منتديات ليلاس

منتديات ليلاس (https://www.liilas.com/vb3/)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.liilas.com/vb3/f449/)
-   -   132 - كيف ينتهي الحلم - ليليان بيك - عبير القديمه ( كاملة ) (https://www.liilas.com/vb3/t166582.html)

فداني الكون0 27-08-11 09:03 PM

132 - كيف ينتهي الحلم - ليليان بيك - عبير القديمه ( كاملة )
 



http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_13144713831.gif

مرحبااااااااا ياحلوين
اليوم راح انزل رواية حلوة وايد من روايات عبير القديمة وكلي امل انها تعجبكم تنال رضاكم ياحلوين
للامانة الرواية منقولة وكل الشكر والتقدير لكاتبة الرواية


اسم الرواية:كيف ينتهي الحلم
الكاتبة: ليليان بيك
:liilas:

قراءة ممتعة للجميع

فداني الكون0 27-08-11 09:10 PM

الملخص
 

كيف ينتهي الحلم

الملخص
http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_13144713832.gif



في حياة كل منا لقاء اول. وهو احيانا كالسهم يصيب موضع القلب فيجرح بلا رحمة و احيانا كثيرة يطيش في الفضاء ولا يخلف الا ذكرى عابرة و مريرة او صدى معينا يتقلب في ليل العاصفة ولا سبيل الى الخلاص منه في معظم الاحيان.....
كانت الانسة لين هيوليت تتساءل كثيرا ماذا فعلت لتستحق هذا اللقاء الصاعق الذي سقط كالحجر على صفحة حياتها الوديعة... لقاؤها بكريستوفر يورك المفتش الوسيم الذي وجد نفسه مضطرا لمعارضتها في بادئ الامر في كل شئ تفعله وخاصة اساليبها الجديدة في التعليم كان يعتبرها سابقة لاوانها ولكنه ايضا يعشق جمالها في السر.
احبته رغما عنها احبته وهي تعتقد انها تكرهه كراهية لا حد لها. هذا المزيج الساحر اصبح حلمها الوحيد ولم تعد تعرف كيف ينتهي الحلم......

http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_13144713832.gif

فداني الكون0 27-08-11 09:14 PM

الغلاف
 

وهذي غلاف الروايه


http://www.liilas.com/up/uploads/liilas_13144722631.jpg


وانشاءالله تعجبكم الروايه

فداني الكون0 27-08-11 09:16 PM




1- المعلمة الجميلة في شرك
دخلت لين هيوليت بسيارتها إلى مدرسة ميلدنهد للصبيان. خرجت من السيارة ثم اقفلتها بعد أن أوقفتها في الموقف المخصص لسيارات الاساتذة. وأسرعت مندفعة بقوة عاصفة في اتجاه المدخل الرئيسي الذي يؤدي الى البناية التي يقع صفها ضمنها. دخلت الممر الطويل في المدرسة القديمة التي يغلفها محيط أكاديمي ثقيل يشبه الهواء الخانق.

منتديات ليلاس
حملت حقيبة العمل المليئة بدفاتر تمارين التلاميذ بيدها و أسرعت نحو السلالم وهي ترتب شعرها الكستنائي الطويل الذي يتطاير في الهواء. حدقت في الممر الفارغ من الطلاب وعلمت أنها اقترفت الخطيئة التي لا تغتفر....خطيئة التأخير في أسبوع التفتيش. كان شعورها بالذنب عظيما. ارتجفت لا شعوريا وهي تشعر بوجود المسؤولين المتوعدين حولها. أنهم لجنة المفتشين في المدارس التابعة للمملكة البريطانية. كانوا، في اعتقاد لين، يقتحمون المدرسة للانتقاد والتجسس على جهاز التعليم.
استعرضتهم لين في مخيلتها الواسعة قراصنة اسكندنافيين حضروا للتخريب والسلب، ولن يهنأ لهم بال حتى يعرّوا المدرسة من كل حسناتها، ويقيّدوا حرية الاساتذة الحديثي الاسلوب والتفكير دون رحمة. وهذا يطالها مباشرة لأنها معلمة اللغة الانكليزية الوحيدة التي تمارس طرق تعليم حديثة في صفوفها.
هكذا تفهم لين عمل المفتشين. نظريتها لا تستند الى أسس صحيحة، ولكنها في ذهنها ومتأصلة ولن تحيد عنها. انها لم تلتق مفتشا من قبل. ورغم ذلك فانها تتمسك بنظريتها قلبا وروحاً، وليست على استعداد لمناقشتها أو تعديلها. انها المرة الاولى في فترة عملها في مهنة التعليم التي ستقابل فيها المفتشين وتتعامل معهم.
عرفت لين بوصول المفتشين دون ان يخبرها احد. عرفت بوصولهم من الجو غير الاعتيادي والسكون المخيف واختفاء الفوضى في البناية بأكملها. كانت البناية عادة، في ساعة الصبا الأولى، تعيش فوضى منظمة وتعج ممراتها بالحركة والحياة. والصبيان يسرعون بضجة الى الاجتماع العام في القاعة الرئيسية.
صعدت لين السلالم كل درجتين سوية دون اكتراث لما حولها. وجدت نفسها فجأة في اعلى السلالم ضمن مجموعة من الرجال يشكلون نصف دائرة في وقفتهم. وقفتهم سيئة تعرقل المسير. ووجدت نفسها تصطدم برجل من الواقفين دون قصد. رفعت رأسها مرتبكة ووجدت لسوء حظها ان الرجال الواقفين ليسوا زملاءها في سلك التعليم، بل رجال لجنة التفتيش ذوي الوجوه الصارمة الكئيبة، في ثيابهم الانيقة. ويتوسطهم مدير المدرسة الاستاذ بنستون وقد أزعجه وصول صبية جميلة مسرعة كالجرّافة.
رفعت لين رأسها بعصبية ونظرت الى وجه الرجل الذي ارتطمت به. كان المفتش لايزال يرتب ثيابه وقد ارتسم الحزن على وجهه. بدا أصغر سناً من بقية المفتشين، عيض المنكبين فارع الطول، شعرع كستنائي وعيناه الرماديتان عابستان. كان ينظر اليها يقيمها بعينيه الباردتين. رفع يده يستشير ساعته الذهبية الكبيرة في محاولة تدقيق حساب الزمن ومحاسبتها على تأخيرها. تنفست بصعوبة وهي تضبط اعصابها قدر الامكان وتمتمت:
- انا آسفة. آسفة جداً.
خاطبها المدير بصوت خشن كأنه يصرفها لشأنها:
- صباح الخير يا آنسة هيوليت.
ركضت لين تحتمي بغرفة الاساتذة في نهاية الممر.
صرخت تخاطب زملاءها الاساتذة وهم في في طريقهم الى صفوفهم:
- لقد ألغي الاجتماع الصباحي بمناسبة زيارة لجنة التفتيش.
وكأنها تعني: لقد سبقتكم بالتعرف الى اللجنة وتميّزت عنكم!
ألقت بنفسها فوق مقعد. ورفعت شعرها الاسود الطويل عن عينيها العسليتين وأخبرتهم ما حصل معها فضحك الجميع.
- لا تهتمي يا لين. ان لجنة المفتشين ليست غولاً.
قالت ماري رادكليف صديقتها في دائرة اللغة الانكليزية، ومعلمة مثلها.
- انها تجربتك الاولى مع لجنة التفتيش وسوف لا ينتظرون منك العجائب.
- لا. انا لا أصدقك. لو رأيت التقطيب والعبوس فوق وجه المفتش الذي صدمته في معدته هذا الصباح لفهمت قصدي. لو زارني في احد صفوفي لطردني في أول فرصة تسنح له.
قال كين مارشال زميلها الحميم ذو الشعر الأصفر في محاولة جادة لإعادة ثقتها بنفسها:
- لا تكوني مجنونة يا لين! هم لايفعلون ذلك في مهنة التعليم وخصوصاً لمعلمة من الدرجة الاولى تحمل شهادة جامعية بدرجة امتياز مثلك.
نهضت لين وجمعت أغراضها وكتبها وقالت:
- أنت مرتاح يا كين لأنهم لن يزورا صفوفك. فأنت معلم للرياضة البدنية وتعمل بموجب قوانين خاصة محدّدة ولا يتدخل أحد في أسلوبك أو طريقة تدريبك.
هز كين رأسه غير موافق وقال:
- قدّمي محتوى درس اليوم بالاسلوب التقليدي المتبع في المدرسة بدلاً من طريقتك التجريبية.
أجابت لين معترضة:
- أسلوبي ليس تجريبياً. انا أتبع طرقا مجربة نتائجها مضمونة وقد استعملت عدة سنوات في مدارس حديثة يديرها مديرون متطورون بعيدو النظر وليسوا مثل مديرنا......
وقفت لين وفتحت باب غرفة الاساتذة بينم حاول كين وماري ان يسكتاها وهما يشيران اليها اشارات خفية ليعلموها بوجود مجموعة المفتشين قرب غرفة الاساتذة. توقفت لين عن الكلام وشعرت ان مجموعة المفتشين سمعوا صوتها المرتفع والمعترض.

فداني الكون0 27-08-11 09:19 PM

اغلقت عينيها يائسة وأسرعت الى غرفة صفها وهي تقول:
- لايزالون واقفين.
كان ضجيج تلاميذها مسموعا خارج الغرفة، وهم صبيان بين الرابعة عشرة والخامسة عشرة من العمر.
-بحق السماء واجلسوا وأهدأوا من فضلكم.
اختفت لين في الغرفة المجاورة التي تستعملها كمستودع صغير تخزن فيها ما يلزمها. جلبت طبشورا وعادت.
-عليكم ان تحسنوا التصرف اليوم والا سيكون وضعي سيئاً. يوجد معنا مفتشون يطوقون المدرسة خلسة. أحدهم سيحضر صفي ليتجسس على عملي. سأخبركم ذات يوم كم أكره هيئة التفتيش وعملها.
صمت الجميع. كانت ردة فعلهم غير منتظرة. وساورها بعض الشك ولكنها عادت من جديد الى غرفة المخزن المجاورة وجلبت المزيد من الطبشور.
وجدت أمامها الرجل الذي لم تكن تتوقعه، الرجل الطويل المتعجرف. كان ينظر اليها بعينيه الرماديتين نظرة غاضبة، يتفحصها من قمة رأسها حتى أخمص قدميها. كان هو بعينه الشخص الذي كادت توقعه صباحاً، حين اصطدمت به فوق السلالم. ارتبكت واحمرت وجنتاها وهي تعتقد انه ربما يكون سمع كل ما قالته لتلاميذها منذ برهة وجيزة. سألته بصوت مرتجف:
-نعم؟ هل استطيع مساعدتك؟
فردد اسمها متسائلاً:
-الآنسة هيوليت؟ اسمي يورك. انا مفتش اللغة الانكليزية. أرغب في حضور صفك. هل لديك مانع في أن اجلس في مؤخرة الغرفة؟
وهل يمكنها أن ترفض؟ ثم أكمل حديثه:
-لا تهتمي لوجودي......تظاهري بأنني غير موجود.
وكيف يمكنها أن تتجاهل وجود رجل مفترس كالنمرمعها في الغرفة!
جلس الاستاذ يورك بصعوبة في مقعد في زاوية الغرفة البعيدة. رتب أوراقه وأقلامه بطريقة منظمة ثم وضع يديه في
جيوبه، ومال يستند الى الحائط خلفه وقد كست وجهه تعابير غاضبة وعابسة بانتظار أن تبدأ الدرس.
أخذت لين نفساً عميقاً وقالت بصوت واضح مسموع:
-هيا يا أولاد. كل منكم الى فرقته. رتبوا أولاً المقاعد كالمعتاد.
رتب التلاميذ المقاعد بشكل جديد بسرعة وضجيج مقبول وفوضى محتملة. كان المفتش ينظر الى أوراقه ويتسلى بالرسم عليها كما اتفق.
-كل منكم يعرف موضوعه. فرقة ألف تعمل في التقرير. فرقة باء مع المسجلة لقراءة الشعر مع الموسيقى. عليكم استعمال الغرفة المجاورة كي لا نزعج بقية الفرق. فرقة جيم في معالجة قراءة هذه الكتب وفرقة دال في الكتابة الحرة والإنشاء.
با المفتش ممتنّبهاً متعجباً وهو يرى كل فرقة تنخرط لفورها في العمل، بينما تمرّ لين بينهم تستمع إليهم تساعدهم وتعطيهم النصائح والارشاد عندما تجد ضرورة لذلك. كانت تجلس فترة مع فرقة تناقش أعضاءها في مواضيع مختلفة وتبدي رأيها المخالف لرأيهم، وتساعدهم في تكوين آرائهم الخاصة. وإذا اختلفوا فيما بينهم، طلبت منهم ان يكملوا المناقشة بهدوء ليتوصلوا الى اتخاذ القرار المناسب.
كانت لين تشعر بمراقبة المفتش الدائمة لها وهي تقوم بعملها. لقد أزعجتها مراقبته لكل حركة من حركاتها. لابد أنه يسجل كل شئ في محاولة لتقييم عملها. إنه يستمع لكل جملة تقولها. لن تسمح له ان يربكها أو أن يجعل توازنها يختلّ. ستعطي أفضل ما عندها ولن تترك له أي مجال لانتقادها.....
بدأ فريق التسجيل في الضحك والتهليل في الغرفة المجاورة. وأسرعت لين لتحاول تهدئة الوضع. وبقيت معهم فترة تستمع لتسجيلاتهم وأشعارهم. وحين عادت ادراجها إلى غرفة الصف وجدت المفتش واقفا يتكلم مع فريق القراءة. كان يسألهم اسئلة ويتصفح الكتب التي بين أيديهم ويراقب دفاترهم وملاظاتهم. تمنت لين ان يتركها وشأنها ويخرج ولكنه بقي حتى نهاية الحصة. شعرت أنها أطول ساعة في حياتها.
قالت اخيراً بصوت مرتفع:
-انتهينا. اعيدوا المقاعد الى أماكنها واحزموا كتبكم وارحلوا.
وقفت لين قرب مكتبها بعد ان خرج آخر تلميذ من الغرفة وقد بدا عليها الارهاق وتوتر الاعصاب. لماذا لم يذهب هو أيضاً؟
تقدم الاستاذ يورك ببطء الى الامام وتوقف قرب مكتبها كأنه يريد ان يتكلم ولكنه غير رأيه وشكرها وخرج.
تراخت جالسة على كرسيها من التعب. كان خوفها من رأيه بها وبتعليمها يشلّ تفكيرها وحركتها. اخيراً انتهت الحصة وخرج فلا موجب للعصبية. ثم ان التلاميذ تصرفوا بطريقة احسن مما انتظرت منهم. لم يخذلوها.... انتهى الكابوس وانتهت حصة التفتيش.... لن يحضر مرة ثانية بعد.
انتهت ساعات التدريس الصباحية وأقفلت لين غرفة صفها. ثم مرت بطريقها على صديقتها ماري وصديقها كين لتذهب بصحبتهما الى غرفة الطعام المخصصة للاساتذة ليتناولوا غدائهم. سألهم كين وهما ينزلان السلالم:
-كيف سارت الأمور؟
أجابت لين:
-أفضل بكثير مما توقعت. لقد تصرف التلاميذ احسن تصرّف.
قاطعها كين مختصراً:
-لأنهم يحبونك....
-.....ولكن المفتش لم يبد أية ملاحظة.
سألتها ماري متعجبة:
-ألم يتكلم معك بعد الدرس؟
-لا. وهل كان عليه ان يفعل؟
أجابتها ماري:
-هذا ما يحصل عادة. يسأل عن المنهاج المقرر لهذه السنة...... لا تهتمي. ربما يكون قد حصل على كل المعلومات التي يريدها من قبل.
هزت لين كتفها كأنها تقول ان رأيه في اسلوب تعليمهاوطريقتها في التدريس لا يهمها. حملت صينية طعامها وجلست قرب ماري وكين

فداني الكون0 27-08-11 09:20 PM


هزت لين كتفها كأنها تقول ان رأيه في اسلوب تعليمهاوطريقتها في التدريس لا يهمها. حملت صينية طعامها وجلست قرب ماري وكين.
-انظري من حضر الى هنا......انهم لجنة المفتيشين بصحبة مدير المدرسة.
قال كين مستغرباً وجودهم:
-انه يرعاهم كما ترعى الدجاجة صغارها.
قالت لين بلهجة ساخرة:
-انه يبالغ بالاهتمام بهم وسيقدم لهم طعامهم ايضاً.
-هل هذا الشاب الطويل الأنيق هو مفتش اللغة الانكليزية؟
سألها كين بصوت يكاد لا يسمع:
-لقد رآك يا بطتي. أرجو ان تتصرفي كما يجب.
أجابته بصوت منخفض:
-سيحضر الآن الى هنا ويفسد علي طعامي.
-اعتقد انه شاب لطيف ووسيم ومرح وهو متعلم ومصقول. ماذا تريدين اكثر من ذلك؟
سألتها ماري وهي تراقبه من زاويتها بتأن:
-يبدو في منتصف الثلاثنيات من عمره، مثلي. نسبيا، هو صغير لهذه الوظيفة التفتيشية.
-هل تعرفين يا لين،
قال كين معلقا:
-ان هذا الرجل لا يستطيع ان يبعد نظره عنك..... ماذا فعلت له؟ هل سحرته؟ انه يراقبك منذ دخل الى هنا.
-صحيح؟ هل نقدم له مشهداً ساراً يا كين؟
نظرت لين الى كين نظرة حالمة.
فقطب كين ضاحكاً وقال:
-إذا تابعت نظراتك تلك فسأضطر لمعانقتك أمام الجميع.
-ارجوك ان تفعل يا كين.
وبعبث وخبث قربت نفسها منه اكثر.
قال كين مرتبكاً:
-ابتعدي يا لين أرجوك.
وكذلك انزعجت ماري تصرفاتها المثيرة المصطنعة:
-لقد أعطت تصرفاتك نتائجها. ها هو يركز اهتمامه على طعامه ويشارك اصدقاءه الحديث. هيا لنعد الى مطحنة العمل. لقد انتهينا من طعامنا.
قاموا ومشوا خارجين. وحاولت لين ان تتفادى المرور قرب طاولة المفتشين، ولكن المدير الأستاذ بنستون لمحها وناداها عبر الغرفة.
خافت لين وتساءلت ما الذي فعلت لاستاهل كل ذلك؟
-اهلا آنسة هيوليت.
رحب المدير بها وهو يعرفها الى هيئة المفتشين:
-آنسة هيوليت هي المسؤولة حالياً عن دائرة اللغة لانكليزية في غياب الاستاذ بلاكهام رئيس الدائرة لأسباب مرضية.
ثم نظر الى الاستاذ يورك ليعرفها اليه.
-اعتقد انك التقيت هذا الصباح الاستاذ كريستوفر يورك مفتش اللغة الانكليزية.
هز الاستاذ يورك رأسه بأدب دون ان يرفع ناظريه إليها.
-وهؤلاء بقية المفتشين.
أكمل المدير الاستاذ بنستون تعريفه وهو يسمي كلاً باسمه.
-ربما تتعجبين لماذا ناديتك الى هنا؟ اريدك في مكتبي في الساعة الثالثة إلا ربعا كي نقول بدورة في انحاءالمدرسة مع المفتشين.سأطلب من جميع وؤساء الدوائر ان يرافقونا.ارجو ان تتدبري أمرك لمرافقتنا.
وافقت لين بسرعة وهي تتظاهر بالغبطة والحماس.ضحك المدير كثيرا تحى نزلت نظارته فوق أنفه.وبحركة مهذبة من يده نظر الى لين وصرفها لشؤونها. تركت لين المدير وصحبه وهي تتأسف على الوقت الثمين الذي سيضيع في جولة المدرسة مع فريق التجسس من المفتشين.والمزعج الاول بينهم سيكون الاستاذ يورك بالطبع.
منتديات ليلاس
حضرت صديقتها ماري في الوقت المحدد لتأخذ عنها صفها كي تذهب لين الى المدير وصحبه. وتمتمت لين تخاطب ماري:
-لو كنت انت المسؤولة عن الدائرة بدلاً مني؟
-ولكن درجتي العلمية ليست بامتياز مثل درجتك يا عزيزتي.
أجابتها ماري بهدوء:
-لقد نلت تقديراً يوم تخرجت وهذه النتيجة لاتؤهلني لثقتهم في ادارة الدائرة.
دخلت لين الحمام في غرفة الاساتذة وغسلت وجهها ثم رتبت شعرها وأعادت تزيين وجهها ونظرت الى الرآة تطمئن لجمالها. ألقت على نفسها نظرة رضى وهي تقول: تعابير وجهي المريرة هي التي تؤثر على جمال شكلي....ابتسمت بلطف وقالت: هكذا أفضل، سأبتسم للجميع ما عدا الاستاذ يورك.
قرعت لين باب مكتب المدير ثم دخلت. كانت آخر الوافدين والمرأة الوحيدة بينهم. نظرت العيون إليها باعجاب ونهم، وشعرت لين برغبة في ان تركض هاربة بعيداً عنهم. عم السرور جميع الموجودين بدخولها ما عدا واحداً. أحد المفتشين قال بفروسية: يسرهم ان تكون معهم سيدة شابة جذابة لتضفي لوناً سحرياً منعشاً على تجوالهم في المدرسة.
ضحك المدير معلقاً ثم رحب بها وهو ينحني بأدب:
-حضر الجميع يا سيدتي، رؤساء الدوائر والمفتشون. هل نبدأ جولتنا؟
ثم نظر الى مفتش اللغة الانكليزية وقال:
-يا استاذ يورك. ستكون الآنسة هيوليت بخدمتك.
تحرك الاستاذ يورك وهو يبتسم ساخراً. هل نمشي؟
تمتم وفتح لها الباب لتخرج قبله.
سارا جنبا الى جنب صامتين في الممر الطويل. وشعرت لين بكآبة وهي تتساءل: كيف ستتفاهم مع شخص متعجرف وانعزالي وعنيد مثله؟ بماذا ستتحدت معه؟ عن الطقس؟ رغبت في الضحك وشعرت انها تتصرف بطريقة جنونية. رأت استاذ اللغات مقبلاً نحوهما.
-اسرع يا استاذ ويلكنز!
-هل تعملين في هذه المدرسة منذ زمن يا آنسة هيوليت؟
قفزت لين من نبرة صوته الرزينة الهادئة.
-منذ ثمانية عشر شهراً.
-وعلى افتراض أنك قمت بسنة تدريب.
وتوقف قليلاً. هزت لين رأسها موافقة.
-وهذا يجعلك في الثالثة والعشرين من عمرك؟
ولماذا يسأل عن عمري؟ غضبت ثم اجابته باقتضاب:
-الحقيقة انني في الرابعة والعشرين من عمري.
سره ارتباكها وانزعاجها وقال:
-انا آسف. لا تسأل سيدة عن عمرها!
اضطربت لين ولم تفكر بجواب يصدمه. وارتاحت قليلاً لأنهما وصلا الى مدخل القاعة العامة. فتحت الباب ودخلا. انضما الى بقية المفتشين ومرافقيهم في قاعة الاجتماعات. واحاط بها بعض الموجودين وهي تشرح لهم عن لائحة الشرف للمدرسة. تكلمت عن اللوحات الزيتية المعلقة فوق الحيطان والتي تصور المدراء الأقدمين والشخصيات المهمة التي تنبت مشروع المدرسة ورعته والتي تفخر المدرسة بهم.
شعرت لين وهي تتكلم ان الاستاذ يورك قد ترك المجموعة. انزعجت من تصرفه. وفتشت عنه فوجدته في زاوية القاعة يتفحص الأرغن القديم عن كثب.....انابيبه الذهبية التي ترتفع الى السقف وتغطي اجزاؤها الحائط الخلفي بكامله. لقد استرعى الأرغن كل اهتمامه، وترك اصابعه تعبث فوق مفاتيحه دون ان يخرج صوتاً. ثم جلس على الكرسي الصغير امام الارغن دقيقة او اكثر قبل ان يقف ويعود ادراجه الى المجموعة وقد وضع يديه في جيوبه.
خاطبه احد رفاقه مازحاً:
-انك متشوق لتلعب على الأرغن يا كريس. لماذا لاتفعل؟ المستمعون محجوزون لأمرك ومستعدون للتصفيق فوراً.
ضحك الاستاذ يورك مع صحبه ومال برأسه الى الوراء فبانت اسنانه ناصعة البياض. وجدت لين نفسها تنظر اليه باعجاب وهي تفكر كم هو وسيم! ولكن لماذا تهتم لجاذبيته؟ انه ليس صديقاً. ونظراته العابسة تؤكد عداوته تجاهها وهي تشعر بها بكيانها

فداني الكون0 27-08-11 09:22 PM



ادارت لين ظهرها له وهي تكمل شرحها للمجموعة المتحلقة حولها عن التمثيليات التاريخية التي تخرجها دائرة اللغة الانكليزية بمعاونة دائرة التاريخ. وذكرت لهم ايضاً ان دائرة الموسيقى تنظم حفلات موسيقية ممتازة تقيمها في هذه القاعة بالذات. كما وان المدرسة تشجع وتعتز بفرقة شبيبة المدرسة الموسيقية. اكملوا جولتهم بعد ذلك وزاروا مركز الجمباز والاستاد ومختبر العلوم والمكتبة وكل زاوية تستوجب الرؤية، وهذا يعني انهم زاروا وتجولوا في كل مكان. وحان وقت تناول الشاي فدعاهم مدير المدرسة الاستاذ بنستون الى مكتبه لتناوله هناك.
مشوا جميعهم عبر الممر بكثافة اجبرت اي شخص آت في الاتجاه المعاكس لهم على التراجع أو الانتظار. كان اندفاع موكب المفتشين في الممر وهم في طريقهم الى مكتب المدير مثيراً للضحك. ابتسمت لين لنفسها وهي تراقبهم.
حين اقتربت الموكب من غرفة الاساتذة، فتح الباب وظهر كين. وقع نظره على لين وغمز لها مازحاً. ابتسمت له ابتسامة ساخرة وتمنت ان لا يكون احد لاحظ مابينهما. ومع ذلك وجدت ان مفتش اللغة الانكليزية ابتسم ايضاً. وتغيرت تعابير وجهه قليلاً مما يدل غلى انه لاحظ نظراتها العابثة الى كين. وللفور تطلع عبر النافذة يشغل نفسه بالنظر الى الملاعب. وبعد قليل نظرت اليه لين من جديد لتجده قد استعاد تعابيره الصارمة القاسية. واعتقدت ان خيالها هو الذي صور لها ضحكة صامتة في عينيه.حملت لين فنجان الشاي بيد وصحن الكعك باليد الاخرى،ودارت بنظرها تفتش عن مكان فارغ تجلس فيه.امسك الاستاذ يورك بذراعهادون استنذان وقادها الى كرسي مريح في زاوية الغرفة البعيدة.انزعجت لين لأنها شعرت انها العمل وشكرته مكرهة.حمل لها فنجان الشاي والصحن ووضعهما قربها على طاولة صغيرة.
-والآن يا آنسة هيوليت.
وقف الاستاذ يورك امامها مباشرة وقطع عليها الطريق الهرب وكأنه صمم ان يحتفظ بها حتى ينتهي من حديثه معها. وضع احدى يديه في جيبه وحمل فنجان الشاي باليد الثانية. اخبريني.
كانت عيناه الرماديتان القاسيتان تتفحصان وجهها بدقة: وسأكون مهتماً بجوابك.
تكلم ببطء شديد وكأنه يصيغ سؤاله بتأن.
-ما هو الدور الذي يجب ان تلعبه التقاليد في هذا العصر في حياة المدرسة باعتقادك؟
فكرت لين قليلاً. لماذا يستجوبني؟ عبست وهي تشك في الأمر. هل تخبره حقيقة شعورها وتسلمه رأسها وتعرض نفسها للخطر؟ ام تكتفي ببعض الملاحظات التافهة التي لا تؤثر في الموضوع ولا تؤثر في الموضوع ولا تظهر له حقيقة تفكيرها؟ فضلت ان تقول الحقيقة لأنها كانت واثقة انه لن يقتنع الا بها.
-اعتقد ان التقاليد(بدأت تجيبه ببطء) في المدرسة تشبه الدرع الحديدي للجندي المحارب.
-اوه؟ رفع حاجبيه الى اعلى متسائلاً:
-ولماذا؟
ابتسمت له ابتسامة عريضة:
-لأن التقاليد تغلف وتقيد كل شئ تحتويه كالدرع. اذا خلع الجندي درعه شعر بحرية الحركة. ما اعنيه ان على المدرسة ان لا تتمسك كثيراً بالتقاليد بل تتكيف مع النظريات الحديثة في التربية.
حدقت به متمنية ان يحاول فهم قصدها. شعر الاستاذ يورك ان توازنه قد اختل وهو ينظر الى عينيها العسليتين الواسعتين وهي تترجاه.
-هل تقصدين ان التقاليد تقيد الانسان الى الماضي؟
انضم الاستاذ ويلكنز رئيس دائرة اللغات اليهما وبدأ يستمع الى المناقشة وهو يشرب الشاي. وعلق دون استئذان:
-هل تعلن لين افكارها الثورية في التربية والتعليم من جديد؟ هي دائماً معارضة.
فضل الاستاذ يورك ان يتجاهل ملاحظة الاستاذ ويلكنز. ونظر الى لين واصر ان يسمع جوابها هي.
-نعم. هذا ما اقصده. التقاليد تمنع التقدم. الطرق القديمة في التربية كانت دون شك تناسب الزمن القديم. واذا استعملناها لزمن آخر ستكون مفارقة تاريخية في غير موضعها.
-هل تعنين ان علينا ان نهمل كل شئ قديم لمجرد انه ليس جديداً؟
-لا. انا اعارض ان نقيد انفسنا بالتقاليد لمجرد انها تقاليد نعتز بها. مثلاً مدرسة جديدة ومؤسسة تربوية جديدة لاتربط بالتقاليد..... انها تتحرك بحرية دون التزامات بالماضي وبالتالي تتبنى طرق التعليم الحديثة دون شعور بالجرم لأنها لا تقيم وزناً للتقاليد.
-حسنا. لقد شرحت رأيك بوضوح. ولكن هناك شيئاً يذهلني في ملاحظاتك.
كان الاستاذ يورك يتكلم عن قناعة وهو يسألها كالعاصفة:
-بحق السماء! لماذا اخترت العمل في مدرسة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتقاليد وتعتز بتاريخها وماضيها المجيدين؟
شعرت لين كأن ضربة قاصمة قد سددت اليها. هل هذا ما كان يبتغيه من مناقشتها؟ انه ليس صديقاً وما اهتمامه بها الا من اجل الايقاع بها في الشرك الذي نصبه لها كي يستطيع ان يسلخها عن المدرسة.
-هذا ما نطلبه من الآنسة هيوليت دائماً.
قال موجهاً كلامه الى الاستاذ يورك:
-لماذا لاتترك المدرسة –المستنقع العفن- كما تسميها؟
صعقت لين من حديث زميلها وحاولت ان تدافع عن نفسها:
-انا لم اتكلم عن المدرسة هكذا ابداً.
قال الاستاذ سبنسر بهدوء:
-قيل لي انك قلت شيئاً من هذا القبيل......ربما هي اشاعة.
نهضت لين من مجلسها وقد نفد صبرها:
-انا اعمل هنا حباً بالتحدي. الجو الثقافي مشبع بثاني اكسيد الكربون الخانق ونحتاج للأوكسجين النظيف نحقن به الجو لننظفه. يحتاج الجو للتجديد، كما نقول في حياتنا العادية. يحتاج لهواء نظيف، هواء تربوي جديد.
قالت لين بتحد عاصف:
-وداعاً يا استاذ يورك.
ثم مشت باتجاه مدير المدرسة. وقبل ان تبتعد سمعت الاستاذ ويلكنز يضيف:
-حماس تبشيري في غير موضعه.
-شكراً لمساعدتك.
قال الاستاذ بنستون وهو يربت على كتفها بحنان ابوي.
ولم يكن قد تناهى الى سمعه بالطبع اي جزء من المناقشة التي دارت في زاوية مكتبه.
خرجت لين مسرعة دون ان تنظر الى الخلف. مشت عبر الممر الى غرفة الاساتذة. واحست براحة كبرى لأن الغرفة كانت فارغة. فجمعت اغراضها بسرعة وعادت الى منزلها بمزاج معكر للغاية.
بقيت لجنة المفتيشين اسبوعاً في المدرسة. كان المفتشون يدخلون ويخرجون من صف الى آخر مما جعل كل افراد الهيئة التعليمية والطلاب يشعرون بوجودهم بطريقة او باخرى. كانت لين تلتقي عدوها الاستاذ يورك في الممر وتخظى بنظرة غير ودودة منه. التقته مرة خارج غرفة الموسيقى يتكلم مع استاذ زميل. والتقته مرة ثانية يتحدث مع زميل له في هيئة التفتيش. رجل متوسط العمر ومرح. كانت لين في طريقها الى غرفة صفها. تحرك الاستاذ يورك قليلاً ليفسح لها مجالاً لتمر بسلام. لم تبتسم له ولا هو رفع نظره اليها. سلم زميله عليها بحرارة قائلاً:
-صباح الخير.
وسمعته لين يقول للاستاذ يورك:
-فتاة جميلة وجذابة وصغيرة لتتولى رئاسة الدائرة الانكليزية. الا تعتقد ذلك؟
اجابه الاستاذ يورك ساخراً:
-انها صغيرة جداً.
فكرت لين باسئلة الاستاذ يورك وحللتها يتأن فوجدت انها معقولة. شعرت ان غضبها في غير محله ولا يمكنها ان تصبه عليه. كان عليها ان تصب جام غضبها على زملائها الاساتذة الذين تناولوها بأقوالهم امام اعضاء التفتيش بعبارات قاسية وانتقادية. لماذا تلومه؟ هو مستاء لتصرفها وكلما التقته شعرت بأنه لا يغفر لها. يحزنها بل يزعجها لأنها كانت تأمل ان يكوّن فكرة حسنة عنها وعن عملها.
جلست مع ماري وكين وقت الغداء. واخبرتهم ماري ان الاستاذ يورك زارها مفتشاً على احد صفوفها.
سألتها لين باهتمام:
-وهل قدم لك بعض ملاحظاته؟
-تحدثنا طويلاً بعد الدرس. سأل عن المنهاج المقرر واسئلة اخرى. انه شاب معقول ولذيذ. رأيه صائب ومقنع. لقد تحاملت عليه مسبقاً يا لين.
شعرت لين ببعض الحسد وهي تقارن نفسها مع ماري. لقد اعطى ماري اهتماماً خاصاً في تعامله معها معاملة الند للند بينما اهملها هي كلياً..... مع انها تحمل شهادة علمية ارفع وبدرجة امتياز.
كانت سارحة بأفكارها حين لكزها كين في ذراعها. نظرت لترى كريس يورك حاملاً صينية طعامه في طريقه الى طاولتهم

فداني الكون0 27-08-11 09:23 PM

.
قدمت ماري له كرسياً قربها:
-اجلس يا استاذ يورك. اهلاًبك. ما الذي حملك الينا؟
سأله كين وهو يضحك:
-مجاملة لنا؟
-يمكنك اعتبارها مجاملة. لقد استقبلتنا بحفاوة بالغة يوم الاثنين الماضي وانا ارد المجاملة الآن.
لحظت لين انه لا يحب المجاملة والتمجيد. كانت قد انتهت من تناول طعامها وبدأت تشرب قهوتها. نظرت الى صحنها وهي تلعب بالمعلقة وسط بقايا الطعام. لم تفهم لماذا يخالجها شعور بالاحراج لقربه منها. ارتبكت ولم تجد اية كلمة تتفوه بها معه. كان يتناول طعامه ويتكلم مع كين وماري بسهولة وعفوية. اخبرهم عن موطنه في شمال انكلترا وجمال الريف هناك.
-هل زرت شمال انكلترا ياآنسة هيوليت؟
شعرت كأن صوته ايقظها من احلامها.
-يوركشاير؟ لا. ربما ازور المنطقة قريباً. سيعقد هناك مؤتمر تربوي وانا افكر جدياً بحضوره.
-اوه.
بدا المفتش مهتماً للأمر.
-يجب ان تزوري الريف في وقت فراغك اثناء فترة المؤتمر. الأفضل ان تجدي شخصاً يملك سيارة لتذهبي برفقته الى المستنقعات.عليك ان تتجولي مشياً على الأقدام ولا تفعلي مثل الغالبية التي تزور المنطقة بالسيارة فقط. هناك صمت غريب لايمكن ان تكوني قد اختبرته من قبل.
سألت ماري بفضول:
-الصمت هوالصمت! كيف يمكن ان يكون مختلفاً؟
منتديات ليلاس
-لا. للصمت انواع مختلفة. في المستنقعات الصمت ملموس ومسموع. انه كثيف تحسه وتشتطيع ان تلمسه. عندما ارغب في الهرب من كل مشاكلي او احتاج لحل بعضها او يخالجني احساس بعاطفة خاصة....كلنا نمر بمثل تلك الظروف احياناً حتى انا....اذهب بسيارتي واوقفها ثم اخرج لأتمشى اميالاً، اقطع الهضاب وسط السكون الغريب. تأثيره غريب علي كالبلسم الشافي للجراح.
-انا اصدقك.
قالت ماري: هناك عدد من الأديرة القديمة المشهورة في ذلك القسم من البلاد.
-نعم. معظم هذه الأديرة مبنية في مواقع بديعة وخلابة. منها دير فونتان ودير جيرفو. ثم دير ريفو الى جهة الشرق.
ثم نظر مخاطباً لين يحاول اثارتها:
-ولكن هذه الآثار لا تهم الآنسة هيوليت. كل شئ قديم، بالنسبة لها، عبء ثقيل يجب التخلص منه. الجديد هو المرغوب فيه....
قالت بحدة:
-هذا غير صحيح وانت تعرف ذلك يا استاذ يورك!
هز يورك كتفه واكمل شرب قهوته. نظر كين وماري اليها باستغراب وتبادلا نظرات الدهشة. نظر المفتش الى ساعته ثم وقف قائلاً:
-اعتذر. علي ان اسرع. شكراً لرفقتكم المسلية.
ورفع يده مودعاً.
-من الواضح انه يتحامل عليك يا لين. ما السبب؟
سألتها ماري:
-ومع ذلك فهو شاب لطيف ومشوق.
وافقها كين ايضاً:
-يبدوكذلك.
هزت لين رأسها غير موافقة بعصبية وهي لاتزال تشعر بحزن وألم من جراء اتهامه الخاطئ لها.
-بصراحة نحن لن نتفق!
منتديات ليلاس
كان يوم الجمعة هو آخر يوم من اسبوع التفتيش الطويل. كل شئ يسير على غير ما تشتهي لين. اضاعت دفتر الغياب والملاحظات ووجدته بعد عناء وتفتيش مدفوناً تحت اكداس الورق فوق مكتبها فتأخرت عن صفها. ثم اكتشفت ان اقلامها مثلمة وتحتاج للبري فتأخرت أكثر. ركضت في الممر كأنها ارنب يهرب من ثعلب، ولم تراع بذلك القانون الذي سنته بنفسها لتلاميذها: لا تركض في الممر.
وصلت اخيراً الى الصف ودهشت للهدوء المخيم. هي المرة الوحيدة التي تتذكر ان طلاب هذا الصف، وهم بين الحادية عشرة والثانية عشرة من عمرهم، يجلسون في مقاعدهم دون ضجيج في غيابها. مشت الى داخل الغرفة ووضعت كتبها فوق الطاولة. ورفعت نظرها وهي لا تستطيع ان تتنفس. كادت توقع اغراضها على الأرض من شدة ارتباكها. جف حلقها واحست بحاجة لتجلس وتستريح لأن رجليها لاتقويان على حملها. لقد لمحت مفتش اللغة الانكليزية الاستاذ يورك يجلس في مؤخر الصف.
-تابعي عملك يا آنسة هيوليت. تظاهري بأنني غير موجود.
وقف مكانه وخاطبها بكل جدية.
شعرت لين بالمرض. بدأت تسجل الغياب في دفتر الملاحظات وهي تفكر اسئلة تحيرها: لماذا زارها مرة ثانية؟ لماذا يصر على ازعاجها؟ لم يسبق ان زار مفتش معلمة مرتين؟ هل يعني ذلك .... استجمعت لين قواها وبذلت جهداً كبيراً لتتابع عملها.
طلبت من التلاميذ تغيير ترتيب الكراسي وبعد ذلك تجمعوا في فرقهم المختلفة. احس التلاميذ بارتباكها وعدم ثقتها بنفسها وتوتر اعصابها، فاغتنموا كل فرصة سانحة ليثيروا الشغب والفوضى في الصف. لم تستطع ان تضبطهم كما يجب. اذا وقع الطبشور من يدها يضجون بالضحك، واذا نظرت الى دفتر الملاحظات تستشيره كانوا يغتنمون يغتنمون الفرصة للوشوشة والثرثرة. جمع المفتش اوراقه في نصف الحصة وانسحب. وشعرت لين انها بحاجة للبكاء.
كل شئ كان يذكرها بفشلها، وبالتأكيد، هذه نهايتها في سلك التعليم. ما يؤلمها اكثر ان المفتش كان يتناول طعام الغداء على طاولتها في اليوم السابق ولم يذكر لها انه سيزورها مفتشاً صفها للمرة الثانية. ربما لأنه يرغب ان يشاهدها متلبس بالجرم المشهود ولقد نجح.
انتهت دروس بعد الظهر. مشت مضعضعة الأفكار الى غرفة الاساتذة وجلست الى مكتبها. وضعت يدها فوق رأسها وانحنت فوق طاولتها. وحضرت ماري الى غرفة الاساتذة بعد قلبل.
-ما المشكلة يا لين؟
سألتها.
اجابتها بأنها متعبة جداً.
-لك رسالة من سكرتيرة المدير. يريدك في مكتبه بعد المدرسة.
هذا ما كانت لين تخافه.
-عليك ان تذهبي الآن؟
مشت لين تجر نفسها جراً الى مكتب المدير. كانت تخاف ما سيقوله لها. كان خوفها يزداد كلما اقتربت اكثر من المكتب. لم تكن تتوقع ان ترى مفتش اللغة الانكليزية بقامته الفارعة، يحدق من النافذة كأن صبره قد نفد وهو ينتظر وصولها الى الاجتماع.

فداني الكون0 27-08-11 09:25 PM

انتهى الفصل الأول واتمنى يعجبكم وبأنتظار ردوكم

فتاة 86 28-08-11 01:31 AM

موفقة حبيبتي بتنزيل الرواية
يعطيكي العافية

و أكيد بتعرفيني دائماً برفقتك بكل جديدك

فداني الكون0 28-08-11 01:09 PM

اهلين حبيبتي
مرورج يشرفني يا قلبي
يسلمو والله يعافيج حبيبتي
اكيد ماعندي شك انج دايما معاي

زهرة منسية 28-08-11 03:44 PM

يعطيكى الف الف عافية فانى الرواية من ملخصها باين أنها مليئة بالأحداث المشوقة موفقة فى تنزلها وأنا متابعة معاكى

هدية للقلب 28-08-11 06:47 PM

اهلا يا قمر باين من الملخص ان الرواية رائعة
وانا بانتظار التكملة وربنا يعطيك العافية وتسلم ايديك
كل سنة وانتى طيبة عيد فطر سعيد عليك

فداني الكون0 29-08-11 02:30 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة nona1979 (المشاركة 2856614)
يعطيكى الف الف عافية فانى الرواية من ملخصها باين أنها مليئة بالأحداث المشوقة موفقة فى تنزلها وأنا متابعة معاكى

اهلين نونا حبيبتي
الله يعافيج يا قلبي
الروايه روعه تابعيها وراح تحبينها بجد
يسلمو علي مرورج

فداني الكون0 29-08-11 02:37 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هدية للقلب (المشاركة 2856670)
اهلا يا قمر باين من الملخص ان الرواية رائعة
وانا بانتظار التكملة وربنا يعطيك العافية وتسلم ايديك
كل سنة وانتى طيبة عيد فطر سعيد عليك

اهلين حبيبتي
الاروع وجودج
الله يعافيج يا قلبي والله يسلمج
وانتي بخير وايامج سعيده

فداني الكون0 29-08-11 03:00 PM



2-صداقة لساعة واحدة

-آنسة هيوليت. تفضلي يا عزيزتي.
قال الاستاذ بنستون.
وقف يستقبلها واشار الى كرسي امام مكتبه وقدمه لها لتجلس عليه. استدار المفتش من وقفته امام النافذة وجلس على حافتها ويداه في جيوبه. وبدا عابساً وهو بتصفحها بدقة.
بدت لين شاحبة الوجه متوترة الاعصاب يائسة. ورفعت يدها المرتجفة الى شعرها لترتبه. استدار المفتش ليبعد نظره عنها وشعرت لين بخيبة، وهي ترى ظهره ومنكبيه العريضين. ورغبت ان تضربه بقبضة يدها بشدة.
-يا آنسة هيوليت، خاطبها المدير: لدينا بعض الامور نريد ان نبحثها معك ولن نستبقيك كثيراً. اعرف انك تمارسين لعبة كرة المضرب مع الاستاذ كين مارشال اغلب الاحيان بعد الدوام. اليس كذلك؟
هزت لين رأسها موافقة. انه يتودد اليها ويساير.
-سأدخل في صلب الموضوع. انا والاستاذ يورك (نظر المفتش مستغرباً حين سمع اسمه) كنا ندرس ونحلل نتائج الامتحانات الدورية لصفوفك. وجدنا ان نتائج صفوفك اقل من مستوى نتائج بقية الاساتذة في الدائرة. هل يمكنك ان تشرحي لنا الاسباب؟
-نعم. اعتقد ذلك. اعتدنا في الدائرة ان يحضر احد الاساتذة الامتحانات لجميع الصفوف، وبالتالي يأخذ طلابي امتحانات وضعها غيري. وبما ان وسائل تعليمي تختلف عن وسائلهم، فستأتي الاسئلة بطريقة تختلف والاستاذ المسؤول عن وضع الاسئلة سيسأل عما اعطى هو تلاميذه.
سألها المدير:
-اليس هناك منهاج تتبعينه؟
-طبعاً ولكنني لا التزم به كلياً كما يفعلون وليس بنفس الترتيب.
ترك المفتش مكانه قرب النافذة وجلس في مقعد قرب المدير في مواجهتها ويداه لاتزالان في جيوبه. كان ينظر الى المكتب ويتفحص الخشب الصقيل بكل اهتمام.
-في نهاية السنة المدرسية ستنتهين من تعليمهم المنهاج المقرر.
قال دون ان ينظر اليها:
-وربما اشرح لهم اشياء اضافية اخرى.
رفع كريس يورك حاجبيه وسألها:
-مثلاً؟
قالت لين مترددة:
-انا اؤمن بالتقارير.
سأل المفتش بدهشة:
-تقارير؟ للغة الانكليزية؟
-التقارير يا استاذ يورك تحتاج للكثير من الكتابة وتدوين ملاحظات وقراءة مراجع وروايات ومسرحيات وأشعار.........
توقفت لين لتأخذ نفساً بينما مال المفتش بجسمه الى الأمام وهو يقاطعها.
-اود ان ابحث معك مسألة اخرى يا آنسة هيوليت. مسألة قراءة الشعر مع خلفية موسيقية فوق المسجلة.... كيف تساعد في تعليم اللغة الانكليزية؟
كان يتساءل بتهكم.
-حتى المواد التي كانوا يسجلونها لا تمت بصلة الى الشعر الكلاسيكي المقرر في المنهاج مثل شيللي وكيتس وميلتون. حين سمعتها لم افهم اية كلمة. وبدا لي كأن الكلمات المسجلة من اختراعهم.
-يا استاذ يورك!
هتفت لين محدقة به:
-كانت الكلمات من تأليفهم ولم تكن غامضة كما تقول.
وشعرت بحرارة في خديها لشدة غضبها:
-يوماً ما، سأريك بعض اشعارهم.
هز كتفيه كأنه يقول: حتى لو رأيتها فلست مقتنعاً بهذا الاسلوب.
-اشعارهم كلها خيال وصور جميلة. عندما يحضرهم الالهام يأتي الشعر بسهولة وعفوية كالتنفس. انه يفوق بجودته اشعار المحترفين الكبار.
-ولماذا الموسيقى؟
-لأنك يا استاذ يورك لو استمعت اليهم بتجرد، بدلاً من الاستماع اليهم بصفة المفتش الذي يفتش عن الخطأ ليشير اليه، ولو لم تكن متحيزاً لأمكنك ان تلاحظ كيف تحرك الموسيقى خيالهم وتضفي على القراءة حالة مسرحية. هذا كل ما في الأمر.
منتديات ليلاس
لم يقتنع الاستاذ يورك ولن يقتنع. كان المدير الاستاذ بنستون خارج المناقشة. امسك قلمه وبدأ يرسم خطوطاً يتسلى بها ثم نظر الى لين واضاف:
-يا آنسة هيوليت. استلمنا شكاوى من بعض اهالي التلاميذ عن اسلوب تعليمك. هؤلاء يجادلون انهم يرسلون ابناءهم الى هذه المدرسة لأنهم يرغبون في تعليمهم وفق الطرق التقليدية. ولو انهم رغبوا في الأساليب الحديثة في التعليم لأرسلوهم الى مدارس من هذا النوع.
-الطرق التقليدية..... هل تعني الطريقة القديمة المعتادة؟
تحرك المفتش قلقاً وبدل جلسته ولكنه لم يعلق.
-يقولون اننا نجري التجارب والاختبارات على اولادهم.
اكمل المدير اتهامه وقد ازعجه جدلها.
-طريقتي في التعليم مجربة وموثوق بها. انها تستعمل منذ فترة في معظم المدارس الحديثة.... اعني حديثة البناء.
تحرك المفتش حركة سريعة ولكنه لم يتكلم.
افهم ما تقصدين.
قال المدير بمرارة:
-انت شابة تنقصك الخبرة. تريدين ان ترمي كل شئ قديم مهما كان ثميناً. ولكننا لا نوافقك.
-وسائل تعليمي تعطي نتائج افضل.....
تدخل المفتش بسرعة وقاطعها:
-هل نجحت ياآنسة هيوليت؟ اذا كانت المسرحية الهزلية التي شاهدتها في صفك بعد الظهر شاهداً، فأنا واثق من انها فاشلة.
كلماته المنمقة اشعلت الحرب بينهما. استدارت لين اليه كأنها حيوان جريح ينزف دمه قبل الموت.

فداني الكون0 29-08-11 03:02 PM

صرخت:
-السبب هو وجودك معنا في الغرفة. كنت عنصر ازعاج وتخريب ليس للتلاميذ فقط بل لي ايضاً......
قال المدير يعتذر عن عدم لياقتها ووقاحتها:
-يا آنسة هيوليت ارجوك. لايمكنك ان تخاطبي مفتشاً في هيئة التربية الوطنية بهذه الطريقة. لن اسمح لك! عليك ان تعتذري.
-انا. انا آسفة جداً يا استاذ بنستون.
رفضت لين ان توجه اعتذارها الى المفتش. ونظرت اليه ولكنه رد اليها نظرة مصطنعة باردة وابتسم ابتسامة ساخرة كأنه يقول: انا ازعجك كثيراً! اليس كذلك؟
شعرت بمرارة لأنها اطلقت لنفسها العنان ولم تحاول ان تكبح جماح غضبها. نظرت الى المدير وخاطبته.
-طرقي مأمونة النتائج يا استاذ بنستون.
كانت تدافع عن نفسها متحدية، انها تساعد التلاميذ على استعمال عقولهم. في معالجة كل تقرير يشارك الفرد بجهوده مع الفريق. يتناقشون ويتبادلون الآراء ثم يأتي دور القراءة والبحث في المراجع والموسوعات. وبعد ذلك يكتبون بالتفصيل ما توصلوا اليه. ربما يضطرون للبدء في بحث آخر ينبثق من التقرير الذي هم بصدد دراسته.
شعرت لين ان الاستاذ بنستون يحاول ان يفهم ولكن كل شئ يسمعه كان غريباً عنه. هز رأسه وتابع هجومه:
-ليس الأهل فقط بل هناك بعض الاساتذة يتذمرون من اسلوبك.
-معلمو اللغة الانكليزية؟
-واحد او اثنان. وهناك اساتذة من دوائر اخرى...... تلاميذك يطالبون بالتغيير في اسلوب تعليم بقية الاساتذة في المواد الاخرى. انهم صادقون ويقولون انهم يتمتعون معك بدروسهم ويزعجون بقية الاساتذة ويطالبونهم بتغيير اساليبهم لتصبح اكثر تشويقاً.
ابتسمت لين ابتسامة انتصار ولكن المدير رفع يده وأكمل:
-آسف ياآنسة هيوليت. يجب ان يكون العلم سهلاً وممتعاً برأيي. ولكنه ليس شيئاً آنياً بل يجب ان يصمد في العقل ويبقى محفوراً في الذهن الى الأبد. وقد جاءت نتائج الامتحانات في صفوفك تبرهن ان وسائل التعليم الحديثة لا تثبت ذلك.


ولكنني شرحت اسباب هذه النتائج.
-آنسة هيوليت. عليك ان توجهي الحقيقة. الامتحانات ضرورية للتلميذ. هي مقياس نجاحه او فشله. لا يمكنك التهرب من هذه الحقيقة في حياة الطالب التعليمية. علينا ان ندربهم للنجاح في الامتحانات. هذا التدريب هو عمل الاستاذ.
لم تستطع لين ان تناضل اكثر. لقد انهكت قواها وهزمت كلياً.
-وماذا تريدني ان افعل؟
جلس المدير مسروراً على كرسيه لأنها اقتنعت اخيراً. نهض المفتش من مجلسه ونظر من جديد عبر النافذة ويداه خلف ظهره، يسد بوقفته امام النافذة دخول النور الى الغرفة.
-كوني مفتشاً في وزارة التربية التابع للملكة لا يخولني ان اجبرك على تغيير وسائل تعليمك. انا لااملك السلطة ولكنني استطيع ان اقترح واقدم النصح فقط. عليك ان تفكري ملياً بالأمر. في هذه المدرسة التقليدية بتاريخها وشهرتها الاكاديمية التي تتبع الوسائل التقليدية الصارمة في طرق التعليم، اعتقد ان عليك ان تجاري بقية الاساتذة في طرقهم واساليبهم.
نظر اليها مواجهة.

فداني الكون0 29-08-11 03:05 PM


-يجب ان اسجل هنا اننا معجبون بروحك النضالية ونفتقر لأمثالك. ولكن في الظرف الحاضر، فإن جهودك في غير موضعها وتبقى جهوداً ضائعة.
-افهم من ذلك ان علي ان ابدل وسائل تعليمي لتتماشى مع وسائل بقية زملائي. وعلي ان افقد شخصيتي المنفردة في التعليم. وعلي ان اضحي بكل ما اؤمن به من نظريات.
-عزيزتي آنسة هيوليت، اجابها المفتش بصوت هادئ: عندما تكبرين ستكتشفين ان التمرد يلزمه اكثر من صوت واحد يصرح في البرية كي ينجح. عليك اقناع الآخرين حولك بفائدة وسائلك. وعندما تحصلين على مساندتهم يصبح لديك بصيص امل في تغيير الاسلوب.
نظرت لين الى المدير تخاطبه وهي تتنفس بصعوبة، ثم وقفت:
-استاذ بنستون. هل استطيع ان اخرج الآن؟
بدا المدير راضياً عن نتائج المناقشة التي ظهر المفتش فيها عنصراً فعالاً ومقنعاً.
-طبعاً يا عزيزتي. اشكرك على الاستماع الينا.
منتديات ليلاس
رفعت لين رأسها عالياً ومشت بسرعة نحو الباب. ذهبت الى غرفة رؤساء الدوائر بدلاً من الذهاب الى غرفة الاساتذة. يحق لها استعمال مكتب رئيس دائرة اللغة الانكليزية في غيابه لأنها كانت تقوم بمهماته. وجلست الى المكتب فوضعت يديها فوق رأسها وانحنت فوق المكتب وشرعت بالبكاء. نظرت بعد قليل حولها مستطلعة. لا يمكنها ان تبقى هنا فترة طويلة. امسكت حقيبتها فاخرجت منديلها ومسحت دموعها ثم ركضت خارجة من الغرفة. كانت مآقيها مليئة بالدموع فلم تلحظ في الممر وجود شخص يمشي باتجاهها. كانت لاترى اي شئ ولاترغب في شئ سوى الانفراد بنفسها.
وصلت الى غرفة الحمام الملاصقة لغرفة الاساتذة. ودخلت بسرعة فأغلقت الباب خلفها وتركت لنفسها العنان في البكاء.
حضرت ماري بعد قليل ودخلت الحمام. وجدت لين تجلس على كرسي تحدق في الفضاء وتبكي بحرقة كطفلة صغيرة. هدأت عاصفة البكاء وخفت الدموع قليلاً.
قالت ماري حانية عليها وهي تحاول ان تربت على شعرها مهدئة:
-لين يا عزيزتي! ما الذي حصل؟
كانت كالوالدة الحنون في لهفتها.
سألتها لين من بين دموعها المنسابة:
-كيف عرفت انني هنا؟
-قرع الاستاذ يورك على غرفة الاساتذة وقد بدا عليه الانزعاج. والظاهر انه رآك تدخلين الى هنا واعتقد ان شيئاً ما يزعجك.
-هكذا. انه هو سبب مشاكلي وانزعاجي..... ويقول انه لايعرف سبب ذلك.
صرخت لين بحنق وشرحت لماري ما حصل في غرفة المدير وسبب انفجارها.
-تشاجرا معي مثل كلبين سلوقيين يتشاجران على عظمة. كانا يتنافسان في تمزيق لحمي.
ضحكت ماري وقالت:
-هذا تشبيه جميل. افهم ما تقصدين.
-هل ذهب كين الى البيت؟
سألتها وهي تنظر الى نفسها في المرآة وبدأت تغسل وجهها من آثار الدموع:
-انظري الى شكلي العجيب!
-ليس كما تعتقدين. مع قليل من الزينة والترتيب تعودين اجمل مما كنت.
وضعت لين بعض الرتوش فوق وجهها واستعملت صباغ الشفاه بكثافة اكثر من المعتاد ورتبت شعرها.
-نعم. كين لايزال هنا. اجابتها ماري: عندما اخبرته انك في اجتماع مع المدير قال انه سيجبر شخصاً اخر على مشاركته في لعبة كرة المضرب. وسيعود اليك ليلعب واياك. لا تخذليه يا صغيرتي!
عادتا الى غرفة الاساتذة ووجدنا كين يفتش عنهما باهتمام.
-ما الذي حصل لك؟ هل حاول الرجل العجوز الاعتداء عليك؟ يبدو كأنك كنت في دوامة النشافة الكهربائية.
وضحكوا جميعاً.
-هل هذه طريقة معقولة يكلم بها الصديق صديقته الحميمة؟ علقت ماري.
-تعالي يا لين بسرعة لتشاركيني لعبة كرة المضرب. لا لزوم لتغيير ثيابك.
قالت لين وهو يمسك بذراعها ويجرها الى الخارج:
-ولكنني افضل ان اغيرها.
جذبها بسرعة الى الخارج مما جعل ذراعها تصطدم بحائط الممر.
-تعالي لا تكوني سخيفة. لقد انتظرتك طويلاً.
-آي!
صرخت وبدأت تفرك بغضب مان الرضة. احست انها مراقبة من قبل شخص واقف في الممر يتسلى بالنظر عبر النافذة. إلتفتت الى كين وقالت بدلع:
-اذا قبلتها ستتحسن بسرعة.
فعل كين كما طلبت منه. قبل ذراعها مكان الكدمة ثم مشيا سوياً وايديهما متشابكة ونزلا السلالم الى ملاعب كرة المضرب.
قال المفتش الذي كان واقفاً في الممر:
-مساء الخير.
فنظرت لين الى كين تخاطبه بصوت مرتفع:
-لن تهزمني ابداً مهما كنت ضخماً.
وكانت تعني المفتش بكلماتها وتتمنى ان يكون قد فهم مرادها.
قال كين:
-اعتقد ان هذا الرجل يكرهك كثيراً!
نظرت لين اليه تستعلمه:
-يكرهني؟
ثم اكملت بصوت مرتفع:
-لا يكرهني قدر ما أكرهه وامقته!
ثم ركضا الى ملعب كرة المضرب. سألته لين:
-مع من كنت تلعب قبل حضوري؟
-مع معلمة اللغة الانكليزية الجديدة الآنسة ديردر كارسون. تمتاز بضرباتها القوية في البداية ولكن لعبها اجمالاً ليس بمستوى لعبك وكذلك جمالها.
ثم تمتم وهو يضغط على يدها ويغمزها:
-ولكنها ليست كريهة!
لعبت لين بمهارة ونشاط. قال كين يخاطبها:
-انك تضربين بقساوة كأنك تتخيلين وجه المفتش صديقك في كرة المضرب. شعرت انه يراقبنا من احدى النوافذ المطلة على الملعب منذ برهة.
نظرت لين بسرعة الى اعلى لتتحقق. قال كين:
-تأخرت. لقد رحل.
قالت لين بمرارة وحنق:
-اعتقد انه كان يراقب لعبي في كرة المضرب ليقرر ما اذا كنت في مستوى ما تتطلبه وظيفتي كمعلمة لغة انكليزية.
-اخرجيه من تفكيرك يا صديقتي وفكري بي. هيا لنكمل اللعب فالتمرين وحده يفيدني.
الاسبوع التالي في المدرسة كان هادئاً، اذا قورن بالاسبوع السابق. كانت لين احياناً تشعر بشخص يشبه المفتش يراقبها من بعيد كأنه يتجسس عليها. كرهها له جعلها تعتقد ذلك: (خياله يلاحقني ليل نهار). كانت كلما دخلت غرفة صفها تنظر بارتياح ولهفة الى زاوية الغرفة لترى اذا كان المفتش قد عاد ليزعجها ويعذبها. بقيت خائفة حتى نهاية الاسبوع. واخيراً ارتاحت تدريجياً ولكن ثقتها بقدرتها في تأدية وظيفتها كانت تزعزعت. لقد حطم المفتش كل حماسها لمهنة التعليم وارادتها في التجديد.
كانت لين تلعب كرة الضرب مع كين كل مساء بعد ان تفرغ من عملها. احياناً عملها كرئيسة لدائرة اللغة الانكليزية كان يمنعها من مشاركته اللعب فتنوب عنها الآنسة ديردر. لين تحبها وتعتقد انها جميلة ولطيفة وكذلك كين، يشعر انه مدين لها لمساعدتها. انه متشوق للنجاح في مباراة كرة المضرب التي ستقام في منتصف الفصل وسيتنافس لنيل البطولة.
النهار يطول في فصل الربيع. وبالتالي يجد كين متسعاً من الوقت للتنزه مع لين قرب النهر. فهو لايحب المسرح والسينما لأنه لا يستطيع ان يبقى ساكناً لفترة طويلة من الوقت.
في امسية من شهر نيسان، بعد ثلاثة اسابيع من يوم التفتيش، تناول كين معها الشاي في استراحة قرب النهر ثم استأجرا مركباً للنزهة. كان يجذف بجد ونشاط بينما استقلت لين في مؤخر المركب ويداها تحت رأسها.كانت ترتدي بنطلوناً احمر وكنزة حمراء. تمتم كين قائلاً:

فداني الكون0 29-08-11 03:07 PM


-انظري من هنا!
وهز بيده ملوحاً ومرحباً. رفعت لين رأسها وبسرعة عادت الى وضعها السابق. كان كريس يورك يمشي بمحاذاة الضفة قرب الرصيف. سألها كين مستغرباً:
الن تلوحي له بيدك؟
-لا. شكراً. اان اسلم فقط على الاصحاب.
-مازلت غاضبة؟ انت تقسين عليه. هو لم يحطم عملك. اليس كذلك؟
هي وحدها تعرف كم اضعف ثقتها واعتدادها بنفسها، وحماسها، وكم حطم من روحها الوثابة. نظرت الى الافق البعيد وقالت:
-الم يفعل؟
-يبدو انه رجل وحيد. اتذكرين يوم قال لنا انه يحتاج ان يذهب الى المستنقعات ليستوحي الهدوء؟ اتعجب! ماذا يفعل عندما يكون بعيداً عن بيته ووحيداً؟
-يتمشى بجانت النهر كما يفعل الآن.
صرفت لين الأمر نهائياً. لقد حصنت عواطفها بالدروع تجاهه ولن تسمح لأي شعور ان يخامرها حتى ولا الشفقة. اذا كان رجلاً وحيداً فهذا شأنه. ربما يحب الوحدة. كلما التقته تتشاجر معه. وهي تحمد الله ان ذلك لم يكن يتكرر كثيراً.
كانت لين تتعتم بعملها كرئيسة للدائرة الانكليزية في غياب الاستاذ بلاكهام. الاشاعات تتردد انه ربما طلب التقاعد باكراً لأسباب مرضية. واذا صحت هذه التكهنات فانها ستقدم لهذه الوظيفة. انها منزلة فخرية وترغب بها.....
جمعت لين غسيلها الوسخ يوم الجمعة مساء ووضعته في كيس وذهبت الى مركز الغسيل الآلي في الحي لتغسله. لقد عرضت عليها السيدة ولترز –المؤجرة- ان تقوم عنها بهذا العمل عند بدء عقد الايجار. ولكن لين كانت تفضل ان تقوم به بنفسها.
وضعت لين كيس الغسيل في المقعد الخلفي في سيارتها وذهبت الى الموقف القريب من محل الغسيل، حيث اوقفتها وحملت غسيلها ودخلت المغسل. كان المغسل مكتظاً ولم تجد الا مقعداً واحداً لا يحتله احد. وضعت حقيبة يدها فوقه وحملت غسيلها الى الآلة الوحيدة الفارغة. وضعت الثياب بداخلها وما يكفي من المسحوق وادارت المحرك لبدء عملية الغسيل. ثم عادت الى مقعدها بعد ان انتقت مجلة وبدأت تقلب صفحاتها بدون اهتمام. كان يجلس الى شمالها رجل يقرأ الجريدة،والى يمينها امرأة تاول جاهدة ان تهدئ من نشاط ابنتها علها تخلد لبعض السكون. تكلم الرجل الذي يجلس عن شمالها وقال ببطء:
-مساء الخير يا آنسة هيوليت.
كادت لين تقفز من مكانها من هول المفاجأة. لايمكن ان يكون المفتش هو الشخص الذي يجلس الى شمالها يقرأ الجريدة. ولكنه هو بعينه. تمتم وهو يبتسم لها:
-مكان غريب نلتقي به!
اوه. مرحباً يا استاذ يورك.
احست لين بشعور غريب لم تعتده. شعور يميل الى الشك ثم الحماس. لم تفهم ردة الفعل هذه وبدت عصبية للغاية. حاولت ان تسترد من رباطة جأشها قبل ان تتكلم:
-انا احضر الى هنا دائماً ولكنني لم التق بك من قبل!
-انها اول مرة آتي فبها الى هذا المكان. السيدة التي تساعدني في تدبير شؤون منزلي مريضة منذ يومين. لقد اقترحت علي ان اجلب غسيلي الى هنا.
-معقول.
فتحت لين مجلتها من جديد تحاول ان تقرأ. وودت لو يعود هو ابضاً الى قراءة جريدته لأنها لا ترغب في محادثته.
-لم تكن لدي خبرة في تشغيل آلات الغسيل فطلبت من احدى السيدات المساعدة. ابتسمت لين بلطف وقالت:
-العمل سهل لو اتبعت الارشادات المكتوبة قرب الآلة.
ثم صمتت من جديد.
-يبعد المغسل كثيراً عن مكان سكني. لقد حضرت بالباص.
-اوه! وأين سيارتك؟
-بالكراج. تحتاج لفحص عام. هناك بعض الخلل الطفيف. الحياة اصبحت صعبة جداً في هذه الأيام.
لم تشفق عليه ولكنها كانت مضطرة بسبب اللياقة ان تعرض عليه خدماتها وتقول:
-لدي سيارة في الموقف. هل ترغب في ان اوصلك الى منزلك؟
اعترض الاستاذ يورك بلطف لأنه لايريد ازعاجها لأن منزله ليس على طريقها، بل يبعد عن وسط المدينة. وتابع بأنه سيعود بالباص ايضاً كما حضر. ولكنها وجدت نفسها تقول ان ذلك لن يزعجها ابداً. وقبل عرضها مسروراً ومبتسماً.
حملا اكياس الغسيل الرطبة ووضعاها في المقعد الخلفي في السيارة. وجلس قربها في المقعد الأمامي بعد ان زودها بتعليمات واضحة عن عنوان منزله. قادت لين السيارة بهدوء ووصلت الى موقف للسيارات في الطرف الآخر من المدينة قرب منازل حديثة وفخمة للغاية.

فداني الكون0 29-08-11 03:10 PM


-هل تتفضلين بزيارتي ياآنسة هيوليت؟ الشقة غير مرتبة وسأفهم بالطبع اذا فضلت ان لاتقبلي دعوتي.
كانت لين على وشك الاعتذار ولكن جملته الاخيرة وضعتها في مأزق حرج. لأنها اذا اعتذرت فسيكون بسبب عدم ترتيب الشقة.
-شكراً جزيلاً. سأدخل لدقائق قليلة.
ركبا المصعد الى الطابق الأول. فتح الباب وقال:
-سأصنع بعض القهوة. هل تشاركينني في شربها؟
-نعم. شكراً.......
الشقة فخمة الأثاث والديكور ومزينة بذوق رفيع دون فوضى. نوافذها العريضة تمتد من الأرض الى السقف وستائر السلك الرفيعة لا تحجب الرؤية، وفوقها من القماش الجيد الزاهي الألوان. تساءلت في نفسها: من انتقى الأثاث؟ زوجته؟
ناداها الاستاذ يورك من المطبخ قائلاً:
-ارجوك. اجلسي.
ولكنها فضلت ان تتفرج على الشقة. نظرت الى مجموعة كتبه فوق الرفوف المبنية قرب المدفأة من جهة، بينما الجهة الاخرى طاولة صغيرة عليها زجاجات من المشروبات المختلفة. لفتت نظرها صورة فتاة شابة جميلة فوق احد الرفوف قرب المدفأة. عيناها واسعتان ساحرتان وابتسامتها لاتقاوم. وقرأت في اسفل الصورة العبارة التالية: الى حبيبي كريس من انجيل.
بلعت لين ريقها وتساءلت في نفسها: هل هي زوجته؟ هو ليس وحيداً كما اعتقدت. لديه ارتباطات عائلية مما يجعله بشراً وانساناً. دخل كريس حاملاً القهوة والكعك الى غرفة الجلوس. وابتسمت له لين ابتسامة رقيقة من القلب، لم تبتسم له مثلها من قبل. تأثير ابتسامتها عليه كان مذهلاً. كاد يقزف من مكانه. وامسكت لين صينية القهوة من يديه قبلان تسقط على الارض. انسكبت القهوة في الصينية وملأت الصحاف.
-متأسف. هذا اهمال مني. ارجوك ان تضعيها فوق الطاولة الصغيرة.
جلست لين في كرسي مريح جداً وهي تحاول جاهدة ان تجعل زيارتها له لطيفة ومريحة. قالت تحاول مجاملته:
-لقد تكلمت عن الفوضى وعدم الترتيب في المنزل ولكنني لا اراهما.
ناولها كريس فنجان القهوة وبعض الكعك ثم انحنى يخاطبها بهدوء:
-هنا لابأس. ولكن المطبخ ملئ بالصحون الوسخة التي تحتاج للغسيل. ثم غرفة نومي.
تكلم بصوت خفيص:
-لاتخبري احداً بأن سريري غير مرتب.
ضحكت كثيراً وقالت:
-لاتهتم لهذا الامر. سوف لاانظر الى غرفة النوم.
تحادثا سوياً. اخبرها انه انتقل مؤخراً الى هذه المنطقة بسبب عمله. وتكلم عن بيته وقريته واهله في شمال انكلترا. بيت اهله حديث وواسع وتحيط به حديقة غناء. قام وفتش داخل خزانة صغيرة وقال:
-في مكان ما وسط هذه المجلات يوجد كتاب من الصور الفوتوغرافبة الملونة لمدينة يوركشاير وضواحيها. ها هو.
ناولها كتاب الصور وعاد يجلس قبالتها. بدأت لين تقلب صفحات الصور وتبدي اعجابها لرؤية المناظر الخلابة. وتراجع هو في مقعده الى الوراء وشرع يراقبها بعينيه المتصفحتين. لو تلاحظ تحديقه فيها الا حين رفعت نظرها عن الصور لتسأله سؤالاً. فأحمرت وجنتاها خجلاً ولم تسأله. نظرت الى صفحة جديدة وقالت:
-ما اجمل هذه الفتاة!
كانت صورة الفتاة نفسها الموجودة فوق احد الرفوف. ولكنها هنا ترتدي لباس البحر وتتمشى على الشاطئ ويدها بيد كريس.
اقترب كريس منها وجلس على ذراع كرسيها واجاب:
-هذه الصورة؟ لم اكن اعلم انها لا تزال هنا ضمن المجموعة. انها صورة قديمة. اخذت منذ ست عشر سنة. كنت لاازال في العشرين من عمري في ريعان الشباب. يمكنك مقارنتها بي بعد ان نالني الكبر.
نظرت لين اليه لتقارنه بالصورة. التقت نظراتهما وارتعشت قليلاً وهي تجيبه:
-انا لااعرف..... لا تبدو كبيراً.
واحمرت وجنتاها من جديد.
-حقاً! انك تجاملينني!
ضحك قائلاً.
-اليست هذه الفتاة نفسها التي في الصورة فوق الرف؟
-صورة انجل. نعم هي نفسها.
-هل هي زوجتك؟
-لا.... انا لازلت عازباً للأسف. هي صديقة قديمة لي عرفتها من سنين عديدة. اسمها انجل كاستل واسمها الفني انجيلا كاستللا. هي مضيفة. تقدم برامج غنائية في قاعة الاحتفالات بلندن وفي قاعات كبيرة اخرى داخل البلاد وخارجها. لها صوت بديع وتعيش قرب منزل والدي في الشمال.
ترك كريس مجلسه وعاد الى كرسيه قبالتها. شعرت لين انه لايريد ان يتكلم اكثر عنها مع انها كانت ترغب في معرفة حقيقة علاقته بها. وصلت لين الى نهاية كتاب الصور الفوتوغرافية واغلقته وهي تتنهد.
-اين تعيشين ياآنسة هيوليت؟
-في وسط كنت وفي ضاحية متمدنة. لايوجد حولنا ريف جميل وهضاب غناء مثل يوركشاير. منزل والي بسيط وقديم. بني في الثلاثينيات وهو مكون من قسمين. والدي يكره التغيير ويرفض ان ننتقل منه.
ضحك كريس كثيراً وقال:
-من الواضح انك لست مثله! ووالدتك؟
-انا اشبهها. وهي تؤمن ان التغيير هو عصب الحياة. واعني بذلك تغيير الافكار.
صمت كريس قليلاً ثم تنحنح وقال:
-هل تمارسين لعبة المضرب دائماً؟
-اغلب الأحيان العب مع كين. انه متحمس جداً للفوز بالبطولة في دورة منتصف الفصل.
-انك تجيدين اللعب. راقبتك ذات مساء منذ عدة اسابيع.
-حقاً؟ تساءلت كاذبة ثم اكملت: ان ذلك بفضل مساعدة كين وتدريبه. هو يريد التمريت مع لاعبة جيدة لذلك احسن تدريبي.
صمت كريس قليلاً ثم قال:
-اعتقد انكما ستتزوجان قريباً!
-اوه. انا لااعرف بعد. لقد تباحثنا سوياً بأمر الزواج حتماً، ولكننا مشغولان حالياً ولم نقرر اي شئ بهذا الشأن بعد.
-سمعت انكما مخطوبان.
-نعم. خطوبة غير رسمية.
-انه شاب لطيف.
-نعم.
ران صمت عجيب. كان كريس يراقبها وبدأت ترتعش بعصبية وشعرت اها غير مرتاحة. هناك امر يقلقها وتريد ان تتباحث معه بشأنه. هذا الأمر عسير وربما يقلب جو الالفة الذي ربطهما منذ نصف ساعة. تشجعت اخيراً وقالت:
-استاذ يورك؟
-نعم ياآنسة هيوليت؟
جلس على طرف كرسيه ولف رجليه فوق بعضهما وعقد يديه فوق صدره وانتظر منها ان تتكلم.
-هل تذكر حديثنا في مكتب مدير المدرسة؟
-نعم.
تجمد في مكانه.
-هل تتكلمين معي بصفتي مفتشاً بوزارة التربية ام بصفتي صديقاً؟ اتمنى ان اكون الصديق لأنني لا احب ان اجمع بين العمل والمرح.
ارتبكت قليلاً واجابت:
-لااعرف، ربما بصفتك مفتشاً.
-ياللأسف. على كل حال تكلمي.
وقف ووضع يديه في جيوبه (من الواضح انه يرتاح لهذه الوقفة) ونظر اليها من عل.
-اريد ان اطلعك انني عملت بنصيحتك.
منتديات ليلاس
كانت تتكلم بتكلف ظاهر بينما كان ينصت اليها بكل انتباه.
-غيرت اسلوب تعليمي واتبعت الطرق التقليدية. بالرم من عدم اقتناعي بها وكرهي لها فانا انفذها في صفوفي.
مشى كريس ببطء نحو النافذة المشرفة على الحديقة الغناء المحيطة بالبناية. وبعد صمت طال دقيقة او دقيقتين اجابها باقتضاب:
-حسناً.
-واريد ان اعلمك ايضاً بانني سأقدم طلباُ لوظيفة رئيس الدائرة الانكليزية، مكان الاستاذ بلاكهام في حال استقالته كما تتردد الشائعات. التفتت كريس نحوها بسرعة وتكلم بلهجة آمرة:
-تكونين مخطئة وتضيعين وقتك سدى.
اصب مفتشاً خالصاً لايشوبه شئ من الشعور بالصداقة.
-اريد ان اشير بأنني اقوم حالياً بأعباء الوظيفة ومهماتها منذ اسابيع، ولم يتذمر احد.
وبقيت في مجلسها.
كان صوته بارداً:
-هذا لايؤثر!
بالعكس. هذا يبرهن انني استطيع القيام بهذا العمل. كل الاعمال العائدة للدائرة تسير حسب الاصول فترة غياب الرئيس، ولم يحصل اي تأخير او اشكال.
-لا تخدعي نفسك. انت آخر من يستطيع ان يقبل بهذه الوظيفة.
بان الغضب على وجهها جلياً. واحست بكراهيتها له تزداد. نسيت انها ضيفة في بيته وقالت بسخط:
-لا. انني واثقة بأنك ستحاربني!
-انا؟ ومادخلي في هذا الشأن؟
-انت ادرى فأنت الذي تسببت لي في كل هذه المشاكل!
-وكيف تسببت لك بها ياآنسة هيوليت؟ ليس بامكاني تقديم اية مساعدة لك. هناك الكثيرون ممن سيرفضونك ويحاولون ابعادك عن الوصول الى هذه الوظيفة. والأهل، ايضاً، يتذمرون وبعض زملائك المدرسين لديهم اصدقاء بين المستشارين. سيحاربونك وسيستعملون نفوذهم لابعادك عن مبتغاك متى تقدمت لهذه الوظيفة. طبعاً بطرق غير رسمية ودون اللجوء الى مجلس الأمناء. المستشارون هم الذين يديرون المدرسة وهم وحدهم النعنيون بهذا الشأن.
كانت لين تعرف حق المعرفة انه يتكلم الحقيقة. ولكنها تحاول ان تعمي نفسها عن رؤيتها وترفض رأيه بتحيز. لقد كان صريحاً كل الصراحة معها، موضحاً لها الأمر دون اشكال. احست برغبة في البكاء وشعرت بالدموع تملأ مآقيها، وخافت ان تنهمر دون ارادتها. وقفت بسرعة وقالت:
-انا آسفة. شكراً عل القهوة يا استاذ يورك.
هذا كل ما استطاعت ان تتفوه به وهي تمشي مسرعة نحو باب الخروج. هز الاستاذ يورك رأسه آسفاً واوصلها الى الباب وودعها بكل ادب.
-وداعاً ياآنسة هيوليت. شكراً لايصالك لي بسيارتك.
ركبت سيارتها على عجل وخرجت من الموقف وهي آسفة لما حصل......
هذه هي نهاية علاقة طيبة من الصداقة بينهما دامت حوالي الساعة تقريباً. ولايمكنها الا ان تلوم نفسها على ما حصل.

فداني الكون0 29-08-11 03:13 PM

انتهى الفصل الثاني

katia.q 01-09-11 06:11 PM

عاشت الأيادي
الفصل كان حلو كتير
شكرا لتعبك ومجهودك يا قمر
بانتظار الفصول الجاية

الجبل الاخضر 02-09-11 11:03 AM

:8_4_134:كل عام وانت بخير روايه روعه وننتظر التكمله باين عليها حماااااااااااااااااااااس

فداني الكون0 03-09-11 12:28 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة katia.q (المشاركة 2859345)
عاشت الأيادي
الفصل كان حلو كتير
شكرا لتعبك ومجهودك يا قمر
بانتظار الفصول الجاية

انتي الاروع يا قلبي
يسلمو علي مرورج

فداني الكون0 03-09-11 12:39 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الجبل الاخضر (المشاركة 2859646)
:8_4_134:كل عام وانت بخير رويه روعه وننتظر التكمله باين عليها حماااااااااااااااااااااس

وانتي بخير حبيبتي

يسلمو يا قلبي علي مرورج

فداني الكون0 03-09-11 12:49 AM



3-موسيقى وعاصفة

أسابيع قليلة تفصلهم عن موعد الاحتفالات المدرسية في التمثيل والموسيقى. ستقام الحفلات في قلعة البافيون. انها قاعة حديثة تمثل صرعة في البناء المتجدد. أعطي للمهندس الحرية المطلقة في بنائها. وتتكون القاعة من ثلاث طبقات شيدت فوق بقايا آثار قديمة على ضفة النهر. وتحيط بالبناء حدائق كثيفة تتخللها ممرات ضيقة وفسحات واسعة ونوافير المياه المتناثرة هنا وهناك. كان سكان المنطقة فخوروين بهذا الصرح الفني، لأن القاعة مركز أدبي وفني يعرض فيه التلاميذ مواهبهم الموسيقية وكفاءاتهم التمثيلية مما يساهم في رفع المستوى الثقافي والفني لبيئتهم.
اتفقت لين مع تلاميذ الصف المنتهي المتحمسين ان تلتقيهم يوم السبت بعد الظهر في المدرسة، لتساعدهم وتدربهم في اتمام برنامج الاحتفال. كانت تمثيلياتهم وأشعارهم ضمن برنامج صفها قبل ان تجبر على تغيير اسلوبها في التعليم وتعود الى الطرق التقليدية.
منتديات ليلاس
كانو بستعملون المسجلة في بادئ الأمر. يتلون الشعر مع خلفية موسيقية من تأليفهم، ويستمعون الى نتائج عملهم ويقيمونه، واذا كان مرضياً تدربوا عليه بأنفسهم. بعضهم يعزف الموسيقى وبعضهم يتلو الشعر.
كانت لين ترتدي بنطلوناً أحمر بلتصق بجسمها مع كنزة حمراء تناسبه. دخلت المدرسة ولاحقتها عيون فريق رجال التنظيفات النهمة باستحسان وهي تمر بهم في الممر. دخلت غرفة صفها وحملت المسجلة من الغرفة المجاورة فوضعتها فوق مكتبها بانتظار وصول فريق السباب لمساعدتها في حملها. دخل التلاميذ الشبان..... وهم في الثامنة عشرة من عمرهم تقريباً. التفو حولها يحدقون بها ويتفحصونها كما يفعل الرجال الكبار أمام المرأة الجميلة. وصفر أحدهم اعجاباً. وقال آخر:
-يا إلهي! كم يليق بك هذا البنطلون ياآنسة هيوليت!
ثم دار حولها باعجاب. ضحك الجميع وضحكت لين معهم بروح طيبة. سألها احدهم:
-هل ستقابلين صديقك بعد التمرين ياآنسة هيوليت؟
-لا. سأذهب لمقابلة صديقة.
-ولماذا تهدرين كل هذه الشياكة من أجل صديقة؟
تقبلت لين تعتقليقاتهم وعبارات الاعجاب بروح رياضية. شعرت ان مزاجهم برئ وشاركتهم ضحكاتهم بصدق. ثم التفتت اليهم بجدية وقالت:
-هيا بنا الى غرفة الموسيقى.
حمل الشباب مجموعة مختلفة من الآلات الموسيقية التي سيحتاجونها. الكمان، القيثارة، الجيتار، السيكلوفون (آلة موسيقية مؤلفة من صف من القضبان الخشبية يعزف عليها بالضرب على هذه القضبان بمطرقتين خشبيتين صغيرتين) والمندولين والفلوكنسييل (آلة موسيقية مؤلفة من قضبان حديدية متدلية تضرب بمطرقتين). كذلك حضر معهم شباب الكورس الذين سيرافقون بأصواتهم الشابة الآلات الموسيقية. كان الشباب يتدربون على قراءة اشعارهم الجديدة والمبتكرة مع خلفية موسيقية.
كان حماس الشباب كبيراً. بقيوا يتدربون ساعتين دون كلل. ونسيوا انفسهم في العمل مما اضطر عامل التنظيفات المكلف بإغلاق غرفة الموسيقى ان يذكرهم بالوقت الذي شارف على الانتهاء، لأن عليه ان يقفل المكان قبل ذهابه.
منتديات ليلاس
شجعتهم لين وشكرتهم على جهودهم. كان سرورها كبيراً بالنتائج. ما قام به هؤلاء الشبان من الصف المنتهي، وهم في طريقهم الى التعليع الجامعي، كان مدهشاً. الشعر الذي ألفوه مبتكر وعميق، وقد كان تأثير الموسيقى عليه كبيراً مما اضفى على العمل الخيالي شكلاً دراماتيكياً ومسرحياً.
رتبت لين غرفة المسيقى بعد ان غادرها الشباب. لبست سترتها وقررت ان تتمشى الى بيت صديقتها ماري بدلاً من ركوب الباص. الطقس بديع وقد تركت سيارتها في الموقف قرب منزلها. وسارت على طريق النهر. كان لديها بعض فتات الخبز تود ان تطعمه للبط والأوز الذي يعيش في النهر. مدت ذراعها وهي تمسك بفتات الخبز في كفها، تنتظر وصول البط.
سمعت لين وقع أقدام خلفها ثم سمعت رجلاً يقول:
-أليسو جياعاً؟
قفزت لان مستغربة. لو تتوقع ان تلتقيه..... انه كريس. قال كريس يورك مبتسماً:
-أهلاً يا لين.
شعرت بانقلاب تام في ضربات قلبها حين ناداها باسمها الأول دون مقدمات. ثم أكمل:
-لا أفهم لماذا لاتنجذب هذه المخلوقات....... لماذا لاتحضر لتأخذ الخبز.
احمرت وجنتا لين خجلاً وهي تلحظ انجذابه اليها ومراقبته المتفحصة.كان يتصرف معها كتصرف الشباب المراهقين بعد الظهر ساعة التدريب. نفس نظرة الاعجاب والرضى.
-هل ستقابلين صديقك؟
ضحكت لين وهي تخبره ان تلاميذها الشبان سألوها نفس الؤال منذ ساعتين.
قال جاداً:
-لن استغرب ذلك. انك ترتدين طقماً خلاباً.
ثم عاود سؤاله:
-هل انت ذاهبة؟
-تقصد انني ذاهبة لملاقاة كين؟
هزت رأسها نفياً.
-انه يذهب الى نادي الشباب كل سبت بعد الظهر ويدربهم على لعبة الكريكيت (لعبة من ألعاب كرة المضرب) وكرة القدم. انا ذاهبة لزيارة ماري. دعتني لتناول الشاي وسأساعدها في تصفيف شعرها.
-لنجلس قليلاً على هذا المقعد الشاغر. أريد ان أتحدث معك. أردت الاتصال بك هاتفياً الأسبوع الماضي ولكن عملي حال دون ذلك. اعطيني هذا الفتات.
أخذ فتات الخبز منها ورماه بعيداً في النهر.
جلست على المقعد تنتظر جلوسه قربها وقد غمرها شعور غريب. نفس الشعور الذي يخالجها كلما كانت بصحبته. شعور بالخوف من ان تكون قد اقترفت ذنباً دون ان تدري، وشعر بالشوق. تساءلت في نفسها: هل اقترفت أي ذنب الآن؟ جلس ببطء وبدأ حديثه قائلاً:
-سألت المسؤول الاداري اذا كان يعرف نادياً للموسيقى في المنطقة كي انضم اليه وأصبح عضواً فيه. استعلم وأخبرني ان هناك نادياً موجوداً وسكرتيرته هي الآنسة لين هيوليت وعنوانها: شقة 12 كرانلي هوس، 23 شارع فارنينغا.
رفع حاجبيه وسألها:
-هذه انت بالمصادفة!
ضحكت لين وقالت:
-نعم أنا هي ويسرّنا ان نرحب بك في النادي يا استاذ يورك. يسرنا دخول أعضاء جدد. نحن نجتمع شهرياً في منزل رئيس النادي. يملك أجهزة ستريو وسماع الموسيقى من خلالها ممتع.
أخرج مفكرته من جيبه وسألها:
-متى تجتمعون للمرة المقبلة؟
-الخميس القادم.
-انني أريد الحضور. كيف اذهب لهناك؟
-الأفضل ان تحضر الى منزلي وتوقف سيارتك ثم آخذك بسيارتي وأعرفك على الجميع. هل يناسبك هذا الترتيب؟
-نعم.
-أنا عادة اصطحب ماري معي. سنذهب ثلاثتنا سوية. كين يذهب أيضاً بسيارته.
ثم نظرت اليه بخبث وقالت

فداني الكون0 03-09-11 12:51 AM

:
-أتمنى....

ترددت.
-ماذا تتمنين؟
-أتمنّى ان يعجبك نوع الموسيقى التي نسمع. معظمها كلاسيكي لبيتهوفن وموزارت وبراهمز. نحن لانحب الموسيقى الخفيفة.
نظر اليها كريس متعجباً من حديثها وقال:
-سأنتظر سماعها بفارغ الصبر. وان لم تعجبني استطيع ان اتوقف عن الحضور أليس كذلك؟
نظرت اليه لين مستغربة لهجته المتسائلة. كانت تعابير وجهه جدية. وران صمت ثقيل بعد ذلك. كانت لين تسمع خرير مياه النهر وخفيف أوراق الشجر التي كان النسيم يتلاعب بها وصياح الاولاد عن بعدوهم يلعبون قرب ضفة النهر. تأثير هذا الرجل وهو يجلس قربها عجيب. الهدوء يلفهما وهما صامتان. أدارت وجهها لتنظر اليه ولمحت تساؤله وهو يقول:
-هل ستذهبين مع كين غداً؟
-نعم. سنذهب في رحلة بحرية وسنتناول الشاي في استراحة النهر.
تساءلت لين في نفسها: لماذا يصب اهتمامه على كين؟
-أنت تحبين النهر. أليس كذلك؟ رأيتك هنا منذ اسبوع. كنت ترتدين بنطلوناً احمر وتستلقين في المركب. افترضت وجودك مع كين.
ضحكا سوياً ثم أكمل:
-سأتغيب عن البلد في عطلة نهاية الاسبوع وسأعود الاثنين صباحاً.
-هل ستذهب بعيداً؟
هز رأسه موافقاُ وقال:
-سأذهب الى لندن. سألتقي صديقة قديمة لي لم أرها منذ فترة طويلة. كلمتك عنها. سألتقي انجيلا كاستلا، المغنية.
-نعم. لقد اخبرتني عنها.
شعرت لين بطعنة في صدرها ولكنها تجاهلتها. كانت تعلم ان كريس سيلتقي انجيلا في المدينة. انه حر في تصرفاته. له حق الاجتماع بمن يريد وهذا الشأن لايعنيها ولا يمكنها ان تتدخل فيه. وقفت مودعة وقالت:
-سأراك فيما بعد يااستاذ يورك. الخميس المقبل حوالي السابعة والربع مساءً في منزلي. مساء الخير واتمنى لك عطلة ممتعة.
-شكراً. بالمناسبة يا لين اسمي كريس.
-مساء الخير يا كريس.
-هذا أفضل.
تصافحا مودعين ثم افترقا.بعد ظهر يوم الاحد ذهبت لين برفقة كين في نزهة نهرية على مركب صغير. ربطا المركب الى شجرة قرب ضفة النهر وصعدا الى الضفة ليرتاحا في ظل شجرة وارفة منعزلة. وبعد ان تناولا الشاي، تمدّدا فوق العشب الاخضر باسترخاء. اغمضت لين عينيها وبدت كأنها تنعم بسبات هادئ. جلس كين قربها يدخن سيكارته ويراقب بكسل حركة المراكب في النهر، وينظر من وقت لآخر الى فتاته الشابة النشيطة المفعمة بالحيوية والمستلقية قربه. كان يفكر فيها بحنان بينما كانت هي تسرح بتفكيرها الى لندن حيث ذهب كريس. كانت تتساءل بامتعاض اذا كان يستمتع بزيارته لانجيلا. هل دعاها للعشاء والرقص؟ وماذا يفعل الآن؟
هل من الممكن ان تكون انجيلا حبيبته الجميلة قد خسرت شيئاً من جمالها بمرور الزمن؟ هل ذبلت؟ هل هما خطيبان؟ اذا كانا كذلك فلماذا لم يتزوجا بعد؟ ما العلاقة التي تربطه بها خلال هذه السنوات؟
انتهى كين من سيكارته. اطفأها و|أشعل سيكارة على الفور. انه لايدمن التدخين المفرط ولكنه بدا منفعلاً في تلك الامسية. قال بلطف فائق:
-لين؟
فتحت لين عينيها وحدقت به وقالت:
-نعم يا كين؟
-كيف انتهى نقاشك مع المدير والمفتش؟ من ربح؟
-هما. بالطبع.
-هل تقصدين انك رضخت لمشيئتهما؟ هذا ليس من طبعك. ان عملك غير اعتيادي.
-كانا اثنين ضد واحدة. كنت واحدة ضد الجميع..... أو هكذا فهمت من نقاشهم.
جلست لين ونظرت جادة الى كين وسألته:
-كين! هل تعرف احداً من افراد الهيئة التعليمية يتذمر من طريقتي في التعليم؟ هل ماري من ضمن هذه الفئة؟
-أنا لاأعرف احداً منهم يا لين. ولكنني واثق ان ماري ليست منهم. اسمع الكثير من اللغط في غرفة الاساتذة حول هذا الموضوع. الاحاديث تتناول طريقة تدريسك. كبار المعلمين لايرحبون بالطرق الحديثة في التربية. لقد اعتادوا الطرق التقليدية ويشعرون بالراحة في تطبيقها.
-التقليديون، كبار السن، يخافون التغيير. انهم يرون فيه تهديداً سافراً لنجاحهم في عملهم المعتاد.
-اعتقد ذلك. هذا صحيح.
استلقت لين فوق العشب الأخضر من جديد وأدارت وجهها بعيداً عنه، وأكملت حديثها قائلة:
-كان عليك ان تسمع بعض الاتهامات التي واجهني بها المفتش..... لقد انضم الى جانب المدير في رأيه. لن أسامحه ابداً على مافعله بي في ذلك اليوم. لقد جردني من ثقتي بنفسي واحترامي لذاتي. لن أنسى فعلته الشنيعة طول حياتي.
أنهى كين سيكارتهواطفأ عقبها ثم انحنى فوقها يخاطبها برقة:
-لننس هذا الموضوع يالين. لننس العمل ومشاكله. لننس المدير والمفتش ولنتكلم عن انفسنا.
أمسك بذقنها بين اصابعه وادار وجهها اليه بحنان ورقة. عانقها بلطف وقال:
-لين انا احبك واريدك. هل تتزوجيني؟ تتركين التعليم وهؤلاء الناس لشأنهم. قال كين كلامه هذا بتصميم اكيد والحاح. كان مضطرباً وهو يعاود عناقها بقوة.
أرادت لين مبادلته عناقه ولكن صورة المفتش الوسيم المتعجرف مرّت بذهنها. ارتعدت فرائصها. كان المفتش ينظر اليها بعينيه الرماديتين الرائعتين نظرة غريبة لم تفهمها، ولكنها تلقائياً وجدت نفسها تدفع كين بعيداً عنها وهي ترفض عناقه، وتبعد وجهها عنه بحركة عفوية. نظر كين اليها مستغرباً تصرفها وهو يقول:
-ماذا حصل؟ لماذا ترفضين عناقي؟
-آسفة ياكين! ولكن لامزاج لي الآن.
كانت تتنفس بصعوبة وتتكلم ببطء:
-لااستطيع ان اعطيك الآن جوابي بشأن الزواج. عليك ان تصبر قليلاً.
-الصبر؟ ولكنني لست ملاكاً. انني انسان له ميول وشعور واحتياجات. وانا معك يا لين لااستطيع ان اتحلّى بالصبر. انت تفهمين قصدي جيداً.
وقفت لين. ورتبت شعرها بيديها. كانت لاتزال ترتجف خوفاً من صورة كريس التي مرت في مخيلتها وقالت بحزم:
-لنذهب يا كين!
مشيا سوياً الى رصيف الميناء. وبدا كين ساكتاً وحزيناً.مدت لين يدها وأمسكت بيده. وعلى الفور استعاد كين مرحه السابق الذي لايفارقه. توقفا قرب بائع البوظة وهما يتكلمان ويتضاحكان كأن شيئاً لم يطرأ على علاقتهما.
حاولت لين جاهدة ان تبعد صورة المفتش الوسيم من مخيلتها ولكنها لم تفلح. بقيت صورته تلاحقها رغماً عنها.
صباح يوم الثلاثاء بدت غرفة الاساتذة تضج بالثرثرة. بل وارنر استاذ الللغة الانكليزية قال:
-انظري يالين الى صورة المفتش في الجريدة. دعيها تراه ياماري.
نظرت لين على الفور الى الجريدة. كانت صورة كريس يتمشى مع سيدة جميلة تتعلق بذراعه فوق رصيف شارع النهر في جنوب لندن. قرأت ماري بصوت مرتفع تعليق الجريدة تحت الصورة: الآنسة انجيلا كاستللا المغنية المشهورة مع صديق من لندن، الاستاذ كريستوفر يورك. سئلت اذا كانا خطيبين. اجابت الآنسة كاستللا ضاحكة: نحن صديقان حميمان تربطنا صداقة قديمة.
أخذ أحد الاساتذة يغني الأغنية الشهيرة: القصة قديمة جداً جداً.
أخبرني القصة.......!
ضحك الجميع وطوت ماري الجريدة بتأنً ووضعتها على مكتبها. شاركت لين الجميع ضحكهم وأدارت وجهها عنهم تخفي عواطفها المرهقة المبعثرة وهي ترتجف. شعرت ببعض الألم ينتابها. لاتزال تجهل أسباب انزعاجها من علاقة كريس بانجيلا. كانت تود لو تسطيع ان تنساه او حتى ان تطرده من مخيلتها.......وتخرجه من حياتها وكيانها.
مرّ الاسبوع. لم تستطع لين ان تطرد الشعور بالانقباض الذي كان يكبلها. كانت ماري هي الوحيدة التي أبدت تفهماً لوضعها. ماري صديقة حميمة قاست الكثير من الألم. لقد أسرت الى لين بقصة زواجها الفاشل يوم كانت في السابعة عشرة من عمرها، وتزوجت من رجل يكبرها قليلاً. وبعد شهرين من الزواج تركها ورحل الى الأبد. قال انه سيرحل ويتركها لتكبر وتنضج قبل ان يعود اليها. ولكنه لم يعد.....عاشت منذ ذلك الوقت كالفتاة العزباء وعادت لاستعمال اسمها كما كان قبل الزواج.
كانت لين تتمنى صادقة ان يعود زوج ماري يوماً اليها. وكانت حالياً ترى وجه ماري يشع بالأمل، وتتساءل ان كانت عودة الزوج قد تحققت أخيراً، ولكنهالم تجرؤ على مفاتحتها بالموضوع. كانت تنتظر من ماري ان تخبرها بنفسها عن أسباب سعادتها الظاهرة.
وجدت لين نفسها منهمكة في حل مشاكلها الخاصة. كانت تجد صعوبة في اتباع طرق التعليم التقليدية ولكنها كانت مجبرة على ذلك ولن تستطيع التراجع. كان حبها للتغيير يتعارض مع واجبها في الوظيفة. هذا الصراع النفسي اثرّ كثيراً عللى عملها وعلى مفاهيمها العامة للحياة. ثم هناك الصراع الداخلي في عواطفها نحو الرجل الذي تسبب لها في كل مشاكلها العملية. رفضها له لايزال يزداد حجمه، وكذلك رغبتها القوية في ان تجرحه. كانت تعتقد انها نسيته، ولكنها على العكس لم تستطع ان تبعد صورته عن مخيلتها ولا لحظة. كان عليها ان تضبط شعورها نحوه وتحقنه بكل قواها.
حان موعد اجتماع النادي الموسيقي. وجدت لين نفسها متشنجة الأعصاب تنتظر لقاء كريس. وقررت ان ترتدي ثوباً جديداً للمناسبة. انتقت فستاناً زهرياً له قبة عالية واكمام طويلة. كان ضيقاً يلفها بأناقة. قالت ماري وهي تنتظرها لتنتهي من ارتداء ثيابها:

فداني الكون0 03-09-11 12:53 AM


-لون الفستان بديع ويناسب لون شعرك الأسود. اللون الزهري يناسبك كثيراً. عليك به دائماً. تأخر الوقت. وتساءلت لين في نفسها اذا كان كريس قد نسي هذا الموعد. نزلتا السلالم وحين وصلتا الى المدخل الأمامي كان كربس يصعد للقائهما. كان سعيداً وهو يحييهما بابتسامة عريضة ويقول:
-آسف لتأخري. تأخرت في عملي وتناولت الشاي مسرعاً. هيا بنا لنذهب.
مشى قرب لين الى السيارة. وحاولت هي جاهدة ان تضبط ضربات قلبها المسرعة. نظر اليها قائلاً:
-كيف حالك يالين؟ انا مسرور لرؤيتك من جديد.
ثم نظر الى وجهها وعبس قليلاً وسألها:
-هل تجهدين نفسك؟
وقبل ان تجيبه لين عن احوالها اخبرته ماري عن صورته في الجريدة مع المغنية الجميلة. ضحك كريس قليلاً كأن ما قالته كان شيئاَ تافهاً وقال:
-لاتصدقي كل ماتقرأين في الجرائد.
ثم انهى الموضوع برمته قائلاً:
-لقد امضيت نهاية اسبوع ممتعة.
دخلوا الى فيلا حديثة لها مدخل كبير بعيداً عن الأبنية المجاورة. تحيط بها الحدائق والأشجار الباسقة تخفيها وتمنع رؤيتها عن الطريق العام.
قال كريس معلقاً:
-من الواضح ان مالك الفيلا غني. ماذا يعمل؟
-انه يدير محلاً لبيع الآلات الموسيقية الحديثة في وسط المدينة. اسمه ميشال ويليز.
استقبلتهم زوجة ميشال على الباب بالترحاب وادخلتهم الى غرفة فخمة كبيرة مفروشة بالطنافس والسجاد. اثاثها مزخرف وفي وسطها مدفأة مبنية من القرميد. وفوق احد رفوفها تمثال نصفي للموسيقار بيتهوفن. الأبواب واسعة تطل على الحديقة.
-حضرت لين ياميشال.
حضر ميشال ويليز واستقبلهم. ثم سحبها من يدها من وسط رفاقها. نظرت لين الى ماري وقالت:
-ماري ارجوك ان تعرّفي كريس الى المجموعة.
مشى ميشال معها الى صديق وقال ضاحكاً:
-هذا عضو جديد يود الالتحاق بالنادي الموسيقي يالين. دعيه يدفع رسوم التسجيل قبل ان يغير رأيه.
-اهلاً يالين. ارجو ان لايكون لديك مانع على استعمال اسمك الأول دون تكليف.
-اسمي طوني ارنولد انا مراسل جريدة الغازليت ميلدنهد. لست في مهمة رسمية اليوم انا هنا حباً بالموسيقى. واريد الانضمام الى عضوية النادي.
-بكل سرور ياطوني.
ابتسمت لين وقبلت انتسابه للنادي. نظرت اليه لين باعجاب وهي تلاحظ عينيه الزرقاوين وقامته الفارعة ووسامته الظاهرة. ورد اليها نظرتها وامتلأت الغرفة بسرعة. دخل كين برفقة ديردر كارسون ورحبت لين بها قائلة:
-اهلاً ديردر. يسرني وجودك معنا الليلة. هل تحبين سماع الموسيقى الكلاسيكية؟
قال كين مجيباً عنها:
-انها تريد ان تجرب. اقنعتها بذلك ومررت عليها واصطحبتها:
بدا كين كأنه مذنب امامها. احمر وجهه قليلاً وهو ينظر اليها ولكن لين لم تتأثر ابداً بتصرفاته.
تشبثت ديردر بذراع كين وقالت:
-لنفتش عن مكان لنا قبل فوات الأوان.
عبست لين قليلاً ولكنها رفضت ان تدع الوساوس تنتابها لوجود كين وديردر معاً. ثم التفتت الى صدبقها الجديد قالت:
-اجلس يا طوني. علي ان افتتح الحفل فأنا العريفة.
منتديات ليلاس
مشت الى الأمام ووقفت في مواجهة جمهور المستمعين.ىكانو يلتفون حولها على شكل نصف دائرة. انتظرت قليلاً حتى عم السكون. ولاحظت من مكانها ماري وكريس يتحدثان بعمق وسلاسة وتفاهم ظاهر. وبعد ان هدأ الجميع قرأت لين برنامج الحفلة الموسيقية ثم أضافت:
-ستقدم القهوة والمرطبات في فترة الاستراحة التي ستدوم ربع ساعة.
جلست لين في مكانها قرب طوني بينما بقي ميشال واقفاً كالحارس الأمين بالقرب من الأجهزة الموسيقية المعقدة. كانت هناك اجهزة مكبرة للصوت في كل زاوية من زوايا الغرفة.
دارت الاسطوانة وانسابت الموسيقى عبر آلة التسجيل. وصمت المستمعون. كانت موسيقى بيتهوفن.....الموسيقار المفضل لدى لين قد ملأت الغرفة. تراجعت لين الى عالمها الخاص وتركت للموسيقى ان تملأ كيانها وبدأت ترتاح وتسترخي وتتحرر من التوتر الذي انتابها منذ اسابيع. اغمضت عينيها....وانحلت جميع مشاكلها. ظهرت لها حلول متفوقة ومناسبة لكل شئ.
بدأت الاصوات الموسيقية تصل نهايتها ومعها علا التصفيق. عادت لين الى واقعها. كانت تشعر كأنها مخدرة. نهضت متثاقلة وطلبت المتطوعين لتوزيع المرطبات والحلوى.
كان طوني قربها يشاغلها ويطلب انتباهها. نظرت الى كين فرأته يراقبها منزعجاً. رقص قلبها لأن في انزعاجه بعض الغيرة عليها وهي دليل الحب. ان ذلك يعني ان ديردر لا تستحوذ على كل اهتمامه.
اعتذرت لين من طوني وتركته فذهبت عبر الازدحام ناحبة ماري وكريس. نظرت الى كريس وسألته:
-هل انت مسرور ياكريس؟
اجابها بلهجة اللامبالاة،
-نعم. شكراً.

فداني الكون0 03-09-11 12:55 AM


-آسفة. ربما ضجرت. لقد ذكرت لك سابقاً ان نوع الموسيقى التي نسمعها ربما لاتعجبك. على كل حال نستطيع ان نرتب موسيقى خفيفة لنرضي اذواق الناس الآخرين مثلك. ربما موسيقى جيلبيرت وسليفان او ماشابه.
ضحك كريس ثم ادار وجهه ولم يجب. تركته لين وقد شعرت بالاهانة من طريقته في تجاهل اقتراحها. قررت هي ايضاً ان تتجاهله. التفتت الى ماري واخبرتها ان مراسلاً صحفياً انضم الى عضوية النادي ثم عادت الى مكانها قرب طوني.
بدا طوني متحمساً في حديثه معها. وشعت ببعض السرور. ربما سيوفر اهتمامه الراحة النفسية التي افتقدتها باهمال كريس لها وعدم مبالاته بحديثها.
نظر طوني الى مجموعة المستمعين خلفه نظرة الخبير المتسائل وقال:
-اخبرني شيئاً عن الحاضرين. مثلاً من هو مالك هذا المنزل الفخم ذي الهندسة الرفيعة؟
-انه ميشال ويليز. لقد قابلته في بداية السهرة. انه ذو الوجه الأحمر الكبير الذي يدير المسجلات والآلات الموسيقية وهو مالكها. انه رئيس النادي الموسيقي ويملك محلاً كبيراً لبيع الآلات الموسيقية الحديثة في وسط المدينة. انا سكرتيرة النادي. انني معلمة لغة انكليزية.
-انت معلمة! اكيد انك تمزحين. يمكنك ان تعملي عارضة ازياء وانت بهذا الجمال.
-مديحك يرفع من معنوياتي.
نظر اليها شاكراً ومعجباً. فاحمر وجهها خجلاً.
-اكملي. من هو ذلك الشاب الجالس في المؤخرة؟ شعره بني وشخصيته اخاذة وهو يتكلم مع تلك المرأة باهتمام.
قفز قلب لين من مكانه وازدادت ضرباته سرعة. التفتت مسرعة الى الأمام قبل ان تجيبه قائلة:
-انه كريس يورك. مفتش اللغة الانكليزية في وزارة التربية.
-هل يعمل الآن مفتشاً في الوزارة؟ لقد رأيت وجهه في مكان آخر. نسيت اين. لكنني سأتذكره ان فكرت بجدية.
انقطع الحديث بينهما لان صوت الموسيقى عاد يملأ الغرفة الواسعة ويستولي على المستمعين. بعد ان ماتت الموسيقى تماماً، صفق الحاضرون بحماس ولفترة طويلة مما يدل على سرورهم وانشراحهم. خرج كين برفقة ديردر وقال مخاطباً لين:
-سأوصل ديردر الى منزلها واعود لزيارتك.
-فكرة جيدة.
نظرت لين اليه وهو يسرع بالخروج وسط ثرثرة الحضور. وحضرت ماري بعد ذلك فربتت على كتفها وقالت:
-آسفة لازعاجك ولكن الوقت حان لنعود.
اعتذرت لين من طوني وسألت ماري:
-اين كريس؟
كان كريس يتكلم مع ميشال بصداقة مفعمة بالحيوية. كان ميشال يشرح له بحماس تفاصيل وخبايا الآلات الثمينة القيمة. اخبره انه لايدع اي شخص اخر سواه يستعملها، حتى زوجته.
قال كريس موافقاً:
-انا لا اعجب من تصرفك. الآلات ممتازة وثمنها باهظ.
ضحك ميشال راضياً ثم تصافحا وافترقا.
قالت لين تخاطب ماري الجالسة في المقعد الخلفي للسيارة:
-سأوصلك اولاً يا ماري.
وحين وصلوا الى بداية الشارع الذي تسكنه ماري طلبت اليها الوقوف. نزلت من السيارة مسرعة واختفت وسط العتمة التي بدأت تزحف الى الشارع وهي تقول مودعة:
-مساء الخير.
كان الصمت يخيم داخل السيارة. وبعد دقائق قليلة سألها كريس:

فتاة 86 03-09-11 12:56 AM

فديتك حبيبتي
يعطيكي العافية يا رب
مجهود استثنائي

فداني الكون0 03-09-11 12:56 AM

-لماذا هذا الصمت؟ هل انت متكدرة لأن صديقك اخذ فتاة اخرى ليوصلها الى بيتها؟
اغتاظت لين لأنه لاحظ ذلك وقالت بصوت غاضب وحاد:
-لا. ليس ذلك حقيقة.
-حسناً. حسناً انا لم اقصد الا التسلية والمزاح. على كل حال انت قمت بنفس العمل فلا تتذمري. الم تجلسي كن الوقت مع ذلك الشاب الصحفي الوسيم؟
حاولت لين ان لاتتشاجر معه من جديد. رفضت ان تقع في الفخ الذي نصبه لها.
حين وصلا الى الشقة وجدت لين نفسها مضطرة لدعوته لتناول الشاي كما دعاها من قبل. وحين قبل دعوتها برشاقة امتلأت فرحاً وسروراً.
صعدا السلالم سوياً ونادت لين قائلة:
-لقد عدت للبيت ياسيدة والترز.
-اهلاً يا عزيزتي.
مدت المرأة المتوسطة العمر رأسها من القاعة وقالت:
-مساء الخير يا سيد مارشال.
ثم حدقت باستغراب في كريس وقالت:
-انه ليس الشاب المعتاد.
عرفتها لين بارتباك. وتساءلت في نفسها: ماذا سيفهم من ملاحظات السيدة والترز؟
منتديات ليلاس
وضعت مفتاحها داخل القفل بعصبية وفتحت باب الشقة ودخلا. نظر كريس باهتمام وهو يحاول ان يكتشف ادق تفاصيلها.
-عندما ندخل بيوت الآخرين نكتشف ما يجعلهم مختلفين عن غيرهم. وكنت دائماَ اتساءل عما يجعل الآنسة هيوليت تختلف عن غيرها؟
-ولكنني فتاة عاملة بسيطة.
-وهل انت كذلك؟ انا اخالفك الرأي.
نظر متصفحاً حوله وهو يفكر. وتطلع الى داخل غرفة المطبخ الصغيرة وقال:
-ليست الشقة سيئة ولكن اين تنامين؟
ارتبكت قليلاً واحمرت وجنتاها خجلاً. شرحت له كيف تحول الأريكة في غرفة الجلوس الى سرير لنومها.
-وكيف تمكنت من استئجار هذه الشقة؟ عن طريق اعلان في الجريدة؟
-لا. انه من تدبير مكتب الخدمات الاجتماعية في المركز البلدي للمدينة. لديهم قوائم بشقق مماثلة. وقد انتقيت هذه من بينها.
مشى الى النافذة ونظر الى اسفل الشارع وقال:
-المنظر من هنا لايروقني كثيراً. ولكننا لا نحظى بكل شئ. اليس كذلك؟
عاد يبتسم لها ابتسامة من القلب. رفضت ان ترد له تحديه وتغاضت عن الاجابة بل سألته:
-قهوة؟
هز رأسه موافقاً ثم مشا يتفحص رف الكتب وقال:
-الكتب الموجودة فوق الرف تتناول مواضيع مختلفة وتنيئ عن اطلاع واسع بالنسبة لفتاة صغيرة مثلك.
-لااستطيع ان اقول انني قرأتها كلها بعد.
-واذا كنت لا تفعلين ذالك الآن فلن تستطيعي ذلك بعد الزواج.
-بعد الزواج؟
سألها متفهما:
-ماذا ستفعلين؟هل ستنتقلين لتعيشي مع كين؟
-لم نتوصل بعد لبحث هذا الأمر.ولكنني لا اظن ذلك ممكنا لأن منزل كين صغيرجدا.
كان كريس واقفا في مدخل المطبخ يراقبها وهي تصنع القهوة. تساءلت لين في نفسها:لماذاهو وسيم وجذاب لا يقاوم؟لماذا يؤثر عليها تأثيرا كبيرا! ارتبكت في وقفتها.وبعد برهة صمت تكلم كريس قائلآ:
-لين.هل انت مصممة على حضور المؤتمر التربوي في هاروغيت في منتصف الفصل؟
-نعم.لقد سجلت اسمي وحجزت محلآ.
-انا ايضآ سأذهب.
منتديات ليلاس
تراقصت فناجين القهوة فوق الصينية وهي تحملها من شدة ارتباكها.
مد يده بسرعة لمساعدتها.ولا مست يده يدها برفق فشعرت لين بجمود ذراعها وعدم قدرتها على تحريكها.
-لين؟ اريدك ان تأتي برفقتي.
نظر كريس الى عينيها نظرة عابثة مرحة ثم اكمل:
-اقصد انني ذاهب في سيارتي واستطيع ان اصطحبك معي. سأزور والدي اللذين يعيشان على بعد خمسة اميال من مركز المؤتمر.
ترردت لين كثيرا قبل ان تسأل:
-وهل سيكون هذا العمل مرضيآ بالنسبة للمدرسة؟
-استطيع ان اتدبر هذا الأمر بنفسي اذا لزم.سنستمتع بالرحلة سوية.
الرحلة في السيارة ممتعة والطريق سهلة.سنأخذ الطريق الدولية.
كانت لين في سرها ترفض فكرة تمضية كل هذا الوقت بصحيته.ماذا ستبحث معه؟ماذا ستتكلم واياه؟ولكن كيف يمكنها ان ترفض عرضه؟

فداني الكون0 03-09-11 12:57 AM


وقالت بتردد:
-نعم. شكراً. استطيع ان ارافقك.
-حسناً. انتهى هذا الموضوع.
حمل كريس صينية القهوة ومشى بها الى غرفة الجلوس.
-ضع القهوة على الطاولة يا كريس.اجلس ارجوك. ليس لدي سوى الاريكة.ميزانيتي لا تسمح لي بكراسي اضافية مريحة.لا تكفي الا للضروريات.
وبعد ان ناولته القهوة سألته:
-سكر؟بسكويت؟
-القهوة لذيذة.
ابتسم ووقف امام المدفأة يرشف قهوته الساخنة.
-لماذا ستذهب الى المؤتمر يا كريس؟
-سأشارك في المحاضرات. سأتكلم هناك وسألقي محاضرة.
فتش في جيوبه واخرج ورقة ثم اكمل:
-ما اسم المؤتمر؟شئ مهم جدا على ما اعتقد.آه تذكرته:تعليم اللغة الانكليزية في العصر النووي.العنوان ضخم والبرنامج منظم.سيفسح المجال امام الآراء الجديدة المهمة والجيدة على ما اعتقد.
اعاد الورقة الى جيبه ونظر اليها فجأة ثم قال:
-انت حسناء جميلة للغاية في هذا الثوب يا لين.انك تعذبيني باغرائك وانت تتمشين امامي.
احمر وجهها خجلا.واشار اليها ان تجلس قربه على الاريكة قائلآ:
-تعالي اجلسي قربي.انت لم تقتربي مني طوال الأمسية الموسيقية.
بدا كريس شخصا اخر. شخص لا تعرفه ابدا ولم تعهده يتصرف على هذا النحو من قبل.كان مزاجه لا يقاوم.
جلست قربه وهي تحاول ان تسكت ضربات قلبها وتهدئ منها.قربه يؤثر عليها بشكل لا تفهمه. كان عليها ان ترص بعض الوسائد بينهما وترأب الصدع. قالت:
-هل استمتعت بالحفلة الموسيقية هذه الليلة؟
-نعم .لكنني كنت اتمنى ان يحتوي البرنامج متنوعات اخرى. في النهاية سار البرنامج على وتيرة واحدة.من انتقى البرنامج؟
صمتت لفترة وجيزة ثم اجابت ساهمة:
-انا.
مر بيده على رأسه كمن اصابه صداع مفاجئ وقال:
-اوه.لقد قلت شيئا خطأ اليس كذلك؟
ابتسم معتذرا لها ولكنها لم تقبل اعتذاره بدليل عصبيتها وارتباكها حين قالت:
-ماذا تقصد بتنويع البرنامج؟وكيف سار على وتيرة واحدة؟ لقد قلت لك انه من الممكن ان نرتب برنامج للموسيقى الهادئة الخفيفة في المرة القادمة.آسفة لأنك ضجرت...
وضع يده فوق يدها على الوسادة في محاولة لمصالحتها وقال:
-لين .دعينا نسوي هذا الأمر.انا لم اضجر ابدا. اسمعي.علي ان اخبرك شيئآمهمآ.ربما ستكرهينني من اجله.يجب ان اجارف واقول لك.
انا اعرف الكثير عن الموسيقى.ولست جاهلآ بها كما تظنين
غير كريس جلسته ونظر اليها مواجهة.نظر الى عينيها ليرى تأثير كلماته عليها.
انتفضت يدها تحت يده.فشدد قبضته حولها وقال:
-لم اخبرك ذلك من قبل.علي ان اعترف لك ان طريقتك المترفعة جرحتني وخذلتني.كنت متعالية ومتكبرة ومتشامخة حين تكلمت معي بشأن الموسيقى كأنني اجهلها.
بدأت لين تسحب يدها بسرعة ولكن قبضته ظلت مطبقة عليها.قال:
-اياك ان تكوني متعالية في فهم الموسيقى.انها اصوات.وجميع الاصوات الموسيقية تستوجب الاحترام.آسف لأنني احاضرك بهذا الشكل ولكن لا بد من قول الحقيقة مهما كان الثمن.
نجحت لين اخيرا في سحب يدها من قبضته وقالت:
-انا آسفة.انك على حق.
قالت كلماتها بغضب وتحد. لقد انجرح شعورها لانتقاده اللاذع. حاولت ان تتحدث معه فقالت:
-كيف كان بامكانك ان تحسن برنامج الليلة؟
-سأقول لك. كان بالامكان ان تضمني البرنامج موسيقى حديثة لمؤلفين من القرن العشرين امثال: شوستاكوفيتش، برغ، بارتوك.
-ولكنني اكره موسيقاهم. انها اصوات وضجيج. كل الموسيقى الحديثة اصوات وصجيج.

فداني الكون0 03-09-11 12:59 AM


عبس وقال:
-انت لاتعنين ما تقولين يالين. انت بالتأكيد تقولين ذلك فقط لتثيري غضبي.
-بل انا اعني كل كلمة قلتها.
كانت نبرتها حادة وكلها تحد حين اكملت:
-ليست هناك اية فكرة جديدة في الموسيقى الحديثة. لقد قال العباقرة الأقدمون كل شئ عبر الموسيقى الكلاسيكية. قالوها بطريقة اجمل بكثير مما يقال اليوم وبطريقة مثيرة للغاية.
وقف كريس في مواجهتها ونظر اليها مباشرة ثم قال:
-هذه تصريحات جريئة لك. بل هي عنيفة.
ختمت تحديها قائلة:
-الحقيقة انا لااسمع الموسيقى الحديثة ابداً.....اذناي ترفضانها.
-هل خطر ببالك ان ما تقولينه متحيز؟ بل هو كلام دون تفكير وينم عن افق ضيق وعدم نضوج. كيف تقولين ذلك؟ انت التي تحاولين بشق النفس ان تغيري شكوك الآخرين في صحة طرق تعليمك الحديثة التي تعبر عن القرن العشرين واتجاهاته.
-لامجال هنا للمقارنة.
-كيف؟ طبعاً هناك مجال. ولكن من الواضح انك لاتريدين الاعتراف بذلك. اذا كنت متشبثة بآرائك ترفضين الاستماع لشئ لا تفهمينه، كيف تنتظرين من الآخرين الاستماع اليك دون تحيز؟ كيف يفتحون عقولهم ليفهموا اسلوبك الجديد في التعليم وهم في الحقيقة لا يفهمونه؟
بدأت لين تفقد رباطة جأشها. صرخت بصوت جعله يجفل فجأة:
-انت تتهمني بأشياء انت متهم بها اصلاً. انتم المذنبون في حقل التربية. نحن نكرهكم. انك تتهمني بالتحيز وضيق الأفق، وأنت بتفكيرك الرجعي منعتني من استعمال وسائل التعليم الحديثة في عملي. لقد سرك ذلك، والنتيجة كانت انك محوت ثقتي بنفسي وبقدرتي على العمل.
كان صوتها مرتفعاً ينذر بالسوء. لوح بيده جانباً وقال:
-اذا كنت ستعودين من جديد الى ذلك الموضوع اللعين....
وقفت بسرعة في مواجهته وقد فقدت السيطرة على اعصابها تماماً وقاطعته قائلة:
-اذا كنت تريدد ان تقدم ماتسميه (بالهواء النظيف في تعليم اللغة الانكليزية) عن طريق تخريبك لجهودي، اذن علي ان انساه كأي شئ تافه. هل انت محافظ ومتحيز كالآخرين؟ هل انت ايضاً تخاف التحدي؟
بدا اصغر. شحب وجهه وهي تتكلم بعصبية. تقدم قليلاً نحوها ولكنها تراجعت الى الوراء عفوياً. وحاول جاهداً ان يضبط اعصابه قبل ان يعاود النقاش. وحين عاود الكلام بدا صوته طبيعياً وهو يقول:
-انا لا اخاف التحدي مهما كان. ولكن اخبريني شيئاً واحداً ارجوك: ما الرابط بين هذا الانفجار بشأن خيبة املك في عملك، وبين موضوع بحثنا: الموسيقى الحديثة؟ انا واثق ان لا علاقة البتة بينهما. ولكن ما اراه هو ان كل الاتهامات والاهانات التي تقذفين بها في وجهي كانت تتفاعل داخلك منذ فترة طويلة، وبقيت في عقلك الباطني. كان يمكن لأي شئ ان يحركها لتشتعل وتصبح ناراً متأججة حارقة. لقد ابتلعت كل عقلانيتك وتفكيرك السليم وادراكك. في جميع لقاءاتنا كانت كراهيتك لي ظاهرة. كنت في كل مرة احاول جاهداً ان اتقرب منك وان اكسر الحاجز الذي بنيته بيننا، فأجد نفسي اضرب رأسي بالباطون المسلح. كنت اعلم انك تكرهينني ولقد سمعتك تقولين ذلك علانية.
اجفلت لين. وعادت ذكرياتها الأليمة ماثلة امامها.....اكمل كريس قوله:
-حسناً. اتركك وشأنك اذا كان هذا ماترغبين. ولكن قبل ان ارحل اصر ان اشرح لك بعض الحقائق.
جلست لين على الاريكة كأنها تغرق. كانت دموعها تنساب على خديها كالسيل. دموع الضعف والحزن والشقاء. واكمل قوله:
-كل ما فعلته في مكتب المدير كان ان وضعت مرآة امام عينيك المتهورتين. اجبرتك على ان تري الحقيقة. اخيراً اقنعتك بعد ان شرحت كل الملابسات المحيطة بالموضوع. لفت انتباهك الى ان جهودك المنفردة لا تثمر. كنت ولازلت ترفضين هذه الحقيقة. انك تفضلين ان تضعي اللوم علي بدلاً من لوم نفسك. ربما لومك لي يهدئ من تأنيب ضميرك لفشلك، او ربما تجدين في ذلك مجالاً للتنفيس عن مرارتك وكراهيتك للسلطة. هذه هي المرة الأخيرة التي سأسمح لك فيها ان تضربيني بسوطك. في المستقبل عليك ان توجهي حقدك الى من يقع عليهم اللوم حقيقة: الجهل والتحيز. وهنا نعود من جديد الى بداية نقاشنا حول الموسيقى الحديثة.
منتديات ليلاس
انتهى من كلامه. كان غضبه قد اختفى كلياً. بدأ يراقبها ببرودة دون اية شفقة لدموعها وحزنها. ثم اكمل:
-بقي شئ واحد اقوله لك. ان لقاءاتنا تسودها الحرب الكلامية ويعطلها الجدل العقيم. لقد اصبح واضحاً لدي اننا نتناحر دون سبب، ونجرح بعضنا دون ان نقصد. اي اننا لا نتوافق ابداً. اقترح ان لا نلتقي في المستقبل الا بالقدر اليسير ولأقصر مدة. وداعاً يالين. شكراً للقهوة.
نهضت لتودعه ولكنه رفع يده يمنعها وهو يقول:
-لا داع لرؤيتي الى الباب.
كانت لين تتمنى ان تجرحه وها هي قد نجحت الآن. جرحته جرحاً عميقاً. ولكن السلاح استعملته انفجر في وجهها وحطمها. لقد اصابتها تعاسة مريرة وشعرت بألم لا يمكن وصفه.
سمعت وقع اقدامه على السلالم وهو يبتعد. ثم تناهى الى سمعها دوران موتور سيارته وهي تبتعد ايضاً.
انفجرت لين باكية بحرقة. كانت في داخلها عاصفة هائجة لاتعرف كنهها

فداني الكون0 03-09-11 01:00 AM

انتهى الفصل الثالث بتمنى انو يعجبكون....

فتاة 86 03-09-11 07:00 PM

يعطيكي العافية حبيبتي
شكراً على المجهود

فداني الكون0 03-09-11 10:39 PM

الله يعافيج يا قلبي

العفو يا الغلا

فداني الكون0 03-09-11 10:43 PM



4-الأجنحة الخفية

مرت الايام متثاقلة.وشيئاً فشيئاً تنبهت لين بأسف الى شعور بالندم العميق يجتاحها، والى حنينها لرؤية الرجل الذي غاب عن حياتها كلياً كأنه شيء لم يكن.
كانت لين يائسة من حياتها الفارغة. وهي تذكر نفسها مرة بعد مرة بأنه كان السبب في إلحاق الضرر بثقتها ومعنوياتها، وأنه حدّ من مهارتها في مهنتها الى حد بعيد.
عاد بلاكهام الى رئاسة الدائرة. وارتاحت لين من مسؤولياتها في تأدية مهام الدائرة، وبذلك تسنّى لها بعض الفراغ في الوقت لتدرب تلاميذها في المسرح والموسيقى والشعر من أجل الاحتفالات المدرسية التي اقتربت مواعيدها. انشغلت بهذا الامر لدرجة كبيرة وجدت معها نفسها بعيدة عن مشاكلها مع كريس، وكانت تضنيها سابقاً.
منتديات ليلاس
كانت المدرسة في نشاط كبير استعداداً لهذه الحفلات المدرسية. غرفة الموسيقى مشغولة كل يوم، وفي الخارج تسمع أصوات غريبة من خلف الباب المغلق. احياناً كان كمان منفرد يتمرن على تأدية قطعة موسيقية، واحياناً اخرى فريق من الآلات المختلفة، ومن وقت لآخر صوت بيانو منفرد يعزف عليه بمهارة فائقة مما يجعل المارة يقفون في الممر ليسمعوا.
كانت أيام لين مليئة بالعمل. وأمسياتها تمضيها في لعب كرة المضرب مع كين. فالمباراة اقترب موعدها وهو مصمم على الفوز بالبطولة.
أخبرت لين صديقها كين ذات امسية وهما يتناولان القهوة بعد اللعب، ان الصحافي طوني ارنولد الذي انضم مؤخراً الى النادي الموسيقي، قد اتصل بعا هاتفياً في المدرسة وطلب منها تحديد موعد بينهما لقضاء السهرة معاً. ثم أنهت كلامها قائلة:
-سألتقيه مساء الغد يا كين. هل لديك أي مانع؟
-وكيف أمانع ياحبيبتي؟ حتى لو كنت أمانع فعلاً فلا يحق لي ذلك. انت لم تعطني هذا الحق بعد. انك لا توافقين على شراء خاتم الخطوبة يا لين. متى تعطيني جوابك بهذا الخصوص؟ انت تعرفين حقيقة مشاعري نحوك يا حبيبتي ولا يمكنني ان اكررها دائماً.
-أعدك يا كين باعطائك الجواب بعد ثلاثة أسابيع..... بعد عطلة نصف الفصل، وبعد ان تفوز بالبطولة في مباريات كرة المضرب وأعود أنا من المؤتمر التربوي الذي سيعقد في شمال لندن. هذا وعد مني قاطع وسأفي به.
-حسناً. علي أن ارضى الآن بهذا الوعد. ولكن اذا خرجت مع الصحافي انتبهي لنفسك جيداً فأنت تعرفين نوعية هؤلاء المراسلين.
-طبعاً اعرف. انهم ليسوا جديين ابداً. همّهم العلاقات العامة.
-أنت على حق. انني احذرك من جديد.
ضحكت لين ووعدت صديقها كين بأن تحترس منه كثيراً.
وفي المساء خرجت لين مع طوني وجلست معه على مقعد قرب رصيف النهر حيث ترسو المراكب الصغيرة. كان طوني يخبرها عن عمله وطموحاته. أخبرها عن تدريبه كصحافي مبتدئ في كلية مهنية في شمال شرقي انكلترا. كان متحمساً لعمله ولم يحاول حتى ان يمسك بيدها او يغازلها. قال:
-قديماً، لم يهتموا بتدريب الصحافي للقيام بعمله بل كان عليه ان يتعلم المهنة بالممارسة. اما اليوم فيقوم بالتدريب أولاً قبل إسناد أية مهمة صحفية له. الطريقة الجديدة أفضل وأنجح بكثير.
تحادثا طويلاً. أخبرته لين عن عملها ومشاكلها في مهنتها. واستمع اليها متعاطفاً مع وجهة نظرها. كان طوني يؤمن بأن وسائل التعليم الحديثة أفضل بكثير من الوسائل التقليدية المتبعة. ثم اقترح:
-انا مقتنع وسأحاول ان أنشر بعضاً من آرائك الجديدة للناس في مجلتي التي أعمل بها. لقد حضرتني فكرة جديدة. ربما استطيع ان اقتع المدير المسؤول ان يسمح لي بنشر سلسلة من المقالات التربوية تباعاً أبينّ فيها فوائد وسائل التعليم الحديثة بالمقارنة مع الوسائل التقليدية. ما رأيك؟
هذه فكرة ممتازة برأي لين. ألم يطلب منها كريس يورك ان تحاول اقناع الآخرين بجدوى ما تقوم به؟ ونشر هذه المقالات يسهّل من عملية اقناع الاخرين.
كانت لا تزال في جلستها مع طوني حين اقترب منها رجل وحيد في طريقه الى الضفة. تطلعت اليه لين على الفور. انه كريس يورك. بدا منحني الظهر قليلاً بعد أن كان منتصب القامة وقد تدلّى رأسه الى أسفل بعد ان كان مرفوعاً وشموخ.
بدأت ضربات قلبها تدق دون انتظام. ونظر كريس اليها نظرة سريعة وأكمل طريقه. هز رأسه محيياً دون ابتسام.
-انظري. أليس هذا الرجل الشاب صديقك الذي كان في النادي الموسيقي في الامسية التي انضممت بها الى عضوية النادي؟

فداني الكون0 03-09-11 10:44 PM


أخبرته لين بسرعة انه أحد معارفها وقالت بصدق:
-الحقيقة انني لا أعرف عنه الكثير.
-أو. يجب ان أتذكّره. أعرف انني رأيته في مكان ما. وأنا عادة لا أنسى الوجوه.
-انه من شمال انكلترا. والداه لا يزالان يعيشان في يوركشاير.
-هو من الشمال. لقد رأيته هناك حيث كنت تلميذاً فترة سنتين من الزمن وعملت في جريدة محلية لفترة من الوقت. شكراً لمساعدتك. سأتابع تحقيقاتي وحدي لأتعرف الى شخصه.
كانت الامسية التي امضتها لين بصحبة طوني لطيفة. رتّبت واياه لقاء آخر بعد اسبوع للبحث في تفاصيل سلسلة المقالات التربوية التي اقترح طوني ان ينشرها.
وعندما وصلت الى منزلها اتصلت على الفور بصديقها كين. وأخبرته باعتزاز انها وجدت الصحافي المهذب الذي يؤمن مثلها برسالتها التربوية الحديثة. سرّ كين بحديثها وقال:
-حسناً. تأكدي ان اعجابه ينحصر في آرائك فقط.
وبعد أيام قليلة من لقاءها بالصحافي طوني آرنولد كانت لين تجلس في منزلها وهي تصحح دفاتر الإنشاء المتأخرة. طرقت السيدة والترز عليها الباب وهي تقول:
-لديك مكالمة هاتفية يا صعيرتي. انه شاب من معارفك على ما اعتقد. انا لا أفرق بين اصدقائك. لديك العديد منهم.
لأول وهلة ظنت لين ان كريس هو المنكلم. ولكنه اختفى من حياتها كما وعدها ونجح في الابتعاد عنها وعن طريقها.
-هالو لين. انا طوني. آسف يا عزيزتي فأنا لا استطيع ان ألقاك غداً كما اتفقنا. لدي عمل ولا استطيع الخروج. اريد ان اعلمك انني انتهيت من تحضير أول مقال تربوي من حملتنا الصحافية لتثقيف الجماهير ووسائل التعليم الحديثة. ستظهر المقالة في جريدة يوم الجمعة. انتظريها!
-ولكن يا طوني..... كيف لي ان اعرف ماذا كتبت؟ ارجوك اقرأه لي الآن على التلفون بسرعة: ربما هناك بعض الحقائق التي كتبت خطأ ويجب تصحيحها.
-آسف مرة ثانية يا لين. انني في عجلة من أمري. المقالة طبعت وقد انتهى الأمر. حتى انا لا أستطيع ان اغير فيها شيئاً بعد الآن.
-ولكن يا طوني..... هل يمكنك ان تعطيني رؤوس أقلام؟
-لين! لقد تأخرت عشر دقائق عن برنامج عملي. عليك ان تثقي بي. لن أخذلك. وداعاً. سأراك قريباً من أجل المقالات اللاحقة.
انتظرت لين يوم الجمعة بقلق عظيم. وبسرعة ارتدت ثوبها وأسرعت الى أسفل السلالم لتقرأ المقال في جريدة الميلدنهد غازيت. قلبت الصفحات مسرعة ثم توقفت فجأة وقد تسمّر نظرها فوق العنوان الكبير في منتصف الصفحة وأحست بطعنة حادة في قلبها.
-الأهل يعوقون التقدم.
كان العنوان مكتوباً بأحرف كبيرة. تقول معلمة المدرسة لين هيوليت أن الأهل يضعون العصي في الدواليب ويمنعوها من التقدم....
قرأت لين المقال وقلبها يضرب بسرعة من الغضب. وازداد غضبها وقلقها مع كل جملة. كانت الحروف الواضحة أمامها تشير الى أن طوني حوّر كلماتها بشكل لا تقبل به. لقد أخبرته اشياء كثيرة كانت تظنها خارج الموضوع، ولكنه استعملها كلها في مقاله. بعض الجمل والملاحظات التي قالتها عن بعض زملائها المعلمين ذكرها ايضاً ولكنه لحسن حظها أغفل ذكر الاسماء الحقيقية. ثم عبارات عدم رضاها وسخطها على الطرق التقليدية التي تتبعها المدرسة حيث تعمل... كانت من الوقاحة وعدم اللياقة، وقد رتبها بحذق ومهارة بحيث يحظى باهتمام القارئ.
لا يمكن للأمور ان تكون اسوأ. لقد عرّاها طوني تماماً أمام القراء. ولو ترك له الخيار لوضع لها صورة بثياب البحر مع المقال.

فداني الكون0 03-09-11 10:46 PM


وصلت لين الى المدرسة ودخلت غرفة المعلمين وهي ترتعد وترتعش من الخوف والغضب. وجدت أكثر من ستة معلمين يقرأون المقال في الجريدة.
-لين ماذا تقصدين بهذا المقال يا حبيبتي؟
حاول كين ان يهدئ من صدمته بعد ان قرأ المقال. كانت لهجته رافضة لما قرأ تماماً. ونظر بقية الاساتذة اليها نظرة اشمئزاز واستغراب وهي تقترب منهم. عبست ماري وقالت:
-هل كنت تعرفين كل شيء عن هذه المقالة يا لين؟ أي قسم من المقال هو قولك وأي قسم هو من صنع الصحافي؟
-شكراً يا ماري لكلماتك الرقيقة. انا متأثرة مثلكم وآسفة ايضاً. انكم تعرفون الصحافيين جيداً. طوني يعتقد انه يخدمني. ولكنني اعتقد ان النتائج اسوأ مما توقع.
عبست ماري وقالت بجدية:
-هل تعرفين يا لين ان عاقبة هذه المقالة ستكون وخيمة عليك، وربما تجرّك الى مواقف غير مرضية بل سيئة ولا تسر؟ هذه المرة انا خائفة عليك يا عزيزتي. اعتقد أنك تماديت قليلاً في تصرفاتك هذه المرة.
-ارجوك يا ماري.... لا تزيدي همومي. أنا لا استطيع ان افعل أي شيء الآن. علي ان أتقبّل نتائج عملي مهما كانت. صدقيني أو لا تصدقيني، لقد طلبت من طوني ان يعطيني نسخة من المقال قبل طبعه ونشره ولكنه اعتذر بأن لا وقت لديه. والآن أعرف السبب.
-حسناً يا عزيزتي، استعدي للعاصفة التي ستهب فوق رأسك قبل نهاية اليوم.
مر النهار بطوله ولين تنتظر هبوب العاصفة. ولكن شيئاً مما توقعت لم يحصل. كانت كلما مرت ساعة تنتظر ان تسقط الفأس ونقطع رأسها، أو تطلب للاجتماع في مكتب المدير. ولكن هذا لم يحصل. وخرجت في نهاية النهار هاربة من حرم المدرسة الى سيارتها. تنهدت بارتياح من اعماق اعماقها وهي تدخل منزلها تنشد الراحة والتفكير.
منتديات ليلاس
مرت عطلة نهاية الاسبوع بسرعة وفي مساء الأحد التقت كين بعد الظهر كالعادة وتنزهت برفقته بضع ساعات قرب النهر. ولم يمر بها الرجل الوحيد... كريس. فأحست لين انها افتقدته اكثر مما تود ان تصرح به.
أخذت لين تجذف المركب بينما استلقى كين في الطرف الآخر وهو يراقبها. ثم سألها بلطف وهو يحاول أن لا يثير غضبها بسؤاله:
-هل من تعليقات او أقاويل بعد المقال يا حبيبتي؟
-ليس بعد. لا زلت انتظر. ربما ستبدأ المشاكل يوم الاثنين، على ما اعتقد.
-لا أظن ذلك. فالانباء السيئة تسير بسرعة فائقة. كان من المنتظر ان تقوم الدنيا عليك يوم الجمعة أو لا تقوم ابداً. انا مقتنع بذلك.
هزت لين رأسها غير موافقة. ولكنها كانت تتمنّى من كل قلبها ان يكون صديقها كين على صواب.
وصلها صباح الاثنين كتاب رسمي معنون: سري وشخصي. عليه اسمها. وجدت الكتاب على مكتبها في غرفة الاساتذة ينتظر وصولها. ونظرت لين الى الرسالة أمامها فاعتراها الخوف. هل يضم في داخله المشاكل التي كانت تنتظرها منذ يوم الجمعة؟
فكرت وهي تفتح الرسالة بيد ترتجف: انا مستعدة للمشاكل. كانت الرسالة مطبوعة على الآلة الكاتبة وعلى ورق رسمي. وكان من الواضح انها أمليت على السكرتيرة وتحتوي على رقم تسلسلي. رسالة قانونية ورسمية.
الرسالة تقول

فداني الكون0 03-09-11 10:48 PM


عزيزتي الآنسة هيوليت:
قرأت باستغراب وبكثير من الاهتمام المقال الذي نشر عنك في جريدة مليدنهد غازيت ليوم الجمعة. المقال مدبج بتعابير منافية للاخلاق المهنية، والجدل المستعمل فيه للدفاع عن وسائل التعليم الحديثة غير مهني. كاتب المقال ميال الى معالجة الموضوعات المثيرة وقد استغل رغبتك في اقتناص اول فرصة سانحة لعرض وجهة نظرك حول موضوع وسائل التعليم الحديثة. المقال برمته سيء بحيث أنه لا يفيد لا الكاتب ولا الشخص الذي عرض وجهة نظره....
بصفتي رجل تربية ذا خبرة في هذا المضمار، ودون تحيز أود ان اقول ان الحماس الذي تنقصه الحقائق الدامغة واندفاع الشباب والتفاؤل، كلها ليست كافية لاثارة موضوع بهذا العمق يسبب ضرراً كبيراً لعدد كبير من المربين ويثير الشك في عقول الآباء، حيث ان تعليم اولادهم هو شاغلهم الآول في تربيتهم التربية الصالحة.
على العموم كان الدافع الأول لوضع المقال اثارة الرأي العام وتحريك عواطفهم، وهذا يساعد في تثبيت مخاوف المجتمع، واخشى ان الكاتب قد انتهج طريقاً خاطئاً في الإعلام.
أنا اصررت ان تفتشي عن دعم خارجي لقضيتك، ولكنني لم أقصد ابداً هذا الدعم بالذات.
انتهجت طرقاً غير عادية للاتصال بك مباشرة، ربما لأنني اعرفك شخصياً، وربما لأنني اريد حمايتك من الدعاية التي لا تسر والأقاويل المغرضة التي ستنتج عن هذه الحادثة المؤسفة لو اتبعت الطرق العادية في الاتصال. أعلمت مديرك المباشر الاستاذ بنستون انني سأتصل بك شخصياً كي يوقف هو أي اجراء كان من الممكن أن يتخذه بالنسبة لهذا الحدث.
انصحك، اخيراً، ان تتصلي بكاتب المقال في أول فرصة وان تطلبي منه بإلحاح وصدق أن يتحقق من الموضوع برمتّه، وان تقنعيه بالتخلي عن كتابة بقية السلسلة التربوية من أجل مستقبلك. انت لست مجبرة على اتباع نصيحتي ولكنني شخصياً لا أرغب في تحمّل اية مسؤولية تنتج بعد ذلك من جراء تصرفاتك، اذا رغبت في اكمال نشر هذه السلسلة.

المخلص
ك. م. أ. يورك.
المفتش في وزارة التربية



حين انتهت لين من قراءة الرسالة وهدأت ثورتها قليلاً، ذهبت الى صديقها ماري ووضعت الخطاب أمامها قائلة:
-اليك هذا الخطاب! اقرأيه للنهاية. ستجدين السم القاتل في نهاينه. بقيت لين واقفة قرب ماري تنتظر حتى تنتهي من قراءة الرسالة وهي تتنفس بصعوبة من شدة حنقها. بقيت ماري هادئة وهي تقرأ الرسالة بكل اهتمام. نظرت اولاً الى التوقيع وهمهمت:
-انها من كريس يورك، ولكن ماذا يعني م. أ. في وسط اسمه؟
وبعد ان انتهت ماري من القراءة نظرت الى لين وقالت بصوت هادئ:
-ما الخطب؟ ان الرسالة معقولة جداً. كريس يكتب اليك في حدود مسؤولياته. انه لم يخذلك في محنتك، بل على العكس يحاول ان لا يزعجك ويدافع عن تصرفاتك الهوجاء. انه لطيف جداً وضمن حدود اللياقة. كنت أتعجب كيف لم ينل منك غضب الادارة يوم الجمعة وقد اتضح لي الآن انه هو الذي حال دون ذلك..... عليك ان تشكريه على عمله في صدّ الهجمات البربرية عليك من قبل المدير.
-انا اشكره؟ سأهييء له جواباً مناسباً لرسالته هذه......
-ولكن يا لين! أرجو ان لا تفقدي توازنك. كوني عاقلة. لقد اعترفت بنفسك ان المقال كان سيئاً. ولماذا تتحيزين الآن؟ فقط لأن كريس كتب لك ينبهك بلطف الى اخطائك، وذلك صمن حدود مهنته ومسؤولياته. كان يستطيع ان يتركك وشأنك وربما كنت غرقت في خضم هذه المشكلة. وبدلاً من ذلك اخذ زمام الامور بيده. عليك أن تشكريه لفعلته. قرر ان يكتب لك بنفسه وبذلك انقذك من مأزق حرج جداً.
كانت لين تعترف في قرارة نفسها بأن ما تقوله ماري هو الحقيقة. وكذلك كانت تعلم انها تتجنى على كريس وتتهمه بالباطل ولكنها كانت تشعر برغبة ملحة في مجابهته والرد عليه. لقد أثر كريس تأثيراً كبيراً في مجرى حياتها منذ أول يوم التقته. كان كالشوكة الحادة قد انغرس في لحمها وعليها ان تقتلعها مهما تألمت.
جلست في المساء وكتبت له الرد. قالت:
-عزيزي الاستاذ يورك:
اشكرك على رسالتك. آسفة لأن المقال الذي نشر عن لساني في جريدة ميلدنهد غازيت لم يعجبك. وانك لا توافق على الاسلوب ولا المضمون.
المقال كتب للوصول الى عقل القارئ العادي وليس لناقد كبير مثلك أو في مستوى ذكائك الخارق. كاتب المقال صحافي خبير وليس عديم الخبرة كما ذكرت. واعتقد ان عمره لا دخل له في المقال. لقد تحقق الصحافي من الموضوع بشكل عام واسلوبه في الكتابة لا ينحصر مطلقاً في التأثير على القارئ. لقد حاول فقط أن يوصل رأيه، وبالتالي رأيي، الى عامة الناس بأبسط الطرق واسهلها ولو عن طريق العاطفة.
أنا لا أخاف الضجة بل كنت انتظر حدوثها يوم الجمعة الفائت بعد نشر المقال لو لم تتدخل أنت. وربما علّي ان اقول لو لم تتوسط أنت.
اما بشأن اقتراحك: الاتصال بالكاتب ومحاولة اقناعه بعدم نشر بقية السلسلة التي خطط لها.... فأذكرك بحرية الرأي وحرية الطباعة والنشر في هذا البلد، ولا يمكن اجبار او اكراه أي كان على تغيير رأيه. ولكن بعد تهديدك المبطن لي في نهاية رسالتك الخاصة، والتي تقول فيها ان ذلك ربما سيؤثر على مهنتي وعملي، وبما أنني أحتاج وظيفتي، فمن الضروري اذن أن أقبل نصيحتك الخالصة شئت ذلك ام أبيت. باستطاعتي اقناع الكاتب المذكور بوقف نشر السلسلة التربوية ولكنني أقول لك صراحة ان ذلك يخالف مبادئي واخلاقي.
المخلصة
ل. ن. هيوليت
وضعت لين الرسالة داخل مظروف. ثم ختمتها ووضعت عليها عنوان مكتب الاستاذ يورك ثم كتبت عليها بعد تفكير كلمة: سري وشخصي..... كما فعل هو. واسرعت الى اقرب مركز للبريد فبعثت الرسالة خوفاً من ان تغير رأيها وتعدل عن ارسالها.
بعد يومين استلمت لين جواب رسالتها على عنوان مسكنها. كان الجواب مقتضاً ومكتوباً باليد.... الرسالة تقول:
-عزيزتي الآنسة هيوليت
استلمت رسالتك. اعتبر الموضوع منتهياً.
ك. م. أ. يورك
شعرت لين بانكماشها وصغرها. وجلست لفترة طويلة تنظر الى رسالته والى خط يده. امتلأت عيناها بالدموع فكانت ترى الأحرف تتراقص أمامها ومن خلال دموعها تخيلت ان محتوياتها كانت تعج بالحنان والرقة. اغمضت جفونها قسراً وتذكرت لقاءاتها معه. كانت تفتش في ذهنها عن أي مخرج يحفظ لها كرامتها وعزتها في علاقتها الشائكة به.
بقي اسبوع واحد على موعد الحفلة الموسيقية التي ستقام في قاعة الريفرسايد. وكانت لين تمضي معظم اوقات فراغها في المدرسة وفي غرفة الموسيقى تدرّب تلاميذها الشباب على تأدية ادوارهم في الحفلة. وبعد ظهر يوم من الايام اكتشفت لين انها نسيت دفتر تسجيل الصف في غرفة الموسيقى وقررت استعادته دون اي إبطاء. كان دفتر تسجيل الصف يعتبر من المقدسات في المدرسة لأنه يحتوي على معلومات اساسية في سير عمل الصف، وفيه يسجل كل شيء هام يتعلق بالتلاميذ.
وقفت لين امام باب غرفة الموسيقى مترددة لأنها لم ترد ان تزعج الشخص الذي كان يعزف بمهارة على البيانو. ربما انتظرت قليلاً حتى ينتهي من عزف هذه المقطوعة. ولكنها لم تدر اذا كانت المقطوعة طويلة تستغرق وقتاً طويلاً. ولم تكن تعرف كم سيطول بها الانتظار. قررت اخيراً ان تدخل وتعتذر للعازف على ازعاجها.

فداني الكون0 03-09-11 10:50 PM


قرعت الباب بلطف ودخلت بصمت ثم اغلقت الباب خلفها. وصعقت حين نظرت أمامها الى العازف. اكتافه العريضة ويداه باصابعها النحيلة، وشعره البني...... هذه الصفات لا يمكن ان يحملها سوى رجل واحد في العالم. انه كريس يورك. كان هو العازف الماهر الذي استوقف المارة خلال الاسابيع الماضية ليستمعوا الى عزفه المبدع. جمدت لين في مكانها ولم تستطع الحراك. وحتى لو جربت ان تتحرك فلن تستطيع. كانت الأنغام البديعة تغمرها بسرور لا يوصف، وشعرت ببهجة كبيرة. تراكمت الاسئلة في ذهنها: ماذا يفعل كريس هنا؟ لماذا يتدرب بهذا القدر والاصرار؟ لماذا لم يخبرها عن موهبته الموسيقية تلك؟
أحست لين انها كالمسحورة. الموسيقى ملأت كيانها ولا تستطيع بعد ان تزعج العازف او توقفه عن عزفه. تراجعت بصمت نحو الباب تريد الخروج. كادت تدير مقبض الباب حين توقف العزف فجأة. قال كريس:
-ماذا تريدين يا لين؟
كيف عرف انها خلفه مع أنه لم ينظر الى الخلف او يلتفت في مجلسه؟ شعرت لين بالجمود ولم تستطع الاجابة.
استدار كريس في مقعده أمام البيانو وقال بوجه قاس وعينين حزينتين:
-نعم؟
-أردت دفتر تسجيل الصف. لقد نسيته هنا. سأعود بعد ان تنتهي من العزف وأفتش عنه.
قالت ذلك واستدارت الى الباب لتخرج. لكنه خاطبها بلهجة جادّة قاسية بعد ان استدار مجدداً نحو البيانو وظهره اليها وهو يقول:
-أرجوك ان تتقدمي وتأخذيه. لقد أضعت عليّ تركيز أفكاري فمن الأفضل ان تنهي ما جئت لأجله.
لم تكن تعرف كريس بمهل تلك القساوة والشراسة. وحاولت ان تخفّف الجو فقالت:
-عزفك مبدع يا كريس. لم أكن اعلم أنك تعزف بهذه المهارة.
حاولت ان تتمسك بغصن الزيتون لعل السلام يعود الى علاقتهما. قالت:
-هل هذه الموسيقى من تأليف موسيقار حديث؟
استدار كريس بسرعة لينظر اليها. كانت نظرته تقدح شرراً. وانسحق غصن الزيتون تماماً حين صرخ قائلاً:
-ماذا؟
ثم حدق بها دون ان يبتسم. كان مستغرباً كأنه لا يصدّق سمعه. ثم تكلم بوضوح وتأنّ:
-أنت حقاً جاهلة!
ارتجفت لين كريشة. ارتجفت كأنه ضربها. وأكمل كريس قوله ببطء وقد تعمّد ان يكون قاسياً في ألفاظه:
-في الحقيقة، انت جاهلة كلياً بالموسيقى كما انك جاهلة بأشياء اخرى وسأحددها لك.
بدأ يعد على اصابعه قائلاً:
-أولاً: انت جاهلة في اقامة علاقات شخصية. أعرف جيداً كيف تتجاهلين شعور الآخرين.
-ثانياً: انت عادة متكبرة في اسلوبك في معاملة الغير. أعرف ذلك من خبرتي معك.
-ثالثاً: انت جاهلة في الموسيقى (كانت كلماته كالسوط تلسعها لسعاً) تتظاهرين بمعرفة الموسيقى وانت تجهلينها كلياً. لقد سألتني الآن اذا كانت هذه القطعة الموسيقية لموسيقار حديث بينما هي مؤلفة منذ مثة وسبعين عاماً. ألفّها شخص تتباهين بحب موسيقاه اكثر من الجميع. وأعني به بيتهوفن.
كان الاحتفار في صوته يؤلمها أشد الالم. ملأها الغضب المر. قالت في نفسها: انها الحرب معلنة بيني وبينه. سأنازله كما يرغب. وسأردّ له الكيل في الوقت المناسب.
حشدت ما تستطيع من عزة نفسها وكرامتها ومشت الى داخل الغرفة حيث البيانو. فتشت بين الاوراق الموسيقية التي كانت ترتبها في الصباح. ووجدت ضالتها في أسفل الرزمة. سحبت الدفتر وعادت ادراجها الى الباب. ولم تنبس ببنت شفة. وقفت قربه ونظرت اليه من عل. كانت احدى يديه لا تزال فوق مفاتيح البيانو مستعدة للبدء في العزف حال خروجها فأعلقت الباب خلفها ووقفت دقائق تسترد انفاسها وتستجمع قواها. وقفت تتنفس بصعوبة فائقة من شدة حنقها. وسمعت الموسيقى البديعة تخرج من الغرفة وهي اكثر ابداعاً وأعمق عاطفة.......

فداني الكون0 03-09-11 10:52 PM



مشت لين الى غرفة الاساتذة. ووجدت صديقتها ماري هناك. قالت:
-ماري! هل تعرفين ان كريس يورك عازف بيانو ماهر؟
نظرت ماري اليها باستغراب وقالت:
-طبعاً. لماذا تسألين؟
-لقد وجدته الآن في غرفة الموسيقى يعزف البيانو.
-لا استغرب مثلك. لقد أخبرني تلك الامسية في النادي الموسيقي ان المسؤول عن البرنامج في الحفلة الموسيقية في قاعة الريفرسايد بافيون قد دعاه ليعزف في الاسبوع المقبل. الم تعلمي ذلك؟
-لا لاأعرف.
-ربما لآنك لم تفسحي له المجال ليخبرك. لقد قال لي ايضاً انكما تتخاصمان باستمرار.
-اوه. هو أخبرك ذلك؟
-ربما لا تعرفين ايضاً أنه عازف محترف ويحمل المؤهلات الرفيعة في هذا الحقل. انه محترف، وهو عالم في الموسيقى. لقد دعوه ليعزف في هذه الحفلة بعد عزف فرقة الشباب ليغطوا بعضاً من اخطائهم وليعطوا الحفلة نهاية مبهجة ومشرّقة.
تراجعت لين كمن أصيب بدوار بعد سماعها هذه المعلومات التي لا تصدق. بدت لها فداحة غلطتها وسوء تقديرها فأحست بطعنة قاسية. أصبحت اهانته لها لا تحتمل. لقد ضاعفت من تصميمها على محاربته مهما كلفها الأمر. كان ضميرها يتمتم لها قائلاً: لقد استعمل معك نفس اسلوبك ونفس اسلحتك..... الفظاظة وعدم اللياقة. لقد تصرف معك كتصرفك معه..... ولكنها حاولت ان تسكت ضميرها وتخرسه.
مساء الجمعة ويوم الحفلة الموسيقية الموعودة، لبست لين بعناية فائقة. لبست طقماً جميلاً ومعه بلوزة مطرزة تحت الجاكيت. وضعت في اذنيها اقراطاً مزهرة بألوان قوس القزح مع دبوس مناسب في صدرها. ونظرت تتفحص جمالها في المرآة. بدا الشحوب على خديها قليلاً ولكنها ردّته الى الاجهاد في العمل. نظرت اى عينيها وعرفت ان لا شيء يعيد البريق اليهما. نادت وهي تنزل السلالم قائلة:
-مساء الخير يا سيدة والترز. انا خارجة الآن.
-مع السلامة. يا آلهي كم انت جذابة يا صغيرتي. هل الحفلة الموسيقية الليلة؟
-نعم. وسأعود متأخرة. سأذهب بعد الحفلة مع الاستاذ مارشال الى عشاء راقص. لا تنتظريني ارجوك. معي مفتاح الباب الخارجي.
-حسناً. تمتعي بوقتك. مع السلامة.
حال وصولها الى قاعة الاحتفال دخلت الى الكواليس لتعطي طلابها بعض كلمات التشجيع. كانوا جميعاً مرحين يتمتعون بمعنوية عالية ولا يبدو عليهم أي خوف او عصبية.
لمحت لين الشاب العريض المنكبين في اناقة كاملة يتكلم مع منظم الحفلة الموسيقية.و شعرت أن قلبها توقف عن ضرباته. لقد لاحظت انه اكثر وسامة في لباس السهرة الرسمي. شعرت بحنين غريب اليه، فغصّت بريقها واختنق نفسها في صدرها.
منتديات ليلاس
نظرت حولها تفتش بارتباك ظاهر عن كين. كان كين مسؤولاً عن الانارة. وجدته اخيراً في أعلى السلم الخشبي. ونادته بصوت مرتعش فنزل على الفور املاقاتها قائلاً:
-أهلاً حبيبتي. (نظر اليها من أخمص قدميها الى قمة رأسها باعجاب) استطيع ان ألتهمك.
سمعت اصوات استحسان خلفها. كان تلاميذها الشباب يتأملونها باعجاب ظاهر. ونهرهم كين قائلاً:
-لا زلتم صغاراً ولا تفهمون قصدي.
فصرخوا مستهجنين وغير موافقين وعّم الهرج.
قال كين:
-وداعاً يا حبيبتي. أراك بعد الحفلة. لاتنسي موعدنا للسهرة.
ثم انحتى وقّبل خدها بسرعة. واخذ الشبان يحتجون حاسدين وهم يمزحون. أحست لين ان كريس كان يراقبها كل تلك الفترة. ولكنه في تلك اللحظة كان يتابع حديثه مع منظم الحفلة.
وذهبت لين بعد ان اعطت تلاميذها آخر توصياتها فوجدت لنفسها مقعداً في بداية الصف الثالث الأمامي. نظرت خلفها تتفحص المستمعين. ورأت ماري تقف في مؤخرة القاعة برفقة رجل طويل القامة مرح المحيا يغطي الشيب قسماً من رأسه. لم تتذكر لين اسمه ولكنها عرفت انه مدير مدرسة ثانوية في المدينة. كما لمحت الاستاذ بلاكهام يجلس قرب زوجته. رفع يده وحيّاها فردّت له تحيته. كان الاستاذ بنستون وزوجته بين الحضور ايضاً، وكذلك ديردر كارسون ترتدي طقماً فاقع الالوان. سمعت صوتاً من الامام يناديها باسمها قائلاً:
-اهلاً يا لين.

فداني الكون0 03-09-11 10:54 PM


انه طوني ارنولد الصحافي وبصحبته فتاة جميلة يجلسان الى طاولة الصحافة. مشت لين اليه ترحب به. وعرّفها على مرافقته قائلاً:
-الآنسة جيل وايت، مراسلة من جريدة هيرالد المسائية. وقال يسألها:
-هل نجلس قرب الاوركسترا؟ هل ستتحمّل آذاننا ضجيج اصواتها؟
-الشباب يعدّون مفاجأة لطيفة لك يا طوني. انهم ماهرون وممتازون. وعادت لين الى مقعدها.
مشى شباب الاوركسترا الى اماكنهم المعدة لهم في أسفل المسرح. كانوا يرتدون القمصان البيضاء فوق سراويلهم الرمادية بينما لبست الفتيات البلوزات البيضاء فوق تنانيرهن الرمادية القصيرة. الجو عابق بالشباب والحماس. لقد ادهشوا المشاهدين بعزفهم المتكامل ومقدرتهم الموسيقية وثقتهم بأنفسهم. كان منظم الحفلة يقودهم بمهارة العارف وجلده وصبره. لقد أثار اعجاب الجميع في قيادتهم. كانوا كتلة من المواهب الشابة تتعامل بتجانس فائق.

بدأ النور يخفت في القاعة. ووقف رجل عريض المنكبين قرب لين. انحنى قليلاً وتمتم قائلاً:
-هل تمانعين في أن أجلس في نهاية الصف؟ لو تنتقلين مكاناً واحداً....
للمرة الثانية في تلك الامسية توقفت ضربات قلب لين. هناك العديد من المقاعد الفارغة في القاعة. لماذا اختار كريس يورك مقعداً قربها؟
أفسحت له المكان ولكنهما لم يتبادلا ولا كلمة او نظرة. كانا كالغريبين. وجوده قربها اربكها وجعلها تبذل جهداً كبيراً في التركيز على البرنامج الذي كان يعرض أمامها فوق خشبة المسرح. لم تغفل وجوده قربها ولا ثانية، بالرغم من كل شيء يدور حولها.
بعد ان انتهى الشباب من العزف قوبلوا بالتصفيق الحاد. وتلا ذلك بعض الاغاني الفلكلورية من طلاب المدينة الصغار، ثم تبعتها مسرحية من فصل واحد. وقبيل انتهاء المسرحية بقليل نهض كريس بهدوء فاختفى خلف المسرح. تنهدت لين بارتياح او ربما بخيبة أمل. لا يمكن لأحد ان يفسر تلك التنهيدات.........
بعد انتهاء التمثيلية حضر ثلاثة شبان أقوياء وهم يحملون بيانو بني اللون كبير الحجم الى مكان ظاهر بالقرب من الاوركسترا. وفتحوا غطاءه قبل رحيلهم.
ودخل عازف البيانو المنفرد فمشى أمام المشاهدين وانحنى احتراماً وشكراً للتصفيق الحاد الذي قوبل به. شعرت لين بفخر واعتزاز كبيرين. لماذا هذا الشعور؟ لم تعرف جواباً لذلك مع أنه لا يعني لها شيئاً.
جلس كريس عازف البيانو المنفرد بكل جلال وثقة وقد ركز حواسه وأفكاره كلها في القطعة الموسيقية التي سيعزفها. نظر الى قائد الاوركسترا مشيراً الى انه جاهز. ثم رفع يديه وبدأ يعزف قطعة للموسيقار الشهير تشويكوفسكي، وضعت خصيصاً للعزف على البيانو، وقد شاركت في العزف اوركسترا الشباب.
سيطر على المستمعين سحر عجيب من الافتتان والنشوة. وأبدعت الاوركسترا كما ابدع العازف المنفرد. لقد تفوق الجميع في عزفهم وتناغمهم حتى ان اصوات المستمعين في القاعة ارتفعت سروراً، وصفقوا، وخبطوا بأرجلهم على الأرض لسماع المزيد من العزف السحري.
ولما هدأ الجميع عاد عازف البيانو منفرداً الى المسرح. وعاود العزف على البيانو بدون مرافقة الاوركسترا هذه المرة. عزف القطعة الموسيقية التي كان يتدرب عليها في غرفة الموسيقى يوم قطعت عليه لين تدريبه وأزعجته. وهي من تأليف الموسيقار بيتهوفن. كان يعزف بمهارة وفن فائقين. سرحت لين مع الموسيقى بعيداً، وشعرت بعاطفة غريبة تلفها حتى انه حين انتهى من عزفه وجدت نفسها غير قادرة على مجاراة الآخرين في التصفيق له. يقد شبكت اصابع يديها ببعضها وعملت جاهدة على حبس دموعها خوفاً من أن تتساقط على خديها بالرغم منها.
نهض كريس من مكانه أمام البيانو وانحنى شاكراً ترحيب الجمهور. نظر الى لين دقيقة ثم تابع انحناءه للمستمعين ودخل خلف الكواليس.
أمضت لين فترة الاستراحة تتحدث مع بعض أهالي طلابها من الشباب الذين شاركوا في العزف. وحضرت ماري فجلست قربها. كانت ماري متوردة تشع سعادة. وتمنت لين لو تعرف أسباب سعادتها الغامرة لتشاركها فرحتها ولكنها فضلت ان لا تسألها

فداني الكون0 03-09-11 10:55 PM

ا.
تمتمت ماري تحدث لين قائلة:
-ألم يكن كريس ممتازاً في عزفه؟ ألم يكن حضوره على المسرح مذهلاً؟ ان له شخصية مسرحية متفوقة ويمتاز بثقته واعتداده بنفسه.
وافقتها لين مرغمة لأن ما تقوله ماري حقيقة واضحة كالشمس، ولا يمكنها ان تطعن بصحتها.
بعد الاستراحة، استمرت الحفلة. وقام فريق من تلاميذ لين يرافقهم فريق الكورس من التلاميذ الصغار بالغناء. كانت الوصلة ناجحة وقوبلوا بالتهليل والترحيب الحماسي.
قالت لين معتزة تخاطب ماري:
-يستطيع الناس ان يحكموا على نجاح عملي الآن. عليهم ان يعترفوا بنجاح الطرق الحديثة في التعليم. هذه نتيجة جهودي المنفردة. انها توازي الطرق التقليدية وتتفوق عليها.
وافقتها ماري بحماس واقتناع لأن لين كانت ناجحة جداً في تدريبهم.
بعد ان انتهت الحفلة وهدأ التصفيق نهائياً في القاعة، سارت مع ماري الى الكواليس. كان كين يتحدث مع كريس باهتمام. وناداهما وهو يقول مرّحباً:
-كريس يقترح علينا ان نسهر نحن الاربعة هذا المساء لنحتفل بنجاح الحفلة. هل هناك أي اعتراض؟
وقبل ان تتمكن لين من الاجابة، كانت ماري تسرع بالموافقة عنهما. سأل كريس قائلاً:
-وأنت يالين، ما رأيك؟
أجابت:
-لا مانع لدي.
كان عليها ان توافق دون اشكال. لقد نجح كريس نجاحاً كبيراً وساعد على إنجاح هذه الحفلة وفي مساندتها. نظر اليها نظرة ساخرة يتحداها. ولم يلحظ كين عدم تحمسها للذهاب برفقتهم حين قال بسرعة:
-اتفقنا اذن. سأغير ملابسي ولن أتأخر عليكم.
منتديات ليلاس
وبينما وقفوا ينتظرون كين، كان كريس مشغولاً بتقبل التهاني ومصافحة المعجبين. شغلت لين نفسها ايضاً بملاطفة تلاميذها وشكرهم على جهودهم. سرّهم مديحها وأكدوا لها ان تفوقهم في اتقان ادوارهم كان اكراماً لها.
حين حضر كين قال كريس يخاطبهم:
-هل معكم سيارة؟
أجابه كين:
-لا، كنا قد قررنا ان نستأجر سيارة في نهاية السهرة لأننا لن نكون قادرين على قيادتها.
سرّ كريس وقال:
-بما أنني لا أتناول إلا المرطبات استطيع ان آخذكم بسيارتي وانا على استعداد لايصال كل منكم بأمان الى منزله في نهاية السهرة.
قال كين وهو يجلس مع لين في المقعد الخلفي للسيارة:
-سنذهب الى مطعم الغرين غوبلت وهو يبتعد بضعة أميال فقط. طعامه جيد وتوجد موسيقى ومكان للرقص بعد العشاء. كما ان أسعاره معتدلة ومقبولة.
اجاب كريس بمرح وهو يقود سيارته وقد جلست ماري قربه:
-حسناً. عليك يا كين ان ترشدني الى الطريق.

فداني الكون0 03-09-11 10:56 PM


انتهى الفصل الرابع


قراء ممتعه

الجبل الاخضر 06-09-11 10:45 AM

:55:تسلمين ياالغاليه:peace: ننتظر الباقي :wookie:

فتاة 86 07-09-11 12:12 AM

الله يزدك من عندو
إبداع و تميز

فداني الكون0 07-09-11 09:22 PM

[QUOTE=الجبل الاخضر;2862129]:55:تسلمين ياالغاليه:peace: ننتظر الباقي :wookie:[/QUOT


العفو يا الغلا

ومشكوره علي مرورج

فداني الكون0 07-09-11 09:31 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتاة 86 (المشاركة 2862505)
الله يزدك من عندو
إبداع و تميز



امين يارب واجمعين

ومشكوره يا قلبي

فداني الكون0 09-09-11 10:50 PM




5-قسراً!

لم تتحسن نفسية لين وهي في السيارة بل بدا عليها الوجوم. حاولت جاهدة ان تقنع نفسها بعدم الاكتئاب ولكنها لم تفلح. كان الرجل المتزن الجالس أمامها بمنكبيه العريضين قد حطم توازنها كلياً وشعرت بضآلتها أمامه. ثقته واعتزازه بنفسه سثيران غضبها. حدقت لين عبر النافذة لتبعده عن نظرها ولكن الظلام الدامس خارج السيارة اعاد اليها انعكاس صورتها العابسة الحزينة. شد لين بلطف على يدها وارغمت نفسها ان تبتسم له ابتسامة عريضة مصطنعة. مال اليها متمتماً:
-سعيدة؟
كانت سعادته واضحة حتى أنها اضطرت على موافقته رغماً عنها.
دخلوا الى المطعم وقادهم الخادم الى طاولة تتسع لأربعة اشخاص. نظروا حولهم يتفرسون في الحاضرين لعلهم يرون بعض الوجوه الأليفة. وقال كين معلقاً على المكان:
-ظننت اننا سنكون وحدنا في المطعم هذه الليلة. لقد حضرت مع لين من قبل وكان المكان شبه فارغ. هذا الحشد من الناس ربما كان نتيجة الحفلة الموسيقية هذه الليلة.
قال كريس معقباً:
-سيرسل مدير المطعم رسالة شكر الى السلطات التربوية في المنطقة ويطلب تكرار مثل هذا الحدث.
لقد اتفق كريس وكين على اقتسام فاتورة العشاء بينهما. ولما حضر الخادم تولى كريس بنفسه سؤال كل منهم عما يفضل من طعام. كانت لين مقتضبة جداً وهي تحدد طعامها وحاولت قدر الامكان ان تتفادى نظرات كريس المباشرة. كانت تشعر ان تصرفاتها غير لائقة ولكنها تجاهلت كل مبادئ اللياقة. كانت لا تأبه ابداً لما يبدر منها في مثل تلك الظروف.
كانت تشعر انها اجبرت على الخروج بصحبة كريس يورك وعليها ان تمضي السهرة بكاملها برفقته. وستكون سهرة مزعجة للغاية. انها لا تزال تتذكر قساوته وجلفه معها في غرفة الموسيقى، ولن تسامح تطاوله عليها. كانت الحرب بينهما سجالاً. ستبرهن له انها خصم لدود ولو بدت غير مهذبة في تصرفاتها. ففي الحرب يهون كل شيء.
كان الطعام ممتازاً ولكن لين التهمته دون شهية. ودار الحديث حول الحفلة ونجاحها. كان كلما وجه تعليقاً محدداً اليها تجاهلته كلياً ولم تجبه. كانت تتظاهر احياناً بأنها لا تسمعه. ولو تنازلت ونظرت اليه لتنبهت الى نذير الشؤم في عضلاته المشدودة حول فمه.
بعد ان انتهوا من الطعام حضر شاب وربت بلطف على كتف كريس وقال: -انا الصحافي طوني ارنولد من جريدة ميلدنهد غازيت.هل استطيع ان اخذ منك يا سيدي حديثا صحافيا؟ -اذا كان مختصرا.
-هل انت ياسيدي من شمال انكلترا؟
-نعم.
-هل لي ان اسالك اذا كنت انت العازف الشهير ماركوس الدرمان المعروف في الدوئر المويسيقة في الشمال؟
منتديات ليلاس
تنهدكريس تنهيدة عميقةواستوى في مجلسه وقال:
-نعم.لابد وانك قمت بتحريات مثمرة حتى اكتشفت هذه الحقيقة. من لفت نظرك لذلك.
-علي ان أكون صادقا معك ياسيدي...انها الانسة هيولت هي التي نبهتني اول الامر دون ان تدري اوتقصد.
نظر كريس نظرة مخيفة الى وهو يقول:
-انها هي اذن وراء تحرياتك المكثفة...اتمنى لبعض الناس ان يهتموا فقط يشؤونهم الخاصة.
-انها لا تعرف اي شيء عن ذلك. لقد لفتت نظري فقط الى انك من الشمال. أنا تابعت المهمة لأنني كنت قد رأيتك تعزف في اماكن عامة كثيرة. هل لي ان اسألك اذا كنت ستعزف في حفلة عامة في المستقبل القريب؟
-لا. لا ابداً.
-هل ستعزف في نيوكاسل، وميدل بورو، وسندرلاند وهاروغيت وقاعة الاحتفالات في لندن او بقية الاماكن التي عرفتك كعازف منفرد شهير للبيانو سابقاً؟
-عملي حالياً ينحصر في التفتيش التربوي وليس في الموسيقى.
-انت مفتش في اللغة والادب الانكليزي وليس في الموسيقى.
-نعم. أحمل اجازة جامعية في تعليم اللغة الانكليزية. نلتها بعد شهادة الموسيقى التي احملها. احياناً أبحث في علم الموسيقى من وقت لآخر.
-فهمت ما تقصد. لدي يؤال أخير. هل يمكنك ان توضح لي ما اذا كنت خطيباً للمغنية الشهيرة الآنسة انجيلا كاستللا.
-اعتقد ان الآنسة وحدها يحق لها ان تؤكد أو تنفي هذه العلاقة بالذات. اقترح عليك ان تسألها هذا السؤال.
-انك لا تنفي ذلك يا سيدي؟
قال كريس وقد نفذ صبره ورغب في انهاء هذا الحديث الصحافي بسرعة:
-أنا لا أنفي ذلك ولكنني اطلب منك ان تسأل الآنسة كاستللا هذا السؤال.
شعر طوني ان كريس يرغب في انهاء الحديث لذلك سارع الى قفل دفتره وشكر محدثه قائلاً:
-هل لديك اي مانع في ان تأخذ صورة مع اصدقائك لهذه المقابلة؟
نظر كريس الى مجالسيه قائلاً:
-هل لديكم مانع؟
ابتسموا جميعاً موافقين وأخذت الصورة الباسمة.
لقد لفت المصور والصحافي الانتباه الى طاولة كريس ورفاقه، مما جعل الجميع يشعرون ببعض الاحراج والقلق ما عدا كريس الذي بدا رابط الجأش ومتوازناً كعادته.
سألت ماري كريس بعد ان غاب المصور والصحافي عنهم قائلة:
هل م. أ. التي توقع بها رسائلك هي اشارة الى ماركوس الدرمان؟
أجابها:

فداني الكون0 09-09-11 10:56 PM


-نعم. ماركوس هو اسم جدي والدرمان اسم عائلة والدتي وهي عائلة كريمة المحتد اعتز بانتمائي اليها.
ران صمت على الجالسين قطعته لين قائلة بسخرية واضحة:
-معنا اليوم شهير اذن.
أجابها كريس:
-آسف اذا كان ذلك يسبب لك بعض الازعاج.
هزت لين رأسها بأن ذلك لا يهمها ابداً. وظهرت ضجرة في مجلسها وسهرتها. نظر اليها كريس من طرف عينيه وقال مستوضحاً:
-لاحظت هذا المساء أنك لم تشاركي الجمهور في التصفيق لي. هل عزفي ليس على المستوى ولا ينال استحسانك؟
بدا على وجهه استغراب كبير. كان متعالياً ومتحدياً في نظرته. احتارت فيما تجيبه. لو انها اخبرته الحقيقة: انها سحرت بعزفه وتسمرت حتى انها لم تستطع ان تتحرك لتصفق..... هل سيثور لجوابها؟ هل سيكون لاذعاً مراً في تعليقه عليها؟ فضلت ان تتجأهل سؤاله. التفتت الى كين وقالت بخفة ودلال:
-بدأ الرقص وأنا اتحرق شوقاً لأرقص.
رقصا سوية وسط جموع الراقصين. ونظر كين اليها يسألها مستغرباً حالها:
-ما الخطب بينكما انت وكريس هذا المساء؟ حتى لو كنتما تكرهان بعضكما بهذا الشكل فلا حاجة ليعرف الجميع من حولكما بتلك الكراهية المتأصلة. هل يمكنك دفن هذه العداوة لهذه الامسية فقط؟
لم تجبه لين. فضلت الصمت. نظرت الى ماري يقودها كريس الى حلبة الرقص وقالت تخاطب كين:
-انهما متفقان كلياً. هل تعتقد ان علاقة ما تربطهما؟ تبدو ماري سعيدة للغاية هذه الليلة. كلاهما في الثلاثينيات من عمره.
رفع كين خده عن خدها قبل ان يجيبها قائلاً:
-لا اعتقد ذلك. لا يمكن ان تربطه علاقة بها. انه مرتبط بانجيلا كاستللا.
-ولكنه لم يؤكد علاقته بها كما لاحظت من اجاباته.
-وكذلك لا ينفيها. انت تعرفين مشاهير الناس. همهم ان يشغلوا الصحافة باخبارهم ويستفيدوا من الدعاية لأنفسهم.
عادا بعد الرقص الى الطاولة حيث جلس كريس برفقة ماري. انضم كين الى كريس وذهبا يطلبان مزيداً من الاصناف للجميع وبقيت ماري مع لين. قالت ماري:
-امسية لطيفة بهيجة اليس كذلك؟
-نعم.
-يمكنك الابتسام قليلاً يا لين. كانت الحفلة الموسيقية ناجحة للغاية ونستطيع الاحتفال الآن بنجاحها.
وافقتها لين وحاولت ان تبدو اكثر انشراحاً اكراماً لماري وكين. وسأل كين ماري مرافقته الى حلبة الرقص.
بقيت لين وحدها بصحبة كريس. خافت كثيراً من مواجهته. وشعرت كأنها جردت من كل أصحابها واصدقائها فنظرت حولها مستنجدة علها تجد أحداً من معارفها لتحامي به. وقف كريس واقترب منها قائلاً:
-لين؟ (سألها ان تراقصه بعينيه ولم يتكلم ولا كلمة).
اسودت الدنيا في عينيها ونهضت على الفور مسرعة وهي تتمتم:
-اعذرني.....
ثم ركضت باتجاه الحمام.

فداني الكون0 09-09-11 11:01 PM


وحين خرجت من باب الحمام وجدت كريس واقفاً قرب المقصف. شعرت ان تصرفاتها لا تغتفر. لم يكن باليد حيلة. لم تكن لتسمح له أن يضمها بين ذراعيه في حلبة الرقص مهما كان.
عادت لتجلس على كرسيها بينما بقي هو في مكانه يشرب لوحده. حضر كين برفقة ماري وسأل عنه. اشارت لين الى مكانه فذهب كين لمشاركته.
قالت ماري:
-ظننت أنكما ترقصان.
عاد كريس بصحبة كين فانقطع حبل الكلام بين الصديقتين. حضر في ذلك الوقت ايضاً طوني ارنولد الصحافي عابساً وهو يقول:
-هل تسمحين لي يا لين بشرف مراقصتك؟
-يسرني ذلك جداً يا طوني.
احاطته بذراعيها ضاحكة بينما بقي كريس وكين يراقبانها بتعجب. قال طوني:
-ان المقابلة الصحفية التي اجريتها مع ماركوس الدرمان ستكون قصة جديدة. اشكرك يا لين على جهودك.
منتديات ليلاس
ضحكت لين ضحكة ساخرة وقالت:
-علي ان ابقي فمي مغلقاً من الآن فصاعداً حتى لا يسبب لي اية مشكلة.
-ولا يهمك. جميع الناس يبدون غير ما يكنون. انني واثق من أنه مسرور لكشف هويته الحقيقية كعازف مشهور.
تحادثا حول الحفلة الموسيقية ونجاحها وضحكا طويلاً. وحين توقفت الموسيقى شكرها طوني واعادها الى مجلسها. وبعد دقائق معدودة نظر كريس اليها بوضوح وخاطبها بلهجة سافرة قائلاً:
-هل توافقين يا لين على مراقصتي؟
تنهدت بسرعة وقالت:
-آسفة. انني مجهدة الآن.
قال كين مستغرباً:
-مجهدة؟ لم تكوني كذلك وانت تراقصين الشاب الصحافي؟
-ولكنني مجهدة الآن.
قال كريس:
-افهم وضعك تماماً. ولا يهمك.
عادت لين بعد قليل لمراقصة كين وبقيت ماري تهتم بملاطفة كريس حتى نهاية السهرة. كانت جادة في رأب الصدع الذي احدثته لين بتصرفاتها الخرقاء مع كريس يورك.
قرروا العودة بعد منتصف الليل بقليل. وركبوا سيارة كريس. لف كين ذراعه حول خصرها وهما يجلسان في المقعد الخلفي. ومالت لين برأسها ووضعته على كتفه تحاول ان ترتاح قليلاً. وظن كين انها تغازله فأدار وجهها اليه وعانقها ولكنها اعتدلت في جلستها بعد ذلك واستوت في مقعدها. كانت غير سعيدة وهي تحدق من النافذة في الفراغ. وقال كريس يخاطبهم بجدية:
-سأنزل ماري أولاً ثم كين واخيراً لين. بدأ خزان الوقود يفرغ. توجد قرب منزل لين محطة للوقود تعمل ليل نهار. هل لديكم مانع؟
وافق الجميع بسرعة. كانت لين تود ان تصرخ معترضة ولكن لم يكن مجال لذلك وهو الآمر الناهي وهم تحت رحمته وفي سيارته. بدأ قلبها يضرب بسرعة فائقة. ونزلت ماري قرب مفرق منزلها ثم وصل كين ونزل بعد ان شكره. وقبل وجنة لين بسرعة قائلاً:
-أراك في الغد.... يوم السبت يا حبيبتي.
ودخل كريس بعد ذلك محطة الوقود فأوقف السيارة قرب المضخة وقال بلهجة آمرة يخاطب لين:
-اريدك ان تنزلي وتجلسي في المقعد الأمامي.
فعلت لين كما أمرها دون اية كلمة. دفع كريس ثمن الوقود وانطلق بالسيارة في صمت. حين وصل الى مدخل شقتها اطفأ محرك السيارة وبقي في مجلسه. وعم السيارة صمت ثقيل. علمت لين ان عليها ان تواجه محاسبته لها عن افعالها الشائنة. والتفت اليها محدقاً بها ثم قال بلهجة قاسية ساخرة:
-هل يمكنك الآن ان تفسري لي تصرفاتك غير اللائقة تجاهي هذه الليلة؟
بقيت لين صامتة لفترة ثم اجابت:
-لا اعتقد ان علي ان اشرح لك اي شيء. لا يوجد قانون يحدد طبيعة علاقتي بك وتصرفاتي حيالك.
لم تر وجهه في الظلام ولكنها سمعت لهجته الغاضبة حين قال:
-لا داع للسخرية. انا اريد ان اعرف لماذا رفضت مراقصتي كلما دعوتك لذلك وكنت تنتحلين الأعذار الواهية.
-ليس هناك من سبب يجبرني على مراقصتك. لا يمكنني أن اقبل دعوتك للرقص لمجرد انك تكرمت ودعوتني لذلك.
عبس وقال:
-ولكنك وافقت على مراقصة كل من طلبك غيري.
-هذا شأني. انا ارقص بمزاج وانت لست على مزاجي.

فداني الكون0 09-09-11 11:15 PM


أخذ نفساً عميقاً وسريعاً. وأحست انها تمادت كثيراً في غيها. وفي ضوء القمر خلفهما رأت الغضب يملأ عينيه وينذر بالشؤم. بدأ قلبها يضرب بسرعة فائقة من الخوف. أطبق يديه بشدة على ذراعيها فانغرزت اصابعه في لحمها وأجبرها على النظر اليه وجهاً لوجه. قال لها بمرارة واضحة:
-لقد تحملتك كثيراً. لقد تحملت اهاناتك واتهاماتك وغمزاتك ووقاحتك. أنا لا اصدق انني احتملت منك كل ذلك. لو كنت ألد اعدائي لضربتك ضربة على وجهك وهشمت أنفك ولكنني لا استطيع..... كنت اريد ان اضعك على ركبتي وأضربك على قفاك كطفلة غريرة....
ازداد خوف لين وبسرعة حاولت الافلات من قبضته. أرخى كريس قبضته واسرعت هي بالخروج من السيارة وكذلك فعل هو وخرج لملاقاتها خارج السيارة. امسك بها وقادها قرب حائط المنزل حيث يوجد بعض العتم وقال بحنق ظاهر من بين أسنانه:
-أنا لا يهمني ان كنت مخطوبة لرجل آخر. أنت ملك لي في هذه اللحظة.
طوقها بذراعيه وعصرها حتى شعرت ان ضلوعها قد تكسرت في صدرها وعانقها بوحشية فائقة. حاولت التملص من قبضته وتحركت ذات اليمين وذات الشمال كحيوان علق في الفخ. ولكنه كان قد أحكم طباقه عليها... وفجأة وبالرغم منها وجدت نفسها تتجاوب مع عناقه كلياً بادلته عناقه الحميم... ومرت لحظات ثم انفصل عنها وأفلت ذراعيها من حول عنقه ونظر اليها منتصراً غاضباً. كانت في عينيها نظرة حانية. نظرة استسلام كلي له. هزها بعنف وتركها وركب سيارته. فانطلق بها وسط الظلام.
غطت لين وجهها بيديها. غابت عزة نفسها بعد ان شعرت بأنها مهانة تماماً. لقد حطم كل الحواجز التي بنتها بينهما. لقد استسلمت له نهائياً. لقد رمت بكل اسلحتها. لقد انهزمت.
لأول مرة اعترفت لنفسها بأنها تحبه حباً لا تراجع عنه. ليس بيدها حيلة. لا تملك حيال حبه أي رادع. انه لا يبادلها الحب، وربما ذهب الى الأبد ولن تراه بعد اليوم.
مرت عطلة نهاية الاسبوع طويلة ومملة. واعتذرت لكين هاتفياً بعد عودتها من السهرة بأنها مريضة وسترتاح في فراشها خلال اليومين المقبلين.
قال كين مستغرباً:
-ربما كان علي أوصلك بنفسي الى بيتك ولكنني شعرت ان كريس قد دبر كل شيء ولم اشأ ان أجادله أو ان اعترض لأننا كنا في سيارته. هل أوصلك بالسلامة؟
-نعم شكراً... (وتعلثمت في كلامها وهي تجيبه)
في صباح يوم الاثنين حضرت ماري الى غرفة الاساتذة وكانت قاسية جداً وهي تكلمها:
-ما خطبك؟ يبدو عليك المرض. هل أنت كذلك؟
-لا انني بخير يا ماري.
-هل هناك اية مشكلة؟ انا صديقتك ويمكنني مساعدتك!
-ماري! لا أحد يستطيع مساعدتي. انا لا استطيع ان اساعد نفسي!
-كيف عدت مساء الجمعة الى منزلك؟ هل هناك اية مشكلة؟ شعرت ان كريس كان يعتريه مزاج غريب ونحن في طريق العودة من السهرة.
-لقد وصلت بالسلامة. شكراً.
-لين! انني أعرف حالك. لقد احببت انا من قبل واعرف شعورك جيداً.
افترقتا كل منهما الى غرفة صفها. وحين التقتا من جديد فترة الغداء طلبت ماري ان تكلم لين بشأن خاص. وهكذا انفردتا سوية في حديقة المدرسة حيث بدأت ماري حديثها:
-لقد اخبرتك سابقاً عن زواجي الفاشل وانا في سن المراهقة وكيف تركني زوجي الى غير رجعة.
-وهل عاد اليك الآن يا ماري؟ أحسست مؤخراً بأنك سعيدة للغاية.
-على العكس. سنفترق نهائياً بالطلاق. لقد التقيت أحدهم. أحببته واحبني وسنتزوج عما قريب. لكنني لست حرة لأنني لم اطلب الطلاق من زوجي الأول خلال السنوات الماضية. واليوم وبعد عناء البحث وجدته وقد تزوج وله اربعة أطفال وانا بصدد انهاء اجراء معاملات الطلاق منه لأتزوج من جديد.
-هذه أخبار سارة. هل أعرف الرجل؟
-لا استطيع ان أخبرك باسمه لأن اجراءات الطلاق لم تتم بعد. علينا ان نبقي هذا الامر سراً حتى لا أفسد الخطط كلها. انني اثق بك كثيراً ولكن حبيبي جعلني أقسم على الكتمان لحين حصولي على الطلاق والحرية. مركزه كبير وأنا لا أرغب في الحاق أي ضرر به من جراء الاقاويل.
-وهل أعرفه؟
-لا استطيع ان اخبرك أي شيء.
ولما عادتا الى غرفة الاساتذة كان الاستاذ سميث مدرس الكيمياء يمسك بجريدة الناشونال الصباحية وهو يلوح بها قائلاً:
-أنتم مشاهير. صوركم في جريدة الناشونال الكبيرة. ثلاثتكم مع المفتش الاستاذ كريستوفر يورك.
وقرأ استاذ الكمياء ما كتب تحت الصورة:
الاستاذ كريستوفر يورك، وهو عازف البيانو الشهير ماركوس الدرمان، يتعشى مع اصدقائه بعد الحفلة الموسيقية حيث عزف على البيانو في مهرجان المسرح والموسيقى للمدارس الثانوية في ميلدنهد.
لقد تبرع بالعزف لأنه يعمل اليوم مفتشاً للغة الانكليزية في وزارة التربية. حالياً، ليس لديه أي نشاط موسيقي ومع ذلك لم يخسر مهارته في العزف بل على العكس... حين سأله مراسلنا عن صحة خطوبته بالمغنية الشهيرة الآنسة انجيلا كاستللا لم ينف علاقته بها.
سألت ماري مستغربة:

فداني الكون0 10-09-11 12:48 AM


-وكيف وصلت هذه الانباء الى جريدة الناشونال؟ كنت اعتقد ان طوني ارنولد مراسل محلي لجريدة ميلدنهد غازيت.
أجابت لين:
-انه كذلك ولكن بعض المراسلين المحليين يرسلون الانباء الهامة الى المجلات والجرائد الواسعة الانتشار في الخارج ويتقاضون اموالاً اضافية عنها. واعتقد ان اخباره هذه لاقت استحساناً لدى جريدة الناشونال واشترتها منه.
قالت ماري:
-صورتك يا لين جميلة للغاية. انك تبتسمين فيها واظن انها المرة الوحيدة التي ابتسمت بها خلال تلك السهرة.
قالت لين:
-كلنا موفقون في الصورة. هل استطيع يا استاذ سميث ان احتفظ بالصورة هذه؟
أجابها:
-طبعاً. ولكن لماذا تريدينها؟ هل ترغبين في ايقاع ماركوس الدرمان في شراكك؟ انه وسيم وشهير وجذاب كما يبدو في الصورة.
-نعم. (ضحكت لين) علي أن اضعها فوق سريري في غرفتي.
منتديات ليلاس
ومع مرور الايام بدأت لين تحس بحنين قاتل نحو كريس. بدأت كذلك تيأس من لقائه او مصالحته. كانت تنتظر ساعي البريد لعله يحمل لها رسالة غير متوقعة. مع انها في قرارة نفسها كانت واثقة بأن ذلك غير ممكن بل مستحيل. كلما رن جرس الهاتف كانت تتمنى لو يكون كريس الذي يطلبها، وكانت أمانيها كلها تبوء بالفشل. وكلما مرت امام غرفة الموسيقى كانت تتنصت علها تسمع عزفه من خارج الغرفة ثانية. علاقتها مع كين أصبحت أكثر جفاء وذبولاً. ومع اقتراب موعد مباراة كرة المضرب ودت لين لو يعفيها من اللعب معه، لأنها اصبحت ذاوية وضعيفة لا تقوى على التمرين معه.
قال كين يخاطبها:
-لعبك في كرة المضرب ليس على ما يرام. هل هناك اية مشكلة؟
-آسفة يا كين ولكنني مجهدة واحتاج للراحة ولعطلة.
-ولكنك لن تأخذي عطلة لأنك ستذهبين الى المؤتمر التربوي في يوركشاير في عطلة منتصف الفصل.
فوافقت لين قائلة:
-لقد اشتريت تذكرة القطار وانا مستعدة للسفر. سنذهب في نهاية الاسبوع المقبل. عليك ان تتفق مع ديردر كارسون منذ الآن للتدرب معها اتمنى لك الفوز بالبطولة.
-لابد من ذلك في اثناء غيابك. ثم ان لعبها تحسن كثيراً عما كانت عليه في السابق وذلك من حسن حظي.
-لقد تحسنت لأجلك. انها معجبة بك. احذر.
ضحك كين طويلاً واحمر وجهه قليلاً. قالت لين في نفسها: من الواضح انها تعجبه ايضاً.
الثلاثاء الذي تلا الاسبوع التالي استلمت لين دعوة للاجتماع بمدير المدرسة في مكتبه.
قال الاستاذ بنستون:
-اهلاً آنسة هيوليت. اجلسي ارجوك. آه... بخصوص المؤتمر الذي ستحضرين قرب هاروغيت... انك ولا شك تذكرين الاستاذ كريستوفر يورك مفتش اللغة الانكليزية في وزارة التربية. لقد عزف مؤخراً وبمهارة فائقة في الحفلة الموسيقية...
أحست لين بخوف جديد. هل ارتكبت خطأ مؤخراً؟ أكمل الاستاذ بنستون قوله:
-لقد اتصل بي هاتفياً هذا الصباح وأخبرني انه سيذهب ايضاً الى المؤتمر. واقترح ان يوفر عليك السفر بالقطار ودعاك لتذهبي برفقته في السيارة.
أجابته على الفور:
-لا حاجة لذلك يا استاذ بنستون. لقد اشتريت تذكرة القطار وقد رتبت شؤوني تبعاً لذلك.
-لا بأس. عليك التفكير جيداً بدعوته. انه مفتش في الوزارة وكانت لك معه بعض المشاكل. هل تذكرين حديثه معك في هذه الغرفة بالذات؟ لا اريدك ان تعارضيه. هؤلاء المفتشون يقولون ان لا سلطة ولا نفوذ لديهم في الوزارة ويقومون فقط بدور المرشد، ولكنهم في الحقيقة ذوو تأثير ونفوذ كبيرين في الادارات التربوية. واذا رغبوا فأنهم يجعلون الأمور المالية صعبة للغاية، ويضيقون الخناق على مديري المدارس في المنطقة. انا حتماً لا اريد ان أزعجه مرة ثانية. اعتذر لأنني امارس بعض الضغط عليك ولكن ذلك للمصلحة العامة. أنصحك بقبول اقتراحه، ويمكنك أن تسترجعي ثمن تذكرة السفر.
وبعد هذه المقدمة الطويلة وجدت لين نفسها مجبرة على القبول قائلة:
-اذا كان الوضع كما تقول فأنا موافقة.
ابتسم الاستاذ بنستون وقال:

فداني الكون0 10-09-11 12:59 AM


-أحسنت يا آنسة هيوليت في قبولك. لقد طلب مني الاستاذ يورك ان تتصلي به اليوم في مكتبه بين الثالثة والرابعة الظهر.
-سأذهب الى غرفة الأساتذة واطلبه من هناك.
-لا داع لذلك. يمكنك ان تطلبينه من مكتب السكرتيرة. انها في الخارج الآن تتناول الشاي. اجلسي الى المكتب واطلبيه.
اعطاها المدير ارقام الهاتف ووجدت ان لا مهرب لها سوى أن تلبي طلبه. شعرت كـأنها تواجه الأسود الجائعة. تلفتت حولها علها تجد مخرجاً، ولما أعيتها الحيلة استسلمت للقدر. طلبته وشعرت ان قلبها يضرب بشدة فائقة ويسرع في ضرباته. رن الهاتف مرات عديدة قبل ان يرد عليها أحد. وفرحت ظناً منها أن فرصتها للهرب قد حانت، ولكنها سمعته يقول:
-يورك يتكلم.
-الاستاذ يورك. انا لين هيوليت.
-نعم يا آنسة هيوليت.
كان صوته بعيداً وقاسياً. صمتت قليلاً واستجمعت شجاعتها ثم قالت:
-لقد طلبت مني الاتصال بك بشأن المؤتمر التربوي في هاروغيت.
-نعم. هذا صحيح. أردت فقط أن احدد موعداً للسفر.
-لا داع لذلك يا استاذ يورك. لقد اشتريت تذكرة السفر وأنا....
قاطع كلامها بقساوة وقال:
-آنسة هيوليت. تتذكرين جيداً أننا رتبنا الرحلة سوية منذ زمن بعيد. لم يبق علينا سوى ان نحدد موعد السفر. عندما أعد بشيء فأنا لا انكث بوعدي.
-هذا صحيح يا استاذ يورك....
-بعد ان استشرت مفكرتي وجدت ان لدي موعد عمل بعد ظهر الخميس، من الثالثة وحتى الرابعة والنصف. سأمر عليك في المدرسة وذلك في تمام الخامسة الا ربعاً. كوني مستعدة.
-هذه بداية متأخرة لهذه الرحلة الطويلة. فستقود السيارة وسط الظلام أليس كذلك؟
-لا. سنرتاح في الليل. سنكمل الرحلة صباح الجمعة. المؤتمر لن يبدأ قبل الجمعة بعد الظهر حسب البرنامج الموجود امامي.
-سننام على الطريق؟
-لا بأس. لقد رتبت الأمر. جهزي نفسك وسأمر عليك بعد غد. يوم الخميس في تمام الخامسة الا ربعاً بعد الظهر.
وأقفل السماعة دون وداع. اقفلت لين سماعتها ايضاً وشعرت بارتعاش في كل كيانها. وضعت يديها على رأسها تفكر: كيف ستمضي كل ذلك الوقت بصحبته؟ كيف ستنزل في الفندق برفقته؟ خافت كثيراً مما ينتظرها.
قال الاستاذ بنستون يخاطبها:
-هل رتبت كل الامور معه؟ لا بأس. سيعتني بك الاستاذ يورك. لا تخافي. انه رجل يعتمد عليه كلياً.
هبط قلبها. ومشت وجلة الى غرفة الاساتذة. كان لديها ساعة فراغ. جلست الى مكتبها تريد الانفراد بنفسها وتود أن لا يزعجها أحد. وبدأت الافكار تساورها. ربما تتذرع بالمرض او الاجهاد وتعتذر عن القيام بهذه الرحلة؟ اي شيء سيكون أفضل من اتمام هذه المغامرة.
ومع انتهاء النهار أخبرت لين صديقتها ماري بما حصل جملة وتفصيلاً.
قالت ماري:
-هل انت مجبرة على الذهاب الى هذا المؤتمر؟ هذا غير معقول!
-ان كان ذلك معقولاً او غير معقول فالاستاذ بنستون يصر ويلح علي بالذهاب حتى لا ازعج هيئة التفتيش العليا بكاملها....
ضحكت ماري من تعليقها وقالت بجدية:
-أنا لن اتدخل بما لا يعنيني يا لين ولكنك تعرضين رأسك لحبل المشنقة.
-ماري! الرحلة كرحلة عبر الجحيم. ولكن لا بد من الذهاب.
-لا تتوهمي كثيراً وعسى ان تكرهي شيئاً ويكون خيراً لك. صحبته بهيجة لو رغب.
-هذا صحيح ولكنه يكرهني. اشعر انه لا يريد رؤيتي. ومع ذلك فهو الذي اقترح ان اشاركه الرحلة، وهو الآن يصر على ذلك.
-وماذا ستقولين لكين؟
-سأقول له الحقيقة كما حصلت. ربما لا تعجبه. وانا ايضاً لا تعجبني ولكن ليس باليد حيلة.
أمضت لين ليلتين قلقتين. وحل يوم الخميس اخيراً. احست بهمّ كبير يجثم فوق رأسها. رحلة يوركشاير كابوس على صدرها. اتصلت هاتفياً بوالديها في مقاطعة كنت قبل رحيلها بليلة واحدة تخبرهم برنامج عطلتها. لم يأبه والداها حين اخبرتهما ان مرافقها مفتش في وزارة التربية وافكاره تقليدية. لقد تخليلاه رجلاً متوسط العمر. سميناً، متزوجاً وله عدة أولاد في سن المراهقة. سرها كثيراً هذا الاعتقاد ولم تحاول ان تصححه.
رتبت لين حقيبة سفرها دون حماس وحملتها معها في الباص الى المدرسة بعد أن اقفلت سيارتها جيداً واوقفتها خلف المنزل.
ومع اقتراب موعد السفر بدأت تشعر بمزيد من القلق والاضطراب. واخيراً جاءها الفرج. حضرت سكرتيرة الاستاذ بنستون وأخبرتها ان الاستاذ يورك قد وصل وانه ينتظرها في مكتب المدير.
اقفلت لين ازرار معطفها ببطء شديد وحملت حقيبة ثيابها ومشت بهدوء. كانت تحاول ان تؤخر لقاءها بكريس ولو لدقائق معدودة. انها في محنة صعبة. واخيراً وصلت الى باب مكتب المدير ودخلت تستقبل قدرها المحتوم....

فداني الكون0 10-09-11 01:15 AM

نهايه الفصل الخامس

قراء ممتعه

الجبل الاخضر 10-09-11 02:31 PM

:peace:تسلم الانامل ع ها ذا الفصل الرئع :dancingmonkeyff8:وننتظر بحمااااااااااااااااااااااااااااااااااس التكمله :wookie:

بنيتي بنيه 10-09-11 10:19 PM

تسلمين على الروايه اكثر من ممتازه واتمنى لك الصحه والعافيه وانك تكملينها بسرعه والله متحمسه بقوه وشكراا لك

فداني الكون0 13-09-11 03:14 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الجبل الاخضر (المشاركة 2865181)
:peace:تسلم الانامل ع ها ذا الفصل الرئع :dancingmonkeyff8:وننتظر بحمااااااااااااااااااااااااااااااااااس التكمله :wookie:

الله يسلمج يا قلبي

وانشاءالله من عيوني

ومشكوره علي مرورج

فداني الكون0 13-09-11 03:21 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بنيتي بنيه (المشاركة 2865428)
تسلمين على الروايه اكثر من ممتازه واتمنى لك الصحه والعافيه وانك تكملينها بسرعه والله متحمسه بقوه وشكراا لك

الله يسلمج يا قلبي

و يعافيج يا عمري

والله يعطيج العافيه والصحه ومشكوره علي الدعاء

ومن عيوني انشاءالله التكمله راح انزلها الحين

وعذروني علي التاخير

فداني الكون0 13-09-11 03:25 AM


6-الرحلة
كان المفتش واقفاً امام النافذة ويداه في جيوبه كالعادة، يتسلى بالنظر الى الخارج بانتظار وصول لين. وحين دخلت المكتب التفت لفوره وتفحص وجهها ببرود.
قال الاستاذ بنستون:
-رافقتكما السلامة. اذهبا. تمتعا بوقتكما: اتمنى لكما سلامة الوصول. والتفت ال لين وقال:
-سنراك يا آنسة هيوليت بعد عطلة نصف الفصل. اظن انك قد دبرت بديلاً عنك لصفوفك في الغد.
حمل كريس حقيبة لين ومشى واياها الى السيارة. ووضع الحقيبة في صندوق السيارة دون ان ينبس ببنت شفة، وفتح لها الباب الأمامي لتجلس. ثم طلب اليها بكل ادب وتهذيب ان تربط حزام الأمان قبل ان ينطلق بسيارته خارج المدرسة الى الطريق العام.
كان الصمت يخيم ثقيلاً بينهما. بدا كريس عديم الرغبة في المحادثة وشعرت لين بانكسار وضعف. كانت مجهدة وحزينة ولم تجد اية كلمة تقولها. فكرت في نفسها: من الواضح اننا لا نستطيع ان نتحادث الا اذا كنا نتجادل ونتخاصم. ولكنها تمنت من كل قلبها ان لا يعودا الى سيرتهما الأولى في الخصام والجدال وعدم التفاهم.
منتديات ليلاس
بعد فترة من الزمن التفت كريس ورماها بنظرة سريعة وسألها اذا كانت مرتاحة في جلستها. اجابته باقتضاب:
-نعم وشكراً.
وعاد الصمت يلفهما من جديد.
وبعد تفكير جدي توصلت لين الى قرار ربما يسهل عليهما ان يكسر طوق الجمود ويزيل القلق والتشنج اللذين يكتنفانهما. تنحنحت قليلاً ونظرت الى الأمام وهي تخاطبه قائلة:
-كريس. علي ان اعتذر لك عن تصرفي الشائن ليلة السهرة بعد الحفلة الموسيقية. راجعت نفسي ووجدت ان لا حاجة البتة لهذا التصرف غير اللائق. اعتذر منك.
كان اصعب عمل قامت به لين في حياتها. ولكنها اعتذرت وانتهت المهمة الشاقة. لم يعرها اي اهتمام بل تجاهل ما قالته كلياً. ولكنه بعد فترة هز رأسه قائلاً:
-واخيراً وبعد طول انتظار جاء الاعتذار المنشود. لا بأس. انه مقبول منك واعتبر الآن ان المسألة انتهت.
امتلأت عينا لين بالدموع. كان قاسياً في قبول اعتذارها بل جارحاً. ادارت رأسها لتخفي دموعها المتساقطة دون ارادتها وحاولت ان تتلهى بالنظر عبر النافذة. لقد اصبحا خارج لندن وهما في طريقهما الى الاوتوستراد. دخل كريس بسيارته في خط السير السريع وانتقل بعد ذلك الى خط السير البطيء. قيادته ممتازة وتدل على مهارة وحذر.
سألته لين:
-اين سنمضي الليلة يا كريس؟
-في ستامفورد هناك فندق مريح اعرفه جيداً وطعامه جيد ايضاً.
بدأ المطر بتساقط ونشطت مساحات الزجاج الأمامي للسيارة في عملها الدؤوب. اصبحت القيادة عسيرة وعاد كريس لصمته. كان الصمت اثقل من ان تحتمله لين والرحلة تبدو اسوأ مما انتظرت بكثير. وبعد فترة خاطبها كريس قائلاً:
-سأدخل في المحطة القادمة لاملأ خزان الوقود. يمكنك استعمال الحمام هناك والاستراحة.
وبعد ان دخل المحطة تناولت لين معطفها الواقي من المطر واسرعت الى الاستراحة. غسلت وجهها قليلاً واعادت ترتيب زينتها وتمشيط شعرها وشعرت ببعض الانتعاش. وعادت مسرعة الى السيارة لانها كانت واثقة من رغبته في اكمال المسيرة باسرع ما يستطيع.
وبعد ان قطع مسافة اخرى قال:
-سنقف لنرتاح قليلاً في الاستراحة المقبلة.
اوقف السيارة. تنهد قليلاً ثم خاطبها:
-الرحلة لا تزال طويلة امامنا. اقترح ان نأكل شيئاً. لقد رتبت لي مدبرة منزلي بعض الساندويشات والقهوة.
وخرج راكضاً الى صندوق السيارة فجلب الزاد وقدمه اليها:
-اعتقد انه بيض. هل تحبين البيض؟
هزت لين رأسها موافقة واخذت ساندويشاً ثم شكرته بلطف. جلسا يأكلان بصمت. ثم تناولا القهوة وبسرعة اعاد كريس كيس الزاد الى موضعه في السيارة. فكرت لين في نفسها: لو استمر الصمت بيننا على هذا الحال سأنزل من السيارة وسأكمل الطريق وحدي مشياً على الاقدام. لماذا يتصرف هكذا؟ الم اعتذر له.... وهل يرغب ان اركع امامه طلباً للصفح ليغفر لي ذنبي؟
احست لين بيده تمتد الى المقعد الذي تجلس عليه وهو يقول:
-لين؟ هل نعلن هدنة مؤقتة بيننا؟ كم اتوق للحديث الشيق معك.
سرت لين كثيراً من تودده. حتى انها احست بالدموع تملأ مآقيها وهي تنظر اليه وتهز رأسها موافقة. نظر اليها نظرة حانية ثم جذبها بلطف اليه وقبلها قبلة عفوية على خدها واكمل.
-سنمضي ساعات مع بعض واقترح ان نبدأ في تعارفنا من البداية. سنترك الماضي خلفنا وننسى المستقبل امامنا وسنستمتع بالزمن الحاضر الذي نعيشه. ما قولك؟
هزت رأسها موافقة من جديد وقد شعرت براحة وسرور. ادار كريس محرك السيارة وانطلق. ومالت لين برأسها على المقعد لترتاح. ربما سترتاح اخيراً من التشنج والقلق اللذين رافقاها في الأيام الأخيرة دون هوادة.
اخيراً عاد الكلام يجري بينهما. وكذلك بدأ الطقس ينقشع قليلاً. تكلما عن السير والازدحام ثم عن المؤتمر. وتشعب الحديث فتناول مواضيع مختلفة. شعرت باقترابهما اكثر كلما طوت الدواليب الطريق وكلما اقتربا من غايتهما: ستامفورد.
دخلا سوق ستامفورد والشارع الرئيسي القديم مروراً بالعديد من الأبنية القديمة والحديثة. ثم دخلا باحة الفندق المقصود: ذراعي اليزابت.
قال كريس مبتسماً

فداني الكون0 13-09-11 03:29 AM


-لنجرب هذا الفندق. ارجو ان نجد غرفاً لنا.
احست لين بنبضها يسرع في ضرباته. وحمل كريس حقائبهما ودخلا الى مكتب الاستقبال في الفندق. قرع جرساً وانتظر وهو يتفحص القاعة. كانت كبيرة وواسعة يكسوها السجاد الأحمر وتتدلى من السقف الثريات الكبيرة المنخفضة. وقرب كل نافذة قناديل صغيرة.
حضرت امرأة متقدمة في السن لاستقبالهما. وسألها كريس:
-هل لديك غرفتان لليلة واحدة من فضلك؟
نظرت المرأة في دفتر التسجيل وقالت:
-الفندق مزدحم بالنزلاء، الموسم بدأ وغداً عطلة للبنوك. لدي جناح عائلي مكون من غرفتين يصل بينهما باب داخلي. هذا كل ما عندي لهذه الليلة.
نظر كريس اليها وسألها:
-ما رأيك يا لين؟
تناول يدها بين يديه بحنان ونظر في وجهها يستطلع رأيها ثم قال للمرأة:
-نحن خطيبان. ولا اعتقد ان خطيبتي تمانع. هل تمانعين يا حبيبتي؟
بلعت لين ريقها وشعرت بضغط اصابعه فوق يدها كأنه يتمنى منها ان تقبل. اجابت لين بارتباك:
-لا مانع لدي بالطبع.
احمرت لين خجلاً وحاولت ان تبعد نظرها عن كريس قدر المستطاع. وقعا بعد ذلك في دفتر التسجيل وتبعا المرأة الى الطابق الثاني. غرفة رقم اربعة واربعة ــ أ. اعتطهما المفتاحين وقالت:
-العشاء يقدم حالياً.
بدأت لين تعترض وهي مضطربة جداً ولكن كريس رفع يده يحاول ان يسكتها قائلاً:
-رويدك! انتظري لندخل اولاً الى الغرفة.....

فداني الكون0 13-09-11 03:30 AM


صمتت لين على مضض. وفتح كريس باب الغرفة وحمل الحقائب الى الداخل ثم اغلق الباب وقال:
-هذه غرفتك. سرير كبير مزدوج وآخر مفرد صغير. المزدوج للوالدين والمفرد للطفل الصغير. غرفتي في الداخل. فيها سريران منفردان وهما للولدين المراهقين في العائلة. الا تعتقدين ان لدينا اكثر مما نحتاج من الاسرة؟ نحن نمنع الاستفادة من هذه الاسرة في زحمة الموسم. الا نستطيع ان نقتصد؟
بدأت لين ترتجف قلقاً من مزاحه. ثم التفتت اليه وخاطبته بجدية:
-كريس! لا استطيع ان اسكت اكثر. علينا ان نواجه الحقيقة. انني لست خطيبتك!
-اهدأي.
جلس على السرير المزدوج وطلب اليها ان تجلس قربه قائلاً:
-تعالي. لا تخافي. اريد ان اتحدث اليك فقط.
-كريس (جلست قربه). لا بأس بذلك ولكنني لا البس خاتم خطوبة ولا.....
-تريدين خاتماً؟ حسناً. (اخرج خاتمه من اصبعه ووضعه في كفه وقال): هاك. البسيه.
-لا استطيع ان البسه. كأنني اكذب على نفسي.
-ولماذا كل هذا الارتباك يا عزيزتي؟ الخاتم لن يعني لك اكثر مما تريدين. البسيه الآن وانا اسوي هذا الأمر مع كين عند عودتنا.
امسك كريس يدها رغماً عنها ودفع بالخاتم في اصبعها وقال:
-انه يناسبك ونحن الآن خطيبان رسمياً. انا اصر على ان اختم علاقتنا الجديدة بالطريقة المتبعة في مثل هذه الظروف.
عانق كريس لين بسرعة مفاجئة وغير منتظرة. كان عناقه لطيفاً ولكن لين تراجعت بعيداً وقد احمرت خجلاً. نظرت الى ابتسامته المرحة وتعجبت في نفسها: من اين لكريس هذه الشخصية المرحة الجديدة؟ انه خفيف الظل وشيطان جذاب.
قال كريس معقباً على الخاتم:
-بالمناسبة يا لين. لقد اعطيتك بطريق الصدفة اكثر مما اعطاك كين. انني لا اجد خاتمه؟
-انها غلطتي. كنا مشغولين ولم نجد الوقت للبحث عن خاتم للخطوبة.
وبعد ان انهت لين جملتها احست ان هذا العذر واه وهي نفسها لا تقبله. رفع كريس حاجبيه متسائلاً:
-هل هذه هي الحقيقة؟
وقفت لين بعصبية وقالت:
-علي ان اغتسل واغير ثيابي واجهز نفسي للعشاء يا كريس.
ضحك ساخراً وتمدد فوق السرير وقال:
-وهل هذا يعني ان علي ان اغادر غرفتك؟ هذا السرير مريح للغاية. انا لا ارغب في النهوض.
-عليك ان تخرج فوراً.

فداني الكون0 13-09-11 03:31 AM


انحنت لين فوقه وامسكت بكلتا يديه وبصعوبة سحبته وقادته الى الغرفة المجاورة. كان يضحك وهو يحاول ان يقاوم ولكنها دفعته قليلاً. ارتبكت لين. وربما احس كريس بارتباكها لأنه استدار اليها ورفع يديه واحاط بهما وجهها وقال:
-لا تستغربي من تصرفاتي كثيراً يا لين. نحن لسنا في الماضي ولا في المستقبل. نحن نعيش الحاضر. تذكري اتفاقنا في السيارة. نحن نعيش كل لحظة ونستمتع بوقتنا الحالي قدر الامكان. ان هذه اللحظة والتي نعيشها في الزمن الحاضر مهمة. انت ملك لي وحدي الآن.
نظرت اليه مذهولة لا تصدق. واكمل قائلاً:
-لا تقفلي الباب بيننا يا حبيبتي. لن ادخل غرفتك دون اذنك. حدقت لين به قليلاً ثم تمتمت:
-لن اقفله يا كريس. انا اثق بك ثقة عمياء ودون اي تحفظ.
-شكراً.
خرج كريس بعد ذلك واغلق الباب خلفه.
منتديات ليلاس
ماذا قصد كريس من كلامه؟ انه الجنون بعينه. لقد وضعت نفسها في مأزق لا تحسد عليه. ستحرق اصابعها لأنها وضعتها في وسط اللهب. بدأ عقلها ينذرها من مغبة عملها ويقول: انه يتسلى معك. اليس هو الرجل وهذا من طبيعة الرجال! انه يلعب معك لعبة الرجل الأزلية.
ولكنها تعيش حلماً لذيذاً وغداً سينتهي الحلم وتستفيق على الحقيقة. هناك كين ينتظرها... ولكنها وبسرعة ابعدت كين من عقلها وهي تقول في نفسها: غداً سأفكر بكين وليس الليلة. الليلة سأعيش حلم عمري.
فتحت حقيبة ملابسها واخرجت منها بعض الاثواب، ثم انتقت بتأن فستاناً جميلاً ابيض. خلعت ثياب السفر وعلقتها في الخزانة واغتسلت بسرعة ثم ارتدت الثوب الفاتن. ثوبها بدون اكمام وضيق يلاصق تفاصيل جسدها. وقفت امام المرآة تعاين شكلها. ومشطت شعرها الأسود اللامع ثم وضعت عقداً حول جيدها والأقراط المناسبة في اذنيها. نظرت نظرة اخيرة الى المرآة وقد ارتاحت لزينتها وصرخت تنادي كريس بدلال:
-كريس. لقد انتهيت من تجهيز نفسي.
-حسناً. سأكون معك خلال ثوان.
ظهر لتوه في الباب. كان وسيماً، جذاباً وقد وضع يديه في جيوبه واستند الى الباب ووقف يتأملها مشدوهاً. قال:
-كم انت فاتنة. الكلمات تعوزني ولا استطيع التعبير عن مدى جمالك الاخاذ (امسك بيدها) في الحقيقة لا حاجة لي بالعشاء ويمكنني ان اشبع نهمي منك.
ضحكت بخجل ورفعت يدها تسوي له ربطة عنقه. قال:
-عندما رأيتك بهذا الجمال ارتج عقلي ومالت ربطة عنقي من مكانها. من اين اشتريت هذا الفستان الجميل؟
-لم اشتره. لقد صنعته لي والدتي.
-والدتك! كم هو جميل. انه يضفي عليك جمالاً لا حد له ويجعلك تخلبين الألباب. تعالي يا خطيبتي.
امسك بيدها ونزلا السلالم الى قاعة الطعام. انتحيا طاولة منعزلة وتمتم:
-الجميع هنا يعتقدون اننا نمضي شهر العسل. الاشراقة على وجهك تشير الى انك عروس فاتنة.
فكرت لين في نفسها: هل حبي له واضح للعيان؟
وطلبا الطعام. نظر كريس اليها عبر الطاولة وقال:
-استطيع ان اتعجب الآن للفرق الكبير بين الفتاة التي قابلتها بعد الظهر في مكتب المدير، وبين هذه الفاتنة التي تجلس امامي. لقد ظهر عليك الاعياء بعد الظهر بشكل اخافني. تساءلت في نفسي اذا كنت تستطيعين القيام بهذه الرحلة الشاقة وانت على هذا الوهن.
-ربما احتاج لتغيير هواء.
-حتماً، كنت اتحدث مع ماري...

فداني الكون0 13-09-11 03:32 AM


نظرت اليه لين مستغربة وقاطعته قائلة:
-لم اكن اعلم انك تلتقيها....
-التقيتها بعد المدرسة صدفة وتناولنا الشاي سوية. لقد اخبرتني انها خائفة لأجلك وتشعر انك لست على ما يرام. هل هذا صحيح؟
-ربما لأنني كنت محتاجة الى عطلة.
حاولت ان تغير مجرى الحديث فقالت:
-هل تعرف يا كريس ان ماري تمر في حالة حب جديدة؟
نظر كريس الى اظافره يتلهى وقال ببطء:
-نعم انني اعرف ذلك. واعرف ايضاً انها تحاول ان تحصل على حريتها بالطلاق من زوجها الأول الذي كبلها بالزواج المبكر لسنوات عديدة خلت. لقد التقت شخصاً آخر احبته كما احبها وتعاهدا على الزواج فور حصولها على الطلاق.
-وهل تعرفه انت؟
-نعم اعرفه. لقد كنت صدفة في مكان ما والتقيا كلاهما هناك. لقد اقسمت ان احتفظ بالسر. ولذلك لا استطيع يا عزيزتي ان افشي سراً ائتمنت عليه حتى ولا الى صديقتها الوفية ( ابتسم لها ابتسامة عريضة ثم اكمل) انا آسف يا عزيزتي.
-لا عليك. اخبرني (قالت بصوت منخفض جداً) هل من الممكن ان تكون انت الشخص؟
ابتسم بتمهل وحذر واشار اليها بالنفي قبل ان يتكلم:
-لا. لا، لست الشخص سعيد الحظ. اهتمامي يكمن عند فتاة اخرى.
فكرت لين في نفسها: كين كان على صواب حين تكهن ان ماري تحب شخصاً اخر غير كريس. وما الفرق عندها الآن؟ ان كريس يحب انجيلا على ما يبدو....
حضر الطعام ولكن شهية لين هربت منها بعد هذا التفكير.
شاركت بالأكل لياقة. واراد كريس ان يطلب لهما المزيد ولكنها اعترضت قائلة:
-عزيزي ان ميزانيتي لا تحتمل المزيد من المصاريف.
-ولكنني سأتحمل بنفسي مصاريف هذه الرحلة. اتفقنا!
وبعد ان تناولا القهوة اللذيذة سألته لين:
-هل رأيت صورتنا في جريدة الناشونال، والتي اخذت في مطعم الغرين غوبلت بعد الحفلة الموسيقية؟
-نعم. ماذا بشأنها؟
تلفتت حولها في حذر ثم ضحكت بصوت عال وهي تقول:
-اتوقع ان يقترب منك في كل لحظة مراسل ليطلب حديثاً صحفياً، يا استاذ يورك او يا ماركوس الدرمان، ليسألك: هل تستطيع ان تؤكد لنا صحة خطوبتك للمغنية الشهيرة...
قال بهدوء وحزم:
-اصمتي ارجوك.
احست لين ان الجو قد تكهرب وتوتر بينهما من جديد. نظرت اليه ورأت الجليد قد تجمع في عينيه. احست كأنها صربت رأسها بصخرة جامدة، قالت:
-آسفة. لم اقصد الازعاج.
لماذا هو حساس للغاية بصدد موضوع انجيلا؟ لماذا لا يحتمل الحديث عنها؟
ضحكت قليلاً ثم قالت:
-نسيت للحظة ان علينا ان نفقد الذاكرة ونطمس الماضي ولو للحظات.
بقي كريس دقائق يحاول ان يستجمع غضبه ويطويه، ان يسيطر على توازنه ويستعيد رباطة جأشه. فجأة وقف ومد لها يده قائلاً:
-دعينا نرقص يا لين.
خرجا الى القاعة الكبرى في الفندق حيث يوجد المرقص. ودار بها على الفور في حلبة الرقص بخفة ومرح وقال:
-هذه المرة لن اسألك ان تشاركيني الرقص بل سأجعلك ترقصين معي رغماً عنك.
ضمها الى صدره بقسوة وبقي لفترة طويلة لا يتحرك في وسط حلبة الرقص. ثم قال مازحاً:
-هل تعرفين يا لين انك بدون مخالب جذابة لا تقاومين؟ لقد تحققت الآن من ذلك.
ابتسمت له شاكرة غزله البريء. كان لا يزال يراقصها وعيناه في عينيها تخبران قصة حب كانت تتمنى لو تسمعها بالكلمات... ولكنها كانت واثقة أنها لن تسمعها. قالت في نفسها: سأعيش الليلة حلماً. وغداً ينتهي واعود الى دنيايا من جديد. ضحكت وقالت:
-عندما اخبرت كين انني سأرافقك انزعج وبدا عليه القلق.
-لماذا؟ هل يظن انني سأغويك؟
احمرت لين خجلاً وتراجعت قليلاً. لقد عاد الى سخريته وقساوته. حاولت ان تلطف الجو. مدت يدها بلطف ولامست ذراعه وقالت بدلال:
-كريس. انس الماضي.

فداني الكون0 13-09-11 03:34 AM


نظر اليها وجهاً لوجه. ابتسمت له ابتسامة عريضة وعلى الفور لاحظت انه بدأ يستعيد مرحه.
قالت بهدوء:
-آسفة لما قلت، لم اكن اعلم ان قولي سيزعجك.
-انسي الموضوع برمته يا لين وتعالي نرقص يا حبيبتي فالرقص يساعدني على التوازن.
ضحكا من جديد. وجذبها اليه اكثر وقال:
-بما اننا خطيبان علينا ان نقوم بدورنا على اكمل وجه.
مال برأسه وعانقها بسرعة.
-كريس! (اعترضت وتراجعت وقد جفلت من تصرفاته ثم قالت) ارجوك لا تفعل ذلك في مكان عام.
-ولماذا لا؟ اليس المكان اميناً ام انك تفضلين العناق في خلوتنا؟ انا مستعد لهذه اللعبة. فقط اطلبي...
-كريس! اتمنى ان لا تعتقد انني من هذه الفئة من الفتيات.
-لا. لا اعتقد ذلك. ولكن لا مانع لدي ان اكتشف بنفسي.
ابتسمت وبقيت صامتة. بينما نظر اليها وقرأ الارتباك في عينيها وقد امتلأتا بالدموع. قال بحنان وصدق:
-اعتذر يا حبيبتي. انا لا اعرف ما يدور في خلدك من افكار، ولكن يمكنك ان تصفعيني اذا وجدت انني تماديت في الغي. انني بشر من لحم ودم. وانت بفتنتك وجمالك تسحرينني وتغرينني.
ابتسمت له واطمأنت لكلماته. قال:
-هكذا افضل.
منتديات ليلاس
نظر الى ساعته وتمتم في اذنها:
-حان وقت النوم يا سندريللا الفاتنة. ان الليل قد انتصف.
شعرت لين بالبرودة تلفها وهما في طريقهما الى الغرفة ووضع كريس يده حول خصرها. ارتجفت قليلاً فسألها:
-اية مشكلة؟
ولكنها بقيت صامتة.
فتح الباب ودخلا. وانار الغرفة ثم لفها بذراعيه وعانقها قائلاً:
-انت تشعين جمالاً وبهجة. لماذا؟
كان ينظر في عينيها ويحدق في جمالها ويغازلها برقة فائقة.
-يا حبيبتي عليك اقفال الباب بيننا...
تركها على الفور ودخل غرفته بعد ان ابعدها عنه بلطف ورقة وهو يقول:
-عمت مساء يا لين. اتمنى لك احلاماً سعيدة.
وبعد ان اغلق الباب دونه بسرعة بدأت لين تجهز نفسها للنوم وهي تراجع في ذهنها احداث هذه الليلة. جميع افعاله واعماله تشير الى انه يحبها وحدها ولكنه لم يصرح بذلك الحب ابداً. تساءلت في نفسها: هل هو يحبني حقاً ام انه يتسلى ويمضي وقتاً ممتعاً...
دخلت الفراش بعد ان اطفأت النور. وبعد لحظة سمعت قرعاً خفيفاً على الباب الفاصل بين الغرفتين وصوته يقول:
-هل نمت يا لين؟
اضاءت النور من جديد ولبست معطفها وفتحت الباب وهي تقول:
-لا لم انم بعد.
كان كريس يقف بلباس النوم وقد فتح سترة البيجاما الى خصره وبدا جذاباً لا يقاوم.
-آسف يا لين لازعاجك ولكنني احتاج لكوب ماء.
مشت حافية الى الحمام وناولته كوباً فارغاً.
شكرها وامسك بيده معطفها المفتوح وقد ظهرت تحته غلالة نومها الرقيقة. بدأ قلبها يضرب بسرعة وعقلها يقول: لا تلمسني ارجوك. لن استطيع مقاومة اغرائك...
-شكراً يا لين. مساء الخير.
وعاد الى غرفته من جديد بعد ان حمل الكوب معه. اغلقت لين الباب بالمفتاح هذه المرة واسندت رأسها عليه وهي تجد صعوبة في التنفس...
عادت الى فراشها وارتمت فوق الوسائد ونامت تحلم به. استفاقت حوالي الثانية والنصف بعد منتصف الليل، ورأت ان نور غرفته لا يزال مضاء. لماذا؟ تنهدت بعمق ثم عادت واستسلمت للنوم من جديد.
كانت الشمس مشرقة في الصباح وقد دخلت غرفتها من ثنايا الستائر. فتحت لين عينيها ونظرت اول ما نظرت الى الخاتم القابع في اصبعها. لقد شهد ليلة حلمها وقريباً ستعيده الى صاحبه، وبذلك ينتهي الحلم.
إغتسلت بسرعة وارتدت ثيابها وسمعت طرقاً خفيفاً على الباب الفاصل بين الغرفتين وصوته الآمر يقول:
-هل ارتديت ملابسك يا لين؟
-لحظة واحدة (اقفلت ازرار بلوزتها ونادته) ادخل.

فداني الكون0 13-09-11 03:35 AM


-الباب مقفل. افتحي حالاً يا آنسة هيوليت قبل ان اكسر الباب. لن اقبل باباً مغلقاً بيني وبين خطيبتي مرة ثانية.
قالت لين وهي تفتح له الباب بالمفتاح:
-آه. ولكنني لست خطيبتك يا استاذ يورك.
كان قد حلق ذقنه وارتدى ثيابه وبدا جاهزاً حين قال:
-من هذه اللحظة انت خطيبتي. وهكذا احيي زوجة المستقبل!
طوقها بذراعيه وحاول عناقها ولكنها افلتت منه بسرعة.
-هذا جنون حقيقي.
-لا بأس. ولكنك تعاندين وتعارضين... هيا بنا لنتناول الفطور.
-علي ان اكمل زينتي اولاَ!
وقف يراقبها مبهوراً وهي تضع المساحيق على وجهها ثم قال:
-لمن تتزينين؟ انك شديدة الاغراء بدون اية مساحيق. استطيع ان اسكت شهيتي بأكلك. (فتح ذراعيه وناداها) تعالي يا امرأة.
بعد الفطور دفع كريس حساب الفندق ثم وضع الحقائب في مؤخرة السيارة وانطلق بسرعة. توقفا مراراً على الطريق من اجل الوقود او للاستراحة. وشعرت لين ببعض الحزن يزحف الى قلبها كلما اقتربت الرحلة من غايتها. احست ان عليها ان تعيد اليه خاتمه مع انه لم يسألها ان تفعل. خلعته من اصبعها وقالت:
-اعيد اليك يا كريس خاتمك الذهبي سالماً.
استدار نحوها بسرعة وقال غاضباً:
-ماذا؟ احتفظي به ذكرى لقاءنا هذه الليلة وعربون صلحنا.
-لا اسنطيع ان احتفظ به يا كريس. انه ملك لك.
-كما ترغبين. ضعيه في احدى جيوب سترتي اذا اردت.
طريقته في الاستخفاف آلمتها. هل سينتهي حلمها الكبير نهاية اليمة؟ لقد انكمش من جديد وعادت اليه برودته وقساوته. شعرت لين بخيبة امل ونظرت الى التلال البعيدة وهي تفكر: انها بديعة التكوين وبعيدة المنال كحلمها تماماً.
وبعد قليل قطع كريس الصمت بينهما وقال:
-هل ترغبين في قيادة السيارة عني؟ اريد ان ارتاح قليلاً.
استغربت لين طلبه ولكنها احست بفرح كبير يغمرها وقالت:
-ستسمح لي بقيادة سيارتك؟
-نعم. مع انني لا اسمح بذلك لأحد ولكنني اثق بك. سأتوقف بعد قليل كي نستبدل مقاعدنا.
جلست لين في مقعد القيادة واحست انها تملك الدنيا. قال يخاطبها:
-لا تخافي. انها سريعة ولكنها فاتنة مثلك.
طربت لمديحه وخفق قلبها بسرعة. جلس كريس قربها واسند رأسه الى المقعد وطوى ذراعيه فوق صدره وقد اغمض عينيه. وقال:
-انها تحت تصرفك. انتبهي.

فداني الكون0 13-09-11 03:37 AM


ولأن قيادة السيارة وسط الازدحام وفي الطرق الدولية لا تلذ كثيراً، اعطت كل انتباهها لحركة السير حولها. وبدا كريس تعباً يحتاج فعلاً للراحة. كان هادئاً وربما نائماً قربها. فجأة سمعته يقول:
-هل تعرفين انك تجدين قيادة السيارة كما تجدين كل شيء تفعلينه؟
اذن لم يكن نائماً بل مسترخياً.
-شكراً يا سيدي. المديح منك يساوي الكثير.
نظرت اليه نظرة خاطفة ولاحظت انه يراقبها باهتمام شديد. قالت ساخرة:
-نعم انني اجيد كل شيء ما عدا التعليم.
-رويدك قليلاً واخفي مخالبك. انت تقولين ذلك. انا لم اقله. على كل حال اعتقد اننا اتفقنا على ان لا نبحث في امور العمل. هل تذكرين؟
-آسفة. لقد نسيت.
اكملا الرحلة بصمت ثم قطعه كريس قائلاً:
-ذات يوم سأطلعك على سر.
تنهد ثم اغمض عينيه من جديد.
كانت الطريق مملة للغاية. اميال وجبال من الفراغ. جلس كريس وقال متبرماً:
-بحق السماء توقفي عند اول استراحة. تحتاج لبعض الراحة.
اعطت لين اشارة الانحراف ثم دخلت في الطريق الجانبية المؤدية الى الاستراحة. واوقفت محرك السيارة ثم مالت الى الوراء تتمطى. نظر اليها كريس وسألها:
-هل انت تعبة ومجهدة؟
وضعت رأسها على كتفه تستريح. ولفها بذراعيه بحنان وبقيا على هذا الحال فترة طويلة قبل ان يتكلم كريس بجدية ويقول:
-هل تعرفين ان هذه المغامرة اعطتني اجوبة على اسئلتي العديدة؟ لقد برهنت لي ان بستطاعتنا ان نتبادل اطراف الحديث دون جدال او ازعاج واننا نتوافق في بعض الأمور.
نظرت اليه تفكر قليلاً ثم قالت وهي تضحك:
-لقد عرفت الآن انك كنت تقوم بتفتيش عام حول امكانياتي وقدراتي. اظهرت النتائج انني ناجحة في مهمة المرافقة، وربما ستكتب تقريراً مفصلاً عني الى الادارات التربوية المعنية بالأمر.
اعتدل في جلسته ونظر اليها نظرة عتاب وقال:
-تستاهلين علقة ساخنة لصفاقتك يا آنسة هيوليت.
-آسفة.
-ولكن الأسف لا يبدو عليك...
عم صمت ثقيل ثم سألته:
-كريس. لماذا بقيت مستيقظاً الى ما بعد الثانية والنصف ليلاً؟
-لقد قلقت وجافاني النوم لذا قمت بتدبيج محاضرتي ليوم المؤتمر في صباح الثلاثاء. وبعد ذلك نمت تلقائياً.
نظر الى ساعته وقال بسرعة:
-هيا بنا. علينا ان نكمل طريقنا. انا سأقود السيارة.
انطلقت السيارة مسرعة من جديد في طريقها المرسوم. وتكلم كريس اولاً:
-اخبرني هل لديك فراغ في الأيام المقبلة؟ الأحد بعد الظهر مثلاً. اود ان ارافقك في زيارة المستنقعات الريفية. ما رأيك؟
-احب زيارتها كثيراً.
-حسناً. سأطلب من والدتي ان تحضر لنا بعض الشاي والساندويشات ثم نذهب بعد ذلك لتناول العشاء معها. ما رأيك؟
-لا مانع لدي اذا كانت والدتك توافق على دعوتي.
-انا متأكد من سرورها بلقائك.
قالت لين في نفسها: سأعد الساعات حتى هذا اللقاء. ربما لا زلت اعيش الحلم اللذيذ، ولم يحن الوقت للاستيقاظ... ما اجمله من حلم. نظرت لين الى كريس تراقب قيادته واصابعه الحساسة النحيلة... اصابع العازف الشهير. ولفت نظرها وجود الخاتم مكانه في اصبعه. اغمضت عينيها وشعرت ببعض الألم والحزن. تساءلت: هل من الممكن ان يكون هذا الخاتم خاتم خطوبته لانجيلا؟
اطلقت لين لنفسها العنان في مراقبة الوجه الوسيم الذي احبته. كان كريس مشغولاً عنها بأفكاره وترتيباته. سمعته يقول كمن يخاطب نفسه بصوت منخفض:
-لابد من رؤية انجيلا هذه الليلة. لن اتأخر عن لقائها...
-عليك ان ترى انجيلا؟
-نعم يجب ان اراها واتكلم معها واحزم الأمر.
قال ذلك بوضوح تام دون ان يشعر بأنه يتكلم معها. احست لين كأن ضربة قوية اصابت رأسها. لقد تأكدت بما لا يقبل الشك ان حلمها شارف على نهايته....

فداني الكون0 13-09-11 03:38 AM

نهاية الفصل السادس

قراء ممتعه

فتاة 86 13-09-11 09:18 AM

يعطيكي العافية حبيبتي
تسلم الأيادي

الجبل الاخضر 13-09-11 02:29 PM

:55:وووووو:party0033:وووووااااااااآآآآآآآآآأأأأأأأأااااااااا ااااوووووووووووووووو:party0033:وووووووووووو :dancingmonkeyff8:ومن جد وووواااااااااآآآآآاااااووو :peace:ونتظر البقي ع النارررررررررررررر:wookie:

فداني الكون0 23-09-11 08:16 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتاة 86 (المشاركة 2868024)
يعطيكي العافية حبيبتي
تسلم الأيادي

الله يعافيج يا قلبي

يسلمو حياتي

فداني الكون0 23-09-11 08:21 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الجبل الاخضر (المشاركة 2868274)
:55:وووووو:party0033:وووووااااااااآآآآآآآآآأأأأأأأأااااااااا ااااوووووووووووووووو:party0033:وووووووووووو :dancingmonkeyff8:ومن جد وووواااااااااآآآآآاااااووو :peace:ونتظر البقي ع النارررررررررررررر:wookie:



يسلمو يا حياتي

فداني الكون0 23-09-11 08:24 PM




7-لا تذهبي


وصلا الى مركز المؤتمر في بناية دالز وقت الظهر. كان البناء ضخماً مبنياً من الحجارة الصلبة وبه العديد من الاقواس الزخرفية التي كانت سائدة في عصر النهضة. كانت هذه الاقواس متنافرة مع بقية البناء ذي الهندسة العصرية، والذي تحيط به حدائق واسعة. وكان الممر المفضي الى المدخل الرئيسي مظللاً باشجار باسقة.
منتديات ليلاس
قالت لين بدهشة:
-ما اجمل هذا المكان... موقع المؤتمر خلاب ومدهش.
حمل كريس حقيبتها وقرع الجرس في مكتب الاستعلامات. وعلى الفور حضرت شابة سألت لين عن اسمها قائلة:
-هل حجزت لطعام الغداء ظهر هذا اليوم؟ (اجابتها لين بالموافقة). حسناً. اليك مفتاح الغرفة رقم 26 يا آنسة هيوليت. هل تستطيعين نقل حقيبتك بنفسك؟
قال كريس على الفور:
-سأحملها لك يا لين لو انتظرتني دقيقة واحدة. (ونظر الى الشابة وسألها) هل استطيع ان ارى الاستاذ يونغ منظم المؤتمر؟ انا كريستوفر يورك واشترك كمحاضر في المؤتمر. سأقدم محاضرتي صباح يوم الثلاثاء. ارغب في لقائه لفترة قصيرة اذا كان موجوداً.
-اتبعني يا استاذ يورك وسأجده لك... هل هو الاستاذ يونغ في طريقه الينا.
عرفه كريس بنفسه بينما وقفت لين ترقبهما عن بعد وتود ان لا تتدخل في شؤونهما. اقترب شاب منها نظر اليها نظرة اعجاب وسألها:

فداني الكون0 23-09-11 08:26 PM


-هل تنتظرين احداً يا آنستي؟ هل تسمحين لي بمساعدتك في نقل حقيبتك؟ ما رقم غرفتك؟
-شكراً. انك لطيف.
بدأت لين تمشي برفقة الشاب الذي حمل حقيبتها باتجاه السلالم حين سمعت صوتاً خشناً يناديها بقساوة:
-وداعاً يا لين.
التفتت وراءها تعتذر ثم قالت:
-وداعاً يا كريس.
بدا كريس منزعجاً وهو يراقبها تبتعد برفقة هذا الشاب الغريب. نظر اليها الشاب وسألها:
-اسف. لم الحظ انكما سوية. هل هو صديقك؟
-لا. لقد تكرم وحملني معه بسيارته الى المؤتمر.
اخبرها الشاب وهما في طريقهما الى الغرفة انه يمثل مدرسة ثانوية في جنوب ميلدنلد قال انه حضر الى المؤتمر بلا مبالاة ولكن شعوره بعد ان التقاها بدأ يختلف. واضاف مبتسماً:
-اتمنى ان نلتقي في ساعات فراغنا.
وعدته لين بأن تفتش عنه ثم شكرته لمساعدته واغلقت باب غرفتها. ومشت الى النافذة لترى كريس قبل مغادرته المبنى. شعرت بكآبة عارمة تغمرها وحزن عميق يلف حناياها.
وقفت خلف الستائر ترقب خروج كريس من مبنى دالز. وبالفعل خرج ثم توقف ونظر الى اعلى يفتش عنها. بقيت دون حراك في موقفها خلف الستائر. وشاهدته وهو يمشي بعد ان خاب امله في رؤيتها. ثم دخل سيارته وانطلق بها مسرعاً.

فداني الكون0 23-09-11 08:28 PM

التفتت لين الى الغرفة التي ستعيش فيها ايامها القليلة المقبلة. اثاثها من الطراز الحديث والانارة في كل مكان: فوق السرير وطاولة الزينة والمغسلة. وهناك مرآة كبيرة مثبتة فوق الحائط تستطيع ان ترى فيها طولها كاملاً. وهناك راديو صغير قرب السرير ذي الفراش الناعم الوثير. استلقت لين فوقه وراقها اتساعه. تحركت فوقه يمنة ويسرى وسرت لتجربتها وقالت في نفسها: كيفما كانت نتيجة المؤتمر... ناجحة ام فاشلة... فالغرفة مريحة جداً وافضل بكثير مما توقعت.
اخرجت لين ثيابها واغراضها من حقيبتها. ثم وضعت ملابسها ورتبت نفسها ونزلت لتتناول الغداء.
حين وصلت لين الى نهاية السلالم وجدت الشاب الذي حمل لها حقيبتها يقف بانتظارها. قال وهو يصافحها بحرارة:
-اريد ان اعرفك بنفسي. اسمي جون هلويك. ما اسمك؟
-لين هيوليت.

فداني الكون0 23-09-11 08:29 PM



دعاها لتشاركه الطعام.
-شكراً يا جون. انا لا اعرف احداً هنا والحقيقة انني احضر اول مؤتمر في حياتي ولا اعرف صراحة ماذا افعل.
ضحكا سوية ثم قال:
-هذا هو ثاني مؤتمر احضره وعليك ان تلازمني واعدك بالمساعدة.
ثرثرا كثيراً وهما يتناولان طعامهما. ثم دخلا قاعة الاجتماعات لأن المؤتمر سيفتتح بعد قليل.
سرت برفقة جون كثيراً. لقد ابعد عنها الشعور بالوحدة بعد غياب كريس. تذكرت انها ستنتظر الساعات الطويلة قبل ان تراه من جديد. وقد وجود ساعد جون معها وثرثرته في ابعاد خواطرها المضطربة ولو لبعض الوقت عن كريس.
سر جون برفقة الحسناء الجميلة لين. وظنها حرة من اي ارتباط عاطفي مثله، فأخذ يبني بعض الآمال الوردية في خياله.
منتديات ليلاس
جلسا متقاربين في قاعة المحاضرات واستمعا الى المناقشات التي دارت، ثم تناولا طعام العشاء وقاما بنزهة بعد ذلك حول المركز استعرضا خلالها احداث المؤتمر، ما تقدم منه وما تأخر.
اخبرته لين عن همومها في مدرستها. وشرحت له محاولتها في استعمال وسائل تربوية حديثة في تعليمها، وكيف انها فشلت واجبرت على التخلي عنها بفضل العقلية الرجعية المتغلغلة في عقول زملائها الاساتذة وبعض اهالي الطلاب. ثم اخبرته بالنهاية المؤسفة حين تدخل مفتش اللغة الانكليزية (اغفلت ان تذكر له انها حضرت برفقته الى المؤتمر) وتآزر مع مدير المدرسة في حياكة مؤامرة ضدها فأجبرها على التخلي عن حلمها وحماسها.
شعرت لين انها ضخمت الحقائق اكثر مما يجب. ولكنها اسكتت ضميرها واقتنعت نفسها بانها الحقيقة...
علق جون على حديثها قائلاً:

فداني الكون0 23-09-11 08:31 PM


-افكارك الجديدة ممتازة. ولكنني اعتقد انك جريئة جداً في هذه المحاولة الجديدة. انت شجاعة جداً واعترف لك انه ليس باستطاعتي ان افعل مثلك...
اشفقت لين عليه، فبالرغم من كونه اكبر سناً منها الا انه قليل النضوج في اعماله وتفكيره، اذا ما قورن بكريس (وجدت لين ان كريس اصبح مثالها وهي تقارن به كل رجل تلتقيه). ان جون برأيها فتى غرير... وربما لن ينضج ابداً.
كان يوم السبت يوم محاضرات ومناقشات. وفي المساء ستقام حفلة راقصة للمشتركين. وابتهجت لين حين دعاها جون لمرافقته وقالت:
-سيساعدنا الرقص في التخلص من بعض الضجر والجمود. سننفس عن انفسنا...
-ربما ستتعجبين اذا عرفت انني احب الرقص مع انني ابدو جاداً في حياتي. لقد تعلمت الرقص لأن اصحابي الشباب يحبون الرقص وانا مسرور الآن لأنني فعلت ذلك.
رقصا سوية طوال الحفلة الساهرة. ولحظ الجميع انسجامهما وتقاربهما. كانت لين تدور في حلبة الرقص كالفراشة الطائرة وهي تفكر بيوم الغد... يوم اللقاء مع كريس من جديد...
نظر اليها جون باعجاب وقال:
-دعينا نسترح قليلاً يا لين.
امسك بيدها وقادها الى مقعد بالقرب من النافذة. وجلسا يرقبان الحديقة الجميلة حولهما. شد جون بلطف على يدها وشعرت لين برعشة وتساءلت في نفسها مذعورة: يا آلهي! كيف اخرج الآن من هذه الورطة. ربما يسيء فهم تصرفاتي وينجرف وراء احاسيس مضللة....
التفتت لين تفتش عن مخرج لائق ورأت السكرتيرة الشابة تتجه نحوها وهي تقول لها:
-لديك مكالمة هاتفية يا آنسة هيوليت. إذهبي الى المكتب.
سحبت لين يدها بلطف من بين يدي جون واعتذرت بسرعة. ركضت وقلبها يخفق بشدة. وعرفت المتكلم قبل ان تسمع صوته.
-انا لين هيوليت.
-هاللو لين. مرحباً يا لين. هل تذكرينني؟ انا الشاب الذي تكرم واحضرك الى المؤتمر بسيارته.

فداني الكون0 23-09-11 08:34 PM

ضحكت لين كثيراً. واكمل كريس حديثه قائلاً:
-رأيت ان اتصل بك واذكرك بموعدنا في الغد. كيف حالك يا حبيبتي؟ استساغت اسلوبه في التقرب منها ولكنها ارتبكت كثيراً وقالت:
-شكراً.
-هل تمضين وقتاً طيباً في المؤتمر؟
-نعم ولكن المؤتمر متعب للغاية ومضجر كذلك. ننتظر محاضرتك يوم الثلاثاء لتزيل عنا الضجر...
-ولكنك لا تبدين ضجرة؟
-صحيح. هذا بفضل صديق جديد تعرفت اليه وهو يساعدني في قتل الضجر والترفيه عني وقت الفراغ.
-وكيف ذلك؟ ومن هو؟
-انه الشاب الذي حمل حقيبتي يوم وصولي.
-اذكره جيداً. لقد انقض عليك كما تنقض الهرة على كرة الصوف.
ضحكت لين لدعابته ثم قالت:
-اسمه جون هلويك. انه شاب لطيف للغاية وكنا نتناقش سوية في مواضيع المحاضرات وهو رفيقي الليلة في الحفلة الراقصة....
صمت كريس قليلاً ثم عاود الحديث بانفعال وقال:
-لين... هل ترتدين لهذه الحفلة الفستان الابيض الخلاب الذي صنعته لك امك؟
-لا.
-الحمدلله...
-كريس. هل انت وحدك في المنزل؟
-نعم. والدتي خارج البيت ووالدي مسافر في رحلة عمل وانا اشعر بوحدة قاتلة يا لين.
تألمت من اجله وتمنت ان تقول له: وانا ايضاً وحيدة واشتاق اليك وافضل ان اكون قربك اكثر من اي شيء آخر. ولكنها قالت له:
-هل قابلت الآنسة كاستللا؟
-انجيلا؟ للأسف لا. انها في رحلة عمل خارج المنزل. ولقد اخبرتني والدتي انها ستعود في الغد وانا انتظر عودتها. منتديات ليلاس
-علي ان اقفل الخط يا كريس. لقد حضر جون يفتش عني.
-افهم (بدا غاضباً جداً) سأمر عليك غداً في الثانية والربع بعد الظهر. طبت مساء.
قطع كريس الخط بسرعة وقبل ان يسمع تكملة حديثها نظرت لين الى الهاتف وقالت في نفسها: لو استطيع ان اتصل به من جديد لأقول له ولو مرة واحدة انني احبه واحبه كثيراً...
مشت دون هدف وافكارها مضطربة... مشت تفتش عن رفيقها الجديد، لأنه لم يحضر ليفتش عنها كما ادعت.

فداني الكون0 23-09-11 08:39 PM


انتهت جلسة المؤتمر لصباح يوم الأحد. وبعد الغداء ارتدت لين بنطلوناً ازرق مع بلوزة بيضاء ولبست فوقهما سترة واقية من المطر لونها ازرق ايضاً. وانتعلت جزمة مريحة للمشي في الطرقات الجبلية.
نزلت تنتظر وصول كريس في المدخل الرئيسي للبناية وقد حملت معها حقيبة صغيرة تضم بعض الثياب التي تحتاجها. وفي تمام الثانية والربع حضر كريس وقفز السلالم في اتجاه المدخل الرئيسي. دخل فجأة ووضع يديه فوق خصرها وجذبها اليه بقوة وابتسم وهو يقول بصوت مرتفع:
-اهلاً يا حبيبتي. (نظر خلفها وكأنه مع شخص آخر)... مع السلامة.
ثم التفتت الى لين ونظر اليها قائلاً:
-هل انت جاهزة يا حبيبتي؟
حمل حقيبتها وامسك بيدها ليقودها. واستدارت لين خلفها فرأت جون هلويك يقف حزيناً محطماً كأنه لا يصدق ما يرى او يسمع.
تنهدت لين بعمق وقالت مذعورة:
-يا الهي! لقد اخبرته انك لست صديقاً.
-اعرف ذلك (كان لا يزال يبتسم مرتاحاً) لقد سمعتك.
-ولكنها الحقيقة.
-الحقيقة؟ (رماها بنظرة ساخرة ثم عاود ابتسامته التي تنم عن الرضى).
سحبت لين يدها من بين يديه وقد امتلأت مآقيها بالدموع. دخلت السيارة ونظرت خلقها من جديد تبحث عن جون كان لا يزال على حاله: حزيناً وكئيباً.
قالت:
-مسكين جون. لقد تركته محطماً.
قال كريس متهكماً:
-سيكتشف قريباً ان هناك اسماكاً كثيرة في البحر. هناك حل واحد لمشكلتك هذه: عند عودتك عليك ان تخبريه انني لست صديقك بل زوجك.
بان الغضب عليها واستدارت قائلة:
-لو لم تكن تقود السيارة لضربتك.
ضحك كريس بصوت مرتفع طويلاً وقال:
-هذا مثير. تخامرني الرغبة في ان اتوقف لأرى ماذا ستفعلين.
صرخت لين وقد انزعجت من سخريته ومزاحه. هل من المعقول ان تصبح زوجته؟ ران صمت بينهما ثم قال:
-لين؟

فداني الكون0 23-09-11 08:44 PM

-نعم.
-اعطيني يدك.
فاجابت طلبه دون تردد. امسك بيدها وقبلها بحنان وقال:
-اصدقاء؟
-نعم. اصدقاء.
بدأت السيارة طريق الصعود. وابتعدت عن الابنية الحجرية القديمة فبدأت تدخل الريف واراضي المستنقعات الشعبية المخضوضرة. بدأت الطريق تضيق تدريجياً وتلف وتدور في انحناءات وتعرجات عديدة. تسلقت السيارة التلال واحست لين بشعور غريب كاسح من البهجة والانشراح. كانت تعب من المناظر الخلابة حولها قائلة:
-ان المكان ساحر.
منتديات ليلاس
تنفست باطمئنان وراحة وابتسم كريس مسروراً لشعورها. سره اعجابها بجمال الريف. كانت الطريق خالية تماماً من السيارات او السكان. والماشية ترافقهما وقد انتشرت في كل مكان. وكانت حين تسمع محرك السيارة يقترب منها تفوع وتركض هاربة دون وعي. حاول كريس ان يقود السيارة بتأن فائق حتى لا يصطدم بأحد منها.
قال كريس:
-سأتوقف قريباً فوق ارض مسطحة لنرتاح.
وصلا الى قمة التلة. واوقف كريس سيارته قرب ساقية تترقرق فيها المياه الصافية وهي تنحدر فوق الحصى الناعمة. نزلا من السيارة وقالت لين:
-ارغب ان امشي حافية في مياه الساقية.
قال كريس مازحاً:
-هيا افعلي ما يحلو لك.
ولكن لين قررت ان تغسل يديها فقط. ابتسم كريس من تصرفاتها الطفولية البريئة. وحمل معه زاده وابريق الشاي وقال يخاطبها وهو يمشي قربها:
-تعالي يا صغيرتي لنصعد مشياً على الاقدام. كانا يتوقفان من حين لآخر ليرتاحا او ليمتعا نظرهما بالمناظر الخلابة في اسفل المنحدر. واخيراً وصلا الى اعلى قمة ووقفا ملياً بما يحيط بهما من جمال طبيعي خلاب. الاخضرار يلفهما من كل حدب وصوب، الطقس صاف بديع والسماء زرقاء خالية من الضباب. كانت الطبيعة في احلى زينتها وجمالها.
قالت لين وهي تتنفس ملء رئتيها والسرور يغمرها

فداني الكون0 23-09-11 08:48 PM


-لم اكن لأصدق ان هناك اماكن بهذا الجمال الطبيعي النادر في انكلترا. الانكليز شعب محظوظ. ولماذا يتراكضون الى الخارج لتمضية عطلهم؟ لماذا لا يحضرون الى هذه الأماكن التي تشبه الجنة؟
بدأ كريس يتناول الزاد من سلة الطعام وهو يقول:
-لا تخبري احداً يا لين ارجوك. سيختفي الجمال الطبيعي وسط ازدحام الناس واقبالهم. ربما اكون انانياً في تفكيري، ولكن جمال هذه المنطقة يكمن في كونها منعزلة وبعيدة عن متناول الناس. لنبقها على حالها قدر المستطاع.
اكلا الساندويشات وشربا الشاي الذي جلبه كريس معه، ثم تمددا فوق العشب الاخضر في استرخاء كلي. خلع كريس سترته الصوفية ولفها على شكل وسادة وضعها تحت رأس لين ثم خلع كنزته الصوفية وجعلها وسادة تحت رأسه. احست لين براحة كبيرة وغرقت في نشوة عارمة. لقد تنشقت رائحته من سترته تحت رأسها... اليست رائحة الرجل الذي تحبه...
قال كريس بلطف:
-ابقي صامتة يا لين واستمعي الى السكون من حولك. لقد اخبرتك عنه في السابق. هل تتذكرين؟ ان السكون هنا كثيف وثقيل ويمكنك ان تلمسيه. شعور لا مثيل له الا في اماكن مشابهة.
اغمضت لين عينيها وبقيت هادئة دون حراك. كانت تحس وجود الرجل الذي تحبه قربها وتسمع انفاسه العميقة وبالرغم من ذلك استطاعت ان تحس السكون يغمرها ويصل الى قلبها وعظامها وحواسها... بقيا على هذه الحال فترة من الزمن... كل منهما يتأمل...

فداني الكون0 23-09-11 08:49 PM



تحرك كريس اولاً وفتحت لين عينيها لتجده يحدق فيها بعد ان اسند جذعه الى ذراعه وقال:
-ما هو شعورك الآن يا لين؟
-شعور لذيذ للغاية.
-اخبريني يا لين. (مر باصبعه فوق حاجبها وعلى شفتيها الحمراوين) هناك امر يعذبني ويمزقني منذ ليلة الحفلة الموسيقية. لقد سألتك من قبل ولكنك لم تجيبي: عندما انتهيت من عزف مقطوعة بيتهوفن الموسيقية لماذا لم تصفقي لي مع الآخرين يا لين؟
استدارت نحوه والقت بكل ثقلها على جنبها وهي تبعث باصابعها في العشب الاخضر. وتمتمت كالمذهولة:
-لقد اثرت المقطوعة الموسيقية في كثيراً حتى انني بكيت بدلاً من ان اصفق. بدا لي التصفيق تدنيساً لحرمة هذه المقطوعة البديعة.
امسك كريس رأسها بلطف وجعلها تنظر اليه وقال:
-هل هذا صحيح؟ (هزت رأسها موافقة) اذن لماذا لم تخبريني ذلك من قبل؟ لماذا...
-ولماذا اخبرك؟
-يا عزيزتي الغالية لين. لقد عزفت تلك المقطوعة لك خاصة. رغبت ان اعتذر لك بها عما بدر مني من وقاحة في معاملتك. اعتذر من تصرفاتي الشائنة معك في غرفة الموسيقى... وحين لم تصفقي لي اعتبرت انك ترفضين قبول اعتذاري.
-حتماً لم اكن لأرفض اعتذارك... ولم اعن ذلك مطلقاً يا كريس. مر بأنامله فوق شفتيها بسرعة ثم نهض واقفاً وقال: منتديات ليلاس
-عندما نصل مساء لزيارة والدتي ارجوك ان لا تتعجبي من ردة فعلها وهي تتعرف اليك. لقد اخبرتها انك معلمة مدرسة تكرسين وقتك لعملك، وقد تخليت عن قسم من عطلتك لتحضري مؤتمراً تربوياً يفيدك في مهنتك. انها تنتظر امرأة متوسطة العمر ممتلئة الجسم، محتشمة اللباس وناضجة التصرف. ويسرني ان ارى خيبة املها حين تقابلك.
سرت لين لمزاحه وقالت:
-وانا ايضاً اخبرت والدي انك مفتش في وزارة التربية. وهذا يجعلك في عمر قريب من سن التقاعد. انهما لم يعارضا سفري برفقتك...

فداني الكون0 23-09-11 08:57 PM


ضحكا طويلاً ثم سألته لين:
-كريس. عم ستتكلم في المؤتمر؟
-انه سر. عليك ان تنتظري يوم الثلاثاء.
-وجود المؤتمر في مكان خلاب يساعد الحاضرين كثيراً. كلما ضجرتمن سماع المحاضرات انظر عبر النافذة وامتع ناظري بجمال الطبيعة الخلاب. ولقد حفظت هذه المناظر جيداً.
نظر كريس اليها نظرة عاتبة ساخرة وقال:
-اياك ان تنظري عبر النافذة يوم الثلاثاء وانا القي محاضرتي. وان ضبطتك تفعلين ذلك سأقتص منك على انفراد... بالمناسبة سأصحبك يوم الثلاثاء معي في طريق العودة الى الجنوب. ابتسمت لين واحمر وجهها خجلاً وقالت:
-هذا صحيح. انا لم افكر ابداً بطريق العودة.
-سآخذك الى اي مكان تريدين وعن اي طريق ترغبين. مفهوم؟ سأتناول طعام الغداء مع بعض المحاضرين الكرام ولن استطيع ان اتناول طعامي برفقتك يا حبيبتي كما كنت افضل. ولكنني سألقاك في المدخل الرئيسي فور انتهاء الغداء. سنذهب دون توقف في طريق العودة.
ابتسمت لين من جديد وقالت:
-سأفكر بالأمر وسأعلمك قراري فيما بعد. ربما افضل العودة وحدي في القطار.
قال حانقاً:
-اذا كنت تحاولين اثارة غضبي يا فتاة فلقد نجحت حتماً.
انحنى فوقها وعانقها بحنان لفترة طويلة. لقد توقف الزمن حولهما. تذكرت في تلك اللحظة انه ليس ملكاً لها، وحاولت ان تتراجع وتبتعد عنه وتفلت من عناقه. احس بحركتها وعلى الفور تراجع وهو يتمتم:
-اعذريني يا لين. انني آسف يا حبيبتي. ارجوك ان تعذريني.
ولماذا يطلب الصفح عن تلك اللحظات من النشوة؟ عناقه لها حطم كل مقاومة عندها. انها تحبه دون قيد او شرط. لقد امتلكها الى الأبد. لن يكون بينه وبينها اي حاجز.
احست لين انه يبعدها قسراً، وانه يحاول بناء الحاجز بنفسه. استغربت الوضع. احتارت. ماذاتفعل؟

فداني الكون0 23-09-11 09:06 PM


بدأت تستعيد في ذاكرتها تفاصيل جلستهما معاً في الريف. انها غبية جداً. لقد احبت رجلاً يعتبرها رمزاً للجاذبية. انها مغرية وهو يشتهيها كاللقمة السائغة. كما وانه يرتبط بفتاة غيرها ولكن بعض الاسباب الخاصة تمنعه من تأكيد علاقته او ارتباطه بها. وهي ايضاً ترتبط بكين. علاقتهما به تختلف كلياً عما يظن الآخرون. انه صديق. وهي واثقة الآن من عواطفها نحوه. انها لا تحبه ولن تتزوج منه ابداً ومهما حصل.
احس كريس بشرودها. بقي في مكانه وابتسم. وامسك بيديها فقبلهما بلطف واعتذار وهو يقول:
-علينا ان نعود الآن.
منتديات ليلاس
نهضا. لبس كنزته وسترته وحمل الزاد وابريق الشاي في سلة الطعام وتمتم كمن يكلم نفسه:
-يجب ان ارى انجيلا هذه الليلة.
احست لين ان انجيلا دائماً تقف حائلاً بينهما. حتى الآن وبعد هذه اللحظات العارمة من النشوة. افكاره وآماله مرتبطة بانجيلا. حزنت لين ووبخت نفسها لقبولها دعوته. كان عليها ان تتوقع مثل هذه النتائج قبل خروجها معه.
نزلا التلة مشياً وهما صامتان. وحين اقتربا من السيارة قالت له لين بخجل:
-كريس. هل لديك مانع في ان اغير ثيابي داخل السيارة قبل عودتنا؟ لا استطيع ان ازور والدتك بهذه الثياب.
نظر اليها كريس وابتسم قائلاً:
-ولكنك جميلة للغاية. ولكن لا بأس من ذلك اذا رغبت. سأتجول بعيداً حتى تنتهي من تبديل ثيابك.
وبسرعة فائقة استبدلت لين ثيابها وارتدت التايور الازرق والبلوزرة البيضاء قبل ان يعود كريس من جولته القصيرة. حمل حقيبة ثيابها الصغيرة ووضعها في مؤخرة السيارة. وانطلقت بهما من جديد في طريق العودة الى المدينة.

فداني الكون0 23-09-11 09:10 PM

كان الحديث متقطعاً بينهما في طريق العودة. شعور بالتشنج اخذ يلفهما م جديد. وقبل ان يصلا الى المنزل العائلي تكلم كريس:
-تهللي يا لين. لماذا العبوس؟ الم اعتذر لك عن تصرفاتي الشائنة؟
هزت لين رأسها علامة النفي:
-ليس الأمر كما تظن.
-وما الأمر اذن يا اعز مخلوق عندي؟ الا تستطيعين اخباري؟
فهزت لين رأسها من جديد.
واخيراً وصلا الى مدخل منزل العائلة. انه منزل حديث البناء يقع فوق مستوى الطريق العام وتحيط به الحدائق الغناء.
نظرت لين الى المنزل من الخارج بينما كان كريس يقفل سيارته. قالت:
-المنزل حجري مع انه حديث البناء.
-البناء الحجري في هذه المناطق الشمالية يحمي من البرودة القارسة في فصل الشتاء.
ثم امسك كريس بيدها وقادها الى الداخل قائلاً:
-تعالي. سأعرفك بوالدتي.
فتح الباب الخارجي ودخل واياها الى القاعة وصرخ:
-اماه. لقد وصلنا.
وعلى الفور ظهرت والدته. وجهها مستدير صغير وشعرها ومادي، في الخمسينات من عمرها وتلبس الثياب السوداء لتخفي امتلاء جسمها.
عيناها حادتان كعيني كريس ولها ابتسامة ساحرة. وتقلصت ابتسامتها قليلاً وهي ترى لين لأول مرة.
-انت الآنسة هيوليت.
لاحظت الوالدة تماسك ايديهما. وتفحصت وجه لين جيداً ثم التفتت الى ابنها وقالت باستغراب:
-وصفك لها يا بني لم يكن دقيقاً!
شد كريس على يد لين برفق ثم تبادلا نظرات فرحة. مدت الوالدة يدها ترحب بها قائلة:
-يسرني لقاؤك يا آنسة هيوليت. ادخلي. هل استطيع ان اناديك لين؟
دخل الجميع الى قاعة الجلوس. ونظرت لين حولها قائلة:
-ما اجمل هذه الغرفة.
-نعم انها مريحة يا صغيرتي. الشمس تدخلها معظم ساعات النهار ونوافذها الكبيرة تطل على الحديقة الجميلة. اجلسي يا لين. قولي لي، هل استمتعتما بالرحلة؟
قال كريس

فداني الكون0 23-09-11 09:14 PM


-نعم يا اماه. ونشكرك على الزاد والشاي.
جلست لين على طرف كرسي وقد بدت قلقة مرتبكة في حضور والدته.
-اشكرك يا سيدة يورك على دعوتك للعشاء.
-لا حاجة للشكر (ونظرت الى كريس) لقد اتصلت بانجيلا البارحة في غيابك ودعوتها لتناول العشاء معنا. هل يسرك حضورها؟
-نعم يا اماه. انني مسرور للغاية. واخيراً عادت. هل لديك علم كم سيطول بقاؤها هنا؟
-ستبقى بضعة اسابيع لترتاح قليلاً قبل ان تعاود ترحالها. ستراها كثيراً قبل عودتك الى الجنوب.
-نعم ولكنني سأعود الثلاثاء يا اماه. لن ابقى طويلاً هذه المرة. وستعود لين برفقتي. اليس كذلك يا لين؟
نظر كريس الى لين مستطلعاً وكان عليها ان تهز رأسها موافقة.
بدأت تشعر بانقباض وعدم حبور لوجود انجيلا معهم على مائدة العشاء. لقد بدا كريس تواقاً لرؤيتها والاجتماع بها وظهر الحبور على وجهه واضحاً. التفتت لين حولها تتشاغل بالنظر الى محتويات غرفة الجلوس، واحس كريس بنظراتها التائهة فقال:
-تعالي اريك البيانو الذي يخصني. انه فرحتي وفخري.
منتديات ليلاس
مشت لين بصحبته ناحية البيانو الكبير. كان لونه ابيض ويحمل ماركة احد مشاهير الصناع. مر كريس باصابعه فوقه فخرجت بعض الانغام الجميلة.
قالت لين:
-صوته بديع.
فقال كريس:
-عندما انشئ منزلاً لي سأجلبه الى الجنوب.
وقالت الوالدة:
-ااي عندما عندما يتزوج. ارجو ان لايكون ذلك بعيداً. اليس كذلك يا كريس؟
-نعم يا اماه. سيكون قريباً باذن الله.
كان صوته هادئاً وشعرت لين انه لا يرغب بالخوض في التفاصيل. نظرت حولها من جديد ولفتت نظرها صورة لانجيلا في اطار جميل. قالت السيدة يورك تعلق:
-انها فتاة جميلة. لقد عرفناها وعرفنا والديها منذ سنين عديدة.
بدت والدة كريس مرتاحة لكون انجيلا زوجة المستقبل لابنها الوحيد. ونظرت السيدة يورك الى ساعتها واعتذرت منهما قائلة:
-اعذراني. علي ان ادخل المطبخ قليلاً لاهيء الطعام.
بقي كريس ولين وحدهما في غرفة الجلوس. جلس كريس فوق مقعد البيانو وخاطبها قائلاً:
-تعالي يا لين واجلسي قربي.
فسارت نحوه دون اعتراض.
قال وهو ينظر اليها بحنان ومحبة واضحة:
-استمعي يا لين الى هذه المقطوعة الموسيقية.
وبدأ يعزف لها. راقبت اصابعه ترقص بلطف وبمهارة وتخرج اجمل الألحان واعذبها. اثرت فيها الألحان وسحرتها كلياً.
-سأخبرك يا لين عن هذه المقطوعة.
امسك بيدها بين يديه واضاف:
-انها اغنية جديدة مؤلفها من القرن العشرين ويدعى ريتشارد هاغمان. كلماتها للشاعر الهندي الشهير طاغور هل سمعت عنه؟

فداني الكون0 23-09-11 09:19 PM


هزت لين رأسها موافقة.
-اسمعي اذن كلمات الأغنية وقد ملأت عقلي وحواسي في المدة الاخيرة.
تقول الأغنية:
لا تذهبي يا حبيبتي دون ان تخبريني
لقد سهرت الليل بطوله
والآن ثقلت جفوني بالنعاس
واخشى ان افتقدك ان غفوت
لا تذهبي يا حبيبتي دون ان تخبريني
اصحو وامد يدي لألمسك
واسأل نفسي: هل انا احلم؟
هل استطيع ان اضع قلبي تحت قدميك
واضمها بقوة الى صدري؟
لا تذهبي يا حبيبتي دون ان تخبريني.
نظر كريس اليها وتمتم قائلاً من جديد ومردداً كلمات الأغنية:
-لا تذهبي يا حبيبتي دون ان تخبريني.
وبينما هما على هذه الحال شعرت لين بخيط رفيع من الدمع ينساب على وجنتيها من رقة وعذوبة كلماته وحنان صوته. لف يديه حول وجهها ولكنها ابتعدت عنه برفق وحذر وهربت الى النافذة. قال:
-لين! هل ترغبين ان اريك المنزل؟
-لا بأس. اذا كنت تريد ذلك.
صعدا السلالم سوية ثم قال:
-تعالي اريك غرفتي اولاً. انها ليست مثالية الترتيب.
دخلا الغرفة واحست لين كأنها تعرفت الى نفسية كريس الباطنية. الكتب موجودة بكثرة وفي كل زاوية. كنب في الموسيقى وكتب في اللغة الانكليزية. مقالات وأوراق نوتة مبعثرة فوق الرفوف وعلى المكتب. ورأت صورة له مع انجيلا قرب مخدعه. كان يجلس امام البيانو الكبير بينما وقفت انجيلا في فستان للسهرة بكل اناقة ورشاقة. قال:
-اخذت هذه الصورة منذ سنين عديدة. كلانا قد كبر الآن. كنت ارافقها على البيانو عندما تغني. لقد درسنا معاً في كلية الموسيقى.
اينما ذهبت لين تصطدم بهذه المرأة. تأثيرها كبير في حياة كريس وتفكيره. ما هو دورها؟
واخيراً وصلا الى غرفة الضيوف الكبيرة. اقتربت لين من النافذة لتتفحص الحديقة الخلابة والمناظر البديعة التي تشرف على المنحدرات والتلال ومنظر الريف والسبائخ. وسمعت صوت محرك السيارة تدخل المدخل الرئيسي بسرعة هادرة. قال كريس:
-انها انجيلا... لقد وصلت اخيراً.
وقفز على السلالم بسرعة وقد نسي لين وراءه في غرفة الضيوف.

انتهى الفصل السابع

فداني الكون0 23-09-11 09:21 PM


8-عود على بدء


-لين تعالي أعرفك بانجيلا.
نزلت لين السلالم ببطء وسمعته يقول:
-انجيلا. اخيراً وصلت. عملت المستحيل للاجتماع بك منذ وصولي يوم الخميس. كيف حالك يا عزيزتي؟
لف ذراعيه حول خصرها وطبع قبلة سريعة فوق خدها. رفعت انجيلا ذراعيها الى كتفه وقالت:
-عزيزي كريس.
منتديات ليلاس
كان الشعر الذهبي يحيط بوجهها المدور الصغير كالهالة ويتدلى فوق عنقها العاجي. انها في نضوجها أجمل بكثير من صورها في صباها. كانت عيناها تشعان فرحاً وهي ترحب بكريس بحنان وقالت:
-اشكرك على رسالتك يا عزيزي كريس. علينا ان نبحث الأمر بسرعة.
-أقدم لك لين. (التفت الى لين وقال): هذه انجيلا يا لين. انها فعلاً ملاك. انها اسم على مسمى.
-اخيراً قابلتك يا لين! لا تنزعجي لمديحه لي. انه لا يعني شيئاً. هذا من تهذيبه ورقته. كم يسرني ان ألقاك يا لين. لقد سمعت عنك الكثير.
قالت لين في نفسها: كم هي لطيفة ورقيقة. انها خلابة، فاتنة. لا استطيع ان اكرهها مع انها ستحرمني من سعادتي في الحياة وتحطم قلبي.
حضرت السيدة يورك من المطبخ وعانقت انجيلا ورحبت بها. ودخل الجميع الى غرفة الاستقبال. التفتت انجيلا الى كريس قائلة:
-عزيزي كريس. هل استطيع ان اطلب منك خدمة بعد العشاء مباشرة؟ هل تأتي معي لتقيم لي بيانو معروضاً للبيع؟ ان مريان، شقيقة فرنسيس بولتون مدير أعمالي ترغب في شرائه لمنزلها الجديد. لا نستطيع الانتظار طويلاً خوفاً من أن يشتريه أحد قبلنا. وهو موجود في منزل يبعد حوالي الثمانية أميال من هنا.

فداني الكون0 23-09-11 09:35 PM


-تعلمين يا انجيلا أنني لن استطيع أن أرفض لك طلباً.
ثم نظر الى لين وقال:
-هل لديك مانع ان اتركك بعض الوقت بعد الوقت بعد العشاء؟ سأعود بسرعة وأوصلك الى قاعة المحاضرات. موعد المحاضرة في الثامنة والنصف مساء اليس كذلك؟
-ارجوك اذهب معها ولا تهتم من أجلي.
وبعد ان ثرثروا قليلاً دعتهم السيدة يورك لتناول العشاء.
كانت غرفة الطعام فخمة ومرتبة وكذلك الادوات الفضية اللامعة. تساءلت لين ان كانت عائلة كريس تعيش يومياً هكذا وتتناول الوجبات وفق الطرق الرسمية.ربما يفضل كريس ان يدير منزله على هذا النحو ايضاً. الشكليات والرسميات ضرورية في حياته. اذا كان الامر كذلك فان انجيلا تصلح لأن تكون زوجة له.
-نحن نعيش في بيتنا دون شكليات او رسميات.
كانت لين واثقة أن كريس لن يزور منزل عائلتها المتواضع في كنت. انه منزل من نمط آخر ويقع في الضواحي.
نظرت السيدة يورك اليها وقالت:
-أنت معلمة. وهل تحبين مهنة التعليم؟
-نعم. أحبها كثيراً يا سيدة يورك. أحببت التعليم منذ نعومة أظافري.
-هذا شيء غير عادي. كيف يمكنك ان تقرري منذ طفولتك مهنتك للمستقبل؟ انك موهوبة اذن. كان كريس يستمع بكل اهتمام الى ما يدور من حديث بين لين ووالدته، قالت لين:
-عندما كنت في السادسة من عمري كان لدي صفي الخاص. كنت أضع عدداً كبيراً من ألعابي بشكل نصف دائري وأضع الطبشور واللوح أمامها، وأقف اعلمها كل ما تعلمته في المدرسة من معلمتي.

فداني الكون0 23-09-11 09:38 PM


قال كريس:
-اذن بدأت منذ الصغر. انا متأكد من كونك خلقت لتعلمي.
-انت تقول ذلك؟ وبالرغم من كل ما حدث؟ لا بد وأنك تمزح.
-انا لا امزح ابداً بل أعني ما أقول.
كانت السيدة يورك وانجيلا تراقبانها باهتمام زائد مما جعل الاحمرار يزحف الى وجنتيها من الخجل. وحاولت أن تخفي خجلها وهي تنظر بعيداً عن الجميع. كانت تفكر بتغيير مجرى الحديث في محاولة لوقف المناقشة الدائرة حتى لا تنفضح الامور بينهما.
منتديات ليلاس
شعرت السيدة يورك بأن الموضوع حساس بينهما. وعلى الفور تكلمت في محاولة لتلطيف الجو وقالت:
-هذه الحادثة الطريفة تذكرني بحادثة مماثلة حصلت لابني كريس. بدأ يتعلم العزف على البيانو وهو في السابعة من عمره. وحين بلغ الثانية عشرة عزف في حفلة موسيقية في المدرسة وكذلك في احتفالات موسيقية أقيمت في المنطقة. ولما بلغ الثامنة عشرة عزف منفرداً على البيانو ورافقته فرقة موسيقية كبيرة وشهيرة. وتابع نشاطه الموسيقي بتفوق، فأحرز العديد من الجوائز والميداليات والانتصارات والمنح وفجأة تخلى كلياً عن هذا الحلم.
قال كريس معقباً:
-واذا بحثت الآن عن الميداليات والكؤوس فلن تجدي لها أي اثر. لقد رصت كلها في خزانة مقفلة. ولماذا؟ لأن احداً لا يرغب في تنظيفها من وقت لآخر.
ضحك الجميع ولكن السيدة يورك نفت هذه القصة كحقيقة بل اعترضت ودافعت عن نفسها.
التفتت اليه لين وسألته:
-لماذا تخليت عن أحلامك الموسيقية يا كريس؟
-تسألين لماذا؟
هز كريس كتفيه دون اكتراث ونظر محدقاً في كأسه ثم أكمل حديثه:
-لقد اكتشفت بعد تفكير عميق أن هذه المهنة ليس فيها ضمانة للمستقبل، بل يلعب الحظ فيها دوراً كبيراً. فكرت انه في يوم من الايام سيكون لدي زوجة واولاد وسأبني بيتاً، وسأحتاج لبعض الاستقرار الذي لا يتواجد في مهنة الموسيقار. اخذت أهييء نفسي لمهنة اخرى. بدأت ادرس لنيل شهادة الماجستير في اللغة الانكليزية. وكنت ادرس بعض الوقت وأنا أعمل. صرفت جهداً كبيراً ونجحت في نيل الاجازة التعليمية واصبحت معلماً للغة الانكليزية في المدارس الثانوية. عملت عدة سنوات وحانت لي فرصة ذهبية كي أصبح مفتشاً في وزارة التربية، فتقدمت لتلك الوظيفة وفزت بها. لا تسأليني لماذا ولنني رغبت فيها وحصلت عليها.

فداني الكون0 23-09-11 09:41 PM

نظرت انجيلا الى لين وقالت بحزن:
-الآن تعرفين يا لين مدى الخسارة التي أصابت العالم من تخلي كريس عن العزف على البيانو. هل استمعت الى عزفه؟
هزت لين رأسها موافقة وضمت يديها وقالت:
-انا اعتقد انه مدهش في عزفه.
سمعت لين صرخة خفيفة من كريس وهو يعترض على كلامها ولكنها لم تلتفت اليه.
سرت انجيلا بكلامها وقالت مازحة:
-لديك معجبة في بيتك يا كريس. هل ترغبين ان يوقع لك في دفتر الذكريات أم تفضلين الحصول على صورته بتوقيعه؟
ابتسم كريس ابتسامة عريضة ومال بكرسيه الى الوراء وقد وضع يديه في جيوبه وقال بجدية:
-علي ان أفعل شيئاً لك يا لين! ماذا تفضلين؟
التقت عيناه بعنيها وشعرت بارتباك ولم تستطع تفسير نظراته المبهمة. فأسرعت تبعد نظرها عنه. نظرت انجيلا الى ساعتها وخاطبت كريس قائلة:
-الا تعتقد يا كريس ان علينا ان نقوم الى مهمتنا؟
-طبعاً يا انجيلا.
دفع كرسيه ووقف يخاطب والدته:
-أماه نعتذر منك.
وأمسك بيد لين وقال:
-لن اتأخر كثيراً. سأعود لاصطحبك في طريق العودة الى المؤتمر.
وكذلك امسكت انجيلا بيد لين تودعها قائلة:
-انني مسرورة بلقائك يا عزيزتي. الآن بدأت أصدق كل ما سمعته عنك. وداعاً واتمنى لك أطيب السعادة.
-وأنا ايضاً سررت كثيراً بمعرفتك يا آنسة كاستللا.
-أوه. ارجوك ان تناديني باسمي انجيلا مع رفع الكلفة بيننا. ربما نلتقي مرة ثانية... بل أنا واثقة أننا سنلتقي.

فداني الكون0 23-09-11 09:44 PM

.
خرجا يضحكان. وركبت انجيلا سيارتها السوداء الفخمة وسبقته على الطريق. تبعها كريس بسيارته الحمراء المصقولة في طريقهما لمعاينة البيانو.
عادت السيدة يورك الى غرفة الطعام حيث لا تزال لين واقفة وهي تبتسم ابتسامة عريضة في محاولة جاهدة لتخفي حزنها وكآبتها عن والدة كريس.
-هل أساعدك يا سيدة يورك في تنظيف الصحون وترتيب غرفة الطعام؟
-لا لزوم لذلك يا عزيزتي. عندي خادمة تساعدني في هذه الأعمال. ما رأيك ان تنزل الى الحديقة ونتنزه فيها؟ انها جميلة للغاية في هذا الفصل.
خرجتا تتنزهان في الحديقة وسط الورود والرياحين. وكانت الروائح العطرية تملأ الجو عبقاً واريجاً طيباً. هناك بعض اشجار الفاكهة المثمرة بالاضافة الى العرائش المتدلية من الاقواس الخشبية في شكل هندسي بديع. وتوجد في الحديقة بركة واسعة لتربية الأسماك، وفي وسطها تمثال حجري لطفل صغير. وفي زاوية بعيدة منعزلة مساحة كبيرة مستهلكة في زراعة الخضار. وبالقرب منها منزل زجاجي نموذجي لزراعة بعض النباتات الخاصة التي تستوجب عناية كبيرة.
منتديات ليلاس
-انا لا اهتم بالحديقة ابداً. الحديقة من هوايات زوجي الخاصة. انه يعتني بها ويهتم بشؤونها. وهي تسليته الجسمية والعقلية. يساعده عامل على القيام ببعض الاعمال الشاقة ويعتني بها في غيابه. ان زوجي حالياً خارج البلاد في رحلة عمل في جنوب امريكا، يمثل الشركة التي يعمل فيها. الشركة تتعاطى الزراعة وبالأخص التخلص من الاعشاب الضارة. انا وحدي استمتع بعمله في الحديقة وأقدر جهوده.
أخبرتها لين ان والدتها هي التي تقوم بالاعمال الزراعية في الحديقة. وهي تساعد والدتها قليلاً ايام العطل المدرسية... تساعدها في قص العشب الاخضر او تشذيب شتل الورود. ثم اضافت:
-والدي مشغول جداً بعمله. انه معلم مدرسة مثلي ولا يجد فراغاً للتسلية.
-انت اذن مثل والدك.
-ربما. ولكنه يعلم الحساب بينما انا اعلم اللغة الانكليزية. كما انني لا افهم كثيراً في الحساب. وسمع رنين الهاتف فأسرعت السيدة يورك الى الداخل لتجيب. سمعتها لين تقول:
-لن تستطيع ان توصلها الى المؤتمر. أفهم. سأقول لها ذلك. نعم هي في الحديقة... هل البيانو في حالة جيدة؟ اذن زيارتك قد أتت بفائدة. بلغ انجيلا حبي وقل لها أنه يسعدني زيارتها لي في أي وقت تراه مناسباً... نعم سأخبر لين أسفك وسأوصلها بنفسي في سيارتي.
عادت السيدة يورك الى الحديقة وقالت تخاطب لين:
-خابر كريس ليقول أنه اضطر للتأخير في المنزل حيث اشتروا البيانو. قال انه سيذهب الى منزل انجيلا وطلب مني ان أوصلك الى المؤتمر يا لين.
-أرجوك. لا تهتمي يا سيدة يورك. يمكنني العودة بالباص.
-لا يا عزيزتي. هذا غير ممكن. لدي سيارة خاصة بي أقودها بنفسي ويسرني ان اوصلك متى شئت.
-لنذهب الآن. علي ان اسجل بعض الملاحظات قبل بدء المناقشة. ربما استطيع ان اساهم في المناقشة ببعض الافكار البناءة.
-هيا بنا اذن. سأحضر السيارة من المرآب.
وبعد أن انطلقت السيارة بهما في طريق العودة قالت السيدة يورك تحدث لين:
-ارجوك ان تسامحيني لما سأقوله يا عزيزتي. اشعر ان من واجبي ان اصارحك بالحقيقة ونحن في مثل هذه الظروف.
تابعت السيدة يورك كلامها وهي تنظر الى الطريق أمامها بكل حذر:
-ربما أكون مخطئة في تفكيري، ولكنني شعرت انك سعيدة للغاية برفقة كريس:
-أنا لا أعرف ماذا أخبرك ولكنه سيتزوج قريباً من انجيلا.
-هو لم يخبرني بذلك....

فداني الكون0 23-09-11 09:51 PM

-كم هو عفريت. لكنهما مخطوبان سراً منذ سنين عديدة. لقد طلب منها كريس الزواج ولكنها فضلت ان تتريث وتبقى دون اي ارتباط. لتصب كل اهتمامها على ترسيخ أقدامها والنجاح في مهنتها. والآن وقد استقرت ونجحت ووصلت الى القمة، لم يعد هناك من لزوم لتأخير الزواج. ولما حضر كريس منذ ايام الى هنا، صارحني بهذا الموضوع وأخبرني أنه سيتزوج في القريب العاجل ولكن الترتيبات الاخيرة تحتاج الى حضور والده ولذلك سيتريث اسبوعاً في انتظار عودته.
نظرت السيدة يورك الى لين ولكنها وجدت انها أخفت كل مشاعرها خلف قناع بارد يخفي وجهها.
وأكملت السيدة يورك حديثها:
-اتمنى ان تتفهمي ما أحاول ان اقوله يا لين، وآمل ان لا يزعجك قولي. اجد ان من واجبي ان اطلعك على احواله وموقفه.
-يا سيدتي. علاقتي بكريس لا تتعدى حدود الصداقة البريئة النقية. نحن صديقان ليس الا. انا أعلم منذ البداية بعلاقة كريس بانجيلا وحبه لها.
تمنت لين ان تنطلي كذبتها على السيدة يورك وان تحافظ على رباطة جأشها وتوازنها.
-الحقيقة انني مخطوبة لأحد المعلمين في مدرستي وسنتزوج قريباً.
-آه. من الواضح اذن ان المسألة محلولة. كم انا مسرورة بمعرفتك يا عزيزتي. انت فتاة عاقلة ومتزنة ولو لم يلتق ابني بانجيلا قبلك لكنت اتمنى من كل قلبي ان يلتقي بك، او أن يقع في حب فتاة مثلك.
وصلت لين اخيراً الى مبنى دالز... مكان المؤتمر. وشكرت السيدة يورك على توصيلها ودعوتها للعشاء. وذكرت لها مقدار سرورها بلقائها وصافحتها مودعة وهي تحاول جهدها أن تحبس دموعها التي كانت على وشك الانهمار.
دخلت لين مبنى دالز وكان بانتظارها صديقها جون هلويك، يحوم في المدخل الرئيسي. وبشجاعة فائقة ابتلعت خيبة أملها وأخفتها خلف ابتسامة عريضة مصطنعة.
التقاها جون وسألها بلباقة:
-هل أمضيت أمسية سعيدة؟

فداني الكون0 23-09-11 09:55 PM


دخلت برفقته الى قاعة الجلوس وتذكرت والاسى يعصر فؤادها كيف كانت معاملة كريس لجون خالية من اللياقة. غضبت جداً وتغلب غضبها على حزنها وكآبتها، وظلت على هذه الحال مدة يومين. لقد غرقت في الغضب بدلاً من أن تغرق في الدموع.
وفي صباح يوم الثلاثاء –يوم نهاية المؤتمر- صممت لين تصميماً اكيداً على الابتعاد عن طريق كريس مهما كلفها الأمر.
سألت عن مواعيد القطار الى لندن واكتشفت ان هناك قطاراً سريعاً يترك المدينة حوالي الواحدة بعد الظهر. قررت ان تحجز لنفسها مكاناً فيه. عليها ان تغادر مبنى دالز في فترة انشغال الجميع بالغداء. ستطلب سيارة أجرة وتغادر الحرم بينما يكون الجميع في قاعة الطعام. وسينتظرها كريس في المدخل الرئيسي بعد الغداء دون فائدة. ستكون في طريقها الى لندن حيث منزل والديها في منطقة كنت.
سرها جداً أنها لم تذكر له عنوانها في كنت. لن يتمكن من اللحاق بها. ان كين هو الوحيد الذي يعرف عنوان والديها. وعندما تعود الى عملها بعد العطلة سيكون كريس قد عقد خطوبته على انجيلا وانتهى الأمر ولن تلتقيه بعدئذ ابداً...
منتديات ليلاس
مساء الاثنين كتبت لين رسالة مختصرة الى كريس وقررت ان تعطيها الى السكرتيرة غداً الثلاثاء كي تسلمها له قبل رحيله.
كتبت لين تقول في رسالتها:
-كريس! رأيت ان لا نفع من صداقتنا والأفضل لنا ان لانلتقي من جديد. قررت ان أعود وحدي بالقطار وعندما تتسلم رسالتي سأكون في طريق العودة. أشكرك لصداقتك يا كريس. انت ستتزوج من انجيلا وانا ربما سأتزوج من كين. اتمنى لك كل السعادة.
لين
ملاحظة: ربما تتكرم بارسال حقيبة ثيابي التي تركتها صدفة في صندوق سيارتك. انا آسفة لهذا الازعاج.

فداني الكون0 23-09-11 09:58 PM



تمنت لين ان تجف الدموع المنهمرة فوق كلمات الرسالة قبل ان تختلط الكلمات بالدموع...
وفي صباح يوم الثلاثاء وبعد أن تناولت الفطور بسرعة رتبت حقيبتها ووضعتها في المدخل الرئيسي في غرفة المعاطف قرب مكتب الاستقبال. ثم عادت الى غرفتها من جديد تعيد النظر في محتوياتها وتتأكد من أنها لم تترك خلفها شيئاً من أغراضها. أقفلت الغرفة لآخر مرة ونزلت السلالم تريد ان تسلم المفتاح.
كان كريس يقف مع مجموعة من الناس في المدخل الرئيسي للمبنى. يداه في جيوبه ويبدو عليه الارتياح والسعادة. وربما أحس بوجودها لأنه التفت ناحيتها ورفع يده عليه محيياً وبدأ يمشي باتجاه السلالم لملاقاتها. ولكنها أسرعت ترتقي السلالم من جديد، واحتمت في غرفتها. لقد سرت لأن المفتاح لا يزال في حوزتها. دخلت تلهث وقد انقطع نفسها من صعود السلالم بسرعة وارتمت فوق السرير. كانت ضربات قلبها تسرع وقد اضطرب نبصها.
منتديات ليلاس
رأت ان تبقى في غرفتها حتى يحين موعد بدء المحاضرة ومن ثم تنزل ببطء الى قاعة المحاضرات وتنضم للمستمعين دون ان تلفت اليها الأنظار.
وهكذا فعلت. نزلت وجلست بالقرب من جون هلويك. ونهض عريف المؤتمر فعرف المحاضر الاول. نظر اليها جون مبتسماً وهو يؤنبها على تأخيرها، ثم أشار الى المنصة حيث جلس كريس بين المحاضرين وقال:
-أليس هذا صديقك؟
هزت لين رأسها موافقة.

فداني الكون0 23-09-11 09:59 PM

.
هل لاحظ كريس تأخرها؟ لا تعرف! حاولت جاهدة أن لا تنظر الى المنصة حيث يجلس حتى لا تلتقي نظراتهما. وظلت تحق في الصفحة الفارغة أمامها بينما كان المحاضر يتلو محاضرته. سجلت بعض الملاحظات التي وجدتها مفيدة، ولكنها لم تكن جديدة عليها. وبعد أن انتهى من محاضرته، صفق له الحاضرون واغتنمت لين هذه الفرصة فنظرت بسرعة الى المنصة. كان كريس ينظر اليها نظرة تساؤل مستغرباً تصرفاتها وقد وجمت وأجفلت وازدادت ضربات قلبها سرعة.
نهض عريف المؤتمر من جديد وعرف كريس قائلاً:
-نختتم المؤتمر بمحاضرة الاستاذ كريستوفر يورك وعنوانها: لنعط اللغة الانكليزية الحياة...
نهض كريس وبدأ يتكلم بطلاقة وثقة. كانت اين تراقبه وقد تبخرت كل مقاومة او تصميم على كرهه. بل على العكس وجدت انها تشعر بفخر واعتزاز كبيرين. كان متمكناً من قوله وقد سيطر سيطرة تامة على انتباه المستمعين وتفكيرهم.
بدأت الكلمات تدخل عقلها الواعي. لم تصدق أول الامر ما كانت تسمع. كانت تنظر اليه مشدوهة وتحاول ان تقرأ تحركات شفتيه بعينيها حتى تفهم كل كلمة ينطق بها.
كانت كل أفكاره تدعم أفكارها، وكل آرائه في طرق التعليم الحديثة هي نفس آرائها. لقد بذل جهده في تطوير التفكير الجديد لمعلمي اللغة، وحثهم على تقبل الوسائل الحديثة في التدريس. ودعم جهود المعلمين المتخرجين حديثاً والذين يكابدون الأمرين في محاولتهم تطوير طرق وأساليب التعليم بعقلية جديدة رغم المعارضة.
ولفت النظر الى معارضة الأهالي وكذلك الى معارضة المعلمين التقليديين الكبار والذين يجدون صعوبة في تغيير طرقهم واتباع الطرق الحديثة. لقد آمن بكل شيء كانت تؤمن به هي في الماضي، وكانت تظن انه يعارضه بل ينعته بطيش الشباب وتهوره.

فداني الكون0 23-09-11 10:03 PM


نجح في أن يجعل الحياة تدب في المؤتمر كله من خلال محاضرته. ثم أكمل يقول:
-انني مفتش في وزارة التربية واستطيع ان أرى الموضوع برمته بشكل عام. انني اراقب الجميع (ضحك المستمعون لتعليقه). يجب ان ترتكز اللغة على وسائل تعليمية حديثة. عليها ان تنطلق بعيداً عن الطرق التقليدية المتبعة والتي عفى عليها الدهر. علينا ان نلتفت الى الطرق الحديثة في التفكير والبحث. وما هو دور المعلم هنا؟ من الواضح انه ليس انساناً آلياً (ضحك الجميع لهذا التشبيه) درب على ايصال معلومات معينة ومبرمجة. يحمل الطبشور في يده وصوته مرتفع ويملك القليل من الخيال. بل هو المرشد والقائد والمراقب، تقع على عاتقه مهمة اذكاء الانتباه وارساء الاهداف السامية واستعمال الخيال الواسع في البناء والعطاء. على المعلم ان يملك الارادة ليستطع التغيير. عليه ان يؤمن بالآراء الجديدة دون شك.
ثم ختم محاضرته قائلاً: منتديات ليلاس
-ان طرق تعليم اللغة يجب ان تتبدل. علينا ان نتخلى عن الطرق التقليدية القديمة البالية ونرتكز على اسس جديدة تتمشى وحاجات الجيل الجديدة... جيل الانفتاح والتكنولوجيا... جيل عصر الفضاء.
جلس كريس مكانه خلف المنصة وسط التصفيق الحاد المتواصل. هلل له بعض الاساتدة من الشباب مستبشرين خيراً بمساندته العلنية لهم ووقوفه الى جانبهم في هذا الموضوع الشائك.
وصفقت لين اعجاباً. نظرت اليه والتقت نظراته المتسائلة. ابتسمت له ابتسامة عريضة كأنها تقول له: اشكرك كثيراً لدعمك المعنوي لي. لقد رددت الي ثقتي بنفسي وايماني بطرقي في التدريس.

فداني الكون0 23-09-11 10:04 PM


وبعد ان هدأ التصفيق نهض عريف المؤتمر وأعلن انتهاء المؤتمر التربوي وتمنى ان يكون الجميع قد استفادوا بطريقة او بأخرى من ايام المؤتمر الخمسة الماضية.
تركت لين مقعدها وخرجت مع الآخرين. وأخبرت جون الذي كان يمشي خلفها أنها ستأخذ القطار على الفور. خاب أمله كثيراً لأنها لن تتناول طعام الغذاء برفقته كما كان يتمنى.
-اعطيني عنوانك يا لين. ربما نلتقي في يوم من الايام مع انني اعتقد انك ستتزوجين في القريب العاجل. ومن الواضح الآن ان خطيبك يوافقك الرأي في كل افكارك بصدد التعليم.
صعقتها كلماته وشعرت ببعض التشنج والانفعال. اخيراً... تتوافق آراؤها مع آرائه في وسائل وطرق التعليم الحديثة. ضحكت ضحكة هستيرية وقالت:
-أوه. لا أعرف... ولكنني سأعطيك عنواني.
زكتبت له عنوانها في كنت على غلاف برنامج المؤتمر.
صافحته مودعة وحملت حقيبتها من غرفة المعاطف الى سيارة الاجرة التي كانت تنتظرها في الخارج، بعد أن سلمت مفتاح غرفتها والرسالة التي كتبتها لكريس الى السكرتيرة. ورجتها ان تسلمها له بعد الغداء. نظرت حولها تتأكد من أن كريس لم يرها. ثم دخلت السيارة وأعطت السائق وجهة سيرها وارتمت فوق المقعد مجهدة...
جلست لين في القطار شاردة ساهمة وهو يسرع باتجاه الجنوب. كانت كريشة في مهب الريح تتقاذفها شتى الافكار. تذكرت كلمات الاغنية التي كتبها الشاعر الهندي طاغور والتي تقول:
-لا تذهبي يا حبيبتي دون ان تخبريني....
رددت كلمات الاغنية في عقلها وامتلأت مآقيها بالدموع. لقد ذهبت دون ان تخبره...
كانت عواطفها كالبحر الهائج تتصارع في داخلها، وفي عقلها اسئلة متعددة لا تجد لها أجوبة: لماذا لم يخبرها بخبر خطوبته لانجيلا؟ لماذا كان يتهرب من الاجابة عن اي سؤال حول علاقته بها؟ لماذا نفى حقيقة خاتم الخطوبة الذي كان في اصبعه؟
كانت لين تحدق عبر النافذة ولكنها لا ترى شيئاً. وكان الركاب يمرون بها دون ان تلحظهم.
كان تفكيرها ينصب على كريس: ربما يكون قد انتهى من تناول غدائه، وهو ينتظرها الآن في المدخل الرئيسي. كيف سيكون شعوره عندما لا يجدها؟ هل سيغضب او يثور؟ هل سيفقد رباطة جأشه؟ هل سيسر لأنه لن يتكبد مشقة احتمال رفقتها لساعات عديدة ولمسافات طويلة؟

فداني الكون0 23-09-11 10:13 PM


شعرت بالجوع يداهمها. بحثت في حقيبة يدها عن أي شيء تأكله، ووجدت قطعة شوكولاته صغيرة في زاوية حقيبتها. اكتفت بها وفضلت ان لا تتكلف مشقة السير الى مقصورة الطعام. أغمضت عينيها من شدة التعب والألم وغفت لفترة طويلة. واستفاقت قبل قليل من وصول القطار الى المحطة الرئيسية في لندن.
دخلت الحمام وغسلت وجهها بالماء البارد، وحاولت ان ترتب زينتها وتمشط شعرها وبذلك انتعشت قليلاً. وبعد أن وصل القطار الى المحطة الرئيسية في لندن.
دخلت الحمام وغسلت وجهها بالماء البارد، وحاولت ان ترتب زينتها وتمشط شعرها وبذلك انتعشت قليلاً. وبعد أن وصل القطار الى المحطة نزلت تحمل حقيبتها واتصلت هاتفياً بمنزل والديها لتخبرهما بوصولها قبل الموعد.
منتديات ليلاس
دخلت منزل والديها وهي متعبة ومجهدة، وارتمت بين احضان والدتها.
-يبدو عليك الارهاق يا صغيرتي.
نظرت والدتها ورأت دموعها تملأ مآقيها.
-كنت انتظر ان اراك في حال أفضل بعد قضاء عطلة قصيرة في المؤتمر التربوي. تعالي اخبريني ما الأمر؟
أطل والدها من مكتبه ورحب بها قائلاً:
-اهلاً وسهلاً يا صغيرتي. انني كالعادة في مكتبي أصحح دفاتر تلاميذي. اخبريني هل كان المؤتمر ناجحاً؟
-نعم. كان المؤتمر جيداً ولكنه لم يحقق غايته المنشودة.
قالت والدتها بتعجب:
-لماذا أنت متعبة الى هذا الحد؟ هل من مشكلة؟
-لا يا أماه. اريد فنجاناً من الشاي. سأصعد الى غرفتي وأفرغ حقيبتي بينما تحضرين لي الشاي.
-طبعاً. سأحضر الشاي الى غرفتك.
أمطرها والدها وابلاً من الاسئلة حول المؤتمر والمحاضرات. وتحدثت معه بطلاقة وعفوية وقد ساعدها الحديث على استعادة توازنها.

فداني الكون0 23-09-11 10:17 PM



أحضرت والدتها الشاي ووضعته قربها فوق المنضدة وجلست قائلة:
-هيا يا لين. تكلمي واخبريني القصة بحذافيرها.
-اعتقد يا أماه انني لن استطيع ان أخفي عنك أي شيء...
وببطء واختصار أخبرتها لين مقاطع متفرقة من القصة. اختلطت الحقيقة على والدتها لأنها سمعت أجزاء من الحقيقة ولم تسمع الحقيقة الكاملة. ولكنها لم تستفسر منها او تطلب المزيد من التفاصيل بل فضلت أن تتركها على هواها. حاولت ان تهدئ من روعها وأبدت بعض الشفقة على حالها والأمل في عودة المياه الى مجاريها بينها وبين المفتش. ولكن لين كانت تعرف حق المعرفة ان القصة بالنسبة لها انتهت وانطوت صفحتها الى الأبد.
شعرت لين بتحسن كبير في نفسيتها بعد أن افرغت جبعتها وألقت ببعض همومها على كتفي والدتها. ثم التفتت اليها وأخبرتها ان الجوع قد تمكن منها كثيراً. هللت والدتها فرحاً وأسرعت تطمئن صغيرتها قائلة:
-لا تحزني يا صغيرتي. ستنسين هذا الرجل مع الوقت. في المستقبل ستتساءلين لماذا أحببته؟ لقد آلمك كثيراً. لم يكن صريحاً معك، ولا يستاهل حبك ومن الأفضل ان تخرجي من حياته.
هزت لين رأسها موافقة وابتسمت لرأي والدتها.
نامت تلك الليلة ملء جفونها. كانت أحلامها كلها تقتصر على كريس. جرحها لا يزال ينزف ومع مرور الزمن ستشفى من جراحها. وربما ستبقى علامات ظاهرة لهذا الجرح، لكنه سيلتئم وستطوي الأيام ذكرى كريس كذلك.

فداني الكون0 23-09-11 10:19 PM

انتهى الفصل الثامن

فداني الكون0 23-09-11 10:23 PM


9-منذ الآن...

الزمن دواء للنسيان والزمن يداوي كل الجراح ولكن لين لم تشعر بأية راحة بعد وصولها الى منزل والديها في كنت. وفي نهاية الاسبوع كانت لا تزال تئن من جراح قلبها وتشعر بكآبة وحزن عميقين. وقد ازداد حنينها للرجل الذي احبته بكل جوارحها هي تحاول يائسة ان تنساه. بدأت تستعيد الحقيقة في ذهنها. وصممت ألا تراه مرة ثانية. حتى ولو قابلته صدفة فلن يربطها به رابط. لقد انهكت قواها تلك الحقيقة وغمرها الألم بشدة.
ومع مرور الايام بدأ قلقها يزداد ونفسيتها تتحطم وأعصابها تزداد توتراً وتشنجاً. قررت أن تهرب من مشاكلها وتقصد الحديقة الصغيرة حول المنزل تتلهى بالاعتناء بها. ربما سيبعد الضجر بهذا ولو قليلاً عن حياتها. لقد بقيت حزينة كئيبة منذ ودعت كريس لآخر مرة في منزل والدته.
منتديات ليلاس
أمضت يوم السبت بعد الظهر في الحديقة. بقيت ساعات وهي تركع امام مدخل الباب الخارجي في الفسحة الأمامية للمنزل تعشب حوض الورود وتشذبه من الحشائش الغريبة. كانت ترتدي بنطالها الاحمر والبلوزة الحمراء، وتأسف لأنها مضطرة لارتدائهما للعمل في الحديقة، لأن الآخر لا يزال في سيارة كريس حيث تركته. ومن المؤكد انه سيرسله لها الى عنوان شقتها في ميلدنهد.

فداني الكون0 23-09-11 10:25 PM


كانت تجلس القرفصاء وتنظر بفخر الى ما انجزته من عمل في تنظيف احواض الزهور. واذا بسيارة تسير ببطء بالقرب منها ثم تتوقف. تنهدت لين راضية عن عملها في الحديقة وخلعت قفازاتها الخاصة بالعمل، واذا بها تسمع وقع أقدام في الممر المؤدي الى المدخل. لم تنظر لترى لأنها كانت تعتقد ان الزائر يريد والدتها.
فجأة توقف وقع الاقدام وسمعت خشخشة الاعشاب كأن احداً يقترب منها. نظرت وللحال توترت أعصابها وحبست انفاسها... لا بد وان خيالها يصور لها ما تراه بعينيها... أنه امامها. هل من المعقول ان يحضر كريس الى كنت وكيف له ان يعرف عنوانها ليلحق بها؟
وقف كريس أمامها بشحمه ولحمه. أجالت بصرها فيه واستقرت عيناها على تقاسيم وجهه فانتابتها للحال رعشة خفيفة. وشعرت بدوار مفاجئ وكادت تسقط على الارض لو لم يتداركها كريس بيديه القويتين ويمنعها من السقوط. فتحت عينيها ونظرت اليه بذهول وهي لا تصدق وقالت بصوت خافت:
-كريس....

فداني الكون0 23-09-11 10:28 PM



ربما لم يسمع صوتها وهي تناديه... ولكن السعادة العارمة ملأت كيانها. لقد لحق بها. انها لا تحلم. انه امامها وتستطيع ان تلمسه وتحسه.
-لين؟ آسف لأنني فاجأتك على هذا النحو.
منتديات ليلاس
نظر اليها ملياً. وتوقف عن الكلام. كان يحاول ان يعب بخياله تفاصيل وجهها وتقاسيمه. وأمسك بها ولكنها بسرعة فائقة استجمعت قواها وحاولت ان تخفي حقيقة شعورها نحوه تحت ستار من عدم الاهتمام. وضعت فوق عينيها ستاراً يخفي فرحتها بعودته. ثم تكلمت اخيراً:
-كيف تمكنت من الحصول على عنواني في كنت؟
-بطرق ملتوية وشيطانية. أولاً سألت السيدة التي تسكنين عندها. اخبرتني بعد ان فتشت عن العنوان يميناً ويساراً انها أضاعته، ولكنها أكدت لي انه يقع في كنت وفي شارع يبدأ بحرف (س) واقترحت سفن- أوكس وسوانلي وشورهام. اتصلت بعد ذلك. بماري ولكن السيدة التي تقطن عندها اخبرتني أنها مسافرة وكذلك أخبرتني بأنباء سارة عنها... هل تعلمين انها تزوجت وأنها مسافرة في رحلة شهر العسل؟
-شهر العسل؟ اذن تزوجت ماري. لم اكن أعلم ولكنك تستطيع الآن ان تخبرني باسم عريسها أليس كذلك؟
-نعم. ربما تعرفينه. انه مدير مدرسة ثانوية في ضواحي ميلدنهد. رجل مرح المحيا واسمه توم فارو. أرمل وناجح في عمله. كنت أزوره في مكتبه بعد الدوام المدرسي حين التقيت ماري عنده وسمعت قصتهما.

فداني الكون0 23-09-11 10:31 PM

.
تذكرت لين انها رأتهما ليلة الحفلة الموسيقية يتكلمان سوية في مؤخرة القاعة وقالت:
-اعتقد انني رأيته دون أن انتبه الى انه العريس. كم انا سعيدة من أجلها. واخيراً انتهت الامور معها كما تشتهي.
-أنا اوافقك الرأي. انها فتاة طيبة وتستاهل السعادة والخير... لأعد الآن الى موضوع عنوانك... بدأ اليأس يتسرب الى نفسي ولكن فكرة جديدة لمعت في خاطري. اتصلت بصديقك الصحافي طوني ارنولد وطلبت مساعدته. قال انه لا يعرف عنوانك ولكن لديه صديقاً صحافياً يعمل في كنت في جريدة محلية ويعرف كل اخبار المنطقة ولا يفوته سراً من أسرارها. طلب مني ان أعطيه مهلة يومين فقط ليعود بالعنوان. وبالفعل عاد الي ومعه ستة عناوين لآل هيوليت. ولقد وجدتك اخيراً في عنوان شورهام.
نظر اليها نظرة متفحصة وقد تغيرت تعابير وجهه على الفور وهو يقول:
-أشكرك يا لين على هذا الطقم. انه يلفت الانظار ويلمع وسط الحديقة كالفنار وبفضله اهتديت الى وجودك. لقد عدت خائباً بعد ان زرت ثلاثة من آل هيوليت ولا تتصوري فرحتي حين رأيتك بهذا الطقم الاحمر قريباً من العنوان الذي أقصده.
ابتسم كريس لها ابتسامة عريضة مغرية فقفز قلبها من مكانه. لاحظت لين ان والدتها تقف في مدخل المنزل تراقب باستغراب الرجل الغريب الذي حضر على غير موعد. قالت لين تخاطبه:
-تعال يا كريس لأعرفك الى والدتي. أماه، أقدم لك كريس يورك.
نظر كريس الى والدتها وهي تقف امامه. كانت سيدة تميل الى البدانة قليلاً بل هي ممتلئة الجسم. شعرها رمادي وعيناها حادتان. لاحظ كريس انها تصغر والدته قليلاً.
نظرت اليه السيدة هيوليت باستغراب كلي وهي تقول:

فداني الكون0 23-09-11 10:34 PM


-أنت الاستاذ يورك؟ لابد وأنك أصغر بعشرين عاماً مما وصفتك لين.
نظرت لين الى كريس ذات معنى وضحكا على الفور.
-انا لم افعل أي شيء من هذا القبيل يا أماه. انت التي تخيلته على هذا النحو عندما حدثتك عنه.
-يا ابنتي العزيزة، من الواضح الآن ان الذي لم تقوليه هو المهم. أهلاً وسهلاً بك بيننا يا استاذ يورك. هل كانت ابنتي تنتظر وصولك؟
نظر كريس الى لين نظرة ذات معنى قبل ان يجيب:
-لا. لقد حضرت دون موعد.
-تفضل ادخل وتناول الشاي معنا. تفضل الى غرفة الجلوس.
التفتت تخاطب لين:
-نادي والدك ليحضر ويتسلى بالحديث مع الاستاذ يورك بينما تساعدينني في تحضير الشاي.
-اسمي كريس يا سيدة هيوليت.
-لا بأس يا كريس. سأناديك بهذا الاسم كما ترغب. أقدم لك زوجي نورمان. نورمان... هذا كريس يورك.
سر الاستاذ هيوليت من هذه المفاجأة وقال:
-أنت لا تشبهه...
منتديات ليلاس
ضحك الجميع مرة ثانية. مشى والد لين الى النافذة وسأله:
-هل هذه الروفر الحمراء سيارتك يا استاذ يورك؟
أجابت لين بسرعة قائلة:
-انها سيارة سريعة ومريحة وسلسة القيادة.
-هذا كرم منك يا استاذ يورك ان تأتمنها على قيادتها.
-لقد سمحت لها بقيادتها لأنني كنت أثق بها في وقت من الأوقات.
نظرت لين الى وجه كريس ووجدت ان الغضب قد اعتراه. ارتعشت قليلاً وتمنت أن يخفي الأمر عن والدها.
-حسناً يا استاذ يورك. علينا الآن ان نبعد سيارتك عن المدخل لأنني وزوجتي على موعد لقضاء السهرة في الخارج. سأخرج سيارتي من المرآب وتضع انت سيارتك مكانها.
انتظر كريس قليلاً قبل ان يلحق بوالدها الى الخارج. ونادى لين قبل ان تدخل الى المطبخ لتساعد والدتها قائلاً:
-لقد جلبت لك ثيابك يا لين.
ثم خفض صوته كثيراً حتى لا يسمعه أحد وقال ساخراً:
-أردت ان احتفظ بها ذكرى حبيبة لمغامرة عاطفية، ولكنني عدلت عن هذه الفكرة. بعض الذكريات تصبح بلا قيمة مع مرور الوقت وحسب الظروف. الا توافقين؟
وقبل ان تتمكن من ان تسأله تفسيراً لقوله خرج في اثر والدها. بدأت دموعها تنساب دون ارادتها وهي تستغرب من جديد رغبته الجامحة في التجريح. ماذا فعلت له؟ انه سيتزوج انجيلا وهي ستبقى وحيدة مع حبها... دخلت لتساعد والدتها في المطبخ.

فداني الكون0 23-09-11 10:38 PM



سألتها والدتها بعد تردد:
-هل هذا الشاب هو الذي سبب لك وجع القلب وعذابه؟
هزت لين رأسها موافقة ولم ترفع نظرها عن الخبز الذي كانت تقوم بتقطيعه.
-وماذا حصل؟
-لقد أخبرتك يا اماه. خطب فتاة غيري واسمها انجيلا كاستللا.
-هل ما تقولين حقيقة (قالت والدتها مستغربة ما تسمع) وهل تقصدين المغنية الشهيرة؟
-نعم يا أماه. انه يعرفها من سنين عديدة. لقد تابعا دراستهما سوية في كلية الموسيقى والفنون الجميلة. كريس يعزف على البيانو منذ فترة من الزمن. ربما تكونين استمعت اليه. انه مشهور جداً في شمال البلاد ويسمي نفسه ماركوس الدرمان.
-طبعاً استمعت اليه. انه عازف ماهر. كما استمعت الى بعض اسطواناته المسجلة.
-ولديه أسطوانات مسجلة؟ لم يخبرني بذلك.
-انه رجل متواضع... هل أنت واثقة من أنه سيتزوج انجيلا؟
-والدته اخبرتني ذلك بنفسها. لقد بحث واياها ترتيبات زواجه المقبل خلال هذه العطلة. وعلمت منها انهم ينتظرون عودة والده من الخارج لإتمام الاجراءات الضرورية.
-انت تذهلينني. انه ينظر اليك بحنان ومحبة صادقة لا تخفى على أحد، ولا يعقل ان يكون على وشك الزواج من غيرك. إما ان يكون مخادعاً أو ان هنالك بعض الالتباس.
بقيت لين صامتة خلال تناول الشاي بينما الحديث يدور بين الآخرين. عادت الى أحلام اليقظة السعيدة. كانت تحاول جاهدة ان تنسى كل لحظات التعاسة التي مرت بينهما، وتسعى لأن تبقي ذكرى هذا اللقاء بينهما من أسعد لحظات حياتها...

فداني الكون0 23-09-11 10:41 PM

...
نظرت والدتها اليها وقالت:
-انا ووالدك على موعد لزيارة آل براون هذا المساء... وانتما ماذا ستفعلان؟
نظرت لين تستطلع رأي كريس بهذا الامر. فقال بلهجة آمرة:
-هل استطيع يا لين ان أحدثك قصيراً في موضوع هام قبل أن ارحل؟
-طبعاً. انا باقية في المنزل ولن ارافق والدي في زيارتهما.
توترت أعصابها من جديد وتذكرت يوم طلبها للاجتماع في مكتب مدير المدرسة. تذكرت كرهها للمفتشين قاطبة ونظرت الى والدتها التي كانت تراقبها بتمعن.
منتديات ليلاس
وبسرعة وتبت لين الطاولة ونظفت فناجين الشاي ونشفتها بمساعدة كريس. كانا يعملان معاً بتعاون وتفاهم. غمرتها السعادة وأحست انهما متوافقان ولن يفرقهما أي شيء في الوجود. ربما سيتبخر حلمها ويصبح أشلاء مبعثرة في خيالها بعد ان يرحل كريس الى الأبد...
جلس كريس ينتظرها في غرفة الجلوس. وتحدث مع والدها بينما كانت والدتها تكمل ارتداء ثيابها للخروج. سر والدها من حديثه مع المفتش وسأله عن طبيعة عمله وسلطاته وواجباته.
جلست لين بالقرب من النافذة تستمع اليهما بفخر واعتزاز. كانت تحلم ان يصبح كريس فرداً من أفراد عائلتها وأحست ان والدها يرحب بوجوده كصهر له.
استجمعت لين شتات افكارها وحاولت طرد هذه الاحلام السعيدة من خاطرها. كان كريس يقف وظهره اليها، ولكنه يملك قوة سحرية في قراءة افكارها دون ان ينظر اليها.
قالت والدتها بعد ان اصبحت جاهزة للخروج:
-وداعاً يا كريس. لقد سررت بلقائك (مدت يدها تصافحه مودعة) ربما نلتقي من جديد.
نظر كريس اليها نظرة معبرة وهو يؤكد لها انهما سيلتقيان. قال والدها مودعاً:
-وداعاً يا بني.
بقي كريس قرب النافذة ويداه في جيوبه يراقب انطلاق السيارة بعيداً عن المنزل. انزوت لين في مقعدها وران صمت ثقيل كأنه ضباب خانق. ارتعشت لين وأحست بالبرودة تلف عظامها. وبعد قليل وجدت انها لن تستطيع ان تحتمل المزيد من الصمت وقالت:
-كريس. هل وصلتك رسالتي؟
أجابها دون ان ينظر اليها:
-نعم. استلمتها. وحتماً لم تنتظري جواباً مني عليها.
-ولماذا لحقت بي الى هنا يا كريس؟ لتخبريني بموعد زفافك ام ربما لتدعوني اليه؟
التفت اليها بسرعة وقد اكتسى وجهه بالأسى وانهال عليها بكلماته القاسية كأنها الطوب.

فداني الكون0 23-09-11 10:44 PM


-سخريتك هذه لن تزيل الجفاء بيننا. ربما تعتقدين أنك المجروحة والمتألمة ولكنني في الحقيقة انا الذي جرح وأهين.
-أنت؟ وكيف؟ لقد أخبرتني والدتك –أنت لم نخبرني الحقيقة- عن موعد زواجك المرتقب من انجيلا...
-أتذكرين يا لين موقفنا العاطفي... يومها أكدت لي انك تثقين بي ثقة عمياء. قلت لك يومها: تذكري كلماتك تلك دائماً يا لين لأنها ركن حصين في طبيعة علاقتنا وارتباطنا في المستقبل... وعند الاختبار وجدت انك لا تثقين بي كما كنت تقولين... اخبريني ارجوك... لماذا هربت من مقابلتي في قاعة المحاضرات في المؤتمر؟ لم تحاولي ان تعتذري او ان تشرحي لي اسباب تصرفاتك غير المقبولة. انا لم أتصورك في يوم من الأيام فتاة جبانة... ربما أردت العودة بسرعة الى خطيبك؟
-خطيبي؟ من تقصد؟
-كيف؟ وهل لديك أكثر من خطيب واحد؟ انني أعني كين مارشال المعلم الذي أخبرت والدتي عنه. هل نسيته؟
-انا قلت ذلك لأنني...
توقفت عن اتمام كلماتها. وما الفائدة الآن؟ كانت تريد ان تقول: قلت لوالدتك ذلك لأنني أردتك ان تنساني وتتزوج انجيلا دون ان يزعجك ضميرك. ولكنها لن تتفوه بكلمة وظلت صامتة.
-هل رأيت كين بعد عودتك؟
-لا. سأتصل به هاتفياً عندما أصل الى ميلدنهد في صباح الغد. سأجتمع به غداً وأخبره جوابي.
-اعتقدت انك اتصلت به...
-لا. لم لأقرر بعد...
-وهل قررت الآن؟
-نعم.
-الظاهر انني حضرت في الوقت المناسب لأهنئك!
-تهنئني؟ على ماذا؟
نظر الى ساعته وقال:
-لا فائدة بعد من بقائي. علي ان أرحل فطريقي طويل.
-ستذهب؟
-نعم. وداعاً يا لين. أشك ان نلتقي مرة ثانية.

فداني الكون0 23-09-11 10:48 PM


مشى بسرعة وحزم باتجاه الباب الخارجي. ولم تتحرك لين لتراه الى الباب، لأن رجليها لم تسعفاها. لم تقو على الوقوف. وابيض وجهها بشدة. كانت تنظر اليه ذاهلة وهي لا تصدق الحقيقة المائلة امامها. سيخرج كريس من حياتها الى الأبد ولن تراه بعد اليوم...
-لماذا نتجادل من جديد يا كريس؟ لماذا ترتفع العوائق بيننا؟
امتلأت مآقيها بالدموع. اغمضت عينيها وغطتهما بيديها وقالت:
-اتمنى لك ولانجيلا حياة زوجية سعيدة. وداعاً وداعاً يا كريس.
-ولكنني لن اتزوج انجيلا يا لين!
نظرت اليه بذهول وكأنها وقعت تحت تأثير قوة سحرية وتمتمت:
-وجوابي الى كين سيكون لا. لن أتزوجه ايضاً.
تسمر كريس فس مكانه. مرت سيارة مسرعة امام المدخل ونبح كلب في الخارج، وغنى طفل صغير في الجوار أغنية سعيدة... عاد كريس ادراجه ببطء. مشى اليها نظرة حانية ويبتسم لها ابتسامة رضى. وفتح ذراعيه ليحتويها قائلاً:
-يا فتاتي الحبيبة. وماذا تنتظرين اذن؟
منتديات ليلاس
شعرت كأن قوة لا مرئية قد جذبتها اليه. ونهضت تلقائياً فرمت بنفسها على صدره وطوقها بذراعيه وهو غير مصدق، يمعن النظر في عينيها ليتأكد. التقت النظرات وتصافت القلوب وغمرتها سعادة لا توصف. لامست شفتاه خديها وأجفانها وجيدها بحنان ورقة لم تعرفها من قبل.
-يا حبيبتي الغالية. كم أحبك وكم اريدك. سأتزوجك بالرغم من كل شيء.
حملها ودار بها فرحاً يكاد يطير والدنيا لا تسعه. ثم عانقها بقوة كادت تخنق انفاسها.
-قولي انك تحبيني كما أحبك. قولي انك ستتزوجينني.

فداني الكون0 23-09-11 10:50 PM


تمتمت له بالكلمات التي أراد سماعها وجلس واياها على المقعد. وعاد يعانقها من جديد. مرت دقائق وهما على هذه الحال... وبعد ان استطاعت ان تتكلم بكلمات مفهومة قالت:
-ولكن والدتك اخبرتني انك ستتزوج انجيلا...
-يا حبيبتي الغالية، والدتي كانت مخطئة. ليس من حقها ان تحدثك بهذا الموضوع. انا لم أكتشف ما دار بينكما من حديث الا حين عدت غاضباً الى المنزل بعد ان استلمت رسالتك... أعماني الغضب وصبرت والدتي على ثورتي واخبرتني فحوى الحديث بينكما... وكان لا بد من ان أسامحها في النهاية. كنت قد بحثت معها ترتيبات زواجي المرتقب. كنت أعنيك أنت ولم اقصد انجيلا. لم استطع ان اسميك لها لأنني لم اطلب منك ان تتزوجيني بعد. وكنت أنوي ان اتقدم منك بهذا الطلب ونحن في طريق العودة، ولهذا السبب كنت متشوقاً لمرافقتك... على كل حال لقد تزوجت انجيلا وانتهت مشكلتنا معها.
-انجيلا! تزوجت؟
-نعم تزوجت من مدير أعمالها فرنسيس بولتون منذ اسبوعين. قابلتها الأحد الماضي لأول مرة ولهذا السبب تأخرت عن موعدك ولم استطيع ايصالك الى قاعة المحاضرات كما وعدتك. تزوجا بالسر وقررا أن لا يذيعا النبأ قبل إعلامي به اولاً. سأشرح لك الامر بعد قليل لأنني كنت مرتبطاً بها صورياً في السابق.
مر بيده على شعرها ثم قبلها قبلة حانية فوق جبينها:
-كنا صديقين صغيرين. كانت انجيلا تهتم بمهنتها كثيراً وتود ان تنجح في عملها قبل ان تقبل أي ارتباط عاطفي. طلبت مني ان نعلن خطوبة صورية بيننا على الرأي العام، وهذا يساعدها في مهنتها ويبقي حياتها الخاصة في منأى عن الصحافة والمجلات والأخبار. ومع الوقت اكتشفنا ان هذه الخطوبة الصورية تساعدها في الدعاية. ولما كنت انا خالي الفؤاد رضيت أن ألعب معها هذا الدور. لم أكن بعد قد عرفت الحب والأحلام الوردية فلم أمانع. واخيراً التقيت معلمة اللغة الانكليزية وأنا أقوم بجولة تفتيشية في احدى المدارس... كانت شابة جميلة وذكية للغاية وسلبت فؤادي منذ أول لقاء لنا، يوم اصطدمت بي وضربتني على معدتي... عرفت انها الفتاة التي أرغب ان اتزوج منها.
وبسرعة استدار وحملها من جديد بين ذراعيه. لفت يديها حول عنقه وتعانقا وغابا عن الوعي. ودام الصمت بينهما لفترة طويلة... طويلة.
وبعد فترة نظرت لين اليه بعينيها الحالمتين وقالت:

فداني الكون0 23-09-11 10:52 PM

-اخبرني بقية القصة. اخبرني لماذا ابتهجت برؤية انجيلا يوم الأحد في منزل والدتك.
-يا حبيبتي الوحيدة... ان رؤية انجيلا وفرت لي فرصة التفاهم وإياها حول فك ارتباطي الصوري بها. لقد كتبت لها رسالة اخبرها فيها عن حبي لك. كنت أعلم انها تزوجت ولكن والدتي كانت تجهل هذه الحقيقة، وتجهل ايضاً ان خطوبتنا كانت صورية تخدم أهداف النشر والدعاية لانجيلا. ولذلك سامحتها لأنها اخبرتك بأنني سأتزوج من انجيلا... نحن لم نطلعها ابداً على سر الخطوبة الصورية ولذلك ترين صورها في كل مكان من المنزل. هذه الصور تجعل من الأكذوبة حقيقة واقعة... هل تصدقينني؟
-نعم يا كريس. انني أصدقك.
نظرت اليه بدلال وأكملت:
-انا لم اشكرك بعد على دعمك المعنوي لي في محاضرتك بالمؤتمر يوم الثلاثاء... لم أصدق ما كنت اسمع...
-حان الوقت لتتذكري ذلك يا حبيبتي.
وضربها ضربة خفيفة مرحة على قفاها: منتديات ليلاس
-وهل تعرفين انني يوم دخلت صفك مفتشاً وشاهدتك تقومين بعملك التدريسي وجدتك أذكى معلمة صادفتها خلال حياتي المهنية؟ كان الأمل يتدفق منك، وكنت ممتلئة بالآراء الجديدة والحماس المنقطع النظير لدرجة كبيرة. لقد كرست نفسك لهذه المهنة ووهبتها كل عطائك.
-ولكنك تسببت لي في ألم وحزن كبيرين. كدت تفقدني ثقتي بنفسي وبمقدرتي على التدريس الجيد.
-وهل تعتقدين انني لم الحظ ذلك؟ يا حبيبتي الغالية، كنت يومها أجلس مع المدير وأجد نفسي مجبراً على معارضتك... لقد قاتلت بشدة كاللبؤة التي تدافع عن صغارها. كنت تدافعين عن مبادئك وأفكارك الجديدة. وكلما اشتدت مقاومتك كلما اضطررت ان اجابهك بشدة وضراوة. وفي النهاية تحولت الى وحش كاسر قبل أن تعلني الهزيمة أمامنا... وعندما خرجت من الاجتماع ورأيتك تبكين لم استطع ان أضمك بين ذراعي لترتاحي، ولأحميك من الكواسر الذين تحلقوا حولك. وجدت نفسي حزيناً حزناً لا يوصف، وقد أنبني ضميري طلية ليال كثيرة على فعلتي.

فداني الكون0 23-09-11 10:56 PM


-ولكن لماذا فعلت ذلك يا كريس وأنت تؤمن مثلي بصلاح ما كنت أقوم به؟
-الظروف أجبرتني على ذلك. نصيحتي لك كانت صرورية في مثل ظروفك. لقد سبقت عصرك بتفكيرك. وكنت شابة صغيرة جديدة متحمسة. ان جهودك الفردية لن تستطيع ان تؤتي ثمارها في محيطك التقليدي. المعارضة حولك من كل حدب وصوب... زملاؤك وبعض الاهالي والرأي العام. كانت جهودك ضائعة كصرخة في واد. زملاؤك المعلمون يتبرمون لأنك تنافسينهم وتتفوقين عليهم بمقدرتك. وهم لا يفهمون طريقتك. كما ان الاهالي يخافون خوض تجربة جديدة لا يعرفون نتائجها مسبقاً، ويخافون على فلذات أكبادهم من تجربة فاشلة. ومديرك لا يحب التغيير ولا يستطيع التأقلم بسرعة... يومها سألتك بكل صدق: لماذا لا تنتقلين الى مدرسة اخرى تتقبل طرقك الجديدة بصدر رحب؟ يومها كنت أرشدك الى الطريق الصحيح... حتى تهكم زملائك المدرسين لم يفتني.
-مرت ساعات في حياتي كنت اعتقد فيها انك تكرهني يا كريس.
-أنا اكرهك؟ أنت أحب انسان عندي. هل تعتقدين انني كنت اتودد اليك بكلمات الحب وتعبير الحنان لو لم أكن لك الحب الخالص، ولو لم أكن جاداً في علاقتي بل وأريد ان أربط حياتي بحياتك؟
-لم أكن أفهم مواقفك على حقيقتها يا كريس.
-لا بأس الآن. لقد أحببتك منذ أول مرة رأيتك فيها. أحببتك وانا اسمعك تقولين لكين انك تكرهيني.... أحببتك بوقاحتك التي لا تحتمل... هل هذا يرضيك؟
نظرت اليه بطرف عينها وقالت:
-وتلك السهرة بعد الحفلة الموسيقية؟

فداني الكون0 23-09-11 10:59 PM


-آه. كانت تلك السهرة بداية اكتشافي لحقيقة شعورك نحوي. يومها تأكدت من حبك لي...
حاولت لين ان تتهرب من عناقه ولكنه أطبق عليها دون هوادة. ثم أكمل:
-كان علي يومها ان أعانقك قسراً لأبرهن لنفسي انك تبالينني حبي... ثم رحلتنا الى المؤتمر في الشمال... كان الجفاء بيننا مستحكماً فاستعملت نفوذي ومركزي دون مواربة لأحصل منك على الموافقة. اتصلت بك هاتفياً بواسطة المدير وجعلت الرحلة برفقتي واجباً عليك. قمت بعملية خطف مقبولة يا حبيبتي. وهل تذكرين الحديث الهاتفي الذي دار بيننا؟
-وكيف أنسى؟ كنت ارتعش من الخوف.
-صحيح. ولماذا يا حبيبتي؟
عانقها من جديد ليبدد مخاوفها ثم قال: منتديات ليلاس
-وعندما حضرت لاصطحابك الى المؤتمر ورأيتك شاحبة مريضة حزينة... عرفت انني السبب في كل ذلك. ولكنني في مساء ذلك اليوم شاهدت بأم عيني التغيير الذي طرأ عليك. لقد اختفت التعاسة من وجهك وحلت محلها السعادة العارمة مما أكد لي حبك. كان وجهك يفصح عن حبك للعالم بأكمله.
وفجأة أمسك بسلسلة متدلية من جيدها وقال بجدية:
-لين! وماذا بشأن كين؟ انه شاب لطيف. سيجرح حتماً....
-وماذا أفعل يا كريس؟
-عليك الاتصال به هاتفياً لابلاغه الحقيقة.

فداني الكون0 23-09-11 11:01 PM


كانا لا يزالان يتناجيان حين عاد الوالدان من سهرتهما. نظرت والدتها اليها نظرة متفحصة وقد رأتهما في وضع عاطفي دافئ. وعلقت راضية:
-حان وقت المصالحة. لم أكن لأحتمل تعاسة ابنتي اكثر يا كريس. انا سعيدة بعودتك.
نظرت الى زوجها وقالت:
-نورمان. يظهر ان اجراس العرس ستقرع في بيتنا.
تبادل الحاضرون التهاني والقبلات والتمنيات. ودعته والدتها ليمضي الليل عندهم فقبل دعوتها شاكراً مهللاً. وأخبرهم كريس بالعناء الذي لقيه وهو يفتش عن عنوانهم.
نظر كريس الى والدها وقال ساخراً:
-هل تعلم يا استاذ هيوليت ان ابنتك تكتب رسائل وقحة الى وزارة التربية وهيئة التفتيش العليا؟
ضحك والدها وقال:
-أنا اصدق كل شيء عنها يا كريس، فهي منذ صغرها مدللة وجريئة ومتهورة تفعل ما تريد.
-بحوزتي رسالة هجومية أرسلت الي... (رفع كريس وجهها وأجبرها على النظر اليه) موقعة باسم الآنسة ل. هيوليت. انها الآن مدفونة في شقتي بين أكداس أوراقي الخاصة.
-ولماذا أخذتها معك الى البيت يا كريس؟
-لا استطيع ان اترك رسالة كهذه في ملفات الوزارة في مكتبي. تعابيرها ملتهبة وكادت ان تحرقني. هل تعرفين يا لين انني خجلت من ان أطلع سكرتيرتي عليها؟
تمتمت وهي تخفي وجهها في صدره:
-انا آسفة جداً يا كريس.

فداني الكون0 23-09-11 11:02 PM


-لا عليك يا حبيبتي الغالية. لقد سامحتك على فعلتك تلك منذ فترة طويلة.
وربت على شعرها بحنان:
-والآن علي ان أكافئ صديقك الصحافي. فلولاه لم أكن لأستطيع ان احصل على عنوانك وأفوز بك واصبح محسوداً من قبل الآخرين.
قالت والدتها:
-وكيف ذلك يا كريس؟ هل سترسل له علبة سكائر فاخرة؟
-لا. لدي فكرة أفضل. ما رأيك يا لين بأن نسمح له ان يزف بشرى خطوبتنا للرأي العام؟ سأتصل اولاً بانحيلا واتأكد من انها وزوجها لا يمانعان في إعلان زواجهما. ثم نتصل بطوني أرنولد ونخبره بزواج المغنية الشهيرة انجيلا كاستللا وبخطوبة عازف البيانو الشهير ماركوس الدرمان- كريس يورك. سيعلن الأنباء السارة للوكالات المحلية والأجنبية والعالمية ويكسب بعض المال. ما رأيك؟
-عظيم. أوافقك الرأي يا حبيبي.
نادت السيدة هيوليت زوجها وقالت:
-نورمان. أعتقد أن موعد نومنا قد حان. طاب مساؤكما.
وعندما انفرد كريس بلين من جديد سحب الخاتم من اصبعه ووضعه في اصبع لين كعربون لخطوبتهما وقال:
-أنت الآن ملك لي. سيبقى خاتمي في اصبعك حتى أهديك خاتماً من الماس تضعينه مكانه يا حبيبتي الغالية. غداً نعود سوية الى ميلدنهد.
واخذا يصعدان السلالم وأيديهما متشابكة. نظر كريس اليها متحدياً:
-إياك ان تهربي مني مرة ثانية يا لين! لن أحتمل ذلك من جديد.
ثم همس لها بالأغنية التي استحوذت على تفكيره:
-لا تذهبي يا حبيبتي دون ان تخبريني...
تزوجيني بسرعة أرجوك.
عانقها من جديد وقبلها قبلة المساء وقال:
-اخبريني يا حبيبتي الغالية، يا آنسة هيوليت، هل لازلت تكرهين هيئة التفتيش في وزارة التربية؟
قالت بلطف ودلال: منتديات ليلاس
-يا حبيبي استاذ يورك... ربما كان لدي استثناء واحد.

فداني الكون0 23-09-11 11:05 PM

النهاية

قراء ممتعه

وانشاءالله تعجبكم الروايه

فتاة 86 23-09-11 11:28 PM

يعطيكي العافية حبيبتي
أكبد رح تعجبنة ما دام أناملك الرائعة
هي يلي قدمتها لنا

Rehana 24-09-11 05:36 PM

يعطيك العافية على نقل الرواية
بانتظار جديدك من يديك الحلوة
تحياتي لك

http://www.wondercliparts.com/thanks...raphics_13.gif

قطوهـ سعوديه 25-09-11 01:05 AM

تسلم ايدك على الرواية الحلوة:8_4_134:

ندى ندى 25-09-11 04:51 PM

روووووووووووووووووووووووعه

الجبل الاخضر 25-09-11 05:24 PM

:55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو:55::flowers2: تسلمين :55:اختيار مرررررررررررررررررررررره جنان :Welcome Pills4:وممتاز:flowers2: وشكراعلى مجهودك:friends: وننتظر جديدك:friends:

فداني الكون0 25-09-11 09:07 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتاة 86 (المشاركة 2880183)
يعطيكي العافية حبيبتي
أكبد رح تعجبنة ما دام أناملك الرائعة
هي يلي قدمتها لنا

الله يعافيج يا حياتي

تسلمين يا قلبي احرجتيني :uJl04657:

فداني الكون0 25-09-11 10:53 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Rehana (المشاركة 2880883)
يعطيك العافية على نقل الرواية
بانتظار جديدك من يديك الحلوة
تحياتي لك

http://www.wondercliparts.com/thanks...raphics_13.gif

الله يعافيج حبيبتي

تسلمين يا قلبي

ومشكوره علي مرورج

فداني الكون0 25-09-11 10:58 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قطوهـ سعوديه (المشاركة 2881673)
تسلم ايدك على الرواية الحلوة:8_4_134:

الله يسلمج يا قلبي

ومشكوره علي مرورج

فداني الكون0 26-09-11 01:04 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ندى ندى (المشاركة 2882013)
روووووووووووووووووووووووعه

يسلمو يا قلبي علي مرورج

فداني الكون0 26-09-11 01:17 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الجبل الاخضر (المشاركة 2882035)
:55:برافو :55:برافو :55:برافو :55:برافو:55::flowers2: تسلمين :55:اختيار مرررررررررررررررررررررره جنان :Welcome Pills4:وممتاز:flowers2: وشكراعلى مجهودك:friends: وننتظر جديدك:friends:

يسلمو يا قلبي

مشكوره علي ردودج الحلوه

نجلاء عبد الوهاب 15-10-11 10:51 PM

عجبيتنى كتير لانى معلمة مدرسة :55::congrats::congrats::congrats::congrats::congrats::congr ats::congrats:

عطر@المحبة 20-11-11 03:26 PM

حلوة كثير . . . يسلمو .

هتونا 12-07-22 04:36 PM

رد: 132 - كيف ينتهي الحلم - ليليان بيك - عبير القديمه ( كاملة )
 
حلوة احلا تحية واحلا شكر


الساعة الآن 05:23 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية