منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   174 - لا تعتذري أبدا - باميلا بوب - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t168829.html)

نيو فراولة 12-10-11 01:51 PM

تفحصت الصورة بتمعن , عيناه سوداوان فيهما نظرة حالمة , تغطيهما حواجب سوداء غامقة , ذقن مربعة تدل على شخصية متسلطة وقوية , شعر بني مجعّد كثيف , فم ذو أبتسامة ساخرة ....... أن أساريره بالنتيجة تدل على شخصية متكبرة ومتعجرفة بلا حدود.
أرتعشت آنا وهي تبعد نظرها عنه , وفكرت أن تخفي الصورة في أحد الجوارير , سحبت أحداها , أكتشفت مجموعة كبيرة من الرسائل , فوجئت وهي تزيحها لتفسح مجالا للصورة , أن الرسالة الأولى تحمل في نهايتها توقيع ريان دونالسون , وعلى الرغم منها طافت بنظرها عل الأسطر الأخيرة : " أنت وحدك أتخذت القرار , أرجوك عزيزتي , أنتظري قليلا قبل أن تأخذي قرارك الأخير , لنناقش أقل ما يمكن من الأمور , أنت تعرفين بما أحسه جيدا ..... ريان دونالسون".
أقفلت آنا الجارور , وبدا عليها الأضطراب , وكأن أحدا رآها في حالة التلبس , ما زالت الصورة بين يديها , ترتجف مع رعشة يديها , وضعتها على أحد رفوف المكتبة , يجب ألا تعرف جيسيكا أنها عبثت بأشيائها الخاصة , أسفت لهذه اللحظة , وتمنت لو لم تفعل ذلك , ثم فكرت بحيرة بكلام المخرج , لقد تورطت بشكل أو بآخر بهذا الموضوع , ريان دونالسون يحب جيسيكا أذن , ويتوسل اليها ألا تنفصل عنه , أشفقت عليه وأحست بالندم لأنها لم تذهب الى البيت لتبدل ثيابها فهذا القميص القطني مع تلك التنورة لا يناسب إلا ظروف العمل.
لم يكن لديها الوقت لتعالج هذه المشكلة , لم تبق إلا دقائق , وعليها أن تغادر المكتب لتكون في موعدها المحدد , أستمرت في وضع ملابس جيسيكا في الخزانة , وفوجئت بأنها لم تأخذ تأخذ معها الفستان الحريري الأخضر , ملمسه الناعم شجّع آنا أن تجربه , وقفت أمام المرآة , وتأملت نفسها , أنه يليق بها تماما ويتناسب مع عينيها الخضراوين الرماديتين , كما يعطي أنعكاسا رائعا لشعرها الحريري , وبدت فيه مختلفة تماما.
فكرت أن تستعيره لهذه السهرة , وحتى عودة جيسيكا هناك الكثير من الوقت , شدّت الحزام حول خصرها النحيل , وتركت شعرها ينساب على كتفيها , وقالت في نفسها : ( الآن أصبحت جاهزة لمواجهة دونالسون المتكبر).
دخلت الأستديو بدون أية صعوبة , ودعتها فتاة الأستعلامات لتأخذ كرسيا في صالة الأنتظار حتى أنتهاء الأجتماع , أبتعدت آنا عن مجاميع الناس التي حضرت تشارك في برنامج تلفزيوني يبث على الهواء مباشرة.
نظرت آنا الى الساعة التي قاربت السابعة والنصف , لقد بدأ صبرها ينفذ وتململت عندما سمعت أحدهم يعلن بصوت عال:
" الآنسة بالنتين , السيد دونالسون سيستقبلك خلال لحظات ".
أرتبكت من هذه الفكرة , وأضطربت أكثر أن تكون قبلة للأنظار , عندما تحركت بسرعة وحاولت أن تجيب , صرخ المنادي ثانية لتأتي مسرعة الى الأستعلامات , هزت رأسها بغيظ وأطاعت الأوامر بعصبية , دخلت غرفة دونالسون وأغلقت الباب خلفها , قالت متلعثمة:
" أنا آسفة , لم أكن أعرف.....".
ألتفت اليها وقال بصوت ساخر:
" لا تقلقي , سأنتهي بسرعة".
كان يغسل يديه بالصابون والماء بحيوية , ثم ألتفت الى آنا التي بدت مرتبكة وحمرة الخجل غطت وجنتيها , بينما الأبتسامة لا تفارق شفتيه حيث بدا لها في حالة مرحة تماما , قالت آنا بعصبية:
" لقد تأخر الموعد كثيرا يا سيد دونالسون , أرجو أن ينتهي لقاؤنا بسرعة".
نظر الى فستانها الأخضر , أضطربت أنفاس آنا وتمنت ألا يكون قد شاهده على جيسيكا قبل الآن أو أن يكون نسي ذلك على الأقل , أقترح دونالسون:
" عي أن أقنالسف معنا , سأشرح لك ل شء الآن , أرجو ألا تكون الأمور معقدة".
" ل...........لأ".
أجابت آنا بصوت مكتوم.
" في هذه الحالة لا شيء يمنعك من مصاحبتي للعشاء هذا المساء".
فتح باب الخزانة وأخرج قميصا بني اللون , أحتجت الفتاة :
" لا أستطيع..".
" يجب أن نتحدث , والحديث سيطول , وأنا جائع , أرجوك لا تجبريني على البقاء هنا , سنتحادث على طاولة العشاء".
لبس القميص وأختار ربطة عنق من الحرير الناعم , عقدها حول رقبته بزهو ومرح , قررت آنا أن تتحدى رغبة هذا الرجل الذي يتخذ قراراته لوحده.
" لم تقل لي أننا سنتعشى في مطعم , ثم أنت الذي أضاع الوقت , جئت في موعدي تماما , على كل حال لن أسافر الى أميركا , أكرر ذلك".
أبتسم ريان بسخرية ونظر اليها بكبرياء:
" أرجو أن تقبلي دعوتي , أنا بحاجة الى رفيقة".
تأكدت آنا أنه يعاني من زواج جيسيكا , ولا يريد أن يبقى وحيدا:
" حسنا , سأوافق شرط ألا يستمر ذلك لفترة طويلة , وأن تكون الأمور جدية , سأفعل ما أستطيع لتقريب وجهات النظر , ولن أتخلى عن مساعدتي للسيدة كيربي".
لبس دونالسون سترته ثم أتجه الى النافذة ونظر الى السماء المتوعدة , ثم قال:
" لم أحضر سيارتي اليوم , ويبدو أن العاصفة على وشك أن تبدأ ".

نيو فراولة 12-10-11 01:54 PM

نظر الى آنا وهو يتفحصها وتابع:
" أن ملابسك خفيفة والأفضل أن أطلب سيارة أجرة".
هذا الأسلوب المتهكم والمتسلط أثار سخط آنا فقالت معارضة:
" لا أخاف البرد , وأفضل المشي".
نظر اليها بقلق ثم أنحنى بحركة تمثيلية وقال:
" كما ترغبين , على كل حال سيكون من السهل أن نصل الى فندق جامبريا قبل أن تبدأ العاصفة".
أعجبت آنا بنفسها , لقد أمتثل لرغبتها , وأستطاعت أن تحد من سيطرته اللامتناهية , وربما بدا لها متساهلا لأسبابه الشخصية , لكنها رفضت أن يقف مدافعا عنها بهذه الطريقة , أحست برعشة برد وهي تمشي بهدوء لتحافظ على توازنها أمامه , حاولت أن تتخيل المطعم ,لا بد أنه يستقبل تجوم الأستعراضات والتلفزيون , سألت بصوت هادىء:
" أين...... جامبريا ؟ ظننت أنه قريب من الأستديو".
" أنه هناك خلف تلك الشجرة الضخمة , أقصد المدخل , أنه ذلك البناء ذو الطوابق الثلاث , لن يكون مناسبا جدا لبريقك هذا ".
ندمت آنا بمرارة , تذكرت أنها تلبس فستانا مستعارا , وخافت أن يعرفه أحد رواد المطعم , وصلا بعد دقائق الى مدخل الفندق , وشعرت آنا بسرور داخلي أن تكون ضمن هذه الطبقة من الفنانين.
السلالم الطويلة الضخمة كانت مغطاة بالسجاد السميك , الجدران تحمل مرايا ضخمة ترسم صورهم بأشكال لطيفة , تعجبت آنا لحرارة أستقبال العاملين في الفندق لريان , مدير الصالة أستقبلهما على باب المطعم عد وصولهما , وطمأن ريان بأنه سيحصل على طاولة جيدة رغم العدد الكبير من الناس المحتشدين في المطعم.
" أنها ساعة العشاء يا سيد دونالسون , الزبائن كثر اليوم , لن أتأخر في أيجاد طاولة مناسبة , لا تقلق".
بدا ريان مختلفا قليلا عن حالته داخل الأستديو , فقد أسترخت تعابير وجهه وبدا أكثر طبيعية , وحاولت آنا أن تبدو طبيعية أيضا , فلم تتعود بعد دخول تلك الأماكن , كانت مشدودة ولكنها أحست بأنها تتمالك أعصابها شيئا فشيئا , لكن سخرية ريان عادت لتقلقها:
" أسترخي قليلا يا آنا بالانتين , لا تقلقي , أسمك غير موجود في قائمة الطعام".
" أنا......لم أفهم".
" يعني أن أحدا لن يأكلك , الجو مبهج أليس كذلك؟".
هذه السخرية شنّجت وجه آنا , إنه يسخر منها , نظرت اليه بغضب وقالت:
" أنا هنا للحديث عن العمل والمسائل المتعلقة.....".
" بالتأكيد ". قاطعها ببرود.
أستند ريان الى كرسيه دون أن يرفع نظره عنها:
" حدثيني , ما الذي تعرفينه عن فيكسبورغ؟".
فوجئت آنا من هذا السؤال , لقد تخيّلت أنه سيسألها عن زواج جيسيكا , ربما يفضل أن يؤجل هذا الموضوع الذي يعذّبه.
" يجب أن ألخص لك الأعداد الضخمة من الكتب والوثائق والرسائل عن قصة هذه المدينة ".
" لا , حدثيني عن المدينة الحزينة , مثلا عن أهلك هناك".
إبتسامة مشرقة لمعت على شفتي آنا , وأشرقت عيناها الخضراوان الواسعتان ببريق السعادة :
" خالتي تعيش في الشارع الرئيسي للمدينة , عمي جاك توفي منذ بضع سنوات , لديها ولدان جان ولوك , وبالتالي كما ذكروا لي في الرسائل أن لديهم أرشيفا واسعا عن هذه المدينة وعن حرب الأنفصال".
نظرت آنا الى الأطباق التي ملأت الطاولة , كان مشهدها وحده يكفي لفتح الشهية , تابعت بمرح:
" سأعطيك عنوانهم ".
" لن يكون ذلك ضروريا , ما زلت أفكر أنك ستكونين معنا في هذه الرحلة , أنا متلهف للتعرف على أهلك ".
تعجبت آنا من إصرار المخرج , ومن جرأته المستمرة فقالت بصوت قاطع:
" أكرر لآخر مرة , لن أسافر الى أميركا , سأقضي باقي الأسبوع في كبرنسمير عند والديّ".
بقي ريان صامتا للحظات , بينما ظهر القلق على وجه آنا , لأنها ترفض فرصة عمل جيد , سيزودها بالخبرة , عدا السفر الى أميركا وزيارة خالتها بدون تكاليف.
منتديات ليلاس
قالت بتردد:
" لم أزر والديّ منذ ستة أشهر".
" حسنا , هذا مفهوم".
وضع ريان فوطته على الطاولة وتابع بتأكيد:
" سافري غدا صباحا , وبإمكانك أن تعودي يوم الأربعاء مساء , ستتمكنين من تحضير حقائبك خلال الليل , خذي بعض الملابس التي تحتاجينها لمدة أسبوعين , ملابس خفيفة , فالطقس في الميسيسيبي هذه الأيام حار".
ذهلت آنا من أسلوبه المتسلط حتى أنه يتدخل في أصغر أشيائها الخاصة , لن تطيع أوامر هذا الرجل ذي الطبع المتغطرس , ولن تناقش معه أي شيء , لكن على الرغم منها كانت جاذبيته تسيطر عليها , وبدأت ترتعش من هذه الفكرة , قالت بتعال وتحد:
" لماذا أنت مصر على أن أغيّر رأيي؟".
" هناك حلان فقط ( قال بلطف ) إذا وافقت على مرافقتي , ستحلين الكثير من الأمور وخصوصا أنك تعرفين تفاصيل السيناريو , ويخيّل الي أنك مساعدة قادرة وذات خبرة لا بأس بها في هذا المجال".
توقف ريان عندما أحس بأضطراب آنا , ولتكسر لحظات الصمت قالت:
" والحل الثاني ......".
" الحل الثاني هو أنني سألاحق جيسيكا قانونيا وألغي عقدي معها , وسيضر ذلك بمستقبلها , فهذه المهنة لا تقبل إلا الأشخاص الجديرين والموثوق بإخلاصهم".
شعرت آنا أنه يستفزها فقالت بعصبية:
" لا يحق لك أن تقول أنها غير جديرة.".
" آه.... جيسيكا؟".
قال بسخرية , جحظت عينا آنا ورمت بعنف فوطتها على الطاولة:
" لكن هذه مساومة رخيصة".
دفعت كرسيها الى الخلف ووقفت تحمل حقيبتها , فأمسكها ريان بيد قوية , لكنها دفعته بعصبية وقالت:
" كيف تتجاسر أن تمنعني بالقوة؟".
ترك ريان يده تسقط , وأتجهت آنا مسرعة خارج المطعم , فلن تبقى ثانية بعد الآن لتستمع الى حديث ريان المخزي , إنه يحاول أن ينتقم من جيسيكا لأسباب شخصية , ويبدو أنه لن يغيفر لها.
خرجت من الفندق بسرعة ولم تنتبه أن تأخذ سيارة أجرة تقف أمام الفندق , قطعت الشارع بخطوات سريعة , ودخلت في أول زقاق وجدته أمامها.
كان الليل قد أرخى ظلمته , مصابيح الشارع أرسلت أشعتها الفضية الخفيفة , لتعكس خطوطا متوازية على الأسفلت الرطب , نوافذ البيوت القريبة عكست أيضا بعض الأضاءة , نظرت آنا حولها , لعلها تلمح موقفا قريبا للباص و المترو وعندما فقدت الأمل , قررت أن تنظر على زاوية الرصيف لتأخذ أول سيارة أجرة تمر , لمحت عن بعد ذلك الفتى الذي لاحظت أنه كان يتبعها منذ لحظة خروجها من الفندق , هاجس من الخوف أنبأها بأنه سينقض عليها خلال لحظات ,نظرت حولها لعلها تستطيع أن تستنجد بأحد المارة أو بشرطي , وجدت نفسها وحيدة فحاولت أن تصرخ , لكنه كان أسرع منها وقد أستولى على محفظتها بالعنف , وحين حاولت أن تدافع عن نفسها , دفعها بقوة وأبتعد بخطوات سريعة.
منتديات ليلاس
لمحت فجأة رجلا طويلا يركض بأتجاه الفتى بحماس وقوة , حتى قبض عليه , راقبت آنا صراعهما العنيف الذي يتناوب بين النور والظلام , حاولت عبثا أن تطلب نجدة لكنها لم تلفظ حرفا واحدا , لقد شلّها الخوف والأنفعال , وغطّت دموعها خديها , لمحت حقيبة يدها تتخبط بين المتصارعين , ثم فقدت مكانهما , لم تعد ترى سوى الظلام , أصوات متكررة , ركض , وضرب , ولهاث , وبعض الشتائم , وأخيرا ظهر المدافع عنها يحمل الحقيبة بينما كان الفتى يركض بأقصى سرعته وهو يجتاز أعمدة الكهرباء المتباعدة في الشارع.
أقترب منها الرجل يترنح , دخل دائرة الضوءالتي سقطت تحتها آنا , كان يضع يده اليمنى على عينه اليسرى:
" يا الله ...... ماذا تضعين في حقيبتك, هل هي محشوة بالرصاص؟".
أرتجفت برعب , نهضت بصعوبة , ثم تقدمت منه لتعتذر وتشكره على أنقاذها.
لقد مرت بلحظات رعب حقيقية , وسيقبل محدثها ريان دونالسون أعتذارها وهي على هذه الحال.

نيو فراولة 12-10-11 01:55 PM

3- أي ليلة!



كان من عادتها أن تحمل في حقيبة يدها مصباح جيب صغيرا يساعدها على أجتياز الأماكن المظلمة , وبعض الأدوات المعدنية التي تساعدها في عملها المكتبي , وعددا من الأقلام , وأدوات الزينة , وثقل هذه الأشياء هو الذي صدم دونالسون , لقد فقد توازنه من الضربة التي تلقاها على جبهته , بدا لها يترنح وهي تقترب منه ولا تزال تردد كلمات الأسف , حتى تكشّف لها وجهه , وقد تورّم جبينه وخط من الدم يتابع سيره على خده رغم أنه يواصل مسحه بمنديل أصطبغ باللون الأحمر , قالت بخوف:
" علينا أن نلتحق بأقرب مركز أسعاف , أو أي مستشفى".
نظر اليها ريان بغضب وقال دون أن يتزعزع:
" ليس هذا مهما ".
" لكن عينك.....".
"..........هذا بفضلك , أشكرك".
مسح جبينه وأضاف:
" سأعالج نفسي لدى عودتي الى المنزل ".
عضّت آنا على شفتيها من الخوف , الجرح زاد من أسلوب تعامله الخشن , وعلى الرغم من ألمه , إبتسم لها ريان ببرود.
ومرور سيارة أجرة وضع حدا لهذه الهدنة المؤقتة , أمسكها من ذراعيها بسرعة خوفا من أن تهرب ثانية , نادى بصوت عال على السائق , ثم نظر اليها وهو يخفي آثار الألم عن وجهه وقال بلهجة آمرة:
" أين تسكنين؟ أرشدي السائق الى طريق بيتك ثم أتابع معه بعد ذلك الى بيتي".
" آه ..... لا ! سأرافقك , يجب أن أساعدك".
" لست بحاجة الى مساعدتك".
أجابت معترضة:
" سوف أتركك إذن في المستشفى التي تختارها , أو عند طبيبك الخاص على الأقل".
أخرج السائق رأسه من نافذة السيارة وقال ناصحا:
" أن السيدة على صواب , يبدو أنك تلقيت ضربة عنيفة وفي مكان حساس".
لم يهتم ريان لهذا الرأي بل رسم على شفتيه إبتسامة ساخرة وفتح باب السيارة وقال:
" إذن أدعوك الى منزلي وستهتمين أنت بالجرح".
دفعها داخل السيارة وجلس بجانبها , أعطى العنوان للسائق , وأستمر في مراقبة قلقها الواضح.
تراجعت الى أقصى المقعد الخلفي بعيدا عن ريان , كانت تتنفس بصعوبة , وحاولت ألا تسمعه دقات قلبها السريعة , وهي تخفي عنه عصبيتها النزقة.
رماها بنظرة خفيفة , إزداد أنفعالها وتشجنت أصابعها , نظرت اليه وهو يتابع الطريق , أنه يبدو كأحد أبطال الأغريق , بتكبره ونظرته المنتصرة , نظرت بالأتجاه المعاكس بعد أن أرعبتها فكرة الأستسلام لأغراء جاذبيته الطاغية.
عندما دخلا الى بيته , فوجئت آنا بأنه جزء من قصر قديم , بناء من الحجر الأبيض ذو نوافذ رومانية واسعة , وفي الصالون كانت الجدران ذات لون فضي لامع , أما قاعدة الجدران فكانت مزينة بشريط مزخرف باللونين الأزرق والأبيض , الأرائك كبيرة ومريحة , تحتل جزءا من المساحة الواسعة للصالون , مكسوة بمخمل أزرق متناسب مع الخطوطالبيضاء لباقي قطع الأثاث , الأضاءة موزعة بأناقة مثيرة تحت أحدى اللمبات , رأت الهاتف فوق طاولة منخفضة , ألتجهت اليه مسرعة , ورفعت السماعة متسائلة:
" ما هو رقم طبيبك؟".
أقترب منها ريان , سحب السماعة من يدها وأعادها الى مكانها , أستند بيده على الكرسي الذي جلست عليه وأقترب بوجهه من وجهها وقال بتحد:
" لست بحاجة الى طبيب , وعدتني أنك ستعالجينني".
حبست أنفاسها لشدة قربه منها , لكنها كانت أشتمت رائحة عطره , خافت أن يلمسها لأنها عاجزة عن مقاومته , أبتعد دونالسون خطوة واحدة عنها وقال:
" ستجدين القطن والمطهر وكل ما هو ضروري في صيدلية الحمام".
ثم أضاف بسخرية:
" بالطبع أنت قادرة على تضميد الجرح الذي كان بسببك؟".
هذا الصوت الساخر أغضب آنا , وشعرت بالحقد يشتعل بداخلها ضد هذا الرجل , عليها أن تكون قوية وقادرة على التصدي لجبروته وأوامره , نظرت الى الجرح وقالت بتعال:
" لا يكفي أن يعالج الجرح هكذا ببساطة , قد يكون هناك ما يتسبب بنزف داخلي".
ضحك ريان بصوت عال وقال:
" ماذا أذن؟ يا عزيزتي الآنسة بالانتين , هل تتمتعين بخلق مأساة لموقف لا قيمة له؟".
تطاير الشرر من عينيها ونظرت اليه بتحد قبل أن تتجه الى الباب .
" تصبح على خير يا سيد دونالسون".
برشاقة متميزة قفز ريان وأمسكها في اللحظة التي وصلت يدها للباب , وأحست أنها أصبحت سجينة , قال وهو يتابع ضحكته المتقطعة:
" ستبقين هنا , موعدي معك كان متأخرا , هذا يعني أنني لن أدعك تخرجين لوحدك".
حاولت عبثا أن تهرب منه وتتخلص من قبضة يده القوية , قالت نفاد صبر:
" أحس بالأمان أكثر عندما أكون بعيدة عنك , دعني , أرجوك".
جذبها ريان بقوة اليه ونظر بمتعة الى وجهها الغاضب , رفضت آنا أن تبدو خجولة في موقفها الجديد , ثبتت نظرها عليه دون أن يرمش جفنها , وسألها بتسلط:
" قولي لي , أين وجدتك جيسيكا؟ وكيف قبلت أن تتعاقد معك؟ أنت توازينها عصبية".
" كنت أعمل في دار النشر التي تمتلكها , على كل حال سأغيّر وظيفتي , سأبحث عن عمل آخر".
" أترين أنك مستبدة أيضا؟ هذا ما فعلته معي هذا المساء..... أمرأتان نزفتان في مكتب واحد , أشك أن يستطيع أي أنسان أن يغير عادات جيسيكا , هل أنت كذلك؟".
" أعتقد أنك تتكلم عن تجربتك الشخصية".

نيو فراولة 12-10-11 01:57 PM

قالت جملتها بسخرية ثم ندمت لأنها طعنته في مسألة خاصة , ترك يدها تسقط , وأبتعد عنها خطوة قصيرة فنظرت اليه وشعرت أنها سببت له جرحا آخر.
" آسفة.....".
تساءلت كيف تصرفت مع هذا الرجل بهذه الطريقة , أنها لم تعرفه إلا منذ هذا الصباح , تخاصما كأعداء , بدون أسباب وأعتبارات لتعارفهما القصير.
عبر الصالون بخطوات بطيئة , ثم فتح باب غرفة النوم , وقال بدون أن يلتفت:
" حسنا , سنعقد هدنة , لن نستدعي الطبيب , لكن بالمقابل ستبقين أنت هنا هذه الليلة , وإذا ما أصبت بنزف داخلي كما ذكرت تطلبين الأسعاف حالا".
على الرغم من الطريقة الوقورة التي تحدث بها إلا أنها كانت تحس بسخرية وخبث في طببقة صوته , صرخت آنا بصوت عال:
" هل أصبحت مجالا لسخريتك؟".
" بالعكس , لقد مسني إهتمامك , وأثارتني حالة الشفقة التي أبديتها على صحتي , لن ترفضي طبعا هذه المهمة الأنسانية , ولن أشعرك بأنك ممرضتي الخاصة , سأذهب لأحضر غطاء يساعدني على النوم على هذه الأريكة".
منتديات ليلاس
إختفى داخل غرفة النوم , بينما تصاعد إنفعال آنا , إنها في طريقها لتعيش كابوسا مزعجا , ظعر ريان من الباب يحمل بطانية وقد خلع سترته وربطة عنقه , قالت بمرارة:
" لن يكون ذلك أبدا , لن أبقى لحظة واحدة في هذا البيت".
وصل قبلها الى باب الخروج , وضغط بيديه على جانبي الباب , بينما غطّت صدره البطانية المشدودة بين ذراعيه , لمحت على شفتيه إبتسامة ساخرة , وما أن حملت حقيبتها وألتفتت اليه ثانية , حتى رأته ينزلق ببطء الى أن سقط بجسمه على الأرض, صرخت آنا مذعورة:
" آه ..... , لا , أرجوك توقف عن هذه التمثيلية المزعجة".
أحست فجأة بأن ذلك قد يكون حقيقيا , فرمت بحقيبتها , وإنكبت عليه بذعر , وضعت يدها على كتفه وهي تبعد الغطاء الذي أخفى جزء من رأسه , فتح عينيه بطء , أمسك يديها بنعومة , ثم تماسك وهو ينتصب على قدميه , مشى بضع خطوات في الصالون وهو يترنح , قال بإستهتار:
" لن تستطيعي أن تتركيني وحيدا وأنا بهذه الحالة , قد يسبب الجرح مضاعفات كما قلت , والندم بعد ذلك لن يفيد".
نظرت اليه بعينين جاحظتين , ونسيت أحاسيسها الحاقدة على هذا الرجل , وبدأت تسقط في الفخ الذي نصبه لها , لن تتجاسر على التمرد هذه المرة , إنها المسؤولة عن جرح دونالسون , لكنها قررت أن ترمي آخر ورقة من أوراقها لعلها تربح الجولة دون أن تثير وقاحته, فالنتائج لن تكون سهلة , قالت:
" لا شيء يجبرني على البقاء هنا , إذا كنت تعتقد أنني أستطيع القيام بأعمال مختلفة فأنت مخطىء , الأساليب التي أتبعتها مع جيسيكا لن تنجح معي , فأنا لم أتعود أن أرافق رجلا عابثا في سهراته الليلية".
قطب ريان حاجبيه , وتقلص وجهه غضبا , مما جعلها تشعر بأنها كانت خشنة وحقودة بإثارة جروحه الدفينة , ضحك ببرود وهو يرميها بنظرات متوعدة وقال بصوت هادىء:
" أنك تدهشينني , إلحاحك بالمجيء معي يوحي بعكس ذلك".
وضع يديه على كتفيها وجذبها اليه , قالت بصوت متلعثم:
" أنا........ أنا لم أقل ذلك , لم تفهمني جيدا".
طافت عيناه على وجهها المضطرب ثم همس :
" لا أعرف شيئا عنك , ونحن ما زلنا غرباء , يجب أن أفهمك أكثر , حتى في ظنونك عن حياتي الخاصة".
كانت مضطربة الى أقصى حد.... صوتها سجين في فمها, وأهدابها صارت ثقيلة , كانت رغبتها كبيرة في أن تتحرك أو أن تغير وضعها , لكن قبضة ريان كانت قوية , شدّها بخشونة ثم عانقها بحيث لم تقو على الأعتراض , تشنج ظهرها ووهنت قوتها , ولم تعد قادرة على التخلص من هذا الكائن الخشن , ولكن ما برحت أن أستردت شجاعتها شيئا فشيئا , جحظت عيناها , وعندما لاحظ ريان ذلك ترك سجينته التي صرخت برعب:
" يا لك من شخص خشن , وقح , دعني أخرج من هنا , لا أريد أن أراك ثانية !".
فتحت الباب بينما كان ريان يقف بجانبه , ضربته بقبضة يدها على صدره وخرجت بعصبية تركض مسرعة بعيدا عنه.
منتديات ليلاس
وصلت الى الصالة الخارجية , إستندت بيدها على الحائط لتستعيد أنفاسها , ولم تمض بضعة لحظات حتى دوّت عاصفة هزّت المبنى بأكمله , حاولت أن تتمالك نفسها بعد أن سيطر عليها ذعر فظيع , أبرقت السماء مرات متتالية , وإزداد صوت الرعد قوة , ثم بدأت القطرات الأولى من المطر تساقط أمام إشعاعات المصابيح الكهربائية في الشارع , كانت النقاط كبيرة توحي بأنها ستحطم هذه المصابيح المنتشرة بأبعاد متساوية , توقفت آنا لحظات وهي تفكر بأن تركض سريعا الى أقرب سيارة أجرة , ولكن الشارع كان خاليا من أية حركة إلا المطر الذي تحول الى سبيل يتدفق كالطوفان , تراجعت في النهاية الى الداخل وهي ترتجف من قمة رأسها الى أخمص قدميها , إنها تفضل أن تجابه عواصف ريان عن أن تواجه غضب السماء , حاولت أن تستعيد شجاعتها التي بدأت تتلقاها مع كل دوي يصدر عن السماء المحتقنة , صعدت الدرجات بتردد , إنه الملجأ الوحيد الذي يمكن أن تحتمي به حتى إنتهاء العاصفة.

نيو فراولة 12-10-11 01:58 PM

قررت مرارا رفع يدها لتقرع الباب دون أن تتوصل الى قرار نهائي , وعندما فتح الباب إزدادت رعشة آنا بينما كان ريان يراقبها بنظرات حائرة , قالت بخجل:
" العاصفة ترعبني".
" أعرف.... راقبتك من النافذة لأرى الى أي مكان يمكنك أن تبتعدي , لا تنتظري في الخارج , إدهلي".
" شكرا".
تركها ريان وحيدة في الصالون ولم تعرف ماذا كان يفعل , لأن صوت الرعد قوي يصم الآذان , ميّزت بعض الأصوات الصادرة عن المطبخ , مشت ببطء وخوف بأتجاه الصوت , فرأت ريان يمسح جرحه بالماء الساخن , بعد أن وضع على الطاولة القطن والكحول ومواد أخرى , أقترحت بلطف:
" هل يمكنني أن أساعدك؟".
" إذا سمحت".
جلس وتركها تعتني بالجرح بهدوء رصين , غسلت حول عينه اليسرى بنعومة , ثم وضعت بعض الكمادات المبللة بالماء البارد , وتوقعت أن يصرخ من الألم عندما طهّرت الجرح بالكحول , لكنه لم يختلج أبدا وكأن الجرح يخص شخصا آخر , الصمت كان يقطعه ضجيج السماء , وقطرات المطر التي تضرب النافذة بقوة , ضمّدت الجرح بعناية , ومسحت الآثار المتبقية حول عينه, نظر اليها برقة , لكنها قررت أن تهرب من نظراته , أعادت ترتيب الأشياء التي تبعثرت من هذه العملية , غسلت يديها , وعندما ألتفتت اليه وجدته قد وضع كأسين من الشراب , لم تكن تشتهي إلا فنجانا من القهوة الساخنة , لكنها لم تتجاسر على طلب كهذا.
توقف المطر لكن السماء ما زالت تتمزق بالبرق المتناوب مع الرعد الذي يهز أركان البيت.
قالت آنا بصوت ناعم وهي ترسم إبتسامة خفيفة:
" منذ طفولتي وأنا أخاف العواصف".
" هذا يفسر شحوب وجهك , للأسف ليست لدي أية سلطة ضد الأرصاد الجوية".
بعد صمت متوتر سألت آنا وقد إحمرت وجنتاها:
" هل تسمح لي أن أنام على الأريكة؟".
" أفعلي ما تشائين , يمكنك أيضا إستعمال السرير , ولا تخافي من أن تظهر وقاحتي ثانية".
أحست آنا بغصة في حلقها , بلعت الجواب القاسي الذي وصل الى شفتيها , رغبة منها بعدم الدخول في نزاع جديد , مشت الى غرفة النوم , وجدت الغطاء على طرف السرير فحملته مع إحدى الوسائد , ورمت بها فوق الأريكة ثم نظرت اليه وهو يتحسس جرحه بيده , قالت:
" أفضل أن أنام هنا , إذا كان هذا لا يزعجك".
هز ريان كتفيه بلا مبالاة ودخل غرفته وأغلق الباب.
عندما أصبحت وحدها في هذا الصالون الضم , خلعت فستانها الحريري , وقفزت بسرعة تحت الغطاء , ويبدو أن السماء لن ترحم خوفها , فالرعد كان يمزق سكينتها الداخلية , سيطر عليها رعب لا مثيل له , وجدت نفسها بعد لحظات تقرع بب غرفة ريان , فتح الباب بسرعة وقد رفع حاجبه إستغرابا وهو ينظر الى ضيفته ترتعش تحت الغطاء الذي تلتف به.
" هل توافق أن تترك الباب مفتوحا ولو قليلا , على الأقل حتى تنتهي العاصفة".
كانت تتوسل اليه بعيون ملؤها الخوف.
تفحصها بتمعن وطافت نظراته بحيرة حتى وصلت الى قدميها الحافيتين.
تضايقت آنا من نظراته المتفحصة , وتشنجت بوقفتها فوق السجاد السميك , لم تتجاسر أن تنظر في عينيه وهي تنتظر أن تسمع ضحكته العالية , أقترب منها وعانقها بحنان وقال:
" لا تقلقي".
سار ببطء الى سريره , وهدأت أعصاب آنا قليلا , عادت الى مكانها وحاولت أن تنام دون جدوى , فالمطر عاد عنيفا , وكأنه يحاول أن يخترق زجاج النوافذ , وصدى الرعد يتكرر في أذنيها ويرعب قلبها.
بعد لحظات وجدت نفسها تفكر بريان , وإنفعلت عندما أحست أنه ليس بعيدا عنها , طرحت بعض التساؤلات عن عمره... حوالي الخامسة والثلاثين , إندهشت أن يكون في مثل هذه السن وما يزال عازيا , إبتسمت بخبث , إنه يناسب سنواتها الأثنتين والعشرين , ثم فكّرت بشهرته وتجاحه وبالعديد من المقالات التي تحتل إحدى إضبارات الأرشيف في مكتبها , والتي كتبت عنه بمديح متفاوت , لقد مضى على أول أفلامه عدة سنوات , وكان قد أحدث ضجة في عالم السينما , ثم بدأ إسمه يلمع شيئا فشيئا , حتى عيّن مسؤولا عن قسم الأنتاج السينمائي في التلفزيون , المنصب الذي أهّله ليكون المسؤول عن الرنامج الأول في القناة الثانية , والصحافة عادة لا تروي شيئا عن حياته الخاصة , تمنت آنا لو أمضت معه لحظات عاطفية , ولكن..... جيسيكا كانت آخر علاقة عاطفية لريان , ويبدو أنه حاول أن يحافظ على هذه العلاقة , لكن السيناريست لم تستمع الى توسلاته في رسالته الأخيرة , ترى أي نوع من النساء تعجب دونالسون , تساءلت آنا وهي ترتعش , بينما كان النعاس يأخذها شيئا فشيئا.
وفي صباح اليوم التالي إستيقظت وقد وجدت نفسها ملتفة حول نفسها كالجنين , نظرت حولها لتتأكد أين هي , وجدت باب غرفة النوم ما زال مفتوحا , نهضت بحيوية , ورأت أن ريان ما زال يغط في نوم عميق , تملّكها إنفعال مفاجىء , فإتجهت الى المطبخ وأعدّت القهوة بسرعة , دخلت غرفة النوم بهدوء ووضعت القهوة قرب السرير , فتح ريان عينيه بصعوبة , وقالت آنا بمرح:
" صباح الخير , أعتقد أنك نسيت من أنا إسمي آنا بالانتين".
أبتسم بسعادة ثم تناول فنجان القهوة , تذوّقه وهو ينظر اليها , ثم هتف بتعجب وقد تقلّص وجهه:
" ما هذا الشراب المر؟".
" لم أعرف كيف أعد القهوة بأجهزتك المعقدة هذه , أنا آسفة , لست مضطرا أن تشربها".


الساعة الآن 09:37 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية