوع ، إنه مجرد صديق ، وليس هو بحارس".
" إنه يريد الزواج منك".
قالت مادلين في صبر:
" وأنا لا اريد الزواج منه.... إنه كبير السن ... مصبوب في قوالبه على نحو مفرط".
" إنه ليس أكبر مما كان عليه ابي....".
تنهدت مادلين قائلة:
" ربما ... ولكن هذا لا يغير الحقائق".
" وهذا السيد فيتال .... هل يشبه أبي؟".
" كلا... على الإطلاق...".
صاحت ديانا في عناد :
" اخبريني إذا عن شكله ... من حقي أن اعرف".
" حسنا ، إنه لطيف جدا...".
قالت مادلين ذلك ببطء ، وكان من الصعب ان تصف نيكولاس بدون ان تبدو كانها تجاوزت الحد ، كان بالغ الحيوية ، بالغ الثقة بنفسه ، بالغ التكبر .
" هل هو شاب ام شيخ؟".
قالت مادلين ساهمة:
" حسنا ، أظن انه اكبر مني سنا ".
قالت ديانا في إزدراء:
" هوكبير إذا...".
لم ترد مادلين ، فقد إفترضت ان تبدو كبيرة السن لديانا ، ول تكن هناك فائدة من الجدل معها ، ولم تشا أن تنتابها نوبة غضب كما حدث لها في الماضي... قالت وهي تحاول أن تبدو مقنعة:
" أنا موقنة بانك ستحبينه...".
فردت ديانا على الفور وهي تنصرف في اباء الى المطبخ:
" وانا موقنة بالقدر نفسه انني لن احبه".
منتديات ليلاس
أكلت مادلين قليلا جدا من الطعام الذي اعدته هذا الصباح ، لم تكن جائعة ، كما انه من الأرجح ان يتوقع منها نيكولاس تناول وجبة ، وتمنت لو انها لم توافق على الخروج معه ، فقد كانت ديانا في مزاج كئيب ، ولم تتحدث منذ حوارهما قبل الكل ، فإذا كانت هذه الفورة ستحدث في كل وقت تقترح فيه الخروج ، لعل الأفضل ان تتخذ سياسة المقاومة الأقل ، وأن تبقى.
ولكن عندما حان وقت الأستعداد للخروج ، كانت قد عقدت عزمها على ان تبدو في افضل حال ، فإرتدت ثوب كوكتيل من الدانتيلا السوداء كان لديها منذ اعوام ، كان ثوبا غاليا في الأصل ، وجعلته تفصيلته البسيطة وإنخفاض فتحته عند العنق وإتساعها ، لا يبلى بمرور الزمن ، ووضعت سلسلة اللالىء الوحيدة التي تملكها حول عنقها ، كان جو قد إشتراها لها منذ عشر سنوات كهدية في مناسبة عيد زواجهما ، وبرغم من أنها كانت زائفة ، بدت وكأنها حقيقية.
إرتدت المعطف الصوفي الذي كان بلون الكريمة مرة اخرى ، وأوشكت ان تكون مستعدة للنزول لمقابلته في السابعة وخمس وعشرون دقيقة عندما دق جرس الباب .
قررت ديانا البقاء هذا المساء ، وكانت في غرفة الجلوس فتقدمت لتفتح الباب وهي تتساءل من يكون الطارق ، وظهر أمامها رجل طويل عريض المنكبين ، كان اسمر البشرة ، يلبس سترة من الجلد فوق حلة غامقة ، وكانت له عينان هما أكثر ما رات زرقة في حياتها ، بل بدتا أكثر زرقة بالمقارنة الى بشرته التي صبغتها الشمس ، وكان شعره اسود مجعدا يميل الى الزرقة ، وكانت اهدابه طويلة مقوسة ايضا ، وكان يبدو من طراز فريد في بلدة مث اوتيرييري حيث كان المال والوسامة لا يجتمعان ، فدهشت ديانا تماما ، هل يمكن أن يكون هذا هو الرجل الذي ستخرج معه أمها؟
" نعم.......؟".
قالت ذلك بصوت بارد خفيض ، وكانت لا تزال تأمل أن يكون شخصا آخر تماما ،وما لبث الرجل ان إبتسم لها قائلا:
" هل انت إبنة مادلين؟".
" هذا صحيح ، أنا ديانا ، هل أنت السيد فيتال؟".
وقبل ان يرد جاء صوت مادلين يسال عن الطارق ،وخرجت من غرفة النوم ترتدي جواربها ، وشعرها يلتف على وجهها على نحورقيق ، وعندما رات نيكولاس تغيّر وجهها ، وشعرت بمعدتها تجيش بسرعة ، فغمغمت:
" أهلا ...هل لك ان تتفضل؟".
إنتحت ديانا جانبا ، وهي لا تزال تشعر بإنبهار ، كان نيكولاس فيتال مختلفا تماما عن كل ما تصورته من قبل ، فلم تتخيل في أعتى احلامها شخصا مثله يهتم بامها ، وكان ابعد ما يكون عن كبر السن ، وشعرت بنوع من الذعر الذي يورث السقم عندما تخيلتهما معا ، إن هذا الرجل لا يشبه العم ادريان ، الذي كان يعامل والدتها بالضبط كأحد المعارف القدامى ، اما هذا الرجل فالأرجح أنه يطلب علاقة أشد وثوقا وودا ، وتمنت خالصة ان يحدث شيء يمنع تواعدهما.
تقدم نيكولاس الى داخل المسكن ، واخذ يتفحصه بسرعة ، وتطلع حوله بإهتمام ،ومظهره يوحي بانه يقر الديكور الأزرق والأبيض ، كان الديكور لامعا ، حديثا ، ما لبثت مادلين ان قالت ، وهي تسرع بوضع قدميها في حذائها :
" هذا هو السيد فيتال يا حبيبتي ديانا...".
قالت ديانا بتحفظ :
" اعرف ذلك...".
وهنا نظرت مادلين الى نيكولاس متوسلة فقال:
" اما زلت في المدرسة يا ديانا؟".
هزت ديانا كتفيها وأجابت بلا إكتراث :
" إنني ادرس في الطلية التجارية".
" وهل تحبينها؟".
فإستدارت وأرتمت بتثاقل وإسترخاء عل احد المقاعد ,وقالت:
" أحيانا...".

casha 21-11-11 04:52 PM

روايه ممتعه جدا ...... برغم ان ادريان منرفزني
منتظره تكملتها حبيبتي ........ الله يعطيك العافيه

نيو فراولة 21-11-11 11:18 PM

بدا نيكولاس متفكرا ، لم تخفه ديانا ولا إجتذبه سلوكها ، وكانت تحتاج في رأيه الى درس في السلوك ، وشعر بأنه يريد أن يكون الشخص الذي يلقنها هذا الدرس ، وكانت مادلين تبدو منزعجة متضايقة ، فأراد ان يعطي ديانا شيئا مما يدور في عقله ، فمهما كانت سمعته ، فإن ديانا لا تعرف شيئا عنها ، ولا بد ان تعلم ان أمها إمرأة شريفة نزيهة ، إمراة ؟ هنا إبتسم نصف إبتسامة ، إن مادلين نفسها أكبر بقليل من مجرد فتاة ، احس بهذا الشعور المباشر عندما رآها ، ولكنه وبّخ نفسه لأنه سمح لمشاعره بأن تجاري افكاره ، وما لبث أن تطلع اليها ، وعيناه دافئتان حنونتان ، وقال:
" هل انت مستعدة ؟".
شعرت مادلين بوجنتيها تلتهبان باللون الأحمر ، قالت:
" نعم ، انا مستعدة".
ثم إلتفتت الى ديانا قائلة:
" هل أنت متأكدة بأنك ستكونين على ما يرام ؟ فلن اتأخر".
" ساكون على ما يرام...".
قالت ديانا ذلك وهي لا تكاد ترفع بصرها عن المجلة التي تتطلع الى صفحاتها ، وأردفت:
" لا تأبهي بالعودة سريعا ، في وسعي ان اضع نفسي في الفراش".
عضّت مادلين شفتها ، كانت ديانا تحاول صادقة ان تؤذي مشاعرها ، ونجحت في ذلك ، وكادت الأمسية تفسد قبل أن تبدأ .
نزلا الى سيارته ، كانت دافئة ومريحة ، وبينما كان يقودها بخبرة عبر ايفنوود غاردنز ، ثم الى الطريق الرئيسي ، كانت مادلين تحاول ان تسترخي وتنسى كلمات ديانا القاسية ، ولكن صمتها اغضب نيكولاس ، فقال بإستياء :
" أظن انني لست محبوبا من جانب إبنتك .... لماذا؟".
هزت مادلين كتفيها وقالت:
" ديانا لا تفهم لماذا لا اتزوج ادريان سنكلير وفيما يتعلق بها فإن أي إنسان يجاوز الخامسة والعشرين يكون قد دخل طور الخوف ، ويكفي ان يوافقها أي رجل في هذا الشأن حتى يلقى منها القبول".
غمغم نيكولاس:
" فيما عداي ، لماذا ؟".
" إنني ، اوه ، لست ادري انا امها".
إبتسم لها قائلا:
" لا تبدين في سن تكونين معها أما لأحد".
" ربما ، ولكنني امها ، لعل هذا جزء من المتاعب".
عبر أوترييري في السيارة الى فندق ستاج ، وتذكرت مادلين ان إبنته وصلت اليوم من إيطاليا ، وتساءلت إذا كانت ستتناول معهما العشاء.
اوقف السيارة ونزلا سائرين الى الفندق وإصطحبها نيكولاس الى قاعة المقهى حيث طلبا بعض الشراب ، قال :
" إنك تبدين جميلة جدا يا سيدة سكوت".
" اشكرك يا سيد فيتال".
شعرت بأنها تسترخي كلية ، كانت تستمتع بوقتها ، إلا أن ذكرى ديانا افسدت تمام متعتها ، وإبتسم لها نيكولاس وقال وهو يلوي فمه :
" انا مسرورة جدا لحضورك".
فقطبت جبينها قائلة:
" وهل ظننت انني لن أحضر".
" ظننت انه ربما يكون هناك بعض الضغط من احدهم لمنعك ، الصديق سنكلير على سبيل المثال ، إنني مندهش لأنه لم يعترض طريقك".
ضحكت مادلين في رقة وقالت:
" اوه ، إن أدريان قال كلمته بالفعل ، وقد نصحني الا أقابلك ثانية".
" وهل من حقه ان ينصحك ؟".
" ليس تماما ...".
" هذا يتركنا إذا الى ديانا ، وعندما افكر في الموضوع أرى أن مشاعرها مفهومة".
تطلعت اليه مادلين متسائلة:
" لماذا؟".
" ديانا في سن تعرف معها بما فيه الكفاية كل شيء عن الإحتياجات البدنية للرجل والمرأة ،وذلك على نحو يجعلها تعلم أننا منجذبان أحدنا الى الاخر ... وكانت دهشتها أنها وجدتك تخرجين مع رجل تتخيّل أنه سيطارحك الغرام".
احنت مادلين راسها لتخفي حرجها ، ومضى قائلا في رقة:
" الأمر يخيفها قليلا ، فهي لم تعتد مثل ذلك من قبل لترضى عنه ، وإذا كان أدريان هو عيّنة لأصدقائك السابقين من الرجال ، فإن هذه المشكلة لم تكن لتقوم أبدا".
قالت مادلين ببطء:
" أدريان هو الرجل الوحيد الذي خرجت معه منذ مات جو".
" حسنا ، هذه هي الصورة إذا ، الأمر مربك بالنسبة اليها ، ولن تجدي ماريا مثل ذلك على الإطلاق ، إنها لا تشبه ديانا في شيء ابدا".
" فهمت ، والآن ما هي إحتياجاتي البدنية بالضبط؟".
قالت ذلك بخفة ، فلمعت عيناه بالدفء ، كأنما تعانقانها ، وغمغم في تراخ ، وهو يرقب تعبيرات الصدمة في وجهها:
" ساشرح ذلك فيما بعد".
وإتجه حديثهما بعد ذلك الى موضوعات أخرى ، اقل خصوصية ، كان نيكولاس يبدو رقيقا مسليا ، وحكى لها عن منزله في روما ، وعن عمله الذي ورثه عن والده ، وكان قد زار بلادا كثيرة فبدت مادلين مبهورة.
وغادرا المقهى الى المصعد ، وكانت قاعة العشاء الى اليسار فبدت الحيرة عل مادلين ، وتساءلت :
" الى اين نذهب؟".
قال بدون إضطراب :
" الى جناحي ... أرجو أن تطمئني تماما... سنتناول العشاء هناك ، فهو ألطف بكثير ".
" أوه....".
قالت مادلين ذلك ثم ارتج عليها القول للحظة ، وما لبثت ان أردفت:
" ولكنني غير موقنة من أنني.....".
تنهد وهزراسه قائلا:
" لا تكوني مغالية ، انت تعلمين انني لن اهاجمك !".
قالت خاضعة ، وهو يرميها بنظرة غاضبة:
" انني آسفة".

نيو فراولة 22-11-11 08:04 PM



وصل المصعد ، وبينما هما يصعدان تذكرت مادلين ماريا فجاة ، بالطبع ، إبنته ستتناول العشاء معهما ، هذا هو السبب في صعودهما الى جناحه ، كان الممر مفروشا بالسجاد ، وإمتد بهما عبر عدة أبواب حتى وصلا الى جناح نيكولاس ، وكان رائعا من الداخل على نحو جعل مادلين تشهق من فرط الدهشة ، وما لبثت أن أدركت بعد قليل أنه خال ، وكان نيكولاس قد خلع سترته بعدما اغلق الباب ووقف بجانبها مسرورا لأنبهارها ... وقال في صوت جاف:
" أرى أنه يروق لك".
فإستدارت لتواجهه ، وغمغمت وهي تبسط يديها:
" إنه أشبه بديكور الأفلام ، إنني لا أكاد أصدق أنني هنا ، هل انا احلم؟".
إبتسم نيكولاس قائلا:
" كلا ، إخلعي معطفك...".
بلّلت مادلين شفتيها بلسانها وقالت:
" كنت اظن ان إبنتك ستصل اليوم ".
" هذا صحيح ، وصلت ، لماذا؟".
" واين هي؟".
أجاب وهو يقطب جبينه قليلا:
" في غرفتها على ما اعتقد".
وبينما كان يعبر الغرفة الى حيث وضعت صينية متقنة الصنع عليها شراب ، ضغطت مادلين معدتها بيدها وقالت:
" لا أظن انني اريد المزيد".
خطا اليها وخلع معطفها عن كتفيها ووضعه على احد المقاعد ، ثم التفت اليها وكان الجد يبدو في عينيه.
" يا عزيزتي ، استطيع قراءتك ككتاب مفتوح ، إن لماريا جناحها الخاص في الدور الأول ، ولو أقامت معي لتشاجرنا".
ومضى بها لمشاهدة غرف الجناح ... ثم قدم لها هدية عبارة عن غصن صغير من زهور الأوركيد إقترح ان تثبته في ردائها ، إذ كان في لون شعرها ، ففعلت وهي شاكرة مبهورة ، ودخل ساقيان بعد ذلك بمائدة الطعام ، ووقفا للخدمة ، وشعرت مادلين بالحرج لأنها احست بهما يرقبانها ، وايقنت بأنهما يدركان أنها لم تعتد مثل هذه الخدمة ، ففقدت شهيتها وأكلت قليلا جدا من الطعام الفاخر ، ومع ذلك شعرت بانها متخمة.
وجلسا متجاورين على اريكة منخفضة ، وسالها عن والد ديانا ن فقالت أنه كان رجلا عاديا ، فسالها عما تخفيه بشأنه فإرتعدت ، وبدت في عينيه نظرة حيوان مفترس يستعد للإنقاض .... ولاحظ انها متوترة ، خاصة عندما ارادت الإنصراف ، وبدأت اصابعه تتسلل الى شعرها المنسدل لتصلحه وراء اذنها ، فرجته ألا يفعل ، ولكنه أخذ يدها وقبّلها ، وقال لها ألا تخف ، لأنه لن يؤذيها ، وادركت انها مذعورة ، وانها ليست ندا له ، اما هو فكان قادرا على تحطيم مقاومة أي إمراة بمجرد قوة شخصيته ، ولكنه معها شعر برغبة عنيفة في حمايتها ن حتى من نفسها إذا ما ضعفت امامه إذا لزم الأمر ، وقد كان... قال لها أنه بشر ، ويمكن أن يكون خطرا عليها ، وعندما قالت له انها لم تعد تخافه ، وأنها تجده مثيرا ، طلب منها أن تكف قائلا:
" مادلين ، ايتها البريئة ، يجب ألا تتصرفي على هذا النحو، إنه ليس بالأمر الصواب".
وقال لها أنه يريدها كثيرا ، ولكن ما يشعر به نحوها لم يسبق أن شعر به لأحد قبلها ، وسألها ان كان في وسعها ان ترفضه ، فاحنت رأسها في نفي صامت ، قال برقة ، وهو يبعدها:
" وهكذا انا شهم للغاية ، والآن لا تكوني حمقاء ، ساصطحبك الى البيت".
وبينما كانت تستعيد معطفها ، اخذ يراقبها... لم يسبق في حياته ان قابل إمرأة هزّته عاطفيا مثل هذه الهزّة العنيفة ، وعرف كثيرا من النساء منذ وفاة زوجته جوانا ، ولكن مادلين كانت مختلفة ، ولم يشعر بالرغبة في ان يكون قاسيا معها ، اراد ان يعرف كل شيء عنها ، وكان هذا أمرا جديدا بالنسبة اليه ، وشعر بغيرة غير مفهومة من ذلك المجهول جو.
وتواعدا على اللقاء في الليلة التالية ، وإقترح عليها ان تحضر معها إبنتها كما سيحضر معه إبنته.

نيو فراولة 23-11-11 08:57 PM

5- عاصفة العقل والقلب

شعرت مادلين في السيارة بالأسف على إنتهاء الأمسية ، وقد إستمتعت بها كثيرا ، وكان الإفتراق عن نيكولاس يبدو لها مثل فراقها عن جزء من نفسها ، ووجدت ديانا لا تزال مستيقظة ، تجلس في فراشها تقرأ وأخبرتها ديانا في شبه إتهام انها إكتشفت بقاءها في السيارة نحو عشر دقائق ، وسألتها مادلين عن رايها فيه فقالت إنها لم تستطع الحكم عليه ، وهنا أخبرتها بدعوته ، فقالت ديانا بعد تردد:
" حسنا ، ولكن لا تتوقعي مني ان أطرب له دائما ، فالأرجح أنه يسلّي نفسه على حسابنا".
وأحست مادلين بأن ديانا تحاول عمدا معاداتها ، ولما كانت تعرف إبنتها خطر لها أن ديانا تامل في خلق المتاعب بإستجابتها الى الدعوة.
وفي يوم الأربعاء وجدت مادلين من المستحيل تقريبا أن تركز ذهنها على عملها ، فإتصلت بنيكولاس تلفونيا خلال إستراحة تناول القهوة في الصباح ، وأبلغته بموافقة ديانا وبمخاوفها لكنه ضحك منها وطلب ان تتركها له.منتديات ليلاس
وصل نيكولاس في السابعة والربع مساء ، وهو يرتدي بذلة زرقاء أنيقة ، وإصطحبهما الى الفندق ثم الى جناحه مباشرة ، وكانت مادلين ترتدي فستانا من الجرسيه الأخضر ، وديانا ثوبا من التيل الوردي ، وتولى تقديمهما الى إبنته ماريا ، التي كانت ترتدي بذلة من القطيفة الكحلية ، وترفع شعرها الطويل على شكل كورونات حول أذنيها ، وكانت تبدومختلفة كثيرا عن الفتاة الشابة غير المسؤولة التي تحدث عنها نيكولاس ، كما بدت لديانا على غير ما كانت تتوقع ، وكان الجو مكهربا ، وأدركت مادلين أن ذلك ما تتصوره فقط ، ولكن وجود ديانا كان بمثابة نوع من الدراما الحادة ، وتمنت ان تبدو ديانا هادئة الأعصاب مثلما يبدو نيكولاس وماريا.
وتناولا بعض الشراب ، وقالت ماريا أنها تحب لندن ، وانها زارتها مرارا وتود أن تعيش فيها بعض الوقت على الأقل ، فقال ابوها مداعبا:
" لا بد ان تتزوجي رجلا أنكليزيا".
فهزت ماريا راسها وقالت بتأمل:
" اعتقد انني ساتزوج إيطاليا ، الإيطالي رشيق جدا ، ألا تعتقدين ذلك سيدة سكوت؟".
شعرت مادلين بالحرج من صراحتهما ، وردت بهدوء:
" لا أظن أنني أعرف الكثير عن الإيطاليين ".
فقالت ماريا مبتسمة:
" اتوقع ان تعرفي عن قريب !".
وسالت ماريا ديانا عن رايها ، محاولة إجتذابها الى الحوار ، فهزت كتفيها بلا إكتراث ، وقالت ببرود:
" لا أظن أنني أريد الزواج ، واعتقد ان العمل اهم من أن أكون جارية لرجل !".
شعرت مادلين بتوتر اعصابها ، قررت ديانا ، فيما يبدو ان تكون صعبة المراس ، وكانت على وشك ان تدلي ببعض إمارات الإستنكار والتوبيخ ، ولكن نيكولاس رفع يده وإنحنى الى الأمام في مقعده قائلا ، وهو يبتسم ببطء:
" جارية لرجل ! وماذا تعرفين عن ذلك يا ديانا؟".
أضطربت ديانا في مقعدها ، وقالت في تجهم:
" أنني أعرف أن معظم الرجال يتوقعون من زوجاتهم ان يكنّ رهن إشارتهم ".
تساءل نيكولاس في سخرية:
" أتفكرين في شخص بالذات؟ إن معظم الرجال الذين أعرفهم يقومون بدور نشط في إدارة بيوتهم والعناية بأطفالهم ، وفي الزواج ما هو أكثر من مجرد العناية بالبيت".
جعدت ديانا أنفها ، لم تكن تريد أن تعرف شيئا من آرائه ، ثم قالت:
" في اية حال ، استطيع ان أفكر في عمل ما هو افضل من مجرد الإستماع الى رجل يثير مللي بأفكاره".
اصيبت مادلين بهلع ، ولكن نيكولاس رفع حاجبيه السوداوين فقط وبدا مهذبا ، حتى عيناه كانتا تتألقان وكانت هناك إبتسامة تلوح على زاوية فمه ، الأمر الذي جعل ديانا تدرك انها تبدو حمقاء .... وما لبثت ان تطلعت الى مادلين وماريا ، وبينما كانت أمها تبدو قلقة ، كانت ماريا تبتسم ، ثم شعرت فجأة بكراهية نحو الجميع وضغطت شفتيها معا بشدة.
وفشلت الأمسية ، واثّر سلوك ديانا عليهم جميعا ، وشعرت مادلين بالإرتياح لأنتهاء العشاء ، وأمكانهم الأنصراف ، وصحبهما نيكولاس في سيارته في التاسعة والنصف ، وعندما وصل الى مجمّع الشقق أمام المنزل طلب من ديانا أن تصعد لأنه يريد أن يقول كلمة لأمها ، فإنصرفت بدون ان تعبا بشكره على العشاء ، وقالت مادلين في تعاسة:
" يا لها من أمسية فظيعة ، لا أدري ماذا ستظن فينا الان ".
فوضع راحته على رأسها ، وتطلّع اليها مفكرا وقال:
" إن ما تفعله ديانا ليس من شأنك ، كانت مجرد خائفة ومضطربة بشان أمور لا تفهمها ، كما انني لم اقدم عونا كبيرا ، أليس كذلك؟".
وطلب منها اللقاء مرة اخرى ، فأمهلته يومين لتحاول ان تجعل ديانا تفهم ، فوافقها على ذلك ، وألقى اليها بنظرة هوى ثم إنصرف ... ووجدت مادلين ديانا في الفراش متظاهرة بالنوم ، فقررت أنه من الأفضل عدم إيقاظها وبدء شجار معها ، وأوت الى الفراش صامتة بدون أن تلقي اليها حتى بتحية المساء.

نيو فراولة 24-11-11 09:07 PM

وفي الصباح ذهبت ديانا الى المدرسة بدون كلمة ، وتساءلت مادلين لماذا تتصرف ديانا هكذا؟ إنها لا تدرك إلا أنها هي ونيكولاس صديقان ، وليس هناك سبب لنفورها إلا الغيرة المحضة ، الأمر الذي يجب تحطيمه ، وفي المدرسة أدرت مادلين عملها بطريقة آلية ، وذهنها مشغول بذكرى عشاء الليلة السابقة ، وبينما كانت تتناول الطعام عند عودتها مع ديانا ، تساءلت الفتاة :
" هل ستخرجين الليلة مرة أخرى؟".
" كلا.... لماذا؟".
" إنني اتساءل فحسب ، هل أنت غاضبة مني؟".
" ولماذا تتصورين ذلك؟".
بدت ديانا خجلة قليلا من نفسها ، وقالت:
" لست أهتم بشيء في أي حال ، قلت لك أنه ليس في وسعي ان اتناول العشاء معهم ، إنهم ليسوا من طرازنا".
حدّقت فيها مادلين بغيظ ، وتساءلت في غضب:
" من هم طرازنا إذا ؟ أظن أنك ستقحمين إسم أدريان هنا مرة أخرى".
" حسنا ، أدريان على الأقل لا يسلي نفسه على حسابنا ، لا اراك تعتقدين أن نيكولاس فيتال سيكون له شأن جاد معك ؟".
" أعتقد أنك فتاة أنانية قاسية ، ولكن لا تتخيّلي ان ما تقولينه سيؤثر عليّ ، إنني في سن تسمح لي بان اتولى شؤوني بنفسي".
هتفت ديانا:
" إنك مصممة على أن تجعلي من نفسك حمقاء !".
أطبقت مادلين قبضتيها ، وكان شعورها الأول هو أن تصفع ديانا بشد فليس من حقها ان تتحدث الى امها بهذه اللهجة مهما كانت مشاعرها في هذا الشان ، ولكنها بدلا من ذلك نهضت عن المائدة وسارت الى غرفة النوم وأغلقت الباب ،وتركت ديانا وحدها ، والواقع ان ديانا شعرت بانها تجاوزت الحد ، ولكن كان ثمة شيطان بداخلها يدفعها دفعا.
وفي المساء التالي ، وبينما كانت مادلين تستعد للخروج تساءلت إذا كانت تتصرف بتهوّر وطيش وهي تخاطر بفقدان صداقة إبنتها من أجل رجل عرفته لأقل من أسبوع فقط ، ولكن شكوكها سرعان ما ولّت عندما نزلت الى لقائه ،وتوجها بالسيارة الى هاينوك ، وهي قرية على مشارف البلدة ، حيث كان هناك فندق لم تدرك مادلين وجوده من قبل ، وأوقف نيكولاس السيارة وإذ كان يتفحص المنطقة قال لها أن من الأفضل ألا يكونا وحدهما ولكنها أشعرته بطمأنينتها طالما أنه معها ، وأخبرها انه لا بد له من الذهاب الى روما لعدة ايام ، وفي موقف عاطفي وداعي أخذ وجهها بين راحتيه وعانقها ، وفي إنتظار إستجابتها له... اخذت يده ووضعتها على عنقها ، فاحست بوخز لشيء في أصبعه ، كان خاتما منقوشا مرصعا بالزمرد ، فتساءلت:
" إنه جميل ، هل أعطتك زوجتك إياه؟".
فهز راسه قائلا:
" جوانا وأنا تعارفنا قبل الزواج بشهور قليلة فقط ، قابلتها عندما ذهبت الى الفرع الأميركي لشركتنا ، كان والدها يدير الفرع في ذلك الوقت ، واحسبني كنت عندئذ شابا قابلا للتاثر ، ولم أدرك ان جوانا وجدت فيّ فرصة لتحيا حياة إجتماعية دولية ، وعندما حملت لم تكن مسرورة لذلك ولامتني على أنني حطمت حياتها ، وللأسف ولدت الطفلة قبل الأوان ، وبينما كانت في دار النقاهة اصيبت بفيروس تركها ضعيفة جدا ، وما لبثت ان ماتت بعد ذلك ، وقد لمت نفسي بالطبع على ذلك ولكن الزمن يشفي كل شيء ، كما ان ماريا نفسها كانت السبب في إستمرار حياتي".
" إنني آسفة".
" كان هذا منذ وقت طويل....".
قال ذلك ثم خلع الخاتم واخذ بيد مادلين وسحب خاتم زواجها وإستبدل به خاتمه المنقوش ، وعندما تطلعت اليه بدهشة قال:
" انت أول إمرأة تلبس خاتما وهبته لها عن حب ، اما الخواتم التي كانت تلبسها جوانا فكانت شيئا آخر ، وفي وسعك أن تقولي أن ابي هو الذي إشترى جوانا لي ، كانت تنحدر من أسرة أرستقراطية في بوسطن".
وقال لها انه سيتصل بها يوم الإثنين من روما وأنه قد يذهب الى فيلنتيا كذلك ، ولكنه سيتصل بها حيث كان ، وأنه سيسافر غدا وقد يعود الأربعاء أو الخميس ، وطلب منها أن تلبس الخاتم في غيبته ، فترددت ثم وافقت ، وهي تشعر بأن الأيام القليلة المقبلة ستكون بمثابة اعوام.
وكان نيكولاس يدرك إزدياد إنجذابه الى مادلين ، وكم اصبحت هامة بالنسبة اليه في مثل هذه الفسحة القصيرة من الوقت ، أراد ان يعرب لها عن شعوره ، وأن يرجوها الذهاب معه ، والزواج منه على الفور ، ولكنه قرر عكس ذلك ، إذ يبدو الأمر تعجلا من جانبه وقد تظن انه ينصب لها شركا ، لا بد ان ينتظر حتى يعود من إيطاليا ، وشعر بأنه لم يعد يريد الذهاب ، وان إهتمامه الدائم بعمله أصبح الان ذا أهمية ثانوية ، بالمقارنة الى مشاعره نحو مادلين ، إنه يريد أن يفعل لها الكثير ، وأن يريها اماكن كثيرة ، ولكنه يريد أولا ان يقول لها أنه يحبها ، وأن يسمع منها أنها تبادله الشعور ... وتركها عند باب الشقة وها هو يعدها بالإتصال في أسرع ما يستطيع ، واوشكت ان تبكي وهي ترى أضواء سيارته تختفي على الطريق الرئيسي ، ولكنها لمست الخاتم فشعرت بأنها لم تعد خائفة.

نيو فراولة 25-11-11 07:17 PM


وخلال الأيام التالية عاشت مادلين في فراغ ، كانت تخرج منه عندما يتصل بها هاتفيا ،وقد إتصل بها بعد ظهر الإثنين وحدّثها عن رحلته ، وأنه يفتقدها ، ولم تكن مادلين ذكرت شيئا لديانا عن رحيل نيكولاس ، ولو كانت ديانا لاحظت الخاتم فإنها لم تشر اليه ، إلا أنه كان هناك مقال كبير في الصحيفة عن سفر نيكولاس ، وأدركت مادلين ان ديانا لم تكن تفوتها قراءته.
وفي يوم السبت جاء أدريان الى الشقة ليسال إن كان موعد العشاء الأسبوعي بينهما لا يزال قائما ، وذهلت مادلين ولكنها ردت بالإيجاب:
" نعم ، إذا شئت...".
فقطن جبينه قائلا:
" اما زلت تقابلين هذا الإيطالي الملعون؟".
بدت الدهشة على وجه مادلين لأنها لم تدر كيف عرف أنها تقابل نيكولاس ، ولكنه قال بسرعة:
" أوه ، رأيت ديانا في البلدة أمس ، وقالت لي إنك تخرجين مع فيتال".
إمتقع وجه مادلين ، وغمغمت بفتور:
" ربما يكون في روما الان...".
فتراجع ادريان متعجبا وقال:
" في روما ؟ هل عجل بالعودة هكذا !".
" إن له عملا هناك..".
" حسنا ، سأحضر في الموعد المعتاد".
" لا باس ، ولكن يا أدريان ، لا أريد تكرار هذا الحوار ، ولا اريد محاضرات ، إذا كنا سنخرج فلنتجنب ذكر السيد فيتال".
وافقها ادريان ، وإحمر وجهه قليلا ، وهو يجاهد ليقول بضع كلمات :
"هل تأخذ ديانا ذلك على محمل حسن؟".
فردت مادلين بصوت بالغ البرودة:
" الم تخبرك؟".
" إنها لم تبد متحمسة".
" إنها ليست كذلك... ولكنها لا تحاول أن تحبه".
فقال أدريان بصوت جاف:
" أنها تحبه بقدر كاف فيما علمت ... ولكنها تعترض فقط على ما تسميه محاولاتك السخيفة للتعلق بشبابك".
صاحت مادلين في دهشة :
" ماذا؟".
" إنني... إنني بالطبع وبختها".
" هل فعلت ذلك حقا ، أم هل شجعتها ؟ إنك حليفها ، ولست حليفي!".
قطب أدريان جبينه ، ومر باصبعه داخل ياقته ، وقال:
" كانت هذه وقاحة منك يا مادلين...".
فردت بحرارة :
" ولكنها لم تكن بلا سبب".
" إنها إبنتك يا مادلين".
فصاحت في يأس :
" وهل تظن أنكم تسمحون لي بأن انسى ذلك ... أوه يا أدريان ... إنصرف الان ، ودعني وحدي ... أرجوك".
فقال في هدوء:
" ديانا في حاجة الى اب".
فقالت مادلين في غضب:
" ولكن هذا الأب لا بد ألا يكون احد سواك !".
" ديانا تعتقد انني أشبه اباها".
تطلعت اليه مادلين والكلمات ترتعش على شفتيها ، كلمات كانت تعلم أنه ليس في وسعها ان تنطق بها ، ومضى أدريان قائلا بدون توقف:
" أخبرتني بشانه يا مادلين ، وليس في وسعي أن أفترض إلا أن ديانا مثلك ، لأن جو لم يكن ، فيما قلته عنه ، شخصية عاصفة ، ديانا تحتاج الى موجّه ذو نفوذ ، نفوذ رجل إعتاد صحبة الأطفال".
هزّت مادلين راسها قائلة:
" الا تيأس ابدا يا أدريان ، إنني لا أحبك ، ولا اريد ان أتزوج لسبب آخر غير الحب ، ألا تستطيع أن تفهم ذلك؟".
غام وجه أدريان وتساءل:
" اتنوين مقابلة فيتال مرة أخرى".
فكادت تصيح بكلماتها قائلة:
" نعم ، نعم ، ساقابله!".
" ولكنك بصراحة لا تحملينه على محمل الجد ، أليس كذلك ؟ إنه يقابل خلال عمله ولهوه مئات من النساء ، هل لديك فكرة عن نوع الحياة التي يحياها ؟ والنساء اللواتي عاشرهن؟".
" كف عن ذلك !".
" لن أكف ، لا بد لأحد ان يجعلك تتعقلين ! هذا الرجل له امرأة على الرجح تنتظره في موطنه في هذه اللحظة ! من أين لك ان تعلمي ما يفعل ؟".
لطمت مادلين وجهه بأصابعها قبل ان تتمكن من منع نفسها ، ووقف ادريان ويده على خده مذهولا ، وإنتاب مادلين ضيق بالغ ، فالقت بنفسها على احد المقاعد ، وقالت في ضجر:
" آسفة يا أدريان!".
فمضى أدريان الى الباب ببطء وتساءل :
" هل أنت موقنة أنك تريدين مقابلتي هذه الليلة؟".
" هذا يتوقف عليك ، اليس كذلك ؟ ماذا تظن؟".
" أظن أنك على صواب ، إن لك حياتك تتولينها ولن أقف في طريقك بعد ذلك".
" اوه يا ادريان ... إنك في الحقيقة أصلح من ان تكون لي".
بادلها أدريان الإبتسام ولا يزال خده محمرا من أثر أناملها وقال في رقة وهو يخرج:
" لعلك على حق".
وشعرت مادلين بان الأمور أصبحت معقدة تثير الحزن والإكتئاب ، وتمنت أن ترى نيكولاس الليلة ، فوجوده يمنحها الثقة ، بحيث تبدو سائر المشكلات أقل أهمية.

نيو فراولة 26-11-11 05:47 PM

6- غولف العواطف الحارّة !


لم يصب عشاء السبت قدرا من النجاح ، وبذل أدريان كل جهده ولكن مادلين كانت تعلم انه غير سعيد ، وجاء هارفي كامنغز ودعاهما الى نزل قريب للرقص قائلا أن معه ماري لي وبول لوكاس ، وعرض عليها ادريان الذي لم يكن يميل الى الرقص ، ان تذهب ، ولكنها إعتذرت ، وإنصرف هارفي ، وقال لها ادريان انه كان في وسعها الذهاب مرافقة كامنغز ، فردت عليه بانها تعلم أنه يحاول ان يجعلها تهتم بهارفي ، وتساءلت :
" هل تعتقد ان رجلا ما يمكن ان يشبه آخر ؟ إنني أذكرك ان الأمر ليس كذلك".
بدا الشعور بالذنب على وجه أدريان وأدركت مادلين انها أصابت الهدف ، وهنا راى ادريان الخاتم الزمردي ، فإتسعت عيناه وقال مدهوشا:
" من اين لك هذا ؟ وأين خاتم زواجك؟".
" أعطاه نيكولاس لي.... أليس جميلا؟".
" جميل جدا ، ولا يقدر بثمن ، إنه أجمل شيء وقعت عليه عيناي".
شعرت مادلين بقلبها يخفق بشدة ، لم يكن نيكولاس قد ذكر انه على هذا القدر من القيمة ، وغمغم ادريان:
" ربما كنت مخطئا ، وإذا كان فيتال أعطاك هذا الخاتم ،فلا أظن انه ينوي شيئا مخادعا ، كان في وسعه ان يعطيك خاتما يرضيك الى حد الإعجاب ، بدون ان يكون غالي القيمة ، ولعل السيد فيتال ليس بالسوء الذي إشتهر به !".
غمغمت مادلين مبتسمة:
" إنني متأكدة من ذلك".
ومرّ الأسبوع التالي ببطء ، وتخللته مكالمات نيكولاس الهاتفية ، وتحسنت علاقة مادلين بديانا ، ولكن مادلين كانت تعلم انه امر مؤقت ، ويبدو ان تقدير نيكولاس بالتغيّب اياما قليلة قد طال ، ورغم انه كان يتصل بها بدا متحفظا ، وبعد اسبوع ، وفي صباح الحد كانت مادلين تتناول طعام الإفطار عندما دق جرس الباب.
ظنت مادلين لأول وهلة أنها قد تجد نيكولاس على العتبة ، ولكنها وجدت ماريا .. دعتها الى الدخول يخالج قلبها شيء من الخوف ، لماذا جاءت ماريا هذه الساعة من الصباح ، وهي ليست وقت زيارة؟
دخلت ماريا وأبدت إعجابها بالغرفة ، ثم تطلعت الى مادلين قائلة إن نيكولاس طلب منها الحضور.
" هل عاد الى أنكلترا؟".
" كلا ، إتصل هاتفيا في وقت متأخر ليلة أمس".
حاولت مادلين ألا تبدو مفرطة اللهفة ، وأخبرتها ماريا بأنه كان يتوقع العودة في منتصف الأسبوع ، وأنه يخشى ان تكون مادلين فهمت الأمر خطأ ... وشعرت مادلين بالإرتياح يغمرها ، وقالت ماريا:
" إنه يريد محادثتك اليوم ، ولا أعتقد أنه يحبذ فكرة الإتصال بك دائما وانت في امدرسة".
ثم سالتها فجأة :
" إنك مغرمة بوالدي .... أليس كذلك؟".
فأومأت مادلين برأسها ، وقالت:
" هل تمانعين؟".
" لا ، ليس كذلك في الحقيقة وإن كنت اعترف بان هذه أول مرة يكون فيها مسؤولا امام إمرأة عن تصرفاته".
" إنك تاخذين الأمر بهدوء".
فقالت في حياء:
" فيما يتعلق بنيكولاس ؟ أظن ذلك ولم أعش معه طوال هذه السنوات بدون أن أعرفه جيدا ، إنه شخص رائع ، الجميع يحبونه ، إنه سلس الحركة ومسل ، وأرادت كثير من النساء أن يتزوجنه ، غنيات وفقيرات على السواء".
منتديات ليلاس
كانت ماريا تشبه ديانا في عزلتها ، ولكن بينما إختارت ديانا تحطيم سعادة والدتها ، أرادت ماريا أن تساعد والدها ، حتى ولو كان ذلك على حسابها.
حملت مادلين فنجان قهوتها الفارغ الى المطبخ ، وتمددت ماريا على الأريكة في كسل... ووجدت مادلين انها تحب ماريا كثيرا ... وكان يقلقها أن ماريا قد لا تحبها ، ولكنها شعرت الان بصفاء ، أما ماريا فلم تعرف أمرأة عن كثب سوى جدتها ، وكانت تتوق الى شخص تبثه آمالها ومخاوفها ، وعرفت أن مادلين يمكن ان تكون هذه المرأة ، فهي متفهمة قادرة على الإنصات.
وفجأة ، فتح باب آخر ودخلت ديانا ببيجامتها تجعد شعرها الأسود ، وتوقفت لدى رؤية ماريا ، وألقت اليها بنظرة حذرة ، فإبتسمت ماريا ، وألقت اليها بنظرة حذرة ، فإبتسمت ماريا ، كانت دائما ودودة إزاء الناس مهما كانوا وقحين ، ورأت أن ديانا طفلة مدللة مزعجة ، فبادرتها بالتحية ، ولكن ديانا لم تبتسم بل سالتها إن كان والدها موجودا ، فهزت رأسها نفيا ، وقالت إنها جاءت وحدها.
" حسنا".
قالت ديانا ذلك وتناولت مشطها ، وبدأت تمشط شعرها الذي كان يبدو عنيدا مستعصيا ، وقررت ماريا أن تتجاهل وقاحتها ، وجاءت مادلين على الأصوات ، وسالتها إن كانت ستخرج ، فقالت إنها ستذهب الى المدرسة مع جيف ، ليشرف على صغار التلاميذ وهم يلعبون الكريكت ، وسألتها ماريا إن كان جيف هو صديقها فردت قائلة ببرود ، وبنظرة إحتقار:
" بالطبع ... لا أريد الإفطار يا أماه ، ساستعد للنزول ".
تطلعت مادلين بقلق الى ماريا ، وديانا تضع فنجانها وتمشي بعزم وإعتداد الى غرفة النوم ، من المحقق ألا تكون بينهما اية صداقة ، نظرا لعناد ديانا ، قالت في إرتباك:
" انا آسفة ، ولكن ديانا لن تقبل الأمر المحتوم فيما يبدو ".
بسطت ماريا يديها وغمغمت ، وهي ترقب مادلين بتفرس:
" لكنها ستضطر ، إنك تدركين ان أبي جاد في ذلك؟".
شعرت مادلين بوجنتيها تلتهبان ، وتساءلت بصوت قلق:
" كيف تقولين شيئا كهذا ؟".
" انا أعرفه ، ثم إنك أول مرة قدّمني اليها بهذه الطريقة !".

نيو فراولة 27-11-11 02:42 PM

شعرت مادلين بمخاوفها تتلاشى ، كانت كلمات ماريا كالبسلم ، وما لبثت ديانا ان ظهرت ترتدي بنطلونا فضفاضا وسترة مادلين ذات الفراء ، ونظرت بإزدراء الى المراتين الأخريين وقالت:
" إنها العاشرة والنصف ، وسيأتي جيف قريبا في سيارة والده".
وما لبث الجرس أن رن ، فقفزت ديانا الى الباب ، وجاءت بجيف وهي تتوقع ان تجعل ماريا تغار منها على ان لها صديقا وسيما ، ولكن الأمر لم يحدث على هذا النحو ، فعندما رأى ماريا حدّقفيها بدهشة ، وأدركت ديانا أنها إرتكبت خطأ ، ولكنها إضطرت الى تقديم كل منهما للآخر ، فإتسعت عينا جيف وهو يدرك الإسم ، وحيّته ماريا بيسر وطلاقة ... وبدت له - في ردائها الأحمر الأنيق – مختلفة عن الفتيات اللواتي يعرفهن ، ولمعت عينا ديانا بغضب وهما يواصلان تبادل النظر ، أما ماريا فكانت مسرورة ، إذ تعلمت من وقت مبكر كيف تعامل الأولاد ، وعندما خرجا تساءلت مادلين عما ستقوله ديانا لجيف عندما ينفردان ، فقد كانت غاضبة وهي خارجة ، قالت ماريا متفهمة:
" لا تقلقي ، ستعود الى طبيعتها ، ولعلها تعتقد أنه رائع لأنه وسيم ، أما أنا فأظن أنه ذئب ، ولن يؤذيني في شيء ولكنني لست متأكدة من ذلك بالنسبة الى ديانا".
وأخبرتها ماريا أن هارفي هو الذي جاء بها ، وأنه سيحضر لإصطحابها ، وقالت لها إنه رآها ، فاخبرتها مادلين بأنها كانت في صحبة أدريان ، وأن نيكولاس لم يعترض على ذلك ... وحدثتها ماريا عن جدتها وإسمها كريستينا وقالت إنها لا تزال في أواخر الخمسينات ، وأنها كانت في الثامنة عشرة عندما ولدت نيكولاس ، وأن جدها وقع في غرامها من أول نظرة ، وهذا أمر لا يحدث إلا في الكتب على ما يقولون ، ولكنها – أي ماريا – لا تعتقد ذلك ، بل إن المرء ليدرك احيانا ان ثمة شخص آخر يناسبه على الفور ، فآمنت مادلين على قولها إذ كانت قد إنجذبت الى نيكولاس من البداية.
واخبرتها ماريا أنهما سيذهان الى إيطاليا في عيد الفصح ، حيث بيت جدتها في فيلينتيا على ساحل البحر المتوسط ، على مسافة 50 ميلا جنوب روما ، ويعد البيت تحفة رائعة من الجمال – مزود بشرفات تزينها احواض من الزهور – وفي ساحته نافورات جميلة، كما أن لديهما يختا مسمى بإسمها ماريا كريستينا يقف الان في خليج نابولي، وأن والدها سياتي به الى فيلينتيا ، وبدا القلق على وجه مادلين وقالت:
" إنه لأمر مخيف هناك هوّة ضخمة تفصل بيننا ، وإنني لمدهوشة لأن والدك نظر حتى ناحيتي".
" نيكولاس سئم نساء المجتمعات اللواتي يتدلهن في حب الرجال الأغنياء من ذوي الوسامة ، إنهن يعتقدن أن المظاهر هي كل شيء وينفقن الأموال يوميا على العناية بوجوههن وأجسامهن ، ولكنك لست مثلهن، إنك تبدين طبيعية ومتواضعة ، ولا تحتاجين الى كورسيهات غالية لتهب لك جسما رشيقا، أو كتل من مواد التجميل لتنقية بشرتك ، الرجل يريد المرأة التي تبدو في الصباح ، عندما تنهض من الفراش ، في نضرتها نفسها كما كانت وهي تتناول العشاء ، الليلة السابقة".
ودقّ جرس الباب ، وجاء هارفي قائلا وهو يبتسم:
" أهلا ... كيف حال الأرملة الرائعة ؟ تخلصت مني في الأسبوع الفائت تخلصا حسنا ، كنت هناك ، ونيكولاس لم يكد يخرج من البلاد ، تتناولين العشاء مع ذلك البغيض سنكلير!".
قالت مادلين في إستياء:
" أدريان ليس بغيضا ، ونيكولاس يعرف كل شيء عنه ، وإن كنت لا أعرف لماذا أشرح لك تصرفاتي".
ودعاها هارفي الى أن تأتي معهما لتناول الغداء ، لا سيما وان نيكولاس يتحدث هاتفيا في الثانية والنصف ، وأمنت ماريا على ذلك ، ولكن مادلين إعتذرت بسبب ديانا ، وإن كانت قبلت الحضور بعد الغداء.... وما أن خرجا حتى اسندت مادلين ظهرها الى الباب في ضعف متسائلة عما يريد أن يتدث اليها نيكولاس بشأنه ، وإنتابها القلق ... وجاءت ديانا الى البيت في حالة سيئة ، فقد قضى جيف فترة الصباح كلها يسالها عن ماريا ، ولو كانت ماريا صديقة لربما ضحكت ديانا من هذا كله ، ولكنها كانت تنتمي الى العدو لذلك فهي محرمة!
وتناولت غداءها في صمت ، ولم تعترض عندما اخبرتها مادلين انها ستذهب الى فندق ستاج بعد الظهر لتلقي مكالمة من نيكولاس ... وفي الفندق ، الذي كان لا يزال غاصا برواد الغداء ، نظر اليها موظف الإستقبال بإستغراب ، ولكنه رد عليها بأدب عندما سمعها تطلب ماريا فيتال ، وكانت ماريا هي التي فتحت لها باب جناحها وأدخلتها ، وقدمتها الى مرافقتها الآنسة سايكس ، التي سالتها عن نفسها ثم أخبرتها بأنها كانت سكرتيرة في وقت ما للكاتب جون بروكس.
وجاءها هارفي بشخصيته المرحة ، وتناولوا القهوة جميعا ، وأخيرا جاءت الكالمة ومادلين في ذروة توترها ، فاشارت عليها ماريا بأن تتلقاها في غرفة أخرى ، ففرحت لذلك ، وجاءها صوت نيكولاس يرن في أذنيها كالموسيقى ، وأخبرها أنه يفتقدها ، ولكنه لا يستطيع الحضور قبل يوم السبت ، وإن كان يود الحضور فورا وذلك لإضطراره لأستقبال بعض العملاء ، وقال لها إنه سيلعب الغولف لينفس عن بعض عواطفه الملتهبة ، مع زوج شقيقته وليس مع أي إمراة أخرى ، وطلب منها ان تتظره في مطار لندن عندما يحضر في نحو السابعة مساء فوافقت وهي سعيدة ، وسالت الدموع ساخنة من عينيها وهو يودعها ، ولكنها جففتها بسرعة ، وودت لوتنصرف بدون أن ترى أحدا لتعيش من جديد كل كلمة قالها لها.

نيو فراولة 28-11-11 08:11 PM

7- السر الرهيب


ومر الأسبوع التالي ببطء ، كل يوم منه يبدو بلا نهاية ، وكان اجمل ما في الأيام مكالماته ، ولكنها كانت قصيرة ، وكانت تتلقاها في مكان عملها فلم تستطع أن تعبر عن نفسها بتلقائية ، أما ديانا فلم تفهم لماذا لم يعد نيكولاس ، وبدات تعتقد انه ذهب الى غير رجعة ، وقابلت جيف عدة مرات ولكنه كان يتحدث عن ماريا ، وكان من الواضح أنه يأمل مقابلتها مرة أخرى ، ونفد صبرها عندما قال لها كم هي جذابة ، ورفضت ان تكون ماريا محور الحديث بينهما بعد ذلك.
وحاولت مادلين ان تخبر إبنتها مرات عدة بأنها ستذهب الى لندن مساء السبت لأستقبال نيكولاس ، ولكنها كانت تغيّر الحديث كعادتها عندما لا يعجبها موضوع ما ، الى أن كان مساء الجمعة وهما يتناولان الشاي ، قالت لها بصراحة:
" سأخرج مساء الغد".
"وكذلك انا.... سأذهب الى النادي مع جيف".
" لن اخرج مع أدريان... الا تريدين ان تعرفي الى اين ساذهب".
"لا بد أنك ستقابلين نيكولاس فيتال... إسمعي يا أمي ... لا بد ان نتفق على أننا سنختلف في هذا الموضوع ، لا أعرف كيف تتصورين ان ينتهي هذا الأمر ، ولكنني موقنة ان والدي سيتململ في قبره لوعرف به ، إنني لا اريد ان تؤذي نفسك يا أماه".
" لن أؤذي نفسي يا حبيبتي ، نيكولاس يختلف عما تقولين ، أريد فقط أن تفهمي ، كوني إجتماعية وحاولي ان تعرفيه جيدا وبشكل صحيح ، ربما تحبينه!".
إلتفتت ديانا بعيدا لتتجنب عينيها ، وقالت:
" انت تنوين المضي إذا في هذا الشان".
" بالطبع ، ولم لا ؟".
فصاحت ديانا ، وهي مضطربة العاطفة :
" عشنا معا سعيدتين ، والان تريدين ان تفسدي كل شيء !".
" كيف ؟ إذا تزوجت نيكولاس ؟ كيف يمكن ان يفسد هذا كل شيء؟".
" تتزوجينه ؟ أوه ، يا أمي... إنني موقنة ان فكرة الزواج لم تخامر عقله ، إنك تعيشين في السحاب مع الأحلام".
" يجب ألا تحدثيني يهذه اللهجة يا ديانا".
" ولم لا ؟ عمي أدريان يوافقني ، ولا يمكن ان يكون كلانا مخطئين".
" لا اريدك أن تتحدثي عني مع ادريان يا ديانا".
" ثم إنهم ليسوا من طرازنا ... وانت أكبر سنا من ان تتصرفي هكذا !".
إرتج القول على مادلين لدى سماعها هذه العبارة ، وتنهدت بتثاقل ، كان من الواضح ان ديانا تريد ان تقوم بدور النعامة ، على أمل أنها ما دامت لا تنظر فإن كل الأمور البغيضة ستنتهي بطريقة تناسبها.
وفي الطائرة ثبّت نيكولاس حزامه لدى الإقتراب من مطار لندن ، سيرى مادلين مر أخرى بعد قليل ، شعر بنبضه يرتفع وهو يفكر في لقائها ، كانت أياما عشرة طويلة ، وكان قد نفد صبره وأراد العودة بعد أول يوم ، وارادت أمه التي كانت ستلحق به يوم الأربعاء ، أن يبقى معها لمرافقتها ، ولكنه إعتذر بأن امامه عملا في انكلترا ينتظره ، وكانت تحثه على الزواج منذ سنوات ، وقد إختارت له صوفيا ريدولفي وهي وارثة ثرية من أبناء عمومة والده البعيدين ، ولكنه أدرك الآن ، لأول مرة ، أنه لا يمكن ان يسمح لنفسه بفكرة الزواج منها او أي إمرأة اخرى ما عدا مادلين ، كان زواجه من جوانا شيئا فارغا رتّبه أبواه إرضاء للتقاليد ، وشعر بالأسف عندما ماتت ولكن لا شيء اكثر من ذلك ، كأنما توفي صديق من معارفه ، وأدرك نيكولاس أنه لم يكن قد قابل بعد إمرأة يشعر بأنه يريد أن يحميها ، لا ان يستغلها ، ومع ذلك تساءل أين تكمن جاذبيته بالنسبة الى مادلين في ماله ام في شخصيته؟
منتديات ليلاس
ولم يجد مادلين في إنتظاره ... ثم سمع وقع خطواتها مسرعة خلفه فإستدار ليجدها على وشك التعلق بذراعه ، وإعتذرت عن تأخيرها بأن سيارة الأوتوبيس التي اقلتها قد شلت حركتها في إزدحام المرور... وصحبها نيكولاس في تاكسي الى ناديه بشارع سان جيمس ، وفي الطريق عاوده الحنين اليها فعانقها ، ولكنها خلّصت نفسها منه ، فأخبرها أنه متيم بها ، وأنه يحتاج اليها ، ويريد الزواج منها ، فهمست اليه بأنه لا يعرف إلا القليل عنها ، وإعترفت له بحبها ولكنها قالت إن هناك شئا لا بد أن يعرفه بشان جو وديانا... وفي النادي ، حول مائدته الخاصة طلب منها أن تروي له كل شيء عن زواجها ، فقالت:
" قتل أبواي عندما كنت طفلة وكفلتني جدتي ، وكانت طيبة معي ولكنها كانت صارمة ، فكان لا بد أن أعود الى البيت في وقت لا يتجاوز التعاسعة والنصف مساء ، وكانت تريد أن تعرف دائما اين أذهب ومع من ، تمردت بالطبع ، وبدأت اخرج مع مجموعة من الشباب الطائش ، كنت أدرس في الكلية التجارية في ذلك الوقت ، وكان لجدتي منزل في كينسنغتون ، وكنت أقضي كل أمسية في الرقص أو في ركوب الدراجات البخارية خلف الشباب ، ثم حدث ما لا تحمد عقباه ، وقعت في الخطيئة مع احد الشباب ، كان قد تراهن بشأني مع زميل له ،ومات بعد ذلك بأسبوع في حادث صدام بدراجته البخارية ، وعندما إكتشفت أنني حامل إنتابني اليأس ، وكنت موقنة ان هذا الأمر كفيل بقتل جدتي لو علمت به وظللت حائرة لأسابيع في خوف دائم من أن أصبح اما غير متزوجة ، ولي طفل غير شرعي... وكان جو استاذا للرياضيات في الكلية ، وذات يوم وجدني مغشيا عليّ في الممر فنقلني الى مكتبه ، وكان رقيقا متفهما فوجدت نفسي أخبره بكل شيء ، وإعترفت له بحماقتي فلم يصرخ فيّ ولم يعنفني ، بل جفّف دموعي وطلب مني ألا اقلق ، وقال إننا سنجد حلا... ثم طلبني بعد ذلك للزواج ، فدهشت ، ولكنه قال لي إن والدته توفيت وانه يعيش وحده ويريد احدا يرعى شؤونه، وأنه سيرعاني مقابل ذلك ، كنت في السابعة عشرة عندئذ وكان هو قد جاوز الأربعين ولم يكن لي خيار لأنني كنت افكر في جدتي ، وكان زواجي من جو يجنبني العار ، وكان ما فعلته في ذلك الحين يبدو خطأ ، ولكنني استطيع القول إنني لم افعل ابدا ما يؤذي مشاعر جو بعد زواجنا ، وأعتقد انني اسعدته ، أما ديانا فلا تعرف شيئا عما حدث ، وهي لا تزال تعتقد أن جو كان والدها ، وكانا معا على أفضل ما يرام ، ورغم انني وجو لم نكن زوجين بالمعنى المفهوم عاشت ديانا سعيدة ، وكان جو سعيدا فخورا بها كاي اب ، وعندما بلغت الخامسة اصيب جو بسرطان في الرئة وأجريت له جراحة ولكن حالته إزدادت سوءا ، فعملت سكرتيرة لمدير شؤون العاملين في إحدى الشركات الهندسية ، ومات جو وحزنت عليه ديانا حزنا شديدا ، وكنت أشعر بتأنيب الضمير وأتساءل إن كان زواجنا قد عجّل بحالته ، واخيرا بعنا المنزل الذي كان يملكه وإنتقلنا الى شقة قريبة ، ونفدت النقود فإلتحقت كسكرتيرة لأدريان في هذه الوظيفة خارج لندن ، حيث الحياة ارخص والمرتب اعلى ، وكان ادريان هو الذي حصل لنا على الشقة التي نسكنها".

نيو فراولة 29-11-11 04:13 PM

تساءل نيكولاس إن كانت تنوي أن تخبر ديانا بأمر والدها الحقيقي فقالت انها لا تعرف بعد ، وابدى إعجابه بجو وسالها إن كانت أحبته ، فقالت إنها احبته ولكنها لم تكن مغرمة به ، فسالها إن كان قد طارحها الهوى فردت بالنفي ، وقالت إنهما كانت لهما غرفتان منفصلتان ، فقال نيكولاس:
" فهمت ، هذا هو السبب في أنك تبدين كأن لم يمسك احد من قبل ، ولا أعتقد إنك عرفت الحب على حقيقته كما يجري بين الرجل والمرأة ، وإذا كان جو متفهما ، فلا تتوقعي مني ان أعاملك المعاملة نفسها".
وافضت اليه بحبها وقالت إنها تريد ان تشاركه كل شيء وان تظل معه طول الوقت ، وذهبا الى احد الملاهي حيث رقصا متعانقين ، وعرفت انها تحبه كما لم تحب رجلا من قبل ، اما نيكولاس فقد أدرك أنه ظل طول حياته يبحث عن إمراة مثل مادلين ، وأنه يريد ان يرعاها ويعوّضها المباهج التي إفتقدتها ، بعد ان دفعت ثمنا غاليا للحظات طيش في شبابها.
واخبرها نيكولاس انه طلب الى هارفي أن ياتي بالسيارة لأصطحابهما في العاشرة حتى يستطيع أن يعيدها الى المنزل في وقت معقول ، وعندما عادا الى المائدة بعد الرقص اخبرها بأنه لا يعبأ بما حدث لها في الماضي وانه لا يجد ما يبرر ان تطلع ديانا بشأن والدها ، وقال إن ما يهمه هو الزواج منها ، بمجرد ان يستصدر تصريحا بذلك ، فقالت إن هذا ما تريده أيضا ، ولكن ديانا لا تزال تفكر في زواج أمها من ادريان ن فسألها إن كانت ستتزوج أدريان لو لم يظهر هو في حياتها ، فأجابته بالنفي ، وقال لها إن ديانا متعلقة بها الى حد الشعور بالتملك ، وأنها ترى ان زواجها من أدريان لن ينتزع منها أمها كما قد يحدث إذا ما تزوجت رجلا اصغر سنا ، ثم أنها ايضا تخشى أن تنجب أمها أطفالا خرين.
غمغمت قائلة ببطء:
" أشعر بأنك على حق".
" إنني موقن من ذلك ، ن هناك تفسيرا منطقيا لكل شيء ، وإنني أريد أن نتزوج قبل عيد الفصح ، سنذهب الى فيلنتيا في العيد ، الى بيت أمي ، وتستطيع ديانا ان تاتي معنا وان ترافق ماريا ، وستعمل والدتي على ان نبقى منفردين ، وقد نتركهم ونذهب لنركب اليخت ونمخر به عباب الأدرياتيك ، سيكون الجورائعا وسنكون في عزلة تامة ، وستعشقين بلادي ، ستكون الليالي طويلة متراخية ، لا تدعيني انتظر أكثر من ذلك !".
وعندما جاء هارفي ابلغه نيكولاس بإتفاقهما على الزواج ، وفي الطريق الى منزلها عانقها بحرارة ، وسالها متى يراها في الغد ، فقالت إن من الأفضل أن يأتي الى مسكنها ، لأنها تريد أن تخبر ديانا بامرهما ، وأن تتيح لهما الفرصة ليزدادوا تعارفا ، وشكرته مادلين على أنه وثق بها ولم يغضب بسبب ما روته عن جو ووالد ديانا ، فقال لها برفق:
"لو لم تكن حياتك قد أحبطت بالحماية على نحو ما حدث ، لما كنت انت مادلين التي أحببتها وعشقتها ، ساكون لك بمثابة أول زوج تعرفينه ، وهذا يعني الكثير بالنسبة الي يا حبيبتي".

نيو فراولة 30-11-11 06:10 PM

8- وجه كاللغز


لم تستطع مادلين أن تخبر ديانا بشأن نيكولاس في تلك الليلة ، وكانت قد وجدتها في الفراش عندما وصلت ، نائمة على ما يبدو ، وقضت مادلين نفسها ليلة بيضاء ، وصحت في اليوم التالي كأنها لم تنم على الإطلاق ،وجدت ديانا منتصبة في الفراش ترتشف بعض محلول الاسبرين فيما يبدو ، وكانت تبدو مختلفة الوجه ، فسألتها عما بها فأخبرتها بأنها مريضة ، وإنها تعتقد انها اصيبت ببرد ، فاعدت لها زجاجة ماء ساخن وبعض الطعام ، وقررت أن تخبر نيكولاس بامرها حتى إذا جاء ، لم يقل شيئا يغضبها ، فتذرعت بأنها ستقابل وكيل المالك وخرجت حيث إتصلت بفندق ستاج هاتفيا ، وكانت العاشرة والنصف صباحا ، ولكن بدا من صوت نيكولاس انه لا يزال في الفراش ، قالت انها لا تستطيع ان تخبر ديانا بأمرهما اليوم ، فوافق على ذلك ولكنه طلب أن يحضر ، حتى تعتاد ديانا رؤيته ، وإتفقا على أن يكون ذلك في الثانية بعد الظهر ، وشعرت بانها تواقة الى رؤيته ولكنها كانت قلقة بشأن سلوكه إزاء ديانا ، ووجدتها مضطربة في حالة حزن فمسحت وجهها بإسفنجة مبللة بماء بارد ، وطلبت منها ديانا بعض عصير الليمون فاعدته لها ، ونامت بعد ذلك ، فتناولت مادلين وجبة خفيفة بدل الغداء ، وهي ترقب الساعة بإستمرار ، لم يكن قد بقي على عيد الفصح إلا اربعة ايام وكان من المقرر أن يطير آل فيتال الى ايطاليا يوم الخميس على الأكثر ، وكان من المقرر أن يحدث الكثير حتى ذلك الحين
.منتديات ليلاس
وجاء نيكولاس بعد الثانية بقليل ، وشعرت في حضوره بإضطراب كأنها قطة صغيرة ، فتساءل عما بها وعانقها وهنا إرتفع صوت ديانا يناديها ، وبينما كانت تسقيها بعض عصير الليمون ، د خل نيكولاس ، فإتسعت عينا ديانا غير مصدقة وكادت تشهق بالشراب ، وبدت كارهة لرؤيته ... وأشار نيكولاس بضرورة الإتصال بالطبيب ، وخرج للإتصال به رغم معارضة ديانا ، وبناء على تعليمات مادلين ، فنظرت ديانا الى امها بغضب وقالت:
" تركته يفعل ذلك عن عمد ، كلاكما شخصان بغيضان !".
فشهقت مادلين قائلة:
" ولكن لماذا؟ لا نريد أكثر من أن تتحسن حالتك في أقرب وقت".
" لماذا؟ حتى تشعرا بحريتكما في الخروج متى شئتما؟".
" لم يكن لهذا داع يا ديانا".
" حقا ؟ حسنا ، فليحضر الطبيب إذا ، وسترين إن كان هذا يهمني !".
وكان الدكتور فولدز رجلا مسنا ، ولكنه جاء على الفور ، وبعدما فحص ديانا عاد الى غرفة الجلوس ، وقال إنه لم يجد شيئا أكثر من إحتقان في الأنف بسبب برد خفيف في الراس ، وأنها تتمارض ، ويجب ان تذهب الى المدرسة.
اخذ نيكولاس يتحرك متململا بعد ذهاب الطبيب ، وقال:
" يا ألهي ، لا بد أنها تعتقد أننا مغفلان تماما ! حسنا لن تستطيع أن تفلت بما فعلت ...".
تطلعت اليه مادلين متسائلة:
" وما هذا؟".
" هذه الفكرة التي تساورها ... إنها إذا شاءت ان تتظاهر بالمرض فكل تصرف من جانبنا سيصبح معلقا ، وربما يلغى".
" وماذا ستفعل؟".
قال وهو يدفع بيديه في جيبه:
" أخبرها بالحقيقة الان ! من الواضح انها تدرك أنك تخفين شيئا".
أمسكت مادلين بذراعه وقالت:
" انا موقنة بأنك محق يا نيكولاس ، ولكن ليس في وسعنا ان نخوض في هذا كله الآن... ليس في هذه اللحظة".
تساءل بصوت بارد:
" لماذا".
هزت مادلين كتفيها وهي لا تكاد تجد الكلمات ، وقالت:
" اوه ، اعتقد انني أريد ان تكون الأمور مستقيمة بيننا ، والآن ، ستحدث مشادات كلامية ، ويعلم الله متى يطول العداء بعد ذلك".
عبس نيكولاس ، وقال وهو يتهمها:
" إنك تخشين أن تخبريها يا مادلين ! ولكن تذكري أننا في يوم الأحد ، وستصل والدتي يوم الأربعاء ثم تسافر الى فيلينتيا يوم الخميس... فإلى متى تتوقعين ان تؤخري يوم السؤال هذا؟".
إلتفتت مادلين بعيدا وقالت:
" لا أدري... حدث الأمر كله فجأة ".
" فجاة؟ فجاة ؟ اتريدين يا مادلين ان أنتظر الى ما لا نهاية حتى تستجمعي بعض الجراعة لمواجهة إبنتك في أن تتيح لك سعادة كبيرة؟".
" كلا ... أنا لا أريد الإنتظار ، ولكنني لا اريد ان أحطم قلب ديانا".
قال بخشونة:
" قلب إبنتك لأعسر على التحطيم من قلوب اعرفها... فهل ستقولين لها الآن؟".
" إنني ... إنني... ارجوك يا نيكولاس".
فتناول معطفه فجأة ، وبدا وجهه كاللغز وإن إلتهبت عيناه بالغضب.
وقالت مادلين ، وهي تشعر بقلبها يثب من فمها :
الى اين... أنت ذاهب؟".
قال وهو يمضي الى الباب:
" سأعود الى الفندق".
" أوه يا نيكولاس، لا تذهب هكذا".
ولكنه تجاهل توسلاتها وفتح الباب وخرج واغلقه وراءه بدون ان تستطيع منعه ، كانت هذه تجربة مؤلمة له ايضا، فلم يسبق ان تحدته امراة علنا ، وإنه لمن المهانة أن يدرك انه رغم إفتقارها الى الحسم ورغم جبنها المتعثر ، لا يزال يريدها ، يريدها على نحو كان يمكن معه لو بقي ان يلين وان يوافق على تاجيل زواجهما الى ما شاءت.
وتهاوت مادلين بمرارة على الأريكة وقد وجدت نفسها وحدها ، وفاضت الدموع من عينيها ، كان وقع ما فعلته به يغمرها ويؤلمها.

نيو فراولة 01-12-11 07:20 PM

9- يا لهول ما حدث !


وعاد نيكولاس في سيارته الى فندق ستاج مباشرة ، كان في غضب شديد فلم يرد على موظف الإستعلامات عندما حيّاه ، وتجاهل المصعد وصعد الدرج الى جناح ماريا وه ونافد الصبر ، وفتح الأبواب بشدة ومضى بغطرسة داخل الغرفة.
وكانت ماريا وحدها ، ممددة على أريكة تقرا مجلة ن وتتناول بين حين وآخر بعض الشوكولاتة من علبة بجانبها ، وإبتسمت له في فتور وهو يدخل ، وهي تتساءل عما أعاده في هذا الوقت المبكر وفي مثل هذا المزاج الملتهب ، وكان وجهه يبدو مظلما كسحابة قاتمة ، وكان عليها أن تضبط وألا تسال عما حدث ، كانت قد تعلمت منذ سنوات كثيرة الا تسأل هذا النوع من الاسئلة إلا إذا كانت مستعدة لمواجهة عاصفة بدل الإجابة.
قالت تحييه في مرح بالإنكليزية:
" مرحى... هذه مفاجأة ".
كانا قد إعتادا الحديث بالإنكليزية وهما منفردان ، لأن نيكولاس قضى وقتا طويلا في الولايات المتحدة ويعتبر الإنكليزية لغته الثانية.
إرتمى نيكولاس على مقعد منخفض ذي مسندين ، وحلّ أزرار معطفه وقال فجأة:
" اعدي لي شرابا.... انت تعرفين ما احب".
" واعرف كيف تحبه....".
قالت ذلك بخفة وإنزلقت عن الاريكة برشاقة ، وكانت ترتدي بنطلونا أحمر ضيقا يلتصق بجسمها ، وكنزة بغير اكمام وشعرها معقود في شكل ذيل الحصان ، وكانت تبدو صبوحة وغير معقدة في عيني نيكولاس المجهدتين ، لماذا لم تستطع ديانا سكوت أن تكون طفلة طبيعية متوازنة؟
قالت ماريا وهي تناوله كوب الشراب:
" اليك يا عزيزي ، هل تشعر بأنك على ما يرام؟".
" كلا...".
قالها نيكولاس وهو يزداد تقطيبا ن بينما غاصت ماريا في الأريكة مرة اخرى وهي تشعر بالإرتباك ، وإستعادت مجلتها ونيكولاس يحدق فيها متسائلا:
" أين الآنسة سايكس".
" في غرفتها ، لماذا؟ هل تريد رؤيتها؟".
" كلا... ماذا كنت تفعلين ن الى جانب تغذية نفسك بالشوكولاتة؟".
" ليس كثيرا ... خرجنا الى النزهة هذا الصباح كما تعلم ، وتناولنا القهوة في مشرب شاي إنكليزي اصيل ، ولكنني اعتقد أنه مكان عادي ".
قالت ذلك مبتسمة ، ولكن نيكولاس بدا عليه السأم ، وما لبث ان نهض واقفا ، كان شعور العذاب الذي يتخلل عظامه يغيط حقا ، وكان يعلم انه لن ينام الليلة بإرتياح.
خلع معطفه وقذف به فوق مقعد ، واخذ يدور في الغرفة متململا ، فبدا كحيوان كبير حبيس في قفص يثير مرآه المتعة في نفس ماريا ، كانت فخورة بوالدها ولكنها كانت تعلم ان هناك خطا خطيرا قد حدث ، قالت:
" إنك تجعلني عصبية".
تجاهل نيكولاس ملاحظتها وواصل خطوه ، وسكب لنفسه مزيدا من الشراب وقال:
" هل تريدين الخروج للنزهة؟".
" اعتقد، أن في وسعنا ذلك، هل أنت متاكد أنك تريدني أنا؟".
قال بوحشية:
" متاكد تماما ".
هزت ماريا كتفيها ونهضت:
" لا تحطم رأسي ، سالتك سؤالا بسيطا ، وإنني لأقول إستنادا الى تعبيرات وجهك انني آخر إنسان تريد ان تكون معه".
إزداد نيكولاس عبوسا ، وتساءل:
" ماذا بحق الجحيم تعنين من وراء هذه الملاحظة !".
قالت ببراعة:
" حسنا ، هناك رفيقات من النساء ، وإنني لأقول الان إن ما تحتاجه هو شيء يختلف عن صحبة غبنتك".
" حسنا ، إنك لمخطئة ".
" وماذا عن مادلين إذا ؟".
" فلنتناسى مادلين ، الن تغيّري ملابسك؟".
" بالطبع ، لا تكن رديء الطبع ، أنا ماريا ... فلتتذكّر !".
لانت عيناه لحظة وقال :
"بالطبع ، حسنا ... لا تبقيني أنتظر طويلا".
ولطمها على مؤخرتها وهي تمر بجواره فإبتسمت له بمرح ، مهما كان ما حدث من أمر خاطىء ، فلن يقول لها الآن.
إرتدت بنطلونا ابيض من الجرسيه الحريري الثقيل ، ومعه جاكيت تناسبه مزدانة باللون القرمزي ، ووضعت في قدميها خفا أبيض لأكمال المجموعة وبدت كشابة في الثامنة عشرة وليس صبية في الخامسة عشرة ، وشعر نيكولاس بشيء من الفخر وهي تنضم اليه ، كانت تبدو متوازنة واثقة من نفسها ، مثله تماما ، وإن كان لا يشعر الآن بأنه مدلل او واثق من نفسه.
كانت سيارة شريدان الحمراء تقف في مكان الإنتظار ، فإندست ماريا في مقعدها وهي تشعر بسرور تام لهذا الخروج غير المتوقع ، فمنذ وصولها االى أنكلترا لم يجد والدها وقتا كثيرا يقضيه معها ، وشعرت الان بالسرور لأنهما معا .
وكانت السوق في اوتيرييري مزدحمة بعد ظهيرة هذا الأحد ، كانت هناك مجموعة من الشباب يقفون هنا وهناك يتحادثون ويتضاحكون ، فحسدتهم ماريا على إنطلاق سجيتهم ، كان لها في إيطاليا أصدقاء كثيرون ، وكانت تقضي معظم عطلات نهاية الأسبوع في البحيرة ، تركب الزوارق وتسبح ، وكانت تفتقد الصحبة الطلقة السهلة للفتية والفتيات من سنها ، إذ لم تكن تعرف احدا من الشباب في أوترييري ، ومع ذلك كانت تعزي نفسها بأنها هنا مع نيكولاس وهارفي ، وهذا يعوضها عن الكثير.
وفجأة إنتصبت الى الأمام في مقعدها وقالت:
" هذا هو الفتى صديق ديانا ، يبدو وكأنه ينتظر احدا ، هل تعتقد أنها ربما كانت ديانا؟".
قال نيكولاس في جفاف :
" في الأغلب ، لكنه سينتظر عبثا وقتا طويلا ، لأنها لن تحضر ، فهي تلازم الفراش".
بدت نبرته ساخرة ، فتطلعت اليه ماريا لحظة ، وتساءلت:
" هل هي مريضة ؟".
قال نيكولاس وأصابعه تقبض على عجلة القيادة:
" هكذا تقول".
" الا تعتقد إذا انه يجب أن نتوقف ونخبره ؟ إنه يبدو وقد سئم وقفته بالفعل ، ربما كان قد إنتظر طويلا".
هز نيكولاس كتفيه ، لم تكن لديه رغبة خاصة في ان يحادث احدا يعرف آل سكوت جيدا ، ولكن بدا انه ليس أمامه خيار ما لم يكن يريد ان يردعلى أسئلة كثيرة من إبنته تتصل بهذا الموضوع.

نيو فراولة 02-12-11 10:27 PM

إلتف بالسيارة حول الميدان وعاد الى حيث يقف جيف ،وفتحت ماريا النافذة لتلفت إنتباهه:
" هل تنتظر ديانا؟".
إتجه جيف نحوهما وقد بدا مدهوشا وإن لم يكن مستاء ، وقالت ماريا لوالدها بصوت خفيض ، وبسرعة:
" ألا يمكن ان نطلب منه ان يأتي معنا؟".
قال نيكولاس بغير تحديد:
" اعتقد ذلك".
" سيكون أمرا عظيما ان يكون معنا نتحدث اليه على سبيل التغيير ".
" أشكرك".
قال نيكولاس ذلك وهو يلقي اليها بنظرة جانبية ، فضحكت ، وقالت هامسة ، وجيف يصل الى السيارة:
" أنت تعلم أنني لم أقصد ذلك بطريقة مسيئة"
وقال جيف وهو يرتكن الى النافذة:
" نعم ، انا أنتظر ديانا".
وقيّم بنظراته الصورة الجميلة التي جسّدتها ماريا وهي تجلس في السيارة الفاخرة ، وقرر فجأة أنه لم يعد يعبأ إذا لم تحضر ديانا ، وقالت ماريا وعيناها تلمعان:
" إنها لا تزال في الفراش، ولن تحضر ، هل أصبحت الآن خاليا؟".
ضيق جيف عينيه وقال:
" أظن ذلك".
" لماذا لا تأتي معنا إذا ؟ لا أعرف بالضبط أين نذهب ، ولكنه سيكون أفضل من بقائك هنا".
إحمر وجه جيف ، وتطلع الى نيكولاس قائلا:
" ولكنني أعني... الن ... يعترض... صديقك؟".
فضحكت ماريا بمرح وقالت على سبيل التقديم :
" هذا والدي ، ولن يعترض ، إركب".
وافسحت له مكانا في المقعد الأمامي حتى يتمكن من الجلوس بجوارها ،وتذكّر نيكولاس أنه في الليلة السابقة فقط كانت مادلين تحتل هذا المقعد بجواره تماما ، وتصاعد غضبه من جديد وإنطلق بالسيارة بعنف أذهل حشدا من الشباب كانوا يرقبون السيارة عن كثب معجبين.
وكان نومه سيئا تلك الليلة على ما توقع ، اخذ يتقلب متململا في الفراش الكبير ،ونهض مرتين لتناول بعض الأسبرين بدون نتيجة ، وصحا في السابعة في مزاج سيء ، وراسه يوجعه على نحو فظيع.
ضيّع الوقت في قراءة الصحف ، ولم يظهر في المصنع إلا في الحادية عشرة ، وما كاد يخطو عبر الأبواب الزجاجية للمبنى حتى هتف به أحد موظفي الإستقبال:
" سيد فيتال ، هناك سيدة شابة تنتظر مقابلتك يا سيدي ، إنها تنتظر منذ العاشرة ، قالت إنها جاءت لمسألة شخصية ، لذلك جعلتها تنتظر في غرفة المقابلات.
إزداد نبض نيكولاس : مادلين ! شعر بالدم يطرق أذنيه ، من تكون غيرها ! وعبر المدخل الواسع وفتح باب غرفة المقابلات بقوة ، وعندئذ نهضت فتاة من المقعد بجوار المكتب ... كانت ديانا سكوت !
واذهلته خيبة أمله لعدة ثوان ، ولم يصدق أن ما رىه صحيحا ، وإقتضاه الموقف جهدا ليستجمع أمره ويغلق الباب ، وكانت عيناه في برودة الثلج وهو يتطلع الى الفتاة التي قبضت يديها في حجرها ، قالت في صعوبة وهي تغوص في مقعدها من جديد:
" صباح الخير يا سيد فيتال".
لم يرد عليها مباشرة ، بل مضى ببطء حول المكتب وجلس في مواجهتها في المقعد المنخفض ذي المسندين.
" لماذا انت هنا؟".
فإحمر وجهها وقالت:
" سأخبرك يا سيد فيتال ، إنني أريدك ان تكف عن مقابلة والدتي...".
ثم تنحنحت قائلة:
" الى الابد".
كانت التعبيرات على وجه نيكولاس مخيفة ، وتساءل بوحشية:
" هل انت جادة؟".
فإبتلعت ريقها بصعوبة وقالت:
" بالطبع ، إسمع... كنا سعيدتين حتى ظهرت ، فمزقت أوصال حياتنا وقلبت امي عليّ".
" انت التي قلبت أمك عليك وليس ذلك من فعلي... رباه... إنني لا أرى كيف يكون في وسعك أن تقولي ذلك وهي تفضلك في تفكيرها على سعادتها".
" حسنا ، إنها لم تتصرف على هذا النحو من قبل ، إنها تعاملني وكانني طفلة تعوق أمورها"
" هراء !".
" بل هو صحيح ، إنها تعتقد انك تفكر فيها جديا لمجرد أنك تعطيها إهتماما كبيرا".
قال بغضب وهو ينهض:
" لست أدري كيف تجرؤين على القدوم الى هنا والحديث عن والدتك بهذه الطريقة الشنيعة ، من تظنين نفسك في أي حال؟".
ضغطت ديانا شفتيها إزاء غضبه وقالت بإحتقار:
" أنا أحب والدتي ولا أريد ان يلحقها أذى ، إن عمي أدريان يريد الزواج منها ، فهل تعتقد انه سيظل يريدها... بعدك؟".
" إخرسي !".
قال نيكولاس ذلك وهو يشتعل غضبا ثم أردف:
" كيف تجرؤين على القول بانك تحبين والدتك ؟ إنك لا تحبين سوى شخص واحدد هو نفسك ! إنك تفزعين خوفا من أن تتزوجني والدتك ، ولا تهتمين إذا كانت ستضار ام لا ، كل ما يقلقك هو ان تفقدي مكانتك فقد تنجب أطفالا آخرين .... أليس كذلك ؟".
إمتقع وجه ديانا كأنما صفعها ، ونهضت وهي تترنح ، وهتفت بحدة:
" اعتقد أن الأمر كله مثير للتقزز ، كيف يمكنك أن تقول لي امورا كهذه؟".
" لأنها صحيحة ... لا تراوغيني ، هذا لن يفيدك ، أستطيع أن أستشفك كما ارى خلال الزجاج ".
ووضع يده على المكتب وهو يواجهها قائلا:
" ما هذا الذي يقزّز في الزواج ... في أي حال؟".
" لا ... شيء... ولكنك لست مثل أبي أوعمي ادريان ، إنك ... إنك لفظيع !".
تنهد نيكولاس في كلل ، وهو يحاول جهده ان يضبط نفسه ، وقال بهدوء:
" أخبريني لماذا؟ وإذا لم تستطيعي فساخبرك أنا".
لوت ديانا اصابعها معا وقالت:
" ماذا تعني؟".
" اعني أنك حتى هذه الأسابيع الأخيرة لم تفكري في والدتك كإمرأة لا تزال شابة جذابة ، بل إنك لا تقبلين ذلك حتى الآن... تظنين انني فظيع لأنني لا اتفق مع أفكارك التافهة بشان الرجل الذي يجب ان يتزوج والدتك ، ولا تهتمين إلا بنفسك يا ديانا كما قلت من قبل ، ولوكنت تهتمين بامر والدتك لتوقفت لتفكري في أنها ربما وجدت شخصا يجعلها سعيدة... سعيدة حقا".
صاحت ديانا ، وصدرها يعلو ويهبط:
" لن تكون سعيدة ابدا معك !".
لم يستطع نيكولاس أن يتحمل المزيد ، فصاح :
" إخرجي ! إخرجي قبل ان افقد اعصابي !".
نهضت ديانا وتراجعت الى الباب ، وصاحت بصوت مرتعش ، قبل ان تخرج بسرعة وتصفق الباب خلفها:
" إنك لبغيض !".
غاص نيكولاس في المقعد بجوار المكتب بعد ذهابها ، واشعل سيكارة باصابع مضطربة ، ييا لهول ما حدث ! وتساءل كم من الرجال واجهتهم بنات زوجاتهم المقبلات ، وهز رأسه في كلل ، لا يستطيع والأمور كما هي الآن ان يصف مادلين بأنها زوجته المقبلة ، فهما بعدما حدث بالأمس بالكاد يصبحان صديقين ، وتنهد ... سئم الأمر كله تماما ، إنه موقن أنه يريد الزواج من مادلين أكثر من أي شيء آخر في الدنيا ، ولكن كيف يقبل زواجا تلقى فيه ديانا أهمية أكثر منه؟

نيو فراولة 03-12-11 11:12 PM

10-الإبنة الهاربة


وجدت مادلين الأيام التالية بعد رحيل نيكولاس المفاجىء ، لا تحتمل ، وكانت تقوم بعملها بطريقة آلية وتبكي في داخلها على الحب الذي فقدته ، وكانت ديانا قد بقيت في الفراش طوال نهار الأحد ، ولكن مادلين لم تجد الشجاعة لأن تخبرها بما قاله الطبيب ، وكانت قد رات إبتسامة الرضى على وجه ديانا عندما سمعت أن نيكولاس رحل ، واصيبت في مشاعرها على نحومفرط ولم تستطع معه أن تقول المزيد.
وفي يوم الإثنين ذهبت ديانا الى المدرسة كالمعتاد وبدأت تعامل مادلين بعاطفتها القديمة ، ورغم أن مادلين إستسلمت في صمت ، فإنها لم تستجب لهذه العاطفة ، لم تستطع ذلك ، وكانت متعبة ذهنيا وتخاف الذهاب الى العمل خشية مواجهة أدريان ، على ان أدريان ، بعدما إستفسر منها إذا كان نيكولاس قد عاد يوم السبت بعد خروجه ، لم يعقب أكثر من ذلك ، فشعرت مادلين بإرتياح ، إذ لم تكن تعرف ما يمكن ان ترد به عليه.
وتمنت ان يتصل بها نيكولاس هاتفيا لكنها اصيبت بخيبة امل ، وشعرت بالعجز ، من المؤكد انه لا ينوي إنهاء ما بينهما على هذا النحو ، لقد حذّرها أدريان بالطبع ، إنه ليس من ذلك الطراز الذي يمكن ان يرتبط به المرء ، ولكن هذا لم يكن السبب في خروجه العاصف من الشقة ، لقد إحتقرها لأفتقارها الى الحسم ، ولجبنها إزاء ديانا ، وفوق كل شيء ، لرفضها أن تضعه هو في المقام الأول.
ودخلت ديانا المنزل مساء الإثنين وقد إجتاحتها فورة غاضبة... وسالتها مادلين في ضجر عما بها ، فإستدارت نحوها في غضب وقالت ثائرة:
" إبنة صديقك الغالي خرجت بالأمس مع جيف".
" خرجت مع جيف ؟ كيف حدث هذا؟ ومن أين لك أن تعرفي وكنت في الفراش".
فإحمر وجهها وقالت:
" أخبرني جيف قابلته في ساعة الغداء ولم يستطع الإنتظار ليبوح بالأمر ، كان ينتظرني في السوق امس عندما مرت به ماريا ووالدها في سيارتهما الأنيقة ، فابلغته ماريا بانني مريضة ولن أحضر وإقترحت عليه أن يذهب معهما ! وتوجهوا الى لندن وأنفقوا بعض الوقت في النزهة ثم تكفل لهما السيد فيتال بعشاء في احد محلات الشواء الفاخرة بالويست أند ، كان بودي أن تسمعي جيف ! كان يتفاخر بما حدث ويقول أن ماريا رائعة...".
منتديات ليلاس
ولم تستطع أن تمضي في الحديث لتقول لأمها أن جيف بدا يلتهب في حبه لها وقال لها ما معناه إن ماريا ليست مثلها ، وإنه لو إنفرد بها لأستطاع أن يستمتع حقا ، كما قال إن ديانا مفرطة الإحتشام ويتعيّن أن تصحو للحياة وأن تكف عن العيش في عالم الأحلام ، كانت ديانا شابة يساورها الإرتباك ، لم تستطع أن تحدث أحدا بما جرى فشعرت بأن الحياة في هذه اللحظة بالغة التعقيد.
قالت مادلين في تشكك:
" حسنا ، هذا لا يقلقني ، وإنني لا أكاد أعتقد أنه سيكون لماريا شأن كبير مع جيف إيمرسون ، إذا لم يكن لأبيها شان في الموضوع في أي حال".
شعرت ديانا بخديها يحترقان ، وذكرى محاورتها مع نيكولاس فيتال هذا الصباح لا تزال ماثلة في ذهنها ، فإختلست النظر الى أمها ، كان يبدو انه لم يحدثها هاتفيا ، وكانت تتوقع أن يفعل وتوقعت أن تواجه أمها المتاعب حقا ، لكنه لم يفعل فتساءلت إن كان قد حمل ما قالته على محمل الجد ، وتمنت هذا حتى ما حدث من جانب جيف لن يبدوسيئا عندئذ، ومن الواضح أن مسلك امها يوحي بأن كل شيء قد إنتهى.
يوم الأربعاء السابق في عيد الفصح بدأ العرض المسرحي الذي تقوم فيه ديانا بدور في الكلية ، وكان على مادلين ان تذهب ، ولما كان أدريان ذاهبا بدوره إقترح ان يذهبا معا ، وافقته مادلين بغير إكتراث فدهش ، ولم يكن بوسعه ان يدرك ما حدث من سوء بينها وبين نيكولاس فيتال ، لكنه كان يستطيع أن يحكم من وجهها الغائر وعينيها المنهكتين أن أمرا سيئا حدث ، وقرر ألا يقول شيئا آملا أن تعود الأمور الى طبيعتها بينها وبينه.
وكانت مادلين موقنة انها لن تستطيع التركيز على المسرحية ، ولكنها لم تستطع أن تتراجع ، ولما كانت ديانا قد بدت معقولة على نحو مريح طول الأسبوع شعرت بأن هذا أقل شيء تفعله إزاءها للإبقاء على الإنسجام بينهما .
وبينما كانت تتزين للأمسية أخذت تدرس تعبيرات وجهها في المرآة ، كانت عيناها تحيط بهما هالتان سوداوان بسبب إفتقارها الى النوم ، فجعلا لها مظهرا منهكا ، وشعرت ان كل سنة من سنواتها الثلاث والثلاثين تظهر عليها ، وكان شحوب وجنتيها يؤكد الإعياء البادي في عينيها ، فإنصرفت عن صورتها في المرآة وهي تشعر بالهزيمة.
إرتدت المعطف الخضر الغامق ونزلت لمقابلة أدريان عندما جاء في سيارته ، ولم يكن بوسع أدريان ، وهو يحبها ، إلا أن يلاحظ حالة التعب التي تعانيها ، ووجد نفسه يتمنى أن يرى نيكولاس فيتال ما فعل.
توجها في صمت ودي الى الكلية ، وكل منهما مشغول بافكاره ، وكانت القاعة تغص بالحضور ، ولكن مقعدي أدريان كانا في الصف الأمامي محجوزين لهما ، وما كادا يقتربان من المقعدين حتى هتف صوت:
" تحية يا مادلين !".
إستدارت مادلين وقلبها يخفق بشدة ، وظنت للحظة أنه نيكولاس ، وبدلا من ذلك وجدت نفسها وجها لوجه امام هارفي كامنغز ، قالت بهدوء وهي تغتصب أبتسامة:
" أهلا يا هارفي".

نيو فراولة 04-12-11 09:52 PM

كان مع آل ماسترسون وسيدة أخرى شابة ، ولكنه نهض من مقعده ليتحدث اليها ، ومضى أدريان في سيره ليتركهما وحدهما ، وتساءل هارفي بجد وهو يدرس وجهها بفضول:
" ماذا حدث يا عزيزتي".
تمتمت بإرتباك:
" ماذا ؟ لا أعرف ماذا تقصد".
" تعرفين بالتأكيد ، إنك لم تقابلي نيكولاس اخيرا ، أما انا قابلته ، إنه يبدو كالدب المصاب في راسه ، ولكنه لا يحدث أحدا بان هناك ما يسوء ، وأعتقد انه في وسعي ان احزر الان".
غاص قلب مادلين وهو يواصل حديثه:
" وصلت أمه اليوم من إيطاليا ، وأحضرت معها سيدة هي إبنة عم نيكولاس من بعيد ، وتصورت انها تامل في أن ترتب شيئا مثيرا للإهتمام بينهما".
ثم تابع كلامه بصوت خفيض:
" إتصلي به تلفونيا ، ولا تدعي أمه تحقق غرضها مستفيدة من الظروف ، نيكولاس يكاد يجن جنونه ، صدقيني".
ضمت مادلين يديها معا وقالت:
" ولماذا إذا لا يتصل بي هو؟".
هز هارفي كتفيه قائلا:
" ربما يلومك على ما حدث ، أنت وإبنتك ، نيكولاس ليس متكبرا ولكنه لن يعفر راسه بالتراب أمامك ، ولهذا فأنا اعرف ان هناك شيئا كبيرا يزعجه".
هزت مادلين رأسها وقالت:
" هناك بالفعل ، أوه يا هارفي ، هل تعتقد حقا أنه يتعين عليّ أن أتصل به".
" طبعا".
ثم إختطف نظرة الى ادريان وقال:
" هل قال لك هذا الفتى شيئا آخر؟".
" كلا ، بالطبع ، بالطبع لا ، لا يعرف شيئا عن ذلك".
وإبتسم هارفي ثم قال:
" حسنا كنت سألكمه في أنفه".
ثم قبض باصابعه على رسغها وقال:
" نيكولاس فتى عظيم ، أعرف انه افضل أصدقائي ، عملنا معا سنوات ، لذلك فمن الطبيعي ان اتحيّز له ، ولكن لم يسبق ان إنتابته مثل هذه الحالة بشان فتاة من قبل".
رسمت مادلين على شفتيها إبتسامة وإستدار أدريان في مقعده في هذه اللحظة ، وقال:
" من الأفضل أن تأخذي مقعدك الان يا مادلين ، العرض على وشك أن يبدأ ".
تطلع اليها هارفي ينتظر الجواب فاومات له برأسها ببطء ، فغمغم :
"عظيم".
ثم إنصرف الى مقعده بعدما ضغط على رسغها وإتخذت مادلين مقعدها ،وقال أدريان والانوار تخبو تدريجيا:
" ارسلت تذاكر كثيرة للمديرين ، واتساءل لماذا لم يأت السيد فيتال بنفسه".
" امه ستصل من إيطاليا اليوم ، وهارفي هو مساعده ، لذلك فأظن أنه يقوم بكل هذه الواجبات".
فاوما أدريان برأسه وإرتفع الستار ، وكانت المسرحية جيدة ، ولكن مادلين لم تفهم منها شيئا تقريبا ، لفرط إنشغالها بأمورها الخاصة ، تستطيع إذا شاءت أن تتصل بنيكولاس غدا ولكن السؤال الان هو ماذا في وسعها أن تقول؟
ولم يكن لدى نيكولاس وقت صباح الأربعاء للذهاب الى مطار لندن والترحيب بأمه ، وأرسل إبنته ماريا في السيارة التي تخص الشركة مع السائق ، ولذلك كانت مفاجأة له عندما عاد الى الفندق وقت الغداء ليجد أمه تنتظر ليس وحدها ولكن معها كذلك صوفيا ريدولفي.
قبّل والدته وسمح لصوفيا بأن تقبل خده ، كانت هذه حالة طارئة لم يعمل لها حسابا ، صحيح أنه كان يعلم مدى إهتمام والدته بزواجه من صوفيا لأنها مناسبة تماما ، لكن نيكولاس لم يكن يريد لأحد أن يخطب له ، حتى وإن كان يعجب بصوفيا لأسباب اخرى.
كانت تبدو جذابة في ردائها من القطيفة الحمراء وكانت لا تزال ترتدي معطفا من فراء المنك الفضي ، فأدرك نيكولاس أنها من طراز النساء اللواتي ينبغي أن يتخذ منهن زوجة ، فهي تستطيع ن تكون المضيفة المثالية للحفلات الإجتماعية التي يمكن أن يفرضها عليه الزواج ، وتعرف الشيء الصواب الذي يمكن أن تقوله ، لرفاقه في العمل ، وكان إنحدارها من والدين موسرين يستبعد أي مشكلات ذات طبيعة إرتزاقية ، وكان موقنا من أنها ستكون لماريا زوجة أب تثير الإعجاب .
لماذا إذا تجعله فكرة الزواج منها يشعر بالغثيان ؟ إنه يعرف الإجابة بالطبع ، فمنذ قابل مادلين بهتت كل النساء أمامه وأصبحن لا يساوين شيئا ، مستحيل أن يعيش الآن مع أمرأة اخرى ، حتى في هذه اللحظة تاق جسمه كله طلبا لمادلين ، لقربها ، ودفئها ، وحبها ، لماذا لم تتصل به لتقول له إنه مهما كانت العقبات التي تقيمها ديانا في طريقهما ستتزوجه فورا ، بدون جدل؟
وتطلع الى والدته ، كانت سيدة طويلة قوية البنيان ، تحمل سمات أسلافها ، وكانت جميلة برغم أنها في الخمسينات من عمرها ، حاولت لسنوات ان تسيطر على نيكولاس ، وتجعله يدرك مسؤولياته ، لكن بدون جدوى ، كان نيكولاس مفرط الشبه بها على نحو لم يسمح له بان تهيمن عليه وكان يحطم قلبها أن تراه يضيع حياته بدون ان يفكر له ابناء يحملون سلالة آل فيتال ، وكانت تأمل في إحضار صوفيا معها الى أنكلترا لعله يستعيد صوابه ويدرك كم هي ملائمة لأن تصبح زوجته وام أولاده.
قالت له:
" الآن وقد لمست رفضك الإنتظار عدة أيام قلائل للسفر معي قررت ان تكون صوفيا رفيقتي ، وفي وسعها ان تعود الى إيطاليا معك".
خفف نيكولاس ياقة قميصه عن رقبته ، تحت رباط عنقه وغمغم:
" حقا ، إنني مسرور أن كانت صوفيا رفيقتك".

زهرة منسية 05-12-11 12:21 AM

مشكورة كتير فريال بأنتظار البقية

نيو فراولة 05-12-11 05:53 PM

ثم مر بيده على ظهر عنقها وتطلع الى ماريا كانما ينتظر منها الإلهام ، ولكنها كانت تعرف تدابير جدتها فرفعت تفيها خفيفا بطريقة يائسة ، بينما قال نيكولاس:
"قد لا احضر الى إيطاليا في أي حال".
قالت صوفيا:
" أوه يا نيكولاس ، لم لا ؟ إنا كنا نتطلع الى ذلك ، كنت أرى أن أجتماعنا معا نحن الثلاثة امرا رائعا".
بلل نيكولاس شفتيه الجافتين وقال:
" حسنا ، طرأ امر لم يكن متوقعا ، فلنذهب ان لنتناول الغداء في المطعم ، وفي وسعنا ان نناقش هذا فيما بعد ، بعد أن ترتاحا ، لا بد انكما تشعران بغاية التعب من رحلتكما".
وتناولوا لغداء ن ثم ذهبت المراتان بعد ذلك الى غرفتيهما للراحة بدون أن تخوضا في خططه ، وشعر نيكولاس بسرور لهذه الفسحة المتاحة من الوقت وصحب ماريا الى جناحها ، وكانت الآنسة سايكس تنعس في مقعد ذي مسندين لكنها إستيقظت عندما دخلا ، وكان نيكولاس قد ألف ان يغيظها بدون شفقة لكنها شعرت اليوم بأن ذهنه منصرف الى أمور اخرى كما كان بالفعل طوال الأسبوع.
إرتمت ماريا في مقعد ذي مسندين وقالت:
" حسنا يا نيكولاس ،جدتي تعتزم ان تحرز بعض التقدم هذه المرة ، ذهبت الى حد إحضار صوفيا معها ، أعني...إنني لو كنت صوفيا لكنت في حال يرثى لها".
عبس نيكولاس وقال:
" يجب ألا تناقشي أمورا كهذه ن إنك لا تزالين بعيدة عن تمييز الأمور".
قالت الآنسة سايكس في رقة:
" إنها تتظاهر فقط ولكن الواقع انها بريئة تماما".
بدا الإستياء على وجه ماريا بينما إبتسم نيكولاس ، وقال في لهجة رسمية:
" نعم ، انا واثق أنك على صواب يا آنسة سايكس....".
ثم تنهد بتثاقل وقال:
" يا الهي، ماذا سافعل الان؟".
وإستدار ومضى خارجا من الشقة وصفق الباب خلفه ، فتنهدت ماريا كذلك وقالت في اسى:
" مسكين نيكولاس وقع أمر خطير بينه وبين مادلين ، وأراهن ان إبنتها تلك المتعالية لها ضلع في ذلك".
يوم الخميس كان عل مادلين ان تذهب الى العمل لفترة الصباح فقط وكانت تشعر بانها كتلة من الأعصاب المرهفة ، إستعادت ما قاله هارفي مرات طوال الليل ، وتذكرت أنهمن المقرر أن يطير نيكولاس الى روما اليوم ، فادركت أنه ليس من المرجح أن تستطيع الإتصال.
وقررت ان تحاول ذلك ولومرة فمدت اصابعها المرتعشة وأدارت رقم الفندق في العاشرة صباحا ، فرد عليها موظف الإستقبال وابلغها أن السيد فيتال ليس في الفندق ، وانه يعتقد أنه ذهب الى المصنع ، وإتصلت به هناك بعد ان بحثت عن الرقم في الدليل ، فردت عليها عاملة التلفون:
" هل يمكن ان أتحدث الى السيد فيتال من فضلك".
"من المتحدث؟".
" قولي له مادلين... إنه يعرف".
طلبت منها العاملة ان تبقى على الخط فإنتظرت بصبر نافد ، وكانما مرت ساعات قبل ان يرد بصوت اجش وكانه غير مصدق:
" مادلين ؟ صحيح؟".
أوكت السماعة ان تسقط من يدها ، كان إرتياحها عظيما ، إنه لا يزال في انكلترا ، لم يبرحها بعد الى ايطاليا ، غمغمت بصوت خفيض:
"نعم، إنه انا... كيف حالك؟".
بدا نافذ الصبر:
"على ما يرام يا مادلين ، لماذا إتصلت بي؟".
" إنني ... إنني أود أن أراك ، هل لديك وقت؟".
" بالطبع ، متى؟".
" حسنا ، اليوم ، أي وقت سيكون مناسبا لي".
"ما رايك ان نلتقي الان ؟ هل أنت في العمل؟".
كانت في صوته نبرة العجلة والإلحاح ، لقد كان هارفي محقا ، فهو يريد أن يراها بالفعل.
" نعم إنني في العمل ، ولكن...".
"ولكن لا شيء... ساكون هناك".
واغلق السماعة قبل ان تعترض ، فجلست مادلين تحدق في الهاتف يداخلها السرور ، ثم إستجمعت قواها ، إذا كان سياتي فالمسافة ليست بعيدة ومن الأفضل ان تقابله في الخارج ، ولم يكن لديها الكثير لتفعله فرتبت مكتبها واعدت الرسائل في مكانها ليحملها البواب ، وإرتدت المعطف وخرجت مترددة الى مكتب أدريان وفتحت الباب وسألت:
" هل سيكون الأمر على ما يرام إذا إنصرفت الان؟".
تطلع الى ساعته ، وبدا مأخوذا وهو يقول:
" الساعة لم تتجاوز العاشرة والثلث يا مادلين".
" أعرف ذلك ، ولكن هذا امر عاجل".
قطب ادريان جبينه وقال:
" لا باس ، هل ساراك في عطلة نهاية الأسبوع؟".
قالت في إرتباك:
" تعال الى الشقة ، فإذا كنت في المنزل تعلم انك دائما موضع ترحيب".
" حسنا جدا".
وعاد ادريان الى خطاباته واغلقت مادلين الباب يساورها شعور بالإرتياح ، إذ كانت تتوقع أسئلة كثيرة عن رحيلها المبكر.
منتديات ليلاس
وكان اليوم ربيعيا رائعا في الخارج ، دافئا مشمسا ، وداعب أنفها شذى الزهور من احواض المدرسة ، وشعرت فجأة بطيب الحياة وتدفقت الحرارة بعض الشيء الى وجنتيها الشاحبتين ، ولكن عينيها فضحتا حالة الإنهاك والعذاب العاطفي الذي كابدته في الأيام القلائل الأخيرة.
توقفت سيارة شريدان الحمراء امام ابواب المدرسة بعدما غادرت المبنى بثوان فهرعت اليها وإندست بجوار نيكولاس .
حدّقت فيه طويلا وهي تستمتع بمرآه بينما تفحصها بدوره ، ثم مس بأصابع رقيقة الهالات السوداء تحت عينيها وقال في لين:
" إنك لحمقاء ، أليس كذلك؟".
لم تثق مادلين في قدرتها على الكلام وإكتفت بهز رأسها وتنهد نيكولاس ثم تطلع الى نوافذ المدرسة ومضى بالسيارة بعزم بعيدا عن البلدة منعطفا عن الطريق الرئيسي الى الحارات الريفية بين سياج من الشجيرات ذات الخضرة الربيعية ، اغصانها تحتك بالسيارة الكبيرة وهي تمضي... وشعرت مادلين بمخاوفها تذوب في بهجة الصباح ، كان الربيع داكنا ، وهي مع الرجل الوحيد الذي تمنت أن تكون بصحبته ، لا يمكن أن يحدث الان أي ضيم.

نيو فراولة 06-12-11 07:31 PM

إنحرف نيكولاس بالسيارة الى رقعة عشبية تحت أغصان شجرة بلوط ضخمة ، واوقف المحرك ، وإستتب السكون إلا من تغريد الطيور وصوت جرار وحيد على ابعد يمر عبر الحقول ، وتنهدت مادلين وإستندت الى مقعدها ثم تطلعت الى نيكولاس ، كانت هناك خطوط من الإعياء حول عينيه ، فقالت في صوت خفيض:
" ألا تزال تريدني؟".
فتاوه ووضع ذراعه على ظهر مقعدها وإلتفت اليها ، وأخذ يربت بيده على شعرها الناعم ، وقال:
" هل أريدك ؟ إنك لتعلمين انني أريدك".
واحنى راسه وأضاف:
" كان في وسعي أن اقتلك لما فعلته بي".
ففتحت عينيها على مضض وتطلعت اليه بلا خوف ، وقالت:
" يا حبيبي ، لا يمكن ان تكون على هذه الدرجة من القسوة ، على نفسك بالطبع ، إنني احبك ، وساتزوجك في أي وقت تشاء".
فإبتسم نصف إبتسامة وهو ينظر في عينيها وقال:
" لم أكن استطيع قتلك في أي حال ، إنك لأعز عليّ من ان افعل ذلك ، مهما كان قرارك".
سحبت مادلين انفاس سيكارتها وهي تشعر بالدفء والنعاس ، وقالت:
" سنخبرها اليوم ، بلا توقع".
ثم تنبهت فإنتصبت فجأة وقالت وعيناها مليئتان بالخوف:
" ولكنك ذاهب الى إيطاليا اليوم؟".
قال وهو يجذبها اليه:
" إستريحي ، لست ذاهبا ، على الأقل ليس اليوم".
" ولكن... ولكن كيف؟".
فجذب كل الدبابيس في شعرها وألقاها في أرض السيارة ، فاطلق بذلك شعرها وقال:
" أعتقد انني كنت ساتصل بك... أسدليه يا حبيبتي حتى استطيع ان اتخلله باصابعي".
إحمر وجه مادلين على نحو زادها فتنة ، واطلقت بسرعة ما بقي من عقدات شعرها وهي تمر بيدها وتساءلت:
" اهذا أفضل؟.
" أفضل بكثير...".
ثم عانقها وقال:
" يا الله إنك تعلمين أنه لم يكن في وسعي ان أغادر البلاد بدون ان أراك مرة أخرى ، وإن كنت قد سررت لأنك إتصلت بي ، اردت أن يكون لك الشعور نفسه".
ربتت على خده قائلة:
" اردت ذلك ... ولكنني أبدو في حال لا تسر".
قال وهو يداعب أذنها:
" إنك متعبة فقط ... ألا تستطيعين النوم؟".
هزت رأسها ، فقال في لين :
" ولا انا ، إلا أن هذا يمكن علاجه بسهولة".
فإبتسمت قائلة :
" أعرف يا حبيبي.... وفي اجمل صورة ".
وعانقها مرة اخرى ، وكل منهما يشعر بأنه يتفانى في الآخر.
وتناولا القهوة في البلدة وعادا الى شقة مادلين في نحوالثانية عشرة ، ولم تكن ديانا في المنزل وإن كانت مادلين قد تتوقع ان تكون هناك بعد ان اغلقت الكلية أبوابها للعطلة الصيفية في اليوم السابق ، قالت وهي تخلع معطفها:
" لا بد انها ذهبت تتسوق ، هل تود أن تبقى لتناول الغداء ، أم هل تعود الى الفندق ، علمت أن لديك ضيفة اخرى غير والدتك".
" ومن أخبرك بذلك؟".
" هارفي ، قابلته ليلة امس في المسرح".
" وهل كان هذا هوالسبب في أنك قررت الإتصال بي؟".
غمغمت بصدق:
" حزئيا ، لكنني لم أكن أحتاج في الحقيقة الى مبرر ، فإنني ظللت أتوق الى رؤيتك طوال الأسبوع".
قال نيكولاس وهو يخلع معطفه:
" حسنا".
" ولكن ماذا عن هذه الفتاة الأخرى ؟ هل كنت تحبها؟".
" كلا !".
فتنهدت مادلين وقالت:
" لا تكن وضيعا".
فقال وهو يجذبها اليه:
" إنها مرشحة أمي لتكون زوجة نيكولاس فيتال...".
" أوه... كان هارفي محقا إذا".
قال:
" نعم ، إذا كان قد قال ذلك ، هل تعتقدين أنها قد تنجح في الإختيار؟".
أحكمت مادلين ذراعيها حول عنقه وغمغمت بقوة:
" لا .... إذا كان لي شأن بالموضوع".
" إن لك كل الشأن بالموضوع ، كلا يا حبيبتي ، أمي العزيزة ، وماريا ، وصوفيا ، كلهن في طريقهن الى روما في هذه اللحظة".
ذهلت مادلين :
" ماذا ؟ ولكنني كنت أظن أن والدتك في طريقها الى أمريكا".
" كانت والدتي ، ولكنني عندما رفضت العودة الى إيطاليا مع ماريا ، لم تستطع والدتي أن تدعها تذهب وحدها ، ثم إنني كلمتهن بشانك !".
" أحقا فعلت ؟ يا للسماء ! وماذا قلن؟".
إبتسم نيكولاس إبتسامة عريضة وقال:
" صعقن في البداية ، ولكنهن سيذعنّ ، ماريا تقوم بدور كبير في العلاقات العامة !".
دفنت مادلين وجهها في صدره وقالت هامسة :
" أوه يا نيكولاس ، إنني أحبك".
" آمل ذلك... اعني بعد أن إشتريت تصريحا خاصا".
" تصريحا خاصا؟ أكنت موقنا من ناحيتي؟".
هز رأسه ، وبدا جادا للحظة:
"لست موقنا على الإطلاق يا حبيبتي ، ولكن عندي الأمل".
" تحققت آمالك ن أمتأكد أنت من انك تريد ما تفعل؟".
" طبعا ، وانت؟".
" أوه ، إنني واثقة".
قالت ذلك وهي لا تكاد تصدق الحقيقة ، فما لبث ان ابعدها عنه قائلا:
" إذهبي واعدي الغداء يا حبيبتي ، إنني مجرد بشر".
نظرت مادلين في الثلاجة لترى ما يمكن ان يكون لهما في الغداء ، كان هناك بعض اللحم وكثير من الخضراوات ، فقررت شي اللحم وإعداد الخضراوات في إناء الضغط بالبخار ، وقدرت أن الفاكهة المعلبة والكريمة كفيلتان بإعداد الحلوى ، وبعد أن إطمأنت الى ان الوجبة يجري إعدادها عادت الى غرفة الجلوس ، وكان نيكولاس ممددا على الأريكة يقرأ صحيفة ، وقالت وهي تطلق ضحكة عالية:
" لا أكاد أصدق ان كل هذا يحدث ، عندما إستيقظت في الصباح كنت أخشى ما ستقوله لي عندما أتصل بك تلفونيا".
" وماذا كنت تتوقعين ان اقول؟".
هزت كتفيها وقالت:
" لا أعرف ، ربما أنك لا تريد رؤيتي بعد الآن".
" آه لو كنت تعلمين".

نيو فراولة 07-12-11 11:46 PM



قال ذلك متأوها وإنحنى الى الأمام ليمسك بها وهي تمر أمامه ولكنها راغت منه وهرعت الى غرفة النوم ، وقالت تناديه وهي تغلق الباب:
" لن استغرق أكثر من دقيقة".
وإغتسلت وإرتدت بنطلونا فضفاض وبلوزة تريسل وراجعت في ذهنها ما ستقوله لديانا ، لا بد ان مشادة ستحدث بينهما ن ولكن مهما حدث فإنها تنوي ان تكون حازمة ، فلا فائدة من المداورة.
وبينما هي تضع بعض الحمر الخفيف على شفتيها إنفتح الباب وظهر نيكولاس على عتبته ، وقال ساخرا:
" إناء البخار يوشك أن ينفجر ، وقد أطفاته ولكن يحسن بك أن تتحققي بنفسك من ان كل شيء على ما يرام".
إبتسمت مادلين مداعبة وقالت:
" الا تعرف يا حبيبي إن كان الأمر على ما يرام ، أم إنك لا تفهم في شغل البيت؟".
فغمغم وهو يهز كتفيه:
" اعتقد إنني لا أفهم".
" سيكون الأمر على ما يرام... ولكن هل سيكون لي زوج عاجز تماما ؟".
فضيّق نيكولاس عينيه يساوره إستياء مشوب بالسرور وهي تنهض ، وقال وهو يتقدم نحوها:
" هذا يتوقف على ما تعنين ، بكلمة عاجز !".
فتراجعت وهي تضحك مداعبة ، وبينما كانت تفعل ذلك سمعت صوتا في غرفة الجلوس ، فتوقفت ونظرت الى الباب متجاوزة نيكولاس ، وتساءلت وهي مقطبة الجبين:
" لا تحاول إعاقتي...".
قال نيكولاس ذلك وهو يبتسم ويواصل التقدم نحوها ، فراغت منه وهي تفتعل الإنزعاج ، كانت عارية القدمين وكان يبدو بالغ الضخامة وهو يقترب منها وإصطدم باطن ركبتيها باحد الأسرة ففقدت توازنها وسقطت وهي تشهق على الفراش وإعتذرت له متوسلة ، لكنه قال:
" والآن ، اريد إعتذارا حقيقيا".
فقالت مقطعة الأنفاس:
" حسنا ، دعني انهض".
" لا ، قولي بعدي ، إنني آسفة للغاية يا سيدي ، ولن يحدث ذلك مرة أخرى!".
فضحكت مادلين في خفوت وقالت:
" إنني آسفة للغاية يا حبيبي ، ولن يحدث ذلك مرة أخرى".
" لم تكن الكلمات مني ان اغيرها؟".
فاطلق يديها وجلس بجوارها قائلا:
" لن يكون هذا ضروريا ، والواقع انني افضّلها بطريقتي".
ثم قال:
" ماذا ستظن إبنتك إذا وجدتنا هنا؟".
فرفعت جسمها وقالت في إرتعاشة يسيرة:
" ومن يلومها؟".
فأومأ نيكولاس براسه وإسترخى على ظهره وقال:
" لا عجب أن تساورها افكار غريبة عن الزواج إذا كنت انت وجو لم تتواجدا معا في غرفة واحدة".
جلست مادلين وقالت:
" لا أظن انها فكرت في ذلك ، ثم أن هناك كثيرا من الناس لهم فراش متباعد".
" اظن ذلك ، ولكنني أعتقد أنني لو كنت مكانها لتحريت الأمر قليلا ان هناك فارق رهيب بين سنيكما ، وعلى فكرة كم كان عمر ذلك الفتى ... بيتر؟".
" نحو السابعة عشرة على ما أعتقد ، لماذا؟".
فهز نيكولاس كتفيه وقال:
" لا ادري ، ربما كان مجرد فضول مني".
ثم إبتسم وجلس قائلا:
" كل ما يحيط بك يفتنني ".
فرمقته بإبتسامة راضية وقالت:
" أحقا ؟ هذا أمر لطيف".
" اليس كذلك ؟ إنني أتمنى لو كنت أعرف جو".
" لماذا؟".
" حسنا ، إنه يبدو لي شخصية أصيلة ، ليس هناك كثير من الرجال يمكن أن يفعلوا ما فعل".
تنهدت مادلين وقالت:
" كلا ، كان جو رائعا ، لا سيما عندما أفكر كم كنت حمقاء".
" لم تكوني حمقاء ، كنت فقط صغيرة جدا ، وخائفة جدا".
فنهضت وقالت:
" هذا صحيح ، من الأفضل ان اعد الغداء الآن ، فستكون ديانا هنا بين لحظة وأخرى".
وقطع كلماتها صوت الباب يغلق ، وتطلعت مادلين في إعياء الى نيكولاس ، فنهض على الفور وتقدم بسرعة الى باب الغرفة ، ودخل غرفة الجلوس وهو يتوقع أن يجد ديانا ، ولكن الغرفة كانت خالية ، فعاد الى مادلين قائلا وهو مقطب الجبين :
" لا يوجد أحد هنا".
إمتقع وجه مادلين بشكل واضح ، وقالت:
" أوه... كانت هي التي دخلت إذا عندما قلت لك إنني سمعت شيئا".
تجهم وجه نيكولاس ، وقال :
" هل تعنين ان ديانا كانت تقف هنا تسترق السمع طوال الوقت؟".
وضعت مادلين يدها على جبهتها وقالت:
" في الغالب يا نيكولاس ، هل تدرك معنى ذلك ؟ لا بد انها سمعت كل كلمة قلناها".
قال نيكولاس غاضبا:
" وماذا في هذا ؟ لا بد انها إرتاحت على الأقل لأننا لم نكن نفعل شيئا".
هزت مادلين راسها كالمحمومة وقالت:
" كلا ، كلا ... الا تذكر ، كنا نتحدث عن جو وعن والد ديانا الحقيقي ، ولست أتصوّر من حديثنا أنه كان من الصعب أن تجمع واحدا الى واحد".
أغلق نيكلاس للحظة وقال:
" يا إلهي ، إنني لآسف يا مادلين ، لقد نسيت ، إن معرفتي بديانا تجعلني أعتقد انها قد هوّلت الأمر أكثر على الأرجح".
ثم هز كتفيه قائلا:
" هذا على الأقل يحل مشكلة إبلاغها بحقيقة أصلها ونشأتها".
أشاحت مادلين عنه ، يا لهول ما حدث ، كان أجدر بها أن تعلم أن الهناء المثالي الذي كان لهما من قبل لا يمكن ان يدوم ، وقال نيكولاس بحسم وهو يرتدي معطفه:
" سأذهب لأحضارها".
إلتفتت اليه مادلين قائلة:
" هل لك أن تفعل ذلك؟إنني لا احب فكرة ذهابها على هذا النحو".
إبتسم لها نيكولاس مشجعا وقال:
" ولا انا ، لا تقلقي يا حبيبتي ، سيكون كل شيء على ما يرام".
وبعد أن ذهب أخذت مادلين تتطلع من النوافذ المطلة على الحي ، وشاهدت نيكولاس يخرج من المبنى ، ولكن لم يكن هناك اثر لديانا ، ونظر نيكولاس في إتجاهي الطريق ولم ير شيئا ، فمشى الى سيارته وإندس وراء عجلة القيادة وما لبث ان مضى بها بعد لحظات.
ومرت نصف ساعة قبل ان يعود وحده ، وذهبت مادلين تفتح له الباب وتطلعت في يأس اليه ، فقال وهو يفك أزرار معطفه:
" لقد تبخرت في الهواء على ما يبدو ، بحثت عنها في كل مكان ، من المستحيل أن تكون قد ذهبت بعيدا قبل أن أخرج ، ورايي انها خمنت أننا سنبحث عنها فإنتظرت في مكان ما من البناية حتى خرجت ثم تبعتني لترصد حركاتي بدلا من ان أرصد حركاتها".
غاصت مادلين في أحد المقاعد قائلة:
" وماذا نفعل الان؟".
" ننتظر ، نبدأ بتناول الغداء ، ولا بد أن تعود عاجلا أم آجلا ، فديانا ليست من الطراز الذي يهجر راحة البيت لوقت طويل".
" اتعتقد ذلك؟".
" بالطبع... تلقت ديانا صدمة سيئة بلا شك ، ولكن ليس في وسعنا أن نفعل شيئا حتى تعود".
صاحت مادلين في ياس:
" " ولكن ، هل ستتركني اساعدها ؟ فانا سبب مشكلتها في أي حال".
هز نيكولاس قائلا:
" لا اعرف ديانا كما تعرفينها ، ولكنني أقول إنها قادرة على أن تصمد لشيء كهذا ، إنها ليست فتاة مفرطة العصبية ، إعتادت فقط ان تحقق امورها بطريقتها ، ولسوف تألف هذا الأمر ، وقد يكون هذا أفضل للجميع ، فقد تنظر إليّ نظرة ارق بعد أن تعرف أن أباها لم يكن الشخص المثالي الذي ظنته".
وتطلع الى مادلين بفهم وتعاطف قائلا:
" هل أبدو كوحش لا قلب له؟".
رسمت مادلين على شفتيها نصف إبتسامة وقالت:
" كلا ، إنني أدرك انك تحاول فقط ان تجعلني أشعر بإرتياح أكثر فلنتناول الغداء إذا".

نيو فراولة 08-12-11 08:59 PM

11- ديانا فوق الشجرة


وما أن حلت الساعة الثامنة حتى كانت مادلين قد فقدت أعصابها تماما ، خرجت مع نيكولاس في السيارة بعد الظهر يبحثان وينقبان في كل مكان في أوترييري ، ذهبا الى نادي السبعينات وتفقدا سائر المقاهي بدون جدوى ، لم يكن هناك اثر لديانا ، وكان الجو قد بدأ يمطر في وقت تناول الشاي وأصبح هناك الآن سيل منتظم يغمر كل شيء ، عادا مرتين الى المسكن للتحقق إذا عادت اثناء غيابهما ، لكنهما اصيبا بخيبة امل ، ولم تستطع مادلين ان تفكر في مكان آخر يبحثان فيه.
واخيرا قالت:
" لا أظن انها ذهبت الى بيت جيف".
قطب نيكولاس جبينه قائلا:
" أوه ، نعم ، هذا الفتى الذي إصطحبناه معنا يوم الأحد ، بدا صديقا حميما لها".
" أجل ، إنهما يخرجان معا منذ ثلاثة أشهر ، وإن كان الامر بينهما بلا جدوى ، وهي لم تظهر له الود منذ أخبرها بخروجه مع ماريا ومعك ، ولا اعتقد أنها خرجت معه منذ ذلك الحين ، كانت مشغولة بالطبع في المسرحية ولم يكن لديها وقت".
" حسنا ، هل لديهم هاتف؟".
هزت مادلين رأسها :
" لا أظن ذلك ، لكنني أعتقد أن العنوان هوطريق ( بوبلار ) ولست موقنة تماما من الرقم ، ربما يكون 14".
أدار نيكولاس السيارة وإتجها في طريق المصنع ، وكانت أصابعه تقبض على عجلة القيادة بشدة ، وشعر بالغضب إزاء ديانا ، مهما كانت مشاعرها ، لأنها تسببت لوالدتها في مثل هذا الشقاء غير الضروري ، تلقت مفاجاة غير سارة ، ولكن هذا لا يخولها الحق في القرار تاركة مادلين بدون أي وسيلة للإتصال بها ، وأحس انه يهز ديانا بقوة ويعنفها على تصرفها الذي يفتقر الى التدبير.
وكان طريق بوبلار عبارة عن صف من المنازل ذات ابواب امامية صفراء ونوافذ بيضاء ، وكان رقم 14 يشبه سائر االمنازل ، فيما عدا ستائره اللامعة وطلائه الجديد.
ترك نيكولاس مادلين في السيارة وذهب بنفسه الى الباب ، ووقف تحت المظلة لتجنب السيل الذي كان ينهمر على البلدة ، وجاء الى الباب رجل في أواسط العمر بدا مدهوشا عندما رأى السيارة الأمريكية الكبيرة عند بابه ، وذلك الغريب الطويل على عتبته.
منتديات ليلاس
" نعم ؟ أي خدمة؟".
قال نيكولاس في لهجة ودودة:
" آمل ذلك ، علمت أن هناك أسرة تسمى أمبرسون تقطن في هذا المكان ، فهل تعرف أين؟".
" اعرف حقا ، انا والتر إمبرسون ، ماذا أستطيع؟".
" هل لديك إبن يدعى جيف؟".
بدا على الرجل القلق:
" صحيح ، ما الخبر ؟ هل حدث شيء؟".
قال نيكولاس في صبر:
" كلا... لا شيء من ذلك ، له صديقة تدعى ديانا سكوت ، ونحن نبحث عنها".
" حقا ؟ ليست هنا الآن".
قال نيكولاس يحدوه الأمل:
" هل أفهم من ذلك انها كانت هنا؟".
" أوه ، نعم ، كانت هنا من قبل ، تناولت الشاي هنا مع الأم ومعي ، وجيف بالطبع".
جاهد نيكولاس لأحتواء صبره النافد ، قائلا:
" واين هي الان ؟".
"وماذا يهمك من ذلك ؟ إنها بلا أب ؟ من أنت؟".
إلتفت نيكولاس وأشار الى مادلين لتلحق بهما وقال:
" أنا صديق والدتها ، هذه السيدة سكوت قادمة الان ، ديانا لم تات الى البيت منذ وقت الغداء ، ولا نعرف أين ذهبت".
" فهمت".
اومأ السيد أمبرسن براسه ، ولحقت بهما مادلين ، وقال نيكولاس :
" هذا السيد أمبرسون يا مادلين ، يقول ان ديانا كانت هنا بعد الظهر وانها تناولت الشاي معهم".
شبكت مادلين يديها قائلة:
" حقا ؟ وأين هي الآن؟".
وهنا جاءت إمرأة من الممر ، ذات وجه متورد ، مثقل بالمساحيق ، وشعر أشقر مصبوغ ، فإلتتت اليها السيد أمبرسون قائلا:
" أوه... سارة هذه ام ديانا وصديق لها ، إنهما يبحثان عن ديانا ".
قالت المرأة وهي تتطلع اليهما وتقيمهما:
" حقا؟".
وشعرت مادلين بأنها تحسب ماذا يمكن ان تكون العلاقة بينهما وتخرج بإجابة خاطئة ، فكررت قولها على امل:
" هل يمكنك ان تخبرينا أي ديانا الان؟".
" فهمت من ديانا أن أحدا لن ينتظر عودتها إلا في وقت متأخر ، قالت أن امامكما أمورا ستقومان بها".
ثم إلتقتت الى نيكولاس قائلة:
" ويبدو أنها كانت متضايقة من شيء ، فقال جيف أنه سيخرج بها الليلة ، ولما كان الجو ممطرا سمح لهما والتر بأخذ السيارة".
وكانت نبراتها تبدو فيها السخرية الوقحة ، ولو لم تكن مادلين في حاجة الى المعلومات لتركتها وإنصرفت ، وتساءل نيكولاس مثابرا:
" واين ذهبا؟".
غمغمت مادلين.
" ربما قطعا في الطريق شوطا آخر بالسيارة ، فقد بحثنا بالفعل في كل المقاهي".
تساءل نيكولاس :
" هل كانت السيارة في حالة طيبة؟".
شدت السيدة أمبرسون كتفيها وقالت:
" إنها سيارة جديدة ، وهي بالطبع في حالة طيبة.
" كل السيارات ينفد وقودها من وقت لآخر ، ومع ذلك فانت تعتقدين أنهما ذهبا؟".
تنهد السيد امبرسون قائلا:
" من المحتمل أن يكون ذلك الأحمق من الغباء بحيث يذهب الى لندن".
صاحت مادلين :
" ماذا؟".
حك السيد امبرسون ذقنه متفكرا:
" تحدث مرة خلال الأسبوع عن ناد إرتاده في لندن عندما كان في آخر عطلة أسبوعية ، ذهب الى هناك مع بعض الأصدقاء في سيارتهم".
قال نيكولاس ساخرا:
" سيارتي....
" حقا؟".
قالت ذلك السيدة مبرسون وهي مدهوشة بينما قال نيكولاس للسيد أمبرسون:
" إستمر ، اين هذا النادي؟".
" في حي سوهو على ما أعتقد ، إنك لم ترتد هذا المكان ليلا ، أليس كذلك؟".
" كلا ، ولكن ربما أكون قد شاهدت المكان من السيارة".

نيو فراولة 09-12-11 01:07 PM

" هذا هو الحل الوحيد الذي يمكنني ان أفكر فيه ، وإنني آسف لأننا لن نستطيع مساعدتكما كثر من ذلك".
" حسنا ، أعتقد ان افضل ما نفعله هو السير على الطريق في إتجاه لندن ، فقد نراهما ،الساعة الان تجاوزت التاسعة ولا أظن أنهما ينويان التأخر في العودة".
قال السيد أمبرسون:
" قلت لجيف إن موعده الساعة العاشرة ، انا أقلق دائما عندما يأخذ السيارة ، طلبت منه ان يعود قبل ان تغلق المقاهي أبوابها".
تساءلت مادلين:
" في أي ساعة ذهبا؟".
رد السيد أمبرسون :
" في نحو السادسة ، وأعتقد انكما قد تصادفانهما في الطريق".
تطلع نيكولاس الى مادلين قائلا:
" هل نحاول؟".
" أوه ، نعم ، بالطبع".
" نشكركما".
إبتسم السيد أمبرسون قائلا:
" أنا موقن أن ديانا ستكون على ما يرام بصحبة جيف.
" وأنا أيضا".
وأومأ نيكولاس برأسه الى مادلين يحثها على العودة الى السيارة ، وشعرت مادلين بعيني المرأة تتبعانهما ، هل يمكن أن يكون جيف اهلا للثقة كما يقول ابوه ؟ لو كان والده أشبه بوالدته لأنتابها القلق حقا.
تطلعت ديانا بضيق الى جيف والسيارة تنهب الأرض عائدة الى أوترييري ، وكان المطر خارج السيارة ينهمر بغزارة لم تحدث من قبل ، فشعرت بإكتئاب تام ، كان يوما فظيعا ، إكتشفت فيه أولا انها ليست إبنة جوزيف سكوت على ما يبدو ، ثم إكتشفت ثانية ان جيف ، رغم وسامته ، بدأ يثير فيها السأم.
وكان سأمها بدأ في يوم الإثنين السابق عندما ظل يحدثها طويلا في هيام عن ماريا فيتال ، ولكنها في ذلك الوقت كانت لا تزال تعتقد بانها تغار أما الآن فهي تعرف الحقيقة ، ذهبت الى منزل جيف اليوم لأنه الشخص الوحيد الذي شعرت بإمكان اللجوء اليه ، وهي الآن تتمنى لو ذهبت الى بيت العم أدريان ، فعندما أبلغت جيف ، في يأسها ، الأول المرير ، بأمر أمها ، ضحك بالفعل ، ثم لما أفاق قال إنه ما دام نيكولاس فيتال لم يعترض فيما يبدو فلماذا تعترض هي؟
شعرت تماما أنها وحيدة مهجورة ، وعندما إقترح القيام بهذه الرحلة رحبت على الفور ، لم تكن تعرف عندئذ كيف تواجه أمها ، ولكن شعورها الآن يختلف.

قالت لجيف في سخرية:
" حسنا ، كم كان هذا المكان الذي زرناه مثيرا !".
نظر اليها جيف في غضب واصابعه تقبض بشدة على عجلة القيادة ، هو كذلك خاب أمله في ديانا ، وأراد أن يؤذي مشاعرها لسخريتها منه:
" كنت حريصة على الذهاب عندما إقترحت هذا المكان ، ماذا حدث ؟ ألم يكن متوافقا مع تطلعاتك العالية ؟ توقعت أن فتاة مثلك ، من بيت طيب ، لن تألف مثل هذه الظروف البدائية".
كان صوته مفعما بنبرة التعذيب فقالت وهي تنظر بلا إكتراث من النافذة :
" لا تكن فظا ".
قال وهو يواصل السخرية منها:
" آسف ، هل قلت شيئا خطأ ؟ يا للسماء .... هذا المكان إنتزعك على الأقل من حالة الكراهية التي كنت فيها عندما أتيت بعد الظهر"
" إنك لا تفهم ".
" وما هذا الذي لا أفهمه ، إسترقت السمع على حوار بريء تماما ، فمن أين لهما أن يعرفا أنك لن تنصتي الى مناقشتهما ، إن مسترقي السمع لا يسمعون شيئا طيبا عن أنفسهم ، لا بد انك قد سمعت بذلك".
ضغطت ديانا شفتيها قائلة:
" اعرف ذلك ، ولكن هل ان يكون صحيحا إنني طوال السنوات التي كنت أعتقد فيها أنني ثمرة زواج مثالي ، كنت في الحقيقة مجرد ثمرة لحادثة عارضة في زقاق خلفي؟".
" كفي عن تهويل الأمور ، إنسقت في التمثيل كثيرا ، إنك تحاولين أن تعيشي حياتك وكأنها فيلم كبير ، أنت فيه البطلة التي يخطىء سائر القوم في حقها ، إكبري يا ديانا ، إن أمك مجرد بشر ، لقد إرتكبت خطأ حقا ، ولكن لا تدينيها على أمر يمكن ان يحدث لأي إنسان ، يا للسماء ، كان في وسعها أن تضعك في ملجا ، او تدع احدا يتبناك ، ولكن لا ضحت بحريتها بالزواج من رجل في سن ابيها ، لمجرد إنقاذك من وصمة البنوة غير الشرعية".
حدقت فيه ديانا ، هو بالطبع محق ، لماذا لم تفكر في الأمر على هذا النحو؟ إنه صحيح ، حاولت أن تضع نفسها موضع البطلة بينما هي في الواقع جعلت من نفسها حمقاء ، وتذكرت ماريا فيتال ورفقتها السهلة مع أبيها ، ليس في العلاقة بينهما غيرة تصل الى حد الإمتلاك ، بل وبدت ماريا مغتبطة لأن والدها عثر على شخص يريد أن يكون معه ، فلماذا لا يمكنها ان تكون مثل ذلك بدلا من أن تفسد بقصورها حياة مادلين.
غمغمت وهي تتنهد:
" اعتقد أنني كنت أنانية ".
" حسنا ، لماذا لم تجعليهما يعرفان أنك موجودة هذا الصباح!".
عضّت ديانا شفتها قائلة:
" كانا معا في غرفة النوم عندما دخلت ، وظننت في البداية انهما...".
وهنا إحمر وجهها واضافت:
" ثم بدأت أنصت ، وأنت تعرف الباقي".
" وماذا كانا يفعلان؟".
" أوه... مجرد دعابة ، وكانا يبدوان سعيدين معا ".
لوى جيف قسمات وجهه قائلا:
" هاك إذا ، لعل كلا منهما يحب الآخر ، إصغ الي! لكأنما انا أسوق النصح للمحرومين من الحب !".

نيو فراولة 09-12-11 06:44 PM

شعرت ديانا بشيء من الإسترخاء ، ففي بعض الأحيان كان جيف يبدو معقولا ، وأحست بانها ممتنة له على رأيه النزيه ، ولكن من المؤسف انه صريح هكذا في أمور أخرى ، إنها لا تزال في السادسة عشرة ولا ترغب في ان تنغمس في علاقة حميمة لبعض الوقت ، قال جيف:
" ينبغي لك ان تكوني قادرة على فهم مشاعر كل منهما للآخر".
ألقت اليه ديانا نظرة جانبية وتساءلت:
" ولماذا؟".
" حسنا ، أنت وانا.... مثلا".
" آسفة يا جيف ، ولكن أنت وانا ، إنته الأمر بيننا ، أنا معجبة بك ولكنني لا أريد علاقة جادة مع أي فتى لعام أو نحو ذلك ، اريد الإنتهاء من تدريبي لأصبح سكرتيرة ، وبعد ذلك قد يتوافر لي الوقت لمثل ذلك ، وأعتقد أنني كبرت في هذه الأسابيع القلائل الأخيرة برغم كل شيء".
عبس جيف غاضب ، وقال بوضوح :
" لا توجد فتاة تستطيع أن تقول أنها أنهت أمرها معي".
بدت الدهشة على وجه ديانا وظنت للحظة أنه يمزح ، وتساءلت:
" ماذا تعني ؟ أنهيت الأمر ، كن عاقلا يا جيف ، فانت ستدخل الجامعة في الخريف ، ولن يكون لديك وقت لي عندئذ".
هز جيف كتفيه وقال:
" لماذا تريدين إنهاء الأمر بيننا ؟".
" اوه ، لا أدري يا جيف ، أعتقد أنك أكبر مني سنا بكثير على نحو لا يناسبني ، لا أزال طفلة ، وربما كنت محتشمة أكثر من اللازم على النحو الذي تتهمني به".
نظر جيف في المرآة ليراقب حركة المرور وراءه ، ثم إنعطف بالسيارة خارج الطريق ومضى عبر برك الماء الى ظل سياج من الجر ، وشعرت ديانا برعدة تتملكها بغير إرادة منها ، وقالت:
" هيا يا جيف ، لا نستطيع التوقف هنا ، إنها لعبة قذرة ، إنني اشعر بالبردة والبلل وأريد العودة الى البيت".
" اتريدين ذلك الان؟ حسنا سأتكفل بتدفئتك ، ولن تريدي عندئذ العودة الى البيت ، بل ستتوسلين لي من اجل البقاء".
منتديات ليلاس
بلعت ديانا ريقها بصعوبة ، كان عليها ان تظل يقظة ، لا يمكن أن يكون جيف ينوي حقا لمسها ، فهما الان في أي حال يشرفان على طريق غاص بالمرور ، لن يجرؤ ، وشعرت الان بأن صورة بيتها وأمها وحتى نيكولاس فيتال أبعث بكثير على طمأنينتها من هذا الفتى الذي أدركت أنها لا تكاد تعرفه على الإطلاق ، ليتها لم تكن تقول شيئا عن عدم عزمها على لقائه مرة أخرى وأجلت ذلك الى ان يصبحا فعلا في اوترييري... كان هذا هو الذي بدأ الأمر كله بينهما.
وفجاة ، وقبل ان تحتج ، جذبها اليه ، وهو يمسك بها على نحو محكم يكاد يخنقها ، فحاولت الإفلات بكل قوتها ، تملكها الذعر وشعرت بصدود عنه لأفتقاره الى السيطرة على نفسه ، ولم تدر ماذا تفعل لأيقافه.
صاحت وهي تئن:
" أرجوك يا جيف ، دعني أذهب".
نظر اليها ساخرا وقال:
" ولماذا افعل ذلك ؟ إنك أنت التي جريت ورائي بعد ظهر اليوم ، كنت تتلهفين على شخص تبوحين له بهواجسك ، كان ذلك مختلفا ، أليس كذلك؟".
اخذت تتلوى في قبضته وصاحت:
" كنت أظن أنك تحبني".
" إنني أحبك".
" لماذا إذا تعاملني وكأنني متشردة وضيعة".
قالت ذلك صائحة وهي تشعر بالغضب لأنه يمتهنها في فكره على هذا النحو ، وليأسها وعجزها معا ، وقال جيف في صوت أجش:
" لست أعاملك هكذا يا طفلتي ،لنمض معا ، إن كل الفتيات يحببن شيئا من التسلية".
أجابت بقوة:
" لست كذلك ، وإذا لمستني سأصرخ!".
إشتد الغضب بجيف ، وصاح:
" كفي عن التمثيل يا ديانا، لن تصرخي ، ثم أنها ستكون تجربة جديدة فلم أصدف مقاومة أبدا من قبل".
إشتعلت ديانا غضبا ، وفي غمرة ياسها أحنت رأسها وعضت بشدة تلك اليد التي كانت تمسك بكتفها ، وبصيحة ألم تركها جيف للحظة كانت كافية لأن تدفع الباب وتقفز من السيارة فتكاد تسقط على الجانب الطيني ذي العشب وكان الطريق خاليا فلم تجرؤ على الإنتظار ريثما تأتي سيارة من هذه الناحية ، وبحركات سريعة دست نفسها بين اغصان السياج ، وزحفت الى أيكة شجر ، وكانت تسمع صوت جيف يناديها ويتبعها فنهضت على قدميها وبدأت تعدو ، كان أمامها بضع ثوان فقط من الحرية فإعتزمت ألا تفقدها.
وكانت الأيكة كثيفة سوداء ، وإصطدمت وهي تجري بعوائق لا تعرف معناها ، ولم يكن هناك قمر وكان المطر لا يزال يهطل بلا إنقطاع.
وشعرت بشيء من الإرتياح لأنها كانت ليلة مظلمة ، فعلى الأقل لم يكن من السهل رؤية شبحها.
وكان كل مكان مشبعا بماء المطر الغزير ، وما لبث العشب الصغير المبتل أن تسلل الى حذائها الخفيف وهي تعدو والطين يتطاير من حولها وفي إندفاعتها تلك لم تفكر فيما قد يكون امامها إلا من امل ضئيل في وجود بيت لحد المزارعين ونجدة عنده ، وقدرت أنها على مسافة خمسة عشر ميلا من منزلها ، وهي مسافة أكبر من ان تحاول ان تقطعها بمفردها.
وكانت تسمع جيف وهو يخترق الأغصان وراءها ، يناديها مرة ومرات ، وتساءلت عما تفعل والدتها الان وعما إذا كان يساورها قلق بالغ بشانها ، الساعة تجاوزت التاسعة وهي لم تعد الى المنزل منذ الصباح ، وشعرت عندئذ بالأسف يتملكها على فرارها الطائش من البيت هذا الصباح ، وتساءلت إذا كانت مثل هذه الحوادث تغيرحياة الناس.

نيو فراولة 09-12-11 08:07 PM

وخفت كثافة الأشجار ووجدت نفسها بعد لحظة في مكان فسيح ، وتطلعت بإعياء حولها فشاهدت بفرح وإرتياح ضوءا على البعد القريب ، على مسافة حقل او نحو ذلك ، ولم تكن الظلمة أمامها لتظهر لها شيئا يحول بينها وبين الخلاص فبدأت تعدو نحو مصدر الضوء.
وما لبث جيف أن خرج من أيكة الشجر بعدها بثوان ، كان غضبه قد إنقضى الان، غسله المطر الذي يبعث البرد في الأبدان ، وكان يلعن نفسه على حماقة تصرفه ، كانت ديانا مذعورة وسيطر عليها الهلع ، وشعر بالخجل لأن الغلطة كانت غلطته ، ولكن بقاءه هناك ، جالسا يستمع اليها بهدوء وهي تخرجه من حياتها ، اشعل غضبه فقرر ان يلقنها درسا ، ولكن هل يمكن ان تصدق انه كان يقصد مجرد إخافتها؟ كان يجد ربه أن يدرك ، بعدما أخبرته ، أنها لم تكن في مزاج يسمح له باللهو معها ، وأحس بانه أحمق تماما ، يا للمسكينة ، لا بد أنها فقدت نصف حواسها من الذعر.
وإستطاع الان أن يرى شبحها أمامه فبدأ يعدو نحوها ، وفجأة سمعها تصرخ صرخة عالية ثم تختفي ، فتوقف فجأة ، وقلبه يخفق بشدة ، وعرق بارد يغمر جسده ، ماذا حدث يا لله؟
وبشعور الخوف قفز المسافة التي كانت بينه وبين المكان الذي إختفت فيه ديانا ، وسار بحذر وهو يقترب من البقعة ، ويشعر بالحصباء تحت قدميه بدل العشب الطري الذي كان يعدو فوقه ، وبدأت عيناه تعتادان الظلمة قليلا فحاول ان يمد بصره الى ما حوله ، والى حيث سقطت ديانا.
وإستطاع بصعوبة أن يتبين حوله الآن أشكال مركبات وآليات ضخمة بدت له إما مركبات أو ناقلات قمامة أو ربما حتى حاملات نقالة وكانت الرؤية عسيرة، وهذا المطر لا يزال يمحو كل شيء ، ولكنه أدرك بالتدريج ، وبالتركيز على بقعة واحدة ، ان الأرض تنحدر من تحته بشدة الى ما يشبه محجرا لا بد أن ديانا سقطت في الهوة ، ويمكن أن تكون قد ماتت!
إنثنى على ركبتيه وإنحنى على حافة المحجر ونادى:
" ديانا.... ديانا! هل تسمعينني ؟ إذا إستطعت سماعي فردّي عليّ كرامة له!".
كان صدى صوته يكتمه المطر ، ولكن من المحقق أنه لم تكن هناك إجابة ، وكرر توسله مرة أخرى ، ولكن لا شيء يجيبه إلا الصمت من جديد يقطعه تساقط المطر ، فنهض مرتعدا ووقف يستجمع أفكاره ، وهو لا يتبيّن ماذا سيفعله من بعد ، كان لا بد أن يحصل على نجدة ، وبسرعة ، ولكن كيف؟
تطلع حوله ، كان المحجر ضخما ،ولم تكن هناك فائدة من العثور على طريق من حوله ، وربما المخاطرة بالسقوط فيه ، كلا ، إن أفضل حل باق هو العودة الى السيارة وقيادتها الى أقرب هاتف ، وطلب سيارة إسعاف.
وركض عائدا بإضطراب بعدما إتخذ قراره ، ويداه تحتكان بالأغصان ، وهو يسقط بطوله أحيانا في العشب الكثيف ، ووصل أخيرا الى السياج وشق فيه طريقه الى الحافة العشبية حيث أوقف السيارة ، وحاول تشغيلها فلم تستجب ، وإنتابه الذعر وتذكر برك الماء التي كان يخوض فيها عندما أوقف السيارة ، فأدرك ان الماء بلل بعض مناطق الإشتعال ،وكان لا بد أن يمر عليها وقت لتجف فخرج من السيارة وتطلع في إتجاهي الطريق ، كانت هناك سيارات كثيرة تمر من قبل ، ولا بد ان تأتي سيارة في إتجاهه ، وبالفعل ، بدت على البعد سيارة آتية من لندن ، فإتخذ مكانه في وسط الطريق وأخذ يلوح بذراعيه بشدة ، لا بد أن يروه ، لا بد ان يتوقفوا !
ابطأت السيارة عندما لمح راكبوها جيف على ضوء المصباحين الأماميين وإقتربت منه فتنفس الصعداء وعاد اليها ملهوفا ، وصاح أمام رجل وإمراة كانا يجلسان مدهوشين في السيارة.
" وقع حادث ، فهل تستطيع توصيلي الى أقرب هاتف؟".
كان نيكولاس يقود سيارته ببطء وأنوارها الأمامية تضيء الطريق بوضوح تام ، أما مادلين فكانت تجلس بجواره متوترة الأعصاب ، غمغمت في قلق:
" إنها لن تشكرنا على اننا سعينا وراءها".
" يا عزيزتي مادلين ، لا أهتم في هذه الحظة أبدا بمشاعر ديانا ، ليس من حقها أن تختفي على هذا النحو؟".
تنهدت مادلين قائلة:
" اعتقد انك على صواب ، ولكنني سأكون مسرورة إذا وجدتها في أي حال".
وفجأة تصلب نيكولاس في مقعده ، وهتف:
" أليس هذا هو الفتى الذي كانت معه؟".
كانا يقتربان من سيارة تقف على الجانب الآخر من الطريق ، وكان هناك فتى يتحدث الى السائق ، وقد بدا مبتلا ومتسخا... من المؤكد أنه جيف.
بردت أطراف مادلين وصاحت:
" اوه يا نيكولاس ، هل تعتقد أنه وقع حادث ؟ اين ديانا؟"
" سنعرف ذلك فورا".
كان نيكولاس قد أوقف السيارة قبل أن تخرج الكلمات من فمه ، وعبر الطريق بسرعة الى السيارة الأخرى التي كان جيف على وشك أن يركبها ، تطلع جيف اليهما في هلع ، وهو لا يكاد يصدق أنهما شاهداه ، وكانت مادلين قد جاءت خلف نيكولاس مباشرة:
" سيد فيتال ... سيدة سكوت !".
أغلق باب السيارة مرة أخرى وأخذ ينظر الى السائق حائرا ، وصاح:
" لقد... لقد وقع حادث .... سقطت ديانا في أحد المحاجر!".
" ماذا؟".
هتفت مادلين بالسؤال وهي تشعر بأنها أقرب الى الإغماء والموت، ولكنها بذلت كل ما تملك من جهد لتبقى في وعيها ، وقال نيكولاس بهدوء لها:
" إثبتي...".
ثم إلتفت الى جيف قائلا:
" كم يبعد هذا المحجر من هنا؟".
" إنه ليس .... ليس ببعيد .... عبر هذه الأيكة من الأشجار".
صاحت مادلين في عجب وحيرة:
" وماذا كنتما تفعلان بحق السماء قرب المحجر؟".
" فيما بعد.... فيما بعد".
قال نيكولاس ذلك وهو يضغط ذراعها للحظة ، ثم سأل جيف:
" أين كنت ذاهبا؟".
" هذه السيارة هناك... تحت تلك الأشجار ... لم استطع تشغيلها ، فأشرت الى هؤلاء الناس ، وكنت ذاهبا في طلب النجدة".

نيو فراولة 09-12-11 08:43 PM

قال الرجل في السيارة ، وكان يبدو مزارعا :
"هذا صحيح".
فكر نيكولاس برهة ثم قال:
" هل تستطيع يا جيف ان تعطينا تعليمات بشأن الوصول الى هذا المحجر ؟".بدا جيف شاحب الوجه ، متوترا ، في وهج الأنوار الأمامية وقال:
" نعم ، أظن ذلك ، لماذا؟".
" حسنا أقترح ان تذهب انت الى الهاتف في طلب النجدة كما كنت تنوي ، وساذهب أنا ومادلين للبحث عن ديانا ، ربما نتمكن من العثور عليها ، وعندي بطارية في السيارة ، فهل انت متأكد أنها سقطت في المحجر؟".
بلع جيف ريقه بصعوبة وقال:
" متأكد تماما".
فحدقت فيه مادلين وقالت بصوت مختنق:
" سنطلب تفسيرا عن هذا يا جيف!".
قال جيف ، وهو يبدو خائفا مروعا تماما.
" حاضر يا سيدة سكوت".
أمما نيكولاس فشرع يعمل فورا ، تولى القيادة كعهده في العمل منذ عشرين عاما ، وتساءل:
" أين هذا المحجر؟".
تلعثم جيف وهو يصف لهما المكان ، وهتف المزارع:
" إنه مكان دافيسون القديم ، لماذا لم أفكر في هذا من قبل ؟ من السهل العثور عليه ، إنه مكان ضخم ، لا أريد ان أثير فيكم الأمل يا سيدة سكوت ، ولكن هذا المحجر كتلة من الأطراف والنتوءات ، ومن المحتمل أن تكون إبنتك سقطت لعدة أقدام فقط ، سقطة تكفي لأصابتها بدوار وجعلها عاجزة عن الرد عندما ناداها هذا الفتى".
اومأت مادلين برأسها قائلة:
" آمل أن تكون على صواب".
مضى الرجل قائلا ، ونيكولاس على وشك عبور الطريق لأحضار البطارية :
" في أي حال لدي حبل في صندوق السيارة فهل تود ان تأخذه معك ، في حالة الوصول اليها؟".
قال نيكولاس على الفور:
" بالتاكيد ، هذه فكرة طيبة".
فترجل المزارع من السيارة ومضى الى صندوقها قائلا:
" أحتفظ به دائما لحالات الطوارىء ، ففي الحارة التي نقطنها ، والتي تصبح مستنقعا في الشتاء ، كثيرا ما أضطر الى إستعمالها".
وناول نيكولاس الحبل ثم ركب السيارة قائلا:
" هناك كشك للهاتف في الجوار القريب ، على بعد ميلين من هنا ، وسيكون لديكما العون حالا".
" أشكرك".
مضت السيارة وأخذ نيكولاس ومادلين ، ومعهما البطارية ، يشقان طريقهما عبر السياج وداخل الأيكة ، كان المطر لا يزال يهطل بشدة ، فسرعان ما بللهما على نحو ما حدث لجيف.
وكان الشعاع القوي من البطارية يضيء لهما الطريق ، وكان من السهل العثور على حافة المحجر وتبين سهولة السقوط فيه ، وركع نيكولاس على يديه وركبتيه ونادى:
" ديانا... هل تسمعيني؟".
منتديات ليلاس
ولم يتلق ردا فنهض وبدأ يتفقد المحجر بشعاع البطارية مضيئا كل جانب منه ، وكما قال المزارع كان المحجر بمثابة صرح غير مستو ، إنتشرت على جوانبه بروزات عظمية من الصخر ، وثمة أشجار وشجيرات متشعبة بيضاء ، يقطر منها الماء ، تعطيه مظهرا غريبا ، وإرتعدت مادلين وهي تتساءل إذا كانت ديانا حقا في هذه الهوة السوداء ، ماذا لو سقطت الى القاع ؟ تساءلت عن عمق الهوة وإفترضت انها في عمق يتجاوز مائة قدم ، أما نيكولاس فكان مثاليا في تفكيره وتصرفه ، ورغم ان تفحصه البطيء للمحجر بدا كأنه إستغرق ساعات ، إلا نه لم يأخذ في الحقيقة سوى بضع دقائق قال بعدها:
" اعتقد إنني وجدتها !".
وضعت مادلين يدها على عنقها وقالت:
" أين؟".
أشار نيكولاس بالبطارية فألقى شعاعها على الفتاة الفاقدة الوعي ، كانت ترقد بين اغصان شجرتين ، وقد تدلى رأسها وإمتد جسمها متارجحا بين الشجرتين ، فتنفست مادلين الصعداء إذ كانت المسافة نحو خمسة عشر قدما فقط ، من المؤكد أنها لم تصب إصابة جسيمة ! صاحت:
" اوه ، شكرا لله ! لعل السقطة أفقدتها الوعي ، ولكنها لم تسقط بعيدا على الأقل".
وتطلعت الى نيكولاس ولكن وجهه كان يبدو متجهما حتى في الضوء الخافت من وراء شعاع البطارية :
" ماذا حدث؟ إنها سليمة ، أليس كذلك ؟ لا تعتقد انها مصابة إصابة خطيرة ... أليس كذلك؟".
هز نيكولاس راسه قائلا:
" كلا يا حبيبتي ، لا اعتقد أن إصابتها خطيرة".
" لماذا تبدو قلقا هكذا؟".
قطب نيكولاس جبينه قائلا:
" إسمعي يا مادلين ، لا أريد أن اقول لك هذا ، ولكن إذا افاقت ديانا ، وتحركت !".
ضغطت مادلين بيدها على فمها وقالت:
" أنت تعني أنها لن تدرك الخطر من حولها".
" بالضبط الأمر محتمل ، وارجح أنها لن تفيق قبل أن تصل النجدة ، ولكن هل تتحمل هذه المخاطرة؟".
بلعت مادلين ريقها بصعوبة ، وهي تشعر بغثيان طفيف ، وقالت:
" وما هو البديل ؟".
فضغط نيكولاس شفتيه وقال:
" أن أنزل انا اليها، على الحبل ، وأربطه حولها ، ثم اتمكن من الصعود ورفعها ايضا ، وإذا لم استطع الصعود فإن هذا لن يهم ، في وسعي الإنتظار ، على الأقل ستكون في حال مأمونة وهي مربوطة بالحبل – إذا ما تحركت".
تنهدت مادلين بتثاقل وقالت:
" وهل هذا هو البديل الوحيد؟".
" هل يمكنك ان تفكري في شيء آخر ؟ هيا يا حبيبتي ، إننا نضيع الوقت ، والآن إسمعي... ساربط هذا الحبل حول تلك الشجرة هناك ، وكل ما أريده منك هو ان تسقطي عليّ شعاع البطارية وأنا أنزل".
قبل ان يربط الحبل حول الشجرة عقد فيه عدة عقدات بطوله ، فقطبت مادلين جبينها قائلة:
" ولماذا هذه؟".
" إنها تساعد المرء على الصعود والهبوط على الحبل فهذه العقدات بمثابة مواطىء أقدام ، ها هنا بهجة السيرك كله يا سيدتي".

نيو فراولة 09-12-11 09:51 PM

كان يحاول ان يخفف عنها توترها ، وكانت تعلم ذلك وتساءلت كم من الرجال يمكن أن يخاطروا بحياتهم على هذا النحو من أجل فتاة تعاملهم دائما بعدم إكتراث تام ، اما بالنسبة الى نيكولاس فكان النزول على الحبل مهمة بطيئة ، إذ مرت سنوات بدون أن يقوم بحركة شبه بهلوانية ، فكان من الطبيعي أن يكون متصلبا ، وأخذت مادلين ترقبه في قلق ، وهي تخشى عليه مثلما تخشى على ديانا ، وهبط الى مكان أدنى مما فيه ديانا ، وحاول ان يجد موطئا لقدمه في جدار المحجر ، ولكن لم يكن هناك موطىء ، وكانت هناك بدلا من ذلك بعض الشجيرات المتشعبة ، فإستطاع ان يرتكن الى إحداها على نحو كفل له أن يطلق الحبل ويربطه حول ديانا ، وكانت أسوا لحظة تلك التي حاول فيها أن يجعل الحبل من تحتها فتحرك جسمها واوشك أن يسقط عليه ويفقده توازنه ، ولكنه أمسك بأقرب شجرة اليه وإستطاع دفعها الى حيث كانت ، وتعلق في لحظة بالشجيرة وهو لاهث الأنفاس حتى تمكن من إسترداد ثقته وأنفاسه.
اما مادلين فكتمت الصيحة من فمها ولم يبد ذعرها إلا من خلال إهتزاز ضوء البطارية في يدها ، وأخيرا ، امكن ربط ديانا بطرف الحبل على نحو مأمون وكانت لا تزال فاقدة الوعي ، وإستطاع نيكولاس ان يرى ندبة قبيحة على جبهتها ، ولكن فيما عدا ذلك بدت على ما يرام ، وكانت مبتلة تماما بالطبع ، فشعر بالقلق من إحتمالات الصدمة في مثل هذه الأحوال.
وبتدبر محكم ، صعد على الحبل ببطء وهو يشعر بالإمتنان لأنه عقد العقدات التي كفلت مواطىء ليديه وقدميه معا ، وساعدته مادلين على الصعود فوق الحافة ، وظل لحظة راقدا بلا حراك على السطح الطيني، فهمست اليه وهي تمر بيدها على شعره المبتل :
" هل انت على ما يرام؟".
فتنهد ونهض على ركبتيه قائلا:
" طبعا مجرد عطل في الحركة ، هذا كل شيء ! لا بد في الواقع ان أمارس رياضات اخرى غير الغولف ، فهذا يظهرني في حال يرثى لها".
ساعدته مادلين على النهوض ثم تعلقت به لحظة وقالت بصوت أجش:
" لا أدري ماذا كان بوسعي أن أفعل بدونك".
فإنحنى وقبّل رأسها ثم ابعدها عنه بعزم قائلا وهو يرتدي المعطف الذي خلعه لدى صعوده:
" أعتقد أنه يحسن بنا الآن أن نجذبها ، لا أحب فكرة بقائها مكشوفة على هذا النحو".
أومأت مادلين برأسها قائلة:
" هل يمكن أن نجذبها بدون ان تصاب بسوء؟".
اومأ نيكولاس برأسه ببطء وقال:
" اعتقد ذلك ، إن جانب المحجر ينحدر الى الداخل قليلا ، وهذا يمكننا من جذبها الى أعلى برفق تام".
ورغم ذلك إستغرق الأمر بضع دقائق لجذب الفتاة الفاقدة الوعي ، وكانت بمثابة كتلة صماء وإضطر نيكولاس الى ان يتولى معظم الجذب ، وأخيرا بلغت الحافة فإنحنى ورفعها ونقلها لترقد على العشب تحت الأشجار في نهاية الأيكة ، وخلع معطفه ووضعه عليها وهو يمرر بيديه على جسمها ليتحقق مما إذا كانت هناك عظام مكسورة ثم تطلع الى مادلين قائلا:
" أعتقد أنها على ما يرام ، لا أشعر بكسور ،ولكن هناك إحتمال الإرتجاج ، هل تظنين نه يجب علينا نقلها الى السيارة ؟ ستكون هناك في جو جاف على الأقل ، ونحن لا نريد أن نخاطر بإصابتها بإلتهاب رئوي".
اومات مادلين برأسها ، فرفع نيكولاس ديانا بين ذراعيه وحملها عبر الأشجار وهي لا تزال ملفوفة بمعطفه ، وفي أعقابهما كانت مادلين تضيء المصباح على احسن ما تستطيع ، ولكن نيكولاس بدا واثقا من خطو قدميه .
وبينما كانا يقتربان من السياج سمعا نفير الخطر يعلن وصول سيارة الإسعاف ، فإبتسم نيكولاس مداعبا وقال:
" ها هي النجدة ، إنها تصل كالعادة بعد ن ينتهي الأمر ، إلا من الصياح".
وكانت الساعات القليلة التالية بمثابة كابوس ، فقد وصل رجال البوليس ايضا وآثروا ان يعرفوا كل التفاصيل ، ونقلت ديانا مباشرة الى سيارة الإسعاف التي نقلتها ، بصحبة مادلين ، الى مستشفى أوترييري العام ، وأفاقت في السيارة ، ولكن كلماتها كانت تفتقر الى المعنى ، ورغم أنها عرفت مادلين فيما يبدو إلا أنها لم تتحدث إلا قليلا ثم غابت عن الوعي مرة أخرى.
وقال الطبيب الذي كان في سيارة الإسعاف انها مصابة في حالة صدمة ولكنه لا يعتقد من الفحص القصير الذي أجراه أنها مصابة في جسمها ، فهي لا تعاني من عظام مكسورة ، أما الندوب فهي مجرد رضوض طفيفة.
ووضعت ديانا في جناح بناء على تعليمات نيكولاس ، وكان قد تبع سيارة الإسعاف في سيارته ، ومعه جيف ، الذي كان البوليس قد تولى إستجوابه.
وبعد التأكد من أن ديانا ستكون على ما يرام ، سبق جيف الى مركز البوليس للإدلاء بأقواله ، وبعد ان أفضى ببعض التفاصيل إكتفى الضابط بتحذيره من مغبة مثل هذا الطيش وسمح له بالعودة الى المنزل.
وبقيت مادلين في المستشفى ، ولم يكن هناك ما تستطيع ان تفعله ، ولكنها قبلت بإبتهاج الفراش الذي عرضته عليها الأخت الممرضة.
ولم تنم كثيرا ، اما نيكولاس فقد عاد الى فندقه ، وكانت موقنة أنه يدرك الآن أنه ليس في وسعهما بعد ما حدث ان يبلغا ديانا بانهما يريدان الزواج فورا ، افلحت ديانا في إرجاء الأمور حقا هذه المرة ، ولكن بغير قصد.

نيو فراولة 09-12-11 10:18 PM

12- أزرق لون السعادة


وفي الصباح التالي قامت مادلين بزيارة إبنتها في غرفتها لتطمئن عليها ، وكانت مستيقظة ، فإعترفت لها بأسفها لأنها سببت لها كل هذا القلق ، وتساءلت إذا كان نيكولاس هو الذي أخرجها من المحجر ، فردت عليها بالإيجاب ، وما لبثت ديانا أن امسكت بيد أمها بقوة وتساءلت:
" اكان ذلك صحيحا ؟ ما قلتماه بشأني؟".
اومأت مادلين برأسها وتنهدت قائلة:
" انا آسفة يا ديانا ، اعرف أنها كانت صدمة لك ، ولا أدري ماذا أقول".
" لا عليك ، قال لي جيف شيئا بالأمس اظنه حكيما ، قال إنه كان في وسعك أن تتركيني للتبني أو تضعيني في ملجأ ".
" ولكني احبك ! عشقتك في اللحظة التي تلقيتك فيها بين ذراعي ، ولم يطرأ على ذهني أن أتخلص منك أبدا".
" ويبدو أن والدي كان يعلم بكل شيء".
" كان يعلم ، لقد عشت مع جدتك يا حبيبتي وكان قلبها لينفطر حزنا لو انها علمت ، وكان جو يريد احد يعنى به ، فعقدنا صفقة ، حصل على مدبرة لمنزله وحصلت على زوج ... بالإسم فقط".
" فهمت... ولماذا لم تخبريني؟".
" كنت مفرطة الجبن ، ويبدو أنني أتخذ منهج أقل المقاومة في معظم الأمور".
ضغطت ديانا على يدها وتساءلت:
" " مثل الآن؟".
" ماذا تعنين؟".
" أعني بشأنك أنت ونيكولاس فيتال .... هل يريد حقا أن يتزوجك؟".
" كيف إكتشفت ذلك؟".
" كان واضحا منذ وقت طويل ، وكنت عنيدة على نحو لم أستطع معه ان أصدق ،وأعتقد انني كنت مغالية في شعوري نحوك بالإمتلاك ، إتهمني جيف بأنني طفلة ولكنني أعتقد انني كبرت الآن ، فعلت ما كنت ترينه صوابا طوال حياتي وكانت النتيجة إنني أصبحت شديدة الإعتماد عليك ، ولو عرفت أن جو لم يكن هو والدي ربما كنت أصبحت أكثر إستقلالا ، وعندما مات إزددت تعلقا بك لأن عالمي كان يتهاوى فيما يبدو ، وإنني أرى الآن انه لم يكن كذلك ، لا تدهشي يا أماه وإلا غيرت رأيي!".
بعد ذلك بشهرين كان اليخت ماريا كريستينا يرسو في خليج مونتي كارلو ، وعلى متنه كانت مادلين تتمدد بالبيكيني في كسل ، وجاء من يضع على ظهرها كوبا مثلجا فإنتفضت جالسة لتجده نيكولاس ، إبتسم لها مداعبا ،وناولها كوب الشراب قائلا:
" كانت هذه أسرع طريقة لأرغامك على النهوض ، كنت تبدين بالغة الرضى وأنت راقدة".
تنهدت مادلين في إرتياح وقالت:
" انا راضية يا حبيبي ، لم أشعر بسعاد مثل هذه من قبل في حياتي".
" وإنني لأجد الفردوس في أي مكان تكونين فيه معي يا حبيبتي".
منتديات ليلاس
وإقتربت منه وأخذت تعبث بأصابعها في صدره ، وتساءلت عما تفعله الفتاتان الآن ، كانت ديانا وماريا قد طارتا بعد الزواج الذي عقد منذ ستة أسابيع الى فيلينتيا مع والدة نيكولاس ، بينما طارت مادلين ونيكولاس مباشرة الى نابولي بعد قضاء عطلة نهاية الأسبوع في باريس ، ثم أقلهما اليخت من هناك في رحلة شهر العسل بين الجزر اليونانية ... قال نيكولاس في تراخ:
" سنجد تغييرا كبيرا في ديانا ، ماريا عظيمة في الإصلاح ،وهي تشبه جدتها ، وفيما بينهما ستتبدد أية شكوك باقية في نفس ديانا ، وغدا نطير الى روما ونذهب الى فيلينتيا ، وفي عطلة الأسبوع نعود الى روما وأريك منزلي ، هل تتطلعين الى ذلك؟".
"أنت تعلم ذلك ، بيتنا ! هذا يبدو رائعا !".
" سيكون الأمر كذلك ، وسنكون وحدنا لفترة ، لقد وافقت والدتي على إبقاء الفتاتين معها في فيلينتيا ، فهي تدرك حاجتنا الى الإنفراد".
تمددت مادلين وتطلعت الى السماء الصافية ، لمتكن فيها سحابة واحدة ، هذا هوحقا أفق مستقبلها.



تمت

زهرة منسية 09-12-11 11:32 PM

مشكورة كتير نيو فراولة على الرواية الرائعة

Rehana 10-12-11 07:37 PM

تسلمى الانامل الجميلة الى تتعب في كتابة
اجمل الروايات


http://glitterimage.info/graphics/im...s-42-51796.gif

نجلاء عبد الوهاب 13-12-11 09:51 PM

الروايه تجنن شكرا كتييييييييييييييييييييييير

الجبل الاخضر 24-01-12 06:18 PM

:55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:تسلم الانامل :hR604426:على المجهودك الرائع والاختيار الممتاز:55::peace: ونشكرك على تعبكي:lol: ياعسل :wookie:وننتظر جديدك:dancingmonkeyff8:

basmaa hamza 13-03-12 05:12 AM

جميله جداً
شكراً:55:

خلوف 16-03-12 02:31 PM

الله يعطيك الف عافية
روووعه الرواية

ندى ندى 10-02-13 03:13 AM

رد: 22- الماضي لا يعود - آن ميثر - روايات عبير القديمة (كاملة )
 
جميله جدا وقمة الروعه

شكرا حبيبتي على ذوقك الرائع

في اختيار هذه الروايه المميزه

همسة عتاب و ندم 12-06-17 11:46 PM

رد: 22 - الماضي لا يعود - آن ميثر - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
جميلة جدا تسلمى:8_4_134:

paatee 04-10-17 06:11 AM

رد: 22 - الماضي لا يعود - آن ميثر - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
رااااااائعه يعطيكي الف عافيه

Angel prai 14-06-19 06:37 PM

ياريت اتضيفين رواية الصقر واليمامة فيوليت وينسبير
تمنى الرواية تعجبكم واللي عنده إقتراح لكتابة رواية من عبير القديمة يتفضل ويقول .وأنا مستعدة لكتابتها .[/COLOR][/SIZE][/QUOTE]

ساشا علي 08-07-20 11:59 PM

رد: 22 - الماضي لا يعود - آن ميثر - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
رواية اكثرمن رائعة.....شكككككرررا


الساعة الآن 04:26 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية