منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات أونلاين و مقالات الكتاب (https://www.liilas.com/vb3/f743/)
-   -   حصري لصوص القمر - للكاتب الد.نبيل فاروق - كاملة (https://www.liilas.com/vb3/t168526.html)

عهد Amsdsei 05-10-11 10:24 PM

لصوص القمر - للكاتب الد.نبيل فاروق - كاملة
 
السلام عليكم

قصة طازجة جدااا لعيون أهل ليلاس الكرام

قصة لصوص القمر

للدكتور نبيل فاروق

:8_4_134:

تعالوا نتابعها كاملة


عهد Amsdsei 05-10-11 10:26 PM

http://up.liilas.com/uploads/liilas_13178043201.jpg

(خالد سلمان)، رجل أمن عربى من طراز خاص..

طراز مستقبلى..

مقاتل من نوع نادر، يجيد عدداً من المهارات، من العسير أن يجيدها أقرانه فى عصرنا..

ولكنه يشترك معهم فى صفة لا تتغيَّر أبداً..

إنه يقاتل دائماً من أجل دينه..

ووطنه..

من أجل أن ينتصر الخير وتسود العدالة فى عالم المستقبل..

لذا فهو رجل خاص..

رجل المستقبل.

عهد Amsdsei 05-10-11 10:27 PM

الفصل الأول : القمر

1 - القمر

الربع الأوَّل من القرن الحادى والعشرين..
الاستعدادات تجرى على قدم وساق، لإطلاق أقوى قمر صناعى عسكرى دفاعى عربى إلى الفضاء..
"إنه إنجاز عربى مائة فى المائة..".
نطق قائد القوات الفضائية العربية المشتركة هذه العبارة، فى شئ من الزهو والثقة والارتياح، وهو يشير بعصاه الصغيرة إلى صورة ضوئية كبيرة للقمر الصناعى العربى (بدر - 1) ويتطلَّع إلى جموع الصحفيين، الذين تعلَّقت أبصارهم بالصورة فى لهفة، قبل أن يستطرد :
- معظم الدول العربية شاركت فى إنتاج هذا القمر الصناعى، ولا عجب فى هذا، فمهمته الأولى هى حمايتنا من أية اعتداءات غادرة، والتصدى بقوة وحزم لكل المحاولات العدوانية.
ارتفع صوت أحد الصحفيين يسأل :
- وماذا عن الأسلحة؟.. ما الذى يحويه (بدر - 1) من أسلحة؟
ارتسمت ابتسامة متحفِّظة، على شفتى القائد، وهو يجيب :
- لست أعتقد أن إجابة مثل هذا السؤال ممكنة، فهى تتجاوز نطاق السرية الطبيعية، فى الأمور العسكرية ولكننى أستطيع أن أقول أن قمرنا يحمل أقوى مدفعى ليزر عرفهما التاريخ العسكرى والفضائى.
ثم اتسعت ابتسامته، وهو يدير عينيه فى وجوه الحاضرين، مضيفاً :
- وإنه من حسن حظ الجميع، أن العرب لا يحملون فى أعماقهم ميولاً استعمارية.
أثارت عبارته الأخيرة شيئاً من الرهبة، فى نفوس الحاضرين، وسأل صحفى فى تردد وحذر :
- أيعنى هذا أن قوة (بدر - 1) وأسلحته، يكفيان لاحتلال دولة ما؟
أشار القائد بيده فى حزم، قائلاً :
- لا تعليق.
انهالت عليه الأسئلة فى لهفة وشغف، وراح يجيب عليها برصانته وتحفُّظه المعهودين، فى حين انزوى رجلان يحملان بطاقتين صحفيتين فى ركن قاعة المؤتمرات، وهمس أحدهما فى أذن الآخر:
- هل سمعت؟!.. نفس ما توقعناه بالضبط.
أومأ الثانى برأسه موافقاً، قبل أن يهمس بدوره :
- هذا لا يتعارض مع خطتنا، بل يدفعنا للإصرار على تنفيذها، فمن الخطأ أن نسمح للعرب بامتلاك قوة ضاربة كهذه.
صمت الأوَّل لحظات، قبل أن يقول فى شئ من التوتر :
- ولكن الوقت يمضى بسرعة، وإعلانهم الخبر فى مؤتمر صحفى، يعنى أن العد التنازلى لإطلاق القمر قد بدأ، ولن يمضى أسبوع واحد، حتى يكونوا قد أطلقوه بالفعل، وعندئذ..
ولم يتم عبارته..
ربما لأنه لم يشعر بالحاجة إلى هذا، مع المعنى الواضح، أو لذلك الجفاف، الذى أصاب حلقه من فرط انفعاله.. ولكن زميله بدا هادئاً أكثر من اللازم، وهو يبتسم قائلاً :
- اطمئن.. لدينا خطة لا تقبل الفشل.
قالها وابتسامته تحمل الكثير من الثقة..
ومن الغموض..
* * *
استنشق رائد الفضاء العربى (صالح) الهواء النقى، فى الصباح الباكر، وهو يغادر منزله، وحيَّا أفراد أسرته فى حرارة بالغة، وهو يقول مبتسماً :
- سأغيب عنكم طويلاً هذه المرة، فسأقضى الأيام الأربعة القادمة كلها فى القاعدة الفضائية، كما تقتضى التعليمات، ثم انطلق مع الفريق لوضع ذلك القمر فى مداره.
قال ابنه الصغير فى أسى :
- ألا يمكنك أن تصحبنى معك؟.. لقد وعدتنى بمشاهدة مكوك الفضاء عن قرب.
قهقه (صالح) ضاحكاً، وربت على رأس ولده الصغير، وهو يقول :
- مرة قادمة بإذن الله يا صغيرى.
وقفز داخل سيارته الرياضية الأنيقة، وهو يلوِّح بيده مستطرداً :
- ولكننى أعدك بأن أحضر لك الكثير من الحلوى والهدايا عند عودتى.
ظلَّ الجميع يلوِّحون له بأيديهم، وهو ينطلق بسيارته مبتعداً، وقاوم هو دمعة عاطفية، كادت تنهمر من عينيه، وهو يتمتم :
- سأشتاق لهم كثيراً بالتأكيد.
وهزَّ رأسه، وكأنه ينفض عنها حزنه، وتشاغل بصفير منغوم، للحن شعبى شهير، وهو ينطلق نحو القاعدة الفضائية خارج العاصمة..
وفجأة، فى بداية الطريق الموصِّل إلى القاعدة، لمح تلك السيارة..
كان الوقت مبكراً، والطريق خال تماماً، فى يوم الجمعة، ولكن تلك السيارة كانت تقف خارج الطريق الأسفلتى، بزاوية ميل ملفتة للأنظار، فوق الرمال القريبة، وإلى جوارها بدا جسد بشرى ملقى على الرمال، على نحو يوحى بأن صاحبه فاقد الوعى..
وبلا تردد، أوقف (صالح) سيارته على جانب الطريق، وانطلق يعدو منها نحو السيارة الكبيرة (الميكروباص)، وانحنى يفحص ذلك الشخص الملقى إلى جوارها، وهو يهتف :
- أأنت بخير ؟
فتح الرجل عينيه، وتطلَّع إلى (صالح) لحظة، ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة، وهو يقول :
- بالطبع أنا بخير.
ارتفع حاجبا (صالح) فى دهشة، ثم انطلق فى عقله جرس إنذار مباغت، مع ذلك الظل البشرى، الذى امتدَّ إلى جواره، لشخص يتسلَّل خلفه، حاملاً شيئاً ما فى يده، فاستدار رائد الفضاء فى سرعة، ومال جانباً، متفادياً ضربة عنيفة من هراوة خشبية قوية، وأمسك معصم حاملها، وهو يهتف فى غضب :
- إذن فهى خدعة.
ثم هوت قبضته اليسرى على فكَّ حامل الهراوة بضربة كالقنبلة، تراجع لها الرجل مترين كاملين إلى الخلف، قبل أن يسقط فوق الرمال، وفى نفس اللحظة، وثب رجل آخر من فوق السيارة، على ظهر رائد الفضاء، وجذبه الرجل الراقد أرضاً من قدميه، هاتفاً :
- إنها خدعة بالتأكيد، ولكنك وقعت فيها.
أدار (صالح) يده خلف ظهره، وقبض على عنق ذلك الذى يتعلَّق به، ثم جذبه بكل قوته، وألقاه أرضاً، وهو يضرب الثانى بقدمه، قائلاً :
- ليس بعد.
هبَّ الساقط يهاجمه ثانية، ونهض الثانى يلتقط هراوته، فى حين ظهر رجل ثالث..
وكان على (صالح) أن يقاتل بكل قوته..
بل بضعفى قوته على الأقل..
ولقد فعل..
كان يلكم هذا، ويركل ذاك، ويلوى ذراع ثالث..
ولكن الكثرة تهزم الشجاعة كما يقولون..
ففجأة، هوت على مؤخرة عنقه ضربة عنيفة، غامت لها الدنيا أمام عينيه، وفقد معها الكثير من اتزانه، ولكنه قاوم، وحاول أن يضرب ثانية، إلا أنه تلقى ضربة أخرى، فى المكان نفسه، فهتف :
- أيها الـ…
وانعقد لسانه فى حلقه، مع ضربة ثالثة، أظلم معها كل شئ، و..
وسقط فاقد الوعى..
وفى عصبية، هتف أحد الرجال لاهثاً :
- إنه يقاتل كالوحش.. لقد كاد يهزمنا جميعاً.
أجابه زعيمه، وهو ينفض الرمال عن ثوبه :
- من حسن الحظ أنه لم يفعل.
ثم أشار إلى (صالح)، مستطرداً :
- هيا.. دعونا ننتهى من هذا الأمر بسرعة، قبل أن تظهر سيارة أخرى.
أسرع الرجال يحكمون وثاق (صالح)، ويكممون فمه فى قوة، فى حين راح زعيمهم يفرغ محتويات جيوبه فى اهتمام، حتى التقط بطاقته المغناطيسية الخاصة، فابتسم فى ارتياح، قائلاً :
- عظيم.. هذا يجعل الأمور أكثر سهولة.
لم يكد ينطقها، حتى انفتح الباب الخلفى للسيارة (الميكروباص)، وبرز منه رجل رياضى القوام، مسح وجهه بيده، وهو يقول :
- هل حصلت على كل شئ ؟
التفت إليه الزعيم مبتسماً، وناوله البطاقة المغناطيسية، قائلاً :
- نعم.. احتفظ بهذه.. ستساعدك على الدخول.
التقط الرجل بطاقة (صالح)، ودسَّها فى جيبه، وهو يقول :
- أتعشَّم أن يفلح هذا.. إنهم يدققون كثيراً فى وسائل الأمن.
هزَّ الزعيم كتفيه، وقال :
- البطاقة مع عدسات العينين المحفورتين بالليزر، ستجعلان كل شئ على ما يرام.. أما عن الصوت، فتظاهر بأنك مصاب باحتقان فى حلقك.. هذا سيفسر الفارق الذى لم يُخفه التدريب.
قالها، وهو يتطلَّع إلى وجه الرجل، الذى أجريت له جراحة تجميلية دقيقة، بحيث صار نسخة طبق الأصل من ذلك الذى أفقدوه الوعى..
من (صالح)..
رائد الفضاء العربى..
* * *
"انتباه.. تبدأ الآن المرحلة الأخيرة من العد التنازلى، لإطلاق القمر (بدر - 1).. درجة الاستعداد القصوى.. مائتان.. مائة وتسعة وتسعون.. مائة وثمانية وتسعون..".
تردَّد ذلك النداء فى القاعدة الفضائية العربية، وبدا من الواضح أن درجة النشاط قد تضاعفت فيها خمس مرات على الأقل، استعداداً لانطلاق مكوك الفضاء، الذى سيحمل القمر الدفاعى (بدر - 1) إلى مداره، وتضاعفت درجة التوتر أيضاً، فى مبنى المراقبة، حيث جلس قائد القوات الفضائية العربية ينقر بأطراف أصابعه على طرف مكتبه، فى عصبية واضحة، وهو يراقب شاشات الرصد، التى تنقل مراحل احتراق وقود الصاروخ، الذى يحمل المكوك والقمر، والتقط رئيس القاعدة الفضائية أنفاسه، وهو يقول فى لهجة متماسكة إلى حد ما، وإن لم ينجح فى إزالة كل ما علق بها من توتر:
- عشر دقائق إضافية على الأكثر، وينطلق الصاروخ
غمغم قائد القوات الفضائية :
- بإذن الله.
التفت إليه رئيس القاعدة، قائلاً :
- لم أرك قط بمثل هذا التوتر.. إنه ليس أوَّل قمر صناعى نطلقه من هنا.
أومأ القائد برأسه، قائلاً فى توتر :
- هذا صحيح، ولكنه أوَّل قمر صناعى عسكرى، بمثل هذه القوة.. إنه ينقلنا إلى عصر جديد بالفعل يا رجل، عصر تسبح فيه قوتنا العسكرية فى الفضاء، وتدور حول الأرض، وتكفل لنا حماية دائمة بإذن الله، وتمنع كل من تسول له نفسه من أن يعتدى على حدودنا وأراضينا.
كان رئيس القاعدة يعلم كل هذا، ويدرك خطورة هذه العملية بالذات، وفشلت محاولته فى التماسك هذه المرة، وهو يغمغم :
- نعم.. أعلم هذا.. أعلمه جيداً.
ثم ملأ صدره بنفس عميق من الهواء، قبل أن يستطرد :
- ما رأيك فى قدح من الشاى؟
هزَّ القائد رأسه نفياً، وهو يقول :
- ليس الآن.. الشاى يزيد من توتر أعصابى دائماً.
وافقه رئيس القاعدة بإيماءة صامتة، وعاد يراقب الشاشات، والعد التنازلى يتواصل فى رتابة..
"مائة وستة.. مائة وخمسة.. مائة وأربعة..."..
تعلَّقت عيون الجميع بالشاشات الراصدة، وشاشات الكمبيوتر، والأرقام التى تتراص بسرعة، وسُحُب الدخان الكثيفة، التى أحاطت بقاعدة الصاروخ، وراحت تتزايد فى بطء، مع تواتر العد التنازلى، الذى بدا وكأنه يستغرق دهراً كاملاً، قبل أن يصل إلى مراحله الأخيرة، وينطلق الصوت الآلى مجلجلاً:
- سبعة.. ستة.. خمسة.. أربعة.. ثلاثة.. اثنان.. واحد.. إشعال..
ومع آخر حروف الكلمة الأخيرة، انطلقت نيران الوقود القوية من قاعدة الصاروخ، الذى بدأ يرتفع عن الأرض، والعيون كلها تراقبه فى توتر شديد، والشفاة تتمتم ببعض الآيات والأدعية القرآنية، ثم انطلق الصاروخ فى السماء، حاملاً مكوك الفضاء، والقمر الصناعى العسكرى الأوَّل (بدر - 1)..
وطوال رحلته عبر الغلاف الجوى الأرضى(*)، راحت الأعين تتابعه فى اهتمام شغوف متوتر، حتى اختفى عن الأبصار، فانتقل النظر بسرعة إلى شاشات الرصد التليسكوبية، تتابع مراحل الإطلاق المختلفة، حتى تجاوز الصاروخ، أو ما تبقى منه نطاق الجاذبية الأرضية، وانفصل عنه المكوك، حاملاً القمر الصناعى، فتنفَّس القائد الصعداء، وارتسمت على شفتيه ابتسامة ارتياح، وهو يقول :
- حمداً لله.
ثم التفت إلى رئيس القاعدة، مستطرداً :
- الآن يمكننى أن أشاركك قدحاً من الشاى.
ابتسم رئيس القاعدة، وهو يشير إلى مساعده، الذى أسرع يعد قدحى الشاى، فى حين جلس هو أمام القائد، وقال:
- كل ما تبقَّى مجرَّد خطوات، فطاقم المكوك مدرَّب جيداً، وسيتجهون مباشرة إلى البقعة المحدودة لمدار القمر، وهناك ينفصلون عنه، بعد مراجعة كل أجهزته، وصلاحية أسلحته، ويتجهون إلى محطتنا الفضائية (م - 9)، حيث يتزودون بالوقود، ويتابعون مسيرة القمر لبعض الوقت، وبعدها يعودون إلى هنا، ونفوز بالقمر إلى الأبد.
تنهد القائد فى ارتياح، وهو يقول :
- حمداً لله.. حمداً لله.
وتشاغل كل منهما بعدها فى مراقبة الشاشات التليسكوبية، ومتابعة رحلة المكوك الفضائى، وأحضر المساعد قدحى الشاى، فراحا يرتشفان السائل الدافئ فى استمتاع واسترخاء، و…
"سيِّدى.. وصلتنا رسالة من المكوك الفضائى"..
اخترقت العبارة أذنى القائد، فاعتدل فى دهشة، وانعقد حاجباه فى شدة، فى حين التقط رئيس القاعدة الرسالة، وهو يقول فى توتر :
- رسالة؟!.. عجباً!! ولماذا لم يتم بثها على نحو طبيعى؟!.. ثم ما الذى يدفع طاقم المكوك إلى إرسال رسالة سريعة على هذا النحو، على الرغم من….
بتر عبارته بغتة، وهو يُحدِّق فى الرسالة ذاهلاً، وسقط قدح الشاى من يده، وتحطَّم على الأرض، وتناثرت محتوياته فى عنف، فوثب إليه القائد، هاتفاً :
- ماذا حدث ؟
ناوله رئيس القاعدة الرسالة، وهو يردِّد :
- مستحيل !.. مستحيل !
ولم يكد القائد يُلقى نظرة على الرسالة بدوره، حتى خُيِّل إليه أن قبضة باردة قوية قد اعتصرت قلبه، وألقته وسط جبل من الثلج، فقد كان مضمون الرسالة مذهلاً، و…
ورهيباً.

* * *

عهد Amsdsei 05-10-11 10:27 PM

الفصل الثانى : قرصنة فضائية

لم يكد مكوك الفضاء يتجاوز الغلاف الجوى، وينفصل مع القمر الصناعى عن الصاروخ، حتى بدا الارتياح على وجوه طاقمه، المكوَّن من أربعة أفراد، وقال قائدهم :
- انقل القيادة إلى الموِّجه الآلى يا (صالح)، وسيتولَّى الكمبيوتر العمل، من الآن فصاعداً.
دفع أحد رواد الفضاء ذراعاً صغيرة، وضغط زراً أحمر، فتألقت على شاشة كمبيوتر القيادة عبارة واضحة "التوجيه الآلى"، فابتسم القائد فى استرخاء، ورفع ذراعيه، وأسند مؤخرة رأسه على كفيه المتشابكين، وهو يقول:
- يمكننا أن نعتبر أننا نجحنا يا رفاق.. الخطر كله كان يكمن فى مرحلة اختراق الغلاف الجوى، أما عملية وضع القمر فى مساره، فسيتولَّى الكمبيوتر أمرها الآن.. كل شئ سار على ما يرام.
ارتفع صوت خشن مبحوح، يقول :
- بالتأكيد.. ولكن ليس بالنسبة لكم.
التفت القائد إلى صاحب الصوت، وابتسم قائلاً :
- إصابتك بالبرد أبدلت صوتك كثيراً يا (صالح).. حتى لهجتك تبدو لى عجيبة، وعبارتك نفسها غير مفهومة.. ما الذى تعنيه بها بالضبط.
أجابه صاحب الصوت الخشن المبحوح :
- أعنى أن كل شئ سار على ما يرام بالفعل، ولكن بالنسبة لنا، وليس بالنسبة لكم.
قالها، وهو يستلّ من ثوبه مسدساً ليزرياً(*)، جعل أحد رواد الفضاء الثلاثة يهتف :
- (صالح).. هل جُننت يا رجل؟.. ماذا تفعل بالضبط؟
أدار الرجل فوهة المسدس الليزرى نحوه، وهو يقول بصوت صارم، اختفت منه الخشونة والبحة، وحمل فى طياته لكنة أجنبية خفيفة:
- تصحيح بسيط يا هذا.. اسمى ليس (صالح).
قالها وأطلق الأشعة القاتلة فى هدوء :
واخترقت الأشعة جسد رائد الفضاء، وانتزعته من مكانه، مع الجاذبية الضعيفة داخل المكوك، ودفعته حتى ارتطم بالجدار المقابل، وقبل أن يسقط جثة هامدة، انتزع زميله ذراعاً معدنية، صارخاً :
- خيانة.. (صالح) خائن.
استدار إليه الجاسوس بسرعة مدهشة، مستغلاً عامل المفاجأة، وهو يكرِّر فى صرامة مخيفة :
- قلت لك : اسمى ليس (صالح).
وأطلق عليه الأشعة القاتلة بدوره..
وانتفض القائد فى عنف، وهو يهبّ من مقعده، وقال فى غضب :
- من أنت بالضبط؟.. وكيف استطعت الوصول إلى هنا؟.. المفترض ألا يحمل أحدنا سلاحاً، فى مثل هذه الرحلات.
ابتسم الجاسوس فى سخرية، وهو يقول :
- أسئلتك كثيرة أيها العربى.. أنا لست عربياً ثرثاراً مثلك، ويمكنك أن تدعونى (ميل)؛ فهذا هو الاسم الذى كان يخاطبنى به أصدقائى، قبل أن أجرى جراحة التجميل الدقيقة، التى جعلتنى أشبه زميلكم.
قال القائد فى دهشة :
- ولكن كيف أمكنك اختراق نطاق الأمن؟!.. إنهم يفحصون بصمات قزحية العين، وهى لا تتشابه مع بصمات أية قزحية أخرى(*)(*).
- المشكلة فى كل نظم الأمن أنها من صنع البشر، ومن الممكن أن يخترقها بشر آخر.
وضغط جفنه بسبَّابته وإبهامه، والتقط عدسة لاصقة صغيرة فى راحته، مستطرداً :
- لقد حصلنا بوسيلة معقَّدة على بصمة قزحية عين (صالح) هذا، ثم استخدمنا وسيلة تقنية مدهشة، لصنع عدسة مشابهة تماماً، حفرنا البصمة عليها بدقة مذهلة، وعندما تم الفحص، خدعت تلك العدسة نظام المراقبة، وسمحت لى بالدخول، بافتراض أننى (صالح) نفسه، خاصة وقد كنت أحمل بطاقته المغناطيسية، ذات الشفرة المعقَّدة، والتى يستحيل فكّ شفرتها أو تزويرها تقريباً.
عضَّ قائد المكوك شفتيه فى غيظ غاضب، وهو يسأل :
- ما الذى تسعون إليه بالضبط، أنت ومن خلفك؟!..
أجابه الجاسوس (ميل) فى استهتار :
- ألم أقل لك: إنك تُلقى الكثير من الأسئلة أيها العربى؟!.. لا أعتقد أنه يهمك كثيراً أن تعرف تفاصيل ما نسعى إليه، ولكن يكفى أن تعلم أنه بعد أن تنجح خطتنا، لن تقوم لكم قائمة مرة أخرى قط.
انفضَّ عليه قائد المكوك فجأة، وهو يهتف :
- وهل تعتقد أننى سأسمح لك بهذا؟
أطلق (ميل) أشعة مسدسه الليزرى، ورآها تخترق ذراع قائد المكوك، إلا أن هذا لم يوقفه، وهو يواصل انقضاضته، ويمسك معصم الجاسوس فى قوة، مستطرداً :
- إننى مستعد للتضحية بحياتى، فى سبيل منعك من تحقيق مثل هذا الغرض.
راحا يتقاتلان فى عنف شرس، وسط جاذبية شديدة الانخفاض، وحولهما آلات المكوك الفضائى، التى تشير إلى اقترابه من المدار المنشود، ولكن الجاسوس نجح فى صعوبة من إلصاق فوهة مسدسه بصدر قائد المكوك، وهو يصرخ:
- ضح بحياتك إذن، ولكنك لن تمنعنى.
وضغط زناد مسدسه..
واحتقن وجه قائد المكوك، وهو يندفع إلى الخلف فى عنف، وتفجَّرت الدماء الطاهرة من صدره، وهو يلوِّح بيده، قائلاً :
- لن.. لن تنجح أبداً.
ثم هوى جثة هامدة، فاعتدل الجاسوس، وهو يلهث فى شدة، هاتفاً :
- ياللصعوبة!.. لولا المسدس لهزمنى حتماً.. هؤلاء العرب يقاتلون كالوحوش.
ونهض إلى مقعد القيادة، وهو يستطرد بابتسامة لاهثة :
- ولكننى نجحت فى النهاية، وحان وقت إبلاغ الرفاق، وإرسال تلك الرسالة المتفق عليها، إلى القاعدة الفضائية العربية.
وكانت رسالته مختصرة للغاية..
"(بدر - 1) أصبح فى قبضتنا.. انتظروا تعليماتنا.. القلب الأسود..".
وكانت هذه هى الرسالة التى وصلت إلى قائد القوات الفضائية العربية..
الرسالة الرهيبة..
* * *
برقت عينا (بلاك هارت).. الزعيم الأوَّل لمنظمة القلب الأسود الإجرامية العالمية، وهو يقرأ رسالة (ميل)، التى بثَّها من مكوك الفضاء، عبر شفرة خاصة، ثم قهقه ضاحكاً فى ظفر ولوَّح بيده، هاتفاً :
- فعلها (ميل).. نجح فى الاستيلاء على القمر.
وراح يضحك مرات ومرات فى سعادة، فسأله أحد رجاله:
- هل تعتقد أنهم لم يتلقَّوا الرسالة مثلنا؟!.. أعنى ألا يمكنهم تحديد موقعنا؟
هزَّ (بلاك) رأسه نفياً، وهو يقول :
- دعهم يفعلون.. إننا نسبح بيختنا فى المياه الدولية(*)، ثم أننا نسيطر على الموقف تماماً الآن، ولا أحد سيجرؤ على تحدينا علانية.
سأله الرجل :
- وما خطوتنا التالية أيها الزعيم؟!..
هزَّ (بلاك) كتفيه، وقال :
- هذا يتوقَّف على ردود أفعالهم، فإما أن يستسلموا ويخضعوا تماماً، أو …
ثم تراجع فى مقعده، وارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة، وهو يستطرد:
- أو نختبر معهم فاعلية وقوة مدفعى الليزر.
قالها وانطلق يقهقه مرة أخرى فى ظفر..
وفى وحشية..
* * *
"إنها كارثة أيها السادة..".
ضرب قائد القوات الفضائية العربية سطح مائدة الاجتماعية براحته، وهو ينطق هذه العبارة، وصوته وملامحه يحملان توتراً غير محدود، وعيناه تدوران فى وجوه قادة الأسلحة المختلفة، وضباط أركان الحرب، قبل أن يستطرد:
- كارثة رهيبة، على أى مقياس عسكرى.. أنتم جميعاً تعرفون منظمة (القلب الأسود)، وتاريخها الإجرامى والجاسوسى البشع، واستيلاء مثل هذه المنظمة على قمر صناعى عسكرى متطوِّر، مثل (بدر - 1)، يعنى أنه أصبح بمقدورها فرض سيطرتها على دول بأكملها، وربما على العالم أجمع، لو أن لديها خبراء لإدارته وتوجيهه، واستغلال الطاقة الكبرى لأسلحته الفائقة، وعلى رأسها مدفعى الليزر.
سأل أحد القادة فى اهتمام :
- وهل لديها مثل هؤلاء الخبراء ؟
تنهَّد القائد فى أسى ساخط، قبل أن يجيب :
المشكلة أن تحرياتنا كلها تشير إلى أن لديها خبراء لتشغيل (بدر - 1)، فهى منظمة كبرى، نجحت بأموالها فى اجتذاب عدد من العلماء، الذين تجاهلوا الرسالة الحقيقية للعلم ولم يعد يهمهم سوى الحصول على الأموال واكتنازها بأى ثمن.
سأل قائد آخر :
- ولكن المفترض أن القمر ما زال تحت سيطرتنا، وأجهزته كلها ترتبط بأجهزة التحكُّم فى القاعدة.
هزَّ القائد رأسه نفياً فى أسف، وهو يقول :
- للأسف أيها السادة، لقد فصل الجاسوس أجهزة التحكُّم من القمر، قبل إبلاغنا رسالة الاستيلاء مباشرة، ولم نعد ندرى ماذا يحدث هناك الآن.. ربما كانوا يسعون لنقل التحكُّم إلى ذبذبة وشفرة مغايرتين، وهكذا تصبح لهم السيطرة الكاملة عليه، وعندئذ يصبح الأمر مأساة رهيبة.
هتف أحد ضباط أركان الحرب فى توتر(*) :
- وكم يحتاج منهم الأمر، لتغيير الذبذبة والشفرة، وتحقيق السيطرة الكاملة على القمر العسكرى؟
أجابه القائد :
- الخبراء قدَّروا هذا بعشر ساعات فى المتوسِّط.
تنهَّد ضابط أركان الحرب، قائلاً :
- هذا يعنى أنه ليس أمامنا سوى هذه الفترة، لاستعادة سيطرتنا على الموقف، وإلا خسرنا كل شئ.
أجابه القائد فى توتر عنيف :
- هذا صحيح، ولكن الخسارة لن تقتصر علينا، بل ستمتد لتشمل العالم كله.
ويبدأ عصر مظلم من عصور الشر.
سأل أحد القادة فى توتر شديد :
- وما الذى يمكن فعله فى عشر ساعات فقط؟
اندفع ضابط آخر من ضباط أركان الحرب، يقول :
- وماذا لو استعَّنا بالمحطة الفضائية (م - 9)؟..
يمكنهم أن يشنّوا هجوماً مكثَّفاً على المكوك، حتى لو أدَّى الأمر إلى نسف القمر نفسه، فخسارتنا له أفضل من فوزهم به.
أومأ القائد برأسه، قائلاً :
- لقد درس خبراؤنا هذا الاحتمال بالفعل، ولكن الدقة التى تم صنع (بدر - 1) بها، تجعل من المستحيل مهاجمته على هذا النحو الواضح، فأجهزة الرصد به ستلتقط أى جسم يتجه إليه، وستتعامل معه أسلحته مباشرة، وتسحقه سحقاً، خاصة بعد أن تم فقد شفرة التعامل، وهذا ينطبق أيضاً على أية محاولة لهجوم أرضى، و…
قاطعه أزيز خافت، جعل الجميع يلتفتون إلى شاشة الاتصالات الخاصة، التى ظهر عليها وجه ضابط الاتصال، وهو يقول فى توتر:
- معذرة أيها السادة، ولكننا نتلقَّى اتصالاً خارجياً، وصاحبه يصرّ على التحدُّث إليكم مباشرة.
تبادل القادة وضباط أركان الحرب نظرة متوترة، قبل أن يقول القائد الكبير :
- فليكن.. دعنا نتحدَّث إليه.
اختفت صورة الضابط من الشاشة، وظهرت بدلاً منها صورة لشخص يجلس فى دائرة ظل، بحيث تختفى ملامحه تقريباً، وهو يداعب رأس نمر ضخم، ويقول بلهجة أجنبية، تحمل رنة ظافرة :
- مساء الخير أيها السادة.. إنها أوَّل مرة نلتقى فيها، لذا دعونى أقدم نفسى.. أنا (بلاك هارت).. زعيم منظمة (القلب الأسود)، التى استولت على قمركم العسكرى.
قال القائد فى توتر :
- ما الذى تسعى إليه يا (بلاك)؟.. الابتزاز؟!
انطلق (بلاك هارت) يقهقه ضاحكاً، قبل أن يقول :
- الابتزاز؟!.. يا له من تفكير!.. هل تصورَّتم أننا مجرَّد عصابة تافهة، تسعى خلف النقود؟
قال القائد فى صراحة :
- لا فائدة من اللفّ والدوران يا (بلاك).. العالم أجمع يعلم أن الهدف الرئيسى لمنظمتكم الإجرامية هو المال، حتى وإن اختلفت وسائلكم فى السعى إليه.. إنكم تتجسسون على الجميع لحساب الجميع، وترتكبون أكثر الأعمال خسة ونذالة وقذارة، لتكوين ثروات مغموسة بالدم والعار، فلا تحاول التظاهر الآن بأنكم أصحاب مبادئ وأفكار سامية.
أطلق (بلاك) ضحكة أخرى مجلجلة، وداعب رأس النمر فى جذل، قبل أن يقول :
- اطمئن أيها القائد.. لن أحاول حتى التظاهر بأننا من أصحاب المبادئ والأفكار، وإن كنا نحمل شيئاً من السامية كما تعلمون.. الواقع أننا، فى هذه المرة، لا نسعى لمال يمكن ابتزازه من دولة أو حتى عدة دول.. إننى نسعى فى الواقع لما هو أكبر بكثير.. وكوسيلة لتوضيح وجهة نظرنا قرَّرنا أن نمحكم مثالاً بسيطاً لما ننوى التعامل به معكم.
والتقط جهاز اتصال فضائى خاص، مستطرداً :
- (ميل).. هل تسمعنى فى وضوح ؟
نقلت شاشة الاتصال صوت (ميل)، وهو يجيب من داخل المكوك الفضائى :
وبكل وضوح أيها الزعيم.
صمت (بلاك) لحظة، ثم قال فى حزم :
- اضرب الموقع رقم واحد.
ومع قوله، نقلت الشاشة صورة حاملة طائرات عربية(*)، فى قلب البحر الأبيض المتوسط، فهبَّ قائد القوات البحرية من مقعده، صائحاً :
- ربَّاه!.. إنها حاملة طائراتنا (ليث).. ستكون كارثة لو أنه..
وقبل أن يتم عبارته، نقلت الشاشة مشهد حزمة الليزر الهائلة، التى أطلقها أحد مدفعى (بدر - 1)، فهوت على حاملة الطائرات كصاعقة عملاقة، ونسفت محرِّكها، وهى تشطرها شطرين بلا رحمة..
وأمام الأعين المذعورة الذاهلة، راحت حاملة الطائرات العملاقة تغوص فى مياه البحر، وتغرق فى بطء، وبحَّارتها يحاولون النجاة عبثاً، وضحكات (بلاك هارت) المخيفة تتردد عبر أجهزة الاتصالات، وصوته الساخر الظافر يقول:
- إنها مجرَّد عيِّنة أيها السادة.. عينة لما يمكن لقمركم أن يفعله بكم، لو لم تخضعوا لمطالبنا وشروطها كلها.
هتف القائد الأعلى فى حدة :
- أية مطالب، وأية أوامر أيها السفَّاح؟
أطلق (بلاك) ضحكة أخرى، وراحت الصورة تتلاشى من الشاشة تدريجياً، وهو يقول :
- فيما بعد أيها السادة.. فيما بعد.. ستعرفون مطالبنا وشروطنا فيما بعد.
واختفت صورته تماماً، وما زالت ضحكاته تتردَّد فى المكان، فى حين خيَّم صمت رهيب على الجميع، وهم يحدِّقون فى الشاشة الخالية، قبل أن يقطعه القائد فى مرارة:
- ألم أقل لكم؟.. إنها كارثة.. كارثة بلا حدود.
عاد الصمت يُغلِّف المكان لحظات، ثم اندفع رئيس المخابرات الفضائية، يقول:
- سيدى القائد.. كم تبلغ دقة أجهزة الرصد، فى (بدر - 1).
التفتت إليه العيون كلها، وسأله القائد :
- لماذا تسأل يا رئيس المخابرات ؟
اعتدل رئيس المخابرات الفضائية فى مقعده، وهو يقول :
- لأنه لو كانت أجهزة الرصد فى القمر العسكرى مجهَّزة لصد الهجمات القوية، فأعتقد أنها لن تستطيع رصد جسم صغير، يتحرَّك نحوها بدقة مدروسة، وبسرعة معقولة.
قال القائد، والحيرة تمتدّ من عقله لتُغلَّف الحاضرين جميعاً :
- إنها كذلك بالفعل.. ما الذى يدور فى ذهنك بالضبط؟
ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتى رئيس المخابرات الفضائية، وهو يجيب :
- فى هذه الحالة، أعتقد أن لدى خطة مجنونة.. خطة قد تعيد إلينا (بدر - 1).
وبدت عبارته أشبه بابتسامة..
ابتسامة غامضة..
غامضة للغاية.

* * *

عهد Amsdsei 05-10-11 10:28 PM

الفصل الثالث : رجل واحد

تحرَّكت سيَّارة كبيرة فى حذر، فى منطقة الإطلاق المهجورة، وتوقَّفت إلى جوار جدار نصف متهدِّم، وأضاءت مصباحيها مرتين متتاليتين، وانتظر ركَّابها الثلاثة، حتى رأوا مصباحاً يسطع وسط الأطلال، أربع مرات متعاقبة سريعة، فتنفس أحدهم الصعداء، وغمغم :
- كل شئ يسير وفقاً للخطة.
مطَّ أكثرهم بدانة شفتيه، وقال فى برود :
- حتى هذه اللحظة.
ثم غادر السيارة، ووقف يتطلَّع إلى البقعة التى سطع عندها المصباح، وهو يدسّ كفيه فى جيبى معطفه، حتى ظهر رجلان آخران، يحمل أحدهما حقيبة كبيرة، فى حين بدا الآخر أنيقاً للغاية، ومتعالياً إلى حد كبير، وهو يصافح البدين، ويسأله:
- هل أحضرت كل شئ.
أشار البدين إلى الرجلين المصاحبين له، ففتح أحدهما حقيبة السيارة، وناوله مدفعاً ليزرياً كبيراً، أمسكه البدين على نحو يشف عن خبرته، وهو يقول للأنيق:
- هذا مدفع ليزرى من طراز (س - 609).. المفروض أن يقتصر استعماله على رجال الشرطة والأمن، ولكنك ستحصل على مائة قطعة منه بسعر لا ينافس.. وستأخذ معه ألف أنبوب، و…
قاطعه فجأة صوت صارم، من فوق مبنى قريب :
- انتهت الصفقة أيها السادة… إننى ألقى القبض عليكم جميعاً.
تراجع الأنيق فى حركة حادة، وصرخ :
- فخ.. إنه فخ.
أما البدين وزميلاه، فقد تحرَّكوا بسرعة كبيرة، والتقطوا ثلاثة من مدافع الليزر، صوَّبوها إلى ذلك الشاب، الذى يقف فوق المبنى نصف المتهدم، وصرخ البدين :
- اقتلوه.. اسحقوه سحقاً.. لا تسمحوا له بالإيقاع بنا.
انطلقت أشعة الليزر نحو الشاب، الذى ظلّ واقفاً فى مكانه، وترك الأشعة تخترق جسده، وكأن أمرها لا يعنيه، فى نفس اللحظة التى انطلق فيها الأنيق يعدو مع رفيقه، فى محاولة للفرار، وهتف البدين مذهولاً:
- ما هذا بالضبط؟!.. الأشعة تخترق جسده، دون أن تقتله.
وهنا صاح أحد زميله :
- إنها خدعة أيها الزعيم.. هذا ليس شخصاً حقيقياً.
هتف البدين، وهو يطلق أشعة مدفعه مرة أخرى :
- ما هو إذن ؟
أجابه الرجل، وهو يحدِّق فى الجسد، الذى عبرته الأشعة القاتلة دون توقف :
- مجرَّد صورة أيها الزعيم.. صورة هولوجرافية(*).
وفى نفس اللحظة، التى نطق فيها كلمته، برز الشاب الحقيقى أمام الأنيق وأحد زميليه، وهو يقول :
- إلى أين؟.. هذه محطتكما الأخيرة.
قالها، ووثبت قدمه تركل الأنيق فى وجهه، وتلقى به إلى الخلف فى عنف، فاستلّ رفيقه مسدسه، وهو يهتف:
- خطأ.. إنها محطتك أنت الأخيرة.
انحنى الشاب فى سرعة مدهشة، متفادياً شعاع الليزر الذى انطلق نحوه، ثم انزلق فى خفة، ودار حول نفسه فى مرونة، ليركل المسدس من يد الحارس الخاص للأنيق، الذى ضربه بالحقيبة التى يحملها، صارخاً :
لا.. ابتعد عنى.
أصابت الحقيبة الشاب فى صدره، ولكنها لم تفقده توازنه، فضربها بكل ما يملك من قوة بيسراه، وأطاح بها بعيداً، فارتطمت بجدار قديم، وانكسر رتاجها، فتناثرت منها أوراق النقد، وتطايرت فى المكان، فى حين انطلقت قبضة الشاب اليمنى كالقنبلة، لترتطم بفك الحارس الخاص، وقفزت قدمه فى اللحظة نفسها تقريباً، لتغوص فى معدته، ولم يكد الحارس ينحنى متأوِّهاً، من أثر الضربة، حتى استقبلته ركبة الشاب فى أنفه، وألقت به فاقد الوعى، إلى جوار رئيسه..
ومن بعيد، وثب البدين وزميلاه داخل سيارتهم، وهو يصرخ :
- أسرعا.. سنبتعد عن هنا بأقصى سرعة.
احتلّ أحد الرجلين مقعد القيادة، وأدار المحرِّك بسرعة، وتراجع بالسيارة إلى الخلف، ليفسح لنفسه مجالاً للانطلاق، ولكن الشاب أخرج من جيبه قرصاً صغيراً، يحوى عدة أزرار، وضغط أحد أزراره فى سرعة، ثم ألقاه نحو السيارة..
وفى سرعة ونعومة، انطلق القرص يطارد السيارة، حتى لحق بها بسرعته المدهشة، واندفع بين إطاراتها، حتى بلغ محرِّكها، فالتصق به فى قوة، وتألَّق بضوء أخضر، اضطرب معه المحرِّك، وتخبَّط، وتوقَّفت السيارة فى عنف، وصاح قائدها فى توتر بالغ:
- شئ ما أفسد المحرِّك أيها الزعيم.
دفع البدين جسده خارج السيارة، وهو يقبض على المدفع الليزرى فى قوة، وتلفَّت حوله فى عصبية، هاتفاً:
- ذلك الشاب أصابه بالتأكيد.. أنا أعرف رجال الأمن وحيلهم السخيفة.
غادر زميلاه السيارة بدوريهما، وتوترت سبَّابتهما على زنادى مدفيهما، وقال أحدهما فى حدة :
- أين هو إذن؟.. لست المح أى أثر له فى الجوار!
لم يكد يتم عبارته، حتى ارتفع صوت، من خلف جدار قريب، يقول :
- استسلموا.. لقد انتهى أمركم.
استدار الثلاثة فى سرعة إلى مصدر الصوت، وانطلقت أشعة مدافعهم الليزرية الثلاثة تسحق الجدار فى آن واحد..
ومن خلفهم، برز الشاب، وقفز فى الهواء فى رشاقة، ودار جسده دورة رأسية كاملة، قبل أن يهبط وراءهم مباشرة، ويقول:
- معذرة.. أنتم تطلقون النار فى الاتجاه الخطأ.
انتفضت قلوب ثلاثتهم فى هلع، واستداروا يواجهونه معاً، ولكن قبضته سحقت فك أحدهم، وهشَّمت أنف الآخر، والبدين يصرخ:
- لا.. لا أحد يمكنه الإيقاع بى هكذا.
غاصت قبضة الشاب فى كرشه، وهو يقول :
- إذن فأنا أحمل الاسم..
وحطَّم اثنتين من أسنانه الأمامية بلكمة كالصاعقة، مستطرداً :
- اسمى (لا أحد).
سقط البدين إلى جوار زميليه، وانحنى الشاب يحيط معاصمهم بأغلاله الإلكترونية، وأحد الرجلين يقول:
- ولكن.. ولكننا سمعنا صوتك خلف الجدار.
ابتسم الشاب ساخراً، وهو يقول :
- أجهزة النقل الصوتية تباع على الأرصفة، فى زمننا هذا.
ثم ضغط زرّ جهاز الاتصال الصوتى فى ساعته، وهو يقول :
- هنا (نسر - 7).. من الفرقة الخاصة.. تم إحباط صفقة السلاح المشبوهة، وإلقاء القبض على كل أطرافها، أطلب سيارة سجن لحملهم جميعاً.
أتاه صوت زميله (طارق)، وهو يقول :
- أين أنت يا (خالد)؟.. نحن نبحث عنك منذ نصف الساعة.
أجابه (خالد) فى هدوء :
- كنت أتابع الصفقة، وخشيت الاتصال، لأنهم يحملون أجهزة تصنّت جيدة.. ماذا هناك بالضبط؟
قال (طارق) فى لهفة واضحة :
- الرئيس طلب مقابلتك على الفور.. من الواضح أن الأمر عاجل يا (خالد).. عاجل وخطير..
خطير جداً..
* * *
".. اسمك (خالد سلمان).."..
نطقها رئيس المخابرات الفضائية، وهو يتطلَّع إلى (خالد)، الذى وقف أمامه فى مكتبه، وقفة عسكرية صارمة، ولاذ بالصمت التام، والرئيس يتابع :
- عمرك ستة وعشرون عاماً.. برتبة ملازم أوَّل.. التحقت بالمخابرات الفضائية منذ عام واحد، بعد أن أبديت شجاعة واضحة، وتفوقاً ملموساً، خلال فترة عملك فى القوات الخاصة الانتحارية، ولقد انتخبك الكمبيوتر من بين عشرة آلاف رجل أمن، بناءً على مهاراتك المتميزة، وقدراتك الفذة على القتال والمناورة، وملفّك يقول إنك تجيد مهارات شتى، ولكنك لا تميل إلى استخدام الأسلحة العنيفة.
تنحنح (خالد)، وقال :
- لست أحبذ القتل يا سيِّدى.. إلا للضرورة القصوى. أومأ رئيس المخابرات الفضائية برأسه، قائلاً :
- نعم.. ملفك يشير إلى هذا، ولكن دعنا لا نتوقَّف كثيراً أمام التفاصيل، فلقد أضعنا وقتاً ثميناً فى البحث عنك، والمفروض أن نحسن استخدام الوقت المتبقى بأفضل ما يمكننا.
لم يُعلِّق (خالد) بحرف واحد، وإن عصفت عشرات الأسئلة برأسه، بحثاً عن السبب، الذى استدعاه من أجله رئيس المخابرات الفضائية شخصياً، ولم يترك له الرئيس فرصة للاستنتاج والاستنباط، وهو يسأله :
- لقد تلقّيت تدريبات فضائية.. أليس كذلك؟
أومأ خالد يرأسه إيجاباً.. متمتماً :
- بلى يا سيدى.. لقد حصلت على درجة الامتياز فى ارتياد الفضاء، والقتال فى مجالات انعدام الوزن، والجاذبية، المنخفضة، و…
قاطعه الرئيس فى حزم :
- عظيم.. استعد إذن، فستحملنا واحدة من سياراتنا إلى القاعدة الفضائية العربية، حيث يستعد مكوك فضائى خاص للإقلاع فور وصولك.
ارتفع حاجبا (خالد) فى دهشة هذه المرة، وهو يقول :
- الإقلاع فوراً؟!.. سيِّدى.. ألا تعتقد أنه من المناسب أن أعرف نوع المهمة المسندة إلى بالضبط.
أجابه رئيس المخابرات الفضائية، وهو يسير معه إلى حيث تنتظرهما السيارة الخاصة :
- ستعرف يا (نسر - 7).. ستعرف كل شئ، ونحن فى الطريق إلى هناك.. كل شئ.
وتضاعف فضول (خالد) وقلقة..
تضاعف ألف مرة..
* * *
تردَّد العد التنازلى للمرة الثانية، فى القاعدة الفضائية العربية، والصاروخ الذى يحمل مكوك فضاء الطوارئ يستعد للإقلاع، وألقى قائد القوات نظرة على ساعته، فى توتر شديد، وهو يسأل رئيس المخابرات :
- أأنت واثق من أنه قد قبل المهمة طواعية؟
أشار رئيس المخابرات بسبَّابته، قائلاً :
- ودون أدنى تردَّد يا سيادة القائد.. لم أكد أخبره أن شرفنا وأمننا العربى فى خطر، حتى أعلن قبوله للمهمة، ولهفته على الانطلاق بأسرع ما يمكن.
هزَّ قائد القوات رأسه، قبل أن يقول :
- أمامنا ثمانى ساعات فحسب.. ستستغرق رحلة المكوك خمساً منها، قبل أن يصل إلى المحطة الفضائية (م - 9)، وبعدها يكون أمام (نسر - 7) ثلاث ساعات فحسب، لإتمام المهمة، وإلا فقدنا السيطرة تماماً على القمر.
عقد أحد أركان الحرب حاجبيه، وهو يقول :
- معذرة يا سيِّدى، ولكن هناك أمراً يُحيرنى.. لو أن هؤلاء المجرمين يحتاجون إلى عشر ساعات، حتى يحكموا سيطرتهم على قمرنا (بدر - 1) فكيف أمكنهم توجيهه قبل هذا، ونسف حاملة الطائرات (ليث)؟!
أجابه القائد :
- إنهم لم يستخدموه عبر شفرة توجيه، وإنما بالتحكم المباشر، من خلال جاسوسهم هناك.. وهذا الجاسوس لن يمكنه البقاء إلى الأبد، داخل مكوك الفضاء المتصل بالقمر، فمن المحتم أن ينفصل المكوك عن القمر، فور اكتمال عملية إبدال الشفرة، وإلا لن يتمكَّن هذا الجاسوس من العودة إلى الأرض أبداً.
قال رئيس القاعدة فى قلق :
- لست أدرى لماذا تبدو لى هذه العملية جنونية أكثر من اللازم؟!.. هل تعتقدون أنه من الممكن أن ينجح رجل واحد، فيما تفشل فيه حملة هجومية منظَّمة..
أجابه رئيس المخابرات :
- إنها فرصتنا الوحيدة، فصغر حجم مقاتل واحد نسبياً، يمنحه فرصة أكبر فى الوصول إلى القمر، حيث لن تنجح أجهزة الرصد فى رصده؛ لأنها مصممة للتعامل مع الهجوم المباشر.
قال رئيس القاعدة :
- ولكننا لن نستطيع الاتصال به أبداً، حتى لا نشير إلى وجوده، أو نكشف أمر مهمته، وحتى لا تستفز، اتصالاتنا هؤلاء المجرمين، فليجأون إلى إجراء انتقامى، قد يعرِّض مئات الأبرياء للقتل والتدمير.. باختصار.. سيكون الشاب وحيداً تماماً فى مهمته، فهل تعتقد أنه أهلّ لها.
تنهَّد رئيس المخابرات، وقال :
- الكمبيوتر يؤكِّد أنه قادر على القيام بالمهمة.
قال القائد فى عصبية :
- وهل سنمنح ثقتنا كلها لجهاز كمبيوتر ؟
صمت رئيس المخابرات لحظة، ثم أجاب فى حزم :
- إننا نمنحها لواحد من نسورنا يا سيادة القائد..
وعاد إلى صمته لحظة أخرى، قبل أن يضيف :
- ثم إنه ليس أمامنا خيار آخر.
مطَّ القائد شفتيه، وكرَّر فى أسف :
- نعم.. ليس أمامنا خيار آخر.
ومع آخر حروف كلماته، انطلق مكوك الطوارئ إلى الفضاء، وراح الجميع يتابعونه بأبصارهم، حتى اختفى وسط الظلام، فتنهَّد القائد، وغمغم :
- فلندع الله (سبحانه وتعالى) أن يوفِّقه فى مهمته، فهو أملنا الوحيد فى النجاة.
كانوا يتابعون الانطلاق على شاشة الرصد التليسكوبية، عندما اندفع ضابط الاتصال إلى القاعة، وهتف :
- سيِّدى.. رسالة عاجلة للغاية.
التقط رئيس القاعدة الرسالة، وقرأها فى سرعة، ثم رفع عينيه الهلعتين إلى الجميع، قائلاً فى توتر :
- يبدو أن الرياح لا تسير أبداً كما تشتهى السفن أيها السادة.. لقد انطلق مكوك فضائى مجهول من قاعدة سرية فى وسط (أوروبا)، ويتجَّه مباشرة نحو محطتنا الفضائية (م - 9)، وأخشى أن أثير المزيد من قلقكم، ولكن المؤشرات تقول إن هذا المكوك يخص تلك المنظمة التى تسيطر على (بدر - 1).. منظمة (القلب الأسود).
وكانت المفاجأة عنيفة هذه المرة..
عنيفة وقاسية.
للغاية.

* * *


الساعة الآن 10:51 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية