منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   174 - لا تعتذري أبدا - باميلا بوب - روايات عبير القديمة ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t168829.html)

نيو فراولة 12-10-11 01:45 PM

174 - لا تعتذري أبدا - باميلا بوب - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
174- لا تعتذري أبدا - باميلا بوب - روايات عبير القديمة

الملخص


الهوة واسعة بينهما وشتان مابين شخصيتها المتواضعة الرقيقة وإندفاعه المتغطرس السافر يكتسح كل شي في طريقه , كالطوفان أو القدر لم تجمعهما إلا إحدى تلك الصدفة العابرة التي يبدو أن الحياه اليومية تختزنها لتفاجئنا بها , وتثبت لنا أن الأحلآم ممكنة رغم كل شيء .
أدركت آنا أن ريان المخرج التلفزيوني الوقح هو آخر من يصلح صديقا لها أو حبيبا ومع ذلك , وبمرور الوقت والأحداث صارت الحياة بدونه مستحيلة كيف حدث ذالك ؟ شخصيته تربكها وتعميها عن الاخرين , لقد مسّ وترا حساسا في قرارة نفسها , ومن اجله عليها أن تواجه جيسيكا ربة عملها الغيورة ذات الطبع العنيف , والتي تربطها بريان علآقه متينه كانت سرا عليها حتى الان .
وشيئا فشيئا تمتد الجسور بين الضفاف, والهوة تضيق ..
...

نيو فراولة 12-10-11 01:46 PM

1- رحلة عسل وعمل......



تحركت يدها بتردد نحو الهاتف , كان على آنا أن تتصل بالمخرج التلفزيوني المشهور , ريان دونالسون , لم تكن مضطربة , ولكنها لا تعرف كيف ستتحدث معه في موضوع كهذا.
" أسمعيني جيدا , لا أهتم أبدا لرسالة جيسيكا , وعليها أن تكون في الموعد المحدد , في الساعة الخامسة تماما , ومن الأفضل ألا تتأخر عن الموعد".
" دعني أشرح لك".
" لن أقبل أية حجة , التصوير سيتم في موعده المحدد , ومجموعة التصوير ستسافر الى الولايات المتحدة الأميركية يوم الخميس , ومن الطبيعي أن تكون كاتبة السيناريو في مكان التصوير".
كان يتحدث بلهدة حاسمة دون أن ينتظر أي أعتراض من محدثته مما أثار حنق آنا التي حاولت أن تتصدى لأوامره.
" لكنها لا تستطيع".
كان جوابه أكثر برودا.
" لا يهمني هذا الأعتذار".
سمعت آنا بعد هذه الجملة صوت أرتطام سماعة الهاتف , لم يترك لها أي مجال لتشرح له الأسباب , لقد أعطاها الكثير من وقته , وبالطبع لم يتأثر لما سيصيبها من ألم نتيجة تصرفه اللامبالي.
أن ضوضاء الناس الملتفين حوله يدل على إنشغاله بالتصوير , ولكنه لم يكن يعرف بزواج جيسيكا , الخبر الذي عرفته آنا هذا الصباح وأدهشها.
العمل كمساعدة وسكرتيرة لكاتبة السيناريو جيسيكا فرانكلين , جعلها خلال ستة أشهر متمكنة من مهنتها تماما , وعندما وصلت هذا الصباح الى مكتبها في الساعة المعتادة , وجدت جيسيكا غارقة في أكوام من الملابس والحقائب ويبدو عليها المرح والأنفعال.
" لقد جئت في الوقت المناسب يا آنا , أرجو أن تساعديني لأكون جاهزة في الوقت المحدد".
إرتسمت على وجه آنا علامات أستفهام , إلا أن جيسيكا بدت أكثر مرحا وهي تقول:
" سأتزوج أليستير كيربي اليوم في الساعة العاشرة والنصف وسنسافر الى أيطاليا في رحلة عسل وعمل".
بعد دقيقة تردد قالت آنا وهي تحدق في وجه جيسيكا:
" إنه لقرار غريب , فأنت لم تعرفي هذا الصحفي إلا منذ يومين فقط , أي بعد مقالته اللاذعة عن....... الأسلوب المزخرف في المهنة النسائية , وقد ذكر أسمك في إحدى الفقرات بطريقة خشنة".
" أصلحت هذا الخطأ في لقائي معه مساء الجمعة".
منتديات ليلاس
أبتسمت جيسيكا بقلق ونظرت الى الساعة وقالت:
" الأشياء مرت بشكل جيد , أعتذر أليستير عن هذا الخطأ ودعاني الى عشاء في مطعم رائع , ولن أنسى تلك السهرة الممتعة ما حييت.....".
وبدون أن تبحث آنا عن بقية القصة قالت جيسيكا بوجه يشع فرحا:
" السبت ذهبنا في نزهة على شاطىء البحر , ومساء أمس تناولنا العشاء عندي في البيت , واليوم سنتزوج , سأجن من الفرح".
لم تعلق آنا , وإنما كانت مذهولة من هذه المغامرة السريعة , ولم تستوعب أبدا أن يتم الأمر بهذه السرعة , قاطعت جيسيكا شرود آنا:
" أخترتك كشاهدة على الزواج يا آنا وأرجو أن توافقي , علينا أن نذهب حالا الى المحافظة , أتصلي غدا بريان وأشرحي له الموقف , سيغضب إذا ما تلقّى نبأ رحيلي , وستكون المهمة شاقة بالنسبة اليك , وأنا آسفة جدا لذلك".
عندما عادت آنا الى المكتب كانت الفوضى تعم المكان بشكل لا يصدق , الملابس منتشرة هنا وهناك على السرير , وفوق المقاعد , الأبواب وجوارير الخزانة والمكتبة كلها مفتوحة , حتى أن سجاد الأرض يكاد لا يظهر فهو مغطى بالحقائب والأحذية والملابس, بدأت آنا بملل ترتب المكتب وهي تتذكر آخر حوار لها مع جيسيكا.
" إذن سترحلين بعد مراسم الزواج مباشرة".
" بالضبط , لأن عمل أليستير يتطلب منه أن يكون غدا في روما , ولذلك ستوافق مهمته رحلة شهر العسل بالضرورة".
" هل ستأخذين معك مخطوطات السيناريو؟".
أقتراح آنا جعل جيسيكا تهتف بمرح:
" بالطبع لا , هل تتصورين أنني أستطيع التفكير في ( حرب الأنفصال ) وأنا في شهر العسل؟".
ألتقطت جيسيكا فستانا من الحرير الأخضر وهي تجلس على الأريكة.
" أنني مذهولة مما أشتريته , كيف سآخذ كل هذامعي ؟".
قالت آنا بقلق:
" وإذا ما أستجوبني ريان دونالسون عن السيناريو؟".
" ليست هناك أية مخاطرة , السيناريو جاهز , صحيح إنه يحتاج لبعض التعديلات وخصوصا في التفاصيل , ولكنني سأقوم بذلك بعد عودتي , لأن التصوير لن يبدأ قبل شهرين".
تمطت السمراء الفاتنة بكسل ثم أضافت:منتديات ليلاس
" أن رحيلي بعيدا عن بريطانيا بصحبة أليستير سيقوي علاقتي به وسنمضي بلا شك في كاربري أطول وقت ممكن , تحت أشعة الشمس الرائهة هناك ". لم تصدق أنا ذلك الحشد الكبير الذي تجمع في بيت أليستير كيربي مساء ذلك اليوم , لقد دعا أصدقاءه الصحفيين والمصورين , ولم تكن مفاجأة كبيرة بالنسبة لآنا , إن وجدت في صباح اليوم التالي عددا كبيرا من أشهر الصحفيين قد نقلوا أنطباعهم عن زواج زميلهم أليستير , المزودة بالصور المبهرجة , والتي أظهرت السمراء جيسيكا بإبتسامة شابة مرحة , أوحت بأنها أصغر من سنها حقيقي الذي تجاوز الثلاثين , كانا زوجين متلائمين تماما , ووجهاهما يشعان سعادة.

نيو فراولة 12-10-11 01:48 PM

نهضت آنا وأمامها هدفان واضحان , الأول ترتيب البيت الذي تعمه الفوضى بعد رحيل جيسيكا , والثاني الأتصال بالمخرج لتخبره بما حدث , وقد تقبلت هذه المهمة كجزء من عملها , ثم لعنت الساعة التي وافقت بها على هذه المهمة , وأتخذت قرارها بأن لا ترمي نفسها في مغامرة مماثلة بعد الآن , وتساءلت هل كانت على صواب حين تركت وظيفتها السابقة في دار النشر الهادئة لكي تلتحق بهذا العمل لدى جيسيكا ؟ هذا التردد لم يدم طويلا , كان عليها أن تطلب سيارة أجرة لتذهب الى أستديو بياومان , حيث يتم التصوير , بعد أن رفض ريان دونالسون الأستماع اليها , شعرت آنا بالضيق وهي تنتظر على باب الأستديو الرئيسي , حيث يقف المسؤول ليمنع دخول الفضوليين , وعندما أخبرته أنها تحمل رسالة من جيسيكا فرانكلين الى يان دونالسون سمح لها بالدخول وهو يشير الى مكتب السكرتيريا الذي يوصلها الى المخرج , تسلحت آنا بالشجاعة وهي تنتظر جواب الفتاة الشقراء التي خرجت من باب البلاتوه مندفعة.
" لا يمكن هذا اليوم".
أخبرت الزائرة وهي تجلس خلف مكتبها , وتابعت:
" أن وقته مليء , والتصوير في مرحلاه الدقيقة الآن , وأعتقد أن عليك أن تأتي في وقت آخر".
قطبت آنا حاجبيها وزفرت بغضب.
" يجب أن أكلمه , هذا ضروري , أذا ما رفض أستقبالي , فأنا مضطرة للمحاولة ثانية..........".
" لماذا لا تنتظرين اللحظة المناسبة التي يكون فيها أكثر هدوءا؟ لن يحسن أستقبالك الآن".
" لست طالبة عمل , أنني هنا في موضوع يخصه , ويجب أن يعرف ما حدث".
تنهدت آنا بضيق وهي تلح على الموظفة التي هدّأتها قائلة:
" يبدو أن هناك أمرا مهما , إذن من الأحسن أن تخبريه به بأقصى سرعة , أدخلي الى البلاتوه , وأختاري بنفسك لحظة الحديث معه , أتمنى لك التوفيق".
تنفست آنا بعمق وهي تخطو مضطربة الى داخل البلاتوه , حيث يقام ديكور ضخم , وسط تلك الصالة الكبيرة , مضاء بكمية عجيبة من المصابيح المختلفة الألوان معلقة بسقف متحرك.
كان عليها أن تواجه غضب دونالسون السريع , وأن تنقل له الخبر بقدر ما يترك لها مجالا للحديث , دون أن تكرر ما حصل على الهاتف.
كان يتحدث بصوت عال وهو يوجهالمجموعة الفنية التي تعمل معه في هذا المشهد , أنه أحد مشاهد الحلقة الخامسة من مسلسل ( الحرب الأهلية ) الذي ساهمت مع جيسيكا في كتابته , وتحملت جزءا كبيرا من تحضير المادة التاريخية والوثائقية ليتناسب تحويلها الى سيناريو سيتم نقله الى الشاشة التلفزيونية.
" ليندا , بحق السماء , عودي الآن الى مكانك , سنعيد تصوير المشهد , إنفعالك لا يكفي...... جاهزون.....".
رفع يده , وكل أنظار العاملين متجهة اليه , وعندما لمح آنا فجأة , صرخ:
" من سمح لك بالدخول , قلت لا أريد هنا من ليس له علاقة بالعمل , أبتعدي عن محور الكاميرا ..... أرجوك".
تراجعت آنا مذعورة , وأختفت خلف أحد الجدران الخشبية الخاصة بالديكور , بينما أستمر ريان يحرك ممثليه وبعد أنتهاء تصوير المشهد , أقتربت آنا بشجاعة وقالت:
" أذا كنت تشير الى تطفلي , فأنا لست كذلك , يا سيد دونالسون ".
قالتها بهدوء وهو ينظر اليها بدهشة.
" قد يكون أختياري للوقت سيئا , ولكنه يناسبني , أريد أنأن أكلمك , وأرجو أن تسمح لي بذلك".
شكت آنا لثوان بأنه سيطردها , فقد بدا لها بمزاج عدواني , ولكنه ألتفت الى عناصره وقال بصوت مسموع:
" سنعودج للعمل بعد الغداء, نصف ساعة فقط , ليندا , أحفظي دورك جيدا".
نظر اليها وهو يخرج من البلاتوه , تبعته بحذر , دخل غرفته وهو يتحدث بعصبية مع أحد المساعدين , ويشرح له بعض التعديلات التي يطلبها , غسل وجهه وهو لا يزال يعطي بعض الأرشادات والتوجيهات الى مساعديه , الذين ما لبثوا أن تواروا تاركين آنا وحيدة أمام هذا الرجل الكريه , طويل جدا , ويلبس قميصا أبيض يتناسب مع لون بشرته البرونزية , التي تظهر من خلال فتحة القميص.
أحست آنا أنها متجمدة للغاية ومبللة في الوقت نفسه , لكنها أندهشت عندما سمعته يقول:
" أعذريني , كنت فظا بعض الشيء , وهذا بسبب ظروف العمل , إشرحي الآن ما الذي يمنع جيسيكا من السفر معنا الى أميركا؟".
تعجبت آنا كيف عرف ريان الموضوع , وقالت بأضطراب:
" زواجها , لقد تزوجت هذا الصباح , وفي هذه الساعة , الطائرة متجهة الى روما تحملها مع زوجها".
قطب دونالسون حاجبيه , ولبس سترته بعصبية.
" عندما ألتقينا مساء الخميس الفائت لم تشر الى هذا الموضوع".
" لم تكن تعرف بعد , لقد تقابلا يوم الجمعة مساء".
نظر اليها محدّثها والشرر يتطاير من عينيه ثم قال بصوت حاد:
" أنك تمزحين, على ما أعتقد.....".
" أقسم أنها الحقيقة , لقد تزوجت أليستير كيربي.......".
" الصحفي".

نيو فراولة 12-10-11 01:49 PM


أكمل ريان , وخفض عينيه وقد تقلص وجهه.
" عجيب , لقد أفترى عليها في مقالته عن مهنة النساء , وأذكر أنه قال ما معناه أن الطبع الحاد للآنسة فرانكلين , التي كتبت عن الزواج تقول أنه تجربة أنسنية تهم الطبقة المتوسطة ...... ألخ........ لقد لاقيت صعوبة كبيرة في تهدئتها عندما أطلعتني على ذلك المقال".
تنهد ريان بسخرية وتابع:
" آمل أن ينجح زواجهما , لكنني نادرا ما أعجب بالذي تفعله جيسيكا وخصوصا ما يتعلق بي".
تابع كلامه ببرود وهو يتحاشى النظر الى آنا , التي قالت:
" بدا لي أنهما سعيدان جدا هذا الصباح بالذات , الحب من أول نظرة غير موجود إلا في الروايات".
" لا أريد أن أسمع تلك التفاصيل".
قال ريان بجفاف , ثم رسم على شفتيه أبتسامة مصطنعة وسأل:
" ما هو أسمك؟".
" آنا بالانتين , أنا مساعدة وسكرتيرة جيسيكا".
راقبها ريان وكأنه يكتشف لأول مرة الفتاة التي تقف أمامه , قال:
" أعرف صوتك جيدا , من خلال الهاتف , يبدو لي أنه يتمتع بموسيقية جميلة".
" أشكرك".
ردت آنا وقد أحمرت وجنتاها خجلا.
" هل أعجبتك طريقة الزواج هذه؟".
حيّرها السؤال المباشر والمفاجىء فنظرت الى الأرض لتخفي أرتباكها ثم أدارت رأسها بعيدا عن ريان , الذي حاول حتما أن يوقعها في فخ الغدر بجيسيكا , قالت بخجل:
" رأيي ليس مهما , أتمنى لها السعادة".
" هل تعرفين فيكسبورغ في الميسيسيبي؟".
" نعم , ولكنني لم أزرها , أعرفها لأنني شاركت في الأبحاث التحضيرية للسيناريو , ساعدني على ذلك خالتي المتزوجة من أميركي , أنها ما تزال تعيش هناك مع ولديها , لقد أرسلوا لي عددا كبيرا من المعلومات التاريخية والكتب المهمة عن المرحلة التي يدور حولها السيناريو".
همهم دونالسون وهو يفكر بهدوء:
" حسنا جدا , ومهم جدا , إذن ستكونين ضيفتنا , إذا ما رغبت في ذلك؟".
أبتسمت آنا لهذا العرض الصريح , بينما أستمر ريان يتفحصها بعينيه السوداوين.
قالت بهدوء:
" سأزور المنطقة يوما ما".
قاطعها ريان بإصرار:
" ستسافرين الخميس القادم مكان جيسيكا".
" كيف؟".
" أنا بحاجة الى شخص يعدل السيناريو , ويبدو لي أنك جديرة بهذا العمل".
قطعت آنا أنفاسها لحظات وهي تقف متجمدة , ثم أجابت بصوت ساخط:
" لا أستطيع أن أغيّر حرفا واحدا بدون سماح المؤلف , ولن أستطيع أن أسافر خارج بريطانيا هذا الأسبوع , يا سيد دونالسون".
" إسمي ريان , أحب أستعمال أسمي الأول ولكل يناديني يه ".
" ليس لدي ما أفعله في عالم التلفزيون هذا".
" سوف نناقش في المساء هذا الموضوع , بعد الأجتماع المسائي".
فتح الباب ونظر الى آنا وتابع:
" سوف أنتظرك هنا في الساعة السابعة مساء......".
منتديات ليلاس
أضطربت آنا من الأوامر التي تتلقاها من محدثها , لم يسألها رأيها , لا شك أنه أعتاد أن يصدر أوامره لتطاع , أنه متسلط وقاس , خرجت من الباب , ثم ألتفتت اليه بعد أن كان قد خرج وصعد أولى درجات السلم وقالت:
" ليس هناك ما يمكن بحثه يا سيد دونالسون , أشكرك لأقتراحك , ولكن ليست لدي النية في أن أطيع حالا , أنت لا تجهل أنني أعمل لصالح الآنسة ..... السيدة كيربي".
توقف ريان عندما بدأت آنا بكلامها , وقالت بعصبية واضحة :
" لقد وقعت عقدا دقيقا مع الأستديو , وأنت معنية بشكل غير مباشر , لذلك أحب أن نتحدث في هذا الموضوع ...... يا آنسة ببالانتين".
أزداد صوته حدة وسخرية , آنا قررت أن ترد عليه برفض لاذع , ولكنها غيّرت رأيها في هذا الوقت , مع توافد عدد من العاملين الى البلاتوه , بعد أنتهاء فرصة الغداء , وهم يتدافعون بمرح قبل أن تقابلهم نظرات ريان , إبتسم لها البعض وتنحى عن الباب ليسمح لها بالمرور , وعندما أدارت رأسها لترى التعبير الأخير على وجه ريان , كان لا يزال ينظر اليها , وقال بصوت لطيف:
" آنسة بالانتين , شعرك يعكس لونا جميلا في ضوء النهار , سأكون سعيدا بحضورك في موعد المساء".
أبتسمت آنا بعد أن تبعها ريان , وأحست بجاذبيته , قال بمرح:
" العمل سيبدأ الآن , أشكرك لأنك حضرت الى الأستديو , أنني أفضل شجاعتك على خوف جيسيكا".
بعد لحظات أغلق الباب خلف آنا , ولم تعد تعرف الى أين تتجه , إنها ليست متأكدة من أي شيء , ماذا سيحمل لها هذا اليوم؟ منذ الصباح كانت تحس أن حياتها ستنقلب رأسا على عقب.

نيو فراولة 12-10-11 01:50 PM

2- قبل أن تبدأ العاصفة




قلقة , مضطربة , إنه الإحساس الذي تابعت فيه آنا يومها , مقابلتها لريان أخلّت بتوازنها , هذا الرجل المغرور , لم يفارق مخيلتها , كيف ستواجهه ؟ كيف تتصدى لعواصفه؟ يجب أن تحزم أمرها , أن تترك مكتب جيسيكا لتسافر معه الى أميركا , لن تفكر بهذا الموضوع الآن , أن الأوراق والملفات التي تحتل جزءا كبيرا من طاولتها تحتاج الى الكثير من العمل.
تناولت طعامها بلا شهية , ثم أنكبّت على الأوراق التي أبعدتها قليلا عن قلقها , ساعتان من العمل المتواصل , أستطاعت خلالها أن ترتب كافة الأضبارات والوثائق ثم نسقت تلك الأعمال في الجوارير ورفوف المكتبة حسب الحاجة والأستعمال , وتركت الأجزاء التي تحتاج الى مراجعة على رفها الخاص في الخزانة ذات الألوان الزاهية الفرحة , وقررت أن تؤجل باقي الأعمال الى الغد.
كم سيدوم غياب جيسيكا ؟ هذا ما تجهله آنا , فهي ليست في رحلة عسل فقط وأنما مرتبطة بالمهمة الموكلة الى أليستير , جلست على الأريكة الصغيرة التي تحتل زاوية المكتبة , لعلها ترتاح قليلا , وحيدة مع أيقاع تيك – تاك , الصوت الذي يصدر عن رقاص الساعة , ويكسر الصمت المهيمن على البيت.
كيف ستمضي الأيام الرتيبة القادمة؟ أن السرعة التي سافرت بها السيناريست لم تترك لها فيها الكثير من الأعمال المهمة لمساعدتها , فالسيناريو جاهز عدا بعض التعديلات أو التصليحات , أما المواد التاريخية والوثائقية فمرتبة ومنظمة بحيث لا مكان للخطأ فيها , أتجهت آنا نحو النافذة , وأخذت تتفحص أصص الزهور الجميلة التي تملأ جنبات الشرفة , شجرة اللبلاب تتسلق الجدار في مساحة خضراء غامقة , أما الزهرات المتعددة من النرجس الأسيلي , ذات اللون الأصفر , التي تشبه زهرات الياسمين مع أختلاف اللون , لم تكن الزهور كثيرة إلا أنها توحي بأناقة جميلة تضفي على الشرفة جوا ريفيا , مما أثار لدى آنا الحنين الى حديقة والديها في كيرنسمير بعيدا عن لندن وعن الدخان , تذكرت طفولتها في تلك الحديقة التي كانت مرتعا لتفتحها كالزهرات الكثيرة المختلفة التي كانت تحبها وتجلس قربها.
أنها فكرة جميلة , أن تمضي أسبوعا هناك , عطلة تمنحها لنفسها في غياب جيسيكا فهي لم تأخذ عطلة يوم واحد منذ ستة أشهر , وأسبوع مع والديها سيدخل الفرح الى قلوبهم بدون شك , وبالتالي يكون حجة مثالية للتخلص من دونالسون ومشاريعه , أنتعشت آنا لهذه الفكرة وأسرعت الى الهاتف لتخبر والديها بقرارها , أنتظرت وقتا طويلا , وهي تسمع رنين الهاتف الداخلي.
" الطقس جميل بلا شك للأعتناء بالحديقة , أليس كذلك؟".
سألت آنا بفرح وهي تسمع صوت أمها على الجانب الآخر.
" آنا ..... عزيزتي , يا لها من سعادة أن أسمع صوتك , توقعت أن تتصلي هذا المساء , أن شوقي لك كبير".
" ماذا ستقولين أذن؟ أذا قلت لك بأنني سأكون عندك غدا؟".
" سيكون ذلك مدهشا , وسيبتهج والدك , لقد ذكرك كثيرا هذا الصباح".
بعد عدة دقائق من المحادثة سألت آنا:
" ماما حدثيني عن خالتي راشيل".
خيم الصمت لحظات قبل أن تجيبها الأم :
" تعرفين أنني لم أرها منذ عشرين سنة , هذا الخصام العائلي السخيف...... آخر صورة لها توحي بأنها كبرت قليلا , لكنني متأكدة من أنها ما زالت تحتفظ بكامل حيويتها , خل توقفت عن مراسلتك؟ ".
" لا أنها تراسلني بأستمرار , ولكنني......".
" سؤالك غريب , أستحلفك أن تخبريني أذا ما كان هناك من جديد؟".
ظهر القلق في صوت السيدة بالانتين , فأسرعت آنا لتطمئنها :
" كانت لدي فرصة لزيارتها هذا الأسبوع , ولكنني فضلت الحضور لرؤيتكم".
" آنا..........".
" سأشرح لك كل شيء عند حضوري".
" سأشرح لك كل شيء عند حضوري".
تساءلت آنا عن سبب أثارة موضوع خالتها بعد أن أقفلت السماعة , لقد كانت تراسلها , وساعدتها بحماس رائع عندما طلبت منها وثائق تاريخية وحكايا عن حرب الأنفصال التي دارت في منطقة المسيسيبي في نهاية القرن الماضي , ولم يتوان أبناء خالتها عن إرسال الصور والوثائق التي منحت السيناريو تفاصيل مهمة , تحوله في المستقبل الى صورة سينمائية واقعية , ألحّت الخالة راشيل كثيرا على أبنة أختها لزيارة هذه المدينة , وآنا كانت لديها رغبة قوية للقيام بهذه الرحلة , ولا يمنعها الآن عن ذلك إلا شخص ريان دونالسون المغرور.
مضى الوقت سريعا , ولم تستطع آنا أن تنسى موعدها المسائي مع ريان , كان عليها أن تمر الى البيت لتغيير ملابسها , والأتصال هاتفيا بالمخرج لن يحل المشكلة , قررت أن تنتظر بعض الوقت في المكتب قبل أن يحين موعدها.
باب غرفة جيسيكا المفتوح , شجعها على دخول الغرفة لأول مرة , وقررت أن ترتب الفوضى المزعجة حتى تستطيع السيدة سمارت المسؤولة عن تنظيف المنزل أن تقوم بواجبها بدون تذمر.
كان شعاع الشمس يضيء الطاولة المدورة الموجودة قرب النافذة , وبدت نقوش الغطاء المصنوع من القماش الدمشقي جميلة ومشعة , لمحت آنا فجأة الأطار المفضض الموضوع فوق الطاولة , والذي يحيط بصورة ريان دونالسون , وفكرت أن تغير مكانه قبل عودة جيسيكا مع زوجها.

نيو فراولة 12-10-11 01:51 PM

تفحصت الصورة بتمعن , عيناه سوداوان فيهما نظرة حالمة , تغطيهما حواجب سوداء غامقة , ذقن مربعة تدل على شخصية متسلطة وقوية , شعر بني مجعّد كثيف , فم ذو أبتسامة ساخرة ....... أن أساريره بالنتيجة تدل على شخصية متكبرة ومتعجرفة بلا حدود.
أرتعشت آنا وهي تبعد نظرها عنه , وفكرت أن تخفي الصورة في أحد الجوارير , سحبت أحداها , أكتشفت مجموعة كبيرة من الرسائل , فوجئت وهي تزيحها لتفسح مجالا للصورة , أن الرسالة الأولى تحمل في نهايتها توقيع ريان دونالسون , وعلى الرغم منها طافت بنظرها عل الأسطر الأخيرة : " أنت وحدك أتخذت القرار , أرجوك عزيزتي , أنتظري قليلا قبل أن تأخذي قرارك الأخير , لنناقش أقل ما يمكن من الأمور , أنت تعرفين بما أحسه جيدا ..... ريان دونالسون".
أقفلت آنا الجارور , وبدا عليها الأضطراب , وكأن أحدا رآها في حالة التلبس , ما زالت الصورة بين يديها , ترتجف مع رعشة يديها , وضعتها على أحد رفوف المكتبة , يجب ألا تعرف جيسيكا أنها عبثت بأشيائها الخاصة , أسفت لهذه اللحظة , وتمنت لو لم تفعل ذلك , ثم فكرت بحيرة بكلام المخرج , لقد تورطت بشكل أو بآخر بهذا الموضوع , ريان دونالسون يحب جيسيكا أذن , ويتوسل اليها ألا تنفصل عنه , أشفقت عليه وأحست بالندم لأنها لم تذهب الى البيت لتبدل ثيابها فهذا القميص القطني مع تلك التنورة لا يناسب إلا ظروف العمل.
لم يكن لديها الوقت لتعالج هذه المشكلة , لم تبق إلا دقائق , وعليها أن تغادر المكتب لتكون في موعدها المحدد , أستمرت في وضع ملابس جيسيكا في الخزانة , وفوجئت بأنها لم تأخذ تأخذ معها الفستان الحريري الأخضر , ملمسه الناعم شجّع آنا أن تجربه , وقفت أمام المرآة , وتأملت نفسها , أنه يليق بها تماما ويتناسب مع عينيها الخضراوين الرماديتين , كما يعطي أنعكاسا رائعا لشعرها الحريري , وبدت فيه مختلفة تماما.
فكرت أن تستعيره لهذه السهرة , وحتى عودة جيسيكا هناك الكثير من الوقت , شدّت الحزام حول خصرها النحيل , وتركت شعرها ينساب على كتفيها , وقالت في نفسها : ( الآن أصبحت جاهزة لمواجهة دونالسون المتكبر).
دخلت الأستديو بدون أية صعوبة , ودعتها فتاة الأستعلامات لتأخذ كرسيا في صالة الأنتظار حتى أنتهاء الأجتماع , أبتعدت آنا عن مجاميع الناس التي حضرت تشارك في برنامج تلفزيوني يبث على الهواء مباشرة.
نظرت آنا الى الساعة التي قاربت السابعة والنصف , لقد بدأ صبرها ينفذ وتململت عندما سمعت أحدهم يعلن بصوت عال:
" الآنسة بالنتين , السيد دونالسون سيستقبلك خلال لحظات ".
أرتبكت من هذه الفكرة , وأضطربت أكثر أن تكون قبلة للأنظار , عندما تحركت بسرعة وحاولت أن تجيب , صرخ المنادي ثانية لتأتي مسرعة الى الأستعلامات , هزت رأسها بغيظ وأطاعت الأوامر بعصبية , دخلت غرفة دونالسون وأغلقت الباب خلفها , قالت متلعثمة:
" أنا آسفة , لم أكن أعرف.....".
ألتفت اليها وقال بصوت ساخر:
" لا تقلقي , سأنتهي بسرعة".
كان يغسل يديه بالصابون والماء بحيوية , ثم ألتفت الى آنا التي بدت مرتبكة وحمرة الخجل غطت وجنتيها , بينما الأبتسامة لا تفارق شفتيه حيث بدا لها في حالة مرحة تماما , قالت آنا بعصبية:
" لقد تأخر الموعد كثيرا يا سيد دونالسون , أرجو أن ينتهي لقاؤنا بسرعة".
نظر الى فستانها الأخضر , أضطربت أنفاس آنا وتمنت ألا يكون قد شاهده على جيسيكا قبل الآن أو أن يكون نسي ذلك على الأقل , أقترح دونالسون:
" عي أن أقنالسف معنا , سأشرح لك ل شء الآن , أرجو ألا تكون الأمور معقدة".
" ل...........لأ".
أجابت آنا بصوت مكتوم.
" في هذه الحالة لا شيء يمنعك من مصاحبتي للعشاء هذا المساء".
فتح باب الخزانة وأخرج قميصا بني اللون , أحتجت الفتاة :
" لا أستطيع..".
" يجب أن نتحدث , والحديث سيطول , وأنا جائع , أرجوك لا تجبريني على البقاء هنا , سنتحادث على طاولة العشاء".
لبس القميص وأختار ربطة عنق من الحرير الناعم , عقدها حول رقبته بزهو ومرح , قررت آنا أن تتحدى رغبة هذا الرجل الذي يتخذ قراراته لوحده.
" لم تقل لي أننا سنتعشى في مطعم , ثم أنت الذي أضاع الوقت , جئت في موعدي تماما , على كل حال لن أسافر الى أميركا , أكرر ذلك".
أبتسم ريان بسخرية ونظر اليها بكبرياء:
" أرجو أن تقبلي دعوتي , أنا بحاجة الى رفيقة".
تأكدت آنا أنه يعاني من زواج جيسيكا , ولا يريد أن يبقى وحيدا:
" حسنا , سأوافق شرط ألا يستمر ذلك لفترة طويلة , وأن تكون الأمور جدية , سأفعل ما أستطيع لتقريب وجهات النظر , ولن أتخلى عن مساعدتي للسيدة كيربي".
لبس دونالسون سترته ثم أتجه الى النافذة ونظر الى السماء المتوعدة , ثم قال:
" لم أحضر سيارتي اليوم , ويبدو أن العاصفة على وشك أن تبدأ ".

نيو فراولة 12-10-11 01:54 PM

نظر الى آنا وهو يتفحصها وتابع:
" أن ملابسك خفيفة والأفضل أن أطلب سيارة أجرة".
هذا الأسلوب المتهكم والمتسلط أثار سخط آنا فقالت معارضة:
" لا أخاف البرد , وأفضل المشي".
نظر اليها بقلق ثم أنحنى بحركة تمثيلية وقال:
" كما ترغبين , على كل حال سيكون من السهل أن نصل الى فندق جامبريا قبل أن تبدأ العاصفة".
أعجبت آنا بنفسها , لقد أمتثل لرغبتها , وأستطاعت أن تحد من سيطرته اللامتناهية , وربما بدا لها متساهلا لأسبابه الشخصية , لكنها رفضت أن يقف مدافعا عنها بهذه الطريقة , أحست برعشة برد وهي تمشي بهدوء لتحافظ على توازنها أمامه , حاولت أن تتخيل المطعم ,لا بد أنه يستقبل تجوم الأستعراضات والتلفزيون , سألت بصوت هادىء:
" أين...... جامبريا ؟ ظننت أنه قريب من الأستديو".
" أنه هناك خلف تلك الشجرة الضخمة , أقصد المدخل , أنه ذلك البناء ذو الطوابق الثلاث , لن يكون مناسبا جدا لبريقك هذا ".
ندمت آنا بمرارة , تذكرت أنها تلبس فستانا مستعارا , وخافت أن يعرفه أحد رواد المطعم , وصلا بعد دقائق الى مدخل الفندق , وشعرت آنا بسرور داخلي أن تكون ضمن هذه الطبقة من الفنانين.
السلالم الطويلة الضخمة كانت مغطاة بالسجاد السميك , الجدران تحمل مرايا ضخمة ترسم صورهم بأشكال لطيفة , تعجبت آنا لحرارة أستقبال العاملين في الفندق لريان , مدير الصالة أستقبلهما على باب المطعم عد وصولهما , وطمأن ريان بأنه سيحصل على طاولة جيدة رغم العدد الكبير من الناس المحتشدين في المطعم.
" أنها ساعة العشاء يا سيد دونالسون , الزبائن كثر اليوم , لن أتأخر في أيجاد طاولة مناسبة , لا تقلق".
بدا ريان مختلفا قليلا عن حالته داخل الأستديو , فقد أسترخت تعابير وجهه وبدا أكثر طبيعية , وحاولت آنا أن تبدو طبيعية أيضا , فلم تتعود بعد دخول تلك الأماكن , كانت مشدودة ولكنها أحست بأنها تتمالك أعصابها شيئا فشيئا , لكن سخرية ريان عادت لتقلقها:
" أسترخي قليلا يا آنا بالانتين , لا تقلقي , أسمك غير موجود في قائمة الطعام".
" أنا......لم أفهم".
" يعني أن أحدا لن يأكلك , الجو مبهج أليس كذلك؟".
هذه السخرية شنّجت وجه آنا , إنه يسخر منها , نظرت اليه بغضب وقالت:
" أنا هنا للحديث عن العمل والمسائل المتعلقة.....".
" بالتأكيد ". قاطعها ببرود.
أستند ريان الى كرسيه دون أن يرفع نظره عنها:
" حدثيني , ما الذي تعرفينه عن فيكسبورغ؟".
فوجئت آنا من هذا السؤال , لقد تخيّلت أنه سيسألها عن زواج جيسيكا , ربما يفضل أن يؤجل هذا الموضوع الذي يعذّبه.
" يجب أن ألخص لك الأعداد الضخمة من الكتب والوثائق والرسائل عن قصة هذه المدينة ".
" لا , حدثيني عن المدينة الحزينة , مثلا عن أهلك هناك".
إبتسامة مشرقة لمعت على شفتي آنا , وأشرقت عيناها الخضراوان الواسعتان ببريق السعادة :
" خالتي تعيش في الشارع الرئيسي للمدينة , عمي جاك توفي منذ بضع سنوات , لديها ولدان جان ولوك , وبالتالي كما ذكروا لي في الرسائل أن لديهم أرشيفا واسعا عن هذه المدينة وعن حرب الأنفصال".
نظرت آنا الى الأطباق التي ملأت الطاولة , كان مشهدها وحده يكفي لفتح الشهية , تابعت بمرح:
" سأعطيك عنوانهم ".
" لن يكون ذلك ضروريا , ما زلت أفكر أنك ستكونين معنا في هذه الرحلة , أنا متلهف للتعرف على أهلك ".
تعجبت آنا من إصرار المخرج , ومن جرأته المستمرة فقالت بصوت قاطع:
" أكرر لآخر مرة , لن أسافر الى أميركا , سأقضي باقي الأسبوع في كبرنسمير عند والديّ".
بقي ريان صامتا للحظات , بينما ظهر القلق على وجه آنا , لأنها ترفض فرصة عمل جيد , سيزودها بالخبرة , عدا السفر الى أميركا وزيارة خالتها بدون تكاليف.
منتديات ليلاس
قالت بتردد:
" لم أزر والديّ منذ ستة أشهر".
" حسنا , هذا مفهوم".
وضع ريان فوطته على الطاولة وتابع بتأكيد:
" سافري غدا صباحا , وبإمكانك أن تعودي يوم الأربعاء مساء , ستتمكنين من تحضير حقائبك خلال الليل , خذي بعض الملابس التي تحتاجينها لمدة أسبوعين , ملابس خفيفة , فالطقس في الميسيسيبي هذه الأيام حار".
ذهلت آنا من أسلوبه المتسلط حتى أنه يتدخل في أصغر أشيائها الخاصة , لن تطيع أوامر هذا الرجل ذي الطبع المتغطرس , ولن تناقش معه أي شيء , لكن على الرغم منها كانت جاذبيته تسيطر عليها , وبدأت ترتعش من هذه الفكرة , قالت بتعال وتحد:
" لماذا أنت مصر على أن أغيّر رأيي؟".
" هناك حلان فقط ( قال بلطف ) إذا وافقت على مرافقتي , ستحلين الكثير من الأمور وخصوصا أنك تعرفين تفاصيل السيناريو , ويخيّل الي أنك مساعدة قادرة وذات خبرة لا بأس بها في هذا المجال".
توقف ريان عندما أحس بأضطراب آنا , ولتكسر لحظات الصمت قالت:
" والحل الثاني ......".
" الحل الثاني هو أنني سألاحق جيسيكا قانونيا وألغي عقدي معها , وسيضر ذلك بمستقبلها , فهذه المهنة لا تقبل إلا الأشخاص الجديرين والموثوق بإخلاصهم".
شعرت آنا أنه يستفزها فقالت بعصبية:
" لا يحق لك أن تقول أنها غير جديرة.".
" آه.... جيسيكا؟".
قال بسخرية , جحظت عينا آنا ورمت بعنف فوطتها على الطاولة:
" لكن هذه مساومة رخيصة".
دفعت كرسيها الى الخلف ووقفت تحمل حقيبتها , فأمسكها ريان بيد قوية , لكنها دفعته بعصبية وقالت:
" كيف تتجاسر أن تمنعني بالقوة؟".
ترك ريان يده تسقط , وأتجهت آنا مسرعة خارج المطعم , فلن تبقى ثانية بعد الآن لتستمع الى حديث ريان المخزي , إنه يحاول أن ينتقم من جيسيكا لأسباب شخصية , ويبدو أنه لن يغيفر لها.
خرجت من الفندق بسرعة ولم تنتبه أن تأخذ سيارة أجرة تقف أمام الفندق , قطعت الشارع بخطوات سريعة , ودخلت في أول زقاق وجدته أمامها.
كان الليل قد أرخى ظلمته , مصابيح الشارع أرسلت أشعتها الفضية الخفيفة , لتعكس خطوطا متوازية على الأسفلت الرطب , نوافذ البيوت القريبة عكست أيضا بعض الأضاءة , نظرت آنا حولها , لعلها تلمح موقفا قريبا للباص و المترو وعندما فقدت الأمل , قررت أن تنظر على زاوية الرصيف لتأخذ أول سيارة أجرة تمر , لمحت عن بعد ذلك الفتى الذي لاحظت أنه كان يتبعها منذ لحظة خروجها من الفندق , هاجس من الخوف أنبأها بأنه سينقض عليها خلال لحظات ,نظرت حولها لعلها تستطيع أن تستنجد بأحد المارة أو بشرطي , وجدت نفسها وحيدة فحاولت أن تصرخ , لكنه كان أسرع منها وقد أستولى على محفظتها بالعنف , وحين حاولت أن تدافع عن نفسها , دفعها بقوة وأبتعد بخطوات سريعة.
منتديات ليلاس
لمحت فجأة رجلا طويلا يركض بأتجاه الفتى بحماس وقوة , حتى قبض عليه , راقبت آنا صراعهما العنيف الذي يتناوب بين النور والظلام , حاولت عبثا أن تطلب نجدة لكنها لم تلفظ حرفا واحدا , لقد شلّها الخوف والأنفعال , وغطّت دموعها خديها , لمحت حقيبة يدها تتخبط بين المتصارعين , ثم فقدت مكانهما , لم تعد ترى سوى الظلام , أصوات متكررة , ركض , وضرب , ولهاث , وبعض الشتائم , وأخيرا ظهر المدافع عنها يحمل الحقيبة بينما كان الفتى يركض بأقصى سرعته وهو يجتاز أعمدة الكهرباء المتباعدة في الشارع.
أقترب منها الرجل يترنح , دخل دائرة الضوءالتي سقطت تحتها آنا , كان يضع يده اليمنى على عينه اليسرى:
" يا الله ...... ماذا تضعين في حقيبتك, هل هي محشوة بالرصاص؟".
أرتجفت برعب , نهضت بصعوبة , ثم تقدمت منه لتعتذر وتشكره على أنقاذها.
لقد مرت بلحظات رعب حقيقية , وسيقبل محدثها ريان دونالسون أعتذارها وهي على هذه الحال.

نيو فراولة 12-10-11 01:55 PM

3- أي ليلة!



كان من عادتها أن تحمل في حقيبة يدها مصباح جيب صغيرا يساعدها على أجتياز الأماكن المظلمة , وبعض الأدوات المعدنية التي تساعدها في عملها المكتبي , وعددا من الأقلام , وأدوات الزينة , وثقل هذه الأشياء هو الذي صدم دونالسون , لقد فقد توازنه من الضربة التي تلقاها على جبهته , بدا لها يترنح وهي تقترب منه ولا تزال تردد كلمات الأسف , حتى تكشّف لها وجهه , وقد تورّم جبينه وخط من الدم يتابع سيره على خده رغم أنه يواصل مسحه بمنديل أصطبغ باللون الأحمر , قالت بخوف:
" علينا أن نلتحق بأقرب مركز أسعاف , أو أي مستشفى".
نظر اليها ريان بغضب وقال دون أن يتزعزع:
" ليس هذا مهما ".
" لكن عينك.....".
"..........هذا بفضلك , أشكرك".
مسح جبينه وأضاف:
" سأعالج نفسي لدى عودتي الى المنزل ".
عضّت آنا على شفتيها من الخوف , الجرح زاد من أسلوب تعامله الخشن , وعلى الرغم من ألمه , إبتسم لها ريان ببرود.
ومرور سيارة أجرة وضع حدا لهذه الهدنة المؤقتة , أمسكها من ذراعيها بسرعة خوفا من أن تهرب ثانية , نادى بصوت عال على السائق , ثم نظر اليها وهو يخفي آثار الألم عن وجهه وقال بلهجة آمرة:
" أين تسكنين؟ أرشدي السائق الى طريق بيتك ثم أتابع معه بعد ذلك الى بيتي".
" آه ..... لا ! سأرافقك , يجب أن أساعدك".
" لست بحاجة الى مساعدتك".
أجابت معترضة:
" سوف أتركك إذن في المستشفى التي تختارها , أو عند طبيبك الخاص على الأقل".
أخرج السائق رأسه من نافذة السيارة وقال ناصحا:
" أن السيدة على صواب , يبدو أنك تلقيت ضربة عنيفة وفي مكان حساس".
لم يهتم ريان لهذا الرأي بل رسم على شفتيه إبتسامة ساخرة وفتح باب السيارة وقال:
" إذن أدعوك الى منزلي وستهتمين أنت بالجرح".
دفعها داخل السيارة وجلس بجانبها , أعطى العنوان للسائق , وأستمر في مراقبة قلقها الواضح.
تراجعت الى أقصى المقعد الخلفي بعيدا عن ريان , كانت تتنفس بصعوبة , وحاولت ألا تسمعه دقات قلبها السريعة , وهي تخفي عنه عصبيتها النزقة.
رماها بنظرة خفيفة , إزداد أنفعالها وتشجنت أصابعها , نظرت اليه وهو يتابع الطريق , أنه يبدو كأحد أبطال الأغريق , بتكبره ونظرته المنتصرة , نظرت بالأتجاه المعاكس بعد أن أرعبتها فكرة الأستسلام لأغراء جاذبيته الطاغية.
عندما دخلا الى بيته , فوجئت آنا بأنه جزء من قصر قديم , بناء من الحجر الأبيض ذو نوافذ رومانية واسعة , وفي الصالون كانت الجدران ذات لون فضي لامع , أما قاعدة الجدران فكانت مزينة بشريط مزخرف باللونين الأزرق والأبيض , الأرائك كبيرة ومريحة , تحتل جزءا من المساحة الواسعة للصالون , مكسوة بمخمل أزرق متناسب مع الخطوطالبيضاء لباقي قطع الأثاث , الأضاءة موزعة بأناقة مثيرة تحت أحدى اللمبات , رأت الهاتف فوق طاولة منخفضة , ألتجهت اليه مسرعة , ورفعت السماعة متسائلة:
" ما هو رقم طبيبك؟".
أقترب منها ريان , سحب السماعة من يدها وأعادها الى مكانها , أستند بيده على الكرسي الذي جلست عليه وأقترب بوجهه من وجهها وقال بتحد:
" لست بحاجة الى طبيب , وعدتني أنك ستعالجينني".
حبست أنفاسها لشدة قربه منها , لكنها كانت أشتمت رائحة عطره , خافت أن يلمسها لأنها عاجزة عن مقاومته , أبتعد دونالسون خطوة واحدة عنها وقال:
" ستجدين القطن والمطهر وكل ما هو ضروري في صيدلية الحمام".
ثم أضاف بسخرية:
" بالطبع أنت قادرة على تضميد الجرح الذي كان بسببك؟".
هذا الصوت الساخر أغضب آنا , وشعرت بالحقد يشتعل بداخلها ضد هذا الرجل , عليها أن تكون قوية وقادرة على التصدي لجبروته وأوامره , نظرت الى الجرح وقالت بتعال:
" لا يكفي أن يعالج الجرح هكذا ببساطة , قد يكون هناك ما يتسبب بنزف داخلي".
ضحك ريان بصوت عال وقال:
" ماذا أذن؟ يا عزيزتي الآنسة بالانتين , هل تتمتعين بخلق مأساة لموقف لا قيمة له؟".
تطاير الشرر من عينيها ونظرت اليه بتحد قبل أن تتجه الى الباب .
" تصبح على خير يا سيد دونالسون".
برشاقة متميزة قفز ريان وأمسكها في اللحظة التي وصلت يدها للباب , وأحست أنها أصبحت سجينة , قال وهو يتابع ضحكته المتقطعة:
" ستبقين هنا , موعدي معك كان متأخرا , هذا يعني أنني لن أدعك تخرجين لوحدك".
حاولت عبثا أن تهرب منه وتتخلص من قبضة يده القوية , قالت نفاد صبر:
" أحس بالأمان أكثر عندما أكون بعيدة عنك , دعني , أرجوك".
جذبها ريان بقوة اليه ونظر بمتعة الى وجهها الغاضب , رفضت آنا أن تبدو خجولة في موقفها الجديد , ثبتت نظرها عليه دون أن يرمش جفنها , وسألها بتسلط:
" قولي لي , أين وجدتك جيسيكا؟ وكيف قبلت أن تتعاقد معك؟ أنت توازينها عصبية".
" كنت أعمل في دار النشر التي تمتلكها , على كل حال سأغيّر وظيفتي , سأبحث عن عمل آخر".
" أترين أنك مستبدة أيضا؟ هذا ما فعلته معي هذا المساء..... أمرأتان نزفتان في مكتب واحد , أشك أن يستطيع أي أنسان أن يغير عادات جيسيكا , هل أنت كذلك؟".
" أعتقد أنك تتكلم عن تجربتك الشخصية".

نيو فراولة 12-10-11 01:57 PM

قالت جملتها بسخرية ثم ندمت لأنها طعنته في مسألة خاصة , ترك يدها تسقط , وأبتعد عنها خطوة قصيرة فنظرت اليه وشعرت أنها سببت له جرحا آخر.
" آسفة.....".
تساءلت كيف تصرفت مع هذا الرجل بهذه الطريقة , أنها لم تعرفه إلا منذ هذا الصباح , تخاصما كأعداء , بدون أسباب وأعتبارات لتعارفهما القصير.
عبر الصالون بخطوات بطيئة , ثم فتح باب غرفة النوم , وقال بدون أن يلتفت:
" حسنا , سنعقد هدنة , لن نستدعي الطبيب , لكن بالمقابل ستبقين أنت هنا هذه الليلة , وإذا ما أصبت بنزف داخلي كما ذكرت تطلبين الأسعاف حالا".
على الرغم من الطريقة الوقورة التي تحدث بها إلا أنها كانت تحس بسخرية وخبث في طببقة صوته , صرخت آنا بصوت عال:
" هل أصبحت مجالا لسخريتك؟".
" بالعكس , لقد مسني إهتمامك , وأثارتني حالة الشفقة التي أبديتها على صحتي , لن ترفضي طبعا هذه المهمة الأنسانية , ولن أشعرك بأنك ممرضتي الخاصة , سأذهب لأحضر غطاء يساعدني على النوم على هذه الأريكة".
منتديات ليلاس
إختفى داخل غرفة النوم , بينما تصاعد إنفعال آنا , إنها في طريقها لتعيش كابوسا مزعجا , ظعر ريان من الباب يحمل بطانية وقد خلع سترته وربطة عنقه , قالت بمرارة:
" لن يكون ذلك أبدا , لن أبقى لحظة واحدة في هذا البيت".
وصل قبلها الى باب الخروج , وضغط بيديه على جانبي الباب , بينما غطّت صدره البطانية المشدودة بين ذراعيه , لمحت على شفتيه إبتسامة ساخرة , وما أن حملت حقيبتها وألتفتت اليه ثانية , حتى رأته ينزلق ببطء الى أن سقط بجسمه على الأرض, صرخت آنا مذعورة:
" آه ..... , لا , أرجوك توقف عن هذه التمثيلية المزعجة".
أحست فجأة بأن ذلك قد يكون حقيقيا , فرمت بحقيبتها , وإنكبت عليه بذعر , وضعت يدها على كتفه وهي تبعد الغطاء الذي أخفى جزء من رأسه , فتح عينيه بطء , أمسك يديها بنعومة , ثم تماسك وهو ينتصب على قدميه , مشى بضع خطوات في الصالون وهو يترنح , قال بإستهتار:
" لن تستطيعي أن تتركيني وحيدا وأنا بهذه الحالة , قد يسبب الجرح مضاعفات كما قلت , والندم بعد ذلك لن يفيد".
نظرت اليه بعينين جاحظتين , ونسيت أحاسيسها الحاقدة على هذا الرجل , وبدأت تسقط في الفخ الذي نصبه لها , لن تتجاسر على التمرد هذه المرة , إنها المسؤولة عن جرح دونالسون , لكنها قررت أن ترمي آخر ورقة من أوراقها لعلها تربح الجولة دون أن تثير وقاحته, فالنتائج لن تكون سهلة , قالت:
" لا شيء يجبرني على البقاء هنا , إذا كنت تعتقد أنني أستطيع القيام بأعمال مختلفة فأنت مخطىء , الأساليب التي أتبعتها مع جيسيكا لن تنجح معي , فأنا لم أتعود أن أرافق رجلا عابثا في سهراته الليلية".
قطب ريان حاجبيه , وتقلص وجهه غضبا , مما جعلها تشعر بأنها كانت خشنة وحقودة بإثارة جروحه الدفينة , ضحك ببرود وهو يرميها بنظرات متوعدة وقال بصوت هادىء:
" أنك تدهشينني , إلحاحك بالمجيء معي يوحي بعكس ذلك".
وضع يديه على كتفيها وجذبها اليه , قالت بصوت متلعثم:
" أنا........ أنا لم أقل ذلك , لم تفهمني جيدا".
طافت عيناه على وجهها المضطرب ثم همس :
" لا أعرف شيئا عنك , ونحن ما زلنا غرباء , يجب أن أفهمك أكثر , حتى في ظنونك عن حياتي الخاصة".
كانت مضطربة الى أقصى حد.... صوتها سجين في فمها, وأهدابها صارت ثقيلة , كانت رغبتها كبيرة في أن تتحرك أو أن تغير وضعها , لكن قبضة ريان كانت قوية , شدّها بخشونة ثم عانقها بحيث لم تقو على الأعتراض , تشنج ظهرها ووهنت قوتها , ولم تعد قادرة على التخلص من هذا الكائن الخشن , ولكن ما برحت أن أستردت شجاعتها شيئا فشيئا , جحظت عيناها , وعندما لاحظ ريان ذلك ترك سجينته التي صرخت برعب:
" يا لك من شخص خشن , وقح , دعني أخرج من هنا , لا أريد أن أراك ثانية !".
فتحت الباب بينما كان ريان يقف بجانبه , ضربته بقبضة يدها على صدره وخرجت بعصبية تركض مسرعة بعيدا عنه.
منتديات ليلاس
وصلت الى الصالة الخارجية , إستندت بيدها على الحائط لتستعيد أنفاسها , ولم تمض بضعة لحظات حتى دوّت عاصفة هزّت المبنى بأكمله , حاولت أن تتمالك نفسها بعد أن سيطر عليها ذعر فظيع , أبرقت السماء مرات متتالية , وإزداد صوت الرعد قوة , ثم بدأت القطرات الأولى من المطر تساقط أمام إشعاعات المصابيح الكهربائية في الشارع , كانت النقاط كبيرة توحي بأنها ستحطم هذه المصابيح المنتشرة بأبعاد متساوية , توقفت آنا لحظات وهي تفكر بأن تركض سريعا الى أقرب سيارة أجرة , ولكن الشارع كان خاليا من أية حركة إلا المطر الذي تحول الى سبيل يتدفق كالطوفان , تراجعت في النهاية الى الداخل وهي ترتجف من قمة رأسها الى أخمص قدميها , إنها تفضل أن تجابه عواصف ريان عن أن تواجه غضب السماء , حاولت أن تستعيد شجاعتها التي بدأت تتلقاها مع كل دوي يصدر عن السماء المحتقنة , صعدت الدرجات بتردد , إنه الملجأ الوحيد الذي يمكن أن تحتمي به حتى إنتهاء العاصفة.

نيو فراولة 12-10-11 01:58 PM

قررت مرارا رفع يدها لتقرع الباب دون أن تتوصل الى قرار نهائي , وعندما فتح الباب إزدادت رعشة آنا بينما كان ريان يراقبها بنظرات حائرة , قالت بخجل:
" العاصفة ترعبني".
" أعرف.... راقبتك من النافذة لأرى الى أي مكان يمكنك أن تبتعدي , لا تنتظري في الخارج , إدهلي".
" شكرا".
تركها ريان وحيدة في الصالون ولم تعرف ماذا كان يفعل , لأن صوت الرعد قوي يصم الآذان , ميّزت بعض الأصوات الصادرة عن المطبخ , مشت ببطء وخوف بأتجاه الصوت , فرأت ريان يمسح جرحه بالماء الساخن , بعد أن وضع على الطاولة القطن والكحول ومواد أخرى , أقترحت بلطف:
" هل يمكنني أن أساعدك؟".
" إذا سمحت".
جلس وتركها تعتني بالجرح بهدوء رصين , غسلت حول عينه اليسرى بنعومة , ثم وضعت بعض الكمادات المبللة بالماء البارد , وتوقعت أن يصرخ من الألم عندما طهّرت الجرح بالكحول , لكنه لم يختلج أبدا وكأن الجرح يخص شخصا آخر , الصمت كان يقطعه ضجيج السماء , وقطرات المطر التي تضرب النافذة بقوة , ضمّدت الجرح بعناية , ومسحت الآثار المتبقية حول عينه, نظر اليها برقة , لكنها قررت أن تهرب من نظراته , أعادت ترتيب الأشياء التي تبعثرت من هذه العملية , غسلت يديها , وعندما ألتفتت اليه وجدته قد وضع كأسين من الشراب , لم تكن تشتهي إلا فنجانا من القهوة الساخنة , لكنها لم تتجاسر على طلب كهذا.
توقف المطر لكن السماء ما زالت تتمزق بالبرق المتناوب مع الرعد الذي يهز أركان البيت.
قالت آنا بصوت ناعم وهي ترسم إبتسامة خفيفة:
" منذ طفولتي وأنا أخاف العواصف".
" هذا يفسر شحوب وجهك , للأسف ليست لدي أية سلطة ضد الأرصاد الجوية".
بعد صمت متوتر سألت آنا وقد إحمرت وجنتاها:
" هل تسمح لي أن أنام على الأريكة؟".
" أفعلي ما تشائين , يمكنك أيضا إستعمال السرير , ولا تخافي من أن تظهر وقاحتي ثانية".
أحست آنا بغصة في حلقها , بلعت الجواب القاسي الذي وصل الى شفتيها , رغبة منها بعدم الدخول في نزاع جديد , مشت الى غرفة النوم , وجدت الغطاء على طرف السرير فحملته مع إحدى الوسائد , ورمت بها فوق الأريكة ثم نظرت اليه وهو يتحسس جرحه بيده , قالت:
" أفضل أن أنام هنا , إذا كان هذا لا يزعجك".
هز ريان كتفيه بلا مبالاة ودخل غرفته وأغلق الباب.
عندما أصبحت وحدها في هذا الصالون الضم , خلعت فستانها الحريري , وقفزت بسرعة تحت الغطاء , ويبدو أن السماء لن ترحم خوفها , فالرعد كان يمزق سكينتها الداخلية , سيطر عليها رعب لا مثيل له , وجدت نفسها بعد لحظات تقرع بب غرفة ريان , فتح الباب بسرعة وقد رفع حاجبه إستغرابا وهو ينظر الى ضيفته ترتعش تحت الغطاء الذي تلتف به.
" هل توافق أن تترك الباب مفتوحا ولو قليلا , على الأقل حتى تنتهي العاصفة".
كانت تتوسل اليه بعيون ملؤها الخوف.
تفحصها بتمعن وطافت نظراته بحيرة حتى وصلت الى قدميها الحافيتين.
تضايقت آنا من نظراته المتفحصة , وتشنجت بوقفتها فوق السجاد السميك , لم تتجاسر أن تنظر في عينيه وهي تنتظر أن تسمع ضحكته العالية , أقترب منها وعانقها بحنان وقال:
" لا تقلقي".
سار ببطء الى سريره , وهدأت أعصاب آنا قليلا , عادت الى مكانها وحاولت أن تنام دون جدوى , فالمطر عاد عنيفا , وكأنه يحاول أن يخترق زجاج النوافذ , وصدى الرعد يتكرر في أذنيها ويرعب قلبها.
بعد لحظات وجدت نفسها تفكر بريان , وإنفعلت عندما أحست أنه ليس بعيدا عنها , طرحت بعض التساؤلات عن عمره... حوالي الخامسة والثلاثين , إندهشت أن يكون في مثل هذه السن وما يزال عازيا , إبتسمت بخبث , إنه يناسب سنواتها الأثنتين والعشرين , ثم فكّرت بشهرته وتجاحه وبالعديد من المقالات التي تحتل إحدى إضبارات الأرشيف في مكتبها , والتي كتبت عنه بمديح متفاوت , لقد مضى على أول أفلامه عدة سنوات , وكان قد أحدث ضجة في عالم السينما , ثم بدأ إسمه يلمع شيئا فشيئا , حتى عيّن مسؤولا عن قسم الأنتاج السينمائي في التلفزيون , المنصب الذي أهّله ليكون المسؤول عن الرنامج الأول في القناة الثانية , والصحافة عادة لا تروي شيئا عن حياته الخاصة , تمنت آنا لو أمضت معه لحظات عاطفية , ولكن..... جيسيكا كانت آخر علاقة عاطفية لريان , ويبدو أنه حاول أن يحافظ على هذه العلاقة , لكن السيناريست لم تستمع الى توسلاته في رسالته الأخيرة , ترى أي نوع من النساء تعجب دونالسون , تساءلت آنا وهي ترتعش , بينما كان النعاس يأخذها شيئا فشيئا.
وفي صباح اليوم التالي إستيقظت وقد وجدت نفسها ملتفة حول نفسها كالجنين , نظرت حولها لتتأكد أين هي , وجدت باب غرفة النوم ما زال مفتوحا , نهضت بحيوية , ورأت أن ريان ما زال يغط في نوم عميق , تملّكها إنفعال مفاجىء , فإتجهت الى المطبخ وأعدّت القهوة بسرعة , دخلت غرفة النوم بهدوء ووضعت القهوة قرب السرير , فتح ريان عينيه بصعوبة , وقالت آنا بمرح:
" صباح الخير , أعتقد أنك نسيت من أنا إسمي آنا بالانتين".
أبتسم بسعادة ثم تناول فنجان القهوة , تذوّقه وهو ينظر اليها , ثم هتف بتعجب وقد تقلّص وجهه:
" ما هذا الشراب المر؟".
" لم أعرف كيف أعد القهوة بأجهزتك المعقدة هذه , أنا آسفة , لست مضطرا أن تشربها".

نيو فراولة 12-10-11 01:59 PM

كان الضماد قد سقط خلال نوم ريان , وبدا جفنه متورما أثر كدمة الأمس , كما ظهرت فوق عينه ألوان متعددة تشبه قوس قزح , سحبت آنا الستائر لتسمح لشمس النهار القوية أن تملأ الغرفة ضياء , فصرخ ريان:
" يا للهول , كم الساعة الآن؟".
" العاشرة إلا بضع دقائق , يجب أن أذهب".
" العاشرة , كان يجب أن أكون في الأستديو الآن".
قالت آنا بمرح:
" حسنا , أنت متأخر ليوم إذن , وأنا أيضا علي أن أذهب حالا , لدي ما أفعله قبل أن أتجه الى كيرنسمير , الى اللقاء , وشكرا لأنك أويتني هذه الليلة".
نهض ريان بسرعة وقال بود ظاهر:
" أنتظري آنا".
أمسكها من يدها بحنان وقال:
" أنتظريني في الصالون ريثما أرتدي ملابسي , يجب أن أتحدث اليك".
مرت لحظات سريعة خرج خلالها ريان وهو يعقد ربطة عنقه ثم نظر الى السماء من النافذة:
" هذه الليلة كانت مشؤومة, سأوصلك الى بيتك حالا ".
نساءلت في سرها عن هذا الإهتمام الصباحي بها , فكرت في العاصفة ,وبدعوتها امس ,قالت ببراءة :
" أنا قلقة فعلا على حالتك الصحية".

لا أطمئني ,أشكر لك اهتمامك , وأعتذر عن ليلة المس , فقد كان مزاجي سيئا".
هزت رأسها وهي تنظر اليه وقالت :
" لننس هذا الموضوع ,اتمنى في المستقبل ألا أجد نفسي متورطة في مغامرة مماثلة".
أبتسم ريان واقترح بسعادة:
" لنتناول الفطور معا ,إنك لم تشربي قهوتك بعد , سأحضر بعض الخبز الساخن".

ليس لدي وقت ,آسفة , لكن قل لي أين أجد محطة باص أومترو قريبة؟".
" إسمعيني لحظة فقط يا أنا ,أرجوك ,سافري معنا يوم الخميس ,لن يؤثر ذلك على جيسيكا ,اعرف انني أفسدت ليلة أمس بطريقتي الخشنة ,لكن أتفقنا أن ننسى ذلك ولن أفعل أي شيء يمكن أن يزعجك ,أنا واثق من أنك تستطيعين إجراء بعض التعديلات المطلوبة للسيناريو ,نتساعد معا , لن يسيء هذا أبدا الى جيسيكا إنها تكره أن يتدخل شخص غريب بهذه المهمة ,لكنها ستكون سعيدة إذا عرفت أنك أنت التي ساهمت بذلك, أنك تعرفين تفاصيل الموضوع ,وهذه فرصة كبيرة لك ,سأتحمل مسؤولية كل ما سيحدث , وموافقتك ستسعدني جدا".
هذا التغيير المفاجىء بالأسلوب والأفكار زعزع ثقة آنا فقالت بفضول :
"لم تقل لي الحقيقة بعد".
ضحك بمرح وقال :
" الحقيقة ستعرفينها في الأستديو ".
قالت بقلق:
"لا أعرف أحدا هناك".
"اعتقد أنني سانجح في الحصول على موافقتك, أنك على وشك أن تقولي نعم".
" صحيح".
قالت بنشافة ,فتوسل إليها بمرح:
" قوليها , أرجوك , أعتقد أنك ستكونين سعيدة بمشاهدة الميسيسيبي ,ولن يكون العمل قاسيا ,وبالتالي ستقابلين أهلك هناك".
نظرت آنا بشرود من النافذة تراقب مرور بعض الطيور , لمعت الشمس في عينيها ,كانت تحلم برؤية هذا النهر العظيم ,إذا ما وافقت على أقتراح دونالسون فأنها ستتمتع بضعة أيام هناك , لن تكون مضطرة أن تمضي ايامها بالقرب من المخرج فهي تستطيع أن تسكن عند خالتها راشيل ,وتتواجد في فترات العمل فقط.
قالت بحزم:
" لدي شرط واحد ,أن لا تزعج جيسيكا في المستقبل .... أقصد من الناحية القانونية ".
" طبعا وهذا لأنك ستقومين بعملها وأنت مساعدتها".
الخوف تداخل مع متعة السفر , إرتعشت أنا ,هل ستكون جديرة بان تاخذ مكان كاتبة السيناريو؟ قاطع ريان شرودها بصوت مرح:
" أقترح..... أن لا تنسي أن تأخذي معك فستانك الأخضر ,فهو يناسب فرحك".
إحمرت وجنتا آنا ,ولم تقل شيئا ,لكنها قررت ان تحمل معها إلى أميركا أجمل ملابسها.

نيو فراولة 13-10-11 07:04 PM

4- التحدّي الجديد






كانت الشمس تنحدر المغيب ,عندما وصلت آنا الى غرفتها , بعد قضاء فترة مرحة وقلقة مع والديها في كيرنسمير ,لم يبق لها إلا هذا المساء لتحضر حقائبها وكل ما يلزمها لهذه الرحلة ,جواز السفر وتأشيرة الدخول إلى أميركا كانت قد حصلت عليهما قبل ان تتعاقد مع جيسيكا , بسبب مشروع قديم لزيارة خالتها في فيكسبورغ.
صباح يوم الخميس اتجهت آنا الى مكتبها باكرا بعد أن قضت ليلة طويلة من الرق وكتبت رسالة الى ربة العمل تشرح فيها سبب سفرها .
وفي طريقها الى المطار كانت ترتب باقي الهدايا التي حمّلتها إياها والدتها إلى الخالة راشيل في حقيبة صغيرة , إستطاعت شراءها مع أول إفتتاح السوق.
عندما وصل المسافرون الى المطار , وقفت آنا ضمن هذا الحشد من الفنانين والفنيين , كان الضجيج عاليا في إنتظار رحيل الطائرة , وكان ريان واقفا وسط المجموعة الفنية وفريق التصوير , يشرف معهم على تحميل المعدات والمواد اللازمة للعمل , وعلى الرغم من ذلك فقد تقدم من آنا ليقدمها الى فيكتوريا لاندر المسؤولة على الملابس في المسلسل.
" آنا ستحل مكان جيسيكا , لا تتركيها وحدها يا فيكتوريا , لأنه لا يمكنها ان تعبر الشارع بدون أن ترتكب حماقة".
ردّت آنا بسرعة قبل ان يتابع سخريته :
" هذا ليس صحيحا , فأنا قادرة تماما على الأهتمام بنفسي ".
نظرت بإبتسامة صادقة إلى فيكتوريا وقالت :
" السيد دونالسون يحب المزاح , وهذا ما يخيفني , لكنني سعيدة بالتعرف اليك".
" وانا كذلك يا آنا".
ثم إتجهت فيكتوريا إلى ريان وتابعت :
" اعتقد أنك عرفت من خلال الصحف بزواج جيسيكا , اتمنى ألا تكون قدمررت بلحظات عصيبة يا عزيزي".
إستطاعت آنا أن تلاحظ الأنفعال الذي طرأ على ملامح المخرج من تدخل فيكتوريا في حياته الخاصة , إبتعد ريان يوجه المجموعة بحيوية.
قالت آنا في نفسها ( يا له من رجل متكبر ) , إنها تفضّل أن تتحاشى الأجتماع به من جديد , أكّدت ذلك لنفسها عندما تذكرت عشاءها معه في مطعم جامبريا , ولا تزال آثار الكدمة الزرقاء واضحة على صدغه ,ولكنها أقل بكثير من المرة الأخيرة التي رأته فيها , عليها أن تتجنب ذكر تلك الحادثة امام أي مخلوق كان ,وفجأة تذكرت جارتها التي تقف بجانبها ,حوّلت نظرها المعلّق بطيف ريان وإلتفتت إلى فيكتوريا التي كانت تلاحق أيضا حركته , ضحكت بطريقة تمثيلية مما أثار دهشة انا , قالت فيكتوريا ببرود:
" آه.....حسنا ,أعترف أنني مسحورة بجاذبيته".
تلقّت آنا هذا الأعتراف ببرود ,وبدأت تراقب المسافرين , الممثلون إتخذوا جانبا يتحدثون فيه بهدوء , أما الجانب الأكثر فوضى فهو المجموعة الفنية التي تحمل مسؤولية المعدات والأجهزة .
سألت آنا ببرود:
" أنت التي صممت ملابس المسلسل؟".
" لا مع الأسف وكنت أفضّل عملا كهذا , أنا أتحمّل فقط مسؤولية خدمة الملابس حتى تظل بحالة جيدة قبل التصوير".
منتديات ليلاس
كانت ملابس فيكتوريا غريبة ويصعب على آنا أن ترتدي مثلها ,فهي لا تتذوق هذه الألوان الفاقعة , فستان من القطن الأصفر يكشف عن الكثير من بياض بشرتها مشدود على جسمها ومزيّن بحزام قرمزي يتناسب مع لون حمرة شفاهها.
كانت آنا تلبس تنورة وقميصا رماديا , وقد تركت شعرها الناعم يتساقط على كتفيها ,كما كان شعر فيكتوريا الكثيف يتموّج على ظهرها بشكل جميل.
إنها جميلة وبدون شك ستحتل مكان السيناريست في قلب دونالسون , سألت فيكتوريا بخبث:
" منذ متى تعرفين ريان؟".
" منذ الأثنين الماضي , وأنت؟".
نظرت فيكتوريا بإتجاه دونالسون قبل أن تجيب بإنفعال :
" أعمل في الأستديو قبل التعاقد مع ريان ,كل زميلاتي سقطن في سحره , لكنه لم يهتم إلا بجيسيكا فرانكلين ,عاشا معا بحرية فترة طويلة ووأنا أوافق ببساطة على الأرتباط برجل مثل ريان ".
حبست آنا الجواب في فمها فهي لا تشاطرها لا هذا الإحساس ولا هذا التفكير ,لكن ريان سيفضّل علاقة سهلة مع فيكتوريا لتسد الفراغ الذي تركته جيسيكا , يبدو أنه يتألم لفراقها , فقد جرحت كبرياءه ,توسل إليها في رسالته الأخيرة , وتركته في وضع محرج بين الصحاب والعناصر التي تعمل معه.
بعد رحلة طويلة وقاسية وصلت المجموعة التلفزيونية الى فندق المطار ,ووافق ريان أن تنام المجموعة بكاملها في الفندق هذه الليلة حتى يستطيعوا في الصباح الباكر إستلام كامل معداتهم وتدقيقها قبل إنتقالهم إلى فندق في وسط البلد , سيجمعهم خلال فترة التصوير .
إستأجر ريان سيارة وقرر أن يتفحص أماكن التصوير في الليلة ذاتها ,وقف أمامهم وبدأ يملي تعليماته.
" الميزانية المحددة لهذه الرحلة ليست ضخمة كما تتصورون ,بالنسبة للممثلين أرجو منهم جميعا حفظ ادوارهم عن ظهر قلب , أما بالنسبة لمجموعة التصوير والأضاءة فستكون المعلومات الكاملة لتوزيع الكاميرات والأضاءة جاهزة في الصباح الباكر , أتمنى لكم نوما مريحا هذه الليلة وأريدكم جميعا بكامل نشاطكم في العاشرة صباحا وفي المكان المحدد , مسؤول الأنتاج ,لديك القائمة الكاملة باللذين سيشاركون في تصوير اللقطات الأولى ,أرجو أن تكون كل الامور على ما يرام ,ولا أريد أي تأخير أو خطأ ".
قال بيل هيكلي بهدوء :
" لماذا لا نبدأ التصوير بعد غد, لأننا سنكون ضمنّا كل الأمور ".
قاطعه ريان :
" آسف يا بيل ,لا أعتقد أننا جئنا الى هنا لقضاء عطلة ,وقتنا محدود وكمية عملنا كبيرة".

نيو فراولة 13-10-11 07:06 PM

هذه الكلمات الحادة جعلت بعض العناصر تتململ بضيق , لكن بيل مدير التصوير كان له إعتراض منطقي , قال وهو يتحدث الى ريان :
" لا تنس يا ريان ان جاكسون المصور الأول لن يتواجد معنا قبل العاشرة والنصف ,هذا حسب موعد الطائرة".
وضع ريان يده على كتف بيل وتحادثا بمرح تخلّله بعض المزاح الذي إستمر مع الاخرين الذين بدأوا يختفون من صالة الفندق
ما زالت آنا تنقصها الشجاعة , بقيت جالسة على كرسيها بعيدا عن الضوضاء وهي تراقب ما يحدث دون أن تجد فرصة لتسأل الأستعلامات عن رقم غرفتها ,إقترب منها ريان وقال بإبتسامة :
" سأصحبك معي إذا كنت ترغبين زيارة أهلك اليوم , هل أنت متعبة؟".
كان الرفض على شفاه آنا إلا أنها فكرت بإقتراحه الذي سيسعدها برؤية خالتها راشيل هذه الليلة ,قالت بصوت ساخر:
" أشكرك على هذا الأقتراح , أوافق إذا كنت أنت لا تشعر بالأرهاق ,وخصوصا بقيادة السيارة ,على كل حال أستطيع أن أنوب عنك إذا رغبت".
قطّب ريان حاجبيه ,فمزاجه لم يكن ملائما ليرد عليها ,إستدار وإبتعد عنها ,,تساءلت في نفسها ,لماذا يتملكها الحساس بإثارة المخرج بين وقت وآخر , عليها ان تتخلص من هذا الشك في تصرفاته معها ,إنهما في حالة عمل الآن ولا شك أن الرحلة الطويلة تركت آثار التعب على جميع المسافرين ,وتذكرت ان طبيعتها لم تكن عدوانية فلماذا ظهرت كذلك أمام ريان؟
نهضت ثم إتجهت الى الأستعلامات لتقابل دونالسون الذي كان يتحدث مع بعض أفراد البعثة التلفزيونية :
" سأنتظركم غدا صباحا في فيكسبورغ".
طلب مفتاح السيارة من مكتب الأدارة ثم حمل إحدى حقائبه وباليد الأخرى حمل حقيبة آنا الكبيرة وإتجه خارج الفندق , بقي عدة لحظات يمسك الباب مفتوحا بكتفه ليتيح المرور لآنا التي تحاول أن تتوازن مع الحقائب الصغيرة التي تحملها
وضع الحقائب في صندوق السيارة وقال :
" ليس لدينا إرتباط مستعجل في فيكسبورغ , أليس كذلك؟".
رسم إبتسامة على شفتيه وهو يأخذ مكانه خلف المقود وتابع:
" كنت بحاجة للهرب من المساعدين والمرافقين , إن طلباتهم كثيرة ولا تتناسب مع مزاجي السيء , بعد هذا السفر الطويل".
" هذا يعني أنك تفضل أن تبقى وحيدا , لماذا أقترحت علي إذن أن أرافقك؟".
" لم أقل ذلك".
أدار مفتاح السيارة وإنطلق بسرعة كبيرة , ثم أضاف بجدية:
" هل أحسست بالغربة وسط هذا الكم من الغرباء؟".
" سأكون سعيدة الآن أن أتعرف على أبناء خالتي , ستكون مفاجأة لهم ,واللقاء سيكون مثيرا بلا شك".
إستندت إلى مقعدها المريح وسالت بفضول:
" ما نوع هذه السيارة الخيالية ؟".
" بويك أتوماتيك , مجهّزة براديو من نوع سي بي ,أستطيع ان أطلب النجدة إذا ما هاجمتني من جديد".
نظرت اليه وأطلقت ضحكة مرحة وسألت:
" هل تخاف مني؟".
" سيكون مدهشا أن تعرفي الحقيقة".
اغتاظت من هذا الجواب الغامض ,نظرت إليه بحدّة ,عليها أن تعرف أكثر كيف يفكر بها ! ركّز ريان إنتباهه على قيادة السيارة بدون ان يضيف أية كلمة , وقد رسم على شفتيه إبتسامة رضى , تذكرت آنا عناقه , إحمر خداها فإستدارت برأسها الى شارع بعيدا عن كبرياء هذا الرجل ,لقد وعدت نفسها بألا تقترب منه خلال هذه الرحلة.
عكست النافذة المناظر الخلابة على جانبي الطريق , اشجار كثيفة خلف عدد كبير من الأعلانات المضاءة بالكهرباء و بطرق مختلفة ,والقسم الأكبر من هذه الأعلانات يتعلق بالمطاعن والفنادق والملاهي الليلية , ثم بدأت تظهر حقول بلا نهاية ,نظرت إلى ريان فقال لها:
" هذه حقول القطن , النبات الذي يشكّل إستعراضا خياليا أيام القطاف".
تخيّلت المساحات البيضاء المزروعة بالقطن مع الأغصان الخضراء والصفراء ,ورسمت صورة جميلة للأستعراض الذي ذكره ريان .
إلتفتت اليه فجأة وسألته:
"وكيف عرفت ذلك؟".
" لقد شاهدت ايام القطاف".
" افهم أنه وقمت بزيارة فيكسبورغ؟".
ثم صرخت بعصبية:
" لقد أمطرتني بأسئلتك عن هذه المدينة وكأنك تجهلها تماما ".
" أسئلتي كانت من اجل العمل ولمصلحته".
تماسكت آنا التي أثارها خداع ريان وقالت بخشونة :
" أثرتني كالطفل بزيارة أهلي , وخدعتني حتى وصلنا الى هنا ".
قال ريان بهدوء:
" هذا ليس صحيحا , إنك هنا بمهمة عمل , لا تنفعلي بدون سبب , على كل حال انها فرصة للقاء أولاد خالتك ايضا ".
إضطربت آنا , ولم تتوصل لمعرفة حقيقة كلام ريان فقالت :
" كنت برفقة جيسيكا إذن ؟ لكنها لم تذكر لي ذلك".
بقي ريان صامتا بعيون ثابتة على الطريق , ثم قال بصوت كاسر :
" بالنتيجة ,كنا هنا في نزهة , بعد ان تقابلت معها في مهرجان الجاز في أورليان الجديدة منذ سنتين ووزرنا معا الولايات الجنوبية , لقد كانت فترة رائعة , على كل حال ارجو ان لا تشغلي نفسك كثيرا بحياتي الخاصة".
تلعثمت آنا وقالت بصوت متردد:
" انا ىسفة.......لم اطلب منك أن........".
" لا أهمية لذلك , ما اقوله لك هو الحقيقة , أنا لا أخدع أحدا ,ففكرة المسلسل من إقتراحي وانا الذي طلب من جيسيكا ان تكتب السيناريو".
" انت؟".
" نعم".
أجابها بجفاف وتابع:
" أدهشني جو فيكسبورغ , وفكرت بتصوير فيلم هنا , أعتقد انك ستعجبين انت أيضا بسحر هذه المدينة الخاص".

نيو فراولة 13-10-11 07:07 PM

دخل أخيرا في شوارع المدينة وخفّف من سرعة السيارة ثم قال :
" حرب الأنفصال سحرتني ,إنها تحكي مأساة حقيقية ,ومن الخيوط الأولى للقصة أحسست أنها تصلح لحلقات تلفزيونية شيّقة وفنّية في الوقت نفسه".
شيئا فشيئا تجاوبت آنا مع حديث ريان وتناقشا في موضوعات تلك الحرب التي تعرف عنها الكثير من خلال عملها , وتوقف حوارهما الأنفعالي عندما أوقف ريان السيارة في مرآب الفندق ,وفهمت آنا في النهاية ان جيسيكا لم تشاركه الحماس في كتابة السيناريو عن هذا الموضوع ,الذي كان قد اثار فضولها كثيرا.
" وصلنا أخيرا".
قال وهو يوقف محرك السيارة :
" هذه ستكون منطقة التصوير الرئيسية خلال خمسة عشر يوما ".
خرج من السيارة وفتح الصندوق وبدأ ينزل الحقائب.
منتديات ليلاس
حاولت آنا فتح الباب بدون فائدة , إستعملت قوتها وضغطت على كل الأزرار , لكن الباب بقي موصدا , نقرت على الزجاج للفت أنتباه ريان , لكن باب الصندوق منعه من رؤيتها , وضعت كتفها على الباب , وشدّت القبضة بيدها وغذ بها تجد نفسها تندفع بكل قوتها مرتمية على الأرض , نظرت اليه بغضب , فبدون أن تدري ضغطت على احد الأزرار ففتح الباب , تقدم منها ببطء وهو يرسم إبتسامة ساخرة وساعدها لتنهض بعد ان كانت ملابسها ويداها قد اتسخت من ارض المرىب ,صرخت بحنق:
"إذا كانت البويك ىخر تقليعة في عالم السيارات , فأنا افضل السيارات الصغيرة , على الأقل أحس بالأمان داخلها".
" لو إنتبهت قليلا لخرجت بسهولة من هذا المأزق ".
"ألم ترني سجينة و لماذا لم تفتح الباب؟".
" عليك ان تفرحي , لأننا لم نسجن معا بداخلها".
إبتسمت لمزاحه اللطيف وهو يساعدها على مسح يديها وركبتيها ,ثم أخذ الحقائب وإتجه الى داخل الفندق.
بعد ان وضع الحقائب سألته بخجل :
" أرجو ان ترشدني الى الهاتف و سأتصل بخالتي راشيل , اعتقد إنك لن تتحملني لوقت طويل".
" كما تشائين , وسارى إلى متى ستتحملك خالتك راشيل".
مشى خلفها فلم تستطع ان ترى الأنطباع المرتسم على وجهه بعد هذه الجملة الساخرة , يا له من عفريت , إنه يحاول إثارتها بكل الوسائل.
إنتظرت آنا كثيرا على الهاتف ولم تسمع إلا ذلك الرنين الغريب على الطرف الآخر , أعادت السماعة الى مكانها ,وخرجت والقلق يسيطر عليها.
" لا أحد ,لقد خرجوا بدون شك".
" فضّلوا الأستمتاع بحريتهم قبل وصولك".
قالها ريان بدعابة لكنه أخفى إبتسامته بسرعة وإقترب من آنا وقال بحنان:
" يبدو عليك التعب ,هل تفضّلين ان ترتاحي قليلا؟".
" لا........زشكرا".
لقد كذبت عليه , إنها تشعر بضعف ساقيها ولا يزال راسها يحمل طنين الطائرة والسيارة معا ,ولا بد أن وجهها شاحب , إبتسمت إبتسامة خفيفة وقالت بخجل:
" في الحقيقة, ساموت جوعا".
" أعذريني , نسيت ان أفكر في هذا الموضوع و فنحن لم نأكل شيئا منذ نزولنا من االطائرة و أعرف مطعما رائعا , الغرفة ستكون جاهزة الآن , سنضع الحقائب ونأخذ حماما سريعا ثم نذهب للعشاء ,ما رايك؟".
تحرك بإتجاه الحقائب , قالت :
" سانتظرك هنا".
كان إقتراحه رائعا , فهي بحاجة الى حمام لتستطيع تبديل ثيابها المتسخة , ولكنها قررت الا تنزل في هذا الفندق,قال ملاطفا:
" ما زلت تفكرين بزيارة اهلك طبعا ؟".
نظر الى ساعته وأضاف:
" قد يعودون في وقت متأخر من هذا المساء لذلك يمكنك إستعمال حمامي الآن على الأقل".
فكرت بتعبها , وبلقائها مع خالتها وابنائها و الذين بلا شك سيرهقونها بالأسئلة وفضّلت أن تؤجل لقاءهم الى الغد , قالت بعد أن إتخذت قرارها:
" هل استطيع أن أحجز غرفة هنا هذه الليلة؟".
" عظيم , قرار رائع".
نظر الى السماء من نافذة صالة الأستقبال وقال بلهجة ساخرة:
" عظيم أيضا , لان السماء صافية ولا تهدد بأية عاصفة , سنحجز غرفتين منفصلتين بكامل حريتنا".
أحست بلسعة قارصة من كلامه الساخر فقالت بغيظ :
" لن أعتمد عليك هذه المرة".
إبتعد ريان بإتجاه الأستعلامات وقد رسم إبتسامة ماكرة على شفتيه.
وقفت طويلا تحت الماء , ثم لبست فستانا بنفسجيا بدون أكمام , ربطت شعرها الرطب وإلتقت ريان المتأنق حسب الموعد في الصالة , وإتجها الى مطعم النباتات ,حيث الديكورات الغريبة بين الاشجار الضخمة والنباتات الوحشية.
منتديات ليلاس
اكلت طبقها الذي إختارته بشهية , دجاج بالأعشاب والأناناس , ثم اخذت قطعة من الحلوى المصنوعة من الفواكه والأعشاب ايضا , كان طعمها غريبا ,ولكن بعد أن تذوقتها أحست بمذاقها اللذيذ.
عندما وجدت نفسها في غرفتها في الفندق لم تشعر انها كانت بحاجة للنوم ,وحاولت ان تتذكر أحداث يومها , قررت أن تشرب القهوة التي أحضرها لها احد العاملين في الفندق وحملت فنجانها ووقفت تشربه قرب النافذة ,الساعات الخيرة كانت مضطربة في ذاكرتها ,حتى اللحظة التي قال لها فيها ريان : " تصبحين على خير". امام باب غرفتها ,ثم إبتعد عنها وإختفى داخل غرفته و أحست بضربات قلبه القوية , وقرات في عينيه إنفعاله وعاطفته العنيفة....
إرتعشت لهذا الأحساس , فرغم إشمئزازها منه و إلا ان رغبتها قوية في ان تكون معه وحقدت على نفسها , إنها غير قادرة أن تقوم جاذبية هذا الرجل , إنه يحاول أن يجدد ذكرياته في هذه المدينة , التي أمضى فيها مع جيسيكا أوقاتا جميلة وممتعة , فهو يحس بالوحدة بعيدا عن السيناريست ,كيف تبتعد عن عالم ريان دونالسون ؟ غرقت في التفكير به رغما عن إرادتها.
الفجر ما يزال بعيدا , وفيكسبورغ تعوم بالرطوبة الحارة , غدا مع أطلالة خيوط الصباح ستشاهد جمال هذه المدينة , إن فكرة رؤية الميسيسيبي العظيم وحدها تثير في نفسها ردود أفعال غريبة.
شربت آخر نقطة من فنجان القهوة , وفتحت باب الشرفة ,وخرجت بهدوء , كان الهواء ساخنا وهو يمس كتفيها النحيلتين و تقدمت نحو الدرابزين وفجأة لمحت خيال شخص يقف هناك في الظلمة و تأملته بصمت , إنه خيال ريان دونالسون ينتصب على الجانب الآخر من الشرفة و أرادت ان تتراجع لكنها لم تجرؤ أن تقوم بأية حركة خوفا من أن يسمعها.
مرت لحظات طويلة وهي بالكاد تستطيع ان تتنفس , لقد كان مأخوذا بتلك المناظر الخلابة , واشعة القمر الشاحبة تضيء عرض كتفيه وجزء من شعره ووجهه , قدماها الحافيتان فوق بلاط الشرفة جعلتاها ترتعش , رغم الهواء الساخن , وفجأة التفت ريان ببطء وكأن أحدا يناديه , قال:
" آنا؟".
بدا صوته قلقا ومنفعلا بهموم كثيرة.
وبحركة واحدة إستدارت ىنا كراقصات الباليه ,وقفزت داخل غرفتها ,اقفلت الباب بالمفتاح وأسدلت الستائر ,وسقطت على طرف السرير تحاول ان تتوازن,وتسيطر على إرتعاشها وخوفها.

نيو فراولة 13-10-11 07:09 PM

5- النهر العظيم



" آنا ".
صرخت خالتها راشيل بسعادة كبيرة وهي تسمع صوت إبنة اختها على الهاتف وتابعت:
" آه يا عزيزتي كم أنا سعيدة لسماع صوتك , متى وصلت ؟ أين انت الان؟".
تلقت آنا هذا السيل من الأسئلة وهي سعيدة لهذا الأستقبال الحار , قالت:
" انا في الفندق الذي تنزل فيه مجموعة التصوير التلفزيونية , اتصلت بكم البارحة ولم أجد أحدا".
" يا لسوء الحظ يا عزيزتي , اضطررنا لحضور حفلة خيرية في الجامعة التي يدرس فيها لوك.
" على كل حال متى استطيع أن أراك وأموت لهفة لهذه اللحظة ".
" سنصل الى الفندق باقصى سرعة لا تقلقي".
ثم إبتعد صوتها قليلا وقالت :
" جان ,ىنا وصلت".
أعلنت راشيل الخبر على إبنها بصوت جاد ثم عادت لتحدث إبنة اختها:
" جان سيخرج حالا من الحمام ـ وسنأخذ السيارة خلال دقائق ,لن نضيع لحظة واحدة .... سنكون عندك خلال ساعة ونصف".
أقفلت آنا السماعة بفرح ,أنها على عجلة من امرها لتتعرف على عائلتها ,قررت أن تتناول أفطارها في مرحلة الأنتظار هذه.
خرجت من غرفتها وأتجهت الى صالة الطعام التي تسبح في ضوء الشمس الحاد , لن تنتظر ريان فهو على الأغلب ما يزال نائما ,إختارت إفطارها , وأخذت مكانها بعيدا عن أشعة الشمس ,وبعد ان رشفت آخر نقطة من فنجان القهوة الثاني لمحت بعض نزلاء الفندق يدخلون المطعم وظهر بينهم ريان , يلبس قميصا أزرق من الحرير الناعم وسروالا كحليا غامقا.
تقدم بإتجاه طاولتها وجلس على الكرسي المقابل ,كانت أحداهن تتابعه بنظرات الأعجاب ,أنه يجذبهن برشاقته وجاذبيته ,كان يبدو وكأنه خارج لتوه من الحمام .
" كنت في المسبح".
" اعتقدت أنك ما تزال نائما ".
" بدأت العمل في الساعة السادسة ,لم أكن بحاجة كبيرة للنوم ".
نظر اليها وهو يرتشف القهوة وقال مبتسما:
" تبدين بهيئة حالمة , ما الذي يشغلك؟".
أزعجها هذا الأسلوب الساخر منذ الصباح ,كانت لديها رغبة في ان تجيبه ( ليس أنت في كل الأحوال) لكنها قررت أن تختصر المشاحنة فقالت بحيوية:
" اتصلت بخالتي , قالت انها ستأتي لتأخذني خلال ساعة , اعتقد انها في طريقها الى هنا الآن ".
" اين تسكن تماما في فيكسبورغ؟".
" قريبا جدا من هنا , في بورت جيبسون".
رفع ريان رأسه بعد ان وضع فنجانه ,وأطلق قهقهة عالية وقال :
" يا عزيزتي الصغيرة , كان عليك أن تطلبي خريطة للمدينة ,جيبسون منطقة تبعد عن الفندق حوالي الأربعين كيلومترا".
نظرت اليه آنا بعينين جاحظتين فاضاف:
" أنها الحقيقة ,على كل حال موعدنا غدا صباحا في الثامنة ".
ووضع مسحة من الزبدة على قطعة من الخبز بينما كانت آنا تراقبه وتتفحص تفاصيل وجهه.
" للأسف ظننت أنني استطيع ان احضر الى العمل سيرا على الأقدام".
قالت بصوت منخفض ثم تابعت:
" ماذا سأفعل الآن؟".
" لا تقلقي , يكفي ان تنامي باكرا وتستيقظي باكرا ,وهكذا يكون بإمكانك أن تستعدي جيدا للعمل ".
توقف لحظة وهو يفكر وينظر اليها بمكر وقال :
" فقط نصيحة واحدة,الا تتنزهي ليلا وأنت وحيدة ولأن النتائج ستكون سيئة فيما بعد".
إحمرت وجنتا آنا وأحست بالدم يصعد الى راسها ,قالت بغضب:
" أنك سيء الظن ،لم أنتبه لذلك".
" يا له من عذر ، لكنك سعيدة أليس كذلك؟".
نهضت آنا بغضب ودفعت كرسيها بعنف وقالت :
"سيد دونالسون ,إذا أردت أن نتحدث فيما يتعلق بأمور العمل فأنا في الصالون ". حملت حقيبتها وإتجهت نحو الباب ,وشرارات الغضب تتطاير من عينيها ,أمسكها من ذراعها بقوة وقال بهدوء:
" اسمي ريان ,حاولي أن تناديني بهذا الأسم , وإذا اصريت على مناداتي بإسم عائلتي ,فإن مجموعة التصوير ستطرح كثيرا من التساؤلات".
عضّت آنا على شفتيها وبقيت صامتة للحظات تنتظر أن يطلق سراحها , قال وهو ينهض:
" هيا بنا نخرج , اعرف انك لا تتمنين مرافقتي ,ولكن حاولي وسترين بأنني سأكون أفضل فيما بعد ".
إنه يروّضها بأسلوبه اللطيف ,هدأت آنا قليلا ,نظر اليها والإبتسامة لا تفارق شفتيه ,وقال :
" من الأفضل أن تتعرفي على أسلوب العمل , سأشرح لك بعض الأمور , اليوم سأزور أماكن التصوير برفقة بيل هيكلي , ثم ننظم أوامر العمل والتصوير ,وبهذه التقارير يلتزم كافة العاملين ولا تحدث أية مخالفات في غالب الحيان .......".ثم بدأ يشرح لها بوضوح اسلوبه في العمل وكيف سيبدأ بالمشاهد الأولى ,فهمت آنا سر نجاحه والعجاب الذي يلاقيه لكنها إنزعجت من نظرات تلك المرأة التي تبعتهم الى الصالون دون أن ترفع نظرها عن ريان.
تقدم منهما أحد العاملين في الفندق وسألها إذا كان اسمها الانسة بالانتين.
"نعم".
أجابت بعيون مندهشة , ثم غاب بضع لحظات ليعود برفقة شاب طويل , عريض المنكبين وكأنه لاعب كرة سلة , يغطي جبهته شعر أشقر كثيف ,ويلبس قميصا رياضيا يحمل إسم كلية الفنون وسروالا أبيض أنيقا ,ويرسم إبتسامة رائعة على شفتيه , إقترب منها ثم صاح بحيوية:
" إبنة خالتي آنا , يسعدني ان اراك هنا , أنا جان".
إندهشت آنا عندما إكتشفت أن غبن خالتها لم يكن صغيرا كما تخيلت , ضمّها بحرارة اليه وكأنهما على معرفة كاملة إلا ان الزمن فرقهما ,قالت بمرح:
" جان ,أنا سعيدة جدا برؤيتك".

نيو فراولة 13-10-11 07:12 PM

راقبهما ريان بصمت وكان قد إبتعد بضع خطوات ليفسح المجال للقائهما الحار.
سألت آنا :
" اين خالتي؟".
" انها تنتظر في السيارة".
" لماذا لم تات معك؟".
سالت بقلق ,قال جان بضيق:
" لأنها تمشي بصعوبة ,وهي لا تعترف بذلك طبعا".
" مما تشكو؟".
" إلتهاب مفاصل , آه ,ستتضايق من تأخرنا هيا بنا".
اتجها الى باب الخروج وفي طريقهما مرا امام ريان الذي نبّه آنا بسعال خفيف.
وعندما التفتت اليه قال :
" لا تنسي موعد عملك غدا.... بما انك لم تعرفينا ببعض......".
نظر الى جان وقال بجدية:
" انا ريان دونالسون مديرها".
قال ذلكبصوت باردومهذب وهويمد يده ليصافح جان.
" أنا آسف ..... جان كالدويل".
رد على مصافحة ريان بفتور ، وتفحص الرجلان احدهما الآخر ,قالت آنا بوقاحة:
"السيد دونالسون ليس مديري".
قال ريان ساخرا:
" آه ,نسيت ,لقد جئت الى هنا للراحة والأستجمام".
غضبت ىنا وعبّرت عن ضيقها:
" اعرف تماما عملي وواجباتي ،ولست بحاجة للتوجيه".
بدا القلق على وجه جان فحاول أن يتدخل قبل ان تبدا المعركة.
" فهمت انك مع مجموعة تلفزيونية لتصوير فيلم,ولكنك ستقيمين معنا في البيت".
قاطعه ريان موافقا:
" ستقضي وقتا طيبا معكم , لكن عليها أن تكون في مكان التصوير غدا في الثامنة صباحا".
لن يغيّر ريان من أسلوبه المتسلط ,قررت آنا أن تمضي قبل أن يتفاقم الخلاف أمام إبن خالتها ,قالت بغضب:
" سأكون في مكان عملي في الوقت المحدد ,صحيح أنني اعمل معك بشكل ما ,ولكن هذا لا يعطيك الحق بأن تتحكم بتصرفاتي ,الى اللقاء".
أضاف جان بهدوء:
" لا تقلق سأصحبها غدا في الوقت المحدد ".
نظر ريان بتعال وقال :
" شكرا".
لمعت على شفتيه إبتسامة ثم عانقها فجأة وقال :
" أتمنى ان تقضي وقتا طيبا".
إبتعد بخطوات واثقة نحو الأستعلامات , بينما تابعه جان بنظره وسألها بإستغراب:
" أهكذا يتعامل معك بإستمرار ؟".
" إنه لا يحتمل.........".
مشت بإنجاه الباب , بأي حق يعانقها ريان بحضور جان ؟لا شك أن هذا التصرف سيترك تاثيره لدى الشاب ,صحيح أنه يعني وداعا في غالب الأحيان ,ولكن إبن خالتها قد يتخيّل أشياء بعيدة عن الواقع , قالت بعصبية:
" لولا خدمتي لجيسيكا لما وافقت على الحضور الى هنا ابدا ".
وبدات تشرح لجان ظروف عقدها ,وعملها الجديد مع ريان وهي تمشي بمرح حتى وصلا الى السيارة وهناك كان الصراخ والعناق والفرح.
منتديات ليلاس
خرجت راشيل من السيارة بصعوبة وإستندت بظهرها عليها حتى إستطاعت أن تحتضن إبنة أختها , لقد بدت لآنا أكثر شبابا من صورها ,كما كان الشبه ببينها وبين امها , قالت الخالة راشيل ودموع الفرح في عينيها:
" عزيزتي ,إنني سعيدة حقا أن أراك هنا ,لقد عقد لساني ولم أعد أعرف ماذا اقول".
بعض خصلات شعر رمادية كانت تزين شعرها السود الكثيف ،وكانت تلبس فستانا من القطن بدون أكمام مما ابرزجمال بشرتها البرونزية اللامعة ,كما اعطى شكلها عذوبة الشباب وحيوية المراة الناضجة ,كان حجمها صغيرا بالنسبة لأبنها وأنها فعلا تحتفظ بوجهها المرح والمغامر كما ذكرت لها أمها , لكن من اين لها ألم المفاصل ,هذا المرض الذي يصيب عادة كبار السن ؟ أنها على كل حال تفيض جاذبية.
" إبنتي ,لم أتخيل انك جميلة الى هذا الحد, بالتأكيد تحملين أخبارا جميلة من بريطانيا ,ستروينها لي ونحن في طريقنا الى المدينة ,جان ساعدني لأصعد الى السيارة ,في هذا الوقت من السنة تزداد الرطوبة ,فتخترق العظم ،ولكن الجو في البيت سيكون افضل منه في الخارج ,أين حقائبك؟".
قالت آنا وهي تتحرك بأتجاه الفندق:
" إنها في صالة الفندق ,سأحضرها حالا".
امسكتها راشيل من يدها ونظرت الى إبنها وقالت:
" ستهتم أنت بموضوع الحقائب أليس كذلك يا عزيزي؟ آنا إجلسي في المقعد الأمامي لتتمتعي بمشاهدة المناظر الجميلة ".
أطاعت خالتها وأحتلت جزءا من المقعد الجلدي الأمامي الذي كان يشتعل من تأثير اشعة الشمس الحارقة ،وتحركت بسرعة لتحمي نفسها ,وشدّت بصعوبة تنورتها القطنية الى الأمام لتخفف من حرارة الجلد.
ثرثرت راشيل بدون توقف وأما آنا فقد كانت تستمع الى حديثها بلهفة ,وهي تهز رأسها وتنتظر بهدوء دورها في الحديث.
" عندما أخبرتني أمك بقدومك ,كدت أطير من الفرح وليتها جاءت معك ، ستخبريني بالتفصيل عن أخبار والديك , أليس كذلك؟".
لمحت آنا خرمشة على يد الخالة.
" انه القط لا تقلقي ,لدينا قط سيامي رائع أسمه راجا ,ستحبينه بلا شك ,هل تحبين لعب الورق ؟ نظّمت ثلاث سهرات من اجلك في الأسبوع المقبل ,ستكون إحداها مخصصة للعب البريدج ,آه اعتقد أنك لن تقاسميني هذه اللعبة ,ككل الشباب ,أنها على كل حال مسلية جدا ,جان لا يهتم بها ,الرسم والرياضة تأخذ كل إهتمامه ، اما لوك فهو يفضل المطالعة......".
هذه الثرثرة المستمرة أربكت آنا بالأضافة الى جلوسها داخل السيارة في هذا الحر الخانق , رفعت شعرها عن رقبتها ومدت يدها لتفتح النافذة قليلا ,لكن راشيل أوقفتها بمرح:
" لا يا عزيزتي , عندما تنطلق السيارة سيكون الهواء منعشا ".
تذكرت سيارة البويك التي إستأجرها ريان ,إنها شديدة الشبه بهذه السيارة ,وعندما تخيلت ريان وحادثة البويك إحمر وجهها ,ثم قالت في نفسها : ( ليذهب الى الجحيم في هذه اللحظة).

نيو فراولة 13-10-11 07:13 PM

وعندما عاد جان وضع الحقائب في السيارة وقال وهو يرثي لأبنة خالته حالتها في هذا الجو الحار:
" كان عليّ ألا أطفىء الكيف ,وان ما الذي تودين مشاهدته أولا؟".
"النهر".
قالت ىنا بتأكيد ,إنها بشوق كبير لرؤية المسيسيبي , ضحك الأثنان وهما يشرحان لها أنه ليس هناك إلا المياه والوحل , غضّت آنا الطرف ,وتذكرت أنها جاءت الى هنا على أمل أن تشاهد هذا النهر العظيم , بما فيه من سحر وخيال ,وعندما لاحظ جان ضيقها قال بلطف:
" في هذه الحال سنتجه نحو فورت هيل – إحدى الأماكن التي يبدو فيها النهر جميلا ,وترتفع فيه المياه بشكل أفضل , سنجتاز إذن الحديقة العامة وهل يزعجك هذا يا آنا؟".
" لا أبدا على العكس".
دخلت السيارة في إزدحام الشوارع ,وتابعت آنا بنظرها الأماكن التي يشير اليها مرافقوها ,وعلى الرغم من فرحها بهذا اللقاء وسحر هذه المدينة ,إلا أنها احست بالحنين ........ لأشياء كثيرة في وطنها ,وخصوصا لوالديها ,وعندما دخلوا الحديقة سحرت آنا بجمال المكان ,بخلفية السماء الزرقاء الصافية ،وتخيلت بعد ذلك عنف المعارك التي دارت رحاها في هذا المكان الثري.
ثم توقف جان قرب مجموعة من الآثار تعود الى القرن الماضي وقال بحيوية:
" سنتسلق قمة هذا الجبل".
ثم ألتفت الى أمه وقال:
" لن نتأخر كثيرا يا أماه ,هل يزعجك أن تبقي قليلا وحدك ؟".
ردت راشيل بجدية:
" بالتأكيد لا ,لا تقلقا بشأني هيا ,إنتبه الى إبنة خالتك جيدا".
كان الصعود صعبا ,وبدات آنا تلهث من شدة التعب ,وأحست ان العرق يغسل جسمها تحت هذه الشمس القاسية , كان جان يمشي ببطء بجانبها ,ويساعدها على تخطي الصخور العالية ,ولم يتوقف عن قص بعض الحكايات التاريخية المضحكة ... والقيام بحركات إيمائية مسلية , توقفت آنا قليلا وإستندت بظهرها على إحدى الصخور وقالت:
" كان عليّ أن أقص هذه التفاصيل على جيسيكا".
" تحبينها أليس كذلك؟".
" إنها ربة عمل طيبة القلب".
نظر اليها جان بتساؤل :
" لكن السيد دونالسون.........".
إرتعشت ىنا عندما فهمت من سؤال جان ونظراته بأنه فهم الأمر كما توقعت فهو يلمّح بلا شك عن علاقتها الخاصة مع دونالسون , إبتسمت وقررت أن تهز كتفيها فقط دون أن تشرح شيئا لأبن خالتها ,الذي لم تتعرف عليه بشكل جيد بعد ، إبتسم جان ايضا وانطلق يشد يدها.
" هيا بنا ,تعالي من هنا , ستشاهدين الحقل الخالد الذي جرت فيه المعارك".
بعد أن شرح لها بعض تفاصيل المعارك تحركا ثانية بإتجاه القمة ,وقبل بضع خطوات طلب منها أن تقف عينيها ثم قال بمرح:
" الآن تستطيعين أن تفتحي عينيك".
وجدت أمامها ذلك المشهد العظيم للمسيسيبي الأعجوبة , أحست أن الدوع طفرت من عينيها ,جالت بنظرها في الأتساع الهائل للمياه والتي تعكس علىى سطحها اشعة الشمس الرمادية ,تحيطه على ضفتيه نباتات وأشجار ضخمة جدا ,قال موافقها:
" على الضفة الأخرى تقع لويويانا".
قالت آنا بإنفعال :
" بدون شك ، إنني في حلم".
قرصها جان بنعومة من ذراعها وقال:
" إصحي الآن إذن ,آنا ...... أنا سعيد جدا بأن اراك هنا ,وسررت أنك أعجبت بهذا المشهد , سوف اصحبك في الأسبوع المقبل في رحلة نهرية , يكون القمر فيها بدرا ,وستشاهدين اللحظات النادرة لهذا النهر".
" سيكون مدهشا حتما".
قالت آنا بحماس موافقة على إقتراح جان الذي نظر اليها بإعجاب ,وقال :
" معك بدون شك ستكون رحلة ممتعة , رغبتي كبيرة أن اقدمك لأصدقائي , واتخيّل أنهم سيتسابقون للتقرب منك".
ضحكت آنا بدون ان تاخذ هذا التصريح وهذه النظرات بصورة جيدة".
" لا تقلق سابعدهم عني واقول لهم أنك سبقتهم".
" صحيح؟".
قال جان بإنفعال وفرح وتابع
" أتمنى أن تكوني جادة , إنك حقا رائعة ,وأنا مسحور بجمالك و..... وبلهجتك الأنكليزية ".
إبتسمت آنا بقلق , رغم أنها أحست بالسعادة لصداقته العائلية ,إلا أن رغبتها لم تتعد ذلك ".
سألته عن الكتلة الحديدية التي تحتل إحدى الزوايا العالية من الصخر , فشرح جان قصة هذا المدفع القديم الذي كان يحمي النهر من تسلل العداء.
في طريق العودة الى السيارة ,كان جان يراقبها بحرص شديد في كل خطواتها ويمسك يدها بنعومة حتى تجتاز المنحدر الصعب ,وعند وصولهما قالت آنا لخالتها بمرح:
" كان إستعراضا مدهشا , للسف لم تستطيعي مرافقتنا".
إعتذرت الخالة بإبتسامة عذبة ,ثم لعنت هذا الطقس الحار والرطب الذي يؤثر على صحتها و رغم ذلك فهي تحب الحياة في فيكسبورغ ,ولا تفكر في غير هذه المدينة التي تحمل العديد من الذكريات الجميلة , ثم شكرت ربها أنه ترك لها يديها سليمتين.
تناولوا الغداء في المنتزه ثم زاروا المدينة القديمة والأسواق الشعبية ,وحديقةا لنباتات الضخمة حيث شاهدت آنا لأول مرة تلك النباتات البدائية ,والأشكال العجيبة للأشجار المعمرة.
هذه الرحلة الطويلة أرهقت آنا كثيرا ,وبدا على وجهها التعب , كما أحست الخالة بآلام شديدة في الساقين فقال جان:
" من الفضل ان نعود الى المنزل أليس كذلك؟".
وافقتا بتأكيد قوي بعد أن شربوا العصير البارد , إتجهوا الى طريق جيبسون حيث تسكن العائلة ,كان معظم البناء في هذه المنطقة متشابها , بيوت خشبية ضخمة وشرفات دائرية كبيرة تطل على حدائق خاصة يميزها نبات المغنوليا العملاق والمتناسب مع الواجهات العالية لهذه البيوت.
عندما دخلت آنا برفقة خالتها الى الحديقة تأملت بسرعة الأزهار الغريبة المنتشرة في انحائها ،وقررت أن تتفحصها فيما بعد ,الصالة كانت واسعة جدا والهواء المبرد ينعش الجو المعتم تقريبا ,فالستائر السميكة من الموسلين تمنع اشعة الشمس من إختراق النوافذ العالية ,كان لون الجدران أخضر وأبيض ,كما كانت الأرض مفروشة بموكيت سميك بلون الرغوة ,وعلى الجدران وزعت بعض اللوحات من الحفر الأصلي لبعض القرى الأنكليزية ,ومزهريات منتشرة هنا وهناك تحمل أزهار المنغوليا بألوان مدهشة واحجام كبيرة.
إصطحبت الخالة إبنة أختها الى الغرفة التي خصصتها لها...... جدار بكامله مفتوح كنافذة كبيرة تطل على الحديقة واللون الغالب على الغرفة هو لون زهر الليك , الستائر وغطاء السرير من القماش المرسوم بزهور فاتحة اللون ,تعطي جوا حالما للغرفة ,الفراغ كان واسعا مما ادخل السرور الى قلب آنا , إقترحت راشيل عليها هذه الفكرة ,ونامت حتى المغرب عندما سمعت صوت خالتها يناديها ,وعادل وك من الجامعة في وقت متأخر ,وكان يختلف عن أخيه تماما ,إنه جاد في دراسته ولا يتاخر عن محاضراته , ويبدو هادئا ومتزنا , رغم انه أصغر من جان بسنتين ،ويشبه والدته كثيرا وإستقبل إبنة خالته بحماس حار , وتحادثا طويلا عن دراسته في كلية الطب ,وعلمت انه يعتني بصحة والدته التي تتبع بسعادة اقتراحاته وإرشاداته.
إجتع اجميع على العشاء في احد المطاعم الرائعة ,وهناك ردت آنا على كمية كبيرة من الأسئلة عن والديها وعن بريطانيا وعن نفسها , سالتها راشيل:
" كم عمرك الآن يا آنا؟".
" إثنتان وعشرون سنة".
" الم تفكري بعد بالزواج؟".
" لم اقع في الحب الذي يدفعني للزواج".
رشفت راشيل قليلا من فنجان القهوة وقالت بجدية:
" هل لديك رغبة في البقاء هنا ؟".
" لا أعرف إذا كنت ساعتأد على الجو ام لا".
أجابت آنا بإبتسامة قلقة ,وهي تتمنى أن ينتهي هذا الإستجواب.
على الرغم من الحر الشديد فقد بدأت نقاط كبيرة من المطر تسقط لدى خروجهم من المطعم ووما أن إنطلقت السيارة حتى بدا السيل الحقيقي للمطر يضرب سطح السيارة ,ويتدفق متواصلا على الزجاج.
وفي المنزل ذهبت راشيل فورا الى أريكتها وتمددت فوقها , وأخذت تتابع مسلسلا عل التلفزيون ,أما لوك فقد دخل ال غرفته لمراجعة دروسه ,وإقترح جان على آنا أن تذهب الى غرفتها , ثم ما لبث أن تبعها الى الشرفة الداخلية وقال:
" تعالي , إنظري الى المطر من هذه النافذة".
وقفت آنا تراقب المطر المتساقط على النافذة المائلة ,أحضر جان كأسين من الشراب قدّم أحدهما الى آنا ,وإقترب منها وسألها بصوت منخفض:
" هل اعجبك هذا المسكن؟".
قالت ىنا بقلق:
" نعم ولكن هل ستكون العاصفة قوية هذه الليلة؟".
تفحّص جان السماء بإهتمام وقال :
" لا....... لا اعتقد ذلك".
إسترخت آنا بعد ان إستندت بكوعها على الدرابزين تراقب المطر ,نظر الشاب بإعجاب عندما رمت خصلة شعرها الحريرية الى الخلف ,وإبتسمت بجاذبية وكأنها تتواطأ مع نظراته ,وأخذت ترد على مغازلته الناعمة بمزاح متزايد ,نظرت اليه تتفحص وجهه من خلال إنعكاس ضوء الصالة الذي يضيء شعره الأشقر بإنعكاس نحاسي ,ولاحظت خطوط وجهه وما تحمل من ملامح إنكليزية , وتذكرت ريان دونالسون .........عيونه ونظراته الساخرة , أنفه الحاد الذي يعكس كبرياء ك وغرورا , حاجبيه المعقودين وفمه وإبتسامته الغامضة ,أنه لا يشبه أبدا إبن خالتها جان الذي ترى أنه ما يزال شابا مراهقا.
تساءلت كيف يمكن أن يكون قد أمضى يومه؟ تخيّلت انها تراه يقف على الشرفة كما في ليلة الفندق , إنه حزين لفراق جيسيكا ,وهذا ما يمنعه من النوم ,تمنت ألا يكون هذا هو السبب ،وقررت أن تعرف تفاصيل جديدة عن حياته الخاصة.

نيو فراولة 14-10-11 06:07 PM

6- فكّري جيدا !


حياة كاملة كانت تدور في ساحة إحدى الحارات الشعبية بالقرب من الفندق وأعداد من المسلحين تحتل اجزاء من المباني المجاورة ,وخلف النوافذ والمدخل , الباعة المتجولون ببضائعهم المتنوعة اتخذوا وسط الساحة مركزا لهم ,مجموعة من الأولاد تلعب هنا وهناك وومجموعات من الرجال والنساء بملابس تاريخية ,وبعض الجياد والعربات القديمة تضيف على المشهد صبغة تاريخية واقعية
خارج هذا المشهد كانت تتوزع ثلاث كاميرات كبيرة ، خلفها عدد من المصورين والمساعدين ، أما في الجوانب الأخرى فكان يختفي بعض عمال الأضاءة ، بعضهم يسلط إضاءته على وجوه الأبطال ، والبعض الآخر يستعمل العواكس الشمسية لإضاءة الأماكن المظلمة أو ليؤكد الظلال التي تركتها الشمس في زوايا المشهد.
فجاة توقف الجميع على صوت ريان ، وإتجهت الأنظار اليه ، كان يصرخ بعصبية وهو يستعمل مكبرا للصوت :
" توقفوا جميعا".
منتديات ليلاس
إقترب بإنفعال من ناتالي التي تلعب أحد الدوار الرئيسية ، وقال:
" استحلفك بالله ، ماذا اصابك اليوم ، إنك متصنعة جدا ، حاولي أن تؤدي دورك ببساطة وحيوية أكثر ، اريد أن أرى رد فعلك الطبيعي".
ثم اعلن بمكبر الصوت:
" سنعيد المشهد من البداية ، عودوا الى أماكنكم".
وبسرعة بدأ الكل يتحرك الى مكانه الأول ، المصورون والمساعدون اعادوا الكاميرات المحمولة على سكك حديدية خاصة ، ومهندسو الصوت تحركوا خلف الحواجز ، وعاد باقي عناصر التمثيل بما فيهم الأولاد الى اماكنهم وإنتظروا جميعا إشارة البدء من المخرج.
طلب ريان من بيل أن يعدل الكاميرا الثانية من لقطة كبيرة لناتالي الى لقطة متوسطة ثم أعطى إشارة البدء ، وأخذ يراقب مع مساعديه كل الحركات التي نظمها لهذا المشهد الصعب ، وعندما طلب منهم أن يتوقفوا بعدن هاية المشهد ، سال مساعديه والمصورين إذا تم كل شيء حسب إرشاداته ، أكّد الجميع ذلك ، ثم قال بصوت عال:
" سنبدأ في تصوير اللقطات القريبة والتفصيلات المهمة".
توزّع الجميع في الأماكن المحدّدة ، وبدأ تصوير اللقطات المتتالية ، من المشاهد الخارجية التي تصوّر في الأماكن الطبيعية للحدث التاريخي.
سأل ريان احد المساعدين بعصبية:
" اين كاتبة السيناريو؟".
رد بعفوية:
" لم تصل بعد... استطيع أن أحل مكانها بإنتظار وصولها إذا كان ذلك ضروريا".
نظر اليه ريان وقد تقلّصت أسارير وجهه وقال بجفاف:
" لا...... اشكرك".
التفت الى ميشيل الممثل الذي يلعب دور الجندي واعطاه التوجيهات بدقة:
" ميشيل .... تخيّل نفسك جنديا حقيقيا ، عليك أن توحي للمشاهد بانك أتيت الى هنا لتدمير هذه المدينة بعد ذلك الحصار الطويل ، وستسجل الكاميرا كل تصرفاتك وإنفعالاتك ، تدخل من هنا ". توقف قليلا أمام الباب ، تتامل حركة الناس ثم تدور بين الباعة وتقترب من الأطفال وأنت تراقب النوافذ والأبواب ، ولا تنس ان تؤدي ذلك بجسمك كاملا ، فتعبير وجهك وحده وحده لا يكفي ، سنصور المشهد بكامرتين.
عاد دونالسون الى كرسيه ليوجه بعض الفنيين وتحدث بهدوء مع المصور ، حكّ رأسه ثم مسح العرق المتصبب من جبينه وأعاد على رأسه قبعته التي تحميه من أشعة الشمس الحادة ، ثم أعلن بصوت عال عن بدء تصوير المشهد ، وبعد أن أعجبته النتيجة قال :
" سنتوقف نصف ساعة لأعداد المشهد الثاني ، يجب أن ننتهي منه قبل غروب الشمس".
لمحت ىنا وجه المخرج العابس وهي تنزل من السيارة ، مشت بإتجاهه بخوف شديد ، إنها غير مسؤولة عن هذا التأخير ، فقد إستيقظت كعادتها باكرا في السادسة والنصف تماما ، وتناولت إفطارها الذي لم يشاركها به احد ، فاولاد خالتها ينامون عادة الى وقت متأخر ، ولم يتعود جان أن يصحو في هذه الساعة المبكرة ، قدّمت له القهوة لتجبره على النهوض من سريره ، قال وهو يتثاءب :
" كم هو قاس ان أستيقظ في هذا الوقت ، هل يبدأ عملك هكذا دوما؟".
" آه.......لا".
قالت بضيق وهي تراقب إنزعاج غبن خالتها وتابعت:
" من الأفضل ان أطلب سيارة أجرة".
قاطعها جان بسرعة:
" لا ........سأتحمل ذلك وخصوصا من أجلك ، تكفيني متعة مرافقتك".
بقيت تنتظره وقتا طويلا في الصالون ، تراقب الزهار الرائعة لنبات المنغوليا ، ثم قطفت الزهور الذابلة ، وتذكّرت حياة ريان بعيدا عن جيسيكا ، هل هي ذابلة أيضا ؟ لكنها إبتهجت عندما وجدت بعض البراعم الجديدة .
عندما وصلت آنا الى جانب المخرج نظر الى ساعته وصرخ بطريقة فظة:
" أخيرا قررت الحضور".
أسفت آنا لذلك ، فتأخر ساعتين ليس بالقليل ، قالت بهدوء:
" انا آسفة جدا.......".
قاطعها ريان بعصبية:
" أعتقد انك تعرفين الوقت المحدد للعمل؟".
ثم نظر الى جان الذي وصل لتوه.
" الم تقل أنك ستوصلها في الوقت المحدد؟".
كان ريان يلبس قميصا رياضيا كحليا ، وسروالا أبيض ، وينتعل صندلا من الجلد الطبيعي ، أناقته ذاتها إلا أن هذه الملابس الخفيفة تتناسب أكثر مع جو العمل ، أحست آنا بغرابة فستانها القطني الجميل ، الذي لا يتناسب مع هذا المكان.
قال جان لينقذ الموقف:
" سأشرح لك إذا سمحت ، السيارة.....".
قاطعه ريان بخشونة :
" إسمعني جيدا ، وقت التصوير محدد ، ولا أريد أن أسمع كل يوم إعتذارا جديدا ، تركتها ترتاح طوال المس ، وعليها أن تتواجد في الوقت المحدد للتصوير ".

نيو فراولة 14-10-11 06:10 PM

قاطعته آنا بنفاد صبر :
"لا تتكلم بهذه الطريقة مع إبن خالتي ، لسوء الحظ تعطلت السيارة في الطريق بعد ان تعرضنا لحادث بسيط".
رمت شعرها للخلف وتابعت:
" نتحدث معك بأدب وأرجو ان تعاملنا بالمثل".
قال ريان وهو يكشف عن أسنانه البيضاء:
" لست بوضع جيد لتعطيني درسا في الأخلاق".
غضب جان من هذه الطريقة في الحديث، لكن ريان غيّر لهجته فجاة وهو يراقب بقلق آثار الصدمة على صدغ ىنا ، رفع شعرها باصابعه دون أن يلمس الورم وقال :
" كيف حدث هذا؟".
" لو إنتظرت حتى تسمعني لعرفت تماما ما الذي حصل".
هدأت آنا وبدأت تشرح بإنفعال:
"كلب صغير حاول عبور الشارع أثناء مرورنا ، اضطر جان ان يوقف السيارة بسرعة، فضربت رأسي بزجاج السيارة ، ليست هناك اية خطورة لكن السيارة توقفت بعد ذلك ، إضطررنا أن نمشي حتى أقرب مرآب".
كان ريان يتلمّس بنعومة آثار الورم ، قال لجان بعصبية:
" بحق السماء ، لماذا لم تجبرها على إستعمال حزام الأمان ؟ لحسن الحظ انها لمتكسر جمجمتها".
قال جان ببرود:
" انا لا أستعمله عادة "
" سيأتي وقت تستعمله فيه".
نظر الى آنا وقال بلطف:
" إنك بحاجة للعناية ، يجب ان نذهب الى الفندق فورا".
إلتقط بعض الوراق من على الطاولة الخاصة وإبتعد بخطوات سريعة ، نظرت آنا الى جان تستعطفه أن يفهم تصرفات ريان بحياد.
إلتفت وقال بلهجة ىمرة:
" من الأفضل أن تستعيدي غرفتك في الفندق ، لا اريد أن اصاب بخيبة امل جديدة".
توقفت آنا وقالت:
" كيف؟".
" ستعودين الى القامة في الفندق من هذه اللحظة".
صرخت آنا لتلفت إنتباه ريان الذي إبتعد عنها:
" أرفض ذلك، سابقى عند خالتي".
توقف ريان وقال بجدية:
" فكري جيدا بالمر ، وستجدين أنني على حق ، جيبسون بعيدة وليس من السهل الحضور في المواعيد المطلوبة".
" لن أقيم في الفندق ( كررت آنا بإصرار ) سأمضي وقتي الحر كما أريد".
أبتسم رايان بسخرية وقال :
" هيا آنسة بالانتين ، لا مجال للرفض الآن".
قطب جان حاجبيه وقال :
" إنه على حق ، سيكون من الصعب حقا أن أرافقك كل يوم الى فيكسبورغ ن في الصباح الباكر ، لدي حل بسيط ، أصحبك كل يوم بعد التصوير الى البيت ثم أعيدك الى الفندق في نهاية السهرة".
إبتسم ريان بمكر وقال :
" إنه بالفعل حل رائع ، وسأمنحك من وقت لاخر بعض الأجازات حسب ظروف العمل".
هدأ غضب آنا قليلا وقالت بسخرية:
" تقررون حسب رغباتكم ، على كل حال انا جاهزة للعمل الآن".
" الان جرحك بحاجة لعناية ( أضاف وهو يبتسم ) ثم من الفضل أن تحجزي غرفتك في الفندق ، قبل ان يمتلىء بزبائنه ، علينا ان نعتذر من جان ونذهب ".
" لا باس".
قالت آنا بفتور وهي تودع إبن خالتها ، وعندما أصبحت وحيدة مع ريان احست بغرابة تصرفاته، فقد امسك بيدها ، وقادها الى غرفته ، رمى الكتب والوثائق بإهمال فوق السرير ودخل الى الحمام , اخرج القطن والمطهر ، وبدا يغسل يديه.
نظرت آنا الى سريره الذي ما زال يحمل ىثار نومه ، فالوسادة ترسم شكل رأسه بدقة ، أغمضت عينيها عندما بدأ ينظف مكان الورم.
" هل تتالمين؟".
" لا.........".
اضطربت وإحمر وجهها قليلا وحاولت أن تفتح عينيها دون أن يتسرب المطهر الى داخلهما ، في الوقت الذي عاد فيه ريان الى الحمام وأحضر مرهما لأزالة الأحتقان.
"رائحته كريهة ، لا اريد إستعماله".
وضع المرهم على الورم بعناية ، دون ان يسمع لرفضها ، كانت تحس برغبة كبيرة في ان تهرب من غرفة هذا الرجل رفع شعرها للخلف وبدأ يداعب الورم بهدوء ونظرت الى الجرح الذي على جبين ريان ، وعندما تلاقت عيونهما قال:
" تسببت في إزعاجي ونحن في بداية العمل ، أتمنى ألا أسمع إعتذارك مرة اخرى ، كنت بحاجة اليك أثناء التصوير ".
" لكنني أوضحت لك السباب وهذا الورم يدل على مدى صدقي ، وأرجو ألا تضايقني اكثر من ذلك".
" ربما إرتكبت خطأ في التعاقد معك".
دفعت يده بعيدا عنها ، وإتجهت الى الحمام ثم صرخت بحنق :
" هذا كثير جدا ، انت الذي الححت في حضوري الى هنا ، وأنا اعرف تماما بانني لا استطيع العمل معك بهذه الطريقة".
" لماذا ؟ إننا لم نبدأ العمل بعد ، لا تطلقي أحكامك علي بهذه السرعة".
منعها من ان تغسل الورم ، ثم وقف يضيف ضمادا نظيفا مكان االورم، حاولت أن تبتعد عنه ، لكن ضيق المكان لم يسمح لها إلا بخطوة واحدة للخلف ، مما جعلها تفقد توازنها ، حاولت أن تتمسك بأي شيء لكي لا تسقط ، فلم تجد إلا ستارة خفيفة ، لكن للسف فقد سقطت على الأرض وهي تجر الستارة معها ، فوجئت بما حصل ، ونظرت الى دونالسون ، الذي فغر فاه مذهولا ن تقدّم منها وحاول أن يساعدها على النهوض ، خجلت آنا من هذا السقوط المفاجىء ، بينما أطلق ريان ضحكة عالية ، ويبدو أنه إستعاد مزاجه المرح ، نظر االيها بمكر ثم شدّها الى صدره ، أرتعشت بقوة ، وكادت أن تضيع لولا أنه قال بصوت متحشرج:
" إذا سمحت ، لا أريد ان أسمع إعتذارك ، فإنه لا يليق بك، جيسيكا فقط تعتذر بكثرة".

نيو فراولة 14-10-11 06:11 PM

فكرت للحظات ثم إبتعدت عنه ، إنه لا يستطيع أن يتخلص من ظل جيسيكا ، هي الوحيدة التي تركت أثرها على السيد دونالسون ، قالت بلهجة باردة:
" يجب الا نضيع الوقت بلا فائدة ، ماذا علي أن افعل الآن ؟ ".
لعنته بداخلها , كيف تستسلم بهذه السهولة لجاذبيته ؟ هل تبوح له بما في صدرها ؟ أي جنون غريب دفعها لهذا التشرد مع هذا الرجل ؟ لماذا هي ضعيفة أمامه الى هذا الحد ؟ إضطربت بعنف وقررت أن تعيد حسابها لنفسها ، نظرت الى الرسالة الموضوعة على الطاولة ، غنه عنوان جيسيكا المرسوم عليها ، لم يتوقف إذن عن مراسلتها ، بدا الحزن على وجهها ، فتحت الباب وإتجهت الى مكان التصوير.
الساعات التالية كانت مشحونة بالعمل بالنسبة للجميع حتى أن آنا لم تتوقف لحظة واحدة ، إهتمت بالتعديلات اللازمة التي طلبها ريان وبمواصفات محددة لم تبتعد عن عناصر السيناريو الرئيسية ، إلا انها إستطاعت أن تحدد معالم جديدة للخيوط الخانبية للقصة ، بعرضها على المخرج الذي كان يتفهم التفاصيل المهمة ثم يعيد توجيهها الى النواقص التي تحتاج الى تعديل أ إضافة.
بدأت ىنا تتفهم من تلقاء نفسها كيف تتحرك وتقدم الأشارات اللازمة ، ولكنها كانت تحس بأنه ينقصها بعض الأشياء التقنية والأختصاصية.
منتديات ليلاس
عندما ألتقت فيكتوريا اثتاء إستراحة الغداء ، إستغربت من طريقة لبسها ، سروال قصير جدا ، وقميص ابيض يظهر تفاصيل قامتها بوضوح ، راقبت الفتاتان الباعة المتجولين بعد أن أخذت كل منهما سندويش وزجاجة مياه غازية ، ثم جلستا في الظل ، قالت آنا :
" انا معجبة جدا بطريقة التصوير ، إنها منظمة بطريقة رائعة , لكنها متعبة بعض الشيء".
ضحكت فيكتوريا ثم شرحت:
المسؤول عن تنظيم كل هذه الأمور هو المنتج ، حضر الى هنا عدة مرات قبل التصوير وإتفق مع عدة اشخاص لتنظيم العمل بهذه الدقة التي ترينها".
" ولكن من اين اتت كل هذه الملابس العسكرية لا اعتقد أنها كانت معنا خلال الرحلة".
" استعرناها من التلفزيون الأميركي ، أنها تلزمنا لهذا المشهد فقط".
حاولت آنا أن تسالها عن كثير من الأمور الفنية التي تشغل بالها ، ولكن فيكتوريا قاطعتها بمرح:
" من الشاب الظريف الذي شاهدته بصحبتك هذا الصباح؟".
" إنه إبن خالتي".
قالت فيكتوريا بمكر:
" لم يتعود ريان أن يرى منافسين له ، لكنني أعتقد أن هذا من مصلحتي".
" لم أفهم قصدك؟".
" إستمري بعلاقتك مع إبن خالتك ، وستتم الأمور بسلام".
إضطربت آنا وقالت بعصبية:
" جئت الى هنا للعمل مكان جيسيكا ، ولا شيء بيني وبين الآخرين سوى العمل ، على كل حال هذا الرجل الذي تعنين يرعبني بشكل عجيب".
رفعت فيكتوريا كتفها وقالت:
" ارج وان يكون هذا صحيحا ، وغلا ستواجهين غيورة شرسة".
المفاجأة صعقت ىنا وحبست ضحكة عصبية وقالت :
" لن أحاول منافستك على أحد ، إطمئني".
تقدم بعض الممثلين والعاملين بإبتسامات عريضة وطلبوا التعرف على آنا ، فردت بإبتسامة متوترة قبل أن تعود الى العمل.
عندما أعلن ريان نهاية تصوير آخر مشهد لهذا اليوم ، إتجهت آنا نحو جان الذي وصل قبل وقت طويل يراقب التصوير ، أحست بتعب شديد وجلست في السيارة التي إنطلقت في طريقها الى جيبسون.
إستمر إبن خالتها طوال الطريق يثرثر عن العاطفة والحب ، وكانت أجوبتها حازمة رغم أنها شاردة الذهن ، تفكر بتهديد فيكتوريا العلني.
إنزعجت الخالة راشل بعصبية من فكرة ذهاب إبنة أختها الى الفندق ، قالت بجدية:
" أريد أن أوجه كلمتين لهذا المخرج الذي يدعى دونالسون ، بخصوص تصرفاته القاسية معك ، لا اريد أن تحتكي به كثيرا ،كما ارجوا لا تعودي مع الفريق الى لندن لتقضي معنا بعض الأيام".
" شكرا يا خالتي ، سأكون سعيدة بذلك".
ثم فكرت أنها تستطيع ان تطيل إقامتها ، فقد سافرت بدون سماح جيسيكا ولا يمكن أن تترك عملها أكثر من ذلك ، إذن عليها أن تعود مع الاخرين ، ولكنها قد تستطيع زيارة المنطقة في الصيف المقبل.
اما راشيل فكانت تحاول ان تقنع جان أن يتبادل المهمة مع أخيه.
" قد يستطيع لو كان يوصلها يوميا".
قال جان بحماس:
" لا... لا أريد تعقيد الأمور".
" إنك ستعمل المستحيل لتكون وحدك بصحبة هذه الفتاة الجميلة".
قالت الأم بينما ضحك لوك بسرور ، رد جان بعصبية:
" لماذا تضحك؟".
ردت الأم بإبتسامة ساخرة:
" لأنك غيور يا عزيزي".
قال جان بأضطراب:
" لا....... أبدا".
ثم ضحك الجميع فتابع جان بمرح:
" إنه إمتياز ممتع أن ارافق إبنة خالتي ، واحيط خصرها بيدي ".
ضحكت آنا ولكنها لم ترد على هذه التلميحات المليئة بالحنان والحب ، ولكن كيف سيكون موقفها إذا ما إنجرف بعواطفه وحبه ؟
يوم الحد ، العطلة الرسمية للتصوير ، قرر جان ان يصطحب آنا في الرحلة النهرية التي وعدها بها ، إنطلقا بعد الغداء الى شاطىء النهر ، ثم أخذا مكانهما في المركب الكبير الذي سيقوم بجولة سياحية في المسيسيبي ، فضّلت آنا ان تجلس في مقدمة المركب لترى المناظر الخلابة من أوسع زاوية ممكنة .
ومضى الوقت سلسا وجميلا ، اثار عواطف وشجون ىنا ، وثرثرت مع جان عن الحب والعواطف والزواج ، وتبادلا نظرات الحب ولمسات الحنان.
منتديات ليلاس
كان الضجيج يعم المركب في لحظات الرقص الجماعية ، لكن آنا فضّلت ان تبقى معزولة عن الناس ، وجلست في زاويتها تراقب تلك المناظر الفريدة.
مدت يدها داخل مياه النهر وقالت بمرح:
" اعتقد انه أجمل انهار الدنيا ، حتى إسمه يثير جوا سحريا ".
" وانت اجمل فتاة في العالم وإسمك يثير شجون قلبي".
مرت لحظات غروب الشمس عند نهاية النهر في جو أسطوري ساحر ، ولم يبخل الليل فيما بعد بنجومه وقمره الكبير ، الذي رسم ضياءه الفضي على سطح النهر ، إستندت آنا على درابزين المركب وتاملت السماء التي لم ترها بهذا الجمال من قبل ، إبتدأ المركب يجتاز بعض الجزر الصغيرة المليئة بانواع عديدة من النباتات.
برودة الهواء جعلت العديد من الركاب يتوارون في القسم الداخلي من المركب ويستمتعون بتلك المناظر من خللف النوافذ ، لكن آنا رفضت أن تتبعهم وبقيت مكانها ، فإنفعالها يعطيها الدفء اللازم ، وفي الداخل لن تستمتع بصوت خرير المياه الذي يحدثه مرور المركب ، وبالتالي فهي لن تستمتع بالموسيقى الهادئة ، لأن الركاب يغطونها بثرثرتهم وأحاديثهم ن قالت بسعادة:
" أي إستعراض مدهش هذا ؟ اشكرك جدا يا جان".
" إن سعادتي برفقتك أكثر يا جميلتي ، إنك تشبهين جنية البحر الصغيرة في ضوء القمر ، وتسحرين الرجال المجذوبين اليك".
" إذا كنت تقصد لوريلي فيا لتعاستها ، لقد حبسها سجان قوي سرقها من كل الرجال".
ضحكت آنا وهي تتذكر تلك السطورة الغريبة ثم قالت :
" أرجو ألا اصل الى هذا ابدا".
وضع جان يديه على كتفها ولفها بإتجاهه وقال :
" ارجوك كفي عن المزاح ، انا أتكلم بجدية ، أحبك....... احبك.......من كل قلبي".
ومال نحوها متوقعا ان تتجاوب مع صدقه ، لكنها ابعدته برقة وشرحت له بلطف إنها لا تبادله المشاعر نفسها على الأقل في هذه اللحظات بالذات.
شارفت اللحظة على نهايتها ، لف جان يده حول خصرها واتجها الى مخرج المركب ببطء ، وقف عدة مرات ليتغزّل بها ، عندما تلقوا دفعة خشنة من احد المارة الذي قال بجفاف:
" إنكما تعرقلان الطريق".
لم تصدق آنا اذنيها ، إنه صوت ريان ، كيف أنها لمتلمحه طيلة هذه الساعات ! تابع إبتعاده عنهما بخطوات واسعة ثم عبر الجسر بين المركب واليابسة ، خفق قلبها بشدة ، وإضطربت لأنه عاملها بإهمال وخشونة ، عندما راى جان شرودها ناداها بحنان.
" آنا!".
" ارجوك يا جان إنس كل ما حدث ، اتمنى ان نبقى أصدقاء ".
قالتها ببرود وقد علقت عيناها بإمعان شدبد على ريان الذي كان يتحرك على رصيف المرفأ ، ما لبث ان إلتحقت به فتاة شقراء ، تلبس سروالا وقميصا هنديا زهري اللون ، إنها فيكتوريا بدون أدنى شك ، إنطلق الإثنان من المركب دون أن ينظر ريان مرة اخرى بإتجاه آنا ، أغمضت عينيها للحظات لكي تمحي الصورة ، ثم ألتفتت الى جان الذي ساعدها بحنان على عبور الجسر الخشبي الى اليابسة.

نيو فراولة 14-10-11 06:14 PM

7- رغبة في البكاء والهرب


جلست آنا تتناول إفطارها ، وعيونها مثبّتة على مدخل صالة الطعام ، بإنتظار دخول ريان وفيكتوريا معا ، هذا الموضوع الذي أرق ليلتها الماضية ، بعد أن أفسد جان سهرتها بعواطفه ، فقد بذل جهدا مضنيا لأغوائها ، وحاولت بتوتر واضح أن تبعده عن حبها ، حتى أنها غضبت منه عندما شدّها أمام باب الفندق وحاول أن يعانقها ، ليؤكد لها انها ليست نزوة مراهق وإنما حبا حقيقيا .
أسفت ىنا بعمق أن تتحول محبة جان الى علاقة جدية من طرف واحد ، مما يثير احزانه ، لأنها لا بد ان تسافر الى زطنها ، قد يخفف الإبتعاد عنه إنفعاله ، ثم ان شاغلها الوحيد ه ريان ، والذي لا بد أن يكون في غرفته وبين أحضان فيكتوريا التي ستقابلها حتما بإبتسامة ساخرة تدل على إنتصارها في جذب ريان بسهولة ودون اية مزاحمة أخرى ، لكن خوفها الحقيقي هو مواجهة نظرات ريان الساخرة بعد الان ، وخصوصا بعد حادثة المركب في الليلة الماضية.
خرجت من صالة الطعام الى صالة الفندق ، عابسة الوجه من كونها أحست بالغيرة ، فلماذا هذا الهوس ؟ لماذا أحست بإنفعال غريب عندما لمحت ريان وفيكتوريا معا؟ توقفت عند نافذة الصالة وراقبت المطر المنهمر بشدة في الخارج ، والسماء المحتقنة بالغيوم كمزاجها هذا الصباح ، سخرت من نفسها وألتفتت عندما سمعت صوت بيل هيكلي الذي أعلن ان التصوير سيتأخر بسبب سوء الطقس.
عادت الى غرفتها وهي تفكر بصعوبات العمل في التصوير الخارجي وإرتباطه بمزاج الطقس المتقلّب ، قررت أن تخرج ، لبست واقي المطر وأخذت سيارة أجرة نقلتها الى مركز البلد.
واجهات المخازن مليئة بالأشياء الجميلة ولم تستطع ان تمنع نفسها من شراء سروال من القماش الأبيض الناعم مع قميص وحزام يتلاءمان معه ، حملت المشتريات الجديدة وخرجت تتابع الفرجة على باقي معروضات السوق ، ثم قررت أن تشتري قبعة حمراء وصندلا يساعدها على الوقوف تلك الساعات الطويلة اثناء العمل .
عندما خرجت من آخر مخزن ، كان المطر قد توقف وعادت الحرارة ترتفع بشكل خانق ن خلعت واقي المطر وإنتظرت على الرصيف مرور سيارة اجرة لتعود بها الى الفندق ، وفجأة توقفت امامها سيارة وسمعت الصوت القاسي يحدّثها بخشونة:
" من الذي سمح لك بالذهاب الى السوق؟".
ردّت ىنا على ريان الذي بقي خلف المقود :
" بيل هيكلي ، قال أن التصوير سيتأخر بسبب المطر".
" لكن عملك لا يرتبط فقط بفترة التصوير ، كان علينا أن نحضر مخطط عمل اليوم".
" انا لست سكرتيرتك ".
ردّت آنا بجفاف وعصبية ، وصعدت الى السيارة وهي تواجه نظرات ريان المتوعدة.
وبدلا من أن يتجه الى طريق الفندق إتجه الى الحديقة العامة ثم قال بهدوء:
" لماذا لم تنتظريني هذا الصباح؟".
" إعتقدت انك ما زلت مع فيكتوريا".
زفر ريان بعصبية وبقي صامتا ، وأحست بأنها تدخّلت في حياته الخاصة.
أخيرا وجد بصعوبة مكانا للسيارة في مرآب الحديقة ، سارا بضع خطوات داخل الحقل ثم بدأ يقص عليها أحداث الحلقة التي سيبدأ بتصويرها ، كان يتحدث بطريقة لطيفة ، والصعوبات التي قد تواجههم ، ثم قال:
" هنا يجب أن يدور القتال بالسلاح البيض ، لقد شرحت ذلك بوضوح لجيسيكا وطلبت منها أن توضح ذلك في السيناريو ، لكنها نسيت ، ولا يمكننا التصوير الآن إلا بعد التعديل حسب المعطيات الجديدة".
أقفل عينيه لحظات ثم فتحهما على نا :
" هل فهمت الإختلاف الان؟".
" نعم ...ز وأعتقد أن علينا ان نلقي نظرة جديدة على مشهد وصول شقيق مرغريت الجريح .....".
تحدّثت آنا بثقة فهي تعرف تفاصيل جديدة أخبرها بها جان ، والتي ببساطة يمكن ان تضاف الى السيناريو فتمنحه شيئا من الحيوية والواقعية ، وتوسعت بالشرح عن شخصية مارغريت وكيف ان السيناريو حوّلها من شخصية ثانوية في الواقع الى شخصية بطولية والتأكيد غير الضروري على علاقة الحب التي تربطها باحد جنود العدو.
" استمري ، عظيم".
شجّعها ريان بأسلوب لطيف فتابعت :
" عندما يتعارف الأخ والحبيب ، لماذا لا نراهما يتحدثان سوية عن هموم المعركة ؟ الخطوط الساسية مساعدة لهذا اللقاء , والحوار سيوضح نفسية المقاتلين على الجبهتين".
" اتصور هذا المشهد تماما ، يتم اللقاء في السوق أو ......ز في دكان مارغريت مثلا دون أن يلفت ذلك إنتباه احد".
" أحس بهذا المشهد أكثر إذا صوّر ليلا ، الصمت يسيطر على الساحة ، إضاءة خفيفة جدا ، لقاء كلقاء اللصوص".
" أنت على حق ، لقد بدأت تتحسسين وبسرعة الموافق الحساسة ، سياتي يوم تقاسمينني فيه افكاري ، اريد أن تكتبي هذا المشهد ايضا ، هل تشعرين بأنك قادرة على ذلك؟".
" نعم ....... إنها رغبتي".
قالت آنا بحماس وإستمرت تناقشه في بعض التفصيلات التي تعطي معنى المطلوب نقله الى المشاهد ، وعندما إتفقا على كل شيء إتجها الى السيارة.
قرر ريان أن يتابع النزهة فإتجه الى ضفة النهر ، كانت تحس وهي بالقرب منه أنها منفعلة ولكن حديث العمل خفّف من إضطرابها قليلا ، أخرجت قبعتها الجديدة ووضعتها على راسها ثم جعلتها منحنية قليلا للأمام.

نيو فراولة 14-10-11 06:17 PM

" هذه القبعة تناسبك".
قالها ريان بإبتسامة واسعة وقد إحمرت وجنتا آنا ، توقف في إحدى زوايا الضفة وأخذ كرسيا من السيارة وجلس يتأمل المنظر ، إلتفت اليها بنظرات مليئة بالخبث وقال:
" الم يعجبك هذا المنظر؟".
" لا.....كان البارحة اجمل ، ربما لمتكن لديك الفرصة لتشاهده أمس؟".
وجدت نفسها محرجة من هذا التصريح وكأنها تكشف له عن غيرتها , أضافت بقلق:
" كانت سهرة رائعة ..... الميسيسبي أدهشني بجماله ، وأنت؟".
" بالتاكيد لكن الرحلة صارت رتيبة بسرعة ".
" أنا لم أضجر".
" هذا ما يدهشني".
قال ريان بسخرية جعلت آنا تستفز اعصابها فقالت:
" إذا كنت تقصد جان ، قل ذلك بصراحة ، أنا لا اخفي انني اقدّره جدا ،وليس في ذلك أي خداع".
" أنت حرة بما تفعلين ، ولكن لا تلمحي عن فيكتوريا فهذا الموضوع لا يعنيك بحال من الأحوال".
" لن أتكلم بعد الآن لا في موضوع فيكتوريا ولا في موضوع جيسيكا".
قاطعها ريان بخشونة:
ليس لجيسيكا دخل في هذه القصة".
منتديات ليلاس
إرتعشت آنا من الخوف ، وقررت أن تتجنب تحريض هذا الرجل ، وأن تكبت مشاعرها وغيرتها ، نظرت الى النهر وتأملت المراكب التي تجوبه بإستعراض بديع ، تعكس تحت أشعة الشمس ظلالا مرتجفة في عمق النهر ، قال ريان:
" هذا خيالي ، ليتني أستطيع ان أنقل هذا المشهد الفريد الى الشاشة".
فوجئت آنا بالتغيير الكامل في لهجة دونالسون ، إبتسمت وقالت :
" اعرفك متكبرا ، ولا اتخيّل أن مثل هذا الأمر يصعب عليك .
عاد الصمت مخيما وقتا طويلا ، وفجأة إتجه الى السيارة ، وما أن اقفلت آنا الباب حتى إنطلق كالملسوع بدون اية كلمة ، توترت آنا على كرسيها وهي تشاهد السيارة تخترق الطرقات بجنون ،وقف امام مدخل الفندق وقال:
" سنعود الى أماكن التصوير بعد الغداء ، سأعتمد على بيل هيكلي في إصطحابك الى صالة العرض مساء ، آه ..........كدت انسى ، سنشاهد هذا المساء المواد التي تم تصويرها حتى الان".
" هذا المساء؟".
قالت آنا بإستغراب:
" نعم..... لقد إستاجرنا صالة عرض صغيرة".
" لكن جان سياتي بعد التصوير كما وعدته".
" انا آسف ، يجب ان تشاهدي العرض ، ويمكنك الأتصال به لتغيير الموعد".
قال كلماته الأخيرة بلا مبالاة ثم إنطلق بسيارته دون ان يضيف اية كلمة ، إنه على عجلة من امره ، وبدون شك على موعد مع فيكتوريا في احد مطاعم فيكسبورغ الفخمة وسيكفيه هذا اللقاء ليستعيد مزاجه المرح.
أكلت آنا سندويش مع زجاجة من المياه الغازية ، واحست بأنها فقدت شهيتها ، ثم صعدت الى غرفتها وإتصلت بخالتها فلم تجد أحدا ، وقررت أن ترتدي الملابس التي إشترتها هذا الصباح ، وبعد أن تاملت شكلها الجديد في المرآة ، ضفرت شعرها ورمته على كتفها ووضعت على راسها قبعتها الحمراء.
وعندما وصلت الى مكان التصوير كانت المجموعة تحضّر مشهدا كبيرا ، ولم يكن لديها الكثير من العمل ، فأحست بالملل وخصوصا عند الإعادات الكثيرة التي قد تكون بسبب إرتفاع حرارة الشمس ، أو صعوبة الأماكن التي إختارها ريان ، ومع غروب الشمس توقف العمل وإتجه الجميع الى الفندق.
إتصلت آنا بالجامعة لتخبر جان فلم تجده ، كذلك بالبيت علّها تجده في هذا الوقت في مرسمه ن لكن راشيل ردت عليها بإنفعال عندما عرفت بموعدها المسائي في العمل.
قالت آنا بحزن:
" كنت أتمنى أن امضي وقتي بجانبك ولكنني مرتبطة بهذا العمل..........".
"لا تحزني يا عزيزتي ، سنلتقي فيما بعد ، لكنني اريد أن أتحدث الى السيد دونالسون ، إطلبي منه الحضور الى هنا ذات مرة ، لن اسمح له بأن يعاملك كمستعبدة".
ضحكت آنا عندما تخيّلت هذا المشهد ، ريان يجلس بأدب امام خالتها راشيل وهي تؤنبه بعنف ، تابعت راشيل قائلة:
" ارجو ان لا تنسي موعدك مع جان غدا ، في إحتفال الكلية بنهاية السنة، إنه يعتمد عليك لحضور هذه السهرة".
" لا تقلقي سأذهب معه مهما حصل".
عندما مرت فيما بعد لتضع المفتاح في الإستعلامات وجدت ان لديها رسالة صغيرة من ريان يخبرها بأنه سيمر في الساعة الثامنة ليصحبها معه.
تناولت عشاءها مع مجموعة التصوير ثم إنتظرت في الصالة حضور ريان الذي وصل مع فيكتوريا في الساعة الثامنة وعشر دقائق ، وقال بهدوء:
" آسف لتأخري ، كان بإستطاعتك ان تذهبي مع بيل والآخرين".
" لكنك في الرسالة طلبت ان أنتظرك.
" حسنا ....... هيا بنا".
ثم إلتفت الى فيكتوريا وقال بنعومة:
" شكرا على كل شيء ، كنت رائعة ، سأراك غدا صباحا".
" اشكر كانا ايضا ، وارجوا لا ترهق نفسك كثيرا ، والا تبالغ في سهرتك ، إذا سمحت آنا؟".
قطبت آنا حاجبيها ولم تجب حتى إختفت فيكتوريا ، صعدت الى البويك وألقت التحية على إثنين من الممثلين كانا يحتلان المقعد الخلفي ، ثم إنطلقت السيارة ، واصل ريان حديثه مع الممثلين عن أدوارهم ، ولم تشارك آنا بالحوار وأخذت تراقب المطر الشديد في الخارج ، وعندما توقفت السيارة بالقرب من الرصيف ، وضعت سترتها على كتفها وفتحت الباب في الوقت الذي خرج به الجميع من السيارة ، سمعت ريان يقول:
" أنتبهي هناك مجرى مائي".
كانت آنا قد وضعت قدمها على الرض وفقدت صندلها ، فحاول مرافقوها إلتقاطه بينما بقيت هي في كرسيها.
تقدم منها ريان يحمل الصندل في يده وقال مبتسما:
" هكذا سأكون المير الجذاب رغم ان سندريللا لا تعترف بذلك ، دعيني أضع الصندل في قدمك".
ركع أمامها وأمسك قدمها بنعومة ثم داعبها ببطء وهو يلبسها الصندل ، نظر في عينيها فأحست بعينيه السوداوين تسحرانها بجاذبية مغناطيسية ، إستمر حوار العيون للحظات ثم سمعت ريان يهمس:
" إنه يليق بقدمك تماما يا سندريللا".
منتديات ليلاس
إرتجفت آنا ثم نهضت ومشت بخطوات سريعة الى داخل الصالة ، جلست في مقعدها أمام ريان ولم تتجاسر ان تلتفت برأسها من الإنفعال ، فنظرة واحدة من هذا الرجل كانت تكفي لتخترق كل حواسها ، وتفقدها اسلحتها التي تصد بها خداعه ، كانت تحاول أن تقنع نفسها بانها تمر بمغامرة عابرة ، وانه ليس الحب الذي يسيطر على إحساساتها ، لكنها لن تنكر انها متأثرة بجاذبيته ، فكلمة واحدة أوحتى إشارة صغيرة منه تكفي ليتركها مضطربة ، وقلبها منفعل.
فجأة أحست أن ريان يراقبها ، إضطربت وأدارت راسها ببطء لترى إبتسامته الحالمة.
إبتسمت بمكر ثم إلتفتت الى الشاشة تتابع المشهد.
كان جان ينتظرها في الفندق من بداية السهرة ، وقد قطب حاجبيه ، والقلق باد في عينيه ، قالت آنا معتذرة:
" لا تعتقد أنني نسيت موعدي معك ، لقد إتصلت بالجامعة ثم بخالتي".
" لم يعلمني أحد بذلك، كنت في معرض للرسم لأحد اصدقائي ، هل كنت تعملين حتى الآن؟".
سالها جان وهو يمثل دور طفل منزعج:
" نعم غنه العمل ، لكن لا تقلق لن انسى موعد سهرة الغد ".
قال جان بمرح:
" ستكون سهرة رائعة معك".
لم تقاسمه آنا حماسة ولكنها لا تريد أن تعتذر فقالت:
" انا سعيدة ان أذهب معك للرقص ".
" هل رتبت ذلك مع مواعيد عملك؟".
إقترب ريان وتفحّص وجه ىنا التي حاولت ان تخفي إضطرابها , قال بهدوء:
" ماذا عن مواعيد العمل؟".
أجاب جان بحماس:
" لقد دعوت آنا لحفلة نهاية السنة في الكلية ، ارجوا لا تكون مرتبطة بعمل إضافي مساء الغد".
خيّم الصمت للحظات طويلة ثم اجاب وهو ينظر الى رد فعل آنا:
" بإستطاعتك إصطحابها من الآن ، وسأوافق على منحها عطلة غدا على أن تكون هنا بعد غد صباحا".
وقبل ان يبتعد اضاف :
" أرجو ان يكون لديك لكتابة المشاهد التي تحدثنا عنها ".
عانق جان آنا بفرح وصرخ:
رائع ، سنمضي وقتا رائعا يوم غد".
لكن آنا إضطربت بعصبية وابعدت جان الذي لفت إنتباه الزبائن بصوته العالي.
قالت ببرود:
" سأصعد الى غرفتي لأحضر بعض الاشياء اللازمة للعمل ، انتظرني هنا ، أحست بثقل خطواتها ، لقد عاملها ريان بخشونة وكانها إحدى أحجار الشطرنج ، لم تكن راغبة في هذه العطلة غير المتوقعة ، والتي ستبعدها عن ريان كل هذا الوقت ، وعندما دخلت غرفتها أحست برغبة في البكاء والهرب.

نيو فراولة 14-10-11 08:55 PM

8- متى تفهمين؟


إنطلقت عائلة كالدويل في الصباح بصحبة آنا لزيارة مدينة ناتشيز التي بنيت على آثار الأحتلال الأسباني ، تناولوا الغداء في مطعم فاخر وسط ذلك المنظر الأسطوري ن وكان جان يرغب في أن ينهي فترة الغداء بسرعة حتى لا يصل متاخرا عن سهرة الجامعة ، قال بمرح اثناء عودتهم الى بورت جيبسون:
" اريد دخول صالة الأحتفال وانا أمسك بيدك كالأمير والأميرة".
وفي السهرة لاقت آنا إعجابا منقطع النظير ، فمن اللحظة التي قدّمها جان الى اصدقائه ، تسابقوا لمراقصتها ولكنها أصرت أن تنهي السهرة برقصة فالس مع جان ، قالت بمرح:
" إنها سهرة رائعة ، لا اعتقد انني رقصت بهذه الطريقة منذ وقت طويل".
" لكن سيجن الاخرون غيرة وهم يرونك ترافقينني الى البيت".
ضحكت آنا بسعادة ، وهي تختم رقصتها برفقة جان مع نهاية الموسيقى ، ولفها بذراعه وهما يودعان الأصدقاء ، لم تنفعل آنا ابدا ، إنه لا يثير مشاعرها كريان.
في صباح اليوم التالي تفحصت راشيل إبنة أختها وقالت بجدية:
"إقتربي مني يا عزيزتي ، اراك شاحبة ، صارحيني بماذا تشعرين؟".
تكوّرت آنا بين ذراعي خالتها وحاولت ان تحبس دموعها.
" لا شيء...... بالتأكيد ليس هناك أي شيء ، إنني أفضل البقاء بجانبك ، ولا أريد العودة الى فيكسبورغ".
" إنه عمل متعب ، وأعتقد انك لا تنامين بشكل جيد ، لقد بقيت غرفتك مضاءة حتى ساعة متأخرة من الليل ، هل كنت تكتبين المشاهد المطلوبة منك؟".
" نعم ، ولكن لا اعرف لماذا أشعر بهذا الحزن".
داعبت راشيل شعر ىنا بنعومة.
" قد يكون بسبب السيد دونالسون ، قال لي جان أنه رجل صعب ، وانك لم تتعودي عليه اليس كذلك ؟ لا تقلقي يا عزيزتي فعمك جاك كان مثله في بداية معرفتنا".
إبتعدت آنا عن خالتها وقالت بقلق:
" ولكن علاقتي به مختلفة عن علاقتك بعمي ، أنا اكره ريان يا خالتي".
" وأنا كذلك في البداية كنت أكره عمك".
ثم إبتسمت بمكر بينما عضّت آنا على شفتها فهي متأكدة انها تكذب ، وأحست ان خالتها تكشف ذلك:
" انك تخدعينني يا عزيزتي..ز لماذا لا تجيبين على اسئلتي بصراحة ؟ بماذا تفسرين إبتعادك عن جان الذي يكن لك كل هذا الحب؟".
" إنني حزينة يا خالتي ، ولا أريده أن يحزن ، لأنه........".
" ما يزال مراهقا ، لذلك يرتبط بسرعة بمن يحب ، لكنه سيتعود على هذه الحالة إطمئني".
نهضت راشيل بصعوبة وقالت لآنا التي إطمانت لكلام خالتها:
" أعطيني يدك ، وتعالي لنقوم بنزهة في الحديقة قبل ذهابك للعمل".
" كم أنت رائعة يا خالتي ، إنني حزينة لأننا نسكن بعيدا عن بعضنا".
عندما عادت الى غرفتها في الفندق ، إستأجرت آلة كاتبة لتطبع المشاهد التي كتبتها واحست بمتعة بكتابة لقاء الصديقين ، وعند الغداء نزلت الى الصالة وهي تحاول أن تمنع نفسها من الإضطراب في مواجهة ريان ، بحثت عن فيكتوريا فلم تجدها ، وتناولت طعامها مع بعض الممثلين ، وحدّثوها عن وصول المنتج ليلة امس ، وعن سروره بتقدم العمل وبالنتائج التي حقّقها ريان خلال هذه الفترة ، وبعد الغداء خرجت الى الصالة فالتقت بيل الذي إقترح عليها بلطف:
" سأذهب الى الحديقة العامة لتحضير مشهد الغد ، هل ترغبين بالذهاب معي؟".
" بكل سرور".
كان ريان في إجتماع مطوّل مع المنتج لذلك كان على بيل أن يساعده في إعداد المشهد ، ففي الحديقة شرح لها صعوبات التصوير والدوار المختلفة لمجموعته الخاصة ، جلسا على الأرض ورسم لها خطة العمل ، احست آنا بسعادة وفرح بمرافقته ، فقد تعلمت الكثير من الأمور الفنية التي كانت تجهلها ، وعدا ذلك فقد كان بيل مرحا وطيب القلب ، قال فجأة :
" علينا تنسيق الكثير من الأمور في غياب فيكتوريا ".
دهشت آنا وسالته عن هذا الغياب , قال :
" اتجهلين أنها رحلت الى بريطانيا ؟ إليك القصة إذن ، صباح مس كنت اتناول الفطور مع ريان عندما وصلته رسالة من فيكتوريا تشرح فيها حبها وغيرتها..... إلخ.....ز غضب ريان وطلب منها على الهاتف أن تجهّز نفسها للعودة ، ثم حجز لها على أول طائرة ورافقها بنفسه الى مطار جاكسون.........".
إستمر بيل يروي تفاصيل القصة في الوقت الذي لم تعد فيه ىنا تسمع شيئا ، وتضاربت الأفكار في راسها ن واحست انها ظلمت ريان بعلاقة غير حقيقية مع فيكتوريا ، وأن إختفاء ريان المتكرر لم يكن إلا بسبب العمل أحست من جديد انها تحب هذا الرجل ، ولكنها كانت يائسة من هذا الحب.
وفي غرفتها فارقها النوم وإستمرت طوال الليل تناقش تصرفات دونالسون معها ، هل يحبها؟ او انه يجذبها لعلاقة خاصة بلا أمل ؟ او أن مصيرها سيكون كفيكتوريا ؟ لكنها قررت ان تحتفظ بحبه سرا في قلبها.
عند الفجر إستيقظت مع حرارة الجو، وقررت أن تذهب الى مسبح الفندق ، حيث وجدت نفسها وحيدة ، إستمتعت ببرودة المياه وأحسّت بالنشاط ، ثم خرجت من المياه وتمددت تحت أشعة الشمس الذهبية ، اغلقت جفونها بشبه إغفاءة ، وفجاة سمعت سقوط جسم في الماء ، وبعد لحظات جذبتها يد قوية الى داخل البركة ، صرخت بخوف:
" دعني".
فتحت عينيها لتجد ريان.
" لقد اخفتني".
" أعذريني ,ظننت أنك لمحتني عند دخولي ،ولم أكن اعرف أنك نائمة".

نيو فراولة 14-10-11 08:57 PM

إرتعشت آنا عندما إقترب منها ، إن نظراته تخترقها ، حاول ان يداعبها فإبتعدت عنه بسرعة لكنه غطس تحت الماء ومرّر يده بنعومة على يدها ثم دغدغها قبل ان يخرج رأسه ، قالت وهي تضحك :
" يبدو أن مزاجك مرح اليوم".
"وهل كنت في وقت من الأوقات عكس ذلك؟".
" الحقيقة انك مختلف عندما تكون بعيدا عن جو العمل ".

أوه .......آنا".
هذه السخرية جعلته يقطب حاجبيه ويغطس ثانية في المياه وبسرعة إقترب منها ، وعندما حاولت ان تصعد درجات السلم كان قد امسكها وشدها الى الماء ن لفت يديها حول صدرها وقالت بعصبية:
" دعني أرجوك ، ما هذا السخف؟".
إبتسم ريان بسرور خفي ومدّ يديه وقال:
" لم اقصد ذلك".
غطست آنا تحت الماء مبتعدة ، وقد إحمر وجهها خجلا ، وعندما اخرجت راسها رأته يصعد درجات السلم يم بدأ يجفف جسمه وقد برزت عضلاته ، سالها بصوت مخملي:
" هل ستبقين طوال يومك في الماء؟".
" أنتظرك حتى تخرج من هذا المكان".
جفف شعره ثم رسم إبتسامة ساحرة ووضع المنشفة على كتفيه ثم إلتقط منشفة آنا وإقترب من حافة المسبح ومد لها يده ليساعدها على الخروج:
" هيا.....ستصابين بالبرد".
شدّها بقوة الى خارج الماء ورمى على كتفها المنشفة ، فلفت بها نفسها بسرعة وإبتعدت عنه قائلة:
" شكرا".
لبست روب الحمام وإتجهت نحو الباب فقال:
" إنتظري".
توقفت وهي تحاول ألا تلتقي عيناها بنظراته ، رغم إحساسها بأنها كانت أسيرته وواقعة في دائرة سحره ، قالت بنعومة:
" يجب ان أذهب".
مرّر اصابعه على شعرها الرطب ثم قال:
" لدي فكرة ، ما رأيك ان نقضي هذا الصباح معا ؟ من حقنا ان نطلب إستراحة بعد هذا العمل المضني ، أليس كذلك؟".
" تسألني رأيي؟".
" نعم ,ولم لا؟".
وقبل أن يسمع جوابها قال:
" لدي شرط واحد ، ان تلبسي فستانك الأخضر الجميل".
لمعت عيناها فرحا ، ودخلت غرفتها وهي ترقص وتغني ، إنها ستقضي وقتا برفقة ريان ، يا لها من سعادة ، أخذت حماما سريعا وإرتدت فستان جيسيكا ، وحزنت عندما فكرت بعلاقتها مع ريان ولكنها أمام المرآة عقدت شعرها ضفيرة جميلة ورسمت على عينيها خطين صغيرين بقلم الكحلة الأسود ثم وضعت قبعتها البيضاء التي اضفت على شعرها ظلالا نحاسية رائعة ، دارت حول نفسها عدة مرات ثم فتحت الباب ومشت بهدوء بإتجاه السيارة ، بعد لحظات وصل ريان ، كان يلبس سروالا ازرق بحريا وقميصا أبيض ويضع نظارة شمسية ، ويرسم على شفتيه إبتسامة غامضة ، قال بحرارة:
" انك رائعة يا آنا".
جلسا في السيارة ، اخذ قبعتها ووضعها على المقعد الخلفي وقال:
" كل شيء في وقته جميل ، احب ان ارى وجهك بدون إنعكاس آخر ، انت مختلفة تماما عن الأخريات".
إحمرت وجنتاها وحاولت أن تخفي تلعثمها:
" أتذكر دوما........ حادثة باب السيارة ".
قال بحماس:
" ولكنني أحتفظ لك بذكرى رائعة ، أنت المرأة الوحيدة التي تستطيع أن تقلقني ، لكنك حتى الآن لم تفهمي قصدي".
بقيت آنا صامتة ، وجاهدت ألا يقترب منها وهي تقول في نفسها ( ريان خذني اليك ) ولكن كيف سيتم ذلك ؟ ومتى سيفهم مشاعرها ؟ عليها أن تتمالك نفسها امام جاذبية هذا الرجل الطاغية الذي يجعلها ترتجف لمجرد تفكيرها به ، راقبت الطريق لعلها تنسى إضطرابها الداخلي.
توقف ريان أمام أحد المطاعم ، حيث تناولا إفطارهما وعيونهما تلتقي بتآمر واضح ، فقد كانت سعيدة ان يطلب لها الطعام حسب مزاجه ، وبعد أن انطلق بالسيارة قالت آنا بقلق:
" هذا طريق جيبسون ، الى اين نحن ذاهبون؟".
" إصبري قليلا يا آنسة بالانتين ، نحن في طريقنا الى قصر ويندسور".
" ارجوك لا تقلقني ، هذا القصر في بريطانيا".
" نعم ، ولكن قصر ويندسور موجود في هذه المنطقة ايضا ، اعتقد انه سيعجبك".
" من يسكن هذا القصر؟".
" لا احد ، أترين انك فضولية جدا ، سنصل بعد دقائق".
بعد مرور السيارة امام بوابة جيبسون إنحرف ريان في طريق ضيق لا يتعدى عرض السيارة ، حتى ان غصون الشجار والنباتات كانت تحتك بالسيارة من الخارج ، بدت المناظر خلابة ، وتنوعت الألوان بإختلاف اشكال شجر المنغوليا الضخمة ، التي تشكل غطاء يحمي السيارة من اشعة الشمس ، قال ريان بمرح وهو يجتاز الممرات الضيقة بمهارة:
" ليتهم لم يبدلوا إسم هذه المنطقة ، كانت تدعى دولة المغنوليا ".
بعد قليل دخلت السيارة غابة واسعة وإبتدأت أشعة الشمس ترسم خطوطا فضية رائعة من خلال كثافة اوراق الشجر ، وفجأة توقف ريان امام القصر.
كان القصر في حالة خراب وخاصة سقفه ، يحيطه إثنان وعشرون عامودا من الطراز الكورنثي الجميل ، إنه الطراز المعماري نفسه لقصر وندسور في بريطانيا ، ولكن من الغريب أنه بني على بعد عدة كيلومترات من الأماكن المسكونة ، صرخت آنا:
" كم هوجميل ".
سارا بضع خطوات بإتجاه المدخل ، وقالت آنا :
" شعرت بالحزن من هذا الخراب".
" أصبت بالشعور نفسه لدى زيارتي السابقة".
" لماذا هو مهجور بهذه الطريقة ؟".
" لقد شبّ فيه حريق في نهاية القرن الماضي ، وبقي على هذا الحال".
عندما خرجا وضعت آنا قبعتها على راسها وسارت بالقرب من ريان الذي أتجه نحو الأشجار العالية على ضفة النهر ، راقبته آنا وهي تخفي إضطرابها ، وحدهما في هذا المكان المقفر ، نظرت الى فارس أحلامها ، لا يبادلها الأحساس نفسه رغم أنها عشقته منذ اللحظة التي رأته فيها ، ويا للأسف لا تستطيع أن تبوح بحبها وعواطفها لحد ، تركته يهتم بالأحجار واسندت كوعها على درابزين النهر وأخذت تراقب رقصات الشمس على سطح المياه ، ولمعت تحت الماء بعض السماك التي تتحرك بإنسيابية رائعة.
منتديات ليلاس
أحست فجأة بيدي ريان على شعرها ، فك ضفيرتها وترك كتلة شعرها تسقط على كتفيها.
" آه...... هكذا اصبحت تشبهين الأميرة القاسية".
قال والإبتسامة تملأ شفتيه ثم همس بحنان:
" متى ستفهمين ؟ والى متى ستبقين غاضبة؟ هل سرقك جان بشكل نهائي؟".
لم تستطع أن ترد على هذا الأتهام المباشر ، التفتت اليه فامسكها بيدين قويتين , رفعت راسها نحوه ، فقال بتوتر:
" ما الذي سيحدث ؟ أنت معي الآن ويجب أن تنسي هذا الشاب".
عانقها فجأة , قاومت آنا بقوة لكنها لم تنجح في ان تتخلص من قبضته الحديدية ورات في عينيه بريق الإنتصار ، هدأت مقاومتها شيئا فشيئا وإرتعشت ، وعندما تجرأت آنا وشدّته الى صدرها , لكن زقزقة العصافير التي مرّت تتسابق فوق مياه النهر أعادتها الى واقعها ، ففتحت عينيها ، لقد صحت من هذا الحلم الجميل ، ولم تعد تستطيع أن تقاوم ، إرتعشت بقوة ، ثم دفعته بعيدا عنها ، وصرخت باكية:
" ارجوك.... توقف".
مسحت عينيها وهي تبتعد عنه فقال هامسا:
" في النهاية فهمت ما أريد معرفته".
صدمت من غموض كلامه ، وتساءلت عما يريد معرفته ، هل يريد أن يوقعها في حبه ليرضي غروره ؟ إضطربت خطواتها وفجأة سقطت على الأرض بعد أن زلت قدمها على إحدى الصخور ، نهضت بصعوبة ، ثم جلست على حجر أحد الأعمدة ، بكت بصمت وهي تغطي وجهها بيدها ، ولكن الحشرات لم تسمح لأشجانها ان تستمر ، فقد لسعتها عدة مرات في ساقها ، صرخت من الألم فأسرع ريان اليها ، وساعدها لتبتعد عن هذا المكان الذي كان عشا للنمل.
" سنبتعد حالا من هنا ، هيا سآخذك الى نبعة الماء".
وعندما أحس أنها غير قادرة على السير حملها الى النبعة، خلع عن قدميها الصندل وبدأ يمسح أماكن اللسع بالماء ، ظهرت علامات حمراء متعددة وأحس أنها تعض على شفتيها من الألم , أخذ اوراقا من الشجر القريب بلّلها بالماء وعاد يمسح بها ساقها بنعومة ، نظرت اليه بصمت ، مدهوشة من هذه الطريقة البدائية.
" هل تشعرين بتحسن؟".
إبتسمت آنا وغسلت ساقيها بالماء ثم نهضت ، قال بحنان:
" سأحملك الى السيارة".
" أستطيع أن امشي".
حملها ومشى بها بخطوات متزنة ، أحست برائحة عطره وإرتعشت ،وضعها على الأرض ، وبقيت يدها معلقة على رقبته ، عانقها بحنان فرمت بنفسها على صدره ، وأحست بمتعة رائعة حلمت بها منذ وقت طويل ، همس في اذنها:
" آنا .....سأدعوك في اليومين المتبقيين الى اماكن جميلة اخرى ".
خاب ظنها ، وفهمت أن هذه المتعة لن تدوم الى البد ، وستتوقف هذه المغامرة بعد اليومين المتبقيين من العمل ، لقد نجح ريان في إغوائها بمغامرة بلا مستقبل، حزنت لهذه النهاية وقررت أن تعيش هذا الحلم حتى نهايته.
وعندما وصلا الى مرآب الفندق قالت بخجل:
" أشكرك...... لقد إكتشفت مكانا رائعا.
"كنت سعيدا برفقتك".
خفق قلب آنا وقالت:
" ريان.....".
"نعم؟".
كانت تريد ان تقول له أنها تحبه ، وأنها امضت معه ساعات كالحلم ، لكنها خافت ، وبإنفعال فتحت باب السيارة وخرجت تمشي بخطوات ثقيلة بإتجاه الفندق.
وصل ريان الى باب الفندق وأمسك يدها ، وأمام الباب الزجاجي للصالة لمحا عددا من عناصر التصوير يتجمعون بإنتظار الغداء ، ترك يدها بسرعة، وفتح الباب ودخلا بهدوء ، وذهلت آنا عندما فوجئت بجيسيكا على بعد خطوات منها.

نيو فراولة 14-10-11 08:59 PM

9- صدمة غير متوقعة

أحست آنا بشوق للسيناريست ، وبأن عواطفها لم تتغير اتجاهها ، فأسرعت اليها مبتسمة:
" جيسيكا ، إنها مفاجأة رائعة".
رمتها جيسيكا بنظرة متعالية ، ثم إرتمت على ريان ، وصرخت بصوت متقطع وكأنها تنتحب:
" آه......ريان ، لقد انتظرت هذه اللحظة بفارغ الصبر".
حركاتها الإستعراضية لفتت نظر زبائن الفندق ، وحاولت آنا ان تخفي ألمها أمام هذا الموقف الغريب ، قطّب ريان حاجبيه وقال بحيرة:
" لكن...شهر العسل .....إيطياليا.....اين اليستير؟".
" لا اريد ان نتكلم عنه يا عزيزي ، لماذا تركتني ارتكب هذه الحماقة؟".
غسلت الدموع وجهها وحاول ريان أن يجرها بعيدا عن اعين الناس التي تراقب المشهد بفضول ، لكنها بقيت ثابتة في مكانها مثل طفل حرد.
" أنت لم تسمعي نصيحة أحد ".
" عندما افكر انك وعدتني أن تصحبني الى فيكسبورغ......".
نظرت الى آنا بعد أن توقفت عن إتمام جملتها ، وحاولت آنا أن تنفي التهمة التي حملتها عيون ربة العمل ، قالت بقلق:
" سأشرح لك يا جيسيكا".
قاطعتها بلهجة قاسية:
" إتصلت بك هذا الصباح لأنني كنت بحاجة الى .......".
قاطعها ريان ليلطّف من غضبها:
" كفي عن البكاء الآن".
إلتفتت اليه بعينين جاحظتين وقالت:
" ما ان ادير لك ظهري حتى تهرب مع حية صغيرة كهذه ، إنها ليست إلا مساعدة مبتدئة ، بالإضافة الى أنها ترتدي ملابسي بدون إذني".
هذه الحدة في لهجة جيسيكا جعلت آنا تضطرب بشدة ونظرت الى ريان لعله يتولّى الدفاع عنها ، قال بلطف:
" هيا يا جيسيكا إهدئي قليلا ، وسنحاول إصلاح هذه الامور فيما بعد".
تلقّت آنا صدمة عنيفة ، إنه يسخر منها بقسوة ، خدعها وها هو الان يكشف مشاعره أتجاه جيسيكا امام الجميع دون أن يعير إهتماما لوجود آنا ، تمنت لو تنشق الرض وتبتلعها ، قالت بصوت مكسور:
" اقدم إعتذاري".
ثم إتجهت الى غرفتها وعند الباب إلتقت جان الذي كان ينتظرها.
" أخيرا وصلت".
كتم جان إبتسامته عندما لاحظ الحزن المسيطر عل ىنا ، واحست أنها تريد ان تنفجر ببكاء طويل ، قالت وهي تبتعد عنه:
" سأبدل ثيابي وىتي حالا".
قال جان مازحا بلطف:
" مشاكل جديدة مع المخرج ، ليس هناك سبب آخر يجعلك في هذه الحالة ، إذا ما وقع بين يدي......".
" جان.......ارجوك".
قالت آنا بحزن وقد إغرورقت عيناها بالدموع.
"حسنا يا عزيزتي لن نتكلم في هذا الموضوع ...... لكن ارجو أن تقبلي دعوتي للعشاء".
" بكل سرور ، لكن إنتظري لبدل ثيابي".
" سانتظرك الى الأبد".
قال الشاب بمرح وهويراقب إبنة خالته تختفي في الممر.
أقفلت خلفها الباب ، وإرتمت على السرير وإنفجرت باكية ، الغيط ياكل صدرها ، لقد عاد ريان الى جيسيكا ، وعادت هي وحيدة ، كيف تحاسبه على تصرفاته الأنانية ؟ كيف ستتغلب على حزنها؟ نهضت ببطء وقررت ان تنسى هذا الحادث ، فهي ملتزمة بعمل مع ريان ولن تتخلف عن آداء واجبها ، بدلت ملابسها وغسلت وجهها وإنطلقت للقاء جان في المرآب ، وجلست في السيارة تحاول أن ترسم إبتسامة على شفتيها.
قال جان بمرح:
" خرج مديرك منذ قليل بصحبة سمراء جميلة ".
" السيد دونالسون ليس مديري ، وتلك السمراء هي ربة العمل".
" لم اعد افهم شيئا".
" هذه السمراء هي جيسيكا فرانكلين ، لقد وصلت اليوم بدون زوجها ، وبدون شك غدا سأكون مفصولة عن العمل".
ثم إبتسمت بحزن واضافت:
" لن أحزن ، فليس في هذا أية مأساة".
" عظيم ، قرار مليء بالشجاعة".
صرخ جان بمرح وهو يجهل حقيقة مواقف آنا ومشاعرها.
بعد تناول العشاء في مطعم نهري ، دعاها لمشاهدة فيلم سينمائي في صالة بالهواء الطلق ، وأخذ مكانه بين السيارات في المرآب الضخم الذي تتصدره شاشة واسعة.
ومع كلمة النهاية تحركت الكثير من السيارات ليحل محلها عدد جديد ، بقيت ىنا بجانب جان في السيارة تراقب هذه السينما الغريبة ، قالت بحزن:
" عبث ، هذه الحياة كلها عبث".
ثم نظرت الى جان وقالت:
" لا أعتقد انني ساستطيع العيش هنا".
" هل تراهنين؟".
"في كل الأحوال لم أتعرف بعد على الحياة في هذه المدينة ، ونحن لم نتعرف على بعضنا بما فيه الكفاية".
بعد لحظات من الصمت قال جان:
" عاشت والدتي في هذا المكان ولا يمكن ان ترحل عنه مهما كلّف الثمن ، لم لا تحاولين ذلك؟".
"ليس من السهل أن أبقى هنا".
" على العكس ، بعد فصلك الان من العمل ، سيكون القرار أسهل وستجدين هنا عملا ببساطة".
" هذا يعني ان ابتعد عن والديّ؟".
" إذا تزوجت من اميركي كوالدتي فلن تكون هناك اية مشكلة ".
أمسك يدها بنعومة ثم تابع:
" لم لا يا آنا ؟ اريدك فعلا زوجة لي، انا احبك كثيرا..........".
صرخت آنا بعصبية :
" أوه........جان".
إرتجفت لهذه الفكرة ومن رد فعلها إتجاه جان ، فهيمن الحزن عليها من جديد ، كان عليها ان تعترف له بان قلبها مشغول برجل آخر ، ولن تستطيع ان تقبل إقتراحه ، وهي لا تريد أن تتسبب في إيلامه ، وسمعته يقول:
" من اللحظة التي رأيتك فيها أحسست بأنني أريدك زوجة لي".

نيو فراولة 14-10-11 09:01 PM

إضطربت لأصراره ن تقدم منها ببطء وعانقها بحنان ، لكن للأسف لم يحرك فيها أي ساكن ، ولا يمكنه ان يخرجها من همومها ، توسل اليها قائلا:
" عديني أن تفكري بهذا الموضوع؟".
" سافكر.....صدقني".
وعندما وصلت الى غرفتها في الفندق أحست انها مرهقة نتيجة لأحداث هذا اليوم ، نامت في سريرها وغرقت في أحلامها حتى الصباح.
صباح اليوم التالي إتجهت آنا بخجل الى طاولة بعيدة واحست ان جميع العيون تراقبها، وفجأة لمحت ريان يتجه اليها ثموقف أمامها والقلق باد على وجهه ، نظرت اليه بحقد وقالت:
" سأتزوج جان إبن خالتي ".
كان صوتها مضطربا ، وكانت تريد ان تحمّله أسباب تعاستها وحزنها ، لكن ضربات قلبها كانت عنيفة، رسمت إبتسامة غامضة عندما لمحت الإنزعاج على وجه ريان الذي قال ببرود:
" أريد ان اقول كلمة واحدة...ز لم يبق إلا مشهد واحد وأرجو ألا تتغيبي عن تصويره".
" حاضر يا سيد دونالسون ، لن اتاخر ، اتمنى فقط الا أجد جيسيكا امامي لانك لم تحاول الدفاع عني بكلمة واحدة ".
قال ريان بعصبية:
" آنا...........".
بدون أن تلتفت اليه خرجت بخطوات سريعة، وعندما لمحت بيل يتجه الى سيارته إنطلقت معه الى مكان التصوير .
كان الجميع في مكان التصوير ، يتحركون بسرعة لإعداد المشهد ، وعندما وصل ريان وبدأ العمل لاحظ الجميع مزاجه السيء ، وكرّر تصوير اللقطات بدون أسباب واضحة ، وعند الظهر إتصل أحد المساعدين بالفندق لتأخير موعد الغداء ساعة على الأقل بسبب تأخر العمل.
بعد الغداء خرجت آنا من المطعم باتجاه الصالة وتوقفت بخوف عندما لمحت جيسيكا متجهة نحوها ، أما ريان فقد كان في غرفته يجري إتصالاته الهاتفية قبل الرحيل ، قالت جيسيكا بغيظ:
" وقحة....من سمح لك بإستعمال مخطوطاتي ؟ لقد تجاوزت حدودك".
خجلت آنا من هذه المواجهة الجديدة امام الناس فقالت بإضطراب:
" لقد تركت لك رسالة في المكتب شرحت فيها أسباب سفري".
" آه .....طبعا ، لكنني لم اصدق أية كلمة منها ، إنها صدمة كبيرة بالنسبة الي ، لقد خنت عملك ، وتخليت عن مسؤولياتك ، بالإضافة الى انك سارقة حقيرة.........".
" جيسيكا....... لقد قدمت إعتذاري".
إنها المرة الأولى التي تبدو فيها جيسيكا على هذه الصورة وقد وصلت الى هذا الحد من السوقية ، صرخت باعلى صوتها بعد ان تجمع الناس:
" خائفة أليس كذلك؟".
" لا ابدا وأنت تعرفين حقيقة الأمور".
حاولت آنا أن تبتعد بعد أن لاحظت أنه ليس هناك من ينقذها من هذه النمرة.
" البارحة كنت ترتدين فستاني ، لا تنكري ذلك ، لبسته من اجل ريان أليس كذلك ؟ كما سرقت صورته".
" لا ، الصورة موجودة في المكتب فوق رف المكتبة ، وضعتها هناك بإعتبار أنك ستعودين برفقة زوجك ، أنا آسفة لإستعارة.....".
قاطعتها جيسيكا بوقاحة:
" كنت تحلمين بخطف ريان فإرتديت ملابسي ، لقد اضعت وقتك ، إنه يحبني انا ، ولن يتخلى عني من اجلك".
" فهمت الآن لماذا تصبين غضبك عليّ بهذه الطريقة ، كنت اقوم بعملي فقط ، ثم إذا كنت تحبينه فلماذا لم تتزوجيه؟".
"وأية أهمية لذلك ؟ لكن من أجل فضولك فقط اعلمك بأن ريان لا يريد أن يتزوج ولذلك تزوجت أليستير".
" هكذا تفكرين إذن؟".
إرتفع صوت آنا على الرغم منها فقالت جيسيكا بعصبية:
" على كل حال لقد حكى لي ريان كل شيء ، الطريقة السخيفة التي أتبعتها ليصحبك في نزهة".
" إنك تكذبين".
" وعن العمل ، لقد تصرفت بدون إذني وقمت بتعديل بعض التفاصيل وكتبت أيضا بعض المشاهد ، اقول لك انك فشلت ، وضحكت مع ريان عندما قرأنا تلك الورقات التافهة ، سيمزقها حتما ، وإعتبري نفسك مفصولة منذ هذه اللحظة ، وسأشطب إسمك من سجلاتي ، حتى الأستديو لن تدخليه بعد الآن ".
خرجت ىنا مسرعة وقد سيطر الياس على قلبها ، لن تبقى دقيقة واحدة في هذا المكان ، إنها تحس بالخزي والعار ، وستتجاهل هذه الحمقاء وإتهاماتها السخيفة ، دخلت غرفتها وضربت الباب خلفها بعنف ، اعدت حقائبها ورتبت الأوراق والوثائق لتعيدها الى السيد دونالسون ، وتساءلت بحرقة لماذا تعاقدت معه ؟ هل من اجل هذه المرأة ؟ وكيف لم يستطع ريان ان يشرح لها الموقف ؟ لماذا لم يمنع هذه المواجهة ؟ لا شك انه سخر منها ، لقد لعب لعبته الحقيرة ، بكت بحرقة ، إنها لم تشعر بالتعاسة لهذا الحد ابدا في حياتها ، لماذا أحبت هذا الرجل بالذات ؟ ما هذه الجاذبية المتعجرفة لرجل بلا إحساس؟
غسلت وجهها من الدموع وحملت الوثائق وخرجت ، وقفت أمام غرفة ريان وترددت قبل ان تطرق الباب ، لقد أصرّت على معرفة حقيقة كلامه مع جيسيكا ، لن تحدثه عن الحب ولكن هل هي فاشلة في العمل ؟ وهل كانت رخيصة بإنجذابها اليه؟
طرقت الباب عدة مرات ، نادته بإسمه ، ولكنه لم يجب ، فتحت الباب ودخلت ، ولم تجد احدا ، إتجهت الى الطاولة لتترك له الوثائق فرأت بين كتبه وأوراقه مفاتيح السيارة، أخذتها وخرجت ، قالت في نفسها : ( قد يكون في الصالة أو في المرأب ). ستطلب منه ان يوصلها الى جيبسون ، فليس لها غلا صدر خالتها الحنون ، تشكو لها همومها ، نزلت الى الصالة ثم الى المرآب ولم تجده ،بينما البويك في مكانها المعتاد ، إنه يقضي وقته حتما مع جيسيكا ، وبدون ان تدرك ما تفعله ، فتحت السيارة بإنفعال شديد جلست خلف المقود وادارت المحرك وإنطلقت بإتجاه جيبسون.
في البداية إنطلقت ببطء ، وعندما أحست بلذة قيادة هذه السيارة إنطلقت بسرعة دون ان تفكر لحظة واحدة أنها لا تحمل رخصة القيادة ، ولم تنتبه حتى الى الشرطة ، لقد كان قلبها يطفح بالحزن ، كانت تراقب المارة وتنظر بين الحين والاخر في المرىة حتى تتأكد من ان ريان لا يتبعها.
ماذا سيفعل ريان إذا عرف بإختفاء سيارته ؟ لا شك أنه سيتحول الى عدو خطير ، لكن إضطرابها هدأ قليلا عندما احست أنها إبتعدت عن فيكسبورغ وعن جيسيكا وريان وتمنت فقط ان يعرف سبب هربها.
أوقف السيارة بالقرب من بيت خالتها ، وبقيت داخلها لحظات وهي تستعيد شجاعتها ، وفي النهاية خرجت ومشت بخطوات بطيئة بإتجاه المدخل ، قرعت الباب عدة مرات بدون جواب ، على شرفة البيت المقابل كانت الجارة تراقب الفتاة ، قالت:
" السيدة كالدويل في المستشفى ، في زيارتها الأسبوعية".
نظرت اليها آنا وقالت:
" لكن.......أولادها.......".
" خرجوا منذ الصباح .....بدون شك إنك إبنة اختها الأنكليزية ، ألا تعملين في التلفزيون؟".
هزت راسها وهي تحاول أن تمنع نفسها من البكاء.
" سادعوك لنشرب شيئا بإنتظار عودتهم ، وستقصين علي عن كيفية عملك في الأستديو".
" اشكرك ، ليس لدي وقت الان ، يجب أن أذهب".
ركضت بإتجاه السيارة لكي لا ترى الجارة دموعها ، جلست وأسندت راسها على المقود وبكت ، ساعدها على حزنها هذا الجو الضبابي ، واحست بخيبة أمل كبيرة ، حتى خالتها راشيل كانت بعيدة عنها.
فتحت عينيها ، كان عليها أن تقرر أين تتجه ، وفجأة لمحت أمامها السهم الذي يشير الى إتجاه قصر ويندسور ، فتذكرت ساعاتها السعيدة التي قضتها هناك، وبدون أن تدري إنطلقت آنا بإتجاه السهم ودخلت بعد لحظات في الطريق الضيق وحاولت ان تخفف من سرعة السيارة بعد أن احست ان الشجار تحف هيكل السيارة من الخارج ، عندما وصلت الى الغابة أحست أن الطريق ما يزال طويلا ،وارتعشت فجأة من الخوف ، إنها في مكان مهجور وغريب وتحولت تلك المناظر الجميلة الى أشكال مخيفة ترعبها ، ثم ارعدت السماء بقوة ، عندها احست برعب شديد ، وحاولت أن تعود ادراجها ، ولكن هذا كان صعبا جدا ، تابعت الى المام لعلها تجد مساحة تستطيع فيها أن تدور بسيارتها ، وبعد لحظات لم تعد تقوى على الرؤية بسبب كثافة المطر ، واصم الرعد أذنيها وإرتجفت بشدة حتى انها لمتعد تستطيع السيطرة على السيارة التي إنزلقت فجأة في منحدر دون ان تتمكن من إيقافها ، واخيرا أصطدمت بشيء ما وتوقفت ، هذا آخر ما تذكره قبل أن يغمى عليها وهي تلمح العامود الكورنثي لقصر ويندسور من خلال البرق.

نيو فراولة 14-10-11 09:03 PM

10 – ماذا يحمل الغد؟

عندما فتحت آنا عينيها ، كان المطر ما يزال غزيرا ، ولم تعرف كم مر من الوقت وهي على هذه الحال ، لكنها أحست بذراع حول رأسها ، وكأنها في حلم ، سمعت صوتا يحدّثها:
" هيا..... إصحي يا آنا ، ما الذي جاء بك الى هنا؟ وبسيارتي ! يجب أن تعتذري عن عملك هذا ، هل رغبت في مشاهدة هذا المكان مرة أخرى؟".
كانت لا تزال دائخة وتحس بثقل في راسها ن عندما لمحت باب السيارة مفتوحا وبعد جهد لمست وجهها لتمسح عنه قطرات الماء ، ثم إلتفتت بصعوبة بإتجاه الصوت ، قالت بصوت عميق وغريب:
" سيد دونالسون ، هل أنت فعلا بجانبي؟".
لم تستطع أن تفهم كيف وصل ريان الى جانبها ، حاولت أن تستند الى كرسيها دون ان تتوضح الصورة أمامها.
" آنا......لقدعشت اقصى لحظات الخوف في حياتي".
أخذها وضمّها الى صدره ، ثم رفع شعرها وبدأ يداعب رقبتها بنعومة ، سكنت للمساته وارتاحت لسماع دقات قلبه.
" عزيزتي ، يصعب عليّ ان أراك في هذه الحالة ، ولكن يجب أن تعرفي الحقيقة".
تمنت ان يدوم هذا الحلم ، لقد ناداها ( عزيزتي ) ويضمها الان الى صدره بقوة.
"معجزة انك لمتصابي بجرح في هذا الحادث ، ولكن لماذا سرقت سيارتي؟".
منتديات ليلاس
قالها بعصبية بعد أن قطب حاجبيه وثبت عينيه السوداوين عليها ، إنها غير قادرة على مقاومته ، قالت وهي تحبس دموعها:
" لن ابقى لحظة واحدة في هذا الفندق ، سأرحل حالا ، خذني الى المطار أرجوك".
" انا الذي يقرر ساعة رحيلك ، إنني مسؤول عنك".
" لا ، أنتهت مدة المسؤولية بوصول جيسيكا ، وبفضلك فصلتني عن العمل ، خذني الى جيبسون عند خالتي ، حيث أحس بالأمان على القل".
حاول أن يوقف نحيبها:
" هذا ليس وقت مناقشة موضوعك مع جيسيكا".
علا صوت آنا غاضبا وغبتعدت عنه:
" بالتأكيد ، انت تفضل أن تتجنب الأسئلة ، وتحافظ على علاقتك معها ، إطمئن ، ليس لدي اية رغبة في أن أكون عائقا ".
زفر ريان بعمق وضم آنا بحنان مجددا الى صدره.
" اعرف ان المشكلة مع جيسيكا أزعجتك ،كما أعرف طبيعتها العدوانية ، كل هذا كان غير متوقع ، ولكننا الان في ورطة ويجب أن نخرج من خضم هذا الطوفان".
نظرت حولها ، المطر ما زال يهطل بكثافة ، وعلى جانب الطريق سيارة اخرى تغوص في الطين ، والبويك على منحدر تسندها شجرة ضخمة امامها ، سألت بقلق:
" ماذا سنفعل الآن ؟".
" سأتفحص البويك".
أخذ ريان مكان ىنا وتفحص المقود ثم المحرك ، ومع أول لمسة أنطلق هديره ، اقفل الباب وحاول إخراجها من مكانها لكن دواليبها غرست أكثر في الوحل ، حاول إستعمال الراديو سي بي وإستطاع ان ينقل رسالة الى الفندق يخبرهم فيها عن سلامة الموقف ثم قال بعصبية:
" للسف سنبقى في مكاننا حتى يتوقف هذا المطر اللعين ، على كل حال سيطمئن الجميع ".
( بالنهاية جيسيكا ستطمئن) . هكذا تخيلت آنا التي تراقب ريان بعد ان خرج من السيارة ، وخلع حذاءه ثم إبتعد بإتجاه الطريق ، غاصت قدماه في الطين وقال بمرح:
" يلزمنا سفينة لتنقذنا من هذا الطوفان".
وعندما وصل الى السيارة الأخرى وضع حذاءه وبدأ يتفحصها , صرخت ىنا:
" هل سابقى وقتا طويلا وحيدة؟".
نظر اليها بإبتسامة حالمة وقال :
" لا تقلقي.... في هذا المكان المنعزل تماما عن العالم ، أنا ايضا لا أحتمل هذا".
قالت بعصبية:
" آسفة أنني اجبرتك على الإلتحاق بي هنا بعيدا عن جيسيكا ".
" هذا ليس مهما بالنسبة الي ، المهم أنني إستطعت إستعارة سيارة بيل حتى اصل الى هنا".
بدات آنا تخلع صندلها ، صرخ بسرعة:
" لا تخلعيه ، سأحملك الى الطريق".
" لا.....أستطيع ان اصله كما فعلت أنت".
قال بطريقة ساخرة:
" إحذري الحشرات إذن ، فقد تلسعك ثانية".
منتديات ليلاس
مشت بضع خطوات بصعوبة قبل ان يعود ريان الى البويك ، اقفل البواب وأخذ الحقيبة والمفاتيح ولحق بها بينما كانت تصر أسنانها الما من إحتكاك قدميها بالحجار الخشنة ، ورغم ذلك فقد رفضت مساعدة ريان الذي تجاوزها بإتجاه الطريق دون أن يرفع نظره عنها ، وفجأة إختل توازنها فرمت نفسها بإتجاه الأشجار ، لكن يديها لم تنقذاها ، فسقطت على الارض وغاصت في الطين ، ضحك ريان بمرح ووضع ما يحمله في السيارة ثم عاد بإتجاهها وهي تحاول أن تنهض ، حملها على كتفه دون ان يهتم لصراخها ومشى بتوازن مضطرب بسبب حركتها العصبية على كتفه وقال بمرح:
" إخفي مخالبك ايتها النمرة الصغيرة ، سنصل حالا".
بدا لها ريان كالمتشردين ، حافي القدمين ، رافعا سرواله حتى ركبتيه وقميصه المفتوح يكشف عن صدره البرونزي ، بعد أن أنزلها على الطريق قالت:
" أنا اكرهك".
ضحك ريان وهويلهث من التعب وقال ويده ما تزال تحيطخصرها:
" تكرهينني؟".
شدّها اليه بيدين قويتين ، وتنفست آنا بصعوبة ، قررت ان تقاومه قبل أنن يحقق إنتصارا سهلا لكنها بعد لحظات شعرت بسحر عجيب ، ورغم غرادتها غرقت في أحلامها وخافت ان يتركها فتعلقت به بقوة ، بدأ يهدأ إنفعالها شيئا فشيئا ثم غرتاحت بهدوء ، قال بنعومة:
" هل تكرهينني فعلا يا آنا؟".
" فقط عندما تفقدني توازني .... أنا لست كالأخريات .....".

نيو فراولة 14-10-11 09:06 PM

دفنت راسها في كتفه وأحست بالخجل ، قال بغموض:
" الم يعانقك احد ويغمرك هكذا؟".
" اقسم انني لن أنسى هذا أبدا".
" بل أتخيلك تفكرين بي وأنت مع جان".
هذه الحقيقة صدمت آنا ، كيف عرف ذلك ؟ نظرت اليه بدهشة وهو يبتعد عنها ، فتح باب السيارة وجلس بداخلها ، احست بشوق اليه ، مشت بخجل وجلست بجانبه ، وإنتظرت ان تسمع صوته وهي تراقب حركة ماسحات الزجاج ، إنطلق ريان بهدوء رغم صعوبة الرؤية من خلف الزجاج ، وأحست آنا بإضطرابه .
عندما وصلا الى طرف الغابة توقف ريان تحت مجموعة من الأشجار بإنتظار ان تهدأ العاصفة.
ورغم كثافة المطر كان الحر شديدا داخل السيارة ، فتح جزء صغيرا من النافذة ، ولمح بيتا صغيرا على جانب الطريق ، وعندما ابرقت السماء مرات متكررة إرتمت آنا عليه وهي ترتجف ، على عتبة البيت ظهر عجوز ن اشار لهما بيده ثم صرخ:
" تعالوا.... إحتموا عندي".
إنتظار هدوء العاصفة قد يدوم طويلا ، والسماء محتقنة بغيوم سوداء كثيفة وكأنها قررت أن تفرغ حملها في هذه الزاوية من العالم التي غاب النهار فيها تماما ، ولم يبق إلا ضوء السيارة الداخلي ، وضوء صغير بيد العجوز امام بيته.
" إنه على حق ...... لا نستطيع أن نبقى هنا".
نزل من السيارة وحملها كطفلة مدللة حتى دخلا البيت ، سال العجوز:
" كيف وصلتما الى هذا المكان المعزول؟".
" كنا سنقوم بزيارة للأهل ، لم نستطع الوصول الى جيبسون ".
حكّ العجوز رأسه وقال :
" إنها ليلة صعبة ، ولن تنجح محاولتكما".
تحرك ببطء نحو الطاولة وأشعل لمبة كاز وقال :
" إنقطع تيار الكهرباء منذ ساعتين ، هناك غرفة إبنتي التي رحلت مع زوجها البارحة ، بإمكانكم إستعمالها".
صرخت آنا بقلق:
" آه ... لكن نحن لا.......".
قاطعها ريان فورا:
" هذا لطف كبير منك".
قدم لهما العجوز المناشف ثم إتجه الى المطبخ ليحضر بعض المشروبات ، جلست آنا على الريكة الوحيدة ، وإتجه ريان الى المطبخ ليساعد العجوز.
كانت بحاجة فعلية لتشرب أي شيء ، وعندما أحضر لها ريان عصير البرتقال شربت الكاس دفعة واحدة ، جلس العجوز على الكرسي المقابل بينما إحتل ريان الجزء االمتبقي من الأريكة بجانب آنا سال العجوز بفضول:
" لهجتكما غريبة ، هل أنتما أنكليز؟".
" نعم".
قالت آنا مبتسمة .
إبتسم العجوز فرحا ، وكان سعيدا أن يستضيف هؤلاء الغرباء يخففون عليه وحدته ، تحدث الرجلان بمواضيع مختلفة ، أما آنا فكانت مضطربة من فكرة البقاء ليلة كاملة هنا ومع ريان بالذات , كانت اية حركة منها أو من ريان تسبب إحتكاكا بينهما نتيجة لصغر الأريكة ، نظر اليها العجوز وقال:
" إنك جميلة يا صغيرتي ، يمكنك ان تغتسلي ، وتنشفي شعرك ، في الحمام ستجدين كل ما يلزم ، وبعد ذلك يمكنك ان تعدي وجبة ساخنة لك ولزوجك".
فتحت فمها ، فقال ريان بسرعة:
" زوجتي تخاف العواصف ،أعتقد أنها ستهدأ بعد قليل".
وقف العجوز وقال:
" تعالي سأدلك على الحمام".
نهضت آنا وتبعته ببطء وهي تنظر الى ريان ، قالت بقلق:
" ريان؟".
" سآتي حالا".
عبرت الممر ثم دخلت الحمام ونظرت الى شكلها في المرآة ن عن العجوز على حق ، لقد كان شعرها مبعثرا وملابسها متّسخة ومبللة ، خلعتها بدون تردد وملأت المغطس بالماء الفاتر وجلست داخله بإستمتاع ، احست بالخجل وهي تتذكر موقف ريان من خطا العجوز وكيف أكد له أنها زوجته بدون موافقتها ، ستطلب من ريان ان يصلح خطأه امام العجوز.
غسلت جسمها وملابسها ثم لبست برنسا كبيرا وجدته معلّقا في الحمام ن ولما عادت الى الصالون وجدت ريان وحده بينما إختفى العجوز في غرفته ، قالت:
" ستجد الحمام في ىخر الممر ، اتمنى الا تستغل الموقف أكثر من اللازم".
إبتسم ريان بمكر وقال :
" أمرك مطاع يا سيدة دونالسون".
" كيف تتجاسر على هذا القول ، وتركت الرجل يعتقد أننا متزوجان ؟ لن أسامحك ابدا".
خلع قميصه بلا مبالاة وقال:
" لا تقلقي لن أجبرك على شيء ، لكن ارجو ان تعدي لزوجك وجبة شهية على كل حال".
مشى ريان بإتجاه الممر دون أن ينظر خلفه ليرى إنزعاج آنا ، اشعلت موقد الكاز ، وبدات تحضر بعض اللحم والبيض ، ثم أعدت طبقا من السلطة ، وهذا ما وجدته في ثلاجة المنزل ، كان كل شيء جاهزا عند عودة ريان الذي لف حول خصره منشفة ، وعلّق ملابسه على الحبل بجانب ملابس آنا.
" ارجو أن تكون الوجبة خفيفة ، ومطبوخة جيدا ، هذه أول مرة إستعمل فيها هذا الموقد ".
وضعت الأطباق على الطاولة وجلست مقابل ريان ، رسمت على شفتيها إبتسامة ساخرة وقالت:
" ستشتعل جيسيكا حقدا على هذا الطوفان".
" هذا إذا علمت أنني ساقاسمك الغرفة أيضا ".
عضّت آنا على شفتها وأحست بالأهانة التي سببتها لنفسها فقالت بعصبية:
" لم أطلب منك أن تلتحق بي ، وبما أنك فعلت فعليك أن تتحمل ردود افعالي".
" آنا..... ارجوك ليس هذا وقت المشادات ، على الأقل ونحن في ضيافة شخص غريب".
إبتسم بلطف وقال:
" إنها وجبة لذيذة ، اشكرك".
إبتسمت آنا لهذا المديح وبدأت تاكل بشهية وهي سعيدة بأن ريان ياكل بمتعة كبيرة ، سالت :
" كيف عرفت بمكاني؟".
بعد ان بلع ريان آخر لقمة قال بمرح:
" بعد ان عدت الى غرفتي في الفندق ، لم أجد المفاتيح ، فتشت عن البويك فلم أجدها ، عدت أبحث عن بيل الذي روى لي ما حصل بينك وبين جيسيكا ، إتصلت بخالتك ، فقالت لي انك مررت من هناك ، وقد شاهدت الجارة ، إستعرت سيارة بيل وجئت ببساطة الى هنا ، وكلي ثقة بأنني سأجدك قرب القصر".
تلعثمت آنا وقالت:
" كيف.......كيف عرفت ذلك؟".
" لقد أحسست بمشاعرك وبإعجابك بهذا المكان ...... ذلك اليوم الجميل الذي امضيناه معا".
خفضت آنا راسها ، وفهمت أن كل تصرفاتها كانت مكشوفة بالنسبة لريان ، قالت بخجل:
" رغم ذلك اليوم الجميل ، فإنك لم تدافع عني امام جيسيكا بل على العكس رويت لها انني ساومتك وأجبرتك حتى تاتي معي في نزهة".
" لم اقل حرفا واحدا من هذا".
" لقد فصلتني من العمل واهانتني أمام الجميع وقالت......".

نيو فراولة 14-10-11 09:08 PM

تلعثمت آنا ولم تستطع أن تتابع ( إنه يحبني ولن يتخلى عني من اجلك).
سمعت صوت غطاء أبريق القهوة يحركه البخار ، نهضت لتحضر القهوة ثم التفتت الى ريان وقالت:
" قالت انك سخرت من مشاهد السيناريو التي كتبتها وأنك حتما ستمزقها".
وضعت امامه فنجان القهوة وجلست تشرب فنجانها وهي تنظر اليه وهو يشرب القهوة بإستمتاع ، ثم قال بلطف:منتديات ليلاس
" أنا لم أسخر منك أبدا ، والمشاهد التي كتبتهالمولن امزقها .
" هذا لن يغير شيئا ، إنني أحمل شهادة جامعية ، وبعد عودتي سأجد عملا بعيدا عن جيسيكا وأتمنى في المستقبل أن أبتعد عن أية مغامرة مماثلة".
" بالنسبة الي ، سررت جدا لأن جيسيكا طردتك من العمل ، لأن لدي مشاريع أخرى لك".
" مشاريع؟ ........معك؟".
نهضت آنا تحمل الأواني الى المغسلة وتابعت:
" لم يعد يهمني العمل معك يا سيد دونالسون".
ادارت له ظهرها ، وحاولت ان تخفي دموعها ، فالحياة بدونه مستحيلة ، لقد سحرها وقلب كيانها ووضعها في حلم تتمنى ألا ينتهي.
نهض ريان وإقترب منها قائلا:
" آنا ، إن اسلوبك في كتابة السيناريو أعجبني ، صحيح أن هناك بعض الأمور العملية التي تنقصك ، ولكن يمكنك أن تتخطيها ، أقترح عليك العمل معي عند عودتنا".
فوجئت بإقتراحه ، دارت حول نفسها ، وفجأة دفعته بقوة .
" دعني وشأني ارجوك ، إذا كنت تتخيّل أنني سأحتل مكان جيسيكا فإنك مخطىء".
عادت تهتم بغسل الصحون ، وبدأ ريان يساعدها بتنشيف الأطباق وإعادتها الى مكانها.
" لماذا تسيئين الظن بي ، إنك تنظرين اليّ على أنني رجل عديم الإحساس ، أقوم كل يوم بمغامرة مع فتاة جديدة ، فيكتوريا ثم جيسيكا ، والان تعتقدين أنه دورك".
نشّفت يديها وإبتعدت بخطوات قلقة ، الملابس ما زالت رطبة , أخذت المشط وبدأت ترتب شعرها ، وأحست بأن أعصابها هدأت قليلا ، قالت:
" أعتذر ، تاكدت من عدم وجود علاقة بينك وبين فيكتوريا ".
إقترب ريان منها ورفع راسها بهدوء:
" أنت غيورة ، يا صغيرتي المجنونة الملتهبة".
" أ .....ابدا......".
إبتعد عنها بهدوء وقد إرتسمت على وجهه علامات الخبث ، قالت لتكسر نظراته الساخرة:
" انت مغرور ومتكبر بشكل لا يصدق".
نهضت بتمهل وخطت بإتجاه غرفة النوم وقالت:
" انا متعبة جدا ، وسانام على السرير لوحدي ، تستطيع أن تجد مكانا لك ، تصبح على خير ".
أخذت ملابسها ودخلت الغرفة ، ضرب قلبها بعنف ، وتقلبت على السرير ، ولم تستطع ان تسيطر على إنفعالها ، هل سيتركها الى الأبد ؟ ماذا ستكون النتيجة؟
تذكرت مرة أخرى جيسيكا ، وارقت لفترة طويلة.
في الفجر إستيقظت مذعورة على صوت العاصفة ، أخفت راسها تحت الوسادة وهي تحاول الا تصرخ ، أحست بالدفء قربها ، فتحت عينيها فرات وجه ريان.
" يا للجنون ......ماذا تفعل هنا؟".
منتديات ليلاس
رفع الوسادة من فوق رأسها وجذبها بلطف ، إرتعشت بشدة وهي تحس باصابعه تداعب رقبتها بحنان ، أرعدت السماء بقوة فعانقته حتى هدأت وأحست بالأمان ، لن تبتعد عنه على الأقل هذه الليلة ، ولن تضيع هذا الشعور لأي سبب في العالم.
بعد وقت طويل سمعته يهمس بنعومة:
" إحتفلت المجموعة بإنتهاء التصوير هذه اليلة ، لا شك أنهم أفتقدونا".
" وانا إحتفلت بعيد الطوفان بالقرب منك ".
بدات اشعة الفجر تدخل الغرفة ، همس مبتسما :
" آه...... آنا ، يا لها من متعة أن أكون بقربك ".
" ريان.".
ثم إلتفتت اليه فجأة وقالت بصوت اشبه بالصفير:
" لا...... لا يجب ........ليس من العدل".
إنها تشتعل ، ولكنها تريد أن تصرخ على الملأ أنه ليس عدلا ، فماذا يحمل الغد ؟ إنها بحاجة اليه ، فهل هو بحاجة اليها؟ اسئلة كثيرة دارت في راسها ، ولكنها بقيت بلا جواب ، الشيء الوحيد المؤكد هو انها تحبه.
في النهاية يجب ان تعرف معنى الحب معه ، ولو لمرة واحدة .... لأن الحياة ستصبح بلا معنى فيما بعد...... إرتعشت......وهمست:
" ريان.......".
عكس وجهها مجموعة من الأنفعالات المختلفة ، وحاول ريان ان يتحكم بنفسه ، قال :
" منذ عدة ايام إنقلب كياني راسا على عقب ، لم أكن أتصور بأنني اصبحت ضحية لإمرأة ......لكنني مسحور بجمالك وجاذبيتك ، اريد أن اعترف لك بحبي لكنني لا أستطيع ، الموقف معقد للغاية في هذه اللحظة .......ارجوك آنا حاولي أن تفهميني".
كلام ريان كان جميلا وثقيلا كالضباب الذي غطّى عيون آنا بالدموع ، لقد فهمت تماما ، الموقف معقد بحضور جيسيكا ، بعد أن تركت زوجها وإرتمت عليه ، يا له من حظ سيء ! مسكينة آنا ،أحست بالتعاسة ، من سيجبر قلبها المكسور ؟ إنها الان معه ولا تريد أن تفكر بما يحمله الغد.
قال ريان بلطف:
" سابقى بجانبك حتى الصباح ، لا تخافي ابدا ".
تكورت عندئذ بقربه وأحست بدفئه وحنانه.

نيو فراولة 14-10-11 09:10 PM

11 - آخر الرسالة



فتحت آنا عينيها على أشعة الشمس التي ملأت الغرفة وتفحصت المكان الغريب ، وفجأة تذكرت انها نامت بصعوبة ، وفكرت بريان ، إلتفتت فلم تجد سوى مكانه الخالي ، قطبت حاجبيها وحزنت بمرارة لأنها لم تستيقظ بجانبه ولو لمرة واحدة ، لا بد انه إستيقظ منذ فترة طويلة وخرج ، وقد يكون هذا افضل بالنسبة اليها ، لأنها ستتعذب فيما بعد بلا فائدة ، بما ان الأشياء ستسير على عكس ما تشتهي وترغب ، سيطر عليها اليأس ، تقلّصت في سريرها ، وخافت أن تجده مرة أخرى امامها ، بعد لحظات إستجمعت شجاعتها ونهضت لترتدي ملابسها وهي تفكر بليلة المس ، فتحت الباب وخرجت الى الصالة.
" صباح الخير ، كنت اعد لك القهوة لأنني لم أعرف مكان الشاي ".
كان ريان يبتسم بمرح وهو يقف في زاوية المطبخ.
" ستكون القهوة عظيمة ، هل تريد أن اساعدك؟".
" إجلسي أنت تناولي إفطارك ، إنه على الطاولة ، يجب ان نرحل باقصى سرعة ، سأوصلك الى بيت خالتك قبل أن اذهب لتصليح السيارة ، وارج وان تكوني في الفندق ظهرا فالطائرة ستقلع من مطار جاكسون في الساعة السابعة مساء".
لم تقو آنا على الأحتجاج ، إنها تستطيع ان تقود البويك بسهولة في طريق العودة لكنها لن تقترح شيئا كهذا بعد أن رأت تقطيب وجهه ، لقد أصبح من المالوف أن يتحدثا بدون توتر.
تناولت بعض قطع البسكويت مع القهوة ثم قالت بصوت قلق:
" إذا طلب مني جان البقاء.......".
فتح ريان عينيه وقد فاجأه السؤال.
" وحدك تستطيعين إتخاذ القرار طبعا ، ولكن من الفضل ان تعودي معنا في الطائرة نفسها ، على كل حال أنت حرة".
كانت تحاول أن تثير ريان ، وتوحي له بشكل غير مباشر انه ليس الوحيد في قلبها ، عندما خرجا من البيت ، صدمت آنا بجمال المكان ، وبروعة الإضاءة التي تظهر على البحيرات الصغيرة وسط محيط من أوراق الشجر ، وقطرات الندى استقرت على تويجات الأزهار والأوراق ، وفي العمق شاهدت قوس قزح يشكل خطوطا رائعة مع ظلال الشمس ، اعدّ ريان السيارة ، ووضع الحقيبة ، وقبل ان ينطلقا ، ودّعا العجوز الذي مشى معهما حتى إنطلقت اسيارة.
الطريق كانت جافة تقريبا ، وآنا كانت بحالة مرحة ، لكنها لم تجرؤ ان تقفل عينيها لعلّها تستعيد صورة الأمس ، تمنت لو كان لديها آلة تصوير لتلتقط تفاصيل وجه ريان ، أصابعه ، كتفه ، رقبته ن فمه ذا الإبتسامة الغامضة ، تذكرت انه يستطيع أن يبتسم كما يشاء فهو في طريقه الى جيسيكا.
احست باعصابها مشدودة كالأوتار ، كيف يستطيع ان يتحول الى شخص أآخر ببساطة ؟ لا شك أن الساعات الاتية ستكون مليئة بالإثارة ، وخصوصا موقفها من جان ، ستجد الطريقة التي تشرح له فيها بأنها لا تستطيع ان تتزوجه ، أما جيسيكا فالموقف مختلف معها الان بعد ان كذبت بهذه الطريقة ، وستعرف كيف ترد على اتهاماتها ولكنها خافت من موقف ريان ، لا شك أنه سينفي التهمة عن نفسه امام جيسيكا الغيورة ، توقف ريان أمام منزل كالدويل ، ما زال الوقت باكرا ، ولكنهم سيستقبلونها في كل الأحوال ، قالت آنا بصوت متقطع:
" شكرا .......لأهتمامك بي ، ربما كانت لدينا الفرصة للحديث معا ، سأتذكر ما حدث كحلم رائع على الرغم من كل شيء ، آسفة إذا كنت ملحاحة ، لكن.........".
فتحت الباب بيد ترتجف ، وقبل أن تخرج إلتفتت اليه من جديد وقالت بحزن :
" لقد سخرت كثيرا مني".
سالت دموعها على خدها ، وحاولت ان تهرب من نظرة ريان الغريبة ، اخذ يدها من بين يديه وقال متوسلا:
" آنا لا تتخذي أي قرار سريع....عديني؟".
" انا كنت.....".
تذكري فقط خطأ جيسيكا ، لقد تزوجت رجلا لا تعرفه تماما ، وستدفع ثمن ذلك غاليا ، صحيح ان جان إبن خالتك لكنك لم تتعرفي عليه بشكل كاف".
" لكنني....".
قاطعها ريان:
" يجب ان اعود بسرعة الى فيكسبورغ ، أرجو ان تكوني في الموعد المحدد هناك ".
نزلت ومشت بإتجاه البيت ، أتاها من الداخل صوت موسيقى ، ورنين ضحكات ، رنت الجرس وإنتظرت لحظات طويلة قبل أن تفتح الباب فتاة شقراء تلبس سروالا قصيرا ، وصندلا احمر فاقعا ، شعرها أشقر طويل ينسدل على ظهرها المكشوف إلا من قطعتين من القماش تنسدلان على صدرها فتشكلان قميصا صيفيا.
قالت بمرح:
" صباح الخير ، لا شك انك تبحثين عن......".
خالتي".
" إذن انت آنا؟".
ثم صرخت :
" لوك إبنة خالتك وصلت".
دخلت آنا ومشت بجانب الفتاة .
" اعتقد انك صديقة لوك؟".
" لا أنا صديقة جان ، إسمي ماندي سو، نعرف بعضنا من أيام المدرسة الأعدادية ، لكنني اسكن في شيكاغو منذ شهرين ، خفت ان اترك المكان خاليا لخصم يبعدني عن جان".
ضحكت ماندي سو بعذوبة وكان لوك قد وصل لإستقبالها ، قال :
"اهلا آنا....... ستتناولين الفطور معنا إذن".
دخلت ماندي سو الى الحمام وبيدها الراديو وهي تتحرك على الموسيقى التي تصدر عنه ، تابع لوك:
" هيا بنا الى المطبخ".
" لا.......شكرا ، اريد أن ارى جان اولا".

نيو فراولة 14-10-11 09:12 PM

صرخ لوك بمرح:
" أنت غير نافعة ابدا يا ماندي سو ، كيف تركت جان ينام حتى الان؟".
وقف يراقب إبنة خالته التي بدت على وجهها آثار التعب والإرهاق.
" تعالي إستريحي هنا ، يبدو انك مرهقة".
وعندما وصل جان الى الصالون كان مضطربا ومدهوشا من وصول آنا في هذا الوقت.
سال بقلق:
" كيف وصلت الى هنا؟".
" أوصلني ريان بسيارته ، سنسافر هذا المساء".
قال جان بإضطراب :
" اين كنت ليلة البارحة ، لقد إتصلت بالفندق ، ولم اجدك".
ثم نظر الى الحمام وتابع:
" ماندي سو وصلت أمس ، دعتها والدتي لتنام هنا بسبب العاصفة، ولكن لم تخبريني اين قضيت ليلة الأمس؟".
" هذه قصة طويلة ، جئت لأودعكم ، وأريد ان أرى خالتي".
نهضت آنا وتحركت بإتجاه غرفة راشيل ، تبعها جان بقلق ، ثم أمسكها وقال بصوت متحشرج:
" آنا ....ارجوك أريد أن اقول لك أن .......ماندي سو لا تعني بالنسبة الي أي شيء ، أقسم لك ، إسمعيني أرجوك؟".
كان المسكين يدافع عن نفسه بحيوية وكانها لا تعرف أي شيء ، إنه يتصرف كمراهق تماما ، ويلزمه بعض الوقت والخبرة ليصبح رجلا.
" إسمعك يا جان ، ماندي سو تبدو لي رائعة ، إلتقيت بها عند حضوري وحكت لي عن الأمور ببساطة ، على كل حال أنا لا استطيع ان أتزوجك ، وسنعتبر الذي كان بيننا مجرد نزوة اليس كذلك؟ وستشاركني هذا الراي قريبا".
وقفت على رؤوس اصابعها وعانقت الشاب الذي وقف كالتمثال ، وقبل ان تسمع منه أي إحتجاج قالت:
" أشكرك لأنك إقترحت علي الزواج ، لن انسى هذا ابدا".
دخلت غرفة خالتها التي تنام على سريرها ، مدت يديها بإتجاه آنا ، وفهمت حالة إبنة اختها ، عانقتها بشدة ومسحت دموعها ، وداعبت شعرها بنعومة لتهدأ قليلا ثم قالت:
" هيا يا صغيرتي ، إبتسمي فالرجال لا يتزوجون صاحبة الوجه الباكي...... لا اعتقد ان إبني كان السبب أليس كذلك ؟ هذا يعني حتما ريان دونالسون".
همست آنا بخجل وهي تلهث من أثر البكاء:
" نعم.......احبه يا خالتي".
" وهو.....لا يهتم بك ......ولا يحدثك في هذا الموضوع؟".
" لا........ ولكن وصول جيسيكا أمس..........".
وشرحت ىنا لخالتها حوادث القصة دون ان تذكر حادثة نومه بجانبها ، بقيت العجوز صامتة تفكر ثم قالت:
" يبدو لي ان امور هذا الرجل معقدة ، عليك الا تفقدي الأمل يا عزيزتي ، لكن لماذا أظهر كل هذا القلق عندما حدّثني بالهاتف ، وخصوصا عندما جاء الى هنا يبحث عنك ؟ فعلا كان يبدو متأثرا وقلقا".
" جاء الى هنا !".
إبتسمت راشيل وقالت:
" آه..........نعم وعندما رأيته فهمت على الفور معنى إعجابك به".
" لا أعتقد انه كان قلقا علي ، انا بالنسبة اليه إحدى العناصر".
" لا أعرف ، ولكن إحساسي لا يخطىء ، يجب ان أنهض الان ، إذهبي وإغسلي وجهك ، سنلتحق بالشباب في المطبخ ، هناك بعض الأشياء اريد أن تحمليها معك الى والديك ، وارج وان يتمكنوا من زيارتي قبل نهاية السنة ، ستاتين معهم طبعا ، لأننا أحببناك كثيرا".
" وانا ايضا يا خالتي".
نهضت تمسح دموعها ورفعت شعرها وقالت:
" دعيني أساعدك".
قالت راشيل وهي تنهض بحيوية:
" لا شكرا ، سأطلب من لو كان يوصلك الى فيكسبورغ ، قد يكون هذا افضل".
" إنك على حق يا خالتي".
خلال المسافة الى فيكسبورغ روى لوك بعض قص العادات والتقاليد المضحكة ، ليعيد المرح الى إبنة خالته ، ثرثر عن اشياء كثيرة بمودة، ولكن آنا لم تنس لقاءها الآتي مع جيسيكا ، تمنت ألا تلتقيها ، وحتى إذا تم هذا ان يكون بعيدا عن اعين الناس ، لأن جيسيكا لن تتردد في إفتعال فضيحة ، قالت فجأة :
" لن ادعها تزعجني".
سأل لوك:
" ادعها ........من هي؟".
" جيسيكا فرانكلين..... أوه كيربي ......... لا فرانكلين وفي المستقبل السيدة دونالسون".
نظر اليها لوك بتعجب ، ضحكت بإنفعال وقالت:
" لا تقلق ، إنني بأحسن حال".
نزلت من السيارة بعد أن ودّعت إبن خالتها ودخلت بقلق بإتجاه الإستعلامات ، وجدت هناكحقيبتين ، إنهما بالتأكيد حقائب جيسيكا ، طلبت المفتاح وحاولت أن تبتعد بسرعةعن الصالة ، لكنها سمعت صوت جيسيكا يناديها:
" آنا......لقد بحثت عنك في كل مكان اين ذهبت؟".
إلتفتت وهي ترتجف:
" كنت في وداع خالتي".
"آه.......صحيح ، لقد كنت بحاجة لمساعدتك ، هل استطيع ان اعتمد عليك؟".
" لكن..........".
ظلّت آنا مذهولة ومعقودة اللسان.

" أنا آسفة يا آنا ، لقد كنت غبية بعض الشيء ، ستنسين الموضوع اليس كذلك؟ إنك تستطيعين أن تتحملي مزاجي السيء بطبيعتك المتسامحة ، سنلتقي فيما بعد في المكتب ، عملك بإنتظارك ، ولا أستطيع أن أعتمد على أحد غيرك".
" لكنك طردتني من العمل".
أجابت آنا بصوت خشن وقد أحست ببأس في حنجرتها ، لكن صوت جيسيكا المرح وعيونها التي تشع ببريق السعادة أدهشتها ، ولم تعرف سبب هذا الإنقلاب السريع.

نيو فراولة 14-10-11 09:14 PM

" آنا ، هل تعتقدين ان الأمور ستسير على ما يرام ؟ اترين يا عزيزتي أكاد اطير فرحا ، ولا أود ان اراك تعيسة ، لقد حدثت أشياء رائعة ".
" نعم ( قالت آنا بحزن ) ارى ذلك ، حظا سعيدا لريان".
" ريان؟ انه لا يعرف شيئا عن هذا الموضوع حتما ، أين هو ؟ أعتقد أنه سيصل بعد رحيلي ، على كل حال إنقلي له رسالتي ، بانني لن اضيع وقتي بأشياء ليست لها أهمية".
تفحصت جيسيكا وجه آنا وتابعت:
" لماذا أنت كئيبة؟ هل أنت مريضة؟".
ردت آنا ببرود :
" لا......".
" إذن قولي لريان انني راحلة ولا استطيع ان انتظره ن فطائرتي ستقلع خلال ساعة واليستير ينتظرني في مطار نيويورك".
" أليستير ؟".
سالت آنا بصوت مختل.
" نعم اليستير ، لقد إتصل بي البارحة ، وإعتذر عن مشاجرتنا الأخيرة ، حتى انه غازلني ،وتحمل مسؤولية ذلك الخطأ ، دعته الصحيفة الى نيويورك ، سألتحق به هناك ، لا شك انها ستكون سهرة رائعة ، انتظر سيارة الأجرة التي ستقلني الى المطار ، أنني أموت شوقا الى أليستير".
ضرب قلب آنا بجنون وسالت:
" هل تتحدثين بجدية ، وإخترتني انا لأنقل الرسالة الى ريان؟ أنا لم اقابل في حياتي أمرأة قاسية وبدون إحساس مثلك".
ضحكت جيسيكا وقالت:
" لا تقلقي أتمنى لكما حياة سعيدة ، وكما ترغبان ، آه ...... اخيرا وصلت السيارة".
ودعت الفتاة وأضافت:
"إعتني به جيدا ، الى اللقاء يا عزيزتي".
بعد دقائق إختفت السيارة التي حملتها مع الريح صعدت آنا الى غرفتها ولم تشعر طيلة حياتها بأنها كانت عصبية الى هذا الحد ، إرتمت على السرير واحست بانها مرهقة وبان الحياة تضحك منها بسخرية ، لقد طلبت منها جيسيكا مرة أخرى ان تنقل رسالتها الى ريان ، هل تستطيع ان تحزن قلبه مرة أخرى؟
ملعونة جيسيكا ، إنها عديمة الشعور ، لن تسامحها ابدا ، الى متى ستلعب بهما ؟ فلا بد انها بعد كل شجار مع زوجها ، ستعود لترتمي على ريان ، قررت أن تقابله حالا ، لا شك أنه عاد الى غرفته بعد أن أعد السيارة بشكل جيد قبل رحيله ، نهضت الى المرآة وهي تتأمل وجهها الشاحب ، كان عليها ان تبدل ثيابها التي شهدت السهر والأرق في غابة قصر ويندسور.
منتديات ليلاس
معظم ملابسها كانت في الحقائب ، ولكنها إستطاعت أن تسحب السروال الأبيض والقميص اللذين إشترتهما من فيكسبورغ ، رتبت شعرها ونظرت مرة أخرى الى المرآة ، إنها جاهزة لمقابلة ريان دونالسون.
قرعت الباب ودخلت بحيوية ، كان يفرغ احد الجوارير من الأوراق والوثائق وقال:
" كنت أنتظرك ، اين إختفيت ؟ ساطلب منك دفع تكاليف تصليح السيارة ، هل تعرفين الثمن؟".
صدمت آنا من هذا الإستقبال وتمتمت:
"آه.....حسنا.......لا اعرف.........".
نظر اليها ريان ببرود وقال:
" هذا يعني القليل جدا بالنسبة لما ساطلبه منك فعلا".
ثم تابع بجدية:
" أجيبي على اسئلتي بشكل محدد ، ماذا تقولين إذا طلبت منك أن تتزوجينني؟".
عضّت آنا شفتيها ولم تستطع أن تسيطر على دموعها وقالت في نفسها( على الأرجح سأوافق ، فالرفض هنا لا يحمل اية متعة) إندفعت نحو الباب وقالت بقلق:
" ريان.....يجب ان اقول لك.....".
اقفل إحدى الحقائب وبلامبالاة قال:
" حسنا ، هذه جاهزة".
نهض بمرح وإتجه نحوها تشتعل في عينيه عاطفة غريبة.
" ارجوك ريان إسمعني".
مد يديه نحوها لكنها إستطاعت ان تبتعد عنه خطوة واحدة ولم تستطع أن تهرب اكثر.
" لن اسمح لك بالهرب بعد الان".
ضمّها بين ذراعيه القويتين ، وتوقفت آنا عن المقاومة ، وإرتعشت في حضوره الساحر ، رفع راسها ونظر في عينيها ، واحست انها تترنح بين ذراعيه ، قال بصوت اجش:
" كانت ساعات قاسية بدونك ، لقد إفتقدتك جدا يا عزيزتي ، والان ماذا تريدين ان تقولي؟".
هزّت راسها حتى تسترجع الفكرة في راسها .
" إنه بخصوص جيسيكا ".
قاطعها ريان بسرعة:
" لا اريد أن نتحدث في هذا الموضوع".
" لكن....... ". وإبتعدت عنه قليلا وتابعت : " لقد تصالحت مع اليستير".
" اعرف ، وهذا بفضلي".
" مستحيل".
نظر الى ساعته ثم رفع راسه نحوها وهو يبتسم إبتسامة عذبة وقال:
" حسنا.....لن أقص عليك الحكاية ، هذا إستغلال".
راقبته آنا بنفاد صبر ، يجب أن يشرح لها ، قالت بصوت متقطع:
" توقف عن تعذيبي ارجوك ، ماذا حصل؟.
" إذن إطلبي مني بلطف؟".
تقدمت منه ببطء ، وجلس ريان على طرف السرير ، جحظت عيناه وهو ينظر الى الأرض وقال:
" عندما وصلت الى الفندق إتصلت بأليستير كيربي في لندن ونصحته بان يستعيد زوجته لأنها تعيسة بدونه ، وكان سعيدا جدا بمساعدتي".
" لماذا فعلت ذلك؟".
" ما هو رأيك؟".
نظرت اليه بحنان وتنفست بعمق وقالت:
" كنت دوما تحب جيسيكا ، وزواجها سبّب لك إضطرابا كبيرا".
إبتسم ريان وقال:
" لا يا آنا.......هذا خطأ حقيقي ، إن ما قلب حياتي واثّر على تصرفاتي هو أنت ......إنني لم اعرف السكينة لحظة واحدة منذ لقائنا الأول ، لقد فقدت عقلي".
" آه......أنا ىسفة".
قالت بإضطراب :
" قلت لك لا تعتذري ابدا".
قالت وهي تهرب منه:
" يوم زواج جيسيكا رتّبت المكتب ووجدن هناك صورتك ، ولسوء الحظ وجدت رسالة بخط يدك ، ولم أستطع ان أمنع رغبتي من القراءة ، لقد طلبت منها أن تنتظر قبل أن تقدم على قرارها".
" وإعتقدت انها رسالة حب".
"نعم ، وتخيّلت حزنك وآلامك لفراقها ، ولهذا السبب جئت الى الأستديو".
إقترب منها ريان ، قلبها كان يضرب بشدة ، أمسكها من خصرها وهمس:
" لم أكتب ولا رسالة حب حتى هذه الحظة ، لقد طلبت من جيسيكا ان تتابع العمل في السيناريو ، وتعدل المشاهد التي إختلفنا عليها ، ولو قرأت الرسالة من بدايتها لفهمت تماما كل شيء"
" لم تحبها ابدا؟".
سالت بصوت متقطع.
" بالتأكيد كنت معجبا بجاذبيتها وشخصيتها الحيوية ، لكنها لم تترك لدي أي إنفعال عاصف كالذي فعلته انت بي، ولذلك أطلب منك أن تتزوجيني".
عانقها بحب كبير ، لقد زال آخر شك لديها ، إبتسمت بسعادة وضمته بحنان وقالت :
" لكنني لم أوافق بعد".
"ولم تقولي لي انك تحبينني".
قالها وهو يقلد طريقتها في الكلام.
وهمس في اذنها:
" آه ، آنا ........ أرجوك قولي لي.
إنها لن تقاوم لسانها بعد ذلك ابدا ، همست:
" أحبك....... أحبك.........".
ضحك بسعادة ، وعمّ الغرفة ضياء الفرح.

تمت

زهرة منسية 15-10-11 05:06 PM

مشكورة كتير نيو فراولة دوماً مبدعة بأختياراتك

Rehana 16-10-11 01:55 PM

الله يعطيك العافية يارب
ولا يحرمنا من تواجدك المميز
http://oriane15.free.fr/images/ours/merci%20ours.gif

سماري كول 16-10-11 06:52 PM

تسلمين ع الروايه الحلوه

نجلاء عبد الوهاب 17-10-11 08:42 PM

يسلمو:55:
:wookie::wookie::wookie::wookie::wookie::wookie::wookie::woo kie:
:dancingmonkeyff8::dancingmonkeyff8::dancingmonkeyff8::danci ngmonkeyff8::dancingmonkeyff8:
:hR604426::hR604426::hR604426::hR604426::hR604426::hR604426: :hR604426::hR604426::hR604426::hR604426:

ندى ندى 22-10-11 04:22 AM

رووووووووووووووووووووووعه

الجبل الاخضر 22-10-11 09:56 PM

:55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو:55::flowers2: تسلمين :55:اختيار مرررررررررررررررررررررره جنان :Welcome Pills4:وممتاز:flowers2: وشكراعلى مجهودك:friends: وننتظر جديدك:friends:

عربجيه ناعمه 21-03-12 09:23 PM

:8_4_134::8_4_134::8_4_134::8_4_134::welcomepirate4::welcome pirate4::8_4_134:

ملك محمد 22-03-12 10:12 AM

شكرااااااااااااااااااااااااااااا

hoob 28-04-12 11:47 AM

شكرا روايه حلوة اوى

سومه كاتمة الاسرار 28-04-12 10:18 PM

اختيار موفق كالعاده ياعسل سلمتى وسلمت اناملك
:8_4_134:

سنيوريتا 17-01-14 04:31 PM

رد: 174- لا تعتذري أبدا - باميلا بوب - روايات عبير القديمة (كاملة )
 
:welcome3::8_4_134:

لبني سرالختم 01-03-15 12:57 AM

رد: 174 - لا تعتذري أبدا - باميلا بوب - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
حلوووووووووه وشكرررررررررررا

حنان ابراه 01-03-15 03:25 AM

رد: 174 - لا تعتذري أبدا - باميلا بوب - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
شششششششششششششششششششششششكررررررررررررررررررررررررررررررررر

حنان ابراه 01-03-15 03:27 AM

رد: 174 - لا تعتذري أبدا - باميلا بوب - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
ششششششششششششششششششششششششششششكر

حنان ابراه 01-03-15 03:28 AM

رد: 174 - لا تعتذري أبدا - باميلا بوب - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
ششششششششششششششششششششششششششششكرا

حنان ابراه 01-03-15 03:31 AM

رد: 174 - لا تعتذري أبدا - باميلا بوب - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
شششششششششششششششششششششششششششششششكر

حنان ابراه 01-03-15 03:33 AM

رد: 174 - لا تعتذري أبدا - باميلا بوب - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
ششششششششششششششششششششششششششكرا

fadi azar 09-06-15 04:44 PM

رد: 174 - لا تعتذري أبدا - باميلا بوب - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
مشكورة على الرواية الرائعة

doda qr 30-03-17 03:25 AM

رد: 174 - لا تعتذري أبدا - باميلا بوب - روايات عبير القديمة ( كاملة )
 
يسلموووووو حبيتها


الساعة الآن 06:42 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية